هل أتحمل خسارة شريكي؟!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/02/1427هـ
السؤال
جاءني أحد الأشخاص وقال لي: يوجد بيت تملكه امرأة، وقد استأذنت منها ونريد أن نقوم ببناء نادٍ رياضي، فقمت أنا بإخبار أحد الزملاء، وقلت له: أريد أن نتشارك في النادي، فأنت تقوم بدفع التكاليف المالية، وأنا أقوم بالتدريب وإدارة النادي.
وكلَّف ذلك النادي مبلغ أربعين ألف ريال، وبعدها بشهر جاء وكيل المرأة وطلب منا إخلاء الموقع خلال يوم واحد، وقد أخلينا الموقع بعد أن خسر زميلي (شريكي) مبلغ أربعين ألف ريال، وجاءني هذا الزميل (الشريك) وقال لي: تتحمل نصف التكاليف؛ لأنك معي. فهل أنا ملزم بدفع شيء من الخسائر، وهل الشخص الأول -الذي أخبرني بوجود البيت، وأنه استأذن صاحبته- هل عليه شيء من الخسائر؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن كان العمل قد تم بناء ًعلى إذن خاص لكما فهنا يكون ما تم بينكما هو قريب من شركة المضاربة، بحيث يكون رأس المال من شخص، والعمل من آخر، والربح بينهما على ما شرطاه، والخسارة تكون على صاحب المال فقط؛ لأن العامل قد خسر جهده وعمله ووقته، ففي هذه الحال يتحمل صاحبك الخسارة.
أما صاحب العقار فإن كان -هو أو وكيله- قد أذنا لكما بالعمل مدة محددة فليس لهما الرجوع قبل انتهائها، فإن رجعا فلكما المطالبة بقيمة الترميم وغيره، أما إن تركاها من غير تحديد فلا شيء عليهما لتفريطكما في تحديد المدة وعدم اشتراطكما شيئاً عليه.
أما ما يتعلق بالشخص الأول الذي أخبرك فإن كان الوكيل المذكور الذي أخبره بذلك وأذن له بالعمل له حق الإذن بذلك فلا شيء على صاحبك، أما إن لم يكن له الحق بل غرَّر بصاحبك وكذب عليه فله الرجوع عليه بالخسائر إن كان قد خسر شيئاً.
أما أنتما -فكما ذكرت آنفاً- إن كان قد أُذن لكما بالعمل ممن تظنون أنه يملك ذلك، ثم تبين كذبه فلكما الرجوع عليه، أما إن كان عملكما تم بناء على إخبار صديقك دون التحقق من صحة ذلك فليس لكما طريق على الوكيل ولا صاحب العقار لتفريطكما.
وأشير إلى أن الوكيل يقوم مقام موكله في كل ما وكله فيه، أما غيره فتصرفه موقوف على إجازة موكّله، وهنا تأتي أهمية كتابة العقود وتوثيقها بما يحفظ للجميع حقوقهم، أما التفريط والعمل فقط بمجرد الظن والقيل والقال فكثيراً ما تكون عواقبه سيئة، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/244)
الفرق بين الفاسد "و"الباطل"
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/11/1426هـ
السؤال
هل هناك فرق بين "الباطل" والفاسد"؟ أم أنهما مترادفان؟
وسمعت أن الحنفية لهم تفريق بين الباطل والفاسد فما هو؟ جزيتم خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالصحة والفساد حكمان من الأحكام الوضعية، وحقيقتهما:
أولاً: الصحة، وهي: موافقة الفعل ذي الوجهين لأمر الشارع، وهذا المعنى يتضح من خلال بيان معنى الصحة في العبادات والمعاملات كما يأتي:
الصحة في العبادات: ما وافق أمر الشارع، وأجزأ، وأسقط القضاء، كالصلاة إذا أداها العبد على هيئتها الشرعية كما أمر بها الشارع، فإنها تبرئ ذمة المصلي، وتسقط عنه القضاء.
الصحة في المعاملات: ترتب أحكامها المقصودة عليها، كالبيع المستجمع لأركانه وشروطه، فإنه تترتب عليه آثاره من انتقال ملك المبيع إلى المشتري والثمن إلى البائع.
ثانياً: الفساد: مخالفة الفعل ذي الوجهين لأمر الشارع، وهذا المعنى يتضح من خلال بيان معنى الفساد في العبادات والمعاملات كما يأتي:
الفساد في العبادات: ما لم يوافق أمر الشارع، ولم يجزئ، ولم يسقط القضاء، كالصلاة من غير طهارة، فإنها صلاة فاسدة غير مجزية، ولا تسقط القضاء؛ لأنها صلاة مخالفة لأمر الشارع، الذي أمر بالطهارة في الصلاة.
الفساد في المعاملات: عدم ترتب أحكامها المقصودة منها؛ لوجود خلل في الأركان أو الشروط، كبيع المكره، فإنه بيع غير صحيح، ولا تترتب عليه آثاره؛ لأن من شرط البيع أن يكون البائع راضياً.
والفاسد والباطل عند جمهور أهل العلم بمعنى واحد، أي هما لفظان مترادفان دالان على معنى واحد كما سبق ذكره.
أما الحنفية فذهبوا إلى أن الفاسد والباطل مترادفان في باب العبادات والنكاح. أمَّا في المعاملات فإنهما مختلفان، وقالوا:
الصحيح في المعاملات: ما كان مشروعاً بأصله ووصفه، كالبيع المستجمع للأركان والشروط.
الباطل: ما لم يكن مشروعاً بأصله ولا وصفه، كبيع الميتة؛ فإنه لا يمكن بيعها بوجهٍ شرعي.
الفاسد: ما كان مشروعاً بأصله غير مشروع بوصفه، كبيع الدرهم بالدرهمين، فإنه فاسد لوجود الفضل بين العوضين المتحدين في علة الربا، ولم يوصف هذا البيع بأنه باطل؛ لأنه يمكن تصحيحه بإزالة الفضل.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(16/245)
الإنكار في مسائل الخلاف
المجيب وليد بن علي الحسين
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/04/1427هـ
السؤال
ما حكم الإنكار في الأمور الخلافية خصوصاً في المسائل العصرية؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن كانت المسألة الخلافية قد ثبت فيها نص شرعي من الكتاب أو السنة، فإنه ينكر على المخالف فيها؛ لأن الواجب فيها اتباع النص الشرعي، وقد خالفه.
وإن كانت المسألة الخلافية لم يثبت فيها نص، وإنما هي محل اجتهاد بين العلماء، وقد أخذ كل مجتهد فيها برأي بناه على اجتهاد صحيح، ووقع خلاف بينهم، فهذه لا ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً لعالم فيها، وليس لأحد المجتهدين أن ينكر على من خالف رأيه فيها، لأنها مبنية على اجتهاد، وليس لأحد أن يجبر غيره على الأخذ باجتهاده، إذ إن الواجب على المجتهد أن يعمل باجتهاده في المسائل الاجتهادية.
وأما العامي الذي لا يعرف الأدلة، فإن الواجب عليه في المسألة الاجتهادية أن يقلد من يثق بدينه وعلمه وورعه، لا أن يختار من الأقوال ويبني اختياره على التشهي، كما أن كل واحد من المجتهدين لا يجزم بصحة اجتهاده وبطلان اجتهاد غيره، وقد وقع اختلاف بين الصحابة في بعض المسائل الاجتهادية ولم ينكر بعضهم على بعض.
ومن أمثلة هذه المسائل: الاختلاف في وجوب زكاة الحلي المستعمل، فقد اختلف الفقهاء فيها، بين من يوجب الزكاة فيها، وبين من لا يوجب الزكاة فيها، وليس للقائل بأحد القولين أن ينكر على الآخر، وكالاختلاف في جواز المساهمة في الشركات المختلطة التي اختلف الفقهاء المعاصرون فيها على قولين بين مجيز ومحرم للمساهمة فيها، وقد بنى أصحاب كل قول قولهم على دليل.
وعلى هذا التقسيم يُبنى الاختلاف في المسائل العصرية.
وقد فصل ابن تيمية حكم الإنكار في مسائل الاختلاف فقال: "وقولهم مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل. أمّا الأول فإذا كان القول يخالف سنةً أو إجماعاً قديماً وجب إنكاره وفاقاً، وإن لم يكن كذلك فإنه يُنكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول: المصيب واحد. وهم عامة السلف والفقهاء، وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضاً بحسب درجات الإنكار ... وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ، فلا ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً، وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس، والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ له إذا عدم ذلك فيها الاجتهاد، لتعارض الأدلة المتقاربة أو لخفاء فيها" [الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6/92) ] .(16/246)
استئذان الزوج في الإنفاق
المجيب د. تركي بن فهد الغميز
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/11/1426هـ
السؤال
سؤالي عن حديث رواه أبو داود والنسائي وأحمد، وفيه أن المرأة لا يمكنها أن تقدم هدية إلا بموافقة زوجها. أرجو شرح هذا الحديث، وبيان هل يجب عليها الحصول على موافقة زوجها عن كل تصدق تدفعه، سواء أكان المال من مالها أو من مال زوجها؟ فمن المعروف وجود أحاديث تحض المرأة على التصدق، وأرغب في معرفة طريقة ذلك.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فحديثك المشار إليه هو ما أخرجه أبو داود (3546) ، والنسائي (3756) ، وابن ماجه (2388) ، وأحمد (7058) ، وغيرهم من طرق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها" لفظ أبي داود وإسناده عندهم حسن، وله إسناد آخر غير متصل في مسند أحمد وغيره.
ثم ليعلم أن ما تنفقه المرأة المتزوجة وتدفعه لغيرها سواء كان هدية أو صدقة أو غير ذلك مما ليس بواجب عليها، على قسمين:
الأول: ما كان من مالها الخاص، وجمهور أهل العلم على أنه يجوز لها أن تنفق من ذلك دون إذن زوجها، ما دامت رشيدة حسنة التصرف.
وأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة، فمنهم من حمله عن معنى حسن العشرة وإطابة نفس الزوج، يعني أنه يستحب لها أن تستأذنه ولا يجب، ومنهم من تكلم في إسناد الحديث، ومنهم من صححه، ولكن قدم عليه النصوص الدالة على الجواز. والله أعلم.
الثاني: نفقة المرأة من بيت زوجها، ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئاً" البخاري (1425) ، ومسلم (1024) .
وفي الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فلها نصف أجره" البخاري (2066) ، ومسلم (1026) .
فهذان الحديثان يدلان على فضيلة تصدق المرأة من بيت زوجها، ولكن ذلك مشروط بأن لا يكون على جهة إفساد، ومن السلف من حمل ذلك على الشيء اليسير، أو ما حصل فيه إذن الزوج ولو بطريق الإجمال، يعني ليس فيه إذن صريح منه، ولكن تعلم أنه لا يمانع من ذلك، أما أن تذهب المرأة وتنفق قوت بيتها وتترك زوجها وأولادها فلا شك في منعه.
وينظر في هاتين المسألتين كتاب (جامع أحكام النساء) تأليف مصطفى العدوي، المجلد الثاني، ففيه جملة فوائد منها النصوص الواردة في ذلك المرفوعة والموقوفة، ومنها أقوال أهل العلم في ذلك. والله أعلم.(16/247)
الخروج عن المذهب السائد
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/12/1426هـ
السؤال
أنا حنفي، فهل أنا خارج عن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وما قولكم فيمن يطعن في صلاتنا ويبطلها؟ وما قولكم في ثلة خرجوا عن المذهب بحجة أنهم وجدوا الحقيقة وعرفوا المنهج الصحيح، وأننا خارجون عن المنهج الصحيح، مع العلم أنه لا يوجد فيهم أحد وصل إلى مرحلة علمية مقبولة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فبالنسبة لمذهب أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- هو أحد المذاهب المعتبرة السنية الفقهية، فإن كان إنكاره عليكم في مسائل الاعتقاد، فأبو حنيفة -رحمه الله تعالى- قد وافق في اعتقاده اعتقاد أهل السنة والجماعة، ولا أدل على ذلك من كتابه (الفقه الأكبر) ، وما روي عنه في مصنفات الأئمة من كتب الاعتقاد المسندة.
وعلى هذا سار أتباعه من الأحناف -رحمهم الله- إلا ما حدث من متأخريهم من الخلط في بعض مسائل الاعتقاد.
ولعل مقصود السائل هو وقوع الإنكار عليه في مسائل الفقه لا الاعتقاد، وهنا لابد أن تُعلم عدة مسائل أوضحها لك بإيجاز:
المسألة الأولى: أنه لا يجب على المؤمن لزوم شيء من مذاهب أهل العلم، وإنما عليه اتباع الدليل الشرعي.
وعلى العامي الذي لا يستطيع النظر في الأدلة أن يسأل أهل العلم -ممن يثق في دينه وأمانته-، كما قال تعالى: "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعملون" [النحل:43] .
وقال تعالى: "وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعملون" [الأنبياء:7] .
فإنه من المعلوم أن أئمة المذاهب الأربعة المتبعة اليوم كلهم أئمة هدى، وما نراه من اختلاف بينهم في بعض المسائل يرجع إلى ما ترجح لكل واحد منهم من أدلة.
وأسباب الخلاف بين أهل العلم معروفة لأهل الشأن.
فالله لم يكلفنا فوق طاقتنا، وإنما أمرنا تبارك وتعالى بسؤال أهل الذكر والعلم، إن كنا لا نعلم.
ومن هنا نقول إن الناس على قسمين: قسم له القدرة على معرفة الدليل واستنباط الأحكام، فهؤلاء عليهم أن يتبعوا الدليل ولا يتقيدوا بما يخالفه، وقسم ليست لهم أهلية لمعرفة الأدلة الشرعية، فهؤلاء لا حرج عليهم في اتباع مذهب معين، بحيث يكون العالم والإمام واسطة في الاتباع، لا مقصوداً أصلاً بالتقليد والتعصب.
المسألة الثانية: قد يكون هذا الذي أنكر عليكم قد وجد الحجة في غير المذهب، وهذا واقع؛ فـ"الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها". وهذا له الخروج من المذهب، بل يتعين عليه اتباع الحق إذا عرفه.
المسألة الثالثة: لا ينبغي التعنيف والتشديد في الخلاف الفقهي -السائغ فيه الاجتهاد- فكل يؤخذ من قوله ويرد، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والذي قام بالإنكار عليكم، قد يكون وقع له شيء من التعصب، حيثُ وصفكم بالخروج عن المنهج الصحيح، ونحو ذلك من العبارات التي لم تكن في محلها وموضعها.(16/248)
فالخلاف الذي ينشأ بين المذاهب الفقهية لا يوجب تباغضاً أوتنافراً، فكل يعمل بما يدين الله به، ويتحرى معرفة الصواب واتباع الدليل. وقد قال تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" [آل عمران:103] ، وقال تعالى: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" [الأنفال:46] .
المسألة الرابعة: أن يُعلم أن المجتهد قد يصدر منه خطأ، قال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-: (ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتعزب عنه) ، وقال: (أجمع الناس على أنه من استبانت له سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن له أن يدعها لقول أحد) ، وقال: (إذا صح الحديث فهو مذهبي) ، وقال: (كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد مماتي) .
ومثل هذا الكلام عند جميع الأئمة.
وأوصيكم في الختام: بالتعاون والتناصح، وعدم فعل ما يوجب التنافر والتباغض.
فالأخوة الدينية أصل عظيم لا يتهاون به، قال تعالى: "وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم". [الأنفال:63] .
ونسأل الله التوفيق والسداد، وصلاح الأقوال والأعمال.(16/249)
مفهوم الجهاد
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/11/1426هـ
السؤال
أنا طالب أدرس في إحدى دول أوربا الشرقية، وأناكثير الاختلاط بالأجانب من جنسيات مختلفة بحكم دراستي الجامعية ومعارفي وأصدقائي، ودائماً أسأل: ما هو الجهاد؟ في الحقيقة أنا لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال، والأصعب عندما يسألوني عن الذي يحصل من تفجيرات، والذي يحصل في فلسطين، فهم يرون أن اليهود مظلومون إذا قتل المدني منهم، مع أن الحقيقة ليس منهم مدني، لا أدري ماذا أقول، هل أدافع أو أهاجم أو أكون في موضع حيادي؟ ولكن السؤال: كيف أشرح الجهاد بمعناه لغير المسلمين في صورة مبسطة بعيداً عن التعقيد؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالإسلام دين الله للناس جميعاً، ومحمد صلى الله عليه وسلم رسوله للناس جميعاً، والقرآن كتابة للناس جميعاً، لا تختص به أمة دون أمة، ولا أرض دون أرض، ولا حقبة من التاريخ دون أخرى. والدعوة إليه مهمة الأمة المسلمة، مهما كان عرقها، أو لغتها، أو موقعها. والأصل في دعوة الناس البلاغ المبين؛ بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن. فإن حال دون هذا الهدف حائل مادي، لزم السعي لإزالته، وتمكين الناس من سماع الحق والتزامه، بحيث يكون الدين كله لله، وهذا السعي هو الجهاد. تارةً يكون بالحجة والبيان، وتارةً يكون بالسيف والسنان؛ بحسب اختلاف أحوال الأمة، قوةً، وضعفاً، وبحسب اختلاف الطرف المقابل قبولاً ورفضاً. وهذا ما يفسر تنوع آيات الجهاد في القرآن، بحيث تفهم الآية في سياق مرحلة معينة.
ويأتي دور الفقهاء، والخبراء، في تنزيل التشريع المناسب على المرحلة المناسبة، وهو ما يعرف بالسياسة الشرعية، وتبقى مهمة الأمة الإسلامية ثابتةً لا تتغير: "ولتكن منكم أمةً يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" [آل عمران: 104] ، "كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" [آل عمران:110] .
وليس كل ما ينسب إلى الجهاد يكون جهاداً شرعيًّا؛ فالتفجيرات التي تستهدف المدنيين العاديين -في دول تربطهم بالمسلمين معاهدات- خطأ لا يقره الشرع، بل هو تصرف يمثل مرتكبيه فقط. أما ما يقع في فلسطين فهو جهاد حقيقي لدفع عدو غاصب احتل بلاد المسلمين وأخرج منها أهلها بغير حق وسامهم سوء العذاب، ويجب أن توضح هذه الحقيقة للعالم المضلل بالتأثير الإعلامي اليهودي، ويبين الفرق بين الصورتين.
وأما بالنسبة لك، شخصيًّا، فيجب أن تكون معتزًّا بدينك، غير معتذر أو مستحٍ من شيء من شرائعه، كيف! وقد قال الله تعالى: "أفغير دين الله يبغون" [آل عمران:83] ، وقال: "ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون" [المائدة:50] . ومن دواعي العزة الحقيقية أن تتفقه في الدين، وتسأل أهل الذكر عما قد يشكل عليك، وتتخذ موقف المبادرة في الكشف عن سوءات الحضارة الغربية التي أزهقت من الأرواح، ولا تزال، ما لم يعرف التاريخ له مثيلاً، وتبين أن الإسلام رحمة للعالمين، وتخليص لهم من أَسْر الظالمين المستبدين، ونعمة في كنف أرحم الراحمين. والله أعلم.(16/250)
إفتاء العالم بما يخالف الفتوى السائدة
المجيب د. سعيد بن متعب القحطاني
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 08/05/1427هـ
السؤال
إذا خالف المجتهد أو العالم من هو أعلم منه، أو انفرد بفتوى خالف فيها أكثر العلماء المعاصرين والمتقدمين! فهل يجوز له إعلان فتواه للعامة أرجو الإفادة المفصلة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا خالف المجتهد، أو العالم، من هو أعلم منه، أو انفرد بفتوى خالف فيها أكثر العلماء فلا يخلو حال تلك الفتوى من أحد أمرين:
الأول: أن يكون ذلك القول أو تلك الفتوى مخالفة لما هو مقطوع به في الشريعة، أو يكون المفتي ماجناً أو مشهوراً بالتساهل والتوسع في الرخص، أو يقول بالقول لهوى في النفس ليرضي غيره، أو ليحمد من الناس وينال الغلبة على أقرانه عند الحكام ونحو ذلك؛ فهذا ينبغي الإنكار عليه ومنعه، وقد نص فقهاء الأحناف على الحجر على المفتي الماجن لأنه يفسد دين الناس، ومن عرف بذلك لم يجز أن يستفتى، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون إلا بعد أن يبين له الخطأ ووجهه بالأدلة الشرعية التي يجب قبولها؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس لأحد أن يحكم على عالم بإجماع المسلمين بل يبين له أنه قد أخطأ، فإن بين له بالأدلة الشرعية التى يجب قبولها أنه قد أخطأ وظهر خطؤه للناس، ولم يرجع بل أصر على إظهار ما يخالف الكتاب والسنة والدعاء إلى ذلك، وجب أن يمنع من ذلك، ويعاقب إن لم يمتنع، وأما إذا لم يبين له ذلك بالأدلة الشرعية لم تجز عقوبته باتفاق المسلمين، ولا منعه من ذلك القول، ولا الحكم عليه بأنه لا يقوله، إذا كان يقول إن هذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة، كما قاله فلان وفلان من علماء المسلمين، فهذا إذا اجتهد فأخطأ لم يحكم عليه إلا بالكتاب والسنة والمنازع له يتكلم بلا علم". مجموع الفتاوى (35/382) .(16/251)
الثاني: أن يكون ما قاله ذلك العالم أو قضى به القاضي وفق النصوص الشرعية، فلا يجوز منعه، وإن خرج عن أقوال الأئمة الأربعة؛ فإن أقوال الأئمة كالفقهاء الأربعة وغيرهم ليست حجة لازمة، ولا إجماعاً باتفاق المسلمين؛ بل قد ثبت عنهم أنهم نهوا الناس عن تقليدهم وأمروهم إذا رأوا قولاً في الكتاب والسنة أقوى من قولهم أن يأخذوا بما يدل عليه الكتاب والسنة ويدعوا أقوالهم؛ وغيرهم أولى بترك قوله إذا جانبه الدليل، لأن الأئمة الأربعة قد حازوا مرتبة الاجتهاد المطلق، ومع ذلك ساغت مخالفتهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن المفتي يخرج عن أقوال الأئمة الأربعة: "ولو قضى أو أفتى بقول سائغ يخرج عن أقوال الأئمة الأربعة في مسائل الأيمان والطلاق وغيرهما مما ثبت فيه النزاع بين علماء المسلمين ولم يخالف كتابا ولا سنة ولا معنى ذلك، بل كان القاضي به والمفتي به يستدل عليه بالأدلة الشرعية كالاستدلال بالكتاب والسنة، فإن هذا يسوغ له أن يحكم به ويفتي به، ولا يجوز باتفاق الأئمة الأربعة نقض حكمه ولا منعه من الحكم به ولا من الفتيا به ولا منع أحد من تقليده، ومن قال: إنه يسوغ المنع من ذلك فقد خالف إجماع الأئمة الأربعة بل خالف إجماع المسلمين مع مخالفته لله ورسوله فإن الله تعالى يقول في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] ، فأمر الله المؤمنين بالرد فيما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، وهو الرد إلى الكتاب والسنة، فمن قال: إنه ليس لأحد أن يرد ما تنازعوا فيه إلى الكتاب والسنة؛ بل على المسلمين اتباع قولنا دون القول الآخر من غير أن يقيم دليلا شرعيا كالاستدلال بالكتاب والسنة على صحة قوله فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع المسلمين وتجب استتابة مثل هذا وعقوبته كما يعاقب أمثاله" [مجموع الفتاوى (33/133-134) ] .(16/252)
الزينة في الحجاب
المجيب د. نذير بن محمد أوهاب
باحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 180/02/1427هـ
السؤال
أقوم بنصح بعض الأخوات بالحجاب، فهن يلبسنه ولكن فيه زينة وضيق بعض الشيء، ولكن لا يعجبهن كلامي، فمنهن من تجادل ومنهن من تغضب، ويقلن بأنهن يلبسن للسوق حجاباً وللمناسبات حجاباً، وأقول لهن: إن الحجاب فرض لتغطية الزينة، فكيف يكون فيه زينه! أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فيقول الله تعالى: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون" [النور:31] .
ويقول تعالى: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيما" [الأحزاب:59] .
وقوله: (من جلابيبهن) : الجلابيب جمع جلباب، وهو الثوب الذي يستر جميع البدن، وفي صحيح البخاري (351) ، وصحيح مسلم (890) عن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: "لتلبسها أختها من جلبابها".
فأمر الله -سبحانه- جميع النساء بالستر، وذلك لا يكون إلا بما لا يصف جلدها، ولا حجم عضوها وشكله، إلا إذا كانت مع زوجها، فلها أن تلبس ما شاءت؛ لأن له أن يستمتع بها كيف شاء، وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه وصف أهل النار، وذكر منهم: "نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها" صحيح مسلم (2128) . وذكر أبو هريرة -رضي الله عنه- رقة الثياب للنساء، فقال: الكاسيات العاريات الناعمات الشقيات.
وقال عمر -رضي الله عنه-: ما يمنع المرأة المسلمة إذا كانت لها حاجة أن تخرج في أطمارها أو أطمار جارتها مستخفية لا يعلم بها أحد حتى ترجع إلى بيتها.
فالحجاب الذي أمر الله النساء بلبسه في خروجهن، هو الذي وصفته الآيات الكريمات السابقات، وما فسرها به النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام، وملخص ذلك كون الحجاب ساتراً للمرأة، لا زينة فيه.
أما بين النساء المؤمنات، فلا يحرم على المرأة أن تلبس من الثياب ما فيه زينة، لكن يشترط في لباسها فقط أن يكون ساتراً لجسمها، لا تكشف عما حرم الله أن تكشفه لبنات جنسها، غير شافٍّ لمواضع الفتنة منه، غير مفصل لأعضائها، قال تعالى: "لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا" [الأحزاب:5] . قال المفسرون: ولا جناح عليهن أيضاً في أن لا يحتجبن من نساء المؤمنين.(16/253)
ذكر الطبري -رحمه الله- عن ابن زيد قال: (إنما هذا كله في الزينة، قال: ولا يجوز للمرأة أن تنظر إلى شيء من عورة المرأة) ، والمعنى في ذلك أن كل هؤلاء محارم للمرأة، يجوز لها أن تظهر عليهم بزينتها، ولكن من غير تبرج، فالزينة التي تبديها لهؤلاء؛ قرطاها وقلادتها وسوارها، وكل ما يظهر من زينتها، وأما خصرها وجيدها، وكتفاها، ونحوها مما اعتادت النساء كشفه في الحفلات والمناسبات، فإنه لا يجوز لها أن تبديه إلا لزوجها، وهذا مذهب ابن مسعود ومجاهد وعطاء والشعبي، وغيرهم -رضي الله عنهم جميعاً-.
وفي الأخير أسأل الله الكريم أن يثيبك على هذا الجهد ويسددك، ويزيدك حرصاً في معرفة الحق كلما التبس عليك، واصبري على أذى أخواتك ولا تستعجلي عليهن، فإنما عليك البلاغ، والله مقلب القلوب يقلبها كيف شاء ومتى شاء، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، وصلى الله على سيدنا محمد.(16/254)
نبشوا القبور وأقاموا مكانها مسجداً
المجيب عبد العزيز بن أحمد الدريهم
رئيس كتابة العدل بمحافظة المزاحمية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/01/1427هـ
السؤال
منذ ثلاثين سنة قام بعض الأهالي بإزالة عدد من القبور، ثم بنوا مكانها مسجداً، فهل يجوز هذا العمل؟ وهل تجوز الصلاة في هذا المسجد؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا يجوز نبش القبور لإقامة بناء مكانها سواء كان مسجداً أو غيره؛ لأن هذا المكان حق لهؤلاء الأموات، وحرمة الميت كحرمة الحي، إلا إذا صدرت موافقة جهة الإفتاء أو الجهة المسؤولة عن صيانة القبور إذا تبين لها أن هناك مصلحة عامة يتعين بها تحويل القبور إلى مكان آخر، وإلا فلا يجوز التعدي عليها.
أما الصلاة في هذا المسجد المقام على المكان الخاص بالقبور، فإن كان هذا المسجد أقيم في مكان موقوف على المقابر، أو مكان معلوم أنه خصَّص لقبور الميتين، ولم يصدر إذن بتحويل القبور فإني أرى عدم جواز الصلاة في هذا المسجد؛ لأنه أصبح مغصوباً. وبالله التوفيق.(16/255)
كيف الجمع بين هذين النصَّين
المجيب د. تركي بن فهد الغميز
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/02/1427هـ
السؤال
كيف يمكن الجمع بين قوله تعالى: "كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا"، وبين الأحاديث الواردة في أن المرء يحرم الرزق بالذنب يصيبه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأول شيء يجب بيانه هنا معنى الآية، قال ابن: -رحمه الله- كثير في تفسيره (5/62) في تفسير قوله تعالى: "وما كان عطاء ربك محظورا" [الإسراء:20] أي ممنوعاً، أي لا يمنعه ولا يرده راد، قال قتادة: "وما كان عطاء ربك محظوراً" أي منقوصًا ا. هـ ثم ذكر ابن كثير من قال بالأول.
والمعنيان هنا غير مختلفين، فعطاء الله غير ممنوع ولا منقوص، يعني لا يستطيع أحد أن يمنعه ولا أن ينقصه.
إذا تبين هذا فإنه لا يعارض منع الرزق بالذنب يصيبه العبد؛ لأن الذي يمنع الرزق هنا هو الله -سبحانه وتعالى- وليس سواه.
ثم إن الله -سبحانه- إذا شاء جعل الذنب يمنع به تقدير الرزق لعبده، هذا إن صح أن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه فهو هنا غير مشكل، ولكن الحديث الوارد في ذلك غير ثابت، وقد أخرجه الإمام أحمد في مسنده (22386) فينظر تخريجه هناك، وكلام المحققين في بيان ضعفه.
ولكن ابن القيم ذكر في كتابه النافع "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" (ص98) من آثار المعاصي القبيحة: حرمان الرزق بالذنب يصيبه العبد، واستدل بالحديث المذكور. والله أعلم.(16/256)
عجزت عن الوفاء بالنذر!
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/04/1427هـ
السؤال
زوجتي نذرت إن صار حمل أن تصوم شهرين أثناء الحمل وشهرًا بعد الولادة، والحمد لله صار حمل، وصامت شهرًا و28 يومًا وولدت، وبعد الولادة صامت اليومين، ولكن عندها ضعف ونفسيتها مكتئبة، وبعد أربعة أشهر من الولادة أكرمنا الله بحمل ثان، فلا تستطيع الصيام، فهل عليها شيء إن أخرت ما تبقى من الصيام إلى ما بعد الولادة الثانية؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالوفاء بالنذر واجب، وقد مدح الله عباده الأبرار بأنهم يوفون بالنذر، وإذا نذر الإنسان نذراً في وقت محدد وجب عليه أن يفي به في وقته، أما إذا كان وقته متسعاً فإنه يفي به متى ما استطاع، وكلما بادر بأدائه كان خيراً له وأقرب إلى مرضاة الله، ونذر زوجتك أن تصوم شهراً بعد الولادة لا يتحدد بوقت معيّن، إذ كل الأوقات بعد الوضع يصدق عليها أنها بعد الولادة، وعليه فإنّه لا حرج عليها في تأخير صوم الشهر الباقي حتى تضع.
والأفضل في حق المسلم اجتناب النذر؛ لأنه ربما أوقعه في حرج -مع أنه قربة لله- فإن وجد من نفسه نشاطاً أو قدرة على فعل الطاعات فليفعل ما يطيق وإذا عجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على كراهية النذر حيث قال عنه: "إنما يستخرج به -أي بالنذر- من البخيل" صحيح البخاري (6608) ، وصحيح مسلم (1639) وبالله التوفيق.(16/257)
القلق يمنعني من أداء الحج
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/11/1426هـ
السؤال
هل يعتبر القلق والتوتر النفسي من الأعذار التي تمنعني من أداء فريضة الحج، فأنا أعصابي ضعيفة، فهل علي إثم وأنا أتمنى أن أقوم بالحج؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فتقدير المرض النفسي وتأثيره في ترك الحج يعود إلى الطبيب المعالج، فإذا بلغ المرض مبلغاً لا يتحمل المريض الزحام واختلاط الناس، فإن هذا عذر يبيح له ترك الحج، وعليه أن ينيب من يحج عنه، وإن كان نوعاً محتملاً ومتغيراً يخف عنه أحياناً فعليه أن يجتهد ويحج.
فالمعول عليه هو رأي الطبيب فيستشيره، فإن رأى أنه قادر على الحج متحمل لما فيه ازدحام واختلاط فعليه أن يحج، وإذا رأى أن حالته لا تمنعه من أداء الحج، فإن الحج لا يسقط عنه، والله أعلم.(16/258)
تفسير قوله تعالى على لسان عيسى [فلما توفيتني]
المجيب د. أحمد بن محمد الدغشي
عضو هيئة التدريس بجامعة صنعاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/02/1427هـ
السؤال
ما المقصود بكلمة الوفاة التي وردت في سورة الزمر آية رقم (42) ؟ وما المقصود بها في سورة المائدة آية (117) ؟ وإذا كان معناها الرفع في آية سورة المائدة فقد أتت الوفاة والرفع معا في إحدى سور القرآن، فهل هناك فرق بين الموت والوفاة؟ أرجو التوضيح والإفادة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالمقصود بآية سورة الزمر في شقها الأول: (الله يتوفى الأنفس حين موتها) الوفاة الحقيقية الكبرى، بخلاف الوفاة الصغرى، وهي التي تحدث عند المنام لتشابه الحالتين من بعض الوجوه: (والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى) .
أما في سورة المائدة فهي -والله أعلم- تقص ما سيحدث يوم القيامة في مخاطبة الله -تعالى- لعيسى -عليه السلام- ردًّا على الذين يكذبون عليه بأنه أمرهم بعبادته- وقوله على لسان عيسى: (فلما توفيتني) أي قبضتني إليك بالرفع إلى السماء، وأنت قد رأيت في الآية السابقة (الزمر) أن الوفاة تأتي بمعنيين. أما الموت فيظهر -والله أعلم- أن ليس له هذا المعنى، أسأل الله لنا ولك حسن التدبر.(16/259)
هل يستحقون الزكاة؟
المجيب سليمان بن صالح الراشد
مدير أعمال لجنة الشؤون الإسلامية بالشورى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 06/01/1427هـ
السؤال
عائلة متوسطة الحال تريد السفر لزيارة أهليهم في الطائف، ومن ثَمَّ النزول إلى مكة لأداء العمرة، وليس لديها ما يكفيها لهذه الرحلة. فما حكم إعطائهم من الزكاة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمصارف الزكاة محددة في قول الله تعالى: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل" [التوبة:60] .
فإذا لم تكن هذه العائلة من أحد الأصناف المذكورة في الآية فلا يجوز دفع الزكاة لهم.
لكن لا بأس بإعطائهم مبلغاً من المال لإعانتهم على سفرهم، لا من باب الزكاة، ولكن من باب الإحسان إليهم والتودد لهم. والله أعلم.(16/260)
الحجاب عن الحنفية!
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/04/1427هـ
السؤال
ما رأي المذهب الحنفي في مسألة الحجاب؟ فكثيراً ما نسمع بأن المذهب الحنفي يحدد حجاب المرأة بتغطية الرأس والشعر دون الوجه، بعكس المذهب الحنبلي، فهل هذا صحيح؟
الجواب
الحمد الله والصلاة السلام على رسول الله، وبعد:
فالأصل في المذهب الحنفي أنه يجوز للمرأة كشف وجهها وكفيها عند أمن الفتنة، لكن المتأخرين منهم منعوا ذلك، لا لأنهما عورة ولكن لانتشار الفساد وغلبة الظن بحصول الفتنة، فضلاً عن تحققها، وهذه بعض نصوصهم في ذلك:
1- روى الحسن عن أبي حنيفة: أنه يحل النظر إلى مواضع الزينة منها من غير شهوة، وأما عن شهوة فلا، لقوله صلى الله عليه وسلم: "العينان تزنيان" رواه أحمد. وليس زنى العين إلا النظر عن شهوة، والأفضل للشاب غض البصر عن وجه الأجنبية، وكذا الشابة، لما فيه من خوف حدوث الشهوة، والوقوع في الفتنة، ويؤيده المروي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: في قوله تعالى: "إلا ما ظهر منها" [النور:31] : أنه الرداء والثياب، فكان غض البصر وترك النظر أزكى وأطهر" (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 5/123) .
2- وقال شمس الدين السرخسي: " ... فدل أنه لا يباح النظر إلى شيء من بدنها ولأن حرمة النظر لخوف الفتنة وعامة محاسنها في وجهها، فخوف الفتنة في النظر إلى وجهها أكثر منه إلى سائر الأعضاء" (المبسوط 10/152-153) .
3- وقال الجصاص في تفسير قوله تعالى: "يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ" [الأحزاب:59] : "في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها من الأجنبي، وإظهار التستر والعفاف عند الخروج لئلا يطمع أهل الريب فيهن" (أحكام القرآن 3/458) .
4- وجاء في الدر المختار: "يُعَزِّر المولى عبده، والزوج زوجته على تركها الزينة، ... أو كلمته ليسمعها أجنبي، أو كشفت وجهها لغير محرم" (هامش رد المحتار 3/261) .
5- وقال الطحاوي: "تمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين رجال لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة كمسه وإن أمن الشهوة لأنه أغلظ" (رد المحتار على الدر المختار 1/272) .
6- وقال ابن عابدين عن صاحب المحيط قوله: " ... دلت المسألة على أن المرأة منهية عن إظهار وجهها للأجانب بلا ضرورة، لأنها منهية عن تغطيته لحق النسك لولا ذلك وإلا لم يكن لهذا الإرخاء فائدة" (رد المحتار على الدر المختار 2/189) .
وأذكر لك قول المذاهب في ذلك لترى أن الراجح من الأقوال هو التغطية: فالمذهب المالكي المشهور عنه وجوب ستر الوجه والكفين عند وجود الفتنة، وأما الأجنبي الكافر فجميع جسدها حتى وجهها وكفيها عورة بالنسبة له.
وأما المذهب الشافعي فالراجح في مذهبهم التحريم لكشف الوجه والكفين.
وأما المذهب الحنبلي فالواجب عندهم التغطية.
وإذا أردت الرجوع إلى أكثر من ذلك فراجع كتاب "أدلة الحجاب" للدكتور محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم.
وفقنا الله لهداه، وجنبنا وإياك مساخطه وأليم عقابه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/261)
الاستنساخ هل يعيد معجزة عيسى؟!
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/03/1427هـ
السؤال
كيف نوفق بين الاستنساخ -لو ثبت عمليًّا في الواقع، وكونه طريقة لحصول الإنجاب بدون التزاوج بين الذكر والأنثى-، وبين القول بمعجزة ولادة عيسى -عليه السلام- لكونه ولد بلا أب؟ ومعلوم أن المعجزة مما تختص بالنبي دون أن يشاركه أحد من الخلق.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمعجزة عيسى -عليه السلام- في ولادته بدون أب، وكل معجزات الأنبياء -عليهم السلام- ستظل معجزات أبد الدهر، لا يمكن للبشر أن يصلوا إلى مثلها بالطريقة التي حصلت بها، والولادة التي هي نتيجة التلقيح ليست من المعجزات، حتى ولو عن طريق الاستنساخ؛ لأنها نتيجة لاجتماع خلايا ذكرية، وأنثوية.
أما عيسى عليه السلام فلم يحصل فيه ذلك، أي اجتماع هذين النوعين من الخلايا، وإنما حصل بأمر الله، وهذا هو الأمر المعجز الذي لا يمكن تكراره بالأسلوب نفسه من البشر، وأعجب منه خلق آدم عليه السلام، فإنه خلق من غير أب ولا أم، وهذا ما ذكره الله في كتابه الكريم: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ" [آل عمران:59] .
والتلقيح بين الذكر والأنثى، أو بواسطة الخليّة في الاستنساخ، ما هو إلا سبب لا يترتب عليه حصول الإنجاب ما لم يقدّر الله حصوله، وعلى ذلك فمرد الأمر كله لله إن شاء خلق من غير أب ولا أم كما في آدم، أو من أم بدون أب كما في عيسى، أو من أبوين كما في بقية البشر، ولكن المعجزات أمور لا يستطيعها البشر بحال من الأحوال. وبالله التوفيق.(16/262)
المراد بعلم تخريج الفروع على الأصول
المجيب د. محمد بن حسين الجيزاني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/01/1427هـ
السؤال
ما هو علم تخريج الفروع على الأصول، وماذا يقصد به، وما هي أهم كتبه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن علم أصول الفقه من العلوم الشرعية المهمة، والعلم به شرط في الاجتهاد، وبهذا العلم تحصل القدرة على الاستنباط، أعني استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة.
وبهذا تتبين لنا أهمية علم أصول الفقه؛ حيث تبنى عليه الأحكام والفروع الفقهية، لكن لما كانت معظم الكتب الأصولية قد صنفت بطريقة مجردة، أعني أنها تذكر القواعد الأصولية وتقررها بأسلوب علمي محض دون استكثار للأمثلة والفروع المبنية على هذه القواعد.
أقول: لما كانت كتب أصول الفقه يغلب عليها: تجريد القواعد الأصولية عن فروعها الفقهية جاءت الحاجة ماسة إلى علم تخريج الفروع على الأصول ويسمى أيضاً ببناء الفروع على الأصول أو بأثر القواعد الأصولية على الفروع الفقهية وذلك من أجل سد الفراغ الحاصل بسبب تجريد القواعد الأصولية عن فروعها الفقهية ومن هنا فإن من صنف في أصول الفقه على طريقة الفقهاء الحنفية وهي التي تربط القواعد الأصولية بفروعها الفقهية، من صنف على هذه الطريقة لا حاجة له إلى تخريج الفروع على الأصول لأنه حاصل عندهم. بخلاف طريقة المتكلمين التي تجرد القاعدة الأصولية عن فروعها الفقهية وهي التي سلكها المالكية والشافعية والحنابلة.
وأهم الكتب في علم تخريج الفروع على الأصول كتاب تخريج الفروع على الأصول للزنجاني الشافعي، والتمهيد في بناء الفروع على الأصول للأسنوي والقواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام الحنبلي، ومفتاح الوصول للتلمساني المالكي وهو أحسنها، وللمعاصرين جهود مشكورة من أحسنها كتاب تخريج الفروع على الأصول لعثمان شوشان ولا يزال هذا العلم -بالرغم من أهميته والحاجة إليه- بحاجة إلى نوعين من الدراسة: دراسة تأصيلية ودراسة تطبيقية تجمع شتاته وهي أجدر وأجدى. والله الموفق.(16/263)
الفرق بين الطلاق الرجعي والبينونة الصغرى
المجيب عاصم بن ناصر القاسم
القاضي بمحكمة تمير
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/03/1427هـ
السؤال
ما الفرق بين الطلاق الرجعي والبينونة الصغرى؟ وما هي شروط البينونة الصغرى؟ وهل بيد الزوج أن يطلق كبرى وصغرى أم بشروطهما؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالطلاق الرجعي هو أن يطلق الزوج زوجته الطلقة الأولى أو الثانية بدون عوض، فيسمى هذا الطلاق طلاقاً رجعياً، حيث يملك فيه الزوج مراجعة زوجته أثناء عدتها بدون عقد.
أما البينونة الصغرى فيشار بها إلى الطلاق الذي لا يتمكن فيه الزوج من مراجعة مطلقته إلا بعقد جديد مستكمل لأركانه وشروطه الشرعية، وذلك مثل ما إذا انتهت العدة في الطلاق الرجعي ولم يراجعها خلالها، وكذلك في حالة الطلاق على عوض، وهو الخلع.
أما البينونة الكبرى فتكون بعد الطلقة الثالثة، حيث لا يجوز للزوج مراجعة مطلقته ولا العقد عليها، إلا بعد زوج آخر بنكاح صحيح.
وطلاق السنة هو أن يطلق الزوج زوجته طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه. والله أعلم.(16/264)
خصَّ أولاده الذكور بهِبَات
المجيب عبد العزيز بن أحمد الدريهم
رئيس كتابة العدل بمحافظة المزاحمية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/01/1427هـ
السؤال
أبي يملك منزلاً وأراضي زراعية، وله أبناء وبنات، وهو على قيد الحياة، فقام بإعطاء الأبناء المنزل، وأعطى كل واحد منهم فداناً، وترك الباقي يوزع بعد وفاته حسب الشرع. فهل ما قام به صحيح؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فلا يجوز للأب أن يخص بعض أولاده- ذكوراً كانوا أو إناثاً- بشيء من الهبات والعطايا حال حياته، أو الوصية لأحد منهم بعد وفاته، وقد أعطى والد النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- ابنه النعمان عطية، وجاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليشهده على ذلك، فقال له: "أَكُلَّ ولدك أعطيته هذا"؟ فقال: لا. فقال: "أشهد على هذا غيري". وفي رواية: "فإني لا أشهد على جور". صحيح البخاري (2586) ، صحيح مسلم (1623) ، وصحيح ابن حبان (5106) ، وغيره.
فإذا فعل الأب شيئاً من ذلك وجب عليه الرجوع عن هذه الهبة، أو إعطاء بقية الأولاد مثل ذلك للذكر مثل حظ الأنثيين، وإذا توفي قبل فعل ذلك وجب على أولاده رد هذه الأعطيات، وجعلها في التركة، ولا يجوز أخذها. وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/265)
أخذ النسبة على التحويلات المالية
المجيب د. إبراهيم بن محمد قاسم رحيم
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/03/1427هـ
السؤال
لدي وكالة مالية تقوم بتحويل الأموال مقابل نسبة من المبلغ المرسَل، علما بأن لنا جالية كبيرة تعمل بالخارج، ويمكن -مستقبلاً- إضافة عملية أخرى تتعلق بتحويل العملات. فما رأي الشرع في ذلك؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فتحويل الأموال صورة من صور التوكيل في دفعها، وتقييدها لدى الجهة المعتبرة للتحويل بنكاً كان أو وكالة -كما سماها السائل- يعتبر قبضًا، كما تقرر في المجامع الفقهية، وكذا لو كان القبض بشيك يتسلمه طالب التحويل، لكن ما كان في مقابل هذه العملية إن كان أجرة منفصلة فلا بأس بذلك، لأنه من صورة التوكيل بأجرة، أو الكفالة بأجرة، وكلاهما أمر جائز، حيث تكون الأجرة في مقابل تقديم هذه الخدمة، وما يتبعها من اتصالات وإجراءات.
أما اعتبار ذلك بالنسبة فالذي يظهر لي فيه هو: عدم الجواز؛ لأنه يشبه الإقراض بفائدة. والله أعلم.(16/266)
هل أمر مالك باستقبال قبر النبي عند الدعاء
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/02/1427هـ
السؤال
تكلم إمامنا في إحدى خطب الجمعة عن منزلة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إن قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعظم عند الله -تعالى- من الكعبة والعرش والكرسي واللوح المحفوظ. واستدل على هذا بقوله: إن الإمام مالكاً سأله أحد الناس: أين أتوجه عند الدعاء؟ للكعبة أم لقبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟ فأمره الإمام مالك بالتوجه لقبر الرسول-صلى الله عليه وسلم-، فهل هذا الكلام صحيح؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا الكلام غير صحيح جملة وتفصيلاً.
أما أن قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم عند الله -تعالى- من الكعبة والعرش والكرسي واللوح المحفوظ. فأين دليل ذلك من قول الله -تعالى- أو من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؟!
وما دام لم يرد عن الله -تعالى- ولا عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- فكيف نقول على الله بغير علم، ونقول إن هذا أفضل -عند الله-؟! "قل أأنتم أعلم أم الله".
والله تعالى قد أخبرنا بفضل الكعبة وتعظيمها وتعظيم العرش والكرسي، ولم يرد نص في تفضيل قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فضلاً عن أن يكون أعظم عند الله من هذه الأمور المعظمة شرعاً.
أما الاستدلال بهذه الحكاية المنسوبة للإمام مالك فهي باطلة من جهتين:
أولاً: من جهة الإسناد: ففيه عدة علل ليس هذا مكان بسطها، ولكن منها:
أ- أن محمد بن حميد الرازي -راوي الحكاية عن مالك- متهم بالكذب. قال عنه البخاري: في حديثه نظر. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الجورقاني: رديء المذهب غير ثقة.
ب- الانقطاع بين ابن حميد هذا وبين مالك، فهو لم يسمع من مالك ولم يلقه. فلو كان ثقة فالإسناد منقطع.
ج- أنه لم يرو هذه الحكاية غير ابن حميد، ولم يروها أحد من أصحاب مالك مما يدل على شذوذها.
د- أن في الإسناد غير ابن حميد ممن لا تعرف حاله فهم مجاهيل.
ثانياً: ومن جهة المتن فهذه الحكاية تخالف الثابت عن الإمام مالك -رحمه الله- فقد قال القاضي عياض في المبسوط عن مالك: "لا أرى أن يقف عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن يسلم ويمضي". الشفاء (2/671-678) .
ثم إن مالكاً -رحمه الله- كان أبعد الناس عن البدع؛ ولذلك كره قول الرجل: زرت قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وكره تتبع الآثار التي بالمدينة، وكره التردد للسلام عليه -عليه الصلاة والسلام-، وقال: "إنما ذلك للغرباء" يعني الذين يقدمون إلى المدينة من سفر. ينظر الشفاء للقاضي عياض (2/667) ، والعتبية (18/444) ، والبدع والنهي عنها لابن وضاح المالكي (45) .
ثم إن طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم ودعاءه واستغفاره بعد موته وعند قبره ليس مشروعاً عند أحد من أئمة المسلمين، ولا ذكر هذا أحد من الأئمة الأربعة وأصحابهم القدماء.(16/267)
ثم إن الإمام مالكا -رحمه الله- هو القائل: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. وقال: "ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك". فمثل هذا الإمام كيف يشرع ديناً لم ينقل عن أحد من السلف، ويأمر الأمة أن يطلبوا الدعاء والشفاعة والاستغفار بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- منه، وهو أمر لم يفعله أحد من سلف الأمة.
ثم لو صح ذلك عن الإمام مالك -وحاشاه من ذلك- فالإمام مالك ليس نبياً معصوماً (وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب القبر محمد صلى الله عليه وسلم) كما قال مالك نفسه -رحمه الله تعالى-.
أسأل المولى -عز وجل- أن يفقهنا في ديننا، وأن يرزقنا الثبات عليه والاستقامة على أمره. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(16/268)
مراعاة المصالح المرسلة
المجيب د. سعيد بن متعب القحطاني
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/05/1427هـ
السؤال
أريد بعض الفتاوى التي روعي فيها المصلحة المرسلة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيعتبر الاستصلاح -أو المصلحة المرسلة- من أهم أدلة الشرع، وأوسعها استعمالاً خاصة عند فقد الدليل من النص أو الإجماع أو القياس الصحيح، كما أن المصلحة المرسلة متى ما توفرت شروط العمل بها، فإنها غالباً ما تحقق مقصد الشارع من التكليف، وتحقق كذلك مقاصد المكلفين، ولذلك فإنها وسيلة لتحقيق مقاصد الشارع ومقاصد المكلفين؛ ولذلك فإنه قد جرى العمل بها في جميع المذاهب الفقهية، وما ذكر من خلاف في ذلك فغالبه يرجع إما إلى خلاف في اللفظ، وإما إلى التوسع في اشتراط شروط للعمل بالمصلحة وعدم اشتراط ذلك.
وأول من عمل بالمصلحة واستند إليها في الفتيا والقضاء هم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وذلك مثل قتالهم للمرتدين مانعي الزكاة، وجمعهم للقرآن في مصحف واحد، ومنع الناس من دخول بلد حل فيها الطاعون، وكذلك خروجهم منها، وفرض العطاء لكل مولود ولقيط، ومنع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من اختلاط النساء بالرجال في الطواف، وتحديد عمر رضي الله عنه مدة غياب الجند عن نسائهم في ميادين الجهاد بأربعة أشهر وقيل: ستة، ومنع عمر -رضي الله عنه- من تزوج الكتابيات، وحبسه الأراضي الزراعية المفتوحة عنوة في العراق والشام على المصالح العامة، وعدم توزيعها على الجند، وتدوين الدواوين، وبناء المؤسسات، وإرسال المفتشين إلى العمال والولاة للتحقق من شكايات الناس وسماع مظالمهم، وتضمين الإمام مالك -رحمه الله- للصناع، وحبس المتهم وضربه، والقول بالتسعير، وتلقي الركبان، وقبول شهادة الصبيان في الجراح إذا شهدوا قبل أن يتفرقوا أو يعلَّموا، وقتل الجماعة بالواحد، وتغريم السارق، وأمثال ذلك كثير. والله أعلم.(16/269)
الإعلان في المسجد عن المفقودات
المجيب عبد العزيز بن إبراهيم الشبل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/10/1426هـ
السؤال
ما حكم الإعلان في المسجد عن المفقودات؟ هل يدخل في النهي عن نشدان الضالة؟
أرجو بيان الحكم في حالة من يجد شيئاً فيطلب صاحبه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمن فقد شيئاً فإنه لا يجوز له أن يعلن عنه في المساجد؛ لأن المساجد لم تبنَ لذلك، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- "من سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد، فليقل: لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم تبن لهذا" رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله (568) .
ولكن يجوز له أن يعلن عنها خارج المسجد، كما لو أعلن على جدار المسجد الخارجي.
وكذلك من وجد شيئاً فإنه لا يعلن عنه في المسجد، وإنما يعلن عنه خارج المسجد وعلى أبواب المسجد.
وأمَّا بالنسبة لحكم اللقطة التي يجدها الإنسان ولا يعرف صاحبها، فإن كان الإنسان يعلم من نفسه الأمانة إذا أخذها والقوة على تعريفها فإنه يستحب له التقاطها اللقطة لإيصالها لصاحبها؛ وذلك لعموم الأدلة الدالة على تعاون المسلمين فيما بينهم والإحسان والبر للناس، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن والذكر (2699) عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
أما إن كان هذا المال في مكان مخوف، -كأن يكون في مكان يكثر فيه اللصوص، أو في أرض مهلكة أو أرض كثيرة السباع، أو مكان لا يتورع أهله من أخذ هذا المال وعدم إرجاعه لصاحبه-، فإنه يجب على من يجده في هذه الحال أخذه إذا استطاع ذلك؛ لأنه من حفظ المال الذي أمرنا به، ولكن لا يجب عليه أن يتولى تعريف هذا المال، بل له أن يعطيه من يثق به ليعرفه، وله أن يعطيه الجهات المسؤولة عن حفظ هذه الأموال وإرجاعها إلى أصحابها.
أنواع المال الملتقط وحكم كل نوع:
النوع الأول: المال الذي يعلم أن صاحبه تركه رغبة عنه، كما يفعله بعض الناس من رمي لبعض الأثاث القديم، أو ترك بعض الأغراض في البرية بعد الاستغناء عنها، فهذا يجوز أخذه ولا يجب تعريفه؛ لأن أصحابه تركوه رغبة عنه، فهم لا يريدونه، فتعريفه لا فائدة منه، والدليل على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من وجد دابة قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها فسيَّبوها فأخذها فأحياها فهي له". رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب فيمن أحيا حسيراً (3524) .
وإذا شكّ في هذا المال هل تركه أصحابه رغبة عنه أو لم يتركوه رغبة عنه، فالأصل أنهم لم يتركوه رغبة عنه، ويكون من النوع الثالث الذي سيأتي ذكره.(16/270)
النوع الثاني: المال الذي لا تتبعه همة أوساط الناس، كالأقلام الرخيصة والريال والخمسة والعشرة، فهذا النوع يجوز أخذه ولا يجب تعريفه ـ ما لم يكن صاحبه معروفاً فيجب رده إليه، كأن يسقط قلم صاحبك أو يسقط شيئاً لجارك فترده إليه ـ والدليل على ذلك قوله –صلى الله عليه وسلم- في التمرة التي وجدها ساقطة: "لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها. رواه البخاري، في كتاب اللقطة، باب إذا وجد تمرة في الطريق (2431) ، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تحريم الزكاة على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- (1071) عن أنس بن مالك –رضي الله عنه-.
ووجه الدلالة من الحديث أن التمرة مما لا تتبعه همة أوساط الناس، والنبي –صلى الله عليه وسلم- لم يمنعه من أكلها إلا خوفه من كونها صدقة، فلو لم تكن صدقة لأكلها ولم يعرفها.
ومما يشار إليه هنا أن حديث جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- قال: رخص لنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به، الذي رواه أبو داود، كتاب اللقطة، باب التعريف باللقطة (1717) ، حديث في إسناده ضعف.
والمقصود بأوساط الناس: أوساط الناس خلقاً ومالاً، فلا عبرة بالبخيل ولا بالمفرِّط في أمواله، كما أنه لا عبرة بالفقير ولا بشديد الغنى، فالعشرة من الريالات إذا فقدها أحد من أوساط الناس لا يهتم بها، لكن لو فقدها فقير فإنه يهتم بها لأنها تضره، وكذلك لو فقدها بخيل فإنه يحزن لذلك ويبحث عنها بحثها طويلاً، وأما الألف فلو فقدها أحد من أوساط الناس فإنه سيبحث عنها، ولكن لو فقدها شخص مضيّع لأمواله فإنه لا يبالي بها، وكذلك لو فقدها من عنده أموال كثيرة فإنه لا يأبه بها.
النوع الثالث: المال الذي لم يتركه أصحابه، وتتبعه همة أوساط الناس، وهذا النوع ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: البهائم، والبهائم لا تخلو من حالين:
الحال الأولى: أن تكون مما يمتنع من صغار السباع كالذئاب ونحوها، مثل: الإبل والخيل.
وهذه الحيوانات لا يجوز أخذها، بل تترك حتى يجدها صاحبها.
الحال الثانية: أن تكون مما لا يمتنع من صغار البهائم، مثل: الغنم والدجاج.
وهذه الحيوانات يجوز لمن يجدها أن يأخذها ويتملكها إن كان لا يعرف صاحبها.
القسم الثاني: الأموال من غير البهائم، كالنقود والمجوهرات والأثاث.
وهذا النوع يجوز التقاطه، ولكن على من التقطه أن يقوم بما يلي:
1. يضبط صفاته جيداً، فلو وجد محفظة فإنه يقوم بضبط صفات هذه المحفظة، بأن يضبط لونها وكم فيها من الأموال؟ والبطاقات التي في المحفظة، ونحو ذلك من الصفات التي لا يعرفها في الغالب إلا صاحبها.(16/271)
2. يعرِّفها سنة في مجامع الناس، أي يقوم بالإعلان عن هذا المال المفقود في الأماكن التي يجتمع فيها الناس، والتعريف يختلف باختلاف المال والمكان والزمان، فمن وجد محفظة ضائعة في العمل فإنه يعلن عنها في العمل، ومن وجد حقيبة نسائية ساقطة في السوق فإن تعريفها سيكون في هذا السوق أو في الصحف المحلية وما شابه ذلك، ولكن في التعريف لا يذكر صفات المال الضائع كلها، بل يذكر ما يشير إلى هذا المال، فمن وجد محفظة فإنه يقول: إني وجدت محفظة في المكان الفلاني، فمن كانت له فليراجعني، ولا يقول: فيها كذا وكذا من المال؛ لئلا يأتي من لا يخاف الله، فيقول: هي لي، وهو كاذب في ذلك.
3. إذا جاءه من يصف هذا المال خلال هذه السنة فإنه يدفع له المال.
4. إن لم يأته صاحب هذا المال بعد تعريفه سنة فإنه يجوز له أن يتملك هذا المال، لكن متى ما جاء صاحبه يوماً من الدهر فإنه يدفع له هذا المال، وأما إن لم يأته فإن المال يكون للملتقط.
5. إن كان المال مما يفسد أو تكون نفقة حفظه كبيرة كالخضروات والفواكه فإنه يجوز له أن يأكل هذا المال بعد أن يعرف صفاته، ويجوز له أن يبيعه ويحفظ ماله لصاحبه، فمتى ما جاء صاحبه خلال سنة فإنه يدفع له قيمة هذا الطعام، وإلا فإنه لا شيء عليه.
والدليل على ما تقدم حديث زيد بن خالد الجهني –رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فسأله عن اللقطة، فقال: "اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها"، قال: فضالة الغنم؟ قال: "هي لك أو لأخيك أو للذئب"، قال: فضالة الإبل؟ قال: "ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها". رواه البخاري في مواضع منها: ما في كتاب في اللقطة، باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة فهي لمن (2430) ، ومسلم، كتاب اللقطة (1722) .
والعفاص هو الوعاء الذي يجعل فيه النقود، والوكاء ما يربط به الوعاء.
وقوله في ضالة الإبل: "معها حذاؤها" أي خفها، و"سقاؤها" أي جوفها، والمعنى: أنها تستغني بنفسها عن الحفظ بقدرتها على السير المسافات البعيدة وصبرها على العطش.
من أحكام اللقطة:
1. الملتقط أمين، فلو تلف المال عنده من غير تعدٍّ ولا تفريط فإنه لا يضمن المال التالف.
2. أجرة التعريف على صاحب المال؛ لأن الملتقط محسن و (ما على المحسنين من سبيل) ، لكن لو لم يأت صاحب المال فإن المال يكون للملتقط ـ كما سبق ـ وتكون أجرة التعريف عليه.
3. المال إن احتاج إلى نفقة فحكمه حكم التعريف، ينفق عليه الملتقط، والنفقة تكون على صاحب المال، وإذا لم يأت صاحب المال فالمال يكون للملتقط، وكذلك النفقة تكون عليه، هذا إذا كان قد نوى الرجوع على صاحب المال بالنفقة، أما إذا كان قد نوى الإحسان على صاحب المال وفي نيته أنه لا يريد منه شيئاً فإنه لا يرجع.
4. لا يجوز إنشاد الضالة في المساجد، وكذلك تعريفها لا يجوز في المساجد؛ لأن المساجد لم تبن لذلك، يقول –صلى الله عليه وسلم-: "من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم تبن لهذا". لكن يجوز ذلك على أبواب المساجد.(16/272)
5. مكة -حرسها الله- لها وضع خاص، فلا تحل لقطتها إلا لمنشد (أي معرف) ، فمن وجد لقطة في مكة فإنه لا يجوز له أخذها إلا بنية تعريفها أبد الدهر، ولا يملك هذه اللقطة بعد السنة -كما في غيرها من البلدان- ولا يجوز له أن يتملك اللقطة مطلقاً؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- عن مكة: ".. ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرِّف.." رواه البخاري، كتاب الحج، باب لا ينفر صيد الحرم (1833) ، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة.. (1353) عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
وعن عبد الرحمن بن عثمان التيمي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لقطة الحاج. رواه مسلم، كتاب اللقطة، باب في لقطة الحاج (1724) .
لكن هل يترك اللقطة أم يأخذها؟
إن لم يخش على اللقطة فإنه يتركها، وأما إن خشي عليها فإنه يأخذها ويعرفها، وله أن يعطيها الجهة المسؤولة وهي تتولى التعريف، وفي هذا الوقت: إن لم يستطع الوصول إلى صاحب المال ـ كأن يكون رقمه أو رقم الفندق موجودًا على المال ـ وإلا فإنه يعطيها الجهة المسؤولة عن الأموال الضائعة؛ لأن من فقد مالاً فإنه يتوجه إلى تلك الجهة ويسألهم عنها.(16/273)
التردد بين استفتاء العالِم واستفتاء القلب!
المجيب د. محمد بن حسين الجيزاني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/02/1427هـ
السؤال
كيف أفرِّق بين الشك الذي يندرج تحت (استفتِ قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك, والبر ما اطمأن إليه القلب) ، وبين وسوسة الشيطان وارتياب النفس الذي لا عبرة به؟ أرجو إفادتي مأجورين.
الجواب
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا الحديث في صحيح مسلم (2553) عن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس".
وعن وابصة بن معبد -رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "جئت تسأل عن البر والإثم؟ ". قلت: نعم.
قال: "استفت نفسك، استفت قلبك يا وابصة -ثلاثاً- البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك" رواه أحمد (17545) ، والدارمي (2533) بإسناد حسن.
ومحل هذا الحديث إذا لم يكن عند المفتي سوى مجرد الظن أو الهوى من غير دليل شرعي وكان المستفتي ممن شُرح صدره للإيمان.
أما إن كان مع المفتي دليل شرعي فالواجب الرجوع إلى هذا الدليل، وإن لم ينشرح له صدر المستفتي.
وهذا كالرخصة الشرعية، مثل الفطر في السفر والمرض وقصر الصلاة وجمعها مما لا ينشرح به صدر كثير من الجهال فهذا لا عبرة به، بل هو من وسوسة الشيطان، أو هوى النفس.
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر أصحابه أحياناً بما لا تنشرح به صدور بعضهم، فيمتنعون -في بادئ الأمر- من قوله فيغضب، كما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة والتحلل من عمرة الحديبية.
وبالجملة فما ورد فيه نص فليس للمؤمن إلا طاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- مع انشراح الصدر والرضا. والله أعلم.(16/274)
هل يدخل هذا في الربا؟
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 02/01/1427هـ
السؤال
تقدمت للحصول على سكن من إحدى الشركات التابعة للدولة، بحيث دفعت ربع القيمة والباقي على أقساط شهرية تخصم من الراتب بعد الاستلام، مع العلم بأن الثمن مبين مسبقاً، ولكن دخل طرف ثالث من غير علمنا وهو المصرف العقاري، بحيث غطى باقي المبلغ {ثلاثة أرباع الثمن المتبقي عليَّ} ، ووضع عمولة وعائد خدمة، بحيث زاد الثمن عن الثمن المتفق عليه أولاً، فهل تعتبر هذه الزيادة من الربا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا من الربا الواضح، فهذه الزيادة سواء سميت عمولة أو عائد أو غير ذلك فهي ربا صريح، لأنهم دفعوا عنك مبلغاً وتعيده بعد مدة أكثر مما دفعوا عنك، ونصيحتي لك أن تتخلص وتسدد إن كنت تقدر، وإلا فألزم الشركة التي كتبت معها عقداً أن تلتزم بالعقد، وألا تطلب منك زيادة، و"المؤمنون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً"، والله أمرنا بالوفاء بالعقود.
وإن كان هذا الأمر بغير اختيارك ولم تستطع أن تسدد حاضراً أو تتخلص من المعاملة فأنت معذور، والله لا يكلف نفساً فوق طاقتها، والمشقة تجلب التيسير، ويتحمل الوزر من ألزمك وأوقعك في المحذور، وفقك الله لطيب المطعم، ورزقنا وإياك الحلال وجنبنا الحرام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/275)
مدة الرضاعة
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 30/12/1426هـ
السؤال
كم مدة الرضاعة لطفلي؟ علماً أن مدة الحمل تسعة أشهر، فهل هي 21 شهراً أم 24 شهراً؛ وذلك تطبيقاً لقول الله عز وجل: "وحمله وفصاله ثلاثون شهرا"؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالرضاعة غير محددة في أصح قولي العلماء، فلكِ أن ترضعي طفلك سنتين أو أكثر أو أقل حسب المصلحة في ذلك، وأما ذكر السنتين مع مدة الحمل فهذا لبيان الغالب في الرضاعة. لكن هناك من لا تتمكن أن ترضع سنتين، وهناك من تزيد عليها، ولا حرج في ذلك أبداً، قال الله تعالى: "وحملة وفصاله ثلاثون شهراً" [الأحقاف: 15] ، وقال تعالى: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" [البقرة: 233] ، وفقك الله لكل خير، ورزقك صلاح الأولاد وبرهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/276)
أهل الفترة
المجيب د. رفعت فوزي عبد المطلب
رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/03/1427هـ
السؤال
لي زميل نصراني يقول: تم اكتشاف حضارات لها أربعة آلاف سنة قبل الميلاد خارج منطقة النبوة. يقصد أن الأنبياء لم يُبعثوا فيها ولم يصلوا إليها، فما حكم هؤلاء من حيث الوعد والوعيد؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فمن قال لزميلك النصراني: إن أربعة آلاف عام قبل الميلاد هي في عمر الزمان خارج منطقة النبوة، فالنبوة -أخي الكريم- بدأت مع بدء الخليقة، إذ إن آدم -عليه السلام- هو أبو البشر وأول الخلق، وهو كذلك نبي من أنبياء الله كما قال أهل العلم، كما أن الله -تعالى- يقول: "وإن من أمة إلا خلا فيها نذير" فاطر:24] .
وقد تطول الفترة بين مبعث نبي وآخر، فيعم الجهل ويتبدل التوحيد شركاً، فيرسل الله رسولا آخر يجدد العهد بتوحيد الله عز وجل، ثم إنه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة ... " أخرجه البخاري (1358) ، ومسلم (2658) ، بما يعني أن الإسلام والتوحيد هما الأصل في النفس الإنسانية، أما من يعيشون في فترة زمنية بعيدة عن الدعوة أو بين عهد نبيين فهؤلاء يسمون عند أهل العلم "أهل الفترة"، والحكم عليهم كما أفتى به الشيخ ابن عثيمين -يرحمه الله- بقوله: " ... حكمهم في الدنيا حكم الكفار، وأما في الآخرة فالله أعلم بما كانوا عاملين، يختبرون ويكلفون بما يشاء الله -عز وجل- وما تقضيه حكمته، فإن أطاعوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار".. والله أعلم.(16/277)
حجية الحديث الضعيف في فضائل الأعمال!
المجيب د. يوسف بن عبد الله الأحمد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/05/1427هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
هل يصح الاحتجاج بالحديث الضعيف، وهل صحيح أنه من أصول الاستدلال عند الإمام أحمد؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الحديث الضعيف ليس بحجة في إثبات الأحكام الشرعية حتى في السنن والمستحبات باتفاق أهل العلم. وإنما قال بعض أهل العلم بأنه لابأس من إيراد الحديث الضعيف في فضائل الأعمال، وليس في إثبات الأحكام، بثلاثة شروط: الأول: ألا يكون الضعف شديداً. الثاني: أن يكون
العمل الذي ورد فيه الفضل قد ثبت بدليل صحيح. الثالث: ألا يجزم بنسبته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وهذه المسألة يخطئ في فهمها كثير من طلبة العلم. ولعل اللبس في الفهم يزول بالتوضيح بالمثال، والمثال: حديث عائشة مرفوعاً: "من صلى بين المغرب والعشاء عشرين ركعة، بنى الله له بيتاً في الجنة" أخرجه البيهقي بسند ضعيف.
هذا الحديث في فضائل الأعمال، والفضل هنا قوله (بنى الله له بيتاً في الجنة) هذا الفضل لا يجوز إيراده؛ لأن أصل العمل وهو صلاة عشرين ركعة بين المغرب والعشاء، لم يثبت بدليل صحيح ولا حسن. فلا يجوز حينئذ أن يورد حديث ضعيف في فضله.
ولو فرضنا بأن العمل ثابت بدليل صحيح، فإنه لا بأس عند بعض أهل العلم من ذكر الحديث الضعيف الوارد في فضله. وإن كان الأولى عدم ذكره بالكلية، وإنما أردت بذلك توضيح كلام أهل العلم في هذه المسألة.
ولشيخ الإسلام توضيح نافع كما في (مجموع الفتاوى 1/ 250-251) قال رحمه الله: "ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت، إذا لم يعلم أنه كذب. وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي، وروى في فضله حديث لا يعلم أنه كذب، جاز أن يكون الثواب حقاً. ولم يقل أحد من الأئمة إنه يجوز أن يجعل الشىء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف. ومن قال هذا فقد خالف الإجماع. وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي، لكن إذا علم تحريمه وروي حديث في وعيد الفاعل له، ولم يعلم أنه كذب، جاز أن يرويه. فيجوز أن يروى في الترغيب والترهيب، ما لم يعلم أنه كذب، لكن فيما علم أن الله رغب فيه، أو رهب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله".
وللألباني -رحمه الله- كلام نافع في القاعدة الثانية عشرة في مقدمة كتابه (تمام المنة) . ولفضيلة الشيخ عبد الكريم الخضير كتاب قيم بعنوان: (الاحتجاج بالحديث الضعيف) .(16/278)
أما ما ينقل عن الإمام أحمد من أنه يحتج بالحديث الضعيف فغير مسلم، وإنما مراده بالحديث الضعيف والمرسل الذي يحتج به: الذي ارتقى إلى درجة الحسن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى (1/ 251-252) : "ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذى ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه، ولكن كان في عرف أحمد بن حنبل ومَن قبله من العلماء أن الحديث ينقسم إلى نوعين: صحيح وضعيف، والضعيف عندهم ينقسم إلى ضعيف متروك لا يحتج به، وإلى ضعيف حسن.. وأول من عرف أنه قسم الحديث ثلاثة أقسام صحيح وحسن وضعيف هو أبو عيسى الترمذي في جامعه، والحسن عنده ما تعددت طرقه، ولم يكن في رواته متهم، وليس بشاذ فهذا الحديث، وأمثاله يسميه أحمد ضعيفاً ويحتج به. ولهذا مثَّل أحمد الحديثَ الضعيف الذي يحتج به بحديث عمرو بن شعيب وحديث إبراهيم الهجري ونحوهما وهذا مبسوط في موضعه "اهـ.
وقال ابن القيم -رحمه الله- في إعلام الموقعين (1/31) : "الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن. ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف. وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثراً يدفعه، ولا قول صاحب، ولا إجماعاً على خلافه، كان العمل به عنده أولى من القياس "اهـ. وبهذا ينتهي الجواب. والحمد لله رب العالمين.(16/279)
هل هذا من نكاح التحليل؟
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/03/1427هـ
السؤال
طلقت زوجتي ثلاث تطليقات متفرقات، فذهبت لها وذكرت لها أني سأتزوجها، إن تزوجت وطلقها زوجها. ثم لقيتها بعد ذلك، وعلمت منها أنها تزوجها زميلها في العمل، وطلبت منه الطلاق فطلقها.
أنا أعرف زميلها وهو يعرفني، ولكني لم أطلب منه أن يتزوجها، ولم أوسطه، ولم أقل له: إنني طلقتها، ولم يقل لي: إنه تزوجها أو طلقها.
فهل حلَّت لي بزواجها من هذا الرجل؟ وهل أراجعها؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهنا مسألتان: الأولى: نية الزوج الثاني: هل نوى تحليلها لك أو قصد نكاحها نكاح رغبة؟
فإن قصد نكاحها نكاح رغبة، ثم بدا له طلاقها فطلقها وقد جامعها، فهذا النكاح نكاح صحيح بلا خلاف، ويحل لك العقد عليها عقداً جديداً مستوفيا الأركان والشروط، قال تعالى: "الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" [البقرة: 229-230] .
أما إن قصد الزوج الثاني التحليل -ولو من غير شرط- فالنكاح باطل.
قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: "فإن شُرط عليه التحليل قبل العقد، ولم يذكره في العقد ونواه في العقد، أو نوى التحليل من غير شرط فالنكاح باطل أيضاً.
قال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عن الرجل يتزوج المرأة، وفي نفسه أن يحللها لزوجها الأول، ولم تعلم المرأة بذلك. قال: هو محلل، إذا أراد بذلك الإحلال، فهو ملعون. وهذا ظاهر قول الصحابة -رضي الله عنهم-. وروى نافع، عن ابن عمر، أن رجلاً قال له: امرأة تزوجتها، أحلها لزوجها، لم يأمرني، ولم يعلم. قال: لا، إلا نكاح رغبة، إن أعجبتك أمسكها، وإن كرهتها فارقها، قال: وإن كنا نعده على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سفاحاً. وقال: لا يزالان زانيين، وإن مكثا عشرين سنة، إذا علم أنه يريد أن يحلها، وهذا قول عثمان -رضي الله عنه-. وجاء رجل إلى ابن عباس، فقال له: إن عمي طلق امرأته ثلاثاً، أيحلها له رجل؟ قال: من يخادع الله يخدعه. وهذا قول الحسن، والنخعي، والشعبي، وقتادة، وبكر المزني، والليث، ومالك، والثوري، وإسحاق، وقال أبو حنيفة، والشافعي: العقد صحيح" أ. هـ المغني (7/139) ، الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/44) .
وعن عطاء في الرجل يطلق المرأة، فينطلق الرجل الذي يتحزن له فيتزوجها من غير مؤامرة منه؟ فقال: إن كان تزوجها ليحلها له لم تحل له، وإن كان تزوجها يريد إمساكها فقد حلت له.(16/280)
وقال سعيد بن المسيب في رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها الأول، ولم يشعر بذلك زوجها الأول ولا المرأة. قال: إن كان إنما نكحها ليحلها فلا يصلح ذلك لهما ولا تحل له. إغاثة اللهفان (1/274) ، الفتاوى الكبرى (3/101) .
وقال مالك بن أنس -رحمه الله تعالى-: "لا يحلها إلا نكاح رغبة، فإن قصد التحليل لم تحل له، وسواء علما أو لم يعلما لا تحل، وينفسخ نكاح من قصد إلى التحليل، ولا يقر على نكاحه قبل الدخول وبعده" أ. هـ الفتاوى الكبرى (3/102) .
المسألة الثانية: نية المطلقة، هل تزوجت لتحل لزوجها الأول، أم تزوجت زواج رغبة لا تحليل؟
فإن تزوجت زواج رغبة لا تحليل، فطلقها زوجها الثاني بعد جماعها فقد حل لمطلقها الأول نكاحها بعد انتهاء العدة.
أما إن قصدت المطلقة من النكاح التحليل ونوته فهذا محل خلاف بين العلماء.
قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: "إن قصدت المرأة التحليل أو وليها دون الزوج، لم يؤثر ذلك في العقد. وقال الحسن، وإبراهيم: إذا هم أحد الثلاثة، فسد النكاح.
قال أحمد: كان الحسن وإبراهيم والتابعون يشددون في ذلك. قال أحمد: الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ ". ونية المرأة ليس بشيء، إنما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله المحلل والمحلل له". ولأن العقد إنما يبطل بنية الزوج؛ لأنه الذي إليه المفارقة والإمساك، أما المرأة فلا تملك رفع العقد، فوجود نيتها وعدمها سواء، وكذلك الزوج الأول لا يملك شيئاً من العقد، ولا من رفعه، فهو أجنبي كسائر الأجانب، فإن قيل: فكيف لعنه النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قلنا: إنما لعنه إذا رجع إليها بذلك التحليل؛ لأنها لم تحل له، فكان زانياً، فاستحق اللعنة لذلك" أ. هـ المغني (7/139) .
والخلاصة: أن المرأة إن لم تقصد من هذا النكاح التحليل، وكذا لم يقصده الزوج الثاني فلا حرج عليك في طلب نكاحها، أما إن قصد الزوج الثاني ذلك فلا يحل لك نكاحها، وإن قصدت المرأة ذلك فالأحوط الابتعاد عن ذلك. والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/281)
لماذا تُمنع إقامة الكنائس في السعودية؟!
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/01/1427هـ
السؤال
ما هي المبررات التي تجعل المملكة العربية السعودية تمنع إقامة الكنائس على أراضيها؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالمملكة العربية السعودية تنطلق -في منعها إقامة المعابد غير الإسلامية على أراضيها- من منطلقات شرعية ملزمة للدولة التي تتشرف بحضانة الحرمين الشريفين، والسيادة على جزيرة العرب. وهذا محل اتفاق بين المسلمين قديماً وحديثاً، وليس إجراءً محليًّا طارئاً كما يتوهمه بعض من لا يعرف أحكام الشريعة الإسلامية. فإن من الخصائص الشرعية للجزيرة العربية أن تكون معقلاً للإسلام. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يترك بجزيرة العرب دينان" رواه أحمد (25820) . والمقصود أن يكون الدين الظاهر هو الإسلام فقط، ولا يسمح لغيره بالاستعلاء من خلال بناء المعابد ونحوها.
ولا وجه لاستغراب هذا التشريع من قبل غير المسلمين، فلم تزل كل ملة على وجه الأرض تقدس بعض البقاع، وتخلع عليها صفة الخصوصية الدينية؛ فالفاتيكان لا يأذن بإقامة كنيسة بروتستانتية، أو أرثذوكسية فوق أراضيه، فضلاً عن أن يخطر ببال أحد أن يأذن بإقامة مسجد، أو معبد لديانة غير النصرانية.
كما أن دولة الفاتيكان عقدت معاهدة (لا تران) مع الحكومة الإيطالية عام 1929م، تنال بموجبها خصوصية دينية، دون أن يقول قائل: أليس هذا من تقديس الجغرافية، والاعتداء على حرية الأديان الأخرى!!
لقد رفض الأساقفة اليونان، والأقباط دخول البابا (يوحنا بوليس الثاني) أسقف الكنيسة الكاثوليكية كنائسهم، واضطر إلى إقامة قدَّاسه في فناء دير سيناء، وهم أتباع ملة واحدة!!
فكما تواضع العالم على اعتبار الفاتيكان معقلاً للكاثوليكية، وحوض نهر (الغانج) مغطساً للهندوس، وجبل (هيي Mt. Hiei) قرب العاصمة اليابانية القديمة (كيوتو) موقعاً مقدساً للبوذية، فليتواضع العالم أن الجزيرة العربية معقل للإسلام.
بقي أن نشير إلى أن التسهيلات التي تمنحها بعض الدول الغربية للمسلمين من مواطنيها، والمقيمين فيها، لم تكفلها الكنيسة الكاثوليكية، ولا مجلس الكنائس العالمي. بل منحتها إياهم الأنظمة الليبرالية التي تعتنقها معظم الدول الغربية، بعد تخلصها من نير الكنيسة، وبالمقابل لا زال النصارى في البلاد الإسلامية يحتفظون بكنائسهم منذ عشرات القرون، وفاءً من المسلمين بعهد الذمة.(16/282)
الطلاق الثلاث بلفظ واحد
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/11/1426هـ
السؤال
منذ حوالي سنة طلّق رجل زوجته، وقبل شهر منَّ الله عليهم وعادت المياه إلى مجاريها، ولكن الزوج لم يتذكر هل طلقها طلقة واحدة أو ثلاثًا؟ مع أنه في نيته كان يقصد ثلاث تطليقات، وفي الوقت الحالي هم يعيشون معا بعد قراءة الفاتحة حسب الشرع. نرجو الإفادة. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالجواب عن هذه المسألة من وجهين:
الأول: هل يقع ما زاد على واحدة حال الشك؟ فقد ذهب جمهور العلماء -الحنفية والشافعية والحنابلة- إلى أنه عند الشك هل طلق واحدة أو ثلاثاً، أنه يبني على الأقل؛ لأحاديث كثيرة واردة في البناء على الأقل في جملة من العبادات، منها حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم" رواه مسلم (571) ، ولأن الأصل عدم وقوع ما زاد على الواحدة واليقين لا يزال إلا بيقين.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "والجمهور يقولون: النكاح متيقن والقاطع له المزيل لحل الفرج مشكوك فيه، فإنه يحتمل أن يكون المأتي به رجعياً فلا يزيل النكاح، ويحتمل أن يكون بائناً فيزيله فقد تيقنا يقين النكاح وشككنا فيما يزيله، فالأصل بقاء النكاح حتى يتيقن بما يرفعه" ا. هـ إغاثة اللهفان (1/164) .
وقال رحمه الله تعالى: "وقول الجمهور في هذه المسألة أصح فإن النكاح متيقن فلا يزول بالشك، ولم يعارض يقين النكاح إلا شك محض فلا يزول به" ا. هـ إعلام الموقعين (1/340) ، وانظر بدائع الصنائع (3/126) ، والمغني (7/379) ، والإنصاف (9/139) ، وكشاف القناع (5/332) .
الثاني: لو طلق ثلاثاً في مجلس واحد هل يقع ثلاثاً أو واحدةً؟
للعلماء في ذلك قولان معروفان، وجمهور العلماء على وقوعه ثلاثاً، وذهب بعض العلماء -كابن عباس وعكرمة وطاووس-ونصره ابن تيمية وابن القيم وشيخنا العلامة ابن عثيمين وغيرهم- إلى أنه لا يقع إلا واحدة؛ لما رواه مسلم في صحيحه (1472) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: كان الطلاق على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم.
ولغيره من الأدلة التي بسطها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم -رحمهما الله تعالى- في مواضع كثيرة من كتبهم. (انظر: زاد المعاد 5/241-271) .
وقد ذكرت السائلة أن الرجل راجع مطلقته بعد مضي حوالي أحد عشر شهراً، فإن كانت قد خرجت من العدة فلابد من عقد جديد كالعقد الأول مستوفي الشروط والأركان، ولا يكتفي بقراءة الفاتحة فقط، بل لا أعلم أصلاً لقراءة الفاتحة عند عقد النكاح أو الرجعة، وقراءتها هنا من البدع التي ينبغي تركها؛ لعدم ورود ذلك عنه -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد أصحابه -رضي الله عنهم-.
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/283)
مظاهرة الكفار من غير مودتهم!
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/02/1427هـ
السؤال
لو أن أحداً ظاهر المشركين أي أعانهم على المسلمين، ولم تكن هنالك مودة لهم في قلبه، إنما فعل ذلك لمصلحة دنيوية مع بغضه لهم، فهل يعتبر أتى كفراً بواحاً؟ وهل تعتبر هذه مخالفة صريحة لما نص عليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في هذه المسألة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فمن المعلوم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- عدّ من نواقض الإسلام: (مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين) ، ودلل على ذلك بقوله تعالى: "ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" [المائدة:51] .
والذي ينبغي حمل كلامه هذا وفهمه في ضوء ما هو معروف عنه ومتقرر في أكثر من موضع من رسائله وكتبه من عدم تكفير المعين إلا بضوابط وشروط؛ إذ ليس كل من وقع منه الكفر من المعينين يعدُّ كافراً خارجاً عن الملة حتى تتوفر الشروط وتنتفى الموانع، كما ينبغي رد ما اشتبه من كلام الشيخ -رحمه الله- إلى محكمه، ومطلقه إلى ما قيد في مواضع أخر من كتبه ورسائله.
والمكفر من مظاهرة المشركين هو ما انطوى قلب فاعله على محبتهم ومحبة ما هم عليه من الكفر والرضا به، وتأييدهم ونصرتهم على تحقيق ذلك، وأما غيرها من وجوه المظاهرة فلها أحكام تتناسب مع كل نوع منها، وممن فصل القول في ذلك الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "أحكام أهل الذمة" فليتأمل. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(16/284)
خروج المرأة من بيتها لغير ضرورة
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/05/1427هـ
السؤال
أمر الله تعالى نساء النبي أن يلزمن بيوتهن. قال تعالى: "وقرن في بيوتكن". وفي هذه الأيام تخرج النساء كثيرا من بيوتهن، ويتنزّهْنَ مثل الرجال، والأطفال، وكذلك يخرجن من منازلهن لأسباب غير ضرورية، فهل يمكن أن يقال: إن خروجهن بهذه الصورة معصية لله؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ففي قوله تعالى في الآية "وقرن" قراءتان متواترتان:
الأولى: بفتح القاف، والثانية بكسرها:
فالكسر من الوقار، والفتح من القرار فيه والمكث، وهما معنيان صحيحان.
ومعنى الآية على ظاهرها: الأمر بالوقار في البيت ولزومه وعدم الخروج.
وجاء حديث في المعنى نفسه يدل على لزوم البيت وعدم الخروج للحج: فقد أخرج أحمد في المسند (2/476) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما حج بنسائه -حجة الوداع- قال: "إنما هي هذه الحجة، ثم الزمن ظهور الحصر". قال محقق المسند في الحديث: إسناده حسن (15/476-477) والحصر: بضم الحاء والصاد جمع حصير، والمراد لزوم البيت.
وفي رواية أخرى لأحمد قال الراوي: فكن يحججن إلا سودة بنت زمعة، وزينب بنت جحش، فإنهما كانتا تقولان: والله لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وكذا رأت أم سلمة، فكانت تقول: لا يحركني ظهر بعير حتى ألقى النبي -صلى الله عليه وسلم-[فتح الباري (7/108) ] .
لكن اختلف أهل العلم في معنى الحديث السابق:
فبعض العلماء فسره: بأن المراد: الحج الواجب مرة في العمر فقط، وليس عليهن حج واجب بعد ذلك.
وبعضهم حمله على النهي عن تكرار الحج لنساء النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد فهم ذلك من أزواجه: سودة بنت زمعة، وزينب بنت جحش، وأم سلمة -رضي الله عنهن- وكذلك فهمه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فمنعهن من الحج أول خلافته، إلا أنه عدل عن هذا في آخرها.
واختلاف أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخروج للحج وعدمه يدل على أن النص غير صريح في النهي، وإلا لما وقع خلاف.
وجاءت أحاديث أخر تبين جواز الخروج من المنزل، وهي بمجموعها تدل على أن معنى الآية: أن الخروج منهي عنه عند عدم الحاجة، وليس النهي عن الخروج مطلقا، أو أن المقصود بها: أن الأمر بترك الخروج للندب والاستحباب، لا للوجوب، ومن هذه الأحاديث:
1- عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها" رواه البخاري (5238) ، ومسلم (442) . وفي لفظ عند البخاري (865) قال: "إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن"، وفي لفظ عند مسلم: "لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنوكم".(16/285)
قال الشنقيطي -رحمه الله-: الذي يظهر لي في هذه المسألة أن الزوج إذا استأذنته امرأته في الخروج إلى المسجد وكانت غير متطيبة، ولا متلبسة بشيء يستوجب الفتنة.. أنه يجب عليه الإذن لها، ويحرم عليه منعها للنهي الصريح منه –صلى الله عليه وسلم- عن منعها من ذلك، وللأمر الصريح بالإذن لها، وصيغة الأمر المجردة عن القرائن تقتضي الوجوب،.. وصيغة النهي كذلك تقتضي التحريم وقد قال تعالى: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [النور:63] وقال –صلى الله عليه وسلم-: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" إلى غير ذلك من الأدلة ... فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه لما حدث عن النبي –صلى الله عليه وسلم- بالحديث الذي ذكرنا عنه في أمر الأزواج بالإذن للنساء في الخروج إلى المساجد، وقال ابنه: لا ندعهن يخرجن. غضب، وشتمه، ودفع في صدره منكراً عليه مخالفته لأمر النبي –صلى الله عليه وسلم-، وذلك دليل واضح على اعتقاده وجوب امتثال ذلك الأمر بالإذن لهن.
2-وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله: هل على النساء من جهاد؟! قال: "نعم عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة" رواه أحمد (24158) وابن ماجه (2901) ، قال المجد في المنتقى: إسناده صحيح، وقال ابن القيم: إسناد على شرط الصحيحين.
-وأخرج البخاري (1520) عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله: نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟! فقال: "لا لكن أفضل الجهاد حج مبرور".
قال ابن حجر: قال ابن بطال: زعم بعض من ينقص عائشة في قصة الجمل أن قوله تعالى: "وقرن في بيوتكن" يقتضي تحريم السفر عليهن. قال: وهذا الحديث يرد عليهم؛ لأنه قال: "لكن أفضل الجهاد "، فدل على أن لهن جهادا غير الحج، والحج أفضل منه أهـ.
ويحتمل أن يكون المراد بقوله: "لا"، في جواب قولهن: ألا نخرج فنجاهد معك، أي: ليس ذلك واجبا عليكن، كما وجب على الرجال، ولم يرد بذلك تحريمه عليهن، فقد ثبت في حديث أم عطية أنهن كن يخرجن فيداوين الجرحى، وفهمت عائشة ومن وافقها من هذا: الترغيب في الحج وإباحة تكريره لهن، كما أبيح للرجال تكرير الجهاد، وخص به عموم قوله: "هذه ثم ظهور الحصر"، وقوله تعالى: "وقرن في بيوتكن"، وكأن عمر كان متوقفا في ذلك ثم ظهر له قوة دليلها، فأذن لهن في آخر خلافته، ثم كان عثمان بعده يحج بهن في خلافته أيضا، وقد وقف بعضهن عند ظاهر النهي كما تقدم، وقال البيهقي: في حديث عائشة هذا دليل على أن المراد بحديث أبي واقد وجوب الحج مرة واحدة كالرجال، لا المنع من الزيادة، وفيه دليل على أن الأمر بالقرار في البيوت ليس على سبيل الوجوب.
3- وفي الحديث للمحدة: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله" رواه مالك (2/591) ، وأبو داود (2300) ، والترمذي (1204) ، والنسائي (3532) ، قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- وغيرهم، لم يروا للمعتدة أن تنتقل من بيت زوجها حتى تنقضي عدتها.(16/286)
فدل هذا الحديث على جواز الخروج بعد انتهاء العدة وقبل العدة.
4- قال ابن القيم في زاد المعاد (5/692-693) : وقد ذكر عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، قال: قال مجاهد: استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلن: إنا نستوحش يا رسول الله بالليل فنبيت عند إحدانا حتى إذا أصبحنا تبددنا في بيوتنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن، فإذا أردتن النوم فلتؤب كل امرأة إلى بيتها"، وهذا وإن كان مرسلا، فالظاهر أن مجاهدا، إما أن يكون سمعه من تابعي ثقة أو من صحابي، والتابعون لم يكن الكذب معروفا فيهم، وهم ثاني القرون المفضلة، وقد شاهدوا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخذوا العلم عنهم، وهم خير الأمة بعدهم، فلا يظن بهم الكذب على رسول الله -صلى الله عليه سلم- ولا الرواية عن الكذابين، ولا سيما العالم منهم إذا جزم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالرواية وشهد له بالحديث، فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر، ونهى، فيبعد كل البعد أن يقدم على ذلك مع كون الواسطة بينه وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذابا، أو مجهولا، وهذا بخلاف مراسيل من بعدهم، فكلما تأخرت القرون ساء الظن بالمراسيل، ولم يشهد بها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبالجملة فليس الاعتماد على هذا المرسل وحده وبالله التوفيق.
ولهذه الأحاديث اشترط بعض العلماء للخروج الضرورة، وبعضهم اشترط الحاجة، وهو الصحيح مع اشتراط الاحتشام، وترك الزينة، والطيب، وكل ما يدعو إلى الفتنة.
وجاء في فتاوى العلماء المعاصرين للمحدة على زوجها المأمورة بالبقاء في بيتها: جواز خروجها منه حتى للحاجة، وقد أفتى بذلك ابن باز وابن عثيمين -رحمهما الله- وابن جبرين -حفظه الله- ومن الحاجات التي نصوا عليها: التدريس، والدراسة، وشراء الحاجات من السوق إن لم يوجد من يشتري لها، والاستطباب.
قلت: فخروج المرأة للحاجة في غير زمن الإحداد من باب أولى. والله تعالى أعلم.(16/287)
إجهاض الجنين استنقاذاً لحياة أمه
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/11/1426هـ
السؤال
أفتونا أثابكم الله في امرأة مريضة حملت وهي الآن في شهرها الثالث، وتستخدم أدوية لمرضها، وهي لا تستطيع إيقاف الدواء لأن ذلك يؤثر علي صحتها، واستخدامه قد يشوه الجنين، وقد نصح بعض الأطباء بإنزال الجنين، فما قول فضيلتكم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا قرر الأطباء المختصون أن الحامل لا يمكنها إيقاف الدواء لتضررها بذلك وعدم إمكان تأخيره إلى الولادة، وقرروا أيضاً أن استخدامه يؤثّر على الجنين تأثيراً بالغاً، وكان الحمل أقل من أربعة أشهر، فأرجو أن لا حرج في إجهاض الحمل وإنزال الجنين؛ احتمالاً للضرر الأخف لدفع ضرر أكبر.
أما لو أمكن تأخير الدواء، أو كان الحمل قد تجاوز أربعة أشهر، فلا يجوز إجهاضه إلا إذا كان بقاء الحمل يؤدي لوفاة الأم أو ضررها.
ولذا فالفتوى معتمدة على ما يقرره الأطباء المختصون الثقات حسب التفصيل السابق. والله الموفق.(16/288)
كفالة بأجرة!
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/01/1427هـ
السؤال
استأجر أحد العمال محلاً بماله الخاص، وطلب مني أن أكون كفيله، بشرط أن يعطيني 500 ريال شهرياً، وهو راضٍ، علماً أنه يتكفل بمبلغ نقل الكفالة وتجديد الإقامة والكهرباء والهاتف، فهل هذا العمل جائز؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا من التستر الممنوع نظاماً، وبالتالي لا يجوز شرعاً؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم". [النساء: 59] .
وما دام ولي الأمر منع ذلك فلا يجوز التستر على العمالة، ويلزم إعطاؤهم ما تم الاتفاق عليه معهم، وإذا أعطيتهم زيادة على ذلك فلا حرج، سواء كان نسبة أو غيرها، لكن دون أن يكون العمل لهم؛ لأن في ذلك مساوئ كثيرة، وأضراراً على البلاد والعباد، وتضييقاً على المواطنين الذين يبحثون عن الأعمال، ثم إن مبلغ نقل الكفالة على الكفيل الجديد حسب الأنظمة، فكيف تحمِّله العامل، وليس رضاه مبرراً للوقوع في المحذور، وفقك الله لطيب المطعم، وتقبل منا ومنك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/289)
هل كان علي -رضي الله عنه- أحق بالخلافة؟
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 06/03/1427هـ
السؤال
هل اغتصب كلٌ من أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان -رضي الله عنهم- حق الخلافة من علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وما مدى صحة هذا القول؟ وهل أخطأ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عندما أحرق بالنار؟ وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يعذب بالنار إلا رب النار"؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد ثبتت الخلافة لأبي بكر الصديق بالنص، كما في حديث جبير بن مطعم -رضي الله عنه- قال: أتت امرأة النبي -صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن ترجع إليه. قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ كأنها تريد الموت، قال: "إن لم تجديني فأتي أبا بكر". أخرجه البخاري (7220) ، ومسلم (2386) .
وفي الحديث الآخر عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه: "ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر". أخرجه البخاري (5666) ، ومسلم (2387) .
وفي رواية عند أحمد (23608) : "لكيلا يطمع في أمر أبي بكر طامع".
وأحاديث أخرى، وفيها فضله على بقية الصحابة، مثل: "لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت ابن أبي قحافة خليلاً ولكن صاحبكم خليل الله". صحيح البخاري (467، 3656) ، وصحيح مسلم (532، 2383) . وغير هذا كثير من النصوص التي يفهم منها أن أبا بكر هو الخليفة بعد رسول الله، وتقديمه في الصلاة من أوضح ذلك.
أما عمر فأيضاً منصوص على خلافته بعد أبي بكر، وذلك مستنبط من مثل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر". أخرجه أحمد (222161) ، والترمذي (3662، 3805) ، وابن ماجة (97) . ولكون عمر أفضل الأمة بعد أبي بكر وهذا في نصوص كثيرة جداً، مثل حديث نزع الدلو من القليب. صحيح البخاري (3682) ، وصحيح مسلم (2393) . وحديث التحديث. صحيح البخاري (3469) ، وصحيح مسلم (2398) . وتثبت الخلافة له أيضاً بتفويض أبي بكر.
وأما عثمان فلفضله بعد عمر، ولاختيار علي له وبقية العشرة المبشرين بالجنة، وتقديم كل الصحابة له في الخلافة والأحاديث كثيرة في بيان فضله بعد عمر.
وأما علي فلمبايعة الناس له، لأنه في الفضل بعد عثمان في أحاديث كثيرة.
فلم يغتصب أحد من هؤلاء الأربعة الخلافة، إنما قال من قال ذلك بناء على تصوره الفاسد في صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وردهم للنصوص الشرعية، وما اتفق عليه الصحابة أنفسهم وأقروه وأحبوهُ وخاصة الأربعة في بعضهم.
وعلي -رضي الله عنه- آخر الخلفاء خلافة نبوة، ومعاوية أول الخلفاء في الملك. أي أنه أول ملك من ملوك الإسلام.
واجتهد علي في تحريق الزنادقة بالنار، لأنهم مرتدون ومستحقون ذلك، والمسألة خلافية بين الصحابة، فمنهم من أجازها ومنهم من لم يجز التحريق بالنار.
وكذلك في القصاص. وعلي -رضي الله عنه- مجتهد في ذلك وقد فهم أنه جائز، ولا نقول: أخطأ خطأ يؤاخذ به، ويؤثر في منزلته وفضله وعلمه. والله أعلم.(16/290)
هل يقع هذا ظهاراً؟
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/01/1427هـ
السؤال
أنا شاب متزوج، علاقتي بزوجتي جيدة، ولكنها حين تغضب مني تفقد أعصابها، وتنهال بالدعاء عليَّ، وفي إحدى المرات ازداد دعاؤها قسوة حتى وصل إلى اللعنة، فغضبت وقلت لها: (إذا دعوتِ عليَّ مرة أخرى فستحرمي عليَّ كما تحرم عليَّ أمي، وتكوني طالقًا، لكني لم أتلفظ بكلمة طالق، وإنما كتمتها، ولم تكن نيتي طلاقها أو تحريمها، بل لردعها عن عمل قد يهدم حياة سعيدة. لكنها دعت عليَّ مرة أخرى، فهل يعد هذا ظهاراً؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فذهب جمهور العلماء إلى أن الظهار يصح معجلاً أو معلقاً بشرط. انظر: المبسوط (6/232) ، مواهب الجليل (4/52) ، شرح الزرقاني (3/230) ، المحرر (2/90) ، الإقناع (3/586) ، المبدع (8/40) ، التنبيه (186) ، المهذب (2/113) .
فعلى هذا يكون ما حصل منك ظهاراً، وتلزمك الكفارة المنصوص عليها في قوله تعالى: "والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم" [المجادلة:2-3] .
ولا يحل لك وطؤ زوجتك حتى تُكفَّر؛ للآية السابقة، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- للمظاهر: "لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به". رواه الترمذي (1199) ، والنسائي (3457) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- وقال الترمذي: حسن غريب صحيح. كما حسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (9/433) .
أما ما يتعلق بالطلاق، فبما أنك لم تتكلم به فلا شيء عليك؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم به" رواه البخاري (6664) ، ومسلم (127) ، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وقال الترمذي بعد روايته هذا الحديث برقم (1183) ما نصه: والعمل على هذا عند أهل العلم أن الرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيءٌ حتى يتكلم به. أ. هـ. وانظر: نيل الأوطار (6/290) . والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/291)
زيادة (حي على خير العمل) في الأذان!
المجيب أ. د. ياسين بن ناصر الخطيب
أستاذ بقسم القضاء في جامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/02/1427هـ
السؤال
في بلادنا يُؤذَّن في بعض المساجد بزيادة (حيّ على خير العمل) فما حكم ذلك، وما الوارد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد اتفق الفقهاء الأربعة على أن (حي على خير العمل) ليس من الأذان، ولا قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في نيل الأوطار (2/19) : إن الفقهاء الأربعة لا يختلفون في أن (حي على خير العمل) ليس من ألفاظ الأذان.
وقد بيَّن ابن تيمية أن بعض السلف كان يقولها لسبب، ففي كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه (23/103) أن (حي على خير العمل) لم يكن من الأذان الراتب، وإنما فعله بعض الصحابة لعارض تحضيضاً للناس على الصلاة.
وفي المحلى لابن حزم (3/160) : وقد صحَّ عن ابن عمر وأبي أمامة بن سهل بن حنيف أنهم كانوا يقولون في أذانهم (حي على خير العمل) ، ولا نقول به؛ لأنه لم يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا حجة في أحد دونه.
وأيضاً في فتاوى ابن تيمية في الفقه (35/137) بين أن ذلك شعار الرافضة، فقال: وفي دولة المستنصر كانت فتنة البساسري في المائة الخامسة سنة خمسين وأربعمائة لما صار البساسري خارجًا عن طاعة الخليفة بأمر الله العباسي، واتفق مع المستنصر العبيدي، وذهب بجيش إلى العراق، وأظهروا في بلاد الشام والعراق شعار الرافضة؛ كما كانوا قد أظهروها بأرض مصر، وقتلوا طوائف من علماء المسلمين وشيوخهم (كما يفعلون الآن في العراق) ؛ كما كان سلفهم قتلوا قبل ذلك بالمغرب طوائف، وأذنوا على المنابر (حي على خير العمل) حتى جاء الترك السلاجقة الذين كانوا ملوك المسلمين؛ فهزموهم وطردوهم إلى مصر. ا. هـ.(16/292)
يعمل في بنك ربوي فهل أهجره؟!
المجيب سليمان بن إبراهيم الأصقه
رئيس المحكمة العامة بمحافظة بلقرن
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 02/05/1427هـ
السؤال
لي صديق من المقربين، يعمل في مؤسسة ربوية (البنك) علما أن هذه المؤسسة مالها حرام، أي أن الموظفين مداخيلهم الشهرية من هذا المال!
هل يجوز لي أن أصاحب هذا الصديق؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالنصيحة هي: أنك تستمر في دعوته ونصيحته لترك العمل في المؤسسة الربوية، وتبين له "أن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ملعونون" من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن آكل الربا محارب لله ورسوله ماله ممحوق البركة، ودعاؤه مردود عليه، وإذا مات على ما هو عليه كان في قبره في نهر من دم يسبح فيه ويلقم الحجارة، وإذا قام يوم القيامة لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس كالمصروع -نسأل الله العافية-.
إن الربا من أخبث المكاسب التي تدخل جوف ابن آدم ولا يجوز للمؤمن أن يكون عونا عليه، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ولا بأس أن تهجره بسبب هذه المعصية عَلَّ ذلك ينفع معه، فإن أصر واستمر على غَيِّه ولم تكن له أي حجة إلا اتباع الهوى فإنه يجب عليك أن تبغضه في الله لهذه المعصية العظيمة، مع أنك تحبه للإسلام فإن الشخص الواحد قد يجتمع فيه من أسباب الولاء والمحبة وأسباب البراء والبغض ما يجعله يحب من وجه ويبعض من وجه. وهذا على المذهب الحق من مذهب أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح.
وبعد هذا فإن أصر على ما هو عليه، فإني لا أرى لك أن تصادقه وتجعله من أصحابك وخلانك، ولا مانع من إبقاء العلاقة العامة معه لأجل النصح، ولما له من صفات حميدة أخرى، مع تعاهده بالتذكير بين حين وآخر وتنويع ذلك بالأساليب المناسبة المؤثرة مرة بكلمة ومرة بزيارة ومرة بشريط وتستغل المناسبة الملائمة قال صلى الله عليه وسلم: "وكونوا عباد الله إخوانا" أخرجه مسلم (2564) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وقال صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة". قلنا: لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" أخرجه مسلم (55) من حديث تميم الداري رضي الله عنه. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/293)
هل الاستهزاء بالرسول إشارة لنصر قريب!
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/04/1427هـ
السؤال
لقد سمعت مرات عديدة أنه إذا استهزئ بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك يعد إشارة لنصر قريب للمسلمين.
هل هناك أي دليل على هذا؟
الجواب
لا يوجد نص قاطع في هذه المسألة، إنما هناك إشارات والإشارة -إشارة النص- قد يعمل بها العلماء إذا لم تعارض صريحه، من هذه الإشارات قوله جل وعلا: "إنا كفيناك المستهزئين" [الحجرك95] . وهؤلاء أناس استهزؤوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فدعا عليهم فأهلكهم الله جميعاً.
ومن هذه الإشارات "إن شانئك هو الأبتر" [الكوثر:3] . أي المقطوع والمبتور، وهو مبتور البركة، مقطوع النسب، ومن هذه الإشارات "فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم" [البقرة:137] .
هذه إشارات تدل على أن المستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم سيهزم، وأنه يكفى شره وهمه، وبالتالي فالمسألة فيها إشارات وليست فيها نصوص، ومع ذلك -والحمد لله- نشاهد أن هؤلاء الذين استهزؤوا أدوا إلى تجمع المسلمين وإلى توحيد صفوفهم من الشرق إلى الغرب، ومن الجنوب إلى الشمال، وهذه ظاهرة من بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتوجها بالنصر المؤزر والفتح المبين.(16/294)
هل لزوجتي حق في بيت مستقل؟!
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/04/1427هـ
السؤال
كنت أعيش مع زوجتي في بيت مستقل حتى فقدت وظيفتي، فاضطررت للإقامة مع والدي في بيته حتى أجد عملاً. وزوجتي حامل الآن، وتقول: إنها لا تستطيع أن تعيش معي في بيت والدي، وقد ذهبتْ وسكنتْ مع أمها في مدينة أخرى. فما هي حقوقها الشرعية؟ وهل لها الحق في عدم الإقامة معي في بيت والدي مع ما أعانيه من ظروف مالية صعبة.
أريد معرفة الحقوق الشرعية لكل واحد منا في مثل ظروفي الحالية؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فعليك أخي الكريم أن تؤمن لها بيتاً مستقلاً، لأن هذا حق من حقوقها الشرعية عليك، فإن لم يتيسر لك ذلك لظروفك الخاصة، فيمكنك أن تتركها عند والدتها وتذهب إليها كل فترة، لأداء حقها ورعاية أحوالها.
وأحذرك أخي الكريم أن تجبرها على السكن مع أهلك، واعمل على الإصلاح بين أهلك وزوجتك، والزوج الحصيف العاقل هو الذي يستطيع ذلك -بإذن الله-.
وعليك بالرفق في أمورك، والحلم والصبر على زوجتك، لأن "المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته". وفي رواية: "وكسرها طلاقها"، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- صحيح البخاري (3331) ، ومسلم (1468) . واحرص على بذل الأسباب للحصول على بيت يجمعك بزوجتك، وتذكر قوله تعالى: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" [الطلاق:2-3] . وفقك الله لكل خير، ويسر لك أمرك، وأصلح أحوالك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/295)
السَّلَم في النقدين
المجيب د. توفيق بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بتبوك
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 02/05/1427هـ
السؤال
هل يجوز السلم في الذهب، والفضة، والدراهم، والدنانير.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالسَّلَم جائز في الدنانير، والدراهم، إذا سلم فيهما عرضا; لأنهما وزن معلوم, فهو حلال بنص كلامه عليه الصلاة والسلام، وقال فريق من أهل العلم: لا يصح في الدراهم والدنانير إذ هي ثمن الأشياء. وما نعلم لهم حجة أصلا.
وجائز أن يسلم البر في دقيق البر, ودقيق البر في البر, متفاضلا، وكيف أحب الطرفان، وكذلك الزيت في الزيتون، والزيتون في الزيت، واللبن في اللبن, وكل شيء حاشا الذهب في الفضة أو الفضة في الذهب، فلا يحل أصلا، أو التمر, والشعير, والبر, والملح، فلا يحل أن يسلف صنف منها, لا في صنفه ولا في غير صنفه منها خاصة, وكلها يسلف فيما ليس منها من المكيلات والموزونات, وحاشا الزرع أي زرع كان, فلا يجوز تسليفه في القمح أصلا, وحاشا العنب والزبيب، فلا يجوز تسليف أحدهما في الآخر كيلا, ويجوز تسليف كل واحد منهما في الآخر وزنا.
والدليل عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" صحيح البخاري (2239) ، (2241) ، وصحيح مسلم (1604) . فلم يستثن عليه الصلاة والسلام من ذلك شيئا, حاشا الأصناف المذكورة فقط.
وذهب فريق من أهل العلم إلى أنه يصح في الذهب، والفضة، والنحاس، والرصاص، والحديد، ولو مصنوعة ما لم يعظم التفاوت، ويذكر المجوف والمصمت ولا يصح في المحشو لجهالته.(16/296)
يعمل في شركة تروِّج للدخان
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/03/1427هـ
السؤال
أعمل بمكتب تخليص أوراق واعتمادات مالية، والمشكلة أن عمل المكتب الأساس هو مع شركات الدخان، ويريد أن يأخذ توكيلاً لإحدى الشركات الأمريكية الكبرى في تجارة الدخان، فهل عملي بالمكتب حلال أم حرام؟ علما أن عملي المراسلة، وتخليص الأوراق لمدير الفرع الذي لا يعمل معه أحد غيري.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن الدخان فيه خلاف مشهور بين العلماء المعاصرين، ما بين محرم له لأضراره المعلومة، وما بين من يرى كراهته ولا يصل إلى درجة التحريم، ونتيجة هذا الخلاف تحدد حكم معاملتك.
والذي نراه قوة أدلة القائلين بالتحريم، وعليه عدم جواز التعاون في هذا المجال؛ فإن مشاركتك في تخليص البضائع هو تعاون على ذلك. وعليه فلا يجوز لك أن تتعاون على تخليص الأمور المحرمة؛ لأنه تعاون على الإثم، وقد قال المولى سبحانه: "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة:2] . لاسيما إذا كان أمراً مكرراً، ومع وجود عمل بديل، ومن ترك أمراً لله عوضه الله خيراً منه. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.(16/297)
من هم الصابئة؟!
المجيب د. عبد العزيز بن عمر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/01/1427هـ
السؤال
من هم الصابئة، وهل تنتمي هذه الفئة إلى الإسلام، ولماذا ذكرت في القرآن؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فبالنسبة لطائفة الصابئة فهي طائفة تنقسم إلى قسمين:
1- الصابئة الحرّانيون: وهذه الطائفة هي التي أُرسِل إليها الخليل إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وهم عبادُ أوثان يعبدون الكواكب، وكان لها بيوت (هياكل) عبادةٍ، ومن وإلى هؤلاء انتسب الفلاسفة الملاحدة القائلون بتأثير الكواكب على أهل الأرض.
2- الصابئة المندانيون: وهؤلاء هم الباقون اليوم، ويعتبرون النبي يحيى بن زكريا -على نبينا وعليه السلام- نبياً لهم، ولم ينس هؤلاء أيضاً تقديس الكواكب والتوجه إليها، ويعتبر الاتجاه نحو نجم القطب الشمالي والتعميد الذي عند النصارى من أهم طقوسهم، وقد أجاز أغلب الفقهاء أخذ الجزية منهم، وقاسوهم بأهل الكتاب.
كما يدعي الصابئة المندانيون بالذات أن دينهم يرجع إلى آدم -عليه السلام- كما ينتسبون إلى سام بن نوح، ويعتبرون أنفسهم ساميين، وكانوا يُقيمون في القدس، وبعد الميلاد طُردوا من فلسطين، فهاجروا إلى حران بالعراق، وهناك ظهرت الصابئة الحرانية الوثنية متأثرة بالوثنيات في تلك الأحياء، ومن حران هاجروا إلى جنوب العراق وإيران، ولا يزال لهم وجود إلى اليوم، ويعرفون هناك بصابئة البطائح، ولهم كتبٌ بالسريانية، ويعتقدون بوجود الإله الخالق الأزلي الذي لا تناله الحواس، غير أنهم يجعلون بعد هذا الإله ثلاث مائة وستين شخصاً يخلقون ويفعلون أفعال الإله، هؤلاء الأشخاص ليسوا آلهةٌ ولا ملائكة، هم الذين يعلمون البرق والمطر والشمس والليل، وكل واحدٍ من هؤلاء يعلم الغيب وله مملكته الخاصة به في عالم الأنوار، كما يعتقدون أن مسكن هؤلاء الأشخاص في الكواكب ولهذا يقدسون الكواكب، ولهم صلاة يؤدونها قبيل الشروق وعند الزوال وقبيل الغروب، ويستحبونها جماعة في أيام الآحاد والأعياد، هذه الصلاة فيها وقوفٌ وركوع وجلوس على الأرض، لكن من دون سجود، تستغرق هذه الصلاة أكثر من الساعة، يتوجَّه المصلي تجاه الجدي بلباسه الطاهر حافي القدمين، يتلو فيها سبع قراءات يمجد فيها الرب مستمداً منه العون طالباً منه تيسير اتصاله بعالم الأنوار.
والصابئة يحرِّمون الصيام؛ لأنه تحريم لما أحلَّ الله، لكنهم يمتنعون من أكل اللحوم المباحة لمدة ستة وثلاثين يوماً متفرّقة طوال السنة، والطهارة مفروضة على الذكر والأنثى سواء بلا تمييز، وتكون الطهارة في الماء الجاري غير المنقطع عن مجراه الطبيعي، لذا تجد أن سكناهم يكون بجوار الأنهار، ولهم وضوء يشبه الوضوء عند المسلمين في صلاتهم، غير أن المتوضئ يجب أن يكون متوجهاً نحو نجم القطب الشمالي، وللوضوء مفسدات كالبول والغائط والريح ولمس الحائض والنفساء.
وقد ورد ذكر الصابئة في القرآن الكريم مقروناً باليهود والنصارى والمجوس والمشركين، وقد تأثر الصابئة باليهود والنصارى والمجوس أكثر من غيرهم.(16/298)
يعمل غالبيتهم في العراق في صياغة الفضة والساعات والأواني والقوارب والخناجر والحدادة، وتكاد تنحصر هذه الصناعة فيهم، وليس لديهم أي طرح سياسي، والحمد لله.(16/299)
إعمال المصالح المرسلة في العبادات
المجيب د. محمد بن حسين الجيزاني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/02/1427هـ
السؤال
هل المصلحة المرسلة تشمل العبادات؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الاستصلاح أو المصلحة المرسلة نوع دقيق من أنواع الاجتهاد، وباب واسع من أبواب الرأي.
وهذا الرأي ليس رأياً مجرداً عن الدليل، بل هو مقيد بضوابط، وذلك أن المصلحة المرسلة لا تعتبر حجة إلا إذا كانت مندرجة تحت مقاصد الشريعة، محققة لها.
ومن هنا يمكن أن نقول: إن المصلحة المرسلة لا مدخل لها في التعبدات المحضة، كأفعال الصلاة وأفعال الحج وأنصبة المواريث ومقادير الكفارات والعدد والحدود.
فجميع هذه المسائل تعبدية توقيفية، لا مجال فيها للرأي، ولا مدخل فيها للاجتهاد.
إلا أن الاستصلاح ربما يقع في بعض العبادات، لكنه إنما يقع في وسائلها المطلقة لا في ذات العبادة وأصلها، ولا يقع أيضاً في وسائلها التوقيفية التي ورد بها الشارع.
ومن الأمثلة على ذلك أن استقبال القبلة ودخول الوقت أمور تعبدية لابد من تحقيقها بالنسبة إلى الصلاة، وقد يستعان في معرفة القبلة بالبوصلة أو غيرها، وبالساعة في معرفة وقت الصلاة، فكل هذا من قبيل الوسائل التي أطلقها الشارع، وتندرج تحت قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به) .
ومن ذلك أيضاً: إنشاء طابق ثان للطواف والسعي والصلاة في المسجد الحرام، ومثل إنشاء جسر متعدد الأدوار للجمرات.
وإذا تأملنا ما ورد عن الصحابة -رضي الله عنهم- في المصلحة المرسلة وجدناه في أحد بابين:
إما في أمور ليست من قبيل العبادات، وإنما هي مصالح عامة وأمور عادية، مثل تدوين الدواوين وتضمين الصناع، وإما في أمور تتعلق بالعبادة لكنها من قبيل الوسائل التي لا يتحقق مقصود الشارع إلا بها، كجمع القرآن وكتابة السنة المطهرة.
وبهذا يظهر الفرق جلياً بين الاستصلاح والابتداع، حيث إن الابتداع إنما يكون في الأمور التعبدية. والله أعلم.(16/300)
هل الأذان داخل المسجد بدعة؟!
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 01/02/1427هـ
السؤال
ما حكم الأذان داخل المسجد وعلى مكبر الصوت؟، وهل هناك حديث أو أثر يدل على أن بلالاً -رضي الله عنه- كان يؤذن خارج المسجد؟ وإن وجد فهل يدل ذلك على بدعية الأذان داخل المسجد؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيعرِّف الفقهاء الأذان بأنه "الإعلام بدخول وقت الصلاة بذكر مخصوص"، فالحكمة من مشروعية الأذان إذاً هي إعلام الناس بدخول وقت الصلاة، وعليه فلابد من إبلاغ الأذان مسامع الناس، وأفضل الوسائل في الإعلام بدخول الوقت هو ما يستعمل في المساجد من هذا الجهاز الذي يبلغ به صوت المؤذن إلى أقصى قدر ممكن دون عناء للمؤذن، ودون خروجه خارج المسجد.
وأما قبل هذا الجهاز فكان الناس يرتقون للأذان خارج المسجد، كما كان يفعل بلال -رضي الله عنه- لأن الارتقاء يحقق الحكمة من مشروعية الأذان، إذ لا إعلام بدون ذلك.
روى أبو داود (519) والبيهقي (1/425) عن امرأة من بني النجار قالت: كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر، فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر فإذا رآه تمطى ... الحديث.
والقاعدة لدى علماء الأصول أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدما، فالأذان إنما شرع لأجل إعلام الناس بدخول الوقت، فإذا كان الأذان عبر جهاز (ميكروفون) داخل المسجد أبلغ، فالأذان بداخله أولى؛ لأنه أبلغ في الإعلام وهذا هو المقصود بالأذان.
ولهذا ذكر الفقهاء أنه يسن في المؤذن أن يكون صيِّتا، أي رفيع الصوت؛ لحديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- أنه قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قم مع بلال فإنه أندى وأمد صوتاً منك، فألق عليه ما قيل لك وليناد بذلك". رواه أبو داود (499) ، والترمذي (189) وغيرهما.(16/301)
هل يصح هذا الحديث؟
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/01/1427هـ
السؤال
هل هناك حديثٌ معناه: سيظل المؤمن ألف سنة في الجنة قبل أن يرى كل ما أُعِدَّ له من النِعَم؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلا أعرف حديثاً صحيحاً بهذا المعنى، ولكن في الكتاب والسنة الصحيحة ما يدل على عظم نعيم الجنّة، وأنه فوق ما يظنّه الظانون، وأجل مما يتمنّاه المتمنون، كما قال تعالى: "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون" [السجدة:17] ، وقال صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". أخرجه الشيخان [صحيح البخاري (3244) ، وصحيح مسلم (2824) ] .
كما أن أهل الجنّة يُزاد في نعيمهم وفي لذتهم، كما صحّ عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن في الجنة سوقاً، يأتونها كُلَّ جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسناً وجمالاً. فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً". أخرجه مسلم (2833) .
ومع هذا النعيم المقيم الأبدي، والذي هو شاملٌ لكل نعيم معنوي وحسِّي، فعلى المسلم أن لا يخشى من سأم النعيم في الجنة، لأنّ السأم يناقض التلذّذ بالنعيم، فهو يناقض أبدّية نعيم الجنّة الثابت في آيات كثيرة وأحاديث جمّة. ولذلك كان من دعاء أهل الجنة في الجنة: "الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب" [فاطر:34-35] ، فقد نزَّههم ربُّهم -عز وجل- عن كل صنوف الحزن، والتي منها الملل.
نسأل الله لنا وللسائل الفوز بالجنة والنجاة من النار.
والله أعلم والحمد لله على إفضاله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله.(16/302)
هل تحل لي جائزة هذه المسابقة؟!
المجيب محمد الحسن الدَّدَوْ
الداعية الإسلامي المعروف
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/02/1427هـ
السؤال
قبل عدة أشهر قمت بشراء سيارة من إحدى الوكالات، وعندما عملت الإجراءات الأخيرة فإذا بمندوب المبيعات يقول لي: وقِّع على أوراق الدخول في المسابقة، وأنا لم أكن أعلم بذلك تماماً، وبعد شهر أو شهرين إذا باتصال من الوكالة يخبرني بأنني فزت بجائزة قدرها (25 ألفاً) ، فما حكم هذه الجائزة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن هذا المال حلالٌ لك إذا كان أتاكَ من غير مسألة ولا استشرافِ نفس، ولا مشاركة في قمارٍ أو مَيْسرٍ.
فمن المعلوم مِن الدِّينِ بالضرورة أن مَن وُهِب له مَالٌ هبَةً غير مشروطة مِن طرفٍ مَاضي التصرف في ماله مسلماً كان أو كافراً فهو حلال لهُ. وقد قبل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- هدية المقوقس ملك مصر. انظر معجم الطبراني الكبير (3497) ، والمستدرك (6901) ، والإصابة (6/297) . والله أعلم.(16/303)
عشرة أسئلة حول ينساب
المجيب د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/11/1426هـ
السؤال
مجموعة أسئلة عن ينساب.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد كنت كتبت فتوى بينت فيها جواز الاكتتاب في شركة ينساب، وقد ورد إلى الموقع استفسارات كثيرة جداً عن بعض النقاط المتعلقة بالفتوى، وفيما يلي أبرز هذه الأسئلة وإجاباتها:
1- هل سبقكم أحد إلى القول بجواز المساهمة في مثل هذه الشركة؟.
نعم، فهذا هو رأي العلامة الشيخ محمد العثيمين، والشيخ عبد الله بن بسام رحمهما الله، وعليه العمل في معظم الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية، وأنصح الإخوة الذين اكتتبوا أن يحضروا الجمعية العمومية الأولى التي ستعقد بعد الاكتتاب مباشرة لحث المسئولين على التقيد بالضوابط الشرعية.
2- جاء في نشرة الإصدار أن الشركة وضعت أموالها بودائع ربوية، فهل يعد المساهم بذلك موكلاً للشركة بهذا التصرف؟ وهل يعتبر الاكتتاب إعانة للشركة على التعامل بالربا؟
لا يعد موكلاً لها بذلك. فالوكالة منتفية هنا؛ لأن هذا الإيداع سابق لإنشاء الشركة وللاكتتاب، وهو تصرف من شركة سابك -المؤسس الرئيس للشركة-.ولا يعد المساهم بذلك معيناً على التعامل بالربا؛ لأن الأموال التي وضعت في الودائع هي الأموال الخاصة بالمؤسسين، كما نصت على ذلك نشرة الإصدار. وأما أموال المكتتبين (المساهمين) ، فإنها توضع في حسابات جارية - (أي بلا فوائد) - لدى البنوك المستلمة، وحيث إن الشركة لم تتأسس إلى الآن، فسيتم ضم أموال المساهمين مع أموال المؤسسين وقت التأسيس -أي بعد التخصيص- ثم تصرف تلك الأموال في تنفيذ المشروع الذي بدأت به شركة سابك.
3- إذا كانت أموال المؤسسين قد حققت فوائد، فهذا يعني أن بعض موجودات الشركة محرمة، فهل يحرم الاكتتاب؟ لأن المساهم سيملك هذا الجزء المحرم.
هذا غير صحيح؛ لأمرين: الأول: أن المساهم لا يملك موجودات الشركة، إذ إن من خصائص الشركة المساهمة أن لها شخصية اعتبارية مستقلة عن المساهمين، وموجوداتها ملك لها وليست ملكاً للمساهمين، والمساهم يملك أسهماً تعطيه حقوقاً في الشركة وليست حصة شائعة فيها، ولو قيل: إن الأسهم حصص شائعة في موجودات الشركة المساهمة لكانت أسهم البنوك الإسلامية أشد تحريماً من أسهم الشركات ذات النشاط المحرم؛ لأن أغلب موجودات البنوك الإسلامية نقود وديون، فالذي يبيعها إنما يبيع نقوداً وديوناً، وهو
أمر لا يجوز، بل ويلزم على ذلك تحريم تداول أسهم أي شركة، إذ لا تخلو موجودات أي شركة من نقودٍ وديونٍ مقصودة فيها.
والثاني: وعلى فرض أن موجودات الشركة مملوكة للمساهمين، فإن نسبة الجزء المحرم في الشركة لا يتجاوز واحد بالألف من أصولها (الفوائد 4.3 مليون، والأصول 5 مليار) وهذه النسبة ضئيلة جداً لا تقتضي تحريم السهم كله، بل يتخلص من الجزء المحرم منه ويبقى ما عداه مباحاً، فعلى هذا متى ما حصل المساهم على شيءٍ من إيرادات الشركة التي توزعها والودائع باقية بحالها فإنه يخرج واحد بالألف من تلك الإيراد، وبذا لايكون قد دخل ماله شيء محرم.
4- هل يفهم من الكلام السابق أن الربا اليسير مباح؟(16/304)
حاشا لله من ذلك، فالربا محرم كله يسيره وكثيره، وإنما الإثم على المؤسسين والقائمين على الشركة، وأما المساهم الذي لم يرض بذلك فإنه لم يملك هذا الربا ولم يعن عليه؛ لأن الأسهم صكوك مالية تتأثر بالعرض والطلب لا بنشاط الشركة، وتداولها منفصل عن الشركة.
5-ذكرتم أن نسبة الربا في أموال المؤسسين واحد بالألف مع أنه ذكر في نشرة الإصدار أن نسبة الفائدة على أموال المؤسسين 4.85%.
النسبة التي ذكرت في السؤال وهي 4.85% هي الفائدة السنوية المستحقة على أموال المؤسسين، إلا أن مدة بقاء هذه الأموال في الودائع إلى وقت التأسيس لا تتعدى بضعة أسابيع، فالفائدة المستحقة عليها خلال هذه الفترة لا تتجاوز واحداً بالألف.
6- هل صحيح أن نسبة الاستثمارات المحرمة 80% ونسبة الإيرادات المحرمة 100%؟ وبهذا لا تنطبق على الشركة المعايير التي يضعها المجوزون للشركات المختلطة.
هذا الكلام غير صحيح، فإن الشركة لا تخرج عن المعايير التي يضعها القائلون بالمختلطة؛ لأمرين: الأول: أن من العلماء من يرى جواز المساهمة في الشركات المختلطة التي نشاطها في أغراضٍ مباحة بصرف النظر عن نسبة القروض أو الاستثمارات المحرمة التي عندها، ومن هؤلاء العلامة الشيخ محمد العثيمين والعلامة الشيخ عبد الله بن بسام رحمهما الله.
والثاني: أن الهيئات الشرعية التي تضع معايير لاستثمارات الشركة وإيراداتها المحرمة تقصد من ذلك التأكد من أن الشركة لا تعتمد في دخلها على الاستثمارات النقدية المحرمة وإنما تعتمد على الأنشطة التشغيلية، وشركة ينساب لم تتأسس بعد فضلاً عن أن تكون قد بدأت نشاطها، وهذه المرحلة هي مرحلة تجميع الأموال للبدء في النشاط. فمعاملة الشركة تحت التأسيس بالشركة القائمة بمعيار واحد حرفية تدل على عدم فهم المقصود من هذا المعيار.
ومع ذلك فإن استثمارات شركة ينساب وإيراداتها المحرمة لا تتعارض مع معايير الهيئات الشرعية؛ لأمور:
1-أن الإيرادات والاستثمارات المذكورة في نشرة الإصدار متوقعة في لحظةٍ زمنيةٍ قادمة، ومن المؤكد أن تلك التوقعات ستتغير بشكلً جذري قبل تلك اللحظة وبعدها، بينما معايير الهيئات الشرعية تتحدث عن بنودٍ محققة في فترة سابقة.
2- أن الشخص حين يكتتب فإنه يدفع المال مقابل أسهمٍ خاليةٍ تماماً من أي فائدة أو استثمار محرم؛ لأن أموال الاكتتاب هي زيادة في رأس المال، وليست شراءً لحصةٍ موجودة في شركةٍ قائمة.
3-أننا حين نقيم الشركة من الناحية الشرعية فإننا ننظر إلى الأموال التي تدفقت على خزينة الشركة خلال فترة معينة، والأموال المتدفقة على الشركة خلال فترة التأسيس منها خمس مليارات أموال مباحة –وهي رؤوس أموال المؤسسين والمساهمين- وتعادل تسعمائة وتسعة وتسعين بالألف من أموال الشركة، وأربعة ملايين –وهي فوائد على أموال المؤسسين- وتعادل واحد بالألف من أموال الشركة.
7- هل صحيح أن الشركة اقترضت من سابك مبلغ مليار ومائتي مليون ريال وسترد هذا القرض بفائدة تساوي عشرة ملايين ريال، وأن نسبة القرض المحرم 17%، ونسبة الفائدة إلى المصروفات 7.5%؟(16/305)
هذا غير صحيح، فسابك بدأت بتنفيذ المشروع لصالح ينساب وستخصم تكلفة المشروع الذي نفذته من حصتها في الشركة الجديدة، فالعقد هنا ليس عقد قرضٍ أصلاً، ويدرج هذا التعامل في جميع الشركات تحت بند (ديون تجارية دائنة) ويدخل تحته عقود التوريد والمقاولات والبيوع الآجلة ونحوها من المديونيات. وفرق كبير بين القرض والدين، فالدين أعم من القرض، ولو اعتبر هذا قرضاً لحرمت جميع الشركات إذ لا تخلو أي شركة أو مؤسسة تجارية من ديون مستحقة. وأما العشرة ملايين فهي خدمة إسناد مستحقة للجهة المشرفة على تنفيذ المشروع فلا تكيف لاشرعاً ولا نظاماً ولا محاسبياً بأنها فوائد.
وأما ما ذكر في السؤال من أن نسبة الفائدة إلى المصروفات 7.5% فهي مبنية على فهمٍ خاطئ، إذ يجب أن تنسب الفوائد المدفوعة –على فرض وجودها- إلى جميع المصروفات لا أن يقتصر على بندٍ واحدٍ من بنود المصروفات. فالشركة الجديدة ستدفع لسابك مليار ومائتي مليون ريال، فلو فرضنا أن العشرة ملايين ريال فوائد كما ذكر في السؤال –مع أنها ليست كذلك- فإن نسبة الفوائد 8.% أي أقل من واحد بالمائة.
8-هل صحيح أن الشركة ستأخذ تمويلاً من بعض البنوك بعد الاكتتاب بمقدار 13 مليار؟
نعم هذا صحيح، إلا أن هذا التمويل قد يكون بقروض تجارية، وقد يكون بمرابحات إسلامية، كما ذكر في نشرة الإصدار، ولن يكون هذا التمويل إلا بعد تداول أسهم الشركة بثلاثة أشهر. فعلى هذا لا بأس بالاكتتاب ولكن من أراد أن يبيع أسهمه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من بدء التداول فلا شيء عليه، وأما إن احتفظ بها إلى ما بعد ذلك فعليه أن يتابع وضع الشركة فإن كان التمويل الذي أخذته إسلامياً – وهذا هو المؤمل في القائمين على الشركة- فلا شيء عليه، وإن كان غير ذلك فقد يلزم المساهم أن يبيع أسهمه في ذلك الوقت وله ثمنها كله، ولا يلزمه إخراج شيء منها.
وسيتم بيان نوع التمويل الذي أخذته الشركة في حينه على الموقع:www.shubily.com
وإني لأرجو الله أن يكون جميع التمويل الذي ستأخذه الشركة تمويلاً إسلامياً، وأدعو القائمين على الشركة إلى تذكر الأمانة التي أنيطت في أعناقهم وأنهم سيحاسبون عليها يوم القيامة.
9- هل يجوز الاكتتاب باسم شخصٍ آخر؟
إذا كان ذلك على سبيل المشاركة كأن يقول: خذ هذا المال ولي نصف الربح ولك نصفه فيجوز، وأما إذا كان على سبيل المعاوضة كأن يقول، ساهم باسمك عني ولك ألف ريال، فلا يصح.
10- هل يجوز بيع الأسهم بعد طرحها للتداول؟
نعم، يجوز ذلك؛ لأن الأسهم صكوك متداولة، ولأن للشركة موجودات متعددة غير النقود، فقد بدئ بتنفيذ المجمع الصناعي منذ أكثر من سنة وما صرف فيه يزيد على مليار ومائتي مليون، فضلاً عن الحقوق المعنوية للشركة، ومنافع الموظفين فيها وقت التأسيس الذين يصل عددهم إلى المئات.(16/306)
وختاماً فإني أوجه النصيحة لإخواني القائمين على الشركة بأن يتقوا الله في الأموال التي تحت أيديهم، وأن يبادروا بتحويل أموال المؤسسين إلى ودائع استثمارية موافقة للشرع، وأن يكون التمويل الذي ستحصل عليه الشركة تمويلاً إسلامياً، وقد كتبت مذكر تشتمل على مقترحات لصيغة تمويل شرعية وبعثت بها إلى المسئولين في الشركة من خلال موقع شركة سابك على الانترنت، فأرجو أن يعتنوا بهذا المقترح لعله يكون أنموذجاً لتمويل شرعي يفي بحاجة الشركة وتحذوها به الشركات الأخرى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/307)
ورثوا من أبيهم أسهمًا في بنك ربوي
المجيب د. سامي بن إبراهيم السويلم
باحث في الاقتصاد الإسلامي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/01/1427هـ
السؤال
توفي والدنا، واتضح لنا أن من ضمن أملاكه أسهماً بأحد البنوك بقيمة ملايين الريالات، فماذا نعمل بها؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالواجب على من يرث أسهماً ربوية أن يبادر ببيعها فوراً، لأن هذا من التخلص الواجب من أسباب الربا، ولعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الأمة الزانية: "بيعوها ولو بضفير" صحيح البخاري (2154) ، وصحيح مسلم (1704) . والزنا والربا كلاهما من كبائر الذنوب.
وأما قيمة الأسهم وما سبق من أرباحها فالأرجح -إن شاء الله- أنه يجوز للورثة الانتفاع بها إذا كانوا محتاجين، لعموم قوله تعالى: "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف". [البقرة: 275] ، فنص على أن من باشر الربا ثم تاب فله أن ينتفع بما سلف من الربا الذي قبضه، ثم قال جل شأنه: "وأمره إلى الله" يريد -والله أعلم- إن ثبت على التوبة واستمر عليها ثبت له العفو عما سلف من الربا، وإن عاد إليه حوسب على الأول والآخر، كما تدل على ذلك النصوص الأخرى في هذا الباب.
وإذا كان هذا في حق من باشر الربا بنفسه، فمن لم يباشره كالورثة من باب أولى.
ومع ذلك يستحب للورثة أن يتصدقوا بما يتيسَّر لهم، خاصة إذا كانوا غير محتاجين للمال، كما يجب عليهم الدعاء لأبيهم بالمغفرة والرحمة والاجتهاد في ذلك. وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه. والله تعالى أعلم.(16/308)
الفتح على الإمام في الصلاة
المجيب أ. د. ياسين بن ناصر الخطيب
أستاذ بقسم القضاء في جامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/01/1427هـ
السؤال
هل يشرع الفتح على الإمام؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالفتح على الإمام: هو أن ينسى الإمام ما يريد قراءته فيذكره المصلُّون.
نعم يفتح على الإمام إذا ارتج عليه، ولم يتبين له ما يقرؤه، والأفضل أن لا تفتح عليه إلا إذا طال سكوته، ولم يتذكر ما نسيه من التلاوة؛ جاء في المغني لابن قدامة (1/395) : (إذا فتح على الإمام إذا ارتج عليه، أو ردّ عليه إذا غلط؛ فلا بأس به في الفرض والنفل، رُوي ذلك عن عثمان وعلي وابن عمر -رضي الله عنهم- وبه قال عطاء والحسن وابن سيرين وابن معقل ونافع بن جبير بن مطعم وأبو أسماء الرحبي وأبو عبد الرحمن السلمي، لما روى ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة فقرأ فيها فَلُبِسَ عليه، فلما انصرف قال لأبي بن كعب: "أصليت معنا؟ ". قال: نعم، قال: "فما منعك أن تفتح علي". رواه أبو داود، قال الخطابي: وإسناده جيد.
وعن ابن عباس قال: تردد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القراءة في صلاة الصبح، فلم يفتحوا عليه، فلما قضى الصلاة نظر في وجوه القوم، فقال: "أما شهد الصلاة معكم أبي بن كعب؟ ". قالوا: لا. فرأى القوم أنه إنما تفقدَّه ليفتح عليه. رواه الأثرم.
وروى مسور بن يزيد الكاهلي قال: شهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الصلاة فترك آية من القرآن فقيل: يا رسول الله آية كذا وكذا تركتها، قال: "فهلا ذكرتنيها". رواه أبو داود والأثرم.
ولأنه تنبيه لإمامه بما هو مشروع في الصلاة؛ فأشبه التسبيح) . ا. هـ.
وفي سنن البيهقي الكبرى (3/212) عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة ... فذكر قوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بن كعب -رضي الله عنه- وعن أنس -رضي الله عنه- قال: كنا نفتح على الأئمة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلقن بعضهم بعضاً في الصلاة. والله أعلم.(16/309)
فضيلة الجلوس بعد العصر في المصلى حتى الغروب!
المجيب د. تركي بن فهد الغميز
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/02/1427هـ
السؤال
سؤالي عن حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي فيه حثٌّ على الجلوس بعد صلاه العصر حتى تغيب الشمس، وكذلك الحديث الذي فيه الحثُّ على الجلوس لذكر الله حتى تطلع الشمس.
فهل هذان الحديثان صحيحان؟ وإذا كانا صحيحين فهل يلزم الجلوس في المسجد؟ وهل يحصل الأجر إذا جلس المسلم -بعد أداء الفريضة في المسجد- في بيته في مكان منعزل يذكر الله ويقرأ القرآن؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد ثبت في صحيح مسلم (670) عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس ... الحديث.
وهذا دال على فضيلة الجلوس في مكان صلاة الفجر حتى طلوع الشمس.
كما جاءت أحاديث متعدِّدة في فضيلة ذلك، وبيان ما فيه من الأجر، ففي بعضها: "غفرت له ذنوبه"، وفي بعضها: "كان له حجاب من جهنم"، وفي بعضها: "كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة". وفي بعض هذه الأحاديث ذكر صلاة ركعتين أو أكثر بعد طلوع الشمس، وهذه الأحاديث اختلف أهل العلم في صحتها، فمنهم من قوَّاها وعضد بعضها ببعض، ومنهم من ضعَّفها، والذي أراه أنها ليست قوية، لكن الجلوس ثابت في حديث جابر بن سمرة السابق. وهو سنة وفضيلة ينبغي الحرص عليها.
أما الجلوس بعد العصر حتى غروب الشمس، وصلاة المغرب أيضاً، فهو داخل في عموم الرباط، وقد ثبت في صحيح مسلم رقم (251) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط".
والظاهر أن الفضيلة في ذلك -بالنسبة للرجال- إنما تحصل إذا كان جلوسهم في المساجد، وليس في بيوتهم؛ لوجوب إقامة الجماعات في المساجد، ولأن هذا هو فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي قوله: "كثرة الخطا إلى المساجد" ما يدل لذلك، فإنهم إنما رابطوا في المساجد.
وأما النساء -ومن في حكمهن من المعذورين- فهذه الفضيلة تحصل بالجلوس في أماكن الصلاة. هذا ما ظهر لي في ذلك. والعلم عند الله تعالى.(16/310)
الهبة لبعض الورثة مكافأة لجهودهم
المجيب د. سعد بن تركي الخثلان
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/2/1427هـ
السؤال
هل يجوز للموِّرث أن يهب أو يعطي أو يخصص لأحد الورثة -مقابل عمله وجهده- من بعض أملاكه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا يخلو أن يكون الورثة -المشار إليهم في السؤال- أولاداً أو غير أولاد، أما إن كانوا غير أولاد، كأن يكونوا إخوة مثلاً فله أن يخصَّ بعضهم بهبة أو عطية أو هدية أو غير ذلك؛ لأنه لا يجب العدل بينهم.
أما إذا كان الورثة هم أولاده فلا يجوز تخصيص بعضهم بهبة أو عطية؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لوالد النعمان بن بشير لما أراد أبوه أن يخصه بهبة: "أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ " قال: لا. قال: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"، وفي روايه: "أشهد على هذا غيري". وفي رواية: "فإني لا أشهد على جور". صحيح البخاري (2586) ، وصحيح مسلم (1623) ، وصحيح حبان (5106) ، وغيرهم.
أما إذا كان بعض أولاده يعمل مع والده فإن هذا لا يقتضي تخصيصه، وإنما يعامل معاملة الأجنبي تماماً، فيعطيه ما يعطي الأجنبي من أجرة المثل لو قام بمثل عمله من غير محاباة. والله أعلم.(16/311)
هل هذا عذر في تأخير الصلاة؟!
المجيب د. نذير بن محمد أوهاب
باحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/01/1427هـ
السؤال
أنا طالب أدرس في استراليا، وعندما أكون خارج المنزل أو الجامعة ويدخل وقت الصلاة لا أجد مكاناً أصلي فيه، وأضطر لتأجيل الصلاة حتى أعود إلى المنزل، وأجمعها مع الصلاة التي في وقتها، وهذا يكون في الغالب.
مثلاً يدخل وقت صلاة العصر فأضطر إلى تأجيل صلاة العصر حتى أعود إلى المنزل، وقد يكون وقت العودة وقت صلاة المغرب أو العشاء، فأجمع الصلوات مع بعضها، سؤالي هل عملي صحيح؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيقول الله تعالى: "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً". [النساء:103] .
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي العمل أفضل؟ قال: "الصلاة لوقتها". أخرجه البخاري (2782) ، ومسلم (85) .
وتأخير الصلاة مشروط بعدم القدرة على الصلاة مطلقاً، والصلاة مع الإيماء، أو كيف ما يمكن أولى من تأخيرها حتى يخرج وقتها، فقد أخرج أبو داود (1249) في صلاة الطلب حديث عبد الله بن أنيس -رضي الله عنه- إذ بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خالد بن سفيان الهذلي، قال فرأيته وحضرت العصر، فخشيت فواتها، فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومئ إيماء، قال الحافظ: إسناده حسن.
وقد قال العلماء: إن تأخير النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة يوم الخندق لاشتغاله بأمر العدو، وكان هذا عذراً في تأخير الصلاة، قبل نزول صلاة الخوف، وأما اليوم فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها بسبب العدو والقتال ولا غيره، بل يصلي الصلاة على حسب الحال التي تتيسر له ولا يؤخرها.
وعليه فلا يكون عملك صحيحاً، لأن هذا الذي وصفت -من كونك خارج البيت أو الجامعة- لا يعتبر اضطراراً يبيح لك تأجيل الصلاة، ولا إكراها؛ لأن الإكراه المعتبر في العبادات هو الخوف من قتل أو ضرب أو سجن أو قيد، فمن ترك الصلاة مكرهاً فلا إثم عليه، بل لا تجب عليه، ولكن من المؤكد أن الإكراه لا يتأتى على جميع أفعال الصلاة، فإذا تمكن من الطهارة سقط عنه ما لا يقدر على الإتيان به فقط، ويفعل ما يقدر عليه من نية وإحرام وقراءة، فعليك صلاتها أينما كنت، وكيفما تيسر لك، حتى ولو راكباً تومئ بها إيماء.
وحكم الصلاة على الراحلة أو الحافلة حكم الصلاة في الخوف؛ في أنك تومئ بالركوع والسجود، وتجعل السجود أخفض من الركوع.
قال جابر -رضي الله عنه- بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق والسجود أخفض من الركوع. رواه أبو داود (1227) ، والترمذي (351) .
ثبتك الله على دينك وحفظه عليك وزادك إيماناً فسؤالك عن صلاتك دليل حرصك عليها، وعنوان إيمانك. والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(16/312)
الاكتتاب في شركة الدريس
المجيب د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/12/1426هـ
السؤال
ما حكم الاكتتاب في شركة الدريس؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمن خلال قراءة نشرة الإصدار الخاصة بالشركة تبين أن نشاطها في الخدمات البترولية والنقليات، وهو نشاط مباح، وليس على الشركة قروض أو أدوات دين. وللشركة ودائع بنكية تساوي 1% تقريباً من أصول الشركة، ولم توضح النشرة نوع تلك الودائع.
وقد تضمنت نشرة الإصدار بعض المعاملات التي لا تتفق مع الضوابط الشرعية، فمن ذلك: حصول الشركة على تسهيلات بنكية مكشوفة برسوم (ص 107) ، ودخولها في عقود تأمين تجاري (ص106) ، والنص في نظامها الأساسي على جواز إصدار سندات قروض (ص100) ، ودفع رسوم لمدير الاكتتاب مقابل ضمان تغطية الاكتتاب (ص111) ، وهو غير جائز بناءً على قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 63 في دورته السابعة. ومن المؤمل أن يبادر القائمون على الشركة إلى تصحيح هذه المعاملات وفقاً للضوابط الشرعية.
وبالنظر إلى نشاط الشركة وأن الأغلب في معاملاتها الإباحة فالذي يظهر هو جواز الاكتتاب فيها. والله أعلم.(16/313)
لماذا يُقتل المرتد
المجيب خالد بن عبد العزيز السيف
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/04/1427هـ
السؤال
هناك من الغربيين من يتحرج من الدخول في الإسلام مخافة أن يرتد فيقتل!، فلماذا يقتل المسلمون المرتد عن الدين؟ كيف تريدون للناس أن يسلموا، ثم يظلوا على إسلامهم بالإكراه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمن أهم ما يجب التركيز عليه في خطاب غير المسلم وصاحب الثقافة الغربية على وجه الخصوص، هو بيان وتوضيح أن الإسلام ليس ما يتمثله المسلمون، كما أن المسيحية ليست ما يتمثله المسيحيون، فالإسلام رسالة هداية، وشريعة ربانية ذات منظومة متكاملة في شؤون الدين والدنيا على جميع الصعد.
ويخلط كثير من غير المسلمين في فهم الإسلام، إلى جانب اختزالهم الإسلام في طقوس، وشعائر ظاهرة، تبدو لغير المسلم أنها هي الإسلام فحسب، مع أن في هذا الاختزال تغييبا لكثير من معالم الدين وجواهره.
إن الإسلام عقيدة وشريعة، والجانب العقدي فيه مقدم على الجانب التشريعي بل لا يمكن أن يقوم الجانب التشريعي إلا على أساس عقدي، ولذلك كان في بدايات الإسلام الأولى وفي العهد المكي على وجه الخصوص لم تكن هناك شعائر، ولكن كانت هناك عقائد، وكان التركيز علها في مقدم الأولويات.
فالعقيدة الإسلامية، هي: جوهر الإسلام، وهي التي بها يُقيّم دخول الإنسان في الإسلام من عدمه، والجانب العقدي في الإسلام يتمثل في الإيمان بوحدانية الله وعدم الإشراك به، كما قال تعالى: "شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وألو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم" [آل عمران: 18] ، وقال تعالى أيضاً: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " [آل عمران:64] ، وغيرها من آيات التوحيد.
ومن أصول الاعتقاد أيضاً الإيمان بأسماء الله وصفاته العليا، كما جاءت في القرآن الكريم، وأيضاً الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن كل ما جاء به فهو حق، وأن القرآن معجزته الخالدة، وغير ذلك من أصول الاعتقاد القلبية، وهذه الأصول العقدية لا تصح بالإكراه على فرض حصول الإكراه بها، وإلا فالحقيقة أن الأعمال القلبية -كأصول الاعتقاد هذه-، لا يقع الإكراه بها أصلاً، كما لا يكمن أن يكره إنسان على حب شيء أو بغضه؛ لأن الحب والبغض عملان قلبيان، والعمل القلبي لا سلطان للبشر عليه، أضف إلى ذلك أن الإيمان بأصول العقائد يلزم القلب لزوماً لأنها من باب اليقين، واليقين يحصل في القلب اضطراراً، كما يرى الإنسان الشمس تشرق أو تغرب فيتيقن عند ذلك شروقها أو غروبها، وهذا اليقين لا يمكن دفعه عن القلب أصلاً، ومثل ذلك موضوع العقائد التي مبنى الإيمان فيها على اليقين، فهي تلزم القلب لزوماً ولا يكمن أن يتصور فيها الإكراه، فمبدأ الإكراه هنا غير وارد.(16/314)
أما الجانب التشريعي من الإسلام والمتمثل في شعائر الدين الظاهرة كالصلاة، والصيام، والحج، وغيرها من الشعائر الظاهرة، وغير الظاهرة؛ فهذه جزء من الدين وليست الدين كله، ويعني ذلك أنه لو قصّر فيها المسلم -مع إيمانه بأصول الاعتقاد- لا يخرج من الدين، ولا يمكن أن يخرجه أحد من الدين، كما عليه كثير من المسلمين اليوم من تقصير في بعض شعائر الدين، ومع ذلك لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين من حقوق وواجبات.
أما افتراض السائل بأنه لو أسلم فيحتمل ألا يعجبه الإسلام، فهذا غير وارد إلا على افتراض دخوله الإسلام من غير دراسة مسبقة، ومن غير التعرف عليه من مصادره الأصلية، وأما على افتراض معرفة الإسلام معرفة حقيقية، وخصوصاً الجانب العقدي منه، فهذا مبناه على الإيمانِ، واليقينِ، والتصديقِ، والإيمانُ والتصديقُ من اختصاص القلب، ونتيجته لازمة إما التصديق، أو التكذيب، ولا يجري فيه الإعجاب أو عدمه، كما يجري في الأعمال الحسية، كما سبق توضيحه.
وإذا دخل الإيمان -الذي هو أصل الاعتقاد- القلب فلا بد أن يستحسن أعمال الجوارح التي هي شعائر الإسلام الظاهرة لأنها لازمة له، وإلا لا يمكن أن يكون مؤمناً مصدقاً في الحقيقة. وأما افتراض السائل أنه لو دخل الإسلام فقد لا يعجبه فهذا افتراض غير وارد!
قد يقال: إنه قد يستثقل مع بداية الأمر بعض شعائر الدين، أو قد يكون مقصراً فيها، فهذا أمر طبيعي، لعدم الاعتياد ومع مرور الوقت يتأقلم مع الوضع الجديد، فالاستثقال أو التقصير شيء، وعدم الإعجاب شيء آخر، كما أن الإنسان يحب أشياء وإن كان يتقاصر عن الإتيان بها ويستثقلها كأعمال البر، فيلزم التفريق هنا.
أما في موضوع الردة فقد سبق تقرير أن الإسلام لا يكون بالإكراه أصلاً، ولا يصح الإسلام في هذه الحالة على افتراض وجوده.
أما الحكمة في عقوبة المرتد فإنها تعود إلى كون الردة تغييرا للولاء، وتبديلا للهوية، وتحويلا للانتماء؛ لأن المرتد ينقل ولاءه وانتماءه من أمة إلى أمة أخرى، ومن وطن إلى وطن آخر، أي من دار الإسلام إلى دار أخرى، فهو يخلع نفسه من أمة الإسلام التي كان عضوًا في جسدها، وينضم بعقله وقلبه وإرادته إلى خصومها، ومن أجل هذا اعتبرت الخيانة للوطن وموالاة أعدائه بالإلقاء بالمودة إليهم وإفضاء الأسرار لهم جريمة كبرى، ولم يقل أحد بجواز إعطاء المواطن حق تغيير ولائه الوطني لمن يشاء ومتى يشاء، ولا يوجد مجتمع في الدنيا إلا وعنده أساسيات لا يسمح بالنيل منها مثل: الهوية، والانتماء، والولاء.
وأيضاً لحماية الإسلام من أن يكون ألعوبة كما أراده يهود المدينة في وقت النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله سبحانه وتعالى عنهم: "وَقَالَت طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون " [آل عمران:72] ، فعلوا ذلك طمعاً في زعزعة الثقة في نفوس المؤمنين.(16/315)
أما عقوبة المرتد فليست على إطلاقها فيفرق العلماء بين المرتد المجاهر الذي يحاول خلخلة الإسلام، وبين المرتد المسالم الذي انشغل بخاصة نفسه، والعقوبة على فرض تحققها لا بد أن تسبقها استتابة للمرتد، أي تبيان ما أشكل عليه من الإسلام ورد شبهاته إن كانت عنده شبهات، وهذا بإجماع الصحابة، كما ذكر ذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله، مع الاختلاف في مدة الاستتابة بعضهم يجعلها موسعة، وبعضهم على خلاف ذلك.
إلى جانب ذلك فإن الذي يحكم بردة المسلم هم الراسخون في العلم من أهل الاختصاص الذين يميزون بين القطعي والظني، وبين المحكم والمتشابه، وبين ما يقبل التأويل وما لا يقبل التأويل، فلا يكفّرون إلا بما لا يجدون له مخرجًا، مثل: إنكار المعلوم من الدين بالضرورة، أو وضعه موضع السخرية من عقيدة أو شريعة، ومثل سب الله تعالى ورسوله، أو كتابة ذلك السبِّ علانية، ونحو ذلك.
إلى جانب أن الذي يناط به تنفيذ حكم الردة هو ولي الأمر الشرعي، بعد حكم القضاء الإسلامي المختص؛ الذي لا يحتكم إلا إلى شرع الله عز وجل، ولا يرجع إلا إلى المُحْكمات البيّنات من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهما المرجعان اللذان يُرجَعُ إليهما إذا اختلف الناس، وهو الأمر الذي أكد عليه الله تعالى بقوله: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً " [النساء:59] .
وهذا مع أن في سلوك المسيحيين ما هو مشابه لموضوع المرتد، وقصة الفتاتين المسيحيتين اللتين أسلمتا، فسلمتهما الحكومة المصرية إلى الكنيسة وحلقت شعورهما ولا يعلم مصيرهما إلى الآن ليست عنا ببعيد.
إضافة إلى أن من كان جادًّا في الإسلام وهو في ديار الغرب فليس من المناسب ورود موضوع الردة في حقه، وذلك لخصوصية ثقافة وأنظمة البلاد التي يعيش فيها. والله أعلم.(16/316)
رفع اليدين عند التكبير للركوع
المجيب د. بندر بن نافع العبدلي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/12/1426هـ
السؤال
ذكر الإمام البخاري في كتاب "رفع اليدين" أثرا عن مجاهد أنه لم ير ابن عمر يرفع يديه إلا في تكبيرة الإحرام.
وورد أن ابن عمر كان يحصب من لم يكن يرفع يديه عند الركوع؟ فأي الأثرين أصح؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأثر ابن عمر -رضي الله عنهما- ضعيف من وجوه:
الأول: أن في سنده أبا بكر بن عياش، وقد تغيَّر حفظه بأخرة.
