الاحتفاظ بشعر الميت للذكرى
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/12/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
هل يجوز أخذ شيء من شعر الميت للذكرى؟ وما الذي يجب فعله إن كان قد أخذ فعلاً؟ وهل تجب كفارة أو توبة على من فعل ذلك؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالجواب: أنه لا يجوز أخذ شيء من شعر الميت للذكرى وعلى من أخذ شيئاً من شعر الميت أن يدفنه في مكان طاهر ولا كفارة على من فعل ذلك بل عليه التوبة إلى الله مما فعل والندم على ما فات والعزم على ألا يعود لمثل ذلك، والله أعلم.(15/125)
خطورة التساهل في التكفير
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 2/11/1422
السؤال
لقد كثر في الآونة الأخيرة التساهل في تكفير بعض الدول الإسلامية وتكفير حكامها، ولقد قرأت مناظرة بين اثنين من أهل السنة والجماعة قال فيها أحدهما بكفر من كفر إحدى الدول الإسلامية وأنه خارجي تكفيري مبتدع بل أخشى عليه الردة. فما رأي فضيلتكم في هذا الموضوع؟
الجواب
لقد كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن التكفير ما بين مغالٍ فيه ومفرط، والحديث عن هذا الموضوع من أخطر الأحاديث وأصعبها، ولهذا فيجب الحذر ومراقبة الله - عز وجل -، فإن عرض المسلم حرام كحرمة دمه وماله، وتكفير المسلم يرتد على صاحبه كما جاء في الحديث: " لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك " رواه البخاري ح (6045) ، ومسلم، وفي مسلم: " كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله " وليس كل من وقع في معصية يكفر، بل وليس كل من ارتكب أمراً مكفراً عن جهل أو بتأويل يكفر، ولهذا فإن السلف قد يطلقون التكفير في أبواب الاعتقاد على الفعل ولا يطلقونه على الفاعل، وحماس الإنسان لدين الله - عز وجل - يجب أن ينضبط بأحكام الدين حتى لا يقع في محذور، وقد غلا قوم في الدين فكفروا وهم الخوارج وشعارهم تكفير الناس، مع أنهم كانوا عباداً فلم ينفعهم كثرة عبادتهم لما استحلوا أعراض المسلمين فكفروهم.
فنحن نعجب من اندفاع الشباب في مثل هذه القضايا وكأن الأرض خلت من العلماء، ولهذا فلا يعذر كل من وقع في شيء من ذلك عند الله - عز وجل -، فإن كان يوجد علماء، فيجب الرجوع إليهم وعدم الخوض في مثل هذه القضايا، وإن لم يوجد علماء فالناس معذورون ولا يكلف الله - عز وجل - نفساً إلا وسعها، والإنسان ليس مطالباً بإصدار الأحكام، وغالباً ما يكون المشتغل بمثل هذه القضايا عاطلاً عن الدعوة ونفع الناس، بل وقد ينتهي إلى أحد أمرين:
إما التدرج في التكفير حتى يكفر كل من لم يكن على طريقته، وإما أن ينحرف ويعود إلى الفسق والفساد، إلا إذا تداركه الله - عز وجل - فتاب، وأشغل نفسه بأعمال البر ونفع الناس، والمراقب لأحوال هؤلاء سيدرك هذه الحقيقة، والمسلمون اليوم - إلا من رحم الله - عز وجل - واقعون في التقصير والتفريط في كثير من أحكام الدين والجماعات كالأفراد ولا يزكى أحد، ولكن هناك درجات فسابق بالخيرات ومقتصد وظالم لنفسه، وأما الكفر فهو وراء ذلك، والحماس يصور للشباب أن العلماء قد ينافقون ويجاملون، بل ربما يوحي إليه الشيطان أنه هو الذي يعلم الحقيقة ويستطيع الإعلان بها حتى يقع فيما يسخط الله - عز وجل - ويهلك كما هلكت الخوارج.
فالحذر الحذر، ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، والله الهادي إلى سواء السبيل.(15/126)
السعر المعتبر في الزكاة
المجيب د. سعود بن محمد البشر
عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/2/1424هـ
السؤال
في زكاة التجارة، هل يتم التقويم بحسب سعر الشراء أم بحسب سعر البيع؟.
الجواب
تقوم البضائع بقيمة وقتها الذي وجبت فيه الزكاة وليس بقيمة الشراء.(15/127)
هل تجب عليَّ المبادرة إلى الحج؟
المجيب د. شرف بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/12/1425هـ
السؤال
أنا مقيم في إحدى مدن المملكة، وشاءت الظروف أن أعود إلى بلدي هذا العام، فهل واجب علي الحج قبل العودة إلى بلدي؟ علمًا بأني قد اعتمرت كثيرًا.
الجواب
يجب أن نعلم أن المشيئة لله وحده، وليست للظروف مشيئة، فلا نقول: شاءت الظروف. ولكن نقول: شاء الله. وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
والجواب على السؤال: فإن كان السائل قد حج ولو مرة واحدة فلا يلزمه حج بعد ذلك؛ لأن الحج والعمرة يجبان مرة واحدة في العمر، وإن لم يحج السائل ولو مرة واحدة فليسرع إلى فريضة الحج إن كان مستطيعًا، سواء تمكن من الحج من المملكة أو من بلده. والله أعلم.(15/128)
إقامة الدورات العلمية للنساء في المساجد
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/9/1424هـ
السؤال
ما حكم إقامة دورة تعليمية للنساء في المسجد، علماً أن المحاضر رجل، وقد يتطلب الأمر أن توجه أسئلة ويسمع إجابتها؟.
الجواب
يجوز إقامة دورات علمية للنساء في المساجد، ولو كان الذين يلقونها رجالاً، وحديث الرجل إلى النساء وسؤالهن وحديثهن إليه وسؤاله كل ذلك جائز، وكان يجري في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين يديه، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة منها ما رواه البخاري (101) ومسلم (2633) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قالت النساء للنبي - صلى الله عليه وسلم -: " غَلَبَنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهن يوماً لَقَيهُنَّ فيه، فوعظهن وأمرهن ... "الحديث، وفي رواية قال أبو هريرة - رضي الله - عند ابن حبان (2941) : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "موعدكن بيت فلانة". وبوب عليه الإمام البخاري فقال: باب هل يجعل للنساء يوم على حِدةٍ في العلم.
ولكن ينبه النساء إلى الحضور بالحجاب الشرعي، والبعد عن إظهار التجمل والتعطر، وألاّ تحضر للمسجد من كانت في حال حيض حتى تطهر، والله أعلم.(15/129)
اصطحاب الأطفال للمسجد
المجيب خليل بن سليمان المديفر
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/10/1422
السؤال
ما هي أقوال العلماء في اصطحاب الأطفال تحت سن السادسة إلى المسجد، وهل ما يقوم به كبار السن من المصلين بإظهار الانزعاج من هؤلاء الأطفال له أصل شرعي، وهل منع النبي - صلى الله عليه وسلم - حضور تلك الشريحة من الأطفال للمسجد، وكيف نفسر تأخر الرسول - صلى الله عليه وسلم - للرفع من السجود بقوله: أن أحد حفيديه كان على ظهره فخشي من الارتفاع وسقوطه، وهل هناك بحث علمي جيد فصل في هذا الموضوع؟
الجواب
هذا فيه تفصيل، وأقوال العلماء فيه مختلفة، فالإمام أحمد كان يرى منع الأطفال عن المسجد.
وأقول: إذا نظرنا إلى ظاهر السنة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يمنع الأطفال، فقد خرج مرة وهو حامل أمامة بنت أبي العاص - ابنة زينب على عاتقه فصلى فكان إذا قام حملها وإذا سجد وضعها " أخرجه البخاري (516) ، ومسلم (543) من حديث أبي قتادة، والحسن ركب على ظهره فتأخر عليه السلام في السجود، فقال الصحابة: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحي إليك. قال: كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته " الحديث أخرجه النسائي (1141) من حديث عبد الله بن شداد عن أبيه.
إذا نظرنا إلى هذه الأحاديث قلنا إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يمنع الأطفال لكن هذه الأحاديث الصحيحة يجب أن تحمل على المحامل التي توافق عمومات النصوص فالأحاديث بعضها يسدد بعضاً، فنحن نعلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى المصلي عن الصلاة بحضرة طعام، أو وهو يدافع الأخبثين انظر ما رواه مسلم (560) حتى لا يشغل عن صلاته ويؤثر على خشوعه.
فهذه النصوص تدل دلالة واضحة على أن المصلي يشرع له أن يبتعد عن أي شيء يشوش عليه.
وعلى هذا فحضور الأطفال إلى المسجد يجوز، ولكن لا بد من ضبطهم، لكي نجمع بين النصوص، فحضور الأطفال ممن أعمارهم بين الخامسة والسابعة مثلاً يفيد في تعلم الصلاة، والخشوع، ولكن لو أن كل رجل أتى بطفله وترك له العنان ليلعب ويتكلم ويزعج، فإن الخشوع لا يتوفر للمصلين. ولهذا فإننا لا نمنع حضور الأطفال للمساجد، ولكن بشرط ألا يكون حضورهم سبباً في تضييع الخشوع والاطمئنان للمصلين، فالواجب على ولي الطفل أن يضبطه، وإلا فإنه لا يحضره إلى المسجد.
ومذاهب العلماء في هذا مختلفة، وتراجع في مظانها، ولكن هذا ما تجتمع عليه الأدلة والله أعلم.(15/130)
حكم زكاة الفطر
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/9/1423هـ
السؤال
ما حكم صدقة الفطر؟ وهل يلزم فيها النصاب؟ وهل الأنواع التي تخرج محددة؟ وإن كانت كذلك فما هي؟ وهل تلزم الرجل عن أهل بيته بما فيهم الزوجة والخادم؟
الجواب
زكاة الفطر فرض على كل مسلم، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، حر أو عبد؛ لما ثبت عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: " فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والحر والعبد من المسلمين، وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس للصلاة ". متفق على صحته.
وليس لها نصاب، بل يجب على المسلم إخراجها عن نفسه وأهل بيته من أولاده وزوجاته ومماليكه إذا فضلت عن قوته وقوتهم يومه وليلته.
أما الخادم المستأجر فزكاته على نفسه، إلا أن يتبرع بها المستأجر أو تشترط عليه، أما الخادم المملوك فزكاته على سيده، كما تقدم في الحديث.
والواجب إخراجها من قوت البلد سواء كان تمراً أو شعيراً أو برََّا أو ذرة أو غير ذلك، وفي أصح قولي العلماء؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يشترط في ذلك نوعاً معيناً ولأنها مواساة، وليس على المسلم أن يواسي من غير قوته.
مجموع فتاوى الشيخ/ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-،الجزء الرابع عشر، ص (197) .(15/131)
زكاة الفطر عن الجنين
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/09/1425هـ
السؤال
هل الطفل الذي ببطن أمه تدفع عنه زكاة الفطر أم لا؟
الجواب
يستحب إخراجها عنه لفعل عثمان - رضي الله عنه -، ولا تجب عليه لعدم الدليل على ذلك.
(فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى (1474) الجزء التاسع ص 366)(15/132)
إخراج زكاة الفطر نقداً
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/09/1425هـ
السؤال
هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقداً بدلاً من الطعام، وذلك لحاجة الناس الآن إلى النقد أكثر من الطعام؟
الجواب
إخراج القيمة في زكاة الفطر اختلف فيها العلماء على قولين:
الأول: المنع من ذلك. قال به الأئمة الثلاثة مالك، والشافعي، وأحمد، وقال به الظاهرية أيضاً، واستدلوا بحديث عبد الله بن عمر في الصحيحين " فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من بر، أو صاعاً من شعير، (وفي رواية أو صاعاً من أقط) ، على الصغير والكبير من المسلمين. ووجه استدلالهم من الحديث: لو كانت القيمة يجوز إخراجها في زكاة الفطر لذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وأيضاً نص في الحديث الآخر " أغنوهم في هذا اليوم"، وقالوا: غنى الفقراء في هذا اليوم يوم العيد يكون فيما يأكلون حتى لا يضطروا لسؤال الناس الطعام يوم العيد.
والقول الثاني: يجوز إخراج القيمة (نقوداً أو غيرها) في زكاة الفطر، قال به الإمام أبو حنيفة وأصحابه، وقال به من التابعين سفيان الثوري، والحسن البصري، والخليفة عمر ابن عبد العزيز، وروي عن بعض الصحابة كمعاوية بن أبي سفيان، حيث قال: " إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر "، وقال الحسن البصري: " لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر "، وكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله في البصرة: أن يأخذ من أهل الديون من أعطياتهم من كل إنسان نصف درهم، وذكر ابن المنذر في كتابه (الأوسط) : إن الصحابة أجازوا إخراج نصف صاع من القمح؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر، أو الشعير.
ومما سبق يتبين أن الخلاف قديم وفي الأمر سعة، فإخراج أحد الأصناف المذكورة في الحديث يكون في حال ما إذا كان الفقير يسد حاجته الطعام في ذلك اليوم يوم العيد، وإخراج القيمة يجوز في حال ما إذا كانت النقود أنفع للفقير كما هو الحال في معظم بلدان العالم اليوم، ولعل حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أغنوهم في هذا اليوم"، يؤيد هذا القول؛ لأن حاجة الفقير الآن لا تقتصر على الطعام فقط، بل تتعداه إلى اللباس ونحوه..، ولعل العلة في تعيين الأصناف المذكورة في الحديث، هي: الحاجة إلى الطعام والشراب وندرة النقود في ذلك العصر، حيث كانت أغلب مبايعاتهم بالمقايضة، وإذا كان الأمر كذلك فإن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فيجوز إخراج النقود في زكاة الفطر للحاجة القائمة والملموسة للفقير اليوم. والله أعلم.(15/133)
حكم زكاة الفطر
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/09/1425هـ
السؤال
هل حديث (لا يرفع صوم رمضان حتى تعطى زكاة الفطر) صحيح؟ وإذا كان المسلم الصائم محتاجاً لا يملك نصاب الزكاة، هل يتوجب عليه دفع زكاة الفطر لصحة الحديث أم لغيره من الأدلة الشرعية الصحيحة الثابتة في السنة؟.
الجواب
صدقة الفطر واجبة على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته: صاع، والأصل في ذلك ما ثبت عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) متفق عليه واللفظ للبخاري.
وما روى أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول - صلى الله عليه وسلم - صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط) متفق عليه.
ويجزئ صاع من قوت بلده مثل الأرز ونحوه، والمقصود بالصاع هنا: صاع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أربع حفنات بكفي رجل معتدل الخلقة. وإذا ترك إخراج زكاة الفطر أثم ووجب عليه القضاء، وأما الحديث الذي ذكرته فلا نعلم صحته.
ونسأل الله أن يوفقكم، وأن يصلح لنا ولكم القول والعمل، وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى (5733) الجزء التاسع ص464) .(15/134)
وقت إخراج زكاة الفطر
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/09/1425هـ
السؤال
هل وقت إخراج زكاة الفطر من بعد صلاة العيد إلى آخر ذلك اليوم؟
الجواب
لا يبدأ وقت زكاة الفطر من بعد صلاة العيد، وإنما يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان، وهو أول ليلة من شهر شوال، وينتهي بصلاة العيد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإخراجها قبل الصلاة، ولما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات " ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين لما رواه بن عمر - رضي الله عنهما - قال: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر من رمضان..) ، وقال في آخره (وكانوا يعطون قبل ذلك بيوم أو يومين) . فمن أخرها عن وقتها فقد أثم وعليه أن يتوب من تأخيره، وأن يخرجها للفقراء.
(فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى (2896) الجزء التاسع ص373)(15/135)
تأخير زكاة الفطر عن وقتها
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 01/10/1425هـ
السؤال
كنت في سفر ونسيت دفع الفطرة ولم أخرج الفطرة حتى الآن، وعندنا مصنع ومزرعة فيها عمال ويتقاضون أجرة، فهل لنا أن نصرف الفطرة عنهم أم يصرفونها هم عن أنفسهم؟
الجواب
إذا أخر الشخص زكاة الفطر عن وقتها وهو ذاكر لها أثم، وعليه التوبة إلى الله والقضاء؛ لأنها عبادة، فلم تسقط بخروج الوقت كالصلاة، وحيث ذكرت عن السائلة أنها نسيت إخراجها في وقتها فلا إثم عليها، وعليها القضاء، أما كونها لا إثم عليها فلعموم أدلة إسقاط الإثم عن الناسي، وأما إلزامها بالقضاء فلما سبق من التعليل.
ثانياً: العمال الذين يتقاضون أجرة مقابل ما يؤدونه من عمل في المصنع والمزرعة هم الذين يخرجون زكاة الفطر عن أنفسهم؛ لأن الأصل وجوبها عليهم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى (2867) الجزء التاسع ص 372)(15/136)
زكاة مساهمات الأراضي
المجيب د. سليمان بن صالح الغيث
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/9/1422
السؤال
ساهمت في أرض بمبلغ (185.000) ريال في شهر شعبان 1420هـ، وفي شهر ذي القعدة ساهمت بمبلغ (100.000) ، وبعدها بستة أشهر أعطاني صاحب المساهمة مبلغاً يعادل تسعين بالمئة من رأس المال الذي دفعته له وقال لي: إنه يعادل سبعين بالمئة من المبلغ الذي أستحقه في المساهمة، وبقيت الأرض لم تُبَعْ، وفي شهر رجب من هذا العام، قام صاحب المساهمة بإعطائي قطعة أرض عوضاً عن استحقاقي المتبقي لديه، وزدته مبلغاً من المال، فما الذي يجب عليّ زكاته، هل هو المبلغ الذي كان متبقياً لي عنده فقط، مع العلم أن بعضه حال عليه الحول؟
الجواب
حوْلُ ربحِ المال حولُ أصلهِ، فعلى السائل أن يخرج - في شهر شعبان - زكاة المبلغ الأول الذي ساهم به، وكذا مقدار ربحه، وإذا أتى شهر ذي القعدة أدى زكاة المئة ألف التي ساهم بها لاحقاً مضموماً إليها ربحها؛ وبالنسبة للأرض التي دفعت له عوضاً عن استحقاقه للمتبقي فإنها تقوّم بسعر مثلها، ويؤدي زكاتها مع زكاة أصل مالها سواء من المساهمة الأولى، أو من الثانية إذا كان قصده منها التجارة، وبالله التوفيق.(15/137)
حكم الكلام والضحك في المسجد
المجيب خليل بن سليمان المديفر
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/9/1422
السؤال
ما حكم الكلام في المسجد والضحك؟
الجواب
الكلام في المسجد الأصل فيه الإباحة، وكذلك الضحك؛ لما ثبت في (صحيح مسلم670) من حديث سماك بن حرب قال: قلت لجابر ابن سمرة: أكنت تجالس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:" نعم كثيراً، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون، فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويتبسم" هذا يدل على الجواز، لكن لا ينبغي الإكثار من الكلام والضحك بحيث يصير هو الشعار، ويشوش على المصلين وهم يقرؤون، والمساجد إنما هي للعبادة والذكر، لكن الشيء اليسير العارض الذي لا يشوش على أحد، وليس في حال أداء الصلاة، ولا بين الأذان والإقامة فلا بأس به.(15/138)
مسألة: العذر بالجهل
المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/9/1422
السؤال
متى يعذر الإنسان بالجهل؟ أرجو التفصيل، مع ذكر أهم الكتب التي بحثت هذه المسألة؟
الجواب
فإن مسألة العذر بالجهل في باب التكفير من المسائل التي خاض الناس فيها ما بين غالٍ وجافٍ والحق وسط بينهما، فقد يعذر الإنسان إن كان أسلم حديثاً، أو نشأ في أماكن نائية عن العلم الشرعي ومظانّه، كما يعذر في المسائل الخفية دون الظاهرة، وينبغي للدعاة إلى الله ومحبي الخير أن يجتهدوا في تبليغ دين الله أصولاً وفروعاً، وأن لا تأخذ هذه المسألة أكبر من حجمها.(15/139)
زكاة الأرض والأسهم البنكية
المجيب د. حمد بن حماد الحماد
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/8/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- ورثنا أرضاً عن الوالد -يرحمه الله-، وبعد عرضها للبيع لمدة أربع سنوات بعناها، فهل عليها زكاة؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فهل الزكاة على الأربع سنوات أم على سنة واحدة؟
2- كنا نمتلك مجموعة من الأسهم في أحد البنوك المحلية ثم قمنا ببيعها، فما مصير الأموال التي حصلنا عليها من جراء بيع الأسهم؟ وما مصير الأموال التي كنا نحصل عليها كفوائد سنوية لهذه الأسهم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الزكاة على قيمتها التي بيعت بها إذا حال عليها الحول، وينظر هنا إلى نصيب كل وارث على حدة إن كان يبلغ النصاب، ولا زكاة على السنوات السابقة قبل البيع؛ لأنها انتقلت إلى الورثة بالإرث، ولا تصير للتجارة حتى يتم بيعها.
أما الأموال التي حصلت من بيع الأسهم فتقسم بين الورثة، وإن حصل فيها فوائد ربوية بعد وفاة مورثهم فالواجب عليهم التخلص منها.(15/140)
الصلاة في الكنيسة
المجيب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/3/1423
السؤال
ما حكم الصلاة في الكنائس؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن سؤال كسؤالك فإليك نص السؤال والجواب:
مسألة: هل الصلاة في البيع والكنائس جائزة مع وجود الصور أم لا؟ وهل يقال إنها بيوت الله أم لا؟
الجواب:
ليست بيوت الله، وإنما بيوت الله المساجد، بل هي بيوت يكفر فيها بالله، وإن كان قد يذكر فيها فالبيوت بمنزلة أهلها، وأهلها كفار، فهي بيوت عبادة الكفار.
وأما الصلاة فيها ففيها ثلاثة أقوال للعلماء، في مذهب أحمد وغيره: المنع مطلقاً؛ وهو قول مالك. والإذن مطلقاً وهو قول بعض أصحاب أحمد. والثالث: وهو الصحيح المأثور عن عمر ابن الخطاب وغيره، وهو منصوص عن أحمد وغيره، أنه إن كان فيها صور لم يصلّ فيها؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يدخل الكعبة حتى محي ما فيها من الصور، وكذلك قال عمر: إنا كنا لا ندخل كنائسهم والصور فيها.
وهي بمنزلة المسجد المبني على القبر، ففي الصحيحين أنه ذكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- كنيسة بأرض الحبشة، وما فيها من الحسن والتصاوير، فقال:"أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة" البخاري (427) ومسلم (528) ، وأما إذا لم يكن فيها صور فقد صلى الصحابة في الكنيسة، والله أعلم. (الفتاوى الكبرى2/59) .(15/141)
السفر للصلاة على الميت
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/3/1423
السؤال
ما حكم السفر للصلاة على قريب أو عزيز؟ أرجو التفصيل بالأدلة.
الجواب
لا مانع من السفر للصلاة على قريب أو عزيز، فإن ذلك لا دليل على منعه وليس هو من نوع ما قال فيه الرسول -عليه الصلاة والسلام-: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" البخاري (1189) ومسلم (1397) ، فالمقصود من الحديث أنه لا يصار إلى أي موضع على وجه التقرب بزيارته إلا هذه المساجد الثلاثة، أما السفر للصلاة على قريب، أو تعزية قريب، أو عزيز فإنه لا بأس به، ولا أعلم مانعاً يمنع منه، والله أعلم.(15/142)
استئجار مكان لأداء صلاة الجمعة
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/3/1423
السؤال
في كل صلاة جمعة نستأجر قاعة المؤتمرات والاحتفالات العائدة لبلدية المنطقة التي نسكن فيها ساعة واحدة كل أسبوع، من أجل إقامة خطبة وصلاة الجمعة، فما حكم الشرع في ذلك، وهل نصلي تحية المسجد عند دخولنا لهذه القاعة؟ علماً أن البلدية تقوم بتأجير هذا المكان لكل من يريد استئجاره لإقامة حفلات الفجور من الرقص وشرب الخمور وكل ما يغضب الله من المعاصي.
الجواب
ما دمتم في مثل هذا البلد (أستراليا) ولا تجدون مكاناً مناسباً لإقامة صلاة الجمعة فلا بأس باستئجاركم صالة احتفالات البلدية بالمنطقة، ولو كانت تستخدم من غيركم لحفلات تمارس فيها المعاصي والمحرمات.
وفعلكم هذا تؤجرون عليه -إن شاء الله- لإقامة شعيرة من شعائر الإسلام في بلاد الكفر وفعلكم هذا داخل في معنى قوله -تعالى-: "فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن:16] ، وهذه القاعة عند استئجاركم لها لا تسمى مسجداً وإنما هي مصلى مؤقت، والمصلى لا يأخذ أحكام المسجد في الجملة، فلا تؤدى تحية المسجد عند الدخول لكونها غير مسجد، وإنما تصلى ركعتان أو أكثر لا بنيّة تحية المسجد وإنما سنة مطلقة؛ لحديث:"بين كل أذانين صلاة" البخاري (624) ومسلم (838) ، أي ما بين الأذان والإقامة، كما تؤدى فيه أربع ركعات بعد صلاة الجمعة لأنها سنة تابعة للصلاة لا للمسجد، كما تؤدى سائر الطاعات من قراءة القرآن وتعليمه والصدقة.. إلخ، وفق الله الجميع إلى كل خير.(15/143)
كفر سابَّ الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/3/1423
السؤال
ما رأي فضيلتكم فيمن يقول: إن من سب الله -عز وجل- ورسوله الكريم ليس بكافر إلا إذا استحل ذلك، مع انتفاء شروط الموانع من العلم، والإكراه، والتأول، والخطأ، استدلالاً بما وقع لموسى -عليه السلام- لما ألقى الألواح، نرجو الجواب بشيء من التفصيل.
الجواب
سبّ الله -تعالى وتقدس- وسبّ رسوله -صلى الله عليه وسلم- من أكبر أنواع الكفر، بل هو أعظم من مجرد الردة عن الإسلام، ومن فعل ذلك وجب قتله، وهذا مذهب عامة أهل العلم، "إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً" [الأحزاب:57] وقد قال الإمام إسحاق بن راهوية -رحمه الله-: "أجمع المسلمون على أن من سبّ الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو دفع شيئاً مما أنزل الله -عز وجل-، أو قتل نبياً من أنبياء الله -عز وجل- أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله".
وسبّ الله أو سبّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- كفر ظاهر؛ لجريان السب على لسان صاحبه، وكفر باطن؛ لأنه يدل على استهانته بالله -عز وجل- وبرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وانعدام خشيته من الله -عز وجل- وعدم تعظيم الله من قلبه، وذهاب توقير النبي -صلى الله عليه وسلم- من نفسه.
أما القول بأن السّاب لا يكفر إلا إذا استحل ذلك، ومع انتفاء الموانع من إكراه، وتأول، وخطأ، وحصول شرط العلم استدلالاً لما وقع لموسى -عليه السلام- لما ألقى الألواح فهذا القول يتضمن عدة أمور، الجواب عنها بعدة أوجه:
الأول: القول بأن السّاب لله -تعالى- ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- لا يكفر إلا إذا استحل ذلك، هذا اشتراط غير صحيح، بل إن أقوال أهل العلم تنص على أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح كفر بدون تقييد ذلك بالاستحلال، والاستحلال وصف آخر يوجب الكفر، فلو استحل السّب ولم يقله كفر، والله -تعالى- وصف المستهترين بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بالكفر، فقال: "يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين" [التوبة:64-65-66] .
وعندما جاء الذين نزلت فيهم هذه الآية يعتذرون إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعذرهم، وكان يردد عليهم هذه الآية، ولو كان الاستحلال يصح أن يرفع به حكم الكفر عنهم لسألهم النبي -صلى الله عليه وسلم-:هل كنتم تستحلون هذا الاستهزاء أم لا؟
قال القاضي عياض -رحمه الله-: "لا خلاف أن ساب الله -تعالى- من المسلمين كافر حلال الدم".
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-: "ومن شتم الله -تبارك وتعالى-، أو شتم رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو شتم نبياً من أنبياء الله -صلوات الله عليهم- قُتِل إذا كان مظهراً للإسلام بلا استتابة".(15/144)
الثاني: اشتراط وجود شروط الكفر وانتفاء موانعه فيمن سبّ الله –تعالى-، أو سب الرسول –صلى الله عليه وسلم-، وذكر السائل من الشروط العلم ومن الموانع الإكراه، والتأول، والخطأ، فأما (الإكراه) فلا شك أنه مانع من موانع إطلاق الكفر على السّاب، وذلك لقول الله –تعالى-: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم" (النحل106) .
وفي مستدرك الحاكم (3/102) وغيره عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه، قال: "أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي –صلى الله عليه وسلم- وذكر آلهتم بخير ثم تركوه، فلما أتى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: ما وراءك؟ قال: شرٌ يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال مطمئن بالإيمان قال: "إن عادوا فعد" (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) .
فمن أكره على سبّ الله أو سبّ رسوله فهو معذور وليس بكافر.
الثالث: أما اشتراط العلم، فيراد بالعلم أمران:
1-أن يعلم أن هذا اللفظ فيه سبّ لله أو لرسوله.
2-أن يعلم أن السّب لله ولرسوله كفر وخروج من الملة.
فإن ادعى أنه لا يعلم أن هذا اللفظ فيه سبّ لله ورسوله فينظر في اللفظ الذي تلفظ به هل هو مما يعده الناس شتماً، أو سباً، أو تنقصاً، فإن كان كذلك فهو كافر بذلك؛ وإنما قيل هذا؛ لأن الكلمة الواحدة تكون في حال سب وفي حال ليست بسب، فعلم أن هذا يختلف باختلاف الأقوال والأحوال، إذا لم يأت للسب حد معروف في اللغة ولا في الشرع، فالمرجع فيه إلى عرف الناس، هذا ما ذكر شيخ الإسلام في (الصارم المسلول) .
وإن ادعى أنه لا يعلم أن سبّ الله –تعالى- والرسول –صلى الله عليه وسلم- كفر مخرج من الملة فينظر في المكان الذي هو فيه، وحالة الشخص من التمكن من العلم وعدمه.
فإن كان الساب مسلماً ناشئاً في بلاد الإسلام فلا يعذر؛ لأن مسألة تعظيم الله وتوقير رسوله –صلى الله عليه وسلم- من المسائل العظيمة وليست من المسائل الخفية، والناشئ في بلاد المسلمين متمكن من العلم بهذه المسألة التي هي من الأصول الظاهرة، فلا عذر له بذلك، وهو كافر بهذا السب، سواء كان هازلاً أو لاعباً أو كاتباً للرواية أو الشعر أو غير ذلك.
الرابع: أما الاستدلال بقصة إلقاء موسى –عليه السلام- للألواح، فهو استدلال غير صحيح، وذلك لأمور:
1-أن السب لله –تعالى- ولرسوله –صلى الله عليه وسلم- من باب، وفعل موسى من باب آخر.
2-أن فعل موسى –عليه السلام- لا يتضمن سخرية ولا استهانة ولا استنقاصاً لله –تعالى-، بل الذي حمله على إلقاء الألواح هو شدة تعظيمه لله -تعالى-، وشدة عنايته بتوحيد الله، لما رأى قومه قد أشركوا وعبدوا العجل.
3-أن موسى –عليه السلام- كان في حالة غضب شديد وحزن بسبب عبادة قومه للعجل، وبقاء هارون –عليه السلام- عندهم وعدم لحاقه بموسى –عليه السلام-.(15/145)
أما السّاب لله -تعالى- ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- فيغلب على حاله السخرية والاستهزاء واللعب أو العمد والقصد، فإن كان في حالة من الغضب الشديد بحيث لا يدري ما يقول، وتكلم بكلام لا يستحضره ولا يعرفه فإن هذا الكلام لا حكم له، ولا يحكم على صاحبه بالردة؛ لأنه كلام حصل عن غير إرادة وقصد. نعوذ بالله من موجبات غضبه، ونسأله أن يختم لنا بالإيمان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(15/146)
متى يجب حلق العانة؟
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 1/4/1423
السؤال
لقد سمعت من معلمة التربية الإسلامية أنه يجب على الفتاة عند الاغتسال من العذر الشرعي (الحيض) أن تقص الشعر الموجود في المنطقة التي يخرج منها الدم وذلك كل شهر. فما الحكم في ذلك؟ مع أني لم أفعل ذلك حتى بعد ما سمعتها.
الجواب
حلق العانة يسمى الاستحداد، وهو من خصال الفطرة التي أمر بها الشرع الكريم كما في حديث أبي هريرة في صحيح البخاري (5889) ومسلم (257) :"الفطرة خمس: الاختتان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط" والمستحب للمسلم أن يفعل ذلك أسبوعياً، فإن لم يفعل ذلك وجب عليه شرعاً ألا يترك ذلك أكثر من أربعين يوماً، وإلا كان آثماًَ بتركه؛ لحديث أنس في صحيح مسلم (258) :" وقّت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك أكثر من أربعين ليلة".(15/147)
مسجد بني على قبر
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 6/4/1423
السؤال
ما حكم الصلاة في مسجد به قبر كمسجد الحسين مثلاً؟ وهل يجب علينا أن نخرج القبر خارج المسجد؟ وهل ينطبق هذا الحكم على المسجد النبوي؟ الرجاء الشرح بالأدلة، مع توضيح آراء المذاهب المختلفة حتى تزول أي شبهة في هذا الأمر.
الجواب
سئل سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- عن سؤال مشابه لسؤالك، فإليك السؤال والجواب:
س: من بيت طريف -دقهلية- بمصر يقول في سؤاله: هل تصح الصلاة في المساجد التي يوجد فيها قبور؟
ج: المساجد التي فيها قبور لا يصلى فيها، ويجب أن تنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة، كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور، ولا يجوز أن يبقى فيها قبور، لا قبر ولي ولا غيره؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى وحذر من ذلك، ولعن اليهود والنصارى على عملهم ذلك، فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، قالت عائشة -رضي الله عنها-:"يحذر ما صنعوا". متفق عليه (البخاري (1390) ومسلم (530) واللفظ له، وقال -عليه الصلاة والسلام- لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير، فقال:"إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة" متفق على صحته البخاري (427) واللفظ له، ومسلم (528) ، وقال -عليه الصلاة والسلام-:"ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك" خرجه مسلم (532) في صحيحه عن جندب بن عبد الله البجلي، فنهى -عليه الصلاة والسلام- عن اتخاذ القبور مساجد، ولعن من فعل ذلك، وأخبر أنهم شرار الخلق. فالواجب الحذر من ذلك، ومعلوم أن من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجداً، ومن بنى عليه مسجداً فقد اتخذه مسجداً، فالواجب أن تُبعد القبور عن المساجد، وألا يجعل فيها قبور، امتثالاً لأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وحذراً من اللعنة التي صدرت من ربنا -عز وجل- لمن بنى المساجد على القبور؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزيِّن له الشيطان دعوة الميت، أو الاستغاثة به، أو الصلاة له، أو السجود له فيقع الشرك الأكبر، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى، فوجب أن نخالفهم، وأن نبتعد عن طريقهم وعن عملهم السيء، لكن لو كانت القبور هي القديمة ثم بني عليها المسجد، فالواجب هدمه وإزالته؛ لأنه هو المحدث، كما نص على ذلك أهل العلم حسماً لأسباب الشرك وسداً لذرائعه، والله ولي التوفيق.(15/148)
حكم العزاء ومدته
المجيب د. عبد العزيز بن أحمد البجادي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 8/4/1423
السؤال
أود أن أسأل عن حكم العزاء في البيت وما صحة أن يكون لمدة ثلاثة أيام ويرسل لأهل الميت الغداء والعشاء، حيث إني سمعت من يقول: إن الشيخ ابن عثيمين يقول إن هذا كله بدعة وأن العزاء يكون فقط في المقبرة؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:
تضمن السؤال ثلاث مسائل: التعزية في البيت، ومدة التعزية، وصنع الطعام لأهل الميت.
أما التعزية فتجوز في مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم في كل موضع، سواء كانت في المقبرة، أو الطريق، أو المنزل، أو غير ذلك، وإنما كره الشافعي وأصحاب أحمد جلوس أهل الميت للتعزية في بيت أو غيره، واستحبوا أن ينصرفوا إلى حوائجهم، فمن صادفهم عزاهم؛ لأن الجلوس لم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه.
والأظهر -والله أعلم-، ما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك من أن هذا أمر لا يتعلق به تشريع؛ لأن التعزية جاءت في الشرع مطلقاً فلم يجز لأحد تقييده إلا بأمر من الشارع، وهذا معدوم هنا، فينبغي في ذلك الرجوع إلى ما يتعارف عليه الناس، فكل عصر له عرفه، وكل قطر له عرفه، ما لم يترتب على ذلك محظور شرعي، كالندب، والنياحة، وصنع الطعام من قبل أهل الميت للمعزين، وأما حديث عائشة في الصحيحين البخاري (1299) ومسلم (935) :"لما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل ابن حارثة وجعفر وابن رواحة جلس يعرف فيه الحزن " فليس صريحاً في أن جلوس النبي -صلى الله عليه وسلم- كان للتعزية، لكن لا حاجة إليه، لأن الأصل الجواز ما لم يقع منكر، والله -تعالى- أعلم.