الثاني: أنه شاذ؛ فإن مجاهداً خالف أصحاب ابن عمر وهم ثقات حفاظ.
الثالث: أن إمام هذا الشأن يحيى بن معين قال: حديث أبي بكر عن حصين إنما هو توهم منه لا أصل له. كما في "رفع اليدين" للبخاري.
وقال البيهقي في كتاب "المعرفة" (1/556) : "حديث أبي بكر بن عياش هذا أخبرناه أبو عبد الله الحافظ.... فذكره بسنده، ثم أسند عن البخاري أنه قال: أبو بكر بن عياش اختلط بأخرة، وقد رواه الربيع والليث وطاوس وسالم ونافع وأبو الزبير ومحارب بن دثار وغيرهم قالوا: رأينا ابن عمر يرفع يديه إذا كبر وإذا رفع. وكان يرويه أبو بكر قديماً عن حصين عن إبراهيم، عن ابن مسعود مرسلاً وموقوفاً أن ابن مسعود كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يرفعهما بعد.
وهذا هو المحفوظ عن أبي بكر بن عياش، والأول خطأ فاحش لمخالفته الثقات من أصحاب ابن عمر.
وقال ابن حجر في الفتح (2/220) : (وأما الحنفية فعولوا على رواية مجاهد أنه -صلى خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك، وأجيبوا بالطعن في إسناده لأن أبا بكر بن عياش راويه ساء حفظه بأخرة، وعلى تقدير صحته فقد أثبت ذلك سالم ونافع وغيرهما، والعدد الكثير أولى من واحد، لا سيما وهم مثبتون وهو نافٍ مع أن الجمع بين الروايتين ممكن وهو أنه لم يره واجباً، ففعله تارةً وتركه أخرى) .
وبناء عليه فالصواب هو رفع الأيدي في أربعة مواضع في الصلاة، كما ثبت في "الصحيحين" من حديث ابن عمر المحفوظ. وهو قول جمهور العلماء وأئمة الحديث. والله أعلم.
وانظر:
معرفة السنن والآثار للبيهقي (1/556) ، وفتح الباري لابن حجر (2/220) . والاستذكار لابن عبد البر (4/120-103) ، والتمهيد له (3/239) ، وتحفة الأحوذي للمباركفوري (2/108-109) ، والبدر المنير لابن الملقن (3/500) ، ونصب الراية للزيلعي (1/409) .(16/317)
رأي ابن تيمية في كناية الطلاق
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/03/1427هـ
السؤال
ما معنى قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (لا يقع الطلاق بالكناية إلا بنية مع قرينة إرادة الطلاق، فإذا قرن الكنايات بلفظ يدل على أحكام الطلاق، مثل أن يقول: فسخت النكاح، وقطعت الزوجية، فإنه كالصريح) ؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فكلام شيخ الإسلام يتضح بذكره تامًّا فقد قال -رحمه الله تعالى-: "ولا يقع الطلاق بالكناية إلا بنية، إلا مع قرينة إرادة الطلاق، فإذا قرن الكناياتِ بلفظ يدل على أحكام الطلاق، مثل أن يقول: فسخت النكاح، وقطعت الزوجية، ورفعت العلاقة بيني وبين زوجتي. وقال الغزالي في المستصفى في ضمن مسألة القياس: لا يقع الطلاق بالكناية حتى ينويه.
قال أبو العباس: هذا عندي ضعيف على المذاهب كلها، فإنهم مهدوا في كتاب الوقف أنه إذا قرن بالكناية بعض أحكامه صارت كالصريح، ويجب أن يفرق بين قول الزوج: لست لي بامرأة، وما أنت لي بامرأة، وبين قوله: ليس لي امرأة، وبين قوله: إذا قيل له: لك امرأة؟ فقال: لا. فإن الفرق ثابت بينهما وصفاً وعدداً، إذ الأول نفي لنكاحها، ونفي النكاح عنها كإثبات طلاقها، ويكون إنشاء ويكون إخباراً بخلاف نفي المنكوحات عموماً، فإنه لا يستعمل إلا إخباراً" ا. هـ الفتاوى الكبرى (4/570) .
فابن تيمية -رحمه الله تعالى- يرى أن الطلاق يقع بلفظ صريح الطلاق، أما ألفاظ الكناية التي ظاهرها لا يدل على الطلاق كقول: (إلحقي بأهلك) أو (حبلك على غاربك) : وغيرها فلا يقع بها الطلاق إلا إذا نواه المتلفظ بذلك.
أما إذا تلفظ الزوج بكناية الطلاق، وقرن معها لفظاً يدل على الطلاق كأن يقول في حال خصومة: إلحقي بأهلك فقد فسخت النكاح، أو قطعت الزوجية، أو رفعت العلاقة بيني وبينك. فهنا يقع الطلاق بلفظ الكناية المقرونة باللفظ الدال على الطلاق، ولا يقبل قول الزوج إنه لم ينو الطلاق لكونه كالصريح، ويقرر ذلك ابن تيمية بقوله: "إن الكناية عندنا إذا اقترن بها دلالة الحال كانت صريحة في الظاهر بلا نزاع، ومعلوم أن اجتماع الناس وتقديم الخطبة وذكر المهر والمفاوضة فيه، والتحدث بأمر النكاح قاطع في إرادة النكاح" ا. هـ الفتاوى (32-17) .
وقال: "إن الكناية تفتقر إلى النية، ومذهبهما المشهور -أي مالك وأحمد- أن دلالة الحال في الكنايات تجعلها صريحة وتقوم مقام إظهار النية، ولهذا جعل للكنايات في الطلاق والقذف ونحوهما مع دلالة الحال كالصريح" ا. هـ الفتاوى (29-11) .
وقال: "وأصول الإمام أحمد ونصوصه تخالف هذا، فإن من أصله أن العقود تنعقد بما يدل على مقصودها من قول أو فعل فهو لا يرى اختصاصها بالصيغ، ومن أصله أن الكناية مع دلالة الحال كالصريح لا تفتقر إلى إظهار النية" ا. هـ الفتاوى (20/534) ، وإعلام الموقعين (2/24) .
هذا إن كان عارفاً بمدلول الكلام، حيث إن ألفاظ الصريح والكناية تتفاوت من مكان لآخر، ومن زمان لآخر فكثير من ألفاظ الكناية والصريح -والتي يذكرها الفقهاء- لا يعرف كثير من الناس معناها ولا يعلمون أنها من كلمات الطلاق، وقد استبدلوها بألفاظ أخرى لم يذكرها متقدمو الفقهاء.(16/318)
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "والله سبحانه ذكر الطلاق ولم يعين له لفظاً، فعلم أنه رد الناس إلى ما يتعارفونه، فأي لفظ جرى عرفهم به وقع به الطلاق مع النية، والألفاظ لا تراد لعينها بل للدلالة على مقاصد لافظها، فإذا تكلم بلفظ دال على معنى وقصد به ذلك المعنى ترتب عليه حكمه، ولهذا يقع الطلاق من العجمي والتركي والهندي بألسنتهم، بل لو طلق أحدهم بصريح الطلاق بالعربية ولم يفهم معناه لم يقع به شيء قطعاً، فإنه تكلم بما لا يفهم معناه ولا قصده.. وتقسيم الألفاظ إلى صريح وكناية وإن كان تقسيماً صحيحاً في أصل الوضع لكن يختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة، فليس حكماً ثابتاً للفظ لذاته، فرب لفظ صريح عند قوم كناية عند آخرين، أو صريح في زمان أو مكان كناية في غير ذلك الزمان والمكان، والواقع شاهد بذلك فهذا لفظ (السَّراح) لا يكاد أحد يستعمله في الطلاق صريحاً ولا كناية، فلا يسوغ أن يقال: إن من تكلم به لزمه طلاق امرأته نواه أولم ينوه ويدعى أنه ثبت له عرف الشرع والاستعمال، فإن هذه دعوى باطلة شرعاً واستعمالاً، أما الاستعمال فلا يكاد أحد يطلق به البتة، وأما الشرع فقد استعمله في غير الطلاق، كقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا" [الأحزاب:49] ، فهذا السراح غير الطلاق قطعاً، وكذلك (الفراق) استعمله الشرع في غير الطلاق، كقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ" إلى قوله "فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ" [الطلاق:2] ، فالإمساك هنا الرجعة والمفارقة ترك الرجعة لا طلقة ثانية، هذا مما لا خلاف فيه البتة، فلا يجوز أن يقال: إن من تكلم به طلقت زوجته فهم معناه أو لم يفهم، وكلاهما في البطلان سواء. وبالله التوفيق" ا. هـ زاد المعاد (5/320-322) . والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/319)
هل يشرع للمأموم قول: سمع الله لمن حمده؟!
المجيب سليمان بن صالح الراشد
مدير أعمال لجنة الشؤون الإسلامية بالشورى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/01/1427هـ
السؤال
ما حكم قول: (سمع الله لمن حمده) للمأموم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد اختلف العلماء في مشروعية قول المأموم "سمع الله لمن حمده"، فالمذهب أنه لا يشرع ذلك للمأموم، وهو قول ابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم- والشعبي ومالك وأصحاب الرأي، وهو اختيار الشيخ أحمد بن تيمية -رحمه الله-.
واستدلوا بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- المتفق عليه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا قال الإمام "سمع الله لمن حمده" فقولوا: ربنا ولك الحمد" صحيح البخاري (796) ، وصحيح مسلم (409) ، والترمذي (267) ، وغيرهم، وهذا يقتضي أن يكون قولهم: "ربنا ولك الحمد" عَقِيب قوله "سمع الله لمن حمده" بغير فصل؛ لأن الفاء للتعقيب -كما قال ذلك ابن قدامة -رحمه الله-.
أما من قال بمشروعية قول "ربنا ولك الحمد" للمأموم -وهي رواية عن الإمام أحمد، وبه قال ابن سيرين- وأبو بردة والشافعي وإسحاق وعطاء- فاستدلوا أيضاً بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قال: "سمع الله لمن حمده"، قال: "اللهم ربنا ولك الحمد" رواه البخاري (795) ، ومسلم (392) .
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صلوا كما رأيتموني أصلي" رواه البخاري (631) . وأجيب عليه بأن هذا عام، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد" خاص؛ فيكون المأموم مستثنى من هذا العموم.
فالراحج أنه لا يشرع للمأموم قول: "سمع الله لمن حده"، وإنما يكتفي بقوله: "ربنا ولك الحمد" والله أعلم.(16/320)
العمل في الشرطة في زمن فساد النظام!
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/01/1427هـ
السؤال
أنا شاب عاطل عن العمل، فتطوعت وعملت بالشرطة ونيتي خالصة جداً -والحمد لله- ولكن في بلدنا سمعة رجل الشرطة سيئة إلا من رحم الله، فيقال: إنهم مرتشون، علمًا أني أرغب في هذا العمل، وأنا ملتزم والحمد لله، ولا أفكر في الحرام أبداً، خاصة أن أحوالنا المادية جيدة -والحمد لله- كما أنه لا توجد أي وظيفة أخرى.
وقد ذكر لي أحد المشايخ من أئمة المساجد حديثاً نسبه للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو: "الشرط وأعوان السلطان في النار".
فما رأيكم بالعمل في مجال الشرطة؟ وما مدى صحة هذا الحديث؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن العمل في مجال الشرطة كغيره من الأعمال، بل قد يكون من أفضل الأعمال لا سيما إذا كان الوالي عادلاً، وكان العامل (الموظف) ملتزماً بشعائر الإسلام، ومترفعاً عن الرشوة وعن كل حرام، كما جاء في إفادة السائل عن نفسه.
أما الحديث الذي ذكره السائل فلم أقف عليه، وفي نظري أنه لا يصح أن يكون حديثاً مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لمخالفته لأصل الشريعة وقواعدها، ذلك أنه عَمَّمَ الوعيد بالنار لجميع الشرط وأعوان السلطان، ومثل هذا لا تأتي به الشريعة الإسلامية؛ إذ من الشرط والسلاطين وأعوانهم من هم صالحون عادلون متمسكون بأحكام الشريعة الإسلامية.
هذا وقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بجواز تولي الولاية أو الإقطاع لمن كان عليه كُلفٌ من السلاطين تتضمن شيئاً من الظلم مع اجتهاده هو في تحقيق العدل، إذ قال -رحمه الله-: "الحمد لله، نعم إذا كان مجتهداً في العدل ورفع الظلم بحسب إمكانه، وولايته خير وأصلح للمسلمين من ولاية غيره، واستيلاؤه على الإقطاع خير من استيلاء غيره كما قد ذكر، فإنه يجوز له البقاء على الولاية والإقطاع ولا إثم عليه في ذلك، بل بقاؤه على ذلك أفضل من تركه إذا لم يشتغل إذا تركه بما هو أفضل منه، وقد يكون ذلك واجباً عليه".
هذا ما أردت إيضاحه حول هذا السؤال المهم، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(16/321)
كيف تزيد صلة الرحم في العمر؟!
المجيب د. نذير بن محمد أوهاب
باحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/03/1427هـ
السؤال
هل بر الوالدين وصلة الرحم تزيد في عمر العبد؟ وهل يعني هذا أن العبد كان سيموت في زمن معين، لكنه بطاعة والديه زِيدَ في عمره؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم؛ فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر".
أخرجه الترمذي (1979) ، وأحمد في المسند (8855) ، والحاكم في المستدرك (7284) ، وقال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه، ومعنى قوله منسأة في الأثر يعني زيادة في العمر.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وصححه الذهبي، والطبراني في الكبير (176) . وقال الشيخ الألباني: صحيح [صحيح الجامع (2965) ] .
وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر". رواه الطبراني في الكبير (8014) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: إسناده حسن. والزيادة في العمر بسبب بر الوالدين وصلة الرحم قد ورد فيها للعلماء توجيهات عدة، وإن كان جمهورهم قد اتفق على أن الزيادة إنما هي بحسب الظاهر بالنسبة إلى الخلق، وأما في علم الله فلا زيادة ولا نقصان.
قال الحافظ في الفتح: "قال ابن التين: ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى: "فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ" [الأعراف:34] .
والجمع بينهما من وجهين:
أحدهما: أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر، بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة، وصيانته عن تضييعه في غير ذلك، ومثل هذا ما جاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم، فأعطاه الله ليلة القدر، وحاصله أن صلة الرحم تكون سبباً للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية، فيبقى بعده الذكر الجميل فكأنه لم يمت، ومن جملة ما يحصل له من التوفيق: العلم الذي ينتفع به من بعده، والصدقة الجارية عليه، والخلف الصالح.
ثانيهما: أن الزيادة على حقيقتها؛ وذلك بالنسبة إلى علم الملك المؤكل بالعمر، وأما الأول الذي دلت عليه الآية، فبالنسبة إلى علم الله تعالى، كأن يقال للملك مثلاً: إن عمر فلان مائة مثلاً إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدَّم ولا يتأخَّر، والذي في علم الملك هو الذي تمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه الإشارة بقوله تعالى: "يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" [الرعد:39] .
فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك، وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله -تعالى- فلا محو فيه البتة، ويقال له القضاء المبرم، ويقال للأول القضاء المعلَّق.(16/322)
وهناك توجيه آخر مفاده؛ أن الله يبقي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلاً فلا يضمحل سريعاً، كما يضمحل أثر قاطع الرحم.
وورد في تفسيره وجه رابع؛ أخرج الطبراني في الصغير بسند ضعيف عن أبي الدرداء قال: ذكر عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من وصل رحمه أنسيء له في أجله، فقال: "إنه ليس زيادة في عمره، قال الله تعالى: "فإذا جاء أجلهم ... " الآية، ولكن الرجل تكون له الذرية الصالحة يدعون له من بعده"، وله في الكبير من حديث أبي مشجعة الجهني رفعه: "إن الله لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها، وإنما زيادة العمر ذرية صالحة" الحديث.
وجزم ابن فورك بأن المراد بزيادة العمر؛ نفي الآفات عن صاحب البر في فهمه وعقله. انتهى.
وقال صاحب تحفة الأحوذي رحمه الله: والتحقيق أنها سبب لزيادة العمر كسائر أسباب العالم، فمن أراد الله -تعالى- زيادة عمره، وفَّقه لصلة الأرحام، والزيادة إنما هي بحسب الظاهر بالنسبة إلى الخلق، وأما في علم الله فلا زيادة ولا نقصان، وهو وجه الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: "جفَّ القلم بما هو كائن". وقوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) . انتهى. والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.(16/323)
الاحتفال في مكان فيه تماثيل!
المجيب د. لطف الله بن عبد العظيم خوجه
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/02/1427هـ
السؤال
هل يعتبر اجتماع المسلمين في مدينة ما في بلاد الغرب بقصد الاحتفال بمناسبة العيد في مكان واحد, هل يعتبر ضرورة للتغاضي عن بعض الأمور، مثل وجود الكثير من الصور والتماثيل في المكان؟ علماً أنه توجد أماكن أخرى لا توجد فيها صور وتماثيل ولكن سعرها أغلى، وحجمها أصغر لا يسع الجميع.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمن مقاصد الإسلام الاجتماع على الخير والبر والطاعة، ومن ذلك الاجتماع للعيد بين المسلمين. وفائدة تحصيل هذا المقصد أعظم من مفسدة وجود تماثيل في المكان الذي يحصل فيه ذلك الاجتماع؛ لأن هذا المقصد العظيم (الاجتماع) متحقق يقينا، أما المفسدة فمظنونة، فإنها إما أن تكون الوقوع في الشرك، وهذا بعيد؛ إذ إن هذه التماثيل ما وضعت للعبادة، والآتون إليها لا يرد في خاطرهم هذا المعنى، وإما أن تكون المفسدة الرضا بهذه المنكرات، ولا يلزم من وجود المسلم في مكان فيه تماثيل الرضا بها.
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يطوف بالكعبة، ويصلي عندها، وحولها الأصنام. وهذا في حالة ما إذا كان من العسير اجتماعهم في مكان غير هذا؛ إما لارتفاع التكلفة، وإما لصغر المكان الذي لا يسمح باجتماعهم كلهم. أما إذا توفر مكان خال من المنكرات، وقدر على الاجتماع فيه، فلا يعدل عنه. والله أعلم.(16/324)
تورَّط في تورق مُحرَّم!
المجيب د. سامي بن إبراهيم السويلم
باحث في الاقتصاد الإسلامي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/03/1427هـ
السؤال
أخذت في العام الماضي تمويلًا إسلاميًا من أحد البنوك، وقمت بالمتاجرة به في الأسهم النقية، إلا أنني لم أوفق في هذه المتاجرة، وتحملت بعض الخسائر.
السؤال الأول عن التمويل: وهو أني ذهبت إليهم على الفتوى الصادرة من الهيئة الشرعية التي تجيز هذا التعامل، وهو أن البنك يملك بعض السلع والمعادن ويقوم ببيعها على العميل، وبعد تملك العميل لها يكون للعميل حرية الخيار، إما ببيعها على أية شركة خارجية، أو توكيل البنك ببيعها بالنيابة عنه. وقد قرأت هذا التعامل قبل الذهاب إليهم وتمعنت فيه واقتنعت فيه وفي الفتوى الصادرة بإجازته، إلا أن أحد الإخوة نهاني عنه بحجة أن جميع العقود التي يقوم بها البنك في هذا التعامل هي عقود صورية أي (على ورق فقط) ، وقد كان هذا قبل الذهاب إليهم. وبعد الذهاب وجدت ما أبلغني به صاحبي، فكل العقود من شراء وتوكيل بالبيع كانت على ورق ولم تستغرق عدة دقائق، ولم أبلغ بالتفاصيل بُلغت فقط بالأسعار، وبعد أيام أبلغت عن طريق الهاتف أنه تم البيع وأودع المبلغ في حسابي، وبذلك تم التمويل من البنك.
فهل هذا التمويل صحيح؟ وإن لم يكن صحيحًا فما الواجب علي فعله وقد مر عليه سنة؟
السؤال الثاني عن الزكاة: وهو أن المتبقي معي من هذا المبلغ حال عليه الحول، وهو في الأساس دين علي، وأنا أقوم بسداده عن طريق التقسيط الشهري، أي أن هذا الدين مقدور على سداده مع الوقت -إن شاء الله- فهل تجب فيه الزكاة، وإذا كانت تجب فهل يجوز أن أعطيها إلى والديَّ حيث إنهما ممن يستحقونها؟
السؤال الأخير: أحياناً تقابلني بعض المشكلات، على سبيل المثال الخسائر في الأسهم، أو أي قدر قدَّره الله علي، فإني أنسب هذا الشيء إلى أن الله عاقبني على ذنب قد أكون أعلمه أو لا أعلمه بهذه الخسارة، فهل علي ذنب في هذا التفكير؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
1. التمويل الذي حصلت عليه يسمى (التورق المصرفي) ، وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بمنعه؛ لأنه حيلة على الربا. وفوق ذلك ما ذكرت من أن العقود صورية، فتكون المعاملة ظلمات بعضها فوق بعض. فالواجب تجنب هذه التعاملات والحذر منها.
وأما ما مضى منها فالله تعالى يقول: "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله" [البقرة:275] . وهذا يقتضي العفو عما مضى، بشرط عدم الوقوع فيها مستقبلاً. فإن تكرر ذلك حوسب المرء على الأول والآخر، نسأل الله السلامة.
2. إذا أمكنك التعجيل بالسداد مقابل إسقاط ما يمكن من الزيادة فهو أولى؛ لأن الزيادة ربا، فمهما أمكن إسقاطها وجبت المبادرة لذلك. إلا إذا كانت هناك حاجة ماسة مثل الزواج ولا يوجد بديل، أو كنت تعلم أن البنك لن يسقط الزيادة على المبلغ المتبقي، فالمبلغ الباقي في هذه الحالة عفو -إن شاء الله- ولا بأس من الانتفاع به.
3. زكاة المبلغ المتبقي حكمها حكم زكاة المال. فينبغي حساب الأقساط التي تحل خلال العام، ثم طرح مقدارها من المبلغ، ثم إخراج زكاة الباقي.(16/325)
4. جماهير العلماء على أنه لا يجوز إعطاء الزكاة للوالدين لأن النفقة واجبة على الولد في هذه الحالة. لكن إذا كانت النفقة لا تسد حاجة الوالدين، فلا بأس -إن شاء الله- من إعطائهم الزكاة، بالإضافة للنفقة وليس بديلاً عنها.
5. المصائب التي تصيب الإنسان هي من نفسه، ومن تسلط الشيطان عليه، كما قال تعالى: "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك" [النساء:79] . والشيطان لا يحب للإنسان التوفيق ولا السعادة، وأفرح ما يكون إذا رآه ساخطاً نكداً مغموماً. قال تعالى: "إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا" [المجادلة:10] ، وقال تعالى: "إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه" [آل عمران:175] . فالحزن والهم والغم والخوف كلها من ضعف النفس ومن الشيطان بالدرجة الأولى. فيجب على المسلم ألا يستسلم للهموم والأحزان، بل يستحضر دائماً أن الشيطان هو المستفيد الأول من ذلك، وأن الله تعالى هو مصدر كل خير وسعادة وتوفيق، كما قال عليه الصلاة والسلام: "والخير كله في يديك" صحيح مسلم (771) . والله تعالى لا يحب أن يعذبنا ولا يفرح بذلك، بل هو سبحانه يفرح بتوبة العبد وإنابته ورجوعه إليه، ويكره أن يتأذى عبده المؤمن، كما قال تعالى في الحديث القدسي: "وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته". صحيح البخاري (6502) . فرب العالمين لا يحب أن يصاب عبده المؤمن بمكروه، وهذا يعني أن ما يصيبنا هو من أنفسنا ومن تسلط الشيطان علينا.
فالواجب اللجوء دائماً إلى الله تعالى والاستعانة به والتوكل عليه، ثم بعد ذلك إن تحقق المطلوب فمن فضل الله، وإلا فمن نقص الإنسان، فيستغفر العبد ولا ييأس من رحمة الله أبداً، فإنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون. والحمد لله رب العالمين.(16/326)
الرسوم الشهرية على بطاقة الائتمان
المجيب د. سامي بن إبراهيم السويلم
باحث في الاقتصاد الإسلامي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/03/1427هـ
السؤال
أخذت بطاقة من أحد البنوك، ومن شروطها رسوم شهرية قيمتها (125 ريالاً) ، ويأخذون (45 ريالاً) على عملية السحب النقدي مهما كان المبلغ، أي أنها رسوم وليست عمولة.
ما حدث هو أن الصراف الآلي لم يسحب لي خمسة آلاف ريال، فذهبت إلى البنك، وطلبت سحب عشرة آلاف ريال، فإذا بالموظف يجعلها في عشر أوراق، بكل ورقة (1000ريال) ، فسألته: هل على المبلغ كاملاً (45ريالاً) ، أم على كل ورقة؟ فأكد لي أنه على كل ورقة (45 ريالاً) . وكما يظهر -والله أعلم- أن الموضوع أصبح عمولة، فهل الموضوع داخل في الربا أم لا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالرسوم على السحب النقدي لا تجوز؛ لأنها زيادة مشروطة على القرض، فهي لذلك ربا، ولا فرق بين أن تكون مقطوعة أو بالنسبة، فالحكم واحد. ولذلك يحتال البنك بأن يقيد الحد الأقصى للسحب حتى تتضاعف الرسوم.
والذين أفتوا بجواز الرسوم على السحب النقدي نظروا إلى تكلفة الأجهزة ونحوها، ومع التقدير لأصحاب هذا الرأي، لكنه مرجوح؛ لأن المقصود من العملية هو الاسترباح من الإقراض، وهذا هو الربا. فالواجب تجنب السحب النقدي بالبطاقة الائتمانية مطلقاً حذرا من الربا. والله أعلم.(16/327)
الانتساب إلى اسم الزوج بدل الأب!
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله اللهيبي
رئيس محكمة التمييز سابقا
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 08/04/1427هـ
السؤال
هل يجب على الزوجة أن تأخذ باسم الزوج بحيث يصير اسمها منسوباً إليه أم تُبقي اسمها كما كان فلانة بنت فلان؟
الجواب
لا يجوز لأحد أن يتسمى بغير اسم أبيه، فلا يجوز للزوجة أن تتسمى باسم زوجها وإنما تتسمى باسم أبيها، وكذلك الزوج لا يتسمى بغير اسم أبيه، وكذلك أيضاً ابنهما لا يتسمى باسم أمه، وإنما يتسمى باسم أبيه.
قال الله تعالى: "ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ" [الأحزاب:5] . وقال صلى الله عليه وسلم: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام" رواه البخاري (4327) ومسلم (63) .(16/328)
إلصاق القدمين ببعضهما عند السجود
المجيب سليمان بن صالح الراشد
مدير أعمال لجنة الشؤون الإسلامية بالشورى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/01/1427هـ
السؤال
أرى بعض المصلين عند السجود يلصق قدميه، فما الوضع الصحيح للقدمين أثناء السجود؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالسنة أن تكون القدمان مرصوصتين -في حال السجود- كما ثبت في صحيح مسلم (486) من حديث عائشة -رضي الله عنهما- حين فقدت النبي -صلى الله عليه وسلم- فوقعت يدها على قدميه وهو ساجد. واليد الواحدة لا تقع على القدمين إلا في حال التراص.
وقد جاء أيضاً في صحيح ابن خزيمة (654) أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يرص عقبيه.
أما أصابع القدمين فتكون موجهة نحو القبلة. والله أعلم.(16/329)
كيف أتقي سحرهم؟
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/10/1426هـ
السؤال
مشكلتي أن لي قريبًا يرغب بالزواج مني وأنا رفضت؛ لأنه غير مناسب لي، وأُخبرت بأن والدته ذهبت لإحدى العرافات لتعمل لي عملاً يبطل أي مشروع زواج لي؛ حتى أضطر للقبول بابنها، وأنا أصلي وأقرأ القرآن وأعرف أن العمل هو عمل رب العالمين، فأنا بالفعل قد تعطلت لي عدة مشاريع خطبة دون سبب، ولا أعلم هل هو مما تفعل، أم لا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالجواب يتوقف على سبب رفضك الزواج من قريبك، فإن كان قريبك ذا خلق ودين فاستخيري الله واقبلي به زوجاً، عسى الله أن يبارك لكما، أما إن كان رفضك بسبب خلقه أو دينه فنسأل المولى - عز وجل- أن يبدلك خيراً منه.
وأما بالنسبة لما ذُكر لك من أن أمه ذهبت إلى إحدى العرافات لتعمل لك سحراً يحول دون زواجك من غيره، فلا شك أن السحر له تأثير بإذن الله - عز وجل - وقد قال الله تعالى: "فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله" [البقرة:102] ، ولكن هذا الأمر مازال في دائرة الظن، وليس هناك ما يدل على صحة هذه الدعوى، ولكن عليك بالاستمرار على ما أنت عليه من العبادة والصلاة وقراءة القرآن وخاصة سورة البقرة، ولو كانت في كل يوم فهو أفضل، ولن يضرك ذلك بإذن الله، واحرصي على المبادرة بالموافقة إذا تقدم إليك من ترضين دينه وخلقه، ودعي عنك بعض المثاليات والكماليات، أسأل المولى -عز وجل- أن يختار لك ما فيه الخير والصلاح، وأن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه.(16/330)
صحة حديث "لم نر للمتحابين مثل النكاح"
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/02/1427هـ
السؤال
ورد حديث للنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لم نر للمتحابين مثل النكاح". وهو يدل على وجود علاقة قبل الزواج، فهل يعني ذلك أن الحب حلال؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
فالحديث المشار إليه في السؤال أخرجه ابن ماجة (1847) ، والعقيلي (4/134) ، والبيهقي (7/ 78) من طريق محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس مرفوعاً.
وأخرجه أبو يعلى (2747) ، والعقيلي (4/134) ، والبيهقي (7/78) ، من طريق سفيان عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس مرسلاً.
وأخرجه عبد الرزاق (6/151) ، عن معمر عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس مرسلاً.
وقال العقيلي بعد أن أخرجه مرسلاً: وهذا أولى.
فالحديث يترجح إرساله؛ لأن سفيان ومعمراً روياه عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس مرسلاً، وخالفهم محمد بن مسلم الطائفي، فرواه عن ابن عباس موصولاً، ومحمد بن مسلم الطائفي فيه مقال.
والحديث على تقدير صحته وثبوته لا يدل على إقرار وجود علاقة بين الرجل والمرأة قبل الزواج، ولكنه أرشد إلى أنه إذا حصلت المحبة بين رجل وامرأة فعليهما أن يبادرا إلى الزواج؛ لأن الزواج يزيد المحبة قوة وتماسكاً، وهو دواء العشق إذا وجد، ثم إن المحبة قد تقع ولو لم تحصل علاقة، فربما عرف الرجل المرأة وهي صغيرة، أو يكون سمع شيئاً من صفاتها فوقعت في قلبه، أو تكون من قريباته كأن تكون ابنة عمه أو ابنة خاله، وكذلك بالنسبة للمرأة.
أما علاقة الرجل بالمرأة قبل العقد فلا يجوز له أن يستمتع منها بكلام أو نظر أو يخلو بها؛ لأنها أجنبية عنه، والله أعلم.(16/331)
هل الشورى ملزمة أم مُعْلِمة؟
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/02/1427هـ
السؤال
هل الشورى ملزمة أم معلمة لرؤساء الدول في الوقت الحاضر، مراعياً اختلاف الأوضاع في الوقت الحاضر مع زمن الخلفاء الراشدين في كثير من النواحي؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلئن قرر أكثر العلماء قديماً بأن الشورى معلمة غير ملزمة للإمام أو ولي الأمر المسؤول فإن بعضهم قرر أنها ملزمة غير معلمة، وأدلة كل قول لا يتسع المقام الآن لبسطها فهي موجودة في مظانها من كتب التفسير والسير، ولكل من القولين ما يبرره وإن تفاوتت الأدلة قوة وضعفاً. فإن ولي الأمر المعني بقوله تعالى: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ" [آل عمران: 159] كان ينزل عليه الوحي، وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو كان عالماً مجتهداً يقصد الحق حيثما كان كما في عهد الخلفاء الراشدين وبعض خلفاء بني أمية في العصر الأول؛ فإن من جاء بعدهم ضعف عنده الدين، وتغلبت عنده شهوة السلطة.
ثم صار الحكام في العصور المتأخرة يغلب عليهم الجهل بأحكام الشرع، فضلاً أن يكونوا مجتهدين فيه يعرفون الحكم بدليله من الكتاب والسنة، فكيف يقال في هؤلاء: إن الشورى في حقهم مع شعوبهم هي معلمة لا ملزمة؟
إن من يقول بمثل هذا اليوم لا يعرف من السياسة الشرعية في الإسلام شيئاً، وإنما يتعامل مع عصور ماضية ولا يتعايش مع الواقع، وأعتقد جازماً أن علماء السلف الذين سبق أن قالوا بأن الشورى معلمة غير ملزمة لو عاشوا في عصرنا، ورأوا ما نحن فيه من الاستبداد والظلم لغيروا رأيهم، وأوجبوا القول بالالتزام بها نظراً لتغير العلة والسبب، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، كيف وقد قرروا أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والنيات والمقاصد.
ولهذا أرى أن الخلاف في الشورى هل هي معلمة أو ملزمة قد ارتفع في وقتنا الحاضر، وينبغي ألا ينظر إليه فإنه إضاعة للوقت والجهد، فالشورى اليوم ملزمة ملزمة ملزمة. والله أعلم.(16/332)
الفرق بين دار الإسلام ودار الكفر
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/01/1427هـ
السؤال
ما الفرق بين دار الإسلام ودار الكفر؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالأرض التي تسود فيها أحكام الإسلام هي دار الإسلام، وخلافها دار الكفر. وأمة الإسلام أمةٌ ذات رسالة سماوية، تتحمل مسؤولية ربانية تجاه الناس جميعاً، على اختلاف أعراقهم، وأوطانهم، ولغاتهم؛ لهدايتهم إلى دين الله الحق، ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، كما وصفها الله في كتابه بقوله: "كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" [آل عمران: من الآية110] . فمن حال بين الناس وبين سماع الحق وقبوله، وأقام الحواجز المادية أمام الأمة ورسالتها، فقد بادأها العداء، وأعلن عليها الحرب، فمن البدهي أن تكون داره دار حرب.
ولم تزل الدول قديماً وحديثاً تعلن الحرب على دول أخرى لأقل من هذا؛ كما شهدنا في الأحداث القريبة إعلان بعض الدول المتحالفة الحرب على العراق بدعوى لم تثبت قبل، ولا أثناء، ولا بعد تلك الحرب!! ثم يندد بعض المجحفين بحركة الفتح الإسلامي التي كانت رحمة على البشرية جمعاء.
إن مقاصد الفتوحات الإسلامية أن يكون الدين لله، وأن يرفع الظلم عن المستضعفين، وليس لتحقيق مطامع مادية، أو أهداف استراتيجية، أو القيام بعمليات تهجير عرقي، أو ممارسة ضغوط ابتزازية، كما فعلته وتفعله كثير من الدول الغربية الآن. والله أعلم.(16/333)
المشي في الصلاة لأجل السترة!
المجيب ناصر بن محمد آل طالب
القاضي بمحكمة عرعر
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/03/1427هـ
السؤال
سؤالي عن السترة في حالة انتهاء الصلاة مع الإمام وكنت مسبوقاً، وقد خرج المصلون ولم تبق لي سترة، فهل يجوز التحرك للبحث عن سترة؟ وإذا كان جائزاً فما حدود الحركة المسموح بها، وفي أي اتجاه؟ أفيدونا وفقكم الله.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالسترة سنة مؤكدة في حق المصلي.
ويجوز للإنسان أن يتحرك حركة يسيرة للوصول إلى سترة، كأن يتقدم قليلاً أو يتحرك يمينه أو يساره وهو مستقبل القبلة.
وضابط الحركة اليسيرة (أن من رآه وهو يتحرك لا يشك أن المتحرك في صلاة) ؛ لقلة الحركة وعدم لفتها للنظر، أما أن يتقدم صفين مثلاً وأكثر للبحث عن سترة، أو يتحرك مترين فأكثر فهذه من الحركة الكثيرة. والله أعلم.(16/334)
الفرق بين الحمد والشكر
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/12/1426هـ
السؤال
ما الفرق بين الحمد والشكر؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالشكر يكون باللسان والقلب والجوارح، فهو أعم في هذه الحالة، كما قال تعالى: "اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور" [سبأ:13] .
ومنه قول القائل:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة *** يدي ولساني والضمير المحجبا
والحمد لا يكون إلا باللسان.
والشكر أخص من جهة، حيث إنه يقتصر على حصول النعمة وترتبها، أما الحمد فهو أعم من ذلك، فيكون في مقابل النعمة وغيرها، فله الحمد سبحانه وتعالى على كل حال، فالله محمود في السراء والضراء والعطاء والمنع، وله الحمد على كل أقداره، وعلى كماله في أسمائه وصفاته، وعلى كل شرائعه، فله الحمد على خلقه وأمره.
وهذا هو التحقيق في هذه المسألة، وكثير من أهل اللغة يذكرون أن الحمد أعم، ولكن التحقيق أن يقال: إن بين الحمد والشكر عموم وخصوص من وجه، انظر لسان العرب (3/155) .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(16/335)
الفرق بين العقيدة الطحاوية والحموية
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/02/1427هـ
السؤال
ما الفرق بين العقيدة الطحاوية والحموية وغيرها من العقائد؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالعقيدة الطحاوية متن صغير الحجم ألفه الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي المتوفى سنة (321هـ) ، ثم تناوله بالشرح والتوضيح العديد من الشرّاح على اختلاف مشاربهم، ومن أحسن من شرحه القاضي علي بن علي بن أبي العز الحنفي المتوفى سنة (792هـ) ، حيث وفّق إلى اتباع منهج السلف في تناول مسائله، فرحمه الله رحمة واسعة، وهو كتاب شامل في شرحه لمسائل الاعتقاد وأصول الإيمان، ومهم في بابه، وقد اعتمد تدريسه في الكليات الشرعية.
أما الفتوى الحموية فهي رسالة ألفها شيخ الإسلام ابن تيمية، جواباً على سؤال يدور حول آيات الصفات وأحاديثها، تضمنت نصوصاً قرآنية وأحاديث وآثاراً ونقولاً عن أئمة السلف في هذا الباب، وقد طبعت الفتوى الحموية الكبرى ضمن مجموع الفتاوى (5/5-121) .
وكل من المؤلفين نافع جداً في بابه، وهناك كتب أخرى في الاعتقاد، ككتاب (الرد على الجهمية) للإمام أحمد، والرد على الجهمية للدارمي، وخلق أفعال العباد للبخاري، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للإمام اللالكائي، والسنة لابن أبي عاصم، والتوحيد لابن خزيمة، والشريعة للآجري، وغيرها كثير.
وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم ورسائلهما في هذا الباب من أنفع ما كتب. رحم الله الجميع.(16/336)
بيع المال لبعض الورثة لحرمان غيرهم!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/02/1427هـ
السؤال
سيدة لديها أملاك، وليس لديها أولاد ولا زوج، وترثها أخت شقيقة، وأخت غير شقيقة (أخت لأب) ، وابن أخ غير شقيق (أخ لأب) ، وترغب في بيع أملاكها في حياتها بسعر رمزي، -في حدود 10% من الثمن الحقيقي- لأولاد الأخت الشقيقة، على أن تأخذ عائد الأرض طول حياتها، وتبقى الأرض تحت يدها إلى أن تموت؛ لوجود ظلم وقع عليها من إخوتها غير الأشقاء؛ حيث إنهم منعوها من بعض إرثها من أبيها، علماً أن هذه الأملاك قد آلت إليها عن طريق الميراث من أمها وليس من أبيها. فهل هذا البيع صحيح؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهذا البيع غير صحيح؛ لأنه بيع صوري لا حقيقي، فالعبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، فالغاية منه حرمان الورثة من الميراث نكالاً بهم، وهذا لا يجوز، فقسمة المواريث قد تولاها الله تعالى بنفسه، فإن تم هذا البيع على هذه الصفة فليس للمذكورين سوى رأس مالهم.
ويجوز للمرأة المذكورة أن توصي بالثلث فأقل من مالها لأولاد أختها، أما ما زاد فليس لها ذلك، فإن فعلت لم تصح الوصية بما زاد على الثلث، إلا إذا أجازها الورثة.
عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه -رضي الله عنه- قال: عادني النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: أوصي بمالي كله؟ قال: "لا" قلت: فالنصف؟ قال: "لا" فقلت: أبالثلث؟ فقال: "نعم، والثلث كثير" رواه البخاري (2591) ، ومسلم (1628) .
وأنصح المرأة المذكورة بأن تعفو عن إخوتها طلباً للأجر والثواب من الله تعالى، فهو خير ما تتصدق به عليهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أفضل الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرحم الكاشح". رواه أحمد (23019) من حديث أبي أيوب -رضي الله عنه- -وابن خزيمة في صحيحه (2386) والحاكم (1/564) من حديث أم كلثوم بنت عقبة -رضي الله عنها- وقال: صحيح على شرط مسلم.
قال ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-: "قيل في تأويل الكاشح هاهنا: القريب، وقيل: المبغض المعادي؛ فإنه طوى بكشحه على بغضه وعداوته وهو الصحيح والله أعلم" التمهيد (1/207) .
وقال المنذري -رحمه الله تعالى-: "ومعنى الكاشح: الذي يضمر عداوته في كشحه وهو خصره، يعني أن أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه" الترغيب والترهيب (3/231) .
وللعفو أجر عظيم وفضل كبير، قال تعالى: "وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يجب الظالمين" [الشورى:40] .
وقال تعالى: "وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير" [البقرة:237] .
وقال تعالى: "إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً" [النساء:149] .
وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم" [التغابن:14] .(16/337)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي؟ فقال: "لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك". رواه مسلم (2558) .
وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا أن لا تظلموا". رواه الترمذي (2007) ، والطبراني (8765) وقال الترمذي: حديث حسن غريب. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/338)
دليل تحديد مسافة القصر!
المجيب محمد محمد سالم عبد الودود
عضو اللجنة العلمية بالموقع
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 06/01/1427هـ
السؤال
على أي أساس اعتمد العلماء مسافة القصر في السفر بأنها 80 كيلو متر؟ أرجو ذكر ما قاسوا عليه. أثابكم الله.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن من أبرز ما اعتمد عليه العلماء في تحديد مسافة القصر ما يأتي:
1- رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بسند ضعيف أنه قال: "يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان" رواه الطبراني في المعجم الكبير (11162) والدارقطني (1/387) والبيهقي (3/137) .
2- وقد صح الحديث السابق موقوفاً على ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه سئل: أنقصر الصلاة إلى عرفة؟ قال: لا، ولكن إلى عسفان وإلى جدة وإلى الطائف". [التلخيص الحبير 2/46] .
3- وكان ابن عمر وابن عباس -رضي الله عن الجميع- يصليان ركعتين ويفطران في أربعة بُرُدٍ فما فوق.
4- وقد ركب ابن عمر -رضي الله عنهما- إلى ذات النصب فقصر الصلاة، وبينها وبين المدينة أربعة برد. [فتح الباري 2/566] .
والبرد جمع بريد، والبريد العربي يقدر بـ (22.176 كيلو متر) وعلى هذا التقدير فمسافة القصر تساوي (88.704) (كيلو متر) . [الفقه الإسلامي وأدلته 1/74-75] .
وهذا قريب من المسافة الفعلية بين مكة وجدة، وبين مكة والطائف كما هو مشاهد.
والخلاف في المسألة طويل وقديم، وقد ساق بعض أهل العلم عشرين قولاً للعلماء في هذا الباب. والله سبحانه وتعالى أعلم.(16/339)
الحكمة من فرض الجزية
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/01/1427هـ
السؤال
ما الحكمة من فرض الجزية على غير المسلمين؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ففرض الجزية على غير المسلمين من أهل الذمة، مقصوده الأعظم كون الدين كله لله، وكون كلمة الله هي العليا، باستسلام غير المسلمين، وإذعانهم لأحكام الملة. وقد يقترن بهذا الهدف أهداف أخرى من مقتضى عقد الذمة، مثل: الكف عنهم والحماية لهم، وهذا العقد ينقل غير المسلم من صف المحاربين، الذين تستباح دماؤهم وأموالهم في كل شرعة، إلى بر الأمان، حيث تتكفل الأمة المسلمة -بأجمعها، لا الحاكم فقط- بحفظ حقوقهم المدنية، والذود عنهم، وافتكاك أسيرهم، وإطعام جائعهم، وكسوة عاريهم، في حال العجز. فهو عقد كسائر العقود، يتضمن حقوقاً، وتترتب عليه واجبات، وهو بهذه النتيجة لون من ألوان التسامح، مقارنة بما يفعله المنتصرون في الأمم الأخرى بالمنهزمين، من إبادة، وتهجير، واسترقاق.
إن عقد الذمة لا يحمل المسلمين على نبذ مواطنيهم، وقطع الإحسان إليهم، كلا! بل جاءت النصوص بوجوب العدل في معاملتهم، والترغيب في الإحسان إليهم، ومن صور ذلك: حسن جوارهم، وعيادة مريضهم، وتشميت عاطسهم، والقيام لجنائزهم، وجواز الصدقة والوقف على فقرائهم، بل والوصية لهم، ومنحهم حرية التنقل، والتكسب، والاتجار داخل دار الإسلام، وكل ذلك معروف في الشريعة.
ومن ثم، فإن عقد الذمة لا يناقض مدلول قوله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" [الممتحنة:8] . والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(16/340)
تفضيل بعض الأولاد مكافأةً له
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/02/1427هـ
السؤال
والدي يملك أرضاً سكنية وله عدد من الأولاد، فقام بإعطاء أحد إخوتي قطعة من الأرض، وعند طلب أخي الزواج قال له: بِعْ من الأرض وتزوج، أما أنا فقد تزوجت على نفقتي الخاصة، كما أنه حجَّ العام الماضي على نفقتي، ولكني فوجئت بأنه كتب لي جزءًا من الأرض مقابل تكلفة الحج، فقلت له: اكتب لكل أخ من إخوتي مثلي. فهل يجوز لي ولأخي أخذ الأرض دون إخوتي؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالواجب على والدكم العدل بين أولاده في العطية، ولا يجوز له تفضيل بعضهم على بعض بدون سبب شرعي يقتضي ذلك، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن النعمان بن بشير أن أباه أتى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَكُلَّ ولدك نحلته مثل هذا؟ ". فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فأرجعه".
وفي رواية أنه جاء ليشهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- على ذلك فقال: "أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ ". قال: لا، قال: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم". قال: فرجع فرد عطيته.
وفي رواية أنه لما جاء ليشهد الرسول صلى الله عليه وسلم: قال لا تشهدني إذاً فإني لا أشهد على جور، أشهد على هذا غيري. انظر صحيح البخاري (2587،2586) ، وصحيح مسلم (1623) .
أما إذا كان التفضيل والتخصيص لبعض الأولاد لسبب ومعنى يقتضي التخصيص فقد أجازه جمع من أهل العلم، فقد جاء في المغني لابن قدامة (5/665) ما نصه: فإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى، أو أكثر عائلة، أو اشتغاله بالعلم ونحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفعه فيها؛ فقد رُوي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك) .
وبناءً على هذا نقول إن كان والدكم قد خص أخاكم لمعنى يقتضي ذلك، كفقره أو عدم قدرته على العمل أو نحو ذلك مما يقتضي تخصيصه، جاز له ذلك. كما تقدم. والله أعلم.(16/341)
زنى بها ثم تزوجها وهي حامل منه!
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/02/1427هـ
السؤال
زنى رجل بامرأة ثم حبلت بالزنى، ثم تزوجها قبل أن تضع بثلاثة أشهر. فما حكم المولود مع أم الرجل وأخواته، هل يجوز له الخلوة بهن؟ وهل يجوز للرجل نسبة الولد إليه؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الزنا جريمة عظيمة، ونكاح الحامل أيضاً باطل.
أما بخصوص الولد فمن العلماء من رأى إلحاقه بأبيه من الزنا إن لم تكن المرأة فراشاً لغيره؛ حفظاً لنسبه من الضياع ولئلا يعير، فقد جاء في الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية تأليف البعلي (ص400) ما نصه: (وإن استلحق ولده من الزنا ولا فراش لحقه، وهو مذهب الحسن وابن سيرين والنخعي وإسحاق) .
وجاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية -رحمه الله- (32/113) : إن لم تكن المرأة -أي المزني بها- فراشاً: قولان للعلماء، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" فجعل الولد للفراش دون العاهر، فإن لم تكن المرأة فراشاً لم يتناوله الحديث، وقد ألحق عمر أولاداً ولدوا في الجاهلية بآبائهم، وليس هذا موضع بسط المسألة) .
وجمهور العلماء على أنه لا يلحق بمن زنا، فالولد ولد زنا فهذا القول في نظري هو القول الراجح، بل الأصح من قولي العلماء.
وبناءً عليه فالجواب عن السؤال: أن نقول للسائل: إذا كان الواقع ما ذكرته من حمل المرأة من الزنا قبل أن تتزج بها فالولد ولد زنا، ولا يلحق بمن زنا بها نسباً وإنما ينسب لأمه، ثم إنَّ الزواج باطل، وعليكما تجديده بالوجه الشرعي إذا كان كل واحد منكما يرغب في الآخر.
كما عليكما أن تتوبا إلى الله وتستغفراه وتعزما على ألاَّ تعودا لمثل فعلكما وتندما على ما فات، والتوبة تجب ما قبلها، قال تعالى: "وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا، إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا" [الفرقان: 68-70] .
وقال تعالى: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" [الزمر: 53] .
هذا وليعلم السائل أنه على القول الأصح من قولي العلماء كما تقدم هو القول: (أن الولد لا يلحق بالزاني نسباً) فهو ولد زنا، وبناءً عليه فليس محرماً لأمه وأخواته وسائر محارمه فهو أجنبي. والله أعلم.(16/342)
تختُّم المرأة في السبابة والوسطى!
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/01/1427هـ
السؤال
هل كراهية التختُّم في السبابة والوسطى ينطبق على الرجال فقط، أم على الرجال والنساء معاً؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنني أرى أن كراهية التختم في السبابة والوسطى مما يختص بالرجال؛ ذلك أن المرأة هي محل الزينة والحلية، فلها أن تتزين بالحلي في أي موضع من بدنها ما لم يصل إلى حد الإسراف والتبذير أو المفاخرة.
وقد ذكر بعض أهل العلم اتفاق الفقهاء على جواز تحلي المرأة في أي موضع شاءت من بدنها، فقد جاء في الموسوعة الفقهية التي تصدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت (11/26) ما نصه: (لم يختلف الفقهاء في موضع التختم بالنسبة للمرأة؛ لأنه تزين في حقها، ولها أن تضع خاتمها في أصابع يديها أو رجليها أو حيث شاءت، ولكن الفقهاء اختلفوا في موضع التختم للرجل) . ولم يذكر أصحاب الموسوعة مراجع لما ذكروه من الإجماع، لكنه ليس ببعيد عن الصحة لما تقدَّم. والله أعلم.(16/343)
أيهما الأفضل: قراءة القرآن أم الاستمتاع إليه؟!
المجيب د. عبد الله بن عبد الله بن عبيد الزايد
مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/02/1427هـ
السؤال
هل أجر قراءة القرآن على الكومبيوتر مثل أجر القراءة من المصحف الشريف، حيث على الكومبيوتر يقرأ قارئ القرآن، وأنا أستمع له وأشاهد الكلمات؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالقراءة حسب حال القارئ أو المستمع، فالاستماع إذا كان من قارئ مؤثر ممن يستريح المستمع إلى تلاوتهم كتاب الله، ويكون تأثير الاستماع أكثر تأثيرًا من القراءة فهذا أفضل، بشرط أن لا يكون الاستماع بديلاً عن القراءة من المصحف، وأنصح أن تكون تلاوتك للقرآن على أحد القراء المتقنين من أهل القرآن الكريم.
وأسأل الله أن يكون معكم مسددًا ونصيرًا بالحق وعلى الحق على منهج السنة المحمدية والقرآن الكريم المنزّل من عند الله عز وجل، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.(16/344)
هل هذا ظهار؟
المجيب هتلان بن علي الهتلان
القاضي بالمحكمة المستعجلة بالخبر
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 13/03/1427هـ
السؤال
لي صديق اتصل هاتفيًّا بزوجته، فرد عليه ابن أخيه، وقال له: إن زوجتك لا تريد أن تتكلم معك. وهذا ليس صحيحا، بل كانت مشغولة في أعمال البيت، فلما جاءت ورفعت سماعة الهاتف قال لها: أنت عليَّ مثل أمي وأختي. هل هذا يمين أم ظهار؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن هذا القول يعتبر ظهاراً وهو منكر من القول وزور لا يجوز، كما قال الله سبحانه وتعالى: "وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا" [المجادلة:2] فقد أباح الله الزوجة لزوجها، فلا يجوز تحريمها وجعلها كظهر الأم أو الأخت، قال تعالى: "وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ" [النحل:116] .
فعلى القائل التوبة الصادقة لله تعالى من هذا الذنب، وعليه كفارة الظهار، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يقطعهما إلا بعذر حسي أو شرعي، كيومي العيدين وأيام التشريق، وفي حالة المرض أو السفر لا لقصد الفطر.
فإن قطعهما بغير عذر استأنف الصيام من جديد، وإن قطعه بعذر أكمل الصيام وبنى على ما مضى.
فإن لم يستطع الصيام فإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، وهو كيلو ونصف تقريباً من الأزر أو التمر أو البر ونحو ذلك، على أن تكون الكفارة قبل أن يمس زوجته، وأن لا يقربها إلا بعد الكفارة مع التوبة إلى الله والاستغفار؛ لقوله تعالى: "وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِن قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [المجادلة:3-4] .(16/345)
هل لوادي طوى قُدسيه؟!
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/05/1427هـ
السؤال
ورد في قصة موسى عليه السلام عندما سار بأهله قادما من مدين متجها لمصر مروره بالوادي المقدس طوى، أين هذا الوادي؟ وهل قدسيته باقية إلى هذا التاريخ؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فالوادي الذي أشار إليه السائل؛ هو الوادي الذي كلم الله فيه موسى عليه السلام، وهو واد يقع في جانب جبل الطور في سيناء، كما تدل عليه مجموع الآيات التي أشارت إلى هذا الموضع، إلا أن الناس وإن اتفقوا على أن هذا الوادي في سيناء، فقد اختلفوا في تحديد موضعه على التعيين.
وأما قدسية هذا الموضع؛ فقد ثبتت بأدلة صريحة؛ منها قوله تعالى: "فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" [القصص:30] . وقوله تعالى: "فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى" [طه:11-12] . وهذه القدسية الثابتة لهذه البقعة باقية لها، لا ترفع عنها إلا بدليل صريح دال على ذلك.
وهذه القدسية وإن كانت باقية لهذا الموضع، فإنه لم يثبت في الكتاب، والسنة، ولا فعل سلف الأمة ما يدل على تخصيصه بنوع من التعبد والتقرب فيه، ولذا فلا يجوز تخصيصه بشيء من العبادات والقرب.
هذا، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.(16/346)
الدراسة في كلية الطب المختلطة لسد الحاجة
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/04/1427هـ
السؤال
تعلمون حاجتنا للطبيبات المسلمات المتحجِّبات، وأمتنا تحتاج لمن يطبِّبها وخصوصاً من النساء، ونحن نعلم أنه لا أنا، ولا أنت يحبُّ أن يكشف الرجال الأطباء على زوجاتنا، وأمهاتنا، وأخواتنا حين الولادة، أو عند الحاجة للكشف على العورة المغلظة، إن ذلك يصيبنا -حقيقة- بنوع من الحرج البالغ، ولكنَّ المشكلة أنَّ كليات الطب في البلدان الإسلامية مختلطة بنسبة 95%، فهل ندخل أخواتنا كليات الطب المختلطة إن لم نجد كليات طب خاصة بالنساء؟ وكيف السبيل إذا أردنا أن تكون هناك طبيبات متخصصات للنساء، وأطباء متخصصون للرجال، هل المنع هو الحل الوحيد لمن أرادت أن تدرس الطب ولم تجد إلا كليات مختلطة؟ أو وجدت كلية غير مختلطة ولكنها بعيدة عن مكان إقامتها؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأقول للسائل: سددوا وقاربوا، وأقول له: إن الأمر يختلف من شخص إلى شخص، ومن بيئة إلى أخرى، فإذا كانت الطالبة في جو من الصيانة، والعفة، وعدم الخلوة بالأجانب، وكانت أنظمة الجامعة لا تسمح بالتلاعب، ولا الخروج على الأخلاق، وغلب عليها ذلك، سواء في العلاقة بين الطالبات والطلاب، أو بين الطالبات والأساتذة، في هذه الحالة لا مانع أن تدرس الطالبة بناء على الأسباب التي ذكرها السائل من ضرورة إيجاد ممرضات، ومولدات وطبيبات لأمراض النساء.
أما إذا لم يكن الأمر كذلك، وغلب الفساد فيختلف الحكم في ذلك، والعبرة في الشريعة بالغالب، دون النادر، فلو ضاعت وانفلتت طالبة أو طالبتان، أو وقع في إحدى الجامعات ما ينكر وكان نادراً، فهذا لا عبرة به، إنما العبرة بالغالب الأعم، إذ الغالب كما يقول أهل القواعد الفقهية مقدم على النادر، والله أعلم.(16/347)
زكاة الزروع تُسقى بالآبار
المجيب أحمد بن محمد الرزين
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/05/1427هـ
السؤال
ما هي زكاة المزروعات المسقية بالماء وهل صحيح أن تكون مسقية بماء من الأرض يعادل ماء السماء.
الجواب
المزروعات -التي تجب فيها الزكاة وبلغت نصاباً- يجب إخراج العشر (10%) من ثمرتها إذا كانت تسقى بمياه الأمطار فقط، ويجب إخراج نصف العشر (5%) فيما سقي بمؤنة من الآبار وغيرها.
واتضح لي من سؤالك أنك تسقي زرعك بمؤنة، أي أنك من يستجلب الماء، إليه وأنه يخالط ذلك شيء من مياه الأمطار. وحينئذٍ فإذا كان يغلب على ظنك أن سقيه بمياه الأمطار يعادل سقيك له بالماء المجلوب، فعليك إخراج ثلاثة أرباع العشر (7.5%) -وإذا كان يغلب على ظنك أن إحدى الحالتين أكثر وأنفع، فالواجب إخراج الواجب باعتبار تلك الحالة والله تعالى أعلم.(16/348)
بقول مَن آخذ؟!
المجيب محمد بن عبد الله المجلي
قاضي بالمحكمة العامة في محافظة دومة الجندل
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/05/1427هـ
السؤال
أنا طالب علم أدرس كتابي عمدة الأحكام وعمدة الفقه على شيخين جليلين في علمهم وورعهم لكن المشكلة لدي في بعض المسائل يرى أحدهم مثلا الكراهة والآخر يرى التحريم وهكذا الاختلاف كثير عندهم في المسائل فكيف أتعامل مع تلك وكيف أعرف الرجح منها حيث كل منهم على علم وورع.
الجواب
الحمد لله وحده وبعد
أسأل الله لك التوفيق في طلب العلم وأنصحك بإخلاص النية لله وحده والاجتهاد والشغف بطلب العلم
أما اختلاف آراء أهل العلم فهو شيء واقع ولن يزول، ويرجع ذلك لأمور عدة منها: غياب الدليل عن أحدهم، أو تصحيح أحدهم لدليل يضعفه الآخر. واختلاف الاجتهاد من عالم لآخر ينتج عنه اختلاف الآراء. وأنصحك بقراءة كتاب (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) لشيخ الإسلام ابن تيمية فقد وضح فيه ذلك.
وفي حال اختلاف العلماء في الآراء على طالب العلم أن يجتهد هو بجمع الأدلة ومعرفة الصحيح من الضعيف منها، والنصي منها من غيره، وينظر للمسألة وأدلتها من جميع الجوانب، ثم يقوم بالترجيح بينها حسب طرق الترجيح التي ذكرها أهل العلم. وما يترجح له يعمل به. وفق الله الجميع.(16/349)
هل تجب مفارقة هذا الزوج؟!
المجيب سليمان بن إبراهيم الأصقه
رئيس المحكمة العامة بمحافظة بلقرن
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/02/1427هـ
السؤال
هل يجوز الاستمرار في العيش مع زوج يشرب الخمر، ويقضي إجازاته في السهر والغناء والرقص وإشباع الهوى وعدم الصلاة، أم الأفضل طلب الطلاق؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن صحَّ ما ذكرت عن هذا الزوج فهو رجل سوء، واقع في منكرات عظيمة، أشدها جرماً تركه للصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي عمود الدين وأول ما يحاسب عنه العبد، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن ضاعت فهو لما سواها أضيع. بل ذهب كثير من العلماء إلى أن تارك الصلاة كافر خارج عن ملة الإسلام، واستدلوا بأدلة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة". أخرجه مسلم (82) من حديث جابر -رضي الله عنه-، وقال صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر". أخرجه الترمذي (2633) وصححه.
وصحّ عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. وفي رواية قال: لا إسلام لمن لا يصلي.
وسأل رجل جابراً -رضي الله عنه-: أكنتم تعدون الذنب فيكم شركاً؟ قال: لا. قال وسئل: ما بين العبد وبين الكفر؟ فقال: ترك الصلاة.
وقال التابعي الجليل عبد الله بن شقيق العقيلي: لم يكن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
ذكر هذه الآثار المروزي في كتابه "تعظيم قدر الصلاة" (929، 930، 947، 948) ، والأخير منها أخرجه الترمذي (2622) .
كما أن من عظائم المنكرات التي وقع فيها هذا الرجل شربه للخمر التي هي أم الخبائث ومفتاح كل شر، وفي الصحيحين البخاري (5256) ، ومسلم (57) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن". وفي صحيح مسلم (2002) من حديث جابر -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسكر حرام، إن على الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال" قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: "عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار".
وإذا اجتمع مع ذلك غناء ومعازف فالخسف والمسخ قاب قوسين أو أدنى، قال صلى الله عليه وسلم: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم -يعني الفقير- لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غداً. فيبيتهم الله ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة" أخرجه البخاري (5590) من حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه-.
و (الحر) : الفرج الحرام، والمراد الزنا. و (المعازف) : هي آلات اللهو والغناء بجميع أنواعها. و (العلم) : هو الجبل. و (السارحة) : هي الغنم. فهؤلاء القوم اجتمعوا على الخمر والعزف والزنا والحرير واللهو فأسقط الله على بعضهم الجبل ومسخ آخرين قردة وخنازير.(16/350)
وعلى ذلك فالواجب عليك نصح هذا الرجل، والإنكار عليه بالقلب واللسان، ولك أن تستعيني -بعد الله تعالى- بمن يعينك، فإن أقلع وندم فالحمد لله وهو زوجك، وإن أبى إلا الفساد والضياع فلا يجوز لك الاستمرار معه، وهو على هذا الحال، بل عليك شكايته إلى المحكمة الشرعية، والقاضي -إن شاء الله تعالى- سيحكم بينكم بما تبرأ به ذمته. أسأل الله تعالى أن يهدي هذا الزوج، وإن يرده لرشده، وأن يعينك ويسددك ويشد من أزرك. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/351)
ضرب المتهم عند التحقيق!
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/12/1426هـ
السؤال
أعمل في إحدى مراكز الشرطة كمحقق في مختلف القضايا الجنائية والسؤال ما هو حكم استخدام الضرب بشكل عام وفي الحالات التالية:
1- إذا كان الضرب لانتزاع الاعتراف من شخص مشهور بالفساد مع وجود قرائن عديدة على ارتكابه لذلك الجرم إذا كان في إنكاره ضياع للحق العام أو الحقوق الخاصة.
2- ما حكم الضرب للتأديب كتأديب عاق الوالدين أو من يقومون بأذية الناس والجيران في حالة انتهاء القضية دون وصولها للشرع.
3- بعض الأباء يطلبون إيقاف أبنائهم وتعريضهم للضرب من قبل الشرطة لتأديبهم على عصيانهم لهم دون الرفع عنهم للوجه الشرعي.
4- ضرب الأشخاص الذين يحاولون الإنقاص من قيمه الأمن ورجال الأمن بالتلفظ عليهم بحضرة الناس.
5- لوحظ تعدد القضايا لبعض الأشخاص الذين ينتهي موضوعهم في نفس اليوم في القضايا الجنائية إذا لم يتعرضوا للضرب المبرح، كما لوحظ أنهم يفهمون ذلك على أنه ضعف في إجراءات الشرطة، كما لوحظ أن من يتم عقابهم بالضرب حالا لا تتم مشاهدتهم في قضايا أخرى أو مشابهة للقضايا التي قبض عليهم فيها باستثناء أرباب السوابق.
6- هل يدخل من يقوم بضرب الناس من رجال الشرطة في القضايا الجنائية في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما معناه: "صنفان من أهل النار لم أرهما" ... وذكر منهما: "رجال يحملون سياطا كأذناب البقر يضربون بها الناس". آمل الإفادة بشيء من التفصيل، أثابكم الله.
الجواب
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالحالات (1، 2،3، 5) في السؤال متشابهة: فأقول: إن قيام المسئول بضرب الجاني أو المعتدي المنتهك لحق من حقوق الله أو حقوق العباد أو كان الضرب لانتزاع الاعتراف من شخص اشتهر بالفساد أو له سوابق من ذلك - فالضرب لهؤلاء وأمثالهم جائز شرعاً. وثبت في السنن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حبس في تهمة. سنن أبي داود (3630) ، وجامع الترمذي (1417) ، وسنن النسائي (4875) . وفي غزوة بدر ظفر المسلمون برجلين على الماء فجأوا بهما إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي -ورجوا أن يكونا من جيش أبي سفيان وهما يقولان: نحن سقاة قريش. فكانوا إذا ضربوهما قالا: نحن لأبي سفيان وإذا تركوهما قالا: نحن سقاة قريش فلما سلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صلاته قال: "إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما". السيرة النبوية لابن هشام (3/163-164) ، وتاريخ الطبري (2/28) ، والثقات لابن حبان (1/160-161) .
وهذا منه صلى الله عليه وسلم إقرار على الضرب التهمة وإنما أنكر على أصحابه استمرار الضرب بسبب بعد اعتراف المتهم.
وعلى هذا فإن الضرب في هذه الأحوال (1،2،3،5) في السؤال فيما لا يتوقف الحكم فيها على الدعوى (الخصومة) وإنما على الحسبة فقط وعامة الجزاءات المعمول بها عند الشرط هي في الأصل من باب الاحتساب وعلى الضابط وهو يقوم بضرب المتهم المشهور بالفساد أو من له سوابق فيه أن يتذكر أنه يقوم مقام المحتسب فلا يظلم ولا يحابي قريبًا أو صديقًا.(16/352)
أما الحالة الرابعة في السؤال وهي التأديب بالضرب لمن يحاولون الانتقاص من الأمن أو رجاله عن طريق التلفظ بما لا يليق. ففي هذه الحالة لا يجوز لك تأديب السَّاب المنتهك بالضرب ونحوه فإن هذا من باب التشفي والانتقام لا غير، وحظوظ النفس أسرع ما يدخل إليها الشيطان فتحصل مفسدة أعظم وأكبر مما تلفظ به عليك.
أما الحالة السادسة في السؤال وهي السؤال عن دخول الضابط المحقق في حديث مسلم المذكور فلا يدخل المحقق بضرب المتهم -إذا كان مأذوناً له وكان محتسباً لا يزيد عن قدر الحاجة ولا ينتقم لنفسه أو زميله وصديقه. وإذا اختلت هذه الشروط والأوصاف فهو داخل في الوعيد في هذا. وقد صدقت معجزة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث حيث ترى كثيرا من الشرط في العالم الإسلامي يظلمون الناس فيضربون أبشارهم وربما اعتدوا على أموالهم وأعراضهم. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.(16/353)
الزواج بشاهد واحد!
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله اللهيبي
رئيس محكمة التمييز سابقا
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/12/1426هـ
السؤال
عندما يتزوج الإنسان زواجاً شرعياً إسلامياً لكن بحضور شاهد واحد فقط هل يصح هذا النكاح؟
الجواب
الزواج لا يكون شرعياً إلا إذا توفرت أركانه وشروطه وانتفت موانعه فما دام أن عقد الزواج لم يحضره إلا شاهد واحد فإني أنصحك -خروجاً من خلاف العلماء- أن تعيد عقد هذا النكاح بحضور شاهدين، علماً أن عقد النكاح إذا كان قد حضره ولي المرأة والزوج وشاهد واحد مع الذي يتولى إجراءات عقد النكاح فإن هذا العقد يعتبر قد حضره شاهدان وليس شاهد واحد لأن العاقد يعتبر شاهداً. أما إذا لم يحضره إلا ثلاثة فأنصحك بإعادة عقده -كما ذكرت- والله تعالى أعلم.(16/354)
بيع بطاقات صرف البنزين!
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/04/1427هـ
السؤال
نحن الآن في العراق يباع البنزين في بعض المحطات بالبطاقات، هل يجوز شراء وبيع البطاقات مع العلم أن هناك ضماناً من قبل البائع للكمية وفي حالة عدم وجود البنزين تعاد البطاقة للبائع ويعيد هو بدوره الثمن.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فبيع البطاقات التي يعطى مقابلها الوقود (البنزين) من قبل صاحب محطة الوقود أو المتعهد بتأمين الوقود مباح لا حرج فيه ما دامت كميّة الوقود محددة.
ولا حرج في إعادة القيمة عند العجز عن تأمين الوقود بنفس السعر وبيعها (من مشتريها) على الغير، كذلك لا حرج فيه على المختار من أقوال أهل العلم، بشرط أن يبيعها بسعرها الحالي فلا يأخذ أكثر من سعر كمية الوقود المدوّن في البطاقة وقت بيعه، وأن يأخذ قيمتها مباشرة دون تأجيل.
فإذا اختل أحد هذين الشرطين بأن باعها بأكثر من سعرها الحقيقي أو صارت القيمة مؤجلة فإنه لا يظهر لي جواز هذا البيع، والله أعلم.(16/355)
هل هذا من بيع الآجل أم الربا؟
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/03/1427هـ
السؤال
أنا أعمل لدى متعهد (مؤسسة خاصة) للدوائر الحكومية، طبيعة عملها شراء وتأمين ما تحتاجه بعض القطاعات الحكومية من السوق داخليا أو خارجياً، وبعد ذلك تقوم بإضافة نسبة العمولة (20%) إلى سعر السوق، بحيث إن القطاع الحكومي يدفع للمؤسسة بالآجل، وفي بعض الأحيان يحتاج القطاع الحكومي إلى السيولة لشراء ما يحتاجه، فتقوم المؤسسة بإعطائك المال نقدًا، وعند السداد تقوم بإضافة نسبة العمولة.
فهل يعد هذا ربا؟ وفي حالة وجود ربا فهل راتبي الذي أخذته يعتبر حرامًا؟ وهل يجب عليَّ ترك العمل والبحث عن عمل آخر، وإخبار صاحب المؤسسة بسبب تركي العمل؟ أفيدوني، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن ما تقوم به المؤسسة المذكورة من توفير احتياجات بعض القطاعات الحكومية، حيث تقوم بالشراء من السوق، وتضيف هامش ربح، على أن تسدد الجهة العامة نقدا أو بالآجل لا حرج فيه ولا إشكال، فهو من البيع الذي أحله الله في كتابه، وإن كانت الجهة العامة هي التي تعين السلعة، وتطلب من المؤسسة الخاصة شراءها لها على أن تسدد بعد مدة بسعر أعلى متفق عليه فهذا أيضا لا إشكال فيه، وهو ما اصطلح على تسميته اليوم بالمرابحة للآمر بالشراء، وهو جائز -إن شاء الله- بشرطه، بحيث يدخل في ملك المؤسسة، ثم تبيعه على الجهة العامة.
وأما أن تقرض المؤسسة الخاصة الجهة الحكومية مالاً -على أن تسدده هذه الأخيرة بعد مدة مضافًا إليه نسبة من القرض قلَّت أو كثرت- فهو عين الربا الذي حرمه الله في كتابه.
وأما عن مشروعية العمل في مثل هذه المؤسسات، فهذا يعود إلى طبيعة عمل المؤسسة أساسا، فإن كان عملها الأصلي هو الحلال وهو الغالب عليها، وإنما يدخل عليها بعض المال الحرام، فالعمل فيها جائز، وعلى المرء أن يتجنب عقد الصفقات المشبوهة أو المحرمة ولا يقربها، وراتبه الذي يأخذه على عمله الحلال حلال إن شاء الله، ومن وجد عملا مكافئا لعمله في مكان آخر لا شبهة فيه فالأحوط لدينه أن ينتقل. والله أعلم.(16/356)
تزويج المرأة نفسها في السر!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/11/1426هـ
السؤال
أنا امرأة توفي زوجي وتقدم لخطبتي رجل في نفس عمري عن طريق إحدى قريباته، وأنا موافقة وفي حاجة إلى وجود رجل في حياتي، وأخشى على نفسي الحرام، ولكن أبنائي يستحيل أن يقبلوا بذلك ولا حتى إخوتي، ويعتبر من المحرمات في مجتمعنا. فهل يجوز أن أزوج نفسي من هذا الرجل سراًً؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمن شروط صحة النكاح: الولي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" رواه أحمد (19518) ، وأبو داود (2085) ، والترمذي (1101) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
أما لو زوجت المرأة نفسها فنكاحها باطل؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل" الحديث رواه أبو داود (2083) ، والترمذي (1102) من حديث عائشة -رضي الله عنها- وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
فإذا تقدم للمرأة من يرضى خلقه ودينه فعضل الولي انتقلت الولاية إلى من بعده من الأولياء، وهكذا فإن عضل الجميع انتقلت الولاية للسلطان أو نائبه، وهو القاضي الشرعي.
لذا فعلى الأخت السائلة في حال امتناع جميع الأولياء من تزويجها الكفء التقدم للمحكمة الشرعية -هي أو الراغب في نكاحها - للنظر في ذلك شرعا، وسيتم إجراء ما تقتضيه الأصول الشرعية بلا ضرر ولا ضرار، وأشير إلى أنه يحرم على الأولياء العضل، وأُذكِّرهم بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" رواه الترمذي (1084) ، وابن ماجه (1967) ، والحاكم (2742) وصححه.
أما ما ذكرته من أن أولياءك يرون زواج من توفي زوجها من المحرمات فهذا مما لا أصل له في الشرع، بل السنة جاءت على خلاف ذلك، فقد تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أم سلمة -رضي الله- عنها بعد وفاة زوجها ولها أولاد، فعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها. إلا أخلف الله له خيرا منها"، قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قالت: أرسل إليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له؟ فقلت: إن لي بنتا وأنا غيور. فقال "أما ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها، وأدعو الله أن يذهب بالغيرة" رواه مسلم (918) .(16/357)
كما تزوج صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين حفصة -رضي الله عنها- بعد وفاة زوجها، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي وكان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد شهد بدرا توفي بالمدينة، قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر؟ قال: سأنظر في أمري. فلبثت ليالي فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر؟ فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم. قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أني قد علمت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولو تركها لقبلتها. رواه البخاري (3783) . والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/358)
هل يجب على الأم إرضاع ولدها؟!
المجيب د. محمد بن عبد العزيز المبارك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/11/1426هـ
السؤال
هل إرضاع الطفل دون سنتين من العمر واجب أم مستحب؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فلا خلاف بين أهل العلم في وجوب إرضاع الطفل ما دام في حاجة إليه، وفي سن الرضاع؛ صيانة له من الهلاك.
وذهب الجمهور من الشّافعيّة والحنابلة إلى أنه يجب على الأب استرضاع ولده، ولا يجب على الأم إرضاعه، وليس له إجبارها عليه، دنيئةً كانت أم شريفةً، إلاّ إذا تعيّنت بأن لم يجد الأب من ترضع له غيرها، أو لم يقبل الطّفل ثدي غيرها، أو لم يكن للأب ولا للطّفل مال، فيجب عليها حينئذٍ، واستدلوا على كون الإرضاع واجبا على الأب بقول الله تعالى: "وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى" [الطلاق:6] ، وإن اختلفا فقد تعاسرا.
قال ابن قدامة رحمه الله: (ولأن الإجبار على الرضاع لا يخلو إما أن يكون لحق الولد أو لحق الزوج, أو لهما، لا يجوز أن يكون لحق الزوج فإنه لا يملك إجبارها على رضاع ولده من غيرها, ولا على خدمته فيما يختص به، ولا يجوز أن يكون لحق الولد، فإن ذلك لو كان له للزمها بعد الفرقة, ولأنه مما يلزم الوالد لولده فلزم الأب على الخصوص كالنفقة, أو كما بعد الفرقة، ولا يجوز أن يكون لهما؛ لأن ما لا مناسبة فيه لا يثبت الحكم بانضمام بعضه إلى بعض، ولأنه لو كان لهما لثبت الحكم به بعد الفرقة) .
والأم إذا طلبت إرضاع ولدها بأجر مثلها فهي أحق به، سواء كانت في حال الزوجية أو بعدها، على قول جمهور الفقهاء، لقول الله تعالى: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" [البقرة:233] . وقوله سبحانه: "فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن" [الطلاق:6] ، ولأنّها أحنى على الولد وأشفق، ولبنها أمرأ وأنسب له غالباً. والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(16/359)
أوصى لزوجته ببيته مكافأة لمشاركتها
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/02/1427هـ
السؤال
زوجتي موظفة، وتشاركني في جميع أموري المادية، وقد قمنا بشراء أرض وبنائها، فما حكم كتابة ملكية المنزل باسمنا معًا، على أن تنتقل الملكية لزوجتي كاملة، في حالة وفاتي، دون أن يكون هناك حق لأحد ورثتي فيه؟
الجواب
الحمد الله والصلاة والسلام على سول الله، وبعد:
فالحقيقة أن الاتفاق بينك أنت وزوجك في شراء هذه الأرض وبنائها يعتبر من أعمال المشاركة، والشركة مباحة، وهذا المبنى الذي اشتريتما أرضه وقمتما ببنائه يكون ملكاً لكما على قدر مال كل واحد منكما، فما اتفقتما عليه من حيث المشاركة في الجهد وفي العمل وفي المال هو الذي يكون عليه نصيب كل واحد منكما، فإذا ماتت زوجتك قبلك فإن نصيبك من هذا المال لا يدخل ضمن ميراثها منك، وإنما لها الذي يخصها؛ فإن كان لكل منكما نصف هذا المبنى فإن نصيب الميت منكما يقسم على الورثة، ولا يدخل تلقائيا في ملك الحي منكما.
وبناءً على ما سبق فإن ماتت زوجتك أوَّلاً فإنك ترث نصف نصيبها (ربع المبنى) إن لم يكن لها أولاد، وترث ربع نصيبها (ربع المبنى) إن كان لها أولاد.
وإن متَّ أنت أوَّلاً فإن زوجتك ترث ربع نصيبك من المبنى إن لم يكن لك أولاد، فإن كان لك أولاد فإنها ترث ثمن نصيبك.
والباقي من نصيب الميت منكما يقسم على بقية ورثته.
أما لو أنك أعطيتها نصيبك من هذه الدار في حياتك، ولم يكن الأمر موقوفاً على الوفاة فهذه هبة منك لها ولا شيء فيها. وأما إن كانت الهبة معلقة على الوفاة فإن هذا قد نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- لقوله: "لا وصية لوارث" أخرجه الترمذي (2120) ، وغيره. والله أعلم.(16/360)
حرمان الزوجة من الإنجاب
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/02/1427هـ
السؤال
هل يحق للزوج أن يمنع زوجته من الولادة؟ حيث إن زوجي يفضِّل عدم الإنجاب، وقد انتظرته طويلاً ليغيّر رأيه في هذا الأمر ولكن دون جدوى. فأرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على سول الله، وبعد:
فليس لأحد الزوجين الامتناع عن طلب الأولاد وبذل الأسباب لذلك، إلا إذا كان هناك عذر يتطلب ذلك، كمرض أو خوف أو عدم استقرار في البلد أو غير ذلك من الأعذار التي تقتضي تأجيل الإنجاب لفترة معينة.
أما الامتناع عن الإنجاب مطلقاً فليس ذلك من حق أحد الزوجين إذا كان الآخر يطالب بالإنجاب، وعلى الأخت السائلة أن تبذل الأسباب المأذون بها شرعاً من أجل أن تنجب دون أن يتسبب ذلك في ضررها أو ضرر زوجها.
وطلب الولد من أهم المقاصد الشرعية للزواج، وقد جاء في الحديث: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة". أخرجه أبو داود (2050) ، والنسائي (3227) ، وفي بعض الروايات "تناكحوا تناسلوا". وفقكم الله لكل خير، ورزقكم الذرية الصالحة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/361)
نذر أن يصوم العام كله!
المجيب محمد محمد سالم عبد الودود
عضو اللجنة العلمية بالموقع
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 08/02/1427هـ
السؤال
ارتكبت الكثير من المعاصي بيني وبين الله، وبعضها مع الناس، وأنا أؤمن بكرم الله -سبحانه وتعالى- ولا آمن مكره، فالله عفو غفور شديد العقاب.. وسألجأ إليه بالتوبة والدعاء والاستغفار عساه -جل في علاه- أن يرحمني برحمته، وأن يشملني بعطفه وكرمه..
سؤالي: أنوي في مشوار توبتي أن أنذر صوم عامٍ كامل متواصل طيلة أيامه، بما في ذلك أيام الجمع والعيدين، ابتداءً من أول محرم إلى آخر ذي الحجة، مع نيتي -بإذن المولى عز وجل- أن أقوم أيضاً خلال هذه السنة بالعمرة في رمضان والحج، وسيدخل ضمن أيام الحج فترة نذري بهذا الصوم أيضاً. فما حكم هذا النذر؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أخي الكريم:
1- مرحباً بك في قافلة العائدين إلى الله، ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يتوب علينا جميعاً، ويثبتنا على صراطه المستقيم.
وإنه لمن علامات صدق التوبة أن يحس الإنسان بثقل ما كان عليه من الذنوب، فإن الذنب عند المنافق مثل الذبابة التي تنزل على وجه الإنسان ويتخلص منها بأبسط حركة، وأما عند المؤمن الصادق الإيمان فإن الذنب يكون مثل الجبل فوق رأسه، لا يدري متى يسقط عليه.
2 - أما فيما يخص فكرة صوم سنة متتابعة فلا أوافقك عليها؛ للأسباب التالية:
أ- ما ذكرت من نيتك صيام يومي العيد، وهما يومان يحرم فيهما الصوم؛ لما ورد في الحديث الصحيح من نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صيامهما، فيما أخرجه البخاري (1991,1990) من رواية عمر بن الخطاب، وأبي سعيد -رضي الله عنهما-.
ب ـ أن هذا من التشدد الزائد، فقد أخرج البخاري (43) عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها وعندها امرأة، قال: "من هذه؟ " قالت: فلانة، تذكر من صلاتها، قال: "مه، عليكم بما تطيقون.." وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه.
ج- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نفى الفضيلة عمَّا زاد على صيام داود -عليه السلام-، كما رواه البخاري (1840) في هذه القصة التي أختم لك بها لشبهها بحالتك:
قال عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: أُخْبِرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني أقول: والله لأصومن ولأقومن الليل ما عشت؟! فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي. قال: "فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر وقم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر". قلت: إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "فصم يوما وأفطر يومين". قلت: إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "فصم يوماً وأفطر يوماً؛ فذلك صيام داود -عليه السلام- وهو أفضل الصيام". فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا أفضل من ذلك".(16/362)
فأنصحك أخي بأن تصوم على البرنامج الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- بخياراته المتعددة، ولا تلزم نفسك أو تنذر أحد هذه الخيارات؛ حتى لا تقع في الحرج إذا عرضت لك ظروف أو امتد بك العمر وضعفت قوتك، كما وقع لصاحب هذه القصة: فإنه لما امتد به العمر وضعفت قوته صار يقول: يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم. صحيح البخاري (1874) . وفقني الله وإياك لما يحب ويرضى.(16/363)
هل تطوى صحائف الأعمال آخر كل عام!
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 30/12/1426هـ
السؤال
انتشرت بين الناس في هذه الأيام رسالةُ جوالٍ تحث على صيام آخر يوم من هذه السنة الهجرية 1426هـ لأن صحائف أعمال العام للمكلفين سترفع في هذا اليوم إلى الله، فينبغي على كل مسلم أن يختم صحائف عامه بعمل صالح، فهل لهذا أصل؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلم يرد نص في كتاب الله ولا في السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صحائف الأعمال للعباد ترفع إلى الله آخر كل عام هجري ولا حتى ميلادي، كيف ونحن نعلم أن التأريخ بالهجري والميلادي وتحديد بدايته ونهايته إنما هو حساب بشري اصطلح عليه الناس، ولم يُتلقَ عن الشرع!!
وإنما الذي جاء في النصوص الشرعية: أن الأعمال تعرض على الله كل اثنين وخميس، كما جاء ذلك في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً؛ إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا".
وفي جامع الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال " تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم".
وقد روي حديث في صحته نظر أن الأعمال ترفع في شهر شعبان، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال: " ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين؛ فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " أخرجه النسائي وأحمد، وفي سنده ضعف.
كما جاء في الكتاب العزيز أنه يقضى في ليلة القدر أمرُ السنة كلها من حياة وموت ورزق وسائر أمور السنة، لكن لم يَرِدْ فيه أن الأعمال تعرض في ليلة القدر على الله، قال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة أنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم، امراً من عندنا انا كنا مرسلين) سورة الدخان الآيات 3-5.
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} : (يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو موت أو حياة أو مطر) أخرجه محمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (7/ 399) .
وقال رضي الله عنه: في قوله تعالى: (فيها يفرق كل أمر حكيم) : يعني ليلة القدر، ففي تلك الليلة يفرق أمر الدنيا إلى مثلها من قابل، موت أو حياة أو رزق، كل أمر الدنيا يفرق تلك الليلة إلى مثلها من قابل) أخرجه الحاكم في المستدرك (2 / 487) وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 321) .
وعلى هذا فلا معنى لتخصيص آخر يوم من أيام السنة الهجرية أو الميلادية بكثرة صيام أو صلاة أو غير ذلك من الأعمال الصالحة؛ إلا أن يوافق ذلك يوم الاثنين، أو الخميس، فيُصام ذلك اليوم عملاً بما ورد من استحباب صيامهما.
وعلى المسلم ألا ينشر ما يرده من هذه الرسائل التي تدعو إلى تفضيل أيامٍ أو تخصيصها بعبادة قبل أن يسأل عن ذلك أهل العلم.(16/364)
والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(16/365)
رد الشبكة عند فسخ الخطبة
المجيب سليمان بن عبد الله القصير
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/11/1426هـ
السؤال
كنتُ مخطوبة وتركني خطيبي في وضع سيئ، ويريد أن يأخذ الهدية التي قدمها لي، وهي الشبكة، فهل يجوز له أخذها؟ علما بأنه لم يردّ لي الهدايا التي أهديتُها له؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فإن كان العرف بين الناس في بلدكم أن الشبكة هي هدية، أي أنها تدفع بلا مقابل كما يتهادى الناس بينهم, فلا يجب على المخطوبة ردها ما دام رفض الزواج جاء من الخطيب, وأما إن كانت الشبكة تعتبر جزءاً من المهر فيجب ردّها له ما دام عقد النكاح لم يتم؛ لأن المهر إنما يجب بإتمام عقد النكاح. والله أعلم, وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/366)
ختان من تأخر إسلامه
المجيب د. عبد الله بن عمر السحيباني
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 06/03/1427هـ
السؤال
لقد سمعت أنّ الرجل إذا أسلم وهو غير مختون فلا يجب عليه أن يختتن، فما صحة ذلك؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالقول الصحيح أن الختان واجب في حق الرجال، وقد دلّ لهذا القول أدلة كثيرة من السنة، ولأنه لا تتم الطهارة الكاملة من النجاسة إلا بالختان، لكن إن خيف على المختون من الضرر -خاصة في حال الكبر- فقد نصَّ الفقهاء على عدم وجوبه، كما أنه لا بأس في حق المسلم الجديد أن يؤخر الختان حتى يتمكن في الإسلام ويرغب في شعائره، والله أعلم.(16/367)
أيُّنا أحق بحضانة الولد!
المجيب محمد بن سليمان المسعود
القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/03/1427هـ
السؤال
سوف أطلق زوجتي بعد استنفاذ جميع الطرق للحل، فإذا ذهبت للمحكمة وطلقتها بالثلاث غيابيًّا؛ -حيث إنها موجودة عند أهلها ولا توجد وسيلة اتصال لإبلاغها- هل يجوز ذلك؟
كما أن ولدي عمره سبعة أشهر، فهل صحيح أنني لا أستطيع أخذه إلا بعد أن تتزوج أمه؟ وكم النفقة الواجبة لولدي?
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ما ذكرت في سؤالك أولاً والذي ينص على أنك إذا تريد أن تذهب للمحكمة وطلقت زوجتك بالثلاث غيابيًّا، حيث إنها موجودة لدى أهلها، ولا وسيلة للاتصال لإبلاغها؛ فهذا يتضمن أمرين: الطلاق بالثلاث، وهو طلاق بدعي محرم لا يجوز، فإن الطلاق الذي شرعه الله -تعالى- هو ما أمر به في قوله سبحانه: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ" [الطلاق:1] أي وهن طاهرات مستقبلات لعدتهن، ولحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- حينما أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يطلق زوجته وهي في طهر لم يجامعها فيه. صحيح البخاري (5252) ، وصحيح مسلم (1471) . فتنبه لذلك.
وهل يقع واحدة أو ثلاثاً فهذا يرجع فيه إلى المحكمة التي أصدرت الصك المتضمن لهذا الطلاق.
أما الأمر الثاني: أن يكون الطلاق غيابيًّا (يعني عن زوجتك) فهذا لا حرج فيه، ولو لم تعلم عند الطلاق ساعة إيقاعك له، لكن يجب عليك إبلاغها بهذا الطلاق بأية وسيلة، سواء بالذهاب إليها، أو إبلاغها بواسطة من يصل إليها، أو غير ذلك من الوسائل لأجل أن تعتد لهذا الطلاق.
أما بالنسبة للسؤال عن الحضانة فما دام الابن عمره سبعة أشهر فالأصل أنه سيبقى في حضانة أمه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنت أحق به ما لم تنكحي" أخرجه أبو داود (2276) . فإذا تزوجت فيكون من حق أبيه، وللأم حق إرضاعه في سن الرضاع، فإذا بلغ السابعة وكانت أمه لم تتزوج فيخير الذكر بين أبويه، فإن اختار أحدهما فيكون لديه.
وأما النفقة فالواجب عليك الإنفاق على ابنك بالمعروف بما يكفيه من الكسوة والطعام والشراب والعلاج وجميع ما يلزمه بما جرت به عادة المسلمين؛ لقوله تعالى: "لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا" [الطلاق:7] ولم تحدد النفقات لكن جعل ذلك بالمعروف، وعند الاختلاف فالمرجع إلى المحكمة الشرعية للفصل فيها، والله هو الموفق. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/368)
ضرب الخادمة
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 06/02/1427هـ
السؤال
ما تعليقكم على من يضرب شغالات المنازل, وهل الأمر حلال أم حرام؟ أرجو منكم الإفادة لما فيه من الأهمية القصوى.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن العاملات في المنازل أجيرات، وإن اختلفت تسمية الناس لهن بين خادمة وشغالة ونافعة وغير ذلك من أسماء وأوصاف، ولا يخرجهن ذلك عن حكم الأجير صفة وحكماً، والغالب عليهن أنهن قدمن من بلاد بعيدة طلبًا للرزق، فعلى رب العمل أن يحسن ضيافتهن ومعاملتهن ويؤدي إليهن حقوقهن وفق ما ينص عليه العقد بين الطرفين، فإن أحسن إليهن زيادة فإن الله يحب المحسنين.
أما معاملتهن معاملة الإماء، وتكليفهن من الأعمال فوق طاقتهن، وجعل الليل والنهار وقتا للعمل، وإعارتهن للقريب والبعيد دون موافقتهن أو زيادة أجورهن، فكل ذلك حرام لا يجوز فعله، وأعظم ذلك مدُّ اليد عليهن ضربًا وتأديبًا، وليته كان تأديبا، فإن الأمة -وهي ملك لسيدها- لا يجوز له أن يؤدبها إلا كما يؤدب الرجلُ ولدَه وبنتَه، وهؤلاء الأجيرات لسن إماء ولا يأخذن حكمهن، فمن أعجبه عمل خادمته وراقه خلقها فهو المبتغى، وإن كان غير ذلك فليس له إلا أن يعيدها من حيث جاء بها، دون تعدٍّ عليها بالضرب والشتم، أو عدم إعطائها أجرها. والله الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد.(16/369)
الاكتتاب في شركة ينساب
المجيب جمع من العلماء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/11/1426هـ
السؤال
ما حكم الاكتتاب في شركة ينساب؟
الجواب
كثرت التساؤلات عن حكم الاكتتاب في شركة ينساب بعد الإعلان عن طرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام، نعرض فيما يلي وجهتي نظر في الموضوع بالإباحة والتحريم؛ لتكتمل الصورة بمجموعهما للقارئ، ويحصل التفهم لاختلاف النظر في هذه القضية.
أولا: فتوى الشيخ الدكتور: يوسف بن عبد الله الشبيلي
الأستاذ المساعد بالمعهد العالي للقضاء
ثانيا: فتوى الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي
الأستاذ المساعد بالمعهد العالي للقضاء
ثالثا: فتوى الشيخ الدكتور: سعد بن تركي بن محمد الخثلان عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أولا: فتوى الشيخ الدكتور: يوسف بن عبد الله الشبيلي
الأستاذ المساعد بالمعهد العالي للقضاء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن نشاط شركة ينساب في صناعة البتروكيماويات، ومن خلال دراسة نشرة الإصدار المفصلة الخاصة بها تبين أنها حصلت على عمولات بنكية، كما وقعت على اتفاقية تمكنها من الحصول على قروض تجارية بالفائدة ومرابحات إسلامية من عدة بنوك، فالشركة بهذا تعد من الشركات المختلطة، والخلاف في الشركات المختلطة بين العلماء المعاصرين معروف، والأقرب -والله أعلم- أن الشركة إذا كانت لا تعتمد في نشاطها على المعاملات المحرمة فإن ذلك لا يقتضي حرمة السهم كله، بل يتخلص من الجزء المحرم منه ويبقى ما عداه مباحاً، وبالنظر إلى الإيراد المحرم الموجود في الشركة وقت الاكتتاب فإنه يسير جداً بل لا يكاد يذكر (أقل من واحد بالألف من أصول الشركة) ، وأما التمويل فلم تلتزم به الشركة إلى الآن، ومتى ما ارتبطت الشركة بشيء محرم منه فسيتم بيانه في حينه.
وبناء عليه فالذي يظهر هو جواز الاكتتاب في الشركة، وإذا حصل المساهم على شيءٍ من الأرباح التي توزعها الشركة فيلزمه أن يتخلص من تلك الأرباح بقدر نسبة الإيرادات المحرمة فيها، أما الأرباح الناتجة من بيع السهم فلا يلزم التخلص من شيءٍ منها.
وإني أدعو القائمين على الشركة إلى أن يكون جميع التمويل الذي ستحصل عليه تمويلاً إسلامياً، وأن تحول ودائعها إلى ودائع استثمارية موافقة للشريعة، فنحن-ولله الحمد- في بلدٍ قائمٍ على تحكيم شريعة الله. وكل ما يخالف هذه الشريعة الغراء فهو مرفوض شرعاً ونظاماً، وما تمارسه أي شركة من اقتراضٍ أو إيداعٍ بالفائدة يعد من التجاوزات غير النظامية التي يحق لأي مساهمٍ أن يعترض عليها، وهذا هو الحد الأدنى من الواجب على من ساهم في الشركات المختلطة، أن يعترض على تلك التجاوزات عند حضوره الجمعية العمومية للشركة. والله أعلم.
يُتَأَكّد الاطلاع على الرابط الأتي:
عشرة أسئلة حول ينساب
ثانيا: فتوى الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي
الأستاذ المساعد بالمعهد العالي للقضاء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(16/370)
فشركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات "ينساب" شركة مساهمة تحت التأسيس تقوم بأغراض صناعية مباحة لإنتاج بعض المشتقات البتروكيماوية، ومن خلال دراسة نشرة الإصدار المفصّلة عن هذه الشركة -كما في موقع هيئة سوق المال- تبيّن أنها قد حصلت على وديعة لأجل (قرض بفائدة) من بعض البنوك المحلية على الأرصدة الموجودة في البنك من رأس المال الذي اكتتب به المؤسسون والذي يُقَدّر بـ (5.566.657.000) مليار ريال سعودي، وقد نصّت نشرة الإصدار أن هذه الوديعة تحقق فائدة ربوية سنوية بنسبة (4.85%) ، ولا شك أن هذه الفائدة الربوية محرّمة بإجماع العلماء.
والعمولة التي تحصّلتها الشركة جرّاء هذه الوديعة، والتي ذُكرت في نشرة الإصدار بأنها (4.375.000) مليون ريال كانت يسيرة تقدّر بواحد من الألف؛ بسبب أن أموال المكتتبين لم تكتمل بعد، وبسبب قصر وقت الاستثمار بها، بدليل أن الفائدة قد تقرر بأنها (4.85%) سنوية، مع العلم بأن الشركة قد نصت في نشرة الإصدار بأن إنتاجها سوف يتم فعليًا خلال عام 2008م. ومن ثَمّ فسوف تكون أرباحها -إذا استمر الأمر على هذا الوضع- كلها من القرض بفائدة إلى حين الإنتاج تقريبًا.
وبالتالي فلا يسوغ تجويز ذلك؛ بحجة أن هذه الفائدة يسيرة تقدّر بواحد من الألف. علمًا بأن الشركة قد حصلت على التزام واتفاق من قبل بعض البنوك تمكنها من الحصول على قروض تجارية (فوائد ربوية) ، ومرابحات إسلامية عادية، ولا شك أن هذا الالتزام والاتفاق على التمويل بالربا، وإن لم يتحقق فعليًا فإنه محرّم، لأن كلّ اشتراط أو التزام يخالف كتاب الله تعالى وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- فهو باطل، كما قال –صلى الله عليه وسلم-: "ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق، وشرطُ الله أوثق" متفق عليه. ومعنى (ليس في كتاب الله) أي مخالف لما جاء به الوحيين، وقد جاء النصّ الجلي الصريح بقوله: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون".
وإذا كان الأمر كذلك فإن المساهمة في شراء أسهم شركة (ينساب) محرّم لأجل القرض الربوي، وقد ذهب جماهير أهل العلم المعاصرين، وغالب المجامع الفقهية -كالمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وكاللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة شيخنا ابن باز -رحمه الله -، إلى حرمة المساهمة في شراء أسهم الشركات، التي أصل تعاملها مباح، غير أنها أقرضت أو اقترضت بالربا قلّ الربا أو كثر، لأن المساهم يُعَدُّ شريكًا في رأس مال الشركة، والسهم يمثل حصيلة مشاعة من صافي موجودات الشركة.
ولم يأت دليل شرعي، أو نصٌّ فقهي يبيح ربا النَّسأ، وغالب الشركات المساهمة التي تُقرض أو تقترض بالربا، إنما هو ربا النسأ المجمع على تحريمه.(16/371)
ثم إن غالب استدلال من جوّز يسير الربا، إنما احتج ببعض القواعد الفقهية والضوابط المذهبيّة، ولا شك أن الاحتجاج بالقاعدة الفقهية غير الكلية، والتي ليست هي نصّا شرعيًا، محلُّ اختلاف عريض بين أهل العلم أكثرهم على منعه، واستدلال بعض الفضلاء بجواز هذه الشركات لأنها مما عمّت به البلوى، وعمومُ البلوى من أسباب التخفيف على المكلفين.
فيقال: إن إعمال هذه القاعدة، إنما هو فيما لا يمكن صونه، ولا التحرّز منه، وهذا إنما يتأتّى في بلد لا يكاد يوجد فيه استثمارات مباحة، أو في بلد لا تموِّل بنوكها إلا بالقرض بفائدة، وكل هذا غير متحقق في بلادنا حرسها الله وحفظها من كلِّ مكروه، فكل البنوك المحلية سواء التقليدية منها أو الإسلامية كلها تموِّل بالتمويل الإسلامي مع اختلافٍ في بعضها بالضوابط التي تلتزمها.
ثم إن القائلين بجواز شراء أسهم الشركات المختلطة قد اشترطوا بألا يتجاوز الاستثمار المحرم عن (30%) أو (15%) على اختلاف بينهم من إجمالي موجودات الشركة أو من القيمة السوقية.
وإذا كان الأمر كذلك فإن الاستثمار المحرم في شركة (ينساب) يزيد عن (80%) ، وبالتالي فهو لا يتوافق حتى مع القائلين بجواز شراء أسهم الشركات المختلطة، فيلزم أن تكون محرمة عندهم.
وقد تألمت كثيرًا حينما اطلعت على نشرة الإصدار، وما فيها من استثمارات محرّمة وتسهيلات بنكية، كان لهذه الشركة مندوحة في استثمارها بالطرق الشرعية المباحة، والمتوفرة في جميع البنوك المحلية.
فهذا الأمر مخالف للنصوص الشرعية والأنظمة المرعية في هذه البلاد التي جعلت الكتاب والسنة هما مصدر التشريع والتحاكم.
ولا شك أن هذا التصرف سوف يحرم أناساً كثيرين يتطلعون إلى الرزق الحلال النقي من المساهمة في مثل هذه الشركات المختلطة، وكم كانوا ينتظرون مثل هذه الشركات العملاقة للمساهمة فيها لزيادة مدّخراتهم في السوق الأولية للأسواق المالية لضعف خبرتهم في السوق الثانوية، غير أنهم فوجئوا بمثل هذه القروض المحرّمة.
وكم هو جميل وحسن أن يُعلن مسؤولو الشركة عن تخلّصهم من القروض الربوية، وتحويلها إلى استثمارات إسلامية، حتى يتمكن سائر المواطنين من الاكتتاب في مثل هذه الشركة العملاقة، وليكونوا قُدوة صالحة لغيرهم من مؤسسي الشركات المساهمة في الشجاعة للرجوع إلى الحقِّ والخير، ولا غرو فهذه البلاد بلادٌ مباركة، وأهلها خيرون.
بلادٌ أعزَّتها جيوش محمد *** فما عُذرها أن لا تعزَّ محمدًا.
أسأل الله أن يكلل هذه الجهود بالنجاح، وأن يعين أهل الخير للرجوع إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ثالثا: فتوى الشيخ الدكتور: سعد بن تركي بن محمد الخثلان عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد:(16/372)
أفادت نشرة الإصدار عن هذه الشركة بأنها قد حصلت على عمولات بنكية كما وقَّعت اتفاقية مع بعض البنوك تمكنها من الحصول على قروض تجارية (بفوائد ربوية) ومرابحة إسلامية، فهي بهذا تعد من الشركات المختلطة، وقد اختلف العلماء المعاصرون في حكم الشركات المختلطة، فمنهم من أجاز بضوابط، ومنهم من منعها، والقول بالمنع هو الأقرب -والله تعالى أعلم- وهو رأي جماهير العلماء المعاصرين، وأخذ به مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي، وجاء في قرار مجمع الفقه بالرابطة -برئاسة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى-: (.. والتحريم في ذلك واضح؛ لعموم الأدلة من الكتاب والسنة في تحريم الربا، ولأن شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا -مع علم المشتري بذلك- يعني اشتراك المشتري نفسه في التعامل بالربا، لأن السهم يمثل جزءاً شائعاً من رأس مال الشركة، والمساهم يملك حصة شائعة في موجودات الشركة، فكل مال تقرضه الشركة بفائدة أو تقترضه بفائدة فللمساهم نصيب منه؛ لأن الذين يباشرون الاقتراض والإقراض بالفائدة يقومون بهذا العمل نيابة عنه والتوكيل بعمل المحرم لا يجوز) ا. هـ.
ومع أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة إلا أن الشريعة الإسلامية قد شددت في الربا تشديداً بالغاً، ولو كان الربا يسيراً لا يكاد يذكر، كما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: (أينقص الرطب إذا يبس؟) قالوا: نعم، فنهى عن ذلك. أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وهو حديث صحيح، فلم يرخص النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيع الرطب بالتمر، ولو مع التماثل في الكيل والتقابض -فلا يجوز بيع صاع تمر بصاع رطب ولو مع التقابض- لأن الرطب سوف ينقص إذا يبس، مع أن الفارق يسير، بل يسير جداً، ومع ذلك منع منه النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا مما يرجح القول بمنع الاكتتاب وتداول الشركات المختلطة ولو كانت نسبة الربا فيها قليلة، وبهذا يتبين تحريم الاكتتاب في هذه الشركة.
وإنني أدعو القائمين على هذه الشركة أن يتقوا الله -تعالى- ويذروا الربا؛ فإن الربا من كبائر الذنوب، وقد آذن الله تعالى فيه بالحرب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(16/373)
طاعة الوالدين في تطليق الزوجة!
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/01/1427هـ
السؤال
خطبتُ وأنا طالب في الجامعة فتاة مقيمة خارج بلدنا، وبعد سنة ونصف رفض والداي تلك الفتاة بعد أنْ وافقا عليها، ولما بحثت عن سبب الرفض من والديَّ عرفت أنهما رفضاها لنسبها، واستفتيت بعض المشايخ فأفتوني بوجوب لزوم نصيحة والديّ، وأنني إذا خالفت أمرهما فأنا عاقّ لهما. أرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمَنْ أفتاك بوجوب طاعة الوالدين في فسخ خطوبة المرأة يستأنسون بما رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ابن عمر سأله أن أباه يأمره بتطليق زوجته فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أطع أباك". أخرجه أحمد (4697) ، وأبو داود (5138) ، والترمذي (1189) ، وغيرهم.
ولكن هل والدك مثل عمر -رضي الله عنه-؟! وهل سبب رفض أبيك للمرأة هو نفسه سبب أمر عمر -رضي الله عنه- ابنه بتطليق زوجته؟
إن عمر -رضي الله عنه- لم يأمر ابنه بتطليقها إلا لعيب ونقص في دينها، كما أن عمر -رضي الله عنه- مُلْهم محدَّث معروف بقوة فراسته، ومن أجل هذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن عمر -رضي الله عنه- بأن يطيع أباه.
ومَنْ من آبائنا مثل عمر -رضي الله عنه-؟!!
والذي أراه لك أنه لا يجب عليك طاعة والديك في فسخ خطبتها، وإنما "الطاعة في المعروف"، ولأن السبب الذي يستندان له غير معتبر شرعاً.
لكن عليك أن تقدر عواقب الأمور، فقد يحدث بينك وبين والديك قطيعةُ رحم دائمة، فأرْضِهما لكن لا يجب عليك فسخ الخطبة، ووازن بين المفسدتين: مفسدة إغضاب والديك، ومفسدة إهانة المخطوبة وكسر قلبها؛ فإن المفسدة الكبرى تُدرأ في الشريعة بارتكاب المفسدة الصغرى.
والله الموفق.(16/374)
لحم الحمار الوحشي
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/12/1426هـ
السؤال
هل أكل لحم الحمار حرام أم حلال؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأكل لحم الحُمُرِ فيه تفصيل؛ أما الحمر الأهلية فلا يجوز أكلها لأنها نجسة وقد نزل الحكم في تحريمها يوم خيبر لحديث علي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية رواه مسلم (1407) ، وحديث عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: أصابتنا مجاعة ليالي خيبر، فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها، فلما غلت القدور، نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أكفئوا القدور فلا تطعموا من لحوم الحمر شيئاً". رواه البخاري (3155) ومسلم (1937) .
وأما الحمر الوحشية فيجوز أكلها لحديث أبي قتادة -رضي الله عنه- أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم فرأى حماراً وحشياً فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه، فسألهم رمحه فأبوا عليه، فأخذه، ثم شد على الحمار فقتله فأكل وأكل منه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم، فأدركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألوه عن ذلك فقال: "إنما هي طعمة أطعمكموها الله". رواه. البخاري (2854) ، ومسلم (1196) .(16/375)
صحة حديث الافتراق!
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 01/02/1427هـ
السؤال
هل يصح حديث الافتراق إلى 73 فرقة؟ وإذا صحّ هذا الخبر فما اسم الفرقة الناجية؟ هل اسمها "سلفي" أو "سني"؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فحديث الافتراق الذي أشرت إليه من الأحاديث التي تنازع العلماء في صحتها وضعفها، ولذا لم يخرج البخاري ولا مسلم شيئاً من طرق هذا الحديث، إلا أن الناظر في طرقه، وتعامل أئمة السلف معه، لا يتردد في الحكم بثبوته بمجموع طرقه، ولهذا صححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم، وابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وهو قول أكثر المحدثين، بل بالغ بعضهم وجعله من الأحاديث المتواترة.
والفرقة الناجية لم تحدد الأحاديث اسمها إلا بما وقع في بعض طرق حديث الافتراق، بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أنا عليه"، وفي بعض الألفاظ: "هي الجماعة"، فلا ينبغي أن نتجاوز هذه الأوصاف الشرعية، فالفرقة الناجية، هم أهل السنة، وهم الحريصون على الجماعة -الذين التزموا ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه- قولاً وعملاً.
أما التسميات التي أشرت إلى بعضها فهي تسميات متأخرة، وليست العبرة بالتسمي بهذا الاسم أو ذاك، ولكن العبرة بحقيقة الانتساب، والتطبيق العملي لمنهج النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- في جميع شؤون الحياة، وليس في جانب الاعتقاد المحض فقط، فمنهج السلف الصالح منهجٌ متكامل، لا يحصر في مظهر، أو مسائل محدودة، بل شامل بشمول هذا الدين العظيم، فهو منهج يحكم ويضبط علاقة الإنسان مع ربه، ونفسه، ومع الزوجة، ومع الأهل، والأقارب، والجيران، والأصدقاء، بل ومع الأعداء.
إن ادعاء الانتساب إلى السلف -كما هو مشاهد اليوم- سهلٌ ويسير، والعبرة بالحقيقة والواقع لا بمجرد الانتساب، فاحرص على التمسك بالسنة، والالتزام بها ظاهراً وباطناً، ولا تنشغل بالألقاب كثيراً، فقد صار كثيرٌ ممن ينتحل هذه الألقاب يوالي ويعادي عليها بطريقة تخالف منهج السلف الذي ينتمي إليه، أو ينتسب له.
وعليك -أخي- بالتخلق بالأخلاق النبوية، خذها غضةً طريةً نقّية كما صحّت بها السنن والآثار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم انظر في أخلاق صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهم- وفي أخلاق أئمة الإسلام، متذكراً بأن القدوة المطلقة في ذلك كله هو الرسول -صلى الله عليه وسلم- أما من سواه فيؤخذ من قوله ويترك، نسأل الله تعالى للجميع الهداية والتوفيق.(16/376)
وطأها بعد الطهر وقبل الاغتسال
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/11/1426هـ
السؤال
ما كفارة إتيان الزوجة في آخر أيام الحيض، بعد انقطاع نزول الدم وقبل ظهور علامة الطهر (القصة البيضاء) ؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فكفارته الاستغفار، حيث إنه تعجل الأمر، وقد قال الله: "فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله" [البقرة:222] ، يعني تطهرن بالماء، وهو مذهب الجمهور أن الطهر الذي يحل به جماع الحائض هو تطهرها بالماء كطهر الجنب.
وقال بعض أهل الحديث: إن وطئ في الدم فعليه دينار، وإن وطئ في انقطاعه فنصف دينار؛ لحديث ابن عباس -رضي الله عنه- مرفوعاً: "إذا كان دماً أحمر فدينار، وإن كان دماً أصفر فنصف دينار" رواه الترمذي (137) ، وغيره، لكنه حديث مضطرب، فالأحوط مع الاستغفار أن يتصدق بشيء، والله أعلم.(16/377)
إعلان المفتي لفتواه المخالفة!
المجيب وليد بن علي الحسين
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/03/1427هـ
السؤال
إذا خالف المجتهد أو العالم من هو أعلم منه، أو انفرد بفتوى خلاف أكثر العلماء المعاصرين، وأكثر الذين سبقوه في نفس المسألة؛ فهل يجوز له إعلان فتواه للعامة أو الاحتفاظ بها لنفسه؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الواجب في حق المجتهد أن يجتهد في المسائل الشرعية إذا كان مستوفياً لشروط الاجتهاد في تلك المسألة، فإذا أداه اجتهاده إلى رأي مخالف لرأي أكثر علماء عصره أو من هو أعلم منه، فإن الواجب عليه أن يعمل برأيه، ولا عبرة بمخالفته لمن هو أعلم منه أو جمهور العلماء؛ لأنه يتعبد الله -عز وجل- بما يعتقد هو أنه الحق والصواب لا باعتقاد غيره، ولأن الحق لا يعرف بالكثرة والغلبة وإنما يعرف بالدليل.
وبما أنه توصل إلى رأيه بالدليل الشرعي فهذا هو المطلوب شرعاً، لكن عليه أن يحذر من زلة العلماء أو مخالفة النصوص الصريحة.
وأما نشر فتواه ورأيه بين الناس فإنه ينظر إلى ما يؤول إليه نشرها، فإذا رأى أن العمل بفتواه وما يعتقد رجحانه يفضي إلى إثارة فتنة بين الناس أو إلى حدوث مفسدة فإنه لا يفتي بها دفعاً لحدوث مفسدة، وإذا رأى أنها لا تفضي إلى حدوث مفسدة وحصول فتنة فلا مانع من نشرها بين الناس.
يقول ابن القيم: " فإن لم يأمن - أي المفتي - غائلة الفتوى، وخاف من ترتب شر أكثر من الإمساك عنها أمسك عنها ترجيحاً لدفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما ".
ويشهد لهذا فعل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فقد صلى خلف عثمان -رضي الله عنه- متماً بمنى، ولم يقصر الصلاة، مع أنه كان يرى القصر، ولما قيل له في ذلك، قال: "الخلاف شر" رواه أبو داود (1960) ، والبيهقي (3/143-144) وصححه الألباني. فترك العمل بفتواه لأنه رأى أن ما يفضي إليه العمل برأيه من مفسدة الاختلاف أعظم من مصلحة العمل بما يعتقد رجحانه.
وقد ذكر الشاطبي أنه ليس كل ما يعلم مما هو حق يطلب نشره، وإن كان من علم الشريعة، ومما يفيد علماً بالأحكام، ومما استدل به على ذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند مسلم (31) لما بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنعليه، وقال له: " اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة "، فلقيه عمر ورده، وقال للرسول -صلى الله عليه وسلم-: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون، فقال رسول الله -صلى الله عيه وسلم-"فخلهم".
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/378)
قسمة المال على الورثة في الحياة!
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/01/1427هـ
السؤال
باعت والدتي -وهي ما زالت على قيد الحياة والحمد لله- قطعة أرض تملكها، وأرادت توزيع ثمنها على أولادها، للذكر مثل حظ الأنثيين، فما رأيكم بهذا التقسيم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا تصرف صاحب المال في ماله وقت حياته، كأن تصدّق به -كله أو بعضه-، أو وزَّعه على أولاده الذكور والإناث جاز له ذلك. وما دام حيًّا لا يلزمه أن يعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، وإن فعل جاز له ذلك.
وهذا كله إذا لم يكن له ورثة -بعد موته- غير الأولاد الذكور والإناث، أما إن كان له ورثة غيرهم، ووزع ماله على أولاده؛ لحرمان الآخرين بعد موته، ففعله -حينئذ- حرام لا يجوز.
وعليه أن يبقي شيئاً من ماله يوصي به لنفسه بعد موته ولورثته؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس". صحيح البخاري (2742) ، وصحيح مسلم (1628) . والله أعلم.(16/379)
هل يضمن السارق ولو أُقيم الحد؟
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/03/1427هـ
السؤال
عند إصدار الحكم على سارق ما بتنفيذ حد السرقة عليه، هل يطالب بإرجاع المبلغ أو الشيء المسروق؟ وإذا كان السارق لم يعد يملك ذلك المبلغ، فهل يبقى في ذمته بعد تنفيذ الحكم عليه، ويطلب منه سداده في المستقبل؟ وكيف يبرئ ذمته من حق العباد بعد أن قطعت يده؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فعلى السارق ضمان ما سرقه، سواء كان المسروق موجوداً أو مستهلكاً أو تالفاً، وسواء كان السارق موسراً أو معسراً أقيم الحد أو لم يُقم؛ لعموم الأدلة المحرمة لأكل المال بالباطل، كقوله تعالى: "وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ" [البقرة:188] . وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه". رواه أحمد (20098) ، وأبو داود (3561) ، والنسائي في الكبرى (5782) ، وصححه الحاكم (2/55) من حديث سمرة -رضي الله عنه- وهو من رواية الحسن عنه، وقد أثبت سماعه علي بن المديني ونفاه شعبة وابن معين. (انظر سنن البيهقي 8/35) .
ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه". رواه أحمد (20714) ، وأبو يعلى (1570) من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه -رضي الله عنه-
قال الهيثمي: "رواه أحمد، وأبو حرة الرقاشي وثقه أبو داود وضعفه ابن معين، وفيه علي بن زيد وفيه كلام" أ. هـ مجمع الزوائد (3/266) .
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" رواه البخاري (67) ، ومسلم (1679) من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-.
وقطع يد السارق حال توافر الشروط وانتفاء الموانع حق لله تعالى، بينما المال المسروق حق للمخلوق، وإقامة حق الله تعالى لا يمنع أن يستوفي المخلوق حقه. قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: "إنها عين يجب ضمانها بالرد لو كانت باقية، فيجب ضمانها إذا كانت تالفة، كما لو لم يقطع؛ ولأن القطع والغرم حقان يجبان لمستحقين، فجاز اجتماعهما؛ كالجزاء والقيمة في الصيد الحرمي المملوك" أ. هـ المغني (9/113) ، وهذا مذهب الشافعي وأحمد.
أما حديث: "لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحد".
فرواه النسائي (4984) ، وفي الكبرى (7477) ، والطبراني في الأوسط (9274) ، والدارقطني (3/182) ، والبيهقي (8/277) من طريق المسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن جده عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-.
وهو حديث لا يصح، قال أبو حاتم: "منكر". المحرر في الحديث (630) ، وقال النسائي: "هذا مرسل ليس بثابت"، وقال الدارقطني في العلل (4/294) : "مضطرب غير ثابت" أ. هـ، وقال الطبراني: "ليس متصل الإسناد؛ لأن المسور لم يسمع من جده" أ. هـ وقال ابن العربي -رحمه الله تعالى-: "حديث باطل" ا. هـ أحكام القرآن (2/235) ، وانظر: لسان الميزان (3/21) ، وسنن البيهقي (8/277) .
فإن كان السارق موسراً لزمه رده حالاً، أما إن كان معسراً فيبقى في ذمته ديناً لصاحبه. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/380)
الصلاة في الملابس الرياضية
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/03/1427هـ
السؤال
هل تجوز الصلاة بثوب من شقين، وهذا الثوب لباس رياضي، ما يعرف عندنا (توتا رياضية) وهي غالباً ما تلبس في الرياضة أو عند النوم، وماذا لو صليت بها في المسجد وكانت واسعة وليست من الثياب الضيقة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فتجوز الصلاة فيما يستر العورة، ولكن المسلم مأمور بأخذ زينته عند كل صلاة بحسب استطاعته، كما قال الله تعالى: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ" [الأعراف:31] ، أي عند كل صلاة. ولو أن مسلماً دعي لمقابلة ملك أو مسؤول أو مقدَّر في نفسه للبس أحسن ثيابه؛ حتى يقابله وهو في أحسن حال. فكيف بملك الملوك رب العالمين الذي هو جميل يحب الجمال.
أما من لا يجد من الملابس إلا ما يكفي ستر عورته فلا حرج أن يصلي بها.
فلتحرص -أخي الكريم- على أخذ أحسن ثيابك عند الصلاة، فهو أولى وأفضل وأجمل وأكثر أجراً.
مع التنبه إلى أن بعض الملابس الرياضية أو غيرها من مثل ما سألت عنه قد يكون مكتوبًا عليها بعض العبارات المخالفة أو البذيئة الفاحشة، فلا تجوز الصلاة في مثل هذه الملابس. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(16/381)
إحياء الذكرى لبعض الحوادث هل هو بدعة؟
المجيب محمد بن إبراهيم الحمد
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/02/1427هـ
السؤال
نسمع كثيراً أن مجموعة ما أحيت حادثة معينة أو يوماً معيناً مات فيه قائد، أو ماتت في جموع كبيرة، كيوم (تسونامي) مثلاً، بل ونسمع عن إحياء ليالٍ لمجرد حدوث أشياء مهمة فيها، والأمثلة على ذلك كثيرة، فهل يجوز إحياء مثل هذه الأيام، وتخصيصها بيوم معين في السنة والخروج إلى مكان معين حدثت فيه الحادثة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن ما ذكره السائل من إحياء ليالٍ لمجرد حدوث أشياء مهمة، وتخصيصها بيومٍ معينٍ في السنة، والخروج إلى مكانٍ معين حدثت فيه الحادثة- داخلٌ في مسمى العيد؛ فالعيد مشتقٌ من العادة، والعيد عند العرب هو: الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن.
قال تأبط شراً:
يا عيد ما لك من شوقٍ وإيراق *** ومرِّ طيف على الأهواء طراق
قال ابن الأنباري -رحمه الله-: في قوله: (يا عيد ما لك) : "العيد ما يعتاده من الحزن والشوق" [لسان العرب (3/318) ] .
وقال ابن الأعرابي -رحمه الله-: "سمي العيد عيداً؛ لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد" [لسان العرب (3/318-319) ] .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "العيد اسمٌ لما يعود من الاجتماع على وجهٍ معتاد عائد إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك.
فالعيد يجتمع من أمور: يوم عائد، كيوم الفطر، ويوم الجمعة.
ومنها: اجتماع فيه.
ومنها: أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات، وقد يختص العيد بمكانٍ بعينه، وقد يكون مطلقاً، وكل هذه الأمور قد تسمى عيداً.
فالزمان كقوله -صلى الله عليه وسلم- في يوم الجمعة: "إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيداً" [السنن الكبرى للبيهقي (3/243) ، وأورده الألباني في صحيح الجامع (2/259) ] .
والاجتماع والأعمال كقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: (شهدت العيد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) [رواه البخاري كتاب العيدين (1/171) ] .
والمكان كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا قبري عيداً" [المصنف لابن أبي شيبة (2/375) ، وفي مسند الإمام أحمد (2/367) ، وسنن أبي داود (2042) بلفظ: "لا تجعلوا قبري عيداً"، وأورده الألباني في صحيح الجامع (6/132) ] .
وقد يكون لفظ العيد اسماً لمجموع اليوم والعمل فيه، وهو الغالب، كقوله صلى الله عليه وسلم: "دعهما يا أبا بكر، فإن لكل قومٍ عيداً، وإن هذا عيدنا" [رواه البخاري (1/170) ، ومسلم (892) . وانظر اقتضاء الصراط المستقيم (1/441-442) ، وانظر: البحر المحيط لأبي حيان (4/56) ]
ولذلك سمي العيد بهذا الاسم؛ لتكرره كل عام، وقيل: لعود السرور بعوده، وقيل: لكثرة عوائد الله على عباده فيه [انظر: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي (2/376) ، والمجموع شرح المهذب للنووي (2/5) ، وأنيس الفقهاء للشيخ: قاسم القونوي (ص118) ، والبناية في شرح الهداية للعيني (2/849) ، وكشاف القناع للبهوتي (2/49-50) ] .(16/382)
فعلى هذا كل اجتماع عام يحدثه الناس، أو يعتادونه في زمانٍ معين، أو مكانٍ معين، أو هُما معاً؛ فإنه يكون عيداً، وكذلك كل أثرٍ من الآثار القديمة، أو الجديدة يحييه الناس، أو يرتادونه، يصدق عليه مسمى العيد.
وبهذا يتبين ارتباط التعريفين الشرعي واللغوي، وأنه لا فرق بينهما في مسمى العيد، ولكن الشرعي: ما بيَّنه الشارع، وحدَّه من الأعياد الزمانية والمكانية [انظر: الأعياد وأثرها على المسلمين. د. سليمان السحيمي ص21-22] .
وبناءً على ما مضى فإن تخصيص الناس بعضَ الأمكنة أو الأزمنة بِعِيدٍ، سواء كان ذلك لفرحٍ، أو حزن، أو نحو ذلك مما ورد ذكره في السؤال- بدعةٌ، ومخالفةٌ للشرع، وتشبهٌ بالكفار.
ولقد تظاهرت نصوص الشرع في التحذير من البدع، قال الله -عز وجل-: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) . [الأنعام: 153] .
فالمراد بالصراط المستقيم: سبيل الله الذي دعا إليه، وهو: السنة. والسبل: الطرق المختلفة عدا هذا الطريق، مثل: اليهودية، والنصرانية، وسائر الملل، والأهواء، والبدع [تفسير البغوي (2/142) ، وانظر: فتح القدير للشوكاني (2/183) ] .
عن مجاهد قال: (ولا تتبعوا السبل) قال: "البدع والشبهات" [انظر سنن الدارمي (1/68) ] .
فأفادت الآية أن طريق الحق واحدة، وأن للباطل طرقاً متعددة لا واحدة، وتعددها لم يخصَّ بعددٍ مخصوص [الاعتصام للشاطبي (1/223) ، وانظر: تفسير ابن كثير (2/191) ]
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ".. وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة ... "أخرجه أبو داود (4607) ، والترمذي (2676) ، وقال: "حديث حسن صحيح"، والحاكم في المستدرك (1/95-96) ، وقال: "إسناده صحيح"، ووافقه الذهبي.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي رواية: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"رواه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) .(16/383)
التأجير من الباطن
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/02/1427هـ
السؤال
نحن الآن بصدد الدخول مزايدة حكومية في لاستئجار قطعة أرض داخل البحر لمدة 55 سنة، علماً أن العقد يشمل أعمال الردم والتخطيط والرصف والزفلتة والإنارة وأعمال الكهرباء والمياه والصرف الصحي والهاتف، وهي مخططة من قبل الدولة، بمعنى أنها قطع محددة لإنشاء عمائر سكنية سياحية وفلل، وقطعة لإنشاء فندق، وقطعة لإنشاء سوق تجاري، وغيرها من المنافع، ولا يمكن تغيير هذا التخطيط بناء على العقد المبرم مع الدولة، ولكن أوضاع الفنادق في بلدنا لا تسرّ ... ، لذا قررنا إن تمت عملية استئجار الأرض أن نتنازل عن قطعة الفندق بطريق (خلو قدم) أو بيع العقد لغيرنا، وهذا من الناحية النظامية لبلدنا مسموح به، فيدفع المستأجر الجديد قيمة الإيجار لهذه القطعة فقط للدولة مباشرة، أما بقية القطع فسنستمر في إيجارها من الدولة وتأجيرها للغير أو بنائها ومن ثم تأجيرها. فما حكم هذا العمل شرعاً؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالاستئجار مدة معينة، ومن ثَمَّ تأجير العين المؤجرة بأكثر أو أقل أمر جائز إذا كان للغرض المستأجر من أجله، ما لم يشترط المالك أو الجهة المختصة عدم التأجير، أو أن لا يتم التأجير إلا بإذنه فله ذلك.
لكن ما ورد في السؤال من أن من جملة الأرض المستأجرة (فندق) ثم التعقيب بقول السائل (ولكن أوضاع الفنادق في بلدنا لا تسرّ) أقول: يظهر من هذا التعقيب أن هذا الفندق وأمثاله غالباً ستكون فيه أشياء محرمة، مثل الزنا وشرب الخمور وجلب المغنيين والمغنيات وغير ذلك مما حرمه الله، فإذا كان الأمر كذلك فإنني أنصح السائل -وغيره ممن يريد الدخول في ذلك- أن يتراجع عنه؛ لما فيه من الإعانة على الإثم والعدوان، والله تبارك وتعالى يقول: "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة:2] ثم إن الربح الناتج عنه سحت لا خير فيه، وأعني بذلك الأرض الخاصة بالفندق. والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(16/384)
الرسم لكنائس النصارى
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/05/1427هـ
السؤال
ما حكم من يقوم برسم رسومات تخص النصارى وترسل إلى دولة أوروبية مقابل أجر عن هذه الرسومات! علماً أن هذه الرسومات قد توضع في كنائسهم، أو بيوتهم؟ وما حكم الأموال التي تجنى من هذا العمل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن كان الرسم لأشياء من الطبيعة مثل الشمس، والقمر، والنجوم، والشجر، والمراكب السيارة في البحار، أو السيارات وغيرها مما ليس فيه روح، فلا بأس بذلك حتى لو اشتراها منه النصارى، والمال من ذلك حلال.
وأما إن كان الرسم لذوات الأرواح فهذا داخل في التصوير المحرم الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وتوعد عليه بالعقاب الأليم، ومن أدلة تحريم التصوير ما يلي:
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون" رواه البخاري (5950) ، ومسلم (2109) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ" رواه البخاري (5963) ، ومسلم (2110) .
وفي الصحيحين أن رجلاً جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها، فقال له: ادن مني. فدنا منه، ثم قال: ادن مني. فدنا منه، حتى وضع يده على رأسه فقال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً فتعذبه في جهنم". وقال: "إن كنت فاعلاً فاصنع الشجر ومالا نفس له" رواه البخاري (2225) ، ومسلم (2110) .
فالأولى لهذا الشخص أن يترك العمل في الجانب المحرم من هذا العمل المحرم، وليعلم أن ما يأخذه من مال في بيعه لهذه الصور المحرمة حرام، والقاعدة عند العلماء: "أن ما أفضى إلى محرم فهو محرم"، فعمله محرم، وكسبه محرم، وكما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به" أخرجه الترمذي (614) ، وغيره، وصححه الألباني.
وتعاونه مع النصارى في بيعه هذه الصور لهم، يوقعه في إثم أشد وذنب عظيم، ولقد نهى الله جل وعلا عن ذلك مع إخوانه المسلمين بقوله "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" فما بالك فيمن يتعاون مع من يعبدون غير الله تعالى ويتخذون هذه الصور أرباباً من دون الله، فليحذر من هذا الأمر وليبتعد عنه، وأوصيه بتقوى الله تعالى "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" [الطلاق:2-3] ، وعليه أن يبحث عن عمل حلال، فإن في الرزق الحلال الخير والبركة في الدنيا قبل الآخرة.
وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/385)
قبول معلم القرآن للهدايا!
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/03/1427هـ
السؤال
لدي أخت تعمل في مجال الدعوة، وبالأخص في تعليم التجويد وتصحيح التلاوة، لكنها تقيم في بلد عربي يظهرون الجميل لأي مدرس، ويعتبرون أنها أفضل من كل المعلمين؛ لأنها تعطيهم علمًا للآخرة، وفي يوم أقيم فيه حفل تكريم قدموا لها هدية فرفضت وبشدة قاسية، فهل هي على صواب في تصرفها؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن هذه الأخت يبدو أنها شديدة الورع، فقبول هذه الهدية التي تقدمها هيئة وليست من شخص معين أمر سائغ شرعاً؛ للحديث الصحيح: "إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله" صحيح البخاري (5737) ، وهذا الحديث يستشهد به الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد على جواز أخذ أجرة على تعليم القرآن.
ومن المعلوم أنه ورد حديث يشدد في أخذ شيء على تعليم القرآن، وأصرح شيء ورد في التحريم حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: "علَّمت رجلاً القرآن، فأهدى إليَّ قوساً، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن أخذتها أخذت قوساً من نار". فرددتها. رواه ابن ماجه (2158) ، وقال عنه البيهقي وابن عبد البر: منقطع. وخالفهم بعض الحفاظ، ولكن الحديث فيه مقال، وقد صرح العلماء بأنه إما أن يكون منسوخا، أو يكون مؤولاً باعتبار أن هذا الرجل لم يكن له معلم، وإن كان كذلك فهذا من باب فرض العين، وليس من باب فرض الكفاية.
ومما يؤيد هذا ما ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى لعمر -رضي الله عنه- وقال له: "ما آتاك الله من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف فخذه" صحيح البخاري (1473) ، وصحيح مسلم (1045) ، وسنن النسائي (2605) وفي الحديث: "تهادوا تحابوا" أخرجه البخاري في الأدب المفرد (594) ، وأبو يعلى (6013) ، والبيهقي في الشعب (8693) أي إن الهدية تؤدي إلى المحبة؛ ولهذا فإننا نرى أنه قد يكون من الأفضل أن تقبل هذه الهدية، ويمكنها أن تتصدق بها إذا كان في نفسها شيء منها، وعليها أن تعامل زميلاتها بلطف، فالدين يحث على الرفق وعلى حسن الخلق ولا يحث على الغلظة. وجزاها الله خيراً لورعها ولخوفها من أن تقع في الشبهات، لكن مع ذلك عليها أن تكون متبصرة في أمر دينها. والله أعلم.(16/386)
المتاجرة ببيع وصلات الشعر
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 13/03/1427هـ
السؤال
أنا رجل أعمال في أمريكا، أريد أن أفتح متجراً لبيع وصلات الشعر (الباروكة) ، فهل يجوز هذا؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الله تعالى أحل للناس البيع، وجعل مجالاته واسعة فسيحة، وحرم عليهم من المعاملات ما فيه ربا أو غرر أو غش أو أكل لأموال الناس بالباطل، أو غير ذلك من الأسباب المذكورة في كتب الفقهاء ... وباب الحرام في المعاملات أضيق من الحلال بكثير. فعلام يدع المرء الباب الواسع الفسيح، ويلج أو يحاول الولوج من الباب الضيق الحرج؟!
وقد حرم النبي -صلى الله عليه وسلم- الوصل ولعن الواصلة والمستوصلة. صحيح البخاري (5938،4887) ، وصحيح مسلم (2122) .
والشعر المستعار أو ما يعرف بين العامة بالباروكة هو في حكم الوصل، وقد أطبق أهل العلم قديما وحديثا على منع الوصل؛ لما ورد فيه من النهي، وإن اختلفوا في علة النهي أهي تغيير خلق الله أو الغش والتدليس؟ ولا شك أن الباروكة أشد من الوصل في باب الغش والتدليس.
وعليه فالذي يظهر لي -والله أعلم- أن تجتنب هذا العمل وتبتعد عنه، والمسلم يبحث عن الكسب الحلال الذي لا شبهة فيه، ويكفيك قوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". أخرجه الترمذي (2518) ، وغيره. والله أعلم.(16/387)
سؤال الإكرامية من الناس
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/03/1427هـ
السؤال
أعمل في شركة تقوم بعمل إعلانات لمنتجاتها عن طريق التليفزيون، ووظيفتي أن أقوم بتوصيل هذه المنتجات للمنازل، وأقوم بطلب إكرامية، ولكن بطريقة ذوقية، فمنهم من يعطيني، ومنهم من يرفض، فهل النقود التي أحصل عليها، أو بمعني أدق هذه الإكرامية حلال أم حرام؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فطلبك هذا لا يجوز لأمرين، أحدهما: أنه سؤال واستجداء لما في أيدي الناس، وأنت لست فقيراً أو مسكيناً حتى تحل لك الصدقة فاتقِ الله أن تدخل في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم". رواه البخاري (1475) ، ومسلم (1040) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما.
الثاني: أن هذا داخل في قصة ابن اللتبية الذي استعمله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على صدقة بني سليم، فلما قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: هذا لكم وهذا أهدي إليَّ، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: "ما بال العامل أبعثه، فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي. أفلا قعد في بيت أبيه أو بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا؟! والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه، ثم قال: اللهم هل بلغت". مرتين. أخرجه البخاري (7174) ، ومسلم (1832) .
وروى الإمام أحمد (22495) عن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "هدايا العمال غلول". والله يقول في محكم التنزيل: "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة" [آل عمران:161] .فاتق الله في نفسك، وأقلع عن هذه العادة، وأرجع هذه الأموال إلى أصحابها، فإن لم تجدهم فتصدق بها عنهم. والله تعالى أعلم.(16/388)
هل كَسَرَ إبراهيم الأصنام بوحي من الله؟!
المجيب د. فوزي محمد ساعاتي
أستاذ التاريخ بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/03/1427هـ
السؤال
عندما كسر إبراهيم -عليه السلام- الأصنام، هل كان ذلك قبل أن يُوحى إليه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن إبراهيم -عليه السلام- قد أنار الله بصيرته وهداه إلى الرشد، فعلم أن الأصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تسمع نداء ولا تجيب دعاء، ولا تضر ولا تنفع، وأنها لا تباين بنات صنفها من سائر الخشب، وأن أباه هو الذي يصنعها. -وكان أبوه نجاراً ينحت الأصنام- كما قال تعالى: "وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ" [الأنبياء:51] . وأن الله آتاه رشده من الصغر، فكان قوي العزيمة، ثاقب النظر، يجادل قومه ويناظرهم فيقيم عليهم الحجة ويدمغهم بالبرهان الذي أيده الله تعالى به، وهداه إلى الحق، فعرف بصائب رأيه وثاقب فكره أن الله تعالى واحد أحد.
والمقصود أن الله تعالى أخبر أنه قد آتى إبراهيم رشده من قبل، أي من قبل بلوغه، وقوله (وكنا به عالمين) أي وكان أهلاً لذلك، ثم قال: "إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون" [الأنبياء:52] هذا هو الرشد الذي أوتيه من صغره: الإنكار على قومه عبادة الأصنام، ألهمه الحق والحجة على قومه، كما قال تعالى: "وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ" [الأنعام:83] .
أما تكسير الأصنام، فإن إبراهيم -عليه السلام- كسَّرها عندما كان شاباً صغير السن، حينما آتاه الله رشده، فاستنكر عبادة الأصنام وحطمها، ولكن أكان قد أوحي إليه بالرسالة في ذلك الحين، أم هو إلهام هداه إلى الحق قبل الرسالة؟ فالأرجح أنه إلهام هداه إلى الحق، وفي ذلك قولهم: "سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم" [الأنبياء:60] . والله أعلم.(16/389)
لماذا فُضِّلَ الرجل على المرأة في الميراث؟!
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/01/1427هـ
السؤال
ما الحكمة من عدم تسوية الرجل بالمرأة في الميراث؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد فرض الله المواريث في كتابه، وقسمها بين مستحقيها بنفسه، بحسب ما اقتضته حكمته، ورحمته، وسعة علمه. ولم يدع ذلك لاجتهاد مجتهد، أو فقه فقيه، فقال بعد أن ذكر جملة من أحكام المواريث: "آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً فريضةً من الله إن الله كان عليماً حكيما" [النساء: من الآية11] .
وقد جعل الله للمرأة نصف ما للرجل من جنسها، ولم يحرمها من الميراث، كما يصنع أهل الجاهلية القديمة والحديثة، ولم يسوها بالرجل، كما ينادي بذلك من قصر علمه ونظره، ذلك لأن الشريعة الإسلامية منظومة مترابطة من التشريعات تقضي بعدم التسوية في الميراث، الذي هو نوع استحقاق، لعدم التساوي في الالتزامات التي هي من قبيل الواجبات، فالرجال في الإسلام -سواءً كانوا آباءً، أو أبناءً أو أزواجاً، أو إخواناً وارثين- ملزمون بالنفقة على بناتهم، أو أمهاتهم، أو زوجاتهم، أو أخواتهم، بشرطين اثنين: غنى المنفِق، وفقر المنفَق عليه، في حالة عمودي النسب؛ وهم الآباء، والأولاد، وبزيادة شرط ثالث إن كان المنِفق من الحواشي، وهو: كونه وارثاً للمنفَق عليه.
أما الزوج فتجب عليه نفقة زوجته مطلقاً، سواءً كانت فقيرةً أو موسرة.
وبهذا تتبين حكمة الشارع في مضاعفة نصيب الذكر من الميراث، لما يتعلق به من الالتزامات، ولا شك أن هذا من مسوغات فضله، وأسباب قوامته، كما قال تعالى: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم" [النساء: من الآية34] .
ولكنه لا يدل على ظلم المرأة، وانتقاص كرامتها، كما يزعم بعض الجاهلين. لأن الظلم هو التفريق بين المتماثلات، والتسوية بين المختلفات، والعدل هو التسوية بين المتماثلات، والتفريق بين المختلفات: "وليس الذكر كالأنثى". والله أعلم.(16/390)
لماذا أغلب خطاب القرآن للذكور؟!
المجيب د. محمد بن حسين الجيزاني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/01/1427هـ
السؤال
في القرآن نرى -غالباً- أن الله يخاطب الرجال، وكذلك الحال في الحديث النبوي، فلماذا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلقد جاء هذا السؤال على لسان أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- حيث قالت: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟ فنزل قول الله تعالى: "إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ... ". [الأحزاب:35] الآية. مسند أحمد (26575) ، وتفسير الطبري (22/10) .
ولما كان القرآن الكريم قد نزل بلغة العرب، وجاء على طريقتهم في الخطاب فإن النساء يدخلن في خطاب الرجال؛ لأن العرب تغلّب المذكر على المؤنث، فيقول الرجل: ادخلوا، واخرجوا. وهو يقصد بذلك مخاطبة جميع الموجودين من ذكور وإناث، ولا يستقيم في لغة العرب أن يقول: ادخلوا وادخلن، واخرجوا واخرجن.
وقد علم أيضاً بأدلة الشريعة ومقاصدها أن التكليف بالأحكام الشرعية موجَّه إلى الرجال والنساء، فالجميع مكلفون ومخاطبون ومحاسبون ومثابون ومعاقبون.
هذا هو الأصل المطرد والقاعدة العامة، وهي اشتراك الرجال والنساء في جميع الأحكام سواء بسواء.
إلا أن هناك أحكاماً خاصة بالرجال دون النساء كتحريم الذهب والحرير ووجوب الجمعة والجهاد، كما أن هناك أحكاماً خاصة بالنساء دون الرجال كالحجاب ورعاية الأولاد وغير ذلك مما تقتضيه طبيعة كل من النوعين. والله أعلم.(16/391)
هل دعا الرسول على قوم بالهلاك؟
المجيب د. رفعت فوزي عبد المطلب
رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/02/1427هـ
السؤال
هل ورد في السيرة النبوية أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- دعا على قوم بالهلاك والزوال؟ وهل كان عليه الصلاة والسلام لعانًا؟ وهل اللعن والسباب والقتل والضرب هو الأصل في تعاملنا -معشر المسلمين- مع أصحاب الديانات الأخرى؟ هل كان من هدي الحبيب المصطفى طريقة الغلظة والسباب في الدعوة؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد:
فقد ثبت في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه دعا على أقوام قتلة غدرة سبقوا بالظلم والغدر، وذلك في مناسبات خاصة ولأسباب محددة وفي بعض الأوقات. فمن ذلك عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ (بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا) . أخرجه البخاري (3064) ، ومسلم (677) .
والدعاء على أهل الغدر ليس فيه شيء ولا يعاب صاحبه، وليس بمأخذ على الإسلام وأهله، كما أنه -أي الدعاء على من يستحقه- لا يعد سبابا ولا شتما.
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابًا ولا لعانًا ولا صخابًا في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- سباباً ولا فحاشاً ولا لعاناً، كان يقول لأحدنا عند المعتبة: ما له ترِب جبينه. أخرجه البخاري (6031) .
كما أن منهج الإسلام في التعامل مع غير المسلمين يحدده قوله تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى" [البقرة: 25] ، وقول الله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" [النحل: 125] ، وقوله تعالى: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها" [الكهف: 29] .. إلى غير ذلك من الآيات الكريمة في هذا الباب.
كما أن الإسلام ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ومنهجه المحكم هو المهيمن وهو الحجة على الناس، ولا يحكم عليه من خلال تصرفات مضطربة أو سلوكيات معوجة أو دعوات شوهاء.. والمقتدَى به هو رسول الإسلام ودعوته إلى الله معروفة موثقة في سيرته العطرة لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكورًا.. والله أعلم.(16/392)
معنى صلاة الله على نبيه صلى الله عليه وسلم
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/02/1427هـ
السؤال
يقول الله تعالى: "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا".
سؤالي هو: لماذا يصلي الله -عز وجل- على سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام-؟ وكيف يصلي عليه؟ ولماذا أمرنا بالصلاة عليه مع التسليم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأما لماذا يصلي الله -سبحانه وتعالى- على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- فكان الأولى على الأخت السائلة وفقها الله أن تطرح السؤال بقولها: ما الحكمة من صلاة الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم.
والجواب عن ذلك ظاهر، فإن هذا من بيان مكانة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ربه، وعظيم منزلته، وعلو قدره، ومعنى صلاته عليه هو: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، كما قال أبو العالية الرياحي -رحمه الله-.
وأما لماذا نصلي عليه نحن، فينبغي أن نعلم أن صلاتنا عليه هي: طلبنا من الله تعالى أن يصلي عليه، أي يثني عليه، ويزيد في تشريفه وتكريمه، ونحن بهذا نؤدي أقل القليل من حقه العظيم علينا صلوات الله وسلامه عليه.
وأوصي الأخت السائلة بالرجوع إلى ما كتبه الإمام ابن القيم في كتابه (جلاء الأفهام) ، وخاصة في الباب الخامس، فقد ذكر أربعين ثمرة من ثمرات الصلاة والسلام عليه، بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، وما ذكره الذاكرون الأبرار، وغفل عن ذكره الغافلون والفجار، والله أعلم.(16/393)
بيع ما يكثر استعماله في الحرام
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/05/1427هـ
السؤال
أريد أن أستفسر عن إمكانية بيع ما يعرف ببرامج الوسائط الصوتية، مثل
media player) و (realone player وغيرها، هل حرام أم حلال، حتى وإن عرفت أن من سيشتريها سيسمع بها الأغاني، أو ما شابه (أي سيستخدمها في الحرام) . وما حكم بيعها لغير المسلمين؟
كما أستوضح عن حكم العمل في شركة استيراد حواسيب وملحقاتها، والتي يمكن أن تتضمن بيع أقراص ليزرية لألعاب، أو برامج وأحيانا أفلام وأغانٍ (نسخ أصلية أو غير أصلية) ، وربما توضع في هذه الحواسيب نسخ غير أصلية من برامج التشغيل وغيرها، سواء كانت تبيعها بمال، أو تعطيها مجاناً (خدمات مجانية مع بيع الحاسوب) ؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالآلات التي صنعها الإنسان إما أن تستعمل في الخير، فهي خير، ولا حرج فيها، وإما أن تستعمل في الشر، فهي شرٌ وضررٌ على صاحبها وعلى من يستعملها، مثل المسجل أو الفيديو وغيرها من الآلات، وأيضاً الكمبيوتر، فإن استعمل فيما يعود على الناس بالخير من تعليمهم أمور دينهم، أو حفظ كتاب ربهم، أو استغلاله في قضاء حوائج الناس من حفظ معلوماتهم، واستخراج أوراقهم الثبوتية من رخصة وبطاقة الأحوال المدنية، ومعلومات الجوازات وغيرها، وتسجيل الصكوك، فهي تعود على الناس بالخير لتيسير أمورهم.
والعكس بالعكس، إذا كانت هذه الأجهزة تستعمل في الباطل، أو تستعمل في معاصي الله فهي محرمة؛ لأن القاعدة عند العلماء تقول: (إن كل ما أفضى إلى محرم فهو محرم) .
وأما العمل في مجال بيع وشراء الوسائط الصوتية، أو أجهزة الحاسوب، أو غيرها، فلا حرج فيها طالما أن البيع يتم لشخص لا يعرف هل يستعملها في الحلال أم الحرام، أما إذا علم أن هذا الشخص يستعملها في معصية الله، فلا تباع له، والأولى للإنسان أن يبتعد عما فيه شبهة، حتى لا تجره إلى المحرم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الحلال بيَّن، وإن الحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام ... " صحيح البخاري (52) ، وصحيح مسلم (1599) .
وفقك الله تعالى لطيب مطعمك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/394)
هل هذا من مسقطات ولاية الأب؟
المجيب محمد العبد الكريم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/12/1426هـ
السؤال
رجل يريد أن يزوج ابنته 22 سنة، من ولد عمره 15 سنة، حتى يحافظ على إرث الولد أو إرث العائلة، والبنت غير راضية عن هذه الزيجة، فهل يحق لها أن تختار وليًّا لها غير وليها الشرعي، فحتى أعمامها على وتيرة وليها الشرعي.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فما ذكر في السؤال من رغبة المرأة في الانتقال إلى ولي آخر يجاب عليه بما يلي:
أولاً: إن الانتقال إلى ولي آخر لا يكون إلا بأحد المسقطات الشرعية للولاية، وما ذكر في السؤال لا يدل على وجود مسقط إلا إذا افترضنا وجود السفه في الأب بسبب سوء تصرفه وطريقة إدراكه.
والسفه على كل حال شرط مختلف فيه بين الفقهاء، ومنهم من أجاز ولايته في النكاح إذا أذن له وكان ذا رأي، ولا يعقد إذا كان ضعيف الرأي، ومنهم من يرى عدم ولاية السفيه بالكلية؛ لأنه لا يصلح لأمر نفسه؛ فلا يصلح لأمر غيره من باب أولى.
ومع هذا الافتراض فإن المسوغات التي ذكرت في السؤال ليست كافية لإثبات حالة سفه الأب.
ثانياً: إن انتقال المرأة إلى ولي آخر لا يتم إلا من خلال آلية قضائية، وليس الأمر متروكاً هكذا لكل من أرادت أن تغير وليها بسبب عدم قناعتها به أو بتصرفاته. فالمحكمة هي التي تقدر حالة الأب إن كان به ما يوجب منع الولاية.
ثالثاً: للبنت حق الامتناع من الزواج، وليس لأحد إجبارها على ما لا تريد، ولها كذلك حق المطالبة بمنع هذا الزواج بالطرق النظامية والإصلاحية، وهذا خير لها من فكرة الانتقال إلى ولي آخر.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد.(16/395)
الحكم على معين بسخط الله عليه
المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/01/1427هـ
السؤال
كيف أعرف أن الله -سبحانه وتعالى- راضٍ أو ساخط على المؤمنين؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فمما ينبغي أن يُعلم أن الطاعات سبب لحصول رضوان الله، وأن المعاصي سبب لحلول سخط الله، وأدلة ذلك كثيرة متضافرة، قال تعالى: "وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا" [سورة المائدة:3] ، وقال تعالى: "وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ" [سورة الزمر:7] ، والله يرضى عن الصادقين، "قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، [سورة المائدة:119] ، والمؤمنون "جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ"، [سورة البينة:8] ، والنفس المطمئنة بالإيمان يقال لها: "ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً"، [سورة الفجر:28] .
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخطهما". أخرجه الترمذي (1899) ، وابن حبان (429) . وقال في الرضا عن أقدار الله: "فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط". أخرجه الترمذي (2396) ، وابن ماجه (4031) ، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم". أخرجه البخاري (2457) ، ومسلم (2668) ، وغيرها من النصوص.
فالله يرضى الإيمان والإسلام وسائر الطاعات، ويحب المؤمنين الطائعين ويرضى عنهم، ويبغض ويسخط الكفر والنفاق وسائر المعاصي، ويكره الكفار والمنافقين بشتى صنوفهم ويسخط عليهم.
هذه هي القاعدة العامة في هذه المسألة، لكن يبقى القول في المعيّنين من الطائعين والعاصين، فهؤلاء لا يمكن الشهادة لأحد منهم بعينه أنه مرضيٌّ عنه أو مسخوط عليه، إلا بدليل من الشرع؛ لأن الشهادة لمعيّن من غير دليلٍ رجمٌ بالغيب وتألٍّ على الله، فقد يعمل الإنسان الخير فيما يظهر للناس، ولكن يختم له بخاتمة سيئة فيكون مسخوطاً عليه، وقد يعمل العمل السيئ فيما يظهر للناس، ثم يختم له بخاتمة حسنة فيكون مرضيًّا عنه، كما ورد في الحديث: "إنَّ أَحَدَكُمْ ليَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حتى ما يكُون بَيْنَها وبَيْنَهُ إلا ذِرَاعٌ، فَيَسْبقُ عَليْه الكِتابُ فَيَعْمَلُ بعَملُ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ. وإنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهل النَّارِ حتى ما يَكُون بَيْنَها وبَيْنَهُ إلا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكتابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهل الجنَّةِ فَيَدْخُلُها)) . رواه البخاري (7454) ، ومسلم (2643) .(16/396)
فلا يمكننا الحكم على المعيّن إلا بدليل من الشرع، ولكن نرجو لمن أظهر الإحسان والطاعة أن يكون قد رضي الله عنه، ونخاف على من أظهر الإساءة والمعصية أن يكون الله قد سخط عليه، علماً بأن العمل وحده لا يكفي لنيل رضا الله ما لم يقترن بالإيمان بالله والإخلاص له، قال تعالى عن أعمال الكفار: "وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا" [سورة الفرقان:23] .
وعندما سئل -صلى الله عليه وسلم- عن أحد المشركين الذين ماتوا على الكفر ممن كانت له أعمال بر وأياد بيضاء في إغاثة الملهوفين والمساكين ونحوها: هل ينفعه ذلك؟ فقال: "لا ينفعه إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين". أخرجه مسلم (214) .
فلا ينبغي للإنسان أن يغتر بعمله، ويظن أن الله قد رضي عنه وتقبل منه، فإنما الأعمال بالخواتيم، وقد كان السلف يخافون من عدم رضا الله عنهم وقبوله لأعمالهم، حتى قال بعضهم: لو أعلم أن الله تقبل مني لتمنيت أن أموت؛ لأن الله يقول: "إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ"، [سورة المائدة:27] .
وفي المقابل لا ينبغي للإنسان أن يتألى على الله، ويحكم على معين بأن الله ساخط عليه، أو أن الله لن يغفر له.
ومن المقطوع به في عقائد أهل السنة أن الأنبياء جميعاً في الجنة، ولا يدخل الجنة أصلاً إلا من قد رضي الله عنه، وأحل عليه رضوانه، والأنبياء في الذروة من هؤلاء فهم صفوة الله من خلقة اصطفاهم ربهم على العالمين وشرفهم بحمل النبوة، فهم أعلى الناس منزلة وقدراً، وقد جاء في الحديث: (إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة؟ فيقولون لبيك ربنا وسعديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبد) رواه البخاري (6067) .
وقد أثنى الله على عباده الأنبياء في كتابه عموماً وخصوصاً، وأنهم أعلى درجات الذين أنعم الله عليهم،
وأمر بالاقتداء بهديهم (فبهداهم اقتده) وقال عقب ذكره لعدد منهم: (كل من الأخيار) واصطفاهم على الناس، ومفهوم ذلك كله أن الله سبحانه راضٍ عنهم.
وممن ورد الدليل الشرعي بأن الله قد رضي عنهم الصحابة، قال تعالى: "وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، [سورة التوبة:100] .
وكذلك أهل بيعة الرضوان من الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة في الحديبية - على وجه الخصوص - قال تعالى: "لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا"، [سورة الفتح:18] .
ومن المعينين الذين سخط الله عليهم إبليس، وفرعون، وهامان، وقارون، وأبو لهب..
نعوذ بالله من أسباب سخطه، ونسأله التوفيق لنيل رضاه، والله الموفق.(16/397)
أي الوظيفتين أختار؟!
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/04/1427هـ
السؤال
كنت أعمل بإحدى الشركات الكبرى، وكان من ضمن أعمالي مراجعة وتنقيح الاتفاقيات البنكية بين شركات المجموعة، والبنوك والتي كانت أغلبها تتضمن معاملات ربوية! ولهذا انصرفت من العمل بعد حوالي عامين لعمل آخر، إلا أنني فوجئت أن العمل عبارة عن مدير للقسم القانوني بأحد المكاتب ومهام الوظيفة هي تأسيس الشركات، وتقديم الاستشارات، ومن ضمن الشركات التي يقوم القسم بتأسيسها؛ بنوك ربوية، وإسلامية، وكذلك شركات تعمل في أنشطة محرمة شرعا، كبيع الخمور، أو المراقص ... إلخ، هل عملي الحالي حلال أم حرام وماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فعلى السائل أن يحاول الرجوع إلى الشركة التي تركها، فهي أفضل بكثير من عمله الحالي، لأن عمله الحالي ذريعة للربا، وذريعة الحرام فيه واضحة، لأن المؤسسة تقوم بتأسيس شركات تمارس أنشطة، محرمة كبيع الخمور، وإنشاء المراقص، فلهذا إن استطاع أن يرجع إلى تلك الشركة الخليجية التي خرج منها والتي تقوم بتنقيح اتفاقيات فهذا أولى من الشركة التي هو فيها الآن.
ولهذا ننصحه بالبحث عن عمل حلال في بنك إسلامي، أو في شركة إسلامية، أو في وظيفة لا تباشر عملية الربا حتى ولو كانت قد تُتَّخَذُ ذريعة أو وسيلة بعيدة شيئاً ما عن الربا، أما هذا العمل الحالي فإن الذريعة فيه قريبة جداً، ومعلوم أن الذريعة كلما كانت أبعد كانت درجةُ النهي أخف، ودرجة النهي هنا أوجه، وبخاصة في العمل الثاني، الذي يقوم به الآن، ونحن ننصحه بالبحث عن عمل آخر، وأن لا يقيم على هذا العمل، نسأل الله لنا وله التوفيق وللمسلمين جميعاً.(16/398)
ينقمون منا أننا لا نصافح النساء!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/01/1427هـ
السؤال
نحن مجموعة من الشباب التزمنا بديننا، وقصرنا الإزار، وأطلقنا اللحى مع المحافظة على الفرائض -والحمد لله-، ولكن بعض الناس شنوا حملة ضدنا، وقالوا: تقصير الإزار ليس وقته الآن، وأن هناك شيئاً أهم، ويعترضون عندما لا نصافح النساء، فعابوا علينا هذا. أرشدونا وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمن نعم الله -تعالى- على العبد أن يكرمه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ومن ذلك عدم إسبال الإزار والثوب والسراويل وغيرها، فعن أبي ذر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال" "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم"، قال فقرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرار، قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: "المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب"، رواه البخاري (4907) ، ومسلم (106) .
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء"، رواه البخاري (5446) ، ومسلم (2084) .
وأُزرة الرجل المسلم من كعبيه حتى منتصف ساقيه، فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأسفل من عضلة ساقي أو ساقه فقال: "هذا موضع الإزار فإن أبيت فأسفل فإن أبيت فلا حق للإزار في الكعبين". رواه أحمد (22732) ، والنسائي في الكبرى (9687) ، والترمذي (1782) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وفي حديث بيعة الرضوان جاء فيه عن إياس بن سلمة عن أبيه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث عثمان -رضي الله عنه- إلى أهل مكة، فأجاره أبان بن سعيد وحمله على سرجه وردفه حتى قدم به مكة، فقال له: يا ابن عم مالي أراك متخشعا أسبل كما يسبل قومك. قال: هكذا متزر صاحبنا إلى أنصاف ساقيه. قال: يا ابن عم طف بالبيت. قال: إنا لا نصنع شيئاً حتى يصنعه صاحبنا. رواه ابن أبي شيبة (7/386) ، والروياني في المسند (1155) ، واللفظ له.
وإعفاء اللحية واجب، فلا يجوز أخذ ما دون القبضة؛ لحديث نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب". وكان ابن عمر إذا حج قبض على لحيته فما فضل أخذه. رواه البخاري (5553) .
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس". رواه مسلم (260) .
وأخرج أبو داود (4201) من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة.
وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (10/350) .
وقد حكى ابن حزم -رحمه الله تعالى- الاتفاق على تحريم حلقها. مراتب الإجماع (182) ، الفروع (1/130) .
والتزام السنة في الإزار واللحية لا يقتضي ترك ما هو أهم منهما ولا يعارضه، ولكن في حال الخوف الشديد فإن الضرورة تُقدر بقدرها.(16/399)
أما مصافحة النساء الأجنبيات فلا شك في حرمته، لأدلة كثيرة، منها: حديث أميمة بنت رقيقة -رضي الله عنها- قالت: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في نسوة من الأنصار نبايعه، فقلنا: يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، قال: "فيما استطعتن وأطقتن". قالت: قلنا الله ورسوله أرحم بنا، هلمَّ نبايعك يا رسول الله. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة": رواه أحمد (26466) ، والنسائي (4181) ، وصححه ابن حبان (4553) .
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: " والله ما مست يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يد امرأة إنه يبايعهن بالكلام". رواه البخاري (4983) ، ومسلم (1866) .
فهذا أشرف الخلق وأطهرهم وأتقاهم لا يصافح النساء الأجنبيات فلنا به أسوة وقدوة -عليه الصلاة والسلام-.
وعن معقل بن يسار -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له: رواه الروياني (1283) ، والطبراني (20/211) رقم (486) ، وقال المنذري -رحمه الله تعالى-: رواه الطبراني والبيهقي ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح ا. هـ: الترغيب والترهيب (3/26) .
ولا يخفى على أحد ما يترتب على ذلك من إثارة للفتن والشهوات.
والواجب على المسلم امتثال أوامر الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تشهٍ وانتقاء، قال تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً"، [الأحزاب:36] ، بل الواجب التسليم المطلق، قال تعالى: "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً"، [النساء:65] .
أما الانتقاء وفعل ما يوافق هواه ورد ما يخالفه فليس من صفات المؤمنين، قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" [الأحزاب:21] .قال الترمذي: الأسوة الحسنة في الرسول - صلى الله عليه وسلم - الاقتداء به، والاتباع لسنته، وترك مخالفته في قوله أو فعله. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/400)
أخذ المال مقابل التبرع بالدم!
المجيب د. محمد بن إبراهيم السعيدي
رئيس قسم الدراسات الإسلامية في كلية المعلمين بمكة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/05/1427هـ
السؤال
هناك بعض المستشفيات الخاصة -إن لم يكن جميعها- تعطي من يتبرع بالدم لديها مبلغاً من المال مقابل ذلك الدم الذي تأخذه منه. هل يجوز أخذ المال مقابل الدم؟ مع العلم أن المستشفى يقوم ببيع الدم على المرضى بأضعاف المبلغ الذي اشتراه به؟!
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده وبعد:
فالدم محرم بنص القرآن قال تعالى: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ" [المائدة:3] . وجاء في الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله -عز وجل- إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه" أخرجه أحمد (2111) ، وأبو داود (3488) . وعند البخاري (2223) ، ومسلم (1582) . أوله.
وعلى ذلك جاءت فتاوى العلماء في عصرنا بإباحة نقل الدم وتحريم بيعه ومن تلك الفتاوى: فتوى الشيخ حسنين مخلوف مفتى الديار المصرية، وهي من أوائل الفتاوى في هذا الباب حيث صدرت سنة (1950م) وفتوى الشيخ حسن مأمون (مفتي الديار المصرية) برقم (1065) وتاريخ (2/12/1378هـ) الموافق (9 يوليه 1959م) ، وفتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية برقم (65) وتاريخ (7/2/1399هـ) ، وفتوى لجنة الإفتاء بالمملكة الأردنية الهاشمية بتاريخ (20/5/1397هـ) ، وفتوى لجنة الإفتاء الجزائرية بتاريخ (6/3/1392هـ) وفتوى المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، وقد جاء في الفتوى الصادرة في (13/7/1409هـ) تحريم بيع الدم، وأن نقل الدم من امرأة إلى طفل دون الحولين لا يأخذ حكم الرضاع المحرَّم.. وهو أمر اتفقت عليه الفتاوى الصادرة في هذا الشأن.. وصدرت عشرات، بل مئات الفتاوى الجماعية والفردية، والكتب والمقالات التي تبيح نقل الدم إذا تعين ذلك لإنقاذ حياة أو لشفاء مرض. وأن ذلك يجب أن يكون من قبيل التبرع لا المعاوضة والبيع.. وأن المضطر للشراء لا لوم عليه ولا تثريب، إن لم يجد وسيلة أخرى لذلك. وأن تتبع الشروط الطبية لنقل الدم للتوقي من نقل الأمراض، ومن حدوث تفاعلات خطيرة.
وقد جاء في فتوى المجتمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة (13-20 رجب 1409هـ ما يلي:
(أما حكم أخذ العوض عن الدم، وبعبارة أخرى: بيع الدم؛ فقد رأى المجلس أنه لا يجوز؛ لأنه من المحرمات المنصوص عليها في القرآن الكريم مع الميتة ولحم الخنزير، فلا يجوز بيعه وأخذ عوض عنه. وقد صح في الحديث: "إن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه"، كما صح أنه نهى عن بيع الدم. ويستثنى من ذلك حالات الضرورة إليه للأغراض الطبية ولا يوجد من يتبرع إلا بعوض، فإن الضرورات تبيح المحظورات، بقدر ما ترفع الضرورة وعندئذ يحل للمشتري دفع العوض، ويكون الإثم على الآخذ. ولا مانع من إعطاء المال على سبيل الهبة أو المكافأة تشجيعاً على القيام بهذا العمل الإنساني الخيري لأنه يكون من باب التبرعات، لا من باب المعاوضات) . والله أعلم.(16/401)
صلاة الفريضة في السيارة من أجل البرد
المجيب محمد محمد سالم عبد الودود
عضو اللجنة العلمية بالموقع
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/12/1426هـ
السؤال
أنا أعمل في سيارات الأجرة وفي وقت الشتاء يكون عندنا اليوم قصيرًا وأوقات الصلاة متقاربة جداً. وأنا أكون أحياناً في أماكن لا يوجد فيها مسجد أو مكان للصلاة والجو يكون بارداً والأرض كلها تكون مغطاة بالثلج.
السؤال: في هذه الحالة هل يجوز لي أداء صلاة الفريضة جالساً داخل السيارة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
1- الأصل هو أن الفريضة لا تصلى إلا في الحالة التي يكون المصلي فيها متمكناً من أداء الأركان (القيام، الركوع، السجود..) على صفتها؛ فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي النافلة وهو راكب، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة. صحيح البخاري (400) .
2- لكن إذا خشي الشخص فوات الوقت، ولم تكن الصلاة من الصلوات التي تجمع مع ما بعدها، ولم يمكن أن ينزل، فإنه يصلي على الحالة التي هو بها، فقد رُوي -بسند ضعيف- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في سفر فحضرت الصلاة والمطر مستمر والأرض مبتلة، فصلى على راحلته يومئ إيماءً يجعل السجود أخفض من الركوع.
ورُوي مثل هذا عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- سنن الترمذي (411) .
وهذه الحالة تدخل في عموم قول الله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن:16] .
3- وأخيراً فإني أنصح السائل الكريم بأن يجعل في سيارته ما يمكنه من أداء الصلاة في وقتها؛ مثل سجادة وآلة لتسخين الماء عند اللزوم.(16/402)
إعادة نشر الصور الساخرة بنبينا مطموسة!
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/04/1427هـ
السؤال
أنا صحفي قمت بإعداد صفحة كاملة في صحيفتي التي تصدر باللغة الإنجليزية، نشرت فيها تقريراً متكاملاً عن الغضب الذي ساد الشارع الإسلامي من جراء الرسوم الدنمركية، التي حاول بها أعداء الدين الإساءة لسيد البشر -صلى الله عليه وسلم- كما نشرت في ذات الصفحة مقتطفات مما قيل إعجابا ومديحاً في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قبل كبار المستشرقين، والغربيين، والزعماء، وفي ذات الصفحة دمجت ثلاثة من الرسومات الدنمركية سيئة الصيت بعد تصغيرها جداً، في إطار واحد وغطيتها بعلامة (x) كبيرة الحجم تغطي معظم أجزاء الرسومات التي في الإطار والذي لا يزيد مقاسه عن (7x9 سم) تقريباً، بينما مقاس الصفحة من الحجم الكبير.
إعادة نشر تلك الرسوم المصغرة بعد شطبها وتحقيرها كان في معرض الرد على الإساءات التي يحاول الرسامون أن يلصقوها برسول الله -صلى الله عليه وسلم- المنزه عن ذلك.
اتهمت في عقيدتي، وسجنت لمدة 12 يوماً، وأحيلت القضية للمحكمة، ولا أدري ما الله فاعل بي؟
فهل ما فعلته يستوجب العقاب؟ أم أنه جائز بحكم أنه جاء في معرض الرد على الإساءة لا بغرض الإساءة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فنقول لهذا الأخ السائل: إن عليه أن يتجنب مواضع التهم، وكما جاء في الحديث: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" أخرجه الترمذي (2518) ، وغيره. وهو بنشره لهذه الرسوم عرض نفسه للتهم، وجعل نفسه في وضع المتهم، فهذه الرسوم يغار عليها المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، فلماذا يقوم إذاً بنشرها مرة ثانية؟ حتى على افتراض حسن نيته.
وينبغي أن نصدقه فيما قال وأنه إنما نشرها بحسن نية، ولكن مع ذلك ما كان ينبغي له أن ينشرها، فهو يعرف أن السبب في ثورات المسلمين وفي غضبهم هو: رسم هذه الرسوم، وأنها أساءت إلى سيد الخلق، وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم، فلماذا يعيد نشرها؟ ويقول: إنه يعيد نشرها دفاعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم! ولكن دفاعاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا تعد نشرها، عليك أن تنشر سوى ذلك فنشرك لما ذكره كبار المستشرقين في جانب النبي صلى الله عليه وسلم هذا شيء طيب.
وبصفة عامة أرى أن المحكمة يمكن أن تصدقك فيما قلت، وأن تقبل عذرك، وتقبل توبتك، وما أعربت عنه من الأسف على ما بدر منك، وعليك أن لا تعود إلى ذلك.
ثم وصية أخيرة: عليك أن لا تستقوي بأعداء الدين على أهل الدين، حتى لو أنزلت بك المحكمة حكماً لا تراه عادلاً، فلا تلجأ إلى غير المسلمين، فإن لجوءك إلى غير المسلمين يجعلك في خانة المنافقين، واصبر على قومك حتى ولو رأيت أن الحكم ليس عادلاً بحقك، أو رأيت أن الحكم يجور عليك، ويذكر في هذا المقام أن كعب بن مالك -رضي الله عنه- في الفترة التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بهجرانه فيها -جاءه كتاب من ملك غسان النصراني يدعوه فيه إلى أن يلتحق بهم فرمى هذه الرسالة في النار، لأن إيمانه كان قويا جداً، وقال: حتى هؤلاء يطمعون في هذا منى، ثم تقبل الله توبته وتاب عليه.(16/403)
المهم أن تعتبر بقوة إيمانك حتى ولو رأيت أن الحكم بحقك لم يكن بالصواب لأنك تعرف من نفسك كما بينت في رسالتك أنك صادق وإنما أردت الدفاع، ولكن تم عرضه بطريقة الخطأ.
والطريق الذي سلكت ليس هو الطريق الصحيح فإن نشرك حتى مع علامة (X) ونحو ذلك فيه إيعاز باهتمامك بهذه الرسوم وتقديمك لها، ربما أدى إلى حث الناس على شراء هذه الجريدة بالإنجليزية التي يقرؤها الغربيون، فهذا يعني فيه أشياء تسمح بالاتهام، فعليك على كل حال أن تواجه القضية بشجاعة؛ وأن تعلن أنك إنما أردت خيرا وإذا فهم سوى ذلك، فإنك تتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وتستغفره، وتصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم.(16/404)
مات وعليه دين لكافر فهل يلحقه الوعيد؟!
المجيب د. محمد بن عبد الله المحيميد
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/02/1427هـ
السؤال
إذا مات مسلم وعليه دين لكافر فهل سيمنع هذا الدين المسلم من دخول الجنة؟ وهل يجب قضاء هذا الدين؟ كأن يكون الدين قرضًا من بنك (سواء بفوائد ربوية أو بغير ربا) ، وكيف يُقضى حق الكافر من المسلم يوم القيامة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الوفاء بالعقود، وذم الغدر والنكث؛ كقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" [المائدة:1] ، وهذا عام يشمل جميع العقود، وجميع المتعاقَد معهم مسلمين أو غير مسلمين ما لم يكن العقد مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية؛ وفي صحيح البخاري (34) ، وصحيح مسلم (58) عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".
وهذا فيه الترهيب من الغدر وإخلاف الوعد، وهو عام أيضاً يشمل جميع المعاهدات والوعود، وأيًّا كان المعاهَد مسلماً كان أو كافراً.
ومن العقود التي يجب الوفاء بها عقود المداينات (القروض) ، بل ورد الوعيد الشديد على عدم الوفاء بها؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين" أخرجه مسلم (1886) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" رواه أحمد (9302) وابن ماجة (2413) والترمذي (1078، 1079) ، وقال حديث حسن. وصححه الألباني- رحمهم الله تعالى.
وهذا أيضاً عام يشمل جميع الديون حتى وإن كانت لغير المسلمين، قال ابن عبد البر في الاستذكار (5/100) : (وفي هذا الحديث من الفقه أن قضاء الدين عن الميت بعده في الدنيا ينفعه في آخرته؛ ولذلك أمر وليه بالقضاء عنه، ولا ميراث إلا بعد قضاء الدين) . قال الشوكاني-رحمه الله تعالى-: (فيه الحث للورثة على قضاء دين الميت، والإخبار لهم بأن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه، وهذا مقيد بمن له مال يقضي منه دَيْنه، وأما من لا مال له ومات عازما على القضاء فقد ورد في الأحاديث ما يدل على أن الله تعالى يقضي عنه، بل ثبت أن مجرد محبة المديون عند موته للقضاء موجبة لتولي الله سبحانه لقضاء دينه..) نيل الأوطار (4/53) .
والخلاصة: أن الدَّين أمره عظيم، سواء كان لمسلم أو غير مسلم، وأنه يجب على المدين المبادرة في وفائه متى حل وهو قادر على الوفاء، وأنه لا يجوز للورثة أن يقتسموا التركة حتى تُقضى الديون وتنفذ الوصية، كما قال تعالى في آية المواريث: "من بعد وصية توصون بها أو دين" [النساء:12] ، وإذا لم يترك الميت المدين وفاءً شرع لغيره قضاؤه وانتفع الميت بذلك.
أما إذا كان الدَّين قد جعلت عليه فائدة ربوية فلا يستحق الدائن إلا قدر رأس ماله فقط، لكن على المدين أن يتخلص من هذه الفائدة؛ لأنه هو الآخر لا تحل له فيخرج من ماله بقدرها، وينفقه فيما يشاء من أوجه الخير، لكن ليس بنية الصدقة ولكن بنية التخلص من مال حرام.(16/405)
أما قول السائل: وكيف يُقضى حق الكافر من المسلم يوم القيامة؟.
فالجواب: أن الذي نعتقده أن الحقوق والمظالم محفوظة لأصحابها، وأن الحقوق في الآخرة إما حسنات أو سيئات؛ فقد ثبت عند مسلم (2582) وغيره عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء"؛ كما ثبت عند البخاري (2449) وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه".
أما كيفية القضاء بين المسلم والكافر؛ وهل يؤخذ من سيئات الكافر وتوضع على المسلم، أو يؤخذ من حسنات المسلم فتعطى الكافر فيخف عذابه، فالله أعلم، وعلى أية حال فلسنا متعبدين بمعرفة كيفية ذلك، ولن نسأل عنه، غير أن المتعين علينا كمسلمين أن نحذر الظلم والتهاون في حقوق الآخرين؛ مهما كانت هذه الحقوق، وأياً كان أصحابها. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.(16/406)
كفارة الحلف على المصحف
المجيب د. محمد العروسي عبد القادر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/04/1427هـ
السؤال
حلفت على كتاب الله بأن لا أعود إلى ثلاثة أشياء ذكرتها وأنا أضع يدي على المصحف بأن لا أعود وأنا جاد فيما قلت ولكن الشيطان وسوس لي وزينها في قلبي.
ولكن للآسف وأنا خائف من هذا الحلف قد وقعت في الأفعال التي أردت من نفسي الابتعاد عنها ولكن ذاك الذي جرى.
فما هي كفارة الحلف على القرآن؟
وهل يجب على أن أكفر عن الثلاث أو تكفي كفارة واحدة؟
وهل أستطيع أن أدفع ثمن الكفارة نقداً للجهات المعنية بالتبرع وهي بذلك تتولى قضية التكفير.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فالحلف على المصحف هو من توكيد الأمر الذي أمر الله بامتثاله أو اجتنابه، فما حرم الله سبحانه أو رسوله فهو محرم، وما أمر به سبحانه أو رسوله صلى الله عليه وسلم فهو واجب.
ثم إذا أراد الإنسان أن يوثق الأمر ويؤكده حلف على مصحف لتغليظ اليمين وزيادة توكيده، وهذا كما يطلق عليه يمين فهو عهد وميثاق.
فالحنث في هذا اليمين يوجب الكفارة كسائر الأيمان.
والحلف على المصحف يوجب لذلك المحلوف عليه تحريماً غير التحريم الثابت بالنهي كتحريم الزنا وشرب الخمر والكذب والظن.
فيكون المقسم عليه محرماً من وجهين: من جهة تحريم الله سبحانه، ومن جهة يمينه التي أقسم بها.
فهذا قد استحق من العقوبة أشدها لارتكاب ما نهى الله عنه أولاً، ولنقضه للعهد ونكثه لليمين ثانياً.
وعليه كفارة يمين لكل واحدة من هذه المسائل التي حلف عليها لأنه حنث بفعل ما حلف على تركه.
وليبحث في إعطاء هذه الكفارة إلى مستحقيها من الفقراء والمساكين من جيرانه ومعارفه ويجتهد، فإن لم يجد أو لم يعرف من ينفقها عليه، كأن يكون مغترباً. فهذه يدفعها إلى الجهة التي استوثق فيها لتقوم بصرفها على مستحقيها. والله أعلم.(16/407)
تأخير الحج لمن استطاع إليه سبيلاً
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 01/12/1426هـ
السؤال
أنا موظف كبير ومرتبي جيد -ولله الحمد-. الآن لا أملك سكناً خاصاً إنما مستأجر، وأملك من المال مبلغاً لا يكفيني لشراء سكن، لكنه يكفي لأداء فريضة الحج.
هل أقوم بأداء فريضة الحج، مع أنني مستأجر السكن، هل يجوز لي تأجيل الحج إلى ما بعد شراء مسكن، علماً أن ذلك قد يستغرق سنوات كثيرة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فعليك أيها الأخ أن تقدم فريضة الحج؛ لأنه واجب على الفور كما ذهب إليه جمهور العلماء، فما دمت تملك مالاً كافياً لأداء فريضة الحج، ولم تترك أهلك في ضيعة وإعسار فعليك أن تذهب إلى الحج وألا تؤخره، فالحج على الفور كما ذهب إليه مالك والإمام أحمد، وأيضاً قول قوي عند الأحناف.(16/408)
شروط تكفير الحج للذنوب
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 01/12/1426هـ
السؤال
كما نعلم أن الذي يحج تكفَّر عنه جميع ذنوبه، كمن يدخل في الإسلام. لكنني سمعت البعض يقولون: إن من يصر على بعض الذنوب فلا يكفرها الحج، فهل هذا صحيح؟ وما الدليل إن كان صحيحاً؟ وكيف يكون الحج ماحياً للذنوب إذا كان صاحبها يعود إليها، فليس هناك أحد من البشر كاملاً لا ذنب له؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد وردت النصوص الصحيحة عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أن الحج يكفر ما قبله من الذنوب، فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: " من أتى هذا البيت -وفي لفظ: من حج لله- فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه". صحيح البخاري (1521) ، وصحيح مسلم (1350) . وفي الصحيحين أيضاً: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة". صحيح البخاري (1773) ، وصحيح مسلم (1349) .
وهذه النصوص محمولة عند جماهير أهل العلم على تكفير الصغائر دون الكبائر، أما الكبائر فلا بد فيها من التوبة؛ لأن الصلاة -وهي أعظم شأناً من الحج- لا تقوى على تكفير الكبائر وإنما تكفِّر الصغائر، فمن باب أولى الحج، لأنه جاء في صحيح مسلم (233) وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب -وفي رواية: ما لم تغش- الكبائر".
وقد ذكر السائل أن الحج يكفِّر ما قبله، فالمراد بذلك الصغائر، وجاء في صحيح مسلم (121) في مبايعة عمرو بن العاص -رضي الله عنه- عندما أراد أن يشترط، فقال له النبي-صلى الله عليه وسلم-: "تشترط بماذا؟ ". قال: أن يغفر لي. قال: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله".
فإذاً هذا التكفير لما تقدم من الذنوب بالحج يشترط في الحج أن يكون مبروراً، وهو الذي سلم من الآثام والمعاصي، فإذا توفر هذا الشرط في الحج فإنه يكفر ما قبله من الذنوب، وإذا عاد العبد إلى هذه الذنوب فإنها تكتب عليه من جديد، والماضي قد حصل التجاوز عنه. والله أعلم.(16/409)
الصلاة بغير العربية
المجيب سالم بن ناصر الراكان
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 06/03/1427هـ
السؤال
هل تجوز الصلاة باللغة الصينية؟ وجزيتم خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فالصواب مع من قال بعدم جواز الصلاة باللغة الصينية ولا غيرها من اللغات سوى العربية، وهو مذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة، وأما الإمام أبو حنيفة فقد أفتى في أول الأمر بجواز الصلاة بغير العربية، ثم رجع عنه.
ولذا فقد نقل بعض أهل العلم الإجماع على تحريمه. (مناهل العرفان في علوم القرآن 2/117) ؛ وذلك لأن الفاتحة ركن على الصحيح من قولي العلماء، ولا تجوز قراءة القرآن بغير العربية، كما نص الفقهاء على ركنية تكبيرة الإحرام، وأنها لا تجزئ بغير لفظة (الله أكبر) حتى لو أبدلها بلفظة عربية أخرى مثل (الله أجلَّ) ، أو (الله أعظم) لم تنعقد صلاته على الصحيح، وكذلك سائر أركان وواجبات الصلاة القولية لا تصح بغير العربية. والعلم عند الله تعالى.(16/410)
هل نصوت في استفتاء الرسوم المسيئة
المجيب صالح بن عبد الله الدرويش
قاضي في المحكمة العامة بالقطيف
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/01/1427هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وردتني رسالة جوال تقول: (لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم اتصل على الرقم التالي في كندا ( ... ) ثم اضغط على الرقم (2) ؛ لأن هناك استفتاء على الرقم أعلاه يقول هل بإمكان الإعلام الكندي عرض رسوم كرتونية مسيئة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، لذا اضغط على الرقم (2) لكي تصوت بـ (لا) التصويت اليوم فقط.) .
فما رأيكم في الموضوع؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وصلتني الرسالة المسؤول عنها وقد جرى الاتصال ببعض المهتمين بهذا الموضوع وأفاد بأن: (الرسالة المراد منها الكسب المادي وعملية إثارة القضية لدى المسلمين في كندا) أهـ. وأرى أن هذه الرسالة مصدرها مشبوه وغير معروف، والأصل التثبت في هذه الرسائل قبل نشرها، وكذلك معرفة المصالح والمفساد المترتبة على نشرها، فإن رسائل الجوال الكثيرة تخلو من التثبت، وكذلك من معرفة المصالح والمفساد, وربما كان الهدف منها ابتزاز عواطف المسلمين لحملهم على التصويت المدفوع الثمن، وتحصيل الكسب المادي من وراء ذلك، ولذا فإن علينا ألا نجعل مشاعر المسلمين عرضة لهذا الابتزاز، وفي المقابل توجد مصارف واضحة من خلال مؤسسات رسمية أو خيرية معروفة ومزكاة، وفي التعامل معها كفاية عن الدخول في مشاريع مجهولة؛ لذا أرى عدم نشر هذه الرسالة وعدم الاتصال بهذا الرقم.
أسأل الله أن يجعلنا من الناصرين لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولذاته. والله أعلم.(16/411)
كيف أعرف أثر الاستخارة؟!
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن العمير
عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل بالإحساء وعميد كلية التربية بالجامعة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/01/1427هـ
السؤال
أديت صلاة الاستخارة، ودعوت بدعائها مع ذكر الشيء الذي كنت أريد فعله، وتوكلت على الله، فماذا أفعل لأعرف إذا كان يحق لي الشروع في هذا الشيء أم لا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا يخلو حال المسلم إذا أدى صلاة الاستخارة من أحد أمور ثلاثة، هي:
1- أن يجد في نفسه نشاطاً وارتياحاً للعمل الذي تردد فيه، ويذهب عنه التردد، وفي هذه الحالة يشرع له أن يمضي في العمل.
2- أن يجد في نفسه انصرافاً عن العمل، وعدم رغبة فيه، فيشرع له أن لا يمضي في العمل.
3- أن لا يحصل له شعور جديد، بل يبقى متردداً، وفي هذه الحالة عليه أن يمضي في العمل إذا ترجح له عقلا فائدة ذلك العمل، فإن الظن بالله أنه سيختار له ما هو خير.
ويشرع للمسلم أن يجمع مع الاستخارة استشارة أهل الرأي والنصيحة من أهله وإخوانه. والله أعلم.(16/412)
رفع المقاطعة عن شركة آرلا
المجيب جمع من العلماء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/03/1427هـ
السؤال
لقد صدرت فتاوى وبيانات من أهل العلم بمشروعية مقاطعة البضائع الدانمركية بسبب الرسوم الساخرة بنبينا -صلى الله عليه وسلم- وكما تعلمون أن الشركات المقاطعة لم يصدر منها سخرية بنينا صلى الله عليه وسلم، ولا إعانة على ذلك، ولكن قوطعت لأجل الضغط على الحكومة الدانمركية؛ لفرض عقوبات وقوانين تمنع السخرية بالمقدسات.
وقد أعلنت شركة (آرلا) للأغذية استنكارًا وإدانةً للرسوم التي نشرتها الصحيفة الدانمركية، ورفضت الشركة أي مبرر لتسويغها.
وقد واجهت الشركة انتقادات واسعة من الحكومة، وبعض وسائل الإعلام الدانمركية على هذا الموقف الشجاع.
ألا ترون -تثمينًا لهذا الموقف الشجاع الجريء للشركة، وتحفيزًا وتشجيعًا للشركات الأخرى أن تقف مع قضيتنا العادلة - مشروعية رفع المقاطعة لهذه الشركة؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
أولا: إجابة د. عبد الله بن بيه
(وزير العدل الموريتاني سابقاً) .
ثانياً: إجابة أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
(عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً) .
ثالثاً: إجابة أ. د. عبد السلام الهراس
(أستاذ في جامعة القرويين بمدينة فاس المغربية) .
أولا: إجابة د. عبد الله بن بيه (وزير العدل الموريتاني سابقاً) .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين:
في البدء أرى رفع المقاطعة عن هذه الشركة، وقد أعربت عن وجهة نظري هذه في المؤتمر الذي جمعنا في البحرين، الذي جمع العلماء والمفكرين والباحثين، وللأسباب التالية:
1- للمبدأ العام، ولقوله تعالى:"ولا تزر وازرة وزر أخرى" وجاء في الآية الأخرى في سورة النجم " أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى " فهذا مبدأ في كل الشرائع السماوية وفي كل القوانين البشرية.
2- الاعتذار الذي قدمته هذه الشركة هذا الاعتذار والتنصل والتبرؤ مما قام به أولئك الناس أعتقد أنه سبب كاف، بالإضافة إلى السبب الأول لرفع المقاطعة عن هذه الشركة.
3- من ناحية المصلحة يجب علينا أن نتعامل مع الأسوياء من هؤلاء الذين يريدون حسن التعامل وحسن العلاقة، علينا أن نعاملهم بالمثل وأن نمد اليد لمن يمد لنا يده، فالأصل في العلاقة البر والإقساط لمن لا يحاربنا ولا يشن علينا حرباً، سواء كانت حرباً كلامية أو حرباً عسكرية والله سبحانه وتعالى يقول:" لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ "وهذه الشركة لم تسيء إلينا، وبالتالي فإن لها منا واجب البر والقسط.(16/413)
4- العفو والصفح والمسامحة والإحسان كلها قيم ومبادئ لا يرقى إليها شك في ديننا الإسلامي في سلوكنا في تصرفاتنا بمد يدنا للآخر يمكن أن نجسد هذه القيم وبالعكس في سلوكنا غير السوي يمكن أن نلحق ضرراً بالغاً بمصالحنا ودعوتنا التي هي دعوة سلام وسلم ومحبة ووئام. أعتقد أن هذا الموقف هو الموقف الملائم الذي يلبي حاجة المسلمين في إيجاد رأي عام يتعامل معه الغرب إذا كنا نرفض كل يد ممدودة فمعنى ذلك أننا نؤلب على أنفسنا دون أن نشعر وذلك شيء من قصور النظر، وأعتقد أنه سيصيب مصالحنا بضرر بالغ وسيؤلب الناس علينا، وبالتالي لا يسمح لدعوتنا أن تصل ولا لكلمتنا أن تسمع، فالمصلحة أن نمد يدنا إليهم.
أخيراً أود أن يكون رفع المقاطعة بناءً على اجتماع تعقده هذه الشركة مع الأمانة العامة في المؤتمر فهذا الاجتماع بالإمكان أن يصل إلى نتائج بناءا على اتفاق ملتزم به نوع من العهد والعقد بينهم على جملة من الشروط أعربت عنها الشركة، وأنها قد تساعد في تغيير الصورة النمطية التي توجد عند الغرب. هذا رأيي والله -سبحانه وتعالى- يقول الحق وهو يهدي السبيل والله تعالى أعلم.
الفتوى منقولة من موقع اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم
وهذا رابطها (رفع المقاطعة عن شركة آرلا)
ثانياً: إجابة أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان (عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً) .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا شك أن ما حصل من حكومة الدانمرك بالوقوف مع الصحيفة التي نشرت الرسوم (الكاريكاتورية) الساخرة بنبي الإنسانية وخاتم الأنبياء محمد -صلى الله عليه وسلم- جريمة نكراء ونازلة بالمسلمين في عامة أنحاء المعمورة لا يعرف لها مثيل من قبل، وإن هبة المسلمين -في جميع مذاهبهم الدينية وانتماءاتهم الفكرية والاجتماعية –لم يسبق أن اتحد على مثلها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها غير أنه من فضل الله أن جعل المحن تنتج منحًا، كما قال الله تعالى: " لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ "، فإن المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الدانمركية -وهي مقاطعة شعبية بحتة- أثمرت ثمارًا طيبة
وفوائد عظيمة، منها:
1- وحَّدت المسلمين علماء وعامة في جميع أقطار الأرض على قضية واحدة لم يسبق لها مثيل.
2- أثارت الحمية الدينية لدى شباب الأمة خاصة والمسلمين عامة.
3- ساعدت الأقليات المسلمة في ديار الغرب، ومن بينها المؤسسات الإسلامية وفي الدانمرك خاصة.
4- عملت على نشر الدين الإسلامي، وسيرة النبي –صلى الله عليه وسلم- في الغرب ومنها الدول الإسكندنافية.(16/414)
5- دفعت بعض الشركات الأوروبية ومنها شركة (آرلا) الدانمركية، فأيدت المسلمين في استنكارهم لهذه الرسوم الساخرة بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنها لخطوة منها جيدة، وإني أرى عدم مقاطعة هذه الشركة (آرلا) بل يتعين على التجار والمستهلكين من الناس التعامل معها، وشراء منتوجاتها بعد أن استنكرت موقف حكومتها الشنيع على عامة المسلمين. وإن رفع المقاطعة عن هذه الشركة هو تشجيع للشركات الأخرى حتى تحذو حذوها، لاسيما أن هذه الشركة استنكرت رسميًا موقف حكومتها، وتعمل على مقاضاتها قانونيًا، لما لحقها من خسارة مادية، ولموقفها المتصلب من عدم الاعتذار للمسلمين.
ثم يجب أن يعلم أن الفتاوى التي صدرت من العلماء لمقاطعة المنتجات الدانمركية إنما قصد بها الضغط على الحكومة لتعتذر للمسلمين وتعاقب الصحيفة الناشرة لتلك الرسوم الساخرة، ولكن تبين أن الحكومة الدانمركية حكومة صليبية تزداد إصرارًا كل يوم.
ثم إن العاطفة الدينية لدى الشعوب الإسلامية قد خفَّت أو كادت أن تخف، ولن تدوم بحال. ومن الحكمة والمصلحة العامة للمسلمين أن تشجع الشركات الدانمركية الأخرى في الضغط على حكوماتها بالأساليب الممكنة، حتى تعتذر للمسلمين رسميًا، وإن أعظم ما يضغط على الحكومات اليوم – هيئات وشركات القطاع الخاص فيها، فيتعين رفع المقاطعة حينئذ عن كل شركة دانمركية وقفت ضد حكومتها، في حادثة الرسوم الكاريكاتورية. ويجب أن يعلم أن شركة (آرلا) ونحوها شركة خاصة، ولا دخل للدولة فيها من قريب أو بعيد، وإذا كان الأمر هكذا تعين حينئذ تشجيعها على موقفها مع المسلمين وإقامتها دعاوى قضائية ضد الحكومة، وأعتقد أن هذا هو عين العدل والإنصاف، فلا يؤاخذ البريء بجريرة المسيء فإن الله يقول: "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، "وكل نفس بما كسبت رهينة"، " وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ". والله أعلم.
الفتوى منقولة من موقع اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم
وهذا رابطها (رفع المقاطعة عن شركة آرلا)
ثالثاً: إجابة أ. د. عبد السلام الهراس (أستاذ في جامعة القرويين بمدينة فاس المغربية) .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(16/415)
الله -سبحانه وتعالى- يقول:"ولا تزر وازرة وزر أخرى". هؤلاء تبرؤوا وأعلنوا أنهم في صف المسلمين فيما يصف استنكار ما صدر من تلك الشرذمة السفيهة في قومها، فيجب أن نشجعها ونشجع الشركات الأخرى؛ لتقتدي بها، فشرعاً يجب رفع المقاطعة ولكل حال فتوى، والحال الجديدة هؤلاء كما سمعتم الشعب المسلم يتكلم عنهم، ولكن ينبغي -في رأيي- أن يكون الموقف الجديد موثقاً ليس من خلال الإعلان والكلام مع الوفد وموقّعاً ومسئولاً؛ حتى لا تقع في تزوير في شيء يقال وشيء يعمل، فيجب أن يكون الموقف مسجلاً وموثقاً ومقطوعاً به، وليس محل شك أو تردد أو تراجع. لذا أرى رفع المقاطعة مبدئياً، بشرط أن يكون الموقف يؤيد مقام المسلمين من الدنمركيين موقفاً مسؤولاً معتمداً. كما نعلن للملأ أننا لسنا أعداء لهؤلاء؛ لأنهم لم يظاهروا العداء، ولم يرتكبوا شيئاً ولم يسكتوا لأن السكوت علامة الرضى. هذا رأي والله أعلم.
الفتوى منقولة من موقع اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم(16/416)
كيف تسبق العينُ القَدَرَ؟!
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/02/1427هـ
السؤال
أرجو أن تبينوا لي كيف تسبق العينُ القَدَرَ؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين" رواه مسلم في صحيحه (2188) .
وأنت إذا تأملت نص الحديث وجدته دالاً على إثبات القدر "وأنه هو السابق لا أن العين تسبق القدر"، ففي سابق علم الله كل ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف سيكون، وإصابة العين من القدر المكتوب الذي سبق به علم الله وكتبه فليتأمل ذلك.
قال النووي -رحمه الله- في شرحه لهذا الحديث (14/171) : "فيه إثبات القدر، وهو حق بالنصوص وإجماع أهل السنة، ومعناه: أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى، ولا تقع إلا على حسب ما قدرها الله -تعالى- وسبق بها علمه، فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى، وفيه صحة أمر العين، وأنها قوية الضرر والله أعلم".
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(16/417)
هل في هذه الآيات ما يبيح الثناء على النفس؟
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/02/1427هـ
السؤال
في سورة النبأ، وتحديداً في تعداد الله تعالى لنعمه، وبيان قدرته، كما في الآيات التالية: "أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا، وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا، وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا" استنبط أحد طلاب العلم فائدة من هذا المعنى، فقال: للداعية أن يزكي نفسه في موطن من المواطن إذا احتاج إلى ذلك، وقال: إذا كان الله -تعالى- مع جلالة قدره، ورفعة شأنه، احتاج أن يبين عن نفسه في هذا الموطن، فالداعية إلى الله تعالى من باب أولى. فهل تستقيم له هذه الفائدة من هذه الآيات بالذات؟ وما صحة قول من يقول: لا تتشبه بأفعال الله تعالى، ويستدل على ذلك بقول الله تعالى: (ليس كمثله شيء) ؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالاستدلال بآية سورة النبأ غير صحيح؛ فكل ما ذكر فيها من خصائصه سبحانه وحده. ولكن لو قيل -دون الاستدلال بالآية-: إن الله يثني على نفسه ليعلم خلقه كيف يثنون وكيف يثني بعضهم على بعض لكان حسنًا، وثناء المرء على نفسه بالحق عند الحاجة جائز دلت عليه نصوص أخرى، لقوله -تعالى- حكاية عن يوسف: "قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ" [يوسف: 55] ، وقول ابنة شعيب: "قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" [القصص: 26] ، وقول كل نبي لقومه: "أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ" [الدخان: 18] .
أما الاستشهاد بآية " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" [الشورى: 11] على منع التشبه بأفعال الله فصحيح، فإن أسماء الله وصفاته -ومنها أفعاله سبحانه- لا تشبه صفات وأفعال المخلوقين. وكون الله موصوفاً بالعلم والحكمة والرحمة ونحوها، والمخلوق يوصف بهذه الأوصاف، فقد تعني التشبه بأفعال الله -سبحانه- فكل من الخالق والمخلوق يتَّصف بهذه الصفات، ولكن لكل من الرب والعبد ما يناسبه منها. والله أعلم.(16/418)
النطق بالكفر عند شدة الغضب
المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/03/1427هـ
السؤال
رجل يصلي ويشهد له بالإيمان، جاءه رجل ذات يوم وهو غاضب، وقال له: قل لا إله إلا الله، قال: لا أنا كافر بها! فلما ذهب عنه الغضب استغفر الله وتاب مما قال، فهل عليه شيء بعد ذلك يفعله؟ وهل عليه شيء لو جامع زوجته؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا شك أن ما ذكره السائل في السؤال منكر عظيم؛ لأن ما تلفظ به ذلك الرجل كلمة كفرية، لكن قائلها يختلف حكمه حسب الحال التي كان عليها حينما نطق بتلك الكلمة.
فمن نطق بكلمة الكفر عالماً بمعناها عامداً، غير مكره فهو كافر بالله تعالى، أما من غلبه الغضب إلى درجة فقدان التحكم في نفسه، وفقدان التمييز بين الخطأ والصواب فهذا معذور -إن شاء الله- كما هو الحال فيما يقع منه من طلاق ونحوه، وقد بين العلماء أن طلاق الغضبان لا يقع، عملاً بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا طلاق ولا عَتاق في إغلاق". أخرجه أبو داود (2193) ، وابن ماجه (2046) . والإغلاق هو الغضب، أو كل ما يغلق على الإنسان فكره وعقله حتى لا يعي ما يقول.
وأما مطلق الغضب فليس مبرراً للنطق بكلمة الكفر ونحوه من الأقوال المنكرة والتفحش في الكلام، والغضب مسألة نسبية في الناس ليس مطرداً على نمط واحد في الجميع، فبعض الغضب قد يفقد زيداً من الناس صوابه، ولكن غيره لا يحصل له ذلك، فليتنبه لهذا.
كما أن هذه الحالة المذكورة في السؤال تشبه -إلى حد كبير- قصة صاحب الراحلة الذي فقدها في فلاة وعليها كل ما يحتاجه من طعام وشراب، فبحث عنها حتى يئس، ثم أغفى إغفاءة استيقظ بعدها وعنده راحلته، فقال من شدة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك". انظر صحيح البخاري (6309) ، وصحيح مسلم (2747) . حيث أغلق عليه الفرح الشديد عقله، فأخطأ في العبارة فقال كلمة كفرية، بيد أنه لا يقصد حقيقة ما قال؛ إذ قالها في حالة من الذهول.
والمذكور في السؤال إن كان الغضب أغلق عليه تفكيره فأخطأ في كلامه فهو مثل صاحب الراحلة في الحكم، أما إن كان عالماً بما يقول متعمداً له، كامل الأهلية، فقد وقع في الكفر، وعليه التوبة إلى الله وتجديد إيمانه.
وبما أن الشخص المذكور في السؤال تاب ورجع وأناب فإن الله يقبل التوبة من عباده، ويعفو عن السيئات، وعليه أن يكثر من النوافل والقربات، ولا حرج عليه في جماع زوجته -إن شاء الله-.
وأنبه هنا إلى أنه يجب على المرء أن يحفظ لسانه في حال الغضب من كل قول قبيح، فلربما قال كلمة توبق دنياه وآخرته.
كما أنبه إلى أنه لا ينبغي لنا التسرع والاهتمام الزائد بالحكم على الأشخاص المعينين، وإنما الواجب علينا النصح والإرشاد، والتذكير بالحكمة والموعظة الحسنة؛ حتى يتوب المذنب ويرجع إلى ربه.
كما ينبغي علينا اختيار الأسلوب الحسن في النصح، واختيار الزمان والمكان المناسبين، ونحو ذلك مما يؤثر في إنجاح النصح.(16/419)
وقد ذكر الفقهاء شيئاً يشبه ما ذكر في السؤال من بعض الوجوه، وذلك في تلقين المحتضر، إذ ذكروا أنه ينبغي لملقن الشهادة للمحتضر أن لا يقول له: (قل لا إله إلا الله) . بأسلوب مباشر، وإنما يطلب منه النطق بذلك بطريقة غير مباشرة، كأن يهلل أمامه، أو يخبره عن بعض الصالحين الذين ماتوا وهم يقولونها، ونحو ذلك من الطرق الحسنة، والعلة في ذلك أن المحتضر في حالة كرب شديد، فيخشى عليه من الضجر إذا طلب منه النطق بالشهادة بأسلوب مباشر، وربما يرفض النطق بالشهادة، أو ينطق بكلام لا يحسن، فيكون الملقن هو المتسبب في ذلك.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.(16/420)
هل دفع المال لتسهيل المعاملة رشوة؟
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/05/1427هـ
السؤال
أنا محاسب في مجال التخليص الجمركي أتولى القيام بالإجراءات الجمركية للبضاعة المستوردة أو المصدرة، نيابة عن أصحاب هذه البضائع، وفي هذا المجال يتحتم التعامل مع موظفي الجمارك، فبعضهم يطلب نقودا مقابل القيام بعمله! وبعضهم يساوم عليها، وذلك باستغلال بعض الثغرات في القانون، فهل يعتبر ذلك رشوة؟ نرجو معرفة رأي الشرع في العمل في هذا المجال، وبهذه الصورة، مع العلم بأنني لا أقوم بالتعامل المباشر مع موظفي الجمرك؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فعن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- قال: استعمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً على صدقات بني سليم، يدعى: ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم، وهذا هدية! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً". ثم خطبنا فحمد الله وأنثى عليه، ثم قال: "أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته، والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر". ثم رفع يده حتى رؤي بياض إبطه يقول: "اللهم هل بلغت" رواه البخاري (6578) ومسلم (1832) .
وعن بريدة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول" رواه أبو داود (2943) وصححه ابن خزيمة (2369) والحاكم (1/563) .
قال الشوكاني -رحمه الله تعالى-: "وظاهره المنع من الزيادة على المفروض للعامل من غير فرقٍ بين ما كان من الصدقات المأخوذة من أرباب الأموال أو من أربابها على طريق الهدية أو الرشوة" أ. هـ نيل الأوطار (8/135) .
لذا فإنه يحرم على العامل أن يطلب ممن يراجعه لإنهاء معاملة له أي شيء سواء سماه هدية، أو إكرامية، أو غيرها من المسميات التي تختلف من بلد لآخر؛ لكونه يأخذ مرتباً على عمله، وهذه الزيادة ليست حقا له، فقد ذكر العيني -رحمه الله تعالى- قول بعض أهل العلم: "احتيال العامل هو بأن ما أهدي له في عمالته يستأثر به ولا يضعه في بيت المال، وهدايا العمال والأمراء هي من جملة حقوق المسلمين" ا. هـ عمدة القاري (24/124) .
وقال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: "ولأن حدوث الهدية عند حدوث الولاية يدل على أنها من أجلها" ا. هـ
وما تدفعه للعامل لتيسير أمورك، واستغلال الثغرات، ما هو إلا نوع من أنواع الرشوة، قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: "فأما الرشوة في الحكم ورشوة العامل فحرام بلا خلاف، قال الله تعالى: "أكالون للسحت" [المائدة:42] ، قال الحسن وسعيد بن جبير في تفسيره: هو الرشوة" ا. هـ المغني (10/118) .
والواجب عليك نصح هؤلاء، وبيان حرمة ما يقومون به، فإن لم ينفع معهم ذلك فأبلغ عنهم الجهة المختصة، فأمثال هؤلاء لا تبرأ بهم الذمة وهذا من المنكر الواجب تغيره.(16/421)
وأذكر المسئولين بتقوى الله تعالى، وأن لا يثقلوا كواهل الناس بالضرائب، فعن عبد الرحمن بن شماسة، قال: أتيت عائشة -رضي الله عنها- أسألها عن شيء فقالت: ممن أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر. فقالت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟ فقال: ما نقمنا منه شيئاً إن كان ليموت للرجل منا البعير فيعطيه البعير، والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النفقة فيعطيه النفقة، فقالت: أما إنه لا يمنعني الذي فعل في محمد بن أبي بكر أخي أن أخبرك ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يقول في بيتي هذا: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به" رواه مسلم (1828) .
وأن لا يضطروا الناس إلى التحايل على تلك الأنظمة للتهرب من تلك الضرائب التي أثقلت كواهلهم، عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة صاحب مكسٍ" يعني العشَّار. رواه أحمد (17333) . قال البغوي: "يريد بصاحب المكس الذي يأخذ من التجار إذا مروا عليه مكسا باسم العشر".
وقال الحافظ المنذري: "أما الآن فإنهم يأخذون مكسا باسم العشر، ومكوسا أخر ليس لها اسم، بل شيء يأخذونه حراماً وسحتا ويأكلونه في بطونهم نارا، حجتهم فيه داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد". ا. هـ الترغيب والترهيب (1/320) ، وانظر أحكام أهل الذمة لابن القيم (1/330) ، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/422)
عدالة الصحابة
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/12/1426هـ
السؤال
أنا في حيرة بخصوص موقفنا -نحن أهل السنة- من الصحابة كرواة للحديث، فالذي أعرفه أن هناك إجماعاً على أن الصحابة كلهم عدول وثقة في الحديث بدون استثناء.
والشيعة يقولون: إن بعض الصحابة ارتدّوا، مثل مالك بن نويرة، فكيف يكون كلهم عدول وثقة إذا كان بعضهم قد ارتد؟ أفلا يمكن لبعضهم الآخر أن يكذب، ومن ثم ألا يجب أن يوثق الصحابة بشكل فردي في رواية الحديث؟
أرجو توضيح هذه الشبهة.
الجواب
الحمد لله على أفضاله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله. أما بعد:
فأقول (وبالله التوفيق) : عندما أجمع السلف والخلف على عدالة الصحابة رضوان عليهم (مع كون إجماعهم هذا حُجةً ملزمةً) فإنهم إنما أجمعوا على ذلك لتوارد النصوص من الكتاب والسنّة الدالّة عليه.
قال تعالى: "محمد رسول الله والذين معه أشدَّاءُ على الكفار رُحماءُ بينهم تراهم ركّعاً سُجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وَعَدَ الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً وأجراً عظيماً" [الفتح:29] .
ففي هذه الآية بيان لفضل عموم الصحابة -رضي الله عنهم- لأنها عبّرت عنهم بالاسم الموصول (الذين) وهو من الصيغ الدالة على العموم.
وفي الآية نصٌ صريح من عالم ما في الصدور سبحانه على حُسنِ نوايا الصحابة، وأنهم لا يقصدون إلا رضى الله تعالى وجنّته والنجاة من عقابه بأعمالهم "يبتغون فضلاً من الله ورضواناً" وهو نصٌّ مهم جدًّا يبين الموقف الصحيح الذي ينبغي أن يقفه المسلم تجاه أي حادث وقع من صحابي يجده فيه مخطئاً، بأن يعلم أنه وإن أخطأ إلا أنه قصد به (فضلاً من الله ورضواناً) ، وما وجدنا إلى هذا التأويل سبيلاً.
وفي الآية أخيراً: أن الذي في قلبه غيظ على الصحابة كلّهم كافر "ليغيظ بهم الكفار"، وهو أحد الأوجه في تفسير الآية.
وقال تعالى: "لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجةً من الذين أنفقوا من بَعْدُ وقاتلوا وكُلاّ وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبيرٌ" [الحديد:10] .
ففي الآية وَعْدٌ لجميع الصحابة ممن أسلم قبل الفتح ومن أسلم بعده بالحسنى، وهي الجنة، مع تفضيل المسلمين قبل الفتح على من جاء بعدهم من الصحابة.
وقال تعالى: "للفقراء المهاجرين الذي أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون- والذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً ممّا أُوتُوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم" [الحشر: 9-10] .
ففي هذا الآيات ثناءٌ عظيم على المهاجرين والأنصار ومن تبعهم من الصحابة بعد انتهاء الهجرة من مكة إلى المدينة، أي مسلمة الفتح.(16/423)
ولئن كان هناك خلافٌ في المراد بالفريق الثالث، فلا خلاف في المراد بالمهاجرين والأنصار وفي عموم ثناء الله تعالى عليهم جميعاً.
وقال تعالى: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدَّ لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم" [التوبة:100] .
وفي هذه الآية ذكرٌ لعموم المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان بأنهم قد رضي الله تعالى عنهم، وأنهم قد رضوا بثواب الله لهم، وأنه قد أعدّ لهم الجنة جزاء لإيمانهم وإحسانهم.
وفي الحديث المتفق عليه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" صحيح البخاري (2652) ، وصحيح مسلم (2533) .
وهذا فيه بيان أن جيل الصحابة أفضل الأجيال على الإطلاق.
وفي الحديث المتفق عليه أيضاً أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-قال: "لا تسبّوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحدٍ ذهباً، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه" صحيح البخاري (3673) ، وصحيح مسلم (2541) .
وأي مخالفة لهذا النهي النبوي أشدُّ من أن يوصف أحد الصحابة بعدم العدالة، أي بالفسق؟!
وفي خطبة حجّة الوداع، التي حضرها مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عامّة الصحابة، يقول صلى الله عليه وسلم في آخرها –كما في الصحيحين وغيرهما-: "ألا ليبلغ الشاهد الغائب" صحيح البخاري (67) ، وصحيح مسلم (1679) .
قال ابن حبان في مقدمة صحيحه (1/162) : "فيه أعظمُ الدليل على أن الصحابة كُلهم عدول ليس فيهم مجروح ولا ضعيف، إذ لو كان فيهم مجروح أو ضعيف، أو كان فيهم أحدٌ غير عدل لاستثنى في قوله –صلى الله عليه وسلم- وقال: ألا ليبلّغ فلانٌ وفلانٌ منكم الغائب. فلمّا أجملهم في الذكر بالأمر بالتبليغ لمن بعدهم، دلّ ذلك على أنهم كلّهم عدول، وكفى بمن عَدّل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- شرفاً".
وفي حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- الذي رواه مسلم في مقدمة صحيحه (6) ، وصححه ابن حبان والحاكم، وهو صحيح كما قالا، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "سيكون في آخر الزمان ناسٌ من أمتي يحدّثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإيّاكم وإيّاهم".
قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/14) ، "لمّا أخبر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بكذّابين يكونون في آخر الزمان يكذبون عليه، عُلِم أن الأول –وهم أصحابه- خارجون من هذه الجُملة، وزائلة عنهم التُّهمة".
وهذه النصوص من الكتاب وثابت السنة تقطع بعدالة الصحابة وضبطهم، وأنهم منزّهون عن الشك في عدالتهم أو في صحّة نقلهم.
على أنه لو لم يرد من الله -عز وجل- ورسوله –صلى الله عليه وسلم- فيهم شيءٌ مما ذكرناه، لأوجبت الحالُ التي كانوا عليها من الهجرة، والجهاد والنُّصْرة، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين= القطع على عدالتهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدَّلين والمزكَّين، الذين يجيئون بعدهم إلى يوم الدين" كما قال الخطيب البغداي في الكفاية (66-67) .(16/424)
إذن: فالأصل في الصحابة العدالة ومتانة الديانة، هذا هو الأصل المتيقن الذي قطعت به تلك النصوص القطعية. واليقين لا يزول بالظنون، إنما يزول باليقين، فمن ثبتت صحبته فهو عدلٌ، لشمول تلك النصوص في دلالاتها له في إتيان العدالة. ولا نترك هذا الأصل، إلا إذا خالفه في أحدهم دليلٌ يقينيٌّ يخصُّه، فيكون من باب تخصيص العام، فيُخْرَجُ بهذا الفرد عن دلالة ذلك العموم، مع بقاء دلالة العموم على ما هي عليه في غير ذلك المخصَّص.
أمّا من ثبتت ردته ممن كان ظاهره الصُحْبة، نعلم أنه ليس صحابيًّا أصلاً، وأن النصوص لا تتناوله أصلاً؛ لأن الصحابي هو: من لقي النبي –صلى الله عليه وسلم- مميَّزاً مؤمناً به ومات على الإسلام. فمن مات على الكفر ليس صحابيًّا أصلاً.
وأمّا من ثبت عليه الفسق، كمن أنزل الله تعالى فيه قوله: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا" [الحجرات: 6] ، بغض النظر عن اسمه، فإن في هذه الآية إثباتاً بأن هناك من كان قد نقل خبراً غير صادق إلى الرسول –صلى الله عليه وسلم- فوصفه الله تعالى بأنه فاسق، ومنْ يستطيع أن يدّعي في هذا أنه عدل بعد تفسيق الله تعالى له = فهذا هو الذي نخصُّه من ذلك العموم، ونُخرجه من بين بقيّة الصحابة الذين ثبتت عدالتهم، لورود ما يدل على عدم شمول النصوص له يقيناً.
ولذلك فأصوب التقريرات حول عدالة الصحابة هو أن نقول: الصحابة كلّهم عدول، بمعنى أن الأصل فيهم العدالة، إلا إذا دل الدليل الثابت الذي لا يحتمل التأويل والاعتذار على غير ذلك في واحدٍ منهم، عندها يمكن أن نستثني ذلك الفرد من عموم النصوص الدالة على عدالة الصحابة.
وبحمد الله تعالى فإنه لم تأتنا سنةٌ عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- للناس إليها حاجةٌ في دين الله تعالى قد انفرد بها أحدٌ ممن ذُكر فيهم طعنٌ في عدالتهم ممن لقي النبي –صلى الله عليه وسلم- ومات على الإسلام.
بل: عموم ما يُنقل عن الصحابة ممّا شجر بينهم، وغيره ممّا يتّخذ الجهلةُ وأهل البدع سبباً للطعن عليهم = هو مما للصحابة فيه تأويلاتٌ حسنة، يؤيدها ثناءُ ربّنا عز وجل على حُسن مقاصدهم في أفعالهم "يبتغون فضلاً من الله ورضواناً" أو أنه خطأٌ وذنبٌ مغمور في بحار حسناتهم، فلا يؤثر في عدالتهم، كما قال –صلى الله عليه وسلم- عن حاطب بن أبي بلتعة –رضي الله عنه- عندما ارتكب كبيرةً من الكبائر، وهي التجسُّس للكفار، فقال –عليه الصلاة والسلام-: "لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم قد غفرتُ لكم" صحيح البخاري (4890) ، وصحيح مسلم (2494) . وكما قال –صلى الله عليه وسلم- عمن لعن شارباً للخمر، أُتي به شارباً لها أكثر من مَرّة: "لا تلعنوه، فو الله ما علمت: إنه يحبُّ الله ورسوله". صحيح البخاري (6780) . أو أنه قد وقع منهم الخطأ والذنب، لكنهم عاجلوه بالتوبة الصادقةِ الماحية المبدّلةِ –بفضل الله- السيئات حسنات، كما أخبر تعالى عن الثلاثة الذين خُلّفوا في غزوة تبوك.
هذا هو تقرير المسألة.(16/425)
أما ضَرْبُ السائل المثال بمالك بن نويرة -رضي الله عنه- فهو خطأ، فإن مالك بن نويرة صحابيٌّ، لم يتخلّف أحدٌ ممن صنّف في الصحابة على وجه الاستقصاء عن ذكره فيهم، ولا أعرف أحداً من المعتبرين شكك في إسلامه، بل دافع عن إسلامه ابن الأثير في أسد الغابة (5/53) .
ويقطع بذلك كلّه ما أخرجه ابن خياط بإسناد جيّد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قدمَ أبو قتادة على أبي بكر، فأخبره بمقتل مالكٍ وأصحابه، فجزع من ذلك جزعاً شديداً. فكتب أبو بكر إلى خالد، فقدم إليه، فقال أبو بكر: هل يزيد خالدٌ على أن يكون تأوّل فأخطأ؟ وردَّ أبو بكر خالداً، وَوَدَى مالك بن نويرة، وردَّ السبي والمال. تاريخ خليفة بن خياط (105) .
وفي هذا الخبر التصريح بعدم كفر مالك بن نويرة -رضي الله عنه- بدليل جزع أبي بكر -رضي الله عنه- من مقتله الجزع الشديد، وبدليل تخطيء أبي بكر لخالد، وبدليل دفع أبي بكر لدية مالك بن نويرة وردّه السبي والمال.
وفي هذا الخبر أيضاً فائدةٌ جليلةٌ، وهي تطبيقٌ عمليٌّ لما قرّرناه آنفاً، من أن خطأ الصحابي يُتأوَّل له ما احتمل التأويل، فهذا أبو بكر -رضي الله عنه- مع جزعه الشديد من فعل خالد وتخطيئه له، إلا أنه عفا عنه لا عتقاده فيه التأوُّلَ الصادقَ الحسنَ، ولذلك أعاد خالداً -رضي الله عنه- إلى قيادة الجيش في قتال المرتدّين وفي الفتوح.
وأخيراً: أرجو من الأخ السائل ومن غيره -قبل أن تستقرَّ الشبهة في قلوبهم- أن يُثبِّتوا في قلوبهم المحكمات. فعليهم بقراءة أدلة عدالة الصحابة الإجماليّة، التي ذكرتُ بعضها واليسير منها. وأن يقرؤوا أدلة فضلهم التفصيلية، والواردة في كثير منهم، واحداً واحداً، مثل كتب فضائل الصحابة. وأن يقرؤوا أخبار الصحابة وسيرهم وحوادث حياتهم, إنهم إن فعلوا ذلك لن يبقى لتلك الشُّبهِ في قلوبهم أيُّ أثر، وستكون كمن أراد أن يطفئ ضياء الشمس بنفخة فيه.
اللهم إنا نشهدك على محبّة أصحاب رسولك -صلى الله عليه وسلم- وهذه المحبّة عندنا من أوثق عُرى إيماننا - فاحشرنا في زمرتهم يا أرحم الراحمين.
والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين.(16/426)
في العسكرية يمنعوننا من إعفاء اللحية!
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/05/1427هـ
السؤال
أنا طالب بمدرسة نظامها -شبه عسكري- يلزمنا بحلق اللحية، كنا نلبس الْقُمصَ عندما نريد أن نصلي، فمنعونا من ذلك أيضا! فهل يجب علينا ترك المدرسة؟ مع ملاحظة أننا في السنة الأخيرة من الدراسة!
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن إعفاء اللحية من شعار المسلمين، وقد جاء الأمر به في أحاديث كثيرة صحيحة، منها ما رواه الشيخان عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب". صحيح البخاري (5892) ، وصحيح مسلم (259) . وعند مسلم (260) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: "جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس". والنصوص في ذلك كثيرة، ولم أقف على نص لأحد المتقدمين من الأئمة يبيح حلقها.
ولكن للأسف الشديد عمت البلوى في أكثر بلاد المسلمين بإلزام من يلتحقون بسلك الأمن، أو الجيش، بحلق لحاهم، أو يحرمون من الالتحاق بهذه الوظائف، وربما فصلوا من أرخى لحيته من عمله ... وهذا ما ساعد على تقليل أعداد أهل الخير في هذه الوظائف، ولو تمالأ جماعة من أهل الخير وتواصوا بينهم على اقتحام هذه المجالات وفي نيتهم العمل على تغيير هذه الأنماط، وتصحيح هذه الانتهاكات الشرعية، لكان لهم أن يحلقوا لحاهم وهم كارهون لهذا الفعل، وليناصحوا المسؤولين عن هذه القطاعات المرة تلو المرة، ولا يملوا ولا يكلوا من النصح والتذكير.
أما لبس القميص للصلاة فهو من الفضائل، والصلاة جائزة بالسراويل، فلا يعرض المسلم نفسه للعقوبة والأذية لأجل ذلك. والله أعلم.(16/427)
إقامة الحدود.. وحقوق الإنسان!
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/01/1427هـ
السؤال
هل تشريع الحدود في الإسلام ينافي حقوق الإنسان؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالإسلام نظام شامل، كامل، متوازن، ذو أساس عقدي، وتشريع اجتماعي، وتوجيه تربوي، يرفد بعضه بعضاً، وينتج بمجموعه مجتمعاً صالحاً، تتسع فيه دواعي الخير والبناء، وتضيق فيه مجاري الشر والهوى. وهو بذلك يفارق الكهنوت الكنسي الذي يقصر مفهوم الدين على طقوس معينة، وفي وقت معين، وفي موضع معين، ويفصل بين ما هو ديني، وزمني، ويدع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله!
إن تحقق العبودية لله في الإسلام يكون بالإيمان بالكتاب كله، وعدم تجزئة الدين بالإيمان ببعض الكتاب، والكفر ببعض، قال تعالى: "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون" [البقرة: من الآية85] ، وبالتالي فإن قضية الحدود والتعزيرات ليست محلاً للبحث والنقاش ابتداء؛ إذ هي جزء من الإيمان بحكمة الخالق، وعلمه بمن خلق، قال تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" [النساء: 65] .
إن حقوق الإنسان لا تصان على حساب أخيه الإنسان، وإنما تصان بإحدى طريقتين:
إما بوازع الإيمان، وإما برادع السلطان.
وقد أثبتت التجارب البشرية والقوانين الوضعية، المنفلتة عن هدي الله عجزاً وقصوراً عن حفظ كرامة الإنسان، وحمايته من الفساد والإفساد، كما تنطق بذلك إحصاءات معدلات الجريمة في الدول المتقدمة، فضلاً عن المتخلفة.
إن الإسلام لا يبيح للإنسان أن يظلم نفسه، فضلاً عن غيره، بأي نوع من أنواع التصرفات الخاطئة، سواءً ما تعلق بالدين كالردة، أو النفس كالانتحار، أو المال كالتبذير، أو العقل كشرب المسكر، أو العرض كالزنا. وهي الضرورات الخمس التي تدور عليها مقاصد الشريعة. ولا صحة إطلاقاً لتعليق ذلك بالاختيار الشخصي، أو التراضي بين طرفين، فضلاً عن نسبته إلى مذهب من المذاهب الإسلامية. والله أعلم.(16/428)
الآثار الواردة في التنفل بين العشاءين
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/02/1427هـ
السؤال
سمعتُ أنه قد رُوِيَ عن سعيد بن جبير أن الصحابة رأوا أن أداء أربع ركعات قبل صلاة العشاء مستحب. [قيام الليل للمروزي ص (58) ] فما صحة هذه الرواية؟ وما تخريجها؟ وما موقف الفقهاء منها؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
فلا حرج على المسلم أن يصلي نفلاً مطلقاً بين المغرب والعشاء؛ لأن الصلاة خير موضوع، وفي حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فصليت معه المغرب، فصلى إلى العشاء، أخرجه أحمد (22240) ، والترمذي (3714) ، والنسائي (379) ، وإسناده صحيح، وبوب عليه النسائي في الكبرى بقوله: "الصلاة بين المغرب والعشاء".
وورد في بعض روايات حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في قصة مبيته عند خالته ميمونة -رضي الله عنها-: أن العباس بعثه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في حاجة، قال: فوجدته جالساً في المسجد فلم أستطع أن أكلمه، فلما صلى المغرب قام فركع حتى أذن العشاء.
قال الحافظ ابن حجر: ويؤخذ من هذا مشروعية التنفل بين المغرب والعشاء [ينظر: فتح الباري (2/482- 485) ] .
وورد عن بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون بين المغرب والعشاء، وعقد
عبد الرزاق في مصنفه، وابن أبي شيبة في مصنفه باباً في الصلاة بين المغرب والعشاء، وأوردا فيه عن عدد من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون بين المغرب والعشاء [ينظر: مصنف عبد الرزاق (3/44) ، مصنف ابن أبي شيبة (2/196) ] .
وقال الحافظ العراقي: وممن كان يصلي ما بين المغرب والعشاء من الصحابة: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمرو، وسلمان الفارسي، وابن عمر، وأنس بن مالك في ناس من الأنصار، ومن التابعين: الأسود بن يزيد، وأبو عثمان النهدي، وابن أبي مليكة، وسعيد بن جبير، ومحمد بن المنكدر، وعبد الله بن سخبرة، وعلي بن الحسين، وأبو عبد الرحمن الحبلي، وشريح القاضي، وغيرهم، ومن الأئمة: سفيان الثوري".
وقال الشوكاني بعد أن أورد بعض الأحاديث والآثار في الباب: وهي تدل على مشروعية الاستكثار من الصلاة ما بين المغرب والعشاء [ينظر: نيل الأوطار (2/241) ] .
وأما الأثر عن سعيد بن جبير المذكور في السؤال فلم أقف عليه مسنداً؛ لكون كتاب مختصر قيام الليل مجرداً من الأسانيد، لكن أخرج ابن أبي شيبة عن ابن فضيل عن ورقاء بن إياس عن سعيد بن جبير أنه كان يصلي ما بين المغرب والعشاء ويقول: (هي ناشئة الليل) [مصنف ابن أبي شيبة (2/197) ] .
وفي هذا الإسناد: ورقاء بن إياس الأسدي، ضعفه بعض الأئمة، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: لين الحديث. والله أعلم.(16/429)
اشتراط الغرامة المالية لأجل التأخير
المجيب د. سامي بن إبراهيم السويلم
باحث في الاقتصاد الإسلامي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/04/1427هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتبت عقد المبايعة بشرط أن أستلم البضاعة بعد أسبوعي، ن ولو تأخر عن تسليمها لي بيوم عن المدة، يدفع غرامة عن يوم تأخر مقدارها ألف ريال, وقد تأخر, فهل آخذ هذه الغرامة، وهل حلال هي أم لا؟ وهل العقد جائز؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
شرط الغرامة المالية عن كل يوم تأخير لا يجوز؛ لأنه ظلم بين على البائع، حيث يدفع مبالغ طائلة للمشتري لمجرد التأخير، وهو عين ربا الجاهلية. فهذا الشرط غير صحيح.
أما بالنسبة للعقد فهو صحيح لكن يبطل الشرط فقط. وإذا دفع البائع غرامة فالواجب ردها إليه، وإذا تعذر ذلك فالأولى التصدق بها. والله أعلم.(16/430)
مظاهرة الكفار على المسلمين رهبةً لا كرهاً للمسلمين!
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 01/02/1427هـ
السؤال
فضيلة شيخنا عبد الرحمن بن ناصر البراك -حفظه الله- أفيدك بأني قد قرأت كتابًا بعنوان: (مسائل العذر بالجهل) تحت إشراف فضيلتكم، وفهمت منه أن إعانة الكفار بالقتال معهم ضد المسلمين لا تكون كفراً، إلا بشرط الرغبة في إظهار دينهم، أو المحبة لدينهم، وعبَّر أن القتال مع الكفار ضد المسلمين -حمية ولمصالح دنيوية- ليس كفراً مخرجاً من الملة، فهل هذا الفهم صحيح؟ وهل قال به أحد من أهل السنة؟ وما رأي فضيلتكم في اشتراط ما ذُكِر أعلاه للحكم بتكفير من قاتل المسلمين مع الكافرين؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا شك أن أسباب مظاهرة بعض الكافرين على بعض المسلمين تختلف، فتارة يكون الباعث بغض الإسلام وأهله، وتارة يكون عن رغبة في مصلحة أو رهبة من ضرر يلحق بهذا المظاهر، ومعلوم أنه لا يستوي من يحب الله ورسوله ودينه -ولكن حمله غرض من الأغراض على معاونة بعض الكفار على بعض المسلمين- لا يستوي هذا ومن يبغض الإسلام وأهله، وليس هناك نص بلفظ المظاهرة أو المعاونة يدل على أن مطلق المعاونة ومطلق المظاهرة يوجب كفر من قام بشيء من ذلك لأحد من الكافرين.
وهذا الجاسوس الذي يجس على المسلمين وإن تحتم قتله عقوبة فإنه لا يكون بمجرد الجس مرتداً، ولا أدل على ذلك من قصة حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- فقد أرسل لقريش يخبرهم بمسير النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم، ولما أطلع اللهُ نبيَه على ما حصل من حاطب، وعلى أمر المرأة التي حملت الكتاب عاتب النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حاطباً على ذلك، فاعتذر بأنه ما حمله على ذلك إلا الرغبة في أن يكون ذلك يداً له عند قريش يحمون بها أهله وماله، فقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- عذره، ولم يأمره بتجديد إسلامه، وذكر ما جعل الله سبباً لمغفرة الله له، وهو شهوده بدراً. صحيح البخاري (3983) ، وصحيح مسلم (2494) .
وهذه مظاهرة أي مظاهرة، فإطلاق القول بأن مطلق المظاهرة -في أي حال من الأحوال- يكون ردة ليس بظاهر. فإن المظاهرة تتفاوت في قدرها ونوعها تفاوتاً كثيراً، وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [المائدة:51] ، لا يدل على أن أي تولٍّ يوجب الكفر، فإن التولي على مراتب، كما أن التشبه بالكفار يتفاوت وقد جاء في الحديث: "من تشبه بقوم فهو منهم" أخرجه أحمد (5093) ، وأبو داود (4031) ، ومعلوم أنه ليس كل تشبه يكون كفراً فكذلك التولي.
والحاصل أن ما ورد في الكتاب المسؤول عنه من التفصيل هو الصواب عندي. والله أعلم.(16/431)
أخذ العوض المالي على الضرر المعنوي
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/02/1427هـ
السؤال
أنا قاضٍ مسلم، ولكني في بلاد تحكم بأحكام وضعية. قام أحد الأشخاص بالتعرض لي بالقذف والتشكيك في نزاهتي، وتحيزي لأحد الأطراف، مما دعاني لأرفع ضده دعوى وكسبتها, وحكمت لي المحكمة بتغريمه -لصالحي- مبلغاً من المال كتعويض. فما حكم هذا المال بالنسبة لي؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فأولاً: ننصحك بعدم العمل قاضياً في محكمة تحكم بأحكام وضعية إن كانت تلزمك بالحكم بذلك. لكن لعلك تعمل في المحكمة الشرعية، لوجود محكمتين في بلادكم إحداهما شرعية.
ثانياً: بخصوص إجابتك عن سؤالك نقول: ما حصل لك من بعض الأشخاص يدخل في الضرر المعنوي: وهو كل أذى يصيب الإنسان في عرضه أو عاطفته أو شعوره أو سمعته، وينقسم إلى قسمين.
الأول: ما فيه حدٌّ مقدرٌ من الشرع، وهو القذف بالزنا أو اللواط، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجوز أخذ المال مقابل التنازل عنه؛ قالوا لأنه من باب أخذ العوض عن العرض وهو لا يجوز.
القسم الثاني: ما ليس فيه حد مقدر شرعاً، وهو ما عدا ما تقدم في القسم الأول، وهذا قد نص علماء المذاهب الأربعة على أن فيه التعزير، ثم اختلفوا فيما بينهم: هل يجوز التعزير بالمال؟ على قولين، أرجحهما في نظري الجواز، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم. والله أعلم.(16/432)
لا ننجب ونرغب في التبني!
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/04/1427هـ
السؤال
أنا مقيم في فرنسا ومتزوّج من امرأة فرنسيّة مسلمة إلا أنها لا تنجب، ونريد أن نتبنى ولدًا، ليعوضنا عن ألم عدم الإنجاب، مع العلم أن إدخال الأطفال إلى فرنسا لهذا الغرض غير ممكن، فهل يجوز لنا أن نأخذ ولدا هنا من فرنسا ونتبنّاه ونسمّيه باسمنا ويكون ذلك بمعرفة أهلنا، وبمعرفة الولد نفسه أنّه ليس من صلبنا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فنأسف لحال هذا السائل، ونعلمه أن التبني حرام بنص القرآن الكريم، قال سبحانه وتعالى: (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) [الأحزاب:5] وقال سبحانه وتعالى: (وما جعل أدعياء كم أبناءكم ذلك قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) [الأحزاب:4] . فالتبني كان مؤسسة جاهلية نسخت بالإسلام، وذلك لما يؤدي إليه التبني من اختلاط في الأنساب وانتشار لكثير من المفاسد، بالإضافة إلى إنشاء رابطة نسب لا يمكن إنشاؤها إلا من قبل الشارع الذي حدد وسائل النسب، ووسائل القربى، وعرف المقاصد.
فأنا أدعو السائل إلى أن يوطن نفسه، وزوجته، على الاستسلام لأمر الشرع الذي لا خلاف فيه، فإن الإسلام هو الاستسلام، (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) [البقرة:131] . وأنبه إلى أن الكفالة الشرعية فيها مَخْلَص له ولأهله بضوابطها ويمكن أن يوصي للمكفول بجزء من ثروته، وأن يعامله كمكفول وليس كولد، يعامله بالإحسان والبر، ينفق عليه، يربيه، ينشئه تنشئة طيبة، كل هذا فيه غنىً للسائل ولأهله عن التبني الذي هو محظور شرعاً، وبشكل لا رجعة فيه. والله أعلم.(16/433)
هل أترك بعض الحجاب لتحبيبهم للإسلام؟!
المجيب د. صالح بن عبد العزيز التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/04/1427هـ
السؤال
أنا زوجة لمبتعث سعودي يدرس بأمريكا ومقيمة هناك منذ ما يقارب الخمس سنوات، وأنا -ولله الحمد- أحافظ على حجابي الشرعي وأغطي جميع بدني بلبس العباءة والنقاب، ولم أتعرض إلى أي مضايقات ولله المنة. علماً بأنني أنيقة جداً في اختيار الألوان المناسبة للحجاب، ليس بغرض الزينة، ولكن بغرض القبول لدى هذا الشعب، الذي المرأة فيه كالرجل، ولعل الله يكتب لي عن طريق هذا القبول لديهم أن يهدي الله بي امرأة منهم. ومنذ ما يقارب السنة والنصف قدر الله لي الالتحاق ببعثة لدراسة الماجستير تتزامن مع دراسة زوجي هناك، وقد ذهبت إلى المحاضرات وأنا بلباسي الشرعي ولم أجد أي مضايقات من أحد -ولله الحمد- ولكن وبعد مرور بضعة أشهر قابلتني أسئلة كثيرة من زميلات الدراسة والمدرسات -طبعا من غير المسلمين- لماذا تلبسين هكذا؟ ألا تختنقين! هل وجهك مشوه؟ أسئلة أشعر من خلالها بأنهم يأسفون لحال المرأة في الإسلام!
فهل أبقى على حجابي بالنقاب، أم أكتفي بتغطية البدن، والشعر دون الوجه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أيتها الأخت العصامية في زمن الانهزام ... كم نحن بحاجة إلى من يفسِّر قوله تعالى: "خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ... " [البقرة:63] . نعم ستجدين من الأقوال الخلافية في المسألة ما تجدين به المعاذير لتقديم تنازلات أكثر..
ولكن ونحن في زمن طغت فيه القوة المادية بحيث لا يجاريها ولا يقاومها بشر في هذه الفترة، أفلا نقاوم ونصارع بالقوة المعنوية وهي التمسك بالإسلام عقيدة وعملاً؟
أختي ما ذكرتِ في رسالتك لا يُعدُّ مضايقة، ولا أذى، ولا ضرورة تستدعى تغيير الموقف.. وإنما هي من الابتلاءات التي يجدها كل داعٍ وداعية في طريقه إلى الله.. وهي علامات مبشّرة أن نجد هذه النماذج الصامدة في زمن الانكسار..
أختي -أبداً- لا يساورك شك فإن هذه خواطر شيطانية ومحاولات يائسة أرجو أن لا تؤثر على المعلوم من الشرع، والأهم من ذلك أن تكوني على علم وقناعة شرعية وبعدها لا تهتمي كثيراً بما يقال. والله أعلم.(16/434)
أسلما على نكاح باطل!
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/03/1427هـ
السؤال
رجل وزوجته كانا نصرانيين، فأسلما -والحمد لله- وقد تم عقد الزواج في الكنيسة، وليس على كتاب الله ولا سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فهل يُعاد العقد مرة أخرى؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فغير المسلمين من أهل الكتاب وغيرهم إذا أسلموا فإنهم يقرون على نكاحهم الأول، ولا تعاد عقود أنكحتهم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقرَّ المشركين من كفار قريش وغيرهم ممن أتى مسلماً على نكاحه، وكذلك من أسلم من أهل الكتاب، ولم يصح عنه -فيما أعلم- أنه عقد لهم نكاحاً جديداً.
ثم جاءت الفتوحات الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة التي دخل الناس فيها الإسلام أفواجاً لا يحصى عددهم، ولم ينقل أنهم صححوا عقود أنكحتهم، ومثل ذلك يقال في عهد الدولة الأموية والعباسية.
وعلى ذلك نقول: إن نكاح هذين الزوجين صحيح، ولا يحتاج إلى إعادة. نسأل الله لها الثبات على الدين، وسلامة المعتقد، وإخلاص القصد والصواب في العمل.(16/435)
عبارة "قدّس الله سِرَّه العزيز"
المجيب د. لولوه بنت محمد المطرودي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 02/01/1427هـ
السؤال
ما معنى عبارة: "قدَّس الله سره العزيز"؟ وهي عبارة تذكر بعد ذكر أسماء بعض العلماء والأولياء، وما حكمها؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا كان المراد بها (قدَّس الله روحه) فلا بأس من استعمالها، أما إذا كان المقصود بها ما يعتقده أصحاب البدع عند الأولياء والأئمة من العلوم والأسرار والاتصال بالملكوت الأعلى -حسب اعتقادهم- فهو أمر باطل، وما بني على باطل فهو باطل. والله أعلم.(16/436)
هل يقر الإسلام الحرية الدينية؟
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 02/01/1427هـ
السؤال
ما المراد بالحرية الدينية؟ وهل الإسلام يقرها؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد ولد مصطلح (الحرية الدينية) بمفهومه المعاصر، بميلاد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر في (10 ديسمبر 1948م) ، كرد فعل للممارسات المتعسفة التي كانت تتزعمها الكنيسة ضد مخالفيها عبر القرون؛ من حجب، وحرْم، وتحريق، وحبس، وطرد، حتى بحق النصارى أنفسهم الذين ينتمون إلى كنائس أخرى، فضلاً عن اليهود المضطهدين في المجتمعات الأوروبية، والمسلمين الذين تم قسرهم على اعتناق النصرانية في الأندلس، أو قتلهم، أو طردهم.
جاء في المادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما نصه: (لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه، أو معتقده، وحريته في إظهار دينه، أو معتقده، بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده، أو مع جماعة، وأمام الملأ، أو على حدة) .
وبالتالي فليس هذا المبدأ مبدأ كنسياً حتى تتكئ عليه بعض الجمعيات التنصيرية لمحاولة النيل من العدالة الإسلامية، بل يجب التذكير دوماً أنه تعبير عكسي عن ممارسات الكنيسة ضد الحريات العامة.
ولم تعتنق الكنيسة الكاثوليكية هذا المبدأ، رسمياً، إلا في المجمع الفاتيكاني الثاني، الذي انتهت أعماله عام (1965م) ، أي بعد قرابة سبعة عشر عاماً من صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان! تحت الضغوط الليبرالية التي اجتاحت أوروبا في منتصف القرن المنصرم، وكادت أن تقضي على الكنيسة برمتها.
ويقف الإسلام موقفاً وسطياً بين تطرف الكنيسة التاريخي حيال الحرية، وانفلات بعض فقرات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فالإسلام، وكذلك جميع الرسالات السابقة، جاءت لتحقيق هدف أصيل؛ وهو توحيد الله بالعبادة، التي من أجلها خلق الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، إذ لا يستقيم -عقلاً ولا فطرةً- أن يخلق الله الخلق وينعم عليهم، ثم يعبدوا غيره!! ومن ثم فإن أكبر جريمة ترتكب، وأبشع ظلم يقترف، هو الشرك بالله: "إن الشرك لظلم عظيم" [لقمان: من الآية:13] .
إن الأنظمة المدنية للدولة الحديثة تمنع جميع صور التعدي الحسي والمعنوي على الآخرين، وإن القانون المطبق يعاقب على جرائم؛ كالتزوير، والكذب، والسرقة، والجاسوسية، والقتل ... إلخ، فكيف يسوغ أن يهمل أعظم الحقوق، وهو حق الله، دون عقاب رادع؟!
إن الإيمان بالله، وتوحيده بالعبادة، في نظر الإسلام، قضية فطرية لا يحيد عنها إلا متنكر لفطرته، خارج عن إنسانيته، خائن لجماعته البشرية، مرتكب لجريمة تستحق إيقاع العقوبة القصوى، ما لم يرجع إلى صوابه. ومن ثم كان من مهمة أتباع الأنبياء دعوة الناس جميعاً إلى الإيمان بالله وتوحيده، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وهذا يتحقق بإحدى صورتين:
إحداهما: أن يقبل المدعو الحق، وينخرط في الجماعة المؤمنة، فله ما لها، وعليه ما عليها.(16/437)
الثانية: أن يعلن الإذعان للجماعة المؤمنة، المتمثلة بصورة دولة ذات سيادة وسلطان، مع احتفاظه بمعتقداته، وشعائره السابقة، وفق ما تقره تلك الدولة من تنظيمات، وما تمنحه له من حقوق، وما تفرض عليه من واجبات، تماماً كما تفعل كثير من الدول المتقدمة الآن، حين تسن أنظمة وقوانين تتعلق بالمهاجرين واللاجئين، المقيمين على أراضيها، تجعلهم في مرتبة أدنى من مواطنيها الأصليين.
والفرق بين الصورتين أن الدولة العلمانية الحديثة تمارس هذا التمييز على أسس أرضية، والدولة الإسلامية تفعل ذلك بناءً على أسس موضوعية، دون تمييز على أساس الأرض، أو اللون، أو العرق.
وعلى ضوء ما مضى يتبين المراد بقول الله تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" [البقرة: من الآية:256] أي لا تكرهوا أحداً على اعتناق الإسلام، فإن علامات صحته ورشده واضحة جلية، لمن كان صادقاً مخلصاً في البحث عن الحقيقة، وأما من دخله مكرهاً فإنه لا يستفيد من اعتناقه، ولا يتخلص به من الغي. وحينئذ، فعليه أن يذعن لنظام الإسلام، إن كان له دولة وسلطان. وليس المقصود ما قد يفهمه بعض الناس من أن الآية تقرر الحرية المطلقة في الدين والتنقل بين الأديان، دون أن يترتب على ذلك أدنى تبعة، فإن هذا لم يقل به أحد من علماء الإسلام.
وأما قوله تعالى: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" [الكهف: من الآية29] فليست للتخيير المجرد، كما قد يفهمه بعض الناس! وإنما جاءت في سياق التهديد والوعيد لمن شاء أن يكفر، ولهذا ختمها بقوله: "إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً" [الكهف: من الآية29] .
وبناء على ما تقدم، فإن قتل المرتد عقوبة على جريمة كبيرة، أشد في نظر الإسلام من جريمة (الخيانة العظمى) التي تعاقب عليها الدول بالقتل، جراء إفشاء أسرار الدولة، أو التعاون مع عدو خارجي، أو السعي لقلب نظام الحكم، أو ما دون ذلك مما تسنه بعض النظم الوضعية. فالردة كفر مضاعف، والكافر المرتد أعظم جرماً من الكافر الأصلي، لأنه خان خيانة عظمى، ووقع في ظلم عظيم. والله أعلم.(16/438)
شبهة استرقاق السبايا بالجهاد!
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 02/01/1427هـ
السؤال
كنت أشرح مسألة الجهاد لرجل غير مسلم، وأخبرته أن النساء والأطفال لا يُقاتَلون، فاعترض بأنه يجوز عند المسلمين اغتصاب النساء في الحرب، وذكر أن في السنة جواز جماع السبايا، ثم ذكر الحديث الذي في صحيح مسلم: (عن ابن محيريز أنه قال: دخلت أنا وأبو صرمة على أبي سعيد الخدري، فسأله أبو صرمة فقال: يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر العزل؟ فقال: نعم غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزوة بلمصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء، فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا نفعل ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا لا نسأله، فسألنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "لا عليكم أن لا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون". ففي هذا الحديث يذكر أبو سعيد أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن العزل (وجماع السبايا) فأجاز له بقوله: "لا عليكم ألا تفعلوا، لا عليكم ألا تفعلوا، لا عليكم ألا تفعلوا". فكيف الجواب عن هذا؟!
الجواب
الحمد لله على أفضاله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأقول (وبالله التوفيق) :
إن الإسلام لا يبيح اغتصاب النساء أبداً، وكيف يُشكُّ في ذلك؟! وجماع المرأة المحرمة على المسلم من أعظم الفواحش في الإسلام وهي فاحشة الزنا، وهي من أكبر الكبائر في الإسلام، ولو كانت برضى المرأة، فكيف إذا كان بإكراهها على ذلك؟!!
وأما نكاحُ ما ملكت اليمين، وهو المعروف في الشريعة الإسلامية بـ (التَّسَرِّي) ، فهو طريقة مشروعة أباحها الله تعالى، وجعل لها نظاماً معيناً وأحكاماً خاصة، كما أباح الزواج بالحرائر وفق نظامٍ معين وأحكام خاصة، فالذي أباح الزواج بالحرائر ونظمه، أباح نكاح ما ملكت اليمين ونظمه، فما الإشكال في ذلك؟! وكلاهما حكمٌ لله الذي لا معقب لحكمه، ولا أحسن من هدايته، ولا سعادة للبشر بغير التزام أمره عز وجل.
ونكاح ما ملكت اليمين وفق شرع الله تعالى وتنظيمه ليس من الاغتصاب في شيء، إلا إن كان الزواج بالحرائر وفق شرع الله وتنظيمه من الاغتصاب، وهو ليس كذلك عند جميع البشر العقلاء، فكذلك يكون (التسري) .
وإني لأعجب من مجتمع يستبيح السفاح بحجة الحرية، ويقنن للشذوذ الجنسي، ويسمح لقنواته الإعلامية بنشر الرذيلة والفواحش بأبشع صورة، ويعربد جنوده في بلدان العالم قتلاً واغتصاباً، وسلباً للحريات، واستعباداً للشعوب واستيلاءً على ثروات الأمم، وتدخلاً في خصوصيات قِيَمِ الحضارات، ثم مع هذا كُله يُسَمي شخص من هذا المجتمع (التسرِّي) اغتصاباً!!! إن كان جاهلاً يعلم، وإن كان عالماً بحقيقة التسري ومع ذلك يسميه اغتصاباً، فهو مكابر.(16/439)
ومن أول ما أحب بيانه بخصوص التسرِّي الذي لا يقع إلا مع ملك اليمين أي مع (الاسترقاق) : أن الإسلام لا يبيح استرقاق كل مخالف لنا في الدين، بل لا يبيح السبي إلا للمحاربين الكفار ومن معهم في دار الحرب من النساء والأطفال، أما غير المحاربين فلا سبي عليهم في الإسلام أصلاً، ولا يجوز لمسلم أن يتعدى على رجل أو امرأة إذا كان كافراً غير محارب للمسلمين، بأي نوع من أنواع الاعتداء كالقتل أو الضرب أو الاغتصاب للنساء، وهذا أول فرق بين مطلق الاغتصاب وبين التسري في الإسلام.
وثانياً: أن من تُسبى من النساء لا تكون متعةً مشاعةً لكل أحد من المسلمين، بل هي لمن تقع في سهمه من المسلمين فقط، فهي رقيقة مملوكة لسيّد واحد منهم، لا يجوز له أن يُجبرها على معاشرة غيره من المسلمين.
وثالثاً: إذا سُبي الرجل مع زوجه، ووقعا تحت ملك رجل واحد من المسلمين، فيبقى زواجهما على ما هو عليه، لا يجوز لمالكها معاشرتها، إلا أن يفرق بينهما ببيع أحدهما لمالك آخر، فيكون هذا كالطلاق، فيحق لمالك المسبية أن يعاشرها بعد الاستبراء؛ للتأكد من عدم حصول حملٍ من زوجها قبل معاشرة مالكها لها.
رابعاً: أن المَسْبِيِّة إذا عاشرها مالكها فحملت منه وولدت، لا يجوز بيعها، لأنه يؤدي إلى التفريق بينها وبين ولدها، وتُصبح حرة بوفاة مالكها.
إذن فالمسألة لا يصح أن تصور بأنها اغتصاب، وإنما هو ملك يمين واسترقاق له أحكامه وآدابه.
وإذا تذكر الإنسان أن هذا العدو الذي تسترقه كان حريصاً على أن يقتلك، ولو قتلك في ساحة الحرب لما كان هذا إلا عدلاً ومعاملة بالمثل، فاسترقاقه بعد ذلك أهونُ من قتله، ولذلك كان الناس يقدمون الأسر والاسترقاق على القتل، ويطلبون من المنتصر أن يبقيهم أحياء، والغرب وحضارته اليوم تبيح سجن أسرى الحرب، وربما عاملتهم بأسوأ معاملة، كسجناء المسلمين في جوانتنامو في المعسكرات الأمريكية، فأي الرقين ألطف؟ رق الغرب في الأقفاص والسجون، أو رق الإسلام، الذي هو تقييد لبعض الحرية، مع انطلاق الرقيق في الأرض، ومع آداب أوجبها الإسلام على أتباعه تجاه الرقيق، بحسن معاملتهم والرفق بهم، وعدم جواز إيذائهم، وحُرمة الاعتداء عليهم، وأن يطعموا مما يطعم سيدهم، وأن يكسوهم مالكهم من نفس ما يكتسي هو به، بل أن يترفق في ندائهم، فلا يقول: (عبدي) و (أمتي) ، بل يقول: (فتاي) و (فتاتي) ... إلى هذا الحدّ من اللطف شرع الإسلام الرقّ ووضع أحكامه.
مشكلة الغرب أنه عندما حارب الرق ظن أن الرق في الإسلام كالرق عنده، والفرق بينهما شاسع.
ومع محاربة الغرب لاستعباد الأفراد بالرق الصريح، لكن بعض دوله تستعبد شعوباً بأكملها، باحتلال أوطانها عسكرياً (كالعراق وفلسطين) ، وبوضع حكومات تنفذ رغباتهم على حساب رغبات الشعوب وحُرياتهم، وتستنزف ثروات هذه الشعوب المقهورة، وتمنع العلوم التي ترتقي بتلك الشعوب عنهم ليضمنوا بقاءهم تحت سيطرة حضارة الغرب وتحت سطوة دُوله. فصور الاستعباد هذه، ما زال كثيرٌ من دول الغرب يمارسها، وبأبشع صور ممارسته، ثم بعد ذلك يدعي هؤلاء محاربة استرقاق الأفراد، ولو كان بآداب الإسلام مع الرقيق، التي ما عرفها الغرب ولا سمعت بها حضارته!!(16/440)
وبالمناسبة: فالرق وجوازه لم ينفرد به دينُ الإسلام، بل أباحته وشرعته اليهودية والنصرانية أيضاً، فانظر لذلك سفر الملوك في كتابهم المقدس (9/15-23) . وإنما منعته الأنظمة العلمانية في الغرب في العصر الحديث، بناءً على تصوراتها الخاطئة عنه التي كانت تمارس في أوروبا وأمريكا قبل منعهم لها.
وهنا أذكِّر السائل أن الحديث الذي أورده، والقصة التي حدثت فيه، كانت في زمن لم يدع أحدٌ فيه إلى إلغاء الرق، بل كان الاسترقاق والسبي قانوناً معمولاً به لدى شعوب الأرض كلها، فالنصارى يسبون نساء المسلمين إذا قدروا عليهن، وكذلك اليهود، فليس ما وقع في ذلك الحديث أمراً شاذاً على حضارات الأرض يومئذ، بل كان أمراً سائداً معمولاً، إلى أنْ حلَّ مكان الاسترقاق لأسرى الحرب اليوم السجنُ والإهانة والتعذيب، كما في سجن جوانتنامو الأمريكي.
وأنا أعلمُ أن من عاش في هذا العصر، وتأثرت أفكاره بالقيم التي سادت فيه، وكان أسيراً لواقعه= سوف يضيق أفقه عن قبول فكرة الرق والسبي، بأي صورة كانت، ولو كانت بالصورة العادلة التي جاء بها الإسلام. أمّا من وسع أفقه، وتذكر أن البشرية من أقدم عصورها كانت تبيح الرق، إلى العصر الحديث الذي حارب صورة منه وأباح صوراً أخرى أقبح وأفظع، وحاول أن ينظر إليه بعيداً عن أثر العادة وأسرها، مُنْفكَّا عن الغرور بحضارته= فإنه سيجد أن صورة الرق في الإسلام ليس فيها ما يُستنكر أبداً، بل هي حكمٌ عادل ومُثْمِرٌ ومفيد، وهو خير من صور الرق الأخرى التي مارسها الغرب قديماً أو حديثاً!!(16/441)
وأنا أكتب هذا الجواب تذكرت كلاماً لأحد الرحّالة الأوربيين، وفي القرن التاسع عشر الميلادي، وهو كرستيان سنوك الهولندي المولد، والذي نال شهادة الدكتوراه سنة (1880م) من جامعة ليدن، والذي زار الجزيرة العربية ودخل مكة وبقي في الحجاز سنة (1882م) ستة أشهر، وكتب حوادث رحلته هذه بالألمانية، وتكلم في هذه الرحلة عن الرق الذي رآه وشاهده في الحجاز، ومع أنه ليس هو الرق بجميع آدابه الإسلامية إلا أنه قال عنه: "إن الذي يدخل سوق الرقيق بتصورات أوروبية وفي ذهنه كابينة العم توم (Uncle Tom -Cabin) ، وهي إشارة إلى الرقيق الذي كان يُرسل إلى العالم الجديد، سيأخذ انطباعاً سيئاً، وسوف يغادر السوق وهو مشمئز من سوء المنظر، وهذا الانطباع الأولي هو انطباع خاطئ، ومع الأسف فإن معظم المستشرقين الرحّالة لم يصوّروا لنا إلا انطباعاتهم الأولية، وهذا هو مصدر الخطأ لديهم". إلى أن قال: "وعلى العموم فإن الرقيق في العالم الإسلامي لا يختلف كثيراً عن الخدم والعُمّال في المجتمع الأوروبي. وإن الذي يعرف الظروف المحليّة يعرف هذا تماماً، ويعلم كذلك أن إلغاء الرقيق يعني ثورة اجتماعية في الجزيرة العربية. وهناك العديد من الأوربيين الذين يعرفون جيداً شؤون الشرق، لا يريدون أن يقولوا ذلك بصراحة؛ لئلا يتهم هؤلاء بأنهم ضد الاتجاه السائد عموماً، الداعي إلى تحرير الرقيق نهائياً، وبأنهم ضد الاتجاه المبني على مشاعر إنسانية نبيلة ... "، إلى أن قال: "إن خدعة ما يُسمى حركة تحرير الرقيق، ليس سَبَبُها اهتماماً شعبياً لغاية شريفة، ولكنه لعبة خطرة مزيّفة، يقوم بها رجال السياسة الكبار، لأغراض غير إنسانية، وذلك من أجل أن يتخذ العالم المسيحي موقفاً عدائياً خاطئاً ومزيَّفاً ضدّ الإسلام". (صفحات من تاريخ مكّة، سنوك هو رخونية، وترجمة د. على الشيوخ، طبع دارة الملك عبد العزيز: (1419هـ:2/323، 326، 330) .
وإني لأقول أخيراً: لو علم الغربيون المنصفون حقيقة أحكام الإسلام، ومن بينها أحكام الرق والسبي فيه، لتمنّوا النجاة من حياة الخواء الروحي؛ (بسبب عقائدهم الباطلة عن الله تعالى وأنبيائه وكُتُبه) ومن حياة الرذيلة، والفحش (بسبب الحريّات التي تبيح الزنا وعمل قوم لوط) ، ولو بالاسترقاق وَفْقَ أحكام الإسلام!!
نعم.. هو خيارٌ صَعْبٌ لكل حُرّ؛ لكنّ عبوديّة الإسلام خيرٌ من حرّية الكُفر!!
والله أعلم.(16/442)
اتهامات بشهادة الجن
المجيب د. محمد بن عبد الله المحيميد
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/05/1427هـ
السؤال
أنا رجل متزوج ولي أخت أصيبت بما يشبه الصرع، ونطق عليها الجن، وقال: إن زوجتي هي التي أرسلته إلى أختي! علماً أني أنا وزوجتي ملتزمان -ولله الحمد- وأمي تطلب منى طلاق زوجتي، وإلا فستقتلها؛ لأن الجن قال: إن زوجتي هي التي تقوم بعمل السحر، وقد سحرتني، لكي تجعلني أقسو على أخوتي وأمي، وسحرت أختي لكي لا تتزوج، وكلام كثير آخر، المهم إن أمي مقتنعة تمامًا بكلام الجن وتصدق ما يقول، فماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن وآله، وبعد:
فإن تصديق والدتك لادعاء الجن تعمد زوجتك إيذاء أختك دون بينة، مصيبة كبيرة، وفرية عظيمة، إذ لا يجوز للمسلم أن يتهم أحداً بمجرد دعوى ليس عليها بينة قاطعة؛ فإن هذا باب شر عظيم؛ فعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ" متفق عليه صحيح البخاري (4552) ، وصحيح مسلم (1711) . وهذا إذا كان المدعي من الإنس، يشاهد، ويعرف، ويمكن أن يؤاخذ إذا تبين كذبه، فكيف إذا كان غير معروف، ولا مشاهد، ومن طائفة يكثر بين أفرادها الكذب، وتعمد إيذاء الناس، والتفريق بينهم، كالجن والشياطين؛ وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذبهم، كما ثبت من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بقوله: "صدقك وهو كذوب" أخرجه البخاري (3275) وغيره.
فلتتق الله أمك، ولا تلتفت لمثل هذا الاتهام الخطير، ولا تتعرض لزوجتك بسوء لمجرد هذه الدعوى الواهية؛ قال تعالى: "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً" [الأحزاب:58] . أسأل الله أن يصلح أحوالكم، وأن يشفي أختك وجميع مرضى المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.(16/443)
هل أنا مُعينٌ لهم على الربا؟
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/05/1427هـ
السؤال
أعمل في شركة يتطلب العمل بها سيارة، فتقوم الشركة بسحب قرض من البنك باسمي وبضمان الشركة لتشتري السيارة، على أن تسدد الشركة القرض بفوائده على مدار خمس سنوات، علماً أني لا أدفع شيئاً، والشركة هي التي تتحمل كل شيء. فهل هذا العمل حرام؟ وماذا عليّ أن أفعل لأسرتي. لأني لو تركت العمل سيصبح باقي المبلغ في ذمتي؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا العمل لا يجوز، حيث قامت الشركة بالاقتراض من البنك قرضاً باسمك؛ لأنه من الربا، والله تعالى نهانا عن التعامل بالربا، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنْتُم مُؤْمِنِينَ" [البقرة:278] ، وموافقتك على سحب قرض من البنك باسمك لصالح الشركة من التعاون على الإثم والعدوان، الذي نهى الله عنه بقوله: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة:2] .
وقيام الشركة بالسداد عنك للبنك لا يخلي ذمتك من المشاركة في هذا العمل، فعليك بالتوبة والاستغفار وكثرة العمل الصالح، وإن استطعت أن ترد باقي المبلغ الذي اقترضته للبنك فهو أولى وأفضل، وإن لم تستطع فعليك بالصبر حتى تقوم الشركة بالسداد عنك لقوله تعالى: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" [التغابن:16] .
وأوصيك -أخي الكريم- بعدم العودة إلى هذا العمل الذي وقعت فيه؛ لأن الربا من أشد المعاصي التي يبغضها الله تعالى، وتوعد عليها بالحرب لمن تعامل به، فاحرص على طيب مطعمك، وطلب الرزق الحلال، وتذكر قوله تعالى: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّه مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" [الطلاق:2-3] .
وفقك الله للعلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/444)
هل تجب مفارقة مرتكب الفواحش؟!
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/04/1427هـ
السؤال
هل يجوز للزوجة أن تبقى مع زوجها لتربية أطفالها، بالرغم من أنه يشرب الخمر، ويمارس اللواط بعد سكره! وما نصيحتكم التي تقدمونها لهذا الشخص، لكي يتوب إلى الله ويترك المعاصي؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لا شك أن هذه الحياة التي يوجد فيها في بيت الزوجية من يعمل هذه الأعمال، أنها حياة نكد وتعاسة وشقاء، والعيش مع زوج هذه حاله صعبة وشاقة، والواجب على من ابتليت بمثل هذا من الزوجات، أن تقوم بنصح زوجها، وأن تكون جليسا صالحا له، يمنعه من فعل الشر ويعينه على فعل الخير.
وشرب الخمر واللواط من المنكرات الكبيرة، والأعمال القبيحة، وشرب الخمر فيه إزالة للعقل، والإنسان شرفه بعقله، فهو الذي استحق به أن يخاطب، عندما كان يفهم الخطاب، فإذا زال عقله صار بهيمة كبقية البهائم لا قيمة لها.
وأما فعل اللواط، فهو من الجرائم العظام التي عقوبتها القتل، سواء كان بكراً أم ثيباً، والله تعالى بيّن حكمه في كتابه، وأوقع العقوبة على من فعله من قوم لوط، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اقتلوا الفاعل والمفعول به". أخرجه أبو داود (4462) ، والترمذي (1456) .
فيجب على المرأة التي ابتليت بزوج هذه حاله، أن تنصحه وتبين له، فإن استجاب واعتدلت حاله، وإلا فترفع أمره للجهات المختصة، لإقامة ما يجب نحوه، لتصحيح وضعه إذا لم تُجْدِ فيه التوجيهات والنصح، وللمرأة الحق في طلب الفسخ منه، بأن تتقدم للمحكمة لطلب الفسخ، إذا كانت لا تطيق العيش معه ولا تستطيع تحمل جرائمه وأذاه؛ لأن هذا مما يضر بها ويؤذيها، والمرأة إذا كرهت خلق زوجها في المسائل العادية جاز لها أن تطلب الخلع، فأحرى إذا كان في أعمال محرمة كحال السائلة، فلها أن تطلب الفسخ من الحاكم، وبالله التوفيق.(16/445)
تأجير العقار قبل اكتمال بنائه
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/03/1427هـ
السؤال
أعمل بشركة لإدارة وتسويق وتطوير العقار بأحد الأوقاف، وهذه الشركة هي الوكيل الحصري للتسويق، فأنا أقوم بعرض تسويق الوحدات السكنية بالوقف المذكور، علما أن أحد الأبراج أنجز بناؤه هيكلاً، والآخر لا زال في أساسياته.
والسؤال هنا: هل بيع حق الانتفاع بهذا البرج المكتمل هيكلاً لمدة 25 سنة، -وللمشتري الحق بالسكن أو التأجير أو البيع للمنفعة خلال مدته- جائز من الآن قبل الانتهاء من بنائه؟
وهل يجوز بيع منفعة أحد الأبراج وهو غير مكتمل، ومن ثم إعادة البيع عدة مرات؟ علماً أن إحدى الجهات الحكومية ستكون ناظراً لهذا الوقف بعد 25 سنة؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن ما جاء في السؤال بخصوص تسويق العقار المذكور هو من قبيل الإجارة لمدة طويلة، وقد أجمع العلماء على جوازها إذا تمت شروطها، فقد جاء في منار السبيل (2/584) : (باب الإجارة، وهي بيع المنافع، جائزة بالكتاب والسنة والإجماع) ، ثم ذكر الأدلة، ونقل عن ابن المنذر الإجماع على جوازها.
وشروطها: معرفة المنفعة، ومعرفة الأجرة، ومعرفة المدة، وكون النفع مباحًا.
ومن الشروط أيضا معرفة العين المؤجرة برؤية أو صفة، فقد جاء في الشرح الكبير (3/318) ما نصه: (يشترط معرفة العين المؤجرة بالمشاهدة إن كانت لا تنضبط بالصفات، أو بالصفة إن كانت تنضبط قياساً على البيع، وفيه وجه آخر أنه لا يشترط، ويثبت للمستأجر خيار الرؤية، وهو قول أصحاب الرأي) انتهى.
قلت وبناء على ما تقدم: فإنه يجوز بيع حق الانتفاع لمدة معلومة بأجرة معلومة لأبراج الوقف المذكور المكتمل منها وغير المكتمل إذا أمكن وصفها وصفاً دقيقاً، وكانت مما ينضبط بالصفة، وفي نظري أنها تنضبط بالصفة لا سيما إذا اطلع المستأجر على المخططات وعلى العقد المبرم مع المقاول أو المقاولين والمتضمن للشروط والمواصفات.
وبناءً على ما تقدم فإن عملك (موظف مبيعات) جائز، ولا شبهة فيه لما تقدم.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(16/446)
تعليق الطلاق بقصد الحث أو المنع!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/03/1427هـ
السؤال
أرهقتني زوجتي كثيراً بطلب الطلاق في كل صغيرة وكبيرة، وما زالت تكثر علي من طلب الطلاق والتهديد به -أو طلب الخلع- حتى ضاقت علي الأرض بما رحبت. علمًا أنها لا تريد الطلاق حقيقةً، وإنما تريد به الضغط علي للحصول على بعض الأمور. المهم أنه وقعت بيني وبينها مؤخراً مشاحنة انتهت بطردها لي من المنزل، ونحن في بلاد الغرب حيث تُنْصَر المرأة على زوجها في كل حال، الشاهد أنها طردتني من المنزل، واضطررت إلى أن أستأجر غرفةً في منزل آخر؛ حتى أنظر كيف سينتهي هذا الأمر، بقيت في هذا المكان مدة من الزمن تعبت فيها جداً من كثرة الهموم والفتنة، فأردت أن ينتهي هذا الأمر بسرعة قبل أن أقع في ما حرم الله، فإما أن أعود لبيتي ولزوجتي وأولادي، وإما أن أبحث عن زوجة أخرى أحصن بها نفسي عن الحرام.
فكتبت لزوجتي ورقة طلاق معلَّق، ذكرت فيه أني لم أعد أحتمل هذا الحال -وأني لن أصبر عليه طويلاً، فجعلت تاريخا محدداً هو نهاية صبري على هذا الحال، وأني سأطلق زوجتي طلاقاً معلقاً عند حلول هذا الموعد أو التاريخ، في حال أن الوضع استمر على ما هو عليه، فمرت الأيام وجاء الموعد المحدَّد، ولم تعتذر زوجتي عن شيء.
فأنا اعتبرت أن الطلاق قد وقع، وأن حياتي مع هذه المرأة قد انتهت، لأن هذه هي الطلقة الثالثة.
فهل هذا الطلاق واقع أم لا؟
الجواب
فقد ذكرت -حفظك الله تعالى- أنك علقت طلاق زوجتك بحلول وقت معين مع نيتك إمضاء الطلاق، وحل الوقت، ففي هذه الحالة يقع الطلاق وهو مذهب جماهير العلماء على تفصيل في ذلك، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من العلماء ممن يفصلون في مسألة تعليق الطلاق، فقد أوقعوا الطلاق في مثل هذه الصورة، قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "وأما إذا قصد إيقاع الطلاق على الوجه الشرعي مثل أن ينجز الطلاق فيطلقها واحدة في طهر لم يصبها فيه فهذا يقع به الطلاق باتفاق العلماء، وكذلك إذا علَّق الطلاق بصفة يقصد إيقاع الطلاق عندها مثل أن يكون مريداً للطلاق إذا فعلت أمراً من الأمور، فيقول لها: إن فعلته فأنت طالق. قصده أن يطلقها إذا فعلته، فهذا مطلق يقع به الطلاق عند السلف وجماهير الخلف، بخلاف من قصده أن ينهاها ويزجرها باليمين، ولو فعلتْ ذلك الذي يكرهه لم يجز أن يطلقها، بل هو مريد لها، وإن فعلته لكنه قصد اليمين لمنعها عن الفعل لا مريدًا أن يقع الطلاق وإن فعلته فهذا حلف لا يقع به الطلاق في أظهر قولي العلماء من السلف والخلف، بل يجزئه كفارة يمين". أ. هـ مجموع الفتاوى (33/70) ، الفتاوى الكبرى (2/111) .
وقال -رحمه الله تعالى-: "ومن علق الطلاق على شرط أو التزمه لا يقصد بذلك إلا الحض أو المنع فإنه يجزئه فيه كفارة يمين إن حنث، وإن أراد الجزاء بتعليقه طلقت كره الشرط أو لا". الفتاوى الكبرى (5/575) .(16/447)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ذاكراً أقوال العلماء بتعليق الطلاق بأجل معين: "فصل: وأما تعليق الطلاق بوقت يجيء لا محالة -كرأس الشهر والسنة وآخر النهار ونحوه- فللفقهاء في ذلك أربعة أقوال: أحدها: أنها لا تطلق بحال، وهذا مذهب ابن حزم واختيار أبي عبد الرحمن الشافعي، وهو من أجل أصحاب الوجوه، وحجتهم: أن الطلاق لا يقبل التعليق بالشرط كما لا يقبله النكاح والبيع والإجارة والإبراء، قالوا: والطلاق لا يقع في الحال ولا عند مجيء الوقت، أما في الحال فلأنه لم يوقعه منجزا وأما عند مجيء الوقت فلأنه لم يصدر منه طلاق حينئذ، ولم يتجدد سوى مجيء الزمان، ومجيء الزمان لا يكون طلاقاً.
وقابل هذا القول آخرون وقالوا: يقع الطلاق في الحال، وهذا مذهب مالك وجماعة من التابعين، وحجتهم أن قالوا: لو لم يقع في الحال لحصل منه استباحة وطء مؤقت، وذلك غير جائز في الشرع؛ لأن استباحة الوطء فيه لا تكون إلا مطلقاً غير مؤقت؛ ولهذا حرم نكاح المتعة لدخول الأجل فيه، وكذلك وطء المكاتبة، ألا ترى أنه لو عري من الأجل -بأن يقول إن جئتني بألف درهم فأنت حرة- لم يمنع ذلك الوطء.
قال الموقعون عند الأجل: لا يجوز أن يؤخذ حكم الدوام من حكم الابتداء، فإن الشريعة فرقت بينهما في مواضع كثيرة، فإن ابتداء عقد النكاح في الإحرام فاسد دون دوامه، وابتداء عقده على المعتدة فاسد دون دوامه، وابتداء عقده على الأمة مع الطول وعدم خوف العنت فاسد دون دوامه، وابتداء عقده على الزانية فاسد عند أحمد ومن وافقه دون دوامه، ونظائر ذلك كثيرة جداً، قالوا: والمعنى الذي حرم لأجله نكاح المتعة كون العقد مؤقتاً من أصله، وهذا العقد مطلق، وإنما عرض له ما يبطله ويقطعه فلا يبطل كما لو علق الطلاق بشرط وهو يعلم أنها تفعله أو يفعله هو ولابد ولكن يجوز تخلفه.
والقول الثالث: أنه إن كان الطلاق المعلق بمجيء الوقت المعلوم ثلاثا وقع في الحال، وإن كان رجعياً لم يقع قبل مجيئه، وهذا إحدى الروايتين عن الإمام أحمد نص عليه في رواية مهنا، إذا قال: أنت طالق ثلاثاً قبل موتي بشهر، هي طالق الساعة، كان سعيد بن المسيب والزهري لا يوقتون في الطلاق، قال مهنا: فقلت له: أفتتزوج هذه التي قال لها: أنت طالق ثلاثاً قبل موتي بشهر؟ قال: لا ولكن يمسك عن الوطء أبدا حتى يموت. هذا لفظه وهو في غاية الإشكال، فإنه قد أوقع عليها الطلاق منجزا فكيف يمنعها من التزويج، وقوله: يمسك عن الوطء أبدا يدل على أنها زوجته إلا أنه لا يطؤها، وهذا لا يكون مع وقوع الطلاق، فإن الطلاق إذا وقع زالت أحكام الزوجية كلها، فقد يقال: أخذ الاحتياط فأوقع الطلاق ومنعها من التزويج للخلاف في ذلك فحرم وطأها وهو أثر الطلاق، ومنعها من التزويج لأن النكاح لم ينقطع بإجماع ولا نص، ووجه هذا أنه إذا كان الطلاق ثلاثاً لم يحل وطؤها بعد الأجل فيصير حال الوطء مؤقتاً، وإن كان رجعياً جاز له وطؤها بعد الأجل فلا يصير الحال مؤقتاً وهذا أفقه من القول الأول.(16/448)
والقول الرابع: أنها لا تطلق إلا عند مجيء الأجل وهو قول الجمهور، وإنما تنازعوا هل هو مطلق في الحال، ومجيء رأس الشهر شرط لنفوذ الطلاق، كما لو وكله في الحال، وقال: لا تتصرف إلى رأس شهر، فمجيء رأس الشهر شرط لنفوذ تصرفه لا لحصول الوكالة. بخلاف ما إذا قال: إذا جاء رأس الشهر فقد وكلتك؛ ولهذا يفرق الشافعي بينهما، فيصحح الأولى ويبطل الثانية، أو يقال: ليس مطلقاً في الحال وإنما هو مطلق عند مجيء الأجل فيقدر حينئذ أنه قال: أنت طالق. فيكون حصول الشرط وتقدير حصول أنت طالق معا، فعلى التقدير الأول السبب تقدم وتأخر شرط تأثيره، وعلى التقدير الثاني نفس السبب تأخر تقديرا إلى مجيء الوقت، وكأنه قال: إذا جاء رأس الشهر فحينئذ أنا قائل لك: أنت طالق، فإذا جاء رأس الشهر قدر قائلاً لذلك اللفظ المتقدم، فمذهب الحنفية أن الشرط يمتنع به وجود العلة، فإذا وجد الشرط وجدت العلة، فيصير وجودها مضافاً إلى الشرط، وقبل تحققه لم يكن المعلق عليه علة بخلاف الوجوب فإنه ثابت قبل مجيء الشرط، فإذا قال: إن دخلت الدار فأنت طالق فالعلة للوقوع التلفظ بالطلاق، والشرط الدخول وتأثيره في امتناع وجود العلة قبله فإذا وجد وجدت، وأصحاب الشافعي يقولون: أثر الشرط في تراخي الحكم، والعلة قد وجدت، وإنما تراخي تأثيرها إلى وقت مجيء الشرط، فالمتقدم علة قد تأخر تأثيرها إلى مجيء الشرط" ا. هـ إغاثة اللهفان (1/172) . والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/449)
هل في حب الثناء رياء؟!
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/05/1427هـ
السؤال
جميع أعمالي أقصد بها وجه الله والنجاة من عذابه، لكن أحب أن يذكرني الناس على في أعمالي وأسَرُّ بالثناء على ما أفعل فهل هذا رياء أم لا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن الإخلاص شرط من شروط قبول الأعمال، والله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه تعالى، وفي ذلك يقول سبحانه كما في الحديث القدسي: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ". صحيح مسلم (2958) . والرياء شرك أصغر، وقد يحبط العمل بالكلية، وقد ينقص الأجر، بحسب درجة الرياء ومنزلته من العمل، والدافع للرياء هو: حب الثناء من الناس، أو خشية الذم منهم، ولا يسلم العمل ولا يصلح، إلا بتجرد الإنسان من هذه الدوافع التي توصل إلى الرياء وتذهب الأجر، وتجلب سخط الله تعالى.
أما إن عمل الإنسان العمل ولم يقصد ثناء الناس ومدحهم، ثم حصل له الثناء من الناس على عمله الصالح بغير إرادة منه ولا طلب، فهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم " عاجل بشرى المؤمن " صحيح مسلم (2642) .
نسأل الله أن يرزقنا جميعاً الإخلاص وأن يبعد عنا الرياء وأسبابه. والله أعلم.(16/450)
درء القصاص عن قاتل أخته لأجل الشرف
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله اللهيبي
رئيس محكمة التمييز سابقا
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/05/1427هـ
السؤال
هناك مصطلح شائع اليوم باسم "جرائم الشرف" حيث يقتل الشخص أخته أو ابنته لأنها مشت مع شخص غريب وما شابه ذلك.
وحيث إن القوانين تخفف الحكم على القاتل بحجة أنها جريمة شرف على مبدأ درء الحدود بالشبهات.
وبما أن العلمانيين ومن سار على خطاهم يشيرون بأصابع الاتهام إلى التشريع والفقه الإسلامي بهذا الخصوص، فنريد منكم توضيح الحكم الشرعي للقتل بحجة تلويث الشرف؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فنفيدك أن الشريعة الإسلامية لا تجيز لأولياء المرأة كأبيها، وأخيها قتلها بمجرد مشيها مع إنسان غريب -وإن كان الباعث لهم على هذا القتل الغيرة على محارمهم، لأن إقدامهم على القتل جريمة، وتعد لحدود الله، وقتل نفس حرم الله قتلها إلا بالحق، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث؛ الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة". صحيح البخاري (6878) ، وصحيح مسلم (1676) . ومن أجل هذا يجوز لأولياء المرأة الذين لم يباشروا قتلها، ولم يعينوا عليه، رفع قضية للمحكمة يطلبون فيها القصاص ممن قتل مورثتهم، إذا كان القاتل غير الأب، ولهم أن يعدلوا عن القصاص إلى الدية، أو يعفوا عن القاتل دون مقابل.
أما إذا كان القاتل هو الأب فإنه يعزر بالجلد، والسجن، ولا يقتل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل والد بولده" أخرجه أحمد (328) ، والترمذي (1400) ، وابن ماجه (2662) . وتستقر دية المقتولة في ذمته يسلمها لورثتها إلا إن جرى عفوهم عنه.
أما ما ذكره السائل من أن القوانين تخفف العقوبة على القاتل بحجة أنها جريمة شرف على مبدأ "ادرءوا الحدود بالشبهات" فإن هذه الجريمة ليس فيها شبهة، فالذي ارتكبها من أولياء المرأة قد تعمد ذلك. وإن كان ما صدر به القانون في هذه القضايا مخالفا للشريعة، فإنها لا تتهم بالتقصير في هذا وإنما تتهم القوانين الجائرة المخالفة لأحكام الله، وأدعو السائل إلى الرجوع إلى ما ذكره الفقهاء -رحمهم الله- في باب حد الزنا، ليكون على علم وبصيرة بما جاءت به الشريعة في ذلك، وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح. والله سبحانه وتعالى أعلم.(16/451)
معنى "إن الله قِبلَ وجه المصلي! "
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/02/1427هـ
السؤال
قرأت أن الله أَمَامنا ونحن نصلي، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل في هذا تناقض مع كون الله فوق خلقه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فما قرأته صحيح، وثابت في الصحيحين، أو أحدهما من حديث جماعة من الصحابة، كجابر، وأنس، وابن عمر -رضي الله عنهم-، وهذا أحد ألفاظ حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى بصاقًا في جدار القبلة فحكه، ثم أقبل على الناس، فقال: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قِبَلَ وجهه، فإن الله قِبَلَ وجهه إذا صلى". صحيح البخاري (406) ، وصحيح مسلم (547) .
إذا تبين هذا، فإن السلف الصالح -رحمهم الله- لم يستشكلوا هذه الأحاديث، بل كانوا في هذا الباب الخطير -باب الأسماء والصفات- يُمِرُّون النصوص كما جاءت، مع اعتقادهم للأصل العظيم الذي قرّره القرآن في قول الله جل وعلا: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" [الشورى:11] ، وهو أصلٌ كبير يجب على المؤمن أن يتمسك به إذا لم يستطع أن يفهم أي نصّ ثبت في الكتاب والسنة؛ لأن الله تعالى أعظم من أن يحاط به، كما قال جل وعلا: "ولا يحيطون به علمًا" [طه:110] ، ولأن عقول بني آدم محدودة؛ لا يمكنها أن تتصور حقائق بعض المخلوقات، فكيف بالخالق جل وعلا؟!
والنصوص الثابتة التي تدلّ على علو الله جل وعلا، واستوائه على عرشه أكثر من أن تحصر، بل الفطرة السليمة مقرةٌ بعلو الله تعالى على خلقه، فهذا أصلٌ يجب التمسك به، ويجب ردّ ما أشكل من النصوص في هذه المسألة إليه، مع أنه لا يمكن أن يوجد بينها تعارض؛ لأن الكل من عند الله، ولكن قد يقصر علم الإنسان عن أوجه الجمع، فحينئذ عليه أن يقول -كما قال أهل العلم الراسخون، حينما ذكر الله المحكم والمتشابه من آيات الكتاب- "والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وما يذّكر إلا أولو الألباب" [آل عمران:7] .
وتأمل عظيم عمق السلف من الصحابة -رضي الله عنه- وهم يسمعون مثل هذه الأحاديث- كيف لم يسألوا النبي -صلى الله عليه وسلم-: كيف؟ ولا: لِمَ؟ مع أنه صلى الله عليه وسلم أمامهم، ويمكنه أن يجيبهم عن كل ما يستشكلونه، ولكنهم كانوا يسلّمون ويصدقون، وهذا -والله- هو الإيمان الحق، وعلى هذا جرى أئمة الدين من سلف هذه الأمة، ومن سار على نهجهم.
وبخصوص السؤال الذي سألت عنه، فالجواب عنه من وجوه، أكتفي منها بوجهين:
الأول: أن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته، فهو -سبحانه وتعالى- قريب في عُلّوه، عليّ في دنوه، ليس كمثله شيء.
وإذا كانت السماوات السبع، والأرضون السبع في كفه تعالى، كخردلة في كفّ أحدنا، فهو محيط بكل شيء، ولا يمكن أن يقاس بخلقه.
الثاني: أن يقال: إنه لا منافاة بين كون الشيء قِبَلَ وجهك، وكونه في العلو، فإنك عندما تستقبل الشمس عند غروبها أو شروقها، فستراها قِبَلَ وجهك، مع أنها في السماء وبعيدة عنك، فإذا جاز هذا في حق المخلوق، فجوازه في حق الخالق من باب أولى، والله أعلم.(16/452)
نسخ البرامج غير الأصلية
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/03/1427هـ
السؤال
أعمل في شركة في قسم صيانة الحاسبات، فأقوم بتركيب قطع في أجهزة الكمبيوتر، وأضيف برامج منسوخة غير أصلية، ولا أستطيع منعهم؛ لأنه ليس لي صلاحية، فهل علي ذنب إذا أضفتها؟ علماً أن ذلك جزء من عملي، وأنني سأترك الشركة إذا كان الأمر مخالفًا للشرع.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول لله، وبعد:
فإن تقليد السلع والمنتجات إذا لم يدخل عليها المقلِّد أي تعديل أو تغيير مما يفتي كثير من علماء العصر بمنعه، سواء كان ذلك برامج حاسوب أو كتبًا أو بضائع أو غيرها، وأنه لا تجوز المتاجرة فيها واتخاذها طريقاً للكسب.
وأما ما جاء في السؤال فالذي يظهر منه أن عمل الشركة في بيع الأجهزة وصيانتها، وأن البرامج المنسوخة التي تحمَّل على أجهزة العملاء لا تباع، وإنما تضاف كخدمة للعميل، وهو ما تعارف عليه أهل هذه الصنعة اليوم ويتنافسون فيه. فإذا كانت الشركة لا تأخذ أي رسوم على تنزيل هذه البرامج على الأجهزة فالأمر يسير إن شاء الله تعالى، وعلى الشركة أن تقتني لنفسها برامج أصلية. والله أعلم.(16/453)
الحكمة من تحريم زواج المسلمة بالكافر!
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/01/1427هـ
السؤال
ما الحكمة من النهي عن زواج المسلمة بالكافر، وزواج المسلم بالمشركة والوثنية؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد أباح الله للمسلمين نكاح المحصنات، وهن العفيفات من المؤمنات، والكتابيات، وحرم عليهم نكاح المشركات والوثنيات. وهذا ليس من باب التمييز العنصري، ولكن من باب التمييز الإيماني الديني؛ بدليل أن المشركة -من أي عنصر أو عرق أو وطن- تحل للمسلم بمجرد إسلامها.
ولا شك أن الإسلام يميز بين الناس على أساس معتقداتهم، ولا شك أن الرابطة الإيمانية مقدمة على الرابطة الإنسانية، وتلك قضية محسومة في القرآن. قال تعالى: "أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار" [ص:28] ، وقال سبحانه: "أفنجعل المسلمين كالمجرمين" [القلم:35] . والتنازل عنها يعني القضاء على الدين نفسه، بصورته الشمولية، والصيرورة إلى أن يصبح الدين (ملحقاً) من ملاحق الحياة، لا أنه (صبغة الله) للحياة، ومن أحسن من الله صبغةً. وهذا ما آلت إليه النصرانية بعد تحريفها، وما تريد الجمعيات والهيئات النصرانية أن تنزل المسلمين إليه.
وحرمة زواج المسلمة بغير المسلم -من كتابي، أو مشرك- مبنية على أن الزوج له القوامة على المرأة، والتوجيه للحياة الأسرية، وأن أولاده منها ينسبون إليه، وينشؤون على دينه، ويتبعونه في الأحكام قبل سن التكليف، وهذا إجحاف بالزوجة، والذرية. بخلاف زواج المسلم من كتابية؛ فالإسلام يضمن لها حرية البقاء على دينها، لكن أولاده منها يحكم لهم بالإسلام.
كما أن الكتابية حين تقترن بمسلم تقترن بزوج يؤمن بنبيها، وسائر أنبياء الله، ولا يفرق بين أحد منهم، في حين أن الكتابي من يهودي أو نصراني لا يؤمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وأنه خاتم الأنبياء، فكيف يسوغ أن يجمعه عقد واحد، ويظله سقف واحد مع مسلمة؟!(16/454)
هل تجب عليه الدية؟!
المجيب د. حسن بن مقبول الأهدل
نائب رئيس جامعة صنعاء لشؤون الدراسات العليا
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 08/05/1427هـ
السؤال
جاري لديه مجموعة من ألواح وعروق الأخشاب، يستخدمها سقالات في البناء، وكان يضع هذه الأخشاب على حائط عندي، وهذا الحائط كان ضعيفا، ونصحته أكثر من مرة ألا يضع هذه الأخشاب على هذا الحائط الضعيف، إلا أنه كان يصر على ذلك مما كان سببا في سقوط هذا الحائط على ولدين لي، أحدهما توفي والآخر أصيب، فما حكم الشرع في ذلك، وما هو المفروض أن أفعله مع هذا الشخص؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه، وبعد.
فعلى هذا الذي تعدى الضمان، فهو ضامن للجدار يعيده كما كان، وضامن للولد الذي مات فيدفع ديته، وعليه علاج الولد الذي أصيب حتى يبرأ مما أصابه، فهو ضامن لكل ضرر حصل بسبب سقوط ذلك الحائط. والله أعلم.(16/455)
الخمر إذا خُلط بغيره!
المجيب وليد بن علي الحسين
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/03/1427هـ
السؤال
يقول الأصوليون: "الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً". ونعلم أن الخمر حرِّمت بعلة الإسكار، ونقيس عليه كل الكحول والمأكولات والمشروبات والمحقونات والمشمومات التي تشارك الخمر في الإسكار.
فهل إذا خُلطت الخمر الحرام بالماء، وفقدت خاصية الإسكار تصير حلالاً؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الحكم المعلل بعلة يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا وجدت العلة وجد الحكم، وإذا انتفت العلة انتفى الحكم، فهذا معنى قول الأصوليين: "الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً". إذ لا معنى للعلة إلا ثبوت الحكم عند وجودها وانتفاؤه بانتفائها ما لم يكن هناك معارض، وإلا لما كانت علة، والخمر إنما حُرِّم لكونه مسكراً، فإذا زال وصف الإسكار عنه كأن يتحول -مثلاً- إلى خلٍ، فإنه يكون مباحاً شربه واستعماله لزوال الوصف المؤثر في الحكم بارتفاع خاصية الإسكار عنه، فإن عادت إليه خاصية الإسكار صار محرماً، وهذا في جميع الأحكام الشرعية المعللة، فإذا ارتفعت علة الحكم ارتفع الحكم، كنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- علة النهي بقوله: "إنما نهيتكم من أجل الدافَّة التي دَفَّت". انظر صحيح البخاري (5570) ، وصحيح مسلم (1971) . فإذا وجدت العلة في عصر أو زمن ما فإنه يُنهى عن الإدخار فوق ثلاث، وإلا صار الإدخار فوق الثلاث مباحاً، وكالنهي عن لباس لكونه لباس تشبه بالكفار، فإذا ارتفعت خاصية التشبه عنه وصار من الألبسة المعتادة عند المسلمين يكون لبسه مباحاً.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/456)
الاستغاثة بصفات الله
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/12/1426هـ
السؤال
ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث". فهل يجوز الاستغاثة بصفات الله، ودعاؤه بصفاته كما ورد في هذا الحديث؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "برحمتك أستغيث" هذا من قبيل التوسل لا من قبيل دعاء الصفة، مثل: أسألك يا الله برحمتك، وفي دعاء الاستخارة: "أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك". صحيح البخاري (1166) . ومثل الاستعاذة بالصفة، قوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك". صحيح مسلم (486) . وكقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أعوذ بكلمات الله التامات". صحيح مسلم (2708) .
كل هذا من نوع التوسل إلى الله بصفاته، وهو من التوسل المشروع، وأما دعاء الصفة فلم يرد في الأدعية المأثورة، ولا يمكن أن يكون مشروعاً؛ لأن دعاء الصفة كقولك: يا رحمة الله، يا عزة الله، يا قوة الله. تقتضي أن الصفة شيء مستقل منفصل عن الله يسمع ويجيب، فمن اعتقد ذلك فهو كافر، بل صفات الله قائمة، وليس شيء منها إله يدعى، بل الله بصفاته إله واحد، وهو المدعو والمرجو والمعبود وحده لا إله إلا هو. والله أعلم.(16/457)
حرق جثة الميت!
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/12/1426هـ
السؤال
من المعلوم أن حرق جثة الشخص المتوفى غير لائق لسبب تكريم المتوفى، ولم نسمع عن وجود ذلك في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن هناك شخص يريد أن يعرف هل هناك في الشرع ما يمنع من حرق جثة المتوفى؟
ويريد دليلا من الكتاب والسنة على منع ذلك أو سيوصي بحرق جثته بعد وفاته.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا توفي المسلم فالواجب تغسيله وتكفينه ودفنه في مقابر المسلمين على الصفة الشرعية، ولا يجوز إحراق جثته لما في هذا من مخالفة سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وما يؤدي إليه هذا من انتهاك حرمة الميت وقد قالت عائشة -رضي الله عنها-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كسر عظم الميت ككسره حيًّا" رواه أبو داود (3207) وابن ماجه (1616) .
ومعنى الحديث: أن كسر عظم المؤمن أو إهانته وإيذاؤه كما لا يجوز في الحياة فكذلك بعد الوفاة.
ودفن الميت سنة جارية في البشر منذ أول ميت على وجه الأرض، وذلك عندما قتل أحد ابني آدم أخاه، فاحتار ماذا يفعل به، فأراد الله تعالى تعريفه بسنة الدفن فبعث غراباً يبحث في الأرض في المكان الذي هو فيه ليريه كيفية المواراة، قال الله تعالى: "فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليره كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين" [المائدة:31] .
وقد امتن الله على عباده بأن جعل لهم الأرض كفاتا: أي وعاء في حال الحياة والموت، فقال تعالى: "ألم نجعل الأرض كفاتا، أحياء وأمواتا" [المرسلات:25-26] . أي أنها تضم الأحياء على ظهرها والأموات في بطنها.
وقال تعالى: "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى" [طه:55] . وقال تعالى: "ثم أماته فأقبره" [عبس:21] . أي: صيره وجعله ممن يقبر، ولم يجعله مما يلقى على وجه الأرض للطير والسباع، فقبر الميت مما أكرم الله به بني آدم، وقبور الأموات يجب احترامها ولا يجوز التعدي عليها بنبشها أو وضع النجاسات عليها أو وطئها والإتكاء عليها، وذلك أن الميت محترم في قبره كما يحترم في حال حياته، وقد ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر" رواه مسلم (971) ، وأخرجه أحمد (10832) ، بلفظ: "خير له من أن يطأ على قبر".
وإذا تبينت مشروعية دفن الميت وحرمة تحريقه، فإنه لو أوصى مسلم بإحراق جثته بعد موته فإن وصيته باطلة، ولا يلزم أوصياءه تنفيذها، لكونها وصية بشيء محرم، وعلى ابن الموصي أن يسعى إلى إقناع أبيه لتغيير هذه الوصية والعدول عنها، ويكون ذلك ببيان مشروعية الدفن وفوائده، وأنه يتضمن تكريماً للنفس البشرية، وبيان مضار التحريق وأنه يتضمن انتهاك حرمة الميت وإهانته ولا يفعله إلا أصحاب الطوائف المنحرفة.(16/458)
مَنْ هو ذو القرنين؟
المجيب د. فوزي محمد ساعاتي
أستاذ التاريخ بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/03/1427هـ
السؤال
هل الإسكندر المقدوني هو نفسه ذو القرنين المذكور في القرآن؟ فالإسكندر المقدوني ملقب بذي القرنين, كما أنه مَلَك الأرض من شرقها لغربها. كما أن كتب التاريخ تذكر المقدوني وفتوحاته, ولا تشير إلى ذي قرنين آخر. أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد اختلف في ذي القرنين من هو: فقيل هو الملك الفارسي: قورش، وكان رجلاً صالحاً، أو نبياً من أنبياء الله، كما كان قائداً عسكرياً مظفراً.
وقيل هو الملك المقدوني المعروف باسم الإسكندر الأكبر.
وقيل هو من حمير في اليمن، مستدلين على ذلك بأن ملوك حمير يلقبون أنفسهم بذي نواس، وذي يزن؛ وذهب البعض إلى أن هذه الشخصية كانت زمن إبراهيم -عليه السلام-.
وقيل هو صاحب موسى والخضر -عليهما السلام- وكان مؤمناً، وبينه وبين الإسكندر الأخير دهرا طويلاً.
ولكن العديد من المفسرين والمؤرخين لم يتفقوا مع الرأي الذي يعتبر ذا القرنين المذكور في القرآن هو الإسكندر المقدوني؛ وذلك لأن الإسكندر المقدوني كان وثنياً، بينما كان ذو القرنين الذي تحدث عنه القرآن مؤمناً بالله وموحداً.
وقيل هو ابن ملك مقدونيا فيلب، وهذا مستبعد؛ لأن أوروبا لم تكن في ذلك الزمن تعرف أي دين سماوي؛ ولأنه عاش قبل ميلاد المسيح -عليه السلام- "القرن الرابع قبل الميلاد"، وقيل هو أخناثون ملك مصر فيما بين (1370-1352ق. م) .
وقد اتخذ المصريون القدماء القرنين رمزاً لهم في أعلامهم على شكل قرني الكبش بلون لامع فوضعوا اسم القرنين على رأس المعبود أمون رع.
وكان أخناثون يضفر شعره ضفرتين اقتداء بالنبي موسى -عليه السلام- الذي كان يصاحبه، والذي تشير بعض المصادر إلى أنه كان يضفر شعره ضفرتين، وكانتا تبدوان على شكل قرنين، ومات أخناثون وزوجته (نفرتيتي) في الصين حوالي (1300ق. م) .(16/459)
تأويل قول الرسول لقومه: "لقد جئتكم بالذبح"
المجيب أ. د. بكر بن زكي عوض
أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/12/1426هـ
السؤال
جاءني رجل غير مسلم محتجاً بقول: النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح".
وهذا الرجل يحتج بهذا الحديث بأن هدف الإسلام هو تدمير هذا العالم، وأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه هم قتلة بلا رحمة.
وهو يحاول أن يثبت أن الإسلام يؤيد الإرهاب والذبح، وإلا فلماذا يقول نبي السلام والرحمة مثل هذا القول القبيح؟ أرجو الرد على هذه الشبهة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فعلينا أن نفهم الحديث في ضوء وروده، وسبب قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- له، لقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يطوف حول الكعبة، وسخر منه أهل مكة وآذوه، وهو صابر على أذاهم، فلما هموا بمنعه أراد أن يخبرهم بأن شأنه سيعلو, وأنه سينتصر، وأن دينه سيعلو ويتمكن منهم، وقد كان، وليس المراد بالذبح المعنى الحقيقي لأنه حين فتح مكة، وجمع أهلها قال لهم: "ما تقولون؟ ما تظنون أني فاعل بكم؟ ". قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال عليه السلام: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". انظر السيرة النبوية (5/73-74) ، وتاريخ الطبري (2/161) ، وسنن البيهقي (9/118) ، فلو كان الذبح غايته فما الذي منعه من ذبحهم.
إن الإسلام أحرص ما يكون على كفالة العيش الحر الكريم للإنسان، وإن إراقة الدم ليست من غاياته أو أهدافه، بدليل أن الرسول -صلى الله عليه وسلم-لم يقتل الأسرى في يوم من الأيام، ولم يقتل يهود بني قينقاع، وعاهد كثيرين من خصومه مع قدرته عليهم فأين دعوته للقتل؟!
إن السلام هو غاية الإسلام، "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله" [الأنفال:61] . "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" [البقرة:190] . وفي الحديث: "لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية" صحيح البخاري (2966) ، وصحيح مسلم (1741) . وتكفي العقوبات المقدرة في الشريعة الإسلامية كوسيلة ردع عن قتل الآخرين والاعتداء عليهم. وقد رأى الأحناف وجوب قتل المسلم بغير المسلم إذا قتله بغير موجب للقتل؛ فأين العنف والإرهاب في الإسلام؟ يكفي أن تحية الإسلام هي إلقاء السلام على الآخر وطلب الرحمة له.
إن قوله: "أتيتكم بالذبح" هو مثل قول المسيح -عليه السلام-: (ما جئت لألقي سلاماً على العالم بل سيفاً) . والمراد قتال المجرمين أعداء الرسل والرسالات، والذين يقفون بقوتهم في وجه الإصلاح ويحاربون أتباع الرسل ويريدون استئصالهم، ولذا قال الله: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا" [البقرة:190] . فمن اعتدى على الرسل وأتباعهم فسيواجه عدوانه وظلمه بما يردعه.(16/460)
خدمة الزوجة لوالدة زوجها
المجيب د. محمد بن سعيد القحطاني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/03/1427هـ
السؤال
هل خدمة الزوجة لوالدة زوجها فرض عليها أم تخدمها حسب راحتها وظروفها، دون ضغط من زوجها؟ وهل إذا أمر الزوج زوجته لتخدم أمه ورفضت يكون ذلك عصيانًا لأوامر زوجها أم لا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فخدمة الزوجة لوالدة زوجها من أمور البر وحسن العشرة، وتأملي كيف تكون نفسية زوجك حين يرى خدمتك لوالدته؛ لاشك أن ذلك سينعكس على حسن معاملته لك، والإحسان إليك، والعكس بالعكس.
فكوني عند حسن ظن زوجك، واعلمي أنه حتى لو لم يكن واجباً لكان من مكارم الأخلاق، وحسن التبعل للزوج، وتتبع ما يرضيه. هذا ما أوصيك به. والله الموفق.(16/461)
الفرق بين المكافأة والراتب!
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 13/02/1427هـ
السؤال
هل ما تعطيه الأوقاف للأئمة والمؤذنين مكافأة أم راتب؟ وما الفرق بينهما؟
وماذا يترتب على كل منهما؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فما تعطيه الأوقاف للأئمة والمؤذنين هو رزق من بيت الله -مكافأة- وليس راتباً يستحقونه. والفرق بينهما أن أعمال القرب -العبادات- لا تجوز الإجارة عليها، لكن إذا أعطي من يقوم بها رزقاً من بيت المال فلا بأس بذلك.
والذي يترتب على كل منهما أن المكافأة ليست حقاً واجباً لصاحبها، بعكس الراتب فهو حق واجب، فإذا قام الموظف بعمله على أتم وجه لزم الجهة التي تعاقدت معه أن تدفع راتبه كاملاً، وإذا أخلَّ بشيء من العمل فمن حق الجهة أن تحسم عليه بقدر إخلاله بالعمل.
وهكذا فالإمام والمؤذن ليس من حقهما المطالبة بهذه المكافأة، ولو مُنعت في بعض الشهور فلا يحق لهما المطالبة بها، ولو أُبعد المؤذن أو الإمام فليس من حقهما المطالبة بالعودة للإمامة والأذان، لأنه ليس حقاً لهما، بل تنصيبهما من جماعة المسجد أو إدارة الأوقاف تشريف لهما، وهذا العمل إن لم يقوما به قام به غيرهما.
وفقنا الله وإياك للعمل النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/462)
أخذ الفوائد البنكية بدعوى الحاجة!
المجيب عبد الله بن علي الريمي
ماجستير كلية الشريعة من جامعة الإمام
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/05/1427هـ
السؤال
كان لدي مبلغ من المال بأحد البنوك، وكنت أسحب من هذا المبلغ حسب احتياجي حتى نفد، ولم يبق إلا الأرباح، وأنا الآن في احتياج شديد للمال لقضاء احتياجاتي الأساسية والضرورية، فهل يجوز لي الأخذ من هذه الأرباح؟
وفى حالة عدم الجواز، هل يجوز أن آخذ مبلغا على سبيل الاقتراض، حتى يأتي الله بالفرج، ثم أرده بعد ذلك؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقبل الإجابة على السؤال يحسن التنبيه لما يلي:
أولاً: حكم الإيداع في البنوك الربوية: إنما أجازه العلماء لما رأوا من شدة الحرج في ترك التعامل مع البنوك في هذا الزمن وأهمية التعاملات المصرفية في حفظ المال وتيسير الأمور مع مراعاة الضوابط التالية:
أ- أن لا يوجد بنك إسلامي يقوم مقام البنك الربوي.
ب- أن يضطر الإنسان للإيداع في البنك الربوي لضغط أنظمة العمل أو غيره.
ج- أن لا يشترط فوائد من البنك على المال المودع، فإن كانت الفوائد حادثة ولابد،
فعليه أن يتبرع بها لأعمال خيرية، ولا يدعها للبنك ليستفيد منها ويحدث تدوير للأرباح.(16/463)
ثانياً: قال تعالى "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب" [الطلاق:2-3] . فقد بيّن فيها أن المتقي يدفع الله عنه المضرة بما يجعله له من المخرج، ويجلب له من المنفعة بما ييسره له من الرزق، والرزق اسم لكل ما يغتذي به الإنسان; وذلك يعم رزق الدنيا ورزق الآخرة. وقد قال بعضهم: ما افتقر تقي قط! قالوا: ولم؟ قال: لأن الله يقول: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب". وقول القائل: قد نرى من يتقي وهو محروم، ومن هو بخلاف ذلك وهو مرزوق! فجوابه: أن الآية اقتضت أن المتقي يرزق من حيث لا يحتسب ولم تدل على أن غير المتقي لا يرزق; بل لا بد لكل مخلوق من الرزق قال الله تعالى: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها" [هود:6] . حتى إن ما يتناوله العبد من الحرام هو داخل في هذا الرزق، فالكفار قد يرزقون بأسباب محرمة، ويرزقون رزقا حسنا، وقد لا يرزقون إلا بتكلف، وأهل التقوى يرزقهم الله من حيث لا يحتسبون، ولا يكون رزقهم بأسباب محرمة، ولا يكون خبيثا، والتقي لا يُحْرَمُ ما يحتاج إليه من الرزق وإنما قد يحمى من فضول الدنيا -رحمة به وإحسانا إليه-؛ فإن توسيع الرزق قد يكون مضرة على صاحبه، وتقديره يكون رحمة لصاحبه. قال تعالى: "فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا" [الفجر:15-17] . أي: ليس الأمر كذلك، فليس كل من وسع عليه رزقه يكون مكرما، ولا كل من قدر عليه رزقه يكون مهانا; بل قد يوسع عليه رزقه إملاء واستدراجا، وقد يقدر عليه رزقه حماية وصيانة له، وضيق الرزق على عبد من أهل الدين قد يكون لما له من ذنوب وخطايا، كما قال بعض السلف: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب". وقد أخبر الله تعالى أن الحسنات يذهبن السيئات، والاستغفار سبب للرزق والنعمة، وأن المعاصي سبب للمصائب والشدة، فقال تعالى: "الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير" إلى قوله: "ويؤت كل ذي فضل فضله" [هو:1-3] . وقال تعالى: "استغفروا ربكم إنه كان غفارا" إلى قوله: "ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا" [نوح:10-12] . وقال تعالى: "وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه" [الجن:16-17] . وقال تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون" [الأعراف:96] . وقال تعالى: "ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم" [المائدة:66] . وقال تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" [الشورى:30] . وقال تعالى: "ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور" [هود:9] . وقال تعالى: "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك" [النساء:79] . وقال تعالى: "فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون" [الأنعام:42-43] . وقد أخبر الله تعالى في كتابه(16/464)
أنه يبتلي عباده بالحسنات والسيئات; فالحسنات، هي: النعم، والسيئات، هي: المصائب; ليكون العبد صبارا شكورا. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" ينظر مجموع الفتاوى (16/52) .
أما جواب السؤال: فالربا محرم بالكتاب، والسنة، والإجماع, وهو من الكبائر, ومن السبع الموبقات, ولم يؤذن الله تعالى في كتابه عاصيا بالحرب سوى آكل الربا, ومن استحله فقد كفر -لإنكاره معلوما من الدين بالضرورة- فيستتاب, فإن تاب وإلا قتل, أما من تعامل بالربا من غير أن يكون مستحلا له فهو فاسق.
قال الماوردي وغيره: إن الربا لم يحل في شريعة قط لقوله تعالى: "وأخذهم الربا وقد نهوا عنه" [النساء:161] . يعني في الكتب السابقة.
ودليل التحريم من الكتاب، قول الله تبارك وتعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا" [البقرة:275] . وقوله عز وجل: "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ... " [البقرة:275] .
ودليل التحريم من السنة، أحاديث كثيرة منها: ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك بالله, والسحر, وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, وأكل الربا, وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الزحف, وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" صحيح البخاري (2767) ، ومسلم (89) .
وما رواه مسلم (1598) عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه, وقال: "هم سواء". وأجمعت الأمة على أصل تحريم الربا. فلا يجوز أخذ الفوائد الربوية ولا الاقتراض بفوائد ربوية لأن هذا المال لا خير فيه ولا نفع، بل يزيد المرء ضررا وفقرا، قال السرخسي: ذكر الله تعالى لآكل الربا خمسا من العقوبات:
إحداها: التخبط. قال الله تعالى: "لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس".
الثانية: المحق. قال تعالى: "يمحق الله الربا" [البقرة:276] . والمراد الهلاك والاستئصال, وقيل: ذهاب البركة والاستمتاع حتى لا ينتفع به, ولا ولده بعده.
الثالثة: الحرب. قال الله تعالى: "فأذنوا بحرب من الله ورسوله" [البقرة:279] .
الرابعة: الكفر. قال الله تعالى: "وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين" [البقرة:278] . وقال سبحانه بعد ذكر الربا: "والله لا يحب كل كفار أثيم" [البقرة:276] . أي: كفار باستحلال الربا, أثيم فاجر بأكل الربا.
الخامسة: الخلود في النار. قال تعالى: "ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" [البقرة:275] .(16/465)
ويجب على الانسان الصبر على ضيق الرزق حتى يجعل الله له مخرجا، فقد كان رسول لله صلى الله عليه وسلم يمضي عليه الشهران والثلاثة، لا يوقد في بيته نار، ولا يأكلون إلا التمر والماء، وأحيانا يربط على بطنه الحجر من الجوع صحيح البخاري (2567) ، وصحيح مسلم (2972) ، وجامع الترمذي (2371) . ولم يقترض بالربا، مع أن اليهود كانوا أصحاب مال ويتعاملون بالربا فلم يقترض منهم بالربا ولكنه صبر صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه حتى وسع الله عليهم الرزق.
فاقرئي أختي السائلة قوله تعالى "أليس الله بكاف عبده" [الزمر:36] . واعلمي أن الله سيكفيك ما أهمك إن أطعت أوامره واجتنت نواهيه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(16/466)
أكل المواشي المعلفة بالنجاسات!
المجيب د. عبد الله بن عمر السحيباني
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/05/1427هـ
السؤال
ثبت لنا باعتراف الجهات المسؤولة في كندا، أن الأعلاف التي تقدم إلى المواشي والدجاج تتضمن مخلفات مسالخ الخنازير، وربما تخلط بها لحوم الخنازير النافقة. فما حكم أكل لحوم هذه المواشي؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه المسألة من المسائل التي ابتلي بها عموم الناس في هذا الزمن سواء كانوا في المجتمعات الإسلامية أو غيرها، حيث يعمد القائمون على شركات الدواجن إلى إعلافها بالنجاسات المختلفة، من مخلفات إنتاج الدواجن - كالدجاج الميت، والدم المسفوح - أو مخلفات الخنزير ونحوها، حيث يسحقونها ويخلطونها، ويجعلونها في أكياس تضاف إلى غذاء الدجاج يومياً بنسب معينة، فهذه الدواجن تغذى بالنجاسة، وإن كانت النجاسة في غذائها ليست هي الغالبة، بل هي نسبة يسيرة قد لا تصل إلى (10%) في أغلب الأحيان، والذي يظهر والله أعلم أن حكم تناول تلك الحيوانات، وما نتج عنها من بيض، أو ألبان، ومشتقاتها، يختلف حكمه بحسب حجم النجاسة التي أكلتها تلك الحيوانات، وتأثيرها في لحمها، وما نتج عنها؛ فإذا ظهر تأثير تلك النجاسة في لحومها وما ينتج عنها، وذلك بأن ينتن اللحم ويتغيّر، أو يثبت ضرره على آكله، فهو حرام لا يجوز، ويصدق على هذه الحيوانات، ما ثبت في حديث النهي عن الجلاّلة، التي أكثر علفها النجاسة، فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: " نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكل الجلاّلة وألبانها" أخرجه أبو داود (3785) والترمذي (1824) وابن ماجة (3189) والحاكم (2248) والبيهقي في الكبرى (9/332) ، والحديث حسّنه الترمذي وصححه الألباني في الإرواء. ولأن أكل تلك الدواجن، وما ينتج عنها، ربما أضرّ بالبدن، وأدى إلى المرض أو الهلاك.
أما إذا أكلت تلك الحيوانات من الدواجن وغيرها النجاسات، ولم يظهر تأثير ما أكلته على لحمها وما ينتج منها، ولم يثبت ضررها على صحة الإنسان فالظاهر أن حكم أكلها وما نتج عنها هو الجواز؛ لأن تلك الحيوانات لا يصدق عليها وصف الجلاّلة المذكور في الحديث، لأن التغيّر والنتن لم يظهر في لحومها وما ينتج منها، وإن كان الأولى هو اجتناب تلك الحيوانات، والبحث عن أطعمة حيوانية لم تطعم النجاسات ما أمكن ذلك.
وإني في هذا المقام أوصي القائمين على شركات الدواجن بمحاولة تقليل نسبة النجاسات المعلفة للحيوانات إلى أقل حدٍ ممكن، أو محاولة إعادة تصنيع تلك النجاسات، بحيث تتحول من حكم النجاسة إلى الطهارة، وذلك بأن يتغير طعم النجاسة ولونها وريحها ولا يظهر لها أثر إطلاقاً. والله أعلم.(16/467)
تأخير الجمعة إلى وقت صلاة العصر
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/01/1427هـ
السؤال
هل يجوز تأخير صلاة الجمعة بحيث تقام بعد دخول وقت العصر؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيقول الحق في محكم التنزيل: "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا" [النساء: 103] ، وتأخير الصلاة إلى خروج وقتها من غير عذر كبيرة من كبائر الذنوب، بل يرى بعض العلماء أن من أخر الصلاة عن وقتها بدون عذر لم تصح منه، ولو صلاها ألف مرة، ويرى بعضهم أن من اتخذ من ذلك عادة فهو كافر خارج عن ملة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب لما شغله الكفار عن صلاة العصر حتى غابت الشمس: "ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا كما حبسونا وشغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس". رواه البخاري (4533) ، ومسلم (627) من حديث علي رضي الله عنه.
وعلى هذا نقول: لا يجوز بحال تأخير الجمعة إلى خروج وقتها، فإن خرج وقتها لا يصح أن تصلى جمعة بل تصلى ظهراً قضاءً؛ لأن آخر وقت الجمعة إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد فيء الزوال، وهذا التأخير من كبائر الذنوب التي يخشى على صاحبها "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين". صحيح مسلم (865) . والله تعالى أعلم.(16/468)
المراد بأهل الذمة
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/01/1427هـ
السؤال
ما المراد بأهل الذمة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأهل الذمة هم غير المسلمين -من اليهود والنصارى وغيرهم-، القاطنون في البلاد الداخلة تحت الحكم الإسلامي، الذين أبوا أن يعتنقوا الإسلام، وفي الوقت نفسه كفُّوا أيديهم عن قتال المسلمين، ورضوا أن يبذلوا الجزية، فاستحقوا بذلك ذمة المسلمين، أي عهدهم وأمانتهم بالكف عنهم، وحمايتهم، وتمكينهم من مزاولة شعائرهم، وطقوسهم الدينية، والاجتماعية، والتجارية، بما لا يتصادم والنظام العام للدولة الإسلامية.