وأما مدتها فقد حصل فيها نزاع، ذلك أن التعزية مستحبة في مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم قبل الدفن وبعده، ولا وجه لمن منع التعزية بعد الدفن كسفيان الثوري، وأما حديث جابر بن عتيك عند الخمسة إلا الترمذي (ابن ماجة (2803) وأبو داود (3111) والنسائي (3194) وأحمد (23751)) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"دعهن يبكين ما دام عندهن، فإذا وجب فلا تبكين عليه باكية" فهو حديث إن سلم من الاضطراب لم يكن فيه دليل على منع التعزية بعد الدفن؛ لأن المنصوص عليه البكاء، وفرق بين البكاء والتعزية، ولا يصح الاستدلال لمذهب سفيان "بحديث إنما الصبر عند الصدمة الأولى" البخاري (1283) ومسلم (926) وأن المراد تصبيره في أول الأمر، لأن التعزية: تصبير وتسلية، والتسلية لم يحدها الشارع بوقت.
وقد تنازع الناس هل تحد التعزية بثلاثة أيام كما في مذهب الأئمة الأربعة أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، أو لا تحد كما في قول طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد؟
وليس في المسألة دليل صريح، وإنما تمسك من يحدها بثلاثة أيام بأمرين:
أحدهما: أن المقصود من التعزية تسلية قلب المصاب، والغالب أن يسكن بعد ثلاثة أيام، فلا ينبغي تجديد حزنه بالتعزية بعدها.
الثاني: أن الشارع أذن في الإحداد ثلاثة أيام، فيجب أن تكون التعزية كذلك.(15/149)
والجواب: أن التعزية وردت في الشرع مطلقة، فلم يجز لأحد تقييدها بالرأي، ثم إن المصاب لا يسلو بعد ثلاثة أيام ولا عشرة، ولو سُلِّم ذلك فليست التعزية مقصورة على التسلية، بل من مقاصدها إشعار المصاب بوقوف الناس معه، وهذا من أسمى مقاصد الشريعة، لما فيه من جمع القلوب، بحيث يصير الناس كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد، وأما الإحداد فهو تعبير عن الحزن، فلا ينبغي أن يدوم أكثر من ثلاثة أيام على غير زوج، بخلاف التعزية التي هي تسلية، فإن اللائق أن يكون مدارها على موجبها، فمتى وجد المصاب حزيناً شرع لمن لم يعزه أن يعزيه، سواء كان ذلك في الأيام الثلاثة أو بعدها، فليس فيما ذكروا متمسك، وإنما الأعدل حمل الأدلة على عمومها وإطلاقها، فإن الغرض من التعزية الدعاء، والحمل على الصبر، والنهي عن الجزع، وهذا يحصل مع طول الزمان، والله -تعالى- أعلم.
وأما صنع الطعام لأهل الميت فإنه مسنون لأقربائهم وجيرانهم إما ثلاثة أيام كما في مذهب أحمد، وإما يوماً وليلة كما في مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي، لما أخرجه الخمسة، إلا النسائي (أحمد (1751) وأبو داود (3132) وابن ماجة (1610) والترمذي (998)) بإسناد صحيح عن عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد أتاهم ما يشغلهم".
وإنما المحظور الضيافة من أهل الميت، وهي أن يصنع أهل الميت طعاماً ويجمعوا الناس عليه، فإن هذا مكروه باتفاق العلماء؛ لحديث جرير بن عبد الله عند ابن ماجة (1612) وأحمد (6905) :"كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة"،إسناده جيد، والله -تعالى- أعلم.(15/150)
مقدار زكاة الزروع
المجيب د. محمد العروسي عبد القادر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 13/4/1423
السؤال
كيف أعرف حساب زكاة الثمار والزروع، ومعنى القيراط والمكيال، وكيف تعرف بالأرقام الحسابية؟
الجواب
الحبوب والثمار إذا بلغت بعد جفافها خمسة أوسق، والوسق= (122،16) كيلو، والخمسة أوسق= (610,8) ، وأما الزروع والبقول والخضروات فلا زكاة فيها عند الجمهور.
والحبوب: كالأرز والشعير، والثمار، كالتمر والزبيب والتين، وكل ما كان من هذه الأجناس مما يكال ويدخر، أي: يشترط فيه شرطان:
1-أن يكال ويوزن: أي: مما لا يعد كالبطيخ والقرع.
2-أن يدخر أي: يخزن ويحفظ مدة طويلة من غير برادات كالتمر والزبيب، وأغلب الحبوب.
فيجب فيها الزكاة إذا بلغت نصاباً، ونصابها خمسة أوسق.
ويخرج زكاتها إذا كانت تسقى دون كلفة ومؤنة، كأن تساق إليها جداول من أنهار أو تسقى بالأمطار، ففيها العشر.
وإن كانت تسقى بكلفة، كأن يسقيها بمضخات من مياه الآبار أو العيون، ففيها نصف العشر.
وأما سؤاله عن معنى القيراط والمكيال ... إلخ، فأحيله إلى الكتب التي تبحث عن المقادير الشرعية، كالمكيال، والميزان، والنقود، وهي كثيرة منها كتاب عبد الرؤوف المناوي، وابن الرفعة، ومحمد نجم الدين كردي وهو معاصر، والله -سبحانه- الموفق.(15/151)
إتمام المسبوق صلاته
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 3/6/1423
السؤال
سؤالي هو: كيف يكون إتمام بقية ركعات الصلاة عندما لا تدرك بأكملها مع الجماعة؟
وجزاكم الله خيراً.
مثل: عندما أدرك ثلاث ركعات من صلاة العشاء.
الجواب
سئل سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- عن سؤال مشابه لسؤالك، فإليك السؤال والجواب:
سـ/ دخل رجل المسجد ليصلي المغرب وأدرك ركعتين مع الإمام، وصلى الركعة الأخيرة وحده، فهل يجهر في هذه الركعة ويقرأ سورة الفاتحة على اعتبار أنه صلى الركعة الأخيرة مع الإمام أم تعد الركعة التي صلاها مع الإمام هي الثانية؟
جـ/ تعد الركعة التي قضاها بعد سلام إمامه هي الركعة الأخيرة، فلا يشرع له الجهر فيها؛ لأن الصحيح من قولي العلماء أن ما أدركه المسبوق من الصلاة يعد أول صلاته، وما يقضيه هو آخرها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" متفق عليه البخاري (635) ومسلم (603) ، واللفظ للبخاري.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله-] .(15/152)
النوم عن صلاة الفجر
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/4/1423
السؤال
إني أحاول قدر استطاعتي أن أصلي الفجر كل يوم، وأضبط المنبه، وأوكل أبي أن يوقظني، لكني كثيراً ما تفوتني الصلاة، فأستيقظ فأجد الشمس قد أشرقت، أحس بالضيق الشديد، ويؤنبني ضميري كثيراً، فهل عليّ إثم؟ وماذا أفعل لكي أحافظ على الصلاة؟ وأنا أدعو الله بأن يعينني، فهل تفويتي للصلاة غضب من الله عليّ؟
الجواب
نعم عليك إثم إن كانت هذه عادتك؛ لأن الواجب عليك أن تحتاطي لنفسك وتصلي الصلاة المفروضة في وقتها، وإن كان السائل رجلاً فمع المسلمين بالمسجد، وإن كان السائل امرأة ففي البيت، ويحرم تفويت الصلاة عن وقتها، وذلك تأخير الصلاة عن وقتها يسبب غضب الله ومقته؛ لأن الله -تعالى- يقول:" إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا" [النساء:103] أي: مفروضاً بالأوقات، أما إذا كان هذا نادراً منك مع أخذ الأسباب للاستيقاظ، لكن غلبك النوم ولم يتكرر هذا منك فلا إثم عليك -إن شاء الله-.
وعليك أن تهتمي بالاستيقاظ للصلاة في وقتها باتخاذ المنبهات، أو التأكيد على من يوقظك من أهل البيت، ولا تتساهلي بالصلاة وتؤخريها عن وقتها، فتجني على نفسك الإثم العظيم -والعياذ بالله-.(15/153)
النية في الأركان العملية
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/05/1425هـ
السؤال
ما وجه الخلاف في مشروعية النية بين الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد شرع الله النية لكل العبادات، وجعل ذلك شرطاً لصحة العبادة وقبولها، قال تعالى: "فاعبد الله مخلصاً له الدين"، والإخلاص لا يتحقق إلا بالقصد والنية، وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات"متفق عليه، وقوله: "إنما الأعمال" يفيد الحصر، أي: لا عمل إلا بنية، وفي الجملة فإن النية معتبرة في كل العبادات.
ومحل السؤال: الصلاة والصيام والزكاة والحج، وهذه العبادات من أركان الإسلام، وقد أجمع العلماء على أنها لا تصح إلا بنية، ولكن قد تفترق هذه العبادات فيما بينها فيما يتعلق بالنية، وذلك بالنظر إلى ماهية هذه العبادات، وهل هي متميزة بنفسها، أو لا؟ فالصلاة تشترط لها النية في أولها، ويستصحب المصلي هذه النية أثناء الصلاة، والصلاة من الأفعال المتميزة بنفسها؛ لأن أفعالها المتوالية من الوقوف، والركوع والسجود، لا تفعل في غير الصلاة بهذه الهيئة، ولكن تبقى النية التي تميز بين رتب العبادات، فينوي أن هذه الصلاة فرض أو نفل، وينويها فجراً أو ظهراً وهكذا.
أما الصيام فإنه يختلف عن الصلاة؛ فهو ليس من الأفعال المتميزة، فالإنسان قد يترك الأكل والشرب تطبباً أو نسياناً أو لعدم الحاجة ونحو ذلك، ولذلك فإن النية مشترطة للصيام، ولذلك قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له" رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وهذا الحديث يدل على أن النية يجب أن تتقدم على الصيام، ويستثنى من ذلك صوم التطوع، فإنه يصح بنية من النهار؛ فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يسأل أهله عن الطعام، فإن وجد شيئاً أكله وإلا صام.
وكذلك الصيام يفتقر إلى النية التي تميز بين الفرض والتطوع، والنذر والقضاء.
وكذلك الزكاة، فإن الإنسان مطالب بنيتها وقت دفعها لمستحقها؛ لأن دفع المال للمسكين قد يكون للتطوع، وقد يكون للزكاة، وقد يكون للنذر، ولا يتعين واحد من هذه المقاصد إلا بالنية، ولأجل اشتراط النية وقت دفع الزكاة لم يصح أن ينوي الإنسان احتساب بعض الأموال التي أقرضها لغيره من الزكاة؛ لأنه لم ينوها في الوقت المعتبر للنية، والنية لا يجوز أن تتأخر عن العبادة.(15/154)
أما الحج فهو مركب من أفعال عديدة كالإحرام والطواف والسعي والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى ورمي الجمرات……الخ، وكلها تفتقر إلى النية، فإذا أقدم على أول أفعال الحج وهو الإحرام، فإنه ينوي الحج، ويلبي بالنسك الذي أراده، وهذه التلبية ليست نطقاً بالنية، فإن الحج كسائر العبادات لا يُتلفظ فيها بالنية، ولو كانت التلبية تلفظاً بالنية لقال الملبي: نويت عمرة وحجا مثلاً، ولكنه لا يقول ذلك. أما محذورات الإحرام فإنها من المتروكات، والمتروكات لا تفتقر إلى نية، واجتنابها يحصل بعدم وقوعها، ولكن لو نوى الكف عنها امتثالاً لأمر الشارع فإنه يثاب على ذلك. والكلام على هذا الموضوع طويل جداً، وللعلماء على اختلاف مذاهبهم أقوال وآراء متعددة، ومن أراد الاطلاع على كلامهم فعليه بالكتب التي تتحدث عن النيات وما يتعلق بها، ومن أحسن هذه الكتب: كتاب قاعدة الأمور بمقاصدها، من تأليف شيخنا الدكتور/ يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين جزاه الله خيراً. والله الموفق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم.(15/155)
رفع القبر وكتابة بعض الآيات عليه
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 13/2/1425هـ
السؤال
هل يجوز رفع مستوى تربة القبر ووضع حجر على القبر مكتوب عليه بعض آيات القرآن؟.
الجواب
القبر لا يرفع إلا مقدار شبر، ويكون مسنماً على شكل سنام البعير وسطه مرتفع وحافتاه منخفضتان، ليعلم أنه قبر فيتوقى ولا يهان، وقد ورد عن جابر - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- رفع قبره عن الأرض قدر شبر انظر البخاري (1390) ، وقد روى القاسم بن محمد قال: قلت: يا عائشة يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرفة الحمراء، رواه أبو داود (3220) ، ولا يستحب رفعه أكثر من ذلك، والنبي - صلى الله عليه وسلم- لما بعث علياً ابن أبي طالب - رضي الله عنه- إلى اليمن قال له: "لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته" رواه مسلم (969) وغيره، والمشرف هو: المرتفع بدليل ما سبق من وصف قبر النبي - صلى الله عليه وسلم-، وأما وضع حجر عليه ليكون علامة فلا بأس بهذا، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما دفن عثمان بن مظعون أمر رجلاً أن يأتيه بحجر لم يستطع حمله، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحسر عن ذراعيه ثم حملها ثم وضعها عند رأسه وقال: "أعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي" أبو داود (3206) وحسنه الألباني.
وأما كونه يكتب عليه آيات فلا يجوز لأن هذا امتهان للآيات وامتهان للقرآن، وربما يتعلق به بعض الجهال والعوام فيظن أن لهذا القبر معنى زائداً يعتقد فيه شيئاً مما يعتقده الجهال الذين كثروا في زماننا. والله أعلم.(15/156)
قص الشارب وحلقه
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/5/1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما المقصود بحفوا أو قصوا الشوارب الواردة في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وهل يجوز إزالة الشارب كلياً؟ أرجو التوضيح في هذا الموضوع، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
سئل فضيلة الشيخ: محمد بن عثيمين -رحمه الله- عن سؤال مشابه لسؤالك، فإليك السؤال والجواب:
سـ/ ما الأفضل للرجل حلق الشارب أم قصه؟
جـ/ الأفضل قص الشارب -كما جاءت به السنة-، إما حفاً بأن يقص أطرافه مما يلي الشفة حتى تبدو، وإما إحفاء بحيث يقصه جميعه حتى يحفيه، وأما حلقه فليس من السنة، وقياس بعضهم مشروعية حلقه على حلق الرأس في النسك قياس في مقابلة النص فلا عبرة له، ولهذا قال مالك -رحمه الله- عن الحلق:"إنه بدعة ظهرت في الناس" فلا ينبغي العدول عما جاءت به السنة، فإن في اتباعها الهدى والصلاح والسعادة والفلاح.
[سلسلة كتاب الدعوة، الجزء الخامس الفتاوى الكبرى لفضيلة الشيخ: محمد بن عثيمين -رحمه الله- صـ80-81] .(15/157)
متى تزكى هذه المساهمات؟
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/09/1425هـ
السؤال
المال المساهم به في مشروع بناء وحدات سكنية، يستغرق المشروع أكثر من عام ثم تعرض الوحدات للبيع، وقبل مضي العام بعد البيع يدخل المال في مساهمة جديدة، هل تجب فيه الزكاة؟ حيث أُفتينا من بعض المشايخ بعدم الزكاة، وعند الزكاة هل تجب لحول الأصل أم من بداية المساهمة؟ وكيف يزكى؟ ولم تتحدد الأرباح بعد وإن كان المستثمر لا يزكي المال ولا يخبرنا بقيمته فما العمل؟ وهل نأثم لعدم الزكاة رغم الفتوى؟
والمساهمات العقارية في الأراضي ما الحول فيها، بداية المساهمة أم الأصل (أصل المال) ؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فالجواب: أن الزكاة تجب لحول الأصل لا من بداية المساهمة؛ لأن الأصل والمساهمة من نوع واحد فالانتقال من نوع إلى آخر لا يقتضي انقطاع الحول، هذا والزكاة تكون على رأس المال والربح معاً؛ لأن الربح حوله حول أصله، هذا إن كان يمكن تقدير الربح من صاحب المشروع أو منكم وإذا لم يمكن تقديره فيؤخر إلى حين العلم به، ثم يُزكى لما مضى من السنين وحده. هذا إذا كان صاحب المشروع لا يزكي المال، أما إذا أفاد أنه يزكيه وَوَثِقْتُم بقوله فلا زكاة إذاً؛ لأن الزكاة لا تجب إلا في الحول مرة ما عدا زكاة الزروع والثمار فتجب عند الحصاد.
هذا والحول في المساهمات العقارية بدايته من أصل المال؛ لما ذكرنا آنفاً من أن أصل المال والمساهمة من نوع واحد فيُبنى على حول الأصل.(15/158)
الإرضاع بقصد تحريم النكاح بين الأولاد!
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/04/1427هـ
السؤال
نحن مجموعة من الإخوان نرغب في إرضاع أبنائنا مع بعضهم البعض، وذلك لكي يعيشوا في منزل واحد، وكما هو معلوم فقد أصبحت الأوضاع في هذه الأيام تختلف عن السابق، فقد أثبت الطب كثرة الأمراض الوراثية عند زواج الأقارب ببعض، وكذلك فمن منطلق حرص الأخ على أخيه فلو تزوج شخص من قريبته ثم حصل الطلاق فقد يؤدي ذلك إلى تفكك الأسرة، فهل يجوز الإرضاع بين أبناء الأسرة الواحدة لتفادي كل تلك المشاكل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الرضاع سبب من أسباب المحرمية بالإجماع، بمعنى أن من ثبتت له صلة الرضاع بأحد، ثبتت بينهما المحرمية التي مقتضاها تحريم النكاح بينهما، وإباحة النظر الذي هو النظر بين المحارم، وهو ما يظهر غالباً من المرأة دون ما خفي، وإباحة الخلوة وكونه محرماً في السفر.
هذا الرضاع يثبت إذا تحقق فيه شرطان، أحدهما: كونه خمس رضعات معلومات؛ لما في صحيح مسلم (1452) عن عائشة قالت: كان فيما أنزل من القرآن: (عشر رضعات معلومات يحرمن) . ثم نسخن بخمس معلومات.
الشرط الثاني: وقوع هذا الرضاع من الأم المرضع حال كون الطفل -من ذكر أو أنثى- لم يتعدّ سنه حولين كاملين أي: سنتين قمريتين وليستا شمسيتين، لمجموع الأحاديث الواردة في هذا، ومنها ما في الترمذي (1152) وصححه: "لا يحرم من الرضاعة، إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام".
وهذا قول عامة أهل العلم، فإذا تحقق هذان الشرطان ثبت الرضاع، ولا يضر القصد منه، بل ذكر الفقهاء أن الرضاع يثبت إذا تحقق شرطاه، وإن كان القصد منه محرماً، مع أن القصد المسؤول عنه مباح وحينئذٍ يقال: لا بأس بالإرضاع المذكور وتثبت به محرمية الرضاع، إذا تحقق الشرطان المتقدمان، والله أعلم.(15/159)
أبُو الزوجِ الكافرُ هل هو مَحْرم؟!
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/05/1427هـ
السؤال
من المعروف في الشريعة الإسلامية أن أبا الزوج يعد من المحارم، ويمكن للمرأة أن تكشف أمامه شعرها وبعض جسدها، لكن يبقى السؤال: هل يجوز للمرأة أن تكشف شعرها أمام والد زوجها غير المسلم؟ أي أن الزوج مسلم، لكن أباه غير مسلم. فكيف يمكن للمرأة أن تتصرف في مثل هذا الموضع؟ ونحن نعلم أن معظم الغربيين غير المسلمين ليس لهم أخلاق، وطباعهم فاسدة في الكلام والحركات؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فنبين هنا الأصل في الحكم المسؤول عنه، ثم نبين ما خرج عن الأصل.
فأما الأصل في المحرم ومنه والد الزوج، أنه تتعلق به جميع أحكام المحرمية، من تحريم نكاحه بالمرأة التي هو محرم لها وهي محرم له، ومن جواز نظره إليها مما يجوز نظر المحارم إليه، وهو على الصحيح من أقوال أهل العلم: ما يبدو من المرأة في العادة ويشق عليها تغطيته في البيت، كالوجه، والشعر، والنحر، والكفين، والساعدين، والقدمين، وأسفل الساقين.
ومن أحكام المحرمية أيضاً: جواز الخلوة، والسفر، بحيث يكفي فيما يشترط له المحرم.
هذا الأصل دلت عليه العمومات في ذلك، كقوله -تعالى- في سورة النور: "وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ... " الآية [النور:31] . وكالأحاديث الواردة في الصحيحين وغيرها، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يخلون رجل بامرأة، إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ... " صحيح البخاري (1862) ، وصحيح مسلم (1341) . وغيرها.
وهذه العمومات قد دخل في عمومها المحرم الكافر؛ لأن الأدلة لم تستثن الكافر، فإنه يطلق عليه أب وابن وأخ وعم ووالد ... إلخ.
وعلى هذا جرى الفقهاء، فلم يستثنوا الكافر من أحكام المحرمية، لا في النظر، ولا في غيره، إلا ما رُوي عن الإمام أحمد -رحمه الله- من استثناء سفر الكافر بمحرمه المسلمة، فجعله مَحْرماً في النظر دون السفر؛ لعدم أمانته عليها.
فهذا هو الأصل في هذا الحكم، وهو إباحة النظر من المحرم، ولو كان كافراً، ولكن قد يُخْرَجُ عن هذا الأصل، فيمنع النظر، أو تمنع الخلوة، وذلك عند خشية الفتنة -وهذا عام في جميع المحارم وإن كانوا مسلمين- ولذا حرم العلماء بالإجماع نظر الشهوة، إلا من الزوج لزوجته أو العكس، وقال ابن عبد البر -رحمه الله- ما معناه: "ولو كان الأب ينظر بشهوة حرم عليه النظر".
فنقول في مسألة أبي الزوج الكافر: إن الأصل هو الإباحة، لكن لو خشيت المرأة منه، فإما أن تحتجب منه إن أمكن، فإن الكشف للمحرم ليس بواجب، لا سيما إن كان الاحتجاب سيقتصر على الشعر أي مع كشف الوجه، وإما أن تجتنب ما قد تخشى منه كالخلوة أو نحو ذلك، والمرأة حين تتقي الله فلها مخارج كثيرة بحيث تتفادى الحرج مع والد زوجها؛ "ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً"، والله -تعالى- أعلم.(15/160)
الصلاة في مسجد به قبر
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 13/8/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل تجوز الصلاة في مسجد فيه قبر قد أدخل عليه لاحقاً؟ وهل تجوز في مسجد كان مقبرة وصار مسجداً؟ وما الدليل؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
تصح الصلاة في المسجد الذي أُدخل فيه القبر، والواجب نبش القبر ونقله إلى مقابر المسلمين -إن كان مسلماً-، وتصح الصلاة في المسجد الذي كان مقبرة ونُبشت القبور وأُخرجت منه ثم بُني مسجداً.(15/161)
مسلم يشك في دينه
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/2/1425هـ
السؤال
لي صديق مسلم، ولكنه غير مقتنع بالدين! ويقول كلما ناقشُته: ما أدراك أن الدين الإسلامي دين صحيح؟! ويقول لي: أريد إثباتاً واقعيًّا غير القصص القديمة وغيرها، ولكنه لا يقتنع بكلامي، وأريد من فضيلتكم الإجابة؛ حتى يعود إلى رشده.
ودمتم في رعاية الله.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هذا الشخص ليس مؤمناً، وبالتالي فهو من الذين قال الله فيهم: "وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون" [التوبة:45] ، فهو متردد في الريب- والعياذ بالله من حاله-.
أما الاقتناع فيوجه إلى أن ينظر إلى معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم-، وأن ينظر في كتاب الكون المنشور، وهو ما في هذا الكون من الخلق، وأن ينظر في الكتاب المقروء، وهو الوحي المقروء، وما تضمنه من المعجزات، ومن الآيات البينات، فإذا نظر إلى هذا وتدبر فيه؛ فإنه في النهاية سيصل إلى الإيمان، يعرف أنه لم يُخلق من غير خالق، قال تعالى: "أم خُلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون" [الطور:35-36] ، فهو الذي خلق الإنسان، "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" [الذاريات:21] ، وخلق البيئة التي تحيط به من أفلاك وسماوات، وشمس، وقمر، والأرض التي يعيش عليها، والهواء الذي يستنشقه، وما حوله من منافع الأرض التي يتغذى منها، طبعاً خالق عظيم ليس جزءاً من هذا الكون، بل هو - سبحانه وتعالى- خلق هذا الكون.(15/162)
والذي ينظر - أيضاً- في معجزات الأنبياء وما قدر الله على أيديهم من معجزات خارقات، ومعجزات خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم- يتيقن يقيناً أن هذا من عند الله - سبحانه وتعالى-، وأهم شيء بالنسبة لهذا الشخص أن ينظر في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، فلو كان القرآن من عند غير الله ما وجد فيه - مثلاً- أطوار الجنين، الله - سبحانه وتعالى- يقول: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" [المؤمنون:12-14] ، هذه الأطوار الأربعة التي وصل إليها العلماء في هذا العصر الحديث كيف يتحدث عنها القرآن بوضوح وصراحة، لو لم يكن من عند الله - سبحانه وتعالى-؟ أيضاً كثير من الآيات التي وردت في القرآن الكريم سواء ما يتعلق بالإعجاز العلمي كآية إنزال الحديد: "وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ" [الحديد: من الآية25] ، وثبت علميًّا أن الحديد لم يطبخ في الأرض، وإنما طبخ في كون آخر، ثم أنزل الأرض واختلط بها، والقرآن الكريم قبل أربعة عشر قرناً، يقول: "أنزلنا الحديد" أضف إلى ذلك ما وجد في الكتب القديمة من وصف النبي - صلى الله عليه وسلم- وما جرى على يده - صلى الله عليه وسلم- من صلاح النفوس، وصلاح القلوب، وصلاح أمة كانت ضالة تائهة، وكل هذه المعجزات متعددة الأحوال، فهذه المعجزات عليه أن يراجعها، وأن ينظر فيها، وأن يقرأ القرآن بتدبر، وأن يجلس في مجالس العلم، وأن يتدبر فيما مضى من أجله، وما بقي من عمره، وفي مصيره، فكل هذا باختصار شديد، ولو أردنا أن نشرح المعجزات، والآيات لطال ذلك، ولكن نكتفي بهذا، ونشير على هذا الشخص بأن يطلب الهداية في الله - سبحانه وتعالى-: "مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً" [الكهف من الآية: 17] ، "إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ" [القصص من الآية: 56] ، فالهداية من عند الله - سبحانه وتعالى- فليطلب الهداية، وليتدبر آيات الله - سبحانه وتعالى- ويجالس العلماء، وليسأل عما وقر في قلبه، ويراجع كتاب: (دلائل النبوة) للبيهقي، فهو كتاب جمع كثيراً من معجزاته - صلى الله عليه وسلم- التي يستحيل أن تكون على يد شخص غير نبي معصوم من أنبياء الله - سبحانه وتعالى-، وفي أصل الحديد يراجع نتائج الإعجاز العلمي في القرآن التي نشرتها هيئة الإعجاز، وهي نتائج كثيرة جداً.. الذي لا يدع مجالاً في أن القرآن ليس من عند البشر، وإنما هو من عند الله - سبحانه وتعالى-، هذا الذي نستطيع أن نقوله في الوقت الحاضر، وكما قلت فليذهب للعلماء ويجالسهم، وليدع الله - سبحانه وتعالى- ويسأله الهداية.(15/163)
تأخير الحج بدون عذر
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/11/1424هـ
السؤال
ما حكم من أخر الحج بدون عذر وهو قادر عليه ومستطيع؟
الجواب
من قدر على الحج ولم يحج الفريضة وأخره لغير عذر، فقد أتى منكراً عظيماً ومعصية كبيرة، فالواجب عليه التوبة إلى الله من ذلك والبدار بالحج؛ لقول الله سبحانه:" ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن غني عن العالمين" [آل عمران:97] ، ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:" بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان" متفق على صحته انظر صحيح البخاري (8) ، وصحيح مسلم (16) ، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- لما سأله جبرائيل عليه السلام عن الإسلام، قال:" أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" أخرجه مسلم في صحيحه (8) ، من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. والله ولي التوفيق.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- الجزء السادس عشر ص (359) ](15/164)
هل يشرع أن يقترض ليحج؟
المجيب د. شرف بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/11/1424هـ
السؤال
أرغب في الحج لهذا العام، ولكن لا أملك نقوداً، فهل يجوز الاقتراض لأداء فريضة الحج، مع العلم أن علي ديناً سابقاً؟
الجواب
أخي الكريم: ما دام أنك لا تملك نقوداً فلا يلزمك أن تقترض لتحج، لأنه لا يلزمك الحج لأنك غير مستطيع، ولا يجب الحج إلا على المستطيع، لكن لو اقترضت ثم حججت وعليك دين سابق صح حجك، وأجزأ عن الفريضة، والله أعلم.(15/165)
العمرة واجبة في العمر مرة
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/09/1425هـ
السؤال
حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: " إن الله كتب عليكم الحج" فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم-:" لو قلتها لوجبت؛ الحج مرة فمن زاد فهو تطوع" رواه الخمسة إلا الترمذي وأصله في مسلم من حديث أبي هريرة. ألا يدل على عدم وجوب العمرة؟
الجواب
الأدلة متنوعة وهذا في الحج، والعمرة لها أدلتها، والصواب أنها واجبة مرة في العمر كالحج وما زاد فهو تطوع؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح لعائشة -رضي الله عنها-لما سألته هل على النساء جهاد؟ قال:" نعم. جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة"، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-لما سأله جبرائيل -عليه السلام- عن الإسلام قال:" الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج وتعتمر" أخرجه ابن خزيمة والدارقطني بإسناد صحيح. ولأدلة أخرى.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- الجزء السادس عشر ص (355) ](15/166)
الصلاة على الميت قبل تغسيله
المجيب د. فيحان بن شالي المطيري
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/11/1424هـ
السؤال
توفي والدي -رحمه الله- وبقي عندنا في المنزل طيلة الليل، وأراد أهل الميت الصلاة عليه قبل تغسيله؛ لأنه لا يوجد في المسجد مصلى للنساء، ولا يتمكنون من إعادته للبيت بعد تغسيله، وقرأت في (كشاف القناع) أنه لا تصح الصلاة عليه قبل غسله وتكفينه، ولكن لم أجد دليلاً على ذلك، مع العلم أن الصلاة مكتملة الشروط والأركان، ولم يذكر أحد من أهل العلم، ولم يرد في حديث ما يدل على أن تغسيل الجنازة قبل الصلاة عليها شرط من شروط الصلاة، وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على الاستحباب والأفضلية، بينوا لنا جزاكم الله خيراً مع الاستدلال.
الجواب
اشترط بعض الفقهاء تغسيل الميت لصحة الصلاة عليه، والذي يظهر لي عدم اشتراط ذلك فتصح الصلاة عليه، سواء غسل أو لم يغسل، وإن كان الأفضل تغسيله إذا أمكن ذلك، وإذا لم يمكن فالتيمم يقوم مقام الغسل؛ لأنه ينوب عن الماء عند عدمه أو عدم القدرة على استعماله، وإنما قلنا الأولى خروجاً من خلاف أهل العلم الذين قالوا باشتراط طهارته للصلاة عليه، وإنما قلنا بعدم اشتراط ذلك لما يلي:
1- ما تقرر أن غسل الميت أمر تعبدي غير معلل، بدليل أنه لو غسل ثم خرج منه شيء بعد الغسل أثناء الصلاة عليه لم يمنع صحة الصلاة؛ لأن طهارة المصلي شيء وطهارة الميت شيء آخر، فإذا توفرت أركان الصلاة وشروطها من المصلي صحت باتفاق أهل العلم.
2- ما ورد في السنة الصحيحة أن الشهيد لا يغسل ويدفن في ثيابه، وقد قال جمع من أهل العلم: أنه يصلى عليه، ولم تمنع الصلاة عليه لنجاسته عند من قال به وإنما لفضله.
3- القول باشتراط طهارته عند الصلاة عليه يتوقف على معرفة الدليل؛ لأن العبادة أمر توقيفي، ولم يوجد دليل يدل على اشتراط ذلك، وما نقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من فعله يفيد الاستحباب دون الاشتراط، والله أعلم.(15/167)
حلق اللحية
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/7/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم حلق اللحية؟ وما الأدلة الشرعية من القرآن والسنة وأقوال السلف الصالح على وجوب عدم حلقها أو تحديدها؟ أي: إزالة البعض منها لتكون حسب قول البعض بصورة أجمل، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
سئل فضيلة الشيخ: محمد بن عثيمين -رحمه الله- عن سؤال مشابه لسؤالك، فإليك السؤال والجواب:
سـ/ هل يجوز تقصير اللحية خصوصاً ما زاد على القبضة فقد سمعنا أنه يجوز؟
جـ/ جاء في الصحيحين البخاري (5892) ومسلم (259) وغيرهما من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"خالفوا المشركين ووفروا اللحى وأحفوا الشوارب" هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم:"خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى" وفي لفظ:"أعفوا" وله من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- (260) ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس"، وله من حديث عائشة -رضي الله عنها- (261) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"عشر من الفطرة: قص الشارب وإعفاء اللحية" وذكر بقية الحديث.
وهذه الأحاديث تدل على وجوب ترك اللحية على ما هي عليه وافية موفرة عافية مستوفية، وأن في ذلك فائدتين عظيمتين:
إحداهما: مخالفة المشركين حيث كانوا يقصونها أو يحلقونها، ومخالفة المشركين فيما هو من خصائصهم أمر واجب؛ ليظهر التباين بين المؤمنين والكافرين في الظاهر كما هو حاصل في الباطن، فإن الموافقة في الظاهر ربما تجر إلى محبتهم وتعظيمهم والشعور بأنه لا فرق بينهم وبين المؤمنين، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"من تشبه بقوم فهو منهم" أبو داود (4031) ، وأحمد (5115) قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"أقل أحوال هذا الحديث التحريم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم".
ثم إنه في موافقة الكفار تعزيزاً لما هم عليه، ووسيلة لافتخارهم وعلوهم على المسلمين حيث يرون المسلمين أتباعاً لهم، مقلدين لهم، ولهذا كان من المقرر عند أهل الخبرة في التاريخ أن الأضعف دائماً يقلد الأقوى.
الفائدة الثانية: أن في إعفاء اللحية موافقة للفطرة التي فطر الله الخلق على حسنها وقبح مخالفتها، إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته، وبهذا علم أنه ليست العلة من إعفاء اللحية مخالفة المشركين فقط بل هناك علة أخرى وهي موافقة الفطرة.
ومن فوائد إعفاء اللحية: موافقة عباد الله الصالحين من المرسلين وأتباعهم كما ذكر الله -تعالى- عن هارون أنه قال لموسى -صلى الله عليهما وسلم-:"يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي" [طه:94] وفي صحيح مسلم (2344) عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- في وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"وكان كثير شعر اللحية".(15/168)
أما ما سمعتم من بعض الناس أنه يجوز تقصير اللحية خصوصاً ما زاد على القبضة، فقد ذهب إليه بعض أهل العلم فيما زاد على القبضة، وقالوا: إنه يجوز أخذ ما زاد على القبضة استناداً إلى ما رواه البخاري (5892) عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، أنه كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما زاد أخذه، ولكن الأولى الأخذ بما دل عليه العموم في الأحاديث السابقة فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستثن حالاً من حال.
[مجموع فتاوى ورسائل الشيخ: محمد بن عثيمين -رحمه الله- (11/127) ] .(15/169)
وفاء الدين قبل الحج
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/11/1422
السؤال
عليَّ دين وأريد الحج فهل يجوز لي ذلك؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا كان لديك مال يتسع للحج ولقضاء الدين فلا بأس، أما إذا كان المال لا يتسع لهما، فابدأ بالدين؛ لأن قضاء الدين مقدم، والله سبحانه وتعالى يقول:" ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا" وأنت لا تستطيع؛ لأن الدين يمنعك من الاستطاعة، أما إذا كان لديك مال كاف لسداد الدين وأداء الحج فلا بأس أن تحج وأن تفي بالدين، بل هو الواجب عليك للآية المذكورة وما جاء في معناها من الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- الجزء السادس عشر ص (392) ](15/170)
حكم الحج عمَّن مات ولم يحج
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/11/1422
السؤال
من مات ولم يحج لمرض أو فقر ونحوه هل يحج عنه؟
الجواب
ن مات قبل أن يحج فلا يخلو من حالين:
إحداهما: أن يكون في حياته يستطيع الحج ببدنه وماله فهذا يجب على ورثته أن يخرجوا من ماله لمن يحج عنه؛ لكونه لم يؤدِ الفريضة التي مات وهو يستطيع أدائها وإن لم يوصِ بذلك، فإن أوصى بذلك فالأمر آكد، والحجة في ذلك قول الله سبحانه:" ولله على الناس حج البيت" الآية، والحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له رجل: إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع الحج ولا الظعن، أفأحج عنه؟ فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-:" حج عن أبيك واعتمر". وإذا كان الشيخ الكبير الذي يشق عليه السفر وأعمال الحج يحج عنه فكيف بحال القوي القادر إذا مات ولم يحج؟! فهو أولى وأولى بأن يحج عنه. وللحديث الآخر الصحيح أيضاً أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:" حجي عن أمك".