وهذا التعبير يوحي بالدرجة الأولى بضرورة الوفاء بحقهم، وحفظ عهدهم، ولا يدل بلفظه على أي لون من ألوان التنابز بالألقاب، كما يدل مثلاً لفظ: (الموريسيكيون) أي: (العرب الأصاغر) ، الذي أطلقه النصارى على مسلمي الأندلس.
إن التعبير الإسلامي المحبذ هو (العدل) ، وليس (المساواة) ؛ فالعدل هو المساوة بين المتماثلات، والتفريق بين المختلفات. أما التسوية بين المختلفات فضرب من الظلم، وتلك قضية بدهية مجمع على العمل بها؛ كتقديم الأكفأ، وتفضيل الأولى في جميع المجتمعات.
ولم يقل أحد من علماء المسلمين أن المسلم وغير المسلم سواء، وإلا لانتقض بناء الدين كله بإلغاء الميزة العظمى، وهي الإيمان، بل العكس هو الصحيح؛ فالمؤمن من الناحية الاعتبارية في أحسن تقويم، والكافر في أسفل سافلين، والمجتمعات العَلمانية الحديثة تمارس هذا التمييز وفق معايير أقل أهمية من قضية الإيمان والكفر، وبالتالي فلم يقل الإسلام أبداً بالمساواة المطلقة بين المواطنين، وإنما قرر المساواة في الحكم بين الناس وأداء الحقوق إلى أهلها، مهما كان جنس مستحقها، ودينه.
وأما قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أهل الكتاب: "وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه". صحيح مسلم (2167) ، فليس معناه أن تزحموهم إلى جانب الحائط، فتؤذوهم، كما قد يفهم بعض الناس، بل المقصود أن تكون أفضلية العبور، والتقدم للمسلم.
وغير خافٍ أن المجتمعات الغربية الحديثة -ناهيك عن السالفة- تعج بألوان من صور التمييز، على المستويين: الرسمي، والشعبي، حتى وإن بدت القوانين تمنع ذلك.
وقد أسفرت الممارسات التعسفية في الولايات المتحدة -وبعض الدول الأوروبية- ضد مسلمين أبرياء عن صورة بشعة من صور الظلم والتمييز، والأخذ بالظنة، بينما يعيش أجيال من النصارى بين ظهراني المسلمين لعدة قرون، آمنين، مطمئنين، لا يتعرضون لأدنى أذى، مما يمثل شاهداً على العدالة الإسلامية، الرسمية، والشعبية، تجاه أهل ذمتهم.(16/469)
العمل في مكان مختلط
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/03/1427هـ
السؤال
أعمل بوظيفة محترمة، ولكن في مكان غير محترم؛ حيث فيه فساد أخلاقي واختلاط، وأرى كل يوم أشياء محرمة، فهل يجب علي أن أترك هذا المكان أو أبقى مع الابتعاد تماماً عن زملاء السوء،؟ علماً أن فرص العمل الآن قليلة جداً، أرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد ذكرتِ أختنا الكريمة -حفظك الله- أنكِ تعملين في مكان غير محترم ويكثر فيه الاختلاط وما ذكرتهِ -إن كنت لا تستطيعين تجنب الاختلاط، وتغيير المكان لمكان محترم- فإنه يستدعي تركك للعمل، والبحث عن عمل آخر محترم لا اختلاط فيه، فعن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة". رواه البخاري (1995) ، ومسلم (2628) .
قال العلامة ابن عثمين -رحمه الله تعالى-: "الذي أراه أنه لا يجوز الاختلاط بين الرجال والنساء بعمل حكومي، أو بعمل في قطاع خاص، أو في مدارس حكومية أو أهلية، فإن الاختلاط تحصل فيه مفاسد كثيرة ولو لم يكن فيه إلا زوال حياء المرأة وزوال الهيبة عن الرجال، لأنه إذا اختلط الرجال والنساء أصبح لا هيبة عند الرجال، وهذا أعني -الاختلاط بين الرجال والنساء- خلاف ما تقتضيه الشريعة الإسلامية، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح. ألم تعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم-جعل للنساء مكاناً خاصاً إذا خرجن إلى مصلى العيد، لا يختلطن بالرجال، كما في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين خطب في الرجال نزل وذهب للنساء فوعظهن وذكَّرهن، وهذا يدل على أنهن لا يسمعن خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- أو إن سمعن لم يستوعبن ما سمعن من الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم ألم تعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها"، وما ذلك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال، فكان شر الصفوف، ولبعد آخر صفوف النساء من الرجال فكان خير الصفوف، وإذا كان هذا في العبادة المشتركة فما بالك بغير العبادة، ومعلوم أن الإنسان في حال العبادة أبعد ما يكون عما يتعلق بالغريزة الجنسية، فكيف إذا كان الاختلاط بغير عبادة، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، فلا يبعد أن تحصل فتنة وشر كبير في هذا الاختلاط.(16/470)
والذي أدعو إليه إخواننا أن يبتعدوا عن الاختلاط، وأن يعلموا أنه من أضر ما يكون على الرجال، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" فنحن والحمد لله -نحن المسلمين- لنا ميزة خاصة يجب أن نتميز بها عن غيرنا، ويجب أن نحمد الله -سبحانه وتعالى- أن منَّ علينا بها، ويجب أن نعلم أننا متبعون لشرع الله الحكيم الذي يعلم ما يصلح العباد والبلاد، ويجب أن نعلم أن من نفروا عن صراط الله -عز وجل- وعن شريعة الله فإنهم في ضلال، وأمرهم صائر إلى الفساد، ولهذا نسمع أن الأمم التي يختلط نساؤها برجالها أنهم الآن يحاولون بقدر الإمكان أن يتخلصوا من هذا، ولكن أنى لهم التناوش من مكان بعيد. نسأل الله أن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وشر وفتنة". ا. هـ والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/471)
إنفاذ جيش أسامة ودلالته على خلافة علي
المجيب د. أحمد بن محمد البناني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/04/1427هـ
السؤال
يرى البعض أن جيش أسامة تأخر عن الخروج، أو أنه خرج، ولكنه رجع لما عرف بمرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- فما الصحيح في ذلك؟ وخاصة أن بعض ضعاف النفوس يدعون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنفذ جيش أسامة ومعه كبار الصحابة كأبي بكر وعمر -رضي الله عنهم- وأبقى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ليوليه الخلافة من بعده؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:(16/472)
فإن استغلال التاريخ الإسلامي وحوادثه في الترويج لأفكار الفرق الضالة الحاقدة على الإسلام والمسلمين بعد أن شاهدوا انتصارات الجيوش الإسلامية على أضعاف أعدادهم من جيوش الفرس والروم على قلة ما كان معهم من عدة وسلاح، وما ذلك إلا بنصر الله لهم وتمكينه لههم في الأرض، لأنهم قاموا بما أوجب الله عليهم من حقوقه جل وعلا، وعلى رأسها المحافظة على التوحيد ونبذ الشرك، ومنه دعاء غير الله، والذبح والنذر لغيره من الأولياء والصالحين من آل البيت وغيرهم، فحقق الله لهم ما وعدهم به في قوله تعالى: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" [النور:55] . وهكذا تمكنوا من إزالة السلاطين الظلمة الذين كانوا يمنعون الناس من عبادة الله وحده، ونبذ الأصنام والأوثان، فلم يرق للحاقدين ما حصل من نصر للمسلمين ودينهم القويم، فرأوا أن يشككوا في وحدة كلمتهم منذ البداية، وزعموا أنهم عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصية مزعومة لا أصل لها في الواقع، وهل يعقل أن أولئك الأبرار الذين أيدهم الله تعالى بتلك الفتوحات العظيمة كانوا سيعصون رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أنه أوصى لواحد منهم بالخلافة من بعده كائنا من كان، وهم الذين بذلوا أموالهم وأرواحهم فداءاً لدينه، وطاعة لنبيه صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليهم رب العزة والجلال في قرآن يتلى إلى قيام الساعة، قال تعالى: "لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" [الحشر:8-10] . فهل يكذب القرآن؟! ويصدق هؤلاء الحاقدون فيما زعمو من أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أوصى لعلي، وأن هؤلاء الذين وصفهم الله بالصادقين، رجعوا إلى الكذب، وأنكروا الوصية، ومنهم المبشرون بالجنة وهم أحياء، ولولا علم الله تعالى بأنهم سيموتون على الإسلام لما بشرهم بها (ومن أصدق من الله حديثاً) [النساء:87] ؟(16/473)
أما مسألة خروج جيش أسامة أو عدم خروجه قبل وفاته -صلى الله عليه وسلم- فلا تعني لهؤلاء شيئاً، فلم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليخفي أمرا يزعمون أن الله كلفه بإبلاغه لعلي، عن أبي بكر وعمر -رضي الله عنهم- بل العقل والمنطق يستدعيان أن يعلنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم في حضورهما، حتى لا ينازعا عليا بعد موته، إن كان يريد ذلك، ولأن الناس كلهم كانوا يعرفون فضل الشيخين ولا ينصاعون لأحدهما وإنما ينصاعون لهما معا وهذا ما حصل بالفعل عندما اجتمعوا مع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وتشاوروا فيمن يُخَلَّف على المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرشح عمر أبا بكر -رضي الله عنهما- لسابقته في الإسلام ومواقفه العظيمة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، التي يعرفها القاصي والداني، فوافق الجميع على ذلك، وبايعوا أبا بكر، فلما رجعوا إلى المسجد بايعه كافة الناس ومنهم علي وأبناؤه -رضي الله تعالى عنهم جميعاً، وامتدت الفتوحات العظيمة في عهدهما حتى أطفأت نار المجوس، وحولت ديارهم إلى الإسلام دون إكراه أو تعنت، فحقد من حقد منهم على المسلمين، وظهروا في صورة شيعة لأهل البيت! وقلوبهم تتمزق غيظا على الإسلام وأهله، فلم يجدوا وسيلة يشقون بها عصا المسلمين إلا انتحال التشيع لأهل البيت، وهم منهم براء.
هذا ما عندي من جواب لهذا السؤال، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(16/474)
اتباع ابن عمر فيما خالف فيه جمهور الصحابة!
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/05/1427هـ
السؤال
ثبت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أفعال خالف فيها الصحابة، فما الموقف فيها، مثل زيارته لقبر النبي وسلامه عليه كلما قدم المدينة من السفر، وقال ابن تيمية: ولم يكن جمهور الصحابة يفعلون كما فعل ابن عمر، بل كان الخلفاء وغيرهم يسافرون للحج وغيره، ويرجعون ولا يفعلون ذلك (أي لا يسلمون على النبي -صلى الله عليه وسلم- في قبره) ، إذ لم يكن هذا عندهم سنة سنها لهم. وكذلك أزواجه كن على عهد الخلفاء وبعدهم يسافرون إلى الحج، ثم ترجع كل واحدة إلى بيتها.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فابن عمر رضي الله عنهما، من أعظم الناس اتباعا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن أشدهم تمسكاً بالسنة، وهذا مشهور عند أهل العلم، مستفيض في كتبهم، وله أمثلة كثيرة من أفعاله وأقواله رضي الله عنه. بيد أنه اجتهد في مسائل خالفه فيها الصحابة -رضي الله عنهم-، ومن ذلك تتبعه لآثار النبي -صلى الله عليه وسلم-. فقد كان -رضي الله عنه- يتقصد ذلك، لكن الصحابة-رضي الله عنهم- لم يوافقوه على ذلك، بل إن والده عمر -رضي الله عنه- (وهو أعلم منه) لما رأى الناس في سفر يتبادرون إلى مكان، سأل عن ذلك، فقالوا: قد صلى فيه، النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: من عرضت له الصلاة فليصل، وإلا فليمض ... مصنف ابن أبي شيبة (2/270) قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله - في تعليقه على فتح البارى: (والحق أن عمر رضي الله عنه، أراد بالنهي عن تتبع آثار الأنبياء سد الذريعة إلى الشرك، وهو أعلم بهذا الشأن من ابنه رضي الله عنهما، وقد أخذ الجمهور بما رآه عمر ... ) .
وأما زيارة قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهي على أقسام:
أولاً: السفر إلى مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- للصلاة فيه، ثم زيارة القبر (بمعنى أن الزيارة تابعة، وليست هي أصل القصد) . فهذه هي الزيارة السنية الشرعية، وهي التي حكى الإجماع عليها القاضي عياض، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهما.
ثانياً: السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين والأماكن المقدسة غير المساجد الثلاثة. فهذا السفر انعقد الإجماع بين الصحابة، والتابعين، وأئمة الدين المعتبرين على منعه؛ امتثالاً لنهي النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... " صحيح البخاري (1189) ، وصحيح مسلم (1397) . ولهذا ذهب أهل العلم إلى أن إنشاء السفر بقصد زيارة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيه مخالفة لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث.
ثالثاً: زيارة أهل المدينة المقيمين بها للقبر كل يوم، أو بعد كل فريضة، أو في كل جمعة. هذا هو الذي أنكره مالك -رحمه الله-، وقال إنه لم يبلغه عن سلف هذه الأمة، يعني الصحابة. وبه يقول أهل السنة قاطبة، إلا أنهم يستثنون من قدم من سفر، كما ورد عن عبد الله ابن عمر -رضي الله عنهما-.(16/475)
رابعاً: الزيارة الشركية التي يقصد منها دعاء المقبور. أو البدعية كتقصد دعاء الله عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، فهذه لم يقل بها أحد من أهل العلم المعتبر بقولهم. والله أعلم.(16/476)
السترة في الصلاة
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/01/1427هـ
السؤال
هل هناك دليل على جواز صلاة الفرد في المسجد بدون سترة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالسترة مستحبة على قول جمهور أهل العلم -رحمهم الله- وذهب بعضهم إلى وجوبها، وهو رواية عن الإمام أحمد -رحمه الله- ورأي ابن خزيمة والشوكاني.
والذي يظهر -والله أعلم- عدم وجوبها، والأدلة على هذا كثيرة، منها حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى إلى غير جدار. صحيح البخاري (76) ، وصحيح مسلم (504) .
ويؤخذ من هذا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى إلى غير سترة.
وكذلك حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس ... ". صحيح البخاري (509) ، وصحيح مسلم (505) .
فقوله: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس" يفهم منه أنه قد لا يصلي إلى شيء يستره من الناس.
وأيضاً مما يدل على عدم الوجوب أن السترة بالنسبة لحدها وردت بالاستتار بالبعير وبالسهم وبالخط، كما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- صحيح البخاري (430، 498) ، وصحيح مسلم (501، 502) ، وسنن أبي داود (689) . وورد أيضاً عن بعض الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- الاستتار بما يجمعه من حصى ونحو ذلك، مما يدل على أنها ليست واجبة.
وعلى هذا: فكل من صلى منفرداً بدون سترة فإن صلاته صحيحة حتى على القول بأنها واجبة؛ لأن السترة على قولهم واجبة للصلاة وليست واجبة في الصلاة، والفرق بين الواجب في الصلاة والواجب للصلاة أن الواجب في الصلاة تركه يبطل الصلاة، وأما الواجب للصلاة فتركه عمداً لا يبطل. والله أعلم.(16/477)
معنى قاعدة (كلّ ما جاز وقوع العقد عليه مبهمًا ... )
المجيب وليد بن علي الحسين
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/03/1427هـ
السؤال
ما معنى قاعدة: (كل ما جاز وقوع العقد عليه مبهما جاز وقوع الحق عليه مبهما) ؟ مع ذكر بعض الأمثله على ذلك؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فمعنى قاعدة "ما يصح وقوع العقد عليه مبهماً يصح وقوع الحق عليه مبهماً" أن العقود التي يجوز أن تقع مبهمة يجوز أن يكون الحق فيها مبهماً غير محدد، وهي تختص بعقود المعاوضات غير المالية، وعقود التبرعات؛ لكونها مبنية على المسامحة والتيسير، مثل الوصية، وعوض الخلع، والهبة، والنكاح، ومن أمثلتها ما يأتي:
1- لو قال: أوصيت بجزء من مالي، صحت الوصية مع كون العقد مجهولاً، ويجب ما يصدق عليه لفظ الجزء من المال، وكذا لو أوصى بدراهم.
2- لو تزوج امرأة وأصدقها بيتاً من بيوته، فإن العقد صحيح، ويجب عليه ما يصدق عليه اسم البيت.
3- لو وهب شخصاً ما تثمره نخلته هذا العام صحت الهبة.
4- لو خالع زوجته على دراهم فإن الخلع يصح، وله أقل ما يقع عليه اسم الدراهم حقيقة، وهو ثلاثة دراهم.
وهذه الفروع محل اختلاف بين الفقهاء، وقد فصَّل العلامة ابن رجب -رحمه الله- في العقود التي تصح مبهمة والتي لا تصح، في كتابه الشهير بالقواعد، في القاعدة الخامسة بعد المائة، وانظر كتاب " الغرر وأثره في العقود " للدكتور الصديق الضرير، فقد فصَّل فيها أيضاً، والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/478)
دخول الكافر للمسجد
المجيب أ. د. صلاح بن محمود العادلي
أستاذ في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الأزهر
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/01/1427هـ
السؤال
تقيم عندنا في بلدنا امرأة أجنبية غير مسلمة، تحدثت معها عن الإسلام، وتريد أن تذهب إلى المسجد لتتقرب من الإسلام. فهل يجوز لها دخول المسجد؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فدخول هذه المرأة المسجد، وترددها عليه لسماع العلم وفهم الإسلام والتعرف عليه، لا بأس به على ما أفتى به العلماء.
قال العلامة ابن باز -يرحمه الله-: "لا حرج في دخول الكافر المسجد إذا كان لغرض شرعي وأمر مباح؛ كأن يسمع الموعظة أو يشرب من الماء، أو نحو ذلك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنزل بعض الوفود الكافرة في مسجده صلى الله عليه وسلم؛ ليشاهدوا المصلين، ويسمعوا قراءته -صلى الله عليه وسلم- وخطبه، وليدعوهم إلى الله من قريب، ولأنه صلى الله عليه وسلم ربط ثمامة بن أثال الحنفي في المسجد لما أُتي به إليه أسيراً، فهداه الله وأسلم". انتهى.
والله أعلم.(16/479)
تصنيف الأسهم السعودية لعام 1427هـ
المجيب د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/03/1427هـ
السؤال
ما هي الأسهم التي يجوز لي الاستثمار والمضاربة فيها من الأسهم المحلية؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه دراسة شرعية للشركات السعودية المساهمة تم استخلاصها من قوائمها المالية المدققة، ومن خلال الاتصال المباشر بمسئولي هذه الشركات، وقد شارك في هذا المشروع مجموعة من الباحثين والخبراء. أسأل الله أن يثيبهم ويشكر لهم جهدهم.
وقد نتج عن التواصل مع الشركات ومتابعتها أن شرع كثير منها ولله الحمد إلى التخلص من كثيرٍ من المعاملات المحرمة، وهي في طريقها إلى الزوال إن شاء الله.
وبالنظر إلى القوائم المالية المدققة الأخيرة لهذه الشركات فيمكن تقسيم أسهمها إلى ثلاثة أقسام:
أولاً- أسهم شركات نشاطها مباح ولم يظهر في قوائمها المالية الأخيرة أي قروض أو استثمارات محرمة أو مشبوهة. فهذه الأسهم يجوز الاستثمار والمضاربة فيها ولا يجب تطهير شيءٍ من أرباحها.
ثانياً- أسهم شركات نشاطها مباح إلا أنه يلزم فيها التطهير: وهي على نوعين:
أ - أسهم شركات لم يظهر في قوائمها المالية قروض أو ودائع ربوية، ولكن نظراً للطفرة الكبيرة التي شهدها سوق الأسهم هذا العام والعام الماضي، فقد أنشأت هذه الشركات محافظ استثمارية تشتمل على شركات تقترض وتودع بالربا. وقد ميزت هذه الشركات عن الشركات من القسم الأول لأمرين:
الأول: أن المساهم يلزمه أن يطهر المبلغ الناتج من هذا الاستثمار. فسواء سميت نقية أو مختلطة فإنه يجب عليه التطهير سواء وزعت الشركة أرباحاً أم لم توزع. فحتى لا يلتبس الأمر على كثيرٍ من الناس فيظن أنه لا يجب عليه تطهير شيءٍ من الأرباح فقد تحاشيت تسميتها بالنقية.
والثاني: أن بعض هذه الشركات تزيد الاستثمارات المختلطة فيها على نصف موجوداتها بل إن بعضها تزيد على الثلثين، فهي أشبه بالصندوق الاستثماري منه بالشركة المساهمة.
ب - أسهم شركات أنشطتها في أغراض مباحة، لكن قوائمها المالية لآخر فترة لا تخلو من معاملات محرمة لا تعد من نشاطها وإنما هي طارئة عليه، كالاقتراض والإيداع بالفائدة.
وقد اختلف العلماء المعاصرون في الأسهم المختلطة، فذهب مجمع الفقه التابع للرابطة إلى تحريمها، وهو رأي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-. وذهب بعض العلماء إلى جوازها، ومن هؤلاء أصحاب الفضيلة ابن عثيمين وابن بسام رحمهما الله وسماحة المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وأصحاب الفضيلة ابن منيع وابن جبرين والمطلق. وهو رأي معظم الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية.
والأقرب - والله أعلم- أن الشركة إذا كانت لا تعتمد في نشاطها على تلك المعاملات المحرمة فإن ذلك لا يقتضي حرمة السهم كله، بل يتخلص من الجزء المحرم منه ويبقى ما عداه مباحاً، ومن تورع عنها فهو الأفضل؛ خروجاً من الخلاف، واتقاءً للشبهة.(16/480)
والتطهير في الأسهم المختلطة إنما يجب في الأرباح التي تتحقق من نشاط الشركة، فمن كان يملك السهم وقت انعقاد الجمعية العمومية للشركة، أي وقت استحقاق أرباحها فيجب عليه أن يخرج المبلغ المذكور في الجدول، وصرفه في أوجه البر كالجمعيات الخيرية وغيرها بنية التخلص منها. أما الأرباح الناتجة من بيع الأسهم - (أي أرباح المضاربة) - فلا يجب إخراج شيءٍ منها؛ لأنها أرباح لم تكتسب من نشاط الشركة.
ثالثاً- وما عدا الأسهم المذكورة في الجدول، فإنه لا تجوز المضاربة ولا الاستثمار فيها، لاشتمالها على قروضٍ أو استثماراتٍ محرمة تعد كثيرة بالنظر إلى أنشطتها، فالأسهم في ذاتها أصبحت عروضاً محرمة؛ لغلبة الحرام فيها.
وفيما يلي جدول يبين ترتيب الشركات السعودية حسب نقائها وموافقتها للضوابط الشرعية، ومبلغ التطهير الواجب في كل سهم (بعد التجزئة واسهم المنحة) لعام 1427هـ، وهذا المبلغ يدفع مرة واحدة في العام. والغرض من وضع هذا الجدول هو حث الشركات المساهمة على التسابق لتحقيق المراكز الأولى في هذا التصنيف، وسوف يتم تحديث هذا الجدول بمشيئة الله دورياً كلما جدت معلومات تخص الشركات. والله أعلم.
_____________
(*) هناك جدول لمن أتمكن من إدخاله بشكل صحيح ومن أراده فعليه الرجوع إلى الموقع.
أخوكم أسامة(16/481)
أيهما أفضل الشهادة أم الدعوة؟
المجيب د. سليمان بن قاسم العيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/03/1427هـ
السؤال
أيهما أفضل الشهيد أم الداعي إلى الله؟ والله -تعالى- يقول: "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين"؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأسأل الله -سبحانه وتعالى- لنا ولك التوفيق والسداد، وسؤالك يدل على حرصك على الأعمال الفاضلة، فاعلم أخي السائل أن الشهادة في سبيل الله والدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- من أفضل الأعمال، ولكل منهما الأجر الجزيل الثابت في الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد يموت له عند الله خير يسره أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا وما فيها إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى" رواه البخاري (2795) ، ومسلم (1877) .
وقوله في فضل الدعوة: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً" رواه مسلم (2674) .
ولا تعارض بين الحالين، فإن الذي يطلب الشهادة لا يمنعه ذلك من أن يكون داعياً إلى الله حتى في ساحة المعركة، من دعوة الكفار إلى الدخول في الدين، أو دعوة المسلمين إلى الثبات عليه، أو الدعوة إلى الصبر في الجهاد أو نحو ذلك من أبواب الدعوة الواسعة، أسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.(16/482)
الهجرة إلى بلاد الكفار
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 30/05/1427هـ
السؤال
ما حكم الهجرة السرية من الجزائر إلى أوروبا؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن تعميم الحديث عن أحكام الهجرة إلى بلاد الكفر والإقامة فيها من أشكل المسائل اليوم؛ وذلك لكثرة تفاصيلها وتنوع حالاتها، واختلاف أعذار الناس الذين يرغبون في الهجرة إليها، ولكن هناك قواعد عامة إذا راعاها الفرد ربما يستطيع الاهتداء بها:
أولا: إن القاعدة العامة هي عدم جواز الإقامة في بلاد الكفر، وبين ظهراني المشركين، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين". رواه أبو داود (2645) ، والترمذي (1604) .
ثانيا: إن من اضطر إلى الإقامة في تلك الديار، فللضرورة أحكام، والضرورة تقدر بقدرها.
ثالثا: أن على المقيم في تلك الديار ألا يكف عن البحث عن موقع في بلاد الإسلام يهاجر إليه.
رابعا: إن من غلب على ظنه أنه لا يقدر على وقاية نفسه وأهله في تلك الديار، فقد وجبت في حقه الهجرة.
خامسا: إن من الأسباب المبيحة للإقامة في بلاد الكفر: الخروج لأجل تحصيل علم، أو ممارسة دعوة، أو الخوف على النفس والمال من ظالم وهو يجد الأمان في بلاد الكفر ...
وعلى كل راغب من غير من سبق أن يستفتي فتوى خاصة ممن يثق بدينه وعلمه.
ولا فرق عندي بين الهجرة السرية والعلنية في الحكم، وإن كانت الهجرة السرية فيها تعريض النفس للإهانة والصَّغار فيما لو قبض على الشخص. والله أعلم.(16/483)
الكذب على المريض في التشخيص!
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/04/1427هـ
السؤال
أنا طبيب لا أحب الكذب، صادفني موقف مع مريضة وأبنائها، اكتشفنا إصابتها بالسرطان فأخبرت أبناءها ولم أخبرها، لأن أبناءها طلبوا مني أن أخبرها بتشخيص آخر!
هل هناك رخصة في الكذب على المريض في مثل هذه الحالات؟ مع علمي أن هناك رخصة في الكذب إذا تُيقن تأثير المصارحة على حياة المريض! وماذا عن تأثير المصارحة في تأخير شفاء المريض نتيجة تضرره النفسي من المكاشفة بحقيقة المرض؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الإنسان المريض في وضع يعتبر فيه ضعيف الشخصية، ويتأثر بما يحيط به، وإذا عرف عن هذا المريض أنه لا يتحمل أن يفاجأ بمثل هذا المرض وأنه يتضرر إذا علم أنه مصاب بهذا المرض فإنه لا يخبر به؛ لأن المقصود هو مصلحته، وكونه يعرف أن مرضه هو هذا أو ذاك لا يفيد كثيرا، بينما إذا أخبر بمرض آخر أخف منه ترتفع معنوياته ويكون عنده شعور بالراحة، وتقبل للدواء أكثر، فلا يخبر بهذا المرض لمصلحته.
أما إذا كان الإنسان قوي الشخصية وعنده إيمان ويقين وقدرة على التعامل مع هذا المرض بالصبر والاحتساب واللجوء إلى الله تعالى، فإنه يخبر بهذا المرض ويبين له؛ لأنه قد يكون أنفع له لترتيب أموره مع أهله وأقاربه وحسن لجوءه إلى الله ودعائه وتضرعه إليه. فالأمر يعود إلى حال ذلك الإنسان المريض، فالذي يتضرر إذا علم بهذا المرض لا يخبر به، والذي يزيده إيماناً، وقوة، وصبراً، واحتساباً، يخبر به. وبالله التوفيق.(16/484)
بيع التقسيط دون قبض السلعة
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/05/1427هـ
السؤال
أنا تاجر لدي متجر لبيع الأجهزة الكهربية، وأقوم بالتعامل مع بعض البنوك الإسلامية لبيع الأجهزة بالتقسيط، عن طريق ما يسمى بالمرابحة الإسلامية، وأود أن أستفتي في حل تلك الصورة من التعامل التي سأذكرها وهي:
يأتيني مريد الشراء، فأقوم بعرض أمرين عليه، إما أن يشتري نقداً بثلاثة آلاف، أو بالتقسيط عن طريق البنك بسعر ثلاثة آلاف وستمائة، فيختار المعاملة بالتقسيط، فيأتي مندوب البنك فيقابل مريد الشراء، ثم يشتري مني السلعة نقدا بشيك محول على بنكه، ثم يقوم ببيع السلعة إلى العميل بالتقسيط في نفس المجلس، ويسلمها للعميل من داخل متجري، دون أن ينقل المبيع من المتجر.
والسؤال: هل يعتبر تسلم مندوب البنك للسلعة داخل متجري، ثم بيعها وتسليمها للعميل دون أن تتحرك من مكانها قبضا شرعيا للسلعة يحق له بموجبها التصرف فيها بتلك الصورة التي بينتها؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالبيع بالتقسيط معناه أن الإنسان يبيع الشيء بثمن مؤجل يحل على فترات، والأصل في هذا الجواز، لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ" [البقرة: 282] ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز السَّلمَ، وهو شراء التقسيط (تقسيط المبيع) ، لكن التقسيط الذي ذكرته عن طريق البنك هو من الحيل؛ لأن كل قرض جرَّ نفعاً فهو ربا، والبنك لم يبع السلعة وهي عنده، ولم يخير البائع بين البيع نقداً أو تقسيطاً، وإنما كان وسيطاً بينك وبين المشتري للسلعة، فلما أراد المشتري أخذ السلعة بالتقسيط، قام البنك بدفع قيمة السلعة نقداً، ثم قسطها عليه، على الرغم من أن البنك لم يستلم السلعة، وهذا محل شبهة، وهو من الحيل الممنوعة وقد جاء في الحديث: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل" رواه ابن بطة في إبطال الحيل، وخرجه الألباني في الإرواء برقم (1535) .
وعليه نقول: إن هذه المعاملة محل نظر، وإذا أراد هذا البائع أن تكون سليمة صحيحة، فعليه أن يعرض سلعته على المشتري نقداً وتقسيطاً، فيختار المشتري حسب ما يراه، فإذا أرادها نقداً دفع قيمتها النقدية وأخذها، وإذا أرادها تقسيطاً اتفق مع البائع على الثمن المؤجل والأقساط الشهرية، ويأخذ سلعته ويسدد الأقساط، وهذه الصورة لا بأس بها، وهي مباحة كما ذكرناه في بداية الكلام.
وفقك الله لطيب مطعمك وجنبك الحرام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/485)
التبرع بالدم والأعضاء
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/05/1427هـ
السؤال
ما حكم التبرع بالدم والأعضاء للمسلمين ولغير المسلمين؟
وما حكم بيع كل من حليب الثدي والدم والأعضاء؟ وإذا كان ذلك غير جائز، فما هي عقوبة فاعله؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا السؤال قد اشتمل على مسائل كبيرة شائكة، وهي من المسائل المعاصرة، أو ما يطلق عليه البعض (النازلة) ، وقد بحثته مجامع فقهية ومؤتمرات، وصدرت في بعض المسائل فيه قرارات، وقد تأملت مسائله فوجدتها مشتملة على صور كثيرة، وليست صورة واحدة، أو اثنتين، أو ثلاث، ووجدت العلماء والباحثين المعاصرين قد اختلفوا في أكثرها، ولذا فقد رأيت الإشارة إلى هذه الصور -حسب اجتهادي- وما فيها من اتفاق، أو شبيه اتفاق، دون التفصيل في حكم جميعها.
فأصل السؤال فيه ثلاث مسائل رئيسة، إحداها تتعلق بالأعضاء الإنسانية، والثانية بالدم، والثالثة بالحليب.
ثم في كل مسألة حكم التبرع وحكم البيع.
ثم إذا نظرنا إلى نقل الأعضاء فنحن أمام الحكم في أصل نقلها، وهو ينقسم إلى نقل الأعضاء التي تتوقف عليها حياة المنقول منه كالقلب، وإلى نقل الأعضاء التي لا تتوقف عليها الحياة كنقل كلية من الكليتين السليمتين.
ثم هذا النقل قد يكون في حال الضرورة، وقد يكون في حال الحاجة وليست الضرورة.
ثم النقل قد يكون من ميت إلى حي، وقد يكون من حي إلى حي.
ثم النقل أيضاً قد يكون في كل صورة من مسلم إلى مسلم، ومن كافر إلى مسلم، ومن مسلم إلى كافر.
ثم النظر في ذلك كله من حيث أصل النقل كما تقدم، ثم من حيث حكم تبرع الشخص نفسه في حال حياته أو الوصية بذلك في حال موته، أو تبرع ورثته بذلك في حال الموت، ثم من حيث بيع الشخص نفسه شيئاً من أعضائه حال حياته، أو بيعاً معلقاً بموته، أو بيع ورثته ذلك.
ثم هناك نظر أيضاً في حال المحكوم عليه بالقتل وما يمكن أن يشمله من صور متقدمة.
هذا ما يتعلق بمسائل الأعضاء.
وأما الدم فله صورة تشبه في بعضها ما تقدم، وإن كانت أقل من ذلك إذ تتعلق بحكم أصل النقل هل هو جائز، أو لا؟ (لشبهة نجاسة الدم) .
ثم هذا النقل قد يكون في حال الضرورة أو الحاجة.
ثم النقل قد يكون من مسلم إلى مسلم، ومن كافر إلى مسلم ومن مسلم، إلى كافر.
ثم على القول بجواز النقل يأتي التفصيل في حكم التبرع على ما تقدم، ثم حكم البيع كذلك.
أما مسألة حليب الأم ففيها شيء من الصور المتقدمة، فهناك التبرع، وهناك البيع، ثم كل منهما قد يكون لمعين وقد يكون عامًّا (بحيث لا يعلم المستفيد من الحليب) ، ثم كل منهما قد يكون من مسلمة لمسلم، أو من كافرة لمسلم، أو مسلمة لكافر.
ثم على القول بالمنع وعدم الجواز في أي صورة من الصور المتقدمة، فما عقوبة من فعل ذلك؟
فإذاً نحن أمام صور كثيرة جدَّا من هذه المسائل وليست كلها ذات حكم واحد لا اختلاف فيه بين المعاصرين، بل قل منها ما فيها اتفاق.(16/486)
ولذا فإني أنصح السائل أن يرجع إلى كتاب (المسائل الطبية المستجدة في ضوء الشريعة الإسلامية) للدكتور محمد النتشة، فإن فيه جمعاً جيداً لأقوال المعاصرين، ومن خلاله يمكن الوقوف على قرارات المجامع الفقهية في هذه المسائل والبحوث فيها.
وأما رأي العبد الفقير فإنني أنبه أولاً إلى ما يلي:
1. لابد في هذه المسائل من استيعاب جميع الصور التي تندرج تحتها، وبيان حكم كل منها على حدة؛ لأن الخلط بينها يورث اللبس وتداخل الأدلة.
2. يجب تحرير الموقف الطبي تحريراً بالغاً، بمعنى أن يقال: هل الطب وصل إلى حد اليقين أو شبه اليقين من جدوى عمليات النقل في الصور المتقدمة؟
لا سيما نقل الأعضاء، والتأكد من عدم وجود مضاعفات فيها؛ لأني أخشى في مثل هذه المسائل أن يجتهد الفقهاء في بحثها ويصلوا أو يصل بعضهم إلى الجواز فيها، ثم لا نلبث أن نرى الطب قد تراجع عما توصل إليه وشكك في نجاح ما كان يرى نجاحه، فهذا موقف لا نحمد عليه.
إذ إن بحث هذه المسائل فرع عن تحقق الجدوى الصحية منها، أو على أقل الأحوال غلبة الظن فيها، أو أن أكثر أهل الطب على ذلك.
هذا فضلاً عن تحقق الإمكانية أصلاً كما في مسألة الاستنساخ التي كان ينبغي ألا تبحث من الناحية الفقهية حتى تثبت إمكانية وقوعها، إلا أن يكون بحثها من حيث جواز إجراء التجارب فيها من عدمه.
أما هذه المسائل التي وردت في السؤال وأشرت إلى صورها، فالذي يظهر لي فيها ما يلي:
1. تبرع المسلم الحي بشيء من أعضائه، أميل فيه إلى المنع؛ لأن التصرف في جسم الإنسان ليس إليه، لا سيما وأن التبرع بالعضو سيؤثر على صحته، إن حالاً أو مآلاً، وذلك يمنعه من بعض العبادات أو كمالها.
2. تبرع المسلم بشيء من أعضائه بعد موته، أي: وصيته بذلك يجرى عليه ما تقدم من كون الإنسان لا يملك جسمه فلا يملك التصرف فيه، وحتى على القول بأن حرمة الجسد حال الموت أقل منها حال الحياة، فإن تصور هذا التبرع –في نظري– سيكون في نطاق ضيق جدًّا ذلك أن من أجازه قيده بحال الضرورة في المتبرَع له، وهذه الحال كيف يمكن للمسلم التحقق منها بعد موته؟!
إلا أن يعلم بمضطر بجانبه وهو في حال الاحتضار فيتبرع في هذه الحال بكليته مثلاً لهذا الشخص.
وأما مجرد الاعتماد على أن العضو لن يصرف إلا لمضطر، فهذا وإن كان في الواقع صحيحاً، فإن الشخص مطالب بالوقوف على الأمر بنفسه، لا سيما وأن مثل هذا التبرع قد يستغل في التسرع في نزع العضو منه قبل موته الحقيقي، وذلك في حال موت الدماغ، وقد منع كثير من المجيزين للتبرع أن يكون ذلك في هذه الحال، كما أن كثيراً من المعاصرين على عدم اعتبار موت الدماغ موتاً تعلق به الأحكام الشرعية.
ومما يضيق تصور التبرع بالعضو بعد الموت، أنه لا يستفاد من نقل عضو من الميت لا سيما الضروريات كالكلية، إلا إن كان النقل في حال موت الدماغ، أما بعد ذلك فلا فائدة كما ذكر ذلك أهل الطب.
3. المعاوضة (بالبيع ونحوه) على شيء مما ورد في السؤال لا تجوز بحال، وهذا يشمل المعاوضة في الأعضاء، وفي الدم، في حال الحياة وحال الممات.(16/487)
وهذا قول أكثر المعاصرين حتى من أجاز التبرع مطلقاً، وذلك لخطورة تحويل جسم الإنسان للمزايدة عليه، ولأن ذلك سيحمل البعض ممن بلغ به الفقر مبلغه أن يتصرف في جسمه بما يضره، ولربما تعدى ذلك إلى تصرفه بأولاده، فإذا كان الله -تعالى- قد قال: "وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِنْ إِمْلاقٍ" [الأنعام: 151] ، وفي الآية الأخرى "خَشْيَةَ إِمْلاقٍ" [الإسراء: 31] ، وذلك لوجود من فعل ذلك، فلا يبعد إذاً أن يوجد من يبيع بعض الأعضاء بسبب خوفه من الفقر، أو لجشعه وطمعه.
وأما المعاوضة على حليب الأم فذلك مباح، ولكن بشرط كونه لشخص معين، حتى لا تضيع حرمة الرضاع، وإنما جاز ذلك لإباحة أخذ الأجرة على الرضاع.
ولكن إنشاء ما يسمى ببنوك الحليب فالأقرب عندي فيه هو المنع، وعليه أكثر المعاصرين للعلة التي ذكرت وهي ضياع حرمة الرضاع.
4. في نقل الدم ينبغي الحذر الشديد من تلوثه، فلا يجوز لشخص أن يتبرع بدم وهو يعلم ما فيه من مرض، كما ينبغي لمن احتاج إلى دم أن يحذر كيلا يكون الدم ملوثاً، لا سيما مع وجود أمراض خطيرة كالإيدز، وتكمن الخطورة في عدم التأكد من سلامة الدم من مثل هذا الفيروس؛ لأن الاختبار والتحليل مهما بلغت دقته لا يصل إلى حد التأكيد كما ثبت ذلك طبياً، ولذا ينصح الأطباء بعدم التعرض لنقل الدم إلا في حال الضرورة، ويستحسن أن يعلم مصدر هذا الدم، وحين يكون من أقارب المريض المعروفين بسلامتهم من الأمراض فهو أولى.
ولذا لو قيل بالمنع من أخذ الدم من الكفار إلا في حال الضرورة القصوى؛ لعدم تورعهم عن المحرمات، كالخمر والزنا -فلا تضمن سلامة الدم- فذلك قول قوي.
وأما العكس وهو تبرع المسلم للكافر بالدم، فإن كان ممن تجوز الصدقة عليه فيجوز التبرع له بالدم بشرط عدم الضرر على المسلم.
5. في نقل الأعضاء من الكافر فينبغي أن يكون الأمر فيه أيسر بكثير، فإن كان معصوم الدم كالذمي والمعاهد فلا يجوز إلا برضاه، فإذا رضي جاز النقل، والجواز هنا هو في قضية إجراء النقل وليس من حق الكافر؛ لأنه لا يبحث هو عن الحكم الشرعي، بل حتى لو رضي بنقل قلبه فيجوز ذلك فيما يظهر؛ لأنه رضي بقتل نفسه فالإسلام لا يمنعه من ذلك،
وكذلك في حال موته، وقد أوصى بالنقل، أو رضي ورثته فيجوز ذلك.
وأما إن كان الكافر غير معصوم الدم كالحربي فالذي يظهر جواز نقل أي عضو منه رضي أو لَمْ يَرْضَ، ولكن ليس على سبيل المثلة بل لتحقق الضرورة في المنقول إليه، وهذا في حياته، وكذلك في حال مماته من باب أولى؛ لأنه غير معصوم فهو مستوجب للقتل.
6. في حال الكافر تجوز المعاوضة -فيما يظهر- سواء كان معصوم الدم أو غير معصوم، وفي حال الحياة وحال الممات.
7. ما يتعلق بالعقوبة المسؤول عنها في السؤال يقال بأن من حرم شيئاً من الصور فإن العقوبة عنده، هي: الإثم لارتكابه المحرم، وهذا فيما يكون بينه وبين الله، وإن كان الأمر فيه تعدٍّ على أحد، فقد اشتمل على الظلم أيضاً فيكون فيه حق لله وحق للآدمي، وأما العقوبة الدنيوية فهذه ترجع إلى وجود والٍ شرعي أو قاضٍ شرعي يقيم العقوبات الشرعية، وحينئذ فقد يستحق المخالف عقوبة تعزيرية بحسب فعله.
هذا والله أعلم، وصلى وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(16/488)
شروط أخذ الوالد من مال ولده
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/03/1427هـ
السؤال
أنا موظف وأتقاضى راتبًا محترمًا، ولكن الوالد يريد مني أن أسلمه إياه كل شهر، وإلا فلن يرضى عني، علماً أن والدي يتقاضى ضعف راتبي، وهو ليس بحاجة إليه. وقد عرضت علية أن أتزوج بالمال الذي جمعته، فرفض بحجة أنني صغير، علمًا أن الوالد مقصر في البيت، وأنا أقوم بتغطية النقص، وتلبية حاجيات الوالدة، فهل أعطيه الراتب كاملاً أم لا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فلا شك أن للوالد منزلة عظيمة، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن له أن يتملك من مال ولده ما شاء، مستدلين بما رواه ابن ماجة (2291) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أنت ومالك لأبيك". وهو حديث صحيح، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم". رواه الترمذي (1358) وحسنه، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. لكن من قال بهذا القول اشترط شرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالولد ولا يضر به، ولا يأخذ شيئاً تعلقت به حاجته.
والشرط الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه لآخر، وهذا مذهب الحنابلة.
بينما ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه ليس للأب أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته. انظر المغني لابن قدامة (5/668) في مسألة: (أخذ الأب من مال ولده) .
بناءً على ما تقدم فإن أخذ الوالد لكامل الراتب لاشك أن فيه ضرراً، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا ضرر ولا ضرار" أخرجه أحمد (2719) ، وابن ماجه (2341) لا سيما وأن الوالد -كما جاء في السؤال- ليس بحاجة؛ لأنه يتقاضى ضعف راتب الولد؛ لذا نقول للوالد: اتق الله ولا تضر بولدك في ماله ولا في نفسانيته؛ فقد تخسر المال، وتخسر الولد، وتكون أنت السبب، وعليك أن تأخذ من ولدك ما تطيب به نفسه، وإن استغنيت فهو أولى لا سيما مع عدم حاجتك، وعليك أيضاً أن تعينه على زواجه، وتخفف عنه آلامه لا أن تكون المسألة بالعكس.
هذا وعليك أيها الولد أن تتلطف مع والدك وتقنعه، أو تبحث عمن يقنعه ممن يَقْبل منه لعل الله أن يهديه، فإن أصر على ذلك فالتمس رضاه ولو بإعطائه بعض راتبك بما لا يضرك.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يهديه وأن يرضيه عنك.
وفق الله الجميع لكل خير.(16/489)
ضوابط الحكم بالزندقة
المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/01/1427هـ
السؤال
ما هي الشروط التي تؤخذ في الاعتبار لإدانة شخص بالزندقة؟ مثل من يقول: إن القرآن مخلوق؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن لفظ الزندقة ليس من كلام العرب، وإنما هو لفظ أعجمي معرَّب، أُخذ من كلام الفرس بعد ظهور الإسلام، وعُرِّب.
وقد أُطلق هذا المصطلح على معانٍ متعددة خلال تاريخ المسلمين:
فهو يُطلق على من ينكر وجود الله كالدهرية وأصناف الملاحدة.
ويطلق على من ينكر وحدانية الله -تعالى- كالثنوية والمجوس القائلين بإلهين اثنين هما النور والظلام، وكالنصارى القائلين بالتثليث، وغيرهم ممن يعتقد تعدد الآلهة، كما يطلق على من يقول بتأليه البشر، كما هو حاصل عند بعض الفرق والطوائف.
ويُطلق أيضاً على من يدّعي النبوة، أو ينكر اليوم الآخر بالكلية أو ينكر بعض حقائقه.
وقد أطلقه بعض السلف على الجهمية، كما فعل ذلك الإمام أحمد والدارمي وغيرهما.
وقد يطلق على أصحاب المجون والفحش، والمستبيحين للمحارم.
والمراد به في عرف الفقهاء هو المنافق، الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر.
وعموماً فلفظ الزندقة يطلق على أصناف المارقين من الدين والمرتدين عنه بأي شكل من الأشكال، ومن ذلك جحد بعض الأحكام الشرعية أو كلها، كمن يرى عدم صلاح الشريعة الإسلامية لهذا العصر، أو يعتقد أن سبب تخلف المسلمين هو تمسكهم بدينهم، أو يرى أن الحدود الشرعية وحشية لا تناسب العصر الحاضر، أو أن الإسلام ظلم المرأة وحجر عليها عندما أمرها بالحجاب، أو أن الفائدة الربوية ضرورة اقتصادية في العصر الحاضر ... أو نحو ذلك من الدعاوى.
إذا تبين هذا فينبغي التنبه إلى مسألة التفريق في الحكم بين الفكرة وقائلها، إذ الحكم على معين بأنه زنديق لمجرد تلبسه ببعض أفكار الزنادقة لا يجوز إلا بعد إقامة الحجة عليه، وذلك بتوفر الشروط وانتفاء الموانع، ككونه عالماً عامداً غير مكره ولا متأول ولا جاهل ...
فإذا أقيمت الحجة عليه وأصرَّ بعد ذلك فهو زنديق.
أما بالنسبة لما يستحقه من العقوبة على زندقته فهذا مرجعه إلى ولاة الأمور، فهم المسؤولون عنه، ولا يجوز الافتيات عليهم في ذلك، أما ما عدا ذلك من النصح والإنكار عليهم وهجرهم وتحذير الناس منهم ومن زندقتهم فهذا واجب على من قدر عليه، وتيقن ذلك منهم.
وأما مسألة خلق القرآن فهي مسألة عظيمة الشأن؛ إذ لها تعلُّق بصفات الله تعالى، فمن قال بخلق القرآن فهو نافٍ لصفة الكلام، وقد كفّر السلفُ القائلين بهذه المقالة على وجه العموم والإطلاق.
أما أعيان القائلين بهذه المقالة فلا يكفّرون حتى تقام عليهم الحجة التي من خالفها يكون كافراً، فهذا الإمام أحمد لم يكفِّر الخلفاء القائلين بها والذين امتحنوه فيها، وكذلك القضاة والفقهاء الذين تولوا كبرها، بل كان يناظرهم، فإذا حضرت الصلاة صلى خلفهم، ولو كان معتقداً كفرهم ما صلى خلفهم، إذ الصلاة خلف الكافر لا تجوز، والمانع له من تكفيرهم أنهم قد عرضت لهم شُبَهٌ منعت من تكفير أعيانهم، مع أن أصل مقالتهم كفرٌ وضلال.
والله أعلم وأحكم.(16/490)
تنازلوا عن حقهم ثم طالبوا به!
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 01/04/1427هـ
السؤال
لقد أعطت جدتي لأمي جميع مالها وهي على قيد الحياة، وكانت أمي تنوي أن تعطي إخوتها أسهمهم من هذا المال بعد وفاة أمها، لكن أمي توفيت قبل جدتي، وورثتُ المال من أمي مع إخوتي، وفي ذلك الوقت عرضنا على إخوة أمي أن نعطيهم من المال، لكنهم رفضوه، والآن بعد ثمان سنوات من وفاة أمي يطلبون المال! ما حكم طلبهم هذا في شريعة الإسلام؟ وهل تتحمل أمي مسؤولية خطأ جدتي؟ وهل ينبغي أن نعطي إخوة أمي سهمهم من المال الآن؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد ثبت في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- في قصته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" وفي بعض الروايات لما أراد والد النعمان أن يشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أعطيته للنعمان دون سائر ولده قال: -صلى الله عليه وسلم- "لا تشهدني على جور" صحيح البخاري (2650،2587) ، وصحيح مسلم (1623) . فسماه جوراً وظلماً، وقد ألحق كثير من العلماء الأم بالأب في وجوب العدل ومنع التفضيل بينهم، لأن العلة واحدة. فالجدة قد ارتكبت خطأً حين خصت أمك بهذا المال دون غيرها من أولادها.
وإذا كان الذي أعطته من المال هو جميع ما تملك فهذا أشد في الخطأ.
وكان على أمك ألا تقبل اختصاصها بذلك، أو تعطي بقية إخوتها من المال.
وقد أحسنتم حين عرضتم على إخوتها حقهم، ولكن إذا ثبت شرعًا أنهم قد تنازلوا كلهم عن هذا المال فقد سقط حقهم، وليس لهم الرجوع مرة أخرى فيما تنازلوا عنه.
ولكن لابد من التأكد من حقيقة تنازلهم، وكذلك من تنازل منهم ممن لم يتنازل فيقبض حقه.
وهذا كله فيما يلزم شرعاً وقضاءً، وأما من حيث الإحسان فلا شك أن تطييب خواطرهم بما يتيسر أولى؛ وهو من صلة الرحم التي لا يخفى فضلها وثوابها.
وفق الله الجميع وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(16/491)
تزوير الفواتير، وكيفية التكفير؟!
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 02/05/1427هـ
السؤال
كنت مديرا لإحدى الشركات، وتقدَّمتُ بعرض بيع سلعة بقيمة 8 آلاف لشركة أخرى. طلب مني المسؤول فيها تغيير العرض لعشرين ألف ليأخذ هو 10 آلاف، وشركتي تستلم عشرة آلاف. سألت مالك الشركة التي أعمل بها فوافق. وبعد نهاية البيع أعطاني هذا الشخص (2000) دون أن أطلب منه ذلك!
هل أبلغ المالك، وعند موافقته أحتفظ بهذا المبلغ أم ماذا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فاعلم أخي الكريم أنك أوقعت نفسك في عدة محاذير شرعية، حيث قمت بالتعاون مع مسؤول الشركة الأخرى في زيادة قيمة السلعة التي يشتريها لصالح شركته على الرغم من كون سعر السلعة أقل من ذلك بكثير، وهذا من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه بقوله: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة:2] ، وهو من الغش الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه بقوله: "من غش فليس منا" رواه مسلم (102) ، والترمذي (1315) .
وأيضاً هذا العمل من أكل أموال الناس بالباطل الذي نهى الله عنه بقوله: "وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ" [البقرة:188] . حيث أن السلعة قيمتها الأصلية (8آلاف ريال) ، والذي اشتراها لشركته أخذها بـ (20ألفاً) فهذا المبلغ الذي أخذه وهو (10آلاف) ، والمبلغ الآخر الـ (ألفان) اللتان دفعهما إلى شركتكم زيادة عن قيمة السلعة، كلاهما من أكل أموال الناس بالباطل.
وأيضاً المال الذي أخذته وهو (ألفا ريال) من الرشوة المحرمة، التي توعد الله صاحبها باللعن وهو الطرد من رحمته، لما ورد في الحديث: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي رواه الترمذي (1337) ، وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي.
فعليك أخي الكريم بالتوبة، والاستغفار، والندم على ما وقع منك.
ثانياً: عليك برد هذا المبلغ الذي أخذته وهو (ألفا ريال) إلى هذا الشخص الذي أعطاك إياه من أجل تيسير بيع السلعة بالمبلغ الذي طلبه حتى تبرأ ذمتك، وإن لم تستطع رده فعليك بالتصدق به للمحتاجين، أو إخراجه في الأمور الممتهنة كدورات مياه المساجد وغيرها، وليس لك فيه أجر الصدقة لأنه مال فيه شبهة.
ثالثاً: عليك بإبلاغ المالك عن تفاصيل الموضوع كاملاً، وأوصيك بالحرص على الرزق الحلال، فإنه بركة عليك وعلى أهل بيتك.
وفقك الله لطيب مطعمك، وجنبك الحرام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/492)
الضرر القاصر والضرر المتعدي
المجيب وليد بن علي الحسين
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 02/05/1427هـ
السؤال
ما هو الضرر القاصر وما هو الضرر المتعدي؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين، وبعد:
فإن المراد بالضرر القاصر: الذي يقتصر على الإنسان وحده فقط دون أن يتعداه إلى غيره، كالمريض بمرض غير معد، إذا رفض العلاج، فإن ضرر ذلك مقتصر عليه فقط، وكأن يصوم المريض الذي يفضي ذلك إلى تضرره هو فقط بالصوم.
وأما الضرر المتعدي: فهو الضرر الذي يتعدى الشخص إلى شخص آخر يتضرر به، كالمريض بمرض وبائي، فإنه إذا رفض العلاج فضرره متعد لا يقتصر عليه فقط؛ لأنه سينقل المرض إلى غيره من الأصحاء، وكأن يترك صاحب الحائط المائل على الطريق العام والآيل للسقوط بناءه فضرره هذا متعد إلى جميع من يمر بهذا الطريق.
والأفعال التي نُهي عنها في الشرع منها ما ضرره مقتصر على صاحبه فقط، كالنظر إلى المشاهد المحرمة، وكشرب الدخان، ومنها ما ضرره متعد إلى الغير، كتبرج المرأة وإبداء زينتها فإن هذا قد يفضي بمن يراها إلى الفتنة والوقوع في المحرم، وكالغيبة، والنميمة التي تفضي إلى زرع العداوة والكراهية بين المسلمين، وكتناول المخدرات.
والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.(16/493)
العمل إذا تعارض الحديث مع فعل الصحابة
المجيب د. تركي بن فهد الغميز
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/01/1427هـ
السؤال
في بعض الأحيان نجد آراء أو أفعالاً لبعض فقهاء الصحابة، وتكون مخالفة للحديث الصحيح، فكيف نوفِّق بين هذين المصدرين إذا تعارضا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن من المتقرر الذي لا شك فيه عند أحد من المسلمين أن الحجة التامة ثابتة بما في كتاب الله تعالى، وبما في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الثابتة عنه، وأن كل قول خالف الكتاب والسنة فهو مردود، مهما كان قائله، والنصوص الدالة على هذا كثيرة، قال الله تعالى: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" [الأحزاب:36] ، وقال تعالى: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول" [المائدة:92] ، وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول.." الآية [الأنفال:24] ، وغير ذلك من الآيات، وكلام السلف في هذا أيضاً كثير جدًّا، في عرض أقوالهم على الكتاب والسنة وطرح ما خالف الكتاب والسنة منها، وهذا من أقوال الصحابة ومن بعدهم.
إذا علم هذا -وهو شيء معلوم- فإن أقوال الصحابة المخالفة للسنة النبوية لا حجة فيها، وإنما الحجة بما في السنة الصحيحة.
ولكن هناك مواضع متعددة قد يظن فيها التعارض أو التناقض وليس كذلك، كما هناك مواضع يظن فيها ثبوت السنة وليست ثابتة، والمسائل في هذا لا تنحصر، وإنما يعلمها العلماء والفقهاء وأهل الحديث الذين يرجع إليهم في هذا الباب. والله الموفق للصواب.(16/494)
هل حب الوالدين واجب أم يكفي البر؟
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/03/1427هـ
السؤال
أود الاستفسار عن حب الوالدين، هل حبهما واجب؟ مع العلم أني أطيعهما.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فحق الوالدين عظيم، ولذلك قرن الله حقهما بحقه -سبحانه- تشريفاً لهما، وإعلاء لقدرهما، فمن كفر بنعمة والديه فهو للكفر بنعمة الله أقرب، وطاعة الوالدين فرض قضى به رب العزة على الأولاد؛ لقوله تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً" [الإسراء:23] .
وعقوق الوالدين كبيرة من كبائر الذنوب، بل هي من أكبر الكبائر؛ لحديث أبي بكرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "الإشراك بالله وعقوق الوالدين ... ". الحديث رواه البخاري (2654) ، ومسلم (87) .
ومحبة الوالدين تستلزم كمال برهما والقيام بكامل حقوقهما، وعكسه بغضهما، فإنه يستلزم عقوقهما والتقصير في حقوقهما وكما تدين تدان، والمؤمن مطالب شرعاً بأن يتقي الله في فعل المأمورات واجتناب المنهيات. والله المستعان.(16/495)
خروج المعتدة للعلاج ولزيارة مريض
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 02/06/1427هـ
السؤال
أثناء عدة أمي لوفاة والدي رحمه الله، ذهبنا بها لعيادة نسائية قرب بيت والدتها، وبعد الكشف أصرت على زيارتها ورؤية أخيها المريض، وبقيت هناك يوم أو يومين لا أذكر، ثم رجعنا إلى منزلنا، ثم بعد فترة مرضت أختي مرضاً شديد أخافنا جميعا، وذهبت بها أمي للعلاج، ومن ثم أقامت عند جدتي فترة طويلة حتى شفيت أختي ورجعنا إلى بيتنا. فما حكم الشرع في ذلك أفادكم الله؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالمرأة إذا توفي عنها زوجها، فإن الواجب عليها أن تبقى في البيت الذي مات زوجها وهي فيه، وعليها أن تبتعد عن الزينة من لباس أو طيب، فلا يجوز لها أن تستعمل الطيب، ولا أن تتجمل بالثياب، ولا أن تتعرض للرجال الأجانب. ولا يجوز لها الخروج من منزلها إلا لأمر ضروري.
وما ذكره السائل من حاجتها للذهاب للطبيبة، فهذا من الأشياء التي تعتبر ضرورة في هذا الوقت، وذهابها إلى الطبيبة أرجو -إن شاء الله- ألا شيء عليها فيه. وكونها مرت بأخيها، وبقيت عنده، وهي في طريقها ونحو ذلك أرجو -إن شاء الله- أن يدخل ذلك تبعاً وإن كان لا يصح أن يكون استقلالاً.
وكذلك ما حصل لها مرة أخرى عندما خرجت لزيارة الطبيب، وعرجت بعد ذلك إلى زيارة أختها المريضة مرضاً شديداً. فأرجو إن شاء الله ألا شيء عليها، وبالله التوفيق.(16/496)
مضاعفة القِسط عند تأخير السداد
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/02/1427هـ
السؤال
لي صديق تاجر، يبيع بالتقسيط بفائدة ثابتة (2%) شهريًّا، فهل هذا الأمر حلال أم حرام؟ علماً أنه في حالة عدم السداد في المواعيد المحددة -ولو لمدة قسط واحد- يقوم برفع الفائدة من (2%) إلى (5%) ؟ فهل هذا الأمر يعتبر ربا أم لا؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيجوز للمالك أن يبيع ما يملكه من السلع حالة أو بالأجل بالتقسيط بسعر معلوم، وليس هذا من الربا في شيء؛ وأما مضاعفة الفائدة جرَّاء التأخير في السداد فهذا هو ربا الجاهلية، (إما أن تؤدي وإما أن تربي) أي إما أن تؤدي الدين الذي عليك وهو القسط من الثمن، وإما أن تؤخر فتربي أي فتزيد في قدره، فهذا توليد للأرباح من النقد نفسه، وليس من البيع والمتاجرة والعمل.
وحتى يضمن التاجر حقه ويأمن مماطلة العميل فله أن يطلب رهناً من العميل يستوفي من بيعه ما له مِنْ دين على العميل عند عدم السداد، أو يطلب كفيلاً غارماً يستوفي منه الدين إذا عجز العميل أو ماطل. والله أعلم.(16/497)
لماذا لم تتحد الدول الإسلامية؟
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/01/1427هـ
السؤال
في هذه الأيام تعاني الأمة الإسلامية انعدام الأمن، حيث نستدعي الدول الكافرة لحل مشاكلنا، ورفع الظلم عنا. فإذا كانت الدول الأوروبية لها جيوشها الخاصة، ومع ذلك دخلت في حلف الأطلسي العسكري، فلماذا لا تلجأ الأمة الإسلامية لإنشاء جيش واحد قوي لتحمي شعوبها من أي عدوان خارجي، وفي الوقت نفسه توقف الخطر الذي يأتيها من قِبَل الآخرين، وعندها لا يكون هناك حاجة لاستدعاء أمريكا أو أي قوة عظمى. فهل هذه الفكرة صائبة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسو الله، وبعد:
فالموضوع الذي تكلمتَ عنه موضوع حيوي، ونرى أنك سألت هذا السؤال وطرحت هذه الأفكار انطلاقاً من إيمان عميق بأهمية التضامن بين مكونات الأمة الإسلامية، ولكن نود أن نقول لك: إن التضامن بين مكونات الأمة الإسلامية والدول الإسلامية مصاب بخلل، وهو خلل يشاهد بالعين المجردة، وأسبابه عديدة ومتنوعة، منها:
أولاً: ابتعاد المسلمين عن تعاليم دينهم، وبخاصة التعاليم المتعلقة بالنظام الاجتماعي الذي يدعو له الدين الإسلامي، كما في الآية: (ولا تنازعو فتفشلوا وتذهب ريحكم) [الأنفال: 46] ، وفي الحديث إخبار عن المسلمين أنهم " كالبنيان يشد بعضه بعضاً". صحيح البخاري (481) ، وصحيح مسلم (2585) .
هذا التضامن أصله يقوم بشكل رئاسة واحدة وسيادة واحدة للأمة الإسلامية، وهو ما كان معروفاً بالخلافة قبل أن تنقسم الأمة بسبب إرثها أو نسبها أو موقعها الجغرافي، فالأصل أن الأمة تكون تحت لواء واحد ورئاسة واحدة، هذا هو الأصل الذي يدعو إليه الدين الإسلامي، لكن الواقع أن الأمة قد انفرط عقد وحدتها منذ أمد بعيد، فتكاثر عليها الأعداء وزالت هيبتها.
ثانياً: التأخر في الصناعات، وفي مختلف وجوه التقدم المادي.
السبب الثالث: الحملة الشرسة المتواصلة لأعداء الأمة، وبخاصة الحلفاء الغربيين، تلك الحملة التي جاءت تحت أسماء مختلفة، فتارة تحت اسم استرداد القدس من العالم الإسلامي بما يعرف بالحروب الصليبية، وتارة تحت اسم الحروب الاستعمارية، وتارة تحت شعار تمرين الأمة وفرض الديمقراطية عليها.
ويجب أن نعي ذلك، ومع ذلك يجب أن نقول لك -أخي السائل-: إنه في لحظة من لحظات يقظة الضمير، وإثر نشوب حريق الأقصى في عام 1969م تشكلت منظمة المؤتمر الإسلامي، وهي مظهر من مظاهر هذا التضامن الذي تدعو إليه أنت، وندعو نحن إليه جميعاً، لكن القوى العالمية كانت لها بالمرصاد، فأضعفت من فعاليتها ومن اندفاعها نحو تكوين وحدة إسلامية قوية، فضعفت هذه المنظمة وتغلبت المصالح الإقليمية عليها، لكن تبقى هذه المنظمة أمل نوع من الوحدة ونوع من التكتل الذي تدعو إليه.
واقتراحك وجيه، وهو أن تكون الأمة لها قوة تحميها، وليست بحاجة إلى الجيوش الأجنبية، ولا إلى تدخل بشكل أو بآخر.(16/498)
لكن آسف أن أقول لك: إن هذا التكتل القوي بعيد المنال في هذه الظروف التي نعيشها، ولكن لا نيأس من روح الله (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) [يوسف: 87] ، (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) [الحجر: 56] . كما قال سبحانه وتعالى.
فالأمل قائم على أبناء الأمة أن يعمل كل منهم على مستواه الذي يعيشه، ويحاول أن يحقق هذا التضامن ولو بكلمة طيبة، ولو بمشروع اقتصادي ينفع الأمة، ولو بفكرة يمكن أن تساعد وتخلص الأمة من الاحتلال، وهذا ما أريد أن أقوله.(16/499)
استلف نقداً ليرد مكانه زيتاً!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/05/1427هـ
السؤال
هل يجوز للمسلم الاستدانة من آخر مالاً -200ريال مثلاً- على أن يكون السداد 100 ليتر زيت مثلاً في موسمه؟ مع العلم بأن سعره متفاوت بشدة. وقد يصل الضعف، وبالتالي يصبح السداد بقيمه 400ريال وهو على سبيل المثال.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمن صور البيع "السَّلَم" وهو عقد على موصوف في الذمة، مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد. وهو نوع من أنواع البيوع. ويشترط لصحته ما يشترط لصحة البيع، إلا أنه يجوز في المعدوم، ودليل ذلك قوله تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ" [البقرة:282] . قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى أن الله عز وجل قد أحله وأذن فيه". وتلا هذه الآية: رواه ابن جرير (3/116) والحاكم (2/314) وصححه.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث فقال: "من أسلف في شيء، ففي كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم" رواه البخاري (2125) ومسلم (1604) .
وذكر الفقهاء شروطاً سبعة لصحة السَّلَم:
الأول: أن يكون مما يمكن ضبط صفاته كيلاً أو وزناً أو ذرعاً.
الثاني: ذكر الجنس والنوع، وكل وصف يختلف به الثمن ظاهراً وحداثته وقدمه.
الثالث: ذكر قدره بكيل أو وزن أو ذرع.
الرابع: أن يُذكر أجلٌ معلومٌ له وقع في الثمن.
الخامس: أن يوجد المسلم فيه غالباً في محل ومكان الوفاء.
السادس: أن يقبض الثمن تامًّا قبل التفرق.
السابع: أن يسلم في الذمة؛ فلا يصح في عين محددة؛ لأنها ربما تلفت قبل أوان تسليمها.
فمتى ما توافرت تلك الشروط، صح السلم.
لذا ففي سؤال الأخ الكريم ليصح السلم لابد أن يقبض المائتي ريال قبل التفرق. فإن تفرقا قبل القبض، لم يصح السلم. ولابد أن يكون الزيت المذكور محدداً نوعه وجنسه وقدره؛ كزيت زيتون، أو زيت ذرة وهكذا. وأن يحدد وقت تسليم الزيت وأن يكون مما يوجد فيه غالباً.
أما ما ذكره الأخ من تفاوت السعر فهذا لا يضر. وأشير إلى أنه إن تعذر تسليم المسلم فيه كالزيت هنا لعدم وجوده خيّر صاحب المال بين الصبر، وبين فسخ العقد في الكل، أو البعض المتعذر. ويرجع برأس ماله فقط. ولا يرجع بقيمة الزيت وقت حلول السلم للتفاوت في قيمته زيادة وهو الغالب؛ حتى لا يقع في الربا المحرم. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.(16/500)
هل ورد خبر المعراج في القرآن؟!
المجيب عبد الحكيم بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/02/1427هـ
السؤال
ورد ذكر الإسراء في القرآن الكريم, أما المعراج فهل ورد ذكره؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلم يذكر لفظ المعراج برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القرآن الكريم، وإنما ذكر معناه في سورة النجم، حيث قال تعالى: "ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى" [النجم:13-18] .
وضمير هاء الغائب في قوله: "ولقد رآه نزلة أخرى" عائد إلى جبريل -عليه السلام- على الصحيح، ورؤية محمد -صلى الله عليه وسلم- لجبريل المقصودة هنا ما كان على خلقته التي خلقه الله عليها وله ستمائة جناح، فالمرة الأولى هي التي كانت أول البعثة في قوله تعالى: "ولقد رآه بالأفق المبين" [التكوير:23] ، والمرة الثانية في المعراج وقد أشارت لها سورة النجم والله أعلم.
قال البقاعي رحمه الله: "ولعله حذف ذكر المعراج من القرآن هنا لقصور فهومهم عن إدراك أدلته لو أنكروه، بخلاف الإسراء فإنه أقام دليله عليهم بما شاهدوه من الأمارات التي وصفها لهم وهم قاطعون بأنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يرها قبل ذلك، فلما بان صدقه بما ذكر من الأمارات أخبر بعد ذلك من أراد الله بالمعراج" نظم الدرر- (5/17)
وقال ابن عاشور: "فللنبي صلى الله عليه وسلم كرامتان:
أولاهما: الإسراء، وهو المذكور في أول سورة الإسراء.
والأخرى: المعراج، وهو المذكور في حديث «الصحيحين» مطولاً وأحاديث غيرِه. وقد قيل: إنه هو المشار إليه في سورة النجم." التحرير والتنوير- (8/178) .
ويعني ابن عاشور بالمشار إليه في سورة النجم: الآيات المذكورة في رؤية جبريل عند سدرة المنتهى، وقد سبق نصها، وهو الذي يظهر لي. والله أعلم.(16/501)
زنى بها ويريد أن يتزوجها ستراً لها
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/03/1427هـ
السؤال
لي أخ أصغر غير متزوج زنى بفتاة غير متزوجة، وأراد أن يتزوجها لمدة شهر ثم يطلقها، ويعطيها حقنة تمنع الحمل لمدة سنة حتى لا يفتضح أمره، ويترتب على ذلك ما لا تحمد عقباه، وعرفت أن حكم الزواج بالمزني بها مختلف فيه، كما أن حكم الزواج بنية الطلاق مختلف فيه، فهل نرجح حسب المصلحة والمفسدة في هذا الأمر، لأن الأهل جميعا متفقون على أن من المصلحة -حتى يستر عليها، وحتى لا تقع مشكلة فيما بعد- أن يتزوجها مدة معينة خارج بيت الأسرة، ثم يطلقها. فبماذا ترشدوني؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالمسألة فيها خلاف، لكن الأصل هو أنه يجوز تزوج المرأة الزانية على خلاف العلماء في اعتبار التوبة.
الخلاف الآخر هو في مسألة الاستبراء: هل يجوز أن يتزوجها قبل استبراء رحمها بحيضة أو بعده، في هذا خلاف، فذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أنه يجوز أن يتزوجها قبل الاستبراء، وذهب الإمام أحمد ومالك إلى أنه لابد من الاستبراء، على خلاف هل الاستبراء يكون بحيضة أو بثلاث حيضات؛ لحديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره". أخرجه أبو داود (2158) ، والترمذي (1131) . لكن في هذه الحالة فإن الزرع زرعه هو، فما دام أنّ الماء ماؤه فإنه يجوز أن يتزوج بها، ولو أخرها حتى تحيض حيضة لكان ذلك مناسباً؛ لأن عمر -رضي الله عنه- أراد أن يزوج امرأة من رجل زنا بها بعد أن أوقع عليهما الحد، وهذا الأثر صحيح. انظر مصنف ابن أبي شيبة (3/52) ، وسنن البيهقي (7/155) ، والمحلى (10/28) ، وموسوعة فقه عمر بن الخطاب (ص649-650) . فلهذا أرى أنه لا مانع من أن يتزوج هذه المرأة ستراً، لها وأن يطلب منها أن تتوب إلى الله -تبارك وتعالى- وأما نية الطلاق فإذا لم يتلفظ بها في العقد ولم يتواطأ عليها فإنها عليه لا تضر على قول جمهور العلماء، فيمكن أن يتزوجها بنية الطلاق على ألاّ يكون ذلك في صلب العقد بأن يقول: تزوجتك لفترة كذا، فهذا من زواج المتعة المحرم.
لكن عليه قبل أن يتزوجها أن يطلب منها أن تتوب فإذا ظهرت له توبتها فله أن يتزوجها كما يحب ألا يتلفظ بتوقيت النكاح عند العقد، وبعد ذلك ليطلقها متى شاء أن يطلقها، فلا عبرة بما يمكن أن يفعله فيما بعد، فهذا أمر مرده إلى المستقبل.
ونصح هذه المرأة متعين على أهلها، وعليه هو أن ينصحها بأن تتقي الله سبحانه، ولو أبقى النكاح مع هذا كان أولى أن يتزوجها زواجاً مستمراً؛ لعل الله -سبحانه وتعالى- أن يصلح أمرهما ويوفقهما لاتباع الخير، وأن يرأب ما أفسدا في الماضي بتوبة نصوح إلى الله تبارك وتعالى، و"التائب من الذنب كمن لا ذنب له" كما جاء في الحديث. أخرجه ابن ماجه (4250) بسند حسن.(16/502)
تختّم الرجال بغير الذهب والفضة!
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/01/1427هـ
السؤال
ما حكم لبس الخاتم من غير الذهب والفضة، كأن يكون من الحديد أو النحاس؟ وإذا كان حراماً على الرجال فهل هو حرام على النساء أيضاً؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالتختم بالحديد والنحاس، قد وردت فيه بعض الأحاديث التي تنهى عنه، وقد قوّاها بعض العلماء، لذا حرّم بعض العلماء لبسها، وبعضهم كره ذلك ولم يحرّمه.
والراجح عندي أن هذه الأحاديث ضعيفة لا يثبت منها شيء -كما قال ابن عبد البر، وغيره من العلماء المحققين- والأصل في الأشياء الإباحة حتى يأتي ما يخالف هذا الأصل. وقد ثبت ما يدل على الجواز في الصحيحين -من حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما- في قصة المرأة التي وهبت نفسها، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للرجل: "التمس ولو خاتماً من حديد" صحيح البخاري (5121) ، وصحيح مسلم (1425) . والقول بالجواز هو اختيار شيخنا محمد بن عثمين -رحمه الله- والله أعلم.
وأما سؤالك: هل هو حرام على الرجال والنساء؟
فالجواب: إنه لا فرق في هذه المسألة بين الرجال والنساء، وقد ذكرت لك أن الأقرب عندي هو الجواز لا التحريم، ولو استغنى عنه الرجل بالفضة، والمرأة بالذهب أو الفضة؛ لكان خروجاً من الخلاف. والله أعلم.(16/503)
سماع الأغاني غير الخليعة!
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/05/1427هـ
السؤال
هل يجوز السماع للأغاني إذا خلت من صور النساء ومن الكلام الماجن، وكان السامع لا يخشى عليه فتنة الزنا، لكن مع وجود الكلمات العاطفية (اللا ماجنة) . وما هو الرد العلمي على تحريم الآلات الموسيقية؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فأوصيك أولاً بتعلم أمور دينك، لتكون على بينة وبصيرة، فلا يسع المسلم هذه الأيام أن يجهل الحلال والحرام، وما افترض الله عليه معرفته، من مسائل التوحيد، وقد قال تبارك وتعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد:19] . لا سيما وقد سهل التعلم في هذه الأيام، لتوفر آلات التعلم الحديثة، التي لم تكن معهودة من قبل.
وثانياً: لا تشغل نفسك بالمناظرات، والمجادلات في مثل هذه الشبه التي يلقيها عليك الكفار وغيرهم. وإن التبس عليك أمر فعليك بوصية الله تبارك وتعالى في قوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل:43] ، وقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [الأنبياء:7] .
أما بالنسبة لسؤلك: فالنصوص جاءت صريحة بحرمة الغناء المشتمل على آلات اللهو والطرب، ومن الأدلة على تحريم الغناء قوله تعالى: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين) [لقمان: 6] ، قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: قال ابن مسعود في قوله تعالى: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) قال: هو والله الغناء.
ومن أدلة السنة ما ورد من حديث عامر أو أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخمر، والحر، والحرير، والمعازف" أخرجه البخاري في كتاب الأشربة، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، تعليقاً بصيغة الجزم، ووصله الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في كتابه "تغليق التعليق" فهو صحيح. ولفظ (المعازف) عام يشمل جميع آلات اللهو، فتحرم؛ إلا ما ورد الدليل باستثنائه كالدف، فيجوز للنساء الضرب به في الأعياد، والأعراس،. وهذا مستثنى من عموم آلات اللهو لدلالة السنة عليه.
وقال الإمام القرطبي: (أما المزامير والأوتار والكوبة (الطبل) فلا يختلف في تحريم استماعها، ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك. وكيف لا يحرم وهو شعار أهل الخمور، والفسق، ومهيج الشهوات والفساد والمجون! وما كان كذلك لم يشك في تحريمه، ولا تفسيق فاعله وتأثيمه) . انتهى.
وأما ما خلا عن الأصوات الموسيقية، والكلام المؤجج للغرائز، والأصوات الفاتنة فهذا مثل الشعر، فله حكمه، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح.(16/504)
وفي الختام أوصيك بالبعد عن الجدال قدر الإمكان إلا في حدود ضيقة بقدر الحاجة، ولا تجعل قلبك وعاءً للشبهات. قال ابن القيم -رحمه الله - في كتابه مفتاح دار السعادة: (1 /140) : (فمتى باشر القلب حقيقة العلم لم تؤثر تلك الشبهة فيه بل يقوى علمه ويقينه بردها ومعرفة بطلانها، ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه قدحت فيه الشك بأول وهلة فإن تداركها، وإلا تتابعت على قلبه أمثالها حتى يصير شاكا مرتابا، والقلب يتوارده جيشان من الباطل: جيش شهوات الغي، وجيش شبهات الباطل. فأيما قلب صغا إليها وركن إليها تشربها وامتلأ بها فينضح لسانه وجوارحه بموجبها، فإن أشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات، فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه، وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه. وقال لي شيخ الإسلام -رضي الله عنه- وقد جعلت أورد عليه إيرادات: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات) .
هذا ونسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق والثبات.(16/505)
مشاهدة البرامج المشتملة على بعض المخالفات
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/04/1427هـ
السؤال
أشعر بالحيرة بخصوص نوع الموسيقى التي يمكن أن نستمع إليها، ونوع البرامج التلفزيونية التي يمكن أن نشاهدها؛ أفيدونا جزاكم الله خيرا.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد اشتمل سؤالك على مسئلتين:
المسألة الأولى: ما يتعلق بالموسيقى.
فاعلم أن الموسيقى يحرم الاستماع إليها لأنها هي المعازف التي نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها، كما في صحيح البخاري، كتاب الأشربة، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، (5590) عن أبي عامر أو -أبي مالك- الأشعري، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر والمعازف".
فقوله: "يستحلّون" دليل على أنها محرمة، و"الحِر" هو الفرج.
بل استدل أهل العلم بآيات من القرآن على تحريم الموسيقى والغناء.
منها قوله -تعالى-: "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ" [الإسراء:64] . قال مجاهد: صوته هو المزامير.
ومنها قوله -سبحانه-: "أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وتضحكون ولا تبكون وَأَنتُمْ سَامِدُونَ" [النجم:59-61] .
فجعل من صفات الكفار المذمومة السمود، والسمود في اللغة هو: اللهو والغناء.
وقد جاءت أحاديث أخرى في الزجر عن استماع المزامير، والمعازف (وهي الموسيقى) وكذلك الغناء، وهي أحاديث يحتج ببعضها، وبعضها مما يمكن الاعتضاد به.
فمنها حديث أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة، صوت عند نعمة، ورنة عند مصيبة" أخرجه البزار (805) ، وقال المنذري (4/177) : رواته ثقات.
وعند الترمذي (1005) وحسنه، من حديث جابر -رضي الله عنه- نحوه، وفيه: "صوت عند نعمة لهو وطرب ومزامير الشيطان".
وجاء عن الصحابة والتابعين وطوائف من أهل العلم بعدهم ما يدل على اتفاقهم على ذم المعازف وأهلها، وأنها تصدّ عن ذكر الله.
واستفت قلبك يا أخي فيما يتعلق بهذا الأمر لتجد أن القلب يتغير باستماعه للموسيقى والغناء، وإياك أن تستخف باليسير فتتمادى إلى ما فوقه.
المسألة الثانية: ما يتعلق بالبرامج التلفزيونية:
أودّ أن تعلم ويعلم غيرك قواعد لا بد من التنبيه عليها:
القاعدة الأولى: أن الحكم على الشيء يكون بما غلب عليه إذا كان أصله مباحاً.
فقد يكون الجلوس في مكانٍ ما مباحاً في الأصل؛ غير أنه قد يحرم إذا غلب على هذا المكان حصول الفتنة فيه، أو حدوث المنكرات منه.
يدل على ذلك أدلة منها قوله -تعالى-: "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ" [النساء:140] ، فإذا كان القعود في أصله مباحاً فقد حرم حين يغلب على الحديث ما هو منكر.
القاعدة الثانية: أن المسلم مأمور باجتناب ما يخشى على دينه منه.
ويدل على هذا أدلة كثيرة جداً، منها ما هو مستند على قاعدة سد الذرائع وغيرها.(16/506)
وقد جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به من الشبهات، أو لما يبعث به من الشبهات " أخرجه أبو داود (4319) بسند صحيح عن عمران -رضي الله عنه -.
فعلى المسلم أن يجتنب مواضع الفتنة ووسائلها ما استطاع.
القاعدة الثالثة: أن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومثلها قاعدة مالا يتم اجتناب المنهي عنه إلا به فهو واجب، وهذه قاعدة قد نص عليها الفقهاء والأصوليون، ومن أخذ بها سلم من كثير مما قد يقع فيه الناس من المعاصي والأخطاء، دون أن يدركوا سبب وصولهم إليها.
فمثلاً من كان سهره في الليل يثقله عن صلاة الفجر، فإنه يحرم عليه السهر الذي سيوصله إلى هذا الحد؛ لأن مالا يتم الواجب -وهو أداء الصلاة- إلا به -وهو ترك السهر- فهو واجب.
القاعدة الرابعة: وهي تابعة للسابقة، أن كل ما يلهي، أو يصدّ أو يضعف عن عمل واجب سواء كان لله، كالصلاة، أو لأحدٍ من عباده، كحق الوالدين، والزوجة، والأولاد، فإنه محرم في حاله تلك.
قال سبحانه: "إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ" [المائدة:91] .
وقال جل ذكره: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" [المنافقون:9] ، ولغير ذلك من الأدلة.
إذا تقررت القواعد السابقة فإن الحكم يتضح إن شاء الله فيما يتعلق بالتلفزيون وغيره من وسائل الإعلام، بل وبكل وسيلة هي في الأصل مباحة.
فما عليك إلا أن تطبق القواعد السابقة على تلك الوسيلة ليتبين لك الحكم.
فمثلاً ما يسمى التلفاز أو الرائي، هو في الأصل آلة ووسيلة تعرض ما تُمدّ به من مادة، فيكون حكمه بحسب هذه المادة، فإن كانت مباحة فاستعماله مباح، وإن كانت محرمة فاستعماله محرم.
فإن كانت المادة مختلطة؛ فيها محرم وفيها مباح فالحكم العام في استعماله يستند إلى القاعدة الأولى، وهي أن الحكم للأغلب، فإذا غلب على برامجه الإباحة كان استعماله مباحاً وإذا غلب على برامجه التحريم كان محرماً.
وهذا الحكم حكم إجمالي لا يعني أننا إذا قلنا بالإباحة أن يباح النظر إلى المحرم منه وهي النسبة القليلة كصور النساء والأغاني ونحوها.
بل المقصود أن يكون الاستعمال مباحاً مع اجتناب المحرم.
وأما لو غلب المحرم فالاستعمال محرم، ولا ينظر إلى وجود المباح القليل فيه.
وبهذا الميزان العام يمكن أن يجاب عن السؤال فيما يتعلق بالتلفزيون، لأن التلفزيون الآن ليست المادة فيه واحدة حتى يعطى حكماً واحداً، بل هو متعدد المواد، يزداد كل يوم تعدادها.
فمنه الفيديو الذي يتوقف الحكم فيه على حكم الأشرطة التي تعرض فيه.
ومنه التلفزيون المحلي، ومنه الفضائيات، وكلها تندرج تحت القواعد السابقة عند الحكم عليها.
بل تلك القواعد يستفاد منها في الحكم على غيرها من الوسائل كما تقدم، ومن ذلك الإنترنت.
وخلاصة القول:(16/507)
1 – أن التلفزيون ومن باب أولى الفضائيات لا يجوز اقتناؤها إذا كانت مفاسدها أكثر من مصالحها، وما يعرض مما لا يحل أكثر من المباح، وهذا للأسف غالب حال كثير من الفضائيات بل والقنوات المحلية في بعض البلدان.
2 – أن من خشي على نفسه الفتنة إما بصور أو بمسلسلات هابطة أو أغانٍ أو شبهات قد تُعرض بأي شكل؛ كحوار أو مناظرة أو غيرهما، سواء كانت شبهاتٍ للكفار أو للعلمانيين أو للمبتدعة أو غيرهم.
من خشي على نفسه ذلك حرمت عليه المشاهدة والمتابعة، ووجب عليه قطع ذلك، وإزالته بالكلية.
وهذا ينطبق حتى على ما كان غالبه الإباحة، لأن هذه الخشية توجب سد الباب بسبب آخر.
وبهذا يحفظ المسلم دينه، وإلا فقد يهلك بسبب تساهله، ثم تماديه مع علمه بأثر ذلك على نفسه.
وبهذا يعلم أيضاً أن ما قد يظنه البعض من تمكنه من التحكم بما يشاهد في الفضائيات هو من خداع النفس أحياناً، فإن من النادر أن يملك نفسه عن تقليب القنوات، حيث قد يقع فيما لا يستطيع صرف بصره عنه ثم التعلق به، ومعاودة الرجوع إليه.
ومن الصعب أيضاً حتى لو كان لديه قناة واحدة تعرض ما لا يجوز أحياناً أن يصرف بصره كل مرة، ويحفظ قلبه من خطوات الشيطان التي يقول الله تعالى فيها: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ... " [النور:21] .
وكم من شخص ظن أنه يملك نفسه فضعف وانساق وتمادى، فإما غرق ولم يخرج، وإما عاش في مجاهدة شاقة كي يرفع نفسه من الوحل، وإما لم يخرج إلا بشق الأنفس.
وهذا كما يقال في التلفزيون والفضائيات يقال في الإنترنت.
فأنت يا أخي الكريم مقياسك بيدك، وميزانك في قلبك وعقلك، ولكن إياك إياك أن تخادع نفسك، وخذ بقاعدة "الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس"، كما في صحيح مسلم (2553) .
فمهما كان الأمر في أصله مباحاً ومهما كان غيرك لا يبالي به، أو حتى أن يكون سالماً من آفاته، فأنت وحدك أعلم بنفسك بعد الله تعالى، فبمجرد شعورك بضعفك، أو أنك لا تستطيع أن تملك نفسك تجاه أمر معين، أو غير ذلك من علامات الخطر، فعليك بالانصراف والإعراض والسلامة من كل ذلك، فإن السلامة لا يعدلها شيء، وغاية الأمر فيما تركته أنك تترك مباحاً، فماذا عسى أن ينقص منك؟!
وإذا كان العلماء قد اتفقوا على أن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، فكيف ما كانت مصلحته من قبيل المباح؟
3 – أن البرامج التي تجوز لك مشاهدتها تتوقف على التلفزيون أو الفضائيات التي تبثه، فإن كان مما غالبه أنه يعرض المحرم، فلا يجوز فتحه أو الاشتراك فيه أصلاً، اللهم إلا في حالة خاصة عند الحاجة إليه بشرط أن يمكن التحكم فيه تحكماً صحيحاً، ليس بمجرد دعوى، وهذا في نظري حالة خاصة جداً، وإنما ذكرتها ليكون الحكم شموليًّا، وإلا فكثير من الناس، وإن ادعى إمكانية التحكم فيه، فهو في حقيقة الأمر يعجز عن ذلك، وقد أشرت إلى هذا قريباً.
وأما إن كان ذلك التلفزيون أو القناة مما يغلب على برامجه التوافق مع الشرع وعدم مخالفتها إياه فهنا نقول: إن البرامج التي تجوز مشاهدتها هي التي لا تشتمل على محرم، والمحرم لا يخفى إن شاء الله على كثير من المسلمين، وسأضرب لذلك بعض الأمثلة فمنها:(16/508)
* مسلسلات الحب والغرام وأمثال ذلك: مما يغري بالرذيلة أو يخفف شأنها في القلب.
* البرامج المشتملة على صور النساء بالنسبة لمشاهدة الرجل لها. لأن الرجل مأمور بغض البصر عنهن، قال تعالى:"قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِم وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ" [النور:30] . وكذلك صور الرجال الفاتنة للمرأة لا يجوز لها النظر إليها، قال سبحانه:"وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ" [النور:31] .
وهذا يشمل المسلسلات والدعايات ونحوها.
* بل حتى الأخبار، ينبغي أن يصرف بصره عن النساء فيها، أو يجعل عليها حاجزاً كما قد يوجد في بعض الأجهزة، ولا تنس حديث النبي –صلى الله عليه وسلم-: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" متفق عليه، البخاري (5096) ومسلم (2740) .
* الأغاني والموسيقى بجميع أصنافها وأشكالها.
* ما قد يثير الفتنة على أي صورة أو شكل كان؛ سواء فتنة الشهوة أو فتنة الشبهة.
* ومن ذلك ما أشرنا إليه من بعض الحوارات التي قد تجد من نفسك عدم الحصانة لما ينشر فيها من شبهات، فهنا لا تجوز متابعتها.
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/199) : (فصل في النظر إلى ما يخشى منه الوقوع في الضلال والشبهة:
ويحرم النظر فيما يخشى منه الضلال والوقوع في الشك والشبهة, ونص الإمام أحمد رحمه الله على المنع من النظر في كتب أهل الكلام والبدع المضلة وقراءتها وروايتها) . ا. هـ.
* المسابقات المشتملة على القمار، وهنا تمنع المشاركة، أما المشاهدة إذا لم يكن فيها محذور مما سبق فهي من قبيل المباح.
والضابط لذلك كله أن تزن كل برنامج بميزان الشرع لديك بتجرد دون هوى وسيتضح لك: "والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس".
تنبيهات:
التنبيه الأول: إن هذا الحكم في حق الشخص في نفسه فقط، وأما عند النظر فيمن تحت يده ممن قد يستخدم هذا الجهاز سواء تلفزيوناً أو فيديو أو فضائيات أو إنترنت أو غيرها فالأمر يختلف، بحيث إننا لو فرضنا الإباحة للشخص في حق نفسه لتوفر الشروط في حقه بما تقدم تفصيله، فهذا لا يعني أنه غير مسؤول عن أهل بيته ممن يتمكن من استخدام الجهاز المقصود، فإذا كان لا يستطيع أن يمنعهم من استخدام ما يحرم (على فرض الإباحة حين يكون الغالب فيه المباح) فإنه يمنع من اقتنائه أو تمكين غيره منه.
التنبيه الثاني: أن القول بالمنع فيما يتعلق بالفضائيات وأمثالها لا يلزم منه أن المصلحين من رجال العلم أو الدعوة أو غيرهم يحرم عليهم الخروج في هذه الوسائل الإعلامية وما شاكلها، كما قد ظن البعض، وخروج أمثال هؤلاء ليس حجة للإباحة المطلقة للاقتناء والمشاهدة حتى للقنوات التي يخرج فيها المصلحون فضلاً عن غيرها، واعتقاد هذا التلازم منهج فيه خلل، وذلك لما يلي:
1 – أن الخروج في التلفزيون أو الفضائيات ليس معناه الإقرار بكل ما فيها، بل الخروج فيها استغلال لكل فرصة يمكن أن تتاح للدعوة إلى الله، وبيان الحق، وتعليم الناس، ودفع الشر أو التخفيف منه.
وقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- كما -هو معلوم من سيرته- يغشى أندية الكفار ومجالسهم فيتلو القرآن ويدعو إلى الله.(16/509)
فهل معنى دخوله أنديتهم وأسواقهم ومجالسهم لإيصال صوت الحق إلى من يرتاد تلك المواضع هو إقرار لكل ما فيها؟!
حاشاه بأبي هو وأمي أن يكون كذلك.
بل كان يدعو إلى الله بما يستطيع ويبين الحق بكل وسيلة، وحين يقف في سوق ذي المجاز أو غيرها ليقول لهم: "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا" كما في مسند أحمد (16023) .
فهل فهم الناس من ذلك تعارضاً بين دعوته ودخوله هذا السوق؟!
والسوق لا جرم يوجد فيه ربا الجاهلية وغناؤها بل وأوثانها.
وهل اعترض عليه أحد منهم بأنك لو كان ما تدعو إليه حقاً ما دخلت سوقاً أو نادياً أو مجلساً يخالف منهجك؟!
فعلم من هذا أن الخروج في مثل هذه الوسائل لا يلزم منه الإقرار.
وقصة دخول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- السوق أخرجها الإمام أحمد عن رجل من بني مالك –رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بسوق ذي المجاز يتخللها يقول: "يا أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا"، قال: وأبو جهل يحثي عليه التراب ويقول: لا يغوينكم هذا عن دينكم، فإنما يريد لتتركوا آلهتكم وتتركوا اللات والعزى، وما يلتفت إليه رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. مسند أحمد (16603) ، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
وأخرج الإمام أحمد أيضا عن ربيعة بن عباد وكان جاهليا فأسلم –رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: "يا أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا"، والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غديرتين يقول: إنه صابيء كاذب. يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه فقالوا: هذا عمه أبو لهب. مسند أحمد (16022) ، ووثق الهيثمي بعض أسانيد هذا الحديث أيضا.
وفي نص هذا الحديث بروايتيه فائدة أخرى؛ هي عدم اكتراث النبي –صلى الله عليه وسلم- لما يعارض دعوته في هذا السوق ومن يعارضها؛ بل هو ماض يبلغ ما يستطيع تبليغه، وإن جاء بعده أمثال هؤلاء الصادين عن ذكر الله.
2 – أن هناك فرقاً بين أن يشارك المسلم في عمل يشتمل على المحرم ويكون عضواً فيه فهذا قد يقال فيه: إنه يستلزم الإقرار.
وبين أن يكون مستضافاً في هذا البرنامج أو ذاك بحيث لا يعتبر عضواً في هذا العمل.
فمن حمّل الثاني الإقرار فقد حمله مالا يلزم، يوضحه ما بعده.
3 – أن المسلم قد يكون موظفاً في عمل، وهو يعتقد أن هذا العمل يشتمل على شئ من المحرمات، ولكنه في عمله لا صلة له بذلك المحرم لكونه في جهة أخرى، كمثل بعض الدوائر التي قد تأخذ ضرائب في جزء من قطاعاتها، أو حتى بعض جهات التعليم التي قد لا تكون موافقةً للشرع في جميع توجهاتها..، ففي جميع تلك الوظائف لا يمكن القول بأن الموظف فيها مقر لكل ما فيها فنحرم عليه العمل فيها مطلقاً.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقبله القرطبي في تفسيره، أن يوسف عليه السلام عمل في حكومة العزيز في مصر خازناً (كمثل وزير المالية في هذا العصر) ، مع أن الحكومة لم تكن على المنهج الحق، وعمل عليه السلام بما يستطيع عمله من الحق.
ومثله عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فمع تمكنه في الخلافة، إلا أنه عمل ما أمكنه من عمل الخير، وإن كان يعلم أن نظام الخلافة العام لا يمكن تعديله بسهولة.(16/510)
التنبيه الثالث: أن جميع ما ذكرنا من التفصيل في التلفزيون وما يشبهه من كل ما يشتمل على الصور، إنما يجري على القول بأن التصوير فيها ليس من قبيل المحرم، سواء قلنا إنه لا يشمله معنى التصوير المحرم، كما يقوله بعض المعاصرين، أو قلنا إنه داخل في التصوير وإنما جاز للحاجة والمصلحة العامة، كما يقوله علماء كثيرون؛ بل منهم من كان يشدد في التصوير بأنواعه، ومع ذلك يرى أنه إذا اشتمل على مصلحة جاز، كمثل شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى، فإنه كان يرى المصلحة في تصوير المحاضرات ونحوها لتعميم فائدتها، وكذلك العلامة الألباني رحمه الله أيضاً، فإنه مع تشدده في شأن التصوير، إلا أنه كان يرى إخراج الأفلام في تعليم الصلاة ونحوها.
وقد ظهر لي بعد التأمل في شأن التصوير الفوتوغرافي والمتحرك أيضاً (الفيديو) أننا وإن قلنا: إنها كانت داخلة في عموم التصوير؛ لكنها أخف من التصوير الوارد تحريمه في النصوص لانتفاء المضاهاة، وهي العلة التي دل عليها حديث أبي هريرة وحديث عائشة رضي الله عنهما.
وانتفاء المضاهاة هنا لكون هذا التصوير لا يمكن أن يدعي من قام به أنه أتى بما يشبه الحقيقة، بل الناس مجمعون على أن هذه الصورة هي عين الحقيقة التي خلقها الله تعالى، فهي كالصورة في المرآة لا تختلف، وإنما الفرق في التحكّم فيها وتثبيتها.
وليس هذا موضع تفصيل ما يتعلق بتحقيق هذا المأخذ.
وأما العلة الثانية وهي خشية الشرك فهي أيضاً ليست في قوة تحققها كالتصوير في الماضي؛ وذلك لكون هذا الأمر أصبح مجرد وسيلة اتصال واطلاع، ليست الصورة فيه مقصودة لذاتها، كما أصبح عاما شائعا لا يختص بكبير أو صغير.
ولذا فإذا قويت هذه العلة حرم التصوير واقتناؤه؛ كمثل الصور المعلقة للعظماء، والصور المجسمة لغير لعب الصغيرات ونحو ذلك.
وعلى هذا فما دامت العلتان أصبحتا في شأن هذا التصوير أخف، فينبغي أن يكون الحكم كذلك، ولذا جاز للحاجة والمصلحة، بخلاف التصوير في السابق، فإن العلتين فيه أقوى مع ضعف المصلحة المعارضة على فرض دعوى وجودها في أمرٍ ما.
وهذا المقام لا يتسع لبسط هذه المسألة بأكثر مما سبق.
التنبيه الرابع: علم مما تقدم أن مسألة التصوير المعاصر مسألة اجتهادية لا ينبغي التشنيع فيها على المخالف، فمن رأى التحريم مطلقاً فلا شك أنه يرى التحريم في جميع وسائل الإعلام المشتملة على الصور.
وهذا قول له وجاهته، وللقائلين به اعتبارهم واحترامهم، ولكن تبقى المسألة اجتهادية لا يعنف طرف فيها طرفاً, ولا يحمله على رأيه حملاً، ولا يقصره عليه قصراً.
وكذلك مسألة المشاركة في التلفزيون والقنوات الفضائية، حتى عند من يرى جواز التصوير للحاجة، إذا رأى فيها المنع فعليه أن يدرك أنها مسألة اجتهادية، لا تصل إلى حد تسفيه المخالف وتعنيفه وطرد اللوازم على قوله.
ومن العجب أن يصل الإنكار فيها إلى المنع من السعي لتأسيس قناة فضائية إسلامية تعمل وفق منهج إسلامي ومن خلال هيئة شرعية!
فماذا يريدون إذاً أن يعمل أهل الخير والإصلاح؟! أم أنهم يعزلون أنفسهم عن واقعهم بوسائله وإمكانياته؟!
مع أن من ينكر ذلك قد يستخدم وسائل ليست بأنقى ولا أصفى من القنوات كالإنترنت وأضرابه.(16/511)
فمن كان إنكاره من أجل التصوير فالخطب أيسر؛ ولكن عليه أن يعلم أن التصوير المعاصر مسألة اجتهادية, والعلماء الكبار لا يخالفون في ذلك إذا وجدت المصلحة، كما أشرت آنفاً إلى رأي الإمام ابن باز والعلامة الألباني، وأضيف أيضًا شيخنا ابن عثيمين رحمه الله وشيخنا ابن جبرين حفظه الله وغيرهما كثير.
وأما من كان يرى رأي هؤلاء المشايخ في التصوير أي بجوازه للمصلحة، ثم هو مع ذلك يشدد النكير على وجود قنوات إسلامية فهذا لم أجد له وجهاً.
ومن ظن أن مثل ذلك يعد إقراراً لبقية القنوات، وأن فيه إغراءً للشباب بمتابعتها، كما قد ظن أيضاً من شدد النكير على من يشاركون في القنوات غير الإسلامية، أن ذلك حمل البعض على اقتناء القنوات ومشاهدتها من أجلهم، ثم فسدوا بسبب تماديهم في البرامج والقنوات.
من ظن ذلك فقد حمّل الأمر ما لا يحتمل، وألزم من غير لزوم، فطالب العلم حين يخرج في برنامج في فضائية لإيصال الحق وتعليم الناس نظراً لكثرة من يتابعها ويشاهدها فهل هو بفعله أراد من كل أحد أن يقتني الدش من أجله؟
كلا..، وذنب من اقتنى وتمادى إنما هو على نفسه، أما طالب العلم والداعية فقصده من كان يشاهد في الأصل، وجمهورهم كثير على المستوى المحلي والعالمي.
وإذا كان لك موقع في الإنترنت تبث منه الخير، أي خير كان في العلم أو الدعوة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو غيرها, فهل تتحمل ذنب شخص أدخل الإنترنت من أجل موقعك ثم وقع في المواقع الهابطة فأفسدته؟! إن مثل هذا كمثل ذاك لا فرق.
فينبغي تناول المسائل باعتدال كي لا ينقلب الأمر إلى منهج مختل قد يأتي على كثير من المصالح والقواعد فتخرّ. أو يقف صاحبه عند بعض الأمور لا يستطيع طرد منهجه فيها، فهذا يدل على الخلل فيه، إذ لو كان صائباً لا طّرد ولم يتخلف في بعض المسائل والحالات.
وقد كنت أنتظر بدلاً من الرفض التام للمشاركة في القنوات أن لو كُتب في ضوابط المشاركة فيها، والتنبيه على بعض الأخطاء ممن قد يشارك من أهل العلم والدعوة وأمثالهم من أهل الإصلاح, لا أن تتخذ هذه الأخطاء دليلاً على تحريم المشاركة مطلقاً, فهذا أيضاً من الخطأ في المنهج، حين تكون الأخطاء في العمل المباح أو المشروع من أدلة المنع منه.
بل المنهج الصحيح في تناول المسائل والقضايا أن تناقش على فرض الصورة الخالية من الأخطاء ليعرف الحكم في أصلها.
وفي الختام أشير إلى أن ما حملني على الإطالة في جواب هذا السؤال هو من أجل التلازم الذي قد يقع فيه البعض بين اقتناء الفضائيات وبين مشاركة أهل الإصلاح فيها، فيحمله التلازم إما على الإباحة في الكل أو على المنع في الكل.
ومن أجل أن يعلم الجميع أننا في الوقت الذي نرى فيه المشاركة إذا غلبت المصلحة، نحذر أيضاً من تلك القنوات على وفق التفصيل الماضي بقواعده.
هذا ما أدى إليه الاجتهاد الذي يكتنفه القصور، فما كان من صواب فمن الله، وما كان غير ذلك، فأسأل الله تعالى الدلالة على الحق والتوفيق إليه ومغفرة الزلل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(17/1)
لماذا تحرم علاقة التعارف بين الخطيبين؟
المجيب البندري بنت عبد العزيز العمر
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/02/1427هـ
السؤال
تناقشت أنا وبعض أصدقائي في موضوع يشغل بالنا جميعاً. فالإسلام يحرم الاختلاط، ويحرم الاختلاء بالبنت حتى بعد الخطبة، ولا يمكن معرفة سلوك البنت إلا إذا تم معرفتها قبل الخطبة؛ لأن أغلبهن يكون كالحمل الوديع بعد إعلان الخطبة. فكيف يمكنني أن أجلس مع البنت قبل الخطبة وهو حرام؟
وتطرق الموضوع إلى أن الإسلام لابد أن يتماشى مع قضايا العصر، أو بمعنى آخر علينا أن نفهم الإسلام ونتعامل معه بمفهوم قضايانا الحديثة. فما الرد على هذا الكلام (الاختلاء بالبنت قبل الخطبة، وتطوير مفاهيم الإسلام) ؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيمكنك -أخي الفاضل- أن تبين حِكْمة الإسلام في منع الاختلاط، وعدم تعارضه مع ما ذكرت من المصلحة المترتبة على معرفة سلوك الفتاة قبل الاقتران بها من خلال النقاط التالية:
1- مهما جلس الخاطب مع الفتاة فلن يمكنه أن يعرف سلوكياتها كاملة، لأنها ستتجمل ما استطاعت، كما هو الحال مع الخاطب نفسه حين يريد أهل الفتاة معرفة خُلُقَة ودينه، فالجلوس وحده وسيلة عقيمة لا تؤدي الغرض منها، وأفضل منها بكثير السؤال عن الفتاة في مدرستها وبين صديقاتها، وإن كانت سافرت مع قوم أو خرجت معهم في رحلة سُئل عنها، كما يمكن معرفة قدر دينها ومستوى خُلُقها من خلال معرفة صديقاتها فالخليل بالخليل يقتدي، والمرء على دين خليله كما في الحديث عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم-. انظر سنن أبي داود (4833) ، وجامع الترمذي (2378) .
وإذا كان الخاطب يريد أن يعرف مستوى ثقافتها وفكرها فيمكن من خلال مكالمة هاتفية تحت إشراف ولي المرأة ونظره وعلمه، مع مراعاة الأدب والحشمة وعدم ترخيم الصوت؛ عملاً بقول الله تعالى: "فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض" [الأحزاب:32] ، والشرع لا يمنع من ذلك.
2- الاختلاط في مثل هذه الصورة إن ظن البعض أن فيه مصلحة إلا أنه يتعارض مع مفسدة أشد، وهي احتمال الوقوع في الحرام، ولذا قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم" انظر صحيح البخاري (1862) ، وصحيح مسلم (1341) . وفي حديث آخر" إلا كان الشيطان ثالثهما" انظر جامع الترمذي (2165) ، وسنن ابن ماجة (2363) .، وقاعدة الشرع: أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، لاسيما وأن علاقة الرجل هنا بالمرأة خطبة وثيقة الصلة بالنكاح، فيخشى من وقوع ما لا تُحمد عقباه.
3- الإسلام صان المرأة وحفظها من كل ما يخدش حياءها أو يُقلِّل من هيبتها، ولذا منع من اختلاط الخاطب بالمخطوبة لاحتمال ألا تتم الخطبة، فهل تصبح المرأة سلعة لمن شاء أن يتفحصها، ثم إن شاء أمضى العقد أو تراجع، فليست مصلحة الرجل بأعز من مصلحة المرأة ولا أولى، وهذا مقتضى العدل والحكمة، سيما أن الخاطب يمكنه معرفة ما يريد بالحرص على اختيار المرأة الصالحة المعروفة بذلك، والتي تربت وترعرعت في مجتمع صالح.
وبهذا يكفل لكل من الطرفين حقه وتُحفظ مصلحته، وفقك الله وأعانك على سبل الخير.(17/2)
إذا كانت دعوة الأنبياء واحدة فلماذا الاختلاف؟
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/02/1427هـ
السؤال
لماذا يختلف الإسلام عن اليهودية وعن النصرانية، والله -سبحانه وتعالى- يقول: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشتركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب"؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيعتقد المسلمون أن دين الله واحد، وأن ما جاء به أنبياء الله من لدن آدم إلى محمد، -صلوات الله وسلامه عليهم- واحد، وهو الإسلام بمعناه العام، الذي هو توحيد الله بالعبادة، والخلوص له من الشرك. قال تعالى: "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ" [لشورى: من الآية13] فكانت دعوتهم واحدة: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ" [الأنبياء:25] . وإنما وقع التنوع في الشرائع، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "الأنبياء إخوة لعَلات أمهاتهم شتى، ودينهم واحد" متفق عليه. [صحيح البخاري (3443) ، وصحيح مسلم (2365) ] فما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- من العقائد الصحيحة، والشرائع العادلة، والأخلاق القويمة، هو الإسلام بالمعنى الخاص، الذي نسخ الله به جميع الأديان، فلا يقبل ديناً سواه، كما قال تعالى: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [آل عمران:85] ، وكما قال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة؛ يهودي، ولا نصراني، ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار" رواه مسلم (153) .
ويعتقد المسلمون أيضاً أن ما سوى الإسلام من الأديان إما فاسدٌ من أصله؛ كالديانات الوثنية، أو صحيح الأصل، ولكن طرأ عليه التحريف والتبديل؛ كاليهودية والنصرانية، وما صح منهما فهو منسوخ بالإسلام.
وقضية تحريف العهدين القديم والحديث واختلاف نسخهما باتت محل تسليم من الباحثين اللاهوتيين، وليست مجرد دعوى يطلقها المسلمون، بناءً على الأدلة القطعية في الكتاب والسنة، ومن ثم فإن العقيدة الإسلامية تمثل حقيقة دينية كاملة، لا يتطرق إليها الخطأ في حد ذاتها؛ لكونها مصونة محفوظة. وليس معنى ذلك أن ليس مع أهل الكتاب صواب مطلقاً، بل ثَمَّ صواب مشوب بخطأ وتحريف يكون منظومة باطلة، لا يصح الاعتماد عليها.(17/3)
وليس في نصوص القرآن ما ينافي هذه المسلمة؛ فقوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" [الحج:17] ليس فيها أدنى تزكية للملل الأخرى، أو إيحاء بأنهم على حق، كما توهمه بعضهم، بل غاية ما فيها الإخبار بأن الله -تعالى- سيجمع هذه الطوائف يوم القيامة، ويفصل بينهم بحكمه العدل المبني على شهادته لأعمالهم.
وكل هذه الطوائف الضالة بإزاء الذين آمنوا، ولذا قال بعدها: "هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ" [الحج: من الآية19] فذكر الذين كفروا ومصيرهم، ثم ذكر الذين آمنوا ومصيرهم. والله أعلم.(17/4)
أكل أموال الكفار
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/03/1427هـ
السؤال
أودّ أن أعرف: هل يجوز أخذ أموال الكفّار، بما أنّه ليس بيننا وبينهم ميثاق؟ وحتّى لو كان هناك ميثاق، فإنّ هؤلاء قد نقضوه مرارا إذ إنّهم يهاجمون الإسلام والمسلمين بوسائط شتّى (مثل ما فعلوه في الدانمرك وغيرها) .
وما الكفّارة التي تلزم مسلمًا قَتَل كافرًا؟ وهل كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يفرّق بين الرجال البالغين وغيرهم من الأعداء المقاتلين أم لا؟ وهل كان يَعتبر كلّ رجل بالغ مقاتلاً دون تفريق بين مدنّيين وعسكريّين؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فكل كافر بينه وبين المسلمين عهد أو ذمة أو أمان، سواء كان صريحاً أو غير صريح فإنه معصوم الدم والمال، ولا يجوز الاعتداء عليه، ومن اعتدى عليه فقد باء بإثم عظيم، فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة". صحيح البخاري (3166) .
أمّا نقض العهد فهو مختص بمن نقضه، فلو تعاهد جماعة مع المسلمين ثم نقضت طائفة من الكفار العهد فهذا النقض مختص بهم ما داموا لم يتحيزوا للمعاهدين، ومن أقام في بلد كفار وقد دخلها بتأشيرة أو أمنه الناس لكونه مواطناً فيهم فإنه لا يجوز له نقض عهده معهم.
ولو أراد نقض العهد وقتالهم فإن عليه أوّلاً أن يبلغهم بانتهاء المعاهدة، وعزمه على قتالهم. أما الكفارة التي تلزم مَنْ قَتَلَ كافراً معاهداً أو ذميًّا أو مستأمناً فهي عتق عبد مؤمن، فإن لم يوجد فيصوم شهرين متتابعين؛ لقوله تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُم وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا" [النساء:92] .
ويلزمه أيضاً إعطاء أهل المقتول الدية، (وهي غرامة مقابل تفويت نفس المقتول) .
أما الكافر المقاتل الذي ليس معاهداً ولا ذميًّا ولا مستأمنًا فإنّ قتله لا كفارة فيه؛ لأنه ليس محرّم القتل؛ لوجود الحرب بينه وبين المسلمين، والمحارب يباح قتله.
أما من لا يباشر القتال من المدنيين كالفلاحين والتّجار والأطفال والنساء ونحوهم فقتلهم محرم في وقت الحرب ووقت السلم. لكن لا كفارة فيه، بل التوبة والاستغفار.
وفيما سبق يتضح أن الإسلام يفرق بين المقاتل وبين من لا شأن له بالقتال، فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قتل النساء والصبيان. صحيح البخاري (3015) ، وصحيح مسلم (1744) .
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "اتقوا الله في الفلاحين الذين لا ينصبون لكم الحرب" سنن البيهقي (9/91) ، وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: (من أطبق بابه على نفسه ولم يقاتل لم يُقْتل) . والله الموفق.(17/5)
جهاد الدفع وجهاد الطلب
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/04/1427هـ
السؤال
نحن في العراق أهل السنة والجماعة والملتزمين بمنهج سلف الأمة نعاني من المضايقات ما نعاني ونشكو أمرنا إلى الله ولكن يا شيخ لقلة أهل العلم عندنا فنجد الكثير من شبابنا مندفعين بنص أو بحديث دون النظر إلى نصوص أخرى وفهم سلف الأمة فتجده قد يقوم بالتفجير أو القتل.
شيخنا أنا أحاول أن أطلب العلم من خلال متابعة الأكاديمية الإسلامية المفتوحة وسماع محاضرات شرح لبعض أمهات الكتب للشيخ محمد صالح بن عثيمين رحمة الله عليه فوجدت أنه في قضية الجهاد يقسم الجهاد إلى نوعين جهاد طلب وجهاد دفاع ويوجب الشيخ على من احتلت بلاده الجهاد على أن يكون لنصرة دين الإسلام في ذلك البلد أو للحفاظ على الإسلام في ذلك البلد لكن لا نقاتل من أجل أن هذه الأرض المحتلة هي بلدنا يعني لا نقاتل من أجل وطنيتنا.
أرجو أن توضح لنا منهجا نسير عليه الآن في العراق فهل نجاهد؟ وهل يجوز قتل من نجده فيه ضرراً على المسلمين من المسؤولين، لأن الشباب هنا متخبطون فلتكن رسالة كالتي بعثها ابن تيمية -رحمه الله تعالى- لأهل واسط وسميت بالعقيدة الواسطية، والآن أصبحت منهجا يدرسها كل من طلب العلم وأصبحت مستندا يستند إليها، وقد أكون أطلت عليك ولكن اعلم يا شيخ ما هو حالنا وإنا حيارى. وجزاكم الله خير الجزاء وأثابكم وجمعنا وإياكم مع سيد المرسلين في جنات النعيم.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأسأل الله أن يثبتني وإياكم على الحق المبين والصراط المستقيم وأن يجنبنا جميعاً طريق المغضوب عليهم المعاندين وطريق الضالين الجاهلين. آمين.(17/6)
واعلموا أن قتال الكفار والمعتدين على بلاد المسلمين وحرماتهم –أمر واجب ومتعين على القادرين من أهل ذلك البلد المحتل خاصة، ونظراً لقيمة الوطن في الإسلام أمر الله بقتال كل معتدٍ يريد إخراجنا منه وإفساد ديننا وأخلاقنا وامتصاص خيراتنا، وسماه فتنة وجعلها أكبر من القتل فقال: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ" [البقرة:190-191] . وفي الوقت ذاته حرّم قتال من لم يقاتلنا ونهانا عن ما يعرف اليوم بالحرب الأهلية فقال: "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُم مِن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ" [البقرة:84] . وهذا القتال يجب أن يكون لإعلاء كلمة الله وفي سبيل نصرة المظلومين المضطهدين وكسراً لشوكة الكافرين المعاندين، وإذا كان من قتل دون نفسه أو ماله أو عرضه أو دينه فهو شهيد، فإن هذه الأمور كلها توجد داخل الوطن فالمحاماة عنها محاماة عن الوطن والدفاع عن الوطن هو دفاع عنها، وحكم الجهاد بنوعيه: جهاد الطلب وجهاد الدفع باقٍ لم ينسخ، وإنما هو حسب حال الأمة من القوة والضعف، فإذا كانت الأمة قوية في عددها وعدتها فهي مطالبة بالأخذ بنصوص القتل والقتال وغزو المشركين والقعود لهم في كل مرصد؛ ليؤمنوا بالله أو يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وإن كانت الأمة ضعيفة مستضعفة كحال المسلمين اليوم فالواجب الأخذ بآيات الصبر والمصابرة وعدم محارشة الكفار وإثارة حميتهم، قال –تعالى-: "وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ" [الأنعام:108] .
وفي هذا العصر الذي لا يكاد يوجد فيه للمسلم ركن يركن إليه، فعليه اللجوء إلى الله وأداء شعائر دينه، والصبر على الأذى فيه، لا سيما إذا كان فرداً وخصمه جماعة، أو دولة، أو قوبل رأيه بفتوى شرعية مستندة إلى الكتاب والسنة وجب عليه قبولها.
وتقدير جهاد الدفع وتحديده وإعلانه يخضع للاجتهاد الجماعي من أهل العلم الشرعي –في كل بلد بحسبه- إلا إذا اعتدي على المرء في نفسه أو ماله أو عرضه فيجوز له أن يدفع ذلك عنه ما استطاع، والأفضل أن يستشير قبل ذلك من هو أعلم منه وأكثر خبرة وتجربة.
وليس هناك علامات ينتفي بها جهاد الدفع بل هو باق إلى يوم القيامة ما دامت الأمة ضعيفة مستضعفة، واختيار أي نوع من نوعي الجهاد يخضع لتقرير أهل العلم والفكر والشوكة في كل بلد من بلاد المسلمين، وكل أهل بلد أدرى بشؤونهم من غيرهم.
ومن أوجه الشبه بين المسلمين اليوم والمسلمين في العهد المكي: الضعف وقلة العدد والعُدد، وتكالب الأعداء على المسلمين من اليهود وأذنابهم، والمشركين وإخوانهم، والمنافقين وأتباعهم.(17/7)
ومن أوجه الاختلاف بين الحاضر والماضي –في العهد المكي خاصة-: وجود الرسول –صلى الله عليه وسلم- بين ظهراني المسلمين في مكة، ينزل عليه الوحي ويصحح لهم أخطاءهم ويسدد آراءهم، وكانوا لا يتجاوزون عشر آيات من القرآن يتلونها حتى يعملوا بها، أما نحن اليوم فقد يحفظ الواحد منا القرآن كاملاً أو يختمه أكثر من مرة، ولكنه لا يكاد يعرف شيئاً من حلاله وحرامه، وكانوا عرباً خلصاً على صفات حميدة من الصدق والشجاعة والكرم والشهامة والرجولة، أما نحن فعلى خلاف ذلك –إلا ما شاء الله-.
وإذا دخل العدو بلداً من بلاد المسلمين وجب على أهل ذلك البلد –المواطن منهم والمقيم- عينا الدفاع عن ذلك البلد، بكل وسيلة مشروعة ممكنة، فإن لم يستطع أهل هذا البلد المغزو وجب على أقرب البلاد إليهم إعانتهم والدفاع معهم ونصرتهم، وجوباً عينياً أيضاً، ولو كان أهل ذلك البلد أو من جاورهم ليس عندهم عدة ولا عتاد يساويان أو يقاربان عدد وعدة العدو لأن قتالهم هذا قتال دفع لا طلب، وجهاد الدفع لا يشترط فيه ما يشترط في جهاد الطلب، بل الواجب عليهم في مثل هذه الحال أن يقاتلوا العدو بأي حال؛ لقوله –تعالى-: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" [الحج:39] .
ولعموم حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم، وألسنتكم" رواه أبو داود (2504) والنسائي (3096) من حديث أنس –رضي الله عنه-.
فجهاد الدفع لا يشترط فيه اجتماع عدد معلوم، ولا يلزم أن يكون للمسلمين المغزوين إمام يستأذن كما لا يستأذن الأب ولا الأم، ونحو ذلك، وإن كان المسلمون المعتدى عليهم خليطاً من المؤمنين والكفار، لا يشترط لهم حينئذ أن تكون لهم راية واحدة يقاتلون تحتها، وإن أمكن ذلك فحسن، وإن لم يمكن تعاون المسلمون مع الكفار الذين يسكنون معهم على العدو الذي غزاهم في عقر دارهم، ولكن يجب على المسلمين –فرادى كانوا أو جماعة- حينئذ أن يعلنوا أن جهادهم إنما هو لإعلاء كلمة الله وفي سبيله لا غير، (والراية العِمِّيَّة) التي يحرم القتال تحتها ولو مات فيها مات ميتة جاهلية، هي التي دل عليها حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- في صحيح مسلم (1848) : "من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهلية".
وجاء في حديث سعيد بن زيد –رضي الله عنه- عند الترمذي (142) ، وأبي داود (4772) ، والنسائي (4094) ، وابن ماجه (2580) : "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد" والعدو المعتدي -مسلماً كان أو كافراً- إنما يريد هذه الأمور الأربعة مجتمعة أو بعضها، ومن لازم ذلك القتال للدفاع عن بلاد المسلمين إذا غزيت من قبل العدو الكافر؛ لأن هذه الأمور داخلة في بلاد المسلم أو وطنه.(17/8)
أما القول بوجوب اشتراط وجود الإمام أو إذنه في الجهاد في سبيل الله فلا أعرف أحداً من أهل العلم المقتدى بهم اشترطه، بل الواجب خلافه، وهو أن الإمام لا يكون إماماً إلا أن يقوم بالجهاد في سبيل الله، لا أنه لا يكون جهاد إلا بإمام، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (34/176) . والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوابه، فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق،.... فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين، ومتى لم يقم إلا بعدد ومن غير سلطان أقيمت، إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها" انتهى. وعمل أبي بصير -رضي الله عنه- في قصة الحديبية ومن معه من المهاجرين الذين قاموا بقطع الطريق على قافلة قريش أظهر دليل على عدم اشتراط وجود الإمام أو إذنه للجهاد في سبيل الله، بل قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أبي بصير لما بلغه فعله في قريش: "ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد" انظر صحيح البخاري (2731-2732) ، يؤكد عدم اشتراط وجود الإمام أو إذنه في الجهاد في سبيل الله، بل نجد أئمة الدعوة في نجد منعوا وأنكروا مثل هذا الاشتراط، فيقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ت1258) : (بأي كتاب أم بأية حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع؟ هذا من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين، والأدلة على إبطال هذا القول أشهر من أن تذكر ... ) ، انظر الدرر السنية (5/97-99) . والله أعلم.(17/9)
هجر الزوجة لزوجها أكثر من ثلاثة أيام!
المجيب د. محمد بن عبد الله المحيميد
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/2/1427هـ
السؤال
هل يجوز للمسلم أن يهجر أخاه المسلم -لسبب- مدة ثلاثة أيام؟ وهل يجوز للزوجة أن تهجر زوجها مدة ثلاثة أيام؛ بسبب سوء تصرفه معها؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالهجر نوع من العقوبات المشروعة لأجل الزجر والتأديب، وقد أرشد القرآن الكريم الأزواج إليه لمعالجة نشوز الزوجات، كما في قوله تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع...." الآية [النساء:34] . ومارسه النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الثلاثة الذين خلفوا كما ثبت في الصحيح، انظر صحيح البخاري (4418) ، وصحيح مسلم (2769) . غير أنه حرَّمه إذا كان لحظ النفس أكثر من ثلاثة أيام كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام". صحيح البخاري (6065) ، وصحيح مسلم (2559) ، مما يدل على جوازه فيما دون ذلك. والهجر درجات، فقد يكون بالكلام بأن لا يحادث المهجور، وقد يكون بالمكان بأن لا يجالسه، وقد يكون بغير ذلك.
لكن يجب على المسلم أو المسلمة مراعاة المصلحة الشرعية في تطبيق هذه العقوبة (أعني عقوبة الهجر) ؛ إذ المقصود بها زجر المهجور، وتأديبه، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفته كان مشروعاً، وإن كان لا يرتدع بذلك بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث تكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التألف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التألف، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتألف قوماً ويهجر آخرين بحسب ما يراه من المصلحة.
وفي رأيي أن هجر المرأة لزوجها لا يجوز؛ لما قد يترتب عليه من محاذير شرعية، كعدم الاستجابة لمطالبه التي يحرم على المرأة عصيانه فيها، وتسببه في تفاقم المشاكل بين الزوجين؛ لأن الهجر لايؤتي ثماره غالباً إلا إذا صدر من شخص له سلطة وولاية على المهجور، مثل الحاكم مع أحد أفراد رعيته، أو الوالد مع ولده، أو الزوج مع زوجته، ومعلوم أن موقف الزوجة بالنسبة إلى زوجها ضعيف، ولذا فأنجع علاج -في رأيي- لسوء تصرف الزوج أن تتمثل الزوجة قوله تعالى: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" [فصلت34] ، وأن تتحلى بالصبر وتحتسب في ذلك، وأن تكثر من الدعاء لها ولزوجها بأن يصلح الله أحوالهما. أسأل الله أن يصلح أحوال الجميع. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(17/10)
هل رسوم الجمارك مكوس؟!
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/04/1427هـ
السؤال
هل الجمارك التي تأخذها الدولة هي المكوس التي يذكرها الفقهاء في كتبهم؟ وما حكم فتح محل للتخليص الجمركي؟ وهل ما يؤخذ منه حلال؟
الجواب
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالمكس هو ما يأخذه الظلمة وأعوانهم من عموم الناس من النقود وغيرها -بغير حق، ومعنى ذلك أنه لابد أن يتحقق في المكس أمران:
1- أن يؤخذ من صاحبه بغير رضاه.
2- أن يأخذه الآخذ لمصلحته الخاصة، لا لمصلحة المسلمين العامة، ومتى اختل أحد هذين الشرطين لم يكن مكساً.
والمكس المحرم كان معروفاً منتشرًا عند العرب، ويعرف أحياناً بالإتاوة، ويؤخذ قسراً عند البيع والشراء.
فيه يقول الشاعر:
وفي كل أسواق العراق إتاوة *** وفي كل ما باع امرؤ مكس درهم
والمكس هو الذي عناه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قوله عن الغامدية -رضي الله عنها-، لما رجمت بعد زناها: "لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له" أخرجه مسلم (1695) . أي إن المكس المحرم مثل الزنا أو أشد.
أما الجمارك اليوم فهي ضرائب مالية توضع على بضائع تدخل لبلاد المسلمين تقررها الدولة لصالح تشجيع البضائع والمنتجات المحلية لصالح المواطن والمستهلك، وما يجمع من هذه الضرائب يدخل خزينة الدولة لصالح الأمة عامة.
وعلى هذا فالجمارك ليست هي المكوس السابق ذكرها، لتخلف الشرطين المشار إليهما سابقاً.
وإنما شرعت الجمارك في الدولة الحديثة -وفي الإسلام خاصة- وفق المصلحة المرسلة في الشريعة، كما هو مقرر عند أهل العلم.
وبناء على هذا فلا حرج عليك في فتح محل للتخليص الجمركي، وما يصل إليك من هذا المحل حلال -إن شاء الله-.
أسأل الله للجميع التوفيق والسداد. آمين.(17/11)
هل آثم بطلب الطلاق؟!
المجيب البندري بنت عبد العزيز العمر
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/02/1427هـ
السؤال
ما حكم الزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها، وتقول: إنها معمول لها عمل سحري؟ علماً أن لديها أولاداً من هذا الزوج.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالطلاق أبغض الحلال إلى الله تعالى، وإذا كان التفكير في الطلاق بسبب سوء العشرة فلا حرج في ذلك؛ لأن النهي إنما ورد في الطلاق من غير ما بأس، (أي بلا سبب ولا عذر يسوِّغ ذلك) ، وانعدام الألفة والمحبة من البأس الذي يسوِّغ طلب الطلاق، وكذا استمرار المشاكل الأسرية، بحيث لا يجد الزوجان سبيلاً للخلاص من ذلك، لكن في مثل وضعك لا أنصحك بطلب الطلاق، فليست المسألة مسألة حلال أو حرام، فأنت عندك أبناء وكانت حياتك السابقة جميلة وسعيدة، لكن عكَّر صفوها ما ذكرت من قضية السحر والعين أو التأزم النفسي، لذا عليك بالإكثار من الدعاء، والإلحاح على الله -تعالى- بإصلاح الحال.
كما ينبغي أن تحرصي على الرقية الشرعية، سيما المعوذات، فترقي نفسك وزوجك مباشرة أو في ماء أو ما أشبه ذلك كأوراق السدر وتغتسلين بها.
وقد يطول الوقت ولا تجدين الثمرة، فاحرصي على عدم الاستعجال؛ لأن غالب الأمور في مثل وضعك يحتاج إلى وقت وثقة عظيمة بقدرة الله تعالى على إصلاح الحال والانتفاع بالرقية، وإذا كانت العشرة سيئة جداً فبإمكانك الابتعاد عن الزوج لفترة دون طلب الطلاق، ولا يفوتك شرب ماء زمزم بنية صلاح حالك؛ فقد ورد: "ماء زمزم لما شُرب له" أخرجه أحمد (14320) ، وابن ماجه (3062) ، أعانك الله، ووفقك لسبل الخير والنجاة وصلاح الحال.(17/12)
مشاركة الكفار للمسلمين في صلاتهم!
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/02/1427هـ
السؤال
نحن في الولايات المتحدة، وقد زار رئيس مدينتنا -وهو يهودي- المسجد؛ لكي يلقي كلمة للمسلمين بعد صلاة الجمعة، وعند زيارته حضر صلاة الجمعة في الصف الأول، وصلّى مع المسلمين، وقد تم ذلك بموافقة إمام المسجد، فهل يجوز لغير المسلم أن يصلي مع المسلمين في مثل هذه الظروف؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيجوز لغير المسلم -كاليهودي والنصراني- دخول مساجد المسلمين، فلقد كان الحبشة -وهم نصارى- قد ضربت لهم خيمة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وإذا جاز لهم دخول المسجد فلا يجوز منعهم من الصلاة مع المسلمين -إن رغبوا- ولكن لا أجر في صلاتهم تلك، وإنما هي مجرد حركات لا غير؛ لقوله تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء:48] وهم مشركون وإن كانوا أهل كتاب؛ لأنهم يقولون: عزيرٌ ابن الله. والمسيح ثالث ثلاثة، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. وتألف الكافر للدخول في الدين، أو دفع أذاه عن المسلمين مطلوب شرعاً. والله أعلم.(17/13)
أيهما أفضل: دم الشهداء أم مداد العلماء؟!
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/03/1427هـ
السؤال
أيهما أفضل: مداد العلماء أم دم الشهداء؟ وهل هناك دليل من القرآن أو السنة يؤكد ذلك؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالمعروف في هذه المسألة هو الموازنة بين مداد العلماء ودم الشهداء، ومما ورد في ذلك من الآثار قولهم: (يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء، فيرجح مداد العلماء على دم الشهداء) .
قال المناوي: وأسانيده ضعيفة، لكن يقوي بعضها بعضاً. انظر كشف الخفاء (2/400) برقم (3281) .
وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- الخلاف في هذه المسألة، فقال: (وقد اختلف في تفضيل مداد العلماء على دم الشهداء وعكسه، وذُكر لكل قول وجوه من التراجيح والأدلة، ونفس هذا النزاع دليل على تفضيل العلم ومرتبته، فإن الحاكم في هذه المسألة هو العلم، فيه، وإليه، وعنده يقع التحاكم والتخاصم، والمفضل منهما من حكم له بالفضل) ، ثم قال: (فإن قيل فما حكمه في هذه المسألة التي ذكرتموها. قيل: هذه المسألة كثر فيها الجدال واتسع المجال، وأدلى كل منهما بحجته، واستعلى بمرتبته، والذي يفصل النزاع ويعيد المسألة إلى مواقع الإجماع الكلام في أنواع مراتب الكمال، وذكر الأفضل منهما، والنظر في أي هذين الأمرين أولى به وأقرب إليه) .
ثم ذكر أن مراتب الكمال أربع: (النبوة والصديقية والشهادة والولاية، فأعلاها مرتبة النبوة والرسالة، ويليها الصديقية؛ فالصديقون هم أئمة أتباع الرسل، ودرجتهم أعلى الدرجات بعد النبوة، فإن جرى قلم العالم بالصديقية وسال مداده بها كان أفضل من دم الشهيد الذي لم يلحقه في رتبة الصديقية، وإن سال دم الشهيد بالصديقية وقطر عليها كان أفضل من مداد العالم الذي قصر عنها، فأفضلهما صديقهما فإن استويا في الصديقية استويا في المرتبة، والله أعلم.
والصديقية هي كمال الإيمان بما جاء به الرسول علماً وتصديقاً وقياماً، فهي راجعة إلى نفس العلم، فكل من كان أعلم بما جاء به الرسول وأكمل تصديقاً له كان أتم صديقية، فالصديقية شجرة أصولها العلم وفروعها التصديق وثمرتها العمل فهذه كلمات جامعة في مسألة العالم والشهيد وأيهما أفضل. وهذا كلام رصين من إمام محقق فليتأمل. انظر مفتاح دار السعادة (1/80) . والله الموفق.(17/14)
السنة في التعزية
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/02/1427هـ
السؤال
أرجو من مشايخنا الكرام شرح كيفية تقديم العزاء لأهل المتوفى على نهج ما كان يفعله نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
الجواب
فالتعزية سنة، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الترغيب فيها، فقد رُوي عنه أنه قال: "ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة". رواه ابن ماجه (1601) .
وتكون التعزية بكلمات طيبة تعين على الصبر، والرضا بالقدر، ومن ذلك: "أحسن الله أجرك"، "اصبر واحتسب"، "عظَّم الله أجرك"، وقول: "إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل إلى أجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب" رواه البخاري (1284) ، ومسلم (923) .
وفقنا الله وإياك لاتباع السنة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(17/15)
التخلص من الربا بإعطائه للأم!
المجيب د. عبد الله بن عبد الله بن عبيد الزايد
مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/02/1427هـ
السؤال
ادخرت بالبنك قيمة مالية، وبما أنه بنك ربوي فإن هذه القيمة ارتفعت، وأريد التخلص منها, فهل يجوز لي أن أعطيها لأمي؟ علما بأنها أرملة ولا دخل لها إلا ما نجود به عليها.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذ كنتم تجودون على أمكم من قدرتكم المالية بما لا يؤثرُ على ما تحتاجونه لأمور حياتكم المشروعة فاستمروا على ذلك، دون أن تعطوها من الفوائد الربوية.
أما إذا كان ما تدفعونه للوالدة لسدِّ حاجاتها وضروراتها يؤثر عليكم، بحيث لا تسطيعون سد حاجاتكم؛ لأنكم تمنحون الوالدة جزءًا أقربُ ما يكون إلى عدم قدرتكم على سد الحاجات والضرورات فلا بأس أن تدفعوا لها الناتج الربوي، على أن يقتصر ما تدفعونه من ذلك على الضروريات أو الحاجات الملّحة للوالدة، والباقي من الفوائد الربوية الزائدة على حاجة الوالدة يدفع للمحتاجين من الفقراء الآخرين، والأولى دفع الباقي للمحتاج من الفقراء، وأحقهم الفقراء الأقارب غير الورثة. والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(17/16)
هل لي أن أزوِّج نفسي؟!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/05/1427هـ
السؤال
أبلغ من العمر أربعين سنة، أرملة وعندي ثلاثة أبناء أكبرهم عنده ست عشرة سنة. توفي زوجي قبل سبع سنوات. بعد هذه المرحلة خوفا من الوقوع في الفاحشة! أردت الزواج فتقدم رجل لخطبتي، فكان الرفض من الوالدين بدعوى أنني أم.
هل بإمكاني أن أزوج نفسي بدون حضور والدي! وبحضور الشهود فقط؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الولي من شروط صحة النكاح، فإذا زوجت المرأة نفسها مع وجود ولي لها فنكاحها باطل، ويلزمها تجديد العقد، مستدلين بأدلة منها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا نكاح إلا بولي" رواه أحمد (8697) ، وأبو داود (2085) ، والترمذي (1101) من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-، ورواه الحاكم (2/185) من طرق كثيرة، وقال: "وقد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، رضي الله عنهن جميعا -وقال قبل ذلك-: وفي الباب عن علي وابن عباس ومعاذ بن جبل.."ثم سرد تمام ثلاثين صحابياً، انظر: التلخيص الحبير (3/156) .
لذا فالواجب عليك أختي الكريمة أن لا تزوجي نفسك فتقعي فيما لا تحمد عقباه، والواجب على والدك إذا تقدم لك من ترضين خلقه ودينه، أن يزوجك، فإن امتنع ورفض انتقلت الولاية إلى من يليه من الأولياء كجدك، فإن لم يوجد، زَوَّجَكِ أحد إخوتك، ثم من يليه، فإن امتنع الجميع انتقلت الولاية إلى القاضي، فعليك بالتقدم إلى المحكمة الشرعية في بلدك، ورفع ذلك لتجري المحكمة ما يقتضيه الوجه الشرعي من إتمام النكاح.
فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل -ثلاث مرات- فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" رواه أحمد (4250) وأبو داود (2083) وابن ماجه (1879) وصححه أبو عوانة، وابن خزيمة، وابن حبان (4074) ، والحاكم (2/182) ، قال ابن كثير: وصححه ابن معين، وغيره من الحافظ. سبل السلام (3/118) ، وانظر فتح الباري (9/191) .
فإن كنت في بلد ليس فيه قاض شرعي تولى ذلك من رضيه المسلمون للقيام بذلك، كإمام الجامع، أو رئيس المركز الإسلامي، وليس لك أن تزوجي نفسك، ولتعلمي أختي الكريمة أنه لو تم النكاح على الصفة التي ذكرتيها فسيترتب على ذلك من المشاكل ما لا يعلمه إلا الله تعالى والله تعالى، أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(17/17)
هل عقد النكاح بهذه الطريقة تام؟!
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/04/1427هـ
السؤال
أنا مأذون شرعي، وأقوم بإجراء عقود الأنكحة على الصفة التالية: قراءة خُطبة الحاجة، مع آيات التقوى، ثم صيغة الإيجاب والقبول، ثم الدعاء النبوي: "اللهم بارك لهما، وبارك عليهما، واجمع بينهما بالخير"، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء، فهل فعلي هذا صحيح؟ وهل يجوز تشبيك أيدي والد العروس والعريس عند الإيجاب والقبول؟ وما هو الوارد في السنة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نعم فعلك هذا صحيح وهو متفق مع السنة الواردة في هذا وهي خطبة الحاجة وإبرام العقد بعدما تتلو الآيات، وعندما تنتهي تصلي على النبي عليه الصلاة والسلام وتدعو لهما بالتوفيق.
أما ما ذكرته من تشبيك الأيدي بين والد العروس والعريس فهذا لا أصل له في الشرع، ولا حاجة إليه، وليس له علاقة بالعقد من حيث التأثير، فلا يترتب على تشبيك الأيدي زيادة توفيق ولا عدمه. ولا يترتب عليه حكم شرعي، إلا إذا اعتقد أنه أمر مطلوب، فهذا الاعتقاد يعتبر نوعا من البدعة.(17/18)
ما تباح فيه الغيبة
المجيب سليمان بن إبراهيم الأصقه
رئيس المحكمة العامة بمحافظة بلقرن
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/03/1427هـ
السؤال
نحن نتناقش في أمور تتعلق بزعماء البلد من قادة وسياسيين ووزراء، وكل منا يدلي برأيه وما يقرأه في الصحف عن هذه الفئة، ومعظم من نتكلم عنهم معروفون بالفساد على أوسع نطاق، فهل يُعدُّ كلامنا عن هذه الفئة من الغيبة المحرمة؟ علماً أننا نتكلم عن أفعالهم الفاسدة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد ذكر العلماء أموراً تباح فيها الغيبة هي من الأغراض الصحيحة التي لا يمكن الوصول إليها إلا بها، فمن ذلك ما ذكره البخاري في "صحيحه"، باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والرِّيب، ومن ذلك ما ذكره ابن أبي الدنيا في كتابيه: كتاب (الصمت وأدب اللسان) ، وكتاب (الغيبة والنميمة) ، باب الغيبة التي يحل لصاحبها الكلام بها، وذكروا في ذلك أحاديث وآثارا. وقد جمع بعض العلماء الأمور التي تجوز فيها الغيبة في ستة أمور منظومة في هذين البيتين:
الذم ليس بغيبة في ستة *** متظلِّم ومعرِّف ومحذِّر
ولمظهر فسقاً ومستفت ومن *** طلب الإعانة في إزالة منكر
وذكر الكبراء المعروفين بالفساد من قواد ووزراء إن كان داخلاً في أحد هذه الأمور الستة أو في أكثر من واحد منها فلا بأس به، وليس من الغيبة المحرمة، ويكون ذلك بأن يُتظلم منهم إلى من له ولاية أو قدرة على إنصاف المظلوم من ظالمه، أو يُستعان بمن له قدرة على إزالة ما يرتكبون من فساد ومنكرات، أو يذكرون على سبيل التحذير والنصيحة بعدم الاغترار بما وقعوا فيه من فساد، أو يذكرون بما جاهروا به من الفسق والبدعة دون ما لم يجاهروا به. ففي صحيح البخاري (6032) وصحيح مسلم (2591) عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: استأذن رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ائذنوا له، بئس أخو العشيرة، أو ابن العشيرة". فلما دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله: قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام؟! قال: "أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس -أو ودعه الناس- اتقاء شره".
وفي صحيح البخاري (6067) عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أظن فلانا ًوفلاناً يعرفان من ديننا شيئاً".
وعن زيد بن أسلم قال: إنما الغيبة لمن لم يعلن بالمعاصي.
وقال إبراهيم النخعي: ثلاث كانوا لا يعدونهن من الغيبة: الإمام الجائر، والمبتدع، والفاسق المجاهر بفسقه.
وعن الصلت بن طريف قال: قلت للحسن: الرجل الفاجر المعلن بفجوره، ذكري له بما فيه غيبة؟ قال: لا ولا كرامة.
وعن الحسن أيضاً أنه قال: ثلاثة ليس لهم غيبة: صاحب هوى، والفاسق المعلن بالفسق، والإمام الجائر.
وقد جاء في هذا المعنى حديث ضعيف أخرجه البيهقي في السنن (10/210) والشعب (9664) فيه: "من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له".
قال أبو العباس بن تيمية -رحمه الله-: "وهذان النوعان يجوز فيهما الغيبة بلا نزاع بين العلماء" ا. هـ من مجموع الفتاوى (28/219) .
والمراد بالنوعين المشار إليهما: أن يكون الرجل مظهراً للفجور، والثاني: ما كان على سبيل النصيحة والتحذير.(17/19)
أما إذا ذُكر الكبراء الفاسدون على وجه لا تحصل به أي مصلحة من المصالح السابقة بل على سبيل السب والتهكم وإشغال المجالس وتقطيع الأوقات ومجارات الجلساء، أو كان ذكرهم مبنياً على ظنون لا صحة لها، أو على أفعال يظن المتكلم أنها من موارد ذمهم، وهي ليست كذلك، فإن ذلك لا يجوز، أو على أقل الأحوال هو من فضول الكلام الذي ينبغي تركه.
وعلى المؤمن أن يشتغل بما ينفعه من الأقوال والأفعال، وليعلم أن الله –تعالى- لم يأمره إلا بما يستطيع، وقد عفى عنه فيما لا يستطيع، قال تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم". [التغابن:16] .
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- مبيناً الفرق بين الغيبة المحرمة والجائزة في حق الفاسق: "فإذا ذكرنا فسقه على وجه العيب والسب فإن ذلك لا يجوز، وإن ذكرناه على سبيل النصيحة والتحذير منه فلا بأس بل قد يجب" ا. هـ شرح رياض الصالحين (4/63) .
ومما ورد في ذلك ما أخرجه ابن أبي عاصم في كتابه السنة (1015) عن أنس –رضي الله عنه- قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب. وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (7523) . وأنس –رضي الله عنه- تأخرت وفاته إلى 92-93هـ وقد أدرك زمن الحجاج بن يوسف وهو من الظلمة المشهورين.
وفي كتاب آداب الحسن البصري لابن الجوزي (ص119) : سمع الحسن رجلاً يدعو على الحجاج، فقال: لا تفعل رحمك الله إنكم من أنفسكم أُتيتم إنما نخاف إن عزل الحجاج أو مات أن تليكم القردة والخنازير؛ فقد روي أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "عمالكم كأعمالكم وكما تكونوا يول عليكم". [وانظر السلسة الضعيفة رقم (320) ] .
ولقد بلغني أن رجلاً كتب إلى بعض الصالحين يشكو إليه جور العمال –الحكام ونحوهم- فكتب إليه: يا أخي وصلني كتابك تذكر ما أنتم فيه من جور العمال, وإنه ليس ينبغي لمن عمل بالمعصية أن ينكر العقوبة، وما أظن الذي أنتم فيه إلا من شؤم الذنوب والسلام.
ولقد بلغني أن أبا بكر –رضي الله عنه- خطب على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أيها الناس سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله جل ثناؤه يقول: أنا الله لا إله إلا أنا مالك الملوك قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني منكم جعلتهم عليه رحمة ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا قلوبكم بسبب الملوك، ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم". انتهى.
[والأثر لا يصح مرفوعاً، انظر الطبراني الأوسط رقم (8957) ، ومجمع الزوائد (5/249) قال فيه إبراهيم بن راشد وهو متروك] .
وذكر الغزالي في الأحياء (3/303) عن رجل دخل على ابن سيرين، فتناول عنده الحجاج فقال ابن سيرين: إن الله حكم عدل ينتقم للحجاج ممن اغتابه كما ينتقم من الحجاج لمن ظلمه، وإنك إذا لقيت الله غداً كان أصغر ذنب أصبته أشد عليك من أعظم ذنب أصابه الحجاج. ا. هـ(17/20)
وجماع ذلك أن الواجب على المؤمن أن يحفظ لسانه، ويعلم أنه محاسب ومحصى عليه كل ما يتكلم به، قال تعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" [ق:18] ، وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" أخرجه البخاري (6018) ، ومسلم (47) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وهذا الحديث جامع مانع، وهو قاعدة عظيمة لما يتكلم به المؤمن وما لا يتكلم به.
أسأل الله -تعالى- أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يولي عليهم خيارهم ويكفيهم شرارهم، وصلى الله على نبينا محمد.(17/21)
المشاركة في المجالس النيابية
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/03/1427هـ
السؤال
اختلفت الاجتهادات بالنسبة لجدوى تغيير المنكر عن طريق المجالس النيابية، فبعض طلبة العلم يرى دعوة الناس مباشرة لا عن طريق مجلس الأمة، وأن الداعية إذا دخل معترك مجلس الأمة أصبح ملزماً به، فيتأثر بالعَلمانية بدل أن يؤثر في المجتمع بالكتاب والسنة، فكيف نوفق بين القولين في إطار الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجب كفائي على الأمة، كما قال تعالى: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [آل عمران:104] ، ولا يتم لهم ذلك إلا بالاتحاد والاتفاق، ولذلك حذرهم من ضدهما، فقال: "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [آل عمران:105] .
فالواجب على أهل العلم، والدعاة، والمصلحين، من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- السعي بشتى السبل الممكنة لتحقيق هذه المصالح أو بعضها، والتخفيف من المفاسد أو بعضها، كما قال نبي الله شعيب -عليه السلام-: "إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" [هود:88] . وأن يتعاونوا، ويتناصحوا، فيما بينهم، وأن يشتغل كل منهم في المجال الذي يحسنه، ويسد الثغر الذي لا يسده غيره، مع الاجتهاد التام في إصابة الحق، والرجوع إليه عند الخطأ.
وتأسيسا على ما مضى، فلا بأس أن ينتدب بعض أهل الإصلاح للدخول في المجالس النيابية؛ لتحصيل ما أمكن من المطالب الشرعية، وتخفيف ما قد يقع من المفاسد، دون أن يجترح شيئاً من المخالفات الكبرى؛ فإن المفسدة الصغرى، تنغمر بجنب المصلحة الكبرى، وفي ذات الوقت يبقى غيرهم من أهل العلم والدعوة على مشاريعهم العلمية والدعوية في توجيه الناس، وإصلاحهم.
وعلى الدعاة والمصلحين وطلبة العلم أن يتآلفوا، ويتناصحوا، ويتعاذروا في الأمور الاجتهادية، ويغلبوا جانب حسن الظن فيما بينهم. وبذلك تصلح الأمور، وتستقيم الأحوال، بإذن الله وتوفيقه. والله -تعالى- الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد.(17/22)
ارتكاب الصحابة للمعاصي بعد آية الرضى!
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/04/1427هـ
السؤال
لقيت رجلاً من الشيعة، وجرى بيني وبينه هذا الحوار:
قلت: قال الله في القرآن إنه راض عن جميع الصحابة فلماذا تبغضون بعضهم؟ قال الشيعي: إذا رضي الله عنهم ثم بعد نزول هذه الآية قام بعضهم بشرب الخمر، وفعل السيئات، فهل سيظل راضياً عنهم؟ وهذا يعني أنه يتهم الصحابة بفعل السيئات! فكيف أرد عليه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الخلاف بين الشيعة والسنة ليس في قضية الصحابة فحسب، بل أصل الخلاف في المصدر الذي يأخذون منه دينهم، والمصدر الذي نأخذ منه ديننا!
وأما الرد على هذا الضال الساب للصحابة -رضي الله عنهم- فمن وجوه:
الأول: أنه إذا سلم بأن الله قد رضي عنهم، فإن دعواه بعد ذلك بانتفاء هذا الرضا عنهم، أو إتيانهم بما ينقضه، دعوى باطلة فيها رد لنص القرآن "فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين" [التوبة:96] ، فكيف يكون راضياً عنهم أولاً.
الوجه الثاني: أن من فهم أن ما ورد من ثناء على الصحابة كقوله -تعالى-:"لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة" [الفتح:18] ، من فهم أنه مختص بحال نزول الآية دون ما بعدها، فقد جاء بفهم من قبل نفسه لا يُسلم به أبداً، وهذا الفهم يسلب فائدة الآية، فلا يكون الرضا متحققاً لهؤلاء المؤمنين ولا مزية لهم تُذكر.
الثالث: أن الاتهام لا بد له من دليل "ولو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم" صحيح البخاري (2514) وصحيح مسلم (1711) ، فكيف إذا كان هذا الاتهام لصفوة الأمة ووزراء نبيها -صلى الله عليه وسلم-؟!
فما دليله على اتهامه لهم بشرب الخمر، وفعل السيئات؟ وهل يُعقل أن يفعل ذلك جميع الصحابة، أو أكثرهم؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
الرابع: أننا لو أجرينا الافتراض العقلي بوجود بعض المعاصي من بعض الصحابة -رضي الله عنهم- بعد نزول الآيات في الثناء عليهم والرضا عنهم، فهل يعد مثل ذلك ناقضاً للرضا؟.
من لم يفقه ما جاء في الكتاب والسنة قد يفهم ذلك، ولكن من تأمل النصوص الكثيرة عرف أن المعاصي لها مكفرات كثيرة غير التوبة منها، فمن تلك المكفرات: الطاعات، والمصائب، والحسنات العظيمة السابقة، ودعاء الشخص نفسه، ودعاء غيره له، وغير ذلك ...
فهب أن صحابياً وقع منه شيء من المعاصي، فمن ذا الذي يجزم بعدم تكفير تلك المعصية ومحوها؟! لا أحد يعلم بذلك إلا الله، وإذا محيت المعصية فنعلم أن الله قد علم حين رضي عنهم -سبحانه- أنهم وإن عملوا معصية فإنها ستكفر عنهم.
ومن أظهر ما يستدل به في هذا الباب قصة حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- وهي في الصحيحين البخاري (3007) ومسلم (2494) حيث كتب للمشركين يخبرهم بمسير النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم، فلما كلمه النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إلى جنبه عمر -رضي الله عنه- فقال: دعني أضرب عنقه فإنه منافق، قال -عليه الصلاة والسلام-:"إنه قد شهد بدراً، وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".(17/23)
فماذا يقول هذا الرافضي في هذا الحديث؟ وهل المغفرة لأهل بدر ترتفع وتنتفي بمثل ما صنع حاطب؟ وكأن الله لا يعلم ما هم عاملون؟! - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(17/24)
صحة حديث الدعاء الذي يهتز له العرش!
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/02/1427هـ
السؤال
أرجو بيان صحة الحديث الآتي: وهو دعاء مكتوب على باطن جناح جبريل عندما رفع عيسى -عليه السلام- إلى السماء: "اللهم إني أدعوك باسمك الواحد الأعز؛ وأدعوك اللهم باسمك الصمد؛ وأدعوك باسمك العظيم الوتر؛ وأدعوك باسمك الكبير المتعال الذي ثبت به أركانك كلها أن تكشف عني ما أصبحت وما أمسيت فيه". فقال ذلك عيسى عليه السلام؛ فأوحى الله تعالى إلى جبريل أن ارفع عبدي إلى السماء.
وقال صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد المطلب سلوا ربكم بهذه الكلمات، فو الذي نفسي بيده؛ ما دعاه بهن عبد بإخلاص فيه إلا اهتز العرش، وإلا قال الله لملائكته: اشهدوا أني قد استجبت له بهن، وأعطيته سؤاله في عاجل دنياه وآجل آخرته".
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فبعد البحث وجدت الحديث قد رواه الخطيب البغدادي في تاريخه (11/379) ، وابن عساكر في تاريخه (47/471) ، وقد أورده ابن الجوزي في موضوعاته (3/430) ح (1662) ، وقال عنه: هذا حديث لا يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعامة رواته مجاهيل لا يعرفون.(17/25)
ثوب منسوج من حرير ومن غيره
المجيب وليد بن علي الحسين
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/03/1427هـ
السؤال
قرأت في القواعد الكبرى للعز بن عبد السلام: أن المصالح الدنيوية عزيزة الوجود، وأن المصالح غالبا ما تقترن بالمفاسد، لذلك فإن المسلم عليه أن ينظر إلى الجانب الغالب منهما، فإذا غلبت المصلحةُ المفسدةَ جلبنا المصلحة رغم ارتكاب المفسدة، وإذا غلبت المفسدةُ أو تساوت مع المصلحة تركنا الفعل رغم فوات المصلحة.
فهل إذا اقتنى المسلم الذكر ثوبًا يحتوي على نسبة أقل من 50 بالمائة من الحرير يحل له لباسه؛ على اعتبار أن الحرام فيه أقل؟ وكذلك الشأن مع الذهب إذا اختلط بمعدن يباح للمسلم استعماله؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الفعل غالباً ما يكون مشتملاً على مصلحة ومفسدة، ويندر كون الفعل مشتملاً على مصلحة محضة فقط، أو مفسدة محضة، كما قال القرافي: "استقراء الشريعة يقتضي أن ما من مصلحة إلا وفيها مفسدة ولو قلت على البعد، ولا مفسدة إلا وفيها مصلحة"، فعند الحكم على الفعل ينظر إلى ما يغلب عليه من المصلحة أو المفسدة، فإن كانت مصلحته هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة كانت هي المقصودة شرعاً، فيكون الفعل مطلوباً، وإن كانت مفسدته هي الغالبة كان رفعها هو المقصود شرعاً، ولهذا شواهد كثيرة في الشريعة، حيث ورد الأمر بما مصلحته غالبة على مفسدته، كمشروعية إقامة الحدود على الجناة -مثلاً- مع أن فيها مفسدة عليهم، لكن شرعت لمصلحة أعظم، وهي حفظ الضروريات الخمس.
وورد النهي عن ما مفسدته غالبة على مصلحته، كالنهي عن سب آلهة الكفار بقوله تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم" [الأنعام:108] . فسب آلهة الكفار من الأصنام وغيرها فيه مصلحة بيان عجزها وإهانتها، ومع ذلك نهى الله -عز وجل- عن سبها لما يؤدي إليه سبها من مفسدة أشد، وهي مقابلتهم ذلك بسب الله -عز وجل-.
وقد بنى الفقهاء فروعهم وتطبيقاتهم على الموازنة بين مصلحة الفعل ومفسدته، والحكم على الغالب منهما، فأجازوا -مثلاً- شق بطن المرأة الميتة لإخراج الجنين، مع أن فيه مفسدة انتهاك حرمة الميت، لكن لمصلحة حفظ الروح التي هي أرجح، وغيرها من الأمثلة، وهذا معنى كلام العز بن عبد السلام -رحمه الله-.