أما الحال الثانية: وهي ما إذا كان الميت فقيراً لم يستطع الحج، أو كان شيخاً كبيراً لا يستطيع الحج وهو حي، فالمشروع لأولياء مثل هذا الشخص كابنه وبنته أن يحجوا عنه؛ للأحاديث المتقدمة؛ ولحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلاً يقول: " لبيك عن شبرمة" قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- من شبرمة؟ قال: " أخ لي أو قريب لي" فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-:" حججت عن نفسك" قال: لا، قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-:" حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة". وروي هذا الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- موقوفاً عليه. وعلى كلتا الروايتين فالحديث يدل على شرعية الحج عن الغير سواء كان الحج فريضة أو نافلة. وأما قوله تعالى:" وأن ليس للإنسان إلا ما سعى"، فليس معناها أن الإنسان ما ينفعه عمل غيره، ولا يجزئ عنه سعي غيره، وإنما معناها عند علماء التفسير المحققين أنه ليس له سعي غيره، وإنما الذي له سعيه وعمله فقط، وأما عمل غيره فإن نواه عنه وعمله بالنيابة، فإن ذلك ينفعه ويثاب عليه، كما يثاب بدعاء أخيه له وصدقته عنه، فهكذا حجه عنه وصومه عنه إذا كان عليه صوم؛ للحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" من مات وعليه صيام صام عنه وليه"، أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة، وهذا يختص بالعبادات التي ورد الشرع بالنيابة فيها عن الغير، كالدعاء والصدقة والحج والصوم، أما غيرها فهو محل نظر واختلاف بين أهل العلم، كالصلاة والقراءة ونحوهما، والأولى الترك، اقتصاراً على الوارد واحتياطاً للعبادة، والله الموفق.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- الجزء السادس عشر ص (398) ](15/171)
زكاة الأسهم
المجيب د. راشد بن أحمد العليوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/11/1422
السؤال
أرجو التكرم ببحث عن أحكام زكاة المال المدخر في شكل أسهم محلية، حيث إن القيمة الدفترية والتي بموجبها تحسب الزكاة للدولة غالباً ما تكون لا تتوافق مع القيمة السوقية والتي تمثل المال المستثمر.
الجواب
زكاة الأسهم:
يعني السهم في شركات المساهمة أن صاحبه يمتلك حصة ونصيباً وجزءاً مشاعاً في هذه الشركة، وزكاة الأسهم تختلف حسب طبيعة نشاط الشركة، فالشركات الزراعية تكون الزكاة على الناتج الزراعي، والشركات الصناعية زكاتها على الناتج الصناعي، فالآلات والإنشاءات والتركيبات والسيارات والمعدات لا زكاة عليها، والشركات التجارية التي تتعامل ببيع المواد الغذائية والصحية والمواشي - تجارة - تزكي هذه الأشياء المعدة للبيع زكاة عروض تجارة، وهكذا يختلف من الناحية الفقهية حساب الزكاة من شركة إلى أخرى حسب طبيعة نشاطها - هذا من جهة -، ومن جهة أخرى يختلف مقدار زكاة الأسهم حسب نية المساهم، فالمساهمون على نوعين، فمنهم من يمتلك الأسهم بنية الحصول على أرباحها السنوية، ومنهم من يمتلكها بنية المتاجرة فيها والتربص بها فيشتريها في حال انخفاض سعرها لبيعها إذا ارتفع، فهذا متاجر في الأسهم.
وتقوم مصلحة الزكاة والدخل التابعة لوزارة المالية والاقتصاد الوطني باستيفاء الزكاة من الشركات المساهمة، ولا تتمكن من مراعاة التفريق بين نية المساهم مريداً للأرباح السنوية أم متاجراً، وبالتالي فتكون القيمة المدفوعة زكاة غير مطابقة لواقع المساهمين، بل إنها غير دقيقة في مراعاة الأمر الأول وهو اختلاف حساب الزكاة من شركة إلى أخرى حسب طبيعة نشاطها؛ لصعوبات فنية، وإشكالات فقهية يتعين عليها حلها قدر المستطاع، وهناك جدل لم يحسم بعد بين المصلحة وبعض الشركات المساهمة في كيفية تحديد وعاء الزكاة.
وتحدد مصلحة الزكاة والدخل وعاء الزكاة بناءً على الأمور التالية:
01رأس المال المدفوع في أول العام.
02 صافي الربح السنوي في نهاية العام.
03 الأرباح المرحلة عن سنوات سابقة
04 كلفة الاحتياطيات.
05 مجمع استهلاك الأصول الثابتة في أول العام.
06 رصيد الحساب الدائن للشركة في أول العام.
07 الأرباح تحت التوزيع.
مع وجود بعض القيود والاستثناءات في تفاصيل هذه الأمور، ثم تخصم منها الأشياء التالية لتحديد صافي وعاء الزكاة:
01 صافي قيمة الأصول الثابتة.
02 الخسائر الحقيقية.
03 الاستثمارات في منشآت أخرى.
فالحاصل أن زكاة الأسهم موضوع دقيق وشائك ومختلف من شركة إلى أخرى، بل ومن عام إلى آخر لنفس الشركة وهكذا.(15/172)
ولكن يمكن القول إجمالاً بأن الذي يشتري الأسهم بنية الحصول على أرباحها السنوية تكفي المبالغ المدفوعة لمصلحة الزكاة، ولا يلزم الشخص أن يدفع شيئاً إضافياً إلا أن تكون شركات كل نشاطها عروض تجارة، فالمبلغ المدفوع للمصلحة لا يكفي - غالباً -، وكذلك أيضاً إذا كان المساهم قد اشترى الأسهم بنية المتاجرة فيها سواء كانت شركات كل نشاطها عروض تجارة أم كانت غير ذلك صناعية، أو زراعية، أو غيرها، فهذه زكاتها تكون بتقدير قيمتها السوقية في يوم وجوب الزكاة على المكلف، فينظر كم تساوي في السوق؟ فهذا هو كل وعاء زكاته شرعاً، ولكن مصلحة الزكاة قد أخذت زكاة عنها، والغالب أنه أقل من قيمتها السوقية فيدفع صاحب هذه الأسهم الفرق، ومقدار هذا الفرق يتطلب معرفة بأرقام مالية في الشركة لا يستطيع المساهم العادي معرفتها، بل ولا فهمها، وهو يختلف من شركة لأخرى ومن حول لآخر، وحبذا لو أن الإدارات المالية في الشركات أوضحت ذلك لمساهميها، ولهذا فإن كثيراً من المساهمين يقومون بتقويم أسهمهم وفق القيمة السوقية لها يوم وجوب الزكاة ثم يخرجون زكاة جميع القيمة، دون اعتداد منهم بما دفعته إدارة الشركة لمصلحة الزكاة لجهلهم بمقداره، وهؤلاء قد أدوا الواجب وزيادة، وإتماماً للفائدة أذكر قرار مجمع الفقه الإسلامي، ونصه كما يلي:
" قرار رقم 28 (3/4) "
بشأن الأسهم في الشركات
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من (18-23 جمادى الآخرة 1408هـ) الموافق (6/11/شباط (فبراير) 1988م) بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع زكاة أسهم الشركات، قرر ما يلي:
أولاً: تجب زكاة الأسهم على أصحابها، وتخرجها إدارة الشركة نيابة عنهم إذا نص في نظامها الأساسي على ذلك، أو صدر به قرار من الجمعية العمومية، أو كان قانون الدولة يلزم الشركات بإخراج الزكاة، أو حصل تفويض من صاحب الأسهم لإخراج إدارة الشركة زكاة أسهمه.
ثانياً: تخرج إدارة الشركة زكاة الأسهم كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله، بمعنى: أن تعتبر جميع أموال المساهمين بمثابة أموال شخص واحد، وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار من حيث نوع المال الذي تجب فيه الزكاة ومن حيث النصاب، ومن حيث المقدار الذي يؤخذ وغير ذلك مما يراعى في زكاة الشخص الطبيعي، وذلك أخذاً بمبدأ الخلطة عند من عممه من الفقهاء في جميع الأموال، ويطرح نصيب الأسهم التي لا تجب فيها الزكاة، ومنها: أسهم الخزانة العامة، وأسهم الوقف الخيري، وأسهم الجهات الخيرية، وكذلك أسهم غير المسلمين.
ثالثاً: إذا لم تزكِ الشركة أموالها لأي سبب من الأسباب فالواجب على المساهمين زكاة أسهمهم، فإذا استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة لو زكت الشركة أموالها على النحو المشار إليه، زكى أسهمه على هذا الاعتبار؛ لأنه الأصل في كيفية زكاة الأسهم.(15/173)
وإن لم يستطع المساهم معرفة ذلك فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي وليس بقصد التجارة، فإنه يزكيها زكاة المستغلات، وتمشياً مع ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية بالنسبة لزكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية، فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع، وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع، مع اعتبار توافر شروط الزكاة وانتفاء الموانع، وإن كان المساهم قد اقتنى الأسهم بقصد التجارة، زكاها زكاة عروض التجارة، فإذا جاء حول زكاته وهي في ملكه زكى قيمتها السوقية وإذا لم يكن لها سوق زكى قيمتها بتقويم أهل الخبرة، فيخرج ربع العشر (2.5%) من تلك القيمة ومن الربح إذا كان للأسهم ربح.
رابعاً: إذا باع المساهم أسهمه في أثناء الحول ضم ثمنها إلى ماله وزكاه معه عندما يجيء حول زكاته، أما المشتري فيزكي الأسهم التي اشتراها على النحو السابق.(15/174)
حكم الحج عمَّن قد حج فرضه
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/11/1422
السؤال
حجت أمي سبع حجات فهل يجوز لي أن أحج عنها بنفسي أم لا؟
الجواب
نعم يجوز لك أن تحجي عنها حجة ثامنة أو أكثر وهذا من برها ولك في ذلك أجر عظيم إذا كنت قد حججت عن نفسك، وكانت متوفاة أو عاجزة عن الحج لكبر السن أو مرض لا يرجى برؤه، وأسأل الله عز وجل أن يمنحني وإياك الفقه في دينه والثبات عليه.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- الجزء السادس عشر ص (405) ](15/175)
حكم الختان للذكر والأنثى
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/04/1425هـ
السؤال
ما حكم الختان بالنسبة للذكر والأنثى؟ وهل له فائدة من الناحية الطبية؟
الجواب
سئل الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- عن سؤال مشابه لسؤالك، نذكر لك فيما يلي نص السؤال والإجابة:
سئل الشيخ عن حكم الختان في حق الرجال والنساء؟
فأجاب بقوله: حكم الختان محل خلاف، وأقرب الأقوال أن الختان واجب في حق الرجال، سنة في حق النساء، ووجه التفريق بينهما أن الختان في حق الرجال فيه مصلحة تعود إلى شرط من شروط الصلاة وفي الطهارة؛ لأنه إذا بقيت القلفة، فإن البول إذا خرج من ثقب الحشفة بقي وتجمع في القلفة، وصار سبباً إما لاحتراق أو التهاب، أو لكونه كلما تحرك خرج منه شيء فيتنجس بذلك.
وأما المرأة فإن غاية ما فيه من الفائدة أنه يقلل من غلمتها، أي: شهوتها، وهذا طلب كمال، وليس من باب إزالة الأذى.
واشترط العلماء لوجوب الختان، ألا يخاف على نفسه، فإن خاف على نفسه من الهلاك أو المرض، فإنه لا يجب؛ لأن الواجبات لا تجب مع العجز، أو مع خوف التلف، أو الضرر.
ودليل وجوب الختان في حق الرجال:
أولاً: أنه وردت أحاديث متعددة بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر من أسلم أن يختتن، والأصل في الأمر الوجوب.
ثانياً: أن الختان ميزة بين المسلمين والنصارى، حتى كان المسلمون يعرفون قتلاهم في المعارك بالختان، فقالوا: الختان ميزة، وإذا كان ميزة فهو واجب لوجوب التمييز بين الكافر والمسلم، ولهذا حرم التشبه بالكفار؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم".
ثالثاً: أن الختان قطع شيء من البدن، وقطع شيء من البدن حرام، والحرام لا يستباح إلا لشيء واجب، فعلى هذا يكون الختان واجباً.
رابعاً: أن الختان يقوم به ولي اليتيم وهو اعتداء عليه واعتداء على ماله؛ لأنه سيعطي الخاتن أجره، فلولا أنه واجب لم يجز الاعتداء على ماله وبدنه، وهذه الأدلة الأثرية والنظرية تدل على وجوب الختان في حق الرجال، أما المرأة ففي وجوبه عليها نظر؛ فأظهر الأقوال أنه واجب على الرجال دون النساء، وهناك حديث ضعيف، وهو: "الختان سنة في حق الرجال مكرمة في حق النساء"، فلو صح هذا الحديث لكان فاصلاً.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-، ج11 صـ117](15/176)
هل على الطفل إتمام العمرة؟
المجيب د. شرف بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 7/9/1424هـ
السؤال
ذهبت إلى العمرة في شهر رمضان، وكان معي أطفالي (لم يبلغوا السابعة من العمر) وفي منتصف السعي ناموا فوضعتهم في أحد الجوانب، وأكملت السعي والعمرة لوحدي فهل عليّ شيء لأني لم أكمل عمرة أطفالي؟.
الجواب
السعي ركن من أركان العمرة، فلا تصح العمرة للأطفال حتى يسعوا ويحلقوا رؤوسهم، هذا إذا كانوا محرمين، ولكن هناك رأي لبعض العلماء بأن الأطفال لا يلزمهم الإتمام لأنهم غير مكلفين، ولعل هذا الرأي الأخير أرجح، فلا شيء على أطفالك - إن شاء الله -.(15/177)
حج الصبي لا يجزئه عن حجة الإسلام
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/11/1422
السؤال
هل حج الصبي الذي لم يبلغ يغنيه عن حجة الإسلام؟
الجواب
احرج أن يحج الصبي، بحيث يُعلَّم ويحج ويكون له ذلك نافلة، ويؤجر عن حجه، لكن لا يجزئه عن حجة الإسلام، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال:" أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى"، وقد قالت امرأة للرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعها صبي صغير:" يا رسول ألهذا حج؟ فقال: نعم ولك أجر"، وقال الصحابة: كنا نلبي عن الصبيان ونرمي عنهم.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- الجزء السادس عشر ص (375) ](15/178)
الترفيه الرياضي داخل المسجد
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/11/1422
السؤال
هل يجوز لعب كرة المضرب (تنس الطاولة) أو ما شابهها من الألعاب داخل المسجد، أو صالة مفتوحة عليه؟
الجواب
إذا احتاج المسلمون لمثل هذا فلا حرج عليهم بشرط ألا يشوشوا على المصلين والمتعلمين الملازمين للمسجد، وقد كان الحبشة يلعبون ويرقصون بحرابهم في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ينظر إليهم، ويحثّهم على ذلك.(15/179)
كيفية إحرام الصبي ولوازمه
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/11/1422
السؤال
لو حججت بطفلي الصغير ولبيت عنه ولكننا لمن نستطع أن نكمل حجه فهل علينا شيء؟
الجواب
ستحب لمن حج بالطفل من أب أو أم أو غيرهما أن يلبي عنه بالحج، وهكذا العمرة؛ لما ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن امرأة رفعت إليه صبياً فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: " نعم ولك أجر" أخرجه مسلم في صحيحه. ويكون هذا الحج نافلة للصبي ومتى بلغ وجب عليه حج الفريضة إذا استطاع السبيل لذلك، وهكذا الجارية وعلى من أحرم عن الصبي أو الجارية أن يطوف به، ويسعى به، ويرمي عنه الجمار، ويذبح عنه هدياً إن كان قارناً أو متمتعاً، ويطوف به طواف الوداع عند الخروج؛ للحديث المذكور ولما جاء في معناه من الأحاديث والآثار عن الصحابة -رضي الله عنهم-. ومن قصر في ذلك فعليه أن يتمم. فإن كان قد ترك الرمي عنه، أو ترك طواف الوداع، فعليه عن ذلك دم يذبح في مكة للفقراء من مال الذي أحرم عنه، وإن كان لم يطف به طواف الإفاضة أو لم يسع به السعي الواجب فعليه أن يرجع به إلى مكة ويطوف ويسعى، وإذا كان من معه الصبي أو الجارية يخشى ألا يقوم بالواجب فليترك الإحرام عنه؛ لأن الإحرام عنه ليس واجباً ولكنه مستحب لمن قدر على ذلك. والله ولي التوفيق.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- الجزء السادس عشر ص (375) ](15/180)
كيف أخرج زكاة تلك المحلات؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/11/1422
السؤال
لدي محلات لاستبدال براميل الغاز وبيع مستلزماته كانت للوالد، كُلّفت بعد كبر سنه أن أشرف عليها، سؤالي: كيف أخرج زكاة تلك المحلات علماً أنني لا أعرف رأس المال الذي بدأ به الوالد؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا يلزم - أخي - أن تعرف مبدأ رأس المال، وإنما عليك أن تؤدي الزكاة اعتباراً من حول والدك، فإذا تم الحول تخرج الزكاة، وتكون الزكاة عن الأموال التي تباع في المحل من عروض التجارة ونحوها، وأما البراميل التي تستبدل والأجهزة الموجودة في المحل من رافعة ونحوها من الأشياء التي تلزم المحل فهذه لا زكاة فيها والحمد لله، وتزكي رأس المال والربح يعني: تنظر عند تمام الحول ما بين يديك من أموال من عروض التجارة التي هي تستبدل وتباع وتشترى فتزكيها، وكذلك الرصيد الذي يكون عندك قد حال عليه الحول، فهذه طريقة الزكاة، وتحرص أن تبرئ ذمتك، ولا يلزم أن تعرف مبدأ رأس المال، وإنما تحصي ما بين يديك إذا عرفت نهاية الحول وتحصي مما يكون من عروض التجارة وتزكيه.(15/181)
صلاة الجماعة
المجيب عبد الله بن عبد الوهاب بن سردار
خطيب جامع العمودي بالمدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 9/1/1425هـ
السؤال
نرجو من فضيلتكم التكرم بتوضيح حكم صلاة الجماعة بالأدلة الشرعية، وكيف الرد على من يقول إنها ليست واجبة بل هي سنة مؤكدة أو هي من قبيل فروض الكفايات؟ شكر الله لكم مع دلالتنا لبعض المراجع التي نستفيد منها في هذا الموضوع ومن أحسن من كتب فيها؟
الجواب
صلاة الجماعة واجبة، وذلك لأدلة كثيرة منها:
(1) أن الله عز وجل أمر المسلمين في حال الخوف في الحرب بصلاة الجماعة ما داموا مستطيعين فقال -تعالى-: "وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك" [النساء: 102] ، فمن كان في حال السلم فهو أولى بوجوب الجماعة عليه، ولاحظ كيف أن الله أسقط عنهم جزءاًَ من الصلاة ولم يسقط عنهم صلاة الجماعة.
(2) حديث ابن أم مكتوم -رضي الله عنه- أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- إني رجل ضرير البصر شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: هل تسمع النداء قال: نعم قال: لا أجد لك رخصة. رواه أبو داود (552) ، وأحمد (15064) ، والنسائي (851) ، وابن ماجة (792) ، وابن خزيمة، قال عنه النووي صحيح أو حسن وقال المنذري: إسناده جيد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
فهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي ما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً كما صح ذلك عنه فيما رواه البخاري (3560) ، ومسلم (2327) ، من حديث عائشة -رضي الله عنها-، فيختار هنا للأعمى أن يأتي للمسجد مع صعوبته عليه.
ثم لاحظ أنه قال: لا أجد لك رخصة، والرخصة لا تكون إلا من واجب، أما ترك سنة فلا يحتاج إلى رخصة.
ثم تأمل بعض أقوال الصحابة -رضي الله عنهم- مثل قول ابن مسعود -رضي الله عنه-: (ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم) رواه مسلم (654) ، ولا يوصف بالضلال إلا من ترك واجباً أو ارتكب محرماً. وقول أبي هريرة -رضي الله عنه-: لأن يمتلئ أذنا ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع المنادي فلا يجيبه. وليس هذا محل جمع الأدلة فأحيلك على أحد الكتب التالية:
صلاة الجماعة د. سعيد بن علي القحطاني.
أهمية صلاة الجماعة د. فضل إلهي
الرد على من قال إنها سنة: (إنكم قلتم: (إن الجماعة سنة بدليل أن صلاة المنفرد صحيحة ولها فضل كما في حديث: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" رواه البخاري (645) ، ومسلم (650) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- فكيف يكون لها فضل وصاحبها آثم بترك الجماعة؟
والجواب: أن هذا ممكن فقد يقوم العبد بعبادة يترك فيها واجباً من الواجبات لكن عبادته صحيحة ولها فضل وهو آثم بترك ذلك الواجب، كالذي يحج ولا يطوف طواف الوداع.
الرد على من قال إنها فرض كفاية: لو كانت فرض كفاية لما همّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بتحريق بيوت الذين لا يشهدون الجماعة واكتفى بالذين يشهدون الجماعة معه لأن الإثم يسقط عمن لم يحضر، انظر ما رواه البخاري (644) ، ومسلم (651) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- والله أعلم.(15/182)
بم تدرك الركعة والجماعة؟
المجيب د. عبد الله بن عمر السحيباني
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 7/11/1424هـ
السؤال
بم تدرك الركعة؟ وبم تدرك الصلاة؟ مع الإيضاح.
الجواب
الركعة تدرك بإدراك الركوع مع الإمام، وذلك بأن يلتقي هو وإمامه في حد أقل الركوع، ولا يضره سبق الإمام بالقراءة، ويدل لذلك حديث: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" البخاري (580) ومسلم (607) كما يدل له حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- وكان ركع دون الصف، ولم يأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإعادة، انظر: البخاري (783) وهذا الحكم على اتفاق بين الأئمة، وحكى الإجماع عليه غير واحد من العلماء، وعليه عمل الناس من زمن الصحابة -رضي الله عنهم- إلى اليوم.
أما إدراك الصلاة فتدرك بتكبيرة الإحرام قبل سلام الإمام التسليمة الأولى، وقال بعض أهل العلم: إن فضل الجماعة لا يدرك إلا بإدراك ركعة مع الإمام، والله أعلم.(15/183)
تعدد المصليات في المكان الواحد
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 4/12/1422
السؤال
أعمل في مجمع لا يسمح لكل أحد بالدخول إلا لمن لديه عمل فيه، وليس فيه إلا مسجد واحد رسمي ولا يكفي جميع العاملين، ويصلي جماعات من العاملين في بعض المصليات الأخرى المتعددة التي لا يُصلى فيها إلا وقت أو وقتان، وهناك مكان ليس مسجداً في الأصل، وإنما يُصلي فيه بعض المقيمين في المجمع الفروض الخمسة، فهل الصلاة في هذه المصليات صحيحة؟ وبصيغة أخرى، هل يجب عليّ شخصياً أن أصلي في المسجد الرسمي في المجمع، أو يمكنني الصلاة في المسجد الآخر الذي يصلى فيه الفروض الخمسة، أم أن الصلاة في أي مصلى من هذه المصليات لا بأس فيه؟ آمل التفضل بالتفصيل في الفتوى.
الجواب
الصلاة في المسجد المخصص للصلاة والذي يصلي فيه عدد أكبر لا شك أنه الأفضل، بل الواجب في بعض الأحيان إذا لم تكن هناك صلاة جماعة في غيره، وأمكن للمسلم أن يصلي فيه، لكن إذا كان الحال -كما ذكرت- من أن هذا المسجد لا يكفي لكل المصلين فلا حرج على المسلمين في الصلاة جماعة في مكان آخر من المصنع حتى ولو لم يكن مخصصاً في الأصل للصلاة، ولا مبنياً على هيئة المصلى؛ لأن الصلاة تجوز في كل مكان طاهر مباح كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما-، ورواه عدد آخر من الصحابة أيضاً بألفاظ متقاربة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأيُّما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة، وأعطيت الشفاعة "رواه البخاري (438) ومسلم (521) واللفظ للبخاري.(15/184)
الجلوس عند القبر بعد الدفن
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/11/1424هـ
السؤال
هل ذكر في السنة أنه بعد دفن الميت يظل الدافنون والمعزون في القبر بمقدار ذبح جمل؟ وهل واجب أن أمكث كل هذا الوقت؟
الجواب
يحسن أن يجلس من ذوي الميت بعد الدفن بقدر ما تنحر جزور، ويقسم لحمها؛ لأن هذا يروى عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنه طلب من ذويه أن يجلسوا عنده حتى يستأنس بهم في حال مراجعته لرسل ربّه، أو سؤال منكر ونكير، ويكون جلوسهم للدعاء له بالتثبيت وسؤال المغفرة والرحمة.(15/185)
متابعة المسبوق لإمامه
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/12/1422
السؤال
المسبوق هل يتم أو يقضي صلاته؟
الجواب
ما يدرك المسبوق مع إمامه يعد أول الصلاة بالنسبة له، لكن يتابع الإمام حتى لو اختلفت الركعة، فمثلاً إذا فاتته ركعة فسيدرك الإمام في الثانية التي هي الأولى بالنسبة للمأموم المسبوق، فيجلس مع الإمام في التشهد الأول ولو كانت الركعة الأولى بالنسبة له أي للمأموم، وهكذا في باقي الصلاة.(15/186)
التوجيه لمعنى حديث: لا يدخل النار ولد زنية
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/12/1422
السؤال
ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لا يدخل الجنة ولد زنية " نجد أن الحديث صحيح العبارة، علماً أن ولد الزنى لا ذنب له ولكنه مظنة كل شر وخبث. ما هو التحقيق في هذه المسألة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
حديث " لا يدخل الجنة ولد زنية " لا أعرف له إسناداً صحيحاً سالماً من العلل أو الشذوذ. وإن كان بعض أهل العلم قد صحح الحديث كابن حبان (رقم 3384،3383) والألباني (سلسلة الأحاديث الصحيحة: رقم 673) . وبعض أهل العلم حكم عليه بالوضع كابن الجوزي (رقم 1561-1566) وحكم أيضاً على حديث: " ولد الزنا شر الثلاثة " بشدة الضعف فأورده في العلل المتناهية (رقم 1282-1283) في حين وصفه بعض أهل العلم بالاضطراب كالدارقطني، وبالضعف كالحافظ ابن حجر كما في القول المسدد له (49-50 رقم 10) والكلام فيه طويل جداً. ولو صح الحديث فقد اتفق أهل العلم أنه لا يُحمل على ظاهره؛ لأن الشريعة قد قررت حُكماً قطعياً، وهو: أن أحداً لا يحمل من إثم غيره شيئاً ما دام أنه لم يكن له يدٌ في وقوع غيره فيه. فإن الله - تعالى - يقول: " ألا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " [النجم 38-39ٍ] وقال - سبحانه -: " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " [البقرة: 286] وقال -عز وجل -: " تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعملون " [البقرة: 141،134] . ولذلك فقد صح عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت تقول عن ولد الزنا: " ليس عليه من وزر أبويه، قال الله: " لا تزر وازرة وزر أخرى " أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (13861،13860) وابن أبي شيبة (رقم 12543) وصح عن علي بن أبي طلحة أن ابن عباس أنكر على من قال: إنه شرُ الثلاثة، وقال: " لو كان شرَّ الثلاثة ما استُؤْني بأمَّه أن تُرجم حتى تضعه " أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (24/135-136) وانظره في الاستذكار (23/175) بل كان ابن عباس يقول: " هو خير الثلاثة " أخرجه عبد الرزاق (رقم 13863) ولذلك فإن لمن صحح الحديث تفاسير عِدة تُخرج الحديث عن معارضته الظاهرية المقرر القطعي السابق ذكره. ومن أحسن هذه التوجيهات توجيه الإمام الطحاوي في بيان مشكل الأحاديث (2/372-373) حيث فسر كلمة (ولد زنية) الواردة في الحديث بأن المقصود بها من وقع منه الزنى وغلب عليه حتى صار يُنسب إليه، وبيَّن أن هذا أسلوب عربي صحيح، كما يُقال للمشتغلين بالدنيا بنو الدنيا، وكما وُصف المسافر المنقطع ب (ابن السبيل) واستشهد الطحاوي لذلك ببيتين من الشعر تدل على هذا الاستخدام أيضاً. هذا والله أعلم. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.(15/187)
من أدرك خامسة الإمام
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/11/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إذا دخلت والإمام في الخامسة في الركوع وأنا أظنها الرابعة ومما زاد ظني أن جميع المأمومين الذي رأيتهم كانوا مع الإمام راكعين وبعد نهاية الصلاة علمت أن ما أدركت مع الإمام كانت الخامسة فماذا علي أن أفعل هل أعيد الصلاة وماذا على المأمومين الذي قاموا مع الإمام وصلوا خمساً جهلاً؟ وجهونا مأجورين تفصيلاً مع الترجيح إن كان هناك خلاف، وفقكم الله.
الجواب
قيام الإمام إلى خامسة عمداً مبطل للصلاة وإن كان جهلاً فالصلاة صحيحة ويجبرها بسجود السهو، وكذا الأمر في حق المأمومين فإن وافقوه بالقيام عمداً بطلت صلاتهم وإن وافقوه جهلاً صحت، وأما المسبوق فحكمه حكم المأمومين ولا يعتد بالركعة التي صلاها مع إمامه؛ لأنها زيادة مبطلة وحيث لم يعتدَّ بها في حق الإمام ففي حق المأمومين من باب أولى.(15/188)
تغسيل المرأة زوجها بعد الموت
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/12/1423هـ
السؤال
سمعت أنه عندما يموت الزوج لا تحل له امرأته يعني: إذا توفي لا يمكن لها أن تراه أو أن تحتضنه ...
هل يجوز تغسيل الزوجة عند وفاتها من قبل الزوج أو تغسيل الزوج عند وفاته من قبل الزوجة؟
الجواب
قال في المغني: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المرأة تغسل زوجها إذا مات، قالت عائشة - رضي الله عنها -: "لو استقبلنا من أمرنا ما ستدبرنا ما غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا نساؤه" رواه أبو داود (3141) وأوصى أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، وكانت صائمة، وغسل أبا موسى امرأته أم عبد الله، والمشهور عن أحمد أن للزوج غسل امرأته وهو قول علقمة وعبد الرحمن بن زيد بن الأسود وحماد ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق، وعن أحمد رواية ثانية ليس للزوج غسلها وهو قول أبي حنيفة والثوري ورجّح في المغني القول الأول، لأن علياً - رضي الله عنه - غسل فاطمة - رضي الله عنها - واشتهر ذلك عند الصحابة - رضي الله عنهم - فلم ينكر.(15/189)
تحذير الرسول من فتنة النساء وحبه لهن
المجيب أ. د. بكر بن زكي عوض
أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحديث الأول: قال قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".
الحديث الثاني: عن أنس -رضي الله عنه- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" حُبِّبَ إلي من دنياكم: النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة " ففي الحديث الأول طلب من الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحذر من النساء في حين كانت من الأمور المحببة إليه كما ذكر في الحديث الثاني، فكيف نوفق بين هذين الحديثين؟ وجزاكم الله خيراً
الجواب
بالنسبة للحديث الأول: خلق الله المرأة بطبع تؤثر به على الرجل من طريق الكلمة اللينة أو المشية المتكسرة أو النظرة الحانية أو الرائحة النفاذة أو الملابس الشفافة أو الحركة المثيرة، وما لم يحرص الرجل على اتقاء هذه المغريات فإنه سيتأثر بها لا محالة، وقد يصل الأثر الناتج عن التأثير إلى حد الوقوع في المعصية، فكان الأمر بالحذر من فتنة النساء أو غواية النساء، وبخاصة أن رجال بني إسرائيل لم يأخذوا بهذا الاحتياط، فكثر الزنا وعمت الفاحشة وما قصة أستير بخافية عن أحد، وسفر نشيد الإنشاد يؤكد ذلك ويدعو إليه.
إن التوراة حملت المرأة -حواء- سبب الغواية والطرد من الجنة حين أغوت آدم فأكل كما في النص"المرأة التي جعلتها معي هي التي أكلت من الشجرة وأعطتني فأكلت" فصدر الأمر الإلهي لهما بالخروج من الجنة.
والنصرانية على نفس النهج تسير وترى المرأة حبائل الشيطان وأساس الغواية وسبب الخطيئة الجريئة، والإسلام لا يرى المرأة سبباً في الإخراج من الجنة، ولكنه يخبر عن قدرتها البالغة على التأثير في جنس الرجال، فكان التحذير من غوايتهن دون تحريم الاتصال شرعاً بهن.
وأما الحديث الثاني فهو إخبار عن الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها في الأمرين الأولين فمن مِن الناس لا يحب الرائحة الطيبة -إلا من كان مريضاً بالحساسية- والهواء العليل، ومَنْ مِن الرجال لا يعلق قلبه بالنساء، وإن اختلفت مظاهر التعلق فهو متعلق بها أماً وأختاً وجدة وعمة وخالة وزوجة وابنة ... إلخ.
كل ذلك بالفطرة وليس الأمر خاصاً بالرسول -صلى الله عليه وسلم- فالإخبار لم يرد على سبيل الحصر أو التخصيص دون سائر الناس، والنص فيه إخبار عن حب الزوج لزوجه، والعيش مع زوجة محبوبة ومُحبة في نفس الوقت من أسباب السعادة في الحياة.
إن الحديث لا يراد به الافتتان بالنساء من قبل الرسول -وحاشاه- فكل زوجاته أرامل، طاعنات في السن سوى عائشة -رضي الله عنهن جميعاً- فأي افتتان بالنساء في مثل هذا الموطن؟
وسعادة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحقة كانت في الصلاة، حيث تقر العين، وينشرح الصدر ويطمئن القلب، وفي الختام ليس في الحديث الأول ما يحرم الاتصال المشروع ولا في الثاني ما يأذن بارتباط شرعي الحب فيه مرفوع، الله أعلم.(15/190)
مظاهر الكِبْر
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 3/8/1423هـ
السؤال
شيخنا: لقد حرم الله إسبال الإزار لأنه من مظاهر الكبر، ومنعه حتى على من لا يقصد بإسبال إزاره كبرا، والحديث معروف في ذلك. وفي عصرنا نرى أن الإسبال صار نادرا جدا أن يكون من مظاهر الكبر، لكن صارت هناك أشياء عديدة أخرى تستعمل من أجل الكبر والفخر، مثل لبس بعض الأنواع من النظارات الشمسية الفاخرة، وغير ذلك، فهل يمكن - قياسا على الإسبال - القول بتحريم مثل هذه الأشياء العصرية ولو لم يكن المقصود منها كبرا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأقول وبالله التوفيق.
الكبر خلق مذموم وكبيرة من كبائر الذنوب وقد جاء في الحديث القدسي أن الله تعالى قال: "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منها قذفته في النار) خرجه أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر، حديث رقم (4090) ، ج (4/350) ، ولمسلم نحوه.
وعلى هذا فكل عمل من الأعمال أو ملبوس من الثياب ونحوها يقصد منه الخيلاء والتكبر فهو مندرج في حكم ما نهى الله عنه، وهذه النظارة التي ذكرت في سؤالك الأصل في لبسها الإباحة، إلا إذا خرجت عن المقصود منها إلى الإسراف أو التكبر والخيلاء فإنها والحال هذه تكون مما نهى الله عنه، وسواء كان هذا الحكم مبناه على القياس كما ذكرت في سؤالك أو كانت دلالة النص عليه تفيد التحريم. فالذي يعنينا هو أن الكبر والخيلاء والإسراف وما أدى إليها من الوسائل مندرجة ضمن الأمور التي نهى عنها الشارع الحكيم وحذر منها، والله الموفق.(15/191)
تحقيقات شعيب الأرناؤوط
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/11/1423هـ
السؤال
شيخنا لقد رأيت تحقيقات حديثية شيقة، للشيخ شعيب الأرناؤوط، وقرأت بعدها ردوداً للعلماء عليه، ومنهم إمام السنة الشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله -، فأرجو أن تخبروني برأيكم فيه، وهل تنصحوني بالاعتماد على تحقيقاته وتخريجاته؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
لا شك أن للشيخ شعيب الأرناؤوط جهوداً مشكورة في خدمة كتب السنة، وهي جهود كثيرة ومهمة، لا يمكن أن يستغني عن كثير منها المشتغلون بعلوم السنة؛ فقد حقق وأشرف على تحقيق بعض أصول السنة والتراجم المهمة، وجزاه الله خيراً على ذلك.
ولكن الشيخ - وفقه الله تعالى - كغيره يصيب ويخطئ، ومن خطئه أنه في بعض المواطن قد استفاد من تخريجات الشيخ الألباني، واقتبس بعضها، دون أن يشير، وهذا ثبت عندي في مواطن قليلة جداً، لكني وقفت عليها من غير قصد التتبع.
وهذه - وإن كانت زلةَّ - لكنّها لا تُلغي الجهد كُله، ولا تعني أنها الغالب على عمل الشيخ، ولا تقتضي عدم الاستفادة منه، بل هذه الزلة أجنبية عن قضية الاستفادة إلى حدٍّ بعيد، كما لا يخفى على من تأمّل غاية ما وقع من جرّائها.
وأمّا الاعتماد على أحكامه على الأحاديث، فإن كان المقصود بالاعتماد التقليد، فعلى العامِّي الذي لا يفهم الدليل أن يقلد الأتقى والأعلم من أهل العلم، وإن كان المقصود بالاعتماد قبول ما دلَّ الدليل والبحث العلمي على قبوله، وردّ ما دلّ الدليل على عدم قبوله، فلا شك أن هذا موقف سليم تجاه أقوال أهل العلم إجمالاً. والله أعلم، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.(15/192)
صلاة مدمن الخمر
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 9/1/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
ما حكم من يصلي ويذهب آخر النهار لشرب الخمر؟ هل يترك صلاته أو يستمر إلى أن يهديه الله عن هذه الأفعال؟ علماً أنه لا يصلي للتباهي أو ما شابه ذلك، ولكنه مدمن ويحاول أن يكفر عن ذنوبه بالصلاة، جزاكم الله خيراً.
الجواب
يجب عليه أن يحافظ على الصلوات الخمس حتى وإن كان واقعاً في شيء من المنكرات أو المحرمات، وعليه أن يحاول الإقلاع عما حرم الله - جل وعلا -، وبمحافظته على الصلوات الخمس إن شاء الله سيقلع عما حرم الله، وخاصة إذا كانت صلاته بخشوع وإقبال على الله جل وعلا، لأن الله - جل وعلا - يقول: "إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ" [العنكبوت: 45] ، وترك الصلاة - والعياذ بالله - كفر، وأما الوقوع في شيء من المحرمات فإنه كبيرة من كبائر الذنوب، ولكن لا تخرجه عن دائرة الإسلام وعلى من وقع في ذنب أن يتبعه بالأعمال الصالحة كما قال - صلى الله عليه وسلم -:"وأتبع السيئة الحسنة تمحها" أحمد (21354) والترمذي (1987) لا أن يضم إلى الكبيرة كبيرة أعظم منها، نسأل الله أن يهديه ويعافيه مما هو فيه، والله أعلم.(15/193)
السفر للسلام على القبر النبوي
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يجوز شد الرحال للسلام على قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ (يعني الذهاب إلى المدينة المنورة من أجل السلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) . وجزاكم الله كل خير ووفقكم إلى ما فيه صلاح الأمة.
الجواب
لا يجوز شدُّ الرحال من أجل السلام على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما تشدُّ الرحال للصلاة في مسجده - صلى الله عليه وسلم -، أمّا السلام عليه والصلاة عليه - عليه الصلاة والسلام - فالقريب والبعيد سواء.(15/194)
الوعظ والدعاء بعد الدفن
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/1/1423
السؤال
في بلدنا يقف الواعظ على القبر بعد الدفن ويعظ الناس ثم يدعو ويؤمن الناس وراءه، هل الدعاء بهذه الكيفية بدعة كما يقول البعض؟ وما حكم قراءة المأثورات بشكل جماعي؟ مع العلم أن ابن تيمية - رحمه الله- أجاز الذكر الجماعي، أفيدونا بارك الله فيكم.
الجواب
الحمد لله وبعد فديننا مبني على الاتباع والاقتداء كما قال - تعالى-: "وأنّ هذا صراطي مستقيماًَ فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" [الأنعام: 153] ، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( ... إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) رواه أصحاب السنن (الترمذي (2676) أبو داود (4607) ابن ماجة (42)) وصححه الحاكم (333) واللفظ لأبي داود، وكل محدث في الدين بلا دليل فهو بدعة مردودة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) البخاري (2697) ومسلم (1718) ، وقد تكاثرت نصوص الشرع وأقوال السف مقررة قاعدة أن الأصل في العبادات الحظر والمنع، فلا تفعل عبادة إلا بدليل سواء في ذلك الهيئة والعدد والزمان والمكان.
وجواب السائل من خلال النقاط التالية:
أولاً: الواجب على المسلم متابعة أمر الله وأمر رسوله، وليعلم أن ما خالفه غير صحيح ولو نُسِب إلى بعض الأكابر.
ثانياً: كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أذكار وأدعية تعلمها منه أصحابه، ولم ينقل عنه ولا عن أصحابه أنهم كانوا يقولون تلك الأذكار مجتمعين فينبغي للمسلم أن يهتدي بهدي النبي وأصحابه. وعليه فالاجتماع لقراءة المأثورات بشكل جماعي وصوت واحد واتخاذها عادة من البدع المحدثة.
ثالثاً: أمر الناس بالدعاء للميت بعد دفنه واردٌ فعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: (استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل) رواه أبو داود (3221) وصححه الحاكم (1412) .
أما التزام الموعظة بعد الدفن ثم دعاء الواعظ وتأمين الناس وراءه فهو محدث لم يرد.
أما لو وعظ أحد فقط في بعض الأحيان (دون التزام) فلا بأس، وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث البراء بن عازب (رواه أبو داود (4753) وغيره) وعلي (رواه البخاري (1362) ومسلم (2647) وغيرهما.(15/195)
رابعاً: شيخ الإسلام ابن تيمية لم أقف له على إجازة الذكر الجماعي المردد بصوت واحد، وإنما يجيز الاجتماع على الذكر بغير مداومة. والفرق أن الاجتماع أن يجلس جماعة في مكان واحد لقراءة قرآن من أحدهم واستماع الباقين، أو لتذاكر شيء من العلم ونحو ذلك، أمّا الذكر الجماعي فهو تلاوة ذكر معين بصوت واحد على هيئة جماعية وهذا أمر محدث. فيقول - رحمه الله-: (الاجتماع لذكر الله واستماع كتابه والدعاء عمل صالح ... ولكن ينبغي أن يكون هذا أحياناً في بعض الأوقات والأمكنة، فلا يُجعل سنة راتبه يحافظ عليها ... إلى أن قال: (فما سن - صلى الله عليه وسلم- عمله على وجه الاجتماع كالمكتوبات فُعِل كذلك، وما سن المداومة عليه على وجه الانفراد من الأوراد عُمِل كذلك، كما كان الصحابة يجتمعون أحياناً يأمرون أحدهم يقرأ والباقون يستمعون) أ. هـ مجموع الفتاوى (22/520-521) . والأوراد مما شُرع فيها الانفراد كما سبق
وقال أيضاً: (قاعدة عامة في الاجتماع على الطاعات والعبادات فإنه نوعان: أحدهما سنة راتبة، إما واجب وإما مستحب كالصلوات الخمس والجمعة والعيدين، فهذه سنة راتبة ينبغي المحافظة عليها والمداومة، والثاني ما ليس بسنة راتبة مثل الاجتماع لصلاة تطوع أو على قراءة قرآن أو ذكر الله أو دعاء فهذا لا بأس به إذا لم يتخذ عادة راتبة.. لكن اتخاذه عادة دائرة بدوران الأوقات مكروه لما فيه من تغيير الشريعة) مجموع الفتاوى (23/132-133) .
هذا خلاصة للجواب، وأوصي السائل بأن يعتني بالأذكار المأثورة الصحيحة في مثل صحيح الكلم الطيب والوابل الصيب والأذكار. ويحذر من الكتب التي اشتملت على أحاديث ضعيفة أو موضوعة.(15/196)
يصلي ولكنه يفعل المعاصي
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/9/1424هـ
السؤال
ما حكم الدين في شخص يصلي ويفعل المعاصي مثل الزنا وغيرها؟
الجواب
الصلاة هي ركن الإسلام الثاني، وكون الإنسان يعمل شيئاً من المعاصي مثل الزنا، أو السرقة، أو شرب الخمر، هذه تعدّ من كبائر الذنوب، ويعاقب الإنسان عليها بمقدار جرمه، وكونه يصلي ويعمل هذه الأشياء، فإن هذا يرجى له أن يتوب من هذه الأمور، وباب التوبة مفتوح له، والله -تبارك وتعالى- بيّن في كتابه أن الذي يزني يلقى أثاماً، وأنه يضاعف له العذاب يوم القيامة، ويخلد فيه مهاناً، إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً، فإذا عمل الإنسان شيئاً من الجرائم أو كبائر الذنوب مثل الزنا، فإن عليه أن يبادر إلى التوبة، والرجوع إلى الله، والإكثار من الأعمال الصالحة، مع محافظته على الصلاة، ويكثر من نوافل العبادة، والله -تبارك وتعالى- يقبل توبة الإنسان إذا كانت هذه التوبة نصوحاً، يندم على فعله ويبكي عليه، ويعزم على ألاّ يعود إليه ما دام على قيد الحياة، والله الهادي إلى الصواب.(15/197)
نبش القبور لهدف ديني
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/7/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- هل يجوز نبش قبور بعض الصالحين بحجة أن بعض المسلمين يزورون قبورهم ويقومون ببعض الأعمال الشركية، أم الصواب تصحيح أعمالهم المخالفة للكتاب والسنة ونصحهم؟
2- هل يجوز إعادة عظام الموتى إلى ورثتهم بعد نبش قبورهم أم لا؟ إذ في حالة عدم إعادة العظام إلى ورثة الموتى فإنه لا يؤمن من إراقة الدماء بين المسلمين بسبب نبش القبور.
3- هل يجوز إعلان تطبيق حكم الشرع في قرية لا يستطيع الذين يعلنون تطبيق حكم الشرع فيها تأمين أبسط مقومات الدولة من التعليم والصحة وتأمين مستلزمات الحياة لسكانها وهل يجوز لهم اضطراراً تأمين هذه النواحي باللجوء إلى العلمانيين؟ أفتونا مأجورين، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
لا يجوز نبش القبور من أجل منع زيارتها على أنها قبور صالحين، وزيارة القبور على قسمين:
الأول: زيارتها للسلام على أهلها والتذكر والاعتبار والدعاء لهم فهذا جائز إذا لم يُعمل عندها ما يخالف الشرع؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" مسلم (977) وهذا للرجال.
القسم الثاني: زيارتها لطلب النفع أو التمسح أو التقرب إلى أهلها بدعاء أو غيره أو عمل ما يخالف الشرع من البدع فهذا لا يجوز، وينبغي نهي من يفعل ذلك عن هذا المنكر المخالف للتوحيد، من غير نبش للقبور، أو إعادة عظام الموتى إلى ورثتهم، فهذا عمل غير صحيح ولا سليم؛ لأن مكان العظام وبقية جسد الميت القبور، وإذا اعتدي عليها فنبشت وأظهرت ولم يمكن إبقاؤها في القبور التي دفنت فيها لأمر يمنع ذلك فتدفن في أماكن أخرى مأمونة تليق بحرمتها؛ لأن حرمة الميت كحرمة الحي، فكما أن الحي لا يعتدى على بيته وسكنه ولا يجوز إخراجه منه ولا الاعتداء عليه فيه فكذلك الميت.
أما ما يتصل بتطبيق الشرع في قرية، فإن كان المراد التزام أحكام الشرع وإلزام أهلها بها ودعوتهم إلى ذلك ونهيهم عما يخالف الشرع من الاعتداء على الأنفس والأموال أو الوقوع في المعاصي وما يخالف الشرع فيجب ذلك على أهل القرية، أن يأتمروا بالمعروف ويتناهوا عن المنكر ويقوم أهل العلم والرشد برعايتهم وحمايتهم من الفساد والوقوع فيه حتى يهيئ الله لهم دولة تحكّم فيهم شريعة الله، وتقيم الحدود، وإن كانت ولايتهم تقيم فيهم الحدود الشرعية وترعاهم على هذا حتى ولو كان أصحابها علمانيين فقد تحقق لهم إقامة الحدود، فينبغي التعاون معهم على ذلك وعلى تحكيم شرع الله؛ لأن الله ينصر الدين بالرجل الفاجر، فما دام أنه يمكنهم تطبيق شريعته في سلوكهم وأعمالهم وتقام فيهم الحدود الشرعية فهذا أمر طيب ينبغي التعاون من أجله، أما إذا لم يتحقق ذلك فليتعاون أهل القرية على البر والتقوى، والله -سبحانه- يقول:"فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن:16] ، والله أعلم.(15/198)
حلق شعر الميت
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/7/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
ما حكم حلق لحية الميت وشاربه؟
الجواب
اللحية لا يجوز حلقها لا من الميت ولا من الحي، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب" رواه البخاري (5892) ، ومسلم (259) ، وفي لفظ للبخاري (5893) ومسلم (259) : "وأعفوا اللحى"، وفي لفظ عند مسلم (259) : "وأوفوا اللحى" وفي لفظ آخر عند مسلم (259) : "وأرخوا اللحى.."، وأما الشارب فإذا كان طويلاً فيحسن أخذه، أو أخذ شيء منه تخفيفاً للميت، والله أعلم.(15/199)
الاستعاضة عن المسجد بقاعة
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/8/1423هـ
السؤال
هل يجوز تأجير قاعة البلدية لإقامة صلاة الجمعة؟ في حين يوجد مسجد لا يبعد 500 متر، وذلك لخلافات شخصية مع إدارة المسجد.
إن مثل هذه الخلافات تحدث الآن بين مسلمين في الغربة من أجل التسلط والتحكم بدون عمل حساب أن أعمال المسلمين يجب أن تكون خالصة لوجه الله. رجاء توجيه كلمة بهذا الشأن، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
سبق أن أجبت على سؤال يقول: هل يجوز استئجار قاعة البلدية لإقامة صلاة الجمعة إذا لم يوجد مسجد؟ مع العلم أن هذه القاعة يمارس فيها الألعاب وغيرها قبل الصلاة أو بعدها.
فأجبت بالجواز ما دام لا يوجد مسجد تقام فيه صلاة الجمعة، والقاعة في مثل هذه الحال هي مصلى، وليست مسجداً تأخذ أحكام المسجد كصلاة الركعتين عند الدخول ونحو ذلك.
ثم جاء سؤال آخر يعقب على ذلك السؤال، ويقول: هل يجوز تأجير قاعة البلدية لإقامة صلاة الجمعة في حين يوجد مسجد لا يبعد (500) متر، وذلك لخلافات شخصية مع إدارة المسجد؟
وأقول: إذا كانت الحال -كما ذكر السائل- في توضيحه فلا يجوز استئجار قاعة البلدية لغرض صلاة الجمعة حينئذ، والخلافات الشخصية مع مسؤولي المركز أو المسجد لا يجوز أن تكون سبباً لترك الجمعة أو تفويت فضل الصلاة في المسجد المبني لهذا الغرض، وتكثير سواد المصلين، وصلاة الجمعة إنما شرعت لغرض التعبد وسماع الخطبة لما فيها من أحكام ومواعظ واجتماع للمصلين، وتفقد أحوال بعضهم لبعض؛ لا سيما في ديار الغربة، وما دام الإمام -الخطيب- تصح الصلاة خلفه فلا يجوز التفرق نتيجة آراء شخصية، أو مذاهب فقهية، أو انتماءات سياسية، وفق الله الجميع، وهدانا لطاعته، آمين.(15/200)
إعادة الدفن في القبور القديمة
المجيب د. أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 2/2/1423
السؤال
أنا مسلم من فلسطين أسكن في قرية سكانها حوالي (8000) نسمة، ندفن موتانا في مقبرة مساحتها حوالي (8) دونومات، وقد امتلأت المقبرة بالقبور، فرأى بعض الناس أن يدفنوا الموتى في القسم الغربي منها، وفيه قبور مضى عليها أكثر من (40) سنة، ورأى البعض الآخر أن تطمر هذه المنطقة الغربية بالتراب على ارتفاع حوالي (1،5) متر، ومن ثم يدفن فيها، السؤال: هل هذان العملان جائزان شرعاً؟ بيّنوا لنا الحكم مع الأدلة.
الجواب
الواجب المتعين شرعاً أن يدفن كل مسلم بقبر بمفرده؛ لأن دفنه في قبره مفرداً تحقيقاً للكرامة التي جعلها الله لابن آدم؛ لأن كرامته وهو ميت ككرامته وهو حي، حيث قال-تعالى-:"ولقد كرمنا بني آدم" [الإسراء:70] ، وقال -تعالى-:"ثم أماته فأقبره" [عبس:21] ، ولكن عند الضرورة أو الحاجة الملحة يجوز دفن الاثنين أو الثلاثة في قبر واحد كما فعل -عليه السلام- في غزوة أحد، حيث كان يجمع الرجل والرجلين والثلاثة في قبر واحد" رواه أبو داود (3136) والترمذي (1016) ، وعن هشام بن عامر، قال: "شكي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كثرة الجراحات يوم أحد، فقال: احفروا، وأوسعوا، وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد، وقدموا أكثرهم قرآناً" رواه الترمذي (1713) ، وقال:" حسن صحيح" وأبو داود (3136) والنسائي (2015-2016) .
وعليه فإنه عند الضرورة ككثرة الموتى، وقلة من يدفنهم، وخوف الفساد عليهم يجوز دفن أكثر من واحد في قبر، ويجعل بينهم فاصلاً من تراب، والدليل قوله -تعالى-: "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه" [البقرة:173] ، أما إذا لم تكن ضرورة ولا حاجة ملحة فلا يجوز نبش قبر ودفن غيره بدله فإنه من المحرمات.
أما إذا تأكدنا أو غلب على الظن أن هذه الجهة من المقبرة قد بليت عظامها، وذلك بقدمها حيث مرت عليها عقود طويلة كأربعين سنة ونحوها -كما ذكر السائل-، وكانت المقبرة قد ضاقت وليس من سبيل في توسعتها فلا بأس حينئذ من الدفن في تلك الجهة، أو تطمر بالتراب لترتفع، ثم يقبر فيها ما استجد من الأموات، وإذا شككنا في أن العظام قد بليت وصارت رميماً رجع إلى قول أهل الخبرة، وإذا وجد بعض العظام البالية تنقل وتدفن في مكان آخر، وعلى مثل هذا العمل في مقبرة المعلاة بمكة، ومقبرة البقيع بالمدينة المنورة، وبالله التوفيق.(15/201)
أوصى بدفنه في قبر زوجته
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 7/7/1423هـ
السؤال
رجل أوصى عند وفاته بدفنه مع زوجته بنفس القبر، هل يجوز تحقيق وصيته؟
الجواب
الإنسان المؤمن حرمته ميتاً كحرمته حياً، فلا يجوز الجلوس على قبره ولا الاتكاء عليه، ولا نبش قبره عليه بدون حاجة، ومثل هذه الوصية لا حاجة إليها فلا تنفذ لاحترام قبر المرأة التي توفيت قبله، وإنما يدفن في المقابر مع بقية الناس، وإذا كانت وصيته من محبته لها، فإن عليه أن يحسن إليها بعد وفاتها بالدعاء لها، والصدقة عنها، وما شابه ذلك من حج أو عمرة ونحوها، أما أن يحفر قبرها عندما يموت هو ويدفن معها فإن هذا يتنافى مع حرمة المرأة، فلا يجوز تحقيق وصيته، والله أعلم.(15/202)
إحساس الميت بمن يزوره
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 13/1/1423
السؤال
هل الميت يحس ويستأنس بزيارة الأحياء له؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فالأصل أن الميت إذا قبضت روحه وفارق الحياة فإنه يفقد الإحساس الذي يحس به الأحياء، فلا يسمع ولا يرى، وتتعطل جميع حواسه التي كان يحس بها في الدنيا.
قال تعالى:" إنك لا تسمع الموتى ... " [النمل:80] ، وقال - تعالى-:" وما أنت بمسمع من في القبور" [فاطر:22] وما يكون في الحياة البرزخية فهو من الأمور الغيبية التي لا سبيل إلى معرفتها إلا عن طريق الوحي المعصوم أي: ما دل عليه الدليل من الكتاب والسنة الصحيحة.
واستثني من هذا الأصل سماع أهل القليب للنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر، وقوله - صلى الله عليه وسلم-:" هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً"، وقوله لأصحابه:" ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" حينما استنكروا نداءه لهم" والحديث رواه البخاري (1370) ومسلم (932) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
وكذلك يستثنى من هذا الأصل سماع الميت قرع نعال المشيعين لجنازته لثبوت الدليل على ذلك، فيما رواه البخاري (1338) ومسلم (2870) من حديث أنس-رضي الله عنه-.
أما الآثار التي وردت بأن الميت يحس بزائره ويستأنس به فهي لا تثبت وأسانيدها واهية لا تصلح للاحتجاج، وقد ذكر ابن القيم في (الروح) ، والقرطبي في (التذكرة) كثيراً منها.
ومما يدل على عدم إحساس الميت بزائره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر العلل والحكم من زيارة القبور لم يذكر منها استئناس الميت بزائريه، وإنما ذكر أنها: 1- تذكر الآخرة كما عند أبي داود (3235) والنسائي (4430) من حديث بريدة -رضي الله عنه-. 2- وترقق القلب وتدمع العين كما عند الحاكم (1433-1434) من حديث أنس -رضي الله عنه-. 3- وتزهد في الدنيا كما في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- عند ابن ماجة (1571) والحاكم (1427) . 4- وتذكر الموت كما عند مسلم (976) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
أما الميت فلا ينتفع إلا بالدعاء سواء وقت الزيارة أو بعيداً عن القبر، لكن الزيارة تذكره بالميت فيدعو له.
أما حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه- ووصيته بأن يقيموا حول قبره قدر ما تنحر الجزور ويقسم لحمها حتى يستأنس بهم، وينظر ماذا يراجع به رسل ربه، فهذا وإن كان في صحيح مسلم (121) إلا أنه موقوف على عمرو بن العاص -رضي الله عنه- ولم يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو اجتهاد منه -رضي الله عنه- ولم يذكر دليله على ذلك، والله - تعالى- أعلم.
وعلى كلٍ فسماع الأموات مسألة خلافيه بين العلماء قديماً وحديثاً، والله أعلم.
يحسن الرجوع إلى فتوى اللجنة الدائمة رقم (1727 الجزء 1 / 477) جمع أحمد الدويش. انتهى.(15/203)
الكفريات في الأعمال الأدبية
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/1/1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله، يحتج الذين يكتبون روايات فيها سب لله ولرسوله أن الشتائم والسب الموجودة في الرواية هي صادرة من الشخصيات المكتوبة في الرواية وليست من الكاتب ويقولون: أن ناقل الكفر ليس بكافر.
السؤال: هل من يكتب رواية فيها سب لله ولرسوله على لسان شخصيات الرواية كمن يكتب كتاباً لتحذير العامة من مناهج فاسدة وطوائف منحرفة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الجواب عن هذا السؤال يقع في نقطتين:
الأولى: أما تكفير المذكور بما وقع في رواياته من الكفريات ففيه نظر وإن كانت شخصيات رواياته مختلقة من تلقاء نفسه؛ لأنه في معرض من ينقل ويحكي..، والله أعلم بنيّته، لكنها -ولا شك- توقُّحٌ وسوء أدب وقلة دين يستحق بها أعظم التعزير.
وأما ما فيها من صور التفحُّش والمجون والإسهاب ببذاءة في وصف شخصيات الرواية وحوادثها فهي تشي بشخصية كاتبها ونفسيته، فهي شخصية شهوانية مريضة حيرى تبحث عن الشهرة وتتسبب إليها ولو بأخس الأسباب.
الثانية: هذا السؤال يدل على أزمة في الفكر ما زالت تعانيها الأمة منذ أمد بعيد. وهذه القضية التي تضمنها السؤال تكشف عن إحدى جوانب تلك الأزمة، فتعاملنا مع ذلك النتاج الفكري أو الأدبي المتسفِّل إلى الرَّغام غالباً ما يقع في اندفاع وتسرع تسوقه العاطفة والحماسة اللاعجة ... والتي لا ينقصها الصدق والإخلاص والغيرة بقدر ما ينقصها الوعي والفطنة وحسن الرأي وتقدير العواقب. وقد آن لنا أن نعي -بعد هذه التجربة المريرة- أننا بحاجة إلى توظيف العاطفة لا إلى إرضائها، وإلى إعمال العقل لا إلى تعطيله، وأن نصرِّف الغيرة والحمية حيث ينبغي أن تصرَّف.
لقد قصدنا إنكار هذه الأعمال الساقطة والرد عليها وإسقاط أصحابها ومحاربة وجودها واجتثاثها ... إلخ، فما جنينا من ذلك إلا نقيض قصدِنا وخلاف مرادنا، لقد كانت سوق هذه الروايات كاسدة فروَّجنا لها، وكان بعض مؤلفيها مغموراً فجعلناه شهيراً يبحث الناس عن مؤلفاته، ويسألون عن نتاجه، كلُّ ذلك من جراء الضجة التي أثرناها حولها، ودفعنا - من حيث لا نشعر- بعض هؤلاء المرضى إلى البحث عن الشهرة عبر هذه البوابة القذرة.
أذكر أنني سألت مرة أحد أصحاب دور النشر عن روايات أحد هؤلاء الروائيين الماجنين كيف رواجها؟!. فأخبرني أن رواياته كانت متكدسة في معرضه، لا يكاد يسأل عنها أحد، وبعد الضجَّة الأخيرة التي ثارت على إحدى رواياته نفدت نسخها كلها في بضعة أيام!!!!(15/204)
إن هذه الروايات كما هي ساقطة يُنكرها الدين، ويستهجنها العقل الصحيح، ويمجُّها الخلق السوي، فهي ضعيفة مهلهلة -كذلك- من ناحية الذوق الأدبي والفن الروائي، وكان الزمن - لو أنا صبرنا- كفيلاً بإسقاطها ونسيانها، ولذا فإن أفضل طريقة للرد على هذه الأعمال المتسفلة هو ترك الرد وإغفالها، وكان ينبغي -لو كنا نتحرك بوعيٍ ونعمل العقل- ألاّ تستخفنا هذه الأعمال الساقطة التي ليس فيها أدنى شبهة يُخشى اعتلاقها بالنفوس فتستوجب كشفها ودحضها. إنها تشبه ثرثرة السفيه وهذيان الثمل والذي لا يحسن أن يقابل إلا بالسكوت والاستغفال.
والأمر كما قال الشاعر:
لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينار
والعجيب المؤسف أن واحداً من أصحاب هذه الروايات السخيفة له من المقالات والمؤلفات الفكرية ما هو أخبث وأشدُّ على العقول والأخلاق من رواياته الماجنة، وفيها من الشُّبه والتشكيك في الثوابت والمساومة عليها ما لا يوجد عشر معشارها في رواياته، ولكننا -وياللحسرة- لم نجد لها عند الغيورين من الإنكار وردّة الفعل مثل ما كان منها على رواياته الساقطة.
وهذا شاهد يضم إلى شواهد أخرى كثيرة بأن تعاملنا مع الواقع المسخوط -أحياناً- تسيره العاطفة ويغيب عنه العقل والمشورة.(15/205)
الرد على منكري السنة
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 9/1/1425هـ
السؤال
أريد مساعدتكم للرد على أحدهم حيث أنه ينكر العمل بالسنة وقد احتج بالقرآن ولم أستطع الرد عليه، وذكر لي قول الله تعالى في سورة يوسف: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون"، وعليه فليست هناك حاجة للمزيد في تفسير القرآن، وينكر القول بأن الحديث يفصِّل القرآن. فكيف أرد عليه بخصوص الآية المذكورة؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وبعد:(15/206)
من الدعاوى الباطلة والشبهات الضالة التي أثارها أعداء الإسلام القول برد السنة مطلقاً، وأن القرآن يكفي وحده ولا حاجة إلى السنة، والغرض من هذه الدعوة الضالة الخبيثة هدم الشريعة وتقويض الإسلام، فالسنة هي المفسرة والمبينة للقرآن، فالطعن فيها طعن في القرآن وترك للعمل بنصوصه التي تحتاج إلى بيان، وكان بداية هذه الدعوة الخبيثة والانحراف الخطير في أواخر عهد الصحابة –رضي الله عنهم-، ثم تطور مع الزمن حتى جاء الاستعمار الغربي وذلك عبر طلائعه من المبشرين والمستشرقين وأتباعهم من أشباه العلماء وأبواق الاستعمار الذين قصدوا القضاء على الإسلام وهدم الشريعة فأحيوا ما اندثر من هذه البدع والآراء المنحرفة، وقد تصدى الصحابة –رضي الله عنهم- لهذا الانحراف، فعن الحسن البصري أن عمران بن حصين- رضي الله عنه- كان جالساًً ومعه أصحابه، فقال رجل من القوم: لا تحدثونا إلا بالقرآن، قال فقال له: ادنه فدنا، فقال: "أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعاً، وصلاة العصر أربعا، ً وصلاة المغرب ثلاثاً تقرأ في اثنتين؟ أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجد الطواف بالبيت سبعاً، والطواف بالصفا والمروة؟ ثم قال: أي قوم خذوا عنا فإنكم والله إن لا تفعلوا لتضلن" أخرجه البيقهي في مدخل الدلائل (1/25) ، وأخرجه الخطيب في الكفاية (48) ، وأخرجه ابن عبد البر في الجامع (2/191) ، ثم ما زال العلماء يردون على هذه الشبهات ويوضحوا الأدلة الدالة على حجية السنة ومنهم الإمام الشافعي فقد بسط القول في الرد على هذه الشبهة في كتاب (جماع العلم) ، حيث قال: "باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها" ثم شرع في الرد عليهم، والمقام لا يتسع لبسط الأدلة في الرد على هذه الدعوة الخبيثة لكن حسبي أن أذكر بعض الأدلة وفيها كفاية لمن وفقه الله وأراد الحق، فأقول السنة المطهرة حجة باتفاق العلماء سواء منها ما كان على سبيل البيان للقرآن أو على سبيل الاستقلال، وقد دلت الأدلة المستفيضة من القرآن والسنة على وجوب اتباع النبي- صلى الله عليه وسلم- والتحذير من مخالفة أمره ونهيه عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" [النساء:59] .(15/207)
قال ميمون بن مهران: "الرد إلى الله هو الرجوع إلى كتابه، والرد إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم- هو الرجوع إليه في حياته وإلى سنته بعد مماته"، وقال تعالى: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ... " [آل عمران: من الآية31] ، وقال تعالى: "مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ... " [النساء: من الآية80] ، فقد جعل طاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم- من طاعته سبحانه، وحذر من مخالفته فقال: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ... " [النور: من الآية63] ، فلولا أن أمره حجة ولازم لما توعد على مخالفته بالنار، وقال سبحانه وتعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ... " [الأحزاب: من الآية21] ، وقال سبحانه: "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً" [النساء:65] ، وقال سبحانه: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" [الحشر: من الآية7] وقد فهم الصحابة – رضوان الله عليهم- من هذه الآيات وجوب الرجوع إلى السنة والاحتجاج بها، روى البخاري في صحيحه (4886) عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- قال: "لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، فقالت أم يعقوب: ما هذا؟ قال عبد الله – رضي الله عنه- وما لي لا ألعن من لعن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وفي كتاب الله، قالت: والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته، فقال: والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله تعالى: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" [الحشر: من الآية7] ، وحينما بعث النبي –صلى الله عليه وسلم- معاذاً– رضي الله عنه- إلى اليمن قال له: "بم تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟، قال: بسنة رسول الله –، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأي ولا آلو فضرب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في صدره، وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله" أخرجه أبو داود (3592) ، وأما الأحاديث الدالة على وجوب اتباع السنة فكثيرة منها ما رواه أبو داود في سننه (4604) عن المقدام بن معد يكرب – رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا إنني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول: عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوا وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فعليه أن يعقبهم بمثل قراه"، قال الخطابي: وقوله: "يوشك رجل شبعان ... "يحذر بهذا القول من مخالفة السنن التي سنها مما ليس له من القرآن ذكر على ما ذهبت إليه الخوارج والروافض فإنهم تمثلوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي قد ضمنت بيان الكتاب فتحيروا(15/208)
وضلوا، وأراد بقوله متكئ على أريكته أنه من أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت ولم يطلبوا العلم من مظانه" معالم السنن (4/298) ، وفي حديث العرباض بن سارية – رضي الله عنه- مرفوعاً: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ" رواه أبو داود (4607) ، والترمذي (2676) ، وقال: حديث حسن صحيح، وعن ابن عباس – رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- خطب في حجة الوداع فقال: "إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ولكن رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أمركم، فاحذروا، إني تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه" أخرجه مالك في الموطأ (2/899) ، والحاكم (318) ، واللفظ له، ووصف القرآن بأنه تفصيل لكل شيء لا يفهم منه أنه ليس بحاجة إلى البيان الذي أخبر الله -سبحانه وتعالى- عنه بقوله: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ... " [النحل: من الآية44] ، لأن التفصيل والبيان الوارد في القرآن على نوعين:
أ- ما جاء في القرآن مفصلاً ومبيناً بحيث لا يحتاج معه إلى غيره.
ب- ما جاء في القرآن مفصلاً ومبيناً من حيث بيان وجوبه وافتراضه ونحو ذلك وهو بحاجة إلى البيان والتفسير والإيضاح من وجوه أخرى، فعلى سبيل المثال: ورد في القرآن ذكر العبادات مفصلة من صلاة وزكاة وصيام وحج واعتكاف، وهذه العبادات تحتاج إلى بيان وإيضاح، فالصلاة تحتاج إلى بيان أوقاتها وكيفيتها، ونحو ذلك، وقد جاءت السنة ببيان ذلك على وجه التمام والكمال، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "صلوا كما رأيتموني أصلي" رواه البخاري (631) من حديث مالك بن الحويرث، ولو اكتفينا بالقرآن فإنه فلا يمكن أن نقيم الصلاة التي أمر الله بها في كتابه، وهذا أمر ظاهر، وكذلك الزكاة فقد بين الله عز وجل وجوبها وافتراضها على عباده وهي بحاجة إلى التفصيل والبيان من وجوه أخرى من حيث: الأموال التي يجب فيها الزكاة، ومقدار الواجب، ومقدار النصاب، وهكذا ولو اكتفينا بالقرآن لم نستطع أن نؤدي الزكاة التي أمر الله بها في القرآن، وهكذا الصيام والحج، ولهذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: "لتأخذوا مناسككم ... " رواه مسلم (1297) من حديث جابر –رضي الله عنه-، قال الشافعي – رحمه الله-: "البيان في الفرائض المنصوصة في كتاب الله منها ما أتى الكتاب على غاية البيان فيه فلا يحتج مع التنزيل فيه إلى غيره ومنها ما أتى على غاية البيان في فرضه، وافترض طاعة رسوله، فبين رسول الله عن الله: كيف فرضه؟ وعلى من فرض؟ ومتى يزول بعضه ويثبت ويجب ... ومنها: ما سن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- مما ليس فيه نص حكم، وقد فرض الله في كتابه طاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم- والانتهاء إلى حكمه، فمن قبل عن رسول الله فبفرض الله قبل، قال الخطابي بعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى أنزل الكتاب تبياناً لكل شيء فأخبر سبحانه أنه لم يغادر شيئاً من أمر الدين لم يتضمن بيانه الكتاب، إلا أن البيان على ضربين:
أ- بيان جلي تناوله الذكر نصاً.(15/209)
ب- بيان خفي اشتمل عليه معنى التلاوة ضمناً، فما كان من هذا الضرب كان تفصيل بيانه موكولاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو معنى قوله سبحانه: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" [النحل: من الآية44] ، فمن جمع بين الكتاب والسنة فقد استوفى وجهي البيان، وصنف الإمام أحمد كتاباً في طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم- رد فيه على من احتج بظاهر القرآن في معارضة سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك الاحتجاج بها وقال في أثناء خطبته: إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه بعث محمد - صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأنزل عليه كتابه الهدى والنور لمن اتبعه، وجعل رسوله الدال على ما أراد من ظاهره وباطنه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، وما قصد له الكتاب، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هو المعبر عن كتاب الله الدال على معانيه، شاهده في ذلك أصحابه الذين ارتضاهم الله لنبيه - صلى الله علي وسلم- واصطفاهم له، ونقلوا ذلك عنه، فكانوا هم أعلم الناس برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبما أراد الله من كتابه بمشاهدتهم، وما قصد له الكتاب فكانوا هم المعبرين عن ذلك بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال جابر -رضي الله عنه- ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا عليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء علمنا به، ثم ساق الآيات الدالة على طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم- (أعلام الموقعين (2/290) . هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(15/210)
زكاة العقارات المؤجرة
المجيب د. حمد بن حماد الحماد
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/3/1424هـ
السؤال
أنا رجل بدأت في التجارة منذ ثمانية أشهر تقريباً، وكانت تجارتي في شراء المنازل والاستفادة من دخلها الشهري أو بيعها، كيف أخرج الزكاة؟ ملاحظة: قد أشتري المنزل وأبيعه في أقل من سنة.