وأما ما ذكرته من أمثلة فلا يندرج تحت قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد، وإنما يندرج تحت قاعدة: "العبرة في الشيء للغالب الأعم"، وأن الشيء اليسير مغتفر في الشريعة.
وقد دلت لهاتين القاعدتين شواهد كثيرة من الكتاب والسنة، فأما الحرير اليسير فقد أجاز جمهور العلماء لبس الحرير اليسير في الثوب؛ لأن العبرة بالغالب، ولأنه لا يطلق على الثوب أنه من حرير، لكون الحرير فيه يسيراً.(17/26)
يقول ابن تيمية: "فإن نسج مع الحرير غيره كالقطن والكتان والوبر والصوف ونحو ذلك، فالذي ذكره أكثر المتأخرين من أصحابنا القاضي وأصحابه ومن بعدهم أنه إن كان الحرير هو الغالب حرم، وإن كان الحرير هو الأقل جاز، قال بعضهم قولاً واحداً، وإن استويا فوجهان: أحدهما: يحرم وهو أشبه بكلام الإمام أحمد؛ لأن الرخصة إنما جاءت في اليسير الذي هو مقدار أربعة أصابع، فألحقنا بذلك ما إذا كان الحرير هو الأقل؛ لأن الحكم للأكثر".
كما أجاز بعض الفقهاء -ومنهم ابن تيمية- الذهب اليسير عند الحاجة في اللباس، وفي حلية السيف، ونحوها.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(17/27)
هل أُلاَم على بغض والدي؟!
المجيب أ. د. ياسين بن ناصر الخطيب
أستاذ بقسم القضاء في جامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/04/1427هـ
السؤال
السلام عليكم
مشكلتي أنني أَكِنُّ لوالدي بعض البغضاء بسبب مشكلات منها أنه بخيل رغم أنه غني، أنا طالب وأحتاج إلى المال للدراسة أريد معرفة حكم هذه البغضاء المؤقتة!
الجواب
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله، وبعد:
فلا يوجد عاقل يكره أباه، ولكن هذا من باب كراهة الأفعال، فأنت تكره البخل عند أبيك، وتود لو أنه كان أكثر سخاء مما هو عليه، خاصة وأنت طالب تحتاج إلى المال، وهذه الكراهة تسبب لك مضايقات، وتسبب لك وخز الضمير.
والواجب عليك أن تصارح والدك بالكلمة الطيبة، والعبارة الحسنة، بأنك طالب في مقتبل العمر، وأنك تحتاج إلى الكثير من المال لتلبية متطلبات الدراسة، وأن أي تشاغل عن هذا الأمر يعرض دراستك للتأخر؛ وستجد أن كلامك مع والدك بلسان لبق، وعبارة جميلة يلين قلبه بل يفرح بك وبنشاطك وصراحتك؛ جرب؛ والله المقرب بين القلوب، لكن لا يخطر ببالك أن تجعل في قلبك ذرة كراهة لوالدك، والله يوفقك. والله أعلم.(17/28)
هل تلزمها طاعة زوجها في المسائل الخلافية!
المجيب عبد العزيز بن إبراهيم الشبل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/04/1427هـ
السؤال
هل يلزم الزوجة طاعة زوجها في الأمور التي يختلف فيها العلماء، فإذا كان الزوج يأخذ بالقول المحرم، أو القول الأورع، ثم تأتي الزوجة وتقول: إن العالم الفلاني أجاز هذا، وأنا آخذ بقوله؟ فهل للزوج أن يلزم زوجته برأيه في هذه المسألة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالواجب على المرأة عموماً طاعة زوجها في غير معصية، وفيما لا يضرها، أو يضيع حقوقها، أما المسائل الخلافية بين العلماء، فإن القاعدة: أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد، والمقصود بها المسائل التي وقع فيها الخلاف بين العلماء لعدم وجود نص في المسألة، أما لو كان هناك خلاف بين العلماء لكن هناك نص قاطع في المسألة فالعبرة بالنص.
والموقف من الخلاف أننا نحفظ للعلماء مكانتهم أولاً، وأما تقليدهم، فإن المسلم إذا كان يستطيع النظر في الأدلة ويرجح بين الأقوال، فإن الواجب عليه اتباع الدليل، لا الأقوال، وأما إن كان لا يستطيع النظر والترجيح، فإن الواجب عليه أن يسأل من يثق في علمه ودينه، ثم يعمل برأيه، ولا يكلفه الله أكثر من ذلك "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر.." [النحل:43-44] . وإن وقع الخلاف بين العلماء في مسألة معينة، فإن الواجب على من لا يستطيع النظر والترجيح، تقليد أكثرهم علماً وديناً، ويُعلم ذلك بالأدلة والأمارات، فكما يطمئن الإنسان إلى طبيب معين ويرى أنه الأحسن -مع أنه ليس متخصصاً بالطب- وذلك لما يرى من الأمارت إما لرجوع الأطباء إليه، أو لشهرته، ونجاحاته، ونحو ذلك مما يصل معه الإنسان إلى اطمئنان بأنه الأحسن، فكذلك مع المفتين، فإنه يبحث عن الأعلم، والأدين، بحسب ما يرى من الأمارات، ولا يجوز له تتبع الرخص أو الأخذ بفتوى فلان لأنه الأسهل فقط.
وإذا تقرر ما سبق فإنه لا يمكن الحكم على كل المسائل التي تقع بين الزوجين مما أشير إليه في السؤال بحكم واحد، بل ننظر في المسألة فإن كانت من المباحات ولا يضر الزوجة طاعة الزوج فيها، فإن طاعته لازمة على المرأة، وأما إن كانت المرأة مقلدة لعالم يرى أن هذا الأمر محرم، فإن الزوج لا يجوز له إلزامها بهذا الأمر.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(17/29)
اهداء ثواب قراءة القرآن للميت
المجيب أ. د. ياسين بن ناصر الخطيب
أستاذ بقسم القضاء في جامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/02/1427هـ
السؤال
نلاحظ أن بعض الأبناء يقرأ القرآن الكريم كاملاً، ويقول هذه الختمة مهداة لروح والدي أو والدتي، أو أي ميِّت من الناس. فهل هذا مشروع؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه الأعمال لم تكن في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن ذكر العلماء وصول الثواب إلى الميت، أما من ولده فلا خلاف في ذلك، ففي صحيح مسلم (1631) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
وقال العلماء: أي عمل بنية الميت يصل ثوابه له، فقد قال ابن تيمية -رحمه الله- في شرح العمدة (2/237) : فأما إن حج عن نفسه، ثم أهدى ثوابها للميت؛ فهذا يجوز عندنا قولاً واحداً.
وقال عبد الله بن قدامة المقدسي في عمدة الفقه (1/28) : وأي قربة فعلها، وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك.
وفي الإنصاف للمراداوي (2/560) : أي قربة فعلها: الدعاء، والاستغفار، والواجب الذي تدخله النيابة، وصدقة التطوع، والعتق، وحج التطوع، فإذا فعلها المسلم وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إجماعًا، وكذا تصل إليه القراءة والصلاة والصيام.
وفي روضة الطالبين للنووي الشافعي (5/191) : وإن قرأ ثم جعل ما حصل من الأجر له (للميت) ، فهذا دعاء بحصول ذلك الأجر للميت فينفع الميت.
وقال المليباري الشافعي في فتح المعين (3/221) : وقد نص الشافعي والأصحاب على ندب قراءة ما تيسر عند الميت، والدعاء عقبها؛ أي لأنه حينئذ أرجى للإجابة، ولأن الميت تناله بركة القراءة؛ كالحي الحاضر. والله أعلم.(17/30)
عمل المرأة في مجال التعليم
المجيب د. جمال المراكبي
رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/05/1427هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أما بعد:
فضيلة الشيخ ما الحكم الشرعي عمل المرأة في مجال التعليم معلمة أو مدرسة للصف الابتدائي من6 سنوات إلى 12سنة مع العلم الالتزام بلباس الشرعي أفيدونا أفادكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين، وبعد:
أهلا بك -أخي الكريم- ونسعد بتواصلك معنا عبر موقع "الإسلام اليوم" دائما،
فهناك -كما هو معروف- علاقة وثيقة بين الأمومة والطفولة، وهو مقتضى الفطرة التي فطر الله الناس عليها؛ لذا فإن التعامل مع الطفل في مراحله الأولى وبالأخص في مرحلة التعليم الابتدائي، يحتاج إلى معاملة رقيقة حنونة ما قد لا يتوفر إلا في المرأة وهي -إضافة لحكم الفطرة- إن أخذت قسطا وافرا من التدريب التربوي فهي أفضل من يقوم بمهمة التعليم في هذه المرحلة التي يكون فيها الطفل غضا طريا قابلا للتشكيل. كذا إن توافرت للمرأة المسلمة ظروف مناسبة؛ بحيث لا تَبرُّج، ولا تعرُّض للاختلاط بالرجال الأجانب، أو تتجشم ركوب المواصلات المرهقة، وألا يؤثر ذلك أيضا على خاصة نفسها وبيتها؛ زوجا وأولادا ومن تعول، نقول: إن توافرت تلك الشروط فليس هنالك حرج شرعي ولا مانع ديني من عملها معلمة أو مدرسة.. والله أعلم.(17/31)
السكن مع عائلات في الغرب لتعلم اللغة
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/03/1427هـ
السؤال
ذهبت إلى بلاد الغرب لتعلم اللغة الإنجليزية، وسكنت مع عائلة نصرانية، وبعد ذلك قررت مع مجموعة من الأصدقاء أن نستأجر شقة، وهم من نفس الجنسية وجميعهم مسلمون، لكن المشكلة أني حائر: هل أترك أصدقائي وأرجع للعائلة لأكسب اللغة، أم أجلس مع الشباب، ونصلي مع بعض جماعة؟ علماً أن الشباب يسمعون الأغاني وكثيرو الهزل والضحك، وأنا أريد الثبات، فأعينوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فسكنك مع زملائك الشباب خير لك من السكن مع العائلة النصرانية، ولا سيما وزملاؤك -كما ذكرت- من أهل الخير والصلاح مواظبون على الصلاة، وسماعهم الأغاني وكثرة مزاحهم أخف ضرراً من سكنك ونومك وأكلك وشربك مع عائلة أجنبية، فأنت مخالف للشرع باختلاطك أو خلوتك بامرأة أجنبية عنك، فضلاً عما قد يترتب عليها من مفاسد أخرى لا تحمد عقباها في الدنيا والآخرة، ولا سيما مع وجود المغريات وعدم العفة واستحلال الزنا عند نساء الكفار، كاتخاذ الأخدان والأصدقاء، ومحافظتك على دينك -ولو تأخرت قليلاً في إتقان اللغة- خير لك من إتقان اللغة وضياع الدين. وفَّق الله الجميع إلى الخير، وعصمنا وإياك عن محارمه. آمين.(17/32)
ثبوت حد الردة!
المجيب عاصم بن ناصر القاسم
القاضي بمحكمة تمير
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/05/1427هـ
السؤال
سمعت فتوى لبعض أهل العلم يقول فيها: إن حَدَّ الردة لم يرد في القرآن الكريم، أو السنة المطهرة، وأنه اجتهاد من العلماء المتأخرين، وذكر أن للمسلم مطلق الحرية في ترك دينه دون أي مساءلة! فما حكم الشرع في الرِّدَّة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فعقوبة المرتد عن دين الإسلام هي القتل بعد أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، كما في صحيح البخاري (6922) وغيره، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بدل دينه فاقتلوه". وفي الصحيحين عن معاذ -رضي الله عنه أنه- قال في مرتد رآه عند أبي موسى الأشعري في اليمن: لا أجلس حتى يقتل، -قضاء الله ورسوله- صحيح البخاري (6923) ، وصحيح مسلم (1824) . وقد حُكِي الإجماع على وجوب قتل المرتد، وروي ذلك عن أبي بكر وعثمان وعلي ومعاذ وأبي موسى وابن عباس وخالد وغيرهم ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة -رضوان الله عليهم- فكان إجماعاً.
وأنصح السائل وغيره بالرجوع في مثل هذه المسائل إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عليه صحابته الكرام -رضوان الله عليهم- وصلى الله وسلم على محمد.(17/33)
الاعتراف المنتزع بالتعذيب
المجيب عاصم بن ناصر القاسم
القاضي بمحكمة تمير
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 13/03/1427هـ
السؤال
ما حكم الشهادات والاعترافات التي تتم بطريقة التعذيب، وما حجيتها عند عرضها في المحاكم الإسلامية؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا يحتج بالإقرار المنتزع بالإكراه أو التعذيب، وكذلك الشهادة؛ لعموم النصوص الشرعية الدالة على رفع الحرج عن المكْرَه، ومنها قوله تعالى: "إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِن بِالْإِيمَانِ" [النحل:106] . وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" أخرجه ابن ماجه (2043) ، وغيره.
وهذا هو المعمول به في المحاكم الشرعية. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه.(17/34)
الحلف بالطلاق بقصد المنع!
المجيب هتلان بن علي الهتلان
القاضي بالمحكمة المستعجلة بالخبر
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/05/1427هـ
السؤال
حلف أخي بالطلاق عدة مرات على ابنه، قال له: عليَّ الطلاق إذا ما تزوجت مع أخيك في نفس اليوم، فلن أحضر عرسك، ولا أهلك يحضرون. والواقع أن الابن لم يتزوج مع أخيه في نفس اليوم، وقد مر على هذا الأمر قرابة سنتين، والابن يريد الزواج الآن، وأهله أخبروه أنهم لن يحضروا العرس خوفاً من وقوع اليمين. فهل يقع الطلاق إذا حضروا العرس؟. فهو لم يقصد وقوع الطلاق. وهل توجد فتوى بهذه الحالة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن كان الحال كما ذكر السائل من أن قصد الحالف بالطلاق حث ابنه على الزواج مع أخيه في يوم واحد، ولم يقصد إيقاع الطلاق في حالة عدم ذلك؛ فإن حكم ذلك حكم اليمين، على الصحيح من أقوال أهل العلم. وما دام أنه لم يتزوج معه في يوم واحد، فإن لم يحضر هو وأهله زواج ابنه فلا شيء عليه. وإن حضروا الزواج وهذا أفضل، وأحرى، وفيه خير وبر وصلة -فإن عليه كفارة يمين، وهي عتق رقبة مؤمنة، أو إطعام عشرة مساكين، -لكل مسكين نصف صاع من البر ونحوه ويضع معه بعض الإدام (كيلو ونصف تقريباً للمسكين الواحد) - أو كسوتهم. فإن لم يجد أحد هذه الثلاثة أشياء صام ثلاثة أيام.
وأما إن كان قصد الحالف بهذا اللفظ إيقاع الطلاق بعدم زواج ابنه مع أخيه في يوم واحد ... فإن طلاقه يقع ما دام أن ابنه لم يتزوج مع أخيه في يوم واحد، وإن كان ظاهر اللفظ يدل على القصد الأول.
وعلى كل فإن الحلف بالطلاق لا يجوز، وعليه التوبة، والاستغفار، وأن لا يحلف إلا بالله تعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" صحيح البخاري (2679) ، وصحيح مسلم (1646) . والله تعالى أعلم.(17/35)
هل الإتلاف بغير قصد يوجب الضمان؟
المجيب أ. د. ياسين بن ناصر الخطيب
أستاذ بقسم القضاء في جامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/05/1427هـ
السؤال
إذا أتلفت أو أفسدت شيئا من غير قصد، فهل يجب علي أن أدفع قيمة هذا الشيء، أو أصلحه على حسابي، أم أن ذلك لا يجب؟ وهل هذا هو ما يسمى بالغرامة أو العوض؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيجب على من أتلف أو أفسد أي شيء على أي إنسان أن يعوضه قيمة ما أتلف، أو قيمة ما أفسد، وعليه أن يصلح ما أفسد -ولو من غير قصد- على حسابه؛ لأنه أفسد، ولأن أموال الناس مصونة في الإسلام، والفرق بين القصد وغيره: أن من قصد إتلاف مال لإنسان فهو آثم مع ضمان القيمة، أما إن كان من غير قصد، فيضمن القيمة من غير إثم، والضمان على كل حال واجب، وبعض الناس يسميه غرامة. ويقول: لا تجوز الغرامة، وبعضهم يسميه: عوضًا، ويقول: لا تقبل العوض. وهذا خطأ كبير، ففي صحيح مسلم (2564) : "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه". والله أعلم.(17/36)
السفر بالمصحف لبلاد الكفار!
المجيب سليمان بن إبراهيم الأصقه
رئيس المحكمة العامة بمحافظة بلقرن
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/05/1427هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
ما تفصيل الكلام في مسألة السفر بالقرآن إلى بلاد الكفار، وما حكم ذلك في هذا الزمن؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأخرج البخاري (2990) ومسلم (1869) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. زاد مسلم: "مخافة أن يناله العدو". وفي رواية لمسلم: قال صلى الله عليه وسلم: "لا تسافروا بالقرآن، فإني لا آمن أن يناله العدو". والنص يدل على التحريم إلا لصارف، والعدو المراد به الكافر الحربي. ولذا أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، ومسلم في كتاب الإمارة، وقد ذكر فيه جملة من أحاديث الجهاد. وأخرجه أبو داود (2610) وابن ماجة (2879) في كتاب الجهاد.
وقوله: "مخافة أن يناله العدو"، "فإنى لا آمن أن يناله العدو" بيان لعلة النهي. وعلى ما تقدم فإنه لا يجوز الذهاب بالمصاحفِ لبلاد الكفار إذا خيف أنهم يأخذونها، ويعتدون عليها؛ إذ إن المشركين أنجاس، كما قال تعالى: "إنما المشركون نجس" والقرآن يجب تنزيهه عن الأقذار والأنجاس، وفي كونه عند أهل الكفر إهانة له. أما إذا أمن أن يناله العدو لقوة المسلمين، أو وجود مواثيق وعهود بينهم وبين الكفار، وكان المقصود بالسفر هم المسلمون، فلا بأس بذلك وهو الصحيح في هذه المسألة في هذه الأزمنة وقبلها. إذ إن من العلماء من منع ذلك مطلقاً، ومنهم من أجازه مطلقاً، ومنهم من فصل، وهو الراجح، كما تقدم. والله ولي التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(17/37)
هل الراتب التقاعدي يُقسم كالتركة؟!
المجيب سليمان بن إبراهيم الأصقه
رئيس المحكمة العامة بمحافظة بلقرن
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/05/1427هـ
السؤال
توفي أبي -رحمة الله- وترك لنا راتب التقاعد، ولدي أخوان صغيران في السن، فهل هذا الراتب يعد خاصا بهما، أم أنه كباقي التركة؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالراتب التقاعدي، أو معاش التقاعد الذي يصرف لذوي الميت بعده، ليس سبيله سبيل الميراث يقسم على الورثة -حسب ما ذكره الله تعالى في كتابه- وإنما هو مما التزمه ولي الأمر لرعيته بشرط قيامهم بالأعمال، ولذا يصرف للعاجز، وغير المتزوجة، والصغير، ولا يصرف لهم إذا زال العذر، هذا على قول أكثر العلماء المعاصرين.
وعليه فإن المال المخصص لأخويك الصغيرين هو حقهما، وعلى وليهما أن يقبضه بدلا منهما ويصرف عليهما منه بالمعروف، وما توفر منه فإنه يسلم لهما حال بلوغهما ورشدهما، قال تعالى: "وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا" [النساء:5-6] . قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا" [النساء:10] . وبذا يتم الجواب عما ذكر السائل، -والله أعلم- وصلى الله وسلم على نبينا محمد. وآله.(17/38)
هل كان الدجال حيًّا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟!
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/05/1427هـ
السؤال
قرأت في حديث أن الخضر عليه السلام قد توفي. وروى مسلم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، صلى بهم العشاء في ليلة قبيل وفاته، ثم وقف، وقال: "هل ترون ليلتكم هذه؟ لا يأتي على الناس مائة سنة، وعلى الأرض عين تطرف ممن هو حيّ اليوم، والله إن رجاء هذه الأمة بعد مائة عام".
قال ابن عمر: لم يفهم الناس هذه الكلمات، وقالوا: إن معناها يوم القيامة سيأتي بعد مائة عام. لكن معنى الكلام: أن لا أحد من الجيل الحالي إلا وسيفنى.
فإذا صح هذا الحديث، فكيف ينطبق هذا الكلام على الدجال؟ ألم يكن حيًّا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالحديث الذي ذكرته جاء في صحيح مسلم -كتاب الفضائل- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم" حديث (2537) عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم، قام، فقال: "أرايتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد". قال ابن عمر فوهل الناس في مقالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلك فيما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مئة سنة، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد" يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن. هذا نص الحديث. ومعنى وَهَلَ الناس. أي غلطوا. والمراد ذهب وهمهم إلى غير الصواب.
وما ذكرته عن موت الخضر هو الصحيح وهو الذي عليه الجمهور. وأما ما أشكل عليك من كون الدجال كان حيًّا على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن هذا قد أشكل على غيرك أيضاً، حتى أشكل على الصحابة -رضوان الله عليهم- وذلك مبسوط في موضعه، من قصة ابن صياد حيث اختلف في أمره اختلافاً شديداً، هل هو الدجال أم أنه دجالٌ آخر من الدجاجلة، قال ابن تيمية -رحمه الله-: (إن أمر ابن صياد قد أشكل على بعض الصحابة فظنوه الدجال، وتوقف فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال، إنما هو من جنس الكهان من أصحاب الأحوال الشيطانية، ولذلك ذهب ليختبره) ، انظر الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (ص77) .
وقال النووي في شرح مسلم (18/46) : (قال العلماء: وقصته مشكلة، وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره، ولا شك في أنه دجال من الدجاجلة) .
والذي يظهر في هذا أن ابن صياد دجال من الدجاجلة، وليس هو الدجال المقصود الذي يظهر في آخر الزمان والله أعلم.
وانظر بسط القول في ذلك في شرح مسلم للنووي (18/46-58) والنهاية في الفتن والملاحم (1/108،107) ، وجامع الأصول لابن الأثير (10/375،362) والتذكرة للقرطبي، وغيرها من الكتب التي ذكرت فيها أشراط الساعة، وقصة ابن صياد. والله الموفق.(17/39)
شروط الزواج بالنصرانية
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 01/06/1427هـ
السؤال
الزواج من النصرانيات جائز حسب علمي، لكن هل الزواج من الروس الذين يقولون: إنهم نصارى، وهم يشربون الخمور، ويمارسون الزنا، ويعرفون القليل من الديانة النصرانية، جائز؟ وهل نعتبرهم نصارى؟ وما هي شروط هذا الزواج؟ هل يشترط حضور ولي أمر الفتاة؟ وما حكم الآية: "الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين" هل الآية منسوخة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيجوز للمسلم أن يتزوج كتابيّة سواء كانت متمسكة بدينها، أو لا تلتزم إلا بأصل الدين، وتخالف في فروعه، قال تعالى: "وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ" [المائدة:5] .
والآية المذكورة ليست منسوخة، ومعناها النهي عن الزواج بالزانية، بل يتزوّج المسلم العفيفة، سواء كانت مسلمة أو كتابيّة. وفي الكتابيات نساء لا يرتكبن الزنا، ولا يفعلنه، إلا في ما يشابه النكاح من الروابط التي يعتبرونها نكاحاً.
والحاصل أن الكتابية وكذلك المسلمة لا يجوز الزواج منها إذا كانت زانية، لكن العقد الذي حصل صحيح عند جمهور أهل العلم إذا تبينت براءة رحمها.
ولابد في الزواج من وجود ولي للمرأة؛ وهو والدها، أو جدها، أو أخوها مع حضور الشهود. فإن لم يوجد لها ولي، فيكون وليها هو القائم بالمركز الإسلامي، فإن لم يوجد فإنها تختار من أقاربها أو غيرهم من كبار الناس من تجعله وليًّا عليها. وإذا احتاج المسلم للزواج هناك ولم يجد سوى هذه الطريقة للنكاح، فلا حرج عليه فيها. والله المستعان.(17/40)
ضيفتها فأكلت لحم خنزير!
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/03/1427هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
دعوت بعض صديقاتي في العمل لتناول العشاء في أحد المطاعم، وعند طلب الطعام اكتشفت أن واحدة منهن طلبت شيئاً يحوي لحم خنزير، ولم أستطع أن أقول: لا، مع أنني أنا التي دفعت المال، والآن أشعر أنني ارتكبت إثماً كبيراً، فكيف أكفر عن هذا الإثم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإنك أيتها الأخت -بارك الله فيك- لم توضحي إن كانت من طلبت لحم الخنزير مسلمة أم لا، فإن كانت غير مسلمة وقد طلبت بنفسها لحم الخنزير أي من غير تقديم منك لها فلعل الأمر يكون أيسر، وإن كان الأولى أن تخبريها بأسلوب مناسب أنك مسلمة، ولا ترضين بتقديم لحم الخنزير، وتعتذرين إليها بذلك، فإن أخذته بنفسها واشترته بمالها فليس عليك -إن شاء الله- من حرج، وأما إن دفعت المال كما حصل منك فاستغفري الله تعالى وتوبي إليه، والله تعالى يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات.
وأما إن كانت من طلبت لحم الخنزير مسلمة فإن الإثم أعظم، حيث قد اشتمل هذا العمل على أكثر من مخالفة شرعية؛ منها شراء لحم الخنزير وهذا محرم، ومنها إعانة المسلم على المحرم، والله تعالى يقول: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة:2] ، ومنها عدم إنكار المنكر، إذ كان عليك أن تزجريها عن أكل لحم الخنزير، ولا تجامليها في هذا أبداً، وما دمت يا أختي قد ندمت وتبت واستغفرت فأسأل الله تعالى لنا ولك التوبة والمغفرة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(17/41)
هل يلزم إتمام العقد إذا طرأ غلاء فاحش
المجيب د. إبراهيم بن محمد قاسم رحيم
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/03/1427هـ
السؤال
تمّ عقد بيع بين طرفين بشرط تأجيل تسليم العروض، وعندما حان وقت تنفيذ العقد تغيَّرت الأوضاع الاقتصادية كثيرًا، بحيث يسبّب تنفيذ العقد خسارة فاحشة لأحد الطرفين. فهل يجوز شرعاً -في مثل هذه الحالة- أن تتدخّل الحكومة لمنع الأذى عن أحد الطرفين؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالذي يظهر من السؤال أن هذا من صور عقد السلم الذي يتم فيه تعجيل الثمن وتأجيل المثمن, لأن مراده بتأخير تسليم العروض (أي المعقود عليها) ، ثم حصل التغير في القيمة إما برخص شديد في العروض، بحيث تكون الخسارة على دافع النقود "المسلم"، أو بغلاء شديد تكون فيه الخسارة على المسلم إليه "آخذ الثمن"، وهذا يعد صورة من صور التضخم في الاصطلاح الاقتصادي المعاصر، وهو مشكلة تعرض لها الفقهاء قديماً وحديثاً من جهة التصرف في دين السلم قبل قبضه والاعتياض عنه, فجمهور العلماء على المنع من ذلك بناء على حديث: "من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره" أخرجه أبو داود (3468) وغيره.
واختار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم جواز بيع المسلم فيه قبل قبضه لمن هو في ذمته بثمن المثل أو دونه ولا يجوز بأكثر منه، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما [مختصر الفتاوى المصرية (345) ، ومجموع الفتاوى (29/503) ، وتهذيب السنن (5/111) ] .
ولهم في ذلك تفصيلات، لكن عندي أن الصورة تأخذ نفس الحكم، باعتبار أن التضخم يستوجب التنازل من أحد الطرفين، والاعتياض عن دين السلم بأقل مما وقع التعاقد عليه لهذا الاعتبار دفعاً للضرر.
ويمكن أن تخرج على مسألة أخرى وهي تعذر المسلم فيه، لأن التعذر قد يكون حقيقياً بعدم وجود المسلم فيه، أو حكمياً بارتفاع السعر ارتفاعاً ظاهراً يسبب ضرراً على الطرف الآخر.
والجمهور من العلماء يرون أن المسلَّم إليه يخير بين الصبر إلى وجود المسلم فيه أو فسخ السلَّم والرجوع برأس المال إن كان موجوداً، أو عوضه إن تعذر، وهذا ينطبق على ما ذكرناه في هذه المسألة، وتدخل الدولة بالفصل حل في مثل هذه الحالات؛ لأنها خصومة في مسألة اجتهادية، وحكم الحاكم يرفع الخلاف. والله أعلم.(17/42)
عمل الأجير بعد الدوام خارج المؤسسة
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/05/1427هـ
السؤال
أنا مهندس برمجة، هل يحل لي العمل بدوام جزئي لدى مصلحة أخرى إذا كنت أحصل على بعض أعمال البرمجة، وأقوم بها في بيتي؟ وماذا يشترط في مثل هذا العمل؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الموظف إذا كان التعاقد معه على زمن معين، كأن يطالب بالدوام من السابعة حتى الثانية ظهراً مثلاً، فهنا لا يحق له العمل مع جهة أخرى خلال هذه الفترة. وأما ما عداها، فيجوز له العمل، إن لم يكن في العقد شرط يمنع ذلك، ما لم يؤثر على أدائه للعمل الأصلي، سواء كان عمله الآخر بدوام جديد (مثلاً من العصر حتى العشاء) ، أو كان معلقاً بإنجاز عمل معين دون تقيد بزمن.
وأما إن كان الموظف قد تم التعاقد معه لإنجاز عمل دون تقيد بزمن ودوام، وله مقابل كل عملٍ أجره، فيجوز له حينئذ أن يتلقى عملاً آخر ... ما دام باستطاعته إنجازها كلها خلال المدة المتفق عليها، والله أعلم.(17/43)
فعل الشخص لما نهى عنه غيره
المجيب محمد محمد سالم عبد الودود
عضو اللجنة العلمية بالموقع
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/05/1427هـ
السؤال
ما الحكم إذا أنا نصحت المرأة في شيء تستعمله، وكنت أنا أستعمله مثل تشقير الحواجب والعدسات؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولاً: إن فعل الشخص لما نهى عنه غيرَه لا يخلو من أحد احتمالين:
أ- أن يكون بسبب رؤية شرعية؛ بأن كان الشخص يرى حرمة الفعل وقت نهيه عنه، ثم تبين له أن الحكم بخلاف ذلك، أو كان نهيه عنه درءًا لمفسدة، وفعله له تحقيقا لمصلحة راجحة. وفي هذه الحالة لا يُعَدُّ ارتكابه للمنهي عنه تناقضا، بل يعتبر من الفقه في الدين، وتنزيل الأحكام على الواقع. إلا أن هذه الحالة لا يفقهها كثير من الناس.
ب- أن تكون المخالفة إلى الفعل لا تنطلق من رؤية شرعية، وفي هذه الحالة تكون تناقضا من الفاعل، ودليلا على خلل في عقله، فضلا عن كونها سببا لاندلاق أقتابه في نار جهنم والعياذ بالله تعالى.
1- أما كونها دليلا على خلل في العقل فلقول الله تعالى: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ" [البقرة:44] .
وفي هذا أصرح دلالة على منافاة هذا التصرف لمقتضيات العقول السليمة.
ومن هذا المعنى قول الشاعر:
يا أيها الرجل المعلم غيره *** هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى *** كيما يصح به وأنت سقيم
وأراك تصلح بالرشاد عقولنا *** أبدا وأنت من الرشاد عديم
إبدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويُهتدى *** بالقول منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
2- وأما كونها سببا في اندلاق الأقتاب في نار جهنم، فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُم بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ". أخرجه البخاري (3267) .
وعند مسلم (2989) بلفظ: " ... فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ ... ".
والانْدلاق - كما جاء في النهاية لابن الأثير (2 / 313) -: خُروج الشَّيء من مكانه؛ يُرِيد: خُروج أمْعَائه من جَوْفه.
ثانياً: يجب التنبيه إلى أن وقوع الشخص في المنكر - حفظني الله وإياكم - لا يمنع مسؤوليته عن إنكار هذا المنكر على غيره، بل إن سكوته عن الإنكار يعتبر منكرا آخر.
ومن جانب آخر فإن سكوت الشخص عن إنكار المنكر على غيره بحجة وقوعه هو في بعض المنكرات يؤدي إلى سكوت غالبية الناس -إن لم أقل: كلهم- عن إنكار المنكرات؛ لندرة السلامة من شيء من ذلك، وفي هذا تعطيل لهذه الشعيرة العظيمة، وضرر عظيم على الأمة.
والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(17/44)
شروط قطع السارق
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/04/1427هـ
السؤال
متى تقطع يد السارق؟ هل دائماً السارق تقطع يده؟ أم يسجن؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيقول الله تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم" [المائدة:38] ، فحكم السارق القطع، هذا حد شرعي مقطوع به، لا خلاف بين العلماء فيه.
والسارق في الشرع، هو: المكلف الذي أخذ مالا محترما لغيره من حرز مثله خفية من غير شبهة. فمن انطبق عليه التعريف السابق، فاجتمعت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع، فإنه يسمى سارقا ويقطع.
نعم قد تحتف بالسرقة شبهات، وقد تختلف أعراف الناس في اعتبار مكان حفظ المال حرزا أم لا، فهذه نظرها إلى الإمام أو نائبه، وقد يعاقب السارق بالعقوبتين القطع والسجن، القطع حدا والسجن تعزيرا، وقد يعاقب بالقطع فقط، وقد يسقط عنه القطع لأي عذر يراه القاضي ويعاقبه بالسجن تعزيراً. والله أعلم.(17/45)
متى تكون الزوجة ناشزاً؟!
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/05/1427هـ
السؤال
متى تعد المرأة ناشزاً؟ وهل يمنع عنها المصروف؟ وهل تجب على الزوج نفقة أولاده منها؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فتكون المرأة ناشزا إذا عصت زوجها فيما يجب عليها أن تطيعه فيه.
مثل أن تمتنع عن مباشرته لها، أو تسافر من غير إذنه، أو ترفض السفر معه، أو المبيت عنده في فراشه، أو تخرج عن بيت الزوجيّة بغير إذنه ولا تعود.
وفي حال النشوز تسقط نفقتها فلا يجب على الزوج أن ينفق عليها.
ولو أنفق عليها حال نشوزها فهذا منه تطوع.
وأما الأولاد فيلزم الأب أن ينفق عليهم سواء كانت أمهم ناشزًا أو لا، وسواء كانوا في حضانته أو في حضانة والدتهم، ما دام قادراً على الإنفاق عليهم قال تعالى: "وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" [البقرة:233] .
وأحسن أحوال المسلم أن يسعى لحل الخلافات بالصلح والإقناع، أو بالمفارقة مع رعاية الأولاد، والله الموفق.(17/46)
عصير التفاح المغلي والمنقوع
المجيب عبد الله بن علي الريمي
ماجستير كلية الشريعة من جامعة الإمام
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/05/1427هـ
السؤال
سؤالي عما يحرم من الأطعمة التي تنقع أو تغلى؛ لأنني سمعت أن غليان عصير التفاح على النار يحوله لخمر بسرعة، فهل إذا أعددت هذا المشروب قبل الشرب مباشرة أي لن يجلس بعد التحضير إلا دقائق معدودة حتى يشرب، فهل حرام أم حلال؟ وما هي الأطعمة التي لو نقعت يحدث لها تخمر وتحرم؟ وما هي الأطعمة التي لو غليت حرمت؟ وكم الفترة الزمنية بعد الغلي أو النقع اللازمة لكل صنف حتى يصير حراماً علينا تناوله؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فالقاعدة في الأشربة والأطعمة:
1- أن كل ما أسكر خمر، وكل خمر حرام، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام " رواه مسلم (2003) .
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن البِتْع -وهو شراب يتخذ من العسل-، فقال: " كل شراب أسكر فهو حرام" رواه البخاري (5585) ومسلم (2001) .
وفي صحيح مسلم (2002) عن جابر -رضي الله عنه- أن رجلاً قدم من جَيْشَان - جَيْشَان من اليمن - فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة، يقال له: المِزْرُ. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أو مسكر هو؟ " قال: نعم. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل مسكر حرام، إن على الله -عز وجل- عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال" قالوا: يا رسول الله: وما طينة الخبال؟ قال: "عرق أهل النار, أو عصارة أهل النار". وأخرجه البخاري (4343) ، ومسلم (1733) هي من حديث أبي موسى -رضي الله عنه- نحوه. وفي مسند الإمام أحمد (9174) عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال "كل مسكر حرام". ورواه النسائي (5588) ، والترمذي (1864) ، وابن ماجة (3401) وقال الترمذي صحيح. وفي سنن ابن ماجة (3388) عن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كل مسكر حرام".
وفي حديث ديلم الحميري -رضي الله عنه- الذي أخرجه أبو داود (3683) بسند حسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن شراب، فقال: "هل يسكر؟ " قال: نعم, قال: "فاجتنبوه"
وفي سنن ابن ماجة أيضا (3389) عن معاوية -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مسكر حرام على كل مؤمن"
فدلت هذه الأحاديث على أن حكم الطعام أو الشراب مرتبط بالإسكار. فإن أسكر هذا الطعام أو الشراب حرم سواءً كان مغلياً، أو غير مغلي، من أي نوع كان من الفاكهة أو غيرها فالحكم متعلق بوجود الإسكار، فإن وجد الإسكار حرم، وإلا فلا. وهذا الإسكار متعلق بحال الطعام أو الشراب، لا بحال الشخص. ويوضح ذلك القاعدة الثانية:(17/47)
2- ما أسكر كثيره، فقليله حرام. فعند أبي داود (3681) والترمذي (1865) وصححه ابن حبان (5382) من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أسكر كثيره، فقليله حرام". وللنسائي (5607) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله, وسنده إلى عمرو صحيح. ولأبي داود (3687) من حديث عائشة -رضي الله عنها- مرفوعاً, "كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفَرْق، فملء الكف منه حرام". ولابن حبان (5370) ، والطحاوي (4/216) من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره".
فدلت الأحاديث على أن الطعام أو الشراب الذي إذا شرب، أو أكل كثير منه أسكر، حرم شرب أو أكل قليل منه؛ ولو لم يسكر الآكل أو الشارب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(17/48)
نفقة المطلقة ثلاثا وعدتها!
المجيب د. توفيق بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بتبوك
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/05/1427هـ
السؤال
هل للمطلقة البائن نفقة عدة ونفقة متعة؟.
الجواب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
المطلقة الرجعية لها النفقة والسكنى، ما دامت في العدة؛ لأن الله جعلها زوجة وزوجها أحق بها، فلها ما للزوجات من النفقة، والكسوة، والمسكن. وهذا باتفاق العلماء.
وأما المطلقة البائن التي لا سبيل إلى رجعتها إلا إذا تزوجت زواجا صحيحا من رجل آخر ثم طلقت من غير تحايل فقد اختلف العلماء في وجوب النفقة، والسكنى لها:
فذهب فريق منهم: إلى أنها إن كانت حاملا، فلها النفقة لأجل حملها، لقوله تعالى: " وإن كن أولات أحمال فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " [الطلاق: 6] . فإن لم تكن حاملا، فليس لها نفقة واجبة ولا كسوة.
وذهب فريق آخر: إلى وجوب نفقة المطلقة على زوجها، سواء أكان الطلاق رجعيا أم بائنًا، وسواء أكانت المطلقة حاملا أم حائلا (أي غير حامل) .
وهذه النفقة تستحقها المرأة طوال فترة العدة، وتقدر النفقة على حسب قدرة الزوج المالية.
فإذا انتهت فترة العدة، فإن لم يكن للمطلقة طفل فلا شيء لها بعد ذلك، وإذا كان معها طفل فنفقة الطفل على أبيه.
ولكن الصحيح، والله تعالى أعلم: أنها ليس لها نفقة واجبة ولا كسوة، لأنها أصبحت امرأة أجنبية عنه.(17/49)
خطر تداول الصور الخليعة عبر الجوالات!
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/04/1427هـ
السؤال
كثر في الآونة الأخيرة انتشار الكاميرا، بما فيها من بلوتوثات تحمل في طياتها صوراً لنساء، ورجال عراة، ومقاطع فيديو لأفلام جنس خليعة، وفواحش من زنا ولواط.
فما حكم تداول مثل هذه الصور، ونشرها، والنظر إليها، والاحتفاظ بها في الجوالات؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده: أما بعد:
فإنه لا يحل النظر إلى صور النساء غير المحارم، فضلاً عن أن تكون صوراً للعورات المغلظة؛ من نساء أو رجال.
وأشد شناعةً من ذلك، النظر إلى فعل الفواحش من زناً ولواط، ونحوهما، عن طريق الفضائيات، والإنترنت، والبلوتوث، والاحتفاظ بها.
ويتفاقم الجرم حين يسعى بعض السفهاء إلى بثها، ونشرها بين المسلمين، وتداولها عبر وسائط الجوال، فلهم كفل من إشاعة تلك الفواحش، قال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" [النور:19] . فمن فعل ذلك طاله إثم من نظر إليها، أو ترتب على نظره اقتراف محرم؛ لأنه قد سنَّ سنة سيئة، عليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
ولا ريب أن هذه القاذورات إنما تسربت إلى فناء المسلمين من الأمم الكافرة الفاجرة، ليُردوهم، وليفسدوا عليهم دينهم، وينشروا بينهم الرذيلة، والأمراض الفتاكة؛ فإن إدمان النظر إلى هذه الصور العارية، والمقاطع الفاجرة، يؤدي إلى رقة الدين، وذهاب الحياء، والتطلع إلى مقارفة الفجور.
ونتيجة لذلك كثرت المعاكسات الهاتفية، والعلاقات المحرمة، وحوادث الزنا، واختطاف الفتيات، والأحداث، جهاراً نهاراً.
وهذا ما يتمناه أعداؤنا؛ قال تعالى: "وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا" [النساء:27] .
فالواجب على الأولياء أن يتقوا الله فيمن استرعاهم الله عليه، من أولاد وزوجات، وملاحظة ما يتداولونه من صور أو رسائل أو غير ذلك.
قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" [النور:6] . أصلح الله أحوال المسلمين، وحفظهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.(17/50)
مراجعات الزوار(17/51)
تعقيب وجواب حول فتوى (دعوة الكافر إلى دينه في ديار الإسلام)
د. خالد بن ناصر الغامدي 30/5/1427
26/06/2006
نشر الموقع فتوى بعنوان: (لماذا لا نأذن لهم بالدعوة كما أذنوا لنا بها في بلادهم؟!) ، للشيخ الدكتور/ خالد بن ناصر الغامدي (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) ، - وقد ورد تعقيب على الفتوى المذكورة من أحد الإخوة زوار الموقع وبعد عرضه على الشيخ أجاب بما يلي:
التعقيب:
ملاحظته على السؤال "لماذا لا نأذن لهم بالدعوة كما أذنوا لنا بها في بلادهم؟! " يظهر لي أن جواب الشيخ على سؤال دعوة الكفار إلى دينهم غير مقنع لغير المسلمين وذلك لما يلي:
1. أنهم لا يؤمنون أن الإسلام خاتمة الأديان بل يعتقدون بطلانه ولو اعتقدوا أنه حق لاتبعوه والسائل لم يسأل إلا ليجد جوابًا لأهل الملل الأخرى.
2.لو قيل إن النظام في الغرب سيمنع إقامة المراكز الإسلامية فإن ذلك سيكون
مقنعًا على جواب الشيخ لأنه تنظيم في الدولة لا دخل لأحد فيه.
3.ما هي علاقة الاحتلال والاعتداء بدعوة غير المحاربين وغير المحتلين ومن يجاهر بالرفض القاطع للاحتلال دعوة كل هؤلاء لدينهم.
4.آمل أن يطرح السؤال على الشيخ سلمان العودة علني أجد عنده جوابًا شافيًا مقنعًا وبالله التوفيق.
الرد:
أبدأ بالرد من حيث انتهى الدكتور خالد وهو تمنيه أن يكون الرد من الشيخ الدكتور سلمان العودة، وهنا مربط التعقيب، فهو يرى أن لا أحد يجيد الجواب غير سلمان ولقد صدق لعمرو الحق، ولكن هل يستطيع سلمان أن يرد على كل أحد ويجيب على كل سؤال؟؟ أعتقد والله أعلم لو أن الجواب للشيخ العودة، وكتبه بغير اسمه لأنكر! وتمنى أن يكون باسمه؟؟
ثانياً: يبدو لي أن الدكتور أصابه بعض الاستلاب الفكري والحضاري من حيث يشعر أو لا يشعر فقوله:
إنهم لا يؤمنون بأن الإسلام خاتم الأديان، بل يعتقدون بطلانه! ولو اعتقدوا أنه حق لاتبعوه والسائل لم يسأل إلا ليجد جوابًا لأهل الملل الأخرى.
وهل نحن مطالبون أن نجيبهم بجواب غير الذي ذكرته، وهل لما بعث سيد الخلق صلى الله عليه وسلم كانت العرب واليهود والنصارى، تؤمن بأنه رسول الله وخاتم الرسل؟؟ وهل قال لهم إلا ما حكاه ربنا عنه؟؟ لما قال: والله يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح.
فنحن لا نقول للمسالمين منهم هذا ولكننا نعلن موقف ديننا بكل صراحة ووضوح، هل تريد منا يا دكتور أن نقدم تنازلات إثر تنازلات ليرضى الغربي، هل تريد منا أن نتساقط على أقدامهم ونقول لهم نرجوكم آمنوا فديننا سمح وطيب، ولا مانع لديه من جل ما تريدون؟؟
إذا فلا بد أن نقرر كما قلنا في الجواب: (أن دين الإسلام قد ختم الله به الأديان، ورسولنا قد ختم الله به الرسل) ، فكل شخص في هذا العالم مطالب باتباع دين الإسلام لا غيره، ومن هنا حرّم الله تعالى أن يدعو غير المسلم في بلاد المسلمين لإخراجهم عن دينهم الحق.
وكذلك يجاب بأن هذه حرية شخصية للمجتمع المسلم الذي يفرض أنظمته وفق دينه فلماذا الغضب والاستنكار؟!
وقد مارس المسلمون حقهم الشخصي، والطبيعي في تطبيق أنظمتهم.(17/52)
ثم ألا ترى أن الغرب يمارس جميع أهوائه وفق ما يريد، وفوق ما يريد كتشريع الأنظمة العالمية التي تبيح كثيراً من المحرمات، وكاحتلال البلدان وفرض أنظمتهم عليها، وكإقصاء الأديان عن التأثير في مجريات الحياة العامة والخاصة.)
فلو افترضنا أن المعقب كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم هل كان سيعجبه قول الله الذي بلغه نبينا لأهل الشرك من العرب، واليهود، والنصارى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ؟؟
وهل سيعجبه قوله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمه يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار) ؟؟
ثالثا: قول الدكتور المعقب: لو قيل إن النظام في الغرب سيمنع إقامة المراكز الإسلامية، فإن ذلك سيكون مقنعًا على جواب الشيخ، لأنه تنظيم في الدولة لا دخل لأحد فيه.
هذه الجملة تدل على ما ذكرته أعلاه من الموقف الانهزامي للدكتور صاحب التعقيب وأمثاله أصلح الله شأننا وشأنه، فليس بالضرورة أن يمنع الغرب إقامة المراكز الاسلامية بل لو منع شعيرة من شعائر الاسلام لكان حجة عليهم، لأنهم يدعون الديمقراطية وحق الحرية الشخصية وحق حرية العبادة؟؟ ولم ندعها نحن المسلمين بل ادعينا أننا ملزمون بشرع الله ومطالبون بما سنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
والغرب هو الذي منع أهم شعائر الإسلام ممثلة في منع الطالبات من الحجاب في كثير من الدول التي تصيح صباح مساء بالحرية، والغرب هو الذي دافع عمن اعتدى على أهم مقدساتنا وهو عرض نبينا صلى الله وسلم، وهو الذي يسومنا خسفا صباح مساء بدعم المعتدين من اليهود، والنصارى، والبوذيين على ديننا، ومقدساتنا، وأوطاننا في فلسطين، والعراق، وأفغانسان وغيرها. والغرب يا سيدي هو الذي يسن القوانين هذه الأيام لتجريم كل من دفع ولو سنتيما واحدا للفلسطينيين تحت أية حجة أو دعوى.
ثم هل يحق لمسلم أن يبني مسجداً في الفاتيكان؟ أو أن يقيم حفلا دعويا لدعوة النصارى بالفاتيكان؟ وأترك الجواب للدكتور!!
رابعاً: قول الدكتور صاحب التعقيب
ما هي علاقة الاحتلال والاعتداء بدعوة غير المحاربين وغير المحتلين، ومن يجاهر بالرفض القاطع للاحتلال دعوة كل هؤلاء لدينهم
يدل على أنه استعجل ولم يفهم المراد، وهذا ما هو إلا ضرب مَثَلٍ: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) .
وبعد فإنني أشكر الدكتور وأنصحه بأن يعمل فكره في الأفكار لا في الأشخاص مهما علا وعظم شأنهم، فالحق ضالة المؤمن. وصلى الله على سيدنا محمد.(17/53)
تعقيب على فتوى (اشتراط الغرامة المالية لأجل التأخير)
د. سامي بن إبراهيم السويلم 2/5/1427
29/05/2006
نشرت فتوى بعنوان: (اشتراط الغرامة المالية لأجل التأخير) ، للشيخ الدكتور/ سامي بن إبراهيم السويلم "باحث في الاقتصاد الإسلامي"، وقد ورد إلى الموقع تعقيب على الفتوى المذكورة من أحد الإخوة الزوار، وبعد عرضه على الشيخ أجاب بما يلي:
التعقيب:
آمل من فضيلة الدكتور بيان كيف كانت المسألة من قبيل ربا الجاهلية، ووجه السؤال أن الغرامة ليست في جانب دافع المال، وإنما في جانب بائع البضاعة -إن كان فهمي صحيحاً- وهذه الغرامة فيما يظهر لي من قبيل الشرط الجزائي. ولو أن التحريم بني على ما فيها من الضرر البالغ فلا إشكال. مجرد تساؤل أرجو أن يتسع له صدر فضيلة الدكتور. وشكراً للجميع.
الرد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أشكر الأخ الكريم على ملاحظته، وأرجو ألا يبخل القارئ بما يراه لأن هذا من النصيحة في الدين التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
وأود أن أنبه الأخ إلى أن السؤال نص على أن الغرامة هي ألف ريال لكل يوم تأخير، دون أن يذكر تحديداً للحد الأقصى من الغرامة، ودون أن يربط الغرامة بالضرر الواقع على المشتري.
وهذا يعني أنه بمجرد مضي الوقت يستحق المشتري مبلغ ألف ريال على البائع دون أي مقابل. ولا ريب أن هذا الشرط بهذه الصيغة من الظلم البين على البائع، ومن أكل المال بالباطل بالنسبة للمشتري، لأنه يحصل على هذا المبلغ دون أي مقابل لمجرد مضي الزمن، وهذا هو الظلم الحاصل في ربا الجاهلية، حيث يحصل الدائن على مبالغ مالية لا لشئ إلا لمجرد تأخر المدين في السداد.
والشرط الجزائي الذي أجازه مجمع الفقه وهيئة كبار العلماء له شروط تحول بينه وبين أن يكون من باب الربا. فليس في الشرط الجزائي غرامة مفتوحة مرتبطة بمجرد التأخير، بل إما أن تكون مرتبطة بالضرر الذي تحمله الطرف الآخر، وإما أن تكون محددة بما لا يتجاوز مبلغاً محدداً (5% مثلاً من قيمة العقد) ، وفي هذه الحالة يعتبر الشرط الجزائي نظير العربون، كما أشار لذلك عدد من البحوث التي تناولت الموضوع (انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة 12، مجلد 2) . وفي جميع الأحوال لا يمكن أن تصل غرامة التأخير إلى ما يساوي ثمن المبيع كله (أي 100% من قيمة العقد) لأن هذا يناقض أصل العقد القائم على المعاوضة، ويجعل الشرط سبباً للكسب وليس المبيع الذي هو سبب العقد ابتداء.
وأما ما أشار له الأخ بأن الغرامة هي من جانب البضاعة وليس من جانب النقد، فإن هذا لا ينفي عنها الربا، كما أن الفائدة يمكن أن تكون خدمة، أو سلعة، إذا اشترطت في الدين ولا يلزم أن تكون نقوداً.
فالزيادة في الدين مقابل التأخير ربا مطلقاً، سواء كان الدين نقوداً أو سلعاً، وسواء كانت الزيادة نقوداً أو سلعاً، ولهذا منع المجمع الشرط الجزائي في السَّلَمْ لأنه زيادة في الدين، مع أن الدين سلعة وليس نقوداً.
والشرط الجزائي المتضمن للتعويض المالي، يشترط فيه ما يلي:(17/54)
1. ألا يكون التعويض على المدين في عقد مداينة، فلا يجوز اشتراط التعويض على البائع في عقد السَّلَمْ، ولا على المشتري في البيع الآجل. وكذلك لا يكون على المشتري في عقود الاستصناع والتوريد ونحوها. ومن الفقهاء المعاصرين من يمنع التعويض عن التأخير مطلقاً في كل العقود لأن فيه شبهة ربا النسيئة (راجع بحوث المجمع ومناقشاته) .
2. أن يرتبط التعويض بالضرر الذي يلحق بالمشتري في عقود المقاولات والاستصناع والتوريد. وقد نص قرار المجمع على أن الضرر هنا يشمل الضرر المالي الفعلي، ولا يشمل الضرر الأدبي، أو المعنوي، ولا فوات الكسب المحتمل.
3. أن يكون هذا الضرر ناتجاً عن تفريط البائع وإهماله في الالتزام بالعقد، وليس لأمر خارج عن إرادته. كما لا يصح اشتراط التعويض إذا كان الضرر ناتجاً عن سبب آخر لا علاقة له بالبائع، ولا إذا انتفى الضرر.
4. وقد نص عدد من الفقهاء على أنه لا يجوز أن يتجاوز مقدار التعويض عن الضرر المالي قيمة الصفقة الإجمالية (كما في بحوث المجمع ومناقشاته) , لئلا يجتمع للمشتري الثمن والمثمن، فيفضي إلى الربح بدون مقابل. كما أنه من المقرر عند الفقهاء أن ضمان المتلفات يكون بالمثل أو بالقيمة، فإذا تأخر البائع في تسليم المبيع فإنه على أسوأ الأحوال يكون كما لو أتلف المبيع، فليس عليه حينئذ سوى المثل أو القيمة. فلا يجوز اشتراط تعويض مالي يزيد عن قيمة الصفقة (كما أفاده فضيلة الشيخ علي الندوي) .
وفي الصورة محل السؤال فإن الغرامة وإن كانت على البائع لكنها غير محددة بالضرر، بل بمدة التأخير فحسب. وهذا لا يمكن أن يكون مقبولاً لأنه يؤدي إلى أن يربح المشتري من مجرد التأخير، وهذه هي حقيقة الربا. كما أنه يؤدي إلى أن يربح المشتري أكثر من قيمة الصفقة، فيكون كسباً دون مقابل وأكلاً للمال بالباطل. كما أنها تؤدي إلى ظلم البائع بتحميله مبالغ طائلة تتجاوز ما يستحقه المشتري. فسبب المنع هنا أمران: الظلم والربا، وهما متلازمان. والله تعالى أعلم.(17/55)
استدراك وتعقيب على فتوى مشروعية الأذان الأول للجمعة
د. يوسف بن أحمد القاسم 6/3/1427
04/04/2006
نشرت فتوى بعنوان: (مشروعية الأذان الأول يوم الجمعة) ، للشيخ الدكتور/ يوسف بن أحمد القاسم "عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء"، وقد ورد إلى الموقع تعقيب على الفتوى المذكورة من أحد الإخوة الزوار، وبعد عرضه على الشيخ أجاب بما يلي:
التعقيب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ الفاضل: يوسف القاسم.
تعليقاً على فتوى مشروعية الأذان الأول يوم الجمعة فقد ذكرتم عمل المسجد الحرام، والمسجد النبوي بهذه السنة الراشدة، والذي أراه أن في المسجدين الشريفين ليس السنة، إذ ليس بين الأذانين وقت حتى يستعد فيه من لم يستعد للجمعة، فهل هذا يعد من البدعة إذ ليس هو يقيناً من السنة، إذ السنة إما أذان واحد حين يجلس الإمام كما كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما- أو أذانين بينهما ما يستعد فيه الغافل كما في عهد عثمان - رضي الله عنه- أما ما يحدث الآن فماذا يسمى؟ ولماذا لم تنته هذه العادة التي لم توافق ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر - رضي الله عنهما- ولا وافقت ما كان عليه عثمان - رضي الله عنهم- جميعاً، وأما أثر الزهري عن السائب فقد توفي الزهري سنة (125) ، فبقاء هذا العمل إلى هذه السنة لا يستدل به على العمل في وقتنا هذا، ولم تتوفر الوسائل في عهد الزهري كما توفرت الآن وجزاك الله خيراً.
الرد:
فما ذكره السائل من عدم وجود وقتٍ كافٍ بين الأذان الأول والثاني في الحرمين الشريفين، فلا يتحقق المقصود من مشروعية الأذان الأول، هو كلام صحيح، وقد أشرت إلى ذلك في الجواب على السؤال عن مشروعية الأذان الأول، حيث قلت: ( ... مع قرب الأذان الأول للثاني بما لا يحقق الحاجة المعتبرة) ، والواجب حينئذ أن يتقدم الأذان الأول على الثاني بوقت يحقق المقصود من مشروعية الأذان.
وأما أثر الزهري المشار إليه، فلا يفهم منه كما فهم السائل حيث ذكر أن وفاة الزهري - رحمه الله- في سنة (125هـ) فيبقى العمل بالأذان الأول إلى تلك السنة (!!) بل يفهم منه إجماع الأمة في ذلك العصر على هذا الأذان إجماعاً سكوتياً، كما صرح بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى [ (24/193-194) ] ، حيث قال: ( ... ويتوجه أن يقال: هذا الأذان لما سنه عثمان - رضي الله عنه- واتفق المسلمون عليه، صار أذاناً شرعياً ... ) اهـ. وبهذا الإجماع السكوتي احتجت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية، كما في فتاوى اللجنة المنشورة (8/198-199) .(17/56)
وأيضاً فإن العلة التي لأجلها شرع هذا الأذان هي كثرة الناس، كما أشار إلى هذا السائب بن يزيد حيث قال: ( ... فلما كان في خلافة عثمان -رضي الله عنه- وكثروا، أمر عثمان ... ) الأثر، وإذا كثر الناس تباعدت المنازل، وكثرت الأشغال الصارفة عن العبادة، فكان من المصلحة تذكير الناس بالجمعة ليستعدوا لها، وهذه العلة متحققة في هذا العصر بشكل أكبر، حيث كثر الناس، وضعف الوازع الديني لدى كثيرين، وأما الوسائل فلا أدري ما يعني بها السائل - تحديداً- وبكل حال فإن الأصل بقاء هذه الشعيرة، لحاجة الناس إلى التذكير بهذه الصلاة للاستعداد لها، ويمكن أن يقال: بأن بعض المراكز الإسلامية الموجودة في بلاد الكفر والتي لا يصرح لها برفع الأذان عبر المكبرات بأنه لا يسن لهم هذا الأذان، لعدم تحقق المصلحة المقصودة من هذا الأذان، ولكنه يبقى مشروعاً في سائر الأمصار، كما قاله الإمام بدر الدين العيني (ت855هـ) تعليقاً على قول السائب (فثبت الأمر على ذلك) ، حيث قال: أي ثبت أمر الأذان على أذانين وإقامة، كما أن اليوم العمل عليه في جميع الأمصار اتباعاً للخلف والسلف) اهـ عمدة القاري (6/214) ، ومع هذا فإنه يبقى أن الأمر واسع في هذه المسألة؛ لأنه لم يقل أحد بوجوب هذا الأذان، فهو سنة يثاب على فعلها، ولا يعاقب على تركها، ولذا فإنه لا ينبغي تفرق بعض المسلمين واختلافهم لمجرد الخلاف في بعض المسائل الاجتهادية من حيث تنزيلها على الواقع، كما هو الحال في بعض المراكز الإسلامية في بلاد الكفر. والله تعالى هو الموفق والهادي.(17/57)
استدراك وتعقيب على فتوى دية المرأة
أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان 1/3/1427
30/03/2006
نشرت فتوى بالموقع بعنوان (هل دية المرأة على النصف من دية الرجل) ، للشيخ الدكتور/ سعود الفنيسان، وقد ورد إلى الموقع استدراك من أحد الإخوة الزوار على الفتوى المذكورة وبعد عرضه على الشيخ أجاب بما يلي:
الاعتراض:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد ذكر فضيلة الدكتور سعود الفنيسان - حفظه الله وأحسن إليه- في ترجيحه أن دية المرأة نصف دية الرجل في قتل الخطأ، وذكر في أول دليل له قال: (إجماع الصحابة على هذا الأمر - أي التنصيف- حيث لم ينقل عن أحد منهم قال بخلافه، ثم اتفاق الأئمة الأربعة على هذا بمثابة الإجماع أيضاً، والإجماع عند العلماء أقوى من النص، فهو يَنسخ ولا يُنسخ؛ لأنه لا يكون إجماعاً إلا وهو مستند على نص شرعي، سواء علمنا هذا النص أو جهلناه) ، وسؤالي: هل ورد أن هذه القضية عرضت أمام الصحابة -رضي الله عنهم- وحكم بها أمامهم بتصنيف دية المرأة وسكتوا عنها؟ وهل الإجماع السكوتي حجة ليعارض بها ظاهر النصوص العامة؟ وهل شهرة الحديث بين الفقهاء دليل على صحته؟ أنا لست ممن يعترض عليك فضيلة الدكتور - حفظك الله- ولا ينبغي لي، ولكني وجدت في مقدمة الفتوى قوة دليل للقول بتسوية الرجل والمرأة في هذه القضية قبل ترجيحكم. فلا أدري حفظكم الله، أرشدوني إن كنت مخطئاً وسامحوني دفع الله بكم أمة الإسلام، والسلام عليكم ورحمة الله.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وصحابته أجمعين، وبعد:
فقد تلقيت من بعض الإخوة من طلاب العلم اعتراضاً على الفتوى التي أفتيت بها في موقع (الإسلام اليوم) عن دية المرأة في القتل الخطأ، ورد دعوى أنها كالرجل تماماً وليست بنصف ديته، وأنا أشكرهم على اهتمامهم ومتابعتهم وحسن خطابهم، وأحب أن أبيّن لعامة زائري (نافذة الفتاوى) وهؤلاء الإخوة خاصة ما يلي:
أولاً: بسطت رأي الجمهور ومخالفيهم في دية المرأة في القتل الخطأ، وناقشت أدلة الطرفين معاً، وظهر لي أن ظواهر الأدلة مع القائلين بعدم تنصيف الدية، ورجحت أخيراً مذهب الجمهور القائلين بالتنصيف بأدلة استنباطية عملية وواقعية، ويبدو أن عرض أدلة المخالفين للجمهور رجحت في أذهان الإخوة الكرام واستغربوا أن أرجح خلافها بعد وضوحها، وإنما فعلت ذلك مبسطاً للمسألة وإنصافاً واحتراماً للرأي المخالف والقائل به، والمشير له اليوم فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي - وفقه الله-. وهذا من تمام العدل الذي أمرنا الله به "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تتذكرون"، وبقوله: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"، والأخذ بظواهر الأدلة - ما لم تكن نصًّا في المسألة- من الفقه الظاهري أقل ما يقال فيه: إنه اجتهاد مقابل اجتهاد مثله، ولا مانع للمجتهد الناظر في الأدلة أن يرجح أحد الرأيين، وما ذكرته من أدلة للقائلين بتماثل الدية بين الرجل والمرأة إنما هو على طريقة العلماء في إعمال الذهن في نقد الأقوال لا غير.(17/58)
ثانياً: قال أحد الإخوة - وفقه الله- متسائلاً: هل عُرضت قضية تنصيف دية المرأة على الصحابة - رضي الله عنهم- وحكم بها إمامهم وسكتوا عنها؟ وهل الإجماع السكوتي حجة تعارض به ظواهر النصوص؟ وهل شهرة الحديث بين الفقهاء دليل على صحته؟
وأنا أجيبه بالنفي عن سؤاليه الأول والثاني، فلا إجماع قولي ولا حجة في الإجماع السكوتي، ولكني أقلب عليه سؤاله، فأقول: هل نقل عن أحد من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين توفي عنهم وعددهم يزيد عن مائة ألف- هل نقل عن واحد منهم أنه قال بمساواة دية المرأة في القتل الخطأ لدية الرجل؟! بل هل نقل عن أحد الخلفاء الراشدين المهديين - خاصة شيء من هذا- إن وجد في هذه المسألة نقل عن صحابي تعين المصير إليه والوقوف عنده، وأنا أول من يقول به ويشهره بين الناس.
ثالثاً: نعم إن شهرة الحديث عند العلماء إذا تلقي بالقبول دون نكير تغني عن إسناده سواء كان الإسناد ضعيفاً أو لم يعرف له إسناد أصلاً. وقد سئل الإمام أحمد عن حديث تلقين الميت بعد دفنه فاستحسنه واحتج عليه بالعمل - كما ذكره- ابن القيم في كتاب (الروح) ، وقال الإمام مالك: صحة الحديث بالمدينة تغني عن إسناده، وسئل القاسم بن محمد عن عدة الأَمة، فقال الناس يقولون حيضتان، وليس هذا في كتاب الله ولا سنة رسول الله، ولكن عمل به المسلمون) ، وقال ابن عبد البر في التمهيد: (روي عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما- بإسناد لا يصح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدينار أربعة وعشرون قيراطاً"، وهذا الحديث وإن لم يصح إسناده ففي قول جماعة العلماء به وإجماع الناس على معناه ما يغني عن الإسناد فيه) ا. هـ. وقال الحافظ ابن حجر في النكت على ابن الصلاح: ومن جملة صفات قبول الحديث التي لم يتعرض لها شيخنا الحافظ العراقي أن يتفق العلماء على العمل بمدلول الحديث، فإنه يقبل، بل يجب العمل به) ، وقال السخاوي بشرح ألفية الحديث: (وكذا إذا تلقت الأَمة الحديث الضعيف بالقبول يعمل به على الصحيح حتى إنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع به، ولهذا قال الشافعي - رحمه الله- في حديث: "لا وصية لوارث" إنه لا يثبته أهل الحديث ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوه ناسخاً لآية الوصية) ا. هـ، وقد نقل عن الإمام أحمد الأخذ بالحديث الضعيف كحديث "الناس أكفاء إلا الحائك والحجام والكساح"، فقيل له أتأخذ به وأنت تضعفه؟ قال: إنما نضعف إسناده ولكن العمل عليه، وفي رواية عنه أنه قال: إنما نضعفه على طريقة أهل الحديث، ونأخذ به على طريقة العلماء، أو قال الفقهاء.
رابعاً: القول بتنصيف دية المرأة مستند إلى الإجماع العملي منذ عهد الصحابة - رضي الله عنهم- إلى يومنا هذا، وهو أقوى من الإجماع القولي والسكوتي معاً-، وهذا الإجماع من التواتر العملي الذي هو أقوى من التواتر اللفظي كما هو معلوم عند أهل الحديث.(17/59)
خامساً: إن القول بمساواة دية المرأة للرجل في القتل الخطأ - لمن الأمر العجب كيف يخالف سلف الأمة من العلماء والفقهاء والقضاة والحكام في حكم استقر منذ خمسة عشر قرناً ولم يعرف لهم مخالف يعتد بخلافه، ثم يجيء بعض الناس في هذا العصر ليخرج على إجماعهم العملي بدعوى أنه لا يتفق مع القول بتكريم المرأة واحترامها! وكأن علماء المسلمين من السلف والخلف أهانوا المرأة ولم ينصفوها حين لم يساووا ديتها بدية الرجل! وهذه الدعوى لم تعرف إلا في العصر الحاضر، أطلقه الأعداء والمستغربين المهزومين من أبناء المسلمين، ثم كيف يجمع العلماء - إجماعاً عملياً منذ عهد الصحابة - رضي الله عنهم- والتابعين، ومروراً بعصر الأئمة الأربعة، وانتهاء بالأئمة المجتهدين كابن تيمية والعز بن عبد السلام وأبي بكر بن العربي والنووي، والحافظ ابن حجر وابن عابدين وعبد العزيز بن باز، وغيرهم كثير، كيف لم ينقل عن واحد من هؤلاء أو في مجمع أو هيئة شرعية القول بمساواة دية المرأة لدية الرجل في القتل الخطأ، ثم يأتي من يُخطِّئ كل هؤلاء ويصوب رأيه بلسان الحال أو المقال. وأكرر شكري للإخوة الذين أبدوا ملاحظاتهم وتساؤلاتهم، وفق الله الجميع إلى العلم النافع والعمل الصالح، آمين.(17/60)
مراجعة فتوى البسملة في الفاتحة
سعد بن عبد العزيز الشويرخ 27/2/1427
27/03/2006
نشرت فتوى عن (حكم البسملة) وأنها ليست من الفاتحة، لفضيلة الشيخ/ سعد بن عبد العزيز الشويرخ، وقد ورد إلى الموقع إشكال متعلق بالفتوى المذكورة من أحد الزوار، وبعد عرضه على الشيخ أجاب بما يلي:
أولاً: الإشكال:
الشيخ الفاضل: سعد الشويرخ - حفظه الله-
قرأت لك فتوى أن البسملة ليست من الفاتحة، فأرجو إلقاء الضوء على قوله صلى الله عليه وسلم عن الفاتحة: "السبع المثاني"، وإذا لم تدخل البسملة ضمن آياتها لا تصبح سبعاً. فكيف التوفيق بين هذا الحديث وغيره؟ جزاك الله خيراً.
ثانياً: الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله، وبعد:
البسملة ليست آية من أول الفاتحة ولا غيرها، بل هي آية مستقلة يفتتح بها كل سورة من القرآن ما عدا براءة، قال شيخ الإسلام: البسملة آية من كتاب الله في أول كل سورة سوى براءة، وليست من السور على المنصوص عن أحمد، وهو أوسط الأقوال وأعدلها، وبه تجتمع الأدلة.
وقد دلت لذلك أدلة كثيرة، منها:
1- ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ماسأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، ولو كانت آية لعدها وبدأ بها.
2- عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً: سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها حتى يغفر له، تبارك الذي بيده الملك" أخرجه أحمد والأربعة ولا يختلف العادون أنها ثلاثون آية بدون البسملة.
أما حديث "السبع المثاني" فقد أخرجه البخاري وأحمد عن أبي سعيد بن المعلى وفيه" الحمد لله رب العالمين" هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" ورواه الترمذي والنسائي عن أبي بن كعب، وقال الترمذي: حسن غريب.
فقد استدل به بعض أهل العلم على أن البسملة ليست من الفاتحة، لأنه لو كانت منها لبدأ بها.
والفاتحة أجمعت الأمة على أنها سبع آيات، واختلفوا في السابعة، فمن نفى أن تكون البسملة آية منها، قال" صراط الذين أنعمت عليهم" سادسه، وغير المغضوب عليهم" إلى آخر السورة هي السابعة، ويترجح هذا لأن به يحصل حقيقة التنصيف في حديث أبي هريرة المتقدم، فيكون لله ثلاث آيات ونصف، وللعبد مثلها، وموضع التنصيف، إياك نعبد وإياك نستعين" فلو عدت البسملة آية ولم يعد" غير المغضوب عليهم" صار لله تعالى أربع آيات، وللعبد آيتان ونصف وهذا خلاف تصريح الحديث بالتنصيف، والله تعالى أعلم.(17/61)
استدراك وتعقيب على فتوى (علاقة الحب قبل الزواج)
سامي بن عبد العزيز الماجد 14/2/1427
14/03/2006
نشرت فتوى بعنوان: ((الحب بهدف الزواج!)) للشيخ / سامي بن عبد العزيز الماجد، وقد ورد إلى الموقع استدراك من أحد الزوار على الفتوى المذكورة، وبعد عرض لاستدراك على الشيخ أجاب عنه بما يلي:
الاستدراك:
شيخي الفاضل: يستدل من جوابكم للسائلة في عدم جواز ممارسة الحب قبل الزواج أن علاقة الحب جائزة بين الرجل والمرأة، أرجو إيضاح جواز هذه العلاقة بالأصل أم لا؟. وجزاكم الله خيراً.
الإجابة:
كون الرجل يجد في نفسه ميلاً نحو امرأة ما، وحباً لها بحيث لا يتجاوز الأمر هذا الشعور الداخلي، ولم تترجمه الجوارح إلى أفعال وأقوال كلحظات العين ولفظات اللسان وسعي الرِّجْل، وبطش اليد، فلا مؤاخذة عليه في ذلك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تكلم".
أما إذا استحال هذا الشعور (الحب) إلى علاقات آثمة ومراسلات غرامية ولقاءات مثيرة ومهاتفات مهيجة، فهوا حرام بلا شك، ولم أقل إن الحب جائز بين الرجل والمرأة الأجنبية بإطلاق، ولكن قلت: إن الله العليم الحكيم لا يغضب من ممارسة الحب بين الحبيبين، لكنه اشترط لذلك شرطاً، وهو أن تكون الممارسة في نطاق بيت الزوجية، بعد أن تأخذ المرأة من الرجل ميثاقاً غليظاً - عقد النكاح-، وأظن أن الفتوى واضحة لو أعدت فيها النظر مرة أخرى. وفقك الله لكل خير، والسلام عليك.(17/62)
استدراك وجواب على فتوى ضرب المتهم
أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان 5/2/1427
05/03/2006
في زاوية الفتاوى، تم نشر فتوى بعنوان (ضرب المتهم عند التحقيق) للشيخ/ أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان، وقد وردت إلى الموقع إشكالات على الفتوى المذكورة، من الأخ/ مؤيد، وبعد عرضها على الشيخ أجاب عنها بما يلي:
الإشكالات:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سؤالي هو عن الفتوى: (ضرب المتهم عند التحقيق) أرجو من فضيلة الشيخ توضيح بعض الإشكاليات التي أعاني منها في الرد:
1- كيف يكون القياس في السماح بالضرب بين الحادثة في موقعة بدر حيث أن الأسرى من الكفار، وبين ضرب المسلمين؟
2- ما هو الفاصل في تحديد كون الشخص فاسد ويجوز ضربه؟
3- ألم يتوصل العلم الآن (كما قال عليه الصلاة والسلام قبل 1400) أن الضرب يؤدي لاعتراف الشخص بما يريد المحقق حتى يتوقف؟ فتوافق علمه صلى الله عليه وسلم مع علم ودراسات اليوم!
4- ألم تعرض نفس المسألة لعمر بن عبد العزيز ورفض أن يسمح بالضرب؟ في حادثة اختلاس أموال بيت المال؟
5- أليس درء المفاسد أولى من جلب المصالح؟ فمع علمنا بأن أفراد الشرطة اليوم يضربون وينتقمون وينكلون، أليس من الأولى عدم الفتوى بالجواز وهذه الحال؟
أرجو العلم أني لست أسأل انتقاصاً من قدر الشيخ (حاشا لله) ولكن هذا ما انتهى إليه علمي وأرجو من فضيلة الشيخ الرد. جزاكم الله خيراً.
الردود:
أشكر الأخ مؤيد من نيوزيلنده على مداخلته واستشكاله على موضوع (ضرب المتهم) وأقول:
1- ليس كفر الكافر سبباً موجباً للاعتداء عليه وإنما موجب هذا ظلمه واعتداءه على الغير كحصول الظلم من المسلم لغيره لأن الله يقول "ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" وقد حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده جميعاً "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" فالقياس ظاهر جلي في وقعة بدر المشار إليها. ثم هذه سنة الرسول بقوله وإقراره فهي تشريع وعامة التشريعات النبوية هي قياس وتمثيل للأفعال في زمن الكفر أو على الكافرين يتعظ بها المسلمون.
2- والفاصل في تحديد كون الشخص المتهم فاسداً يجوز ضربه -مبين في الجواب عليه وهو كون المتهم مشتهراً بين الناس بالفساد أو كانت له سوابق معروفة ومسجلة عليه والناس شهداء الله في أرضه كما جاء في الحديث.
3- قد يؤدي الضرب إلى اعتراف المتهم وعند توقف الضرب يرجع عن اعترافه وقد يبقى على اعترافه أحياناً -بعد توقف الضرب عنه- فهذا يختلف باختلاف الأشخاص والجرائم والظروف والأحوال.
4- توقف الخليفة عمر بن عبد العزيز عن ضرب من اختلس من بيت مال المسلمين إنما كان لوجود الشبهة وهي أن الاختلاس من بيت المال العام وللمختلس نصيب منه لأنه فرد من المسلمين فدفع الخليفة عنه حد التهمة -الضرب- لوجود الشبهة عملاً بالقاعدة الشرعية (ادرؤا الحدود بالشبهات) لأن التهمة لم تتحقق في نظر الخليفة عمر.(17/63)
5- إعمال قاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) يختلف في نظر المجتهد واحتساب المحتسب من شخص إلى آخر حسب اجتهاده وفهمه للقاعدة وفق النازلة -القضية المنظورة- وإذا كان بعض رجال الشرطة اليوم يظلمون ويضربون هل يترك الحق ولا يبين للناس وهل ظلم الظالم يجعلنا نكتم الحق ومتى كان بيان العلم ونشره سبباً لزيادة الظلم!!؟
وشكراً مرة أخرى للأخ مؤيد على مداخلته واستشكاله. وصلى الله على نبينا محمد.(17/64)
جوابكم غير مقنع
عمر بن عبد الله المقبل 29/12/1426
29/01/2006
ورد نافذةَ الفتاوى سؤالٌ عن (مخالفة الصحابي للسنة هل تدل على نسخها؟!) فأحيل إلى الشيخ عمر بن عبد الله المقبل (عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم) ، ثم نشر جوابه في جديد الفتاوى، فوردنا تعقيب من أحد الزوار يستشكل فيه بعض المسائل، وبعد عرض التعقيب على الشيخ أرسل إلينا هذا التوضيح، فإليكم التعقيب والتوضيح.
التعقيب:
قرأت جوابكم عن مخالفة الصحابي لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو غير مقنع، بل شممت فيه روح التبرير. فأريد جواباً مقنعاً حول حرب السيدة عائشة -رضي الله عنها- لسيدنا علي، ولحرب معاوية، ولحرب الخوارج لسيدنا علي -رضي الله عنه-. لأني لو نظرت لامرأة، أو ارتكبت أي ذنب سيعاقبني الله، أما الذين خاضوا في دماء المسلمين، وقتلوا الآلاف فنظل نمجدهم لقرون ونبرر لهم، فبصراحة -ياسادتنا العلماء- إن مسألة: اجتهد فأخطأ فله أجر واحد لها قوانينها إن صحت، وفي مسائل فقهية بسيطة لا في أمور سياسية تقود لدماء وأحقاد. ثم ما الداعي لأن نعصم أو نقول بعصمة كل الصحابة بدون أن نصرح بذلك؟ فأزواج النبي كن أقرب إليه من أصحابه، ومع ذلك فالقرآن هددهن -إن هن عصين- بأن يضاعف لهن العذاب، فلماذا لا يحاسب من خاض في دماء الآلاف؟
أرجو جواباً مقنعاً يرضي الله. وبارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التوضيح:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأشكر للسائل تواصله، وحرصه على الاستيضاح، آملاً أن يحاول أن يكتب الاستشكال والإيراد بنفس متأملة، ولغة هادئة؛ لأني لاحظت أن السائل كتب ما كتب بنوع من الانفعال -هكذا بدا لي- والذي يكتب بهذه الحال -إن صحّ ظني- قد لا يتصور الأمر كما ينبغي.
ووصية أخرى، أن يكون رائدنا عند السؤال هو طلب الحق -كما قلتَ في آخر سؤالك- "أرجو جواباً مقنعاً يرضي الله"، فإن الإنسان إذا كان يبحث عن الحق فسيوفق له بإذن الله، أما إذا كان يسأل من أجل المماراة، أو ترسيخ قناعةٍ سابقة، ولو ظهر له -بالأدلة العلمية- أنها غير صحيحة، أو مجانبة للصواب، فقد يعاقب بحرمان التوفيق للحق، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً" أي فرقاناً تفرقون به بين الحق والباطل، رزقني الله وإياك هذا بمنه وكرمه.
أعود إلى المهم، وهو الإجابة على الإشكال، وسألخصه في النقاط التالية -حسب إيراد الأخ السائل- سائلاً الله التوفيق للصواب:
أولاً: كان جوابي -بورك فيك- يتعلق بالتقعيد للمسألة من ناحية حديثية وأصولية، بغض النظر عن الصحابي الذي اجتهد، هل هو أبو بكر، أو عمر، أو عثمان، أو علي، فضلاً عن بقية الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- فلا أدري لماذا حشر السائل قضية القتال بين الصحابة في هذه المسألة؟
ولا أدري -أيضاً- لماذا حشر حربَ الإمام السيد الكبير عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- للخوارج، مع القتال الذي وقع بينه وبين معاوية وعائشة -رضي الله عن الجميع-؟(17/65)
فقتال الخوارج كان قتالاً شرعياً لا إشكال فيه عند أهل العلم قاطبة، ولا يترددون أن الحق فيه كان مع علي -رضي الله عنه- وقتال الخوارج من أفضل القربات التي نال عليٌ -رضي الله عنه- شرفها.
أما قتال الفتنة -الذي وقع بين الصحابة -رضي الله عنهم- فكلام أهل العلم فيه طويل جداً، والذي تدل عليه الأدلة -وهو قول جمهور السلف- أن علياً كان أولى بالحق من معاوية -رضي الله عنهما- كما ثبت في الصحيحين -في شأن ذي الثدية الخارجي-: "تقتله أولى الطائفيتن بالحق"، وليس هذا مجال بسط الأدلة في ذلك.
إلا أن الذي يجب أن يُعْلم هنا، أن ذلك لا يبيح وصف أحدٍ من الطرفين بالفسق، فضلاً عن التكفير -والعياذ بالله- فإنهم مجتهدون، وراغبون في الوصول إلى الحق -رضي الله عنهم- بغض النظر عن المصيب منهم في هذه القضية-، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنه قال: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا حكم فأخطأ فله أجرٌ واحد"، ولا يختلف أهل العلم أن كبار الصحابة الذين شاركوا في القتال هم من المجتهدين، وليس كل مجتهدٍ مصيب.
ثانياً: من حيث العموم -وبعيداً عن قضية الاقتتال بين الصحابة- فقد أثبت الله تعالى الإيمان بين المقتتلين، فقال تعالى: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ... الآية) ، [الحجرات:9] ، فتأمل قوله: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا" فسماهم مؤمنين مع سل السيوف، وإزهاق النفوس! وهذا الحكم يشمل المؤمنين إلى قيام الساعة، وإذا كان هذا الحكم ثابتاً، ولو كان القتال على سبيل البغي والعدوان، فما ظنك إذا كان القتال بتأويل واجتهاد؟!
كما أن الله -عز وجل- أثبت عقد الأخوة بين القاتل والمقتول في آية سورة البقرة، فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ... الآية"، [البقرة:17] .
فتأمل -بارك الله فيك- كيف سمّى الله القاتل أخاً؟ كلُّ ذلك حفاظاً على أصل الأخوة الإيمانية حتى وإن وجد ما ينغصها، ويكدرها، وهو القتل.
ثالثاً: قولك -وفقنا الله وإياك للصواب-: "فبصراحة -يا سادتنا العلماء- إن مسألة "اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحدٌ" لها قوانينها -إن صحت- ... "،فأقول:
قد ذكرتُ لك قبل قليل -بورك فيك- أن هذا الحديث متفق على صحته، فلا مجال للتشكيك فيه، بل هذا الحديث من أعظم الأدلة على رحمة الله بهذه الأمة، وبأهل العلم خصوصاً، وهو من أعظم ما يعين على بذل العلم، والاجتهاد في البحث، إذْ الباحثُ لن يعدم أجراً -إذا بذل وسعه- والحمد لله على هذا.
رابعاً: قولك: " ... لها قوانينها -إن صحت- وفي مسائل فقهية بسيطة، لا في أطماع سياسية تقود لدماء وأحقاد، وو ... ".
أما قولك: "لها قوانينها"، فهذا صحيح من جهة أنه ليس كل أحدٍ له حق في الاجتهاد، بل هذا منوط بمن يحق لهم الاجتهاد، إما الاجتهاد المطلق، أو الاجتهاد الجزئي -كما هو معروف عند الأصوليين-.(17/66)
واسمح لي أن أسألك سؤالاً -بعد هذا-: ما دليلك على تخصيص عموم حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- بمسائل فقهية بسيطة؟! وما حجتك في تخصيصها بمسائل الفقه؟ ثم ما ضابط البساطة فيها؟! وهل المسائل الفقهية المتعلقة بالصلاة -مثلاً- أو بالزكاة، أو المتعلقة بالأنكحة والحدود، أو بغيرها من المسائل الكبرى= لا يعذر فيها المخالف؟! وهل قال بهذا التخصيص -الذي أشرت إليه- أحدٌ من أهل العلم؟!
دعني أضرب لك مثلاً بهذه المسألة من المسائل الفقهية التي وقع فيها خلاف قديم بين الصحابة، ومن أشهر المخالفين لجمهور الصحابة -ومن بعدهم- فيها: أمير المؤمنين علي، وابن عباس -رضي الله عنهما- وهي عدة الحامل التي مات عنها زوجها:
فجمهور العلماء من الصحابة ومن بعدهم، أن عدتها بوضع حملها، بينما ذهب أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- وابن عباس -رضي الله عنهما- في أصح الروايتين عنه- إلى أنها تعتد بأطول الأجلين: إما الولادة، أو انتهاء العدة، فيا أخي: هل نؤثم علياً، أو ابن عباس لأنهما خالفا قوله تعالى -في سورة الطلاق-: "وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ"؟! معاذ الله! فلهم عذرهم وتأويلهم، وليس هذا مقام بحث المسألة فقهياً، إنما أردت أن أبين لك خطورة هذا التشطير للحديث، والتخصيص له من دون دليل علمي.
وأما قولك -غفر الله لك-: " ... لا في أطماع سياسة ... الخ" فكم تمنيت أن يعف لسانك عن هذا الكلام، فإن هذه تهمه خطيرة، وهي تدخلك في متاهات لا نهاية لها، ومحاذير كبيرة، وورطات عظيمة، إذ يلزم منها تفسيقُ وتضليل من قاتل علياً في وقعة الجمل! وهذا يجرك إلى الوقوع في المحذور الذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "لا تسبوا أصحابي"، وسيترتب على هذا هدم جزءٍ من السنة ليس باليسير روته عائشة، ومعاوية، وعمرو بن العاص، فضلاً عن بقية من كان معهم من الصحابة -رضي الله عن الجميع- إلى غير ذلك من المفاسد الكثيرة.
فضلاً عن مخالفة هذا كله، لما أخبر الله تعالى به عن أهل الإيمان الذين يأتون من بعد الصحابة -من المهاجرين والأنصار-، بقوله عنهم: "وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ" [الحشر:10] .
فقوله: "وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ" يشمل جميع المؤمنين إلى يوم القيامة -جعلني الله وإياك منهم-.
فمن طعن في أحد من الصحابة بمثل هذه المسائل التي اجتهدوا فيها، فقد أعان على إخراج نفسه من هؤلاء الذين أثني عليهم في هذه الآية، ولهذا اتفق أهل السنة على أن أسلم طريق في التعامل مع هذه الفتنة الكبيرة، هو كف الألسن في الخوض في تفاصيلها -خصوصاً أمام عامة الناس- لأن الدخول في التفاصيل يوقع في إشكالات كثيرة -ذكرت بعضها قبل قليل-.(17/67)
ثم لنفترض -أخي السائل- أن معاوية وعائشة -ومن شاركهم من الصحابة في القتال -رضي الله عن الجميع- كانوا مخطئين خطأً لا صواب فيه، بل اتبعوا أهواءهم، ورغبوا في مطامع سياسية -كما قلتَ أنت- أو أغراض شخصية، أفيصح أن تهدر بقية فضائلهم وحسناتهم بمثل هذا؟ أين فضائلهم، وعظيم حسناتهم، وسابقتهم في الإسلام؟! أليس لهم النصيب الأوفى من قوله تعالى: "أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ"؟! وكيف تخرجهم من قوله تعالى: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (التوبة:100) فمعاوية ومن كان مثله من مسلمة الفتح، داخلون بلا ريب في قوله تعالى: "وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ"، وقد بيّن الله تعالى أنه رضي عنهم ورضوا عنه "وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، وهم -أيضاً- موعودون بالحسنى، كما في قوله تعالى: "لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" فأخبر الله أن بين الفريقين تفاوتاً، وأثبت أن الجميع موعودون بالحسنى، ومعاوية ومن كان على شاكلته -كعمرو بن العاص، وخالد بن الوليد- داخلون في هذه الآية، إذ هم ممن أنفق من بعد الفتح، وقاتل، ولو لم يكن لهم منقبة إلا خروجهم مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك لكفاهم، فهل بعد هذا تعشى العين، أو يعمى القلب عن إدراك الحقيقة؟!.
ولهذا كان من أعظم مناقب الحسن رضي الله عنه وعن أبيه، أنه تنازل بالخلافة لمعاوية -رضي الله عنه- وتحققت فيه نبوءة جدِّه -صلى الله عليه وسلم-كل ذلك حقناًً لدماء المسلمين، والسؤال: أفكان الحسن -وهو أفضل أهل البيت في وقته- يتنازل بالخلافة لرجلٍ فاسق، فضلاً عن كافر -كما يقوله بعض الرافضة عن معاوية-؟!
وعلى مذهب من يفسق معاوية، أو يكفره -عياذاً بالله- يجب أن تنقلب هذه المنقبة -التي مدحه بها النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى نقيصة ومذمة، وهذا هو الضلال المبين، نعوذ بالله من ذلك.
قال ابن تيمية -رحمه الله- "وإن قُدِّرَ أن لهم ذنوباً فالذنوب لا توجب دخول النار مطلقاً، إلا إذا انتفت الأسباب المانعة من ذلك، وهي عشرة، منها: التوبة، ومنها: الاستغفار، ومنها: الحسنات الماحية، ومنها: المصائب المكفرة، ومنها: شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنها: شفاعة غيره، ومنها-: دعاء المؤمنين، ومنها ما يهدى للميت من الثواب والصدقة والعتق، ومنها: فتنة القبر، ومنها: أهوال القيامة.(17/68)
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "خير القرون القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، وحينئذ فمن جزم في واحدٍ من هؤلاء بأن له ذنباً يدخل به النار قطعاً، فهو كاذبٌ مفترٍ، فإنه لو قال ما لا علم له به لكان مبطلاً، فكيف إذا قال ما دلت الدلائل الكثيرة على نقيضه؟!.
فمن تكلم فيما شجر بينهم، وقد نهى الله عنه من ذمهم، أو التعصب لبعضهم بالباطل، فهو ظالم معتد، وقد ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق"، وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال -عن الحسن-: "إن ابني هذا سيدٌ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"، وفى الصحيحين -عن عمار أنه قال- "تقتله الفئة الباغية"، وقد قال تعالى: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ، فثبت بالكتاب والسنة، وإجماع السلف على أنهم مؤمنون مسلمون، وأن علي بن أبي طالب -والذين معه- كانوا أولى بالحق من الطائفة المقاتلة له، والله أعلم" [ينظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 4/432] .
خامساً: قولك: "ثم ما الداعي لأن نعصم، أو نقول بعصمة كل الصحابة بدون أن نصرح بذلك؟ " والجواب عن ذلك بأن أقول:
من قال بأن الصحابة معصومون؟ لا أحد يقول بذلك ممن يعتد به من أهل العلم، بل هم -بالإجماع- يصيبون ويخطئون!
ولم نسمع عن العصمة لغير الأنبياء -في أمة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- إلا عند الشيعة الإمامية الذي يدعون العصمة لأئمة أهل البيت، وقدوتهم في ذلك ابن سبأ الذي ادعى العصمة لعلي -رضي الله عنه-.
وأفهم من قولك: "بعصمة كل الصحابة" أنك ترى أن بعضهم قد يكون معصوماً! وهذا ما لم يقل به أحدٌ أبداً من السلف -كما قلت لك- بل لن يستطيع أحدٌ أبداً أن يأتي بحرف واحدٍ عن أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- يقول فيه بعصمة أحدٍ منهم، وإذا كان هذا في حقهم ممتنعاً شرعاً، أفتظن أن العصمة ستكون لمن جاء بعدهم؟!
سادساً: الآية التي استدللت بها لا تصلح للاستدلال على عدم ثبوت العصمة؛ لأن هذا في مقام بيان عقوبة مَن خالف الأمر والنهي، ولا يلزم منه الوقوع أصلاً، وهذا يستوي فيه جميع المكلفين، حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ألم تقرأ قول الله -عز وجل-: "وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [الزمر:65] ؟! وقوله تعالى: "وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً" [الإسراء:75-74] ؟!
ولا يمكن لأحد أن يقول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يمكن أن يشرك شرعاً، أو يركن إلى الذين كفروا -حاشاه من ذلك-.(17/69)
والذي يصلح أن يستدل به على عدم العصمة لغير النبي -صلى الله عليه وسلم- هو اتفاق أهل العلم على أن كل أحدٍ يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- وهناك أدلةٌ أخرى ليس هذا مجال الحديث عن العصمة، فالبحث فيها طويل متشعب.
سابعاً: قلت في ختام إيرادك -وفقني الله وإياك للحق-: "لماذا لا يحاسب من خاض في دماء الآلاف"؟!.
وأنا أسألك -وفقك الله-: من هو الذي تريده أن يحاسب الصحابة في الذين شاركوا في تلك الفتنة؟!.
ولعل قصدك -في كلامك هذا-: لماذا لا ينتقد من شارك في القتال؟ ولماذا لا يبين خطأه؟!
وما هذا الكلام -الذي تقدم- إلا جواب عن هذا السؤال، وأجزم أنها إنما هي إشارات فقط، أرجو أن تكون كافية في إيضاح الحق، وإلا فإن المسألة كتب فيها كتب، وسطرت فيها مجلدات، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وأختم جوابي بأمرين:
الأول: كما أن الإنسان يشكر على بحثه عن الحق، فإنه يشكر أكثر ويغبط أكثر وأكثر، ويسلم دينه أكثر وأكثر حينما يعيش ويموت وقلبه سليم على إخوانه المسلمين، فضلاً عن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- حملةِ الشريعة، ومبلغي السنة لبقية الأمة -رضي الله عنهم وأرضاهم- وجزاهم عن الإسلام وأهله خير الجزاء-.
والله العظيم لن يسلم دين المرء، ولن يرتاح باله إلا بهذا المسلك، وتجارب إخواننا الذين تابوا من هذا المسلك الوخيم -أعني: سب الصحابة كالشيخين، أو معاوية أو عائشة- أكبر شاهد على ذلك، فاسألهم تجد عندهم الخبر اليقين.
واعلم -بارك الله فيك- أن القدح في خير القرون الذين صحبوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- يجرُّ إلى القدح في الرسول عليه الصلاة والسلام، كما قال الإمام مالك -وغيره من أئمة العلم-: هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله، وإنما طعنوا في أصحابه؛ ليقول القائل: رجلُ سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحاً؛ لكان أصحابه صالحين.
وبهذا المسلك -أعني مسلك التسليم وترك الخوض فيما جرى- تسلم من بدعتين قبيحتين:
الأول: بدعةِ الرافضة الذين أعملوا ألسنتهم في شتم الشيخين، وعثمان، ومعاوية وجمع غفير من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
الثاني: بدعةِ النواصب الذين يشتمون علياً وأشياعه -عياذاً بالله من ذلك-.
وأنا -يا رب- أبرأُ إليك من هؤلاء، وأسألك بما سألك به عبادك الصالحون -الذين جاءوا من بعد أصحاب نبيك -صلى الله عليه وسلم-: "رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ".
وأرجو أن تتأمل معي هذين الموقفين اللذين وقفهما اثنان من كبار أئمة هذه الأمة:
أما الموقف الأول: فهو موقف الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز عندما قيل له: ما تقول في أهل صفين؟ فقال: تلك دماء طهر الله يدي منها، فلا أحب أن أخضب لساني بها.
وأما الموقف الثاني: فهو موقف الإمام أحمد، حينما قال: إن علياً كان الأحق بالأمر، وكانت طاعته واجبة، فأورد عليه بعضهم فقال: إذا قلت كان إماماً واجبَ الطاعة، ففي ذلك طعن على طلحة والزبير، حيث لم يطيعاه، بل قاتلاه! فقال لهم الإمام أحمد: إني لست من حربهم في شيء!(17/70)
علق الإمام ابن تيمية على هذا الكلام، مفسراً كلمة الإمام أحمد، فقال:
(يعنى أن ما تنازع فيه عليٌّ وإخوانه لا أدخل بينهم فيه؛ لما بينهم من الاجتهاد والتأويل الذي هم أعلم به مني، وليس ذلك من مسائل العلم التي تعنيني حتى أعرف حقيقةَ حالِ كل واحد منهم، وأنا مأمور بالاستغفار لهم، وأن يكون قلبي لهم سليماً، ومأمور بمحبتهم وموالاتهم، فلهم من السوابق والفضائل ما لا يهدر) [ينظر مجموع الفتاوى 4/440] .
فهذان موقفان يريحان قلب المسلم، ويسلم له دينه، ويمثلان منهجاً وسطاً في التعامل مع هذه المسائل الكبار، والتي الخلل فيها -سببٌ من أسباب الضلال والانحراف في الاعتقاد- كما هو ظاهر في التاريخ، بل والواقع-.
الثاني: مما أختم به جوابي -أن هذه الفتنة- التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وقعت ومضت بما فيها "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون" فليس من العقل ولا من الشرع أن نختصر ديننا وعقيدتنا، وفهمنا للشريعة في هذه الفتنة العمياء! بل علينا أن نقرأها في سياقها التاريخي الذي يعين على فهم ملابساتها وأسبابها، وأن ننزلها منزلتها اللائقة بها، والتماس العذر فيها لمن أخطأ، فإن الفتنة إذا وقعت عمي أكثر الناس عن فهمها، وإذا أدبرت أدركها كل أحد، وأن نتجاوزها لنقف كثيراً عند السيرة المعصومة -التي أمرنا بالاقتداء بها، والتأسي بها -سيرة محمد -صلى الله عليه وسلم- (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) ، فهي السيرة الخطية التي ستجد فيها الترجمة الحقيقية لهذا الدين: تحقيقاً للتوحيد، وعناية ببقية الأركان، ونصاعة في الأخلاق، وعظمة في حسن المعاملة، وأن نحاول التأسي بها، وأن نطبقها عملياً في حياتنا قدر الإمكان، فذلك -والله- خير وأبقى.
أسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شرور أنفسنا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة، إنه هو الوهاب "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم".
وصلى الله وسلم على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(17/71)
مراجعات الزوار حول فتوى اليوم الوطني
د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه 22/8/1426
26/09/2005
سبق أن نشر موقع الإسلام اليوم فتوى لمعالي الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه حول الاحتفال باليوم الوطني بتاريخ 16/12/1424هـ وتلقى الموقع رسائل تناقش رأى معالى الشيخ في هذه القضية، ولذا نعيد نشر فتوى معالي الشيخ - حفظه الله - وأهم ما ورد من الرسائل حولها:
السؤال:
أصحاب الفضيلة المشايخ: سؤالي يا أصحاب الفضيلة عن اليوم الوطني، هل يجوز حضور الحفل؟ وإذا ألزمنا به كأعضاء سفارة ماذا علينا فعله؟ وهل يجوز لنا الحضور بنية إلقاء كلمة ذكر أو محاضرة نذكر فيها بطاعة الله ورسوله -عليه السلام-؟ أرجو إعطائي نصيحة ألقيها في هذا اليوم، أرجو الرد بأسرع وقت لأن اليوم الوطني قرب وأنا محتارة ولا أعرف ماذا أقول لزوجة السفير إذا دعتني؟.
الجواب:(17/72)
اليوم الوطني ليس عيداً، والأعياد التي لا يجوز إحداثها هي الأعياد الدينية وليست التجمعات التي يتجمع الناس بها لسبب أو لآخر، قد يحتفلون بالزواج وقد يحتفلون بالولادة، وقد يحتفلون بأي شيء فهذا ليس من الأعياد الدينية، لهذا يجب أن نزيل هذا الوهم، وهذه الشبهة التي يتعلق بها كثير من الناس، فيدخلون على الناس حرجاً وشغباً في دينهم، بحيث يصبح المتدين أو الملتزم في حرج يشعر وكأنه يأتي كبيرة ويأتي منكراً، هذا ليس بمنكر، فالأصل في الأشياء الإباحة، فلا حرج عليك أن تحضري فقد أجاز الحنابلة - رحمهم الله تعالى- العتيرة وهي ذبيحة كان أهل الجاهلية يعملونها في رجب كرهها المالكية باعتبار أنها كانت فعل الجاهلية ولكن الحنابلة أجازوها؛ لأنه لا يوجد نص يمنع من ذلك. أهل الجاهلية كانوا في رجب يذبحون ذبيحة اسمها الرجبية، واسمها العتيرة، فبعض العلماء يرى أن هذا باق على أصل الجواز، فإذا اجتمع الناس وذبحوا ذبيحة في رجب أو في شعبان أو في أي زمن فهذا لا مانع منه أن يحتفل الناس أو يفرحوا بحدث زوال الاستعمار في بلد مثلاً، هذا ما يسمى باليوم الوطني غالباً عندنا في أفريقيا، أو في البلاد التي كانت مستعمرة، فالأمر إن شاء الله لا حرج فيه، أما إذا كان ينبغي لك أن تلقي محاضرة فهذا شيء حسن إذا كانت المناسبة تسمح بإلقاء محاضرة أو خطبة تذكير ونحو ذلك فهذا لا بأس به، أما أن نتشبث: بأن أبدلنا الله عيدين، هذه أعياد كانت للأنصار وكانت أعياد جاهلية وأصنام، فالنبي - صلى الله عليه وسلم- ذكر أن أعياد الإسلام الدينية عيدان عيد الفطر وعيد الأضحى، وهذا لا يفهم منه أنه يمنع أن يتجمع الناس في تجمع حتى ولو كان كرهه المرء ورأى أنه إذا لم يكن هناك منكر فلا داعي إلى التشويش على الناس، وإثارة بعض الفتن والخصومات في أمور ليست ممنوعة، نصاً من كتاب أوسنة، ولا إجماعاً للعلماء ولا اتفاقاً داخل المذاهب، لأن التيسير في مثل هذه الأمور التي لا حرج فيها قطعاً، والأقوال التي تقول تحرج لا تستند إلى قاطع وهي أقوال ضعيفة، فلا مانع من أن نفسح للناس المجال وأن نيسر لهم، فاليسر أصل من أصول هذا الدين "، وما جعل عليكم في الدين من حرج" [الحج: 78] ، "يريد الله أن يخفف عنكم" [النساء: 28] ، "فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا" [الشرح: 5-6] ، "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا" رواه البخاري (69) ، ومسلم (1734] من حديث أنس -رضي الله عنه-، فالأصل في هذا الدين اليسر نكررها مرة أخرى، والاجتهادات الأخرى للعلماء اجتهادات محترمة، لكنها ليست نصوصاً من الشارع. والسلام عليكم.
هذه الملاحظة من: بندر الحازمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد استوقفني استشهاد الشيخ عبد الله بن بيه -حفظه الله- لجواز الاحتفال باليوم الوطني؛ إجازة الحنابلة للعتيرة، وأردت أن أجمع لنفسي الإجمال في المسألة من دون ذكر تأصيل لها:
• اختلف العلماء في تفسير العتيرة واتفقوا في أنها ذبيحة تذبح في رجب.
• (العتيرة) ، وقد كان أهل الجاهلية يذبحونها فأبطل الإسلام ذلك، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا عتيرة في الإسلام". أخرجه أحمد: (2/229) .(17/73)
قال أبو عبيدة: العتيرة: هي: الرجبية، ذبيحة كانوا يذبحونها في الجاهلية في رجب يتقربون بها لأصنامهم. [فتح الباري لابن حجر (9/512) ] .
• اتفقوا أنها كانت من أمر الجاهلية، واختلفوا في حكمها في الاسلام بين الاستحباب والجواز والكراهة والتحريم.
• قال بن القيم رحمه الله: قال ابن المنذر - بعد أن ذكر الأحاديث في عتيرة رجب -: (وقد كانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية، وفعله بعض أهل الإسلام , فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما , ثم نهى عنهما فقال: "لا فرع ولا عتيرة"، فانتهى الناس عنهما؛ لنهيه إياهم عنها , ومعلوم أن النهي لا يكون إلا عن شيئ قد كان يفعل , ولا نعلم أن أحدا ً من أهل العلم يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان نهاهم عنهما ثم أذن فيهما , والدليل على أن الفعل كان قبل النهي، قوله صلى الله عليه وسلم في حديث نبيشة الهذلي - رضي الله عنه - قال: نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب , فما تأمرنا؟ قال: "اذبحوا لله في أي شهر كان، وبروا الله عز وجل وأطعموا". رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وفي إجماع عوام علماء الأمصار على عدم استعمالهم ذلك , وقوف عن الأمر بهما مع ثبوت النهي عن ذلك بيان لما قلنا. ا. هـ[الاعتبار (ص 159 -160) ] .
• قال ابن رجب: ويشبه الذبح في رجب اتخاذه موسمًا وعيدًا كأكل الحلوى ونحوها. [لطائف المعارف: (27) ] .
• ومال ابن المنذر إلى هذا، وقال: كانت العرب تفعلهما وفعلهما بعض أهل الإسلام بالإذن، ثم نهى عنهما، والنهي لا يكون إلا عن شيء كان يفعل، وما قال أحد إنه نهى عنهما ثم أذن في فعلهما ثم نقل عن العلماء تركهما إلا ابن سيرين، وكذا ذكر عياض أن الجمهور على النسخ، وبه جزم الحازمي. [فتح الباري - كتاب العقيقة] .
• فقد كان استحباب بعض العلماء استنادا لحديث مخنف بن سليم -رضي الله عنه- قال: كنا وقوفا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرفات فسمعته يقول: "يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة، هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي تسمونها الرجبية". وضعفه ابن حزم في المحلى (7/356) وعبد الحق - كما في تهذيب السنن (4/92) والخطابي في المعالم (4/92) ، وقال ابن كثير: وقد تُكلم في إسناده " ا. هـ
• حديث آخر: حديث محنف بن سليم - رضي الله عنه -: "على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة"، وسيأتي، قال ابن الجوزي: وهذا متروك الظاهر، إذ لا يسن العتيرة أصلًا، ولو قلنا بوجوب الأضحية كانت على الشخص الواحد، لا على جميع أهل البيت، انتهى.(17/74)
قوله: والعتيرة منسوخة، وهي شاة تقام في رجب على ما قيل. قلت: روى الأئمة الستة في " كتبهم " [عند البخاري في العقيقة، في باب الفرع، وفي باب العتيرة (ص 822 - ج 2) ، وعند مسلم في الأضاحي فيه (ص 159 - ج 2) ، وعند أبي داود فيه (ص 35 - ج 2) ، وعند النسائي فيه (ص 188 - ج 2) وعند الترمذي فيه (195 - ج 1) ] من حديث الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " لا فرع ولا عتيرة "، انتهى. زاد أحمد في مسنده: "في الإسلام "، وفي لفظ للنسائي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن الفرع والعتيرة، وفي " الصحيحين " قال: "والفرع أول النتاج، كان ينتج لهم، فيذبحوه لطواغيتهم، والعتيرة في رجب"، انتهى. [نصب الراية (ج4) ] .
• قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: (المراد بـ "لا فرع ولا عتيرة" نفي كونهما سنة أي خلافاً لما يراه بعض أهل الجاهلية من أن ذلك سنة , لكن النفي يفيد البطلان كـ "لا عدوى ولا طيرة" أفلا يكون "لا فرع ولا عتيرة" إبطال لذلك؟! .
فالأصل سقوط ذلك , ولا حاجة إلى تأويل , بل هو ساقط بالإسقاط النبوي , سقط سنة وفعلاً.
هذا مع دلالة "من تشبه بقوم فهو منهم" مع دلالة أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع من مشابهة الجاهلية. [الفتاوى (ج6) ] .
"نسال الله أن يهدينا إلى الحق، وأن يجمع الأمة على كتابه وسنة نبيه وصلى الله عليه وسلم.
هذه الملاحظة من: أبي ماجد:
اطلعت على فتوى سماحة الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه , والشيخ عالم له اجتهاده ورأيه المعتبر.
ولكن في هذه المسألة أقوال أخرى يحسن عرضها , ولذا أرغب إليكم نشرها ليحصل اكتمال عرض المسألة في موقعكم.
(فتوى رقم 9403- 3/59) . اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أولاً: العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد، إما بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع أو نحو ذلك، فالعيد يجمع أموراً منها: يوم عائد كيوم عيد الفطر ويوم الجمعة، ومنها: الاجتماع في ذلك اليوم، ومنها: الأعمال التي يقام بها في ذلك اليوم من عبادات وعادات.
ثانياً: ما كان من ذلك مقصوداً به التنسك والتقرب أو التعظيم كسبا للأجر، أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية أو نحوهم من طوائف الكفار فهو بدعة محدثة ممنوعة داخلة في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم، مثال ذلك الاحتفال بعيد المولد، وعيد الأم، والعيد الوطني، لما في الأول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله، ولما في الثاني والثالث من التشبه بالكفار، وما كان المقصود منه تنظيم الأعمال مثلاً لمصلحة الأمة وضبط أمورها، كأسبوع المرور، وتنظيم مواعيد الدراسة، والاجتماع بالموظفين للعمل، ونحو ذلك مما لا يفضي إلى التقرب به والعبادة والتعظيم بالأصالة، فهو من البدع العادية التي لا يشملها قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" فلا حرج فيه، بل يكون مشروعاً، وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. والله أعلم.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز:(17/75)
اطلعتُ على ما نشرته صحيفة (الندوة) في عددها الصادر بتاريخ (30 / 11 / 1384) هـ تحت عنوان (تكريم الأم.. وتكريم الأسرة) فألفيت الكاتب قد حبذ من بعض الوجوه ما ابتدعه الغرب من تخصيص يوم في السنة يحتفل فيه بالأم وأَوْرَدَ عليه شيئا غفل عنه المفكرون في إحداث هذا اليوم وهي ما ينال الأطفال الذين ابتلوا بفقد الأم من الكآبة والحزن حينما يرون زملائهم يحتفلون بتكريم أمهاتهم واقترح أن يكون الاحتفال للأسرة كلها واعتذر عن عدم مجيء الإسلام بهذا العيد؛ لأن الشريعة الإسلامية قد أوجبت تكريم الأم.
ولقد أحسن الكاتب فيما اعتذر به عن الإسلام وفيما أورده من سيئة هذا العيد التي قد غفل عنها من أحدثه، ولكنه لم يشر إلى ما في البدع من مخالفة صريح النصوص الواردة عن رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام، ولا إلى ما في ذلك من الأضرار ومشابهة المشركين والكفار فأردت بهذه الكلمة الوجيزة أن أنبه الكاتب وغيره على ما في هذه البدعة وغيرها مما أحدثه أعداء الإسلام والجاهلون به من البدع في الدين، حتى شوهوا سمعته ونفروا الناس منه وحصل بسبب ذلك من اللبس والفرقة ما لا يعلم مدى ضرره وفساده إلا الله سبحانه.
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التحذير من المحدثات في الدين وعن مشابهة أعداء الله من اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق عليه، وفي لفظ لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ".
والمعنى: فهو مردود على ما أحدثه، وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة: " أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة " خرجه مسلم في صحيحه.
ولا ريب أن تخصيص يوم من السنة للاحتفال بتكريم الأم أو الأسرة من محدثات الأمور التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته المرضيون، فوجب تركه وتحذير الناس منه، والاكتفاء بما شرعه الله ورسوله.(17/76)
وقد سبق أن الكاتب أشار إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتكريم الأم والتحريض على برها كل وقت، وقد صدق في ذلك فالواجب على المسلمين أن يكتفوا بما شرعه الله لهم من بر الوالدة وتعظيمها والإحسان إليها والسمع لها في المعروف كل وقت، وأن يحذروا من محدثات الأمور التي حذرهم الله منها والتي تفضي بهم إلى مشابهة أعداء الله والسير في ركابهم واستحسان ما استحسنوه من البدع, وليس ذلك خاصا بالأم بل قد شرع الله للمسلمين بر الوالدين جميعا وتكريمهما والإحسان إليهما وصلة جميع القرابة وحذرهم سبحانه من العقوق والقطيعة وخص الأم بمزيد العناية والبر؛ لأن عنايتها بالولد أكبر ما ينالها من المشقة في حمله وإرضاعه وتربيته أكثر قال الله سبحانه: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً" [الإسراء:23] ، وقال تعالى: "وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" [لقمان:14] ، وقال تعالى: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ" [محمد:22، 23] .
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر"؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين"، وكان متكئا فجلس فقال: "ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور". وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله، أي الناس أحق بحسن صحابتي؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك"، قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أبوك ثم الأقرب فالأقرب".
وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يدخل الجنة قاطع"، يعني: قاطع رحم، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحب أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أجَله فليصل رحمه"، والآيات والأحاديث في بر الوالدين وصلة الرحم وبيان تأكيد حق الأم كثيرة مشهورة، وفيما ذكرنا منها كفاية ودلالة على ما سواه، وهي تدل مَنْ تأملها دلالة ظاهرة على وجوب إكرام الوالدين جميعا واحترامهما والإحسان إليهما وإلى سائر الأقارب في جميع الأوقات، وترشد إلى أن عقوق الوالدين وقطيعة الرحم من أقبح الصفات والكبائر التي توجب النار وغضب الجبار، نسأل الله العافية من ذلك.
وهذا أبلغ وأعظم مما أحدثه الغرب من تخصيص الأم بالتكريم في يوم من السنة فقط ثم إهمالها في بقية العام مع الإعراض عن حق الأب وسائر الأقارب، ولا يخفى على اللبيب ما يترتب على هذا الإجراء من الفساد الكبير، مع كونه مخالفا لشرع أحكم الحاكمين، وموجباً للوقوع فيما حذر منه رسوله الأمين.(17/77)
ويلتحق بهذا التخصيص والابتداع ما يفعله كثير من الناس من الاحتفال بالموالد وذكرى استقلال البلاد أو الاعتلاء على عرش الملك وأشباه ذلك فإن هذه كلها من المحدثات التي قلد فيها كثير من المسلمين غيرهم من أعداء الله وغفلوا عما جاء به الشرع المطهر من التحذير من ذلك والنهي عنه وهذا مصداق الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: " لتتبعن سَنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: "فمن! "،
وفي لفظ آخر: " لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع"، قالوا: يا رسول الله فارس والروم؟ قال: "فمن! "، والمعنى: فمن المراد إلا أولئك، فقد وقع ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من متابعة هذه الأمة إلا من شاء الله منها لمن كان قبلهم من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الكفرة في كثير من أخلاقهم وأعمالهم حتى استحكمت غربة الإسلام وصار هدي الكفار وما هم عليه من الأخلاق والأعمال أحسن عند الكثير من الناس مما جاء به الإسلام وحتى صار المعروف منكرا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة عند أكثر الخلق بسبب الجهل والإعراض عما جاء به الإسلام من الأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة المستقيمة فإنا لله وإنا إليه راجعون
ونسأل الله أن يوفق المسلمين للفقه في الدين وأن يصلح أحوالهم ويهدي قادتهم وأن يوفق علماءنا وكتابنا لنشر محاسن ديننا والتحذير من البدع والمحدثات التي تشوه سمعته وتنفر منه إنه على كل شيء قدير وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه ومن سلك سبيله واتبع سنته إلى يوم الدين.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 189) .(17/78)
بزناس والتسويق الهرمي عوداً على بدء
17/11/1425
29/12/2004
سبق نشر فتوى للدكتور / سامي بن إبراهيم السويلم حول نشاط شركة بزناس والتسويق الهرمي وقد وردت إلينا رسالة تعقيبية من الأخ/ إبراهيم الكلثم تناقش هذا الرأي وقد عرضناها على الشيخ الدكتور / سامي السويلم وفضيلة المشرف العام على الموقع الشيخ/ سلمان بن فهد العودة للتعقيب عليها.
وها نحن ننشر رسالة الأخ إبراهيم الكلثم والتعقيبات حولها شاكرين للجميع تعاونهم، مع يقيننا أن الحوار العلمي حول القضية هو السبيل الأمثل لاتضاح الرأي والوصول إلى الرؤية الواضحة المكتملة.
رسالة إبراهيم الكلثم:
فضيلة الشيخ ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد:
فأود منك أن تبدي رأيك في هذه المسألة وتوجيهي إذا كنت مخطئا
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد: فإن سبب الخلاف في شركة بيزناس هو عدم التصور الكامل لها والحكم على الشيء فرع عن تصوره, وقد اختلف أهل العلم في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: التوقف.
القول الثاني: التحريم.
القول الثالث: الجواز إذا كان إحضار الزبائن غير مشروط
الذين قالوا بالتوقف توقفوا لما فيها من التعقيد والغموض.
حجة أصحاب القول الثاني الذين قالوا بالتحريم:
(1) أنه أكل للمال بالباطل لأن هذا النوع من البرامج لا يمكن أن ينمو إلا في وجود من يخسر لمصلحة من يربح، سواء توقف النمو أم لم يتوقف. فالخسارة وصف لازم للمستويات الأخيرة في جميع الأحوال، وبدونها لا يمكن تحقيق العمولات الخيالية للمستويات العليا. والخاسرون هم الأغلبية الساحقة كما سبق، والرابحون هم القلة , أي أن القلة كسبوا مال الأكثرية بدون حق، وهذا أكل المال بالباطل.
(2) قياسها بالدولار الصاروخي، الذي أفتى عدد كثير من لجان الفتوى بأنه مقامرة محرمة.
ووجه الشبه بين الاثنين:
أ. أن العضو لا يحصل على أي عمولة قبل الشهر الثالث، أي أنه لا بد من نمو الهرم تحته بثلاثة مستويات قبل أن يحصل على العمولة.
ب. وأن الأكثرية تخسر لكي تربح الأقلية. ففيها تدليس وتغرير وبيع للوهم للجمهور لمصلحة القلة أصحاب الشركة.
ج. أي أن نحو 94% من أعضاء البرنامج خاسرون، بينما 6% فقط هم الرابحون.
فالخسارة لازمة لنمو الهرم ولا يمكن في أي لحظة من اللحظات أن يصبح الجميع رابحاً بحال من الأحوال.
وأما بالنسبة للمنتجات:
فقالوا أن السلعة في هذه البرامج هي مجرد ستار وذريعة للبرامج الممنوعة، إذ النتيجة واحدة, وأن الهدف هو التسويق لما لجأ الأعضاء إلى إغراء الجدد بعمولات التسويق؛ ولذلك لا يمكن أن يسوّق العضو هذه المنتجات دون ذكر عمولات التسويق.
وأن هذه المنتجات، مهما كانت فائدتها، لا يمكن أن تحقق للمشتري منافع تتجاوز في قيمتها تلك العمولات الخيالية الناتجة من التسويق. والعبرة، كما هو مقرر شرعاً، بالغالب. فقصد العمولات هو الغالب على قصد المنتجات، فيكون الحكم مبنياً على ذلك.
وأن الشركة تشترط للاستمرار في البرنامج لأكثر من سنة دفع نفس المبلغ مرة أخرى.(17/79)
وواضح أن هذا لا لشيء سوى استمرار التسويق، فالبرامج تم شراؤها من المرة الأولى، والبرامج الجديدة إن وجدت لا تعادل في القيمة المبلغ المطلوب , ولو كانت الشركة تبيع المنتجات فعلاً لكانت توجه دعمها لمنتجاتها، في حين تقدم الدعم لبرامج التسويق وكسب الأعضاء، كما تنص عليه اللائحة , فهل هذا صنيع من يبيع منتجات حقيقية؟
(3) ابتناؤه على الغرر المحرم شرعا؛ لأنه مقامرة , وأنها تشتمل على الغش والخداع وبيع الوهم وتتضمن غررا ولما فيه من الغبن الذي يقع على العميل أو العضو المسوّق من هذا الأسلوب فإن مقابل كل 9 أعضاء جدد يحصل المسوّق على 55 في حين يحصل أصحاب الشركة على صافي ربح 620 دولاراً. وهذا غبن فاحش، فكيف يقال مع ذلك إن تكاليف التسويق تصرف للأعضاء؟! فهذا المبلغ، وهو 75 دولار، هو في الحقيقة رسوم الاشتراك في البرنامج، ومعظمه كما ترى يذهب لأصحاب الشركة.
(4) أن التسوية بين هذا الأمر وبين السمسرة كالتسوية بين البيع والربا من الذين حكى الله تعالى عنهم في القرآن: {ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا} , وهي كالتسوية بين البيع وبين العينة الممنوعة بالنص.
(5) أن المنتجات التي تباع غير محسوسة كما نقل لي ذلك عن أحد العلماء.
(6) أن هذه المسألة هي بيعتين في بيعة وعقدين في عقد.
حجة أصحاب القول الثالث الذين قالوا بالجواز واشترطوا لجواز ذلك:
(1) أن تكون صادقا وألا تغش أحدا أو تغرر به من أجل الحصول على الربح.
(2) وأن تكون هذه المنتجات خالية من الأمور المحرمة.
حجتهم:
أن الشراء للمنتج ليس مشروطا بإحضار زبائن آخرين وهذا يسمى عمولة أو سمسرة وهذه نفسها هي صورة الجعالة الجائزة ودليلها قوله تعالى: " ولمن جاء به حمل بعير " وحديث اللديغ وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد.
قال صاحب الزاد: والجماعة إذا عملوه يقتسمونه بالسوية لأنهم اشتركوا في العمل الذي يستحق به العوض فاشتركوا فيه. انظر حاشية الروض المربع ج 5 ص 497 ط 6
الترجيح:
عندما تتبعت أقوال العلماء وأدلتهم واطلعت على أوراق الشركة وكيفية تعاملها تبين لي والله أعلم صحة القول الثالث ونجيب عن أدلة أصحاب القول الثاني القائلين بالتحريم بما يلي:
قولهم: أنه أكل للمال بالباطل لأن هذا النوع من البرامج لا يمكن أن ينمو إلا في وجود من يخسر لمصلحة من يربح، سواء توقف النمو أم لم يتوقف. فالخسارة وصف لازم للمستويات الأخيرة في جميع الأحوال، وبدونها لا يمكن تحقيق العمولات الخيالية للمستويات العليا. والخاسرون هم الأغلبية الساحقة كما سبق، والرابحون هم القلة. أي أن القلة كسبوا مال الأكثرية بدون حق، وهذا أكل المال بالباطل.
الجواب عنه:
أن هذا ليس أكلاً للمال بالباطل بل إن الزبائن دفعوا مقابل منتجات نافعة مفيدة وقد سألت من جربها فامتدحها، وقمت بتجربتها بنفسي فوجدت فيها النفع الكثير حيث إنها اشتملت على برامج تعليمية بالصوت والصورة والتطبيق وموقع شخصي بسعة كبيرة جدا يمكن بناءه بكل سهولة حيث إنه الموقع الوحيد ـ كما أعلم ـ الموجود حاليا ويمكن بناءه باللغة العربية , بالإضافة إلى البريد الاكتروني بمساحة كبيرة أيضا , فأين أكل المال بالباطل وأين الخسارة؟(17/80)
وقولهم: الخسارة وصف لازم للمستويات الأخيرة في جميع الأحوال.
الجواب عنه:
لا نسلم لكم ذلك, لماذا ننظر إلى التسويق، ونترك السلعة المباعة؟ فالمسألة بيع وشراء قبل أن تكون سعيا, وبالتالي أين الخسارة؟
ولو سلمنا لكم جدلا أنه لا يوجد بيع أصلا فإن الخسارة ليست وصفا لازماً للمستويات الأخيرة في جميع الأحوال بل إن المستويات الأخيرة قد تربح بسعيها أضعاف ما ربحه من في المستوى الأعلى بل إن الذي في الأعلى قد لا يربح شيئا أبدا ويربح من تحته.
قياسهم لها بالدولار الصاروخي، الذي أفتى عدد كثير من لجان الفتوى بأنه مقامرة محرمة.
ووجه الشبه بين الاثنين:
أ. أن العضو لا يحصل على أي عمولة قبل الشهر الثالث، أي أنه لا بد من نمو الهرم تحته بثلاثة مستويات قبل أن يحصل على العمولة.
ب. وأن الأكثرية تخسر لكي تربح الأقلية. ففيها تدليس وتغرير وبيع للوهم للجمهور لمصلحة القلة أصحاب الشركة.
ج. أي أن نحو 94% من أعضاء البرنامج خاسرون، بينما 6% فقط هم الرابحون.
فالخسارة لازمة لنمو الهرم ولا يمكن في أي لحظة من اللحظات أن يصبح الجميع رابحاً بحال من الأحوال.
الجواب عنه:
هذا قياس مع الفارق وتشبيه هذا الأمر وبين الدولار الصاروخي كالتسوية بين البيع والربا من الذين حكى الله تعالى عنهم في القرآن: " ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ". وهي كالتسوية بين البيع وبين العينة الممنوعة بالنص.
ولكنني أرى القوم عفا الله عنهم قلبوا المسألة وجعلوا من قال بالجواز هم الذين شبهوا هذا بذاك.
والبيع هنا ليس وهما بل حقيقة مشاهدة وأوصافها معروفة دون أي جهالة أو غرر ويعرفها من جربها بل إن أثر المنتج في تعليم الناس وتوجيههم لما فيه صالحهم واضح وضوح الشمس.
قولهم: وأما بالنسبة للمنتجات فإن السلعة في هذه البرامج هي مجرد ستار وذريعة للبرامج الممنوعة، إذ النتيجة واحدة.
وأن الهدف هو التسويق لما لجأ الأعضاء إلى إغراء الجدد بعمولات التسويق. ولذلك لا يمكن أن يسوّق العضو هذه المنتجات دون ذكر عمولات التسويق.
وأن هذه المنتجات، مهما كانت فائدتها، لا يمكن أن تحقق للمشتري منافع تتجاوز في قيمتها تلك العمولات الخيالية الناتجة من التسويق. والعبرة، كما هو مقرر شرعاً، بالغالب. فقصد العمولات هو الغالب على قصد المنتجات، فيكون الحكم مبنياً على ذلك.
وأن الشركة تشترط للاستمرار في البرنامج لأكثر من سنة دفع نفس المبلغ مرة أخرى.
وواضح أن هذا لا لشيء سوى استمرار التسويق، فالبرامج تم شراؤها من المرة الأولى، والبرامج الجديدة إن وجدت لا تعادل في القيمة المبلغ المطلوب.
ولو كانت الشركة تبيع المنتجات فعلاً لكانت توجه دعمها لمنتجاتها، في حين تقدم الدعم لبرامج التسويق وكسب الأعضاء، كما تنص عليه اللائحة.
فهل هذا صنيع من يبيع منتجات حقيقية؟
الجواب عن ذلك:
ما المانع من تسويق المنتجات؟ ولماذا ننظر من زاوية ضيقة ونغفل كل الغفلة ونتناسى المنتجات, وهي منتجات مباحة شرعا، فتسويقها عن طريق السمسرة وإن كانت العمولات التي تدفع خيالية فهل هذا يكفي في تحريمها أو تحريم التعامل معها.(17/81)
فانظر إلى مكاتب العقار وكيف يأخذون السعي هل هذا حرام أم حلال؟ فإن كان حلال فما الفرق بينه وبين مسألتنا.
أحرام على بلابله الدوح *** حلال للطير من كل جنس
وإن كان حراما فيلزم منه تحريم ما أحل الله وهي الجعالة والعياذ بالله.
قولهم: ابتناؤه على الغرر المحرم شرعا، لأنه مقامرة.
وأنها تشتمل على الغش والخداع وبيع الوهم وتتضمن غررا ولما فيه من الغبن الذي يقع على العميل أو العضو المسوّق من هذا الأسلوب فإن مقابل كل 9 أعضاء جدد يحصل المسوّق على 55 في حين يحصل أصحاب الشركة على صافي ربح 620 دولاراً. وهذا غبن فاحش، فكيف يقال مع ذلك إن تكاليف التسويق تصرف للأعضاء؟! فهذا المبلغ، وهو 75 دولار، هو في الحقيقة رسوم الاشتراك في البرنامج، ومعظمه كما ترى يذهب لأصحاب الشركة.
الجواب عنه:
أين المقامرة والغش والخداع والغرر مع أن السلعة موجودة والفائدة متحققة.
وأين الغرر والجهالة بل هو منفي في هذه المسأله ولك أن تسأل من شارك في بزناس هل غررت به الشركه أو وعدته بأمر وتملصت منه. هذا غير وارد في عمل الشركة بل إن كل من اشترى المنتج يعرفه جيدا ويعرف فائدته وفوق ذلك فإن الشركة تعطي الخيار لمن اشترى المنتج أن يجرب المنتج لمدة ثلاثة أيام وإن وجد فيه خلاف ما قيل له فله أن يعيده ويستلم ما دفع مقابله، وأما كون البعض منهم لم يحصل على عمولات فلم تعد الشركة الناس بأرباح بل فتحت المجال لمن آراد أن يسوّق وبينت طريقة التسويق وأوضحت شروط التسويق والمسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أوحرم حلالا, ولمن استهان بجدوى المنتج أوأنه غير مجد فإنّه يتحدث عن مناسبة المنتج له هو شخصيا فليس كل الناس مثله وليس كل الناس يحملون شهادات الدكتوراه أو التخصص في الحاسب.
وأما قولهم: إن صافي الربح وهو 620 دولار يكون للشركة.
فهو غير صحيح وإلا فأين المسوق الثاني الذي تحته الذي سيأخذ على الثمانية المتبقين في أسفله بعد أن يزيد عليهم واحداً فقط 55 دولار، والمسوق الثالث بعد أن يزيد إثنين، والمسوق الرابع.....، بل وأين المسوق الذي أعلى منه حيث سيأخذ على هذا المسوق مع ثمانيةٍ من هؤلاء التسعة 55 دولار والذي أعلى منه وهكذا ...
أرأيتم عدم التصور الكامل للمسألة.
قولهم: أن التسوية بين هذا الأمر وبين السمسرة كالتسوية بين البيع والربا من الذين حكى الله تعالى عنهم في القرآن: {ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا} , وهي كالتسوية بين البيع وبين العينة الممنوعة بالنص.
الجواب عن ذلك:
هذا قلب للمسألة رأسا على عقب وقد بينت ذلك أعلاه.
قولهم: أن المنتجات التي تباع غير محسوسة.
يلزم من ذلك تحريم بطاقات الانترنت وسداد فاتورة الكهرباء والهاتف وشراء المواقع في الانترنت وهذا لم يقل به أحد.
قولهم: أن هذه المسألة هي بيعتين في بيعة وعقدين في عقد.
الجواب عنه:
هذه المسألة إذا كانت فيها عقدان لازمان، وأما هنا فهو عقد لازم (شراء) وعقد جائز (تسويق) وأنت غير ملزم بتسويق هذا المنتج ففرق بين المسألتين.
وبناء على ما سبق بيانه وتوضيحه فإن الشراء والتعامل مع هذه الشركة جائز وما تدفعه الشركة مقابل السعي جعالة جائزة.(17/82)
أسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه, والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وعقب الدكتور / سامي السويلم على هذه الرسالة وما يشابهها بالتعقيب التالي:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد.
فقد وقفت على بعض الردود على المقال الذي كتبتُه سابقاً عن شركة "بزناس"، ولم أكن حريصاً على الجواب عنها، إيماناً بحق الباحث المنصف في إبداء ما يراه صواباً، وبأن الحق سيظهر في نهاية الأمر لا محالة. لكن طلب عدد من الإخوة التعقيب على هذه الردود والجواب عما تضمنته من الإشكالات أملاً في بيان الصواب في هذه القضية. فرأيت أن أتناول الموضوع من زاوية تعالج الإشكالات من أساسها، دون الخوض في التفاصيل الفرعية، ورجوتُ أن يكون ذلك أنفع لي وللقارئ الكريم. نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا محبته واتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا بغضه واجتنابه، فهو سبحانه الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
حقيقة التسلسل الهرمي:
ليس غريباً أن تختلف وجهات نظر الباحثين في هذا الموضوع الجديد على الساحة. فالجديد بطبيعته لا تتضح معالمه وخصائصه من أول وهلة، بل يحتاج الأمر إلى شئ من الوقت لتتبين الصورة كاملة. ومن أقرب الأمثلة على ذلك اختلاف الفقهاء في حكم الدخّان أول ما ورد للبلاد الإسلامية، بين مجيز ومانع. فلما تبيّن لهم ما فيه من المفاسد والأضرار الراجحة على منافعه، لم تختلف كلمتهم في تحريمه.
والتسلسل الهرمي نظام نشأ أساساً في الغرب، وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، تفتقت عنه أذهان هواة جمع المال بأقصر السبل وأيسرها دون اعتبار لحق أو باطل. فلما تبيّن لعقلائهم ما فيه من التغرير والخداع، حكموا بمنعه. هذا مع كونهم يجيزون الربا والقمار والميسر أساساً. فإذا كان هذا شأنهم، عُلم أنهم لم يمنعوا هذا النظام إلا لكثرة ما فيه من المفاسد. والشريعة الإسلامية هي أولى الشرائع بالعدل والإصلاح. فما من خير ومصلحة راجحة إلا تأمر به، ولا شر أو مفسدة راجحة إلا تنهى عنه. حتى قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "إذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه، بأي طريق كان، فثم شرع الله (1) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فالعدل هو الشرع، والشرع هو العدل. ... والذي أنزل الله هو القسط، والقسط هو الذي أنزله الله." (2)
والتسلسل الهرمي يكفي تصوره على الوجه الصحيح للحكم ببطلانه، فينطبق عليه قول الليث بن سعد رحمه الله أنه: "أمرٌ لو نظر فيه ذو البصيرة بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز." (3)
التسلسل
والفكرة في جوهرها بسيطة، لكنها تتعقد إذا أبرزت في صورتها النهائية. سأذكر فيما يلي جوهر العملية، وأما التفاصيل فأحيل على المقال السابق.(17/83)
يبدأ الأمر بأن تدفعَ مبلغاً من المال لزيد، على أن تحصل من وراء ذلك على عمولات أو عوائد أو أرباح. لكن هذه العمولات التي تحصل عليها أنت تأتي من المبلغ الذي يدفعه عمرو لزيد. والعمولات التي يحصل عليها عمرو بدوره تأتي من المبلغ الذي يدفعه بكر. وهذا بدوره يحصل على العمولات مما يدفعه عبيد، وهكذا.
فما يحصله الأول هو مما دفعه الثاني، والثاني مما دفعه الثالث، والثالث مما دفعه الرابع، وهكذا. ولا يرتاب عاقل أن هذا النظام، من حيث هو، باطل، لأن كل واحد في السلسلة إنما يربح مما يدفعه الذي يليه، فالأخير خاسر دائماً، ولا يربح إلا إذا وجد من يعقبه في السلسة.
ومآل هذه السلسلة إلى التوقف حتماً، لأن هذا تسلسلٌ في العلل أو في الفاعلين، إذ علة ربح الأول هي اشتراك الثاني، وعلة ربح الثاني اشتراك الثالث، وعلة ربح الثالث اشتراك الرابع، وهكذا. والتسلسل في العلل ممتنع باتفاق العقلاء كما يقول شيخ الإسلام رحمه الله. (4) وإذا كان ممتنعاً لزم توقفه عاجلاً أو عاجلاً، وإذا توَقَفَ كان الأخير خاسراً لمصلحة من قبله، وهذا هو أكل المال بالباطل المحرم بالنص والإجماع.
الهرمية:
وهذه السلسلة تكبر تدريجياً، بحيث تكون كل حلقة فيها أو كل طبقة أكبر من التي قبلها. وسبب ذلك أن مقدار الاشتراك الذي يدفعه الأعضاء ثابت. فإذا أراد الأول أن يحصل على رأسماله مع الربح لزم أن يليه في السلسلة ما لا يقل عن شخصين (بحيث يغطي اشتراك أحدهما رأسمال الأول، بينما يغطي اشتراك الآخر مقدار الربح، والباقي يذهب لمصلحة صاحب المشروع) . ثم كل من هؤلاء لكي يربح يحتاج ما لا يقل عن شخصين، فيتطلب ذلك أن يكون أعضاء الطبقة الثالثة لا يقلّون عن أربعة، وهكذا. فلا بد من النمو المطرد للسلسلة، فتصبح من ثم على شكل هرمي، كل طبقة فيه أكبر من التي فوقها.
وفي كل مرة ينمو الهرم يصبح استمرار نموه أصعب من ذي قبل، حتى يؤول ذلك إلى التوقف التام لتعذر وجود العدد الكافي من الأعضاء لبقاء النمو. وهذا سبب آخر يضاف لما سبق حول ضرورة توقف الهرم. وفي هذه الحالة تصبح الطبقات الأخيرة خاسرة بالضرورة لمصلحة الطبقات العليا. وقد أشرت في المقال السابق أن الطبقات الأخيرة الخاسرة تمثل رياضياً 94% من الأعضاء، في حين تمثل الطبقات الرابحة 6% فحسب. وهذا مما يؤكد أن هذا النظام مبني على الاستغلال والتغرير بالأكثرية الساحقة لمصلحة الأقلية الرابحة.
ما يقابل الاشتراك
لما برزت فكرة التسلسل الهرمي، في غياب أي منتج أو بضاعة، وتبيّن فساد هذا النظام، حكمت المحاكم الغربية ببطلانه ومنعه. فاحتالوا لذلك بإدخال سلع أو منتجات يمتلكها الأعضاء مقابل الاشتراك، لا لشيء إلا لتجنب الملاحقة القانونية. وقد سبب وجود المنتج إشكالاً عند كثيرين، جعلهم يصححون هذا التعامل على أساسه. وسنبين إن شاء الله أثر المنتج في نظام التسويق، وأيهما تابع للآخر. إذ الحكم للمتبوع، والعبرة بالمقصود، كما هو متقرر شرعاً. لكن من المهم قبل كل شئ الاتفاق على أن النظام الهرمي في ذاته باطل، وأنه أكل للمال بغير حق. وإذا تقررت هذه النتيجة، يمكن النظر في وجود المنتج: هل يغير من مفاسد التسلسل الهرمي شيئاً؟ وهل مصلحته تجبر مفاسد النظام أم لا؟(17/84)
ومن أجل تحرير محل النزاع، من الأفضل بيان الحالات المختلفة للمشترك في هذا البرنامج في وجود المنتج، وهي لا تخرج عن ثلاث:
(1) أن يكون قصد المشترك هو التسويق وليس المنتج.
(2) أن يكون قصده المنتج وليس التسويق.
(3) ألا يتبيّن ما هو مقصوده، أو أن يتردد بينهما، أو يريدهما معاً.
الحالة الأولى: المقصود هو التسويق وليس المنتج
بمعنى أن المشترك هدفه التسويق أو السمسرة وما يترتب عليه من عمولات وأرباح، وليس شراء المنتج ولا الانتفاع به. ومن المتقرر فقهاً واقتصاداً وواقعاً أن السمسار يقوم بدور الوسيط بين التاجر بائع السلعة وبين المشتري. فإذا نجح السمسار في بيع السلعة نيابة عن التاجر أخذ عمولة مقابل عمله. لكن لا يقول أحد إن السمسار يجب أن يشتري من التاجر سلعة لكي يسمح له بتسويق بقية السلع. فالسمسار ليس قصده السلعة وإنما التسويق، وهذا هو الافتراض الذي انطلقنا منه في هذه الحالة. فإذا كان الهدف هو التسويق وليس السلعة فإن إلزامه بالشراء من أجل الحصول على عمولة السمسرة شرط ملجئ لا يجوز بنص الحديث النبوي في النهي عن بيعتين في بيعة. فالشراء بيعة شرطت في عقد السمسرة، والأخير نوع من البيع (لأن الإجارة بيع للمنفعة) . فاشتراط أحدهما في الآخر ممنوع بالنص.
وإذا نظرنا إلى أنظمة شركة "بزناس" وجدناها تضع من الشروط ما يلجئ المسوّق إلى الشراء ولو لم يكن له أي رغبة في السلعة. فأنظمة الشركة تسمح لمن يرغب بالتسويق فقط ألا يشتري المنتج. لكنها لا تسمح له باستعمال موقع الشركة على الإنترنت في تسويق المنتج وعرضه على العملاء الجدد، بل من خلال الفاكس (تماماً كما هو حال الشركة الأمريكية سكاي بز التي سبق الحديث عنها في المقال السابق) . وفوق ذلك فإن المسوق لن يحصل على أي عمولة إلا إذا قام المسوّقون الذين يلونه في الهرم بالشراء. والقول في هؤلاء كالقول في الأول، سواء بسواء. فصارت النتيجة أنه لا يحصل المسوّق على أي عمولة إلا بالشراء، وهذا شرط باطل شرعاً، كما سبق.
وحكمة النهي عن بيعتين في بيعة، وعن شرطين في بيع وعن سلف وبيع، التنبيه إلى وجود خلل في الصفقة أساساً، وأن مقصود الطرفين ليس ظاهر الصفقة، بل هو أمر محرم لم يتمكنا من تحقيقه مباشرة، فاحتالوا على ذلك بإدخال صفقة أخرى غير مرادة ولا تغير من حقيقة الأمر شيئاً، توصلاً للمراد الممنوع. فبيّن صلى الله عليه وسلم أن هذه الشروط لا تجعل الحرام الذي قصده الطرفان حلالاً، وأن العبرة في ما قصده الطرفان حقيقة، لا فيما أظهراه من البياعات والشروط الشكلية. والمحرّم الذي قصده الطرفان هنا هو الاشتراك في التسلسل الهرمي بقصد الكسب. ولما كان هذا محرماً شرعاً وممنوعاً قانوناً، أدخلوا السلعة احتيالاً وتلبيساً على الناس. وهذا التحايل قد يروج على بعض القوانين الأرضية، لكنه لا يروج على هذه الشريعة السماوية الكاملة. فالله تعالى عند قلب كل عبد ولسانه، ومهما حاول هؤلاء خداع الخلق فلن يفلحوا في خداع الخالق: {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} .
الحالة الثانية: المقصود هو المنتج وليس التسويق(17/85)
أي أن المشترك في هذه الحالة لا يريد التسويق ولا يطمح إليه، وإنما يريد المنتج والاستفادة منه فحسب. وإذا أردنا أن نتعرف على حقيقة هذه الصورة، دعنا نسأل السؤال التالي:
لنفترض أن أحد التجار أعلن أن من يشتري من السلع التي لديه فسيدخل تلقائياً في عملية سحب على جائزة نقدية قيمتها عشرة آلاف ريال، مثلاً. وأن التاجر من أجل تمويل هذه الجائزة، رفع سعر السلع لديه بنسبة 10%. بمعنى أن من أراد أن يشتري سلعة ويدخل في السحب، فسيدفع مقابل السلعة التي قيمتها 10 ريالات ثمناً مقداره 11 ريالاً. فما حكم دفع هذه الزيادة؟
لا ريب أن دفع هذه الزيادة محرم، لأنها جاءت مقابل الدخول في السحب على الجائزة، وعملية السحب من الميسر المحرم بالنص والإجماع. فمن أراد أن يشتري فيجب أن يدفع الثمن الأصلي للسلعة، أو ثمن المثل، دون أي زيادة، ومن ثم عدم الدخول في عملية السحب.
والآن نسأل سؤالاً آخر. ما الحكم إذا قال التاجر: أنا لا أبيع السلعة إلا بالسعر الزائد ابتداء، أي 11 ريالاً، ولا أسمح بالشراء بسعر المثل؟ الجواب: لا شك أن هذه الحالة أسوأ من التي قبلها، لأنها جمعت بين الميسر وبين الإلجاء.
وإذا نظرنا للثمن الذي تطلبه شركة بزناس، بحسب ما تعلنه الشركة على الملأ وبوضوح ودون تردد، نجد أنه يتكون من جزئين: أحدهما لتمويل التسويق الهرمي، والآخر الثمن الفعلي للمنتج. فالثمن الإجمالي هو 99 دولاراً. ثلاثة أرباعه، أي 75 دولاراً، مخصص للتسويق، بينما يخصص المتبقي، وهو 24 دولاراً، للمنتج. وهم يقولون: بدلاً من صرف هذا المقدار المخصص للتسويق على الدعاية والإعلان وما إلى ذلك، من الأفضل أن يصرف على الأعضاء أنفسهم من خلال التسلسل الهرمي.
لكن من حقنا أن نسأل: من الذي سيحصل على عوائد مخصص التسويق؟ أليسوا هم الذين يباشرون التسويق؟ فما ذنب المشتري الذي يريد المنتج ولا يريد التسويق؟ أليس في هذا إلجاء للمشتري بأن يمارس التسويق طلباً للعمولات الكبيرة التي يعدونه بها، طالما هو قد دفع ثمن الاشتراك مقدماً ودون اختيار؟
فإن كانت الشركة لا تلزم المشتري بالتسويق كما تزعم، فيجب أن تلغي مخصص التسويق من الثمن، وتبيعه السلعة بثمن المثل فحسب. أما أن تلزمه بدفع قيمة الاشتراك في التسلسل الهرمي مقدماً، مع كونه لا يريد التسويق ولا الاشتراك في الهرم، فهذا إلجاء واحتيال، شأنه شأن الاحتيال في الحالة الأولى. وإذا رضي المشتري بذلك كان حكمه حكم من رضي بدفع الزيادة في الثمن مقابل الدخول في الميسر في المثال السابق.
وهذا الاحتيال في الحقيقة مقصود للشركة، لأنها لا تجرؤ على فصل التسلسل الهرمي عن السلعة، إذ الأول ممنوع شرعاً وقانوناً كما سبق. فاضطروا لأجل ذلك إلى دمج ثمن السلعة مع ثمن الاشتراك، ليبدو للناظر أن الثمن كله مقابل السلعة. والحال، بتصريح أصحاب الشركة أنفسهم، ليس كذلك. فلو لم يكن التسلسل الهرمي مقصوداً لما كان ثمن السلعة بهذا الشكل. فيقال هنا ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله: " أفلا أفردت أحد العقدين عن الآخر ثم نظرت هل كنت مبتاعها أو بايعه بهذا الثمن أم لا؟ " (5) .(17/86)
فلو فصل نشاط التسلسل الهرمي عن المنتج لما كان الأخير بهذا الثمن. وإذا كان ثلاثة أرباع الثمن للتسلسل الهرمي، دل على أن المراد من الصفقة أساساً هو النشاط المحرم. وإذا كان كذلك، فالحكم للغالب، كما هو مقرر شرعاً.
وأما الزعم بأنهم يدفعون مخصص التسويق للأعضاء بدلاً من صرفه على الدعاية والإعلان، فهو تضليل وتلبيس تلقفوه عمن سبقهم من الغربيين المنبوذين في بلادهم فضلاً عن بلاد الإسلام. وذلك أن الأفضل من ذلك هو إعادة هذا المبلغ للمشتري، وتخفيض الثمن من 99 إلى 24 دولاراً. وهذا أفضل في تسويق المنتج لمن يرغبون فعلاً الاستفادة منه. لكنهم بإلزام المشتري بدفع مخصص التسويق الهرمي، يلجئونه إلى الاشتراك في الهرم من أجل الانتفاع بما دفعه. فإن أراد المشتري الاشتراك في التسلسل الهرمي وقع في المحذور، وإلا كان مغبوناً لأنه دفع مقابل ما لا ينتفع به، وإذا رضي بذلك كان معيناً للشركة على أكل المال بالباطل.
الحالة الثالثة: غموض القصد، أو التردد، أو إرادة الأمرين معاً
من السهل الحكم على هذه الحالة بعدما تبيّن الحكم في الحالتين السابقتين. وذلك أن ما تردد بين أمرين كلاهما محرم، فهو محرم بالضرورة. أما الزعم الذي يقوله كثيرون من المنتسبين لهذه الشركة، من أنهم يريدون الأمرين معاً ومن ثم فلا خسارة عليهم، فيقال:
إن الله تعالى أعطانا العقل لنستدل على ما غاب عنا بما شهدناه. فإذا عُرض على العاقل شراء محفظة لا تتجاوز قيمتها 100 ريال، بداخلها مبلغ نقدي قدره عشرة آلاف ريال، فهل تكون رغبته في الأمرين واحدة؟ وهل يستوي عنده هذا المال وهذه المحفظة؟ لا يمكن أن يقر بهذا عاقل يبحث عن مصلحته في معاوضة يراد بها الربح. وعلى أحسن الأحوال فإن رغبته لكل منهما ستكون بحسب قيمته. فإذا كان نسبة قيمة المحفظة إلى المال لا تتجاوز 1%، كان المقصود هو المال بنسبة 99%، والمحفظة بنسبة 1%.
وفي التسويق الهرمي تَعِد الشركة الأعضاء بعمولات يبلغ مجموعها في نهاية السنة الأولى خمسين ألف دولار، أي ما لا يقل عن 187.500 ريال، بينما لا تتجاوز قيمة المنتجات التي تبيعها الشركة 385 ريالاً. فهل يعقل أن تكون رغبة الشخص في الأمرين متساوية؟ إن منطق العدل يقتضي أن تكون الرغبة في التسويق بحسب العائد المأمول، وفي المنتجات بحسب قيمتها المعلنة. ونسبة قيمة المنتجات إلى العائد لا تتجاوز 0.3%. أي أن العاقل يقصد عمولات التسلسل الهرمي بنسبة 99.7%. وسبق أن الحكم للغالب، فيكون الغالب هو إرادة التسلسل الهرمي. وإذا كان الأخير في ذاته محرماً لأنه أكل للمال بالباطل، لزم حرمة الشراء بناء على ذلك.
التسويق على من؟
ومما يبيّن الفرق بين التسويق الهرمي والسمسرة المعروفة، أن السمسار يحصل على عمولة مقابل بيع السلعة لشخص أو عدد محدد من الأشخاص، لكن لا علاقة له بما يفعله المشترون بالسلعة. فعلاقة السمسار بالمشتري تنتهي بمجرد الشراء.(17/87)
أما في التسويق الهرمي، فإن المسوّق لا يحصل على عمولة إلا إذا سوّق لمسوّقين آخرين، وهؤلاء بدورهم يسوّقون لمسوّقين (حتى يصل مجموع المسوّقين في الهرم إلى ما لا يقل عن تسعة، حسب أنظمة الشركة) . فهو يسوّق لمن يسوّق لمن يسوّق، ولا يحصل على عمولة إلا بهذه الطريقة. فليس من مصلحة أحد في الهرم أن يبيع على من يشتري السلعة لينتفع بها أو يستخدمها لنفسه دون أن يسوّقها. بل يحرص كل منهم على أن يبيع لمسوّقين. وهذا يؤكد أن السلعة غير مقصودة إطلاقاً، بل هي مجرد ذريعة لنمو هرم المسوّقين فحسب.
بينما تهدف السمسرة العادية إلى البيع لعملاء هدفهم في النهاية الانتفاع بالمنتج وليس السمسرة. فمهما طالت سلسلة السماسرة الوسطاء إلا أنها لا بد أن تنتهي عند المشتري النهائي. والمشتري النهائي هو مصدر الربح والعمولات لكل منهم، وهذا هو المنطق الاقتصادي وهو الواقع العملي. أما في التسويق الهرمي فالأمور مقلوبة تماماً، لأن مصدر الربح ليس هو المشتري النهائي، بل هو الطبقات التالية من المسوّقين، الذين بدورهم يربحون ممن يليهم، وهؤلاء ممن يليهم، ... إلخ. وهذا هو التسلسل الباطل الذي سبق الحديث عنه. فكيف يقال بعد هذا إن التسويق الهرمي من جنس السمسرة العادية؟
خاتمة
وبعض الردود التي وقفت عليها لم يتصور أصحابها للأسف حقيقة الأمر، فهم يشبهون التسويق الهرمي بالسمسرة المشروعة. ولا يمكن أن يقول بهذا التشبيه من تصور الأمر على حقيقته. ولا أجد أفضل من أن أطلب من هؤلاء الإخوة التريث في الأمر وإعادة دراسته دراسة متأنية. فتشبيه التسويق الهرمي بسمسرة العقار أو السلع العادية، كتشبيه بيع الوفاء بالإجارة، أو العينة بالمرابحة. ولو كان أصحاب هذه الشركة يقومون بالسمسرة فعلاً لما احتاجوا إلى الاستفتاء أصلاً، فهل رأيت مكاتب عقارية تحرص هذا الحرص على استصدار فتاوى بجواز عملها؟ فلولا ما يجدونه في أعماق قلوبهم من الشك والريبة لما حرصوا هذا الحرص، وقد قال أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم: "الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه الناس." (6) وقال عليه الصلاة والسلام: "البرّ ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك." (7)
"اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدنا لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم."
والحمد لله رب العالمين.
كما عقب الشيخ سلمان بن فهد العودة المشرف العام على موقع (الإسلام اليوم) على رسالة الأخ إبراهيم الكلثم بالتعقيب التالي:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،،
قرأت بحثكم المرفق المتعلق بشركة (بزناس) وحكايتكم للأقوال وأدلتها، وأرى أنه بحث جيد وإن كانت المسألة من الفرعيات التي يسوغ الخلاف فيها.
وقد سبق أن قرأت بحثاً آخر جيداً للأستاذ / سامي السويلم حول الموضوع وهو منشور في موقع (الإسلام اليوم) وإليك (رابط الفتوى) .
وذهب فيه إلى التحريم.(17/88)
والذي أميل إليه أن الحكم في هذه المسألة وما شاكلها يعتمد على حقيقة الحال، فإن كانت الخدمات المتوفرة قوية وملائمة ولها تميز عن غيرها، إما بجودة وإما برخص، وعلى هذا تم الاشتراك فيها للاستفادة من خدماتها وتسويقها للآخرين، فهذا جائز، وهذا ما أكده لي عدد من المشتركين في الشركة.
ولو كانت الخدمات أو البرامج أو السلع في هذه الشركة أو في أي شركة أخرى تعتمد النظام ذاته صورية أو ضعيفة ولا قيمة حقيقة لها وإنما الناس يشتركون ويسوقون من أجل الحصول على المقابل المادي الذي ينتظرهم إذا أقنعوا أشخاصاً آخرين.. ففي هذه الحالة يكون الأمر محرماً والله أعلم.
_____________
1-.إعلام الموقعين، دار ابن الجوزي، 6/513.
2- النبوات، مكتبة أضواء السلف، 2/615.
3- إعلام الموقعين 3/169.
4- درء تعارض العقل والنقل 1/321.
5- بيان الدليل في بطلان التحليل، المكتب الإسلامي، ص 238.
6- أخرجه مسلم. صحيح الجامع (2880) .
7- أخرجه الإمام أحمد. صحيح الجامع (2881) .(17/89)
بيع قسيمة الشراء بأقل من قيمتها
د. سامي بن إبراهيم السويلم (*) 17/7/1425
02/09/2004
سبق وأن نشرنا في نافذتنا فتوى حول (بيع قسيمة الشراء بأقل من قيمتها) ثم وردنا تعقيب من أحد الإخوة يستشكل فيه جواز بيع هذه القسيمة بأقل من قيمتها إلى آخر ما ذكر-.فعرضنا هذا التعقيب على أحد المشائخ المشاركين معنا في الإجابة على أسئلة السائلين فتكرَّم بالتوضيح والبيان، فإليكم التعقيب والتوضيح.
التعقيب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الإخوة الكرام بموقع الإسلام اليوم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نسأل الله أن ينفع بكم، ولقد قرأت فتوى بموقعكم تحت عنوان: (بيع قسيمة الشراء بأقل من قيمتها) ، ولي على هذه الفتوى هذا الاستشكال، وأرجو عرض هذا الاستشكال على أهل العلم بفقه المعاملات من موقعكم، وخاصة الشيخ السويلم، نص الاستشكال: قسيمة الشراء هي بمثابة سند بقيمة مالية معينة تمنحها بعض الشركات لموظفيها إما على سبيل القرض، أو على سبيل الهبة، أو على سبيل المكافأة.
هذه القسيمة بمثابة سند للموظف بقيمة مالية معينة، بشرط أن يشتري بها من مكان مخصوص، فهو داخل في مفهوم الأوراق التجارية كالشيك، والسند، والكمبيالة.
فهل أجاز أحد من الفقهاء بيع الشيك أو السند؟ أو الكمبيالة بأقل من قيمتها؟! أليس هذا هو ربا الفضل المحرم؟ أليس هذا ما تحدث عنه علماء العصر مما يعرف بخصم أو حسم الأوراق التجارية بداية من الشيخ الهمشري، ونهاية بوقتنا هذا ... فكانت الفتوى على التحريم؟.
إن إجازة هذه الصورة ينتج عنها جواز بيع بطاقة الائتمان بأقل من قيمتها.
وخلاصة الأمر أن هذه القسيمة إما أن تمثل مالاً أو عروضاً.