الجواب
حكم الزكاة بالنسبة لهذه المنازل يختلف حسب القصد منها، فإن كان القصد إبقاءها للإيجار فلا زكاة عليها، وإنما الزكاة على دخلها إذا حال عليه الحول، وإن كان القصد إعدادها للبيع فهي عروض تجارة، تجب الزكاة في قيمتها، فما حال عليه الحول تقدر قيمته وتضم إلى بقية المال وتخرج زكاة الجميع، والله -سبحانه وتعالى- أعلم.(15/211)
الحلف بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم-
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/1/1423
السؤال
ما حكم من يقول أو يحلف بجاه سيدنا محمد مثلاً؟
الجواب
الحمد لله، لقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون" رواه النسائي (3769) وأبو داود (3248) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وجاء عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من حلف بغير الله فقد أشرك" رواه أبو داود (3251) والترمذي (1535) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فالحلف من المخلوق لا يجوز إلا بالله، أو صفة من صفاته، كعزته، وقدرته -سبحانه وتعالى- وعلى هذا فلا يجوز الحلف بأي مخلوق ولا بصفة من صفات المخلوق، لا بالرسول، ولا بملك من الملائكة، ولا بالكعبة، ولا بحياة فلان، أو شرف فلان، أو راس فلان، أو بالسيد فلان، كما يقع من كثير من الجهّال والضلال، وجاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو صفة له وهي منزلته ووجاهته عند ربه -سبحانه وتعالى- فهي صفة من صفاته -عليه الصلاة والسلام-، مثل سيادته وولايته -عليه الصلاة والسلام-، أو رسالته، فالمقصود أنه لا يجوز الحلف بالمخلوق مهما كان شريفاً، ومهما كان له من الفضل، ومحمد -عليه الصلاة والسلام- هو سيد ولد آدم ومع ذلك فقد قال: "من حلف بغير الله فقد أشرك" (سبق تخريجه) فالواجب الحذر من الشرك كله ظاهره وخفيّه، قوليّه وفعليّه، عصمنا الله وإياكم من أسباب سخطه وصلى الله وبارك على عبده ورسوله.(15/212)
بيع المساويك في ساحة المسجد
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/05/1425هـ
السؤال
ما حكم البيع والشراء في المسجد، سواء بداخله، أو في ساحته، أو في غرفة ملتصقة به تابعة له؟ وهل يلحق الحكم أولئك الذين يبيعون المساويك داخل ساحة المسجد؟ وهل يحرم الشراء منهم؟ وما حكم عمل الطبق الخيري الذي يعود ريعه للمسجد وحلقاته، إذا كان سيقام داخل قسم النساء، أو في خيمة في ساحة المسجد؟ علماً أن هذه الفتوى ننوي توزيعها على الإخوة في المسجد إذا أذنتم، والله يرعاكم ويحفظكم.
الجواب
يكره البيع والشراء في المسجد، لما روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك" رواه الترمذي (1321) ، وقال: حديث حسن غريب، ورواه الدرامي (1401) ، وقال قوم من العلماء: لا بأس به.
والصحيح الأول الكراهة؛ للحديث المذكور، فإن باع فالبيع صحيح؛ لأنه تم بأركانه وشروطه ولم يثبت وجود مفسد له، والكراهة لا توجب الفساد، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قولوا: لا أربح الله تجارتك"، من غير إخبار بفساد البيع دليل على صحته.(15/213)
تحديد يوم لزيارة المقبرة
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/12/1425هـ
السؤال
هل تحديد يوم لزيارة المقبرة جائز؟ خاصة وأن ابن حجر- رحمه الله- قد استدل على ذلك بأن الرسول عليه الصلاة والسلام، كان يزور قباء كل سبت.
الجواب
زيارة القبور مشروعة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: " نَهَيْتُكُمْ عَن زِيارةِ القُبُورِ، فَزُورُوهَا". أخرجه مسلم (977) . وفي رواية عند الترمذي (1054) : "فَإِنّها تُذَكّرُكُمُ الآخِرَةَ". وكان النبي عليه الصلاة والسلام، يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: "السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ". أخرجه مسلم (974) . وكان عليه الصلاة والسلام، يزور القبور ويدعو لأهلها، ولكنه، عليه الصلاة والسلام، لم يجعل لذلك توقيتًا، بل أطلق الأمر بالزيارة فلا يجوز تقييدها بيوم معين، فمن زعم أنه يتعبد بزيارة القبور في يوم كذا فهو مبتدع؛ لأن هذا يحتاج إلى دليل، وما ذكر عن الحافظ ابن حجر من أنه، عليه الصلاة والسلام، كان يزور قباء كل سبت- أخرجه البخاري (1193) ومسلم (1399) - لا يصح هذا القياس، فإن هذه عبادة ولا يصح القياس في العبادات، نعم نقول: إن زيارة مسجد قباء لمن كان في المدينة يوم السبت، ومن زار في غير السبت فلا بأس، لكن الأفضل أن تكون في ذلك اليوم يوم السبت، وأما زيارة القبور فقد دلت السنة على الإطلاق وعدم التقييد للوقت، فلا يعين لها يوم ولا ساعة، لكن لو أن إنسانًا اعتاد أنه لا يزور إلا في يوم كذا في يوم الخميس أو يوم الجمعة؛ لأنه يكون فارغًا فهذا نوع آخر لم يخصص، لأنه لم يدخل تخصيص هذا اليوم تدينًا وتعبدًا، إنما خصص اتفاقًا بحسب ظروفه، ولو تغيرت ظروفه وأحواله لتغير ميعاد الزيارة، ثم مع ذلك لا ينبغي أن تكون زيارة القبور لها موعد يلتزم به الإنسان، بل ينبغي أن يكون تارة بعد أسبوع وتارة بعد شهر وتارة بعد يومين بعدًا عن مظهر البدعة، نسأل لله أن يهدينا صراطه المستقيم.
وبناءً على ذلك فتخصيص الأعياد لزيارة القبور، والذهاب إلى المقابر بعد صلاة العيد، وجعل ذلك شعارًا وسنة متبعة- كما يحدث في بعض أمصار المسلمين- داخل في الابتداع المنهي عنه، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته يوقتون زيارة الموتى بيوم العيد ولا غيره.(15/214)
دفن الميت ولم يغسل
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/10/1423هـ
السؤال
شخص من روسيا يسأل: توفي بعض المسلمين في روسيا ولم يغسلوا وإنما كفنوا فقط ولم يصلَّ عليهم، فماذا يجب على المسلمين المقربين منهم؟ هل يجوز أن يصلوا عليهم بعد هذه المدة وعلى وجه الخصوص إذا كانت طويلة أم ماذا عليهم؟ وهل يأثمون بذلك؟
الجواب
علينا أن نعلم أن تجهيز الميت من تغسيل وتكفين وحمل وصلاة ودفن من فروض الكفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين وإلا أثم كل من علم بوفاته وتركه، ومن علم بما ذكره السائل ولم يقم بالواجب فعليه التوبة والندم على ما فرط منهم والعزم على ألا يعودوا، وعليهم أن يصلوا على الأموات في قبورهم ولو طالت المدة، وإذا كانت المدة قريبة ولا يمكن أن يكون الميت قد تغير فيجب نبشه واتخاذ ما يلزم من تغسيل وتكفين وصلاة وغير ذلك مما تقدم، وأما إذا طالت المدة وقد تغير، أو فني الميت، أو تعفن في قبره فعليهم أن يصلوا عليهم في قبورهم ويتوبوا إلى الله.(15/215)
عمل الخير ابتغاء الثناء
المجيب د. أحمد بن محمد أبا بطين - رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/8/1424هـ
السؤال
لدي تساؤل عن ديدن كثير من الناس -إلا من رحم الله-: ألا وهو عمل الخير للغير مقابل الثناء والمدح سراً وعلناً، آخذين بمقولة الشاعر:
دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثوان
ٍ فارفع لنفسك من حياتك ذكرها *** فالذكر للإنسان عمر ثانٍ
وكذلك العامي: ومِنْ بَغَى الخير يتْعبْ رِكَابَه.
تساؤلي هو: ألا يعد هذا العمل -السعي في قضاء حوائج الغير مقابل كلمات مدح لا تتجاوز عدة أيام ظاهراً أمام الناس- من الشرك الخفي -الأصغر-؟ وأين هو من حديث:"من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا ... "، وحديث:"أنا وكافل اليتيم كهاتين" وأثر "صنائع المعروف تقي مصارع السوء"، ولقد سألت أحد طلبة العلم فقال: إذا كان العمل دنيوياً وأردت به الآخرة فأنت مأجور على ذلك، وإذا أردت به الدنيا فلا بأس.
أفتونا مأجورين وجزاكم الله خيراً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
يشترط لقبول العمل عند الله -سبحانه- شرطان:
(1) الإخلاص؛ لقول الله -تعالى-:"لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين" [الزمر:65] ، وقوله:"فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً" [الكهف:110] .
(2) المتابعة: أي موافقة سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للحديث: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، لكن المؤمن إذا عمل العمل بنية خالصة، ثم حصل له ثناء أو مكافأة دنيوية، فهذا عاجل بشرى المؤمن في الدنيا، وما عند الله خير وأبقى، والله أعلم.(15/216)
زكاة الحدائق المثمرة
المجيب د. حمد بن حماد الحماد
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/10/1423هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم زكاة الأرض الزراعية المثمرة؟ هل دفع الزكاة على المبلغ قبل المصروفات أم بعد الخصم؟ وشكراً.
الجواب
عند أكثر العلماء ليس على مثل هذه الثمرة زكاة، وعليه فالمبلغ المتبقي إذا حال عليه الحول وهو نصاب يجب فيه الزكاة، ولا تجب قبل ذلك، والله -سبحانه وتعالى- أعلم.(15/217)
حكم بناء المسجد في المقبرة
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/5/1423
السؤال
ما حكم الصلاة في مسجد مبني في مقبرة؟ بمعنى: أن هناك جزءاً أخذ من أرض المقبرة وخصص ليكون مسجداً، هل تعد أرضه أرض مقبرة أم أنها أصبحت أرضاً خاصة بالمسجد وعليه فحكم الصلاة فيه ليس كالصلاة في المقبرة؟ أرجو التفصيل مع ذكر الأدلة.
الجواب
أرى أن الأرض التي خصصت للمقبرة تبقى لها ولا يؤخذ منها جزء للمسجد؛ لسببين:
الأول: أن الأرض -كما ورد في السؤال- قد خصصت أصلاً للمقبرة.
الثاني: أن بناء المسجد حول القبور أو بالقرب منها لا سيما إذا كان ملاصقاً يدخل في المنهي عنه، وقد ثبت في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" البخاري (436) ومسلم (529) ، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "يحذر ما صنعوا"، وقال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم (532) في صحيحه: "....ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك".
فالواجب أن تبعد المساجد عن القبور، وما ذاك إلا لأن الصلاة حول القبور وسيلة إلى دعاء الأموات، أو الاستعانة بهم، أو سؤالهم وهذا من الشرك، والوسائل لها حكم الغايات، ولهذا حذر -صلى الله عليه وسلم- من اتخاذ القبور مساجد حماية للتوحيد وسداً لذريعة الشرك، والله أعلم.(15/218)
فناء النار
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو منكم توضيح الأمر التالي بالتفصيل، حيث وجدت فيه اختلافات كثيرة هل تفنى النار في الآخرة؟ وهل ذلك كان فعلاً رأي بعض الصحابة والسلف؟
أرجو التوضيح حيث تبين لي من الآيات والأحاديث التي قرأتها أن أهل النار خالدون فيها أبدا. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
سئل فضيلته: هل النار مؤبدة أو تفنى؟
فأجاب بقوله: المتعين قطعاً أنها مؤبدة، ولا يكاد يعرف عند السلف سوى هذا القول، ولهذا جعله العلماء من عقائدهم، بأن نؤمن ونعتقد بأن النار مؤبدة أبد الآبدين، وهذا الأمر لا شك فيه؛ لأن الله - تعالى - ذكر التأبيد في ثلاثة مواضع من القرآن:
الأول في سورة النساء في قوله - تعالى -: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ... "الآية، [النساء: 168- 169] .
والثاني: في سورة الأحزاب "إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً" الآية، [الأحزاب: 64-65] .
والثالث: في سورة الجن "وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً" [الجن: 23] .
ولو ذكر الله - عز وجل - التأبيد في موضع واحد لكفى، فكيف وقد ذكره في ثلاثة مواضع؟! ومن العجب أن فئة قليلة من العلماء ذهبوا إلى أنها تفنى بناء على علل عليلة لمخالفتها لمقتضى الكتاب والسنة، وحرفوا من أجلها الكتاب والسنة؛ فقالوا: إن "خالدين فيها أبداً" ما دامت موجودة فكيف هذا؟!
إذا كانوا خالدين فيها أبداً، لزم أن تكون هي مؤبدة "فيها" هم كائنون فيها وإذا كان الإنسان خالداً مؤبداً تخليده، لزم أن يكون مكان الخلود مؤبداً؛ لأنه لو فني مكان الخلود ما صح تأبيد الخلود، والآيات واضحة جداً، والتعليلات الباردة المخالفة للنص مردودة على صاحبها، وهذا الخلاف الذي ذكر عن فئة قليلة من أهل العلم خلاف مطرح لأنه مخالف للنص الصريح الذي يجب على كل مؤمن أن يعتقده، ومن خالفه لشبهة قامت عنده فيعذر عند الله، لكن من تأمل نصوص الكتاب والسنة عرف أن القول بتأبيدها هو الحق الذي لا يحق العدول عنه.
والحكمة تقتضي ذلك، لأن هذا الكافر أفنى عمره كل عمره في محاربة الله - عز وجل - ومعصية الله والكفر به، وتكذيب رسله - عليهم الصلاة والسلام - مع أنه جاءه النذير وأعذر وبين له الحق، ودعي إليه، وقوتل عليه وأصر على الكفر والباطل، فكيف نقول إن هذا لا يؤبد عذابه؟! والآيات في هذا صريحة كما تقدم.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين (1/55-56) ] .(15/219)
أيهما أفضل: العمرة في أشهر الحج أم في رمضان؟
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 7/9/1424هـ
السؤال
أيهما أفضل: العمرة في أشهر الحج أم في رمضان؟.
الجواب
في الصحيحين البخاري (1782) ، مسلم (1256) عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" ... عمرة في رمضان تعدل حجة" وفي لفظ للبخاري (1863) ، ومسلم (1256) :"تقضي حجة أو حجة معي".
ثم يلي هذا في الفضل العمرة في شهر ذي القعدة، لأن عُمرهُ كلها -صلى الله عليه وسلم- كانت في ذي القعدة، وقد قال الله تعالى:"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ... " [الأحزاب: 21] ، وبهذا الجواب أفتى سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- كما في فتاوى إسلامية جمع محمد المسند (2/303-304) ، والله تعالى أعلم.(15/220)
قضاء الفوائت هل يعم النوافل؟
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/7/1423هـ
السؤال
إذا أراد شخص ما إعادة الصلوات التي فاتته في مرض أو لأي سبب آخر، فهل يبدأ بقضاء الفرض فقط؟ أم الفرض مع السنة والنوافل والوتر؟ أفيدوني أفادكم الله.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
إذا كانت الصلاة الفائتة واحدة فقط -كصلاة الظهر مثلاً- فإنه يشرع له قضاؤها مع سننها الراتبة، ويدل لذلك حديث أبي قتادة (في صحيح مسلم) (681) فإنه -صلى الله عليه وسلم- قضى صلاة الفجر مع سنتها.
وأما إذا كانت الفوائت أكثر من ذلك، وكان تركها لعذر -كما ذكر السائل- فإنه يشرع له المسارعة إلى قضائها بلا سننها الراتبة، ويدل لذلك فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الخندق -كما في صحيح مسلم (631) - فإنه قضى الفوائت بلا سنن، وبهذا أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى 22/104) . والله -تعالى- أعلم.
هذا بالنسبة للسنن الرواتب.
أما سنة الوتر، فإنه يقضى شفعاً بعد ارتفاع شمس ذلك اليوم قيد رمح إلى قبيل الزوال، ثم لا يقضى بعد ذلك، وهذا كله إذا كان تركه لعذر، وإلا فلا يقضى أصلاً، كما يدل على ذلك الحديث الذي أخرجه مسلم (746) وغيره عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:"وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة" هذا لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، انظر: البخاري (994) ومسلم (736) ، فشفع وتره بركعة، وعليه فإذا كنت تصلي من الليل خمس ركعات -مثلاً- فإنك تقضيها ستاً من النهار.
هذا وقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى 23/91) بأن الوتر يقضى -أيضاً- قبل صلاة الفجر، واستدل على ذلك بحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكر" رواه أحمد (11264) وأبو داود (1431) ، والله -تعالى- أعلم.(15/221)
يريد الزواج بنصرانية قد زنى بها!
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/03/1427هـ
السؤال
أخ مسلم يستفسر عن حكم زواجه من نصرانية في بلد أجنبي، علماً أنه كان قد زنى بها قبل زواجه منها شرعاً، وأنه تاب من ذلك ويعمل صالحاً، ولم تحمل منه قبل الزواج، وهي قريبة من الإسلام، ولكنها لم تعلن إسلامها بعد.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأهنئك على توبتك وعملك الصالح الذي ترجو به تكفير ما فعلت، فالله - تعالى- يقول: "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً" [الفرقان:68-70] . فربك -تعالى- كريم رحيم قريب مجيب، فإن أنت صدقت التوبة، وأقلعت عن الذنب، وعزمت على عدم الرجوع فإن الله يبدل سيئاتك حسنات.
وأما عن زواجك بهذه المرأة فهو جائز إذا كانت نصرانية، أي تنتسب إلى دين النصارى، ويعتبر هذا في دينهم انتساباً إليه، ولكن بشرط ألا تكون امرأة بغياً زانية، أي أنها ما تزال تزني مع غيرك كما فعلت معك، فحينئذٍ لا يجوز الزواج منها؛ لأن الله- تعالى- يقول: "الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين" [النور:3] . فتنبه لهذا جيداً، واعلم أنها إن كانت كذلك فإنها ستفسد عليك فراشك، بل وتفسد دينك وأولادك.
مع أن الزواج من الكتابيات قد كرهه كثير من العلماء وإن قالوا بجوازه؛ وذلك لما قد يخشى فيه من الأثر على الشخص وعلى ذريته، فإن كنت متعلقاً بها أو ترجو بذلك إسلامها كما ذكرت أنها قريبة من الإسلام، وإلا فالاستغناء عنها بالمسلمات أولى. وفقك الله وكتب لك الخير فيما تختار.
وأوصيك بتقوى الله، وتقديم المصلحة الدينية على المصلحة الشخصية، وأن تستخير الله فيما تقدم عليه. والله تعالى أعلم.(15/222)
إذا تاب المرتد فهل يقبل سابق عمله
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/9/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رجل مسلم اهتدى بسببه كافر، ثم وقع هذا الرجل المسلم في الكفر، ثم تاب، هل يذهب أجر إسلام الكافر عنه؟
الجواب
الحمد لله، وبعد:
فإن الأجر والثواب أمر يتعلق بفضل الله -تعالى-، ثم هو أمر يتعلق بالغيب أيضاً، ولذا فلا حاجة للتعمق في السؤال عنه، بمعنى أن من عمل عملاً صالحاً رجاء ثواب الله فقد أدى السبب، ويبقى فضل الله -تعالى- الذي لا يحده البشر بمجرد اجتهاداتهم.
فالمرتد مثلاً إذا تاب ورجع إلى الإسلام وحسن إسلامه، فلا أحد يستطيع أن يقول لا ثواب لك على أعمالك الصالحة قبل الردة، ويجزم بذلك.
وعلى هذا فيرجى -إن شاء الله- لمن تاب أن تبقى له أعماله الصالحة، ومنها ما كان بسببه من إسلام كافر أو هداية ضال، صحيح أن بعض أهل العلم ذكر حبوط العمل، ورتبوا عليه أيضاً أن المرتد يعيد بعض العبادات التي كان قد فعلها قبل الردة لبطلانها بالردة، كالحج مثلاً ومن هؤلاء المالكية، ولكن خالفهم آخرون أيضاً فقالوا بعدم بطلانها، وأنه لا تلزم إعادتها سواء قيل ببطلان ثوابها أم لا، وأن الحبوط المطلق إنما يكون لمن مات على الردة والعياذ بالله، لأن الله تعالى علقه به في قوله سبحانه:"ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" [البقرة:217] .
ولكن مع ذلك كله فأرى أنه لا ينبغي الخوض في الثواب؛ لأنه لا يتعلق به حكم دنيوي وإنما أمره إلى الله، فيبقى الرجاء من الله سبحانه ألا يحيط ثواب أعمال هذا الشخص، ما دام قد تاب إلى الله ورجع، وفي هذا ترغيب له في الرجوع والتوبة بخلاف القول بحبوط ثوابه، والله تعالى أعلم.(15/223)
القرض والإقتراض في المسجد
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يجوز إجراء معاملة القرض داخل المسجد؟ بمعنى أخذ القرض أو سداده داخل المسجد. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
القرض الحسن الشرعي - الذي يدفعه الإنسان لأخيه لقضاء حوائجه دون أن يأخذ عليه ما يسمى بالفوائد - من المعاملات المستحبة التي فيها إرفاق وإحسان ولهذا روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتها مرة" رواه ابن ماجة (2430) ، والبيهقي (5/353) ، وأحمد (3911) ، وابن حبان (5040) فعلى هذا يكون من باب القربات فإذا أن إنساناً أعطى شخصاً قرضاً حسناً فإن في عمله قربة فيصح ذلك ولو كان في المسجد، وكذلك سداده وإرجاعه فأرجو إن شاء الله ألا شيء فيه.(15/224)
نقل الميت إلى مقبرة أخرى
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/11/1423هـ
السؤال
السلام عليكم.
أرجو الإفادة في المسألة الآتية:
توفيت والدة زوجي منذ عدة أيام وتم دفنها في المقابر الخاصة بأهلها- أي الخاصة بوالدها وإخوانها- وكانت قد أوصت بدفنها في المقبرة الخاصة بزوجها، مع العلم أن زوجها ما زال على قيد الحياة ولم يتم شراء مقبرة تكون ملكه بعد، وأن الإجراءات اللازمة لشراء المقبرة قد تستغرق فترة من الزمن، فهل يجوز نقل جسدها بعد إتمام شراء المقبرة المذكورة؟ وهل يجوز البناء على المقابر بغرض حمايتها من السرقة؟ (الأمر الذي قد انتشر في مصر) .
الجواب
لا أثر لهذه الوصية من المرأة التي دفنت في مقبرة غير ما أوصت به، ولا يجوز نقل جسدها بعد شراء المقبرة الخاصة بزوجها التي لم توجد بعد، ونقل الميت من قبر إلى آخر لا يجوز إلا إذا كان لذلك مبرر شرعي كأن يلحق القبر ضرر كوصول المجاري إليه أو أصبح في طريق عام للناس لا مندوحة لهم أن يطرقوه ويسلكوه ونحو ذلك وما ذكر في السؤال لا يبرر جواز النقل.
أما البناء على القبور مجتمعة بسور واحد حماية أن يلحقها أذى من الناس أو الدواب فجائز شرعاً، أما البناء على القبر بناء يميزه عن القبور الأخرى بطين أو إسمنت أو رخام ونحوه فحرام لا يجوز فإن القباب والمشاهد أكبر ذريعة إلى الشرك الأكبر عياذاً بالله وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"....اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" الموطأ (1/172) .(15/225)
غيرة الله على قلب المؤمن
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/12/1423هـ
السؤال
رأيت نفسي بخلطاء نسميهم أصدقاء، فبحثت بالتجارب عنهم فإذا أكثرهم حساد على النعم، وأعداء لا يسترون زلة، ولا يعرفون للجليس حقاً، فتأملت الأمر فإذا الحق سبحانه يغار على قلب المؤمن أن يجعل له شيئاً يأنس به، فهو يكدر عليه الدنيا وأهلها ليكون أنسه به. يا شيخ ما رأيك بهذه العبارة هل فيها محظور شرعي؟
الجواب
لا يجوز أن يعتقد المسلم هذا المعتقد فإن الله عز وجل عظيم وحكيم ومن حكمته أن يحقق المطالب الشرعية من خلال العبد نفسه.
وهذا المعنى المذكور في السؤال قد وضعه الصوفية وربما يكون نقله من أهل الكتاب.
فإنهم زعموا أن مثل ذلك كان لإبراهيم عليه السلام عندما أحب إسماعيل فابتلاه الله عز وجل بذبحه.
وكذلك يعقوب عندما أحب يوسف ... إلخ ذلك الكلام الذي لا دليل عليه.
فلا يجوز للمسلم أن يتخيل أموراً ثم يجعلها ديناً والله المستعان.(15/226)
إجراءات احتمال الحرب هل تنافي التوكل؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 2/1/1424هـ
السؤال
أفكر أحياناً أن أحول أموالي إلى عملة أخرى خوفاً من نزولها إذا حصلت- لا قدر الله- حرب، هل هذا من عدم التوكل؟ وما رأيكم في ذلك؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، يجب على العبد أن يتوكل على الله في جميع الأمور بمعنى أن يعتمد على الله ويفوض أمره إليه في جلب ما يحب وفي دفع ما يحذر ويكره، والأخذ بالأسباب النافعة مشروع ومنها الأسباب التي تقصد لسلامة الإنسان في بدنه وفي أهله وفي ماله، فالأخذ بمثل هذه الأسباب لا ينافي التوكل، وتحويل الإنسان لماله من عملة يخشى عليها من الهبوط إلى عملة هي أثبت في العادة أو تحويلها إلى ذهب، فإن ذلك من أسباب حفظ المال فلا بأس به، مع الإيمان بأن الله سبحانه هو الحافظ لعبده، وأن هذه الأسباب لا تنفع إلا أن يشاء الله سبحانه وتعالى، فلا يعتمد عليها، فإن الاعتماد على الأسباب شرك في التوحيد كما قال بعض العلماء، فالمسلم يفعل الأسباب متوكلاً على الله سبحانه وتعالى ومعتمداً عليه لا على تلك الأسباب، وترك الأسباب النافعة عجز والاعتماد عليها شرك، وقد جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح بين الأمر بالأسباب النافعة مع الاستعانة به سبحانه، وذلك في قوله -صلى الله عليه وسلم-:"احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن، فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل"، والله أعلم.(15/227)
متى وأين توزع زكاة الفطر؟
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/9/1423هـ
السؤال
بالنسبة للفطرة، هل توزع على فقراء بلدتنا أم على غيرهم؟ وإذا كنا نسافر قبل العيد بثلاثة أيام ماذا نفعله تجاه الفطرة؟
الجواب
السنة توزيع زكاة الفطر بين فقراء البلد صباح يوم العيد قبل الصلاة، ويجوز توزيعها قبل ذلك بيوم أو يومين ابتداء من اليوم الثامن والعشرين، وإذا سافر من عليه زكاة الفطر قبل العيد بيومين أو أكثر أخرجها في البلاد الإسلامية التي يسافر إليها، وإن كانت غير إسلامية التمس بعض فقراء المسلمين وسلمها لهم، وإن كان سفره بعد جواز إخراجها فالمشروع له توزيعها بين فقراء بلده؛ لأن المقصود منها مواساتهم والإحسان إليهم وإغناؤهم عن سؤال الناس أيام العيد.
[فتاوى ابن باز -رحمه الله- كتاب الدعوة (4/154) ] .(15/228)
الصلاة في مسجد بسوره قبر
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/1/1424هـ
السؤال
هل تجوز الصلاة في مسجد في ساحته قبر داخل السور؟ مع العلم أنه المسجد الوحيد بالبلدة.
الجواب
لا تجوز الصلاة في المساجد التي فيها قبر أو قبور؛ لما ثبت عن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس يقول:"إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك" رواه مسلم (532) ، ولما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" البخاري (436) ، ومسلم (529) ، ويجب على ولي أمر المسلمين أن يهدم ما بني على القبور من المساجد؛ لأنها أسست على غير التقوى، وأن ينبش من دفن في المسجد بعد بنائه، ويخرج جثته من المسجد حتى عظامه ورفاته، لاعتدائهم بالدفن فيه، وينقل رفاته إلى المقبرة العامة في حفرة خاصة يسوي ظاهرها كسائر القبور، وبعد ذلك لا حرج في الصلاة في المسجد المذكور لزوال المحذور.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(15/229)
صلاة الغائب على شهداء العراق
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/6/1424هـ
السؤال
ما حكم صلاة الغائب على شهداء العراق؟
الجواب
الحمد لله، الشهداء يعني المقتولون في سبيل الله لا يصلى عليهم، فالرسول - عليه الصلاة والسلام - لم يصل على قتلى أحد. انظر ما رواه البخاري (1343) من حديث جابر -رضي الله عنه- وإنما يدعى لهم بالمغفرة، وأن يبلغهم الله ما أملوه، وما رجوه من ربهم من الفوز بالشهادة، وبلوغ منازل الشهداء، والله سبحانه وتعالى - لا يضيع أجر من أحسن عملاً، فإنه جواد كريم، وهو الغفور الشكور، سبحانه وبحمده، والله أعلم.(15/230)
هل لساحات المسجد حكم المسجد؟
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/11/1424هـ
السؤال
بعض الشباب يقوم ببيع الأشرطة الدينية في المسجد، في الأماكن غير المسقوفة، ولكن داخل سور المسجد، هل هذا البيع جائز أم لا؟ وهل تعتبر هذه الأماكن تابعة للمسجد أي ينطبق عليها حكم المسجد؟ من حيث إذا أتى شخص وجلس في الكراسي الموجودة في الساحة، هل يجب عليه صلاة ركعتين قبل الجلوس؟ أرجو منكم التوضيح، وبارك الله فيكم.
الجواب
ما كان داخل سور المسجد مما هو معد للصلاة، أو متروك إلى وقت الحاجة إليه يأخذ حكم المسجد، وعليه فلا يتخذ محلاً للبيع والشراء، أو مجلساً لحديث الناس؛ لعموم حديث أنس -رضي الله عنه-: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنما هي لذكر الله والصلاة، وقراءة القرآن" رواه الشيخان البخاري (219) ومسلم (285) ، وعليه فتأخذ حكم المسجد من قول ذكر الدخول والخروج، وتحية المسجد، ونحوهما.(15/231)
ترك التشهد الأول سهواً
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 6/11/1424هـ
السؤال
صليت صلاة المغرب خلف الإمام، وفي الركعة الثانية وقف إلى الركعة الثالثة دون أن يجلس للتشهد الأول ناسياً، فسبح المأمومون فلم يجلس للتشهد، ولكن أشار بيده أن قفوا، فوقفنا وأتممنا الركعة الثالثة ثم سجد سجود السهو، وبعد الصلاة قال لنا إن التشهد الأول سنة، فهل هذا صحيح؟ وإذا لم يكن صحيحاً ماذا كان يجب علي أن أفعل؟ وهل صلاتي صحيحة؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
التشهد الأول واجب من واجبات الصلاة يسقط مع السهو عنه، ويجبره سجود السهو، كما فعل إمامكم، ففعله صحيح، وعلى الإمام إن ذكر أو ذُكِّر قبل أن يستتم قائماً أن يرجع للتشهد، فإن لم يذكر أو لم يُذكَّر إلا بعدما استتم قائماً كره له الرجوع، فإن لم يذكر أو لم يذكَّر إلا بعد أن شرع بالقراءة فيحرم عليه الرجوع.(15/232)
كيفية حساب الرضعات الخمس!
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/02/1427هـ
السؤال
علمت أن حكم الرضاعة يثبت بخمس رضعات (أي خمس مصات) ، يفصل الرضيع بينها بترك الثدي للتنفس أو للانتقال للثدي الآخر، فهل يصح أن أقوم بجعل الطفل يترك الثدي إما بإخراجه من فمه، أو بأن ألعِّب الطفل حتى يترك الثدي لكي تحسب رضعة واحدة؛ حتى تتم الخمس رضعات في جلسة واحدة؟ وكيف تحسب الخمس رضعات إذا كانت المرأة أخرجت الحليب من ثديها، ووضعته في كأس أو رضَّاعة الأطفال لكي يشربه الطفل؛ حتى تصبح أمه بالرضاعة؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
فيشترط في الرضاع المحرم شرطان: الأول: أن يكون في الحولين، الثاني: أن يكون خمس رضعات فأكثر، وضابط الرضعة هو أن يلتقم الطفل الثدي ثم يتركه، فهذه رضعة، ثم إذا عاد إليه مرة أخرى والتقمه ومص الحليب منه فهذه رضعة، وسواء حصل هذا باختياره أو بغير اختياره، وعلى هذا يمكن حصول الرضعات في مجلس واحد، ولا فرق في تحريم الرضاع بحصول الرضاع مباشرة من ثدي المرأة، أو بأن يصب له الحليب في رضَّاعة، ثم يقوم الطفل بارتضاعه.
ويقال عن الارتضاع من الرضاعة مثل ما يقال عن الارتضاع من ثدي المرأة، فإذا ارتضع الطفل الحليب من الرضَّاعة، ثم تركه تحسب رضعة، ثم إذا عاد عليه تحسب له رضعة ثانية؛ لأن ضابط الرضعة هو التقام الشيء، وامتصاص الحليب منه. والله أعلم.(15/233)
هل الضار والمذل من أسماء الله؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/4/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
الشيخ الفاضل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هل اسما الضار والمذل من أسماء الله الحسنى أم لا؟ أفتونا مأجورين وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، الضار ليس من أسماء الله، بل من أسمائه التي ورد ذكرها في بعض الروايات النافع الضار، يعني الكلمتان اسم واحد، فهو -سبحانه وتعالى- النافع الضار؛ لأنه -سبحانه وتعالى- هو خالق كل شيء، خالق الخير والشر، وهو سبحانه وتعالى الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع بالسيئات إلا هو، ولا يكون في ملكه إلا ما يشاء، ومن الإيمان الإيمان بالقدر خيره وشره، فلا يجوز أن يقال إن الله - تعالى - هو الضار، بل يقال: هو النافع الضار، وهو الذي يعز ويذل؛ يعز من يشاء ويذل من يشاء، وليس من أسمائه المذل، ولا أذكر أنه ورد اسم المعز المذل في سرد أسمائه الحسنى؛ بل الذي ورد في القرآن: "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" [آل عمران:26] ، والله أعلم.(15/234)
المستحب في السواك
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 5/4/1424هـ
السؤال
ما المستحب في السواك أن يكون باليد اليمنى أم باليسرى، جزاكم الله خيراً.
الجواب
سئل الشيخ: هل يستاك الإنسان باليد اليمنى أو باليد اليسرى؟
فأجاب بقوله: هذا محل خلاف، فذهب بعض العلماء إلى أن الإنسان يستاك باليد اليمنى، لأن السواك سنة، والسنة طاعة لله وقربة، فلا يتناسب أن تكون باليد اليسرى؛ لأن اليسرى تقدم للأذى.
وقال آخرون: بل باليد اليسرى أفضل، وذلك لأن السواك لإزالة الأذى وإزالة الأذى تكون باليسرى؛ كالاستنجاء والاستجمار فإنه يكون باليسرى لا باليمنى.
وفصل آخرون فقالوا: إن تسوك لتطهير الفم كما لو استيقظ من نوم أو لإزالة أذى، فيكون باليد اليسرى؛ لأنه لإزالة الأذى، وإن تسوك لتحصيل السنة، فيكون باليمنى لأنه مجرد قربة كما لو كان قد توضأ قريباً واستاك، فإنه يستاك باليمنى، والأمر ولله الحمد في هذا واسع، فيستاك كما يريد لأنه ليس في المسألة نص واضح.(15/235)
دخول النصارى إلى المساجد
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/8/1424هـ
السؤال
ما حكم الإسلام في دخول النصارى إلى المساجد لأجل الاستفسار عن الدين؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن جمهور العلماء لا يجيزون دخول الكفار المسجد الحرام، ولا سائر المساجد؛ لعموم قوله تعالى: "إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام" [التوبة: 28] ، وقد قالوا بأن هذه الآية عامة في سائر المشركين وسائر المساجد، ويؤيد ذلك قوله تعالى: "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه" [النور: 36] ، ودخول الكفار فيها مناقض لرفعها، هذا وأجاز أبو حنيفة والشافعي دخول الكفار سائر المساجد.
وبناء على ما تقدم فإنه يجوز دخول النصارى للمساجد، لا سيما إذا كان في ذلك مصلحة، كرجاء إسلامهم، ولأن دخولهم المساجد للاستفسار عن الدين، كما جاء في السؤال يدعوهم إلى الرغبة في الدخول في الإسلام، لا سيما إذا رأوا حسن صلاتهم واجتماعهم عليها، وحسن آدابهم في جلوسهم في المسجد، فيستأنس غير المسلم بذلك، ويسلم بإذن الله تعالى، هذا وعلى السائل والقارئ مراجعة الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/104) ، عند قوله تعالى "إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام"، فقد ذكر ما ذكرته، وفصل الخلاف، وما نقلته هنا مقتبس منه. والله أعلم.(15/236)
تنازل عن حقه في الميراث لأحد الورثة
المجيب محمد بن سليمان المسعود
القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 01/06/1427هـ
السؤال
بعد وفاة أبي، تنازل لي أخي عن حقه في الميراث، وقال: إن الإسلام ظلم المرأة بإعطائها نصف حق الرجل، فهل هذا الحق جائز لي؟ مع العلم أنه قال: إنه يتنازل عن حقه لنا (3 شقيقات) في حياة أبي رحمه الله، غير أنه خصني بهذا الحق لي وحدي. فهل يحق لي بعد الذي قاله على الإسلام؟ علماً بأننا عائلة محافظة، ولكنه هاجر إلى أوربا في شبابه ومازال فيها.
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فما دام الواقع هو ما ذكرته السائلة، من أن أخاها قد تنازل لها عن حقه في الميراث بعد وفاة الأب، فلها أن تأخذه، وأن تنتفع به، ويكون ذلك حقاً لها بعدما تنازل. ولو كان قد خصها به، أي بما يخص أخاها من الميراث دون سائر الأخوات، ولو قال ما قال.
لكن بمقالته ذاك يوضح له أن ذلك انتقاص للشرع والدين، وأن هذه ردة عن الإسلام والعياذ بالله، فالواجب نصحه وتذكيره بالله، لعله يتوب ويرجع إلى دينه، واتخاذ جميع الوسائل لذلك، ليرجع إلى الحق، وليؤخذ على يديه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لتأخذن على يد الظالم وَلَتَأْطُرُنَّهُ على الحق أَطْرًا وَلَتَقَصُرُنَّهُ على الحق قصرا". أخرجه أبو داود (4336) ، والترمذي (3047) ، وابن ماجة (4006) .
أسأل الله أن يرده إلى الحق، وأن ينير بصيرته؛ ليرجع إلى دينه. والله هو الموفق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(15/237)
شروط نكاح الكتابية
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله اللهيبي
رئيس محكمة التمييز سابقا
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/05/1427هـ
السؤال
وقعت في حب فتاة نصرانية وهي لا تعلم عن دينها إلا القليل. وهي من المتخذات أخدان (أصدقاء) وطبعاً غير عذراء. وسؤالي هل يجوز الزواج بها على هذه الحال التي عليها؟ ربما أسلمت بعد زواجنا. وما هي شروط الزواج من النصارى ولقد سمعت قول الرسول -صلى الله علية وسلم-: "يحشر المرء مع من أحب". وسؤالي هنا: هل أحشر أنا مع هذه الفتاة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا يجوز لك أن تتزوج بهذه المرأة لسببين:
الأول: أنك لا تعلم أنها من أهل الكتاب، أو من ينتمي إليهم وربما أنها غير معروفة لأبوين أيضاً.
ثانياً: لو فرضنا أنها كتابية فما دامت تمارس جريمة الزنا فلا يجوز نكاحها؛ حيث لا ينكح الزانية إلا زان أو مشرك، كما هو نص الآية في أول سورة النور، وهي غير منسوخة.
أما الزواج من النصرانيات فيشترط لجوازه شرطان:
الأول: أن تكون المرأة المراد زواجها كتابية.
الثاني: أن تكون محصنة، أي عفيفة عن الزنا، لقوله تعالى: "اليوم أحل لكم الطيبات ... ". إلى قوله: "والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان" [المائدة:5] .
أما حبك لهذا الفتاة فلا يجعلك تحشر معها؛ لأنك لا تحبها لأجل ما هي عليه من دين، وإنما محبتك لها قد يكون لجمالها، مع بغضك دينها وما هي عليه من فساد.
وأخيراً ننصحك أن تبتعد عن هذه الفتاة، ومن على شاكلتها إذ لا خير في فتاة تبذل عرضها لكل أحد. وإذا أردت الزواج فابحث عن امرأة مسلمة، فإن تعذر ذلك فامرأة عفيفة من أهل الكتاب، أو من يدين بدينهم. ولابد من حضور ولي المرأة عند عقد الزواج، وشاهدين، مع صداق يقدم لها، لقوله تعالى: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" [النساء:4] . والله سبحانه وتعالى أعلم.(15/238)
لبس الشعر المستعار
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/05/1427هـ
السؤال
هل يجوز لبس الشعر المستعار؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، وبعد:
فلا يجوز لبس الشعر المستعار؛ لما ثبت في الصحيحين البخاري (5934) ومسلم (2123) من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لعن الله الواصلة والمستوصلة". وهي التي تصل بشعرها شيئاً، فهذا وصل أو أعظم من الوصل.
ولكن أجازت طائفة من العلماء لبس الشعر المستعار لمن لم يكن لها شعر أصلاً. كأن يكون فيها عيب وهو القرع. والمرأة إنما جمالها في شعرها. فلئلا تتضرر بعدم زواجها مثلاً، أو عزوف الزوج عنها فتلبس الشعر المستعار. والله أعلم.(15/239)
وطء سجاد المصليات بالأحذية
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/5/1424هـ
السؤال
يوجد في أحد المطارات بعض العسكريين ممن يصلون معنا في المصليات وهم يرتدون الأحذية العسكرية ولا يخلعونها، وبعضهم يكون قد خرج للتو من دورات المياه وهي مبللة، مع العلم أن هذه المصليات مفروشة بالسجاد (أفتونا جزاكم الله خيراً) .
الجواب
روى أبو داود (652) وغيره من حديث شداد بن أوس -قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم"، إلا أن في إسناد هذا الحديث مقالاً، وعلى ذلك فيرى بعض العلماء استحباب الصلاة في النعال، مخالفة لأهل الكتاب، ويرى فريق منهم أن الصلاة بالنعال رخصة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذي بهما أحداً ليجعلهما بين رجليه أو ليصل بهما" رواه أبو داود (655) .
وعلى كلا القولين فإن لزم بالصلاة بالنعلين تلويث المسجد أو تنجيسه أو أذى المأمومين أو كان المسجد مفروشاً فلا يدخل بهما ولا يصل بهما؛ لأن القاعدة عند أهل العلم: أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.(15/240)
صلاة الطلاب قبل جماعة المسجد
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/06/1425هـ
السؤال
أنا طالب في الجامعة، وأحياناً يأتي وقت الصلاة مع وقت المحاضرة، فهل لنا كمجموعة طلاب أن نصلي في جماعة بعد دخول الوقت، ولكن قبل أن تقام الجماعة الكبرى؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأصل أن تؤدوا الصلاة مع جماعة إمام المسجد الراتب، هذا هو الأصل، لكن إذا كان يلحقكم ضرر بالتأخير عن المحاضرة فلا بأس أن تصلوا قبل الناس، أو أن تصلوا بعد الخروج من المحاضرة.(15/241)
التخلص من شرك الخوف
المجيب د. حمود بن غزاي الحربي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/3/1424هـ
السؤال
أريد أن أستفسر عن شرك الخوف، فأنا أعاني منه، وأريد أن تدلوني للطريقة الناجحة للتخلص منه، فأنا أخاف من البشر ذكوراً وإناثاً، وأخاف أن أنصحهم، وأخاف كذلك أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، فدلوني إلى الطريق المستقيم، بارك الله فيكم.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
قسَّم العلماء - رحمهم الله تعالى - الخوف إلى قسمين:
الأول: خوف العبادة والتذلل والتعظيم والخضوع؛ وهو ما يسمى بخوف السر، وهذا لا يصلح إلا لله -سبحانه وتعالى-، ومثاله الخوف من الأصنام، والخوف من الأموات، ومن الأولياء وغيرهم، كما يفعل بعض عباد القبور، الذين يخافون من أصحاب القبور أكثر مما يخافون الله.
الثاني: الخوف الطبيعي وشاهده قوله -تعالى- عن موسى - عليه السلام-: "فخرج منها خائفاً يترقب" [القصص: 21] ، وهذا الخوف إن حمل صاحبه على ترك واجب أو فعل محرم فهو محرم، وإن استلزم شيئاً مباحاً فهو مباح.
وأفضل طريقة للتخلص من شرك الخوف اللجوء إلى الله - تعالى-، والاعتصام به، والتوكل عليه، ومعرفته بأسمائه وصفاته - سبحانه وتعالى-، فمن خاف الله خافه كل شيء، ومن اتقى الله اتقاه كل شيء، ومن خاف من غير الله خاف من كل شيء، واعلم - رحمك الله - أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله لا تدني من الأجل، كما أن تركها لا يبعد من الأجل ... ، فكم من داعية صدع بالحق ومات على فراشه، وكم من جبان قتل، فالآجال محدودة، والأنفاس معدودة، "وما تدري نفسٌُ ماذا تكسب غداً وما تدري نفسٌُ بأي أرض تموت" [لقمان: 34] ، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(15/242)
إقامة وليمة لأهل الميت
المجيب سامي بن محمد الخليل
مدير مركز الدعوة والإرشاد بعنيزة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 4/6/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: سؤالي هو: أنه في حالة وجود وفاة عندنا فإن جماعة القرية وبعد دفن الميت يقومون بعمل طعام عشاء أو غداء قد يصل إلى خمس أو ست من الغنم أو بقرة، بزعم أن ذلك الطعام لأهل الميت ولمن جاء معزياً من المدن والقرى البعيدة، وتكون تكلفة الطعام على الجماعة دون أهل الميت وأقاربه، ثم يتجمع أهل القرية جميعهم على ذلك الطعام في بيت أهل الميت أو في بيت قريب له بما في ذلك الصبيان، وقد نصحناهم عن هذا الفعل، ولكنهم لم يستجيبوا لنا، بل عابوا علينا تخلفنا عنهم وعدم مشاركتهم في ذلك، علماً أن ذلك الطعام قد يتكرر في اليوم الثاني. فلذلك نرجو من فضيلتكم التكرم بالإجابة على هذا السؤال، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
هذا العمل من البدع المنكرة التي لا أصل لها في الدين، وقد مات جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يجمع النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس على طعام، ولم يقم مأتماً، ولو كان في هذا خير وقربة إلى الله لفعله - صلى الله عليه وسلم - والسنة عند الوفاة أن يصنع أقارب الميت أو جيرانه طعاماً ويرسلونه لأهل الميت، أما أن يجمع الناس إلى طعام عشاء أو غداء فهذا خلاف السنة، وهو بدعة محرمة، قال جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -:"كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة". أخرجه أحمد (6905) ، وابن ماجة (1612) .(15/243)
السيارات المعدة للتأجير هل فيها زكاة؟
المجيب د. حمد بن حماد الحماد
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/8/1424هـ
السؤال
سؤالي عندي مكتب لتأجير السيارات، وكل السيارات مرهونة، فهل تزكَّى السيارات؟ علماً أن الفائدة لم يبلغ منها شي، إنما هو دفع الديون، ودفع رواتب العمال.
الجواب
السيارات المعدة للإيجار ليس فيها زكاة، وإنما الزكاة على الدخل إذا حال عليه الحول وكان نصاباً.(15/244)
كيف يزكى المحل التجاري
المجيب د. حمد بن حماد الحماد
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/7/1424هـ
السؤال
عندي محل إكسسوارات الجوال، وبعض الأجهزة الإلكترونية، وأول بضاعة اشتريتها كانت بقيمة عشرة آلاف ريال، وكل أسبوع أحضر بضاعة جديدة، والآن حلَّت سنة كيف أخرج الزكاة؟ وهل الزكاة بقيمة شراء البضاعة بالجملة أو بسعر بيعها؟
أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
كيفية إخراج الزكاة عن البضاعة التي في المحل هو أن تقدر قيمة ما في المحل كم تساوي عند تمام الحول، بصرف النظر عن قيمة الشراء، أو قيمة البيع وتخرج الزكاة، حسب هذا التقدير التقريبي.(15/245)
اسم النبي وأحب الأسماء إلى الله
المجيب د. محمد العروسي عبد القادر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 9/5/1424هـ
السؤال
في الحديث الشريف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أن أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن. فكيف الرد على من يسأل لماذا لم يختر الله -سبحانه وتعالى- لنبينا أحد هذين الإسمين؟ وجزاكم الله خيراً ونفع الله بكم وبعلمكم آمين.
الجواب
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
إجابة على هذا السؤال نقول للسائل إن قولك: لم لم يختر الله -سبحانه- هو من الاختيار بمعنى القضاء وهي الإرادة القدرية، فكأن السائل يقول: لم لم يقدر الله ويقضي أن يكون لنبيه -عليه السلام- أحد هذه الأسماء المحبوبة عنده؟
والجواب - ونسأله -سبحانه- السداد والتوفيق أن نفرق بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية القدرية، فالإرادة الشرعية تكون بمعنى المحبة، فالله -سبحانه- يريد من عباده أن يسموا أبناءهم بأحد هذه الأسماء، أي: بمعنى يحب ذلك، وقد لا يريد ذلك، فقد لا يقدر شيْئاً ولا يقضيه لما فيه من الحكمة التي يحبها الله -سبحانه- أكثر من تلك التي يريدها شرعاً، ففي تسمية نبي الله عيسى ابن مريم بهذا الاسم دون التعبيد من الحكم الباهرة التي من أجلها وأظهرها ما قضاه وقدره من إفراط بعض الناس وغلوهم فيه كالنصارى، وتفريط بعض الناس فيه كاليهود، ضل بذلك من ضل، وعصم من عصم.
وكذلك قدره تسمية علي بن أبي طالب بهذا الاسم دون عبد الله فيها من الحكمة ما أظهره الله من افتتان بعض الناس به.
ثم اعلم أيها السائل وفقك الله أن معنى المحبة في الحديث يعود على الاسم لا على المسمى، لأن الاسم المعبَّد لله فيه معنى حق؛ وهو إظهار العبودية لله -سبحانه-، ولا شك أن جميع بني آدم عبيد لله تسموا بذلك أو لم يستموا، ولعل هذا معنى قوله -سبحانه-: "أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ"
[آل عمران:83]
ولهذا يتسمى بعبد الله الكافر والمسلم، ولا يتسمى بمحمد إلا المسلم.
وما سمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمداً وأحمد إلا لكثرة خصال الحمد فيه، ولهذا كان لواء الحمد بيده، وآدم -عليه السلام- فما دونه تحت لوائه، وأمته - صلى الله عليه وسلم - الحمادون وهو -صلى الله عليه وسلم - عبد الله ورسوله، وكان -صلى الله عليه وسلم- في مواطن كثيرة يقول: أنا عبد الله ورسوله؛ فكان في اختيار هذا الاسم لنبينا -صلى الله عليه وسلم- من الحكم ما هو أحب إلى الله -سبحانه- من غيره من الأسماء.(15/246)
صلاة الأطفال مع الفذ في الصلاة
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/05/1425هـ
السؤال
إذا أردت الصلاة، وكان معي إخوتي ولم يبلغوا الحلم فهل يصلون بجانبي أو خلفي؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا كان مع الإمام اثنان فأكثر فإنهم يصلون خلفه والحالة هذه، سواء بلغوا الحلم أم لم يبلغوا، لحديث أنس - رضي الله عنه - وفيه: "وصففت أنا واليتيم وراءه - أي: وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - والعجوز من ورائنا" رواه الشيخان البخاري (380) ، ومسلم (658) .(15/247)
الرياء وجدولة العبادات
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/4/1424هـ
السؤال
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه وسلم، وبعد: اتفقت معنا أخت على عمل ورد يومي للمحاسبة، والمقصود بالورد هو عبارة عن جدول فيه بعض العبادات، مثل قراءة كتاب وسماع شريط، وقراءة القرآن، والصلوات الخمس، والسنن، والصيام، والصدقة، والأذكار، وتاريخ اليوم، ثم نقوم كل يوم بملء هذه الخانات بعلامة صح إذا أتممنا هذه العبادة في وقتها، أو علامة خطأ إذا حدث خلل أو تقصير، والإشكال في اطلاع الأخت عليها خشية الرياء وعدم الإخلاص في العبادة، ولكنها ترى أن رؤيتها لهذه الورقة للمتابعة لا دخل لها بالرياء والإخلاص، فما رأيكم؟ أفادكم الله.
الجواب
الحمد لله، وبعد: فإن اتخاذ المسلم أو المسلمة لنفسه جدولاً لمتابعة الأعمال الصالحة لا بأس به إن شاء الله بشروط:
(1) ألا يعتقد فيه أنه قربة بذاته، وإنما يعمله المسلم كوسيلة فقط لمتابعة نفسه حين يجد أنه قد ينسى أو يغفل.
(2) ألا يكون الالتزام به التزاماً بالعبادات المشروعة من فرائض أو نوافل، بل يجعل التعامل معه كالتعامل مع أية وسيلة معينة على الخير، فهو مستعد لتركها إذا وجد أفضل منها، ويكون مثله كمن يستعين على طلب العلم بالوسائل الحديثة كالشريط مثلاً، فإذا وجد ما هو أفضل منه لم يتعلق بالأول، لأنه لا يعدو أن يكون وسيلة فقط.
(3) ألا يدعو الناس إليه كما لو كان عملاًَ مشروعاً بذاته.
(4) ألا يطلع عليه أحد (وهذا موضع السؤال) لعدم الحاجة إلى ذلك، ولما فيه من احتمال فساد النية من أجل ذلك، ولكن يبقى التعاون العام والتناصح والتواصي على الخير وأن يكون بعضنا لبعض ظهيراً على الطاعة والبر ولهذا أصل.
كما في قوله تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة: من الآية2] .
وكما في مؤاخاة المهاجرين والأنصار بعضهم مع بعض، فقد كان كل أخ معيناً لأخيه على العلم والعبادة والجهاد والخير، كما في قصة أبي الدرداء مع سلمان - رضي الله عنهما - وغيرها. انظر ما رواه البخاري (6139) ، من حديث أبي جحيفة - رضي الله عنه-.
وكما جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مع أهل بيته أنهم كانوا يتقاسمون الليل يقوم كل واحد جزءاً منه. انظر ما رواه البخاري (5441) ، من حديث أبي عثمان.
وعلى كل حال فينبغي أن تكون عناية العبد بنفسه، وأن يحملها على الطاعة حملاً ذاتياً دون اتكال على أحد غير الله سبحانه، فهذا هو الأصل، ولا مانع بعد ذلك من اتخاذ الأسباب لتشجيع النفس على الخير والطاعة، وتدريبها على ذلك بأنواع الوسائل المباحة، والتي لا تشتمل على محذور شرعي بحسب الضوابط السابقة، والله أعلم.(15/248)
لديه هيكل عظمي بشري فكيف يتصرف فيه
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/7/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم أنا طالب بكلية الطب، انتهيت من دراستي، ولدي هيكل عظمي حقيقي، لا أعلم هل هذا العظم لمسلم، أو كافر؟ ولا أعلم أهو لذكر أم أنثى؟ لأنه مكون من مجموعة من العظام ليست لشخص واحد، أريد رأي الدين في القضايا الآتية: (1) تكفينه ودفنه. (2) وهل يدفن في مقابر المسلمين؟ (3) إهدائه لأحد الطلبة (4) بيعه والتصدق بثمنه.
ثانياً: أحتاج في بداية حياتي العملية الطبية لاقتناء بعض الكتب التي تربط بين الفقه والطب، فأريد نصيحتكم لي ببعض أسماء الكتب المفيدة في هذا الموضوع.
الجواب
الأصل دفن الجثث، ومواراتها في التراب، وعدم الاحتفاظ بشيء منها، لكن يستثنى من ذلك ما دعت إليه الحاجة أو الضرورة، ومن ذلك التشريح، فيباح على الصحيح من أقوال أهل العلم التشريح للتعليم الطبي؛ لأن التعليم لا يتم على الوجه اللازم إلا به، وكذلك يباح التشريح لمعرفة الجاني على الميت، وكذلك يباح لمعرفة بعض الأوبئة، والأمراض التي يستدعي الحال فيها تشريح الجثث التي ماتت بسبب ذلك الوباء.
وبالنسبة لما ورد في السؤال فالجواب كما يلي:
(1) لا يحتاج الأمر إلى تكفين هذا الهيكل، بل يكفي جمع هذه العظام في مكان ودفنها.
(2) الغالب أن هذه العظام والهياكل ليست لمسلمين، وعلى كال حال، فأرى أن تدفن في مكان آخر غير مقابر المسلمين، وغير مقابر الكفار؛ لاحتمال أن تكون هذه العظام لمسلم.
(3) وبالنسبة لإهداء هذا الهيكل العظمي لأحد الطلبة، فإن كان له حاجة به كأن كان طالب طب يستفيد منه، ويحتاجه في دراسته جاز ذلك إن شاء الله، وإلا فلا.
(4) أما بيعه فلا يصح، لأن الأعضاء الآدمية ليست محلاً للبيع، لأن الإنسان لا يملكها، وبالتالي فلا يحل بيعها في مثل هذه الحالة، والله أعلم.
أما بالنسبة للمراجع التي جمعت بين الفقه والطب فهي كثيرة، وأشير هنا إلى بعضها:
(1) الموسوعة الطبية الفقهية [د. أحمد بن محمد كنعان] .
(2) أحكام الجراحة الطبية [د. محمد المختار الشنقيطي] .
(3) المسائل الطبية المستجدة [د. محمد النتشة] .
(4) كتب ورسائل [د. محمد بن علي البار] وهي كثيرة.(15/249)
هل يعتمر دون إذن والده؟
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/5/1424هـ
السؤال
أنا فتى في الثامنة عشرة من عمري أريد الذهاب إلى العمرة أنا وأختي، ولكن أبي عادة يعارض كل أمر بدون سبب، ونحن الآن قاربنا على العطلة الصيفية فهل يحق لي أن أذهب بدون علمه؟ فهو مسافر إلى الخارج، مع العلم أن الحملات آمنة وأنا بلغت سن الرشد.
الجواب
ليس للأب أن يمنع أبناءه من فعل ما فيه مصلحة لهم ولا ضرر على الأب فيه، كأداء العمرة أو الحج، أو طلب العلم، والصيام، ونحو ذلك من الأعمال التي لا خطر فيها على النفس، بل ينبغي على الأب أن يشجع أبناءه على هذه الأعمال، لما في ذلك من تعويدهم على فعل الخير واكتساب الأجر، وإنما يحق للأب أن يمنع ولده من هذه الأعمال إذا كان على الأب ضرر في ذلك، كأن يكون محتاجاً إلى ابنه وذهابه عنه لأداء هذه الطاعة سيضر به، فعلى الابن حينئذ أن يمتنع ويقدم حاجة والده لوجوبها عليه في هذه الصورة، وحتى لا يقع في العقوق المحرم.
وبكل حال فعلى السائل أن يراعي والده، ويتلطف إليه ويحرص على إقناعه وإيضاح ما في سفره لأداء العمرة من مصالح وفوائد، فإن لم يمكن ذلك، ولم يكن لرفض الأب سبب وجيه، فالذي يظهر لي أنه لو ذهب إلى العمرة دون علم والده فليس في هذا حرج ما دام السفر آمناً، لعدم اعتبار إذن الأب في مثل هذه الحال على الصحيح، وأما أخت الشاب السائل فلا أرى لها أن تذهب معه بل تبقى، لأن السفر للمرأة يعرضها للأخطار، والأصل فيها أن تبقى في بيتها، وهي تحت ولاية الأب فعليها أن تحصل على إذنه، والله أعلم.(15/250)
الصلاة على الغائب؟
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/8/1424هـ
السؤال
هل تجوز صلاة الغائب على الجنازة؟
الجواب
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -:كيف يصلى على الغائب؟ وهل يصلى على كل ميت صلاة الغائب؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصلاة على الغائب كالصلاة على الحاضر، ولهذا لما نعى النبي - صلى الله عليه وسلم - النجاشي وأخبرهم بموته، أمر الناس أن يخرجوا إلى المصلى وصفهم صفوفاً، وكبر أربع مرات كما يكبر على الحاضر. انظر ما رواه البخاري (1245) ، ومسلم (951) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وأما هل يصلى على كل ميت صلاة غائب أم لا؟
في هذا خلاف بين أهل العلم:
منهم من يقول: يصلى على كل ميت غائب، حتى إن بعضهم قال: ينبغي للإنسان في كل مساء أن يصلي صلاة الميت، وينوي بها الصلاة على كل من مات من المسلمين في ذلك اليوم، وفي مشارق الأرض ومغاربها.
وآخرون قالوا: لا يصلى على أحد إلا من علم أنه لم يصلِّ عليه أحد.
وفريق ثالث قالوا: يصلى على كل من كانت له يد على المسلمين من علم نافع وغيره.
والراجح: أنه لا يصلى على أحد إلا من لم يصلِّ عليه، ففي عهد الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - مات كثير ممن كانت لهم أياد على المسلمين، ولم يصل صلاة الغائب على أحد منهم، والأصل في العبادات التوقيف، حتى يقوم الدليل على مشروعيتها.
وسئل فضيلة الشيخ - رحمه الله تعالى - ما القول الراجح في الصلاة على الغائب؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصلاة على الغائب ليست مشروعة إلا على من لم يصل عليه، هذا هو القول الراجح.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين (17/148-149) ] .(15/251)
آداب الطفل في المسجد
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/4/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: أود أن أسأل فضيلتكم عن آداب الأطفال في المسجد (الصلاة في الصف - الجري في المسجد - وما يتعلق بالمساجد من آداب ومسائل) ، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا ميز الطفل؛ فحكمه حكم البالغ، فلا يؤخر عن مكانه الذي سبق إليه في المسجد، وأما قبل سن التمييز؛ فينبغي أن يجنب المسجد حتى لا يلوثه، أو يزعج المتعبدين فيه؛ لأن هذه المساجد -كما ورد- بيوت الله قد أقيمت للصلاة وقراءة القرآن، والذكر، وعليه فإن كل تشويش في المسجد أو إزعاج؛ فإن فيه نوعاً من منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه، وأخشى أن يدخل تحت قوله تعالى: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ" [البقرة: من الآية114] ، على أن المصليّ أحياناً قد يحتاج إلى إدخال ولده للمسجد لحاجة عارضة؛ بأن يخشى عليه في بقائه في السيارة، أو يكون عابر سبيل، أو تريد المرأة الصلاة في المسجد وليس معها من يجلس عند طفلها، فلا بأس والحالة هذه، على ألا يتخذ هذا عادة، والله أعلم.(15/252)
متى تدرك الركعة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/6/1424هـ
السؤال
دخلت المسجد والإمام راكع، وبمجرد ركوعي رفع الإمام من الركوع قبل أن أقول سبحان ربي العظيم، ثم قلتها ورفعت فهل تحسب لي ركعة أم أتم الصلاة بعد سلام الإمام؟ والله يحفظكم ويرعاكم.
الجواب
إذا كنت أدركته راكعاً ولو لحظة قبل أن يرفع فقد أدركت الركعة، وإن لم تدركه بحيث أنك تهوي والإمام يرفع فلم تدرك الركعة، والله أعلم.(15/253)
جلوس الكافر في المسجد
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 4/8/1424هـ
السؤال
هل يجوز للكافر الجلوس في المسجد؟ وكذلك الصلاة مع المصلين وهو كافر؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أما بالنسبة لصلاته مع المصلين فهذا لا يجوز، لأن الكافر لا تصح منه الصلاة، لفقده للأصل وهو التوحيد، والله - عز وجل - يقول في النفقات مع أن نفعها متعدد: "وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله" [التوبة:54] ، فالنفقات مع أن نفعها متعدد لا تقبل منه، ولا يؤمر بها، فالصلاة من باب أولى، وأما بالنسبة لدخوله للمسجد فهذا عند المصلحة جائز، ويدل لهذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدخل ثمامة بن أثال إلى المسجد وربطه في سارية من سواري المسجد فيما رواه البخاري (462) ، ومسلم (1764) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، فنقول: عند المصلحة هذا جائز، كما لو أراد أن يتعلَّم دين الإسلام، أو يسمع كلام الله، أو غير ذلك من المصالح المتعلَّقة به، أو المتعلَّقة بالمسجد، فإن هذا جائز إن شاء الله.(15/254)
قراءة القرآن عند القبور
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 9/8/1424هـ
السؤال
ما هي أقوال العلماء في قراءة القرآن عند زيارة القبور؟
الجواب
سئل الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى -: هل تجوز قراءة الفاتحة أو شيء من القرآن الكريم للميت عند زيارة قبره؟ وهل ينفعه ذلك؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
فقال: ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يزور القبور، ويدعو للأموات بأدعية علمها أصحابه - رضي الله عنهم - ونقلوها عنه، من ذلك: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية" رواه مسلم (975) من حديث بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه-، ولم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ سورة من القرآن الكريم أو آيات منه للأموات مع كثرة زيارته لقبورهم، فلو كان ذلك مشروعاً لفعله وبينه لأصحابه - رضي الله عنهم - رغبة في الثواب، ورحمة بالأمة، وأداء لواجب البلاغ، فإنه كما وصفه تعالى بقوله: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ" [التوبة:128] ، فلما لم يفعل ذلك مع وجود أسبابه دل على أنه غير مشروع، وقد عرف ذلك أصحابه - رضي الله عنهم- فاقتفوا أثره، واكتفوا بالعبرة والدعاء للأموات عند زيارتهم، ولم يثبت عنهم أنهم قرأوا قرآناً للأموات، فكانت القراءة لهم بدعة محدثة، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) من حديث عائشة -رضي الله عنها- والله الموفق.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/340-341) ] .(15/255)
كشف وجه الميت في القبر
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 4/8/1424هـ
السؤال
هل يُكشف وجه الميت في القبر أم لا؟ وشكراً.
الجواب
سئل سماحة الشيخ العلامة ابن باز - رحمه الله - سؤالاً يشبه هذا السؤال، فأجاب:
لا يجوز كشف وجه الميت إذا وضع في اللحد، سواء كان رجلاً أو امرأة، وإنما الواجب ستره بالكفن، إلا أن يكون محرماً فإنه لا يغطَّى رأسه ولا وجهه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حق الذي مات محرماً: "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً" متفق عليه عند البخاري (1265) ومسلم (1206) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - واللفظ له.
لكن إذا كان الميت امرأة فإنه يخمر وجهها بكفنها ولو كانت محرمة؛ لأنها عورة.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/194) ]
وقال فضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: "وقال بعض العلماء: إنه يكشف عن خده الأيمن ليباشر الأرض.
واستدلوا: بأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "إذا أنا مت ووضعتموني في القبر فأفضوا بخدي إلى الأرض" أي: اجعلوه مباشراً للأرض، ولأن فيه استكانة وذلاً.
فأما كشف الوجه كله فلا أصل له، وليس فيه دليل إلا فيما إذا كان الميت محرماً، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تخمروا وجهه" وإن كانت هذه اللفظة "وجهه" اختلف العلماء في ثبوتها، أما الرأس بالنسبة للمحرم فإنه لا يغطى.
[الشرع الممتع على زاد المستقنع 5/456] .(15/256)
وجود قبره - صلى الله عليه وسلم - داخل المسجد النبوي
المجيب د. عبد الله بن عبد الله بن عبيد الزايد
مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/4/1424هـ
السؤال
أثار بعض الناس مسألة وجود قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- داخل المسجد النبوي وأن هذا من الأمور التي نهى عنها الشارع الحكيم من اتخاذ القبور مساجد، ووصل الأمر إلى تحريم الصلاة في المسجد النبوي، فما هو الحكم الشرعي في هذه المسألة؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
إن ما يثار من ذلك لا أساس له من الاعتبار لأمور منها:
(1) تواتر أعصر الأمة المحمدية في الصلاة في المسجد النبوي الشريف دون نكير.
(2) قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة في مسجدي هذا خيرٌُ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" رواه البخاري (1190) ، ومسلم (1394) ، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- والله -تبارك وتعالى- يعلم أن القبر الشريف سيوجد على هذا النحو الحالي، فلا يمكن أن يرتب حكم يخالف هذا النص.
(3) أن اتجاه القبلة لا يتأثر بجهة قبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فهو واقع في مثلث هندسي؛ وقد أحسن الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- حيث ذكر في منظومته النونية بأن كون القبر الشريف في هذا المثلث يبعده عن الاستقبال.
(4) ليطمئن السائل الكريم وسائر من قد يفكر في مثل موضوع السؤال أن لا تأثير لمثل هذه الشكوك في فضل الصلاة في المسجد النبوي الشريف، وسيظل هكذا إلى قيام الساعة، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم.(15/257)
هل تحج وتترك أبناءها؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/11/1424هـ
السؤال
أنا متزوجة، وزوجي قادر على أن يأخذني للحج، لدي بنت عمرها ثلاث سنوات وولد عمره سنة وأربعة أشهر، وأنا أرضعه، هل يجب علي أن أحج هذه السنة وأتركهم؟ أم لي عذر لأني أرضعه؟
الجواب
إن وُجِدَ من يتولى رعاية الأولاد ويقوم عليهم واستغنى الصغير عن الرضاع منك، فالمبادرة بأداء الحج واجبة؛ لقوله - تعالى -:"ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين" [آل عمران من الآية: 97] ، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-:"من أراد الحج فليتعجل" رواه أبو داود (1732) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- وعند ابن ماجة وغيره (2883) :"فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة وتعرضُ الحاجة".(15/258)
القيام للجنازة
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/3/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يجب أو هل يستحب أن تقوم عندما ترى جنازة محمولة إلى المسجد؟ أو إلى المقبرة؟ أو وهى داخل المسجد؟ -بارك الله فيكم -.والسلام عليكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
جاءت أحاديث كثيرة بالقيام للجنازة إذا مرت، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين البخاري (1310) ومسلم (959) من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع"، وكذلك حديث جابر - رضي الله عنه- قال: "مرَّ بنا جنازة، فقام لها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقمنا به، فقلنا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي؟ قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا" رواه البخاري (1311) ، ومسلم (960) .
وقد جاءت أحاديث أخرى إلا أن هذه الأحاديث قد نسخت، بدليل ما جاء عند النسائي (1728) وغيره أن جنازة مرت على الحسن بن علي وابن عباس - رضي الله عنهما - فقام الحسن - رضي الله عنه - ولم يقم ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال الحسن لابن عباس - رضي الله عنهما - أما قام لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: قام لها ثم قعد. وعليه فقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن القيام للجنازة منسوخ.(15/259)
الحج وتأمين مستقبل الأبناء
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/11/1424هـ
السؤال
أنا متزوج وأعمل مهندس حاسب آلي، ولدي ابنتان، ولقد سمعت أنه ما إن يتوفر لدي مبلغ الحج حتى يجب علي أداؤه، فهل آخذ ما معي من النقود وأذهب إلى الحج؟ أم أنتظر حتى أؤمن مستقبل أبنائي؟ وشكراً.
الجواب
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، ومن شروطه الاستطاعة، فإذا كان الإنسان واجداً نفقة الحج مما فضل عن حاجته وحاجة من يعوله إلى أن يرجع من حجه فإنه يلزمه أن يذهب للحج، أما إذا كان لا يوجد عنده من المال ما يكفيه، ويكفي من يعوله فإنه يبقى حتى يتيسر له الأمر، ويتوفر عنده نفقة الحج زائدة عن نفقة أسرته، فإن الاستطاعة هي الزاد والراحلة، والله -تعالى- يقول:"ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً" [آل عمران:97] ، وبالله التوفيق.(15/260)
التنقيب عن الآثار الفرعونية
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/3/1425هـ
السؤال
نعلم أن أسلافنا المسلمين كانوا عندما يفتحون البلاد للإسلام يحطمون ما يجدونه من تماثيل ومعابد، ومنشآت مكرسة لعبادة غير الله -عز وجل- ولكننا في العصر الحديث وجدنا معاهد وجامعات أنشأتها حكوماتنا بإرشاد من الغرب الكافر، هذه الكليات والمعاهد منها ما هو متخصص في تخريج من يعمل كمفتش أو مرمم، أو موظف في مجال التنقيب عن آثار الفراعنة وحفظها وصيانتها، والسؤال: ما حكم العمل في وظيفة من هذه الوظائف السابقة؟ -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
العناية بالصور المجسمة من الأصنام والتماثيل باسم حماية الآثار هو عين الوثنية والجاهلية الأولى التي جاء الإسلام بنقضها، ولئن كانت جاهلية الأمس بدائية ساذجة، فإن جاهلية اليوم خبيثة ماكرة ومعقدة، فهي تتزيى بزي الثقافة والفن، والمحافظة على تراث الماضي من الآباء والأجداد، ولئن كانت الجاهلية الأولى يتبناها الأفراد فإن جاهلية القرن العشرين وما بعده تتبناها الدول والهيئات، فجعلتها منظمة مقننة، على حد قول الشاعر:
لقد كان فينا الظلم فوضاً فهذبت *** حواشيه حتى صار ظلماً منظما
يا أخي: -احمِد الله- أن هداك للحق، وعرفك به، فالزمه حيثما كنت، واعلم أن ترميم الأوثان والتماثيل حرام كمن يقوم بنحتها وصناعتها؛ وفي الحديث الذي رواه مسلم (832) عن أبي أمامة - رضي الله عنه - وفيه: "أرسلني ربي بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء"، وفي صحيح مسلم (969) أيضاً عن أبي الهياج قال لي علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه-: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته"، وأول ما يدخل في معنى الصورة في الحديث الصورة المجسمة، وابحث لك يا أخي عن عمل شريف خير لك من وظيفتك الحالية، ولا عليك حرج في إجازتك بدون مرتب - إن شاء الله- وفقك الله ورزقك حلاله عن حرامه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(15/261)
منع المبتدعة من المساجد
المجيب د. سالم بن عبد الغني الرافعي
رئيس الجمعية الإسلامية في برلين
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/11/1424هـ
السؤال
ما الحكم إذا دعا المسلم إلى بدعة أو قام بفتنة تشق الصف، أو تآمر مع الأعداء ضد المسؤولين عن المسجد؟ هكذا يصاغ السؤال من طرف من يريد الجواب بجواز المنع عند الحاجة، وهل يجوز منع المسلم من الصلاة في المسجد إذا حاول توجيه النصيحة إلى المسؤولين ودعا إلى فتح باب الحوار الداخلي بشكل مفتوح وصريح وبإيجاد ضمانات لشيئين:
(1) حق الجميع في المشاركة في الحوار دون تسفيه لهم أو توبيخ أو إقصاء.