فإذا مثلت مالا فيجوز بيعه، ولكن لا يجوز بيعه بأقل من جنسه، وإلا وقع ربا الفضل.
وإما أن يمثل عروضاً، والعروض يجوز بيعها بالثمن الذي يتفق عليه، ولكن البيع هنا لا يجوز؛ لأنه بيع قبل الشراء، وبيع قبل القبض، وبيع مجهول للطرفين.
التوضيح:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
إذا كانت القسيمة المشار إليها صادرة من المحل التجاري، كما يفهم من السؤال من أنها باسم المحل وليست باسم الشركة، وتعطي حاملها الحق في الحصول على بضاعة من هذا المحل قيمتها 500 ريال، وليس الحصول على النقد، فهذه القسيمة تمثل سلعاً في الذمة، بمثابة دين السَّلم، ولكن هذا الدين لم يتحدد فيه نوع المبيع وقدره، وإنما تحدد مصدره وقيمته، وهذه الصورة لا حرج فيها شرعاً على الأظهر؛ إذ يجوز للرجل أن يسلم مبلغاً من المال للبقال على أن يأخذ منه كل يوم بضاعة بحسب حاجته، وبحسب سعرها، والتزام البقال بذلك من جنس دين السلم، وهو نظير التزام المحل هنا بالبيع لحامل القسيمة، وثمن القسيمة قد يكون دفعته الشركة مقدماً للمحل، وقد يكون التزم به صاحب المحل ابتداء، وفي كلتا الحالتين هو بمثابة دين السلم كما سبق.(17/90)
إذا تقرر ذلك فدين السلم يجوز بيعه - قبل قبضه - عند الإمام مالك، ومنع من ذلك الجمهور؛ لأنه بيع لما لم يقبض، ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية جواز بيع دين السلم قبل قبضه بشرط ألا يربح منه (أي لا يكون ثمن البيع أكبر من رأسمال السلم) ؛ لئلا يقع في ربح ما لم يضمن.
والأقرب -والله أعلم- هو جواز بيع دين السلم قبل قبضه؛ لأنها معاملة تخلو من الربا، فليس فيها نقد بنقد، وإنما نقد مقابل سلع في الذمة، وفيما يتعلق بالقسيمة فالربح غير متصور؛ لأن الموظف حصل على البطاقة دون دفع مقابل، ثم يبيعها بأقل من قيمتها، وعدم تحديد نوع السلع وقدرها لا يضر بالعقد؛ لأنه لا يؤدي للنزاع، والجهالة المحرمة شرعاً هي التي تفضي للنزاع، والنزاع هنا منتف بتحديد المحل التجاري، وتحديد القيمة الكلية.
وبهذا يتبين الفرق بين هذه القسيمة، وبين الورقة التجارية (الشيك والكمبيالة) التي أشار إليها الأخ الفاضل، فهذه الأوراق تمثل نقوداً في الذمة، بينما القسيمة تمثل سلعاً في الذمة، والفرق بينهما ظاهر، وبيع السلع في الذمة مقابل نقود حاضرة لا حرج فيه، بل هذا هو عقد السلم، إذ هو بيع لسلع في الذمة مقابل نقود حاضرة، وإنما المحذور بيعها مقابل نقود في الذمة؛ لأن ذلك من بيع الدين بالدين المجمع على تحريمه.
أما مقارنة القسيمة ببطاقة الائتمان، وفق ما ذكره الأخ في رسالته، فالفرق بينهما من وجوه:
(1) أن بطاقة الائتمان تصدر من البنك ولا تمثل سلعاً في ذمة البنك، بل ضماناً من المصرف بالسداد، بخلاف القسيمة فإنها تمثل سلعاً في ذمة المحل التجاري، فبيع البطاقة يعني المعاوضة على الضمان، وهو محرم شرعا؛ ً لأنه يؤول إلى الربا.
(2) أن مشتري البطاقة لا تنتهي مسئوليته بقبض السلع من المحلات التجارية، بل يجب عليه سداد قيمتها للمصرف، فبيع البطاقة في هذه الحالة، حتى لو كانت تمثل سلعاً في الذمة، بمثابة بيع الدين بالدين، وهو ممنوع بالإجماع، بخلاف القسيمة فإن مشتريها لا يترتب في ذمته أي دين، فلا تتضمن بيع الدين بالدين.
(3) أن البطاقة تسمح بالحصول على النقد من خلال أجهزة الصرف الآلي، بخلاف القسيمة، فبيع البطاقة بيع لحق الاقتراض من البنك، وهو يؤول إلى الاقتراض بفائدة، فقياس بيع القسيمة على بيع البطاقة الائتمانية قياس مع الفارق المؤثر.
وبناء على ما سبق فالأظهر -والله أعلم- هو جواز بيع القسيمة المشار إليها إذا كانت تمثل سلعاً أو منافع في ذمة مصدرها، ولا تسمح لحاملها بالحصول على النقد، وكان ثمنها مدفوعاً نقداً. والله الهادي إلى الصواب، والحمد لله رب العالمين.
_____________
(*) مدير مركز البحث والتطوير بالمجموعة الشرعية بشركة الراجحي المصرفية للاستثمار.(17/91)
غرابة محاولة الرسول صلى الله عليه وسلم التردي
د. الشريف حاتم بن عارف العوني 18/2/1425
08/04/2004
ورد إلى نافذة الفتاوى سؤال يتعلق بخبرِ همّ النبي عليه الصلاة والسلام بإلقاء نفسه من ذروة جبل وهو في صحيح البخاري فأجاب عنه فضيلة الشيخ/ د. الشريف حاتم بن عارف العوني - حفظه الله - وذكر أن القصة لا تصح أصلاً وقد أظهر البخاري ضعفها.
ثم وردنا تعقيب من أحد قرائنا الأعزاء على هذه الفتوى مفاده " لعل الانتحار لم يكن حرم في ذلك الوقت؟ " فعرضنا هذا التعقيب على الشيخ المجيب؛ فتفضَّل بالإجابة. جزاه الله عنا خيراً، فإليكم التعقيب والتوضيح
التعقيب:
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لماذا لم يذكر الدكتور حاتم أن المبرر في همِّ الرسول بإلقاء نفسه من الجبل هو أن الانتحار لم يكن محرمًّا في ذلك الوقت؟ فمن المؤكد أن الواقعة المذكورة كانت في بداية الوحي والرسالة في مكة المكرمة، أما الحديث الشريف: "من قتل نفسه بحديدة...." إلى آخر الحديث، فقد كان في المدينة المنورة بعد الهجرة، وكما هي القاعدة فإن الأحكام اللاحقة تنسخ الأحكام السابقة. أرجو إفادتي وتصحيح المعلومة إن كانت خطأ والنشر إن كانت صواباً، وجزاكم الله خيراً.
*****
التوضيح:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن غرابة (أو نكارة) خبر محاولة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتردى من جبال مكة ليست من قِبل أنه فقط قتل للنفس وانتحار، بل من عدة جهات:
أولاً: هل يُتصوّر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شكَّ في كونه نبيًّا بعد نزول الوحي عليه؟! فإن شك هو فمن بُعث إليهم أولى بالشك!!!
ثانياً: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حين علم أن ما جاءه من الوحي يقتضي أن يتحمل أعباء الرسالة، فقد ألزمه ربه - عز وجل- أن يستعد لذلك للبلاغ والدعوة العظمى. فكيف يجوز له أن يتخلى عن أداء ما كلفه وشرفه به ربه - عز وجل-؟! وما أجل وأعظم ذلك التكليف والتشريف!!!، ولا شك أن تَرْك مهمة التبليغ بهذه الصورة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر مستنكر جداً، وقد عوقب نبي من الأنبياء لأمر أقل من هذا، كما قال تعالى: "وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" [الأنبياء: 87] ، وقال تعالى: "ولا تكن كصاحب الحوت ... " [القلم: 48] .
ثالثاً: أن قتل النفس مما ارتكز في الفطر استقباحه، واتفقت عليه جميع الأديان والمذاهب والقوانين، فليس استقباح ذلك منوطاً فقط بورود الشرع به. وإلا فهل استجاز أحدٌ من المسلمين قَتْل نفسه قبل ورود الشرع به، مع ما كان ينالهم من الأذى والتعذيب، بل كانوا يؤمرون بالصبر وعدم الاستعجال. هذا والله أعلم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.(17/92)
حول نكاح الكتابية
د. محمد بن سليمان المنيعي 16/11/1424
08/01/2004
سبق وأن نشرنا في النافذة حول (نكاح الكتابية) و (الزواج من النصرانية) ثم وردنا تعقيب من أحد الإخوة يشير إلى أن منع الحاكم الزواج من الكتابية - إن رأى ذلك - هو تحريم لما أحله الله - تعالى - إلى آخر ما ذكر-.فعرضنا هذا التعقيب على فضيلة الشيخ المفتي، فتكرَّم بالتوضيح والبيان، فإليكم فإليكم التعقيب والتوضيح.
التعقيب:
السلام عليكم.
بالإشارة إلى جواب الشيخ محمد المنيعي، والذي قال فيه إنه يجوز للحاكم المسلم منع الزواج من نساء أهل الكتاب مع كون ذلك حلالاً في القرآن الكريم، لكن الحاكم المسلم يكون بعمله هذا قد حرم ما أحل الله بآية صريحة في القرآن، فكيف نطيع الحاكم في ذلك؟ إذا جاز للحاكم أن يمنع زواج المسلم بامرأة نصرانية فهل يجوز أن يمنع تعدد الزوجات وأموراً أخرى صرَّح القرآن بإباحتها؟.
*****
التوضيح
فَرْقٌ يا أخي بين المنع والتحريم، خذ مثالاً على ذلك، لو منعت ولدك من أكل نوع من الطعام في الليل لمصلحة تراها فهل يعني هذا أنك حرمت أكل هذا النوع من الطعام على ابنك؟ وهل يجوز لولدك أن يقول: لم تحرم ما أحل الله لي؟ وعلى ذلك أقول: لولي الأمر أن يمنع شيئاً من المباحات أو يحرم العمل بها؛ لمصلحة يراها، تعود بالنفع على المسلمين.
وهذا له شواهد كثيرة.
فمنها أن عمرو بن العاص - رضي الله عنه- كان أميراً على جيش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إحدى المغاري، فنهاهم عن إيقاد النار في الشتاء مع حاجتهم لذلك، ونهاهم عن أخذ الغنائم لمصلحة يراها، فالتزم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك وأقرهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم يعترض عليهم
ومن ذلك منع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- النكاح بنساء أهل الكتاب لمصلحة يراها، وامتثل ذلك صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-.
ومن ذلك أمر عثمان بن عفان زيد بن صوحان - رضي الله عنهما- أن يترك المدينة، ويرحل إلى الشام لخطأ ارتكبه، فامتثل ذلك، وسافر إلى الشام، وغير ذلك من الأمثلة الكثير،. انظر مصنف عبد الرزاق (7/176 - 179) ، ومصنف ابن أبي شيبة (33656) ، وتفسير ابن جرير (2/390) ، وسنن البيهقي (7/172) ، وتاريخ دمشق (46 / 144 - 145) وسير أعلام النبلاء (3/66) وتفسير ابن كثير (2/540) ، والدر المنثور (1/576) ، ويكفيك من ذلك كله قوله - تعالى -: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" [النساء:59] .(17/93)
رقية المعيون بـ (حَبسٌ حَابسٌ، وحَجَرٌ يابسٌ، وشهابٌ قابسٌ..)
د. عبد الله بن عمر الدميجي 24/10/1424
18/12/2003
نذكِّر الإخوة القراء أن هذه الزاوية (في البدء) ؛ افتتحت لتكون إطلالة تواصل مع الإخوة (زوَّار الموقع) ، نعرض فيها قضايا نافذة الفتاوى، مع ما يمكن من الكلمات النافعة والفتاوى المختارة، كما نعرض فيها قضايا رسائل الزوار المتعلقة بوضع النافذة بشكل عام.
وقد وردنا تعقيب من أحد الإخوة على فتوى (ما يقال للعائن لاتقاء عينه؟) نقل فيه قصة أبي عبد الله الساجي، وأنه قال: حبس حابس.... إلى آخر ما ذكر، فعرضنا هذا التعقيب على فضيلة الشيخ المفتي، فتكرَّم بالتعقيب والتوضيح.
التعقيب:
بسم الله الرحمن الرحيم، ذكر في فتوى للدكتور الدميجي إجابة على استفتاء أحد الإخوة حول ما يقال للعائن عند إلقاء عينه ما يلي: "أما ما سمعه السائل: (حبس حابس ... الخ) فهذه خرافة يقولها المستعينون بالجن، وهذا شرك لا يجوز أن يقال، وضرره مؤكد ولا نفع فيه" أهـ.
فأنقل للشيخ ما يلي: "فصل في الرُّقى التي تَرُدُّ العين: ومن الرُّقى التي ترُدُّ العين ما ذكر عن أبي عبد الله الساجي، أنه كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو على ناقة فَارهة، وكان في الرفقة رجل عائن، فما نظر إلى شيء إلا أتلفه، فقيل لأبي عبد الله: احفَظ ناقَتك من العائن، فقال: ليس له إلى ناقتي سبيل، فأُخبرَ العائنُ بقوله، فتحين غيبة أبي عبد الله، فجاء إلى رحله، فنظر إلى الناقة، فاضطربت وسقطت، فجاء أبو عبد الله، فأُخبرَ أن العائنَ قد عانها، وهي كما ترى، فقال: دلُّوني عليه، فدُل، فوقف عليه، وقال: بسم الله، حَبسٌ حَابسٌ، وحَجَرٌ يابسٌ، وشهابٌ قابسٌ، رددتُ عينَ العائن عليه، وعلى أحب الناس إليه، {فارجع البَصَرَ هَل تَرَى من فُطُورٍ. ثم ارجع البَصَرَ كَرتَين يَنقَلب إلَيكَ البَصَرُ خَاسئاً وهُوَ حَسيرٌ} فخرجت حدقتا العائن، وقامت الناقةُ لا بأسَ بها". فهل هذا زلة من الدكتور أم اجتهاد منه في موضعه؟ أرجو التوضيح من أصحاب الفضيلة.
*****
التوضيح
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فإني أشكر الأخ السائل على استفساره، وحرصه على التثبُّت في أمور دينه، وهذا هو المطلوب من كل مسلم، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، كما قال سعيد بن جبير لحصين بن عبد الرحمن، وكان عليه الرجوع إلى الحق إذا تبين، وسؤال أهل الذكر إذا كان لا يعلم، والتثبُّت مما يقف عليه أو يقال له، خاصة فيما يتعلَّق بعقيدته وإيمانه الذي هو أغلى ما يملك في هذا الوجود.
ثم إن جميع الكلام المذكور في الاستفسار عدة ملاحظات منها:
1. أما بخصوص الرقى التي ترد العين فالصحيح أن ذلك موقوف على ما ورد به الشرع، وهذا ما لم يتوفر في هذه الرقية المذكورة، ونسبتها إلى أحد العلماء إذا لم يذكر دليلها الشرعي فإنه لا يعطيها الصبغة الشرعية، ولا تجوز المتابعة له في ذلك بغير دليل، خاصة وقد بين لنا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - الرقية الشرعية لمثل هذه الحالة، فلا يجوز العدول عن بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كلام غيره مهما كانت منزلته.(17/94)
2. ثم إن هذا الكلام المذكور ليس دعاءً ولا استعاذة بأسماء الله تعالى وصفاته، وإنما هو من السجع المتكلف الذي هو أقرب إلى سجع الكهان، وليس له معنى ظاهراً يحكم عليه من خلاله، فما معنى حابس ومن هو هذا الحابس؟ وما المقصود بالحجر اليابس؟ وما علاقة الحجر اليابس والشهاب القابس بالرقية من العين؟
3. ثم إن في العمل بهذه الرقية عدول عما دلنا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كلام غير ظاهر المعنى والمراد، وغير معروف المصدر كما تقدم، وهذا لا يجوز.
4. ثم إن في هذا الكلام المسجوع عدة مخالفات شرعية منها:
أ. ما ورد فيه من قوله: "رددت عين العائن عليه، وعلى أقرب الناس إليه"، والسؤال ما ذنب أقرب الناس إليه؟ وقد بين لنا القرآن الكريم أنه "لا تزر وازرة وزر أخرى" و "وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى".
ب. أن فيه استشهاد بالآية في غير ما سيقت إليه ومن غير مناسبة، وليس البصر المذكور في الآية هو بصر العائن كما هو ظاهر وجه الاستدلال.
5. ثم إن في صحة نسبة هذا الكلام إلى أبي عبد الله السياجي نظراً وذلك من وجوه:
أ. أنه لم يذكر هذا القول بإسناد يمكن أن يحكم عليه من خلاله، ويتثبت من صحته إليه.
ب. أنه يذكر في كتب التواريخ والسير والتراجم من القصص والحكايات ما لا يصح نسبته إلى قائلها، وخاصة فيما يتعلق بالكرامات والأمور الخارقة للعادة، ولا يجوز لنا أن نأخذ ديننا من مثل هذه الحكايات التي لا زمام لها ولا فطام، ونترك ما ثبت عندنا من قول المعصوم - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
ج. أنه لو ثبت ذلك - وهيهات أن يثبت - فلا تجوز لنا متابعته عليه، وإنما المتابعة للمعصوم - صلى الله عليه وسلم - كما ذكر آنفاً.
6. نعم قد روى أبو يعلى في مسنده (9/177) وابن السني في عمل اليوم والليلة رقم (510) والطبراني في الكبير (10/267 رقم (10518) حديثاً مفاده ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فلينادي يا عباد الله احبسوا، فإن لله حاضراً سيحبسه" فهذا الحديث مع أنه ليس موضوعنا صراحة إلا أنه لا يصح أيضاً؛ لأن فيه معروف بن حسان وهو منكر الحديث كما قال الذهبي في الميزان (4/143) ، وأعله الحافظ ابن حجر في الفتوحات الربانية (5/150) بالانقطاع، وفيه سعيد بن أبي عروبة مختلط ومدلس، وقد ضَّعف الحديث الهيثمي في مجمع الزوائد (10/132) والبوصيري كما في الإتحاف بذيل المطالب العالية (3/239 رقم 3375) ومن المعاصرين الألباني في الضعيفة رقم (655) .
وأما دعوى أنه قد تعتبر هذه الرقية شركاً، فهذا على اعتبار أن الحابس من الجن، وأن هذا دعاء له واستعانة من دون الله تعالى، فهذا لا يكون إلا بالجن والاستعانة بالجن في مثل هذا الأمر هو ضرب من ضروب الشرك.
والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(17/95)
في السعودية هل فاتنا يوم من رمضان؟
عبد الله بن سليمان بن منيع 19/10/1424
13/12/2003
انتشرت أخيراً شائعة بأن شهر رمضان قد ثبت دخوله ليلة الثلاثين من شعبان، وأن على من أفطر هذا اليوم باعتباره الثلاثين من شعبان قضاؤه، وعليه فإن على سكان المملكة قضاء يوم من رمضان، ولكثرة ما وردنا من تساؤلات حول هذا الموضوع عرضنا السؤال على سماحة الشيخ/ عبد الله بن سليمان بن منيع (عضو هيئة كبار العلماء) .
*****
فأجاب - حفظه الله-:(17/96)
لا شك أن أمر ثبوت الهلال مبني على ثبوته شرعاً برؤية معتبرة لدى الجهة المختصة بإثبات الهلال، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"، ولم يثبت لدى هذه الجهة المختصة رؤية معتبرة بأن يوم الأحد هو اليوم الأول من أيام رمضان، وإنما ثبت بأن يوم الأثنين هو أول أيام شهر رمضان بالنسبة لما عليه الأمر في المملكة العربية السعودية؛ ولئن كان الهلال مولوداً مساء السبت الساعة الرابعة إلا تسع دقائق، وأنه يتأخر عن الشمس في الغروب أربع دقائق، بحيث تغرب الشمس قبله يوم السبت بأربع دقائق، ويتخلف عنها بهذا العدد من الدقائق، فيستبعد أن يُرى في المملكة؛ لقصر المسافة الزمنية بين غروب الشمس وغروبه؛ ولئن ثبت في بعض البلدان الإسلامية كجمهورية مصر العربية والأردن واليمن والسودان، فهذا يعني أن هذه البلدان نحو الغرب بالنسبة للمملكة، فيحتمل أن يكون بين غروب الشمس وغروب القمر مدّة زمنية أكثر من أربع دقائق يتمكَّن فيها متراؤا الهلال أن يروه في هذا الوضع، وقد سبق أن صدر قرار من هيئة كبار العلماء ببحث موضوع ما إذا ثبت في إحدى البلدان الإسلامية هل يكون ملزماً للبلدان الأخرى أم لا؟ بحث هذا الموضوع في هيئة كبار العلماء، وكانت نتيجة البحث هو أن يوكل لأهل الحل والعقد في كل بلد إسلامية أمر ما يختارونه من أحد أمرين: وذلك في حال ثبوت الهلال في إحدى البلدان الإسلامية: فإما أن يختار أهل الحل والعقد في البلد التي لم ير فيها الهلال تقليد البلد الإسلامي الذي رآه، أو يختارون الاستقلال بالرؤية وعدم التقليد، ونظراً لأن الموضوع محل خلاف قوي، فقد أصدر مجلس هيئة كبار العلماء قراراً بأن ذلك راجع إلى أهل الحل والعقد في كل بلد إن اختاروا الاستقلال في الرؤية فلهم ذلك، وإن اختاروا تقليد غيرهم من البلدان الإسلامية الأخرى التي ثبت لديها الهلال، فلهم ذلك، ولكل رأي أو قول من هذين القولين، أنصار وعلماء قالوا بذلك، وفي الأمر نفسه لا يخفى أنه لا يجوز لدى مجموعة كبيرة من أهل العلم العمل بالحساب الفلكي في حال الإثبات، لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"، ولم يجعل - صلى الله عليه وسلم- المعيار أو الضابط في ذلك الحساب الفلكي، وإنما كان الأمر في ذلك راجع إلى الرؤية، والله - سبحانه وتعالى- يقول في محكم كتابه: "فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" [البقرة: من الآية185] ، أما في حال النفي فيجب العمل بالحساب الفلكي، فإذا قال الحساب الفلكي بأن الهلال لا يولد إلا بعد غروب الشمس، ثم جاء من يقول إنه رأى الهلال قبل غروب الشمس، فهذا في الواقع باطل؛ لأن هذه الشهادة لم تنفك عما يكذبها، فوجب ردُّها مهما كان قائلها، ومهما تعدَّد الشاهدون بها، والحاصل أنه ليس على من صام في المملكة قضاء يومٍ على أنه الأول من رمضان بل صومهم تام إن شاء الله. والله أعلم.(17/97)
الزواج عبر الإنترنت
سامي بن عبد العزيز الماجد 17/10/1424
11/12/2003
ورد إلى نافذة الفتاوى سؤال يتعلق بموضوع الزواج عبر الإنترنت، فأجاب عنه فضيلة الشيخ/سامي بن عبد العزيز الماجد - حفظه الله - وكان عنوان الفتوى (الزواج عبر الإنترنت) ذكر فيها بعض الضوابط للمراسلة، وحذر فيها النساء من الانخداع بالطرف الآخر، ثم وردنا تعقيب من أحد قرائنا الأعزاء على هذه الفتوى، وذكر أن المراسلة خطوة أولى من خطوات الشيطان؛ لأن المرأة ضعيفة، فعرضنا هذا التعقيب على الشيخ المجيب، فتفضَّل بالإجابة. جزاه الله عنا خيراً، فإليكم التعقيب والتوضيح.
التعقيب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
أسأل الله أن ينفع بكم وبعلمكم، وأن يهدينا وإياكم إلى سواء السبيل، عندي استفسار يا شيخ بخصوص فتوى الزواج من خلال الإنترنت، وقد ذكرتم بعض الضوابط للمراسلة، وحذرتم النساء من الانخداع بالطرف الآخر، ولكن مع ذلك ألا ترى أن هذه هي الخطوة الأولى من خطوات الشيطان؛ لأن المرأة أضعف من أن تتصدى للهجوم بمعسول الكلام، ولو تركت مراسلته فقد يستمر هو، ثم هل يرضى أحدنا لابنته مثل هذه الرسائل؟ أو لأخته مثلاً؟ لا أظن ذلك، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعينكم على كل خير، وأن يعينكم علي وعلى أمثالي. والله يرعاكم.
*****
التوضيح
الأخ الفاضل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
جزاك الله خيراً على نصحك لأخيك، وعلى حسن أدبك ولطفك في حوارك.
ما تساءلت عنه أمر وجيه، جدير أن يحترم مهما كانت درجة الاختلاف.
لكن ألا ترى يا أخي أن المرأة التي ترتاب في رسائل التعارف قبل الزواج هي غير تلك المرأة التي تنساق بلا تردد ولا تساؤل إلى تلك المراسلات، بل برغبة ملحَّة وتلهف لا يني.
ألست تجد الأولى يحيط بها شعور الحذر والاحتياط، بينما الأخرى لا يحيط بها إلا الشعور بالزهو والإعجاب، بثناء الطرف الآخر واللهث وراء معسول كلامه؟.
إن من تأتيك لتستفتيك في هذه المكاتبات التي يعني كل طرف فيها أن يتعرف على شخصية الآخر وصفاته- لا تحتاج إلى هذا الاحتياط والتحرز الذي تطالب به، لأنها لم تسأل إلا وهي متخوفة مرتابة في نوايا الطرف الثاني.
وهل يجسر أحد على تحريم هذه الرسائل ما دامت لم تند عن هذه الضوابط؟.
والمرأة إذا هي انهزمت وانساقت للرجل في رسائل خارجة عن المقصود، فإنما ذلك لأنها قد أخلَّت بشيء من ضوابط المراسلة المباحة.
أجده سائغاً أن تمنع المرأة من محادثة الرجال مباشرة بواسطة ما يعرف بـ (الماسنجر) ؛ لأن هذه المخاطبة المباشرة كثيراً ما تفضي بالمتحاورين إلى الاستطراد والخروج عن الهدف المقصود، وقد يستجرهما الشيطان بعد حين إلى الخوض في أمور لا تحمد عقباها.(17/98)
ولكن ثمة فرقاً بين هذه المحادثة المباشرة وبين المراسلة عبر البريد الإلكتروني؛ فخطورة الاستطراد والاستدراج في المكاتبة المباشرة أشد منها في المراسلة غير المباشرة إلى حد بعيد، ففي الحديث المباشر يسهل على الشاب أن يختلق للفتاة أجواءً من الرومانسية، فيسيطر على مشاعرها ويستدرجها إلى مآرب غير معلنة بادئ الأمر، كما أن الفتاة قد تسرع إلى الاستجابة لمعسول كلامه من غير تفكير ولا روية، لأنهما يتداوران الكلام كما لو كانا يتحادثان عبر الهاتف، فمجال التروي والتفكير فيه قصير قصر ما بين تعاقبهما في الحوار.
فالقول بتحريم المراسلة عبر البريد الإلكتروني بغرض الزواج -سداً للذريعة وخشية على المرأة أن تضعف وتستجيب لحبال أهل الشهوات - أراه من البالغة في العمل بسد الذرائع، فليس هو بمظنة الفتنة، وفي ذلك تضييق لمساحة المباحات والرخص.
إن الإذن للمرأة بمراسلة الشاب فيما يخص موضوع الزواج ليس هو الذي يجعلها تضعف أمام تلك الرسائل التي تخرج عن الموضوع المقصود إلى العلاقات العاطفية المريبة.
إنما الذي جعلها تضعف لمعسول الكلام، وتستجر لأهداف مريبة هو التقصير في توعيتها بالخطاب المؤثر، حتى خبت جذوة الإيمان في قلبها، وهان عليها مخالفة أمر الله.
إن الأولى من انتهاج المبالغة في سد الذرائع أن نضاعف جهودنا في تجديد خطاب الوعظ، وأساليب الترهيب والترغيب، وأن نتوخى في ذلك ما هو أشد تأثيراً وأعذب لفظاً وألين أسلوباً، بحيث يبرز فيه احترام ذات المرأة وإحسان الظن بها بقدر ما تختفي فيه لغة الاتهام وإطلاق الأحكام جزافاً، وبحيث يجمع بين مخاطبة العقل وإحياء العاطفة، وبين المنطق العقلي والأسلوب البليغ المؤثر، والمرأة بحاجة إلى من يقنعها لا إلى من يقرعها ويضفي عليها الأوصاف المشنوءة.
إن المرأة قد تخطئ وتزل قدمها في مزالق الشيطان، فيتعين حينئذ الأخذ بيدها وتخويفها، غير أن تحذيرها من هذه المزالق المردية لا يضطرنا أبداًَ إلى أن نسيء بها الظن، أو نطلق عليها الأحكام جزافاً، ونرميها بالتهمة، ونؤاخذها بالظنة.
وأحسب أننا نخطئ التقدير حين نظن أن المرأة أضعف من الرجل أمام المغريات وذرائع الفتنة، وأنها أسرع استجابة وأيسر استدراجاً إلى مهيع الفاحشة.
والذي يظهر أن الرجل هو الأضعف والأسرع استجابة، والأيسر في الاستدراج بشهادة الواقع.
وخطاب الوحي المقدَّس يشي بهذا، كما في قوله تعالى: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما ... الآية"، فبدأ بالأنثى قبل الذكر، لأن الإغواء والإغراء أكثر ما يقع منها هي، يظهر أمامه ضعف الرجل، فيسارع للاستجابة والمطاوعة، ولكن في السرقة بدأ بالذكر قبل الأنثى، لأن حب المال في جنس الرجال أكثر منها في جنس النساء: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ... الآية".
وإنما توهمنا أن المرأة هي الأضعف، لأن الرجل في الغالب طالب، والمرأة مطلوبة، ومن كان شأنه أن يكون مطلوباً ليس بمستغرب أن يرى الضعف والاستجابة والمطاوعة أكثر مما يرى من الرجل؛ لأنه في الغالب هو الذي يطلب الطرف الآخر، ويسعى للاستحواذ عليه.(17/99)
وحتى يستبين لك هذا جلياً: انظر إلى كيف هو ضعف الرجل حين يكون مطلوباً تتعرض له المرأة بالإثارة والإغراء فهو- بلا شك- أمام إغراء المرأة أضعف وأقل صبراً وأسرع استجابة من المرأة أمام دعوته وتسويله.
إننا لا نعترض على العمل بسد الذرائع، فهو دليل من الأدلة الشرعية، ولا على الغيرة على الأعراض، فقد أثنى النبي -صلى الله عليه وسلم- على بعض الصحابة - رضي الله عنهم- غيرتهم، ولا على حماية المرأة من وسائل الإغواء، فزماننا قد كثر فيه الفساد وتسلَّط فيه أهل الشهوات، لكن الاعتراض يتوجه إلى المبالغة المفرطة في سد الذرائع، وفي المنع والتحرز إلى حد تشعر فيه المرأة أنها مسلوبة الثقة، وأنا هنا لا أتكلم بخصوص مراسلتها عبر البريد الإلكتروني فقط، بل عن أسلوب معاملتنا لها على وجه العموم، فمنعت من الإفادة من الإنترنت، وأحياناً من اقتناء الجوال، وكأن دخولها لعالم الإنترنت واقتناءها للجوال هو في ذاته وقوع في شرك الذئاب البشرية التي تتصيد النساء، وتستدرجهن إلى درك الفاحشة، نفعل ذلك في الوقت الذي منحنا فيه أبناءنا الشباب حق الإفادة والاستمتاع بهذه الوسائل، أحياناً برقابة، وأحياناً بلا رقابة!.
يجب أن يضبط العمل بسد الذرائع؛ حتى لا نقع في دائرة التشديد وتحريم الحلال، وفي هذا السبيل يجب أن نحقق النظر بتأمل وتجرد وموضوعية في كل وسيلة من الوسائل، هل هي مظنة للفتنة وذريعة إلى الحرام؟
فمثلاً ذهاب الفتاة وحدها إلى الأسواق غير النسائية مظنة للفتنة يجب أن تمنع منه، ودخول الإنترنت باستخفاء في آخر الليل مدعاة للريبة يجب أن يمنع منه الابن والبنت على السواء، وخلوتها ب- الأجنبي حتى ولو كان سائقاً على كفالة والدها - ذريعة للفساد يجب أن تسدَّ.
ومع كل ذلك يبقى من المبالغة في سد الذرائع، منع الفتاة من الإفادة من الإنترنت مطلقاً حتى ولو بمرآى من جميع الأسرة وفي وضح النهار، ومن الإفراط في الحذر وسلب الثقة أن تحرم من الجوال وهي محتاجة إليه، في الوقت الذي يمنح الابن حق الإفادة من الحاسوب والجوال بحرية مطلقة أو رقابة غير جادة.
وهذا لعمر الحق من التناقض العجيب، وهو يدل على أن أسلوب تعاملنا مع المرأة فيه شيء من الإفراط والحذر وعدم الثقة، وأننا نأخذ بالرقابة وأسباب المنع أكثر مما نأخذ بأساليب التوعية ودعائم تحصين الفكر، فبالغنا في الاحتياط والرقابة والمنع، وأهملنا الجوانب الأخرى من التوعية والتثقيف والتحصين والتهذيب.
والحاصل أن هذه المبالغة في سد الذرائع هي بلا شك مجانفة واضحة عن المنهج الوسط، لا يمكن تقويمه إلا بأن ينقص من هذه المبالغة بقدر ما يزاد من الحرص على تنويع الخطاب وتهذيبه والارتقاء بأسلوبه؛ حتى يكون مقنعاً لعقل المرأة مؤثراً في وجدانها.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(17/100)
وظيفة المحامي في الشريعة الإسلامية
أحمد بن عبد الرحمن الرشيد 6/8/1424
02/10/2003
ورد إلى نافذة الفتاوى سؤال يتعلق بالمحاماة، فأجاب فضيلة الشيخ/ أحمد الرشيد - حفظه الله - عنه وكان عنوان الفتوى (دراسة الحقوق والعمل في المحاماة) ثم وردنا تعقيب من أحد قرائنا الأعزاء على هذه الفتوى، يستشكل أن القوانين المتَّبعة في وظيفة المحاماة لا تستند إلى الشريعة الإسلامية، فيكون الأساس الشرعي ساقطاً شرعاً لهذه الوظيفة.
وقد تم عرض هذا التعقيب على الشيخ المجيب، فتفضَّل بالإجابة. جزاه الله عنا خيراً، فإليكم التعقيب والتوضيح.
التعقيب:
لي تعليق على فتوى فضيلة الشيخ الرشيد، وأرجو من الشيخ أن يتَّسع صدره لجهلي، والفتوى على العنوان التالي: (دراسة الحقوق والعمل في المحاماة)
أولا: هل هناك مجال لوظيفة المحامي المتعارف عليها في ظل تحكيم الشريعة الإسلامية؟ وإذا كان كذلك فهناك فرع في علوم الشريعة يهتم بتدريس هذا المجال وفق الضوابط الشرعية، وهنا لا خلاف إذا كان الجواب بنعم.
ثانيا: إذا لم يكن كذلك فالشيخ تجاهل كون وظيفة المحاماة - التي يتخرَّج صاحبها بعد دراسة القوانين الوضعية من الجامعة - ومن ثم فهي تتحاكم إلى القوانين الوضعية، والقضايا المتَّصلة بها بالمحاكم يتم التعامل معها وفق الدستور والقوانين القضائية للدولة التي لا تستند إلى الشريعة الإسلامية، فضلاً عن إقصائها لها، إلا ما حصر في شيء من القوانين المدنية أو المحاكم الأسرية إذا صحّ الاصطلاح، وغير ذلك في الدوائر المختلفة بالمحاكم، ووفق ذلك فالأساس الشرعي لهذه الوظيفة يكون ساقطاً شرعاً لتحاكمه للطاغوت واعتماده عليه، وجزاكم الله خيراً.
*****
التوضيح
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن وظيفة المحاماة المشهورة في العصر الحاضر لا يمكن إطلاق القول فيها بأنها حلال أو حرام؛ لأنه ليس لها حكم في ذاتها، ولكن حكمها يتبع الأمر الذي يقوم المحامي بالدفاع عنه، فإن كان أمراً واجباً أو جائزاً فإن المحاماة حينئذٍ تكون مشروعة. وإن كان الأمر الذي يقوم المحامي بالدفاع عنه محرماً فإن المحاماة حينئذٍ تكون غير مشروعة. ولذلك فإنه إذا طلب أحدٌ من المحامي الدخول في أي قضية، فإن عليه أن ينظر: فإن كان الحق معه دخل فيها، وإلا فإنه يحرم عليه أن يدافع عن باطل، بل ويجب عليه أن ينصحه ويبين له بطلان دعواه. ومن خلال ما سبق يتبين أن المحاماة عن الحق والدفاع عنه له أصل في الشريعة، وذلك داخل في أمر الشريعة بمساعدة المظلوم والانتصار له، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" رواه البخاري، وفي هذا العمل ردٌ للأمانات لأهلها، والله سبحانه وتعالى يقول: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها"، وفي العموم فإن في المحاماة عن الحق والدفاع عنه تعاوناً على البر والتقوى، والله سبحانه وتعالى يقول:" وتعاونوا على البر والتقوى".(17/101)
أما ما سألت عنه حول وجود فرع في علوم الشريعة يهتم بتدريس هذا المجال وفق الضوابط الشرعية، فالجواب: نعم، وذلك من خلال معرفة الأحكام الشرعية للأمور التي يُحَامَى عنها، وما هو حلالٌ منها وما هو حرامٌ، ومن خلال معرفة الأصول والقواعد العامة التي تراعيها الشريعة وتأمر بها، وكذلك فإن المحامي يستفيد مما كتبه العلماء فيما يتعلق بدلالات الألفاظ والتراكيب؛ ليعرف ما تدل عليه الألفاظ الدائرة بين الناس، وكذلك ما كتبه العلماء فيما يتعلق بالتعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية ومدلولاتها، ونحو ذلك، وكل ما سبق ذكره يجده الإنسان في المؤلفات التي كتبها العلماء في مجالات: الفقه، وأصول الفقه، والقواعد الفقهية. وكذلك من الكتب المهمة في هذا الجانب ما كتبه العلماء في الطرق الشرعية للقضاء، ومن ذلك: كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم (ت:751) ، وكتاب: تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام لابن فرحون المالكي (ت:799هـ) ، وكتاب: معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام للطرابلسي الحنفي (ت:844هـ) ، وغيرهم. أما إذا كان الإنسان يعيش في بلد يُتحاكم فيه إلى القوانين الوضعية، فإنه يجب عليه ألاّ يدخل في أي قضيةٍ إلا بشرط أن يعرف أن الحكم الذي يطالب به لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وذلك لأنه لا تعارض بين جميع القوانين الوضعية وأحكام الشريعة الإسلامية، فما كان منها موافقاً جاز للمحامي المطالبة به، وما كان منها مخالفاً حرم عليه المطالبة به؛ عملاً بما دل عليه الكتاب والسنة من وجوب التحاكم إلى ما شرعه الله ورسوله عليه الصلاة والسلام. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين(17/102)
مراجعات على فتوى الفضائيات
سامي بن عبد العزيز الماجد 23/6/1424
21/08/2003
نذكِّر الإخوة القراء أن هذه الزاوية (في البدء) ؛ افتتحت لتكون إطلالة تواصل مع الإخوة (زوار الموقع) ، نعرض فيها قضايا نافذة الفتاوى، مع ما يمكن من الكلمات النافعة والفتاوى المختارة، كما نعرض فيها قضايا رسائل الزوار المتعلقة بوضع النافذة بشكل عام.
حيث وردنا تعقيب من أحد الإخوة على فتوى (وضع الدش والتحكم فيه) يرى فيه إغلاق هذا الباب جملة وتفصيلاً؛ حتى لا يكون ذريعة توصل إلى ما حرم الله، وقد عرضنا هذا التعقيب على فضيلة الشيخ المفتي فتكرم بالتوضيح والبيان.
التعقيب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مع احترامي وتقديري لرأي الشيخ في هذه الفتوى إلا أنه فتح علينا باباً لا يغلق، أتعلم يا شيخ أن أقل دش تشتريه يحمل في طياته أكثر من خمسين أو ستين قناة، النافع منها واحدة أو اثنتان؟ إن أولادنا الآن - ومع تطور العلم - يستطيع ذو العشر سنوات منهم أن يفك التشفير، أو الحجب الذي قام بوضعه الأب, والأب لا يدري عن ذلك، ظانا أن الأمر كما تركه عليه، مستنداً إلى فتوى الشيخ سامي الماجد؟ يا شيخ لقد فتحت بفتواك هذه - في هذا الموقع الموثوق - باباً من الشر لا يعلمه إلا الله، وليس فقط فتح باب ولكن ذريعة لأهل الفساد أن يستهزئوا بأهل الخير، ولتعلم يا شيخ أن عامة الناس يعتبرون أناساً محافظين عاديين، يتأرجحون بين شراء الدشوش وبين عدمه، وبفتواك هذه أعطيتهم دفعة قوية للمضي قدما فيما ترددوا فيه، ويأتيهم الشيطان بقول لقد أفتاكم سامي الماجد، نسأل الله أن يغفر لك يا شيخ، وأرجو أن تراجع كلامك وتدرس المصالح والمفاسد من الدش، وتخرج لنا الرأي الشرعي, واعلم يا شيخ أن الخمر أيضا فيها منافع.
*****
التوضيح
الأخ الفاضل: وفقه الله لكل خير.
أشكرك على غيرتك ونصحك لأخيك وصدق غيرتك على إخوانك.
اعلم ـ أخي ـ أن جانب التورع والاحتياط في الفتوى أوسع من دائرة (الحذر من تحليل الحرام) ، إذ أول ما يجب أن يسعه الاحتياط في الفتوى (الحذر من تحريم الحلال) . ولقد كان أيسر شيء عليّ في الجواب على سؤالٍ كهذا أن أقول: (لا يجوز ذلك؛ لما فيه من الخطر المرتقب أو المحتمل) .
هذا جوابٌ لم يعزب عني عند أول وهلة في إعداد الجواب، وهو كما تراه كليمات قليلات أستطيع أن احتاط فيها لنفسي، وأرضي بها كثيرين، وأدرأ عن نفسي غضبهم وسخطهم وانتقاداتهم.
ألا ترى هذا الجواب ـ لو أجبتُ به ـ جواباً مختصراً في أمر يحتاج إلى تفصيل يفرضه اختلاف أحوال الناس وقدراتهم، فأنت تعلم ـ يا رعاك الله ـ أن الناس ليسوا كلهم موسرين قادرين على الاشتراك في هذه القناة، ولا كل الناس لديهم أبناء مراهقون متمرسون على فك التشفير وكشف المحجوب.
يجب أن تكون خشيتنا من أن نحرِّم على الناس أمراً حلالاً كخشيتنا من أن نحلل لهم حراماً أو أشد خشية؛ لأن الأصل في الأشياء الحل، وهذا الأصل يقين لا يزول إلا بيقين.
وانطلاقا من هذا الواجب فإني لا أستجيز لنفسي أن أحرم على أحدٍ أمراً يتأتى أن يكون حلالاً بضوابط مستطاعة.(17/103)
وأما قولك ـ أخي الفاضل ـ: إن الدش الذي سيشتريه الأخ السائل يمكّنه أن يستقبل عشرات القنوات، فذلك لم يكن خافياً علي، ولأجل هذا قلت في الجواب: (فلا حرج إذن أن تقتنوا الدش، ولكن بشرط أن تحجبوا كل القنوات الفاسدة) .
أما مسألة قدرة الأبناء على فك التشفير وفتح القنوات المحظورة، فلا أظن هذه أهون عليهم من زيارةٍ لإحدى المقاهي المنتشرة والتي تعرض قنوات مشفرة أفجر وأخلع من تلك القنوات التي يمكن أن يستقبلها الدش الموجود في البيت.
كما أن هذا الاحتمال المخوف من الممكن درؤه بوضع جهاز الاستقبال (ما يسمى بالرسيفر) في صندوق محكم لا تنفذ إليه إشارات (الريموت) ، فلا يقدر أحد على فتحه أو تغيير قنواته وفك تشفيره.
وإذا كنا نرى التخوف من قدرة الأبناء على فك التشفير ومشاهدة القنوات المحجوبة يوجب علينا منع الناس من اقتناء الدش مطلقاً ولو لمشاهدة قناة المجد سداً للذريعة، فليوجب هذا التخوف علينا أن نمتنع من تصفح الإنترنت في بيوتنا؛ لأنه ربما كان لأحدنا أبناء مراهقون قادرون على دخول المواقع الإباحية بطرقٍ هم أدرى بها منّا.
ألا ترانا أخي نبالغ أحياناً في مسألة سد الذرائع حتى أصبح الاستثناء أصلاً والأصل استثناء، وأصبح الاحتمال السيء حاكماً على أمور حسنة راجحة ذات مصالح متحققة؟!
أخي الحبيب: يجب ألا نجعل هذه الاحتمالات البعيدة موجباً لتحريم شيء ليس حراماً في ذاته، وغاية ما تدفعنا إليه هذه الاحتمالات أن نحكم الرقابة على هذه الأجهزة حتى لا تنقلب وسيلةً للمحرم.
وشيء آخر مهم أُنبِّه إليه، وهو أن الفتوى ليست خاصة لأهل الجزيرة، والذين يغلب عليهم الاقتدار على الاشتراك في قناة المجد، فالموقع يتصفحه القاصي والداني، والمقيم في هذه الجزيرة والمقيم خارجها، فمن الحكمة أن يُراعى في شأن الفتوى العامة أحوال الناس المختلفة باختلاف الأقطار.
كما أن السائل من أهل مصر، والاشتراك في قناة المجد في بلادهم وإن كان متاحاً لكنه على نطاق ضيق محدود جداً ـ كما أخبرني بذلك أحد المسؤولين في القناة ـ وقيمته باهظة بالنسبة لأكثر الناس هناك.
فإذا كان من الممكن أن يفيد أحد هؤلاء (غير القادرين على الاشتراك في القناة) من برامجها مع تأتِّي حجب القنوات الفاسدة، فهل من الحكمة والحيطة أن نمنعه منها تخوفاً من أن يستطيع أبناؤه أن ينفذوا إلى القنوات المحجوبة؟ وما هو من قبيل هذا الاحتمال البعيد، والذي يمكن أن يُدرأ كما بينته سابقاً؟!
وأما اعتراضك بكون الخمر أيضاً فيه منافع للناس، ومع ذلك حرَّمها الإسلام، فهو اعتراض معتبر لو أن السؤال كان عن مشاهدة القنوات كافة، والتي إثمها أكبر من منافعها، غير أن السؤال كان عن اقتناء الدش لمشاهدة قناة المجد التي لا نعلم عنها إلا خيراً.
أراه رأياً فطيراً تُنتجه نظرة قاصرة محدودةٌ بحدود إقليمٍ أو بلد ما حين نجعل الناس كلهم محصورين بين خيارين لا ثالث لهما: فإما أن يشتركوا في قناة المجد فلا يشاهدونها إلا عبر جهازها الخاص، أو ليبقوا محرومين منها ما داموا غير موسرين.
ألا يشرع لهم خيار ثالث يمكن أن تتحقق فيه المصلحة مع القدرة على درء المفسدة: وهو أن يقتنوا أي جهاز يستقبل هذه القناة بشرط أن يحجبوا القنوات الفاسدة.(17/104)
إني لأجد في القول بالمنع من اقتناء غير دش المجد تخوفاً من اطلاع الأولاد على القنوات المحجوبة ـ أجد فيه حرماناً عظيماً لأناس كثيرين يرغبون في الإفادة من برامج هذه القناة ولكنهم عاجزون عن شراء طبقها الخاص.
ينبغي أن تتسع جهودنا في تربية أولادنا لأدوات التربية كلها، فلا تقتصر على جانب دون آخر، ومن التقصير أن تنحصر جهودنا في وقايتهم من ذرائع الشر أن تصل إليهم بالمنع والحجب، فهذا وإن كان واجباً لا يغني شيء عنه، لكنه وحده لا يكفي قطعاً، فهناك وسائل تحصينية تربوية لا بد من الأخذ بها، وأن يكون لها الاهتمام الأكبر والوقت الأكثر؛ لتغذي عقول أولادنا بالفكر النير، وتنمّي في قلوبهم رقابة ذاتية تحصنهم وتمنعهم أن يسعوا للشر، أو يسارعوا إليه إذا غاب عنهم الرقيب.
وقناة المجد بما فيها من برامج جادة مفيدة وأخرى مسلية هادفة أداة تُسهم في هذا المجال، فتملأ فراغ أولادنا وتشبع رغباتهم في الممتع المباح، وتفقههم في دينهم وتعلمهم الآداب الفاضلة وتغذي فكرهم وترقق قلوبهم.
ولعل هذه القناة إذا أشبعت رغبات الأولاد، وملأت فراغهم، وشغلت أوقاتهم بالمفيد والممتع أن تكون عوناً لأوليائهم على صرفهم عن ابتغاء القنوات الفاسدة والخليعة، سواء بارتياد المقاهي أو فك التشفير واختراق القنوات المحجوبة.
ومن الإجحاف والحيف أن نحسب هذه القناة الرائدة مجرد تسلية وترف، فلا تُقتنى إلا لتزجية أوقات الفراغ.
نسأل الله القدير أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يبصرنا ويفقهنا في الدين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
# # #
كما وردنا تعقيب آخر على الفتوى المذكورة يؤكد على أن الأولى هو دعم هذه القناة عن طريق الاشتراك المباشر معها، وعلى ضرورة حجب القنوات الفاسدة عند اللجوء إلى شراء الأطباق العامة وفيما يلي نص هذا التعقيب.
التعقيب:
لعل من المهم اعتباره في هذا الصدد: أن المجد تحتاج دعماً مادياً بالاشتراك فيها، لكن هذه الطريقة تقلل من الاشتراكات، مما قد يرهق كاهل القناة، وهي إن لم ندعمها لم تستمر، لا قدر الله، ولذا تمنيت أن لو عرض الأمر على القناة أولاً لاستشارتها في الطرح العلني لمثل هذا النوع من الأسئلة، عذراً لا علاقة لي بالقناة إلا محبتها، والعزم على الاشتراك فيها، أمر آخر هو: هذا لو اشترط الجواب وجوب إلغاء القنوات السيئة قبل إدخال الطبق للمنزل، سداً للذريعة.
*****
التوضيح
أخي الكريم:
لو تأملت الفتوى لوجدتني قد اشترطت أن تحجب جميع القنوات الفاسدة، أما مسألة الاشتراك فلم أقترحها على السائل؛ لأنه من مصر، ولا تخفى عليك أحوالهم المادية.(17/105)
خلاف العلماء في الشروط في النكاح
نايف بن أحمد الحمد (القاضي بمحكمة رماح) 16/6/1424
14/08/2003
ورد إلينا تعقيب من أحد القراء الأعزاء يستشكل منه عدم بسط المفتي لآراء الفقهاء وأدلتهم على فتوى (طلب الطلاق إذا تزوج الزوج) وقد أجاب المفتي على تعقيبه وذكر الشيخ - حفظه الله- في نهاية المطاف السبب في عدم بسط آراء الفقهاء في هذه المسألة وفي غيرها، فإليكم التعقيب والتوضيح.
التعقيب:
شيخنا الفاضل سلمان بن فهد العودة حفظه الله تعالى وجميع العاملين في نافذتنا المطلة على عالم اليوم، بإسلام اليوم والغد والأمس؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أولا إني أحبكم في الله تعالى ونسأله أن يثبتنا وإياكم آمين.
أما بعد: فإني أود من فضيلتكم عند الإجابة على الأسئلة الفقهية طرح آراء الفقهاء وأدلتهم، لا طرح الرأي الراجح عند المفتي فقط، لاسيما وموقعكم الطيب لا يطلع عليه فقط العوام الذين يريدون فتوى دون أدلة الأطراف المتنازعة في الدليل وأرجحيته، وإن كنت معكم في أن العامة يحسن في مثلها تلك الإجابة القصيرة الواضحة، ولقد أجاد الشيخ نايف الحمد عندما قال: وهو أصح قولي العلماء هذا في نظره ونظر شيخ الإسلام ابن تيمية ومن نحا نحوه من المتقدمين، أما رأي الجمهور المتقدمين كالشافعي وأبي حنيفة ومالك فيرون أنه إذا تزوجها على شرط ألا ينكح غيرها عليها أو يتسرى أو بألا يخرجها من بلدها فالشرط باطل والنكاح جائز، ولا يخفى على فضيلتكم الدليل، والمسألة مبسوطة في مظانها، والخلاصة لو يفيدنا المفتي -حفظه الله تعالى- بالخلاف المختصر مع أدلته وما يراه هو راجحاً من قولي العلماء فذلك يعطينا مرجعا موثقا مختصرا، أقول هذا وأستغفر الله على هذا التعليق الذي لست أهلا له، والسلام عليكم.
*****
التوضيح
الحمد لله وحده، وبعد: فإني أشكر الأخ الفاضل على نصيحته الموفقة بإذن الله تعالى، والتي عرضها بثوب قشيب، وبأدب رفيع، وبعبارات منتقاة، فله مني كل شكر وتقدير واحترام، ودعاء بأن يرفع الله قدره، وأن يجزيه خير الجزاء، هذا أولاً.(17/106)
وثانياً: ما ذكره الأخ الكريم من أن مذهب الأئمة أبي حنيفة ومالك والشافعي من أن الشرط باطل فصحيح، ولكن ما أفتينا به هو ما تبين لنا رجحانه بالدليل الصحيح الذي رواه عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" رواه البخاري رقم (2572) ومسلم رقم (1418) ، ونحن لم نذكر أن النكاح يفسد أو يبطل بزواج الزوج من ثانية؛ بل قلنا إن لم يف به الزوج فللزوجة الفسخ؛ أي عند رغبتها به، أما إذا لم ترغب الفسخ فالنكاح باق والحمد لله، واتباع الدليل ليس فيه أي انتقاص للأئمة رحمهم الله تعالى، بل فيه تكريم لهم، أما مطالبتكم حفظكم الله ببسط المسألة والأدلة وذكر الراجح فلا يخفى عليكم أن الأسئلة كثيرة، والوقت ضيق لانشغالنا بأمور كثيرة، فلو بسطنا القول في كل مسألة فلن أتمكن من الإجابة إلا عن سؤال واحد في الأسبوع، وفي هذا ضرر بالغ على بقية المستفتين بسبب تأخر الإجابة على أسئلتهم، والتي كثيراً ما يطالبون فيها بسرعة الإجابة، فنحن نذكر ما ندين الله تعالى به مع دليله من غير انتقاص لمن خالفناه من العلماء الأجلاء، كما أن هذه النافذة هي نافذة للفتاوى، وليست نافذة للبحوث والدراسات، بحيث تبسط المسألة بذكر الأقوال، والأدلة، والترجيح، والجواب عن دليل القول الآخر، فهذا له نافذة أخرى في الموقع، هي نافذة بحوث ودراسات.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه والباطل باطلاً وأعنا على اجتنابه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(17/107)
أخذ الأطفال إلى المسجد
د. محمد بن سليمان المنيعي عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى 12/5/1424
12/07/2003
وردنا سؤال من أحد الإخوة حول آداب الطفل في المسجد من حيث (الصلاة في الصف - الجري في المسجد - وما يتعلق بالمساجد من آداب ومسائل تتعلق بالأطفال) ، فأجاب عنه فضيلة الشيخ: د. محمد بن سليمان المنيعي، ثم جاءنا تعقيب حول هذه الفتوى، وقد عرضناها على الشيخ المفتي فتكرم بالتوضيح والبيان.
التعقيب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الذي فهمته من الشيخ أنه لا يجوز أخذ الأطفال إلى المسجد، لكيلا يزعجوا المصلين، ما هو الدليل على هذه الفتوى؟ ماذا يقول الشيخ فيما ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقصر من الصلاة عندما كان يسمع بكاء الأطفال؛ حتى لا تفتن أمهاتهم عن صلاتهن، ومع ذلك فلم يمنع هؤلاء الأمهات من إحضار أبنائهن للمسجد، وأيضاً الرواية التي ذكر فيها أن الحسن والحسين كانا يركبان على ظهره - صلى الله عليه وسلم - في السجود، ولم يقل شيئاً لوالديهما، وعلاوة على ذلك لم يشأ أن يزعج الولدين، جزاكم الله خيراً على الفتوى، ولكن دعموا فتواكم بالأدلة.
*****
التوضيح
فهمك للفتوى غير مستقيم، بل الذي أجبت باختصار أن الطفل دون سن التمييز ينبغي أن يجنب المسجد؛ حتى لا يلوث المسجد أو يشوش على المصلين، إلا أن يحتاج المصلي إلى دخوله إلى المسجد لحاجة عارضة، أو تريد المرأة الصلاة في المسجد فلا بأس والحالة هذه، وأما ما ذكر من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقصر الصلاة عندما يسمع بكاء الطفل فهذا ورد في جوابي حيث قلت: (أو تريد المرأة الصلاة في المسجد وليس معها من يجلس عند طفلها) ، ثم لو تأملت حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة وقد مكث عشر سنوات فيها فتساءلت كم ورد أنه خفف الصلاة لسماعه بكاء طفل؟ أو أن الحسن أو الحسين ركبا على ظهره لوجدت ذلك مرة أو مرتين، فآلاف الفرائض تقام في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، ثم لم ترد مثل هذه الحالة إلا مرات يسيرة مع تواجد أولاد الصحابة - رضي الله عنهم - والتزامهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلاة الجماعة مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المسجد النبوي دليل واضح على تجنيبهم الصبيان ممن هم دون التمييز المساجد، وهو الأقرب إلى مقصد الشرع من بيوت الله، قال تعالى: "وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" [الحج: من الآية26] ، والله أعلم.(17/108)
هل مرتب التقاعد ميراث؟
هاني بن عبد الله الجبير القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة 28/3/1424
29/05/2003
وردنا سؤال من أحد الإخوة حول منحة التقاعد في الجزائر، وهل تعد ميراثاً أم لا؟ فأجاب فضيلة الشيخ هاني الجبير بأنها لا تعد إرثاً، ثم جاءنا تعقيب حول هذه الفتوى يبين ماهية هذه المنحة وخصائصها، وقد عرضناها على الشيخ المفتي فتكرم بالتوضيح والبيان.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ ـ هاني الجبير ـ حفظه الله جزاكم الله خيرا على إرسالكم لنا الفتوى بخصوص منحة التقاعد التي سألناكم عنها والمتعلقة بتقاعد فرنسي لأخ جزائري كان يعمل هناك، وقد أرسلتم بأن ما يعطى من منحة التقاعد لا يعتبر إرثا. وإني يا فضيلة الشيخ: أريد أن أبين لكم بعض التوضيح في خصوص هذه المسألة واستميحكم مبدئيا، فأقول: إن منحة التقاعد التي تعطى هاهنا في الجزائر أو ما أشبهها من الدول كفرنسا فالأمر يختلف يا شيخ حيث أن هذه المنحة ليست تكريما لهم، وإنما هي حصيلة ما كان يأخذه صندوق الضمان الاجتماعي من العامل حيث يأخذون من مرتبه ما نسبته 9 بالمائة وتخزن له في صندوق خاص ـ وهذه تؤخذ جبرا دون دخل للعامل فيها ـ وقد تختلف النسبة من بلد لبلد، ثم هذه الأموال يكون منها استرجاع قيمة الأدوية وتكون أيضا في حالة وقوع الحوادث، وفي آخر الأمر عند الكبر وبلوغ سن 60 سنة يعطى من ذلك منحة التقاعد وإذا مات فيعطى باسم زوجته، وعلى هذا يا شيخ: هل الفتوى تبقى كما هي مع هذه المعطيات أم تتغير.
نرجو أن ترسلوا لنا الجواب مرة أخرى ومعذرة ثم معذرة على هذا التوضيح ولكن ربما تستدعيه الفتوى والله أعلم وبارك الله فيكم.
البيان:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشكر الأخ السائل الكريم على تواصله واستفهامه فهذا ما يسعد ويثلج الصدر زاده الله توفيقاً.
وما ذكره من إيضاح للتقاعد كان معلوماً، وهو ما بنيت عليه جوابي السابق، وزيادة في الإيضاح فإني أقول:
أولاً: إن خصم نسبة التقاعد من الراتب هو فيما يظهر خصم صوري لا حقيقي وذلك لأمور منها:
1. أن الموظف يخصم منه جبراً ولو لم يوافق ولم يرغب.
2. أن الموظف لا خيار له في زيادة أو نقص مقدار الخصم.
3. أن الموظف يعرف عند تقدمه للوظيفة راتبه مخصوماً منه تلك النسبة، فهو مدرك أن الراتب هو مقدار ما يستلمه بعد الخصم.
4. أن الموظف قد يعرف بالتحديد مقدار ما يخصم منه.
ثانياً: إن الموظف قد يتقاعد أو يموت بعد عمله بمدةٍ يسيرة فيستحق هو أو ورثته تقاعداً قد يكون أكثر مما خصم منه، بل هذا في الواقع هو الغالب أن مقدار التقاعد المصروف يفوق نسبة الخصم.
فلذا وحيث إن الخصم صوري في الواقع ولأنه قد يأخذ أكثر مما خصم منه علماً أن التقاعد منحة من الدولة للموظف ولمن لا يستقل بنفسه ممن كان ينفق عليهم في حياته، لكن جاء حسابها باعتبار زيادة تسعة في المائة من الراتب ثم خصمها منه شهرياً ليحسب بعد ذلك مقدار ما يأخذه بعد مقارنته بسنوات الخدمة.(17/109)
ويتضح ذلك أكثر إذا عرفنا أن منشأ التقاعد إنما كان إعمالاً لمبدأ التأمين فالحكومة تؤمن مصدر دخل لكل من انقطع دخله بتوقفه عن العمل أو موت مورثه الموظف بهذا التقاعد ولذا فإنه متى استطاع الاستقلال بنفسه أو استغنى عنه مُنع استحقاقه وكذلك يقسم بين الورثة حسب قسمة الإرث الشرعيّة.
هذا هو الظاهر لي وعليه فتوى بعض مشايخنا وممن وقفت على رأيه في ذلك فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع (مجموع فتاوى وبحوث 4/173) .
وهو على كل حال محض اجتهاد يحتمل الخطأ والصواب والله أعلم. وفي المقابل لو كان الذي تدفعه الدولة هو نفس مقدار الخصم الذي يؤخذ من راتب الموظف تماماً فإن الحال يختلف إذ لا يكون الخصم صورياً بل حقيقياً أجبر الموظف عليه أو أخر تسليمه له.
وفي هذه الحال فإنه يحتم قسمته بين ورثته حسب الإرث الشرعي ويكون جزءاً من حق الموظف لورثته تحصيله بما يستطيعون.
ولعل هذه الفتوى إذا نشرت كان في تواصل الإخوة والمشايخ تعزيزاً أو استدراكاً لها.
اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.(17/110)
تعقبات على حكم تمثيل الحيوانات
د. أحمد الخضيري 10/1/1424
13/03/2003
السؤال (ملاحظات على سؤال التمثيل والأناشيد المصحوبة بالدف) : هناك بعض الملاحظات على هذه الفتوى حيث أنها نازلة معاصرة وهي محل اجتهاد:
1) إشارة الشيخ المفتي -حفظه الله- إلى عدم جواز تمثيل دور الحيوانات وأن التشبه بها جاء في النصوص بصيغة الذم، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يجلس على أربع ويركب الحسن والحسين على ظهره ويقول:"نعم المطية مطيتكما"، رواه الطبراني وإسناده حسن وفي بعض الروايات "نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما" فدل على أن التشبه بالحيوان ليس مذموماً بكل حال.
2) منع الشيخ من استعمال الدف إلا في الأعراس أمر محل مناقشة فإن إباحة النبي -صلى الله عليه وسلم- استخدامه بالعرس يدل على استثناء هذه الآلة من التحريم ولا يقتصر على العرس فالحادثة لا تخصص العام ونظير هذا تحديد بعض الفقهاء عدم جواز الصلح مع الكفار إلا بقدر عشر سنين لأنه هو الذي حصل من النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو مذهب مرجوح كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، ومما يدل على جواز سماع الدف في غير الأعراس ما رواه أصحاب السنن أن امرأة نذرت أن تضرب الدف أمام النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقرها ولو كان ممنوعاً في غير الأعراس لمنعها.
أرجو نشر ملاحظاتي إن لم يكن مانع أو إرسالها إلى الشيخ إن وجد مانع، وأنتم محسنون ولكم الخيار وما على المحسنين من سبيل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أجاب عن السؤال الشيخ/د. أحمد الخضيري (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام)
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيمكن توضيح الفتوى في تمثيل دور الحيوانات والأناشيد المصحوبة بالدف، والإجابة عن ملحوظات الأخ فيما يلي:(17/111)
أولاً: ينبغي أن يعلم أن التمثيل في أصله محل خلاف بين فقهاء العصر، فهناك من أهل العلم من يمنعه مطلقاً، وهناك من يجيزه بقيود معينة، وليس هذا مقام التوسع في ذكر الخلاف وأدلته، ولكن الذي يهمنا منه أن من أجاز التمثيل قيده بقيود يلزم توافرها، ومن هذه القيود ألا يشتمل التمثيل على محاكاة البهائم ومشابهتها، لأن محاكاة البهائم ومشابهتها إذا نظرنا إليه في الكتاب والسنة نجد أنه يرد في مقام الذم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:"التشبه بالبهائم في الأمور المذمومة في الشرع مذموم منهي عنه، في أصواتها وأفعالها، ونحو ذلك، مثل: أن ينبح نبيح الكلاب، أو ينهق نهيق الحمير، ونحو ذلك، وذلك لوجوه: أحدها: أنا قررنا في اقتضاء الصراط المستقيم، نهي الشارع عن التشبه بالآدميين الذين جنسهم ناقص كالتشبه بالأعراب وبالأعاجم وبأهل الكتاب ونحو ذلك في أمور من خصائصهم، وبينا أن من أسباب ذلك أن المشابهة تورث مشابهة الأخلاق، وذكرنا أن من أكثر عِشرة بعض الدواب اكتسب من أخلاقها: كالكلاّبين، والجمالين، وذكرنا ما في النصوص من ذم أهل الجفاء وقسوة قلوب: أهل الإبل، ومن مدح أهل الغنم، فكيف يكون التشبه بنفس البهائم فيما هي مذمومة؟ بل هذه القاعدة تقتضي بطريق التنبيه النهي عن التشبه بالبهائم مطلقاً فيما هو من خصائصها، وإن لم يكن مذموماًَ بعينه، لأن ذلك يدعو إلى فعل ما هو مذموم بعينه، إذ من المعلوم أن كون الشخص أعرابياً أو عجمياً خير من كونه كلباً أو حماراً أو خنزيراً، فإذا وقع النهي عن التشبه بهذا الصنف من الآدميين في خصائصه؛ لكون ذلك تشبهاً فيما يستلزم النقص ويدعو إليه، فالتشبه بالبهائم فيما هو من خصائصها أولى أن يكون مذموماًَ ومنهياً عنه.
الوجه الثاني: أن كون الإنسان مثل البهائم مذموم، قال تعالى:"ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون".
والوجه الثالث: أن الله سبحانه إنما شبه الإنسان بالكلب والحمار ونحوهما في معرض الذم له كقوله:"فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون" وقال تعالى:"مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً" الآية، وإذا كان التشبه بها إنما كان على وجه الذم من غير أن يقصد المذموم التشبه بها، فالقاصد أن يتشبه بها أولى أن يكون مذموماًَ، لكن إن كان تشبه بها في عين ما ذمه الشارع صار مذموماً من وجهين، وإن كان فيما لم يذمه بعينه صار مذموماً من جهة التشبه المستلزم للوقوع في المذموم بعينه.(17/112)
يؤيد هذا الوجه الرابع: وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح:"العائد في هبته كالعائد في قيئه، ليس لنا مثل السوء"، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يذكر هذا المثل إلا ليبين أن الإنسان إذا شابه الكلب كان مذموماً، وإن لم يكن الكلب مذموماً في ذلك من جهة التكليف، ولهذا ليس لنا مثل السوء، والله سبحانه قد بين بقوله:"ساء مثلاً" أن التمثيل بالكلب مثل سوء، والمؤمن منزه عن مثل السوء، فإذا كان له مثل سوء من الكلب كان مذموماً بقدر ذلك المثل السوء"، ثم ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- الوجه السادس وهو: حرمة تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال فيما يختص به كل جنس وقال عقب ذلك:"فإذا كانت الأمور التي هي من خصائص النساء ليس للرجال التشبه بهن فيها، والأمور التي هي من خصائص الرجال ليس للنساء التشبه بهم فيها، فالأمور التي هي من خصائص البهائم لا يجوز للآدمي التشبه بالبهائم فيها بطريق الأولى والأحرى، وذلك لأن الإنسان بينه وبين الحيوان قدر جامع مشترك، وقدر فارق مختص، ثم الأمر المشترك: كالأكل والشرب، والنكاح والأصوات والحركات، لما اقترنت بالوصف المختص كان للإنسان فيها أحكام تخصه ليس له أن يتشبه بما يفعله الحيوان فيها، فالأمور المختصة به أولى، مع أنه في الحقيقة لا مشترك بينه وبينها، ولكن فيه أوصاف تشبه أوصافها من بعض الوجوه، والقدر المشترك إنما وجوده في الذهن لا في الخارج. وإذا كان كذلك فالله تعالى قد جعل الإنسان مخالفاً بالحقيقة للحيوان وجعل كماله وصلاحه في الأمور التي تناسبه، وهي جميعها لا يماثل فيها الحيوان، فإذا تعمد مماثلة الحيوان، وتغيير خلق الله فقد دخل في فساد الفطرة والشرعة، وذلك محرم والله أعلم". مجموع الفتاوى (32/256-260) .
وأما ما ذكره الأخ السائل من كون النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يركب الحسن والحسين على ظهره ويقول:"نعم المطية مطيتكما" رواه الطبراني وغيره، وفي بعض الروايات:"نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما".
فليس في هذا ما يعارض ما سبق لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يداعب الحسن والحسين ويقول هذا عندما يبتدرانه بالركوب على ظهره، وهذا النوع من المداعبة شائع بين الأب وأبنائه ويتم بطريقة عفوية، ولم يقصد النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك تمثيل حال الحيوان ومشابهته وحاشاه من ذلك.
وبهذا تبقى القاعدة على عمومها وهو أن التشبه بالحيوان جاء في الكتاب والسنة في مقام الذم.
وعلى التسليم بكون التشبه بالحيوان في أحيان قليلة لا يكون وارداً في مقام الذم فهذا لا يؤثر في صحة الاستدلال بهذه القاعدة على منع تمثيل الحيوانات في الجملة، ويبقى الجواز قاصراً على ما ورد تخصيصه بالنص، وهو حال مداعبة الرجل لأبنائه كما في قصة الحسن والحسين مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن المعلوم أن الحال المستثناة من النص العام لا يقاس عليها.
ثانياً: الضرب بالدف وقع فيه خلاف بين الفقهاء على ثلاثة أقوال: فهناك من قصر جوازه على الأعراس، وهناك من أجازه أيضاً في الأعياد وقدوم الغائب وبعض الولائم على خلاف في بعضها، وهناك من أجازه مطلقاً.(17/113)
والذي يظهر لي أنه ينبغي أن يقتصر في الضرب بالدف على ما ورد النص به دون ما عداه، ومن أشهر ما ورد النص به، وهو محل اتفاق بين الفقهاء الضرب بالدف في الأعراس كما جاء ذلك في نص الفتوى.
ويلحق به أيضاً الضرب بالدف في الأعياد وعند قدوم الغائب لما جاء عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فأقبل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:"دعهما، فلما غفل غمزتهما، فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحراب...." متفق عليه.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا" متفق عليه.
وما جاء عن بريدة -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، قال لها:"إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا" فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر وهي تضرب فألقت الدف تحت استها ثم قعدت عليه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ... "، رواه أحمد والترمذي وصححه.
ولم تذكر هاتان الحالتان في الفتوى المنشورة لأن الغرض كان ذكر الحكم العام لاستعمال الدف والاختصار بذكر أشهر ما ورد النص بجوازه وهو الضرب بالدف في حال النكاح، والتنبيه بهذا المثال على الاقتصار على ما جاء به النص.
وأما قول الأخ: إباحة النبي -صلى الله عليه وسلم- واستخدامه بالعرس يدل على استثناء هذه الآلة من التحريم ولا يقتصر على العرس فالحادثة لا تخصص العام ... إلخ، فهو استدلال غير وجيه في هذه المسألة، لأن تحريم الغناء والدف عام، والترخيص بهما في الأعراس والأعياد وقدوم الغائب خاص ومستثنى من الأصل العام، فلا يصح أن يكون المستثنى أصلاً يقاس عليه غيره، بل يجب أن يقتصر على محل الرخصة، ويبقى ما عداه داخلاً في حيز العموم.
وطريقة الاستدلال التي ذكرها الأخ هي التي تمسك بها وسلكها من أباح الغناء، والمعازف، وهي لا شك طريقة خاطئة، فإباحة الغناء والدف في الأعياد والأعراس وقدوم الغائب على هيئة مخصوصة وصفة مخصوصة لا يكون مبيحاً للغناء بجميع أنواعه واللهو بجميع أدواته، وفي قول أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-:"مزمارة الشيطان؟! " ما يدل أنه على علم سابق بأن الغناء والدف منهي عنهما، ولهذا بادر في الإنكار، فاحتاج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعلل لهذا الحكم المخالف لما تقرر من منع الغناء والدف بقوله:"إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا" وكذلك فيما يتعلق بموقف عمر -رضي الله عنه- مع الجارية التي كانت تضرب بالدف بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم.(17/114)
فتوى أنقذتني
عبد الله بن عبد الوهاب سردار 3/1/1424
06/03/2003
سبق نشر فتوى لفضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الوهاب سردار جواباً لسؤال وردنا من إحدى الأخوات، وقد تلقينا هذه الرسالة التي تفيض بمشاعر الأخت تجاه ما قرأت، وتدل على أثرها في نفسها، ومدى انتفاعها بها.
وإن هذه الرسالة تعبر عما في نفوس كثير ممن يجدون ضالتهم في فتوى محررة، ورأي سديد، وإشارة ناصحة.
بسم الله الرحمن الرحيم
أرجو منكم إيصال رسالتي هذه الى الشيخ: عبد الله سردار
فضيلة الشيخ أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يدخلك الفردوس الأعلى من الجنة بلا حساب ولا عقاب فبعد إجابتك على سؤالي المعنون بـ (هل نحن في آخر الزمان؟)
أحسست وكأن حملا ثقيلا من فوق صدري قد أزاحه الله عني بفضله ومنه وكرمه ثم بفضل مساعدتك الكبيرة لي بالإجابة على هذا السؤال
لقد كنت يا شيخ قبل قراءة السؤال والإجابة عليه أشعر بضيق في صدري فظيع وكلما نظرت إلى أمي واخوتي الصغار وهم نائمون رحمتهم وازددت ضيقا وبكاء فذهبت ودعوت الله وبكيت حتى خشيت إيقاظهم من صوت بكائي وكنت واثقة من إجابة الله لدعائي ثم فتحت الإنترنت لتمضية الوقت الكئيب فقرأت مقالا مليء بالتفاؤل لأحد الكتاب فأراحني ذلك نوعا ما ثم قلت: لأفتح على موقع الشيخ سلمان العودة لأرى الأخبار ولم يخطر ببالي أن أرى الإجابة على سؤالي فقد قطعت الأمل وقلت لعل سؤالي لم يصل إليهم وإذا بي أجده وأجد إجابة رائعة عليه ومختوم بدعاء أروع فبكيت لأنني أحسست أن هذه استجابة من الله جل شأنه في تفريج همي فجزاك الله كل خير وفرج عنك كل كرب من كرب الدنيا والآخرة وأرجو أن تدعو لي في صلاتك وسجودك خاصة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(17/115)
صالون الحلاقة في البلد الكافر
د. حمدبن إبراهيم الحيدري 18/8/1423
24/10/2002
ورد إلى بريد النافذة سؤال عن حكم فتح محل للحلاقة مع ما يتضمنه من حلق للَّحى، وعمل لبعض القصات الأجنبية، وهل الكسب الحاصل من هذا المحل حلال أم حرام؟!
فكانت إجابة الشيخ/ د. حمد الحيدري تقضي بتحريم هذا الفعل، وتحريم الكسب الحاصل منه.
إلا أنه ورد سؤال من أحد الزوار عن حكم فتح محل بالصورة المذكورة، ولكن في بلد كافر فعرضنا السؤال على فضيلته فقال:
الذي يظهر من النصوص والله تعالى أعلم حُرمة ذلك، أيضاً يدل على ذلك ما في الصحيح عن ابن عباس قال: إن رجلاً أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - راوية خمر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل علمت أن الله حرمها؟ " قال: لا، فسار إنساناً، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بم ساررته؟ "، فقال: أمرته ببيعها، فقال: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها". قال: ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها. رواه مسلم (1579) ، والنسائي (4664) وأحمد (2041) ، و (2978) و (3373) وغيرهم، واللفظ لمسلم.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لعن الله اليهود ثلاثاً إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه" رواه أبو داود (3488) ، وأحمد (2221) ، وابن حبان (4938) فهذا يدل على حرمة ثمنها وبيعها على المسلم وعلى غيره يؤيده أن أبا طلحة سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أيتام ورثوا خمراً قال أهرقها قال أفلا أجعلها خلا، قال لا "رواه أبو داود (3675) ، وأحمد (12189) ، وأصله في مسلم (1983) ، ولو كان بيعها لغير المسلمين مباحاً لوجهه ببيعها لليهود مثلاً حفظاً لمال الأيتام الذين أمر القرآن بحفظ أموالهم، ولكن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم أخذ ثمنه، وأخذ الأجرة عليه من أي شخص مسلماً كان أو كافراً فكذلك هنا يقال: إن الله تعالى حرم حلق اللحى وحرم التشبه بالمشركين فيحرم أخذ الأجرة عليه مطلقاً، وفي الحلال مندوحة عن الحرام وعن المشتبهات، والله تعالى أعلم.(17/116)
تعقيب على فتوى "شراء البيوت بالقرض الربوي"
د. سامي بن إبراهيم السويلم 22/5/1423
01/08/2002
كثيرة هي الفتاوى التي تردنا عن موضوع شراء البيوت عن طريق القرض الربوي حيث انتشر هذا الأمر في بعض البلدان، ولأهمية هذا الموضوع فقد نشرنا في وقت سابق فتوى بعنوان شراء البيوت بالقرض الربوي لفضيلة الشيخ الدكتور سامي السويلم والتي تقضي بتحريم هذا النوع من المعاملات،،
إلا أنه وردنا تعقيب على هذه الفتوى من أحد زوار النافذة، وقد عرض هذا التعقيب على فضيلة الشيخ فتكرم بالتوضيح والبيان ...
التعقيب:
أود أن أبدي بعض الملاحظات حول فتوى حرمة الاقتراض من البنوك لأجل شراء البيوت، وهي ملاحظات تلجلجت في صدري كثيرا، وكنت أتساءل بداية قائلا من المعلوم أن التمر بالتمر يجري فيه الربا، ولا بد له من شرطين الأول التقابض، والمثلية، ومع أن الربا ذنبه عظيم وخطره جسيم، إلا أن نجد في الشريعة إباحة بيع العرايا وحقيقته أنه ربا، أبيح لحاجة الناس إلى التفكه بالرطب، وهذا حكم معروف لديكم، فقلت في نفسي متسائلا النبي صلى الله عليه يبيح الربا لحاجة يمكن أن يقال إنها نوع من الترفيه، فكيف بنا اليوم نحرم الاقتراض بفائدة من أجل شراء بيت ومعلوم أن البيت بالنسبة للإنسان الواجد لمن يؤجره من الحاجات العظيمة، هذا من جانب من جانب آخر وجدت العلماء قد اتفقوا على الضرورات تبيح المحظورات وصحيح أن شراء البيوت ليس من الضرورات لكنهم في المقابل أيضاً قالوا إن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، هذا بعض ما تلجلج في نفسي حيال هذه القضية وثمة أمر أود لو استجاب له المفتون وهو التخلي عن الخلط بين لغتي الوعظ والفتوى، حتى تحرر المسألة تحريرا علميا أما أن يقول المفتي إن هذه المسألة لاتحتاج إلى فتوى ولا سيما أنه قد أفتى بها علماء آخرون هو نوع من المصادرة التي لا تنبغي وشكرا وجزاكم الله خيرا.
*****
التوضيح:
1. أما مسألة العرايا فهي أولاً مقيدة بما دون خمسة أوسق، وثانياً هي استثناء من ربا الفضل وليس من ربا النسيئة. وبحسب اطلاعنا لم ينقل في السنة أي استثناء من ربا النسيئة في الأموال الربوية، وهي المنصوص عليها في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه مسلم (1587) . إذا تقرر ذلك فربا الفضل حرم لحكم متعددة، منها كونه ذريعة لربا النسيئة، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله. وما حرم سداً للذريعة أبيح للحاجة. يقول ابن القيم رحمه الله: "وما أبيح سداً للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيحت العرايا من ربا الفضل، وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر، وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب ... " (إعلام الموقعين 2/161) .
أما ربا النسيئة فهو محرم تحريم المقاصد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الربا في النسيئة" رواه البخاري (2179) ،مسلم (1596) واللفظ له. فلا يصح قياس ما حرم تحريم المقاصد على ما حرم تحريم الوسائل، لأنه قياس مع الفارق المؤثر.(17/117)
ولو أبيح ربا النسيئة لشراء البيوت، ما الذي يمنع إباحته لشراء السيارات، وهي أيضاً في حق كثيرين من الناس حاجة تنزل منزلة الضرورة، وما الذي يمنع إباحته للزواج ابتداء، وهو أهم من المنزل ومن السيارة؟ وما الذي يمنع إباحته لتمويل التنمية وإنشاء المرافق الضرورية كالكهرباء والماء والهاتف وبناء المدن، وهي حاجة عامة أولى بأن تنزل منزلة الضرورة من الحاجة الخاصة؟ ثم لا تزال الحاجات تتوالى، ولا يوجد مرجع للناس يحدد ما هي الحاجة المستثناة من غير المستثناة، والنتيجة في نهاية الأمر هي استفحال الربا في الاقتصاد، وتفاقم الفوائد عليه، حتى تصبح ثروات المجتمع رهناً للمرابين على حساب الأجيال القادمة، وحتى يصبح الأصل في الربا الحل وليس المنع.
2. وأما ما اعتبره الأخ الكريم خلطاً بين الوعظ والفتوى، فهذه هي طريقة القرآن. فإذا تتبعت القرآن، وجدت فتاواه تجمع بين بيان الحكم وبين الوعظ. قال تعالى: "يسألونك عن الأهلة. قل هي مواقيت للناس والحج. وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون" [البقرة:189] . وقال تعالى: "يسألونك عن المحيض. قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين" [البقرة:222، 223] . فهذه فتاوى اقترنت بالأمر بالتقوى والاستعداد للآخرة، وهذا من الوعظ الذي أمر الله به.
وأما في موضوع الربا، فآيات الربا هي التي حذرت من الحرب على الله ورسوله لبيان شدة حرمة هذا الأمر. فهي جمعت بين بيان الحكم وبين التخويف والتهديد.
3. أما اعتراض الأخ الكريم على عبارة "لا تحتاج إلى فتوى" وأنها نوع من المصادرة لفتاوى علماء آخرين، فلا ريب أن حرمة الربا مما لا يحتاج إلى فتوى مع النصوص الصريحة الصحيحة الجلية وإجماع الأمة عليها، إلا إذا كان المقصود هو بيان معاني هذه النصوص والتأكيد عليها. وأما فتوى بعض أهل العلم بجواز الاقتراض بربا لشراء المنازل لمن يقيم في الغرب، فقد أشير إلى أن ذلك محمول على حال الاضطرار. فالفتاوى ليست متعلقة بحكم الربا، بل الأمة مجمعة على حرمته، ومن يقول الربا حلال فقد خالف المعلوم من الدين بالضرورة، لكنها متعلقة بحالات خاصة قد يرى المفتي أنها من الضرورة التي تبيح المحرمات، ويرى غيره خلاف ذلك. لكن الأصل متفق عليه بين الجميع.
والله تعالى أعلم.(17/118)
تعقيب على فتوى"العامي الذي تربى على عقيدة فاسدة"
د. أحمد بن سعد الغامدي 14/4/1423
25/06/2002
ورد إلى بريد الموقع تعقيب حول فتوى بعنوان الحكم في العامي إذا تربّى على عقيدة فاسدة لفضيلة الشيخ أحمد بن سعد الغامدي والتي تفيد بأن العامي الذي تربى على عقيدة فاسدة ولم يجد من يصحح له عقيدته أنه لا مؤاخذة عليه، وقد عرضنا هذا التعقيب على فضيلته فتكرم بالتوضيح والبيان ...
التعقيب:(17/119)
أحب أن أنبه والنصيحة عامة للمسلمين، أن الفتاوى التي تصدر يجب أن تكون محكمة وفق الدليل من الكتاب والسنة، وإلا كل قول مخالف للكتاب أو السنة فهو مردود ولا عبرة في المخالف وتبياني لسؤالي المطروح أو المذكور وهو إنسان عامي نشأ وتربى على العقيدة الفاسدة من الصغر حتى نشأ وأصبح ينكر المعتقد الصحيح، ويرى أنه على حق وغيره على الباطل، وخصوصاً في أمور العقائد من الشرك والكفر، وأنتم أجبتم على سؤاله أنه معذور في التلبيس الذي نشأ عليه من الصغر، وهذا مخالف لكلام الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وإجماع أهل العلم، حيث لا عذر فيمن تلبس في الكفر والشرك، وهو يظن أنه على هدى، أو يحسب أنه مهتدٍ؛ لأنه لا عذر في المسائل التي تعلم من الدين بالضرورة، والتي هي من أصل الدين وقاعدته، والله -سبحانه- شدد في مسائل العقائد، ولن يعذر الله -سبحانه- من تلبس في الكفر أو الشرك وهو جاهل نص القرآن، والآيات الكثيرة، أما العذر في المسائل الخفية فجائز إذا كان لا توجد مظنة العلم أو كان في بادية أو كان حديث عهد بالإسلام، والله -سبحانه- أخذ الميثاق على العباد وهم كانوا ذراً من قبل الخلق على أن لا يشركوا به، قال -تعالى-: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ" [الأعراف:172-173] ، أي: لن يعذر الله -تعالى- أحداً التبس عليه في الشرك حتى لو كانوا صغاراً، أو تلبس عليهم، وأثبت لهم الوعيد وعدم العذر، وهذه الآية تخص حتى قبل البعثة على أنه من فعل الشرك هو مشرك، وعلى أن من ترك الشرك ولم يعبد الله لعدم وصول النذير فهو مسلم مالم يمسخ فطرته بفعل الشرك، أما الآية التي هي:"وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً" [الإسراء: 15] ، فتخص بالشرائع التي تكون بعد البعثة من الأمور المفصلة وليس فعل الشرك والكفر، أي: أن الله لا يعذب أحداً على ترك الشريعة من العباد إلا بعد وصول النذير أو الرسول إليه وأعرض أو لم يقبل، ولم تخص هذه الآية عذر من فعل الشرك والكفر؛ لأن الله قال في آية الميثاق أنه لا عذر في فعل الشرك وإن كانوا ذرية وأثبت لهم العذاب، فيعلم أن آية:"وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً" [الاسراء: 15] ، تخص، إذاً الشرائع، أي: الأمور المفصلة من فعل العبادات، وسائر شرائع الإسلام من غير فعل الشرك؛ لأن وظيفة الرسل تبليغ أمور الشريعة بالإجمال والتفصيل، ولكن الله فرق بآية الميثاق على من تلبس بالشرك، فأرجو النظر في تلك المسألة، -وجزاكم الله خيراً-، وهذا الكلام يرجحه الشيخ الشاطبي، والشيخ محمد عبد الوهاب، والشيخ محمد بن إبراهيم، وسائر أئمة الدعوة الداعين إلى التوحيد -رحمهم الله تعالى-.
*****
التوضيح:
اشتمل الاعتراض على عدة مسائل نذكر خمساً منها، ثم نذكر جوابها -إن شاء الله تعالى-، والمسائل، هي:(17/120)
1-وجوب إحكام الفتوى.
2-الإشارة بأن كل قول يخالف الكتاب والسنة فهو مردود.
3-أن الفتوى مخالفة للكتاب والسنة والإجماع.
4-أن لا عذر لمن تلبس بالشرك والكفر بنص القرآن.
5-تفسير آية عدم المؤاخذة بأن المراد به في الشرائع.
هذه هي أهم المسائل التي اشتمل عليها اعتراض المعترض، والإجابة على هذا الاعتراض من عدة أوجه:
الوجه الأول: زيادة إيضاح الفتوى بذكر أقوال المفسرين وبعض علماء الأمة لبيان أن الفتوى اعتمدت على كتاب الله -عز وجل- ولم تخرج عنه فهم علماء الأمة،
قال -تعالى-:"وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً" [الإسراء: 15] قال قتادة: "إن الله -تبارك وتعالى- ليس يعذب أحداً حتى يسبق إليه من الله خبر"، [تفسير الطبري 15/54] .
وقال الطبري: "يقول الله -تعالى ذكره-: وما كنا مهلكي قوماً إلا بعد الإعذار إليهم بالرسل، وإقامة الحجة عليهم بالآيات التي تقطع عذرهم" [المصدر السابق] .
قال ابن تيمية -رحمه الله- بعد أن قرر أن معرفة الخالق فطرية، وأن تلك المعرفة حجة عليهم يوم القيامة، ولكنه -عز وجل- لا يعاقبهم إلا إذا خالفوا الرسل، فقال -رحمه الله- بعد أن أورد هذه الآية السابقة، وعقب عليها ببعض الكلام: "ثم إن الله بكمال رحمته وإحسانه لا يعذب أحداً إلا بعد إرسال رسول إليهم وإن كانوا فاعلين لما يستحقون به الذم والعقاب، كما كان مشركو العرب وغيرهم ممن بعث إليهم رسول فاعلين للسيئات والقبائح التي هي سبب الذم والعتاب، والرب -تعالى- مع هذا لم يكن معذباً لهم حتى يبعث إليهم رسولاً" [درء التعارض8/491-492] .
وقال ابن كثير: " إخبار عن عدله -تعالى- وأنه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه كقوله تعالى: "كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير؟ قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير" [الملك:8-10] ، وكذا قوله: " وسيق الذي كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين" [الزمر:71] ، إلى أن قال -رحمه الله- إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله -تعالى- لا يدخل أحداً النار إلا بعد إرسال الرسل إليه" [تفسير ابن كثير3/28]
فهذه العبارات كلها تؤكد أن العذاب لا يكون إلا بعد إرسال الرسل.
وابن القيم له بحث طويل نجتزيء ما يخص موضوعنا هنا:
قال -رحمه الله- بعد تقسيم الكفار: "نتأمل هذا الموضع والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل ... ثم ذكر أربعة أصول في المسألة الأولى: أحدهما أن الله -سبحانه- لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة كما قال -تعالى-: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" (سبق تخريجها) ، إلى أن قال: "وهذا كثير في القرآن يخبر أنه إنما يعذب من جاءه الرسول وقامت عليه الحجة وهو المذنب الذي يعترف بذنبه.
وقال تعالى: "وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين" [الزخرف/76] .
والظالم من عرف ما جاء به الرسول أو تمكن من معرفته ثم خالفه وأعرض عنه.(17/121)
وأما من لم يكن عنده من الرسول خبر أصلاً ولا تمكن من معرفته بوجه وعجز عن ذلك فكيف يقال إنه ظالم؟!
الأصل الثاني: أن العذاب يستحق بسببين:
أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها.
الثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها.
فالأول: كفر إعراض
والثاني: كفر عناد.
وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل، (طريق الهجرتين 727-729) .
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته إلى الشريف: "وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي هو قبة عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم، فتاوى ومسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب/صـ11/آخر القسم الثالث.
وقال الشيخ الشنقيطي بعد إيراد الآية السابقة: "ظاهر هذه الآية الكريمة أن الله -جل وعلا- لا يعذب أحداً من خلقه لا في الدنيا ولا في الآخرة حتى يبعث إليه رسولاً ينذره ويحذره فيعصى ذلك الرسول ويستمر على الكفر والمعصية بعد الإنذار والإعذار.
ثم ذكر -رحمه الله- اختلاف العلماء في هذه المسألة ثم قال: "الظاهر أولاً هو أنهم معذورون بالفترة في الدنيا وأن الله يوم القيامة يمتحنهم ... "، (أضواء البيان/3/429) .
الوجه الثاني: الإجابة على المسائل التي أوردها المعترض.
1-قوله: الفتوى التي تصدر يجب أن تكون محكمة وفق الدليل من الكتاب والسنة.
بعد عرض زيادة الإيضاح أظن أنه تبين أن الفتوى محكمة وأنها وفق الكتاب والسنة وتقرير علماء الأمة.
2-قوله: كل قول مخالف لكتاب الله -عز وجل- أو للسنة فهو مردود ولا عبرة في المخالف.
كلام صحيح ولكن لا ينطبق على الفتوى كما رأينا.
3-قوله عن الفتوى إنها: مخالفة لكلام الله والسنة وإجماع أهل العلم.
أهذا الحكم يليق بطالب العلم أن يطلقه جزافا؟ فيزعم أن الفتوى مخالفة لكتاب الله وقد رأى أيضاً الآيات التي تدل على صحتها؟
ثم يزعم أنها مخالفة لإجماع أهل العلم!!
أيليق بطالب علم يفهم ما يقول أن يطلق هذا الحكم وقد رأينا أن علماء أجلاء قرروها واعتمدوها؟!
4-قوله: لن يعذر أحد من تلبس في الشرك..، قال بعد آية الميثاق.
والرد عليه قاله الشيخ الشنقيطي فقد أورد -رحمه الله- قوليه في الآية ورجح أن الحجة لا تقام إلا ببعثة الرسل فقال: "والآيات القرآنية مصرحة بكثرة بأن الله -تعالى- لا يعذب أحداً حتى يقيم عليه الحجة بإنذار الرسل" ثم استرسل بذكر الآيات الدالة على هذا المعنى.
5-قوله أن: الآية التي هي: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" (سبق تخريجها) -ذكر أنها- تخص الشرائع التي تكون بعد البعثة من الأمور المفصلة وليس الشرك والكفر.
فهذا قول لم أجد أحداً قال به.
وأخيراً أنصح هذا الأخ أن لا يتعجل في إطلاق الأحكام وأن يراجع كلامه وليعلم أن الرجوع إلى الحق فضيلة والله المستعان وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.(17/122)
مناقشة فتوى صيام يوم لنصرة فلسطين
د. رياض بن محمد المسيميري 24/2/1423
07/05/2002
لقد نشرت فتوى الدكتور/ رياض بن محمد المسيميري والتي كانت تحت عنوان: (تخصيص صيام يوم وقيامه لنصرة فلسطين) بين أصحابي
وكان رد أحدهم كما يلي، وأرجو من المشايخ الأفاضل توضيح هذه النقطة ولكم جزيل الشكر، إخواني وأخواتي في الله، عندما ينادى بنا لتخصيص يوم للقيام بعبادة معينة جماعيا بنية الدعاء لإخواننا المستضعفين في أرض الله المقدسة لا يدرج تحت بند البدعة؛ لأنه -والله أعلم بالنيات- النية التوجه لله وحده لا شريك له، على عكس كثير من أعمالنا اليوم نعتمد على المخلوق أولاً -والعياذ بالله- ثم الخالق، إذا كنا إخواني لم نتجمع على كلمة واحدة في الدنيا فاتركونا نتجمع ولو لفترات قصيرة على كلمة ورأي واحد مقصده ابتغاء مرضاة الله عنا؛ لأنه يا إخواني لن تنزل بنا نصرة الله ونحن لم ننل مرضاته عنا. أخيراً أحب أن أشارككم حكمة سمعتها " من وجد الله فماذا فقد؟ ومن فقد الله فماذا وجد؟ " تأملوا معناها، وهيا نجد الله في كل أعمالنا، وحتى لا نغضب أصحاب الرأي الموافق لهذه الفتوى فإن وجدنا الله حقاً فلِمَ تمنعني من تخصيص أيام للعبادات دون غيرها؛ لأنه والله عندما يرضى الله عنا ستكون جميع أعمالنا عبادة.
في حديث قدسي قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، -معنى الحديث-: "مازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى صرت بصره الذي يبصر به، وسمعه الذي يسمع به، ويده التي يبطش بها ... " إلى آخر الحديث، فطوبى لمن نال هذا الشرف والتقدير العظيم، وبالتأكيد لن يكون حال المسلمين كما هو عليه اليوم إن نلنا هذه المنزلة، ووالله العملية ليست بصعبة، فقط أردت الرد على هذه النقطة المطروحة في رد الشيخ على الفتوى، واستناده بالتالي:" وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- النهي عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام أو يومها بصيام، فقال: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" أخرجه مسلم، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، ومن هنا يتبين أن أصل التطوع بالصيام والقيام مشروع، لكن التخصيص بأيام أو ليال معينة لا يجوز إلا في حدود المنصوص عليه والوارد شرعاً، وبناءً عليه فإن تخصيص يوم الاثنين الموافق السابع والعشرين من شهر الله المحرم بالصيام، وليلة الأحد بالقيام لنصرة فلسطين أمر محدث لا يجوز بالكيفية التي قصدت، حديث الرسول واضح وصريح والكلام عن يوم الجمعة بالذات ولا تلميح فيه أنه يطبق على أي يوم. فلا يكفي لعدم إجازة موضوع الفتوى المطروح. هذا والله أعلم.
أجاب عن السؤال الشيخ/ د. رياض بن محمد المسيميري (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام)
الجواب:
إنني أشكر الأخ صاحب التعقيب على أدبه الجمّ، ورغبته الشجاعة في التوصل إلى حقيقة الأمر في القضية محل البحث والمناقشة، أعني: تخصيص يوم للصيام وليلة للقيام نصرة لفلسطين العزيزة.
وملخص ما أود الإعراب عنه ما يلي:
1-أن الله -تعالى- تولى بعدله وحكمته تشريع ما يحتاجه العباد وما تقتضيه الحكمة، دون أن يخوّل لأحد من البشر التقدم بين يديه -سبحانه- أو بين يدي رسوله -عليه السلام-.(17/123)
قال -جل وعز-: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله"، (الشورى) .
2-أن الله -تعالى- أعلن كمال الدين، وتمام النعمة بقوله الكريم: "اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا"، فليس لأحد أن يجيء بجديد أو يبتدع من عند نفسه عبادة لا أصل لها مهما حسنت نيته، وسما قصده، وعلت همته.
3-أن العبادات مبنية على التوقيف أي: على الشارع الحكيم -سبحانه- فلا تخضع للأذواق، ولا تنطلق من الأهواء، ولا يمليها العقل البشري.
أرأيت صلاة الظهر والعصر، ما بال ركعاتهن أربع فأربع؟ ولمَ لم تكن خمساً؟ إن العقل يعجز عن تفسير أمر كهذا فما عليه إلا أن يذعن للإرادة الإلهية، ويرضخ للحكمة الربانية الباهرة.
4-أننا لو أخضعنا عباداتنا للمقاييس العقلية، والمعايير الحسابية والأذواق الشخصية لوقعنا في دوامة من الحيرة والقلق، ولوجدنا أنفسنا ندور في حلقة مفرغة، بل نتخبط في متاهة مهلكة من الفتاوى المتضاربة، والانتقادات التعبدية المتصادمة، والأحكام الفقهية المتناقضة دون أن نجد مرجعية يتفق عليها الجميع لحل النزاعات المستشرية تلك، فلا مناص إذاً من ردّ النزاع في كل مسألة من المسائل أو قضية من القضايا إلى الله ورسوله -عليه السلام- امتثالاً لقوله -سبحانه-: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول"، (النساء) .
وإذا رددنا المسألة هذه إلى الله ورسوله -عليه السلام- وجدنا نبينا قد نهى عن محدثات الأمور ووصفها بأنها ضلالات، ومن ذلك تخصيص أيام وليال للتعبد خلاف ما شرع وسنّ -عليه الصلاة والسلام-.
أما ما ذكر السائل الكريم من قوله -عليه السلام-: "مثل المؤمنين في توادهم ... " الحديث فهو حديث صحيح لا مطعن فيه خرجه مسلم وغيره، ولكن لا وجه للاستشهاد به في مسألتنا هذه فنحن نمنع إحداث عبادات بلا دليل ولا نمنع أن يتواد المؤمنون ويتراحموا ويعطف بعضهم على بعض، بل شيوع المودة والمرحمة والمحبة بينهم هو غاية المنى، وبهجة الصدور ويمكن أن نحقق شيئاً من هذا المطلب بدوام الدعاء لبعضنا البعض، ووقوف بعضنا مع بعض في السراء والضراء، وهكذا.
وأما دعوة وأمنية السائل بأن نجتمع ونتوحد فهذا مطلب لكل مسلم غيور، وينبغي أن يسعى إليه الجميع لكن لا سبيل للاجتماع إلا بذات الأسلوب والمنهج والركيزة التي اجتمع عليها سلفنا الصالح من التسليم المطلق إلى حكم الله ورسوله، ونبذ الأهواء المضلة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه.
وأما الحكمة التي أعجبت السائل: (من وجد الله فماذا فقد ... إلخ) ، فأحسن وأبلغ منها قوله -تعالى-: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"، فمن ادّعى محبة الله فليثبت صدق محبته بمتابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل صغيرة وكبيرة من أمور شريعته، ولذا سمّى العلماء هذه الآية آية المحنة؛ لأن فيها امتحان لصدق الناس من كذبهم في مسألة المحبة.(17/124)
وأما الحديث القدسي الذي استدل به الأخ الكريم فهو حديث صحيح كذلك، لكن نيل محبة الله بأداء الفرائض والنوافل لا تتحقق إلا إذا كانت الفرائض والنوافل تؤدى بإخلاص لله -تعالى- وبمتابعة للرسول -صلى الله عليه وسلم- ثانياً أي: حسب السنة، وعلى سبيل المثال لو أراد أحد أن يصلي نافلة بعد العصر، فهل يؤجر عليها؟ الجواب: لا طبعاً مهما كان مخلصاً محتسباً، وذلك لأن النبي -عليه السلام- جعل هذا الوقت من أوقات النهي الثلاثة، فلا تجوز مخالفته أليس كذلك؟ وعلى هذا قس، والله يرعاك والسلام.(17/125)
التنويم بالإيحاء ليس المغناطيسي
عبد السلام بن محمد الحمدان 9/2/1423
22/04/2002
شكر الله للأخ الكريم على تعقيبه، وعلى المعلومات التي زوّدنا بها، وهي معلومات مهمة من شخص ممارس للعمل، نسأل الله له التوفيق والسداد.
د. خالد القاسم
******
مقدمة
التنويم طريقة تعمل للوصول إلى إحدى مراحل النوم الطبيعية التي تحدث لكل إنسان وهي حالة ألفاtrans (التي تسبق النوم مباشرة) وتتميز بالسكون التام وهي الطريق الموصل إلى الاستغراق في النوم وفيها -كما يقول النفسانيون- يتبرمج العقل الباطن ويستقبل الرسائل الإيجابية التي يطلقها المعالج عن طريق الإيحاء بالكلمات المناسبة (وتسمى بالاقتراحات) ،
مراحل النوم:
عندما يهم أحدنا بالنوم يمر المخ بأربع مراحل من حيث الذبذبات التي تنطلق من المخ وتقاس بعدد الدورات في الثانية (أشواط) في الثانية الواحدة.
- مرحلة بيتا: دورات سريعة (الصحو) وهي عندما يكون الإنسان واعياً وعياً تاماً.
- مرحلة ألفا: دورات أبطأ من الأولى، وهي المرحلة التي تسبق النوم مباشرة وتسمى النشوة.
- مرحلة ثيتا: أبطأ من الثانية، وهي الدخول في النوم (غير العميق) .
- مرحلة دلتا: وهي أبطأ الجميع، وهي مرحلة الاستغراق في النوم والأحلام.
وفي هذه المرحلة الساكنة (ألفا) ثبت أن العقل الباطن يستجيب مع الاقتراحات التي تملى عليه من قبل المعالج أو المنوٍّم وهذه الإيحاءات مثل ما نقوله لأنفسنا أو أولادنا من رسائل سواء كانت إيجابية أم سلبية، فلو قلت لابنك مثلاً أنت ممتاز وقد أعجبتني في عملك وأخذت تشجعه وترفع معنوياته.... أنت بذلك توحي (رسالة) له بأنه على قدر المسؤولية، ... وينطبق -أيضًا- في حالة الفشل والإحباط ... وهذه الاقتراحات المستمرة في حياتنا لا تقف، ابتداءً من حديث النفس، وحديث الناس وحديث الإعلام والدعايات.... وعندما نرى في التلفاز منظراً خلاَّباً وعبارة جميلة كـ (هذا وغيره الكثير يوجد في ربوع تركيا) هذه رسالة للمشاهد أن تركيا جميلة، ولابد من زيارتها.. إذاً هي دعوة إلى السفر والترحال....
هذا العلم قد ضرب بأطنابه في أصقاع المعمورة، واستعمل في العلاج لكثير من الحالات المرضية النفسية والعضوية، بل واستخدم في الطب بشكل واسع وله أفرع في كثير من جامعات العالم يسمى التنويم العلاجي، أو العلاج بالتنويم الإيحائي، واستخدمه بعض أطباء الأسنان بدلاً عن التخدير في علاج الأسنان مثلاً، وفي التحكم بالألم وفي التوقف عن التدخين والمخدرات، والبعد عن بعض السلوكيات السيئة.
العقل الباطن
يقسم العلماء العقل قسمين: واع مدرك وهو ما ندركه بالحواس الخمس، وعقل باطن أو غير واع وهو ما لا يظهر لنا كعمل القلب والرئة والتنفس وعمليات الخيال والإبداع.... - وسبحان الله- ما لهذا العقل من قوة خيالية مبدعة، فقط قد يعمل المعالج على قوة واحدة: قوة الخيال، الذي هو من أسس علم التنويم أو البرمجة اللغوية العصبية، وقد جمع بعض علماء الغرب قوانين خاصة بالعقل الباطن، من أبرزهم الكاتب الأمريكي: برايان تريسي.. وغيره(17/126)
بعض الأغاليط حول التنويم بالإيحاء
- تسميته (بالتنويم المغناطيسي) ، ليس لها أصل بل هي من نتاج الأفلام والخدع الكاذبة التي كانت تروج في تلك الأزمان يوم أن كان التنويم غامضاً.
- (أن المنوَّم (بفتح الواو) يقع تحت سيطرة من يعالجه ولا يملك من أمره شيئاً وأن المعالج (الأخصائي) يكشف أسرار المريض (وفضائحه) ، والعكس صحيح فلا يمكن للمريض وهو في حال التنويم أن يبوح بسر لا يريد البوح به، أو أن ينطق بكلمة دون علمه.. بل إن من يخضع للتنويم له كامل حريته في كلامه وأفعاله وتصرفاته، ولا يمكن أن ينطق بكلمة أو فعل يخالف عقيدته أو مبادئه.
- (أن التنويم من عمل الشياطين أو مساعدتهم) والحق أنه ظاهرة طبيعية، الغرض منها تطوير قدرات الشخص والتحكم بسلوكه نحو الأفضل.
- (ربما يستغل هذا العلم ضعاف النفوس أو أصحاب النوايا الخبيثة) ، وهذا لا يخص هذا العلم وحده بل العلوم الأخرى مليئة بمثل هذا، فالتخدير ألا يمكن أن يستغل في الفساد؟؟
- استعجل بعض المشايخ الفضلاء بالإفتاء بتحريم التنويم؛ لأنهم لم يتعرفوا عليه.
تطبيقات حية:
بعض المختصين في هذا المجال- وكاتب هذه السطور منهم- قد مروا بتجارب ناجحة ومشجعة، باستخدام تقنية التنويم والبرمجة اللغوية العصبية، وهي تقنيات تعرف في بعض الأوساط (بتقنية إدارة العقل) أو الهندسة النفسية، وإليكم بعض الأمثلة التي عايشتها:
- الشاب (عمر. ب) ، يدرس في الصف الثاني/الشرعي، كان لديه حالة من عدم التوازن، والاضطرابات النفسية التي تنتابه كل فترة، وحالات من الغضب المفاجئ، وبعد جلسات البرمجة تغيرت حاله.
- الأستاذ (فهد. أ) يقول عن نفسه: أنا لا أخاف من أي شيء.. ولكن سافرت من حائل إلى الرياض عبر الطائرة, فوافقت أنها كانت في مطبات هوائية شديدة ,أيقن الجميع أنها النهاية، حتى أن الأكل في الطائرة وأدوات الملاحين سقطت، فانتابني خوف شديد من هذه الطائرة، وما وصلنا إلى الرياض إلا وأنا في منتهى الخوف من ركوب الطائرة ,فصرت كلما ركبت الطائرة وأغلقت الأبواب بدأت أرتجف ويقول أخوه: كان لا يحب الطائرات ودائما ً يؤذينا في السفر إلى مكة أو الدمام، ويصر على السفر بالسيارة، وبعدما عمل له بعض التقنيات في الخيال والبرمجة قال إنني ذاهب إلى مصر وشرم الشيخ أي أربع رحلات، وسأكتشف حقيقة هذه البرمجة، وبعد ذلك سافر مراراً بالطائرة وذهب عنه ذلك الخوف.
مع أنني أقول - كما يقول النفسانيون والأطباء عموماً- لابد من المواصلة في العلاج وتوصيات المعالج وإلا انتكس المريض إلى حالة أسوأ من ذي قبل.
ولدي العشرات من القصص في تشافي المرضى من أمراض وعوارض كانت تؤرقهم سنوات فبعضهم كان يعاني من القلق، الوسواس، الاكتئاب، الخوف (الفوبيا) .. وزال عنه ما كان يجد أو خفّت حدة المرض.
وقبل أن أودعك أخي القارئ أبوح لك بسر من أسرار التراث الإسلامي، وهو لابن القيم طبيب القلوب والأبدان، في كتابه الجامع: زاد المعاد فهلا قرأته وتمعنت فيه؟
يتحدث العلامة ابن القيم عن أمور لابد أن توجد عند الطبيب وهي عشرون التاسع عشر منها:
أن يستعمل أنواع العلاجات الطبيعية والإلهية، والعلاج بالتخييل، فإن لحذاق الأطباء في التخييل أموراً عجيبة لا يصل إليها الدواء، فالطبيب الحاذق يستعين على المرض بكل معين.(17/127)
زاد المعاد - الجزء الرابع (الطب النبوي) - فصل: والطبيب الحاذق هو الذي يراعي ... ص 130
طبعة دار الرسالة - الجديدة - مع الفهارس
والتخييل من صميم عمل الممارس بالتنويم والبرمجة اللغوية العصبية، وهناك كثير من الشواهد من القرآن والسنة في هذا المجال لعلها تبسط في حينها.
وأخيراً قد يعترض بعض المختصين في علم النفس ذوي التوجه الشرعي ويقولون: الحديث عن العقل الباطن يذكر بفرويد ومدرسته في التحليل النفسي، فأقول: قد أفاد فرويد في بعض الجوانب، وأخطأ في بعضها فماذا يضير المسلم أن يأخذ الحق ممن جاء به؟ والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها..(17/128)
صرف الزكاة في عمارة المسجد
د. سعود الفنيسان 25/1/1423
08/04/2002
تسعدنا كثيراً تعليقات وتعقيبات إخواننا زوار الموقع على ما ينشر في هذه النافذة، وليس من منهجنا تجاهل أي رسالة مهما كانت، بيد أنا نراوح - حسب الإفادة- بين أن نخص المرسل بالجواب، أو ننشر سؤاله والجواب عليه إذا ظننا أن في ذلك فائدة لآخرين.
وكان ممن راسلونا قريباً أحد الإخوة الذي عقب على فتوى فضيلة الشيخ (سعود الفنيسان) عن حكم صرف الزكاة في عمارة المساجد- المصليات.." والموجودة في خزانة الفتاوى" وكأنه استدرك على فضيلة الشيخ سعود نقله عن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وشيخه محمد بن إبراهيم رحمهما الله، أنهما يجيزان صرف الزكاة للمساجد.
وقد أحلنا هذا الاستدراك إلى فضيلة الشيخ سعود فأجاب عنه:
مشرف النافذة
*******
اطلعت على ما كتب احد متابعي نافذة الفتاوى في موقع الاسلام اليوم تنبيهاً لي على الفتوى التي أفتيت بها في موقع (الإسلام اليوم) عن جواز صرف الزكاة على المسجد والمدرسة الإسلامية، وأراد الأخ -جزاه الله خيراً- تنبيهي إلى فتوى للشيخين الإمامين سماحة الشيخ/ محمد بن إبراهيم، وسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز -عليهما رحمة الله ورضوانه- وأنهما لا يريان صرف الزكاة في المساجد.
أحب أن أنبه الاخ أنني أعرف رأيهما في هذين الموضعين الذيْن أشار إليهما، وأطلب منه يعيد قراءة ما أفتيت به في موقع (الإسلام اليوم) فإنني قلت بالحرف الواحد: "وقد أفتى بها بعض العلماء في هذا العصر كسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز، وشيخه/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -عليهما رحمة الله-، والشيخ يوسف القرضاوي أجازوا صرف الزكاة في عموم مجالات الدعوة إلى الله من إنشاء المراكز وطبع الكتب وتعليم الناس ... الخ.
فقد أجاز الشيخان صرف الزكاة في عموم مجالات الدعوة إلى الله من بناء المراكز والمدارس وطبع الكتب النافعة (انظر فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم في فتاواه 4/142) وأجازها كذلك الشيخ ابن باز في أكثر من فتوى له، والنص على ذلك بما فيه المساجد انظره في قرارات مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة (القرار الرابع من قرارات المجلس المنعقد في ربيع الآخر سنة:1405هـ) .
والشيخ عبد العزيز بن باز هو رئيس المجلس وقد وافق عليه أغلبية المجلس مع الرئيس، ولم يخالف فيه من الأعضاء الحاضرين البالغ عددهم (17) عضواً سوى ثلاثة فقط من المشايخ هم: صالح الفوزان، وبكر أبو زيد، ومحمد السبيل، وأحب أن أنبه إلى أن السائل المستفتي لموقع (الإسلام اليوم) هو في أمريكا، ومعلوم أنها تبنى على هيئة خاصة مخصصة للصلوات، بل المسجد لا يعدو أن يكون غرفة أو صالة تستعمل مسجداً وقت الصلاة المفروضة، وقبلها وبعدها هي مكان للأكل والشرب واللعب والمزاح مما تنزه عنه المساجد -عادة- فهو أشبه ما يعبر عنه في أكثر الدوائر الحكومية والمؤسسات عندنا بـ (المصلى) ومعلوم أن (المصلى) لا يأخذ حكم المسجد دائماً.(17/129)
ولو استفتي الشيخان -عليهما رحمة الله- عن هذا المصلى المسمى مسجداً والذي لا يكاد يعدو أن يكون غرفة حيناً، ومستودعاً حيناً آخر، ومجلساً في بعض أحيان أخرى، لو فصّل لهما ذلك أكاد أجزم أن يفصّلا في حكم صرف الزكاة في بناء المساجد إن لم يرجعا عن رأيهما، فضلاً عن أن الشيخ/ عبد العزيز بن باز له رأيان في المسألة: رأي يجيز صرف الزكاة في بناء المساجد، ورأي مع قول الجمهور بعدم الجواز.
ثم إن المفتي يفتي السائل على نحو سؤاله لا غير، وفقاً لما يفهمه من مصطلحات عنده في سؤال السائل كلفظة (مسجد) مثلاً، ونظرا لاختلاف المصطلحات وتجدد المفاهيم تختلف الفتاوى.
فالمسجد في سؤال السائل ليس (المسجد) عند جمهور المانعين لصرف الزكاة فيه، فليس له مئذنة ولا محراب ولا منبر وأحب أخيراًَ أن أضيف أنني بحثت هذا الموضوع مستوفى بأقوال العلماء السابقين والمعاصرين، رصدت فيه أقوالهم من كتب التفسير والحديث والفقه، نشرته في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد (40) سنة: 1419هـ، تحت عنوان (مصرف "في سبيل الله" بين العموم والخصوص) ، ثم نقحته وزدت عليه كثيراً واطمأننت على ما توصلت إليه من جواز دفع الزكاة في بناء المساجد وما يلحق بها من وسائل الدعوة إلى الله، والكتاب تحت الطبع الآن وسيصدر قريباً بإذن الله.
جزى الله أخانا خيراً على تنبيهه ورزقنا وإياه العلم النافع والعمل الصالح آمين، وصلى الله على نبينا محم.(17/130)
قرارات فقهية
تعرض للأمة في كل زمان حوادث نازلة، وهي في هذا العصر أكثر ما تكون، فكان أن أنشئت لأجل ذلك مجامع ومجالس فقهية، يجتمع فيها نخبة من أهل العلم للنظر فيما يجد من النوازل ومن ثم الخلوص فيها إلى رأي جماعي يكون أسد رأياً وأعمق نظراً وأوسع اجتهاداً، فصدرت من تلك المجامع والمجالس قرارات مهمة بعضها نشر مجموعاً في كتاب واحد، وأخرى نشرت مفرقة، وإدراكاً لأهميتها فقد أفرد لها موقع (الإسلام اليوم) نافذة مستقلة تعميماً لفائدتها وتيسيراً لطالبيها(17/131)
رقم القرار: 1
رقم الدورة: 12
بشأن موضوع: كتابة آية أو آيات من القرآن الكريم على صورة طائر أو غيره
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن موضوع: كتابة آية أو آيات من القرآن الكريم على صورة طائر أو غيره:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الثانية عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من يوم السبت 15 رجب 1410هـ الموافق 10 فبراير 1990م إلى يوم السبت 22 رجب 1410هـ الموافق 17 فبراير 1990م قد نظر في موضوع كتابة آية أو آيات من القرآن الكريم على صورة طائر، وقرر بالإجماع: عدم جواز هذا العمل، لما في ذلك من العبث، والاستخفاف بكلام الله سبحانه وتعالى والاستهانة به. والله ولي التوفيق.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين.(17/132)
رقم القرار: 2
رقم الدورة: 9
بشأن حكم برمجة القرآن الكريم والمعلومات المتعلقة به في الحاسب الإلكتروني (الكمبيوتر)
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن حكم برمجة القرآن الكريم والمعلومات المتعلقة به في الحاسب الإلكتروني (الكمبيوتر) :
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي المنعقد بدورته التاسعة في مكة المكرمة من يوم السبت 12/7/1406هـ إلى يوم السبت 19/7/1406هـ قد نظر في موضوع برمجة القرآن الكريم والمعلومات المتعلقة به وتخزينها في الجهاز الآلي (الحاسب الإلكتروني الذي يسمونه بالدماغ الإلكتروني) ، وذلك لحفظ العلوم القرآنية التي قد دونها علماء الإسلام السابقون في كتب ألفوها خصيصًا في هذا المجال، وإضافة كل ما يمكن أن يضاف إليها من معلومات تتعلق بالقرآن العظيم، مما قد يحتاج الباحثون في هذا العصر إلى معرفته في الجامعات وسائر المراكز العلمية في العالم. وكان هذا الموضوع قد طلب من مجلس المجمع أن يبدي فيه رأيه من الناحية الشرعية، وأجل النظر النهائي فيه حتى يستكمل المعلومات عن هذا الجهاز، وطريقة عمله وخصائصه، والإمكانات والنتائج التي يتيحها، واللغة التي تستخدم فيه، وما إلى ذلك مما يتوقف عليه البت في حكم هذه البرمجة العلمية القرآنية فيه، وكتب المجمع إلى عدد من الجامعات والمجامع والشخصيات العلمية أن يوافوه بإيضاح هذه النواحي، وجاءت تقاريرهم في هذا الشأن. وقد قدم أيضًا فضيلة الدكتور الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة عضو مجلس المجمع الفقهي الإسلامي تقريرًا إضافيًّا وافيًا في ضوء التقارير الواردة من الجهات التي طلب المجمع منها ذلك الإيضاح. وقد تبين أن هذا الجهاز الذي هو من مبتكرات هذا العصر يمكن أن يخزن فيه بطريقة فنية خاصة- تسمى البرمجة- كل ما يراد من معلومات ونصوص يحتاج إليها الباحثون، مهما عظمت كميتها، وتنوعت أنواعها، كما تمكن إضافة معلومات جديدة للتخزين فيه، وتقوم الجهات بتصنيفها، ثم يستدعى منه ما يراد الرجوع إليه من تلك المعلومات بسرعة مذهلة آنية، فيعرضه الجهاز على لوحة ضوئية «شاشة» فيه، فيرى فيه الطالب ما يشاء من المعلومات أو النصوص التي استدعاها. ونظرًا لأن مثل هذه البرمجة في هذا الجهاز قد أصبحت ممكنة باللغة العربية، كما أنه قد سبق لبعض الأساتذة المختصين في علوم الحديث النبوي والسنة المطهرة أن طبقوها على بعض كتب السنة فآتت أحسن النتائج من حفظ المعلومات في هذا الجهاز وتسهيل الرجوع إليها عند الحاجة، ولذلك وبعد المناقشة المستفيضة بين أعضاء المجلس حول الفوائد المحققة في هذا المشروع والمحاذير المحتملة فيه، تقرر بالإجماع في شأن برمجة علوم القرآن وبالأكثرية في شأن برمجة النص القرآني نفسه جواز القيام بهذه البرمجة للقرآن الكريم وعلومه في الحاسب الإلكتروني، بل استحسان ذلك بالنظر الشرعي لما فيه من خدمة جلى لعلوم القرآن، وتسهيل عظيم على الدارسين والباحثين، وذلك بالشروط التالية:(17/133)
أولاً: الرجوع في الناحية الفنية إلى المختصين ليكون استعمال الجهاز بطريقة دقيقة وسليمة يؤمن معها من كل خلل يؤدي إلى تغيرات بسبب سوء الاستعمال.
ثانيًا: أن تكون البرمجة باللغة العربية وأن تضبط بالشكل الكامل نصوص القرآن والحديث والكلمات المحتاج إليها من غيرها وأن يكون النص القرآني بالرسم العثماني.
ثالثًا: أن يشترك الفنيون المتخصصون مع علماء المسلمين المتخصصين في القرآن وعلومه فيقوموا معًا بمهمة البرمجة، أي في إدخال المعلومات في الحاسب الإلكتروني وتخزينها فيه.
رابعًا: أن يتولى بعد ذلك علماء ثقات مسئولون عن الناحية العلمية مراجعة النتائج للوثوق من دقتها وسلامتها.
والله سبحانه وتعالى أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل وولى التوفيق. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا والحمد لله رب العالمين.(17/134)
رقم القرار: 2
رقم الدورة: 7
حكم تغيير رسم المصحف العثماني
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 15/10/1425
28/11/2004
حكم تغيير رسم المصحف العثماني:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، قد اطلع على خطاب الشيخ هاشم وهبة عبد العال، من جدة، الذي ذكر فيه موضوع (تغيير رسم المصحف العثماني إلى الرسم الإملائي) . وبعد مناقشة هذا الموضوع من قبل المجلس، واستعراض قرار هيئة كبار العلماء بالرياض رقم (17) وتأريخ 21/10/1399هـ. الصادر في هذا الشأن، وما جاء فيه من ذكر الأسباب المقتضية بقاء كتابة المصحف بالرسم العثماني، وهي:
1- ثبت أن كتابة المصحف بالرسم العثماني، كانت في عهد عثمان، رضي الله عنه، وأنه أمر كتبة المصحف أن يكتبوه على رسم معين، ووافقه الصحابة، وتابعهم التابعون، ومن بعدهم إلى عصرنا هذا، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عَلَيكُم بِسُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدين المَهْدِيِّين مِن بَعْدِي". فالمحافظة على كتابة المصحف بهذا الرسم هو المتعين، اقتداء بعثمان وعليٍّ وسائر الصحابة، وعملاً بإجماعهم.
2- إن العدول عن الرسم العثماني إلى الرسم الإملائي الموجود حاليًّا، بقصد تسهيل القراءة يفضي إلى تغيير آخر إذا تغير الاصطلاح في الكتابة، لأن الرسم الإملائي نوع من الاصطلاح قابل للتغيير باصطلاح آخر. وقد يؤدي ذلك إلى تحريف القرآن، بتبديل بعض الحروف، أو زيادتها، أو نقصها، فيقع الاختلاف بين المصاحف على مر السنين ويجد أعداء الإسلام مجالاً للطعن في القرآن الكريم، وقد جاء الإسلام بسد ذرائع الشر، ومنع أسباب الفتن.
3- ما يخشى من أنه إذا لم يلتزم الرسم العثماني في كتابة القرآن، أن يصير كتاب الله ألعوبة بأيدي الناس، كلما عنت لإنسان فكرة في كتابته، اقترح تطبيقها، فيقترح بعضهم كتابته باللاتينية أو غيرها، وفي هذا ما فيه من الخطر، ودرء المفاسد أولي من جلب المصالح.(17/135)
وبعد اطلاع مجلس المجمع الفقهي الإسلامي على ذلك كله، قرر بالإجماع: تأييد ما جاء في قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، من عدم جواز تغيير رسم المصحف العثماني، ووجوب بقاء رسم المصحف العثماني على ما هو عليه؛ ليكون حجة خالدة على عدم تسرب أي تغيير أو تحريف في النص القرآني، واتباعًا لما كان عليه الصحابة، وأئمة السلف-رضوان الله عليهم أجمعين- أما الحاجة إلى تعليم القرآن، وتسهيل قراءته على الناشئة التي اعتادت الرسم الإملائي الدارج، فإنها تتحقق عن طريق تلقين المعلمين؛ إذ لا يستغني تعليم القرآن في جميع الأحوال عن معلم، فهو يتولى تعليم الناشئين، قراءة الكلمات التي يختلف رسمها في المصحف العثماني، عن رسمها في قواعد الإملاء الدارجة، ولا سيما إذا لوحظ أن تلك الكلمات عددها قليل، وتكرار ورودها في القرآن كثير، ككلمة (الصلوة) و (السموات) ونحوهما، فمتى تعلم الناشئ الكلمة بالرسم العثماني، سهل عليه قراءتها كلما تكررت في المصحف، كما يجري مثل ذلك تمامًا في رسم كلمة (هذا) و (ذلك) في قواعد الإملاء الدارجة أيضًا. والله ولي التوفيق. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.(17/136)
القرار: 2
رقم الدورة: 6
حول تفسير خاطئ لسورة الإخلاص
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 15/10/1425
28/11/2004
حول تفسير خاطئ لسورة الإخلاص:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، قد اطلع في جلسته الثانية صباح يوم الاثنين 10/4/1403هـ على ما نشرته جريدة السياسة الكويتية في عددها ذي الرقم (4776) الصادر يوم الخميس 17 ذي الحجة 1401هـ. 15/10/1981م. من كلام غريب مستنكر، تحت عنوانٍ بارزٍ خادعٍ جاء فيه: (معنى التوحيد: تفسير منطوق لسورة الإخلاص وترجمته الإنجليزية) موقَّع باسم شخص سمي: محمد أحمد الشمالي، يجترئ فيه على التلاعب بمعاني القرآن العظيم، ويأتي فيه بلون عجيب من الخلط والوهم والجهل والتصورات الخيالية المتفككة الملتبكة، لا تدل على شيء سوى الاختلاط العقلي، ويعلن على المسلمين أنه تفسير لسورة الإخلاص!! وقد استهل هذا المفسر الجديد تفسيره هذا لسورة الإخلاص بقوله: قل: خبر مقدم بمعنى فرد لا أحد له فيقال مثلاً: رجل قل!! هو: ضمير مبتدأ مؤخر خبره (قل) ، وهو أيضًا في مقام مفعول به للجملة الفعلية التي تليه!! الله أحد: أي أن الله أحده، بمعنى جعله واحدًا، أو بمعنى جعله حدا، أو بمعنى جعله حادا!! وهكذا يسير هذا الرجل المختلط، في تفسير بقية آيات سورة الإخلاص إلى أن يقول: ولم يكن له كفوًا أحد: ما كان لهذا الشخص أكفاء في الماضي، ولكن هذا لا يمنع ظهور أكفاء له فيما بعد، وإلا لتعذر عليه ذاته الظهور ثانية على وجه الأرض بعد المرة الأولي، وانقطعت رسله!!(17/137)
هذا، ويرى المجمع الفقهي: أنه ليس مستغربًا أن يوجد في المختلين عقليًّا من يتصور نفسه عالمًا محققًا متعمقًا، أو فيلسوفًا مدققًا، فهذا مرض من الأمراض، ولكن الغريب كل الغريب، أن تنشر صحيفة عربية مشهورة، في بلد عربي إسلامي، مثل هذا الهذيان الذي لا يبلغه هذيان المحمومين، تحت عنوان بارز، بأن هذا هو معنى التوحيد المستفاد من سورة الإخلاص، تلك السورة القصيرة العظيمة، التي عبرت عن حقيقة التوحيد، بكلمات قليلة محكمة، كانت وستبقى على مدى الحياة أعظم من الجبال الشامخات بلاغة ورسوخًا، وتحديًا لعواصف الأفكار، والتيارات الزائفة، والشرك والإلحاد اللذين هما ضلال وانحطاط في بعض العقول البشرية بعوامل مختلفة. فإذا كان ذلك الهذيان تفسيرًا منطوقًا لسورة الإخلاص العظمية، فماذا ترك صاحبه للفرق الباطنية الهدامة، التي تتلاعب بآيات الله في كتابه العربي المبين، كما تشاء لها غاياتها الخبيثة ضلالاً وتضليلاً؟ فمثل هذا العمل، هو إجرام وعبث بآيات الله، وردة عن الإسلام. فكيف يسوغ لصحيفة عربية صاحبها ينتسب للإسلام في بلد إسلامي أن تجعل من صفحاتها منبرًا لأمثال ذلك؟ وكيف تنجو هي، والكاتب المستهزئ بآيات القرآن العظيم من المسئولية التي تقتضيها نصوص الدساتير، وقوانين العقوبات، والمطبوعات في بلدها، وسائر البلاد العربية؟ لذلك ولخطورة هذا السلوك غير المسؤول، في الصحافة والنشر فيما يجترأ به على العقائد والمقدسات الإسلامية- قرر مجلس المجمع الفقهي: لفت أنظار المسؤولين، الذين تقع على عاتق سلطاتهم حماية جميع تلك المقدسات من العبث بها، وإحالة هذا القرار إلى الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي، لتقوم بإرساله إلى المسؤولين في دولة الكويت وسواها، ليقوموا بواجبهم فيما يوجبه عليهم دينهم، وحقوق شعوبهم عليهم نحو كتاب ربهم، وسنة رسولهم صلى الله عليه وآله وسلم، من صيانة حرماته، وحمايتها من أن تكون ألعوبة في يد من يشاء تضليل الأفكار، وتزييغ الناشئة بسوء استعمال حرية النشر. والله ولي التوفيق. وصلى الله على خير خلقه، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(17/138)
حول قضية الحوار بين الأديان
المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث 18/2/1426
28/03/2005
قرار المجلس:
يستعمل الكثيرون عبارة (التقريب بين الأديان) ، والأولى استخدام كلمات أخرى مثل الحوار والاشتراك والتعاون، وبخصوص ذلك ينبه المجلس إلى أنه إذا كان المقصود به إذابة الفوارق بينها من أجل اللقاء في منطقة وسطى جمعًا بين التوحيد والتثليث والتنزيه والتشبيه مثلاً، فذلك مما يأباه الدين الخاتم الكامل، قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة:49] .
غير أن للحوار والاشتراك والتعاون بين رسالة الإسلام والرسالات السماوية الأخرى معاني مقبولة، لأمر الله تعالى بقوله: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: من الآية125] ، ولقوله عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران:64] .
وتأسيًا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحوار مع نصارى أهل نجران وغيرهم (1) ، وذلك اعتبارًا لأصول الإسلام، في وحدة الألوهية والنبوات والأصل الإنساني، وفي عموم الرسالة وواجب الدعوة إلى الله عز وجل عن طريق الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن، بعيدًا عن كل ضروب الإكراه والإجبار والنيل من مشاعر المخالف في الملة، ذلك أنه ولئن تباينت رسالة الإسلام والرسالات السماوية الأخرى في أصول وفروع معروفة، فقد اشتركت معها في أخرى معتبرة، مثل عموم الإيمان بالله تعالى والنبوات واليوم الآخر وأصول الأخلاق، وأسس البناء الاجتماعي كالأسرة والمحافظة على البيئة وقضايا حقوق الإنسان والشعوب المستضعفة والتصدي للطغيان والمظالم على كل المستويات القطرية والدولية، وإشاعة روح التسامح ونبذ التعصب وحروب الإبادة والعدوان.
ويؤكد هذه المعاني للتقارب مع أهل الملل الأخرى اشتداد عواصف الفلسفة المادية والإباحية والإلحاد والتفكيك لأواصر المجتمعات في ظل ثورة الاتصال التي جعلت من العالم قرية صغيرة توشك أن تشترك في المصير، بما يعزز مساعي الحوار والتعاون مع أهل الملل الأخرى ولا سيما مع أهل الكتاب إبرازًا للمشترك ودفاعًا عنه، بدل النكء المستمر لجراح الاختلاف، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: من الآية13] ، ولقد شهد صاحب الدعوة عليه السلام أن عباد الله كلهم إخوة (2) ، وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان} [المائدة: من الآية2] .
[القرار1/4]
_________________
(1) قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع نصارى نجران مشهورة في كتب التفسير والسيرة، وجاءت الرواية فيها من حديث عبد الله بن عباس، عند ابن جرير في "تفسيره" (3/305) والبيهقي في "دلائل النبوة" (5/384) ، ومن حديث كرز بن علقمة، عند الطبراني في "المعجم الأوسط" (رقم: 3918) والبيهقي في "الدلائل" (5/382) ، ومن حديث جابر بن عبد الله، عند الحاكم في "المستدرك" (2/593) ، ومجموع الروايات يصح به وقوع ذلك، وأصل القصة في "صحيح البخاري" (رقم:4119) من حديث ابن مسعود مختصرًا.
(2) إشارة إلى حديث زيد بن أرقم، قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر صلاته: "اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك، ... " الحديث وفيه: "أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة". أخرجه أحمد (رقم:19293) وأبو داود (رقم: 1508) وإسناده ضعيف. لكن أخوة الإنسانية مما أثبته القرآن في آيات كثيرة في الخبر عن الأنبياء مع أقوامهم.(17/139)
قرار رقم: 34 (9/4)
بشأن
البَهائيَّة
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
مجلة المجمع (ع 4، ج3 ص 2189)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخر 1408هـ الموافق6-11 شباط (فبراير) 1988م،
انطلاقاً من قرار مؤتمر القمة الإسلامي الخامس المنعقد بدولة الكويت من 26-29 جمادى الأولى 1407هـ الموافق 26-29 كانون الثاني (يناير) 1987م، والقاضي بإصدار مجمع الفقه الإسلامي رأيه في المذاهب الهدامة التي تتعارض مع تعاليم القرآن الكريم والسنة المطهرة،
-واعتباراً لما تشكله البهائية من أخطار على الساحة الإسلامية، وما تلقاه من دعم من قبل الجهات المعادية للإسلام،
-وبعد التدبر العميق في معتقدات هذه الفئة والتأكد من أن البهاء، مؤسس هذه الفرقة يدّعي الرسالة، ويزعم أن مؤلفاته وحي منزل، ويدعو الناس أجمعين إلى الإيمان برسالته، وينكر أن رسول الله هو خاتم المرسلين، ويقول إن الكتب المنزلة عليه ناسخة للقرآن الكريم، كما يقول بتناسخ الأرواح،
- وفي ضوء ما عمد إليه البهاء، في كثير من فروع الفقه بالتغيير والإسقاط، ومن ذلك تغييره لعدد الصلوات المكتوبة وأوقاتها، إذ جعلها تسعاً تؤدى على ثلاث كرات، في البكورة مرة، وفي الآصال مرة، وفي الزوال مرة، وغيرّ التيمم، فجعله يتمثل في أن يقول البهائي: (بسم الله الأطهر الأطهر) ، وجعل الصيام تسعة عشر يوماً، تنتهي في عيد النيروز، في الواحد والعشرين من آذار (مارس) في كل عام، وحوّل القبلة إلى بيت البهاء في عكا بفلسطين المحتلة، وحرم الجهاد وأسقط الحدود، وسوى بين الرجل والمرأة في الميراث، وأحل الربا.
- وبعد الإطلاع على البحوث المقدمة في موضوع ((مجالات الوحدة الإسلامية)) المتضمنة التحذير من الحركات الهدامة التي تفرقّ الأمة، وتهز وحدتها، وتجعلها شيعاً وأحزاباً وتؤدي إلى الردة والبعد عن الإسلام،
قرر ما يلي:
اعتبار أن ما ادعاه البهاء من الرسالة، ونزول الوحي عليه، ونسخ الكتب التي أُنزلت عليه للقرآن الكريم، وإدخاله تغييرات على فروع شرعية ثابتة بالتواتر، هو إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة، ومنكر ذلك تنطبق عليه أحكام الكفار بإجماع المسلمين.
ويوصي بما يلي:
وجوب تصدي الهيئات الإسلامية، في كافة أنحاء العالم، بما لديها من إمكانات، لمخاطر هذه النزعة الملحدة التي تستهدف النيل من الإسلام، عقيدة وشريعة ومنهاج حياة.
والله أعلم(17/140)
قرار رقم: 4 (4/3)
بشأن
القاديانية
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع - ع 2، ج 1/209
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10-16 ربيع الآخر 1406هـ /22 - 28 كانون الأول (ديسمبر) 1985م.
بعد أن نظر في الاستفتاء المعروض عليه من مجلس الفقه الإسلامي في كيبتاون بجنوب أفريقيا بشأن الحكم في كل من القاديانية والفئة المتفرعة عنها التي تدعي اللاهورية، من حيث اعتبارهما في عداد المسلمين أو عدمه، بشأن صلاحية غير المسلم للنظر في مثل هذه القضية،
وفي ضوء ما قدم لأعضاء المجمع من أبحاث ومستندات في هذا الموضوع عن ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ظهر في الهند في القرن الماضي وإلية تنسب نحلة القاديانية واللاهورية،
وبعد التأمل فيما ذكر من معلومات عن هاتين النحلتين وبعد التأكد أن ميرزا غلام أحمد قد ادعى النبوة بأنة نبي مرسل يوحي إليه، وثبت عنه هذا في مؤلفاته التي ادعى أن بعضها وحي أنزل عليه وظل طيلة حياته ينشر هذه الدعوة ويطلب إلى الناس في كتبه وأقواله الاعتقاد بنبوته ورسالته، كما ثبت عنه إنكار كثير مما علم بالضرورة كالجهاد،
وبعد أن اطلع المجمع أيضاً على ما صدر عن المجمع الفقهي بمكة المكرمة في الموضوع نفسه،
قرر ما يلي:
أولاً: أن ما ادعاه ميرزا غلام أحمد من النبوة والرسالة ونزول الوحي عليه إنكار صريح لما ثبت من الدين بالضرورة ثبوتاً قطعياً يقينيا ًمن ختم الرسالة والنبوة بسيدنا محمد وأنه لا ينزل وحي على أحد بعده. وهذه الدعوى من ميرزا غلام أحمد تجعله وسائر من يوافقونه عليها مرتدين خارجين عن الإسلام. وأما اللاهورية فإنهم كالقاديانية في الحكم عليهم بالردة، بالرغم من وصفهم ميرزا غلام أحمد بأنه ظل وبروز لنبينا محمد.
ثانياً: ليس لمحكمة غير إسلامية، أو قاض غير مسلم، أن يصدر الحكم بالإسلام أو الردة، ولا سيما فيما يخالف ما أجمعت الأمة الإسلامية من خلال مجامعها وعلمائها، وذلك لأن الحكم بالإسلام أو الردة، لا يقبل إلا إذا صدر عن مسلم عالم بكل ما يتحقق به الدخول في الإسلام، أو الخروج منه بالردة، ومدرك لحقيقة الإسلام أو الكفر، ومحيط بما ثبت في الكتاب والسنة والإجماع: فحكم مثل هذه المحكمة باطل.
والله أعلم(17/141)
رقم القرار: 2
رقم الدورة: 2
حول (الوجودية) وحكم الانتماء إليها
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 15/10/1425
28/11/2004
حول (الوجودية) وحكم الانتماء إليها:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وبعد:
فقد درس مجلس المجمع الفقهي، البحث الذي قدمه الدكتور محمد رشيدي عن (الوجودية) بعنوان (كيف يفهم المسلم فكرة الوجودية) . وما جاء فيه من شرح لفكرتها ولمراحلها الثلاث، التي تطور فيها هذا المذهب الأجنبي إلى ثلاثة فروع، تميز كل منها عن الآخر تميزًا أساسيًّا جذريًّا، حتى يكاد لا يبقى بين كل فرع منها والآخر صلة، أو جذور مشتركة. وتبين أن المرحلة الوسطى منها، كانت تطورًا للفكرة من أساس المادية المحض- التي تقوم على الإلحاد وإنكار الخالق- إلى قفزة نحو الإيمان بما لا يقبله العقل. وتبين أيضًا أن المرحلة الثالثة، رجعت بفكرة الوجودية إلى إلحاد انحلالي، يستباح فيه- تحت شعار الحرية- كل ما ينكره الإسلام والعقول السليمة. وفي ضوء ما تقدم بيانه، يتبين أنه حتى فيما يتعلق بالمرحلة الثانية المتوسطة من هذه الفكرة، وهي التي يتسم أصحابها بالإيمان بوجود الخالق والغيبيات الدينية، وإن كان يقال إنها رد فعل للمادية والتكنولوجيا والعقلانية المطلقة. وكل ما يمكن أن يقوله المسلم عنها في ضوء الإسلام: هو أن هذه المرحلة الثانية منها، أو عقيدة الفرع الثاني من الوجودية، رأي أصحابها في الدين على أساس العاطفة دون العقل، لا يتفق مع الأسس الإسلامية في العقيدة الصحيحة، المبنية على النقل الصحيح والعقل السليم، في إثبات وجود الله تعالى، وما له من الأسماء والصفات، وفي إثبات الرسالات على ما جاء في الله تعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وبناء على ذلك يقرر مجلس المجمع بالإجماع: أن فكرة الوجودية في جميع مراحلها وتطوراتها وفروعها، لا تتفق مع الإسلام، لأن الإسلام إيمان يعتمد النقل الصحيح، والعقل السليم معًا، في وقت واحد. فلذا لا يجوز للمسلم بحال من الأحوال، أن ينتمي إلى هذا المذهب متوهمًا أنه لا يتنافى مع الإسلام، كما أنه لا يجوز- بطريق الأولوية- أن يدعو إليه، أو ينشر أفكاره الضالة.(17/142)
رقم القرار: 3
رقم الدورة: 1
حكم القاديانية والانتماء إليها
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 15/10/1425
28/11/2004
حكم القاديانية والانتماء إليها:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. وبعد:
فقد استعرض مجلس المجمع الفقهي موضوع الفئة القاديانية، التي ظهرت في الهند في القرن الماضي (التاسع عشر الميلادي) والتي تسمى أيضًا (الأحمدية) ، ودرس المجلس نحلتهم التي قام بالدعوة إليها مؤسس هذه النحلة، ميرزا غلام أحمد القاديانى 1876م مدعيًا أنه نبي يوحى إليه، وأنه المسيح الموعود، وأن النبوة لم تختم بسيدنا محمد بن عبد الله رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم (كما هي عليه عقيدة المسلمين بصريح القرآن العظيم والسنة) ، وزعم أنه قد نزل عليه، وأوحى إليه أكثر من عشرة آلاف آية، وأن من يكذبه كافر، وأن المسلمين يجب عليهم الحج إلى قاديان، لأنها البلدة المقدسة كمكة والمدينة، وأنها هي المسماة في القرآن بالمسجد الأقصى، كل ذلك مصرح به في كتابه الذي نشره بعنوان (براهين أحمدية) وفي رسالته التي نشرها بعنوان (التبليغ) . واستعرض مجلس المجمع أيضًا، أقوال وتصريحات ميرزا بشير الدين بن غلام أحمد القاديانى وخليفته، ومنها ما جاء في كتابه المسمى (آينة صداقت) من قوله: إن كل مسلم لم يدخل في بيعة المسيح الموعود (أي والده ميرزا غلام أحمد) سواء سمع باسمه أو لم يسمع، هو كافر وخارج عن الإسلام (الكتاب المذكور صفحة 35) . وقوله أيضًا في صحيفتهم القاديانية (الفضل) فيما يحكيه هو عن والده غلام أحمد نفسه أنه قال: إننا نخالف المسلمين في كل شيء: في الله، في الرسول، في القرآن، في الصلاة، في الصوم، في الحج، في الزكاة، وبيننا وبينهم خلاف جوهري في كل ذلك. صحيفة (الفضل) في 30 من تموز (يوليو) 1931م. وجاء أيضًا في الصحيفة نفسها (المجلد الثالث) ما نصه: إن ميرزا هو النبي محمد. زاعمًا أنه هو مصداق قول القرآن حكاية عن سيدنا عيسى عليه السلام: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف:6] . (كتاب إنذار الخلافة ص12) .(17/143)
واستعرض المجلس أيضًا، ما كتبه ونشره العلماء والكتاب الإسلاميون الثقات عن هذه الفئة القاديانية الأحمدية لبيان خروجهم عن الإسلام خروجًا كليًّا. وبناء على ذلك اتخد المجلس النيابي الإقليمي لمقاطعة الحدود الشمالية في دولة باكستان قرارًا في عام 1974م بإجماع أعضائه، يعتبر فيه الفئة القاديانية بين مواطني باكستان أقلية غير مسلمة، ثم في الجمعية الوطنية (مجلس الأمة الباكستاني العام لجميع المقاطعات) وافق أعضاؤها بالإجماع أيضًا على اعتبار فئة القاديانية أقلية غير مسلمة. يضاف إلى عقيدتهم هذه، ما ثبت بالنصوص الصريحة من كتب ميرزا غلام أحمد نفسه، ومن رسائله الموجهة إلى الحكومة الإنكليزية في الهند، التي يستدرها، ويستديم تأييدها وعطفها من إعلانه تحريم الجهاد، وأنه ينفي فكرة الجهاد، ليصرف قلوب المسلمين إلى الإخلاص للحكومة الإنجليزية المستعمرة في الهند، لأن فكرة الجهاد التي يدين بها بعض جهَّال المسلمين، تمنعهم من الإخلاص للإنكليز. ويقول في هذا الصدد في ملحق كتابه (شهادة القرآن) [الطبعة السادسة ص17] ما نصه: أنا مؤمن بأنه كلما ازداد أتباعي وكثر عددهم، قل المؤمنون بالجهاد، لأنه يلزم من الإيمان بأني المسيح، أو المهدي إنكار الجهاد. تنظر رسالة الأستاذ الندوي نشر الرابطة (ص25) . وبعد أن تداول مجلس المجمع الفقهي في هذه المستندات وسواها من الوثائق الكثيرة، المفصحة عن عقيدة القاديانيين ومنشئها، وأسسها وأهدافها الخطيرة في تهديم العقيدة الإسلامية الصحيحة، وتحويل المسلمين عنها تحويلاً وتضليلاً، قرر المجلس بالإجماع: اعتبار العقيدة القاديانية المسماة أيضًا بالأحمدية، عقيدة خارجة عن الإسلام خروجًا كاملاً، وأن معتنقيها كفار مرتدون عن الإسلام، وأنَّ تظاهر أهلها بالإسلام إنما هو للتضليل والخداع، ويعلن مجلس المجمع الفقهي أنه يجب على المسلمين حكومات، وعلماء، وكتابًا ومفكرين، ودعاة وغيرهم مكافحة هذه النحلة الضالة وأهلها في كل مكان من العالم..... وبالله التوفيق(17/144)
رقم القرار: 1
رقم الدورة: 1
حكم الماسونية والانتماء إليها
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 15/10/1425
28/11/2004
حكم الماسونية والانتماء إليها:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فقد نظر المجمع الفقهي الإسلامي، في قضية الماسونية والمنتسبين إليها وحكم الشريعة الإسلامية في ذلك. وقد قام أعضاء المجمع بدراسة وافية عن هذه المنظمة الخطيرة، وطالع ما كتب عنها من قديم وجديد، وما نشر من وثائقها نفسها فيما كتبه ونشره أعضاؤها وبعض أقطابها من مؤلفات، ومن مقالات في المجلات التي تنطق باسمها. وقد تبين للمجمع بصورة لا تقبل الريب، من مجموع ما اطلع عليه من كتابات ونصوص ما يلي:
1- أن الماسونية منظمة سرية، تخفي تنظيمها تارة وتعلنه تارة، بحسب ظروف الزمان والمكان، ولكن مبادئها الحقيقية التي تقوم عليها، هي سرية في جميع الأحوال محجوب علمها حتى على أعضائها إلا خواص الخواص، الذين يصلون بالتجارب العديدة إلى مراتب عليا فيها.
2- أنها تبني صلة أعضائها بعضهم ببعض في جميع بقاع الأرض على أساس ظاهري، للتمويه على المغفلين، وهو الإخاء الإنساني المزعوم بين جميع الداخلين في تنظيمها، دون تمييز بين مختلف العقائد والنحل والمذاهب.
3- أنها تجتذب الأشخاص إليها، ممن يهمها ضمهم إلى تنظيمها بطريق الإغراء بالمنفعة الشخصية، على أساس أن كل أخ ماسوني مجند في عون كل أخ ماسوني آخر، في أي بقعة من بقاع الأرض: يعينه في حاجاته وأهدافه ومشكلاته، ويؤيده في الأهداف إذا كان من ذوي الطموح السياسي، ويعينه إذا وقع في مأزق من المآزق أيًّا كان، على أساس معاونته في الحق والباطل، ظالمًا أو مظلومًا، وإن كانت تستر ذلك ظاهريًّا بأنها تعينه على الحق لا الباطل، وهذا أعظم إغراء تصطاد به الناس من مختلف المراكز الاجتماعية، وتأخذ منهم اشتراكات مالية ذات بال.
4- أن الدخول فيها يقوم على أساس احتفال بانتساب عضو جديد، تحت مراسم وأشكال رمزية إرهابية، لإرهاب العضو إذا خالف تعليماتها والأوامر التي تصدر إليه بطريق التسلسل في الرتبة.
5- أن الأعضاء المغفلين يُتركون أحرارًا في ممارسة عباداتهم الدينية، وتستفيد من توجيههم وتكليفهم في الحدود التي يصلحون لها، ويبقون في مراتب دنيا، أما الملاحدة أو المستعدون للإلحاد، فترتقي مراتبهم تدريجيًّا، في ضوء التجارب والامتحانات المتكررة للعضو، على حسب استعدادهم لخدمة مخططاتها ومبادئها الخطيرة.
6- أنها ذات أهداف سياسية، ولها في معظم الانقلابات السياسية والعسكرية والتغييرات الخطيرة ضلع وأصابع ظاهرة أو خفية.
7- أنها في أصلها وأساس تنظيمها يهودية الجذور، ويهودية الإدارة العليا العالمية السرية، وصهيونية النشاط.
8- أنها في أهدافها الحقيقية السرية ضد الأديان جميعًا، لتهديمها بصورة عامة، وتهديم الإسلام في نفوس أبنائه بصورة خاصة.(17/145)
9- أنها تحرص على اختيار المنتسبين إليها من ذوي المكانة المالية، أو السياسية، أو الاجتماعية، أو العلمية، أو أية مكانة يمكن أن تستغل نفوذًا لأصحابها في مجتمعاتهم، ولا يهمها انتساب من ليس لهم مكانة يمكن استغلالها، ولذلك تحرص كل الحرص على ضم الملوك والرؤساء والوزراء وكبار موظفي الدولة ونحوهم.
10- أنها ذات فروع تأخذ أسماء أخرى، تمويها وتحويلاً للأنظار، لكي تستطيع ممارسة نشاطاتها تحت مختلف الأسماء، إذا لقيت مقاومة لاسم الماسونية في محيط ما، وتلك الفروع المستورة بأسماء مختلفة من أبرزها منظمة الأسود (الليونز) والروتاري - إلى غير ذلك من المبادئ والنشاطات الخبيثة، التي تتنافى كليًّا مع قواعد الإسلام وتُناقضه مناقضة كلية. وقد تبين للمجمع بصورة واضحة، العلاقة الوثيقة للماسونية باليهودية الصهيونية العالمية، وبذلك استطاعت أن تسيطر على نشاطات كثير من المسئولين في البلاد العربية وغيرها، في موضوع قضية فلسطين، وتحول بينهم وبين كثير من واجباتهم في هذه القضية المصيرية العظمى، لمصلحة اليهود والصهيونية العالمية. لذلك ولكثير من المعلومات الأخرى التفصيلية عن نشاط الماسونية وخطورتها العظمى، وتلبيساتها الخبيثة، وأهدافها الماكرة، يقرر المجمع الفقهي اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة على الإسلام والمسلمين، وأن من ينتسب إليها على علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالإسلام مجانب لأهله، لكن الأستاذ الزرقاء أصر على إضافة جملة (معتقدًا جواز ذلك) فيما بين جملة (على علم بحقيقتها وأهدافها) وبين جملة (فهو كافر..) وذلك كيما ينسجم الكلام مع حكم الشرع في التمييز بين من يرتكب الكبيرة من المعاصي مستبيحًا لها، وبين من يرتكبها غير مستبيح: فالأول كافر، والثاني عاص فاسق. والله ولي التوفيق.(17/146)
الأحق باليمين في القسامة
قرار هيئة كبار العلماء 11/4/1426
19/05/2005
أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الثاني 256-257
قرار هيئة كبار العلماء
رقم (41) وتاريخ 13/4/1396هـ
بشأن الأحق باليمين في القسامة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمداً وآله وصحبه وسلم، وبعد:
ففي الدورة الثامنة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الرياض في النصف الأول من شهر ربيع الآخر عام 1396هـ- اطلع المجلس على ما سبق أن أجله من الدورة السابعة إلى الدورة الثامنة من بحث القسامة، هل الورثة هم الذين يحلفون أيمان القسامة، أو أن العصبة بالنفس هم الذين يحلفون، ولو كانوا غير وارثين إذا كانوا ذكوراً بالغين عقلاء؟
وبعد استماع المجلس ما سبق أن أعد في ذلك من أقوال أهل العلم وأدلتهم ومناقشتها وتداول الرأي- قرر المجلس بالأكثرية: أن الذي يحلف من الورثة هم الذكور البالغون العقلاء ولو واحداً، سواء كانوا عصبة أولا؛ لما ثبت في [الصحيحين] من حديث سهل بن أبي حثمة في قصة قتل اليهود لعبد الله بن سهل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن بن سهل: " تحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ " قالوا: لا، وفي رواية: " يقسم منكم خمسون رجلاً"، ولأنها يمين في دعوى حق، فلا تشرع في حق غير المتداعين كسائر الأيمان.
وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة الثامنة
(1) عبد العزيز بن عبد الله بن باز (متوقف)
(2) عبد الله بن حميد
(3) محمد الحركان
(4) صالح بن غصون
(5) محمد بن جبير
(6) عبد الله خياط
(7) عبد المجيد حسن
(8) إبراهيم بن محمد آل الشيخ (متوقف)
(9) عبد الله بن غديان (لي وجهة نظر وهي العصبة هم الذين يقسمون)
(10) صالح بن ليحدان (لي وجهة نظر وهي أن العصبة هم الذين يقسمون)
(11) عبد الرزاق عفيفي (لي وجهة نظر)
(12) عبد العزيز بن صالح
(13) سليمان بن عبيد
(14) راشد بن خنين (متوقف)
(15) عبد الله بن منيع(17/147)
قرار رقم: 38 (13/4)
بشأن
توصيات الدورة الرابعة
لمجلس مجمع الفقه الإسلامي
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
مجلة المجمع (ع 4، ج3 ص 2354و2487) .
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخر 1408هـ الموافق6-11 شباط (فبراير) 1988م،
أولاً: بعد الاطلاع على البحوث الواردة للمجمع في موضوع كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقية والتي أوضحت ما يعانيه العالم بأسره من المفاسد الأخلاقية التي أخذت تنتشر في عالمنا الإسلامي بصورة لا ترضي الله تعالى ولا تتوافق مع الدور القيادي المنوط بهذه الأمة في قيادة البشرية نحو الطهر العقدي والأخلاقي والسلوكي،
وانسجاماً مع خصائص الإسلام المتكاملة، وكون الجانب الأخلاقي من أهم جوانب الدين، ولا تتحقق الثمار الكاملة للانتماء إلى الإسلام إلا بتطبيق الشريعة الإسلامية بجميع مبادئها وأحكامها وفي شتى مرافق الحياة،
يوصي بما يلي:
أ - العمل على تصحيح وتقوية الوازع العقدي، عبر القيام بتوعية شاملة، والتحسيس بآثار العقيدة الصحيحة في النفوس.
ب - السعي إلى تطهير الإعلام، المقروء والمرئي والمسموع والإعلانات التجارية، في عالمنا الإسلامي من كل ما يشكل معصية لله تعالى وتنقيته تماماً من كل ما يثير الشهوة، أو يسبب الانحراف، ويوقع المفاسد الأخلاقية.
ج- وضع الخطط العلمية للمحافظة على الأصالة الإسلامية والتراث الإسلامي، والقضاء على كل محاولات التغريب والتشبه واستلاب الشخصية الإسلامية، والوقوف أمام كل أشكال الغزو الفكري والثقافي الذي يتعارض مع المبادىء والأخلاق الإسلامية.
وأن توجد رقابة إسلامية صارمة على الأنشطة السياحية والابتعاث إلى الخارج حتى لا تتسبب في هدم مقومات الشخصية الإسلامية وأخلاقها.
د - توجيه التعليم وجهة إسلامية وتدريس كل العلوم من منطلق إسلامي، وجعل المواد الدينية مواد أساسية، في كل المراحل والتخصصات، مما يقوي العقيدة الإسلامية ويؤصل الأخلاق الإسلامية في النفوس، كما يجب أن تحرص الأمة أن تكون رائدة في مجالات العلم المتعددة.
هـ - بناء الأسرة الإسلامية، بناء صحيحاً، وتيسير الزواج والحث عليه وحث الآباء والأمهات على تنشئة البنين والبنات تنشئة صحيحة، حتى يكونوا جيلاً قوياً يعبد الله على حق، ويتولى المهمة الدائمة لنشر الإسلام والدعوة إليه، وأن تهيأ المرأة لتقوم بدورها أماً وربة بيت، حسب ما تقضي به الشريعة الإسلامية، والقضاء على ظاهرة انتشار استخدام المربيات الأجنبيات، خاصة غير المسلمات.
وتهيئة جميع الوسائل التي تحقق تربية النشء، تربية إسلامية، بحيث يلتزم بأركان الإسلام وسلوكياته، ويدرك واجباته تجاه ربه وأمته وويتخلص من الخواء الروحي الذي يتسبب في تعاطي المخدرات والمسكرات، والتفسخ الأخلاقي بأشكاله المتعددة، واشغال الشباب بمهمات الأمور، وإعطاؤه المسؤليات كل حسب قدرته وكفاءته، وإشغال أوقات الفراغ لديهم بما هو مفيد، وإيجاد وسائل الترفيه والرياضات والمسابقات البريئة الطاهرة، وأن توجه وجهة إسلامية كاملة.(17/148)
ثانياً: بعد الاطلاع على البحوث الواردة للمجمع في موضوع مجالات الوحدة الإسلامية وسبل الاستفادة منها، وانطلاقاً من أولوية رابطة الإسلام بين شعوب الأمة الإسلامية، وهي رابطة لا انفصام لها، وأساس متين للتضامن المنشود، وقاعدة ثابتة لكل بناء حضاري يرمي إلى توحيد صفوفها وإلى التأليف بين الجهود المبذولة في مجابهة التحديات المعاصرة وتحقيق العزة والتقدم،
وبما أن في رابطة الإسلام حافزاً قوياً وعاملاً باقياً لأحكام التوجه ولتنسيق سياسات الدول الإسلامية في مختلف ميادين التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولتوثيق علاقات التناصر والتعاون والمرحمة بين شعوب الأمة في رفع ما يعوق سيرها من ألوان التبعية ويجابهها من التحديات المعاصرة وفي بلوغ ما تسعى لتحقيقه من رقي ومنعة وازدهار،
يوصي أيضاً بما يلي:
أ - الذود عن العقيدة الإسلامية، وتمكينها بصورتها النقية من الشوائب، والتحذير من كل ما يؤدي إلى هدمها أو التشكيك في أصولها، ويقسم وحدة المسلمين ويجعلهم مختلفين متنابذين.
ب - تأكيد عناية مجمع الفقه الإسلامي بالأبحاث والدراسات الفقهية التي ترمي إلى مجابهة التحديات الفكرية الناشئة عن مقتضيات المعاصرة، واهتمام الفقه الإسلامي بمشكلات المجتمع، واعتماده كعنصر أساسي في النهضة الفكرية للأمة، وتوسيع دائرة اعتماده فيما تسنّه الدول الإسلامية من تشريعات وقوانين، في عامة شؤون المجتمع.
ج - وجوب التناسق الوثيق، في ميدان التربية والتعليم، مضموناً ومنهاجاً، على السبل القويمة للحضارة الفكرية التي بناها الإسلام، بغية تكوين أجيال من المسلمين متوحدين في المرجع التعبدي، متقاربين في التوجه الفكري، متشاركين في الاعتزاز بالانتساب الحضاري.
د - إعطاء درجة عالية من الأولوية للبحث العلمي، في مختلف ميادين المعرفة، وتخصيص نسبة 1% من الناتج الإجمالي، لتمويل البرامج البحثية وإنشاء المخابر العلمية على أساس وثيق من التكامل والتعاون بين الجامعات الإسلامية.
هـ - العمل مع الجامعات الإسلامية على ضبط برنامج دراسي يتألف من عدد من المحاور الكبرى، تكون غرضاً للبحث الفقهي، وإنشاء لجنة عليا من المفكرين المسلمين لمتابعة هذه الأبحاث وإجازتها، وتخصيص جائزة تفوق لمكافأة أحسنها.
وأن يكون الإعلام، في بلاد المسلمين، بكل أنواعه، المسموعة والمقروءة والمرئية، إعلاماً هادفاً إلى تحقيق العبودية لله في أرضه، وبث الخير ونشر الفضيلة والتحرر من المبادىء الهدامة للفكر والخلق، والملحدة في دين الله، والمنحرفة عن الصراط المستقيم. ودعم جهود توحيده.
ز - إقامة اقتصاد إسلامي، لا شرقي ولا غربي، بل اقتصاد إسلامي خالص، مع إقامة سوق إسلامية مشتركة، يتعاون فيها المسلمون على الإنتاج وتسويقه، دون الحاجة إلى غيرهم، لأن الاقتصاد ركن مهم من أركان قيام المجتمعات، وتكامله سبيل للوحدة بين شعوب الأمة الإسلامية.
ثالثاً: انطلاقاً من أن إسلامية التعليم، في الديار الإسلامية اليوم، ضرورة لا مناص منها، لبناء الأجيال الإسلامية، بناء سوياً متكاملاً، في الفكر والتصور والسلوك والعمل،
يوصي أيضاً بما يلي:(17/149)
جعل جميع العلوم محكومة بالإسلام في المنطلقات والأهداف، وأن يكون الإسلام، بنظمه وضوابطه، إطاراً لهذه العلوم، وأن تكون العقيدة الإسلامية قاعدة وأصلاً في بناء المنهج التربوي والتعليمي. وتتلخص أهم معالم المنهج المنشود في إسلامية التعليم فيما يلي:
أ - جعل العقيدة الإسلامية قاعدة التصور الإسلامي الكبير الذي يعطي نظرة كلية شاملة للكون والإنسان والحياة، كما تُعرّف الإنسان بخالق الحياة وعلاقته بالكون، وعلاقة الإنسان بخالقه، وبمجتمعه.
ب - اتخاذ الإسلام محوراً للعلوم الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والسياسية، وإبراز نظرياته الإنسانية وتعلقها بخالق الكون والإنسان والحياة، بالتنسيق مع المنظمات الإسلامية العاملة في هذا المجال، كالمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة.
ج - العمل على إظهار فساد ما يخالف العقيدة الإسلامية، من علوم مادية وملحدة وأخرى مضللة، كالكهانة والسحر والتنجيم، والتحذير من العلوم التي ذمّها وحرّمها الإسلام، وكذلك العلوم التي تقوم على الفسق والفجور.
د - إعادة كتابة تاريخ العلوم والمعارف، وبيان تطورها وإسهامات المسلمين في كل منها، وتنقيتها مما دُس فيها من نظريات استشراقية وتغريبية تُحرفّ المسار التاريخي الحق، وإعادة النظر في تصنيف العلوم ومناهج البحث، وفق النظرة الإسلامية، من خلال أنشطة مراكز ومعاهد البحث العلمي ومراكز الاقتصاد الإسلامي، في شتى البلاد الإسلامية.
هـ - إعادة الوشائج بين العلوم التي تبحث في الكون والإنسان والحياة وبين خالقها، فإن العالم الباحث في هذه المجالات يجب أن ينظر فيها على أنها تمثل الإبداع الإلهي، والصنعة الربانية المحكمة.
ووضع الضوابط والقواعد المستخلصة من الدين الإسلامي أو المتسقة مع أهدافه وغاياته، لتكون مبادىء لجميع العلوم أو لعلمٍ واحد منها، وإبراز عيوب المناهج الغربية التي أقامت فصاماً موهوماً بين الدين والعلم، أو بنت العلوم بناءً خاطئاً كعلم التاريخ والاقتصاد والاجتماع.
وينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن هناك مشروعاً يشكل ظهيراً لإسلامية التعليم، بل ربما كان من الوسائل الضرورية له، وهو مشروع إسلامية المعرفة، وينهض المعهد العالمي للفكر الإسلامي بمتطلباته، من حيث التخطيط ورسم سبل التنفيذ من خلال مقالات ومؤلفات وندوات. والله الموفق(17/150)
قرار رقم: 37 (12/4)
بشأن
مشروع موسوعة القواعد الفقهية
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخر 1408هـ الموافق6-11 شباط (فبراير) 1988م،
وبعد دراسة التقرير المعدّ عن مشروع معلمة القواعد الفقهية واطلاعه على تقرير اللجنة المكونة، في أثناء انعقاد هذه الدورة، لدراسة مشروع موسوعة القواعد الفقهية ومراحل السير فيه، والمشتمل على الصياغة النهائية للمشروع، ثم المراحل السبع المقترحة لإعداد الموسوعة، وما في المرحلة الأولى والخامسة من تعدد الرأي،
قرر ما يلي:
أولاً: اعتماد الصياغة النهائية لمشروع موسوعة القواعد الفقهية والمراحل المتفق على اقتراحها من لجنة المشروع.
ثانياً: تكليف الأمانة العامة للمجمع متابعة تنفيذ ما يترك لها اختيار ما تراه مناسباً من الرأيين المطروحين من لجنة المشروع بالنسبة للمرحلة الأولى والخامسة من مراحل إعداده.
والله الموفق(17/151)
قرار رقم: 35 (10/4)
بشأن
مشروع تيسير الفقه
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
مجلة المجمع (ع 4، ج3 ص 1809)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخر 1408هـ الموافق6-11 شباط (فبراير) 1988م،
بعد دراسة التقرير المعدّ عن مشروع تيسير الفقه والمشتمل على الخطة المقترحة للمشروع كما وردت من اللجنة المكلفة بالإشراف عليه،
وبعد اطلاعه على تقرير اللجنة الفرعية المكونة في أثناء انعقاد هذه الدورة لدراسة مشروع تيسير الفقه، وتوصيتها باعتماد الخطة المشار إليها، وتكليف الأمانة العامة للمجمع متابعة تنفيذه،
قرر ما يلي:
اعتماد الخطة الواردة في تقرير اللجنة المشرفة على مشروع تيسير الفقه، وفق التعديل المقترح منها، وتكليف الأمانة العامة للمجمع متابعة تنفيذه.
والله الموفق(17/152)
قرار رقم: 47 (9/5)
بشأن
العرف
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
مجلة المجمع (ع 5، ج4 ص 2921)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأول 1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م،
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع العرف، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي:
أولاً: يراد بالعرف ما اعتاده الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك، وقد يكون معتبراً شرعاً أو غير معتبر.
ثانياً: العرف، إن كان خاصاً، فهو معتبر عند أهله، وإن كان عاماً، فهو معتبر في حق الجميع.
ثالثاً: العرف المعتبر شرعاً هو ما استجمع الشروط الآتية:
أ - أن لا يخالف الشريعة، فإن خالف العرف نصاً شرعياً أو قاعدة من قواعد الشريعة فإنه عرف فاسد.
ب - أن يكون العرف مطَّرداً (مستمراً) أو غالباً.
ج - أن يكون العرف قائماً عند إنشاء التصرف.
د - أن لا يصرح المتعاقدان بخلافه، فإن صرحا بخلافه فلا يعتد به.
رابعاً: ليس للفقيه - مفتياً كان أو قاضياً - الجمود على المنقول في كتب الفقهاء من غير مراعاة تبدل الأعراف.
والله أعلم(17/153)
قرار رقم: 70 (1/8)
بشأن
الأخذ بالرخصة وحكمه
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
مجلة المجمع (ع 8، ج1 ص 41)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سيري بيجوان، بروناي دار السلام من 1- 7 محرم 1414هـ الموافق 21- 27 حزيران (يونيو) 1993م،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الأخذ بالرخصة وحكمه،
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي:
1- الرخصة الشرعية هي ما شُرع من الأحكام لعذر، تخفيفاً عن المكلفين، مع قيام السبب الموجب للحكم الأصلي.
ولا خلاف في مشروعية الأخذ بالرخص الشرعية إذا وجدت أسبابها، بشرط التحقق من دواعيها، والاقتصار على مواضعها، مع مراعاة الضوابط الشرعية المقررة للأخذ بها.
2- المراد بالرخص الفقهية ما جاء من الاجتهادات المذهبية مبيحاً لأمر في مقابلة اجتهادات أخرى تحظره.
والأخذ برخص الفقهاء، بمعنى اتباع ما هو أخف من أقوالهم، جائز شرعاً بالضوابط الآتية في البند (4) .
3- الرخص في القضايا العامة تُعامل معاملة المسائل الفقهية الأصلية إذا كانت مُحققة لمصلحة معتبرَة شرعاً، وصادرة عن اجتهاد جماعي ممن تتوافر فيهم أهلية الاختيار ويتصفون بالتقوى والأمانة العلمية.
4- لا يجوز الأخذ برخص المذاهب الفقهية لمجرد الهوى، لأن ذلك يؤدي إلى التحلل من التكليف، وإنما يجوز الأخذ بالرخص بمراعاة الضوابط التالية:
أ- أن تكون أقوال الفقهاء التي يترخص بها مُعتبرة شرعاً ولم توصف بأنها من شواذ الأقوال.
ب- أن تقوم الحاجة إلى الأخذ بالرخصة، دفعاً للمشقة سواء أكانت حاجة عامة للمجتمع أم خاصة أم فردية.
ج - أن يكون الآخذ بالرخص ذا قدرة على الاختيار، أو أن يعتمد على من هو أهل لذلك.
د - ألا يترتب على الأخذ بالرخص الوقوع في التلفيق الممنوع الآتي بيانه في البند (6) .
هـ - ألا يكون الأخذ بذلك القول ذريعة للوصول إلى غرض غير مشروع.
وأن تطمئن نفس المترخص للأخذ بالرخصة.
5- حقيقة التلفيق في تقليد المذاهب هي أن يأتي المقلد في مسألة واحدة ذات فرعين مترابطين فأكثر بكيفية لا يقول بها مجتهد ممن قلدهم في تلك المسألة.
6- يكون التلفيق ممنوعاً في الأحوال التالية:
أ- إذا أدى إلى الأخذ بالرخص لمجرد الهوى، أو الإخلال بأحد الضوابط المبينة في مسألة الأخذ بالرخص.
ب - إذا أدى إلى نقض حكم القضاء.
ج - إذا أدى إلى نقض ما عُمل به تقليداً في واقعة واحدة.
د - إذا أدى إلى مخالفة الإجماع أو ما يستلزمه.
هـ - إذا أدى إلى حالة مركّبة لا يقرها أحد من المجتهدين. والله أعلم(17/154)
قرار رقم: 92 (9/9)
بشأن
سد الذرائع
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع (ع 9، ج3 ص 5)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1- 6 ذي القعدة 1415هـ الموافق 1- 6 نيسان (أبريل) 1995م،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع سد الذرائع،
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي:
1- سدّ الذرائع أصل من أصول الشريعة الإسلامية، وحقيقته: منع المباحات التي يتوصل بها إلى مفاسد أو محظورات.
2- سدّ الذرائع لا يقتصر على مواضع الاشتباه والاحتياط، وإنما يشمل كل ما من شأنه التوصل به إلى الحرام.
3- سدّ الذرائع يقتضي منع الحيل إلى اتيان المحظورات أو إبطال شيء من المطلوبات الشرعية، غير أن الحيلة تفترق عن الذريعة باشتراط وجود القصد في الأولى دون الثانية.
4- والذرائع أنواع:
الأولى مجمع على منعها: وهي المنصوص عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أو المؤدية إلى المفسدة قطعاً أو كثيراً غالباً، سواء أكانت الوسيلة مباحة أم مندوبة أم واجبة. ومن هذا النوع العقود التي يظهر منها القصد إلى الوقوع في الحرام بالنص عليه في العقد.
والثانية مجمع على فتحها: وهي التي ترجح فيها المصلحة على المفسدة.
والثالثة مخلتف فيها: وهي التصرفات التي ظاهرها الصحة، لكن تكتنفها تهمة التوصل بها إلى باطن محظور، لكثرة قصد ذلك منها.
5- وضابط إباحة الذريعة: أن يكون إفضاؤها إلى المفسدة نادراً، أو أن تكون مصلحة الفعل أرجح من مفسدته.
وضابط منع الذريعة: أن تكون من شأنها الإفضاء إلى المفسدة لا محالة - قطعاً - أو كثيراً أو أن تكون مفسدة الفعل أرجح مما قد يترتب على الوسيلة من المصلحة.
والله أعلم(17/155)
قرار رقم: 25 (13/3)
بشأن
توصيات الدورة الثالثة
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
لمجلس مجمع الفقه الإسلامي
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8-13 صفر 1407هـ /11 - 16 تشرين الأول (أكتوبر) 1986م،
بعد استماعه إلى بيان سمو ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية الهاشمية الأمير الحسن بن طلال، حول المشكلات الملحة التي يعاني منها المسلمون في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وضرورة التوجه لتلبية الحاجات الملحة للمسلمين في مواجهة آثار الفقر والمرض والجهل، وتحقيق الحياة الكريمة للإنسان،
وبعد اطلاعه على نداء سمو ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية الموجه إلى العالم العربي والإسلامي لإغاثة السودان،
وبعد استشعاره، وهو ينعقد على مقربة من المسجد الأقصى المبارك، بضرورة مضاعفة الجهد من أجل استنقاذ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين،
وفي ضوء قناعته بضرورة الاهتمام بالدرجة الأولى بالقضايا التي تتصل بحياة المسلمين الاجتماعية والاقتصادية والتضامنية، وبضرورة تعميق الدراسة والبحث فيها بالتركيز على الندوات العلمية والأيام الدراسية ونحوها،
يوصي بما يلي:
أولاً: ضرورة تبني برنامج إسلامي واسع للإغاثة ينفق عليه من صندوق مستقل ينشأ لهذا الغرض ويمول من أموال الزكاة والتبرعات والأوقاف الخيرية.
ثانياً: مناشدة الأمة الإسلامية شعوباً وحكومات أن تعمل جهدها لاستنقاذ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وتحرير الأرض المحتلة بحشد طاقاتها وبناء ذاتها وتوحيد صفوفها والتسامي على كل أسباب الاختلاف بينها وتحكيم شريعة الله سبحانه في حياتها الخاصة والعامة.
ثالثاً: اهتمام أعمال المجمع، في مجالات الدراسات والبحوث والفتوى والمشاريع، بالقضايا الهامة للمسلمين والتي تتصل بحياتهم الاجتماعية والاقتصادية وتوحيد صفوفهم وجمع كلمتهم وتحقيق أسباب التكافل والتضامن بينهم وتمكينهم من مواجهة كل التحديات ومن إقامة حياتهم على هدي من شريعة الله سبحانه.
رابعاً: التميز بين قضايا الدراسات والبحوث وموضوعات الفتوى وذلك بالتركيز في البحوث والدراسات بصفة خاصة على الندوات العلمية والأيام الدراسية وفق خطة تعدها شعبة التخطيط في المجمع لتعرض على المجلس.
والله الموفق(17/156)
قرار رقم: 24 (12/3)
بشأن
المشاريع العلمية للمجمع
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8-13 صفر 1407هـ /11 - 16 تشرين الأول (أكتوبر) 1986م.
بعد دراسة تقرير شعبة التخطيط عن اجتماعها يومي 8 و 9 صفر 1407هـ 11-12 تشرين الأول (أكتوبر) 1986م، والذي بحثت فيه عدداً من الأمور المدرجة على جدول أعمالها،
قرر ما يلي:
أولاً: الموافقة على المشاريع التالية بعد أن أدخل عليها بعض التعديلات:
1- الموسوعة الفقهية.
2- معجم المصطلحات الفقهية.
3- معلمة القواعد الفقهية.
4- مدونة أدلة الأحكام الفقهية.
5- إحياء التراث الفقهي.
6- اللائحة المالية للموسوعة الفقهية.
7- اللائحة المالية لمعجم المصطلحات الفقهية.
8- اللائحة المالية لإحياء التراث الفقهي.
9- منهج سير عمل ومناقشات وإدارة جلسات المجلس.
ثانياً: تأليف لجنة علمية رباعية لوضع منهج لكل من مشروعي معلمة القواعد الفقهية ومدونة أدلة الأحكام الفقهية بالتشاور بين رئيس المجلس والأمين العام. والله الموفق(17/157)
رقم القرار: 3
رقم الدورة: 8
بشأن موضوع الاجتهاد
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 15/10/1425
28/11/2004
بشأن موضوع الاجتهاد:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، في دورته الثامنة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي، بمكة المكرمة في الفترة ما بين 27 ربيع الآخر 1405هـ و 8 جمادى الأولى 1405هـ الموافق 18-29 يناير 1985م قد نظر في موضوع الاجتهاد، وهو بذل الجهد في طلب العلم، بشيء من الأحكام الشرعية، بطريق الاستنباط من أدلة الشريعة. فالهيكل الأساسي للاجتهاد، يتطلب تمام المعرفة، باستجماع الشروط، فلا مجال للاجتهاد إلا بها، تحصيلاً لهذا الفرض الكفائي، كما قال تعالى: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) [التوبة:122] . فقد أفادت الآية، أن التفقه في الدين، يتطلب التفرغ له، فلابد في الاجتهاد من أخذ الحيطة الكاملة، للوصول إلى الفهم الفقهي الصحيح. وأوضح السيوطي إيضاحًا كاملاً، فرضية الاجتهاد، وأنه لم ينقطع، وذلك في كتابه (الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض) فبابه لم يغلق، ولا يملك أحد إغلاقه، ولاسيما أن علماء الأصول- حين بحثوا مسألة جواز خلو الزمن عن مجتهد، أو عدم خلوه- اتفقوا على أن باب الاجتهاد مفتوح أمام من تتوافر فيه شروطه، وإنما تقاصرت الهمم عن تحصيل درجة الاجتهاد، وهي التضلع في علوم القرآن، والسنة المطهرة، وأصول الفقه، وأحوال الزمن، ومقاصد الشريعة، وقواعد الترجيح، عند تعارض الأدلة، مع عدالة المجتهد، وتقواه، والثقة بدينه.
وينقسم الاجتهاد أربعة أقسام: القسم الأول: المجتهد المطلق. كالأئمة المقتدى بهم. القسم الثاني: المجتهد في المذهب، وله أربع أحوال ذكرها الأصوليون. القسم الثالث: مجتهد الترجيح. القسم الرابع: المجتهد في فن، أو في مسألة، أو مسائل، وهو جائز- بناء على أن الاجتهاد يتجزأ - وهو المختار.
لذلك كله قرر المجلس بالإجماع:
1- أن حاجة العصر إلى الاجتهاد حاجة أكيدة، لما يعرض من قضايا، لم تعرض لمن تقدم عصرنا. وكذلك ما سيحدث من قضايا جديدة في المستقبل فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل، على الاجتهاد، حين لا يجد نصًّا من كتاب الله تعالى، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم- وذلك حين قال معاذ (أجتهد رأيي، ولا آلو) - وحينئذ تحفظ للإسلام جدته وصلاحيته للعصور كلها، إذ تحل المشكلات في المعاملات، ونظم الاستثمارات الحديثة، وسواها من المشكلات الاجتماعية. وحبذا لو أقيم مركز يجمع ما يصدر عن المجامع، والمؤتمرات، والندوات، لينتفع بذلك، وتزود به كليات الشريعة، والدراسات العليا الإسلامية، وبذلك يشع الإسلام، وفي ذلك ضمان لحياة مستقيمة صالحة.(17/158)
2- أن يكون الاجتهاد جماعيًّا، بصدوره عن مجمع فقهي، يمثَّل فيه علماء العالم الإسلامي، وأن الاجتهاد الجماعي هو ما كان عليه الأمر في عصور الخلفاء الراشدين كما أفاده الشاطبي في الموافقات، من أن عمر بن الخطاب، وعامة خيار الصحابة، قد كانت ترد عليهم المسائل، وهم خير قرن، وكانوا يجمعون أهل الحل والعقد من الصحابة، ويتباحثون ثم يفتون. وسار التابعون على غرار ذلك، وكان المرجع في الفتاوى إلى الفقهاء السبعة، كما أفاده الحافظ ابن حجر في التهذيب، ذكر أنهم إذا جاءتهم المسألة، دخلوا فيها جميعًا، ولا يقضي القاضي، حتى يرفع إليهم، وينظروا فيها.
3- توافر شروط الاجتهاد المطلوبة في المجتهدين، لأنه لا يتأتى اجتهاد بدون وسائله، حتى لا تتعثر الأفكار، وتحيد عن أمر الله تعالى، إذ لا يمكن فهم مقاصد الشرع، في الكتاب الكريم وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام إلا بها.
4- الاسترشاد بما للسلف، حتى يقع الاجتهاد على الوجه الصحيح، فلا يسلك إليه حديثًا إلا بعد معرفة ما سبق للسلف، في كل شأن، والاستعانة بما قدمه الأئمة المقتدى بهم، وإلا اختلطت السبل، فإن كتب الفقه الإسلامي المستنبط من الكتاب والسنة، أكبر عون على ما يعرض من المشكلات، إلحاقًا لها بنظائرها.
5- أن تراعى قاعدة أنه (لا اجتهاد في مورد النص) ، وذلك حيث يكون النص قطعي الثبوت والدلالة، وإلا انهدمت أسس الشريعة.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. والحمد لله رب العالمين.(17/159)
القرار: 4
رقم الدورة: 11
بشأن حكم التطهر بمياه المجاري بعد تنقيتها
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن حكم التطهر بمياه المجاري بعد تنقيتها:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الحادية عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من يوم الأحد 13رجب1409هـ الموافق 19 فبراير 1989م إلى يوم الأحد 20 رجب 1409هـ الموافق 26 فبراير 1989م: قد نظر في السؤال عن حكم ماء المجاري، بعد تنقيته: هل يجوز رفع الحدث بالوضوء والغسل به؟ وهل تجوز إزالة النجاسة به؟ وبعد مراجعة المختصين بالتنقية بالطرق الكيماوية، وما قرروه من أن التنقية تتم بإزالة النجاسة منه على مراحل أربعة: وهي الترسيب، والتهوية، وقتل الجراثيم، وتعقيمه بالكلور، بحيث لا يبقى للنجاسة أثر في طعمه، ولونه، وريحه، وهم مسلمون عدول، موثوق بصدقهم وأمانتهم. قرر المجمع ما يلي: أن ماء المجاري إذا نقي بالطرق المذكورة أو ما يماثلها، ولم يبق للنجاسة أثر في طعمه، ولا في لونه، ولا في ريحه: صار طهورًا يجوز رفع الحدث وإزالة النجاسة به، بناء على القاعدة الفقهية التي تقرر: أن الماء الكثير، الذي وقعت فيه نجاسة، يطهر بزوال هذه النجاسة منه، إذا لم يبق لها أثر فيه. والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين.
وجهة نظر في الاستعمالات الشرعية والمباحة لمياه المجاري المنقاة:
الحمد لله، وبعد ... فإن المجاري معدة، في الأصل، لصرف ما يضر الناس، في الدين والبدن، طلبًا للطهارة ودفعًا لتلوث البيئة. وبحكم الوسائل الحديثة لاستصلاح ومعالجة مشمولها، لتحويله إلى مياه عذبة، منقاة، صالحة للاستعمالات المشروعة، والمباحة مثل: التطهر بها، وشربها وسقي الحرث منها، بحكم ذلك، صار السبر للعلل، والأوصاف القاضية بالمنع، في كل أو بعض الاستعمالات، فتحصل أن مياه المجاري قبل التنقية معلة بأمور:
الأول: الفضلات النجسة بالطعم واللون والرائحة.
الثاني: فضلات الأمراض المعدية، وكثافة الأدواء والجراثيم (البكتريا) .
الثالث: علة الاستخباث والاستقذار، لما تتحول إليه باعتبار أصلها، ولما يتولد عنها في ذات المجاري، من الدواب والحشرات المستقذرة طبعًا وشرعًا.(17/160)
ولذا صار النظر بعد التنقية في مدى زوال تلكم العلل، وعليه: فإن استحالتها من النجاسة- بزوال طعمها ولونها وريحها- لا يعني ذلك زوال ما فيها من العلل والجراثيم الضارة. والجهات الزراعية توالي الإعلام بعدم سقي ما يؤكل نتاجه من الخضار، بدون طبخ، فكيف بشربها مباشرة؟ ومن مقاصد الإسلام: المحافظة على الأجسام، ولذا لا يورد ممرض على مصح، والمنع لاستصلاح الأبدان واجب، كالمنع لاستصلاح الأديان. ولو زالت هذه العلل، لبقيت علة الاستخباث والاستقذار، باعتبار الأصل، الماء يعتصر من البول والغائط، فيستعمل في الشرعيات والعادات على قدم التساوي. وقد علم من مذهب الشافعية، والمعتمد لدى الحنبلية، أن الاستحالة هنا لاتؤول إلى الطهارة، مستدلين بحديث النهي عن ركوب الجلالة وحليبها، رواه أصحاب السنن وغيرهم، ولعلل أخرى. مع العلم: أن الخلاف الجاري بين متقدمي العلماء، في التحول من نجس إلى طاهر، هو في قضايا أعيان، وعلى سبيل القطع، لم يفرعوا حكم التحول على ما هو موجود حاليًّا في المجاري، من ذلك الزخم الهائل من النجاسات، والقاذورات، وفضلات المصحات، والمستشفيات، وحال المسلمين لم تصل بهم إلى هذا الحد من الاضطرار، لتنقية الرجيع، للتطهر به، وشربه، ولا عبرة بتسويغه في البلاد الكافرة، لفساد طبائعهم بالكفر، وهناك البديل، بتنقية مياه البحار، وتغطية أكبر قدر ممكن من التكاليف، وذلك بزيادة سعر الاستهلاك للماء، بما لا ضرر فيه، وينتج إعمال قاعدة الشريعة في النهي عن الإسراف في الماء. والله أعلم.
عضو المجمع الفقهي الإسلامي بمكة: بكر أبو زيد(17/161)
أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الرابع ص459-446
القرار رقم (61) وتاريخ 12/4/1398هـ
كيفية ممارسة الشعائر المتعلقة بالأوقات في الدول التي لا تغيب فيها الشمس إطلاقاً في فترة الصيف ولا ترى إطلاقاً في الشتاء
هيئة كبار العلماء 13/10/1426
15/11/2005
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله، وآله وصحبه وبعد:
فقد عرض على مجلس هيئة كبار العلماء في الدورة الثانية عشرة المنعقدة بالرياض في الأيام الأولى من شهر ربيع الآخر عام 1398هـ كتاب معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة رقم (555) وتاريخ 16/1/1398هـ المتضمن ما جاء في خطاب رئيس رابطة الجمعيات الإسلامية في مدينة (مالمو) بالسويد الذي يفيد فيه بأن الدول الاسكندنافية يطول فيها النهار في الصيف ويقصر في الشتاء؛ نظراً لوضعها الجغرافي، كما أن المناطق الشمالية منها لا تغيب عنها الشمس إطلاقاً في الصيف، وعكسه في الشتاء، ويسأل المسلمون فيها عن كيفية الإفطار والإمساك في رمضان، وكذلك كيفية ضبط أوقات الصلوات في هذه البلدان.
ويرجو معاليه إصدار فتوى في ذلك؛ ليزودهم بها (اهـ) .
وعرض على المجلس أيضاً ما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ونقول أخرى عن الفقهاء في الموضوع، وبعد الاطلاع والدراسة والمناقشة قرر المجلس ما يلي:
أولاً: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس إلا أن نهارها يطول جداً في الصيف ويقصر في الشتاء - وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعاً؛ لعموم قوله تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا " (1) ، وقوله تعالى: " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً" (2) .
ولما ثبت عن بريدة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة، فقال له: " صل معنا هذين " يعني: اليومين، فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر فأبرد بها، فأنعم أن يبرد بها، وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال: " أين السائل عن وقت الصلاة؟ " فقال الرجل: أنا يا رسول الله قال: " وقت صلاتكم بين ما رأيتم " رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغيب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة، فإنها تطلع بين قرني شيطان" أخرجه مسلم في [صحيحه] .(17/162)
إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس قولاً وفعلاً، ولم تفرق بين طول النهار وقصره وطول الليل وقصره ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم، وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان، فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم، ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل، وكان مجموع زمانهما أربعاً وعشرين ساعة، ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط، وإن كان قصيراً، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد، وقد قال الله تعالى:" وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل" (3) .
ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله أو علم بالأمارات أو التجربة أو إخبار طبيب أمين حاذق أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضاً شديداً، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه أفطر ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء، قال تعالى: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفرٍ فعدة من أيام أخر" (4) ، وقال الله تعالى: " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" (5) ،وقال: "وما جعل عليكم في الدين من حرج" (6) .
ثانياً: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً ولا تطلع فيها الشمس شتاء أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً- وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض؛ لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فرض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة، فلم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل ربه التخفيف، حتى قال: يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة ... " إلى آخره.
ولما ثبت من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خمس صلوات في اليوم والليلة" فقال: هل علي غيرهن؟ قال: " لا إلا أن تطوع.." الحديث.
ولما ثبت من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:" نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد، أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك قال: "صدق" إلى أن قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا، قال: "صدق" قال فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا، قال: "نعم.." الحديث.(17/163)
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حدَّث أصحابه عن المسيح الدجال فقالوا: ما لبثه في الأرض؟ قال: " أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم".، فقيل، يا رسول الله، اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: " لا، اقدروا له"، فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يوماً واحداً يكفي فيه خمس صلوات، بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتباراً بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم.
فيجب على المسلمين في البلاد المسئول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلد إليهم، يتمايز فيه الليل من النهار وتعرف فيه أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة.
وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان، وعليهم أن يقدروا لصيامهم فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه في أقرب بلد إليهم يتميز فيها الليل من النهار، ويكون مجموعهما أربعاً وعشرين ساعة؛ لما تقدم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه، إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة.
والله ولي التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
_____________
(1) سورة الإسراء، الآية، 78.
(2) سورة النساء، الآية 103.
(3) سورة البقرة، الآية 187.
(4) سورة البقرة، الآية 185.
(5) سورة البقرة، الآية 286.
(6) سورة الحج، الآية 78.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة
عبد العزيز بن صالح
عبد العزيز بن باز
عبد الله بن حميد
عبد الله بن خياط
عبد الرزاق عفيفي
محمد الحركان
عبد المجيد حسن
سليمان بن عبيد
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
محمد بن جبير
راشد بن خنين
صالح بن غصون
عبد الله بن غديان
صالح بن لحيدان
عبد الله بن منيع عبد الله بن قعود(17/164)
أبحاث هيئة كبار العلماء. المجلد الرابع ص 27-32
قرار رقم (54) وتاريخ 4/4/1397هـ
توحيد الأذان في المسجد النبوي
هيئة كبار العلماء 13/10/1426
15/11/2005
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله، وآله وصحبه وبعد:
ففي الدورة العاشرة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الرياض في شهر ربيع الأول عام 1397هـ اطلع المجلس على ما ورد من المقام السامي برقم 4/ ب/ 28079 وتاريخ 23/11/1396هـ بخصوص توحيد الأذان في المسجد النبوي.
وبعد البحث والمناقشة وتداول الرأي قرر المجلس بأكثرية الأصوات أنه يتعين توحيد الأذان في المسجد النبوي، كما هو الحال في المسجد الحرام؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحافظة على ما كان عليه العمل في عهده صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الخلفاء الراشدين، رضي الله عنهم من عدم وجود أكثر من مؤذن في آنٍ واحد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه لا يصار إلى التعدد إلا عند الحاجة إلى ذلك كما ذكره أهل العلم، وليس هناك حاجة؛ لوجود مكبر الصوت.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة العاشرة
عبد الرزاق عفيفي
عبد الله خياط
عبد الله بن محمد بن حميدان
عبد العزيز بن باز
عبد العزيز بن صالح
عبد المجيد بن حسن
محمد الحركان
سليمان بن عبيد
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
صالح بن غصون
راشد بن خنين
عبد الله بن غديان
محمد بن جبير
عبد الله بن منيع
صالح اللحيدان عبد الله بن قعود
وجهة نظر
قد جرى في الدورة العاشرة في مجلس هيئة كبار العلماء المعقودة بمقر الهيئة بالرياض برئاسة فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي جرى بحث توحيد الأذان في المسجد النبوي الشريف. وقد أدلى المجتمعون بآرائهم بعد أن تلي البحث المعد لذلك من إدارة البحوث. والغريب في الأمر أن البحث الذي قدم كله يدل على جواز تعدد الأذان، والبعض يقول بمشروعيته، ومع هذا حصل الاختلاف في الآراء، ولكن هكذا الشأن حينما تعرض الآراء في مجلس ما. "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً" (1) .
أما رأينا نحن الموقعين أدناه كل من: محمد العلي الحركان الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء، وعبد الله خياط إمام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة كبار العلماء، وعبد العزيز بن صالح رئيس محاكم منطقة المدينة المنورة وإمام وخطيب المسجد النبوي الشريف وعضو هيئة كبار العلماء.
رأينا في ذلك هو كما يلي:
1- معنى الأذان: هو الإعلام بدخول الوقت، وهو مشروع، ويحصل الإعلام منه بقدر الحاجة، وحيث إنه مشروع فإن تعداده في مسجد واحد أمر غير مؤثر في مشروعيته. ويحصل الإعلام بمؤذن واحد، ولكن لو زاد على مؤذن فأكثر فإنه لم يوجد دليل على منعه إطلاقاً، وإذاً فإن رأينا هو جواز تعداد الأذان في المسجد النبوي؛ وذلك للأدلة الآتية:(17/165)
- قال النووي في [شرح مسلم] : على حديث عبد الله بن عمر (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان) قال: وفي هذا الحديث استحباب اتخاذ مؤذنين للمسجد الواحد ... إلى أن قال: (قال أصحابنا: فإذا احتاج إلى أكثر من مؤذنين اتخذ ثلاثة وأربعة فأكثر حسب الحاجة، وقد اتخذ عثمان رضي الله عنه أربعة للحاجة عند كثرة الناس ... إلى أن قال رحمه الله: فإن كان المسجد كبيراً أذنوا متفرقين في أقطاره، وإن كان ضيقاً وقفوا معاً وأذنوا، وهذا إذا لم يؤد اختلاف الأصوات إلى تهويش (2) .
- قال في [فتح الباري] على حديث مالك بن الحويرث: ولو احتيج إلى تعددهم - أي: في الحضر- لتباعد أقطار البلد أذن كل واحد في جهة، ولا يؤذنون جميعاً ... وقال الشافعي في [الأم] : (وأحب أن يؤذن مؤذن بعد مؤذن، ولا يؤذن جماعة معاً، وإن كان مسجد كبير فلا بأس أن يؤذن في كل جهة منه مؤذن يسمع من يليه في وقت واحد) (3) .
ونص الشافعي في [الأم] . قال: (فلا بأس أن يؤذن في كل منارة له مؤذن فيسمع من يليه في وقت واحد) (4) . وقال صاحب [الفتح] : وعن أبي حبيب أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رقى المنبر وجلس أذن المؤذنون وكانوا ثلاثة واحداً بعد واحد، فإذا فرغ الثالث قام فخطب، ثم قال: فإنه دعوى تحتاج إلى دليل، ولم يرد ذلك صريحاً من طريق متصلة يثبت مثلها) إلى أن قال: (ثم وجدته في مختصر البويطي عن الشافعي) (5) اهـ. وذكر النووي في [المجموع على المهذب] نحو ما ذكره في [شرح مسلم] وزاد: جواز زيادة المؤذنين إلى ثمانية في المسجد الواحد.. قال صاحب [الحاوي] وغيره: (ويقفون جميعاً عليه كلمة كلمة.. إلى أن قال: (وقال الشافعي في البويطي: النداء يوم الجمعة: هو الذي يكون والإمام على المنبر يكون المؤذنون يستفتحون الأذان فوق المنارة جملة حينما يجلس الإمام على المنبر ليسمع الناس فيأتون إلى المسجد، فإذا فرغوا خطب الإمام (6) .اهـ. وفي [صحيح البخاري] في باب رجم الحبلى من الزنا: (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فجلس عمر رضي الله عنه على المنبر يوم الجمعة، فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله..) الحديث. والاستدلال منه، قوله: (فلما سكت المؤذنون) (7)
- وقال الباجي في [شرح الموطأ] على حديث بلال: (ويدل هذا الحديث على جواز اتخاذ مؤذنين في مسجد يؤذنان لصلاة واحدة، وروى على بن زياد عن مالك: لا بأس أن يؤذن للقوم في السفر والحرس والمركب ثلاثة مؤذنين وأربعة، ولا بأس أن يتخذ في المسجد أربعة مؤذنين وخمسة. قال ابن حبيب: ولا بأس فيما اتسع وقته من الصلوات؛ كالصبح والظهر والعشاء أن يؤذن خمسة إلى عشرة واحد بعد واحد) (8) .اهـ.(17/166)
- قال في [المغني] : (فضل: ولا يستحب الزيادة على مؤذنين) وساق حديث بلال، ثم قال: (إلا أن تدعو الحاجة إلى الزيادة عليهما فيجوز، فقد روي عن عثمان رضي الله عنه، أنه كان له أربعة مؤذنين، وإن دعت الحاجة إلى أكثر منهم كان مشروعاً) ..إلى أن قال: (وإن كان الإعلام لا يحصل بواحد أذنوا على حسب ما يحتاج إليه؛ إما أن يؤذن كل واحد في منارة، أو ناحية، أو دفعة واحدة في موضع واحد. قال أحمد: إن أذن عدة في منارة فلا بأس، وإن خافوا من تأذين واحد بعد الآخر فوات الوقت- أذنوا جميعاً دفعة واحدة) (9) اهـ.
ومن هذه النصوص التي جرى سردها أعلاه يعلم: أن تعدد الأذان في مسجد واحد ورد عن الصحابة منهم- عمر وعثمان - وورد فيه حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ذكره الشافعي، وقالت به الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة حتى أنه نقل أيضاً عن الإمام أحمد، كما أن ابن حزم ذكر ذلك.
والغريب في الأمر أن من ضمن الآراء التي بحثت في المجلس أن تعداد الأذان في المسجد النبوي يثير الاستغراب والتساؤل، ونحن لا ندري هل الذي يثير الاستغراب والتساؤل هو العمل بشيء معمول به منذ عهد الصحابة حتى الآن ولم ينكره أحد، بل عليه الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. ومضى عليه العمل قرون متعددة في المسجد النبوي الشريف، ولم ينكر على الرغم من توفر العلم في المدينة منذ القدم، وعلماء المدينة هم الذين دائماً يحتج بأقوالهم. هل العمل على هذا الوضع هو الذي يثير الاستغراب والتساؤل أم الذي يثير التساؤل والاستغراب هو ترك عمل معمول به ودرج الناس عليه وألفه الناس، وفيه مظهر وروعة لهذه الشعيرة؟! أليس ترك هذا أو العدول إلى رأي آخر بعد العمل به في قرون متعددة، أليس هذا هو الذي يثير التساؤل والاستغراب والتشويش. وليس فعله منكر ولا بدعة؟!
الذي نراه ترك العمل في المسجد النبوي الشريف على ما كان عليه الآن، فالمسجد حساس، وكل عمل يعمل فيه عكس ما كان مألوفاً فيه له عوامله الخاصة في الاستثارة والاستغراب، ولا ينبغي فعل شيء من ذلك إلا إذا كان هناك منكر تجب إزالته. أما تعداد الأذان فليس منكراً، ولو كان منكراً - والخير كثير في من مضى- لأنكروه. وهذا هو رأينا، والله الموفق للصواب.4/4/1397هـ.
_____________
(1) سورة النساء، الآية 82.
(2) [صحيح مسلم بشرح النووي] (4/108) .
(3) [فتح الباري] (2/110) حديث رقم (628) .
(4) [الأم] (1/72) .
(5) [فتح الباري] (2/395، 396)
(6) [المجموع شرح المهذب] للنووي (3/119، 120) .
(7) [فتح الباري] (12/144) ، رقم الحديث (6830) .
(8) [المنتقى شرح موطأ الإمام مالك] للإمام الباجي (1/141) .
(9) [المفتي] لابن قدامة (2/89) .(17/167)
قرار هيئة كبار العلماء
رقم (79) وتاريخ 21/10/1400هـ
بشأن: حكم السترة للمصلى
هيئة كبار العلماء 16/8/1426
20/09/2005
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
ففي الدورة السادسة عشرة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الطائف، ابتداءً من يوم السبت الموافق للثاني عشر من شهر شوال حسب تقويم أم القرى عام 1400هـ حتى الحادي والعشرين منه - بحث المجلس موضوع السترة التي ينبغي أن تكون بين المصلي والمقبرة التي أمامه، بناءً على ما تقرر في الدورة الخامسة عشرة؛ لما نظر المجلس في خطاب سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الموجه للأمين العام لهيئة كبار العلماء برقم (3084/1/5) وتاريخ 12/10/1399هـ. والذي جاء فيه ما نصه:
(نظراً لكون النصف الشمالي من مسجد ابن عباس بالطائف لا يفصله عن المقبرة الواقعة عنه غرباً سوى جدار المسجد، وأبوابه ونوافذه الغربية مشرعة على المقبرة، فاعتمدوا عرض الموضوع على المجلس؛ لتبادل الرأي في الكتابة إلى الحكومة لفتح شارع يفصل المسجد عن المقبرة. أهـ) .
وكان المجلس في تلك الدورة رأى أن تعد اللجنة الدائمة للبحوث العملية والإفتاء بحثاً في ما يكفي من السترة التي يجب أن تكون بين المصلي والمقبرة التي أمامه.. ولما اطلع المجلس على البحث المذكور واستمع إلى كلام أهل العلم وآرائهم في المسألة، واستعرض الواقع الحالي لمسجد ابن عباس في الطائف والمقبرة التي تقع في قبلة المصلي من الجزء الشمالي منه - رأى بعض أعضاء المجلس أن جدار المسجد لا يكفي سترة للمصلى فيه؛ ولذلك ينبغي إقامة جدار آخر خاص بالمقبرة وفتح طريق للراجل بينهما وتنبش القبور التي تقع في مكان هذا الطريق إن كان فيها بقية من رفات الموتى. ورأى الآخرون أنه يكتفى بجدار المسجد القبلي سترة للمصلي فيه؛ لأن المصلي يستقبل جدار المسجد وهو مضاف إليه لا إلى المقبرة، ولأن إنشاء جدار آخر وفتح طريق بينه وبين جدار المسجد يترتب عليه نبش القبور دون ضرورة توجب ذلك، ولكن ينبغي أن يسد البابان اللذان في ذلك الجدار، وترفع النوافذ التي فيه إلى حيث لا يتمكن المصلي من رؤية المقبرة من خلالها، ويفتح باب في أدنى جزء من الجدار ليس أمامه مقبرة ليدخل منه الإمام يوم الجمعة، وتقدم معه الجنائز للصلاة عليها.
وحيث كان الرأي الأخير للأكثرية من أعضاء المجلس- فقد صدر القرار برأيهم.
والله الموفق. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة
عبد الرزاق عفيفي
عبد الله خياط
عبد الله بن محمد بن حميد
عبد العزيز بن باز
محمد بن علي الحركان
عبد العزيز بن صالح
سليمان بن عبيد
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
محمد بن جبير
راشد بن خنين
عبد المجيد حسن
صالح بن غصون
عبد الله بن غديان
صالح بن لحيدان
عبد الله بن منيع
عبد الله بن قعود(17/168)
الجمع بين الصلوات
قرارات المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث 24/4/1426
01/06/2005
قرار المجلس:
انتهى المجلس إلى جواز الجمع بين هاتين الصلاتين في أوروبا في فترة الصيف حين يتأخر وقت العشاء إلى منتصف الليل أو تنعدم علامته كليًا، دفعًا للحرج المرفوع عن الأمة بنص القرآن، ولما ثبت من حديث ابن عباس في صحيح مسلم "أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر. قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته" (1) . كما يجوز الجمع في تلك البلاد في فصل الشتاء أيضًا بين الظهر والعصر لقصر النهار وصعوبة أداء كل صلاة في وقتها للعاملين في مؤسساتهم إلا بمشقة وحرج وينبه المجلس على أن لا يلجأ المسلم إلى الجمع من غير حاجة، وعلى أن لا يتخذه له عادة.
[الدورة الثالثة]
______________
(1) صحيح مسلم (كتاب صلاة المسافرين وقصرها -باب الجمع بين الصلاتين في الحضر- 1/490-491 رقم:705) .(17/169)
حكم دفن المسلم في مقابر الكفار
قرارات المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث 16/3/1426
25/04/2005
قرار المجلس:
هناك أحكام شرعية مقررة تتعلق بشأن المسلم إذا مات، مثل تغسيله وتكفينه والصلاة عليه، ومن ذلك دفنه في مقابر المسلمين طريقة في الدفن واتخاذ المقابر، من حيث البساطة والتوجيه إلى القبلة، والبعد عن مشابهة المشركين والمترفين وأمثالهم.
ومن المعروف: أن أهل كل دين لهم مقابرهم الخاصة بهم، فاليهود لهم مقابرهم، والنصارى لهم مقابرهم، والوثنيون لهم مقابرهم، ولا عجب أن يكون للمسلمين مقابرهم أيضًا، وعلى المسلمين في البلاد غير الإسلامية أن يسعوا -بالتضامن فيما بينهم- إلى اتخاذ مقابر خاصة بهم، ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً؛ لما في ذلك من تعزيز لوجودهم وحفظ لشخصيتهم.
فإذا لم يستطيعوا الحصول على مقبرة خاصة مستقلة، فلا أقل من أن يكون لهم رقعة خاصة في طرف من أطراف مقبرة غير المسلمين، يدفنون فيها موتاهم.
فإذا لم يتيسر هذا ولا ذاك ومات لهم ميت، فيدفن حيث أمكن ولو في غير مقابر المسلمين، إذ لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ولن يضير المسلم إذا مات في هذه الحالة أن يدفن في مقابر غير المسلمين، فإن الذي ينفع المسلم في آخرته هو سعيه وعمله الصالح، وليس موقع دفنه {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] ، وكما قال سلمان الفارسي -رضي الله عنه-: "إن الأرض لا تقدس أحدًا، وإنما يقدس المرء عمله" (1) .
هذا، وإن القيام بدفن الميت حيث يموت هو الأصل شرعًا، وهو أيسر من تكلف بعض المسلمين نقل موتاهم إلى بلاد إسلامية، لما في ذلك من المشقة وتبديد الأموال.
وليس بعد المقبرة الإسلامية عن أهل الميت مسوّغًا لدفنه في مقبرة غير المسلمين؛ لأن الأصل في زيارة المقابر إنما شرعت أساسًا لمصلحة الزائر؛ للعبرة والاتعاظ، كما ثبت في الحديث: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها، فإنها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة" رواه أحمد والحاكم عن أنس (2) .
أما الميت فيستطيع المسلم أن يدعو له ويستغفر له، ويصله الثواب بفضل الله تعالى في أي مكان كان الداعي والمستغفر له (3) .
[القرار 5/6]
____________
(1) أورده مالك في "الموطأ" (رقم: 2232) ، ولفظة: "الإنسان" بدل "المرء".
(2) حديث حسن هو عند أحمد (رقم: 13487) والحاكم في "المستدرك" (1/376) من طريقين عن أنس.
(3) خالف عضو المجلس الدكتور محمد فؤاد البرازي هذا القرار بقوله: "أرى في حالة عدم وجود مقبرة إسلامية، فإنه يرخص لورثة الميت نقله إلى بلده إن كان في وسعهم ذلك، وإلا جاز دفنه في الجزء الخاص بالمسلمين من مقابر النصارى".(17/170)
تشييع المسلم لجنازة قريبه الكافر
قرارات المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث 16/3/1426
25/04/2005
قرار المجلس:
لقد أمر الإسلام ببر الوالدين والإحسان إليهما حتى ولو كانا غير مسلمين، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء: من الآية23] ، وقال تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان: من الآية15] ، كما أمر الإسلام بصلة الرحم وحث على ذلك.
ويتأكد واجب البرّ والصلة في مناسبات الفرح والسرور، وفي مناسبات المصائب والكروب، ومن أعظمها الموت الذي يجمع الأقارب عند فقدان أحدهم، والإنسان بفطرته يجد حاجة للتعبير عن عاطفته نحو الميت من أقربائه وممن تربطه به صلة. ولذلك فقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: "استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت" رواه مسلم وأحمد وأهل السنن إلا الترمذي (1) .
ويضاف إلى هذا ما دعا إليه الإسلام من احترام الإنسان، مؤمنًا كان أو كافرًا، في حياته وبعد مماته، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم، قوله عن اليهودي الذي قام لجنازته، ردًّا على من أخبره أنه يهودي، فقال عليه الصلاة والسلام: "أليست نفسًا؟ " (2) . فكيف إذا كانت نفس والدٍ أو والدة أو قريب ذي رحم؟
وبناء على ما سبق ذكره، فإنه يجوز للمسلم أن يحضر تشييع جنازة والديه أو أحد أقربائه غير المسلمين، ولا حرج في حضوره للمراسم الدينية التي تقام عادة للأموات في الكنائس والمعابد، على أن لا يشارك في الصلوات والطقوس وغيرها من الأمور الدينية، وكذلك يجوز له حضور الدّفن، ولتكن نيته في ذلك وفاءً بحق البر والصلة، ومشاركة الأسرة في مصابها، وتقوية الصلة بأقربائه، وتجنّب ما يؤدّي إلى الجفوة معهم في حال غيابه عن مثل هذه المناسبات.
[القرار 4/6]
_____________
(1) هو عند أحمد في "مسنده" (رقم: 6988) ومسلم (رقم: 976) ، وأبي داود (رقم: 3234) والنسائي (رقم:2034) ، وابن ماجة (رقم: 1572) .
(2) هو البخاري (رقم: 1250) ، ومسلم (رقم: 961) من حديث قيس بن سعد وسهل بن حنيف.(17/171)
رقم القرار: 3
رقم الدورة: 14
بشأن حكم المسعى بعد التوسعة السعودية: هل تبقى له الأحكام السابقة أم يدخل حكمه ضمن حكم المسجد
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن حكم المسعى بعد التوسعة السعودية: هل تبقى له الأحكام السابقة أم يدخل حكمه ضمن حكم المسجد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة التي بدأت يوم السبت20من شعبان 1415هـ -21/1/1995م؛ قد نظر في هذا الموضوع، فقرر بالأغلبية أن المسعى بعد دخوله ضمن مبنى المسجد الحرام لا يأخذ حكم المسجد ولا تشمله أحكامه، لأنه مشعر مستقل، يقول الله عز وجل (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) [البقرة:158] . وقد قال بذلك جمهور الفقهاء، ومنهم الأئمة الأربعة، وتجوز الصلاة فيه متابعة للإمام في المسجد الحرام، كغيره من البقاع الطاهرة، ويجوز المكث فيه والسعي للحائض والجنب، وإن كان المستحب في السعي الطهارة. والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. والحمد لله رب العالمين.(17/172)
رقم القرار: 6
رقم الدورة: 9
بشأن مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12رجب1406هـ إلى يوم السبت 19رجب1406هـ قد نظر في موضوع «أوقات الصلاة والصيام لسكان المناطق ذات الدرجات العالية» . ومراعاة لروح الشريعة المبنية على التيسير ورفع الحرج، وبناءً على ما أفادت به لجنة الخبراء الفلكيين، قرر المجلس في هذا الموضوع ما يلي:
أولاً: دفعًا للاضطرابات والاختلافات الناتجة عن تعدد طرق الحساب، يحدد لكل وقت من أوقات الصلاة العلامات الفلكية التي تتفق مع ما أشارت الشريعة إليه، ومع ما أوضحه علماء الميقات الشرعيون في تحويل هذه العلامات إلي حسابات فلكية متصلة بموقع الشمس في السماء فوق الأفق أو تحته كما يلي:
1- الفجر: ويوافق بزوغ أول خيط من النور الأبيض وانتشاره عرضًا في الأفق (الفجر الصادق) ويوافق الزاوية (18) درجة تحت الأفق الشرقي.
2- الشروق: ويوافق ابتداء ظهور الحافة العليا لقرص الشمس من تحت الأفق الشرقي ويقدر بزاوية تبلغ (50) دقيقة زاوية تحت الأفق.
3- الظهر: ويوافق عبور مركز قرص الشمس لدائرة الزوال ويمثل أعلى ارتفاع يومي للشمس يقابله أقصر ظل للأجسام الرأسية.
4- العصر: ويوافق موقع الشمس الذي يصبح معه ظل الشيء مساويًا لطوله مضافًا إليه في الزوال، وزاوية هذا الموقع متغيرة بتغير الزمان والمكان.
5- المغرب: ويوافق اختفاء كامل قرص الشمس تحت الأفق الغربي، وتقدر زاويته بـ (50) دقيقة زاوية تحت الأفق.
6-العشاء: ويوافق غياب الشفق الأحمر حيث تقع الشمس على زاوية قدرها (17) تحت الأفق الغربي.
ثانيًا: عند التمكين للأوقات يكتفي بإضافة دقيقتين زمنيتين على كل من أوقات الظهر والعصر والمغرب والعشاء وإنقاص دقيقتين زمنيتين من كل من وقتي الفجر والشروق.
ثالثًا: تقسم المناطق ذات الدرجات العالية إلى ثلاثة أقسام:
المنطقة الأولى: وهي التي تقع مابين خطي العرض (45) درجة و (48) درجة شمالاً وجنوبًا، وتتميز فيها العلامات الظاهرية للأوقات في أربع وعشرين ساعة، طالت الأوقات أو قصرت.
المنطقة الثانية: وتقع مابين خطي عرض (48) درجة و (66) درجة شمالاً وجنوبًا، وتنعدم فيها بعض العلامات الفلكية للأوقات في عدد من أيام السنة، كأن لا يغيب الشفق الذي به يبتدئ العشاء وتمتد نهاية وقت المغرب حتى يتداخل مع الفجر.(17/173)
المنطقة الثالثة: وتقع فوق خط عرض (66) درجة شمالاً وجنوبًا إلى القطبين، وتنعدم فيها العلامات الظاهرية للأوقات في فترة طويلة من السنة نهارًا أو ليلاً. رابعًا: والحكم في المنطقة الأولى أن يلتزم أهلها في الصلاة بأوقاتها الشرعية، وفي الصوم بوقته الشرعي من تبين الفجر الصادق إلى غروب الشمس عملاً بالنصوص الشرعية في أوقات الصلاة والصوم، ومن عجز عن صيام يوم أو إتمامه لطول الوقت أفطر وقضى في الأيام المناسبة.
خامسًا: والحكم في المنطقة الثانية أن يعين وقت صلاة العشاء والفجر بالقياس النسبي على نظيريهما، في ليل أقرب مكان تتميز فيه علامات وقتي العشاء والفجر، ويقترح مجلس المجمع خط (45) درجة، باعتباره أقرب الأماكن التي تتيسر فيها العبادة أو التمييز، فإذا كان العشاء يبدأ مثلاً بعد ثلث الليل في خط عرض (45) درجة يبدأ كذلك بالنسبة إلى ليل خط عرض المكان المراد تعيين الوقت فيه، ومثل هذا يقال في الفجر.
سادسًا: والحكم في المنطقة الثالثة أن تقدر جميع الأوقات بالقياس الزمني على نظائرها في خط عرض (45) درجة، وذلك بأن تقسم الأربع والعشرون ساعة في المنطقة من (66) درجة إلى القطبين، كما تقسم الأوقات الموجودة في خط عرض (45) درجة يساوي (8) ساعات، فإذا كانت الشمس تغرب في الساعة الثامنة، وكان العشاء في الساعة الحادية عشرة جعل نظير ذلك في البلد المراد تعيين الوقت فيه، وإذا كان وقت الفجر في خط عرض (45) درجة في الساعة الثانية صباحًا كان الفجر كذلك في البلد المراد تعيين الوقت فيه، وبدئ الصوم منه حتى وقت المغرب المقدر. وذلك قياسًا على التقدير الوارد في حديث الدجال الذي جاء فيه: قلنا: يا رسول الله، وما لُبْثُه في الأرض؟ أي الدجال- قال: " أربعون يومًا، يومٌ كسنةٍ، ويومٌ كشهرٍ، ويومٌ كجمعةٍ..:. إلى أن قال: قلنا: يا رسول الله، هذا اليوم كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: "لا، اقْدُرُوا له قَدْرَه) . أخرجه مسلم وأبو داود. والله ولي التوفيق. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(17/174)
بشأن حكم الأذان للصلوات في المساجد عن طريق مسجلات الصوت «الكاسيتات»
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن حكم الأذان للصلوات في المساجد عن طريق مسجلات الصوت «الكاسيتات» :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي المنعقد بدورته التاسعة في مكة المكرمة من يوم السبت 12/7/1406هـ إلى يوم السبت 19/7/1406هـ قد نظر في الاستفتاء الوارد من وزير الأوقاف بسوريا برقم 2412/4/1 في 21/9/1405هـ بشأن حكم إذاعة الأذان عن طريق مسجلات الصوت «الكاسيت» في المساجد، لتحقيق تلافي ما قد يحصل من فارق الوقت بين المساجد في البلد الواحد حين أداء الأذان للصلاة المكتوبة. وعليه فقد اطلع المجلس على البحوث المعدة في هذا من بعض أعضاء المجمع، وعلى الفتاوى الصادرة في ذلك من سماحة المفتي سابقًا بالمملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ- رحمه الله تعالى- برقم 35 في 3/1/1378هـ، وما قررته هيئة كبار العلماء بالمملكة في دورتها الثانية عشرة المنعقدة في شهر ربيع الآخر عام 1398هـ وفتوى الهيئة الدائمة بالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة برقم 5779 في 4/7/1403هـ، وتتضمن هذه الفتاوى الثلاث عدم الأخذ بذلك وأن إذاعة الأذان عند دخول وقت الصلاة في المساجد بواسطة آلة التسجيل ونحوها لا تجزئ في أداء هذه العبادة. وبعد استعراض ما تقدم من بحوث وفتاوى، والمداولة في ذلك، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي تبين له ما يلي: 1- أن الأذان من شعائر الإسلام التعبدية الظاهرة، المعلومة من الدين بالضرورة بالنص وإجماع المسلمين، ولهذا فالأذان من العلامات الفارقة بين بلاد الإسلام وبلاد الكفر، وقد حكي الاتفاق على أنه لو اتفق أهل بلد على تركه لقوتلوا.
2- التوارث بين المسلمين من تاريخ تشريعه في السنة الأولى من الهجرة وإلى الآن، ينقل العمل المستمر بالأذان لكل صلاة من الصلوات الخمس في كل مسجد، وإن تعددت المساجد في البلد الواحد.
3- في حديث مالك بن الحويرث، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حضَرت الصلاةُ فلْيُؤذِّنْ لكم أحدُكم ولْيَؤمَّكم أكبرُكم".متفق عليه.
4- أن النية من شروط الأذان، ولهذا لا يصح من المجنون ولا من السكران ونحوهما، لعدم وجود النية في أدائه فكذلك في التسجيل المذكور.
5- أن الأذان عبادة بدنية، قال ابن قدامة- رحمه الله تعالى- في المغني 1/425: (وليس للرجل أن يبني على أذان غيره لأنه عبادة بدنية فلا يصح من شخصين كالصلاة) ا. هـ.
6- أن في توحيد الأذان للمساجد بواسطة مسجل الصوت على الوجه المذكور عدة محاذير ومخاطر منها ما يلي:
أ - أنه يرتبط بمشروعية الأذان أن لكل صلاة في كل مسجد سننًا وآدابًا، ففي الأذان عن طريق التسجيل تفويت لها وإماتة لنشرها مع فوات شرط النية فيه.
ب - أنه يفتح على المسلمين باب التلاعب بالدين، ودخول البدع على المسلمين في عباداتهم وشعائرهم، لما يفضي إليه من ترك الأذان بالكلية والاكتفاء بالتسجيل.
وبناء على ما تقدم فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي يقرر ما يلي: أن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة بواسطة آلة التسجيل ونحوها لا يجزئ ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع، وأنه يجب على المسلمين مباشرة الأذان لكل وقت من أوقات الصلوات في كل مسجد على ما توارثه المسلمون من عهد نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الآن. والله الموفق. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(17/175)
رقم القرار: 5
رقم الدورة: 5
خطبة الجمعة والعيدين بغير العربية في غير البلاد العربية واستخدام مكبر الصوت فيها
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 15/10/1425
28/11/2004
خطبة الجمعة والعيدين بغير العربية في غير البلاد العربية واستخدام مكبر الصوت فيها:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد نظر في السؤال المحال إليه، حول الخلاف القائم بين بعض المسلمين في الهند، بشأن جواز خطبة الجمعة باللغة المحلية غير العربية، أو عدم جوازها، لأن هناك من يرى عدم الجواز بحجة أن خطبة الجمعة تقوم مقام ركعتين من صلاة الفرض. ويسأل السائل أيضًا: هل يجوز استخدام مكبر الصوت في أداء الخطبة أو لا يجوز؟ وأن بعض طلبة العلم، يعلن عدم جواز استخدامه، بمزاعم وحجج واهية. وقد قرر مجلس المجمع بعد اطلاعه على آراء فقهاء المذاهب:
1- أن الرأي الأعدل الذي نختاره، هو أن اللغة العربية في أداء خطبة الجمعة والعيدين في غير البلاد الناطقة بالعربية ليست شرطًا لصحتها، ولكن الأحسن أداء مقدمات الخطبة وما تتضمنه من آيات قرآنية باللغة العربية لتعويد غير العرب على سماع العربية والقرآن، مما يسهِّل عليهم تعلمها وقراءة القرآن باللغة التي نزل بها، ثم يتابع الخطيب ما يعظهم وينورهم به بلغتهم التي يفهمونها.
2- أن استخدام مكبر الصوت في أداء خطبة الجمعة والعيدين، وكذا القراءة في الصلاة، وتكبيرات الانتقال، لا مانع منه شرعًا، بل إنه ينبغي استعماله في المساجد الكبيرة المتباعدة الأطراف، لما يترتب عليه من المصالح الشرعية. فكل أداة حديثة، وصل إليها الإنسان، بما علمه الله وسخر له من وسائل إذا كانت تخدم غرضًا شرعيًّا، أو واجبًا من واجبات الإسلام، وتحقق فيه من النجاح ما لا يتحقق بدونها، تصبح مطلوبة بقدر درجة الأمر الذي تخدمه وتحققه من المطالب الشرعية، وفقًا للقاعدة الأصولية المعروفة، وهي أن ما يتوقف عليه تحقيق الواجب فهو واجب. والله سبحانه هو الموفق. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(17/176)
القرار: 3
رقم الدورة: 5
حول أوقات الصلوات والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية الدرجات
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 15/10/1425
28/11/2004
حول أوقات الصلوات والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية الدرجات:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع في جلسته الثالثة صباح يوم الخميس الموافق 10/4/1402هـ المصادف 4/2/1982م. على قرار ندوة بروكسل 1400هـ/1980م. وقرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية رقم (16) في 21/4/1398هـ فيما يتعلق بمواقيت الصلاة والصوم، في الأقطار التي يقصر فيها الليل جدًّا في فترة من السنة، ويقصر النهار جدًّا في فترة، أو التي يستمر ظهور الشمس فيها ستة أشهر وغيابها ستة أشهر. وبعد مدارسة ما كتبه الفقهاء قديمًا وحديثًا في الموضوع قرر ما يلي:
تنقسم الجهات التي تقع على خطوط العرض ذات الدرجات العالية إلى ثلاث: الأولي: تلك التي يستمر فيها الليل أو النهار أربعًا وعشرين ساعة فأكثر بحسب اختلاف فصول السنة. ففي هذه الحال، تقدر مواقيت الصلاة والصيام وغيرهما في تلك الجهات، على حسب أقرب الجهات إليها، مما يكون فيها ليل ونهار متمايزان في ظرف أربع وعشرين ساعة.
الثانية: البلاد التي لا يغيب فيها شفق الغروب حتى يطلع الفجر بحيث لا يتميز شفق الشروق من شفق الغروب، ففي هذه الجهات يقدر وقت العشاء الآخرة والإمساك في الصوم، ووقت صلاة الفجر، بحسب آخر فترة يتمايز فيها الشفقان.(17/177)
الثالثة: تلك التي يظهر فيها الليل والنهار خلال أربع وعشرين ساعة، وتتمايز فيها الأوقات إلا أن الليل يطول فيها في فترة من السنة طولاً مفرطًا ويطول النهار في فترة أخرى طولاً مفرطًا. ومن كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس، إلا أن نهارها يطول جدًّا في الصيف، ويقصر في الشتاء، وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعًا، لعموم قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء:78] . وقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء: 103] . ولما ثبت عن بريدة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة، فقال له: "صَلِّ مَعَنَا هَذَين". يعني اليومين، فلما زالت الشمس أمر بلالاً، فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما أن كان اليوم الثاني، أمره فأبرد بالظهر فأبرد بها، فأنعم أن يبرد بها، وصلى العصر والشمس مرتفعة آخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها، ثم قال: "أين السائلُ عن وقتِ الصَّلاةِ؟ ". فقال الرجل: أنا يا رسول الله. قال: "وقتُ صلاتِكم بينَ ما رأيتم". رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وقتُ الظهرِ إذا زالت الشمسُ، وكان ظِلُّ الرَّجلِ كطُولِه ما لم يَحضُرِ العصرُ، ووقتُ العصرِ ما لم تَصفَرَّ الشمسُ، ووقتُ صلاةِ المغربِ ما لم يَغِبِ الشَّفَقُ، ووقتُ صلاةِ العشاءِ إلى نصفِ الليلِ الأوسطِ، ووقتُ صلاةِ الصبحِ مِن طلوعِ الفجرِ ما لم تطلع الشمسُ، فإذا طلَعت الشمسُ فأَمْسِكْ عن الصلاةِ؛ فإنها تَطلُعُ بينَ قَرْنَيْ شيطانٍ". أخرجه مسلم في صحيحه. إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس، قولاً وفعلاً، ولم تفرق بين طول النهار وقصره، وطول الليل وقصره، ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم، وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان، فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب، وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم، مادام النهار يتمايز في بلادهم من الليل، وكان مجموع زمانهما أربعًا وعشرين ساعة، ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط، وإن كان قصيرًا فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد، وقد قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة: من الآية187] . ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله، أو علم بالأمارات أو التجربة، أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه، أن الصوم يفضي إلى مرضه مرضًا شديدًا، أو يفضي إلى زيادة مرضه، أو بطء برئه- أفطر، ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء. قال الله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 185] . وقال الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: من الآية286] . وقال: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: من الآية78] . والله ولي التوفيق ... وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(17/178)
أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الأول ص146-147
قرار هيئة كبار العلماء
رقم (24) وتاريخ 21/8/1394هـ
في المراد بمصرف (وفي سبيل الله) في أصناف أهل الزكاة
هيئة كبار العلماء 22/8/1426
26/09/2005
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وآله وصحبه وبعد:
قد جرى اطلاع هيئة كبار العلماء في دورتها الخامسة المعقودة بمدينة الطائف بين يوم5/8/1394هـ ويوم 22/8/1394هـ على ما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من بحث في المراد بقول الله تعالى في آية مصارف الزكاة"وفي سبيل الله"هل المراد بذلك الغزاة في سبيل الله وما يلزم لهم، أم عام في كل وجه من وجوه الخير؟
وبعد دراسة البحث المعد والاطلاع على ما تضمنه من أقوال أهل العلم في هذا الصدد - ومناقشة أدلة من فسر المراد بسبيل الله في الآية: بأنهم الغزاة وما يلزم لهم، وأدلة من توسع في المراد بالآية، ولم يحصرها في الغزاة فأدخل فيه بناء المساجد والقناطر وتعليم العلم وتعلمه وبث الدعاة والمرشدين وغير ذلك من أعمال البر- رأى أكثرية أعضاء المجلس الأخذ بقول جمهور العلماء من مفسرين ومحدِّثين وفقهاء من أن المراد بقوله تعالى"وفي سبيل الله": الغزاة المتطوعون بغزوهم، وما يلزم لهم من استعداد، وإذا لم يوجد صرفت الزكاة كلها للأصناف الأخرى، ولا يجوز صرفها في شيء من المرافق العامة إلا إذا لم يوجد لها مستحق من الفقراء والمساكين وبقية الأصناف المنصوص عليهم في الآية الكريمة. وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد، وآله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة الخامسة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
صالح بن لحيدان
عبد الرزاق عفيفي
عبد الله بن محمد بن حميد
عبد المجيد حسن
[مخالف وله وجهة نظر]
عبد الله خياط
[مخالف وله وجهة نظر]
محمد الحركان
[مخالف وله وجهة نظر]
عبد الله بن منيع
[مخالف وله وجهة نظر]
صالح بن غصون
[مخالف وله وجهة نظر]
عبد العزيز بن صالح
[مخالف وله وجهة نظر]
عبد الله غديان
محمد بن جبير
سليمان بن عبيد
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
راشد بن خنين(17/179)
أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد السادس
قرار رقم 63 في 25/10/1398هـ
اللائحة التنفيذية بجباية الزكاة
هيئة كبار العلماء 20/8/1426
24/09/2005
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد، وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن مجلس هيئة كبار العلماء المنعقد في مدينة الطائف في الفترة ما بين يوم 14/10/1398هـ حتى نهاية يوم 25/10/1398هـ. قد أعاد النظر في اللائحة التنفيذية لجباية الزكاة وما أعد بشأنها من بحث علمي من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في هيئة كبار العلماء، وذلك بناء على ما ورد من المقام السامي إلى الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد برقم 3/ش/ 293في 4/1/1397هـ.
وبعد تداول الرأي والنظر في أقوال أهل العلم وأدلتهم ولعدم وجود أدلة شرعية تدل على وجوب قيام ولي الأمر بمطالبة الناس بزكوات أموالهم الباطنة ومحاسبتهم على ذلك، بل إن كلام أهل العلم يدل على خلاف ذلك، فأكثر العلماء يقول: إن زكاة الأموال الباطنة، وهي النقود وعروض التجارة موكول أمر إخراجها لأصحاب الأموال، وهم مصدقون في ذلك فلا يحاسبون ولا يتهمون بأنهم قاموا بإخفاء شيء منها، بل ذلك أمر بينهم وبين الله سبحانه، ولكن إذا طلبها ولي الأمر فدفعوها له برئت ذمتهم منها.
لما تقدم فإن مجلس هيئة كبار العلماء يرى بالأكثرية ما يلي:
1- الاكتفاء بما نص عليه أهل العلم من ترك أمر محاسبة الناس على أموالهم أو مطالبتهم ببيانات عما يملكونه من نقود وعروض تجارة، بل يؤخذ منهم ما دفعوه من الزكاة اتباعاً لما درج عليه سلف الأمة في ذلك، وما كان عليه العمل في عهد جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله، وما سبقه من عمل الدولة السعودية منذ نشأتها.
2- إبقاء العمل على ما هو عليه في جباية زكاة الحبوب والثمار، وأن يوكل إلى لجنة فيها مندوب من المحكمة والإمارة وهيئة الأمر بالمعروف تتولى جبايتها وصرفها على مستحقيها ويبقى العمل في جباية زكاة الماشية على ما كان عليه ويعطون مكافأة على عملهم ولو من الزكاة.
3- كل من تحقق لدى ولاة الأمر أنه لا يدفع الزكاة أو يجحد شيئاً منها فإن ولي الأمر يجري ما يلزم نحو أخذها منه وتعزيره التعزير الشرعي جزاء ما ارتكب بعد ثبوت ذلك عليه.
4- يوصي المجلس بإيجاد صندوق خاص يودع فيه ما يورد لصندوق الدولة من زكاة وتصرف منه بعد ورودها على مستحقيها بواسطة لجنة من أهل الثقة والأمانة في كل بلد.
ولاشك أن ولاة الأمر -وفقهم الله- إذا انتهجوا ما أوضح في هذا القرار فإن ذمتهم بريئة، وسوف يكون لذلك أثره الحميد وعواقبه الطيبة؛ لأن الخير والبركة في اتباع سلفنا الصالح من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا. وبالله التوفيق ... وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة
محمد بن علي الحركان
محمد بن جبير
راشد بن خنين
عبد الله خياط
عبد المجيد حسن
عبد العزيز بن صالح [غائب]
عبد الله بن منيع [لي وجهة نظر]
صالح بن لحيدان
عبد الرزاق عفيفي
عبد الله بن غديان
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
عبد الله بن محمد بن حميد
سليمان بن عبيد صالح بن غصون [متوقف]
عبد الله بن قعود [متوقف فيما عدا الفقرة الرابعة](17/180)
وجهة نظر
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده محمد، وعلى آله وصحبه وبعد:
فبعد الاطلاع على خطاب سمو نائب رئيس مجلس الوزراء رقم 3/ش/293 وتاريخ 4/1/
1397هـ وعلى مشروع اللائحة التنفيذية لجباية الزكاة المقدم لمجلس الوزراء لدراسته
وبعد التأمل والدراسة ظهر لي أن هذه اللائحة ليست لائحة تنفيذية بالمعنى الاصطلاحي المعروف لدى خبراء الإدارة والتنظيم بحيث تكون خاصة بالأعمال الإدارية لجباية الزكاة وإنما تشتمل اللائحة على مواد تشريعية، ومنها المواد الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة، وعلى مواد تنفيذية إدارية.
وحيث إن المواد التشريعية في مشروع اللائحة ليست شاملة لأحكام الزكاة حتى يقال ببقائها للفائدة، وليست شاملة لأهم أحكام الزكاة حتى يقال بالاكتفاء بالأهم عن المهم، مع أن بعض ما تناولته موضع خلاف بين أهل العلم كما هو الحال في الديون على من تجب عليه الزكاة هل يسقط من الزكاة ما يقابلها من الأموال مطلقاً أم أن ذلك خاص بالأموال الباطنة أو أنها لا تسقط من الزكاة شيئاً، وكذلك الأمر بالنسبة للديون المملوكة للمكلف بالزكاة على مليء أو غيره هل يزكيها مطلقاً، ومتى يزكيها، وهل تقابل بما يزيد عند المكلف بها عن حاجته من أموال القنية غير الأثمان.
وحيث إن الأمور التشريعية يرجع إليها في مصادرها كالحال بالنسبة لمسائل العبادات والمعاملات وما تقتضيه الخصومات من أحكام قضائية ومتى أشكل منها على الجهة المختصة بجبايتها ما يقتضي الأمر استجلاءه أمكن الرجوع إلى الجهة المختصة بالإفتاء.
وعليه فإنني أرى استبعاد كل ما يتعلق بالأمور التشريعية من اللائحة لما ذكر وليصدق عليها أنها لائحة تنفيذية لجباية الزكاة مفروض في جميع موادها أن تكون إدارية محضة.
وحيث إن غالب المواد التنفيذية الإدارية في هذه اللائحة مبني على المواد التشريعية المذكورة فيها فإن بقاءها بعد استبعاد المواد التشريعية فيها لا يستقيم إلا بعد إعادة النظر فيها وصياغتها صياغة إدارية لا تنبني على ما استبعد منها. وتستند على الأسس التالية:
أ- إن لولي الأمر أن يطلب من الزكاة ما يرى المصلحة العامة تقتضي طلبه.
ب- الأصل في المسلم أنه مؤتمن على شئون دينه من صلاة وزكاة وصوم وغير ذلك.
ج- متى توفرت القرائن لاتهام من يتساهل أو يتلاعب بأداء الزكاة أو بعضها بأي طريق من طرق الاحتيال أو التهرب منأدائها فإن للقضاء الفصل في عدوانه بما يقتضيه الوجه الشرعي. وللجهة المختصة بجبايتها بذل الجهد في تحصيل ما يدعم الادعاء.
د- تعيين الجهة المختصة بجباية الزكاة وإعطائها من الصلاحيات ما تستطيع به إنفاذ ما وكل إليها.
هـ- الرجوع في تقدير العقوبات الجزائية إلى القضاء المختص.
والأخذ بالأصل في أن الزكاة تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء.
هذا ما ظهر لي، والله ولي التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عضو الهيئة
عبد الله بن سليمان بن منيع
24/10/1398هـ(17/181)
قرار رقم: 28 (3/4)
بشأن
زكاة الأسهم في الشركات
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع (ع 4، ج1 ص 705)
إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 صفر 1408هـ الموافق 6-11 شباط (فبراير) 1988م،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع زكاة أسهم الشركات،
قرر ما يلي:
أولاً: تجب زكاة الأسهم على أصحابها، وتخرجها إدارة الشركة نيابة عنهم إذا نص في نظامها الأساسي على ذلك، أو صدر به قرار من الجمعية العمومية، أو كان قانون الدولة يلزم الشركات بإخراج الزكاة، أو حصل تفويض من صاحب الأسهم لإخراج إدارة الشركة زكاة أسهمه.
ثانياً: تخرج إدارة الشركة زكاة الأسهم كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله، بمعنى أن تعتبر جميع أموال المساهمين بمثابة أموال شخص واحد وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار من حيث نوع المال الذي تجب فيه الزكاة، ومن حيث النصاب، ومن حيث المقدار الذي يؤخذ، وغير ذلك مما يراعى في زكاة الشخص الطبيعي، وذلك أخذاً بمبدأ الخلطة عند من عممه من الفقهاء في جميع الأموال.
ويطرح نصيب الأسهم التي لا تجب فيها الزكاة، ومنها أسهم الخزانة العامة، وأسهم الوقف الخيري، وأسهم الجهات الخيرية، وكذلك أسهم غير المسلمين.
ثالثاً: إذا لم تزك الشركة أموالها لأي سبب من الأسباب، فالواجب على المساهمين زكاة أسهمهم، فإذا استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة، لو زكت الشركة أموالها على النحو المشار إليه، زكى أسهمه على هذا الاعتبار، لأنه الأصل في كيفية زكاة الأسهم وإن لم يستطع المساهم معرفة ذلك.
فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي، وليس بقصد التجارة فإنه يزكيها زكاة المستغلات، وتمشياً مع ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية بالنسبة لزكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية، فإنَّ صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع، وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع مع اعتبار توافر شروط الزكاة وانتفاء الموانع.
وإن كان المساهم قد اقتنى الأسهم بقصد التجارة، زكاها زكاة عروض التجارة، فإذا جاء حول زكاته وهي في ملكه، زكى قيمتها السوقية وإذا لم يكن لها سوق، زكى قيمتها بتقويم أهل الخبرة، فيخرج ربع العشر 5ر2% من تلك القيمة ومن الربح، إذا كان للأسهم ربح.
رابعاً: إذا باع المساهم أسهمه في أثناء الحول ضم ثمنها إلى ماله وزكَّاه معه عندما يجيء حول زكاته. أما المشتري فيزكي الأسهم التي اشتراها على النحو السابق.
والله أعلم(17/182)
قرار رقم: 27 (2/4)
بشأن
صرف الزكاة لصالح صندوق التضامن الإسلامي
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع (ع 4، ج1 ص 517)
إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخر 1408هـ الموافق6-11 شباط (فبراير) 1988م،
بعد اطلاعه على المذكرة التفسيرية بشأن صندوق التضامن الإسلامي ووقفيته المقدمة إلى الدورة الثالثة للمجمع، وعلى الأبحاث الواردة إلى المجمع في دورته الحالية بخصوص موضوع صرف الزكاة لصالح صندوق التضامن الإسلامي،
قرر ما يلي:
أولاً: لا يجوز صرف أموال الزكاة لدعم وقفية صندوق التضامن الإسلامي، لأن في ذلك حبساً للزكاة عن مصارفها الشرعية المحددة في الكتاب الكريم.
ثانياً: لصندوق التضامن الإسلامي أن يكون وكيلاً عن الأشخاص والهيئات في صرف الزكاة في وجوهها الشرعية بالشروط التالية:
1- أن تتوافر شروط الوكالة الشرعية بالنسبة للموكل والوكيل.
2- أن يدخل الصندوق على نظامه الأساسي، وأهدافه، التعديلات المناسبة التي تمكنه من القيام بهذا النوع من التصرفات.
ج- أن يخصص صندوق التضامن حساباً خاصاً بالأموال الواردة من الزكاة بحيث لا تختلط بالموارد الأخرى التي تنفق في غير مصارف الزكاة الشرعية، كالمرافق العامة ونحوها.
د- لا يحق للصندوق صرف شىء من هذه الأموال الواردة للزكاة في النفقات الإدارية ومرتبات الموظفين وغيرها من النفقات التي لا تندرج تحت مصارف الزكاة الشرعية.
هـ- لدافع الزكاة أن يشترط على الصندوق دفع زكاته فيما يحدده من مصارف الزكاة الثمانية، وعلى الصندوق - في هذه الحالة - أن يتقيد بذلك.
ويلتزم الصندوق بصرف هذه الأموال إلى مستحقيها في أقرب وقت ممكن حتى يتيسر لمستحقيها الانتفاع بها، وفي مدة أقصاها سنة.
ويوصي بما يلي:
عملاً على تمكين صندوق التضامن الإسلامي من تحقيق أهدافه الخيرة - المبينة في نظامه الأساسي - والتي أنشىء من أجلها، والتزاماً بقرار مؤتمر القمة الإسلامي الثاني الذي نص على إنشاء هذا الصندوق وتمويله من مساهمات الدول الأعضاء، ونظراً لعدم انتظام بعض الدول في تقديم مساعداتها الطوعية له، يناشد المجمع الدول والحكومات والهيئات والموسرين المسلمين القيام بواجبهم في دعم موارد الصندوق بما يمكنه من تحقيق مقاصده النبيلة في خدمة الأمة الإسلامية. والله أعلم.(17/183)
قرار رقم: 20 (8/3)
بشأن
صرف الزكاة لصالح صندوق التضامن الإسلامي
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8-13 صفر 1407هـ /11 - 16 تشرين الأول (أكتوبر) 1986م.
بعد استماعه لبيان الأمين العام المساعد لمنظمة المؤتمر الإسلامي حول أنشطة صندوق التضامن الإسلامي وحاجته الماسة إلى الدعم المادي، واقتراحه أن يكون مصرفاً من مصارف الزكاة،
قرر ما يلي:
تكليف الأمانة العامة بالتعاون مع صندوق التضامن الإسلامي بإعداد الدراسات اللازمة لبحث الموضوع وعرضها على مجلس المجمع في دورته القادمة.
والله أعلم.(17/184)
قرار رقم: 15 (3/3)
بشأن
توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحق
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع - ع 3، ج 1/ص 309
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8-13 صفر 1407هـ /11 - 16 تشرين الأول (أكتوبر) 1986م.
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة في موضوع توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحق، وبعد استماعه لآراء الأعضاء والخبراء فيه،
قرر ما يلي:
يجوز من حيث المبدأ توظيف أموال الزكاة في مشاريع استثمارية تنتهي بتمليك أصحاب الاستحقاق للزكاة، أو تكون تابعة للجهة الشرعية المسؤولة عن جمع الزكاة وتوزيعها، على أن يكون بعد تلبية الحاجة الماسة الفورية للمستحقين وتوافر الضمانات الكافية للبعد عن الخسائر.
والله أعلم(17/185)
قرار رقم: 14 (2/3)
بشأن
زكاة الأسهم في الشركات
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع - ع 4، ج 3/ص 705
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8-13 صفر 1407هـ /11 - 16 تشرين الأول (أكتوبر) 1986م.
بعد مناقشته لموضوع زكاة الأسهم في الشركات من جميع جوانبه والاطلاع على البحوث المقدمة بخصوصه،
قرر ما يلي:
تأجيل إصدار القرار الخاص به إلى الدورة الرابعة للمجلس
والله أعلم(17/186)
قرار رقم: 2 (2/2)
بشأن
زكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع - ع 2، ج 1/115
إن مجلس الفقه الإسلامي المنبثق عن المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني من 10-16 ربيع الآخر 1406هـ/22-28 كانون الأول (ديسمبر) 1958م،
بعد أن استمع لما أعد من دراسات في موضوع زكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية،
وبعد أن ناقش الموضوع مناقشة وافية ومعقمة، تبين منها:
أولاً: أنه لم يؤثر نص واضح يوجب الزكاة في العقارات والأراضي المأجورة.
ثانياً: أنه لم يؤثر نص كذلك يوجب الزكاة الفورية في غلة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية.
قرر ما يلي:
أولاً: أن الزكاة غير واجبة في أصول العقارات والأراضي المأجورة.
ثانياً: أن الزكاة تجب في الغلة وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم القبض مع اعتبار توافر شروط الزكاة، وانتفاء الموانع.
والله أعلم(17/187)
قرار رقم: (1/2)
بشأن
زكاة الديون
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة الفقه الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10-16 ربيع الآخر 1406هـ /22 - 28كانون الأول (ديسمبر) 1985م.
بعد أن نظر في الدراسات المعروضة حول زكاة الديون وبعد المناقشة المستفيضة التي تناولت الموضوع من جوانبه المختلفة وتبين منها:
أولاً: أنه لم يرد نص من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله يفصل زكاة الديون.
ثانياً: أنه قد تعدد ما أثر عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم من وجهات نظر في طريقة إخراج زكاة الديون.
ثالثاً: أن قد اختلفت المذاهب الإسلامية بناءً على ذلك اختلافا ًبيناً.
رابعاً: أن الخلاف قد انبنى على الاختلاف في قاعدة هل يعطى المال الذي يمكن عليه صفة الحاصل؟ .
قرر ما يلي:
أولاً: تجب زكاة الدين على رب الدين عن كل سنة إذا كان المدين مليئاً باذلاً.
ثانيا ً: تجب الزكاة على رب الدين بعد دوران الحول من يوم القبض إذا كان المدين معسراً أو مماطلاً.
والله أعلم(17/188)
رقم القرار: 5
رقم الدورة: 15
بشأن استثمار أموال الزكاة
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن استثمار أموال الزكاة:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، التي بدأت يوم السبت 11رجب1419هـ الموافق 31/10/998م قد نظر في موضوع استثمار أموال الزكاة. وبعد التداول والمناقشة، والتأمل في أحكام إخراج الزكاة ومصارفها، قرر المجلس ما يلي: يجب إخراج زكاة الأموال على الفور، وذلك بتمليكها لمستحقيها الموجودين وقت وجوب إخراجها، الذين تولى الله- سبحانه- تعيينهم بنص كتابه، فقال-عز شأنه: (إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) [التوبة: من الآية60] . لهذا فلا يجوز استثمار أموال الزكاة لصالح أحد من مستحقيها، كالفقراء، لما ينطوي عليه من محاذير شرعية متعددة: منها الإخلال بواجب فورية إخراجها، وتفويت تمليكها لمستحقيها وقت وجوب إخراجها، والمضارة بهم.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. والحمد لله رب العالمين.(17/189)
رقم القرار: 1
رقم الدورة: 11
بشأن زكاة أجور العقار
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن زكاة أجور العقار:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصبحه وسلم. فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الحادية عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من يوم الأحد 13رجب1409هـ الموافق 19 فبراير 1989م إلى يوم الأحد 20 رجب 1409هـ الموافق 26 فبراير 1989م قد نظر في موضوع زكاة أجور العقار، وبعد المناقشة، وتداول الرأي قرر بالأكثرية ما يلي:
أولاً: العقار المعد للسكنى، هو من أموال القنية، فلا تجب فيه الزكاة إطلاقًا، لا في رقبته ولا في قدر أجرته.
ثانيًا: العقار المعد للتجارة، هو من عروض التجارة، فتجب الزكاة في رقبته، وتقدر قيمته عند مضي الحول عليه.
ثالثًا: العقار المعد للإيجار، تجب الزكاة في أجرته فقط، دون رقبته.
رابعًا: نظرًا إلى أن الأجرة تجب في ذمة المستأجر للمؤجر، من حين عقد الإجارة، فيجب إخراج زكاة الأجرة، عند انتهاء الحول، من حين عقد الإجارة بعد قبضها.
خامسًا: قدر زكاة رقبة العقار، إن كان للتجارة، وقدر زكاة غلته، إن كان للإجارة، هو ربع العشر، إلحاقًا له بالنقدين.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين.
القرار الثاني: بيان من الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بشأن الرواية التي كتبها المدعو سلمان رشدي، وما تضمنته من إساءات واعتداءات على عقائد وشخصيات إسلامية معظمة:(17/190)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم: أما بعد: فإن الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي- وقد آلمها كما آلم سائر المسلمين، ما اشتمل عليه كتاب المدعو سلمان رشدي، من التشويه المتعمد للدين الإسلامي، والإساءات الشنيعة للشخصيات الإسلامية- تعلن: ما قرره مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، في دورته الحادية عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من يوم الأحد 13 رجب 1409هـ الموافق 19 فبراير 1989م إلى يوم الأحد 20 رجب 1409هـ الموافق 26 فبراير 1989م حول الرواية المذكورة، وجاء في القرار ما يلي: إن الرواية التي كتبها وأصدرها المدعو سلمان رشدي، الهندي الأصل من أسرة مسلمة، والبريطاني الجنسية، تلك الرواية التي نشرت باللغة الإنجليزية في كتاب بعنوان (آيات شيطانية) ، نقلت الصحف العالمية والعربية والإسلامية والأجنبية فقرات منها، وقد نشرت الكتاب دار بنجوين للنشر في بريطانيا، وفايكنج في الولايات المتحدة الأمريكية، وأعقبت الرواية المذكورة، ضجة استنكار في الأوساط الإسلامية وغيرها، بسبب ما جاء فيها من ألفاظ نابية، وافتراءات على الإسلام ومقدساته. وقد نظر المجلس في بعض الفقرات، والفصول التي تضمنتها الرواية المذكورة، فرأى مجلس المجمع الفقهي فيها أبشع وأقذر صورة للافتراءات، والأوصاف التي يصف فيها ذلك الكاتب نبي الإسلام، سيدنا محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجاته أمهات المؤمنين، وغير ذلك من المستنكرات، حتى إنه يتهجم على خليل الله سيدنا إبراهيم بكلمات لا تليق بحرمة الأنبياء، ويصف أمهات المؤمنين- زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم- بكلمات من سافل الكلام، الذي يخرج عن نطاق الكلام التاريخي، أو العلمي، أو الأدبي، ويدخل في نطاق التعدي على المقدسات الاعتقادية الإسلامية، بصورة تجرمها وتعاقب عليها قوانين جميع البلاد المتمدنة، التي يحكمها نظام، ودستور، وقوانين، تحفظ الحقوق والكرامات، لأن ما جاء في تلك الرواية، يتجاوز نطاق حرية الآراء، ويدخل في نطاق العدوان، والإيذاء بالكلام السافل، الذي يمس الكرامات المحترمة المصونة. وقد تداول مجلس المجمع الفقهي، في هذا الموضوع الخطير، وما يجب سلوكه تجاه هذا العدوان السافل، على الحرمات الإسلامية المقدسة، وانتهى المجلس إلى القرار التالي:
1- يرى المجلس: أن ما ورد في هذا الكتاب، المسمى (بالآيات الشيطانية) - من المفتريات المشار إليها، لا يستحق أن يواجه بردود علمية، لأنه من قبيل الشتائم، والأوصاف البذيئة، وليس آراء علمية، أو تاريخية تستوجب الرد العلمي.
2- يقرر المجلس: استنكار هذا العمل، الصادر عن هذا المجرم. ويعلن المجلس: أن هذا الرجل، بعمله هذا، يعتبر مرتدًّا عن الإسلام، الذي نشأ في ظله، وأنه يستحق أن يطبق عليه ما تنص عليه الشريعة الإسلامية.(17/191)
3- يعلن المجلس: أنه يجب ملاحقة هذا الشخص، بدعوى قضائية جزائية، تقام عليه، وعلى دار النشر التي نشرت له هذه الرواية، في المحاكم المختصة في بريطانيا، وأن تتولى رفع هذه الدعوى عليه منظمة المؤتمر الإسلامي التي تمثل الدول الإسلامية وأن توكل في هذه الدعوى أقوى المحامين المتمرسين، في القضايا الجنائية، أمام محاكم الجزاء البريطانية، ممن يوثق بأمانتهم المسلكية.
4- يعلن المجلس: أنه يجب أن تقام أيضًا على هذا الكاتب السافل دعوى جزائية في بلد إسلامي، من قبل النيابة العامة فيه، يحاكم فيها غيابيًّا، ويحكم عليه بما توجبه الشريعة الإسلامية في أمثاله- حتى ولو لم يكن هذا الحكم مجال تنفيذ فوري- ويعلن ذلك إعلاميًّا. وذلك للتعبير عن سخط المسلمين في العالم، على هذا الأسلوب من العدوان السافل.
5- يقرر المجلس: أن الاعتذار الذي قدمه هذا الكاتب، إلى المراجع البريطانية، ونشرته الصحف، وقال فيه: إنه يأسف، لأنه أساء إلى مشاعر المسلمين. هو اعتذار فارغ، لا محصل له، ولا يغير شيئًا، من افتراءاته الشنيعة، لأن الاعتذار في مثل هذه الحال، يجب أن يتضمن الإقرار والاعتراف بأن ما ذكره في كتابه إنما هو محض كذب وافتراء، وأنه غير صحيح، وأن ينشر ذلك في وسائل الإعلام الموازية لتلك التي نشر فيها أكاذيبه.
6- يدعو المجلس الحكومات والشعوب والأفراد، في البلدان الإسلامية وغيرها إلى مقاطعة دور النشر التي نشرت هذا الكتاب، المسمى (آيات شيطانية) ، أو ساعدت على نشره، أو دفعت مكافأة لمؤلفه، أو قدمت جائزة له، مقاطعة تامة في الكتب التي تنشرها تلك الدور أيًّا كانت صفتها، وألا تتعامل معها بأية صورة.
وإن الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي، إذ تنشر قرار المجمع الفقهي الإسلامي، بعد أن حذرت العالم الإسلامي من خطورة الكتاب، وضرورة مقاطعة دار النشر التي تولت تمويل الكتاب ونشره: تهيب بكل مسلم على وجه الأرض- وبخاصة في بريطانيا وأمريكا، حيث نشر الكتاب- أن يكشف زيف هذا الكتب، وأن يحث إخوانه المسلمين، والأشخاص المحبين للصدق والإنصاف، على مقاطعة دار النشر التي أصدرته، والدور الأخرى المتعاونة معها على توزيعه وتسويقه. والله الموفق.(17/192)
رقم القرار: 7
رقم الدورة: 9
بشأن حكم «صرف سهم المجاهدين من الزكاة في تنفيذ مشاريعهم الصحية والتربوية والإعلامية»
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن حكم «صرف سهم المجاهدين من الزكاة في تنفيذ مشاريعهم الصحية والتربوية والإعلامية» :
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12رجب1406هـ إلى يوم السبت 19رجب1406هـ قد نظر في موضوع السؤال المقدم من رئيس لجنة الدعوة الإسلامية في جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت والخاص بجواز صرف أموال الدعوة الإسلامية التي تجمع للمجاهدين الأفغانيين، لتنفيذ المشاريع الصحية والتربوية والإعلامية، والذي طلب سماحة رئيس المجلس عرضه عليه في هذه الدورة. وبعد أن نظر المجلس في إجابات بعض الأعضاء، وبعد أن راجع ما صدر عنه من قرارات سابقة، وما صدر عن هيئة كبار العلماء في المملكة، واستمع إلى المناقشات حول الموضوع، قرر أن الصرف في الجهات التي تضمنها السؤال جائز من أكثر من جهة:
أولاً: من جهة الاستحقاق بالحاجة، فهم- مجاهدين ومهاجرين- فقراء أو مساكين أو أبناء سبيل، فإن من كان من ذوي الأرض والعقار في بلده أصبح بالهجرة والتشريد من أبناء السبيل بعد انقطاعه. والإنفاق على الفقراء والمحتاجين من أموال الزكاة لا يقتصر على إطعامهم وكسوتهم فقط، بل يشمل كل ما تتم به كفايتهم وتنتظم به حياتهم، ومنها المشاريع الصحية والمدارس التعليمية ونحوها مما يعتبر من ضرورات الحياة المعاصرة. وقد نقل الإمام النووي عن أصحابه من الشافعية: أن المعتبر في الكفاية: المطعم والملبس والمسكن، وسائر ما لابد له منه، على ما يليق بحاله، لنفس الشخص ولمن هو في نفقته (المجموع 6/190) . وقوله: (سائر ما لابد له منه) . كلمة عامة مرنة تتسع للحاجات المتجددة والمتغيرة بتغير الزمان والمكان والحال، ومن ذلك في عصرنا: المنشآت الصحية والتعليمية التي تعتبر من تتمات المحافظة على النفس والعقل وهما من الضروريات الخمس، وقد اعتبر الفقهاء الزواج من تمام الكفاية، وكتب العلم لأهله من تمام الكفاية، نقل في (الإنصاف) :أنه يجوز للفقير الأخذ من الزكاة لشراء كتب يحتاجها من كتب العلم التي لابد منها لمصلحة دينه ودنياه (3/165،218) .(17/193)
ثانيًا: من جهة أخرى يعتبر الإنفاق على المشاريع المسؤول عنها داخلاً في مصرف: (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) . حتى مع التضييق في مدلوله وقصره على الجهاد بالمعنى العسكري، فإن الجهاد اليوم لم يعد مقصورًا على أشخاص المجاهدين وحدهم، بل أصبح تأمين الجهة الداخلية وقوتها جزءًا لا يتجزأ مما يسمونه (الإستراتيجية العسكرية) . والمهاجرون بكل معاناتهم ومآسيهم هم بعض ثمار الحرب وإفرازها ونتاجها، فلابد من رعايتهم وتوفير ما يلزم لحياتهم الحياة المناسبة، وتعليم أبنائهم وعلاجهم حتى يطمئن المجاهدون إلى أن أهليهم وراءهم غير مضيعين، فيستمروا في جهادهم أقوياء صامدين، وأي خلل أو ضعف في هذه الجهة يعود على الجهاد بالضرر. ومما يؤيدنا في هذا من النصوص ما جاء في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: "مَن خَلَفَ غازِيًا في أهلِه بخيرٍ فقد غَزَا". فاعتبر رعاية أسرة الغازي المجاهد غزوًا وجهادًا، فلا غرو أن يكون الإنفاق فيه من باب الجهاد في سبيل الله. وعلى هذا نص بعض الفقهاء: أن الغازي يُعطَى من سهم (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) نفقتَه ونفقةَ عياله ذهابًا ومقامًا ورجوعًا (المجموع:6/227) . وأما ما يتعلق بالنشاط الإعلامي، فقد غدا من لوازم الحرب الناجحة في عصرنا كما يقرر ذلك المختصون من العسكريين، فهو لازم لتقوية الروح المعنوية للمجاهدين وتحريضهم على القتال، وهو لازم لزرع الثقة والأمل في نفس من وراءهم من المدنيين والمساعدين، وهو لازم لبث الرعب في قلوب أعدائهم، وقد يكون النصر بالرعب، وهو لازم لتجنيد الرأي العام العالمي للوقوف بجانبهم ونصرة قضيتهم. والقاعدة الشرعية: أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ثم هو بعد ذلك من أنواع الجهاد باللسان، الداخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جاهِدوا المشركين بأموالِكم وأنفسِكم وألسنتِكم". وبناء على هذا يرى المجلس جواز صرف أموال الزكاة فيما جاء في السؤال. والله أعلم. والله ولي التوفيق. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. والحمد لله رب العالمين.(17/194)
رقم القرار: 5
رقم الدورة: 9
بشأن موضوعي "الاستفادة بأموال الزكاة لبناء المدارس والمستشفيات في البلاد الأوربية وتأسيس صندوق للزكاة فيها"
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن موضُوعَي «الاستفادة بأموال الزكاة لبناء المدارس والمستشفيات في البلاد الأوربية وتأسيس صندوق للزكاة فيها» :(17/195)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12رجب1406هـ إلى يوم السبت 19رجب1406هـ قد نظر في توصية مجمع البحث الفقهي الأوربي، التابع للمجلس الأعلى العالمي للمساجد، والمحال إليه من معالي الدكتور الأمين العام، نائب رئيس المجلس، والمتعلق بإمكان الاستفادة بأموال الزكاة لبناء المدارس والمستشفيات في البلاد الأوربية. وبعد النظر والاستماع إلى كلمات الأعضاء ومناقشاتهم قرر المجلس تأكيد ما ذهب إليه في الدورة الثامنة من دخول الدعوة إلى الله تعالى، وما يعين عليها، ويدعم أعمالها في مصرف: (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) . وهو أحد المصارف الثمانية المنصوص عليها في كتاب الله تعالى [الآية60 من سورة التوبة] اعتمادًا على أن الجهاد في الإسلام لا يقتصر على القتال بالسيف، بل يشمل الجهاد بالدعوة وتبليغ الرسالة، والصبر على مشاقها. وقد قال تعالى مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم في شأن القرآن: (فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) [الفرقان:52] . وجاء في الحديث الشريف: "جاهِدوا المشركين بأموالِكم وأنفسِكم وألسنتِكم". رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه. ويتأكد هذا المعنى في عصرنا الحاضر، أكثر من أي وقت آخر، فالمسلمون يُغزَون فيه في عقر دارهم من الملل والنحل والفلسفات الباطلة، وبالفكر والثقافة لا بالسيف والمدفع، وبالمؤسسات التعليمية والاجتماعية، لا بالمؤسسات العسكرية. ولا يفل الحديد إلا حديد مثله، فلابد أن تقاوم الدعوة إلى الطاغوت بالدعوة إلى الله، ويقاوم تعليم الباطل بتعليم الحق، والفكر المشحون بالكفر بالفكر المشحون بالإسلام. كما قال أبو بكر الصديق لخالد -رضي الله عنه: "حارِبْهم بمثلِ ما يُحارِبونك به: السَّيفُ بالسَّيفِ، والرُّمحُ بالرُّمحِ..". وقد تنوعت وسائل الدعوة وأساليبها في عصرنا تنوعًا بالغًا، فلم تعد مقصورة على كلمة تقال، أو نشرة توزع، أو كتاب يؤلف- وإن كان هذا كله مهمًّا- بل أصبح من أعظم وسائلها أثرًا وأشدها خطرًا: المدرسة التي تصوغ عقول الناشئة وتصنع أذواقهم وميولهم، وتغرس فيها من الأفكار والقيم ما تريد، ومثل ذلك المستشفى الذي يستقبل المرضى، ويحاول التأثير فيهم باسم الخدمات الإنسانية. وقد استغل هذه الوسائل أعداء الإسلام من دعاة التنصير وغيرهم، لغزو أبناء الأمة الإسلامية، وسلخهم من شخصيتهم، وإضلالهم عن عقيدتهم، فأنشؤوا المدارس، والمستشفيات وغيرها لهذا الغرض الخبيث، وأنفقوا عليها العشرات والمئات من الملايين، وأكثر ما يتعرض المسلمون وشبابهم خاصة لهذا الخطر حينما يكونون خارج ديار الإسلام. ولهذا يقرر المجلس أن المؤسسات التعليمية والاجتماعية من المدارس والمتشفيات ونحوها، إذا كانت في بلاد الكفر، تعتبر اليوم من لوازم الدعوة، وأدوات الجهاد في سبيل الله، وهي مما يدعم الدعوة ويعين على أعمالها بل هي لازمة للمحافظة على عقائد المسلمين وهُويَّتهم الدينية، في مواجهة التخريب العقائدي والفكري الذي تقوم به المدارس والمنشآت(17/196)
التنصيرية واللادينية. على أن تكون هذه المؤسسات إسلامية خالصة، ممحضة لأغراض الدعوة والرسالة والنفع لعموم المسلمين، وليست لأغراض تجارية تخص أفرادًا أو فئة من الناس.
أما ما يتعلق بتأسيس صندوق للزكاة، لجمعها من المكلفين بها، وصرفها في مصارفها الشرعية، ومنها ما ذكرناه أعلاه، فهو أمر محمود شرعًا، لما وراءه من تحقيق مصالح مؤكدة للمسلمين، بشرط أن يقوم عليه الثقات المأمونون العارفون بأحكام الشرع في تحصيل الزكاة وتوزيعها. والله أعلم. والله ولي التوفيق. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. والحمد لله رب العالمين.(17/197)
القرار: 4
رقم الدورة: 8
بشأن جمع وتقسيم الزكاة والعشر في باكستان
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 15/10/1425
28/11/2004
بشأن جمع وتقسيم الزكاة والعشر في باكستان:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، في دورته الثامنة المنعقدة بمكة المكرمة فيما بين 27 ربيع الآخر 1405هـ و 8 جمادى الأولى 1405هـ. بناء على الخطاب الموجه إلى سماحة رئيس المجلس الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، من سفارة الباكستان بجدة، رقم 4/سياسية63/83 وتاريخ 27 يونيو 1983م ومشفوعة استفتاء بعنوان: (جمع وتقسيم الزكاة والعشر في باكستان) ، والمحال من قبل سماحته، إلى مجلس المجمع الفقهي، بخطابه رقم 1062/2 وتاريخ 16 ذي القعدة 1403هـ. وبعد اطلاع المجلس، على ترجمة الاستفتاء الذي يطلب فيه الإفادة، هل أحد مصارف الزكاة الثمانية، المذكورة في الآية الكريمة، وهو: (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) . يقصر معناه على الغزاة في سبيل الله، أم أن سبيل الله عام لكل وجه من وجوه البر، من المرافق، والمصالح العامة، من بناء المساجد، والربط، والقناطر، وتعليم العلم، وبث الدعاة....إلخ. وبعد دراسة الموضوع، ومناقشته، وتداول الرأي فيه، ظهر أن للعلماء في المسألة قولين:
أحدهما: قصر معنى: (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) . في الآية الكريمة على الغزاة في سبيل الله، وهذا رأي جمهور العلماء. وأصحاب هذا القول يريدون قصر نصيب (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) من الزكاة، على المجاهدين الغزاة في سبيل الله تعالى.
القول الثاني: أن سبيل الله شامل، عام لكل طرق الخير، والمرافق العامة للمسلمين: من بناء المساجد وصيانتها، وبناء المدارس، والربط، وفتح الطرق، وبناء الجسور، وإعداد المؤن الحربية، وبث الدعاة، وغير ذلك من المرافق العامة، مما ينفع الدين، وينفع المسلمين، وهذا قول قلة من المتقدمين، وقد ارتضاه واختاره كثير من المتأخرين.
وبعد تداول الرأي، ومناقشة أدلة الفريقين قرر المجلس بالأكثرية ما يلي:
1- نظرًا إلى أن القول الثاني قد قال به طائفة من علماء المسلمين، وأن له حظًّا من النظر، في بعض الآيات الكريمة مثل قوله تعالى (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى) [البقرة:262] . ومن الأحاديث الشريفة، مثل ما جاء في سنن أبي داود: أن رجلاً جعل ناقة في سبيل الله فأرادت امرأته الحج، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "ارْكَبِيها فإنَّ الحَجَّ في سَبِيلِ اللهِ".
2- ونظرًا إلى أن القصد من الجهاد بالسلاح، هو إعلاء كلمة الله تعالى، وأن إعلاء كلمة الله تعالى، كما يكون بالقتال يكون- أيضًا- بالدعوة إلى الله تعالى، ونشر دينه: بإعداد الدعاة، ودعمهم، ومساعدتهم على أداء مهمتهم، فيكون كلا الأمرين جهادًا، لما روى الإمام أحمد والنسائي وصححه الحاكم، عن أنس، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جاهِدوا المشركين بأموالِكم وأنفُسِكم وألسنتِكم".(17/198)
3- ونظرًا إلى أن الإسلام محارب بالغزو الفكري والعقدي، من الملاحدة واليهود والنصارى، وسائر أعداء الدين، وأن لهؤلاء من يدعمهم الدعم المادي والمعنوي فإنه يتعين على المسلمين، أن يقابلوهم بمثل السلاح الذي يغزون به الإسلام، وبما هو أنكى منه.
4- ونظرًا إلى أن الحروب في البلاد الإسلامية، أصبح لها وزارات خاصة بها، ولها بنود مالية في ميزانية كل دولة، بخلاف الجهاد بالدعوة، فإنه لا يوجد له في ميزانيات غالب الدول مساعدة ولا عون. لذلك كله فإن المجلس يقرر- بالأكثرية المطلقة- دخول الدعوة إلى الله تعالى، وما يعين عليها، ويدعم أعمالها، في معنى (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) ، في الآية الكريمة.
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(17/199)
أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الثالث ص/46-48
قرار رقم (108) وتاريخ 2/11/1403هـ
حكم إنشاء مراصد فلكية يستعان بها في رؤية الهلال
هيئة كبار العلماء 22/8/1426
26/09/2005
الحمد لله، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وبعد:
ففي الدورة الثانية والعشرين لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الطائف، ابتداء من العشرين من شهر شوال حتى الثاني من شهر ذي القعدة عام 1403هـ بحث المجلس موضوع إنشاء مراصد فلكية يستعان بها عند تحري رؤية الهلال، بناء على الأمر السامي الموجه إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد برقم (4/ص/19524) وتاريخ 18/8/1403هـ، والمحال من سماحته إلى الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (2652/1/د) ، وتاريخ 1/9/1403هـ واطلع على قرار اللجنة المشكلة بناء على الأمر السامي رقم (6/2) وتاريخ 2/1/1403هـ، والمكونة من أصحاب الفضيلة: الشيخ عبد الرزاق عفيفي عضو هيئة كبار العلماء وأعضاء الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى، والشيخ محمد بن عبد الرحيم الخالد، ومندوب جامعة الملك سعود الدكتور فضل أحمد نور محمد، والتي درست موضوع الاستعانة بالمراصد على تحري رؤية الهلال، وأصدرت في ذلك قرارها المؤرخ في 16/5/1403هـ المتضمن:
أنه اتفق رأي الجميع على النقاط الست التالية:
1- إنشاء المراصد كعامل مساعد على تحري رؤية الهلال لا مانع منه شرعاً.
2- إذا رئي الهلال بالعين المجردة، فالعمل بهذه الرؤية، وإن لم ير بالمرصد.
3- إذا رئي الهلال بالمرصد رؤية حقيقية بواسطة المنظار تعين العمل بهذه الرؤية، ولو لم ير بالعين المجردة؛ وذلك لقول الله تعالى: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه" (1) ، ولعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم ... " الحديث يصدق أنه رئي الهلال، سواء كانت الرؤية بالعين المجردة أم بها عن طريق المنظار، ولأن المثبت مقدم على النافي.
4- يطلب من المراصد من قبل الجهة المختصة عن إثبات الهلال تحري رؤية الهلال في ليلة مظنته، بغض النظر عن احتمال وجود الهلال بالحساب من عدمه.
5- يحسن إنشاء مراصد متكاملة الأجهزة للاستفادة منها في جهات المملكة الأربع، تعين مواقعها وتكاليفها بواسطة المختصين في هذا المجال.
6- تعميم مراصد متنقلة؛ لتحري رؤية الهلال في الأماكن التي تكون مظنة رؤية الهلال، مع الاستعانة بالأشخاص المشهورين بحدة البصر، وخاصة الذين سبق لهم رؤية الهلال. اهـ.
وبعد أن قام المجلس بدراسة الموضوع ومناقشته ورجع إلى قراره رقم (2) الذي أصدره في دورته الثانية المنعقدة في شهر شعبان من عام 1394هـ في موضوع الأهلة قرر بالإجماع: الموافقة على النقاط الست التي توصلت إليها اللجنة المذكورة أعلاه، بشرط أن تكون الرؤية بالمرصد أو غيره ممن تثبت عدالته شرعاً لدى القضاء كالمتبع، وأن لا يعتمد على الحساب في إثبات دخول الشهر أو خروجه.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة
عبد العزيز بن صالح
عبد الله بن قعود
عبد الله خياط
عبد الرزاق عفيفي
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
عبد المجيد حسن
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
راشد بن حنين
صالح بن غصون
سليمان بن عبيد
عبد الله بن غديان
صالح اللحيدان
عبد الله بن منيع
محمد بن جبير [أوافق على النقاط الخمس من قرار اللجنة أما النقطة الثانية فلا أوافق عليها]
__________
(1) سورة البقرة، الآية 185.(17/200)
أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الثالث ص/35-45
قرار رقم (34) وتاريخ 14/2/1395هـ
بشأن حكم اعتماد الحساب الفلكي في إثبات العبادات
هيئة كبار العلماء 22/8/1426
26/09/2005
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله، وآله وصحبه، وبعد:
فبناء على خطاب معالي رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء رقم (4680) وتاريخ 23/2/1394هـ المتضمن: أمر جلالة الملك بإحالة خطاب أمين عام هيئة الدعوة والإرشاد في
(سورابايا) بشأن توحيد مواقيت الصلاة والصوم والحج إلى هيئة كبار العلماء، وإشارة لخطاب سعادة وكيل وزارة الخارجية رقم (300/5/6/855/3) في 15/1/1394هـ ومشفوعاته: ما تبلغته سفارة جلالة الملك في الجزائر من وزارة التعليم الأصلي والشئون الدينية من وثائق حول الاعتماد على الحساب الفلكي لتحديد مواقيت العبادات.
وبناء على المحضر رقم (7) من محاضر الدورة الخامسة لمجلس هيئة كبار العلماء المشتمل على إعداد قرار مدعم بالأدلة يعرض على الهيئة في دورتها السادسة لإقراره.
وبعد دراسة المجلس للقرارات والتوصيات والفتاوى والآراء المتعلقة بهذا الموضوع وإعادة النظر في البحث الذي سبق أن أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في موضوع توحيد أوائل الشهور القمرية، والاطلاع على القرار الصادر من الهيئة في دورتها الثانية برقم (2) وتاريخ 13/2/1393هـ ومداولة الرأي في ذلك كله - قرر ما يلي:
أولاً: أن المراد بالحساب والتنجيم هنا معرفة البروج والمنازل، وتقدير سيركل من الشمس والقمر وتحديد الأوقات بذلك؛ كوقت طلوع الشمس ودلوكها وغروبها، واجتماع الشمس والقمر وافتراقهما، وكسوف كل منهما، وهذا هو ما يعرف ب (حساب التسيير، وليس المراد بالتنجيم هنا الاستدلال بالأحوال الفلكية على وقوع الحوادث الأرضية، من ولادة عظيم أو موته، ومن شدة وبلاء، أو سعادة ورخاء، وأمثال ذلك مما فيه ربط الأحداث بأحوال الأفلاك علماً بميقاتها، أو تأثيراً في وقوعها من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله، وبهذا يتحرر موضوع البحث.
ثانياً: أنه لا عبرة شرعاً بمجرد ولادة القمر في إثبات الشهر القمري بدءاً وانتهاءً بإجماع مالم تثبت رؤيته شرعاً، وهذا بالنسبة لتوقيت العبادات ومن خالف في ذلك من المعاصرين فمسبوق بإجماع من قبله.
ثالثاً: أن رؤية الهلال هي المعتبرة وحدها في حالة الصحو ليلة الثلاثين في إثبات بدء الشهور القمرية وانتهائها بالنسبة للعبادات، فإن لم يُر أكملت العدة ثلاثين بإجماع.
أما إذا كان بالسماء غيم ليلة الثلاثين: فجمهور الفقهاء يرون إكمال العدة ثلاثين؛ عملاً بحديث:" فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين"، وبهذا تفسر الرواية الأخرى الواردة بلفظ: " فاقدروا له ".
وذهب الإمام أحمد في رواية أخرى عنه، وبعض أهل العلم إلى اعتبار شعبان في حالة الغيم تسعة وعشرين يوماً احتياطاً لرمضان، وفسروا رواية: " فاقدروا له": بضيقوا، أخذاً من قوله تعالى: " ومن قدر عليه رزقه فلينفق مماءاتاه الله" (1) ، أي: ضيق عليه رزقه.
وهذا التفسير مردود بما صرحت به رواية الحديث الأخرى الواردة بلفظ: " فاقدروا له ثلاثين "، وفي رواية أخرى: " فأكملوا عدة شعبان ثلاثين".(17/201)
وحكى النووي في شرحه على صحيح مسلم لحديث: " فإن غم عليكم فاقدروا له" عن ابن سريج وجماعة، منهم مطرف بن عبد الله - أي: ابن الشخير- وابن قتيبة وآخرون - اعتبار قول علماء النجوم في إثبات الشهر القمري ابتداءً وانتهاءً، أي: إذا كان في السماء غيم.
وقال ابن عبد البر: روي عن مطرف بن الشخير، وليس الصحيح عنه، ولو صح ما وجب اتباعه؛ لشذوذه فيه، ولمخالفة الحجة له ثم حكى عن ابن قتيبة مثله، وقال: ليس هذا من شأن ابن قتيبة، ولا هو ممن يعرج عليه في مثل هذا الباب. ثم حكى عن ابن خويز منداد أنه حكاه عن الشافعي، ثم قال ابن عبد البر: والصحيح عنه في كتبه وعند أصحابه وجمهور العلماء خلافه، انتهى.
وبهذا يتضح: أن محل الخلاف بين الفقهاء إنما هو في حال الغيم وما في معناه. وهذا كله بالنسبة للعبادات، أما بالنسبة للمعاملات فللناس أن يصطلحوا على ماشاءوا من التوقيت.
رابعاً: أن المعتبر شرعاً في إثبات الشهر القمري هو رؤية الهلال فقط دون حساب سير الشمس والقمر لما يأتي:
أ- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصوم لرؤية الهلال والإفطار لها في قوله:
" صوموا لرؤيته، وأفطروا لرويته"، وحصر ذلك فيها بقوله" " لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه "، وأمر المسلمين إذا كان غيم ليلة الثلاثين أن يكملوا العدة، ولم يأمر بالرجوع إلى علماء النجوم، ولو كان قولهم أصلاً وحده أو أصلاً آخر في إثبات الشهر- لأمر بالرجوع إليهم، فدل ذلك على أنه لا اعتبار شرعاً لما سوى الرؤية، أو إكمال العدة ثلاثين في إثبات الشهر، وأن هذا شرع مستمر إلى يوم القيامة، وما كان ربك نسياً.
ودعوى أن الرؤية في الحديث يراد بها العلم أو غلبة الظن بوجود الهلال أو إمكان رؤيته لا التعبد بنفس الرؤية- مردودة؛ لأن الرؤية في الحديث متعدية إلى مفعول واحد، فكانت بصرية لا علمية، ولأن الصحابة فهموا أنها رؤية بالعين، وهم أعلم باللغة ومقاصد الشريعة، وجرى العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهدهم على ذلك، ولم يرجعوا إلى علماء النجوم في التوقيت، ولا يصح أيضاً أن يقال: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: " فإن غم عليكم فاقدروا له" أراد أمرنا بتقدير منازل القمر لنعلم بالحساب بدء الشهر ونهايته؛ لأن هذه الرواية فسرتها رواية: " فاقدروا له ثلاثين" وما في معناه، ومع ذلك فالذين يدعون إلى توحيد أوائل الشهور يقولون بالاعتماد على حساب المنازل في الصحو والغيم، والحديث قيد القدر له بحالة الغيم.
ب- أن تعليق إثبات الشهر القمري بالرؤية يتفق مع مقاصد الشريعة السمحة؛ لأن رؤية الهلال أمرها عام يتيسر لأكثر الناس، بخلاف ما لو علق الحكم بالحساب فإنه يحصل به الحرج ويتنافى مع مقاصد الشريعة، ودعوى زوال وصف الأمية في علم النجوم عن الأمة لو سلمت لا يغير حكم الشرع في ذلك.
ج- أن علماء الأمة في صدر الإسلام قد أجمعوا على اعتبار الرؤية في إثبات الشهور القمرية دون الحساب، فلم يعرف أن أحداً منهم رجع إليه في ذلك عند الغيم ونحوه، أما عند الصحو فلم يعرف عن أحد من أهل العلم أنه عدل على الحساب في إثبات الأهلة أو علق الحكم العام به.(17/202)
خامساً: تقدير المدة التي يمكن معها رؤية الهلال بعد غروب الشمس لولا المانع من الأمور الاعتبارية الاجتهادية التي تختلف فيها أنظار أهل الحساب، وكذا تقدير المانع، فالاعتماد على ذلك في توقيت العبادات لا يحقق الوحدة المنشودة؛ ولهذا جاء الشرع باعتبار الرؤية فقط دون الحساب.
سادساً: لا يصح تعيين مطلع دولة أو بلد- كمكة مثلاً- لتعتبر رؤية الهلال منه وحده، فإنه يلزم من ذلك أن لا يجب الصوم على من ثبتت رؤية الهلال عندهم من سكان جهة أخرى، إذا لم ير الهلال في المطلع المعين.
سابعاً: ضعف أدلة من اعتبر قول علماء النجوم في إثبات الشهر القمري. ويتبين ذلك بذكر أدلتهم ومناقشتها:
أ- قالوا: إن الله أخبر بأنه أجرى الشمس والقمر بحساب لا يضطرب، وجعلهما آيتين وقدرهما منازل؛ لنعتبر، ولنعلم عدد السنين والحساب، فإذا علم جماعة بالحساب وجود الهلال يقيناً وإن لم تمكن رؤيته بعد غروب شمس التاسع والعشرين أو وجوده مع إمكان الرؤية لولا المانع، وأخبرنا بذلك عدد منهم يبلغ مبلغ التواتر - وجب قبول خبرهم؛ لبنائه على يقين، واستحالة الكذب على المخبرين؛ لبلوغهم حد التواتر، وعلى تقدير أنهم لم يبلغوا حد التواتر وكانوا عدولاً فخبرهم يفيد غلبة الظن، وهي كافية في بناء أحكام العبادات عليها.
والجواب: أن يقال: إن كونها آيات للاعتبار بها والتفكير في أحوالها للاستدلال على خالقها ومجريها بنظام دقيق لا خلل فيه ولا اضطراب، وإثبات ما لله من صفات الجلال والكمال- أمر لا ريب فيه.
أما الاستدلال بحساب سير الشمس والقمر على تقدير أوقات العبادات فغير مسلم؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم - وهو أعلم الخلق بتفسير كتاب الله - لم يعلق دخول الشهر وخروجه بعلم الحساب، وإنما علق ذلك برؤية الهلال أو إكمال العدة في حال الغيم، فوجب الاقتصار على ذلك، وهذا هو الذي بتفق وسماحة الشريعة وسهولتها مع ما فيه من الدقة والضبط، بخلاف تقدير سير الكواكب فإن أمره خفي عقلي لا يدركه إلا النزر اليسير من الناس، ومثل هذا لا تبنى عليه أحكام العبادات.
ب- وقالوا: إن الفقهاء يرجعون في كثير من شئونهم إلى أهل الخبرة فيرجعون إلى الأطباء في فطر المريض في رمضان، وتقدير مدة التأجيل في العنين والمعترض، وإلى أهل اللغة في تفسير نصوص الكتاب والسنة، إلى غير ذلك من الشئون، فليرجعوا في معرفة بدء الشهور القمرية ونهايتها إلى علماء النجوم.
والجواب: أن يقال: هذا قياس مع الفارق؛ لأن الشرع إنما جاء بالرجوع إلى أهل الخبرة في اختصاصهم في المسائل التي لا نص فيها. أما إثبات الأهلة فقد ورد فيه النص باعتبار الرؤية فقط، أو إكمال العدة دون الرجوع فيه إلى غير ذلك.
ج- وقالوا: إن توقيت بدء الشهر القمري ونهايته لا يختلف عن توقيت الصلوات الخمس وبدء صوم كل يوم ونهايته، وقد اعتبر الناس حساب المنازل علمياً في الصلوات والصيام اليومي فليعتبروه في بدء الشهر ونهايته.(17/203)
وأجيب: بأن الشرع أناط الحكم في الأوقات بوجودها، قال تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرءان الفجر" (2) ، وقال" وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل" (3) ، وفصلت السنة ذلك، وأناطت وجوب صوم رمضان برؤية الهلال ولم تعلق الحكم في شيء من ذلك على حساب المنازل، وإنما العبرة بدليل الحكم.
د- وقالوا: إن الله تعالى قال: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه" (4) ، إذ المعنى: فمن علم منكم الشهر فليصمه، سواء كان علم ذلك عن طريق رؤية الهلال مطلقاً أو عن طريق علم حساب المنازل.
والجواب: أن يقال: إن معنى الآية: فمن حضر منكم الشهر فليصمه، بدليل قوله تعالى بعده: "ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر" (5) ، وعلى تقدير تفسير الشهود بالعلم، فالمراد: العلم عن طريق رؤية الهلال، بدليل حديث: " لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه".
هـ - وقالوا: إن علم الحساب مبني على مقدمات يقينية، فكان الاعتماد عليه في إثبات الشهور القمرية أقرب إلى الصواب وتحقيق الوحدة بين المسلمين في نسكهم وأعيادهم. وأجيب: بأن ذلك غير مسلم؛ لأن الحس واليقين في مشاهدة الكواكب لا في حساب سيرها، فإنه أمر عقلي خفي لا يعرفه إلا النزر اليسير من الناس، كما تقدم؛ لحاجته إلى دراسة وعناية، ولوقوع الغلط والاختلاف فيه، كما هو الواقع في اختلاف التقاويم التي تصدر في كثير من البلاد الإسلامية، فلا يعتمد عليه ولا تتحقق به الوحدة بين المسلمين في مواقيت عباداتهم.
ووقالوا: إن تعليق الحكم بثبوت الشهر على الأهلة معلل بوصف الأمة بأنها أمية، وقد زال عنها هذا الوصف، فقد كثر علماء النجوم، وبذلك يزول تعليق الحكم بالرؤية أو بخصوص الرؤية، ويعتبر الحساب وحده أصلاً، أو يعتبر أصلاً آخر إلى جانب الرؤية.
والجواب: أن يقال: إن وصف الأمة بأنها أمية لا يزال قائماً بالنسبة لعلم سير الشمس والقمر وسائر الكواكب، فالعلماء به نزر يسير، والذي كثر إنما هو آلات الرصد وأجهزته، وهي مما يساعد على رؤية الهلال في وقته، ولا مانع من الاستعانة بها على الرؤية وإثبات الشهر بها، كما يستعان بالآلات على سماع الأصوات، وعلى رؤية المبصرات، ولو فرض زوال وصف الأمية عن الأمة في علم الحساب- لم يجز الاعتماد عليه في إثبات الأهلة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علق الحكم بالرؤية، أو إكمال العدة، ولم يأمر بالرجوع إلى الحساب واستمر عمل المسلمين على ذلك بعده. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم. حرر في 14/2/1395هـ.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة السادسة
عبد الرزاق عفيفي
راشد بن خنين
عبد الله بن حميد
عبد العزيز بن باز
عبد الله بن منيع
[له وجهة نظر مرفقة]
عبد المجيد حسن
[لي وجهة نظر مكتوبة]
محمد بن جبير
[له وجهة نظر مرفقة]
عبد العزيز بن صالح
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
صالح بن غصون
سليمان بن عبيد
عبد الله بن غديان
محمد الحركان
عبد الله خياط
صالح بن لحيدان
وجهة نظر
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه. وبعد:(17/204)
فقد استعرضنا البحوث المقدمة للمجلس في موضوع (حكم العمل بالحساب في ثبوت دخول الشهر أو خروجه) وقرارات المؤتمرات المنعقدة؛ لبحث ذلك الموضوع، وأعدنا النظر في البحث المعد من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في ذلك، ولم نجد فيما اطلعنا عليه من البحوث المذكورة بحثاً في الموضوع من أهل الاختصاص في علم الفلك.
وقد رأينا في تلك البحوث من يدعي: أن نتائج الحساب الفلكي قطعية الدلالة وينكر أن تكون مبنية على ظن أو تخمين، كما وجدنا فيهم من يدعي: أن نتائج الحساب الفلكي مبنية على الحدس والظن والتخمين وينكر قطعية نتائجها. وليس في الفريقين من يعتبر أهلاً لقبول قوله في قطيعة النتائج أو ظنيتها؛ لكونه ليس من علماء الفلك.
وحيث إن الحكم في رأينا يختلف بالنسبة للأمرين: قطعية النتائج أو ظنيتها، حيث إن القول بقطعية نتائج الحساب الفلكي يقضى برد الشهادة برؤية الهلال دخولاً أو خروجاً إذا تعارضت معها؛ لأن من شروط اعتبار الشهادة بالإجماع: أن تكون منفكة عما يكذبها حساً وعقلاً، فإذا قرر الحساب الفلكي عدم ولادة الهلال، وجاء من يشهد برؤيته - كانت شهادته ملازمة لما يكذبها عقلاً، وهو القول باستحالة الرؤية للقطع بعدم ولادة الهلال، كما أن القول بظنيه النتائج يقضي بردها- أي: النتائج- واعتبار الشهادة بالرؤية؛ لإمكانها، وظنيه النتائج الفلكية، وذلك في حالة تعارض الشهادة بالرؤية مع نتائج الحساب.
ونظراً إلى أن القول بقطيعة نتائج الحساب الفلكي أو ظنيتها من قبيل الدعوى من الطرفين، وأن القول في الأمور الشرعية يقتضي التحقق والتثبت والاستقصاء - فقد طلبنا من المجلس استقدام أصحاب اختصاص في علم الفلك؛ لمناقشتهم في ذلك والتحقق منهم فيما يدعيه الطرفان، كما تقضي بذلك المادة () من لائحة المجلس، فرأى المجلس بالأكثرية عدم الحاجة إلى استقدامهم.
وعليه فإننا نؤكد ضرورة استقدام خبراء في علم الفلك لِتُحَقَّقَ دعوى قطعية نتائج الحساب الفلكي أو ظنيتها، وعلى ضوء ذلك نقرر ما نراه.
وبالله التوفيق. وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
حرر في 14/2/1395هـ.
عضو الهيئة
عضو الهيئة
عضو الهيئة
عبد المجيد حسن
محمد بن جبير
عبد الله بن سليمان بن منعي
____________
(1) سورة الطلاق، الآية 7.
(2) سورة الإسراء، الآية 78.
(3) سورة البقرة، الآية 187.
(4) سورة البقرة، الآية 185.
(5) سورة البقرة، الآية 185.(17/205)
أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الثالث ص/32-34
قرار رقم (2)
1- حكم اعتبار اختلاف المطالع
2- حكم إثبات الهلال بالحساب
هيئة كبار العلماء 22/8/1426
26/09/2005
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فبناء على خطاب المقام السامي رقم (22451) وتاريخ 6/11/1391هـ المتضمن إحالة موضوع الأهلة إلى هيئة كبار العلماء نظراً إلى أن الموضوع عند دراسة مجلس رابطة العالم الإسلامي في جلسته المنعقدة في 15 شعبان عام 1391هـ واطلاعها على قرار اللجنة الفقهية المنبثقة من المجلس قدرت الموافقة على القول بعدم اعتبار اختلاف المطالع، إلا أن بعض أعضاء المجلس التأسيسي رأى التريث في الأمر، وزيادة البحث والتقصي في هذا الموضوع.
بناء على ذلك عرض على مجلس هيئة كبار العلماء في دورتها الثانية المنعقدة في شهر شعبان 1392هـ ما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في موضوع إثبات الأهلة المشتمل على الفقرتين التاليتين:
أ- حكم اعتبار اختلاف المطالع وعدم اعتباره.
ب- حكم إثبات الهلال بالحساب.
وكذا قرار رابطة العالم الإسلامي الصادر منها في دورتها الثالثة عشرة المنعقدة في شهر شعبان عام 1391هـ، ومرفقة بحث اللجنة الفقهية المشكلة من بعض أعضاء مجلس الرابطة في الموضوع. وبعد دراسة المجلس للموضوع وتداول الرأي فيه، قرر ما يلي:
أولاً: اختلاف مطالع الأهلة من الأمور التي علمت بالضرورة حساً وعقلاً، ولم يختلف فيها أحد، وإنما وقع الاختلاف بين علماء المسلمين في اعتبار اختلاف المطالع من عدمه.
ثانياً: مسألة اعتبار اختلاف المطالع من عدمه من المسائل النظرية التي للاجتهاد فيها مجال، والاختلاف فيها وفي أمثالها واقع ممن لهم الشأن في العلم والدين، وهو من الخلاف السائغ الذي يؤجر فيه المصيب أجرين: أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة، ويؤجر فيه المخطئ أجراً لاجتهاده.
وقد أختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
فمنهم من رأى اعتبار اختلاف المطالع، ومنهم من لم ير اعتباره. واستدل كل فريق بأدلته من الكتاب والسنة، وربما استدل الفريقان بالنص الواحد، كاشتراكهما في الاستدلال بقوله تعالى:" يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج" (1) ، وبقوله صلى الله عليه وسلم: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته ... " الحديث؛ وذلك لاختلاف الفهم في النص، وسلوك كل منهما طريقاً في الاستدلال به.
وعند بحث هذه المسألة في مجلس الهيئة، ونظراً لاعتبارات قدرتها الهيئة، ولأن هذا الخلاف في مسألة اعتبار اختلاف المطالع من عدمه ليس له آثار تخشى عواقبها. وقد مضى على ظهور هذا الدين مدة أربعة عشر قرناً لا نعلم منها فترة جرى فيها توحيد الأمة الأمية على رؤية واحدة، فإن أعضاء الهيئة يرون بقاء الأمر على ما كان عليه، وعدم إثارة هذا الموضوع، وأن يكون لكل دولة إسلامية حق اختيار ما تراه بواسطة علمائها من الرأيين المشار إليهما في المسألة، إذ لكل منهما أدلته ومستنداته.
ثالثاً: أما ما يتعلق بإثبات الأهلة بالحساب:(17/206)
فبعد دراسة ما أعدته اللجنة الدائمة في ذلك، وبعد الرجوع إلى ما ذكره أهل العلم- فقد أجمع أعضاء الهيئة على عدم اعتباره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته" الحديث، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه" الحديث.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة
عبد الرزاق عفيفي
عبد العزيز بن باز
محضار عقيل
محمد الأمين الشنقيطي
عبد الله بن منيع
عبد الله خياط
عبد الله بن حميد
عبد العزيز بن صالح
عبد المجيد حسن
محمد الحركان
سليمان بن عبيد
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
صالح بن غصون
راشد بن خنين
عبد الله بن غديان
محمد بن جبير
صالح بن لحيدان(17/207)
الأشهر القمرية
قرارات المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث 24/4/1426
01/06/2005
قرار المجلس:
خلص المجلس بعد استعراض الأبحاث المقدمة والمداولة المستفيضة بشأنها إلى القرار التالي:
يثبت دخول شهر رمضان أو الخروج منه بالرؤية البصرية، سواء كانت بالعين المجردة أم بواسطة المراصد، إذا ثبتت في أي بلد إسلامي، بطريق شرعي معتبر، عملاً بالأمر النبوي الكريم الذي جاء به الحديث الصحيح: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا" (1) ، وصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" (2) .
وهذا بشرط ألا ينفي الحساب الفلكي العلمي القطعي إمكان الرؤية في أي قطر من الأقطار، فإذا جزم هذا الحساب باستحالة الرؤية المعتبرة شرعًا في أي بلد، فلا عبرة بشهادة الشهود التي لا تفيد القطع، وتحمل على الوهم أو الغلط أو الكذب، وذلك لأن شهادة الشهود ظنية، وجزم الحساب قطعي، والظني لا يقاوم القطعي، فضلاً عن أن يقدم عليه، باتفاق العلماء.
ويؤكد المجلس هذا: أنه لا يعني بالحساب الفلكي (علم التنجيم) المذموم والمرفوض شرعًا، كما لا يعني به المدون في (الرزنامات) المعروفة في البلاد الإسلامية، كما قد يتوهم بعض أهل العلم الشرعي. إنما نعني بالحساب: ثمرة علم الفلك المعاصر القائم على أسس رياضية علمية قاطعة، والذي بلغ في عصرنا مبلغًا عظيمًا، استطاع به الإنسان أن يصل إلى القمر والكواكب الأخرى، وبرز فيه كثير من علماء المسلمين في بلدان شتى.
[الدورة الثالثة]
_______________
(1) أخرجه مسلم (كتاب الصيام -باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال 2/760) من حديث عبد الله بن عمر، و (2/762) من حديث أبي هريرة.
(2) متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: 1810) ، ومسلم (رقم: 1081/18) من حديث أبي هريرة.(17/208)
مجلة البحوث العدد/28
قرار هيئة كبار العلماء
رقم 2 وتاريخ 13/8/1392هـ
في مسألة اعتبار اختلاف مطالع الأهلة من عدمه
هيئة كبار العلماء 25/2/1426
04/04/2005
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فبناء على خطاب المقام السامي رقم (22451) ، وتاريخ 6/11/1391هـ، المتضمن إحالة موضوع عند دراسة مجلس رابطة العالم الإسلامي في جلسته المنعقدة في 15 شعبان عام 1391هـ واطلاعها على قرار اللجنة الفقهية المنبثقة من المجلس قررت الموافقة على القول بعدم اعتبار اختلاف المطالع، إلا أن بعض أعضاء المجلس التأسيسي رأى التريث في الأمر وزيادة البحث والتقصي في هذا الموضوع.
بناء على ذلك عرض على مجلس هيئة كبار العلماء في دورتها الثانية المنعقدة في شهر شعبان 1392هـ ما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في موضوع إثبات الأهلة المشتمل على الفقرتين التاليتين:
أ- حكم اعتبار اختلاف المطالع وعدم اعتباره.
ب- حكم إثبات الهلال بالحساب.
وكذا قرار رابطة العالم الإسلامي الصادر منها في دورتها الثالثة عشرة المنعقدة في شهر شعبان عام 1391هـ، ومرفقة بحث اللجنة الفقهية المشكلة من بعض أعضاء مجلس الرابطة في الموضوع، وبعد دراسة المجلس للموضوع وتداول الرأي فيه قرر ما يلي:
أولاً: اختلاف مطالع الأهلة من الأمور التي علمت بالضرورة حسا وعقلاً ولم يختلف فيها أحد، وإنما وقع الاختلاف بين علماء المسلمين في اعتبار اختلاف المطالع من عدمه.
ثانياً: مسألة اعتبار اختلاف المطالع من عدمه من المسائل النظرية التي للاجتهاد فيها مجال والاختلاف فيها وفي أمثالها واقع ممن لهم الشأن في العلم والدين وهو من الخلاف السائغ الذي يؤجر فيه المصيب أجرين: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، ويؤجر فيه المخطئ أجر الاجتهاد، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين، فمنهم من رأى اعتبار اختلاف المطالع، ومنهم من لم ير اعتباره، واستدل كل فريق بأدلته من الكتاب والسنة، وربما استدل الفريقان بالنص الواحد كاشتراكهما في الاستدلال بقوله تعالى: "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج"، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته". الحديث ... وذلك لاختلاف الفهم في النص وسلوك كل منهما طريقاً في الاستدلال به، وعند بحث هذه المسألة في مجلس الهيئة، ونظراً لاعتبارات قدرتها الهيئة، ولأن هذا الخلاف في مسألة اعتبار اختلاف المطالع من عدمه ليس له آثار تخشى عواقبها، وقد مضى على ظهور هذا الدين مدة أربعة عشر قرناً لا نعلم منها فترة جرى فيها توحيد الأمة الإسلامية على رؤية واحدة، فإن أعضاء الهيئة يرون بقاء الأمر على ما كان عليه وعدم إثارة هذا الموضوع، وأن يكون لكل دولة إسلامية حق اختيار ما تراه بواسطة علمائها من الرأيين المشار إليهما في المسألة إذ لكل منهما أدلته ومستنداته.(17/209)
ثالثاً: أما ما يتعلّق بإثبات الأهلة بالحساب فبعد دراسة ما أعدته اللجنة الدائمة في ذلك، وبعد الرجوع إلى ما ذكره أهل العلم فقد أجمع أعضاء الهيئة على عدم اعتباره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" الحديث ... ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه" الحديث ...
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة
عبد الرزاق عفيفي
محمد الأمين الشنقيطي
محضيار عقيل
عبد العزيز بن باز
عبد الله بن حميد
عبد الله خياط
محمد الحاركان
عبد المجيد حسن
عبد العزيز بن صالح
صالح بن غصون
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
سليمان بن عبيد
محمد بن جبير
عبد الله بن غديان
راشد بن خنين
صالح بن لحيدان
عبد الله بن منيع(17/210)
رقم القرار: 1
رقم الدورة: 4
بشأن العمل بالرؤية في إثبات الأهلة لا بالحساب الفلكي
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
بشأن العمل بالرؤية في إثبات الأهلة لا بالحساب الفلكي:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، قد اطلع في دورته الرابعة، المنعقدة بمقر الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، في الفترة ما بين السابع والسابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة 1401هـ على صورة خطاب الدعوة الإسلامية في سنغافورة، المؤرخ في 16 شوال 1399هـ الموافق 8 أغسطس 1979م، الموجه لسعادة القائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية هناك، والذي يتضمن أنه حصل خلاف بين هذه الجمعية وبين المجلس الإسلامي في سنغافورة في بداية شهر رمضان ونهايته سنة 1399هـ الموافق 1979م، حيث رأت الجمعية ابتداء شهر رمضان وانتهاءه على أساس الرؤية الشرعية، وفقًا لعموم الأدلة الشرعية، بينما رأى المجلس الإسلامي في سنغافورة ابتداء ونهاية رمضان المذكور بالحساب الفلكي، معللاً ذلك بقوله: (بالنسبة لدول منطقة آسيا حيث كانت سماؤها محجوبة بالغمام، وعلى وجه الخصوص سنغافورة، فالأماكن لرؤية الهلال أكثرها محجوبة عن الرؤية، وهذا يعتبر من الأعذار التي لابد منها، لذا يجب التقدير عن طريق الحساب) . وبعد أن قام أعضاء مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بدراسة وافية لهذا الموضوع على ضوء النصوص الشرعية، قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي تأييده لجمعية الدعوة الإسلامية فيما ذهبت إليه، لوضوح الأدلة الشرعية في ذلك. كما يقرر أنه بالنسبة لهذا الوضع الذي يوجد في أماكن مثل سنغافورة وبعض مناطق آسيا وغيرها، حيث تكون سماؤها محجوبة بما يمنع الرؤية، فإن للمسلمين في تلك المناطق وما شابهها أن يأخذوا بمن يثقون به من البلاد الإسلامية التي تعتمد على الرؤية البصرية للهلال، دون الحساب بأي شكل من الأشكال، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُم فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلاثين". وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تَصُوموا حتَّى تَرَوُا الهِلالَ أوْ تُكْمِلُوا العِدَّةَ، ولا تُفْطِروا حتَّى تَرَوُا الهِلالَ أوْ تُكمِلُوا العِدَّةَ) . وما جاء في معناهما من الأحاديث.(17/211)
قرار رقم: 93 (1/10)
بشأن
المفطرات في مجال التداوي
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع (ع 10، ج ص)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر بجدة في المملكة العربية السعودية خلال الفترة من 23-28 صفر 1418هـ الموافق 28 - حزيران (يونيو) - 3 تموز (يوليو) 1997م،
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة في المجمع بخصوص موضوع المفطرات في مجال التداوي، والدراسات والبحوث والتوصيات الصادرة عن الندوة الفقهية الطبية التاسعة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، بالتعاون مع المجمع وجهات أخرى، في الدار البيضاء بالمملكة المغربية في الفترة من 9 - 12 صفر 1418هـ الموافق 14 - 17 حزيران (يونيو) 1997م، واستماعه للمناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة الفقهاء والأطباء، والنظر في الأدلة من الكتاب والسنة، وفي كلام الفقهاء،
قرر ما يلي:
أولاً: الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات:
1- قطرة العين، أو قطرة الأذن، أو غسول الأذن، أو قطرة الأنف، أو بخاخ الأنف، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
2- الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
3- ما يدخل المهبل من تحاميل (لبوس) ، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع للفحص الطبي.
4- إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما إلى الرحم.
5- ما يدخل الإحليل، أي مجرى البول الظاهر للذكر والأنثى، من قثطرة (أنبوب دقيق) أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة.
6- حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، أو السواك وفرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
7- المضمضة، والغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
8 - الحُقن العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية، باستثناء السوائل والحقن المغذية.
9 - غاز الأكسجين.
10 - غازات التخدير (البنج) ما لم يعط المريض سوائل (محاليل) مغذية.
11- ما يدخل الجسم امتصاصاً من الجلد كالدهونات والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية.
12- إدخال قثطرة (أنبوب دقيق) في الشرايين لتصوير أو علاج أوعية القلب أو غيره من الأعضاء.
13- إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها.
14- أخذ عينات (خزعات) من الكبد أو غيره من الأعضاء ما لم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل.
15- منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل (محاليل) أو مواد أخرى.
16- دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاج الشوكي.
17- القيء غير المتعمد بخلاف المتعمد (الاستقاءة) .
ثانياً: ينبغي على الطبيب المسلم نصح المريض بتأجيل ما لا يضر تأجيله إلى ما بعد الإفطار من صور المعالجات المذكورة فيما سبق.
ثالثاً: تأجيل إصدار قرار في الصور التالية، للحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة في أثرها على الصوم، مع التركيز على ما ورد في حكمها من أحاديث نبوية وآثار عن الصحابة:
أ- بخاخ الربو، واستنشاق أبخرة المواد.
ب- الفصد، والحجامة.
ج - أخذ عينة من الدم المخبري للفحص، أو نقل دم من المتبرع به، أو تلقي الدم المنقول.
د - الحقن المستعملة في علاج الفشل الكلوي حقناً في الصفاق (الباريتون) أو في الكلية الاصطناعية.
هـ - ما يدخل الشرج من حقنة شرجية أو تحاميل (لبوس) أو منظار أو إصبع للفحص الطبي.
والعمليات الجراحية بالتخدير العام إذا كان المريض قد بيّت الصيام من الليل، ولم يعط شيئاً من السوائل (المحاليل) المغذية.
والله أعلم(17/212)
رقم القرار: 7
رقم الدورة: 4
في بيان توحيد الأهلة من عدمه
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 15/10/1425
28/11/2004
في بيان توحيد الأهلة من عدمه:(17/213)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. أما بعد: لقد درس المجمع الفقهي الإسلامي مسألة اختلاف المطالع في بناء الرؤية عليها، فرأى أن الإسلام بني على أنه دين يسر وسماحة، تقبله الفطرة السليمة، والعقول المستقيمة، لموافقته للمصالح، ففي مسألة الأهلة، ذهب إلى إثباتها بالرؤية البصرية لا على اعتمادها على الحساب، كما تشهد به الأدلة الشرعية القاطعة، كما ذهب إلى اعتبار اختلاف المطالع، لما في ذلك من التخفيف على المكلفين، مع كونه هو الذي يقتضيه النظر الصحيح، فما يدعيه القائلون من وجوب الاتحاد في يومي الصوم والإفطار مخالف لما جاء شرعًا وعقلاً، أما شرعًا فقد أورد أئمة الحديث حديثَ كريب، وهو أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام، فقضيت حاجتها، فاستهل علي شهر رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقلت: أولا نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه مسلم في صحيحه) . وقد ترجم الإمام النووي على هذا الحديث في شرحه على مسلم بقوله: (باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم، وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد، لا يثبت حكمه لما بَعُدَ عنهم) . ولم يخرج عن هذا المنهج من أخرج هذا الحديث من أصحاب الكتب الستة (أبو داود والترمذي والنسائي) في تراجمهم له. وناط الإسلام الصوم والإفطار بالرؤية البصرية دون غيرها، لما جاء في حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَصُومُوا حتَّى تَرَوُا الهلال، ولا تُفطِروا حتَّى تَرَوْهُ، فإنْ غُمَّ عَلَيكُم فاقْدُروا لَه". رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما. فهذا الحديث علق الحكم بالسبب، الذي هو الرؤية، وقد توجد في بلد كمكة والمدينة، ولا توجد في بلد آخر، فقد يكون زمانها نهارًا عند آخرين، فكيف يؤمرون بالصيام أو الإفطار؟ أفاده في بيان الأدلة في إثبات الأهلة- وقد قرر العلماء من كل المذاهب: أن اختلاف المطالع هو المعتبر عند كثير، فقد روى ابن عبد البر الإجماع على ألا تراعى الرؤية فيما تباعد من البلدان: كخراسان من الأندلس، ولكل بلد حكم يخصه. وكثير من كتب أهل المذاهب الأربعة طافحة بذكر اعتبار اختلاف المطالع، للأدلة القائمة من الشريعة بذلك، وتطالعك الكتب الفقهية بما يشفي الغليل. وأما عقلاً: فاختلاف المطالع لا اختلاف لأحد من العلماء فيه، لأنه من الأمور المشاهدة، التي يحكم بها العقل، فقد توافق الشرع والعقل على ذلك، فهما متفقان على بناء كثير من الأحكام على ذلك التي منها أوقات الصلاة. ومراجعة الواقع تطالعنا بأن اختلاف المطالع من الأمور الواقعية- وعلى ضوء ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي: أنه لا حاجة إلى الدعوة إلى توحيد الأهلة والأعياد في العالم الإسلامي؛ لأن توحيدها لا يكفل وحدتهم، كما يتوهمه كثير من المقترحين لتوحيد الأهلة والأعياد. وأن تترك قضية إثبات الهلال إلى دور الإفتاء والقضاء في الدول الإسلامية، لأن ذلك أولى وأجدر بالمصلحة الإسلامية العامة. وأن الذي يكفل توحيد الأمة وجمع كلمتها، هو اتفاقهم على العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع شؤونهم. والله ولي التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(17/214)
القرار: 6
رقم الدورة: 4
حول رسالة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود الموجهة إلى العلماء والحكام والقضاة في شأن رؤية الهلال
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 15/10/1425
28/11/2004
حول رسالة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود الموجهة إلى العلماء والحكام والقضاة في شأن رؤية الهلال:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. أما بعد: فقد اطلع مجلس المجمع الفقهي الإسلامي على الرسالة الموجهة إلى العلماء والحكام والقضاة في شأن رؤية الهلال، والتي كتبها رئيس المحاكم بدولة قطر، الشيخ عبد الله بن زيد بن محمود. وبعد الاطلاع عليها تبين أنها قد اشتملت على أغلاط عظيمة وأخطاء واضحة:(17/215)
أولاً: قوله إ ن عيد الفطر من هذه السنة- يعني سنة 1400هـ- قد وقع في غير موقعه الصحيح، بناء على الشهادة الكاذبة برؤية الهلال ليلة الاثنين، حيث لم يره أحد من الناس الرؤية الصحيحة، لا في ليلة الاثنين ولا في ليلة الثلاثاء.... إلخ. فهذا الكلام الذي قاله مؤلف الرسالة تخرُّصًا منه، جانب فيه الصواب، وخالف فيه الحق. وكيف يحكم على جميع الناس أنهم لم يروه؟ وهو لم يُحط علمًا بذلك، والقاعدة الشرعية أن من علم حجة على من لم يعلم، ومن أثبت شيئًا حجة على من نفاه، وكيف وقد ثبتت رؤيته ليلة الاثنين بشهادة الثقات المعدلين، والمثبتة شهاداتهم لدى القضاة المعتمدين في بلدان مختلفة في المملكة وغيرها. وبذلك يعلم أن دخول شوال عام 1400هـ، ثبت ثبوتًا شرعيًّا ليلة الاثنين، مبنيًّا على أساس تعاليم الشرع المطهر، المبلغ عن سيد البشر. فقد روى أبو داود في سننه بإسناد صحيح، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: تراءى الناس الهلال، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام، وأمر الناس بالصيام. قال الحافظ في التلخيص: وأخرجه الدارمي، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وصححه ابن حزم. وروى أهل السنن عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن أعرابيًّا قال: يا رسول الله، إني رأيت الهلال. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أَتَشهَدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وأني رسولُ الِله؟ ". قال: نعم. قال: "فأذِّن في الناسِ يا بلالُ أنْ يَصوموا غَدًا". وأخرجه أيضًا ابن خزيمة، وابن حبان، والدارقطني والحاكم، والبيهقي، وروى الإمام أحمد والنسائي عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال: جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألتهم، وإنهم حدثوني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، وانسكوا لها، فإن غُمّ عليكم فأتموا ثلاثين، فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا". وعن الحارث بن حاطب الجمحي- أمير مكة- قال: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية، فإن لم نر، وشهد شاهدا عدل، نسكنا بشهاداتهما. رواه أبو داود والدارقطني، وقال: إسناده متصل صحيح. وعن أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من الأنصار، قال: غم علينا هلال شوال، فأصبحنا صيامًا، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوه بالأمس، فأمر الناس أن يفطروا من يومهم، وأن يخرجوا لعيدهم من الغد. رواه الإمام أحمد وأبو داود، والنسائي وابن ماجة. قال الحافظ في التلخيص: صححه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم. وعن ربعي بن حراش، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: اختلف الناس في آخر يوم من شهر رمضان، فقدم أعرابيان، فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالله أنهما أهلا الهلال أمس عشيةً، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا. رواه أحمد وأبو داود. وزاد أبو داود في رواية: وأن يفدوا إلى مصلاهم. وهذه الأحاديث تدل على وجوب الأخذ بشهادة الشهود الثقات والاعتماد عليها، وأنه يكفي الشاهدان العدلان في الصوم والإفطار، ويكفي العدل الواحد في إثبات دخول شهر رمضان، كما دل على ذلك حديث ابن عمر وحديث ابن عباس، رضي الله عنهما، كما تدل على أنه لا يلزم من ذلك أن يراه(17/216)
الناس كلهم، أو يراه الجم منهم، كما تدل أيضًا على أنه ليس من شرط صحة شهادة الشاهدين العدلين، أو شهادة العدل الواحد في الدخول، أن يراه الناس في الليلة الثانية، لأن منازله تختلف، وهكذا أبصار الناس ليست على حد سواء، ولأنه قد يوجد في الأفق ما يمنع الرؤية في الليلة الثانية. ولو كانت رؤيته في الليلة الثانية شرطًا في صحة الشهادة لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه المبلغ عن الله، والموضح لأحكامه- عليه الصلاة والسلام. وحكى الترمذي: إجماع العلماء على قبول شهادة العدلين في إثبات الرؤية، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في الفتاوى (ج25ص186) بعد ما ذكر اختلاف أبصار الناس في الرؤية وأسباب ذلك ما نصه: لأنه لو رآه اثنان علق الشارع الحكم بهما بالإجماع، وإن كان الجمهور لم يروه، ولعل مراده بحكاية الإجماع وقت الغيم، لأن خلاف أبي حنيفة- رحمه الله- في عدم إثبات دخول الشهر في وقت الصحو بأقل من الاستفاضة أمر معلوم لا يخفي على مثله- رحمه الله- وهذا كله إذا لم يحكم بذلك، فإنه يرتفع الخلاف ويلزم العمل بالشهادة المذكورة إجماعًا، كما ذكر ذلك العلامة أبو زكريا يحيى النووي في شرح المهذب (ج/6 ص313) بعدما ذكر أسباب اختلاف أبصار الناس في الرؤية، وهذا نص كلامه: ولهذا لو شهد برؤيته اثنان أو واحد، وحكم به حاكم، لم ينقض بالإجماع، ووجب الصوم بالإجماع، ولو كان مستحيلاً لم ينفذ حكمه ووجب نقضه.