(2) ضوابط منهجية محايدة للحوار تؤصل أسسه ومرجعيته وأساليبه.
لا شك أن الإسلام ضمن هذه النقاط وأكثر منها لتحقيق العدالة بين الناس والمساواة بين المسلمين. فهلا فصلتم لنا بالإجابة-وفقكم الله- علها تقنع كلا الطرفين فتكون ميزاناً وسطاً مستنبطاً من الأدلة التفصيلية، معتبراً مقاصد الشريعة وقواعدها الكلية بطبيعة الحال، فيرجع إليها الطرفان ليتخلصا من الإفراط والتفريط. وهذا لا يغني عن سلامة الصدور والنوايا والإخلاص، ولكنه لا شك يعين بإذن الله إذا أحسن الظن بالطرف الآخر واجتهدنا في محاسبة أنفسنا ومراجعتها.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فجواباً للسؤال الذي طرح من قبل الأخ الكريم، نستعين الله تعالى ونقول:
إن عمارة المساجد وصيانتها، والإشراف عليها، وحمايتها من أهل الأهواء والبدع هي مهمة ملقاة على عاتق أمير المؤمنين أو من ينوب منابه.
فإن قام بعض أهل البدع بالدعوة إلى بدعة في المسجد وكانت من البدع الخطيرة فعلى السلطان أو نائبه زجره وإقامة الحجة عليه.
فإن تاب وإلا عزر بما يردعه عن نشر بدعته، ومن التعزير الجائز تحذير الناس منه، وقد ورد نحو هذا عن عمر - رضي الله عنه- حين حذر الناس من صبيغ بن عسل الذي كان يتبع متشابه القرآن ويشوش عقول الناس به وضربه. انظر ما رواه الدارمي (144) والشريعة للآجري (73) .
وفي الصحيحين البخاري (4547) ومسلم (2665) من حديث عائشة - رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم، كما أن للسلطان منعه من ارتياد المساجد إذا خيف على الناس منه.
والأصل في هذا ما قعده الفقهاء في قولهم: يدفع أعظم الضررين بارتكاب أهونهما، فإن منع المسلم من المسجد أمر منكر وهو ضرر، ولكن إذا انتهز فرصة اجتماع الناس في المسجد فقام بنشر بدعته منع من دخوله؛ لأن إضلال الناس أمر أعظم خطراً من الأول. يقول تعالى: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين" [البقرة:114] .
فالآية صريحة في منع الساعين في خراب المساجد من دخولها آمنين. وإن نشر البدع فيها من تخريبها؛ لأن عمارتها كما تكون ببنائها تكون أيضاً بنشر ذكر الله والعلم النافع فيها.(15/262)
وثبت في صحيح مسلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم- كان إذا وجد ريح البصل والثوم من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، انظر ما رواه مسلم (567) من حديث عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-، وهذا تنبيه بالأدنى على الأعلى، فالذي ينشر البدع ويثير الفتن في المسجد أولى بالإخراج؛ لأن إيذاءه أشد من إيذاء أكل البصل والثوم. قال الإمام الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية (291) وإن حدث منازع ارتكب ما لا يسوغ فيه الاجتهاد كف عنه ومنع منه، فإن أقام عليه وتظاهر باستغواء من يدعو إليه لزم السلطان أن يحسم بزواجر السلطنة ظهور بدعته، ويوضح بدلائل الشرع فساد مقالته، فإن لكل بدعة مستمعاً، ولكل مستغو متبعاً"
وهذا كله في المساجد الكائنة في بلاد الإسلام، وأما المساجد الكائنة في بلاد الكفر والتي ليس للسلطان المسلم عليها ولاية، فيجب أن يقوم بولايتها أهلها من المسلمين، ولا يجوز أن تعطى ولايتها لحاكم كافر.
ومعلوم أن لكل مسجد في بلاد الغرب هيئة تشرف عليه وتتولى شؤونه، وهذه الهيئة عليها تبعة حماية المسجد وصيانته والإشراف الديني عليه، كما أن لها الحق في منع من يقوم بتخريب المسجد، أو نشر البدع فيه أو إيذاء أهله من دخوله.
ذلك أن حماية المساجد وصيانتها ولاية تابعة للسلطان المسلم، فإن تعذرت ولايته لم يترك الأمر هملاً، وتترك المساجد الكائنة في بلاد ليس للسلطان المسلم ولاية عليها، سوقاً يرتع فيها أهل الأهواء والبدع، بل على من تولى شراء المسجد أو تأسيسه أن يولي أهل الخير الإشراف عليه، وهؤلاء الذين ترتب عليهم واجب حماية المسجد لهم الحق في اتخاذ الإجراءات الضرورية لصيانة المسجد من البدع المضلة ومن الذين يسعون في تخريبه، أو تمزيق صف المصلين فيه.
فإذا خشيت الفتنة في المسجد ولم يمكن درؤها إلا بمنع أصحاب الفتنة من دخول المسجد وجب ذلك؛ لأن القاعدة الأصولية إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبعض الضرر يحتمل في سبيل دفع ضرر أكبر منه.
فالهيئة الموكلة برعاية المسجد تنوب عن السلطان في ولايته؛ لأن ما لا يدرك كله لا يترك جله، وهذه الهيئة عليها أن تكون على بصيرة من أمر دينها؛ حتى لا تتعدى في ولايتها فتخرج من لا يستحق الإخراج، فترتكب بذلك إثماً عند الله، فإن لم يكن فيهم أهل علم فعليهم أن يسألوا "فإنما شفاء العي السؤال" جزء من حديث رواه أبو داود (336) عن جابر –رضي الله عنه-.
ومن البصيرة في الدين أن يفرق بين مريد النصيحة ومريد الفتنة، فالأول يشكر والثاني يزجر.
واعلم أيها السائل أن للنصيحة شروطاً وآداباً يجب مراعاتها، وإلا أدت النصيحة إلى فتنة، ومن أهم شروطها في حال وقعت الهيئة المشرفة في أخطاء:(15/263)
(1) أن ينظر في الخطأ الذي وقعت فيه الهيئة، فإن كان معصية بينة، أو بدعة ظاهرة، بين لهم برفق ولين حتى لا يعين الشيطان عليهم، فإن رجعوا وإلا نظر: فإن كانت المعصية قاصرة غير متعدية أي تشمل الهيئة ولا يتعدى ضررها سواهم فالأولى الستر، خاصة إذا أدى نشر معصيتهم بين المصلين إلى إشاعة الفساد وافتتان ضعفاء الإيمان. وكذا إذا كانت بدعتهم قاصرة عليهم لا يقومون بنشرها، وأما إذا كان ضرر معصيتهم متعدياً إلى المصلين، أو كانوا يدعون إلى بدعتهم لزم تحذير الناس من ذلك.
(2) أما إذا كان خطؤهم من المسائل الاجتهادية التي يجوز الاختلاف فيها فلا ينكر عليهم، ولك أن تنصحهم بكل رفق فإن أبوا فلا حرج عليهم، ولا يجوز لك أن تطعن برأيهم، أو تجبرهم على رأيك.
(3) إذا كان خطؤهم من المسائل الإدارية والتنظيمية التي لا يتعلق بها تحريم فيجوز نصيحتهم برفق، فإن أبوا تركوا؛ لأن هذه المسائل لا يتعلق بها حرمة شرعية ولا يجوز الإنكار عليهم أمام الناس بسبب هذه الأخطاء، أو تفنيد آرائهم لذلك. فإن هذا مفسدة محققة، وما فعلوه ليس مفسدة.
وبعد هذا البيان نرجع إلى سؤال الأخ هل يجوز منع المسلم من دخول المسجد إذا وجه النصيحة إلى الهيئة المشرفة (المسؤولين) ، أو دعا إلى فتح باب الحوار؟ والجواب أنه لا يصلح أن يقال: نعم أو لا، إلا بعد الاستفصال عن نوع الحوار والنصيحة الموجهة إلى الهيئة، أو بالأحرى الاستفصال عن الخطأ الذي وقعت فيه الهيئة مما استوجب إسداء النصيحة إليهم ودعوتهم إلى الحوار.
هل يندرج خطؤهم تحت المعصية البيئية والبدعة المضلة؟ أو تحت المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الاختلاف؟ أو تحت المسائل الإدارية التي لا تتعلق بالتحريم؟.
وأياً كان خطؤهم وأراد أحد الناس أن ينصحهم، فعلى الناصح أن يوجه النصيحة إليهم مباشرة، وبرفق ولين.
فإن منعوه بعد ذلك من دخول المسجد بسبب إسداء النصيحة لهم، فهم آثمون صادون عن سبيل الله.
وأما إذا تعدى الناصح في نصيحته فقام بنشر أخطائهم بين الناس، والتشهير بهم ودعا الناس إلى مواجهتهم وعزلهم سيما إذا لم تكن أخطاؤهم من البدع الخطيرة، والمعاصي البينة، فهذه مفسدة عظيمة لأن فيها تفريقاً للصف، وإثارة للبلبلة.
وصرف الناس عن تعليم دينهم، ففي هذه الحالة يحق للهيئة المشرفة أن تواجه هذه المفسدة بالطريقة التي تحسمها.
فإن أمكن حسمها بالموعظة الحسنة وجبت ولم يجز تعديها إلى سواها، وإن لم يمكن حسمها إلا بمنع المفسدين من دخول المسجد جاز لهم ذلك، لأن تفريق الصف وصرف المسلمين عن تعلم دينهم وإقامة شعائرهم فتنة أعظم من منع بعض المشوشين من دخول المسجد.
والله نسأل أن يلهمنا السداد في القول والعمل.(15/264)
كتابة اسم الميت على قبره
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/4/1424هـ
السؤال
هل يجوز كتابة اسم الميت على قبره كي يعرف عند زيارة أهله له؟.
الجواب
الكتابة على القبر لا تجوز، لأنه ثبت أنه عليه الصلاة والسلام نهى أن تجصص القبور وأن يبنى عليها، وأن يكتب عليها ولو اسم صاحب القبر، ولكن يجوز وضع علامة عند القبر بأن يجعل عليه حجراً يعرف به أو عوداً أو ما أشبه ذلك.(15/265)
الفرق بين الكبائر ونواقض الإسلام
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 5/8/1424هـ
السؤال
ما هو الفرق بين المعاصي. الكبائر. والنواقض للإسلام؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن المعصية تنقسم إلى قسمين:
كبيرة وأصح ما قيل في تعريفها إنها كل ذنب ترتب عليه حد في الدنيا، أو ختم بلعنة أو غضب، أو نار، وأما الصغيرة فهي التي ليس فيها حد في الدنيا، ولا وعيد في الآخرة، وهذا هو الضابط الصحيح للتفريق بين الكبيرة والصغيرة؛ لأنه لا يرد عليه أي قادح من القوادح التي ترد على غيره، وهو الذي يوافق النصوص الشرعية، وهو المأثور عن السلف - رحمهم الله- كما قال شارح العقيدة الطحاوية.
أما الناقض للإسلام: فقد ذكر العلماء أن نواقض الإسلام عشرة: الأول الشرك في عبادة الله، الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم. الثالث: من لم يكفِّر المشركين أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم. الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه. الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم-. السادس: من استهزأ بشيء من الدين. السابع: السحر بأنواعه. الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين. التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة الرسول - صلى الله عليه وسلم-. العاشر: الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به. ويجب ملاحظة الحكم على الشخص المعين بأنه لا بد من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، لأنه قد يقع في ناقض من النواقض لكنه لا يحكم عليه إلا إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع وهي مذكورة في كتب العقيدة. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(15/266)
نوى النذر بقلبه دون أن ينطق به، فهل يلزمه؟
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكركم على هذا الموقع الرائع، وسؤالي هو: لقد عاهدت الله - تعالى - على عدة أمور لكن بالقلب دون أن أنطق النذر بلساني، وسؤالي هو هل أنا ملزم بتنفيذ هذا النذر؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الإنسان لا يؤاخذ بما حدث به نفسه، إنما يؤاخذ بما تكلم به أو فعله، فإذا كان لم ينطق به فإنه لا يترتب عليه شيء، لأن حديث النفس لا يؤاخذ به، انظر ما رواه البخاري
(6664) ، ومسلم (127) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وبالله التوفيق.(15/267)
جملة (سخافة الأقدار)
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 1/6/1424هـ
السؤال
كثر في الآونة الأخيرة ذكر جملة (سخافة الأقدار) في الصحف والإنترنت، فما حكم التلفظ بهذه الجملة، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، الأقدار قدرها الله - سبحانه وتعالى - والذي يقول: (سخافة الأقدار) يطعن في حكمة الله في تدبيره، ومن يطعن في حكمة الله فإنه ينسب الله إلى السفه، وكفى بهذا ضلالاً، فيجب على من أطلق ذلك أن يتوب إلى الله فإنه يخشى عليه بإطلاقه هذه الكلمة من الردة، فيجب أن يبين له ويدعى إلى التوبة والرجوع إلى الله، ويبين له أن الله - تعالى - حكيم في خلقه وأمره إن الله حكيم عليم، وفي الحديث الصحيح "إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه"، رواه الترمذي (2319) ، وابن ماجة (3969) من حديث بلال بن الحارث -رضي الله عنه- فيجب الحذر من إطلاق مثل هذا المنكر الفاحش الذي يتضمن الطعن في صفات الله - تعالى - في حكمته وتدبيره، نعوذ بالله من الخذلان، والله أعلم - وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(15/268)
الصلاة داخل المتجر
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/5/1424هـ
السؤال
ما حكم الصلاة في المحل الذي أشتغل فيه؟ علماً أنني أشتغل في محل بمفردي، وهو محل إنترنت، أي يأتي وقت الصلاة وأحياناً المحل مليء بالناس، فلا أستطيع أن أقول لهم اخرجوا، فما حكم الصلاة في المحل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
هذا السائل وغيره يجب أن يعلم أن صلاة الجماعة واجبة، وأنها واجبة على الرجال في المساجد، والنبي - صلى الله عليه وسلم - همَّ بتحريق المتخلفين عنها، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري (644) ، وصحيح مسلم (651) ، وغيرهما. وعدل عن ذلك بسبب ما فيها من النساء والذرية، ولما جاءه الأعمى يستأذنه في التخلف عن الصلاة والفجر أذن له، فلما ولى دعاه، وقال: "هل تسمع النداء"؟ قال: نعم، قال: "إذن أجب لا أجد لك رخصة". انظر صحيح مسلم (653) ، وسنن أبي داود (552-553) .
وأنت قبل أن تفتح المحل يجب أن تجعل إعلانات في جميع نواحي المحل تبين فيها أن المحل يغلق وقت الأذان، وأن على جميع مرتادي هذا المحل الانصراف بعد دخول وقت الصلاة، فإذا دخل وقت الصلاة يجب عليك أن تغلق الأنوار، وتعلن للحاضرين بأن الوقت قد انتهى، وعلى الجميع أن يغادروا لأداء الصلاة مع الجماعة في المساجد، ولا يجوز لك أن تبقى هكذا كما ذكرت، ويجب أن يتكيف الناس في جميع برامجهم وأعمالهم وأشغالهم على وفق طاعة الله، لا أن يهملوا طاعة الله بسبب أمور دنيوية أو نحوها، أو أحياناً بعض الأمور التي تجيء في الإنترنت تكون أموراً ضارة أو أموراً ليست نافعة أقل أحوالها، أما أن تبقي الناس في المحل وأنت معهم وتتركون الصلاة مع الجماعة فهذا أمر منكر لا يجوز، ونسأل الله الهداية للجميع.(15/269)
دفع الرسوم لإدارة المسجد
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 1/11/1424هـ
السؤال
لدينا - في مسجدنا في إحدى المدن الأمريكية - بعض الأنظمة:
(1) هناك رسم سنوي يدفعه الأعضاء لتغطية نفقات المسجد (كهرباء، ماء، وخلافه) .
(2) فقط الذين يدفعون هذا الرسم يحق لهم التصويت لاختيار أعضاء مجلس إدارة المسجد، وهم الذين لهم حق التصويت في القضايا الخاصة بالجالية، وهذا يعني أن الذي لا يدفع لا يمكنه أن يكون عضواً في المجلس، ولا يمكن له التصويت حتى لو عرف عن الشخص أنه يتبرع للمسجد أو يشارك في الجالية، والتبرير المعلن كذلك هو منع المسلمين من المدن الأخرى في المشاركة في التصويت بوصفهم غير معروفين للجالية، وفي بعض الحالات قد لا تستطيع عائلة أن تدفع فيصدر لهم المجلس إعفاء خاصا نظراً لظروفهم بعد دراسة حالتهم. هل مثل هذه الأفعال جائزة في الإسلام؟ علماً بأن أعضاء الجالية قلما يشاركون في أنشطة المسجد، فأرجو تقديم شرح لحكم هذه الأعمال، وإذا أردتم إيضاحات أكثر يمكننا تقديمها.
الجواب(15/270)
جزاكم الله خيراً على اهتمامكم برعاية هذا المسجد في ديار الغربة، وما ذكرتم في سؤالكم أن من لم يدفع الرسم السنوي للمسجد لا يحق له التصويت لاختيار مجلس الإدارة، ولا يكون له حق التصويت في القضايا التي تخص الجالية التي ترتاد المسجد، والذي أعرفه عن المساجد في ديار الغربة أنها تمثل مراكز إسلامية عامة، تعنى بجميع شؤون المسلمين الدينية كإقامة الصلوات والدروس والمحاضرات وعقود الزواج وإسكان الضيوف وتدريس الأولاد بنين وبنات وحل النزاعات والخلاف الذي يقع بين أفراد الجالية ونحو ذلك، فإذا كان الأمر كذلك فلا بأس بمنع من لم يدفع الرسم السنوي من حق التصويت في كل المجالات في محيط المركز غير أداء الصلوات الخمس والتراويح في شهر رمضان وسماع خطبة الجمعة والعيدين فلا يجوز منع أحد منها. ولو كان غير مشترك يدفع الرسوم السنوية، لأن الصلاة والخطبة تؤديان فيه على أنه (مسجد) ، أما سائر الخدمات التي تقدم فيه بوصفه مركزاً (وليس مسجداً) ، ومنع الناس من أداء الصلاة في المسجد حرام ولا يجوز، قال تعالى: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [البقرة:114] ، وفيما عدا الصلوات والخطبة فإن تنظيمكم له أمر عرفي جائز، وما تعارف عليه الناس يدخل تحت القاعدة الشرعية (العرف المعتاد يجري مجرى الشرط) ، والأثر الثابت عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - (ما رآه المسلمون حسن فهو عند الله حسن) ، ويخضع ذلك للقدرة والإمكانات المتاحة، ويجوز أخذ الأجرة على الأعمال غير الصلاة، وإذا جازت الأجرة في هذا فأخذ الرسم السنوي وما ترتب عليه من باب أول، ى ولكني أوصيكم بالتسامح والتيسير والاحتساب ما أمكن مع المشتركين (دافعي الرسوم) وغيرهم لقوله - صلى الله عليه وسلم -:"يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" أخرجه البخاري (69) ، ومسلم (1734) من حديث أنس -رضي الله عنه-، وفي الحديث الآخر:"من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ... والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" أخرجه مسلم (2699) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، ولا تنسوا أنكم في غربتكم دعاة هداة، فلا تكونوا جباة جفاة، وفق الله الجميع إلى كل خير.(15/271)
هل فرش المسجد بالسجاد بدعة؟
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 7/2/1425هـ
السؤال
في مسجدنا يوجد سجاد مُهدى لنا، وأعضاء المجلس الخاص بالمسجد لا يرون في ذلك مشكلة؛ لأنهم يحضرون في الجمع والمناسبات، وبعد تقديم فتوى أحد المشايخ لهم بأن السجاد بدعة، وقد سألوا الأزهر فأجاب بأن السجاد جائز؛ لأنه لم يرد نص فيه، وأن السجاد لا يزعج المصلين والسؤال هو:
(1) ما حكم السجاد مع الدليل؟.
(2) ماذا علينا أن نفعل نحن الذين نحضر كل يوم للمسجد في حال رفضوا سحب السجاد؟ علماً بأنهم رفضوا فتوى شيخ آخر بناء على تفكيرهم، والله يعلم أن علمهم قليل جداً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
الأصل في الصلاة على السجاد هو الجواز بناء على ما قرره العلماء من أن الأصل في الأشياء الحل حتى يثبت التحريم، ولم يدل دليل شرعي صريح صحيح بتحريم الصلاة على السجاد أو كراهته؛ بل دلت الأدلة الشرعية على جواز ذلك من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- وقد استوفاها الشيخ ـ الذي سألتموه ـ في فتواه.
والتحقيق أن فرش المصلى أو المسجد بالسجاد الذي يقي الناس والحر والقر والوسخ عمل مشروع؛ لأنه أعون للمصلي على الخشوع والتدبر والطمأنينة.
هذا على أن يكون السجاد خالياً من صور ذوات الأرواح، وخالياً من الزخرفة التي تلهي المصلي عن صلاته، وقد بسط الشيخ المسؤول تفصيل ذلك وأدلته بما يغني عن إعادته.
وقد قرأت فتوى الشيخ وفقه الله، ولم أجده يقول ببدعية الصلاة على السجاد مطلقاً، وإنما قال ببدعية اتخاذ السجاد في الصلاة في حالة خاصة، وأنتم أخذتم كلامه على وجه العموم.
وكم من عائب قولاً صحيحاً *** وآفته من الفهم السقيم
وهو إنما قال ببدعية أن يتخذ المصلي السجاد (ترفعاً من الصلاة على الفراش الذي فرش لعامة الناس في المسجد، أو يفعل ذلك احتياطاً منه خشية نجاسة البقعة التي يصلي عليها) .
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"أما الغلاة من الموسوسين: فإنهم لا يصلَّون على الأرض، ولا على ما يفرش للعامة على الأرض، لكن على سجادة ونحوها.. اهـ مجموع الفتاوى (22/177) .
كما قال - حفظه الله- ببدعية أن يتحرى المصلي الصلاة على السجاد، اعتقاداً منه بأنه لابد من سجادة خاصة للصلاة.
ولا شك أن من اعتقد ذلك فهو موسوس ومتنطع.
وسياق كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي ذكره الشيخ المذكور لا يفهم منه بدعية الصلاة على السجاد بإطلاق، وإنما يفهم منه - كما هو ظاهره- أن البدعة هي: "تحري الصلاة على السجاد بحيث يجد المصلي في نفسه حرجاً أو شكًّا في صلاته لو صلاها على غير سجاد) .
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى-:(15/272)
"الصلاة على السجادة (بحيث يتحرى المصلي ذلك: فلم تكن هذه سنة السلف من المهاجرين والأنصار ومن بعدهم من التابعين لهم بإحسان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؛ بل كانوا يصلون في مسجده على الأرض لا يتخذ أحدهم سجادة يختص بالصلاة عليها، وقد روي أن عبد الرحمن بن مهدي لما قدم المدينة بسط سجاده، فأمر مالك بحبسه؛ فقيل له: إنه عبد الرحمن بن مهدي، فقال: أما علمت أن بسط السجادة في مسجدنا بدعة؟! أ. هـ مجموع الفتاوى (22/163) .
ولا شك أن كلام الإمام مالك هنا محمول على تحري الصلاة على السجاد بحيث يجد المصلي في نفسه حرجاً أو شكًّا في صلاته لو صلاها على غير سجاد، ونحن نحمله على هذا المحمل؛ لأنه قد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صلى مرة على حصير ومرة على خمرة ـ وهي فراش يعمل من سعف النخل يسجد عليه المصلي يتقي به حر الأرض وبردها ـ انظر ما رواه البخاري (333) ، ومسلم (513 -519) من حديث ميمونة وأبي سعيد الخدري - رضي الله عنهما -.
وأما ما ذكره الشيخ المسؤول- حفظه الله- من أن فرش السجاد على السجاد بدعة ما لم يكن هنالك سبب يقتضيه كشدة برد.. إلخ؛ ففيه تشديد في مسألة الأمر فيها واسع، والحكم على الشيء بأنه بدعة يحتاج إلى دليل ظاهر وتثبت، وكان الأولى أن يقيد بدعية هذا العمل (فرش السجاد على السجاد) بحالة ما لو اعتقد متخذ السجاد عند الصلاة أن الصلاة بدون السجاد ناقصة أو باطلة.
وما ذهب إليه من كون اتخاذ الإمام سجاداً فوق سجاد المسجد المفروش لعامة المصلين بدعة فهو أمر لا أوافقه عليه البتة، لأن الذي يضعها للإمام إنما يريد بها تكريم منزلته، أو تحديد مكانه.
ومع ذلك فهذا لا ينبغي - لكنه ليس بدعة- لعدم الحاجة إليها، ولأن ذلك قد يوقع في قلبه شيئاً من الترفع والتعالي على الناس، والحاصل أن فرش المصلى أو المسجد بالسجاد جائز، ويكون مستحباً إذا كان فرشه لأجل أن يقي المصلين حر الأرض أو برودتها أو وسخها.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(15/273)
هل يقتل المسلم بالوراثة إذا ارتدَّ
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 8/6/1424هـ
السؤال
هل يقتل المسلم بالوراثة إذا ارتدَّ عن الإسلام؟ أي أنه لم يكن مسلماً بإرادته، وعندما بلغ سن الرشد قرر الاعتقاد بدين آخر.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فالمسلم سواء اعتنق الإسلام برغبته واختياره أو كان مسلماً لأن أحد أبويه مسلم متى ارتد عن دينه وجبت استتابته، فإن تاب وإلا قتل لعموم النص.
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من بدل دينه فاقتلوه" أخرجه البخاري (3017) .
ولأنه أعظم في الجرم إذا عرف الإسلام وولد عليه، فارتداده عنه بعد ذلك دليل على عظم الفساد عنده. والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.(15/274)
صلاة الغائب على موتى الزلازل
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 5/11/1424هـ
السؤال
هل تجوز صلاة الغائب على من مات في الزلزال؟
الجواب
الصلاة على الغائب مشروعة لمن لم يُصلَّ عليه من المسلمين لصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي، فيما رواه البخاري (1245) ومسلم (951) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، ولم يحفظ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى على غائب إلا على النجاشي، لأنه مات بين أمة مشركة ليسوا من أهل الصلاة، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ويرى بعض أهل العلم أن الميت إذا كان فيه نفع عام للمسلمين كعالم نفع الله بعلمه أو تاجر نفع الناس بماله ونحوهما فيصلى عليه شكراً له، ورداً لجميله، وتشجيعاً لغيره، وعلى كلا القولين فمن مات في زلزال إن لم يُصلَّ عليه، أو كان ممن نفع الله به الإسلام والمسلمين، فيصلى عليه صلاة الغائب، والحالة هذه، والله أعلم.(15/275)
الصوم وضعف البنية
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 2/9/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أود أن أسأل عن حكم من لا يستطيع الصيام خارج أوقات رمضان، فأنا لي حوالي سنتين لا أستطيع صوم ديوني المترتبة علي حيث أصاب بهبوط في الضغط، كما أني أعمل خارج المنزل صباحاً مما يجعل صيامي صعباً وأشعر بآلام رأسية فظيعة، مع العلم أني أصوم رمضان وأشعر بهذا الإحساس بادئ الأمر ثم أتعود، ولكن في غير رمضان أعاني كثيراً وأدفع كفارة ما أفطرت، أرجو أن تفيدوني هل حرام لأني لا أصوم، أو ليس بإمكاني الصوم لاحقاً لأن جسمي ضعيف وبنيتي ضعيفة؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الكريم.
يمكنك أن تؤجلي الصيام الواجب عليك قضاءً إلى الوقت الذي لا يشق عليك فيه الصيام، مثل أيام الشتاء، أو الأيام التي تشعرين فيها بالنشاط والقوة، ويمكنك أن تفرقي الأيام على حسب ما تطيقين، والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، واحرصي على أن تنتهي من صيام هذه الأيام قبل حلول رمضان القادم؛ من أجل ألا تكثر عليك الأيام التي يجب قضاؤها، فيصعب عليك القضاء بعد ذلك.(15/276)
ترك الإسلام واعتنق النصرانية
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/11/1424هـ
السؤال
ما حكم المسلم الذي اعتنق المسيحية عن اقتناع؟.
الجواب
الحمد لله، المسلم الذي اعتنق المسيحية عن اقتناع يكون مرتداً، فإن كان في دولة إسلامية فيجب أن تتخذ في حقه أحكام المرتدين، يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً بالله -تعالى-، وإن مات على ذلك فهو خالد مخلد في نار جهنم، لأن الله -جل وعلا- نسخ الأديان كلها سوى الدين الإسلامي ببعثه محمداً - صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تعالى-:"ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" [آل عمران:85] ، وروى الحافظ ابن كثير - رحمه الله- عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم، وقد ضلوا فإنكم إما أن تصدقوا بباطل أو تكذبوا بحق، فإنه لو كان موسى -عليه السلام- حياً بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني" رواه أحمد في مسنده (14631) وغيره، وفي بعض الأحاديث: "لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي" انظر: تفسير ابن كثير (1/379) .
والدين الإسلامي هو دين الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، قال الله -تعالى-: "ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين" [آل عمران:67] وقال -تعالى-:"إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ" [المائدة: من الآية44] .(15/277)
موضع الخاتم من الأصابع
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/10/1425هـ
السؤال
ما حكم لبس الخاتم في الخنصر والبنصر وغيرهما من الأصابع؟ وهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم- حديث في لبس الخاتم؟ وهل لبسه اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم- يعتبر من تطبيق السنة؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالجواب يحتاج إلى شيء من التفصيل، كما أن السؤال يتضمن عدة أسئلة، فنقول وبالله التوفيق: مما لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لبس الخاتم، فقد جاء في الصحيحين: البخاري (5873) ومسلم (2091) ، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم خاتمًا من وَرِقٍ، فكان في يده، ثم كان في يد أبي بكر، رضي الله عنه، ثم كان في يد عمر، رضي الله عنه، ثم كان في يد عثمان، رضي الله عنه، حتى وقع منه في بئر (أَرِيسَ) ، نقشُه: محمد رسول الله. هذا، وقد اختلف العلماء- رحمهم الله- في لبس الخاتم في الجملة، فأباحه الكثير منهم، ولم يكرهوه، وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد واختاره أكثر أصحابه، واستدلوا بالحديث السابق، وما في معناه، وبأنه قد اتخذه عدد من الصحابة، رضي الله عنهم- منهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد وابن عمر وغيرهم، رضي الله عنهم، وذهبت طائفة من أصحاب أحمد أنه إن كان لبسه لغرض التزين به فهو مكروه، وذهبت طائفة إلى استحبابه، وهو وجه لأصحاب الإمام أحمد، والصواب- والله أعلم- القول الأول، وهو أن لبسه مباح؛ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم- لم يلبس الخاتم للتجمُّل والتزين، وإنما اتخذه لحاجة ختم الكتب التي يبعثها إلى الملوك، ففي الصحيحين: البخاري (65) ومسلم (2092) ، عن أنس، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي، فقيل: إنهم لا يقبلون كتابًا إلا بخاتم. فصاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم- خاتمًا حلقته فضة، ونقش فيه: محمد رسول الله.
هذا، وخلاصة ما تقدم أن الخاتم مسنون في حق من يحتاج إليه ممن له ولاية، كالحاكم ومن يقوم مقامه، وكالقاضي ومن له ولاية عامة أو خاصة، أما من عداهم فيكون في حقه مباحًا؛ لأن بعض الصحابة، رضي الله عنهم، اتخذه، وقد اطلع النبي صلى الله عليه وسلم- على ذلك فأقرهم، ولم ينكر عليهم.
هذا، وأما موضع الخاتم فقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه يجوز التختُّم في اليمين واليسار، واختلفوا في الأفضل، فالجمهور على أن التختُّم باليسار أفضل، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد، وهذا هو القول الراجح، ويكون أيضًا بالخنصر؛ لما رواه مسلم (2095) ، عن حماد عن ثابت عن أنس، رضي الله عنه، قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم- في هذه، وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى.
هذا وقد كره جمهور العلماء التختُّم في السبابة والوسطى، قلت: وهو الصواب؛ لما رواه مسلم (2078) عن علي، رضي الله عنه، قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم- أن أتختم في هذه وهذه. وأومأ إلى السبابة والوسطى. والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.(15/278)
زكاة أسهم بنك لا يزال في طور التأسيس
المجيب خالد بن إبراهيم الدعيجي
مشرف تربوي في وزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/10/1425هـ
السؤال
هل يلزمني إخراج الزكاة عن أسهم بنك إسلامي لا يزال في مرحلة التأسيس ولم يمارس نشاطه بعد؟ علمًا بأنني اتخذت الأسهم بغرض الاستفادة من أرباحها وليس للمتاجرة بها.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد:
إذا لم تزكِّ الشركة أموالها لأي سبب من الأسباب، فالواجب على المساهمين زكاة أسهمهم، فإذا استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة وجب عليه إخراج زكاة أسهمه.
فإذا لم يستطع المساهم معرفة ذلك، فإن كان المساهم يقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي، وليس يقصد التجارة فإنه لا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع، وهي ربع العشر بعد مضي الحول من يوم قبض الريع.
أما إذا مضى حول- سنة كاملة- من امتلاكك للأسهم ولم يمارس البنك نشاطه، أو مارس نشاطه ولم يصرف الأرباح، وكانت نيتك الاستثمار لا المتاجرة، فإنه في هذه الحال لا تجب عليك الزكاة مطلقًا. والله تعالى أعلم.(15/279)
إعادة الصلاة على الميت
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 1/11/1425هـ
السؤال
ما حكم إعادة الصلاة على الميت، وما الدليل على ذلك؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
تجوز إعادة الصلاة على الميت، بحيث لو صُلي عليه بالمسجد، ثم حضر آخرون في المسجد أو في المقبرة صلوا عليه، بدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على من كانت أو كان يقم المسجد بعدما دفن في قبره، وقد صُلي عليه من قبل. صحيح البخاري (458) ، صحيح المسلم (956) . والله أعلم.(15/280)
تحويل الميت من قبر إلى آخر
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/9/1424هـ
السؤال
توفي والدي وأنا صغير، وبعد وفاته بمدة وجيزة قامت أمي بنقل جثمانه من المقابر الخيرية الجماعية إلى مقبرة خاصة بنا اشترتها وبنتها بعد وفات والدي، فأنت تعرف أننا أهل بدع وتقاليد حتى في الموت (عيب أن يدفن في مقابر الصدقة) ، هل في ذلك أي وزر على أمي؟ وهل فعلاً بذلك يحاسب الميت مرتين في كل قبر مرة؟ ونحن نزور قبر أبي فهل نزوره في القبر الأول أم الثاني، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
العمل الذي قامت به أمك غير مشروع، فالميت إذا دفن في مكان ليس ملكاً لأحد وليس في مقبرة مشركين فلا يجوز نقله إلا لمصلحة خاصة له ونحو ذلك، أو مصلحة من مصالح المسلمين، فالأصل في قبر الميت أنه وقف عليه، فلا يجوز نقله من هذا المكان إلا لضرورة، أما ما فعلته أمك فهو غير مشروع وهو نوع من التقاليد التي لا ترجع إلى أصل شرعي.
أما ما يتعلق بزيارة قبر والدك، هل تزوره في القبر الأول أو القبر الثاني فالأمر يتعلق بجثمانه إذا كان قد نقل جثمانه كاملاً أو رفاته كاملاً من القبر الأول، فيزار في القبر الثاني، أما إذا كان قد أصبح رميماً في الأرض التي في القبر الأول ولم يكن في تابوت فإنه يزار في القبر الأول، فهذا يرجع لحال الذي رفع من القبر الأول، هل هو جثمان والده أم أنه فقط شيء اعتبرته أمه مناسباً حتى تعتبر أن زوجها قد نقل من هذا المكان.