ثم قال ابن محمود، بعد كلام سبق ما نصه: يا معشر العلماء الكرام، ويا معشر قضاة شرع الإسلام، لقد وقعنا في صومنا وفطرنا في الخطأ المنكر كل عام. اهـ. ولا يخفي ما في هذا الكلام من الخطأ العظيم، والجرأة على القول بخلاف الحق، فأين له تكرار الخطأ في كل عام في الصوم والإفطار، والقضاة يحكمون في ذلك بما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، وأجمع عليه أهل العلم، كما سبق بيانه.(17/217)
ثم قال ابن محمود، بعد كلام سبق: فمتى طلع- يعني الهلال- قبل طلوع الشمس من جهة المشرق، فإنه يغيب قبلها، فلا يراه أحد، أو طلع مع الشمس فإنه يغيب معها ولا يراه أحد لشدة ضوء الشمس. اهـ. وهذا خطأ بين، فقد ثبت بشهادة العدول أنه قد يرى قبل الشمس في صبيحة يوم التاسع والعشرين من المشرق، ثم يرى بعد غروبهما من المغرب ذلك اليوم. لأن سير القمر غير سير الشمس، فكل واحد يسبح في فلكه الخاص به، كما يشاء الله عز وجل. وأما الآية التي استدل بها على ما ذكره من عدم إمكان رؤيته بعد الغروب إذا كان قد رؤي صباح ذلك اليوم قبل طلوع الشمس، وهي قوله تعالى في سورة يس: (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس:40] . فلا حجة له في ذلك، لأن علماء التفسير أوضحوا معنى الإدراك المذكور، وأنه لا سلطان للشمس في وقت سلطان القمر، ولا سلطان للقمر في وقت سلطان الشمس. قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله- في تفسير هذه الآية ما نصه: قال مجاهد: لكل منهما حد لا يعدوه ولا يقصر دونه، إذا جاء سلطان هذا ذهب هذا، وإذا ذهب سلطان هذا جاء هذا. إلى أن قال: وقال الثوري: عن إسماعيل بن خالد عن أبى صالح: لا يدرك هذا ضوء هذا ولا هذا ضوء هذا. وقال عكرمة في قوله عز وجل: (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) . يعني أن لكل منهما سلطانًا فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل. اهـ. ثم قال ابن محمود، بعد ما ذكر كلام فقهاء الأحناف في اشتراط الاستفاضة في الرؤية وقت الصحو، وأنه لا يكتفي في رؤيته بشخص أو شخصين دون بقية الناس، لاحتمال التوهم منهما، إلى أن قال: وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في رسائله المتعلقة بالهلال، فقال: إنه لا يعتد برؤية الواحد والاثنين للهلال، والناس لم يروه، لاحتمال التوهم منهما في الرؤية، ولو كانت الرؤية صحيحة لرآه أكثر الناس. اهـ. وهذا الكلام الذي نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- عن عدم الاكتفاء بشهادة الواحد والاثنين بالهلال إذا لم يره غيرهم، لا أساس له من الصحة، وقد سبق كلامه- رحمه الله- الذي نقله عنه العارفون بكلامه، وهو الموجود في الفتاوى (ج25ص186) ، وفيه نقل الإجماع على تعلق حكم الشرع بشهادة الاثنين، ثم قال: تراءى الناس هلال رمضان، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه. رواه أبو داود وصححه الحاكم وابن حبان، ومثله حديث ابن عباس أن أعرابيًّا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال. قال: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟ ". قال: نعم. قال: "أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ ". قال: نعم. قال: "فأذِّنْ في الناسِ يا بلالُ أن يصوموا غدًا". رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وصحح النسائي إرساله، فالجواب أنه ليس في الحديثين ما يدل على حصر الرؤية على هذين الشخصين، إذ من المحتمل أن يكونا أول من رأيا الهلال ثم رآه غيرهما. اهـ. المقصود. ولا يخفي بطلان هذا الجواب وتعسفه، لعدم الدليل عليه، والأصل عدم وجود غيرهما، إذ لو شهد غيرهما لنقل، فلما لم ينقل ذلك، علم عدم وقوعه، لهذا(17/218)
احتج العلماء بهذين الحديثين على قبول شهادة الواحد في دخول شهر رمضان ووجوب العمل بها، وهو أصح قولي العلماء، كما تقدم بيان ذلك، وقد تقدم أيضًا أنه متى حكم بها حاكم شرعي، وجب العمل بها إجماعًا، كما سبق نقل ذلك عن النووي- رحمه الله- في شرح المهذب، فنعوذ بالله من القول عليهم بغير علم.
ثم قال ابن محمود في ختام رسالته ما نصه: ولقد تقدم مني القول برسالتي لاجتماع أهل الإسلام على عيد واحد كل عام، فدعوت فيها الحكومة حرسها الله إلى تعيين لجنة عدلية استهلالية، من العدول الذين لهم حظ من قوة البصر، فيراقبون الهلال وقت التحري بطلوعه خاصة لشعبان، وحتى إذا حصل غيم أو قتر حسبوا له ثلاثين، ثم صاموا رمضان، ثم يراقبون عند مستهل ذي الحجة، لمعرفة ميقات الحج، وهذه اللجنة لا ينبغي أن تقل عن عشرة أشخاص من العدول الثقات، ولهم رئيس يرجعون إليه في لم شملهم. اهـ. المقصود. ولا يخفي ما في هذا الكلام من التكلف والتشريع الجديد، الذي لم ينزل الله به من سلطان، بل هو اقتراح في غاية الفساد، لا يجوز التعويل عليه، والالتفات إليه، لأن الله سبحانه قد يسَّر وسهَّل، وأجاز الحكم بشهادة عدلين اثنين في جميع الشهور وعدل واحد في شهر رمضان، فلا يجوز لأحد أن يحدث في شرع الله ما لم يأذن به سبحانه، ولم تأت به سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وقد قال الله عز وجل: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) [الشورى:21] . وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن أحدَث في أمرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ". أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، من حديث عائشة، رضي الله عنهما. وفي رواية مسلم عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن عمِل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ".
وهذا ما أردنا التنبيه عليه من الأخطاء الكثيرة التي وقعت في رسالة الشيخ عبد الله بن محمود. ونسأل الله أن يهدينا وإياه سواء السبيل، وأن يعيذنا وإياه وسائر المسلمين من القول على الله وعلى رسوله بغير علم، ومن الإحداث في دين الله ما لم يأذن به الله. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.(17/219)
أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الثالث ص398-404
قرار رقم (35) وتاريخ 14/2/1395هـ
نقل مقام إبراهيم من مكانه توسعة على الطائفين
هيئة كبار العلماء 23/8/1426
27/09/2005
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فبناء على خطاب المقام السامي رقم (30560) وتاريخ 9/10/1394هـ الموجه من جلالة الملك حفظه الله إلى فضيلة رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بخصوص عرض الرسالة التي هي من تأليف الشيخ/ على الصالحي، الخاصة بنقل مقام إبراهيم عليه السلام، والبناء بمنى، وبعض المقترحات في المسجد الحرام - على هيئة كبار العلماء لدراسة المقترحات التي تضمنتها الرسالة، وبيان الرأي فيها.
وفي الدورة السادسة لهيئة كبار العلماء المنعقدة في النصف الأول من شهر صفر عام 1395هـ جرى من مجلس الهيئة استعراض الرسالة المذكورة، فوجدت تتلخص فيما يأتي:
أ- اقتراح بنقل المقام من مكانه الحالي إلى مكان آخر، ليتسع المطاف للطائفين أيام الحج.
ب- اقتراح بالبناء في منى بصفة جاء وصفها وتحديدها في الاقتراح.
ج- اقتراح ببناء طرق معلقة في المسعى فوق الساعين تنفذ إلى الحرم دون أن يتأذوا أو يتأذى الساعون.
د- اقتراح باستغلال هواء المطاف بتسقيفه بطريقة جاء وصفها وتحديدها في الاقتراح، واقتراحات بربط مبنى الحرم القديم بالجديد، وتبليط حصوات الحرم.
ثم جرى من المجلس مناقشة هذه المقترحات، ومداولة الرأي فيها، وتقرر ما يلي:
أولاً: بالنسبة لموضوع نقل المقام، فمما لا شك فيه أن وضعه الحالي يعتبر من أقوى الأسباب فيما يلاقيه الطائفون في موسم الحج من المشقة العظيمة والكلفة البالغة التي قد تحصل بالبعض إلى الهلاك، أو تقارب، وذلك بسبب الزحام والصلاة عنده، وقد سبق أن بحث موضوع نقله، وصدر من سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم- رحمه الله- وأسكنه فسيح جناته - فتوى بجواز نقله شرعاً، إلا أنه رؤي الاكتفاء بتجربة تتلخص في إزالة الزوائد المحيطة بالمقام، ويبقى في مكانه، فإن كان ذلك كافياً ومزيلاً للمحذور استمر بقاؤه في مكانه، وإلا تعين النظر في أمر نقله، وحيث مضى على هذه التجربة عدة سنوات واتضح أن بقاءه في مكانه الحالي لا يزال سبباً في حصول الزحام والمشقة العظيمة به، ونظراً إلى أن من قواعد الشريعة الإسلامية: أن المشقة تجلب التيسير، وأن النصوص الشرعية قد تضافرت في رفع الحرج عن هذه الأمة، قال تعالى " وما جعل عليكم في الدين من حرج"، وقال تعالى " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، وقال تعالى" يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً".
وقد تتبعت الهيئة الآثار الواردة في تعيين مكان مقام إبراهيم عليه السلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذكره بعض أهل التفسير والحديث والتاريخ أمثال: الحافظ ابن كثير، والحافظ ابن حجر، والشوكاني وغيرهم- فترجح لديها أن مكانه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وبعض من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما في سقع البيت، ثم أخره عمر أول مرة؛ مخافة التشويش على الطائفين، ورده المرة الثانية حين حمله السيل إلى ذلك الموضع الذي وضعه فيه أول مرة.(17/220)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره قوله تعالى " واتخذوا من مقام إبرايهم مصلى" بعد ذكره الأحاديث الواردة في الصلاة عنده- قال: قلت: وقد كان هذا المقام ملصقاً بجدار الكعبة قديماً، ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي الحجر يمنة الداخل من الباب في البقعة المستقلة هناك، وكان الخليل عليه السلام لما فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة، أو أنه انتهى عنده البناء فتركه هناك؛ ولهذا - والله أعلم- أمر بالصلاة هناك عند الفراغ من الطواف، وناسب أن يكن عند مقام إبراهيم حيث انتهى بناء الكعبة فيه، وإنما أخره عن جدار الكعبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أحد الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم، وهو أحد الرجلين اللذين قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر، وعمر"، وهو الذي نزل القرآن بوفاقه في الصلاة عنده، ولهذا لم ينكر ذلك أحد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
قال عبد الرزاق: عن ابن جريج، حدثني عطاء وغيره من أصحابنا، قال: أول من نقله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال عبد الرزاق أيضاً: عن معمر، عن حميد الأعرج، عن مجاهد قال: أول من أخر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال الحافظ أبو بكر أحمد ابن الحسين بن على البيهقي، أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان، أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل: حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل، السلمي حدثنا أبو ثابت حدثنا الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: أن المقام كان زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر رضي الله عنه ملتصقاً بالبيت، ثم أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا إسناد صحيح مع ما تقدم، وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبي، أخبرنا ابن أبي عمر العدني، قال: قال سفيان - يعني: ابن عيينة- وهو إمام المكيين في زمانه: كان المقام في سقع البيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحوله عمر إلى مكانه بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد قوله: " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى". قال: ذهب السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا فرده عمر إليه، وقال سفيان: لا أدري كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله، وقال سفيان: لا أدري أكان لاصقاً بها أم لا.
فهذه الآثار متعاضدة على ما ذكرناه، والله أعلم.
وقد قال الحافظ أبو بكر بن مردويه: أخبرنا ابن عمر، وهو: أحمد بن محمد بن حكيم، أخبرنا محمد بن عبد الوهاب بن أبي تمام، أخبرنا آدم، هو: ابن أبي إياس في [تفسيره] ، أخبرنا شريك عن إبراهيم بن المهاجر، عن مجاهد قال: قال: عمر بن الخطاب: يا رسول الله، لو صلينا خلف المقام، فأنزل الله: " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" فكان المقام عند البيت فحوله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضعه هذا، قال مجاهد: وكان عمر يرى الرأي، فينزل به القرآن، هذا مرسل عن مجاهد، وهو مخالف لما تقدم من رواية عبد الرزاق، عن معمر، عن حميد، عن مجاهد: أن أول من أخر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا أصح من طريق ابن مردويه مع اعتضاد هذا بما تقدم، والله أعلم. اهـ.(17/221)
وقال رحمه الله في معرض تفسيره قوله تعالى " فيه آيات بينات مقام إبراهيم" (1) : قد كان- أي المقام- ملتصقاً بجدار البيت حتى أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إمارته إلى ناحية الشرق، بحيث يتمكن الطواف منه، ولا يشوشون على المصلين عنده بعد الطواف؛ لأن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة عنده حيث قال: " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى".اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في الجزء الثامن من الفتح: كان عمر -رضي الله عنه- رأى أن إبقاءه -أي مقام إبراهيم عليه السلام- يلزم منه التضييق على الطائفين أو على المصلين فوضع في مكان يرتفع به الحرج.
وقال الشوكاني في تفسيره [فتح القدير] على قوله تعالى: " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ". وهو- أي: المقام - الذي كان ملتصقاً بجدار الكعبة، وأول من نقله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كما أخرجه عبد الرزاق والبيهقي بأسانيد صحيحة، وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق مختلفة. اهـ.
وبناء على ذلك كله: فإن الهيئة تقرر بالإجماع جواز نقله شرعاً إلى موضع مسامت لمكانه من الناحية الشرقية؛ نظراً للضيق والازدحام الحاصل في المطاف، والضرورة إلى ذلك، ما لم ير ولي الأمر تأجيل ذلك لأمر مصلحي.
ثانياً: بالنسبة إلى البناء في منى فلا يخفى أن منى مشعر من المشاعر المقدسة، وأنها مناخ من سبق، وأن أهل العلم رحمهم الله قد منعوا البناء فيها؛ لكون ذلك يفضي إلى التضييق على عباد الله حجاج بيته الشريف.
ونظراً إلى أن سفوح جبالها غير صالحة في الغالب لسكنى الحجاج فيها أيام منى، وأنه يمكن أن تستغل هذه السفوح بطريقة تحقق المصلحة العامة، ولا تتعارض مع العلة في منع البناء في منى- فإن المجلس يقرر بالأكثرية: جواز البناء على أعمدة في سفوح الجبال المطلة على منى على وجه يضمن المصلحة للحجاج، ولا يعود عليهم بالضرر، ويكون هذا البناء مرفقاً عاماً، وما تحته لمن سبق إليه من الحجاج كبقية أراضي منى، على أن يكون الإشراف على هذا البناء للدولة.
وقد توقف في ذلك صاحبا الفضيلة الشيخان: صالح الليحدان، وعبد الله بن غديان..
ثالثاً: بالنسبة لما يتعلق بتسقيف المطاف فيرى المجلس أنه لا حاجة إلى ذلك، ولما فيه من المضرة والمضايقات.
رابعاً: بالنسبة لبقية المقترحات؛ كبناء الجسور في المسعى، وتبليط حصوات الحرم، وتخطيط منى، وربط مبنى الحرم القديم بالبناء الجديد- فما كان منها محققاً للنفع فإن الشريعة جاءت بتحقيق المصالح ودفع المضار، فتحال إلى الجهة المختصة لدراستها، وتقرير ما يحقق المصلحة في ذلك منها.
وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة السادسة
عبد الرزاق عفيفي
عبد الله خياط
عبد الله بن حميد
عبد العزيز بن باز
عبد العزيز بن صالح
عبد المجيد حسن
محمد الحركان
سليمان بن عبيد
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
صالح بن غصون
راشد بن خنين
عبد الله بن منيع
محمد بن جبير
عبد الله بن غديان
[متوقف في البناء في سفوح الجبال بمنى]
صالح بن لحيدان
[متوقف في أمر البناء في السفوح](17/222)
أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الثالث. ص 353-356
قرار رقم (20) وتاريخ 12/11/1393هـ
حكم إقامة أكشاك خشبية في منى
هيئة كبار العلماء 23/8/1426
27/09/2005
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد:
فبناء على المعاملة المتعلقة بطلب المطوف سراج عمر أكبر السماح له بإقامة أكشاك خشبية في منى من دورين لاستيعاب حجاجه، المشتملة على الأمر الملكي الكريم رقم (13212) وتاريخ 4/6/1393هـ القاضي بأخذ رأي المشايخ في هذا الخصوص والإفادة.
فقد جرى إدراج هذا الموضوع في جدول أعمال هيئة كبار العلماء في دورتها الرابعة، وفي هذه الدورة جرى الاطلاع على أوراق المعاملة بما في ذلك صورة المخطط المعد للأكشاك، كما جرى الاطلاع على البحث المقدم من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء والمعد من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
وبعد الدراسة والمناقشة وتداول الرأي رأى المجلس بأغلبية الأصوات أنه لا يجوز إقامة أكشاك بمنى على الصفة الموضحة بالمخطط المرفق بالمعاملة، فإنها متى أقيمت على هذه الصفة، وكان تأسيسها مبنياً على تصميمات فنية، وأسس قوية يرتاح إلى متانتها وتحملها، كما جاء في قرار لجنة الحج العليا رقم (6) وتاريخ 23/2/1393هـ فهي إذن في حكم البناء، إذ لا فرق فيما أقيم على وجه من شأنه الثبات والدوام بين أن يكون من حجارة أو لبن أو أخشاب أو غير ذلك، ومع هذا فإنها قد تفضي على مر الأيام وطول العهد إلى الإبقاء عليها في مكانها، وتنتهي إلى الطمع في تملكها أو الاختصاص بها على الأقل، ودعوى أنها لا تكون ثابتة، وأنها يسهل فكها بعد تركيبها- لا تتفق مع إقامتها على الصفة الموضحة في المخطط، ولا مع الشرط الذي ذكرته لجنة الحج العليا في قراراها، بل إقامتها كذلك من شأنه ثباتها وبقاؤها، تفادياً من متاعب إقامتها كل عام، وحرصاً على عدم النفقات المتكررة، وحفاظاً للمال من الخسائر التي تنشأ عن تلف بعض ما أقيم على هذه الصفة عند فكها، وطمعاً في الانتفاع بها، ثم الوصول إلى دعوى الاختصاص بها على الأقل. أما الشيخان عبد المجيد حسن وعبد الله بن منيع فإنهما لا يريان في ذلك مانعاً شرعياً، ولهما وجهة نظر مرفقة.
وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة الرابعة
عبد الله بن محمد بن حميد
عبد الرزاق عفيفي
محمد الأمين الشنقيطي
عبد الله خياط
عبد العزيز بن باز
عبد المجيد حسن
عبد العزيز بن محمد آل الشيخ
محمد الحركان
سليمان بن عبيد
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
صالح بن غصون
راشد بن خنين
عبد الله بن غديان
محمد بن جبير
عبد الله بن منيع صالح بن لحيدان(17/223)
وجهة نظر
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فإذا كان الأمر كما جاء في قرار لجنة الحج العليا من أن هذه الأكشاك بديل عن الخيام فقط، وأنها تزال بعد انتهاء موسم الحج من كل عام، فإذا لم يكن فيها تعريض لحجاج بين الله الحرام للأذى والمضرة، سواءً الساكن فيها وغيره من الحجاج- إذا كان الأمر كذلك ولم يكن في هذا الإجراء مضرة، ولا أذى، فلا يظهر لنا مانع شرعي يحول دون جواز ذلك؛ لأن للحاج الارتفاق بالأرض التي يحلها في منى أيام الحج بأي وجه يراه، مما لا يتعارض مع المقاصد الشرعية، فإذا انقضت أيام الحج انتهى حقه في الارتفاق بتلك الأرض ذلك العام، ولا يظهر لنا وجه القول بأن هذا وسيلة إلى التملك أو الاختصاص لثلاثة أمور:
أحدها: أن إزالة هذه الأكشاك كل عام بعد انتهاء الحج كما تزال الخيام يمنع الاحتجاج بالاختصاص على فرض وروده شرعاً، مع أن احتمال دعوى الاختصاص غير واردة؛ لمعرفة الخاص والعام: أن منى مناخ من سبق. وألا اختصاص لأحد فيها بغير السبق.
الثاني: ما عليه جمهور أهل العلم من منع التملك في منى مما هو مشهور ومعلوم لدى العموم، حيث لا يمكن تصور قيام أحد بدعوى التملك فيها شرعاً، ولا يرد على ذلك واقع ما في منى من أبنية يتمسك أهلها بدعوى تملك ما هي عليه، فإن دعوى تملكها دعوى باطلة. وقد بنت الحكومة أيدها الله بنصره- على بطلان دعوى التملك في تعويضها- ما قامت بهدمه من هذه المباني، حيث قصرت التعويض على الأنقاض فقط.
الثالث: أن مجموعة من الحجاج والمطوفين قد اعتادوا أن ينزلوا في منى في أماكن معينة منذ سنين طويلة، ولم يكن هذا الاعتبار شافعاً لأحدهم بدعوى الاختصاص فيما لو سبقه غيره في ذلك المنزل وفوق ذلك كله فإن للحكومة - أعزها الله وأدام تمكينها- من الهيبة والقوة والحرص على رعاية مصالح حجاج بيت الله الحرام، والعناية وتمام الاهتمام بالمشاعر المقدسة بحال تقطع على أهل النوايا السيئة كل هدف وتفكير. والله من وراء القصد، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عضو هيئة كبار العلماء
عبد المجيد حسن
عضو هيئة كبار العلماء
عبد الله بن سليمان بن منيع(17/224)
أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الثالث ص287-288
قرار رقم (11)
حكم بناء طابق علوي فوق الجمرات
هيئة كبار العلماء 23/8/1426
27/09/2005
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله، وبعد:
فبناء على خطاب صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة، ورئيس لجنة الحج العليا رقم (59/5/7/أم) وتاريخ 4/1/1393هـ، الوارد إلى رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد عن طريق وزارة العدل، والذي يطلب فيه إبداء الوجهة الشرعية، وبيان الحكم فيما اقترحته لجنة الحج العليا من بناء طابق على شارع الجمرات ورفع شاخص الجمرات، ورفع جدار حوض كل جمرة إلى منسوب يمكن معه رمي حصى الجمار من أعلى الطابق ومن أسفله بسهولة.
بناء على ذلك درست هيئة كبار العلماء هذا الموضوع، وما أعدته اللجنة الدائمة من البحث عليه، ورأت بالاتفاق أن يؤجل النظر فيه والبت في حكمه إلى دورة أخرى حتى يصل الرسم الهندسي لهذا العمل، والذي سبق أن طلبته الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء؛ لتعرف الهيئة منه تفاصيل الأمر المطلوب وهل يحقق هذا الاقتراح مصلحة من غير استلزام مفسدة أم لا؟
وصلى الله وسلم على محمد، وآله وصحبه.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة الثالثة
محمد الأمين الشنقيطي
عبد الرزاق عفيفي
عبد الله خياط
عبد الله بن حميد
عبد العزيز بن باز
عبد المجيد حسن
عبد العزيز بن صالح
محمد الحركان
سليمان العبيد
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
محمد بن جبير
راشد بن خنين
عبد الله بن غديان
صالح بن غصون عبد الله بن منيع
صالح بن لحيدان(17/225)
أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الأول ص40-42
قرار هيئة كبار العلماء
رقم (21) وتاريخ 12/11/1393هـ
حكم السعي فوق سقف المسعى
هيئة كبار العلماء 22/8/1426
26/09/2005
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فبناء على الخطاب الوارد لفضيلة رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد من معالي وزير العدل رقم (267) وتاريخ 23/3/1393هـ المبني على خطاب سمو نائب وزير الداخلية رقم (26/10612) وتاريخ21/3/1393هـ بخصوص الرغبة في إبداء الحكم الشرعي في (حكم السعي فوق سقف المسعى) ليكون وسيلة من وسائل علاج ازدحام الحجاج أيام الموسم، وبناء على ما رآه فضيلته من إدراج هذا الموضوع في جدول أعمال هيئة كبار العلماء في دورتها الرابعة فقد تم إدراج ذلك، وفي تلك الدورة جرى الاطلاع على أوراق المعاملة المتعلقة بالاستفتاء، كما جرى الاطلاع على البحث المقدم من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، والمعد من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
وبعد دراسة المسألة، واستعراض أقوال أهل العلم في حكم الطواف والسعي والرمي راكباً، والصلاة إلى هواء الكعبة أو قاعها، وكذا حكم الطواف فوق أسطحة الحرم وأروقته، وحكمهم بأن من ملك أرضاً ملك أسفلها وأعلاها.
وبعد تداول الرأي والمناقشة انتهى المجلس بالأكثرية إلى الإفتاء بجواز السعي فوق سقف المسعى عند الحاجة، بشرط استيعاب ما بين الصفا والمروة، وأن لا يخرج عن مسامتة المسعى عرضاً لما يأتي:
1- لأن حكم أعلى الأرض وأسفلها تابع لحكمها في التملك والاختصاص ونحوهما، فللسعي فوق سقف المسعى حكم السعي على أرضه.
2- لما ذكره أهل العلم من أنه يجوز للحاج والمعتمر أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة راكباً لعذر باتفاق، ولغير عذر على خلاف من بعضهم، فمن يسعى فوق سقف المسعى يشبه من يسعى راكباً بعيراً ونحوه، إذ الكل غير مباشر للأرض في سعيه، وعلى رأي من لا يرى جواز السعي راكباً لغير عذر، فإن ازدحام السعاة في الحج يعتبر عذراً يبرر الجواز.
3- أجمع أهل العلم على أن استقبال ما فوق الكعبة من هواء في الصلاة كاستقبال بنائها، بناء على أن العبرة بالبقعة لا بالبناء، فالسعي فوق سقف المسعى كالسعي على أرضه.
4- اتفق العلماء على أنه يجوز الرمي راكباً وماشياً، واختلفوا في الأفضل منهما، فإذا جاز رمي الجمرات راكباً جاز السعي فوق سقف المسعى، فإن كلاً منهما نسك أدي من غير مباشرة مؤدية للأرض التي أداه عليها، بل السعي فوق السقف أقرب من أداء أي شعيرة من شعائر الحج أو العمرة فوق البعير ونحوه؛ لما في البناء من الثبات الذي لا يوجد في المراكب.
5- لأن السعي فوق سقف المسعى لا يخرج عن مسمى السعي بين الصفا والمروة؛ ولما في ذلك من التيسير على المسلمين والتخفيف مما هم فيه من الضيق والازدحام، وقد قال الله تعالى:"يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"،وقال تعالى:"وما جعل عليكم في الدين من حرج" [الحج:78] ، مع عدم وجود ما ينافيه من كتاب أو سنة، بل إن فيه ما تقدم من المبررات ما يؤيد القول بالجواز عند الحاجة.(17/226)
وقد ذكر ابن حجر الهيثمي-رحمه الله- رأيه في المسألة: فقال في حاشيته على [الإيضاح] لمحي الدين النووي ص (131) : (ولو مشى أو مَرَّ في هواء المسعى فقياس جعلهم هواء المسجد مسجداً، صحة سعيه. اهـ
أما المشائخ: محمد بن حركان، وعبد العزيز بن صالح، وسليمان بن عبيد، وصالح بن لحيدان، وعبد الله بن غديان، وراشد بن خنين-فقد توقفوا في هذه المسألة.
وأما الشيخ محمد الأمين الشنقيطي فيرى عدم جواز ذلك، وله وجهة نظر في المنع مرفقة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة الثالثة
عبد الله بن محمد بن حميد
محمد بن جبير
محمد الأمين الشنقيطي
[له وجهة نظر مخالفة]
عبد الله بن خياط
عبد الرزاق عفيفي
عبد المجيد حسن
عبد العزيز بن صالح
عبد العزيز بن باز
سليمان بن عبيد
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
محمد الحركان
راشد بن خنين
عبد الله بن غديان
صالح بن غصون
عبد الله بن منيع
صالح بن لحيدان(17/227)
قرار هيئة كبار العلماء
رقم (70) وتاريخ 21/10/1399هـ
حكم طواف الوداع للخارج من مكة مطلقاً
هيئة كبار العلماء 16/8/1426
20/09/2005
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبيه محمد، وآله وصحبه وبعد:
فقد نظر مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الرابعة عشرة المنعقدة بمدينة الطائف ابتداءً من 10/10/1399هـ حتى 21/10/1399هـ في حكم طواف الوداع للخارج من مكة المكرمة سواء كان حاجاً أو معتمراً أو غيرهما، وهل يفرق بين من كان سفره مسافة قصر ومن كان دون ذلك؟ واطلع على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في الموضوع بناءً على طلب المجلس في دورته الثالثة عشرة وقد تبين له أن العلماء مختلفون في تلك المسائل تبعاً لاختلاف اجتهادهم والخلاف فيها معروف بين العلماء ومدون في كتب الأحاديث وكتب الفقه والمناسك، وما زال عمل العلماء جارياً على الأخذ بما يترجح لهم دليله، وينبغي للحاج وغيره أن يحرص على الاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله ما استطاع إلى ذلك سبيلا؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- "خذوا عني مناسككم"؛ لذلك يرى المجلس في هذه المسائل الخلافية أن يستفتي العامي من يثق بدينه وأمانته ومذهب العامي مذهب من يفتيه من أهل العلم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة
عبد الله بن محمد بن حميد
عبد الله خياط
عبد الرزاق عفيفي
عبد العزيز بن باز
محمد بن علي الحركان
راشد بن خنين
سليمان بن عبيد
عبد الله بن قعود
إبراهيم بن محمد آل الشيخ [غائب]
عبد الله غديان
عبد المجيد حسن
صالح بن لحيدان
محمد بن جبير
عبد الله بن منيع
صالح بن غصن
عبد العزيز بن صالح [غائب](17/228)
قرار هيئة كبار العلماء
رقم (77) وتاريخ 21/10/1400هـ
حكم نقل لحوم الهدايا والجزاءات خارج الحرم
هيئة كبار العلماء 16/8/1426
20/09/2005
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه وبعد:
ففي الدورة السادسة عشرة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بالطائف ابتداء من يوم السبت الموافق 12/10/1400هـ حسب تقويم أم القرى حتى الحادي والعشرين منه بحث المجلس [حكم نقل لحوم الهدايا والجزاءات خارج الحرم] .
بناءً على ما تقرر في الدورة الخامسة عشرة من دراسة هذا الموضوع بعد أن تعد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثاً فيه يوضح حكم نقل لحوم الهدايا والجزاءات ونحوها إلى أماكن تقع خارج الحرم، وهل يجوز توزيعها خارج الحرم مطلقاً أو عند استغناء فقراء الحرم، وهل يفرق بين الهدايا الواجبة من أجل التمتع والقران وبين الواجبة بفعل محظور أو ترك واجب؟ وقد درس المجلس البحث المذكور ورجع إلى قراره رقم (76) الذي أصدره في الدورة الاستثنائية الرابعة، المتضمن عدة مقترحات للاستفادة من اللحوم التي تكون في منى أيام الحج وهي:
1- تطوير المسالخ الحالية لتستوعب أعداداً كبيرة من الذبائح، وإنشاء مسالخ متعددة على مداخل ومخارج منى وفي أماكن متفرقة من الحرم، بالقدر الذي يكفي مع استمرار تمكين الحجاج من مباشرة ذبح هداياهم، إذا رغبوا في ذلك، وأخذ ما يشاؤون من لحومها.
2- العمل على إيجاد المجالب المناسبة بجوار كل مسلخ، ومنع الناس من بيع مالا يجزئ شرعاً؛ من الهزيل والمريض ونحوهما.
3- إيجاد البرادات الكافية لحفظ اللحوم الصالحة التي يستغني عنها الحجاج إلى أن توزع على فقراء الحرم حسب الإمكان.
4- أن تقوم الجهات المعنية بتوعية الحجاج من داخل المملكة وخارجها بأحكام الهدي، وما يجب أن يكون عليه، وما يلزمهم نحوه.
5- يجوز للحكومة تنظيم الاستفادة من سواقط الهدي التي تترك في المجازر مثل الجلد والعظام والصوف، ونحو ذلك مما ترى فيه المصلحة لفقراء الحرم، مما يتركه أهله رغبة عنه.
وبعد مناقشة الموضوع وتداول الرأي فيه رأى المجلس بالأكثرية إصدار قرار يوضح الحكم في نقل اللحوم من الحرم إلى خارجه، حيث كان القرار السابق مختصاً باللحوم التي تبقى فيه.
وبناء على هذا فإن ما يذبحه الحاج ثلاثة أنواع:
1- هدي التمتع والقران، فهذا يجوز النقل منه إلى خارج الحرم، وقد نقل الصحابة رضوان الله عليهم من لحوم هداياهم إلى المدينة، ففي [صحيح البخاري] عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى، فرخص لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "كلوا وتزودوا" فأكلنا وتزودنا.
2- ما يذبحه الحاج داخل الحرم جزاءً لصيد، أو فدية لإزالة أذى، أو ارتكاب محظور أو ترك واجب- فهذا النوع لا يجوز نقل شيء منه؛ لأنه كله لفقراء الحرم.
3- ما ذبح خارج الحرم من فدية الجزاء، أو هدي الإحصار، أو غيرهما مما يسوغ ذبحه خارج الحرم -فهذا يوزع حيث ذبح، ولا يمنع نقله من مكان ذبحه إلى مكان آخر.(17/229)
وإن المجلس يوصي جميع الحجاج بأن يختاروا الجيد الطيب لهداياهم وذبائحهم، وأن يعلموا أنه يجب عليهم توزيعها حسب ما شرع الله ورسوله، ولا يجوز لهم ذبحها وتركها دون أن ينتفع بها أحد من المسلمين.
والله ولي التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة
عبد الرزاق عفيفي
عبد الله خياط
عبد الله بن محمد بن حميد
عبد العزيز بن باز
محمد بن علي الحركان
عبد العزيز بن صالح
سليمان بن عبيد
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
محمد بن جبير
راشد بن خنين
عبد المجيد حسن
صالح بن غصون
عبد الله بن غديان
صالح بن لحيدان
عبد الله بن منيع
عبد الله بن قعود [متوقف](17/230)
بشأن حكم رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس يوم العيد
هيئة كبار العلماء 11/4/1426
19/05/2005
أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الثاني/ 388-389
قرار هيئة كبار العلماء
رقم (3) وتاريخ 13/8/1392هـ
بشأن حكم رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس يوم العيد
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمداً وعلى آله وصحبه. وبعد:
بناءً على خطاب المقام السامي رقم (22310) تاريخ 4/11/1391هـ المتضمن الموافقة على اقتراح سماحة رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بحث موضوع (حكم رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس يوم العيد ورميها في ليلة اليوم الأول من أيام التشريق، وكذا حكم تقديم الرمي أيام التشريق قبل الزوال، وحكم الرمي ليالي أيام التشريق) من قبل هيئة كبار العلماء- عرض على مجلس هيئة كبار العلماء في دورتها الثانية، المنعقدة في شهر شعبان عام 1392هـ ما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في موضوع الرمي المشتمل على المسائل الآتية:
أ- حكم رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس يوم العيد.
ب- حكم رمي جمرة العقبة ليلة القر.
ج- حكم رمي الجمار أيام التشريق قبل الزوال.
د- حكم رمي الجمار ليلتي اليوم الثاني والثالث من أيام التشريق.
وبعد دراسة المجلس للمسائل المذكورة واطلاعه على أقوال أهل العلم وتداوله الرأي فيها قرر- ما يلي:
1- جواز رمي جمرة العقبة بعد نصف ليلة يوم النحر للضعفة من النساء وكبار السن والعاجزين ومن يلازمهم للقيام بشؤونهم؛ لما ورد من الأحاديث والآثار الدالة على جواز ذلك.
2- عدم جواز رمي الجمار أيام التشريق قبل الزوال؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، وقوله:" خذوا عني مناسككم"، ولقول ابن عمر أيام التشريق: كنا نتحين الرمي فإذا زالت الشمس رمينا.
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس وأنصح الناس وأرحمهم، فلو كان ذلك جائزاً قبل الزوال لبينه صلى الله عليه وسلم.
3- أما ما عدا ذلك من المسائل الخلافية من أعمال المناسك المشار إليها أعلاه، فإن الخلاف فيها معروف بين العلماء، ومدون في كتب المناسك وغيرها، وما زال عمل الناس جارياً على ذلك، وينبغي للحاج أن يحرص على التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم" خذوا عني مناسككم".
ويرى المجلس في هذه المسائل الخلافية أن يستفتي العامي من يثق بدينه وأمانته وعلمه في تلك المسائل، ومذهب العامي مذهب من يفتيه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة
(1) عبد الرزاق عفيفي
(2) محمد الأمين الشنقيطي
(3) عبد العزيز بن باز
(4) محمد الحركان
(5) صالح بن غصون
(6) محمد بن جبير
(7) صالح بن لحيدان
(8) عبد الله بن حميد
(9) عبد المجيد حسن
(10) إبراهيم بن محمد آل الشيخ
(11) عبد الله بن غديان
(12) عبد الله بن منيع
(13) محضار عقيل
(14) عبد الله خياط
(15) عبد العزيز بن صالح
(16) سليمان بن عبيد
(17) راشد بن خنين(17/231)
مجلة البحوث العدد/28
قرار هيئة كبار العلماء
رقم 2 وتاريخ 13/8/1392هـ
في مسألة اعتبار اختلاف مطالع الأهلة من عدمه
هيئة كبار العلماء 25/2/1426
04/04/2005
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فبناء على خطاب المقام السامي رقم (22451) ، وتاريخ 6/11/1391هـ، المتضمن إحالة موضوع عند دراسة مجلس رابطة العالم الإسلامي في جلسته المنعقدة في 15 شعبان عام 1391هـ واطلاعها على قرار اللجنة الفقهية المنبثقة من المجلس قررت الموافقة على القول بعدم اعتبار اختلاف المطالع، إلا أن بعض أعضاء المجلس التأسيسي رأى التريث في الأمر وزيادة البحث والتقصي في هذا الموضوع.
بناء على ذلك عرض على مجلس هيئة كبار العلماء في دورتها الثانية المنعقدة في شهر شعبان 1392هـ ما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في موضوع إثبات الأهلة المشتمل على الفقرتين التاليتين:
أ- حكم اعتبار اختلاف المطالع وعدم اعتباره.
ب- حكم إثبات الهلال بالحساب.
وكذا قرار رابطة العالم الإسلامي الصادر منها في دورتها الثالثة عشرة المنعقدة في شهر شعبان عام 1391هـ، ومرفقة بحث اللجنة الفقهية المشكلة من بعض أعضاء مجلس الرابطة في الموضوع، وبعد دراسة المجلس للموضوع وتداول الرأي فيه قرر ما يلي:
أولاً: اختلاف مطالع الأهلة من الأمور التي علمت بالضرورة حسا وعقلاً ولم يختلف فيها أحد، وإنما وقع الاختلاف بين علماء المسلمين في اعتبار اختلاف المطالع من عدمه.
ثانياً: مسألة اعتبار اختلاف المطالع من عدمه من المسائل النظرية التي للاجتهاد فيها مجال والاختلاف فيها وفي أمثالها واقع ممن لهم الشأن في العلم والدين وهو من الخلاف السائغ الذي يؤجر فيه المصيب أجرين: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، ويؤجر فيه المخطئ أجر الاجتهاد، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين، فمنهم من رأى اعتبار اختلاف المطالع، ومنهم من لم ير اعتباره، واستدل كل فريق بأدلته من الكتاب والسنة، وربما استدل الفريقان بالنص الواحد كاشتراكهما في الاستدلال بقوله تعالى: "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج"، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته". الحديث ... وذلك لاختلاف الفهم في النص وسلوك كل منهما طريقاً في الاستدلال به، وعند بحث هذه المسألة في مجلس الهيئة، ونظراً لاعتبارات قدرتها الهيئة، ولأن هذا الخلاف في مسألة اعتبار اختلاف المطالع من عدمه ليس له آثار تخشى عواقبها، وقد مضى على ظهور هذا الدين مدة أربعة عشر قرناً لا نعلم منها فترة جرى فيها توحيد الأمة الإسلامية على رؤية واحدة، فإن أعضاء الهيئة يرون بقاء الأمر على ما كان عليه وعدم إثارة هذا الموضوع، وأن يكون لكل دولة إسلامية حق اختيار ما تراه بواسطة علمائها من الرأيين المشار إليهما في المسألة إذ لكل منهما أدلته ومستنداته.(17/232)
ثالثاً: أما ما يتعلّق بإثبات الأهلة بالحساب فبعد دراسة ما أعدته اللجنة الدائمة في ذلك، وبعد الرجوع إلى ما ذكره أهل العلم فقد أجمع أعضاء الهيئة على عدم اعتباره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" الحديث ... ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه" الحديث ...
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة
عبد الرزاق عفيفي
محمد الأمين الشنقيطي
محضيار عقيل
عبد العزيز بن باز
عبد الله بن حميد
عبد الله خياط
محمد الحاركان
عبد المجيد حسن
عبد العزيز بن صالح
صالح بن غصون
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
سليمان بن عبيد
محمد بن جبير
عبد الله بن غديان
راشد بن خنين
صالح بن لحيدان
عبد الله بن منيع(17/233)
مجلة البحوث/32
قرار هيئة كبار العلماء
رقم 33 وتاريخ 21/10/1399هـ
بشأن عدم اعتبار جدة ميقاتًا
هيئة كبار العلماء 25/2/1426
04/04/2005
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ففي الدورة الرابعة عشرة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة في الطائف من 10/10/1399هـ، حتى 21/10/1399هـ، نظر المجلس في الرسالة التي بعثها الشيخ/ عبد الله بن زيد آل محمود رئيس المحاكم الشرعية والشئون الدينية بقطر إلى جلالة الملك خالد بن عبد العزيز المتضمنة جواز جعل جدة ميقاتاً لركاب الطائرات الجوية والسفن البحرية، والتي أحيلت إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد من معالي رئيس المكتب الخاص لجلالة الملك خالد برقم 5214/1 في 12/5/1399هـ وقد استعرض المجلس تلك الفتوى فوجد أنها تستند على:
1- أن الفتوى تتغير بتغير الأحوال والأزمان.
2- أن القضية موضع اجتهاد وتتطلب من العلماء تحقيق النظر في تعيين الميقات لهؤلاء القادمين على متون الطائرات.
3- إن مرور الطائرات فوق سماء الميقات وهي محلقة في السماء لا يصدق على أهلها أنهم أتوا الميقات المحدد لهم لغة ولا عرفاً.
4- ما يزعمه من أن فتواه تشبه ما فعله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين وقّت لأهل العراق ذات عرق.
5- قوله: "لو كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيّاً ويرى كثرة النازلين من أجواء السماء إلى ساحة جدة يؤمون هذا البيت للحج والعمرة لبادر إلى تعيين ميقات لهم من جدة نفسها لكونها من مقتضى أصوله ونصوصه" ا. هـ.
وإن المجلس بعد دراسة هذه الأمور الخمسة وغيرها مما ورد في الرسالة يرى أن المسوغات التي استند إليها مردودة بالنصوص الشرعية وإجماع سلف الأمة، فقد روى البخاري وغيره عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: وقّت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة، ولا يصح الاستناد في هذه المسألة إلى تغير الفتوى بتغير الأحوال والأزمان؛ لأنها من العبادات، وهي مبنية على التوقيف، كما أنها ليست من مواضع الاجتهاد لتحديدها بالنص من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن المعلوم عند أهل العلم أن الهواء تابع للقرار، كما هو مبسوط في موضعه وإنكار ذلك منه غير مسلم. أما احتجاجه بجعل عمر -رضي الله عنه- لم يجعل لأهل العراق ميقاتاً في الجهة الغربية أو غيرها من مكة يحرمون منه بدلاً من ميقاتهم الذي يمرون به في الجهة الشرقية منها، بل قال عمر -رضي الله عنه-: انظروا حذوها من طريقكم. وأما قوله: ولو كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حياً - إلى قوله- لبادر إلى تعيين ميقات لهم من جدة نفسها لكونها من مقتضى أصوله ونصوصه، فهو قول باطل؛ لأن الله أكمل الدين في حياة رسوله - صلى الله عليه وسلم- وانتهى التشريع بوفاته، كما قال تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" [المائدة: 3] ، وقوله تعالى: "وما كان ربك نسيا" [مريم: 64] ، وأنه ليترتب على هذا القول أمور كثيرة خطيرة.(17/234)
وبناء على ما تقدم، وبعد الرجوع إلى الأدلة وما ذكره أهل العلم في المواقيت المكانية، ومناقشة الموضوع من جميع جوانبه فإن المجلس يقرر بالإجماع ما يلي:
1- إن الفتوى الصادرة من فضيلة الشيخ/ عبد الله بن زيد آل محمود رئيس المحاكم الشرعية والشئون الدينية بقطر الخاصة بجواز جعل جدة ميقاتاً لركاب الطائرات الجوية والسفن البحرية فتوى باطلة لعدم استنادها إلى نص من كتاب الله أو سنة رسوله أو إجماع سلف الأمة. ولم يسبقه إليها أحد من علماء المسلمين الذين يعتد بأقوالهم.
2- لا يجوز لمن مر بميقات من المواقيت المكانية أو حاذى واحداً منها -جواً أو بحراً- أن يتجاوزه من غير إحرام كما تشهد لذلك الأدلة، وكما قرر أهل العلم -رحمهم الله تعالى-. هذا وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة
عبد الله بن محمد حميد
عبد الله خياط
محمد بن علي الحاركان
عبد العزيز بن باز
سليمان بن عبيد
عبد العزيز بن صالح
عبد الرزاق عفيفي
راشد بن خنين
إبراهيم بن محمد آل الشيخ [غائب]
عبد الله بن غديان
صالح بن غصون
عبد المجيد حسن
عبد الله بن قعود
عبد الله بن منيع
صالح لحيدان(17/235)
قرار رقم: 19 (7/3)
بشأن
الإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرة
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع - ع 3، ج 3/ص 1419
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8-13 صفر 1407هـ /11 - 16 تشرين الأول (أكتوبر) 1986م.
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة بخصوص موضوع الإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرة.
قرر ما يلي:
أن المواقيت المكانية التي حددتها السنة النبوية يجب الإحرام منها لمريد الحج أو العمرة، للمار عليها أو للمحاذي لها أرضاً أو جواً أو بحراً لعموم الأمر بالإحرام منها في الأحاديث النبوية الشريفة.
والله أعلم.(17/236)
رقم القرار: 2
رقم الدورة: 5
حكم الإحرام من جدة للواردين إليها من غيرها
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 15/10/1425
28/11/2004
حكم الإحرام من جدة للواردين إليها من غيرها:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وسيد المرسلين، نبينا محمد. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد ناقش في جلسته الثالثة صباح يوم الخميس الموافق 10/4/1402هـ. والمصادف 4/2/1982م موضوع (حكم الإحرام من جدة، وما يتعرض له الكثير من الوافدين إلى مكة المكرمة للحج والعمرة عن طريق الجو والبحر) ، لجهلهم عن محاذاة المواقيت التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم وأوجب الإحرام منها على أهلها، ومن مر عليها من غيرهم، ممن يريد الحج أو العمرة. وبعد التدارس واستعراض النصوص الشرعية الواردة في ذلك قرر المجلس ما يلي:(17/237)
أولاً: أن المواقيت التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم وأوجب الإحرام منها على أهلها، وعلى من مر عليها من غيرهم، ممن يريد الحج والعمرة هي: ذو الحليفة لأهل المدينة ومن مر عليها من غيرهم، وتسمى حاليًّا (أبيار علي) . والجحفة وهي لأهل الشام ومصر والمغرب، ومن مر عليها من غيرهم، وتسمى حاليًّا (رابغ) . وقرن المنازل، وهي لأهل نجد ومن مر عليها من غيرهم، وتسمى حاليًّا (وادي محرم) وتسمى أيضًا (السيل) . وذات عرق، لأهل العراق، وخراسان، ومن مر عليها من غيرهم، وتسمى (الضريبة) . ويلملم، لأهل اليمن ومن مر عليها من غيرهم. وقرر: أن الواجب عليهم أن يحرموا إذا حاذوا أقرب ميقات إليهم من هذه المواقيت الخمسة جوًّا أو بحرًا، فإن اشتبه عليهم ذلك ولم يجدوا معهم من يرشدهم إلى المحاذاة، وجب عليهم أن يحتاطوا وأن يحرموا قبل ذلك بوقت يعتقدون أو يغلب على ظنهم أنهم أحرموا قبل المحاذاة؛ لأن الإحرام قبل الميقات جائز مع الكراهة ومنعقد، ومع التحري والاحتياط، خوفًا من تجاوز الميقات بغير إحرام تزول الكراهة؛ لأنه لا كراهة في أداء الواجب، وقد نص أهل العلم في جميع المذاهب الأربعة على ما ذكرنا، واحتجوا على ذلك بالأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في توقيت المواقيت للحجاج والعمار. واحتجوا أيضًا بما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لما قال له أهل العراق: إن قرنًا جَورٌ عن طريقنا؟ قال لهم- رضي الله عنه: انظروا حذوَها من طريقكم. قالوا: ولأن الله سبحانه أوجب على عباده أن يتقوه ما استطاعوا، وهذا هو المستطاع في حق من لم يمر على نفس الميقات، إذا عُلم هذا فليس للحجاج والعمار الوافدين من طريق الجو والبحر ولا غيرهم أن يؤخروا الإحرام إلى وصولهم إلى جدة، لأن جدة ليست من المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا من لم يحمل معه ملابس الإحرام، فإنه ليس له أن يؤخر إحرامه إلى جدة، بل الواجب عليه أن يحرم في السراويل إذا كان ليس معه إزار، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "مَن لم يَجِدْ نَعْلَيْن فَلْيَلْبَسِ الخُفَّين، ومَن لم يجد إزارًا فليلبس السَّرَاوِيلَ". وعليه كشف رأسه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عما يلبس المحرم قال: "لا يلبَسُ القميصَ ولا العمائمَ ولا السَّرَاويلاتِ ولا البرانسَ ولا الخفافَ إلا لمن لم يَجِدِ النَّعلين". الحديث متفق عليه. فلا يجوز أن يكون على رأس المحرم عمامة ولا قلنسوة ولا غيرهما مما يلبس على الرأس. وإذا كان لديه عمامة ساترة يمكنه أن يجعلها إزارًا اتَّزَر بها، ولم يجز له لبس السراويل، فإذا وصل إلى جدة وجب عليه أن يخلع السراويل ويستبدلها بإزار إذا قدر على ذلك، فإن لم يكن عليه سراويل، وليس لديه عمامة تصلح أن تكون إزارًا حين محاذاته للميقات في الطائرة أو الباخرة أو السفينة، جاز له أن يحرم في قميصه الذي عليه مع كشف رأسه، فإذا وصل إلى جدة اشترى إزارًا وخلع القميص، وعليه عن لبسه القميص كفارة، وهي إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من تمر أو أرز أو غيرهما من قوت البلد، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة، هو مخير بين هذه الثلاثة، كما خير النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن عجرة لما أذن له في حلق رأسه وهو محرم للمرض الذي أصابه. ثانيًا: يكلف المجلس الأمانة العامة للرابطة بالكتابة إلى شركات الطيران والبواخر لتنبيه الركاب قبل القرب من الميقات، بأنهم سيمرون على الميقات قبل مسافة ممكنة.
ثالثًا: خالف عضو مجلس المجمع الفقهي الإسلامي معالي الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء في ذلك، كما خالف فضيلة الشيخ أبو بكر محمود جومي عضو المجلس بالنسبة للقادمين من سواكن إلى جدة فقط. وعلى هذا جرى التوقيع. والله ولي التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(17/238)
قرار رقم: 53 (4/6)
بشأن
القبض: صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
مجلة المجمع (ع 6، ج1 ص 453)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان 1410هـ الموافق14-20 آذار (مارس) 1990م،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع القبض: صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها،
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي:
أولاً: قبض الأموال كما يكون حسياً في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتباراً وحكماً بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حساً. وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضاً لها.
ثانياً: إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعاً وعرفاً:
1- القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية:
أ - إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية.
ب - إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حال شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل.
ج - إذا اقتطع المصرف - بأمر العميل - مبلغاً من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره، لصالح العميل أو لمستفيد آخر، وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإسلامية.
ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي، للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل، على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلا بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي.
2- تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه المصرف.
والله أعلم(17/239)
قرار رقم: 13 (1/3)
بشأن
استفسارات البنك الإسلامي للتنمية
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع - ع 2، ج 2/ص 527 والعدد الثالث ج 1 ص 77
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8-13 صفر 1407هـ /11 - 16 تشرين الأول (أكتوبر) 1986م.
بعد دراسة مستفيضة ومناقشات واسعة لجميع الاستفسارات التي تقدم بها البنك إلى المجمع،
قرر ما يلي:
(أ) بخصوص أجور خدمات القروض في البنك الإسلامي للتنمية:
أولاً: يجوز أخذ أجور عن خدمات القروض على أن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية.
ثانياً: كل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعاً.
(ب) بخصوص عمليات الإيجار:
أولاً: إن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية بإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعاً.
ثانياً: إن توكيل البنك الإسلامي للتنمية أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك بغية أن يؤجره البنك تلك الأشياء بعد حيازة الوكيل لها، هو توكيل مقبول شرعاً، والأفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك.
ثالثاً: إن عقد الإيجار يجب أن يتم بعد التملك الحقيقي للمعدات وأن يبرم بعقد منفصل عن عقد الوكالة والوعد.
رابعاً: إن الوعد بهبة المعدات عند انتهاء أمد الإجارة جائز بعقد منفصل.
خامساً: إن تبعة الهلاك والتعيب تكون على البنك بصفته مالكاً للمعدات ما لم يكن ذلك بتعد أو تقصير من المستأجر فتكون التبعة عندئذ عليه.
سادساً: إن نفقات التأمين لدى الشركات الإسلامية، كلما أمكن ذلك، يتحملها البنك.
(ج) بخصوص عمليات البيع بالأجل مع تقسيط الثمن:
أولاً: إن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية ببيع المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعاً.
ثانياً: إن توكيل البنك أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك، بغية أن يبيعه البنك تلك الأشياء بعد وصولها وحصولها في يد الوكيل، هو توكيل مقبول شرعاً، والأفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك.
ثالثاً: إن عقد البيع يجب أن يتم بعد التملك الحقيقي للمعدات والقبض لها، وأن يبرم بعقد منفصل.
(د) بخصوص عمليات تمويل التجارة الخارجية:
ينطبق على هذه العمليات المبادئ المطبقة على عمليات البيع بالأجل مع تقسيط الثمن.
(هـ) بخصوص التصرف في فوائد الودائع التي يضطر البنك الإسلامي للتنمية لإيداعها في المصارف الأجنبية:
يحرم على البنك أن يحمي القيمة الحقيقية لأمواله من آثار تذبذب العملات بواسطة الفوائد المنجرة من إيداعاته. ولذا يجب أن تصرف تلك الفوائد في أغراض النفع العام كالتدريب والبحوث، وتوفير وسائل الإغاثة، وتوفير المساعدات المالية للدول الأعضاء وتقديم المساعدة الفنية لها، وكذلك للمؤسسات العلمية والمعاهد والمدارس وما يتصل بنشر المعرفة الإسلامية.
والله أعلم(17/240)
قرار رقم: 10 (10/2)
بشأن
حكم التعامل المصرفي بالفوائد
وحكم التعامل بالمصارف الإسلامية
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع - ع 2، ج 2/ص 735 و 813
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10-16 ربيع الآخر 1406هـ /22 -28 كانون الأول (ديسمبر) 1985م.
بعد أن عرضت عليه بحوث مختلفة في التعامل المصرفي المعاصر،
وبعد التأمل فيما قدم ومناقشة مناقشة مركزة أبرزت الآثار السيئة لهذا التعامل على النظام الاقتصادي العالمي، وعلى استقراره خاصة في دول العالم الثالث،
وبعد التأمل فيما جرَه هذا النظام من خراب نتيجة إعراضه عما جاء في كتاب الله من تحريم الربا جزئياً وكلياً واضحاً بدعوته إلى التوبة منه، وإلى الاقتصاد على استعادة رؤوس أموال القروض دون زيادة ولا نقصان قل أو كثر، وما جاء من تهديد بحرب مدمرة من الله ورسوله للمرابين،
قرر ما يلي:
أولاً: أن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد. هاتان الصورتان ربا محرم شرعاً.
ثانياً: أن البديل الذي يضمن السيولة المالية والمساعدة على النشاط الاقتصادي حسب الصورة التي يرتضيها الإسلام هو التعامل وفقاً للأحكام الشرعية.
ثالثاً: قرر المجمع التأكيد على دعوة الحكومات الإسلامية، والتمكين لإقامتها في كل بلد إسلامي لتغطي حاجة المسلمين كي لا يعيش المسلم في تناقض بين واقعه ومقتضيات عقيدته.
والله أعلم(17/241)
قرار رقم: 12 (12/2)
بشأن
خطاب الضمان
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع - ع 2، ج 2/ص 1035
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10-16 ربيع الآخر 1406هـ /22 -28 كانون الأول (ديسمبر) 1985م.
وبعد النظر فيما أعد في خطاب الضمان من بحوث ودراسات وبعد المداولات والمناقشات المستفيضة التي تبين منها:
أولاً: أن خطاب الضمان بأنواعه الابتدائي والانتهائي لا يخلو إما أن يكون بغطاء أو بدونه، فإن كان بدون غطاء، فهو: ضم ذمة الضامن إلى ذمة غيره فيما يلزم حالاً أو مآلاً، وهذه هي حقيقة ما يعنى في الفقه الإسلامي باسم: الضمان أو الكفالة.
ولإن كان خطاب الضمان بغطاء فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدره هي: الوكالة، والوكالة تصح بأجر أو بدونه مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد (المكفول له) .
ثانياً: إن الكفالة هي عقد تبرع يقصد به الإرفاق والإحسان.
وقد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على الكفالة، لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جر نفعاً على المقروض، وذلك ممنوع شرعاً.
قرر ما يلي:
أولاً: إن خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجر عليه لقاء عملية الضمان - والتي يراعي فيها عادة مبلغ الضمان ومدته - سواء أكان بغطاء أم بدونه.
ثانياً: إن المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان بنوعية جائزة شرعاً، مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل، وفي حالة تقديم غطاء كلي أو جزئي، يجوز أن يراعى في تقدير المصاريف لإصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لأداء ذلك الغطاء.
والله أعلم(17/242)
رقم القرار: 11
رقم الدورة: 10
بشأن موضوع: السؤال الوارد من المكرَّم أبى بكر محيي الدين (حول صرف ريع الوقف)
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن موضوع: السؤال الوارد من المكرم أبى بكر محيي الدين (حول صرف ريع الوقف) :
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصبحه وسلم. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته العاشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من يوم السبت24صفر1408هـ الموافق 17 أكتوبر 1987م إلى الأربعاء 28 صفر 1408هـ الموافق 21 أكتوبر 1987م قد اطلع على السؤال الوارد من المكرم أبي بكر محيي الدين، رئيس جمعية الدعوة الإسلامية في سنغافورة، حول صرف ريع الوقف في المصالح العامة. وبعد تداول الرأي فيه قرر المجلس ما يلي:
- إن لم يكن الوقف مشروطًا ريعه لجهة معينة، فلا مانع حينئذ من صرف الريع على المصالح العامة. أما إن كان مشروطًا لجهة معينة، فإن المجمع يقرر: عدم جواز صرفه في المصالح العامة. والله ولي التوفيق. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. والحمد لله رب العالمين.(17/243)
أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الأول: ص727-729
قرار هيئة كبار العلماء
رقم (44) وتاريخ 13/4/1396هـ
المتعلق بمسألة الشفعة فيما لا يمكن قسمته من العقار
هيئة كبار العلماء 22/8/1426
26/09/2005
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد، وآله وصحبه وبعد:
فبناء على ما تقرر في الدورة السابعة لمجلس هيئة كبار العلماء، والمنعقدة في مدينة الطائف في النصف الأول من شهر شعبان عام 1395هـ من إدراج مسألة الشفعة بالمرافق الخاصة في جدول أعمال الدورة الثامنة- فقد جرت دراسة المسألة المذكورة في دورة المجلس الثامنة المنعقدة في النصف الأول من شهر ربيع الآخر في مدينة الرياض.
كما جرت دراسة مسألة الشفعة فيما لا تمكن قسمته من العقار.
وبعد الاطلاع على البحث المعد في (مسألة الشفعة فيما لا تمكن قسمته من العقار) من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
وبعد تداول الرأي والمناقشة من الأعضاء، وتبادل وجهات النظر قرر المجلس بالأكثرية:
أن الشفعة تثبت بالشركة في المرافق الخاصة؛ كالبئر، والطريق، والمسيل، ونحوها.
كما تثبت الشفعة فيما لا تمكن قسمته من العقار؛ كالبيت والحانوت، الصغيرين ونحوهما؛ لعموم الأدلة في ذلك؛ ولدخول ذلك تحت مناط الأخذ بالشفعة، وهو دفع الضرر عن الشريك في المبيع وفي حق المبيع، ولأن النصوص الشرعية في مشروعية الشفعة تتناول ذلك، ومن ذلك ما رواه الترمذي بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال"الشريك شفيع، والشفعة في كل شيء"وفي رواية الطحاوي بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي-صلى الله عليه وسلم-"قضى بالشفعة في كل شيء".قال الحافظ: حديث جابر لا بأس برواته، ولما روى الإمام أحمد والأربعة بإسنادهم إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها، وإن كان غائباً، إذا كان طريقهماواحداً" قال في [البلوغ] : ورجاله ثقات، ولما روى البخاري في [صحيحه] وأبو داود والترمذي في [سننهما] بإسنادهم إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) .
ووجه الاستدلال بذلك: ما ذكره ابن القيم رحمه الله في كتابه: [إعلام الموقعين] :أن الجار المشترك مع غيره في مرفق خاص ما، مثل: أن يكون طريقهما واحداً، أو أن يشتركا في شرب أو مسيل، أو نحو ذلك من المرافق الخاصة لا يعتبر مقاسماً مقاسمة كلية، بل هو شريك لجاره في بعض حقوق ملكه، وإذا كان طريقهما واحداً لم تكن الحدود كلها واقعة، بل بعضها حاصل، وبعضها منتف، إذ وقوع الحدود من كل وجه يستلزم أو يتضمن تصريف الطرق. اهـ.
وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد، وآله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة الخامسة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
عبد الرزاق عفيفي
عبد الله خياط
عبد الله بن حميد
عبد العزيز بن صالح
عبد المجيد حسن
محمد الحركان
[لي وجهة نظر]
سليمان بن عبيد
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
صالح بن غصون
راشد بن خنين
عبد الله بن غديان
محمد بن جبير
[لي وجهة نظر مرفقة]
عبد الله بن منيع
صالح بن لحيدان(17/244)
أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الأول: ص293-296
قرار هيئة كبار العلماء
رقم (25) وتاريخ21/8/1394هـ
الشرط الجزائي
هيئة كبار العلماء 22/8/1426
26/09/2005
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد، وعلى آله وصحبه وبعد:
فبناء على ما تقرر في الدورة الرابعة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة فيما بين 28/10/
و14/11/1393هـ من الرغبة في دراسة موضوع (الشرطة الجزائي) - فقد جرى إدراجه في جدول أعمال الهيئة في دورتها الخامسة، المنعقدة فيما بين5و22/8/1394هـ في مدينة الطائف.
ثم جرى دراسة الموضوع في هذه الدورة بعد الإطلاع على البحث المعد في ذلك من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
ثم جرى دراسة الموضوع في هذه الدورة بعد الاطلاع على البحث المعد في ذلك من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
وبعد مداولة الرأي والمناقشة، واستعراض المسائل التي يمكن أن يقاس عليها الشرط الجزائي، ومناقشة توجيه قياسه على تلك المسائل والإيراد، وتأمل قوله تعالى:"يا أيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود" [سورة المائدة 1] وما روى عنه صلى الله عليه وسلم من قوله:"المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً"ولقول عمر رضي الله عنه: (مقاطع الحقوق عند الشروط) والاعتماد على القول الصحيح: من أن الأصل في الشروط الصحة، وأنه لا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصاً أو قياساً.
واستعراض ما ذكره أهل العلم من تقسم الشروط في العقود إلى صحيحة، وفاسدة، وتقسيم الصحيحة إلى ثلاثة أنواع:
أحدها: شرط يقضيه العقد؛ كاشتراط صفة في الثمن؛ كالتأجيل، أو الرهن، أو الكفيل به، أو صفة في المثمن، ككون الأمة بكراً.
الثاني: شرط من مصلحة العقد كاشتراط صفة في الثمن كالتأجيل أو الرهن، أو الكفيل به، أو صفة في المثمن، ككون الأمة بكراً.
الثالث: شرط فيه منفعة معلومة، وليس من مقتضى العقد ولا من مصلحته، ولا منافياً لمقتضاه؛ كاشتراط البائع سكني الدار شهراً.
وتقسيم الفاسدة إلى ثلاثة أنواع:
أحدها: اشتراط أحد طرفي العقد على الطرف الثاني عقداً آخر؛ كبيع، أو إجارة، ونحو ذلك.
الثاني: اشتراط ما ينافي مقتضى العقد؛ كأن يشترط في المبيع ألا خسارة عليه، أو ألا يبيع أو يهب ولا يعتق.(17/245)
الثالث: الشرط الذي يتعلق به العقد، كقوله: بعتك إن جاء فلان. وبتطبيق الشرط الجزائي عليها، وظهور أنه من الشروط التي تعتبر من مصلحة العقد، إذ هو حافز لإكمال العقد في وقته المحدد له، والاستئناس بما رواه البخاري في [صحيحه] بسنده عن ابن سيرين: أن رجلاً قال لكريه أدخل ركابك، فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح: (من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه) وقال أيوب عن ابن سيرين: أن رجلاً باع طعاماً وقال: إن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع، فلم يجيء، فقال شريح للمشتري: (أنت أخلفت) فقضى عليه، وفضلاً عن ذلك فهو في مقابلة الإخلال بالالتزام، حيث أن الإخلال به مظنة الضرر، وتفويت المنافع، وفي القول بتصحيح الشرط الجزائي سد لأبواب الفوضى والتلاعب بحقوق عباد الله، وسبب من أسباب الحفز على الوفاء بالعهود والعقود؛ تحقيقاً لقوله تعالى"يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود".
لذلك كله فإن المجلس يقرر بالإجماع:
أن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر، يجب الأخذ به، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعاً، فيكون العذر مسقطاً لوجوبه حتى يزول.
وإذا كان الشرط الجزائي كثيراً عرفاً، بحيث يُراد به التهديد المالي، ويكون بعيداً عن مقتضى القواعد الشرعية- فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف، على حسب ما فات من منفعة، أو لحق من مضرة. ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر؛ عملاً بقوله تعالى:"وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"وقوله سبحانه:"ولا يجرمنكم شنئان قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" [المائدة:8] وبقوله -صلى الله عليه وسلم-"لا ضرر ولا ضرار".
وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة الخامسة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
عبد الرزاق عفيفي
عبد الله خياط
عبد الله بن محمد بن حميد
عبد العزيز بن صالح
عبد المجيد حسن
محمد الحركان
سليمان بن عبيد
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
صالح بن غصون
راشد بن خنين
عبد الله بن غديان
محمد بن جبير
عبد الله بن منيع
صالح بن لحيدان(17/246)
حكم التراجع عن الوفاء بالعقد بعد توقيعه
قرارات المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث 16/3/1426
25/04/2005
قرار المجلس:
توقيع العقد في أي صفقة ملزم للطرفين شرعًا، ولا يجوز لأحدهما أن يرجع فيه بإرادته المنفردة، دون رضى الطرف الآخر، فهذا مخالف لما أمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وأكدته نصوص القرآن والسنة. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: من الآية1] ، وقال عز وجل: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء: من الآية34] ، وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} [النحل: من الآية91] .
وحمل القرآن بشدة على الذين يتهاونون بالعهود وينقضونها من بعد ميثاقها، في آيات كثيرة، منها: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران:77] .
واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم نقض العهد من شعب النفاق، وخصال المنافق الأساسية: "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها" وذكر منها: "إذا عاهد غدر" رواه الشيخان عن عبد الله بن عمرو (1) .
وليس من الضروري أن يكون العقد مكتوبًا، فمجرد الإيجاب والقبول مشافهة يكفي في إيجاد العقد، ولكن له خيار المجلس على ما نرجحه، فلو تبين له عقد آخر، وهما لا يزالان في مجلس العقد، فمن حقه أن يرجع، كما جاء في الحديث الصحيح: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" متفق عليه عن ابن عمر (2) . فقد جعل الحديث فرصة للتراجع لمن تسرع في التعاقد دون روية.
ومثل ذلك لو كان مغبونًا غبنًا فاحشاً يرفع أمره إلى جهة تحكيم تثبت له خيار الغبن إذا تبين لها ذلك، عملاً بمذهب الحنابلة وغيرهم.
ويستطيع المسلم أن يخرج من ورطة التراجع في العقد بعد إتمامه إذا اشترط لنفسه الخيار أيامًا معدودة، يستطيع فيها أن يرجع في صفقته خلالها، وهذا ما نصح به النبي صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة، حين شكا إليه أنه كثيرًا ما يخدع في البيع، فقال له: "إذا بايعت فقل: لا خلابة" أي لا خداع، وهذا في الصحيحين (3) ، وفي خارج الصحيحين: "ولي الخيار ثلاثة أيام" (4) ، والمسلمون عند شروطهم.
[القرار 6/6]
_____________
(1) هو عند البخاري (رقم: 34، 2327، 3007) ، ومسلم (رقم: 58) .
(2) أخرجه البخاري (رقم: 2001 ومواضع أخرى) ، ومسلم (رقم: 1531) من حديث ابن عمر، كما أخرجه البخاري (رقم: 1973) ومواضع أخرى) ، ومسلم (رقم: 1532) من حديث حكيم بن حزام.
(3) البخاري (رقم: 2011 ومواضع أخرى) ، ومسلم (رقم: 1533) من حديث عبد الله بن عمر.
(4) يعني أذن له أن يكون له الخيار ثلاثة أيام، كما أخرجه الدارقطني (3/54-55) ، والحاكم (رقم: 2210) والبيهقي (5/273) من حديث ابن عمر بإسناد حسن، وفي لفظه: "إذابعت فقل: لا خلابة، ثم أنت في كل سلعة تبتاعها بالخيار ثلاث ليال".(17/247)
قرار رقم: 59 (10/6)
بشأن
الأسواق المالية
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 6/11/1425
18/12/2004
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان 1410هـ الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990م،
بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في ندوة الأسواق المالية المنعقدة في الرباط 20 - 24 ربيع الثاني 1410 هـ / 20 - 24 /10 / 1989 م بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية، وباستضافة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية،
وفي ضوء ما هو مقرر في الشريعة الإسلامية من الحث على الكسب الحلال واستثمار المال وتنمية المدخرات على أسس الاستثمار الإسلامي القائم على المشاركة في الأعباء وتحمل المخاطر، ومنها مخاطر المديونية،
ولما للأسواق المالية من دور في تداول الأموال وتنشيط استثمارها، ولكون الاهتمام بها والبحث عن أحكامها يلبي حاجة ماسة لتعريف الناس بفقه دينهم في المستجدات العصرية ويتلاقى مع الجهود الأصيلة للفقهاء في بيان أحكام المعاملات المالية وبخاصة أحكام السوق ونظام الحسبة على الأسواق، وتشمل الأهمية الأسواق الثانوية التي تتيح للمستثمرين أن يعاودوا دخول السوق الأولية وتشكل فرصة للحصول على السيولة وتشجع على توظيف المال ثقةً بإمكان الخروج من السوق عند الحاجة، وبعد الاطلاع على ما تناولته البحوث المقدمة بشأن نظم وقوانين الأسواق المالية القائمة وآلياتها وأدواتها،
قرر ما يلي:
أولاً: إن الاهتمام بالأسواق المالية هو من تمام إقامة الواجب في حفظ المال وتنميته باعتبار ما يستتبعه هذا من التعاون لسد الحاجات العامة وأداء ما في المال من حقوق دينية أو دنيوية.
ثانياً: إن هذه الأسواق المالية - مع الحاجة إلى أصل فكرتها - هي في حالتها الراهنة ليست النموذج المحقق لأهداف تنمية المال واستثماره من الوجهة الإسلامية. وهذا الوضع يتطلب بذل جهود علمية مشتركة من الفقهاء والاقتصاديين لمراجعة ما تقوم عليه من أنظمة، وما تعتمده من آليات وأدوات وتعديل ما ينبغي تعديله في ضوء مقررات الشريعة الإسلامية.
ثالثاً: إن فكرة الأسواق المالية تقوم على أنظمة إدارية وإجرائية، ولذا يستند الالتزام بها إلى تطبيق قاعدة المصالح المرسلة فيما يندرج تحت أصل شرعي عام ولا يخالف نصاً أو قاعدة شرعية، وهي لذلك من قبيل التنظيم الذي يقوم به ولي الأمر في الحرَف والمرافق الأخرى وليس لأحد مخالفة تنظيمات ولي الأمر أو التحايل عليها ما دامت مستوفية الضوابط والأصول الشرعية.
ويوصي بما يلي:
استكمال النظر في الأدوات والصيغ المستخدمة في الأسواق المالية بكتابة الدراسات والأبحاث الفقهية والاقتصادية الكافية
والله الموفق.(17/248)
قرار رقم: 73 (4/8)
بشأن
عقد المزايدة
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 6/11/1425
18/12/2004
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10-16 ربيع الآخر 1406هـ /22 - 28كانون الأول (ديسمبر) 1985م.
بعد أن نظر في الدراسات المعروضة حول زكاة الديون وبعد المناقشة المستفيضة التي تناولت الموضوع من جوانبه المختلفة وتبين منها:
أولاً: أنه لم يرد نص من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله يفصل زكاة الديون.
ثانياً: أنه قد تعدد ما أثر عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم من وجهات نظر في طريقة إخراج زكاة الديون.
ثالثاً: أن قد اختلفت المذاهب الإسلامية بناءً على ذلك اختلافا ًبيناً.
رابعاً: أن الخلاف قد انبنى على الاختلاف في قاعدة هل يعطى المال الذي يمكن عليه صفة الحاصل؟ .
قرر ما يلي:
أولاً: تجب زكاة الدين على رب الدين عن كل سنة إذا كان المدين مليئاً باذلاً.
ثانيا ً: تجب الزكاة على رب الدين بعد دوران الحول من يوم القبض إذا كان المدين معسراً أو مماطلاً.
والله أعلم(17/249)
قرار رقم: 32 (7/4)
بشأن
بيع الاسم التجاري والترخيص
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخر 1408هـ الموافق6-11 شباط (فبراير) 1988م،
بعد اطلاعه على الأبحاث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع بيع الاسم التجاري والترخيص، والتي تفاوتت في تناولها للموضوع، واختلفت المصطلحات المستخدمة فيها، تبعاً للأصول اللغوية التي تُرجمت عنها تلك الصيغ العصرية، بحيث لم تتوارد الأبحاث على موضوع واحد، وتباينت وجهات النظر،
قرر ما يلي:
أولاً: تأجيل النظر في هذا الموضوع إلى الدورة الخامسة للمجلس حتى تستوفى دراسته من كل جوانبه مع مراعاة الأمور التالية:
أ- اتباع منهجية متقاربة في البحث تبدأ من مقدماته التي يتم فيها تحرير المسألة وتحديد نطاق البحث مع تناول جميع المصطلحات المتداولة في الأبحاث الحقوقية مع مرادفاتها.
ب- الإشارة إلى السوابق التاريخية للموضوع وما طرح فيه من أنظار شرعية أو حقوقية لها أثر في إيضاح التصور وأحكام التقسيم.
ثانياً: محاولة إدراج موضوع بيع الاسم التجاري والترخيص تحت موضوع عام لتكون الدراسة أحكم والفائدة أعم وأوسع، وذلك تحت عنوان الحقوق المعنوية، لكي تستوفى المفردات الأخرى من مثل: حق التأليف، حق الاختراع أو الابتكار، حق الرسالة، حق الرسوم والنماذج الصناعية والتجارية من علامات وبيانات. . الخ.
ثالثاً: يمكن للباحثين أن يركزوا على مفردة معينة من الحقوق المشار إليها، كما يمكنهم توسيع نطاق أبحاثهم لتشمل المفردات المتقاربة في هيكل الموضوع العام.
والله الموفق(17/250)
قرار رقم: 52 (3/6)
بشأن
حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
مجلة المجمع (ع 6، ج2 ص 785)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 17- 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990م،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، ونظراً إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل الاتصال وجريان العمل بها في إبرام العقود لسرعة إنجاز المعاملات المالية والتصرفات،
وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة وبالإشارة وبالرسول، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس - عدا الوصية والإيصاء والوكالة - وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد، والموالاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف.
قرر ما يلي:
أولاً: إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد ولا يرى أحدهما الآخر معاينة، ولا يسمع كلامه وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة (الرسول) ، وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي (الحاسوب) ، ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلي الموجه إليه وقبوله.
ثانياً: إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقداً بين حاضرين، وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة.
ثالثاً: إذا أصدر العارض، بهذه الوسائل، إيجاباً محدد المدة يكون ملزماً بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة، وليس له الرجوع عنه.
رابعاً: إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لا شتراط الإشهاد فيه، ولا الصرف لا شتراط التقابض، ولا السلم لا شتراط تعجيل رأس المال.
خامساً: ما يتعلق باحتمال التزيف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة للإثبات.
والله أعلم(17/251)
قرار رقم: 51 (2/ 6)
بشأن
البيع بالتقسيط
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
مجلة المجمع (ع 6ج1ص 193 وع7ج2ص9)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17- 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990م،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع البيع بالتقسيط، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي:
أولاً: تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال، كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقداً، وثمنه بالأقساط لمدد معلومة، ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل. فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن واحد محدد، فهو غير جائز شرعاً.
ثانياً: لا يجوز شرعاً، في بيع الأجل، التنصيص في العقد على فوائد التقسيط، مفصولة عن الثمن الحال، بحيث ترتبط بالأجل، سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة.
ثالثاً: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم.
رابعاً: يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء.
خامساً: يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها، عند تأخر المدين عن أداء بعضها، ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد.
سادساً: لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة.
ويوصي بما يلي:
دارسة بعض المسائل المتصلة ببيع التقسيط للبت فيها إلى ما بعد إعداد دراسات وأبحاث كافية فيها، ومنها:
أ- حسم البائع كمبيالات الأقساط المؤجلة لدى البنوك.
ب- تعجيل الدين مقابل إسقاط بعضه وهي مسألة "ضع وتعجل".
ج- أثر الموت في حلول الأقساط المؤجلة.
والله الموفق(17/252)
قرار رقم: 50 (1/ 6)
بشأن
التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
مجلة المجمع (ع 5ج4ص2773ع6ج1ص81)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17- 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990م،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها،
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي:
أولاً: إن المسكن من الحاجات الأساسية للإنسان، وينبغي أن يوفر بالطرق المشروعة بمال حلال، وإن الطريقة التي تسلكها البنوك العقارية والإسكانية ونحوها، من الإقراض بفائدة قلت أو كثرت، هي طريقة محرمة شرعاً لما فيها من التعامل بالربا.
ثانياً: هناك طرق مشروعة يُستغنى بها عن الطريقة المحرمة، لتوفير المسكن بالتملك (فضلاً عن إمكانية توفيره بالإيجار) ، منها:
أ- أن تقدم الدولة للراغبين في تملك مساكن، قروضاً مخصصة لإنشاء المساكن، تستوفيها بأقساط ملائمة بدون فائدة، سواء أكانت الفائدة صريحة، أم تحت ستار اعتبارها (رسم خدمة) ، على أنه إذا دعت الحاجة إلى تحصيل نفقات لتقديم عمليات القروض ومتابعتها، وجب أن يقتصر فيها على التكاليف الفعلية لعملية القرض على النحو المبين في الفقرة (أ) من القرار رقم 13 (1/3) للدورة الثالثة لهذا المجمع.
ب - أن تتولى الدولة القادرة إنشاء المساكن وتبيعها للراغبين في تملك مساكن بالأجل والأقساط بالضوابط الشرعية المبينة في القرار 51 (2/6) لهذه الدورة.
ج- أن يتولى المستثمرون من الأفراد أو الشركات بناء مساكن تباع بالأجل.
د- أن تملك المساكن عن طريق عقد الاستصناع - على أساس اعتباره لازماً - وبذلك يتم شراء المسكن قبل بنائه، بحسب الوصف الدقيق المزيل للجهالة المؤدية للنزاع، دون وجوب تعجيل جميع الثمن، بل يجوز تأجيله بأقساط يتفق عليها، مع مراعاة الشروط والأحوال المقررة لعقد الاستصناع لدى الفقهاء الذين ميزوه عن عقد السلم.
ويوصي بما يلي:
مواصلة النظر لإيجاد طرق أخرى مشروعة توفر تملك المساكن للراغبين في ذلك.
والله الموفق.(17/253)
قرار رقم: 46 (8/5)
بشأن
تحديد أرباح التجار
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمرها لخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأول1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م،
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع تحديد أرباح التجار، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي:
أولاً: الأصل الذي تقرره النصوص والقواعد الشرعية ترك الناس أحراراً في بيعهم وشرائهم وتصرفهم في ممتلكاتهم وأموالهم، في إطار أحكام الشريعة الإسلامية الغراء وضوابطها، عملاً بمطلق قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالبطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) .
ثانياً: ليس هناك تحديد لنسبة معينة للربح يتقيد بها التجار في معاملاتهم، بل ذلك متروك لظروف التجارة عامة وظروف التاجر والسلع، مع مراعاة ما تقضي به الآداب الشرعية من الرفق والقناعة والسماحة والتيسير.
ثالثاً: تضافرت نصوص الشريعة الإسلامية على وجوب سلامة التعامل من أسباب الحرام وملابساته كالغش، والخديعة، والتدليس، والاستغفال، وتزييف حقيقة الربح والاحتكار الذي يعود بالضرر على العامة والخاصة.
رابعاً: لا يتدخل ولي الأمر بالتسعير إلاّ حيث خللاً واضحاً في السوق والأسعار، ناشئاً من عوامل مصطنعة، فإن لولي الأمر حينئذ التدخل بالوسائل العادلة الممكنة التي تقضي على تلك العوامل وأسباب الخلل والغلاء والغبن الفاحش.
والله الموفق(17/254)
قرار رقم: 45 (7/5)
بشأن
التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
مجلة المجمع (ع 5، ج 4ص2773ع6 ج1 ص81) .
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأول 1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م،
بعد عرض موضوع التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها،
قرر ما يلي:
تأجيل النظر في موضوع التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها، لإصدار القرار الخاص به إلى الدورة السادسة، من أجل مزيد من الدراسة والبحث. والله الموفق(17/255)
قرار رقم: 44 (6/5)
بشأن
الإيجار المنتهي بالتمليك
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
مجلة المجمع (ع 5، ج 4ص 2593) .
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأول 1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م،
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع الإيجار المنتهي بالتمليك، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
وبعد الاطلاع على قرار المجمع رقم 13 (1/3) في الدورة الثالثة، بشأن الإجابة عن استفسارات البنك الإسلامي للتنمية، فقرة (ب) بخصوص عمليات الإيجار،
قرر ما يلي:
أولاً: الأوْلى الاكتفاء عن صور الإيجار المنتهي بالتمليك ببدائل أخرى منها البديلان التاليان:
(الأول) : البيع بالأقساط مع الحصول على الضمانات الكافية.
(الثاني) : عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في واحد من الأمور التالية:
- مدّ مدة الإجارة.
- إنهاء عقد الإجارة ورد العين المأجورة إلى صاحبها.
- شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة.
ثانياً: هناك صور مختلفة للإيجار المنتهي بالتمليك تقرر تأجيل النظر فيها إلى دورة قادمة، بعد تقديم نماذج لعقودها وبيان ما يحيط بها من ملابسات وقيود بالتعاون مع المصارف الإسلامية، لدراستها وإصدار القرار في شأنها.
والله أعلم(17/256)
قرار رقم: 66 (4/7)
بشأن
بيع الوفاء
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
مجلة المجمع (ع 7، ج3 ص 9)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7-12 ذي القعدة 1412هـ الموافق 9 - 14 أيار (مايو) 1992 م،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع بيع الوفاء،
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول بيع الوفاء، وحقيقته: "بيع المال بشرط أن البائع متى رد الثمن يرى المشتري إليه المبيع"،
قرر ما يلي:
أولاً: إن حقيقة هذا البيع (قرض جر نفعاً) ، فهو تحايل على الربا، وبعدم صحته قال جمهور العلماء.
ثانياً: إن هذا العقد غير جائز شرعاً.
والله أعلم(17/257)
قرار رقم: 64 (2/7)
بشأن
البيع بالتقسيط
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
مجلة المجمع (ع 6، ج1 ص 193 والعدد السابع ج 2 ص9)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7-12 ذي القعدة 1412هـ الموافق 9 - 14 أيار (مايو) 1992م،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع البيع بالتقسيط، واستكمالاً للقرار 51 (2/6) بشأنه،
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي:
أولاً: البيع بالتقسيط جائز شرعاً، ولو زاد فيه الثمن المؤجل على المعجل.
ثانياً: الأوراق التجارية (الشيكات-السندات لأمر-سندات السحب) من أنواع التوثيق المشروع للدين بالكتابة.
ثالثاً: إن حسم (خصم) الأوراق التجارية غير جائز شرعاً، لأنه يؤول إلى ربا النسيئة المحرم.
رابعاً: الحطيطة من الدين المؤجل، لأجل تعجيله، سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين (ضع وتعجل) جائزة شرعاً، لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق مسبق، وما دامت العلاقة بين الدائن والمدين ثنائية. فإذا دخل بينهما طرف ثالث لم تجز، لأنها تأخذ عندئذٍ حكم حسم الأوراق التجارية.
خامساً: يجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر الأقساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الأقساط المستحقة عليه ما لم يكن معسراً.
سادساً: إذا اعتبر الدين حالاً لموت المدين أو إفلاسه أو مماطلته، فيجوز في جميع هذه الحالات الحط منه للتعجيل بالتراضي.
سابعاً: ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار: ألا يكون للمدين مال زائد عن حوائجه الأصلية يفي بدينه نقداً أو عيناً.
والله أعلم(17/258)
قرار رقم: 63 (1/7)
بشأن
الأسواق المالية
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 21/10/1425
04/12/2004
مجلة المجمع (ع 6، ج2 ص 1273 والعدد السابع ج 1 ص 73 والعدد التاسع ج2 ص5)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7-12 ذي القعدة 1412هـ الموافق 9 - 14 أيار (مايو) 1992 م،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الأسواق المالية الأسهم، الاختيارات، السلع، بطاقة الائتمان،
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي:
أولاً: الأسهم:
1- الإسهام في الشركات:
أ- بما أن الأصل في المعاملات الحل فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز.
ب - لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم، كالتعامل بالربا أو إنتاج المحرمات أو المتاجرة بها.
ج - الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرمات، كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة.
2- ضمان الإصدار (under writing) :
ضمان الإصدار: هو الاتفاق عند تأسيس شركة مع من يلتزم بضمان جميع الإصدار من الأسهم، أو جزء من ذلك الإصدار، وهو تعهد من الملتزم بالاكتتاب في كل ما تبقى مما لم يكتتب فيه غيره، وهذا لا مانع منه شرعاً، إذا كان تعهد الملتزم بالاكتتاب بالقيمة الإسمية بدون مقابل لقاء التعهد، ويجوز أن يحصل الملتزم على مقابل عن عمل يؤديه-غير الضمان- مثل إعداد الدراسات أو تسويق الأسهم.
3- تقسيط سداد قيمة السهم عند الاكتتاب:
لا مانع شرعاً من أداء قسط من قيمة السهم المكتتب فيه، وتأجيل سداد بقية الأقساط، لأن ذلك يعتبر من الاشتراك بما عجل دفعه، والتواعد على زيادة رأس المال، ولا يترتب على ذلك محذور لأن هذا يشمل جميع الأسهم، وتظل مسؤولية الشركة بكامل رأس مالها المعلن بالنسبة للغير، لأنه هو القدر الذي حصل العلم والرضا به من المتعاملين مع الشركة.
4- السهم لحامله:
بما أن المبيع في (السهم لحامله) هو حصة شائعة في موجودات الشركة وأن شهادة السهم هي وثيقة لإثبات هذا الاستحقاق في الحصة فلا مانع شرعاً من إصدار أسهم في الشركة بهذه الطريقة وتداولها.
5- محل العقد في بيع السهم:
إن المحل المتعاقد عليه في بيع السهم هو الحصة الشائعة من أصول الشركة، وشهادة السهم عبارة عن وثيقة للحق في تلك الحصة.
6- الأسهم الممتازة:
لا يجوز إصدار أسهم ممتازة، لها خصائص مالية تؤدي إلى ضمان رأس المال أو ضمان قدر من الربح أو تقديمها عند التصفية، أو عند توزيع الأرباح.
ويجوز إعطاء بعض الأسهم خصائص تتعلق بالأمور الإجرائية أو الإدارية.
7- التعامل في الأسهم بطريقة ربوية:
أ- لا يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار أو غيره للمشتري لقاء رهن السهم، لما في ذلك من المراباة وتوثيقها بالرهن وهما من الأعمال المحرمة بالنص على لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه.(17/259)
ب- لا يجوز أيضاً بيع سهم لا يملكه البائع وإنما يتلقى وعداً من السمسار بإقراضه السهم في موعد التسليم، لأنه من بيع ما لا يملك البائع، ويقوى المنع إذا اشترط إقباض الثمن للسمسار لينتفع به بإيداعه بفائدة للحصول على مقابل الإقراض.
8- بيع الأسهم أو رهن:
يجوز بيع السهم أو رهنه مع مراعاة ما يقضى به نظام الشركة، كما لو تضمن النظام تسويغ البيع مطلقاً أو مشروطاً بمراعاة أولوية المساهمين القدامى في الشراء، وكذلك يعتبر النص في النظام على إمكان الرهن من الشركاء برهن الحصة المشاعة.
9- إصدار أسهم مع رسوم إصدار:
إن إضافة نسبة معينة مع قيمة السهم، لتغطية مصاريف الإصدار، لا مانع منها شرعاً ما دامت هذه النسبة مقدرة تقديراً مناسباً.
10- إصدار أسهم بعلاوة إصدار أو حسم (خصم) إصدار:
يجوز إصدار أسهم جديدة لزيادة رأس مال الشركة إذا أصدرت بالقيمة الحقيقية للأسهم القديمة - حسب تقويم الخبراء لأصول الشركة - أو بالقيمة السوقية.
11- ضمان الشركة شراء الأسهم:
يرى المجلس تأجيل إصدار قرار في هذا الموضوع لدورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة.
12- تحديد مسؤولية الشركة المساهمة المحدودة:
لا مانع شرعاً من إنشاء شركة مساهمة ذات مسؤولية محدودة برأس مالها، لأن ذلك معلوم للمتعاملين مع الشركة وبحصول العلم ينتفي الغرر عمن يتعامل مع الشركة.
كما لا مانع شرعاً من أن تكون مسؤولية بعض المساهمين غير محدودة بالنسبة للدائنين بدون مقابل لقاء هذا الالتزام. وهي الشركات التي فيها شركاء متضامنون وشركاء محدودو المسؤولية.
13- حصر تداول الأسهم بسماسرة مرخصين، واشتراط رسوم للتعامل في أسواقها:
يجوز للجهات الرسمية المختصة أن تنظم تداول بعض الأسهم بأن لا يتم إلا بواسطة سماسرة مخصوصين ومرخصين بذلك العمل لأن هذا من التصرفات الرسمية المحققة لمصالح مشروعة.
وكذلك يجوز اشتراط رسوم لعضوية المتعامل في الأسواق المالية لأن هذا من الأمور التنظيمية المنوطة بتحقيق المصالح المشروعة.
14- حق الأولوية:
يرى المجلس تأجيل البت في هذا الموضوع إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة.
15- شهادة حق التملك:
يرى المجلس تأجيل البت في هذا الموضوع إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة.
ثانياً: الاختيارات:
أ- صورة عقود الاختيارات:
إن المقصود بعقود الاختيارات الاعتياض عن الالتزام ببيع شيء محدد موصوف أو شرائه بسعر محدد خلال فترة زمنية معينة أو في وقت معين إما مباشرة أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين.
ب- حكمها الشرعي:
إن عقود الاختيارات - كما تجري اليوم في الأسواق المالية العالمية - هي عقود مستحدثة لا تنضوي تحت أي عقد من العقود الشرعية المسماة.
وبما أن المعقود عليه ليس مالاً ولا منفعة ولا حقاً مالياً يجوز الاعتياض عنه فإنه عقد غير جائز شرعاً.
وبما أن هذه العقود لا تجوز ابتداءً فلا يجوز تداولها.
ثالثاً: التعامل بالسلع والعملات والمؤشرات في الأسواق المنظمة:
1- السلع:
يتم التعامل بالسلع في الأسواق المنظمة بإحدى أربع طرق هي التالية:
الطريقة الأولى:(17/260)
أن يتضمن العقد حق تسلم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع وجود السلع أو إيصالات ممثلة لها في ملك البائع وقبضه.
وهذا العقد جائز شرعاً بشروط البيع المعروفة.
الطريقة الثانية:
أن يتضمن العقد حق تسلم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع إمكانهما بضمان هيئة السوق.
وهذا العقد جائز شرعاً بشروط البيع المعروفة.
الطريقة الثالثة:
أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم وأن يتضمن شرطاً يقتضي أن ينتهي فعلاً بالتسليم والتسلم.
وهذا العقد غير جائز لتأجيل البدلين، ويمكن أن يعدل ليستوفي شروط السلم المعروفة، فإذا استوفى شروط السلم جاز.
وكذلك لا يجوز بيع السلعة المشتراة سلماً قبل قبضها.
الطريقة الرابعة:
أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم دون أن يتضمن العقد شرطاً يقتضي أن ينتهي بالتسليم والتسلم الفعليين، بل يمكن تصفيته بعقد معاكس.
وهذا هو النوع الأكثر شيوعاً في أسواق السلع، وهذا العقد غير جائز أصلاً.
2- التعامل بالعملات:
يتم التعامل بالعملات في الأسواق المنظمة بإحدى الطرق الأربع المذكورة في التعامل بالسلع.
ولا يجوز شراء العملات وبيعها بالطريقتين الثالثة والرابعة.
أما الطريقتان الأولى والثانية فيجوز فيهما شراء العملات وبيعها بشرط استيفاء شروط الصرف المعروفة.
3- التعامل بالمؤشر:
المؤشر هو رقم حسابي يحسب بطريقة إحصائية خاصة يقصد منه معرفة حجم التغير في سوق معينة، وتجري عليه مبايعات في بعض الأسواق العالمية.
ولا يجوز بيع وشراء المؤشر لأنه مقامرة بحتة وهو بيع شيء خيالي لا يمكن وجوده.
4- البديل الشرعي للمعاملات المحرمة في السلع والعملات:
ينبغي تنظيم سوق إسلامية للسلع والعملات على أساس المعاملات الشرعية وبخاصة بيع السلم والصرف، والوعد بالبيع في وقت آجل، والاستصناع، وغيرها.
ويرى المجمع ضرورة القيام بدراسة وافية لشروط هذه البدائل وطرائق تطبيقها في سوق إسلامية منظمة.
رابعاً: بطاقة الائتمان:
أ- تعريفها:
بطاقة الائتمان هي مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعي أو اعتباري - بناء على عقد بينهما - يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع. ومن أنواع هذا المستند ما يمكن من سحب نقود من المصارف. ولبطاقات الائتمان صور:
-منها ما يكون السحب أو الدفع بموجبها من حساب حاملها في المصرف وليس من حساب المصدر فتكون بذلك مغطاة. ومنها ما يكون الدفع من حساب المصدر ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية.
-ومنها ما يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع خلال فترة محددة من تاريخ المطالبة. ومنها ما لا يفرض فوائد.
- وأكثرها يفرض رسماً سنوياً على حاملها ومنها ما لا يفرض فيه المصدر رسماً.
ب- التكييف الشرعي لبطاقات الائتمان:
بعد التداول قرر المجلس تأجيل البت في التكييف الشرعي لبطاقات الائتمان وحكمها إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة.
والله أعلم(17/261)
قرار رقم: 60 (11/6)
بشأن
السندات
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع (ع 6، ج2 ص 1273ع 7 ج1 ص73)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان 1410هـ الموافق 14-20آزار (مارس) 1990م،
بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في ندوة الأسواق المالية المنعقدة في الرباط 20 - 24 ربيع الثاني 1410 هـ / 20 - 24 /10 / 1989 م بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية، وباستضافة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية،
وبعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق، مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند، أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغاً مقطوعاً أم حسماً،
قرر ما يلي:
أولاً: إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغاً مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول، لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة. ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً.
ثانياً: تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها حسماً لهذه السندات.
ثالثاً كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاً اُشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين، أو لبعضهم لا على التعيين، فضلاً عن شبهة القمار.
رابعاً: من البدائل للسندات المحرمة - إصداراً أو شراءً أو تداولاً - السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين، بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع، وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلاً. ويمكن الاستفادة في هذا من الصيغة التي تم اعتمادها بالقرار رقم 30 (5/4) لهذا المجمع بشأن سندات المقارضة.
والله أعلم(17/262)
قرار رقم: 96 (4/10)
بشأن
بطاقة الائتمان
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع (ع 8، ج2 ص 571 وع 10 ج ص)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر بجدة في المملكة العربية السعودية خلال الفترة من 23-28 صفر 1418هـ الموافق 28 - حزيران (يونيو) - 3 تموز (يوليو) 1997م،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع بطاقة الائتمان، واستماعه للمناقشات التي دارت حول الموضوع من الفقهاء والاقتصاديين،
قرر ما يلي:
أ- تكليف الأمانة العامة إجراء مسح ميداني لجميع نماذج الشروط والاتفاقيات للبطاقات التي تصدرها البنوك.
ب - تشكيل لجنة تقوم بدراسة صيغ البطاقات لتحديد خصائصها وفروقها وضبط التكييفات الشرعية لها، وذلك بعد توفير المصادر العربية والأجنبية عن أنواع البطاقات.
ج - عقد حلقة بحث لمناقشة الموضوع في ضوء التحضيرات السابقة وإعداد نتائج متكاملة عنه لعرضها على الدورة القادمة.
ويوصي بما يلي:
أ- ضرورة إعادة صياغة المصطلحات الاقتصادية ذات العلاقة والأبعاد الشرعية فيما يتعلق بالمعاملات الجائزة والمحرمة بما يناسب حقيقتها، ويكشف عن ماهيتها.
وإيثار ما له وجود في المصطلح الشرعي على غيره، بحيث يترسخ لفظه ومعناه، خصوصاً ما تكون له آثار حُكْمية شرعية، لتقويم صياغة المصطلحات الاقتصادية، وانسجامها مع المصطلحات الفقهية، واستخراجها من تراث الأمة ومفاهيمها الشرعية.
ب- مناشدة الجهات المعنية في البلاد الإسلامية منع البنوك من إصدار بطاقات الإئتمان الربوية، صيانة للأمة من الوقوع في مستنقع الربا المحرم، وحفظاً للاقتصاد الوطني وأموال الأفراد.
ج- إيجاد هيئة شرعية ومالية واقتصادية تكون مسؤوليتها حماية الأفراد من استغلال البنوك والمحافظة على حقوقهم، في حدود الأحكام الشرعية، والسياسة المالية لحماية الاقتصاد الوطني، ووضع لوائح مُحْكمة لحماية المجتمع والأفراد من استغلال البنوك لتفادي النتائج الوخيمة المترتبة على ذلك. والله الموفق(17/263)
قرار رقم: 88 (5/9)
بشأن
المناقصات
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع (ع 9، ج1 ص 179)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1- 6 ذي القعدة 1415هـ الموافق 1- 6 نيسان (أبريل) 1995م،
بعد اطلاعه على البحثين الواردين إلى المجمع بخصوص موضوع المناقصات،
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
وجرياً على خطة المجمع في وجوب إعداد عدد من الدراسات في كل موضوع لاستقصاء التصورات الفنية له، واستيعاب الاتجاهات الفقهية فيه،
قرر ما يلي:
أولاً: تأجيل إصدار القرار الخاص بالنقاط التي درست في هذا الموضوع، نظراً لأهميته، وضرورة استكمال بحث جميع جوانبه وتغطية كل تفصيلاته، والتعرف على جميع الآراء فيه، واستيفاء المجالات التي تجرى المناقصات من أجلها، ولا سيما ما هو حرام منها كالأوراق المالية الربوية وسندات الخزانة.
ثانياً: أن يقوم أعضاء المجمع وخبراؤه بموافاة الأمانة العامة - قبل انتهاء الدورة إن أمكن أو خلال فترة قريبة بعدها - بما لديهم من نقاط فنية أو شرعية تتعلق بموضوع (المناقصات) سواء تعلقت بالإجراءات أم بالصيغ والعقود التي تقام المناقصة لإبرامها.
ثالثاً: استكتاب أبحاث أخرى في موضوع (المناقصات) يسهم فيها أهل الخبرات الفنية والفقهية والعملية في هذا الموضوع. والله الموفق(17/264)
قرار رقم: 87 (4/9)
بشأن
الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع (ع 9، ج2 ص5 وع 6 ج2 ص 273 وع7 ج1 ص 73)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1- 6 ذي القعدة 1415هـ الموافق 1- 6 نيسان (أبريل) 1995م،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية، التي تبين منها أن الموضوع تضمن بين عناصره مسألة شراء أسهم الشركات، التي غرضها وأنشطتها الأساسية مشروعة لكنها تقترض أو تودع أموالها بالفائدة وهي لم يقع البت في أمرها، بالرغم من عقد ندوتين لبحثها، وصدور قرار مبدئي فيها للمجمع في دورته السابعة، ثم قرار لاحق في دورته الثامنة بأن تقوم الأمانة العامة باستكتاب المزيد من البحوث في هذا الموضوع ليتمكن من اتخاذ القرار المناسب في دورة قادمة،
وبعد الشروع في المناقشات التي دارت حوله، تبين أن الموضوع يحتاج إلى الدراسات المتعددة المعمقة، لوضع الضوابط المتعلقة بهذا النوع من الشركات الذي هو الأكثر وقوعاً داخل البلاد الإسلامية وخارجها،
قرر ما يلي:
أولاً: تأجيل النظر في هذا الموضوع، على أن يعد فيه مزيد من الدراسات والأبحاث بخصوصه وتستوعب فيه الجوانب الفنية والشرعية. وذلك ليتمكن المجمع من اتخاذ القرار المناسب فيه حسب توصية الدورة الثامنة.
ثانياً: الاستفادة مما تضمنته الأبحاث الثلاثة عن الصناديق والإصدارات الاستثمارية لإعداد اللائحة الموصى بوضعها في القرار 30 (5/4) . والله الموفق.(17/265)
قرار رقم: 72 (3/8)
بشأن
بيع العربون
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع (ع 8، ج1 ص 641)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سيري بيجوان، بروناي دار السلام من 1- 7 محرم 1414هـ الموافق 21- 27 حزيران (يونيو) 1993م،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع بيع العربون،
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي:
1- المراد ببيع العربون بيع السلعة مع دفع المشتري مبلغاً من المال إلى البائع على أنه إن أخذ السلعة احتسب المبلغ من الثمن وإن تركها فالمبلغ للبائع.
ويجري مجرى البيع الإجارة، لأنها بيع المنافع. ويستثنى من البيوع كل ما يشترط لصحته قبض أحد البدلين في مجلس العقد (السلم) أو قبض البدلين (مبادلة الأموال الربوية والصرف) ولا يجري في المرابحة للآمر بالشراء في مرحلة المواعدة ولكن يجري في مرحلة البيع التالية للمواعدة.
2- يجوز بيع العربون إذا قُيدّت فترة الانتظار بزمن محدود. ويحتسب العربون جزءاً من الثمن إذا تم الشراء، ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري عن الشراء. والله أعلم.(17/266)
رقم القرار: 3
رقم الدورة: 16
بشأن حماية الحسابات الاستثمارية في المصارف الإسلامية
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن حماية الحسابات الاستثمارية في المصارف الإسلامية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في المدة من 21-26/10/1422هـ الذي يوافقه من: 5-10/1/2002م، قد نظر في موضوع حماية الحسابات الاستثمارية في المصارف الإسلامية، وبعد استعراض البحوث التي قدمت، والمناقشات المستفيضة حول الموضوع، قرر ما يلي:
أولاً: إن حماية الحسابات الاستثمارية في المصارف الإسلامية بوجهيها الوقائي والعلاجي أمر مطلوب ومشروع، إذا استخدمت لتحقيقه الوسائل المشروعة؛ لأنه يحقق مقصد الشريعة في حفظ المال.
ثانيًا: يجب على المصارف الإسلامية أن تتبع في أثناء إدارتها لأموال المستثمرين الإجراءات والوسائل الوقائية المشروعة والمعروفة في العرف المصرفي، لحماية الحسابات الاستثمارية، وتقليل المخاطر.
ثالثًا: إذا وقع المصرف المضارب في خسارة، فإن المجمع يؤكد القرار السادس له في دورته الرابعة عشرة، المنعقدة بتاريخ: 20/8/1415هـ، والقاضي بأن: (الخسارة في مال المضاربة على رب المال في ماله، ولا يسأل عنها المضارب إلا إذا تعدى على المال أو قصر في حفظه، وبذل العناية المطلوبة عرفًا في التعامل به) .
رابعًا: يحث المجمع الجهات العلمية، والمالية، والرقابية، على العمل على تطوير المعايير والأسس المحاسبية الشرعية التي يمكن من خلالها التحقق من وقوع التعدي أو التفريط، كما يحث الحكومات على إصدار الأنظمة والتعليمات اللازمة لذلك. خامسًا: يجوز لأرباب الأموال أصحاب الحسابات الاستثمارية التأمين على حساباتهم الاستثمارية تأمينًا تعاونيًّا، بالصيغة الواردة في القرار الخامس للمجمع في دورته الأولى من عام 1398هـ.
والله ولي التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد.(17/267)
رقم القرار: 1
رقم الدورة: 16
بشأن موضوع بيع الدين
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن موضوع بيع الدين:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في المدة من 21-26/10/1422هـ الذي يوافقه: 5-10/1/2002م، قد نظر في موضوع: (بيع الدين) . وبعد استعراض البحوث التي قدمت، والمناقشات المستفيضة حول الموضوع، وما تقرر في فقه المعاملات من أن البيع في أصله حلال، لقوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) [البقرة: 275] . ولكن البيع له أركان وشروط لابد من تحقق وجودها، فإذا تحققت الأركان والشروط وانتفت الموانع كان البيع صحيحًا، وقد اتضح من البحوث المقدمة أن بيع الدين له صور عديدة؛ منها ما هو جائز، ومنها ما هو ممنوع، ويجمع الصور الممنوعة وجود أحد نوعي الربا: ربا الفضل، وربا النّساء، في صورة مّا، مثل بيع الدين الربوي بجنسه، أو وجود الغرر الذي يفسد البيع؛ كما إذا ترتب على بيع الدين عدم القدرة على التسليم ونحوه؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ. وهناك تطبيقات معاصرة في مجال الديون تتعامل بها بعض المصارف والمؤسسات المالية، بعض منها لا يجوز التعامل به؛ لمخالفته للشروط والضوابط الشرعية الواجبة في البيوع.
وبناء على ذلك قرر المجمع ما يلي:
أولاً: من صور بيع الدين الجائزة: بيع الدين للمدين نفسه بثمن حَالّ؛ لأن شرط التسليم متحقق؛ حيث إن ما في ذمته مقبوض حكمًا، فانتفي المانع من بيع الدين، الذي هو عدم القدرة على التسليم.
ثانيًا: من صور بيع الدين غير الجائزة:
أ- بيع الدين للمدين بثمن مؤجل أكثر من مقدار الدين؛ لأنه صورة من صور الربا، وهو ممنوع شرعًا، وهو ما يطلق عليه (جدولة الدين) .
ب- بيع الدين لغير المدين بثمن مؤجل من جنسه، أو من غير جنسه؛ لأنها من صور بيع الكالئ بالكالئ (أي الدين بالدين) الممنوع شرعًا.
ثالثًا: بعض التطبيقات المعاصرة في التصرف في الديون:
أ- لا يجوز حسم الأوراق التجارية (الشيكات، السندات الإذنية، الكمبيالات) ؛ لما فيه من بيع الدين لغير المدين على وجه يشتمل على الربا.
ب- لا يجوز التعامل بالسندات الربوية إصدارًا، أو تداولاً، أو بيعًا؛ لاشتمالها على الفوائد الربوية.
ج- لا يجوز توريق (تصكيك) الديون بحيث تكون قابلة للتداول في سوق ثانوية؛ لأنه في معنى حسم الأوراق التجارية المشار لحكمه في الفقرة (أ) .
رابعًا: يرى المجمع أن البديل الشرعي لحسم الأوراق التجارية، وبيع السندات، هو بيعها بالعروض (السلع) شريطة تسلم البائع إياها عند العقد، ولو كان ثمن السلعة أقل من قيمة الورقة التجارية؛ لأنه لا مانع شرعًا من شراء الشخص سلعة بثمن مؤجل أكثر من ثمنها الحالي.
خامسًا: يوصي المجمع بإعداد دراسة عن طبيعة موجودات المؤسسات المالية الإسلامية، من حيث نسبة الديون فيها، وما يترتب على ذلك من جواز التداول أو عدمه.
والله ولي التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد.(17/268)
رقم القرار: 4
رقم الدورة: 15
بشأن حكم بيع التورُّق
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن حكم بيع التورُّق:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، التي بدأت يوم السبت 11رجب1419هـ الموافق 31/10/1998م قد نظر في موضوع حكم بيع التورُّق. وبعد التداول والمناقشة، والرجوع إلى الأدلة، والقواعد الشرعية، وكلام العلماء في هذه المسألة قرر المجلس ما يلي:
أولاً: أن بيع التورُّق: هو شراء سلعة في حوزة البائع وملكه، بثمن مؤجل، ثم يبيعها المشتري بنقد لغير البائع، للحصول على النقد (الورق) .
ثانيًا: أن بيع التورق هذا جائز شرعًا، وبه قال جمهور العلماء، لأن الأصل في البيوع الإباحة، لقول الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) [البقرة: 275] . ولم يظهر في هذا البيع ربًا لا قصدًا ولا صورة، ولأن الحاجة داعية إلى ذلك لقضاء دين، أو زواج أو غيرهما.
ثالثًا: جواز هذا البيع مشروط بألاَّ يبيع المشتري السلعة بثمن أقل مما اشتراها به على بائعها الأول، لا مباشرة ولا بالواسطة، فإن فعل فقد وقعا في بيع العينة، المحرَّم شرعًا، لاشتماله على حيلة الربا فصار عقدًا محرمًا.
رابعًا: إن المجلس- وهو يقرر ذلك- يوصي المسلمين بالعمل بما شرعه الله سبحانه لعباده من القرض الحسن من طيب أموالهم، طيبة به نفوسهم، ابتغاء مرضاة الله، لا يتبعه منّ ولا أذى، وهو من أجل أنواع الإنفاق في سبيل الله تعالى، لما فيه من التعاون والتعاطف، والتراحم بين المسلمين، وتفريج كرباتهم، وسد حاجاتهم، وإنقاذهم من الإثقال بالديون، والوقوع في المعاملات المحرمة، وإن النصوص الشرعية في ثواب الإقراض الحسن، والحث عليه كثيرة لا تخفى، كما يتعين على المستقرض التحلي بالوفاء، وحسن القضاء وعدم المماطلة.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه سلم تسليمًا كثيرًا. والحمد لله رب العالمين.(17/269)
رقم القرار: 6
رقم الدورة: 14
بشأن مدى مسئولية المضارب ومجالس الإدارة عما يحدث من الخسارة
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن مدى مسئولية المضارب ومجالس الإدارة عما يحدث من الخسارة:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الرابعة عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة، والتي بدأت يوم السبت 20شعبان1415هـ-21/1/1995م: قد نظر في هذا الموضوع وأصدر القرار التالي: الخسارة في مال المضاربة على رب المال في ماله، ولا يسأل عنها المضارب، إلاّ إذا تعدى على المال، أو قصر في حفظه، لأن مال المضاربة مملوك لصاحبه، والمضارب أمين عليه ما دام في يده، ووكيل في التصرف فيه، والوكيل والأمين لا يضمنان، إلاّ في حالة التعدي، أو التقصير. والمسئول عما يحدث في البنوك، والمؤسسات المالية، ذات الشخصية الاعتبارية، هو مجلس الإدارة، لأنه هو الوكيل عن المساهمين في إدارة الشركة، والممثل للشخصية الاعتبارية، والحالات التي يسأل فيها مجلس الإدارة عن الخسارة التي تحدث في مال المضاربة، هي نفس الحالات التي يسأل فيها المضارب (الشخص الطبيعي) ، فيكون مجلس الإدارة مسئولاً أمام أرباب المال عن كل ما يحدث في مال المضاربة، من خسارة بتعدٍّ أو تقصير منه، أو من موظفي المؤسسة، وضمان مجلس الإدارة يكون من أموال المساهمين، ثم إذا كان التعدي أو التقصير من أحد الموظفين، فعلى مجلس الإدارة محاسبته، أما إذا كان التعدي أو القصير من مجلس الإدارة نفسه، فمن حق المساهمين أن يحاسبوه.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. والحمد لله رب العالمين.(17/270)
رقم القرار: 4
رقم الدورة: 14
بشأن حكم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن حكم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الرابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، والتي بدأت يوم السبت 20 من شعبان 1415هـ -21/1/1995م؛ قد نظر في هذا الموضوع وقرر ما يلي:
1- بما أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مباحة أمر جائز شرعًا.
2- لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم، كالتعامل بالربا أو تصنيع المحرمات أو المتاجرة فيها.
3- لا يجوز لمسلم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا، وكان المشتري عالمًا بذلك.
4- إذا اشترى شخص وهو لا يعلم أن الشركة تتعامل بالربا، ثم علم فالواجب عليه الخروج منها.
والتحريم في ذلك واضح، لعموم الأدلة من الكتاب والسنة في تحريم الربا، ولأن شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا مع علم المشتري بذلك، يعني اشتراك المشتري نفسه في التعامل بالربا، لأن السهم يمثل جزءًا شائعًا من رأس مال الشركة، والمساهم يملك حصة شائعة في موجودات الشركة، فكل مال تقرضه الشركة بفائدة، أو تقترضه بفائدة، فللمساهم نصيب منه، لأن الذين يباشرون الإقراض والاقتراض بالفائدة يقومون بهذا العمل نيابة عنه، والتوكيل بعمل المحرم لا يجوز.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا. والحمد لله رب العالمين.(17/271)
رقم القرار: 1
رقم الدورة: 13
بشأن موضوع المواعدة ببيع العملات بعضها ببعض، وهل يجوز أن يقوم المصرف، أو الشركة، بترتيب عمليات شراء مستقبلي لصالح أحد العملاء بطلب منه؟
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن موضوع المواعدة ببيع العملات بعضها ببعض، وهل يجوز أن يقوم المصرف، أو الشركة، بترتيب عمليات شراء مستقبلي لصالح أحد العملاء بطلب منه؟:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الثالثة عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة، والتي بدأت يوم السبت 5 شعبان 1412هـ الموافق 8/2/1992م. قد نظر في موضوع: بيع العملات بعضها ببعض، وتوصل إلى النتائج التالية:
أولاً: أن بيع عملة بعملة أخرى يعتبر صرفًا.
ثانياً: إذا تم عقد الصرف بشروطه الشرعية، وخاصة التقابض في مجلس العقد، فالعقد جائز شرعًا.
ثالثًا: إذا تم عقد الصرف، مع الاتفاق على تأجيل قبض البدلين أو أحدهما إلى تاريخ معلوم في المستقبل، بحيث يتم تبادل العملتين معًا في وقت واحد، في التاريخ المعلوم، فالعقد غير جائز، لأن التقابض شرط لصحة تمام العقد، ولم يحصل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. والحمد لله رب العالمين.(17/272)
رقم القرار: 6
رقم الدورة: 11
بشأن: 1- قيام الشيك مقام القبض، في صرف النقود بالتحويل في المصارف. 2- الاكتفاء بالقيد في دفاتر المصرف عن القبض، من يريد استبدال عملة بعملة أخرى مودعة في المصرف.
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن: 1- قيام الشيك مقام القبض، في صرف النقود بالتحويل في المصارف. 2- الاكتفاء بالقيد في دفاتر المصرف عن القبض، من يريد استبدال عملة بعملة أخرى مودعة في المصرف:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الحادية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من يوم الأحد 13رجب 1409هـ الموافق 19 فبراير 1989م إلى يوم الأحد 20 رجب 1409هـ الموافق 26 فبراير 1989م قد نظر في موضوع: 1- صرف النقود في المصارف، هل يستغنى فيه عن القبض بالشيك، الذي يتسلمه مريد التحويل؟ 2- هل يكتفي بالقيد في دفاتر المصرف، عن القبض، لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى مودعة في المصرف؟ وبعد البحث والدراسة قرر المجلس بالإجماع ما يلي:
أولاً: يقوم استلام الشيك مقام القبض، عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف.
ثانيًا: يعتبر القيد في دفاتر المصرف، في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى، سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف أو بعملة مودعة فيه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. والحمد لله رب العالمين.(17/273)
رقم القرار: 5
رقم الدورة: 10
بشأن بحث المستشار القانوني إبراهيم بن عبد الله الناصر، بعنوان: (موقف الشريعة الإسلامية من المصارف)
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425
29/11/2004
بشأن بحث المستشار القانوني إبراهيم بن عبد الله الناصر، بعنوان: (موقف الشريعة الإسلامية من المصارف) :
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته العاشرة، المنعقدة في مكة المكرمة، في الفترة من يوم السبت 24صفر 1408هـ الموافق 17 أكتوبر 1987 إلى يوم الأربعاء 28 صفر 1408هـ الموافق 21 أكتوبر 1987م قد اطلع على البحث الذي نشره المستشار القانوني، بمؤسسة النقد السعودي: إبراهيم بن عبد الله الناصر، بعنوان: (موقف الشريعة الإسلامية من المصارف) . الذي يدعي فيه إباحة القرض بفائدة والمضاربة بالرسم المحدود. والمجمع يستنكر بشدة هذا البحث:
أولاً: لخروجه على الكتاب والسنة والإجماع بإباحته القرض بفائدة، حيث اعتبره الباحث مغايرًا لربا الجاهلية، الذي نزل بسببه القرآن.
ثانيًا: لجهله أو تجاهله، بما علم من الدين بالضرورة، وقلبه للحقائق، حيث اعتبر معاملة المقترض بفائدة مع المصرف، تجارة مباحة، ومضاربة مشروعة.
ثالثًا: لمخالفته اتفاق الفقهاء، بإباحته المضاربة بالربح المحدود، متمسكًا بكلام لبعض المعاصرين، لا دليل عليه.
رابعًا: لدعواه الجريئة الظالمة، أنه لن تكون بنوك بلا فوائد، ولن تكون قوة إسلامية بلا بنوك، وأن المصارف التي تقرض بفائدة، مصلحة لا يتم العيش إلا بها. فإن الأمة الإسلامية-منذ نشأت- عاشت قوية بغير مصارف، والذي يدحض دعواه في هذا العصر، قيام المصارف الاستثمارية، في كثير من بلاد الإسلام. ودعواه أن هذه المصارف، التي تقرض بفائدة، مصلحة يحتاج الناس إليها مردود، بل الربا مفسدة، ولو صح أنه مصلحة فهي مصلحة ملغاة، بالأدلة المحرمة للربا.
خامسًا: تسميته لبحثه اجتهادًا، مع أنه اجتهاد باطل، لمخالفته النصوص الواضحة، والإجماعات القاطعة، وترويج للشبه، والحجج الزائفة، بنقله عن الجهلة لمقاصد الشريعة: أن الربا تعويض عن حرمان المقرض بماله مدة القرض، وهي من شبه اليهود في إحلالهم الربا.
والمجمع يناشد الذين يريدون الكتابة عن شريعة الإسلام، أن يتقوا الله، فلا يكتبوا إلا عن بينة، ولا يبحثوا إلا على بصيرة، ولا يفتحوا أبواب الشبه، ولا ينشروا الجهالات لئلا يصرفوا الناس عن الحق، ويلبسوا على المسلمين دينهم.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. وصلى الله على نبينا وسيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. والحمد لله رب العالمين.(17/274)
رقم القرار: 6
رقم الدورة: 5
حول العملة الورقية
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 15/10/1425
28/11/2004
حول العملة الورقية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع على البحث المقدم إليه في موضوع العملة الورقية، وأحكامها من الناحية الشرعية، وبعد المناقشة والمداولة بين أعضائه قرر ما يلي:
أولاً: أنه بناء على أن الأصل في النقد هو الذهب والفضة، وبناء على أن علة جريان الربا فيهما هي مطلق الثمنية في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة. وبما أن الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة، وإن كان معدنهما هو الأصل. وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمنًا، وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها، وبها تُقَوَّمُ الأشياء في هذا العصر، لاختفاء التعامل بالذهب والفضة، وتطمئن النفوس بتمولها وادخارها، ويحصل الوفاء والإبراء العام بها، رغم أن قيمتها ليست في ذاتها، وإنما في أمر خارج عنها، وهو حصول الثقة بها، كوسيط في التداول والتبادل، وذلك هو سر مناطها بالثمنية. وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية، وهي متحققة في العملة الورقية، لذلك كله، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، يقرر: أن العملة الورقية نقد قائم بذاته، له حكم النقدين من الذهب والفضة، فتجب الزكاة فيها، ويجري الربا عليها بنوعيه، فضلاً ونسيئةً، كما يجري ذلك في النقدين من الذهب والفضة تمامًا، باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياسًا عليهما، وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها.
ثانيًا: يعتبر الورق النقدي نقدًا قائمًا بذاته، كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان، كما يعتبر الورق النقدي أجناسًا مختلفة، تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة، بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس. وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وبذلك يجري فيها الربا بنوعيه فضلاً ونسيئةً، كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة وفي غيرهما من الأثمان. وهذا كله يقتضي ما يلي:
(أ) لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض، أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى، من ذهب أو فضة أو غيرهما، نسيئة مطلقًا. فلا يجوز مثلاً بيع ريال سعودي بعملة أخرى متفاضلاً نسيئة بدون تقابض.
(ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلاً، سواء كان ذلك نسيئة أو يدًا بيد، فلا يجوز مثلاً بيع عشرة ريالات سعودية ورقًا، بأحد عشر ريالاً سعودية ورقًا، نسيئة أو يدًا بيد.(17/275)
(ج) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقًا، إذا كان ذلك يدًا بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي ورقًا كان أو فضة، أو أقل من ذلك، أو أكثر. وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة ريالات سعودية، أو أقل من ذلك، أو أكثر، إذا كان ذلك يدًا بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاثة ريالات سعودية ورق، أو أقل من ذلك أو أكثر يدًا بيد؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، لا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة.
ثالثًا: وجوب زكاة الأوراق النقدية، إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة.
رابعًا: جواز جعل الأوراق النقدية رأس مال في بيع السلم، والشركات. والله أعلم. وبالله التوفيق. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(17/276)
أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الأول ص88-93
قرار هيئة كبار العلماء
رقم (10) وتاريخ17/4/1393هـ
الورق النقدي
هيئة كبار العلماء 22/8/1426
26/09/2005
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فبناء على توصية رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، والأمين العام لهيئة كبار العلماء -بدراسة موضوع الورق النقدي من قبل هيئة كبار العلماء؛ استناداً إلى المادة السابعة من لائحة سير العمل في الهيئة التي تنص على أن ما يجري بحثه في مجلس الهيئة يتم بطلب من ولي الأمر، أو بتوصية من الهيئة، أو من أمينها، أو من رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، أو من اللجنة الدائمة المتفرعة عن الهيئة- فقد جرى إدراج الموضوع في جدول أعمال الهيئة لدورتها الثالثة المنعقدة فيما بين1/4/1393هـ و 17/4/1393هـ، وفي تلك الدورة جرى دراسة الموضوع بعد الاطلاع على البحث المقدم عنه من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
وبعد استعراض الأقوال الفقهية التي قيلت في حقيقة الأوراق النقدية من اعتبارها أسناداً، أو عروضاً، أو فلوساً، أو بدلاً عن ذهب أو فضة، أو نقداً مستقلاً بذاته، وما يترتب على تلك الأقوال من أحكام شرعية - جرى تداول الرأي فيها، ومناقشة ما على كل قول منها من إيرادات. فتنتج عن ذلك العديد من التساؤلات التي تتعلق بالإجراءات المتخذة من قبل الجهات المصدرة لها: وحيث أن الموضوع من المسائل التي تقضي المادة العاشرة من لائحة سير عمل الهيئة بالاستعانة بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والأنظمة العامة بما في ذلك القضايا البنكية والتجارية والعمالية، فإن عليها أن تشرك في البحث معها واحداً أو أكثر من المتخصصين في تلك العلوم- فقد جرى استدعاء سعادة محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور أنور علي، وحضر معه الدكتور عمر شابريه أحد المختصين في العلوم الاقتصادية، ووجهت إلى سعادته الأسئلة التالية:
س1:هل تعتبر مؤسسة النقد ورق النقد السعودي نقداً قائماً بذاته أم تعتبره سندات تتعهد الدولة بدفع قيمتها لحاملها، كما هو مدون على كل فئة من فئات أوراق النقد السعودي، وإذا لم يرد معنى هذه العبارة، فما معنى الالتزام بتسجيلها على كل ورقة، وهل يعني ذلك التعهد أن ورق النقد السعودي مغطى بريالات فضية أم لا؟
س2: هل لكل عملة ورقية غطاء مادي محفوظ في خزائن مصدريها، إذا كان كذلك فهل هو غطاء كامل أم غطاء للبعض فقط، وإذا كان غطاء للبعض فما هو الحد الأعلى للتغطية، وما هو الحد الأدنى لها؟
س3:ما نوع غطاء العملات الورقية، وهل توجد عملة لأي دولة ما مغطاة بالفضة، وله هناك جهات إصدار تخلت عن فكرة التغطية المادية مطلقاً؟
س4:المعروف أن الورقة لا قيمة لها في ذاتها، وإنما قيمتها في الخارج عنها، فما هي مقومات هذه القيمة؟
س5:نرغب في شرح نظرية غطاء النقد بصفة عامة، وما هي مقومات اعتبار العملة الورقية على الصعيدين الدولي والمحلي؟
س6:هل الغطاء لا يكون إلا بالذهب، وإذا كان بالذهب وغيره فهل غير الذهب فرع عن الذهب باعتبار أنه قيمة له، وهل يكفي للغطاء ملاءة ومتانة اقتصادها وقوتها ولو لم يكن لنقدها رصيد؟(17/277)
س7:ما يسمى بالدينار، والجنيه هل هو مغطى بالذهب؛ ولذا سمي ديناراً أو جنيهاً رمزاً لما غطي به، ومثله الريال السعودي هل هو مغطى بفضة أم أن هذه التسميات يقصد منها المحافظة على التسميات القديمة للعمل المتداولة فيما مضى بغض النظر عمّا هي مستندة عليه من ذهب أو فضة؟
س8: ما السبب في عدم الثقة في النقد المتداول اليوم مما أدى إلى ارتفاع الذهب ارتفاعاً لم يسبق له نظير؟
وإجابة سعادته عنها بواسطة المترجم القائد الدكتور أحمد المالك إجابة جرى رصد خلاصتها في محضر الجلسة مع سعادته، وقد توصلت بها الأكثرية من الهيئة إلى الاقتناع بما ارتأته فيها من رأي.
ثم بعد إعادة النظر في الأقوال الفقهية التي قيلت فيها على ضوء الإيضاحات التي ذكرها سعادة المحافظ- قرر المجلس بالأكثرية ما يلي:
بناء على أن النقد هو كل شيء يجري اعتباره في العادة أو الاصطلاح، بحيث يلقى قبولاً عاماً كوسيط للتبادل، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال (وأما الدرهم والدينار فما يعرف له حد طبعي ولا شرعي، بل مرجعه إلى العادة والاصطلاح؛ وذلك لأنه في الأصل لا يتعلق المقصود به، بل الغرض أن يكون معياراً لما يتعاملون به، والدراهم والدنانير لا تقصد لنفسها، بل هي وسيلة إلى التعامل بها؛ ولهذا كانت أثماناً..إلى أن قال: والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض، لا بمادتها ولا بصورتها يحصل بها المقصود كيفما كانت) اهـ. (1)
وذكر نحو ذلك الإمام مالك في [المدونة] من كتاب الصرف حيث قال: (ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة) اهـ (1) .
وحيث أن الورق النقدي يلقى قبولاً عاماً في التداول، ويحمل خصائص الأثمان من كونه مقياساً للقيم ومستودعاً للثروة، وبه الإبراء العام، وحيث ظهر من المناقشة مع سعادة المحافظ: أن صفة السندية فيها غير مقصودة، والواقع يشهد بذلك ويؤكده، كما ظهر أن الغطاء لا يلزم أن يكون شاملاً لجميع الأوراق النقدية، بل يجوز في عرف جهات الإصدار أن يكون جزء من عملتها بدون غطاء، وأن الغطاء لا يلزم أن يكون ذهباً، بل يجوز أن يكون من أمور عدة الذهب والعملات الورقية القوية، وأن الفضة ليست غطاء كليّاً أو جزيئاً لأي عملة في العالم، كما اتَّضح أن مقومات الورقة النقديه قوة وضعفاً مستمدة مما تكون عليه حكومتها من حال اقتصادية، فتقوى الورقة بقوة دولتها وتضعف بضعفها، وأن الخامات المحلية؛ كالبترول والقطن والصوف لم تعتبر حتى الآن لدى أي من جهات الإصدار.
(ج) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقاً، إذا كان ذلك يداً بيد، يجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي، ورقاً كان أو فضة، أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر إذا كان ذلك يداً بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاثة أريلة سعودية ورق أو أقل أو أكثر يداً بيد؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنس ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة.
ثانياً: وجوب زكاتها إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لأهل وجوبها.(17/278)
ثالثاً: جواز جعلها رأس مال في السلم والشركات.
والله أعلم، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة الثالثة
محمد الأمين الشنقيطي [متوقف]
عبد الله خياط
عبد الله بن حميد
[متوقف]
عبد الرزاق عفيفي
[لي وجهة نظر أخرى في الأوراق النقدية أقدم بها بياناً إن شاء الله]
عبد العزيز بن باز
عبد العزيز بن صالح
عبد المجيد حسن
محمد الحركان
سليمان بن عبيد
إبراهيم محمد آل الشيخ
صالح بن غصون
راشد بن خنين
عبد الله بن غديان [متوقف]
محمد بن جبير
عبد الله بن منيع
صالح بن لحيدان [متوقف](17/279)
استفادة الهيئات الخيرية من عوائد الحسابات الربوية
قرارات المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث 24/4/1426
01/06/2005
قرار المجلس:
عموم المسلمين في الغرب لا يجدون مناصًا من فتح حسابات في البنوك الربوية، ومعلوم أن هذه الحسابات تترتب عليها زيادات ربوية تلحق بحساباتهم، فيجدون أنفسهم بين خيارين: إما ترك هذه الفوائد للبنك، وفي هذا تفويت مصلحة للمسلمين، وربما كانت عونًا لمؤسسات تبشيرية، وإما أن يصرفوها في وجوه الخير العامة، وبما أن الحكم لا يتعلق بعين المال وإنما بطريقة تحصيله أو صرفه، فما كان منه حرامًا فحرمته في حق من اكتسبه بطريقة غير مشروعة، فالذي يحرم في شأن هذا المال الربوي هو أن ينتفع به الشخص لنفسه، أما بالنسبة للفقراء والجهات الخيرية فلا يكون حرامًا.
وبناء على ذلك، فإن المجلس لا يرى بأسًا من أن تسأل المؤسسة الخيرية أصحاب هذه الحسابات أن يمكنوها من تلك الأموال، كما لا يجد فرقًا في تحصيل هذه الأموال من أي جهة أخرى كالمؤسسات والبنوك وغير ذلك.
وينبغي للمؤسسة أن تتحاشى ما وسعها ذكر اسم البنك المتبرع على وجه الدعاية له، بسبب عدم مشروعية أصل عمله.
ولا مانع كذلك من أن يفتح حساب خاص تودع فيه تلك الأموال.
[الدورة السابعة](17/280)
حكم شراء المنازل بقرض بنكي ربوي للمسلمين في غير بلاد الإسلام
قرارات المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث 16/3/1426
25/04/2005
قرار المجلس:
نظر المجلس في القضية التي عمّت بها البلوى في أوروبا وفي بلاد الغرب كلها، وهي قضية المنازل التي تشترى بقرض ربوي بواسطة البنوك التقليدية.
وقد قُدمت إلى المجلس عدة أوراق في الموضوع ما بين مؤيد ومعارض، قرئت على المجلس، ثم ناقشها جميع الأعضاء مناقشة مستفيضة، انتهى بعدها المجلس بأغلبية أعضائه إلى ما يلي:
* يؤكد المجلس على ما أجمعت عليه الأمة من حرمة الربا، وأنه من السبع الموبقات، ومن الكبائر التي تؤذن بحرب من الله ورسوله، ويؤكد ما قررته المجامع الفقهية الإسلامية من أن فوائد البنوك هي الربا الحرام.
* يناشد المجلس أبناء المسلمين في الغرب أن يجتهدوا في إيجاد البدائل الشرعية، التي لا شبهة فيها، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، مثل (بيع المرابحة) الذي تستخدمه البنوك الإسلامية، ومثل تأسيس شركات إسلامية تنشئ مثل هذه البيوت بشروط ميسرة مقدورة لجمهور المسلمين، وغير ذلك.
* كما يدعو التجمعات الإسلامية في أوروبا أن تفاوض البنوك الأوروبية التقليدية؛ لتحويل هذه المعاملة إلى صيغة مقبولة شرعاً، مثل (بيع التقسيط) الذي يزاد فيه الثمن مقابل الزيادة في الأجل، فإن هذا سيجلب لهم عددًا كبيرًا من المسلمين يتعامل معهم على أساس هذه الطريقة، وهو ما يجري به العمل في بعض الأقطار الأوروبية، وقد رأينا عددًا من البنوك الغربية الكبرى تفتح فروعًا لها في بلادنا العربية تتعامل وفق الشريعة الإسلامية، كما في البحرين وغيرها.
* ويمكن للمجلس أن يساعد في ذلك بإرسال نداء إلى هذه البنوك؛ لتعديل سلوكها مع المسلمين.
وإذا لم يكن هذا ولا ذاك ميسراً في الوقت الحاضر، فإن المجلس في ضوء الأدلة والقواعد والاعتبارات الشرعية، لا يرى بأسًا من اللجوء إلى هذه الوسيلة، وهي القرض الربوي لشراء بيت يحتاج إليه المسلم لسكناه هو وأسرته، بشرط ألا يكون لديه بيت آخر يغنيه، وأن يكون هو مسكنه الأساسي، وألا يكون عنده من فائض المال ما يمكّنه من شرائه بغير هذه الوسيلة، وقد اعتمد المجلس في فتواه على مرتكزين أساسيين:
المرتكز الأول: قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) : وهي قاعدة متفق عليها، مأخوذة من نصوص القرآن في خمسة مواضع، منها قوله تعالى في سورة الأنعام: "وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه" [الآية: 119] ، ومنها قوله تعالى في نفس السورة بعد ذكر محرمات الأطعمة: "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم" [الآية: 145] ، ومما قرره الفقهاء هنا أن الحاجة قد تنزل منزلة الضرورة، خاصة كانت أو عامة.
والحاجة هي التي إذا لم تتحقق يكون المسلم في حرج وإن كان يستطيع أن يعيش، بخلاف الضرورة التي لا يستطيع أن يعيش بدونها، والله تعالى رفع الحرج عن هذه الأمة بنصوص القرآن، كما في قوله تعالى في سورة الحج: "وما جعل عليكم في الدين من حرج" [الآية: 78] ، وفي سورة المائدة: "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج" [الآية: 6] .
والمسكن الذي يدفع عن المسلم الحرج هو المسكن المناسب له في موقعه وفي سعته وفي مرافقه، بحيث يكون سكنًا حقًا.(17/281)
وإذا كان المجلس قد اعتمد على قاعدة الضرورة أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، فإنه لم ينس القاعدة الأخرى الضابطة والمكملة لها، هي أن (ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها) ، فلم يجز تملك البيوت للتجارة ونحوها.
والمسكن ولا شك ضرورة للفرد المسلم وللأسرة المسلمة، وقد امتن الله بذلك على عباده حين قال: "والله جعل لكم من بيوتكم سكنًا" [النحل: 80] ، وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم- السكن الواسع عنصراً من عناصر السعادة الأربعة أو الثلاثة، والمسكن المستأجر لا يلبي كل حاجة المسلم، ولا يشعره بالأمان، وإن كان يكلف المسلم كثيرًا بما يدفعه لغير المسلم، ويظل سنوات وسنوات يدفع أجرته ولا يملك منه حجرًا واحدًا، ومع هذا يظل المسلم عرضة للطرد من هذا المسكن إذا كثر عياله أو كثر ضيوفه، كما أنه إذا كبرت سنه أو قل دخله أو انقطع يصبح عرضة لأن يرمى به في الطريق.
وتملّك المسكن يكفي المسلم هذا الهم، كما أنه يمكّنه أن يختار المسكن قريبًا من المسجد والمركز الإسلامي، والمدرسة الإسلامية، ويهيئ فرصة للمجموعة المسلمة أن تتقارب في مساكنها عسى أن تنشئ لها مجتمعًا إسلاميًا صغيرًا داخل المجتمع الكبير، فيتعارف فيه أبناؤهم، وتقوى روابطهم، ويتعاونون على العيش في ظل مفاهيم الإسلام. كما أن هذا يمكّن المسلم من إعداد بيته وترتيبه بما يلبي حاجته الدينية والاجتماعية، ما دام مملوكًا له.
وهناك إلى جانب هذه الحالة الفردية لكل مسلم، الحاجة العامة لجماعة المسلمين الذين يعيشون أقلية خارج دار الإسلام، وهي تتمثل في تحسين أحوالهم المعيشية، حتى يرتفع مستواهم، ويكونوا أهلاً للانتماء إلى خير أمة أُخرجت للناس، ويغدوا صورة مشرفة للإسلام أمام غير المسلمين، كما تتمثل في أن يتحرروا من الضغوط الاقتصادية عليهم، ليقوموا بواجب الدعوة ويساهموا في بناء المجتمع العام، وهذا يقتضي ألا يظل المسلم يكد وينصب طول عمره من أجل دفع قيمة إيجار بيته ونفقات عيشه، ولا يجد فرصة لخدمة مجتمعه، أو نشر دعوته.
المرتكز الثاني: هو ما ذهب إليه أبو حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن الشيباني، وهو المُفْتَى به في المذهب الحنفي. وكذلك سفيان الثوري وإبراهيم النخعي، وهو رواية عن أحمد بن حنبل، ورجحها ابن تيمية - فيما ذكره بعض الحنابلة-: من جواز التعامل بالربا وغيره من العقود الفاسدة، بين المسلمين وغيرهم في غير دار الإسلام.
ويرجح الأخذ بهذا المذهب هنا عدة اعتبارات، منها:
(1) أن المسلم غير مكلف شرعًا أن يقيم أحكام الشرع المدنية والمالية والسياسية ونحوها مما يتعلّق بالنظام العام في مجتمع لا يؤمن بالإسلام؛ لأن هذا ليس في وسعه، ولا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها، وتحريم الربا هو من هذه الأحكام التي تتعلّق بهوية المجتمع، وفلسفة الدولة، واتجاهها الاجتماعي والاقتصادي.
وإنما يطالب المسلم بإقامة الأحكام التي تخصه فردًا، مثل أحكام العبادات، وأحكام المطعومات والمشروبات والملبوسات، وما يتعلّق بالزواج والطلاق والرجعة والعدة والميراث، وغيرها من الأحوال الشخصية، بحيث لو ضيق عليه في هذه الأمور، ولم يستطع بحال إقامة دينه فيها لوجب عليه أن يهاجر إلى أرض الله الواسعة ما وجد إلى ذلك سبيلاً.(17/282)
(2) أن المسلم إذا لم يتعامل بهذه العقود الفاسدة - ومنها عقد الربا- في دار القوم، سيؤدي ذلك بالمسلم إلى أن يكون التزامه بالإسلام سببًا لضعفه اقتصاديًا، وخسارته ماليًا، والمفروض أن الإسلام يقوي المسلم ولا يضعفه، ويزيده ولا ينقصه، وينفعه ولا يضره، وقد احتج بعض علماء السلف على جواز توريث المسلم من غير المسلم بحديث: (الإسلام يزيد ولا ينقص) (1) ، أي يزيد المسلم ولا ينقصه، ومثله حديث: (الإسلام يعلو ولا يُعلى) (2) ، وهو إذا لم يتعامل بهذه العقود التي يتراضونها بينهم، سيضطر إلى أن يعطي ما يطلب منه، ولا يأخذ مقابله، فهو ينفذ هذه القوانين والعقود فيما يكون عليه من مغارم، ولا ينفذها فيما يكون له من مغانم، فعليه الغُرم دائماً وليس له الغُنْم، وبهذا يظل المسلم أبدًا مظلومًا ماليًا، بسبب التزامه بالإسلام! والإسلام لا يقصد أبدًا إلى أن يظلم المسلم بالتزامه به، وأن يتركه - في غير دار الإسلام- لغير المسلم يمتصه ويستفيد منه، في حين يحرم على المسلم أن ينتفع من معاملة غير المسلم في المقابل في ضوء العقود السائدة، والمعترف بها عندهم.
وما يقال من أن مذهب الحنفية إنما يجيز التعامل بالربا في حالة الأخذ لا الإعطاء؛ لأنه لا فائدة للمسلم في الإعطاء وهم لا يجيزون التعامل بالعقود الفاسدة إلا بشرطين: الأول: أن يكون فيها منفعة للمسلم. والثاني: ألا يكون فيها غدر ولا خيانة لغير المسلم، وهنا لم تتحقق المنفعة للمسلم.
فالجواب: أن هذا غير مسلّم، كما يدل عليه قول محمد بن الحسن الشيباني في "السير الكبير"، وإطلاق المتقدمين من علماء المذهب، كما أن المسلم وإن كان يعطي الفائدة هنا فهو المستفيد، إذ به يتملك المنزل في النهاية.
وقد أكد المسلمون الذين يعيشون في هذه الديار بالسماع المباشر منهم وبالمراسلة: أن الأقساط التي يدفعونها للبنك بقدر الأجرة التي يدفعونها للمالك، بل أحيانًا تكون أقل.
ومعنى هذا أننا إذا حرّمنا التعامل هنا بالفائدة مع البنك حرَمنا المسلم من امتلاك مسكن له ولأسرته، وهو من الحاجات الأصلية للإنسان كما يعبر الفقهاء، وربما يظل عشرين أو ثلاثين سنة أو أكثر، يدفع إيجارًا شهرياً أو سنويًا، ولا يملك شيئاً، على حين كان يمكنه في خلال عشرين سنة - وربما أقل- أن يملك البيت.
فلو لم يكن هذا التعامل جائزًا على مذهب أبي حنيفة ومن وافقه، لكان جائزًا عند الجميع للحاجة التي تنزل أحيانًا منزلة الضرورة، في إباحة المحظور بها.
ولاسيما أن المسلم هنا، إنما يُؤكِل الربا ولا يَأكُلُه، أي هو يعطي الفائدة ولا يأخذها، والأصل في التحريم مُنْصَبٌ على (أكل الربا) كما نطقت به آيات القرآن، إنما حرم الإيكال سدًا للذريعة، كما حرمت الكتابة له والشهادة عليه، فهو من باب تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد.
ومن المعلوم أن أكل الربا المحرم لا يجوز بحال، أما إيكاله (بمعنى إعطاء الفائدة) فيجوز للحاجة، وقد نصَّ على ذلك الفقهاء، وأجازوا الاستقراض بالربا للحاجة إذا سدت في وجهة أبواب الحلال.
ومن القواعد الشهيرة هنا: أن (ما حرم لذاته لا يباح إلا للضرورة، وما حرم لسد الذريعة يباح للحاجة) ، والله الموفق.
القرار [2/4] .
______________
(1) أخرجَ أبو داود رقم: (2912) ، ومن طريقه: البيهقي (6/205، 254-255) بإسناده إلى عبد الله بن بُرَيْدَة: أن أخوين اختصَما إلى يحيى بن يَعْمَر: يهودي ومسلم، فوَرَّثَ المسلم منهما، وقال: حدثني أبو الأسود، أنَّ رجلاً حدَّثه، أنَّ معاذًَا حدَّثه، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الإسلام يَزيد ولا يَنقص". فوَرَّثَ المسلم. وإسنادُه إلى أبي الأسود صحيحٌ، وإنما هو منقطع بين أبي الأسود ومعاذ، لجهالة الراوي بينهما، ويشهد للمرفوع منه حديث عائذ بن عمرو التالي، وهو به حسنٌ لغيره.
(2) حديث حسن لغيره، أخرجه الروياني في "مسنده" رقم: (783) ، وأبو نُعيم في (أخبار أصبهان) (1/65) ، والبيهقي (6/205) ، وفي إسناده مجهولان، لكن يشهد له حديث معاذ بن جبل المتقدم قبله، كما جاء كذلك بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفًا، أخرجه الطحاوي في (شرح معاني الآثار) (3/257) ، وعلقه البخاري في (صحيحه) (1/454- كتاب الجنائز) ، وصححه ابن حجر في "الفتح" (9/421) . كما يصدِّقه والذي قبله قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) [التوبة: 33، الصف: 9] .(17/283)
قرار رقم: 42 (4/5)
بشأن
تغير قيمة العملة
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 6/11/1425
18/12/2004
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأولى 1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م،
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع تغير قيمة العملة، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
وبعد الاطلاع على قرار المجمع رقم 21 (9/3) في الدورة الثالثة، بأن العملات الورقية نقود اعتبارية فيها صفة الثمنية كاملة، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامها،
قرر ما يلي:
- العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما، هي بالمثل وليس بالقيمة، لأن الديون تُقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أيا كان مصدرها، بمستوى الأسعار والله أعلم.(17/284)
قرار رقم: 89 (6/9)
بشأن
قضايا العملة
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 6/11/1425
18/12/2004
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1- 6 ذي القعدة 1415هـ الموافق 1- 6 نيسان (أبريل) 1995م،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع قضايا العملة،
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دلت على أن هناك اتجاهات عديدة بشأن معالجة حالات التضخم الجامح الذي يؤدي إلى الانهيار الكبير للقوة الشرائية لبعض العملات منها:
أ- أن تكون هذه الحالات الاستثنائية مشمولة أيضاً بتطبيق قرار المجمع الصادر في الدورة الخامسة، ونصه: العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار.
ب - أن يطبق في تلك الأحوال الاستثنائية مبدأ الربط بمؤشر تكاليف المعيشة (مراعاة القوة الشرائية للنقود) .
ج - أن يطبق مبدأ ربط النقود الورقية بالذهب (مراعاة قيمة هذه النقود بالذهب عند نشوء الالتزام) .
د - أن يؤخذ في مثل هذه الحالات بمبدأ الصلح الواجب، بعد تقرير أضرار الطرفين (الدائن والمدين) .
هـ - التفرقة بين انخفاض قيمة العملة عن طريق العرض والطلب في السوق، وبين تخفيض الدولة عملتها بإصدار قرار صريح في ذلك بما قد يؤدي إلى تغير اعتبار قيمة العملات الورقية التي أخذت قوتها بالاعتبار والاصطلاح.
والتفرقة بين انخفاض القوة الشرائية للنقود الذي يكون ناتجاً عن سياسات تتبناها الحكومات وبين الانخفاض الذي يكون بعوامل خارجية.
ز - الأخذ في هذه الأحوال الاستثنائية بمبدأ (وضع الجوائح) الذي هو من قبيل مراعاة الظروف الطارئة.
وفي ضوء هذه الاتجاهات المتباينة المحتاجة للبحث والتمحيص.
قرر ما يلي:
أولاً: أن تعقد الأمانة العامة للمجمع - بالتعاون مع إحدى المؤسسات المالية الإسلامية - ندوة متخصصة يشارك فيها عدد من ذوي الاختصاص في الاقتصاد والفقه، وتضم بعض أعضاء وخبراء المجمع، وذلك للنظر في الطريق الأقوم والأصلح الذي يقع الاتفاق عليه للوفاء بما في الذمة من الديون والالتزامات في الأحوال الاستثنائية المشار إليها أعلاه.
ثانياً: أن يشتمل جدول الندوة على:
أ - دراسة ماهية التضخم وأنواعه وجميع التصورات الفنية المتعلقة به.
ب - دراسة آثار التضخم الاقتصادية والاجتماعية وكيفية معالجتها اقتصاديا.
ج - طرح الحلول الفقهية لمعالجة التضخم من مثل ما سبقت الإشارة إليه في ديباجة القرار.
ثالثاً: ترفع نتائج الندوة - مع أوراقها ومناقشاتها - إلى مجلس المجمع في الدورة القادمة. والله الموفق.(17/285)
قرار رقم: 85 (2/9)
بشأن
السَّلم وتطبيقاته المعاصرة
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 19/10/1425
02/12/2004
مجلة المجمع (ع 9، ج1 ص 371)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1- 6 ذي القعدة 1415هـ الموافق 1- 6 نيسان (أبريل) 1995م،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع السَّلم وتطبيقاته المعاصرة،
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي:
أولاً: بشأن (السلم) :
أ- السلع التي يجري فيها عقد السلم تشمل كل ما يجوز بيعه ويمكن ضبط صفاته ويثبت ديناً في الذمة، سواء أكانت من المواد الخام أم المزروعات أم المصنوعات.
ب - يجب أن يحدد لعقد السلم أجل معلوم، إما بتاريخ معين، أو بالربط بأمر مؤكد الوقوع، ولو كان ميعاد وقوعه يختلف اختلافاً يسيراً لا يؤدي للتنازع كموسم الحصاد.
ج - الأصل تعجيل قبض رأس مال السلم في مجلس العقد، ويجوز تأخيره ليومين أو ثلاثة ولو بشرط، على أن لا تكون مدة التأخير مساوية أو زائدة عن الأجل المحدد للسلم.
د - لا مانع شرعاً من أخذ المُسْلِم (المشتري) رهناً أو كفيلاً من المسلّم إليه (البائع) .
هـ - يجوز للمسلِم (المشتري) مبادلة المسلَم فيه بشيء آخر - غير النقد - بعد حلول الأجل، سواء كان الاستبدال بجنسه أم بغير جنسه. حيث إنه لم يرد في منع ذلك نص ثابت ولا إجماع، وذلك بشرط أن يكون البدل صالحاً لأن يجعل مسلماً فيه برأس مال السلم.
وإذا عجز المسلم إليه عن تسليم المسلم فيه عند حلول الأجل فإنَّ المسلم (المشتري) يخير بين الانتظار إلى أن يوجد المسلم فيه وفسخ العقد وأخذ رأس ماله، وإذا كان عجزه عن إعسار فنظرة إلى ميسرة.
ز - لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه، لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير.
ح - لا يجوز جعل الدين رأس مال للسلم لأنه من بيع الدين بالدين.
ثانياً: بشأن (التطبيقات المعاصرة للسلم) :
انطلاقاً من أن السلم في عصرنا الحاضر أداة تمويل ذات كفاءة عالية في الاقتصاد الإسلامي وفي نشاطات المصارف الإسلامية، من حيث مرونتها واستجابتها لحاجات التمويل المختلفة، سواء أكان تمويلاً قصير الأجل أم متوسطة أم طويلة، واستجابتها لحاجات شرائح مختلفة ومتعددة من العملاء، سواء أكانوا من المنتجين الزراعيين أم الصناعيين أم المقاولين أم من التجار، واستجابتها لتمويل نفقات التشغيل والنفقات الرأسمالية الأخرى.
ولهذا تعددت مجالات تطبيق عقد السلم، ومنها ما يلي:
أ- يصلح عقد السلم لتمويل عمليات زراعية مختلفة، حيث يتعامل المصرف الإسلامي مع المزارعين الذين يتوقع أن توجد لديهم السلعة في الموسم من محاصيلهم أو محاصيل غيرهم التي يمكن أن يشتروها ويسلّموها إذا أخفقوا في التسليم من محاصيلهم، فَيُقَدِّمُ لهم بهذا التمويل نفعاً بالغاً ويدفع عنهم مشقة العجز المالي عن تحقيق إنتاجهم.(17/286)
ب- يمكن استخدام عقد السلم في تمويل النشاط الزراعي والصناعي، ولا سيما تمويل المراحل السابقة لإنتاج وتصدير السلع والمنتجات الرائجة، وذلك بشرائها سَلماً وإعادة تسويقها بأسعار مجزية.
ج- يمكن تطبيق عقد السلم في تمويل الحرفيين وصغار المنتجين الزراعيين والصناعيين عن طريق إمدادهم بمستلزمات الإنتاج في صورة معدات وآلات أو مواد أولية كرأس مال سلم مقابل الحصول على بعض منتجاتهم وإعادة تسويقها.
يوصي المجلس بما يلي:
استكمال صور التطبيقات المعاصرة للسلم بعد إعداد البحوث المتخصصة. والله الموفق.(17/287)