أما بالنسبة للمحاسبة فإن الإنسان يسأل عندما يوضع في قبره، فلا يتكرر سؤال آخر، ولا يعرف في السنة أنه يتكرر سؤال آخر، فالسؤال هو عندما يدفن في قبره الأول أي: في أول وقت يوضع في قبره تسأله الملائكة، فهذا هو السؤال إذا كنت تريد بالمحاسبة هذا الأمر، أما ما يتعلق بعد ذلك بالحياة البرزخية فهي مستمرة سواء في قبره الأول أو قبره الثاني، فإن كان في جنة فهو في جنة، وإن كان في سوى ذلك فنسأل الله لنا وله العافية فالأمر متصل.(15/281)
بناء المقابر
المجيب د. محمد بن علي السماحي
أستاذ العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة القاهرة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/01/1426هـ
السؤال
يوجد لدينا مقابر مبنية على أرض طينية، وهي عبارة عن حجرات صغيرة على وجه الأرض مبنية بالطوب والإسمنت بارتفاع متر ونصف تقريباً، ولها فتحة صغيرة تغلق بباب حديد لإدخال الميت، وبهذه الكيفية يكون دفن الميت داخل هذه المقابر في مستوى سطح الأرض، ويوجد مقابر أخرى مبنية على أرض رملية، هي عبارة عن شق تحت سطح الأرض، يدفن فيه الميت، ويغطى أعلى المدفن بالحجارة ثم الرمال، وتحاط هذه المساحة من أعلى بسور من الطوب، وله باب حديدي لكي يعرف أنه مدفن. برجاء التكرم والإفادة بشرعية هذه المقابر للدفن، حيث إنها هي المتوفرة لدينا، وأي من النوعين السابقين هي الأفضل. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد
فقد جاء الشرع الشريف بآداب عامة وآداب خاصة لكل شأن من شئون المسلم في الدنيا والآخرة، ومن ذلك ما يتعلق بالمقابر وهي مثوى المرء، وهو ـ أي القبر أول منازل الآخرة ـ كما هو معلوم ـ فمن السنة في بناء المقابر أن يرفع القبر عن الأرض قدر شبر ليعرف أنه قبر، ويحرم رفعه زيادة على ذلك لما رواه مسلم (968) ، وغيره عن عَمْرُو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ شُفَيٍّ حَدَّثَهُ قَالَ كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِأَرْضِ الرُّومِ بِرُودِسَ فَتُوُفِّيَ صَاحِبٌ لَنَا فَأَمَرَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ بِقَبْرِهِ فَسُوِّيَ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا"، وروي مسلم (969) عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ. قال الترمذي (1049) : (والعمل على هذا عند أهل العلم. يكرهون أن يرفع القبر فوق الأرض إلا بقدر ما يعرف أنه قبر، لكيلا يوطأ ولا يجلس عليه) . وقد كان الولاة يهدمون ما بني في المقابر ـ مما زاد على المشروع ـ عملا بالسنة الصحيحة. قال الشافعي: وأحب ألا يزاد في القبر تراب من غيره، وإنما أحب أن يشخص على وجه الأرض شبرا أو نحوه، وأحب أن لا يبنى ولا يجصص، فإن ذلك يشبه الزينة والخيلاء. وليس الموت موضع واحد منها، ولم أر قبور المهاجرين والأنصار مجصصة. وقد رأيت من الولاة من يهدم ما بني في المقابر، ولم أر الفقهاء يعيبون عليه ذلك.
قال الشوكاني: والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم، وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك، والقول بأنه غير محظور لوقوعه من السلف والخلف بلا نكير.
أما الأبواب الحديدية وغيرها مما يصون القبور من الامتهان والسرقة وغيرها فلا بأس به إذ حرمة الميت كحرمة الحي.. والله أعلم(15/282)
دعوة القساوسة لحضور افتتاح المساجد
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 2/5/1424هـ
السؤال
لدينا افتتاح جامع، فهل تجوز دعوة بعض النصارى ومنهم بعض القساوسة لحضور حفل الافتتاح داخل الجامع لإظهار التسامح الإسلامي؟ وهل يجوز تلبية دعوتهم لحضور افتتاح كنيسة؟ مع العلم أن المسلمين يتعرضون لمحاولة تشويه في السنوات الأخيرة.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعد، أما بعد:
فإنه يجوز أن يمكن اليهودي أو النصراني أو حتى المشرك من دخول المسجد - سوى المسجد الحرام - إذا كان لغرض صحيح.
فقد استقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - وفد نصارى نجران في مسجده، وأتاه بعض رسل المشركين فيه، وربط أسرى بدر من القرشيين المشركين في سواري المسجد ليستمعوا القرآن، ولعبت الحبشة - وهم نصارى - بحرابهم عنده - صلى الله عليه وسلم - في مسجده، انظر ما رواه البخاري (3745-462-455) ، ومسلم (2420-1764-892) من حديث حذيفة وأبي هريرة وعائشة -رضي الله عنهم- ولكن إذا لم يكن لدخولهم فائدة أو نشأ عن ذلك مفسدة فإنهم لا يمكنون من دخول المساجد، ومن أمثلة المفسدة:
(1) أن يجري استقبالهم والاحتفاء بهم، بسبب صفتهم الدينية، لا بغرض دعوتهم إلى الإسلام ومجادلتهم بالتي هي أحسن.
(2) أن يلتبس الأمر على عوام المسلمين وجهالهم، فيظنوا أن الأديان سواسية، وأن جميعها صحيح مقبول عند الله كما ينادي بذلك دعاة تقريب الأديان.
(3) أن يترتب على ذلك التزام وجهاء المسلمين وأئمة مساجدهم أن يبادلوا النصارى الزيارة، فيقعوا في تعظيم شعائر الكفر بالاحتفال بافتتاح الكنائس، ورؤية الصلبان، وسماع عقائد الكفر من التثليث ودعوى بنوة المسيح وتجسد الإله فيه، تعالى الله عما يقولون، ولا ينكرونه.
فمع وجود هذه المفاسد أو بعضها أو مثلها لا يحل فعل ما سبق مهما كانت المسوغات.
وإظهار محاسن الإسلام يكون بالبيان والتعريف والسلوك الحسن، ولا يلزم منه المسارعة إلى ما يطلبون من المداهنة، قال تعالى: "ودوا لو تدهن فيدهنون" [القلم: 9] والله أعلم.(15/283)
مكبرات الصوت والتشويش على المصلين
المجيب د. عبد الله بن فهد الحيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/8/1424هـ
السؤال
نعيش في مدينة صغيرة والمساجد قريبة بعضها من بعض، وبعض الأئمة ينقل الصلاة عبر مكبرات الصوت الخارجية بحجة وجود مصلحة سماع الناس للقرآن خارج المسجد، مع أنه ثبت لدينا أنها تشوِّش - وبشكل واضح - على المساجد المجاورة، وقد وصلت إلينا عدة شكاوى من رواد هذه المساجد أفتونا، جزاكم الله خيراً.
الجواب
جرت العادة في هذا الزمن في كثير من المساجد صلاة الأئمة بقرب مكبرات الصوت من باب المصلحة؛ لإسماع الناس تكبيرات الصلاة وقراءة القرآن في الصلوات الجهرية، حتى اعتاد بعض المصلين عدم الذهاب إلى المسجد إلا بعد سماع شروع الإمام في الصلاة وللقراءة، ولو لم يسمع ذلك فاتته الصلاة أو بعضها.
لكن ينبغي مراعاة عدم التشويش على المصلين في المساجد القريبة؛ لأن في ذلك مفسدة وضرر، ويكون ذلك من خلال عدم رفع صوت تلك المكبرات فوق الحاجة، أو تأخر المسجد المجاور في إقامة الصلاة لبعض الوقت.(15/284)
من لم تفته تكبيرة الإحرام أربعين يوماً
المجيب د. سعد بن ناصر الشثري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/12/1424هـ
السؤال
هل من صلى أربعين يوماً في جماعة لا تفوته تكبيرة الإحرام تُكْتَبُ له البراءتان حتى يلقى الله؟ وهل من صام وصلى على جنازة وزار مريضاً وتصدق تكون له الجنة ولو لم يمت في ذلك اليوم؟.
الجواب
أولاً: روى الترمذي (241) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كُتِبْتَ له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق"، ورجح الترمذي وقفه على أنس - رضي الله عنه- لكن مثل هذا لا يقال بالرأي، وقد حسنه مرفوعاً بعض المحدثين؛ لتعدد طرقه، فيكون المراد بالحديث أنه يبقى على ذلك ما لم يأت بمناف له؛ لأن الحديث مطلق فيقيد بغيره من الأدلة.
ثانياً: روى مسلم في صحيحه (1028) عن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "من أصبح منكم اليوم صائماً؟ " قال أبو بكر - رضي الله عنه -: أنا، قال: "فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ " قال أبو بكر - رضي الله عنه -: أنا، قال: "من أطعم اليوم مسكيناً؟ " قال أبو بكر - رضي الله عنه -: أنا، قال: "فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ " قال أبو بكر - رضي الله عنه -: أنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة"، وهذا الحديث مقيد بعدم إتيان المرء بما ينافي هذه الأعمال، ولا أعرف أحداً قيد هذا بالموت في اليوم الذي عملت فيه هذه الأعمال.(15/285)
الإكراه وعقوبة الردة
المجيب أ. د. عبد الرحمن بن زيد الزنيدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/1/1425هـ
السؤال
غير المسلم مخير بين الإسلام أو البقاء على دينه، بينما المسلم إذا لم يرغب في استمرارية إسلامه يكون مرتدا، ً وبذلك تطبق عليه عقوبة المرتد وهي القتل بعد الاستتابة. إلا يدخل هذا المسلم في قول الله -تعالى-: " لا إكراه في الدين ... ". أرجو منكم توضيح هذه المسألة بالتفصيل. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
منهج الإسلام أن التدين مبناه على الاختيار ولا قيمة في الإسلام لإسلام ظاهري بينما الباطن مطمئن بالكفر فلا إكراه في الدين، ولهذا لا يرغم أهل الكتاب على الدخول في الإسلام في ظل الدولة الإسلامية، بل تحفظ حقوقهم حيث يعيشون بسلام في المجتمع المسلم ومتميزين عن الأكثرية المسلمة ومسالمين بها.
الإسلام في المجتمع المسلم ليس فلسفة نظرية ولا رؤية اجتهادية مؤقتة، إنه خيار المجتمع كله فكراً ونظام حياة، فإذا ارتد فرد بعد الدخول في الإسلام فإنه يكون مسيئاً إلى الإسلام وداعياً للتفلت منه ومعادياً للمجتمع، وعادة ما يفعل هذا عملاء لأعداء الأمة أو متربصون بها شراً "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون" آل عمران: 72] .
فالارتداد في المجتمع المسلم هو في حقيقته خروج عليه وخيانة وطنية، ولهذا قال -صلي الله عليه وسلم- في حديث: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وذكر منهم: "والتارك لدينه المفارق للجماعة" رواه البخاري (6878) ، ومسلم (1676) من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- فقرن الردة بمفارقة الجماعة، ولهذا المرتد الذي لا يعلن ارتداده ولا يدعو إليه لا يعاقب، والمنافقون - وهم كفار لم يعلنوا كفرهم- كانوا يعيشون مع الرسول - صلى الله عليه وسلم- وصحابته - رضي الله عنهم- وهم معروفون له، وبعضهم معروف لكثير من الصحابة من خلال فلتات ألسنتهم أو مواقفهم ولم يعاقبوا على نفاقهم. والله أعلم.(15/286)
النعي عبر رسائل الجوال
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/05/1425هـ
السؤال
هل تناقل خبر (المتوفى) باسمه عبر رسائل الجوال، أو عبر منتديات الإنترنت يعد من النعي المنهي عنه؟.
الجواب
الحمد لله، النعي هو الإخبار بموت أحد من الناس، وقد ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- نهى عن النعي، وثبت أنه نعى النجاشي إلى أصحابه، وخرج بهم إلى المصلى، وصلى عليه، وكبر أربعاً. وقال العلماء: الجمع بين الحديثين أن النعي المنهي عنه هو ما كان يفعله أهل الجاهلية من بعث من ينادي في العشائر مات فلان مات فلان على وجه الفخر والتعاظم والتعظيم لذلك الميت.
وأما مجرد الإخبار بموت الإنسان لمصلحة شرعية، كالصلاة عليه ومواساة أهله وتعزيتهم فإن ذلك لا بأس به، فتبين أن النعي يختلف حكمه بحسب الغرض منه، ومن شواهد النعي الجائز قوله - صلى الله عليه وسلم- في شأن المرأة التي كانت تقم المسجد حين ماتت ودفنت، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم- عنها فقالوا: إنها ماتت فقال: "أفلا كنتم آذنتموني؟ دلوني على قبرها فدلوه فصلى عليها، ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها عليهم بصلاتي عليهم" انظر: البخاري (458) ، ومسلم (956) - صلى الله عليه وسلم- ويشبه نعي الجاهلية الكلام عن الميت بذكر مآثره ومحاسنه، ومفاخره في وسائل الإعلام من الإذاعة والتلفزيون والصحافة، وعلى منابر المساجد؛ لأن ذلك يتضمن أموراً محذورة مذمومة في الشرع كالفخر، والغلو في الأشخاص، وقد يكون منهم من هو فاسق، وقد يكون كثير مما يذكر عن ذلك الميت كذباً، كما يوجب لأهله غروراً وتعاظماً على الناس، وقد تنفق الأموال الطائلة على الإعلان عن ذلك الميت، ونشر مفاخره الحقيقية أو المزعومة، وهذا كله خلاف ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة - رضي الله عنهم- والتابعين وتابعيهم، فلم يكن مثل هذا معروفاً من عادتهم، فأهم وأنفع ما يقدم للميت الدعاء له، والصلاة عليه، وقضاء ديونه، وإنفاذ وصاياه، والإحسان إلى أهله وولده من بعده إحساناً معنوياً بتذكيرهم بحقه، وبالاستقامة على طاعة الله؛ حتى يكونوا خلفاً صالحاً لميتهم، وامتداداً لعمله بعد موته، كما قال - صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية" مسلم (8631) . والله أعلم.(15/287)
الإحرام قبل الميقات
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 01/12/1426هـ
السؤال
نحن أهل (الحوية) تبعد عن ميقات السيل الكبير حدود 25كيلاً، فإذا نوينا العمرة هل يجوز لنا الإحرام من الحوية دون الوقوف في السيل، وهذا ما نفعله الآن، وسمعنا فتوى تجيزه فهل هذا صحيح؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا حرج على المسلم أن يحرم قبل الميقات، لكن الأكمل والأفضل أن يكون الإحرام من الميقات نفسه؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: "خذوا عني مناسككم" أخرجه مسلم (1297) ، والبيهقي (5/125) ، وفي حجه صلى الله عليه وسلم وجميع عُمَرِه الأربع أحرم من الميقات، وهذا فعل صحابته -رضي الله عنهم- من بعده، لكن لو أحرم الحاج أو المعتمر قبل الميقات من منزله أو المنزل الذي سكن فيه مؤقتاً فلا حرج عليه، والفقهاء -رحمهم الله- يقولون: (ويكره الإحرام قبل الميقات) ، ولكن هذه الكراهة لا دليل عليها، فلو قيل: إن الإحرام قبل الميقات خلاف الأولى لكان أدق، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(15/288)
زكاة الوديعة المدخرة في البنك الإسلامي
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 8/1/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
لدي وديعة في البنك أدخرها لأولادي حين يكبرون، وعند إخراج الزكاة عليها ربع العشر سنوياً 2.5 %، بعد 20 عاماً تكون قد فقدت 50% من قيمتها، (يعني لو 100 ألف ريال ستصبح 50 ألفاً فقط) ، علماً بأني أدعها في بنك غير ربوي (فيصل الإسلامي) ويعطيني 0.8 % يعني أقل من 1%، فأنا أضيف 1.7% إضافة إلى الربح لكي أدفع الزكاة، فما مقدار الزكاة في هذه الحالة؟.أفيدونا مأجورين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
عليك أن تزكي مالك الموجود لدى البنك إذا كان نصاباً وتم عليه الحول، والأرباح تضم إلى رأس المال، ويكون حولها حول أصلها، ومقدار الزكاة هو 2.5%، والزكاة واجبة في هذا المال، ولو كان معداً للحاجة؛ لأن النقود تجب الزكاة فيها بكل حال، ولا يشترط أن تكون للتجارة، وإذا خشيت من نقصان المال بسبب مرور الزمن وتكرر الزكاة فيمكنك أن تستثمر هذا المال وتتجر فيه، وقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في أموال اليتامى: "ألا من ولي يتيماً له مالٌ فليتجر له فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة" رواه الترمذي (641) والدارقطني في سننه (2/109) من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-.(15/289)
يقرأ سوراً خاصة عند قبر أبيه
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/06/1425هـ
السؤال
أنا شاب مسلم مقيم بفرنسا، وأواظب على زيارة المغرب سنوياً، وأثناء زيارتي أقوم بزيارة قبر أبي، وقبل أن أدعو له أقرأ سورة يس والملك والإخلاص والمعوذتين، كما أواظب على الدعاء له باستمرار وأتصدق عنه من حين لآخر، كما أقوم عند زيارتي للمغرب بإطعام جميع أهل الحي مسكينهم وغنيهم مستدعياً جماعة من حفظة القرآن، محسناً إليهم، ونيتي ما أعطيه لهم مساعدة لهم على تعلم القرآن، وليس أجراً على قراءتهم، غير أن البعض ينكر علي ما أفعله. أفيدوني جزاكم الله خيراً على مدى صحة أعمالي. وهل أنا من المبتدعين؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
أما ما يتعلق بقراءة القرآن عند القبر فهذا بدعة، إذ هذا لم يؤثر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والعبادات مبناها على التوقيف، والهدي الذي ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في زيارة القبور أن الإنسان يسلم عليهم فيقول ما ورد: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم ... إلخ" انظر ما رواه مسلم (974) من حديث عائشة -رضي الله عنها- ولا بأس أن تدعو لأبيك، أما القراءة على القبور فهذه من البدع.
وأما بالنسبة لإطعام الطعام فهذا مشروع، وهو من الحسنات التي تثاب عليها إن شاء الله - عز وجل- والأدلة على إطعام الطعام كثيرة في القرآن والسنة، كقول الله - عز وجل-: "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا" [الإنسان: 8] ، وأيضاً النبي - عليه الصلاة والسلام- قال: "أطعموا الطعام وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام" رواه الترمذي (2485) ، وابن ماجة (3251) من حديث عبد الله بن سلام-رضي الله عنه-.(15/290)
كيف الجمع بين استحباب التجمل واستحباب البذاذة؟!
المجيب د. يوسف بن عبد الله الأحمد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 06/06/1426هـ
السؤال
كيف يُجمَع بين تجمُّل الرسول-عليه الصلاة والسلام- وبين قوله: "البذاذة من الإيمان"؟.
الجواب
لا تعارض بينهما؛ فالبذاذة لا تعني الرديء أو المتسخ أو الممزق من الثياب، وإنما تعني البعد عن فاخر الثياب، أما نظافتها وحسنها فمطلوب؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله جميل يجب الجمال" أخرجه مسلم (91) من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.
والمشروع هو الاعتدال والتوسُّط.(15/291)
زخرفة جدران المسجد بالآيات
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/05/1426هـ
السؤال
أنا خطاط، وقد عرض عليّ عمل في بيت من بيوت الله لتزيينه بآيات قرآنية، هل يجوز كتابة آيات في بيوت الله، وما حكم الذي كتبها؟ وهل يمكن القول: إنها زخرفة في المساجد؟.
الجواب
الحمد لله وحده وبعد: فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد". رواه أبو داود (449) ، وابن ماجه (739) ، وابن خزيمة (1322) ، والضياء (6760) من حديث أنس -رضي الله عنه- وقال أبو سعيد: "كان سقف المسجد من جريد النخل" أخرجه البخاري (813) ، ومسلم (1167) ، وأمر عمر ببناء المسجد، وقال: أكن الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس. وقال أنس: يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلاً. أخرجه ابن أبي شيبة (3146) ، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى. رواه البخاري تعليقاً في كتاب الصلاة، باب بنيان المسجد، ووصله أبو داود (448)
لذا فإني أنصحك بعدم تزيين المساجد؛ لكون ذلك ليس من هدي السلف الصالح، كما أنه سبب في إلهاء المصلين عن صلاتهم، والمصلي مأمور باجتناب ما يلهيه، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خميصة، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: "اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي"، رواه البخاري (373) . والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.(15/292)
هل هذا من النعي الممنوع؟
المجيب أ. د. صالح بن غانم السدلان
أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة الإمام
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
في بلدنا وضع المحسنون -جزاهم الله خيراً- جهازاً يقوم بالاتصال على الناس في حالة وجود جنازة لحضورها، ومن أراد ذلك فعليه أن يتصل بالأخ المسؤول ويسجل رقمه مجاناً، ثم يقوم الجهاز بالاتصال، وفي حالة وجود الجنازة، حيث يظهر رقم الهاتف الخاص بالمقبرة، فتعرف أن هناك جنازة، حيث يرن جوالك مرة واحدة فقط.
السؤال هو أنني إمام لمسجد، فلا أستطيع أن أترك مسجدي وأذهب للمسجد الذي يصلى على الجنائز فيه، بل أصلي في مسجدي، وبعد الانتهاء من الصلاة أقول لجماعة المسجد: إن هناك جنازة، ثم نذهب للمقبرة ونصلي عليها خارج المقبرة مع من حضر من الإخوة الحاضرين. فما حكم قولي للجماعة: إن هناك جنازة؟ وهل يعتبر من النعي المحرم؟ علماً أننا لا نعرف الميت من هو، بل الذي نعرفه أن هناك جنازة فقط.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الجواب على هذا السؤال يتلخص في نقطتين:
النقطة الأولى: حكم هذا الاتصال، ووضع هذه الأجهزة، وهل هذا يعد من النعي المذموم، أم أن هذا مجرد إخبار بالحقيقة؟
إن التوسع في هذا الأمر والمبالغة فيه والإكثار منه قد يشبه النعي من حيث تعميم الخبر على الناس، والذي أراه إخبار بعض الناس الخواص والأقرباء لهذا الميت، أما مجرد أي جنازة يدعى إليها الناس فهذا لا نعرف له نظيراً في السنة.
وأما النقطة الثانية فهي بالنسبة لك أنت، فلا ينبغي لك أن تترك مسجدك وتذهب للصلاة على الجنازة، لكن إذا كان الشخص له حق عليكم، ومن الإخوان الذين لهم فضل في جانب الدعوة والإحسان والبذل المعروف وغير ذلك، فلكم أن تذهبوا وتصلوا عليه في المقبرة بعد دفنه أو قبل أن يدفن. والله أعلم.(15/293)
كيف التوفيق بين هذه الآية وهذا الحديث؟
المجيب د. عبد العزيز بن علي الحربي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/05/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أيها الأحبة كيف يكون الجمع بين هذا الآية وذلك الحديث الآية تقول وأن من أهل الكتاب إلا ليؤمننا به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا وبين هذا الحديث ثلاث، إذا خرجن لا تقبل نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل دابة الأرض، وطلوع الشمس من المغرب، وخروج الدجال، افيدونا بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً، والسلام.
الجواب
ليس بين الآية والحديث اختلاف؛ لأنه ليس في الآية أن من آمن بعيسى يقبل إيمانه وينفعه، وغاية ما تفيده: أنه لا أحد من أهل الكتاب إلاّ ينكشف له الحق في أمر عيسى، وأنه عبد الله ورسوله فيؤمن به، وذلك عند موته أي موت الرجل الكتابي وحضور أجله، ومعلوم أن مثل هذه الحال وهي حال حضور الأجل ورؤية الموت حال لا تقبل فيها توبة ولا ينفع فيها إيمان، وهذا المعنى مؤتلف مع الحديث المذكور، الذي يفيد أيضاً أن ذلك الوقت وقت لا ينفع فيه أحداً إيمانُه إن لم يكن آمن من قبل، وفي معنى الآية والحديث بحث طويل -في هذه المسألة، ومسائل أخرى- ليس هذا محله. والله أعلم.(15/294)
هل تلزمني صلاة الجماعة في هذا المسجد؟
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/06/1425هـ
السؤال
أنا طالب في بريطانيا، في مدينتي مسجد لإحدى الجاليات المسلمة، ويبعد عن منزلي حوالي ربع ساعة بالسيارة، فهل تجب علي صلاة الجماعة معهم؟ مع العلم أنهم يحددون وقت الصلاة الجماعية حسب أعمالهم، مثلاً يؤخرون صلاة الجماعة للعصر ساعة أو أكثر بعد دخول الوقت، والفجر إلى قبل الشروق بنصف ساعة. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
السلام عليكم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأسأل الله أن يثبتك على دينه في بلاد الكفر والفتنة، وأن يوفقك في أمور دينك ودنياك، وأن يهديك للتي هي أقوم.
إذا كان بيتك بحيث تسمع نداء المؤذن لو أذن- فرضاً- بدون جهاز المكبر عند هدوء الأصوات وعدم وجود ما يمنع سماع النداء، فإنه يلزمك الصلاة في المسجد لقوله - صلى الله عليه وسلم-للأعمى الذي جاءه يسأله الرخصة في صلاة الجماعة فقال له: "هل تسمع النداء؟ " قال: نعم، فقال: "فأجب" روه مسلم (653) .
وفي الحديث الآخر: "من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر" أخرجه ابن ماجة
(793) والدارقطني (1/420) ، وابن حبان (2064) ، والحاكم (1/245) ، وصحح سنده ابن باز - رحمه الله-.
والذي يظهر أن مقدار أقصى مسافة يسمع فيها النداء بدون مكبر عند هدوء الأصوات وعدم وجود ما يمنع السماع- في تقديري - ما بين كيلو متر إلى كيلو متر ونصف.
فإذا كان بيتك يبعد أكثر من هذا فلا تلزمك صلاة الجماعة، والمسألة راجعة إلى الاجتهاد في تقدير المسافة، وكونهم يؤخرون الصلاة عن أول وقتها لا يمنع من وجوب الصلاة مع الجماعة معهم إذا كنت من أهل الوجوب. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.(15/295)
دحض الدعوى بأن الإعجاز العلمي من إخبار الشياطين
المجيب د. محمد بن إبراهيم دودح
باحث علمي في هيئة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/07/1426هـ
السؤال
ما الرد على شبهة من يقول: إن الذي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الإعجاز العلمي هم شياطين الجن، كمسألة برزخ البحرين مثلا، وبالتالي فلا يصح الاستدلال بهذا على صحة هذا الدين؛ لأن الشياطين لهم قدرة على الغوص في أعماق البحار، كما أخبرنا الله تعالى عن شياطين سليمان. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وبعد:
جوابا على فرية معرفة الشياطين التي سخرها الله تعالى للنبي سليمان -عليه السلام- بحقائق البحار ناهيك عن أسرار الكون وخفايا خلق الإنسان التي فاض بها القرآن الكريم فلم تهمس بها إلا للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أقول مستعينا بالله العلي القدير:
كان الكندي جاري ميلر قسيساً يدعو للنصرانية وبحث في القرآن منذ عام (1978م) لعله يجد فيه مطعنا فإذا به يعلن إسلامه, لقد توقع أن يجد حديثا مضطربا يحمل سمات محلية ويؤرخ للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأسرته، فإذا به يجد آفاق التعبير ممتدة لتشمل العالم أجمعه وتكثر فيه المعاتبات للنبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه بخلاف ما يتوقع من كاتب يمجد نفسه، كما في قوله تعالى: "وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنكُمْ مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ" [الحاقة: 44-47] .
وعلى حين ذكر النبي عيسى -عليه السلام- بالاسم مرات عديدة لم يذكر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- سوى أربع مرات فقط, ولم يرد ذكر لأحد من أفراد أسرته بينما ورد بالاسم ذكر خادمه المتبنى، وسميت سورة كاملة باسم مريم العذراء عليها السلام, وقابلية التجربة لكثير مما لا يدركه بشر حين تلقيه والوارد في تحدي الواثق جعلت الاكتشافات الحديثة أدلة على الوحي.
وهكذا يمكن بلوغ الحقيقة بالالتزام بمعيار مطابقة الواقع لكل قابل للتمحيص, وهي القاعدة التي تحدى بها القرآن تعريضا بالمنسوب سواه للوحي في قوله تعالى: "أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً" [النساء 82] .(15/296)
ولذا يقول الدكتور ميلر المبشر السابق: (قبل بضع سنوات وصلتنا قصَّةٌ إلى تورونتو بكندا عن رجلٍ كان بحَّاراً في الأسطول التجاريّ أعطاه أحد المسلمين ترجمةً لمعاني القرآن الكريم ليقرأها، ولم يكن هذا البحَّار يعرف شيئاً عن تاريخ الإسلام لكنَّه كان مهتمّاً بقراءة القرآن الكريم, وعندما أنهى قراءته عاد إلى المسلم وسأله: هل كان مُحمَّد هذا بحَّاراً؟ , فقد كان الرجل مندهشاً من تلك الدِّقَّة الَّتي يصف بها القرآن البحر, وعندما جاءه الرد بالنفي أعلن إسلامه, لقد كان مُتأثِّراً بالوصف القرآنيِّ للأسرار البحريَّة, فالوصف الَّذي جاء في القرآن عن البحر لم يكن شيئاً يستطيع أن يكتبه أيُّ كاتبٍ من محض خياله, وظلمات البحر العميق والموج الَّذي من فوقه موجٌ من فوقه سحاب لم يكن شيئاً يمكن لأحدهم تخيُّله، بل إنَّه وصفٌ دقيق مصدره من يعرف حقاًّ كيف هو الواقع, ولا يمكن نسبة تلك المعرفة لمحمد –صلى الله عليه وسلم- نفسه ولا لبشر سواه, هذا مثل واحد على أنَّ هذا القرآن لا يمكن أن يكون مصدره قبل أربعة عشر قرناً مضت غير الله الخالق سبحانه وتعالى نفسه) .
ويضيف الدكتور ميلر قائلاً: "الآن نأتي إلى الزعم الرخيص لتفسير دلائل نبوة محمد –صلى الله عليه وسلم- بأن الشياطين هي التي تعينه، والله تعالى يقول: "فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ" [النحل: 98] , أرأيتم! , كيف يمكن أن يؤلف الشيطان كتابا ثم يقول قبل أن تقرأ هذا الكتاب عليك أن تتعوذ مني!! , إن في هذه الآية رد منطقي لكل من قال بهذه الشبهة, وهناك قصَّةٌ مشهورة في الإنجيل تذكر كيف أنَّ بعض اليهود كانوا شهوداً حين أقام عيسى -عليه السلام- ميتاً فقام الرَّجل ومشى في طريقه, وحين رأوا المشهد قال بعض الشُّهود من اليهود مُنْكِرِيْن (هذا هو الشيطان, الشيطان هو الَّذي ساعده) , وهذه القصَّة تلقى الآن كثيراً للموعظة في الكنائس في جميع أنحاء العالم، والنَّاس يذرفون دموعاً غزيرةً لسماعها قائلين (آه لو كنت هناك فما كنت لأكون غبيّاً مثل اليهود) , ومع هذا فإنَّ هؤلاء النَّاس يفعلون ما فعله اليهود تماماً حين يُعرض عليهم شيءٌ من دلائل نبوة محمد –صلى الله عليه وسلم- وكل ما يستطيعون قوله هو (الشيطان فعل ذلك, الشيطان هو الَّذي ألَّف هذا الكتاب) لأنَّهم حينئذ قد حُشِروا في الزَّاوية وحين لا يملكون أيَّ إجابةٍ مقبولة فإنَّهم يلجأون إلى أرخص مهرب يظنونه متاحا لهم, ولكن الموسوعة الكاثوليكيَّة الجديدة تُصرِّح بنزاهة قائلة: (عبر القرون الماضية قُدِّمت نظريات كثيرةٌ عن أصل القرآن واليوم لا يوجد إنسانٌ عاقل يقبل بأيٍّ منها) , ومؤكَّدٌ أنَّهم قد استنفذوا كل النظريات لإنكاره ولم يستطيعوا إيجاد دليل واحد على أنَّه ليس وحيا من الله تعالى، وبديهي أن يسبب هذا التصريح للمسيحي المقلد وعكة، لكنه قد لا يملك أن يكون حراً في القرار مناقضاً للخضوع الَّذي تطلبه الكنيسة بلا سؤال, وقد قام حديثا هانز أحد قادة الكنيسة بدراسة القرآن وأعلن رأيه بجسارة الباحثين الشرفاء قائلا: (إن الله قد كلم الإنسان من خلال محمد) , هذا بالتأكيد شيءٌ للتأمُّل لأولئك الَّذين يعقلون".(15/297)
وتاريخ الثورة العلمية الحديثة يكاد ألا يتجاوز القرون الثلاثة الأخيرة، ولم يسجل التاريخ للشيطان اكتشافا واحدا في مجال العلوم الطبيعية، حيث سادت الخرافات قبل تلك الفترة, والحقائق العلمية المكتشفة حديثا نتاج جهود بشرية يعرف تاريخ الاكتشاف أصحابها ولا يوجد في سجلاته ذكرٌ لكلمة الشيطان فليست من مفردات العلوم الطبيعية, وربما تبرأ الشيطان نفسه من كثير مما ينسب إليه من مزاعم بلا دليل مثلما جعلوه سببا للأوبئة قبل اكتشاف الجراثيم, وإذا بحثت في المدونات التي تسبق القرآن كذلك فلن تجد من مهامه إحراز السبق في مجال اكتشاف الحقائق العلمية، وإنما بث أفكار سوء تتسلط على الإنسان لتضليله ودفعه لارتكاب الشرور, واقترن اسمه في كثير من الثقافات بالغواية والرذيلة والكذب والتلفيق والخداع والتزييف والباطل, وكان وراء كل إثم يرتكبه الإنسان والرائد في طمس الحقائق, فهل تاب وانعكست وظيفته رأسا على عقب فارتضى أن تنسب إليه حقائق في القرآن لم يدركها أحد إلا بعد حوالي عشرة قرون لكي يدعم النبوة الخاتمة؛ أم أن هذا شاهد عيان على أن الشيطان لم يقدم استقالته بعد في التضليل والافتراء لطمس الدليل!.
وهل يليق بمحقق نزيه أن يقبل بأن تلك الشياطين المسخرة للنبي سليمان -عليه السلام- خاصة قد نجحت أن تخدعه نفسه وتخفي عنه تلك الحقائق العلمية المبهرة التي فاض بها القرآن متفردا، فلم يرد لها ذكر قط في أي مدونة تسبقه! , وكيف تعلم بحقائق الكون وتجهل مجرد موته فتظل تمارس مهام السخرة قائمة بأرقى صناعات عصره, يقول العلي القدير: "وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السّعِيرِ. يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رّاسِيَاتٍ اعْمَلُوَاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِيَ الشّكُورُ. فَلَمّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلّهُمْ عَلَىَ مَوْتِهِ إِلاّ دَابّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمّا خَرّ تَبَيّنَتِ الْجِنّ أَن لّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ" [سبأ: 12-14] ، ويقول تعالى: "وَالشّيَاطِينَ كُلّ بَنّآءٍ وَغَوّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرّنِينَ فِي الأصْفَادِ" [ص: 37- 38] ، فكيف ينبغي بعمال تحت سوطه وفي ظل مهابته إن كانوا حقا مهرة في غير تلك الصناعات أن يفوقوه علما ويخفوا عنه سرا!.(15/298)
وليس العلم بخفايا التكوين من مهام الشيطان وإنما الإغواء والتضليل بمكر ودهاء عن منهج المرسلين في عبادة الله تعالى وحده وفق قوله تعالى: "لأقْعُدَنّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمّ لاَتِيَنّهُمْ مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ" [الأعراف: 16- 17] ، وقوله تعالى: "يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشّيْطَانُ إِلاّ غُرُوراً" [النساء: 120] ، وقوله تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِيّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً " [الأنعام: 112] ، وفي مشهد تبرأ الشيطان نفسه ممن أضلهم تتجلى حقيقة مهمته في قوله تعالى: "وَقَالَ الشّيْطَانُ لَمّا قُضِيَ الأمْرُ إِنّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقّ وَوَعَدتّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَانٍ إِلاّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوَاْ أَنفُسَكُمْ مّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيّ إِنّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنّ الظّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [إبراهيم: 22] ، وحتى في مهمته تلك رغم المهارة لا يقع الكل فرائس وفق قوله تعالى: "إِنّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىَ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىَ رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ إِنّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىَ الّذِينَ يَتَوَلّوْنَهُ وَالّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ" [النحل: 99-100] ، وقوله تعالى: "إِنّ كَيْدَ الشّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً" [النساء: 76] ، وليست فرية نسبة القرآن للشياطين سوى ترديد عاجز لحيرة عتاة المكابرين الأولين التي نفاها قوله تعالى: "وَمَا تَنَزّلَتْ بِهِ الشّيَاطِينُ. وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنّهُمْ عَنِ السّمْعِ لَمَعْزُولُونَ" [الشعراء: 210-212] ، والبينة هي المضمون في الدعوة للفضيلة لا الرذيلة كما قال تعالى: "هَلْ أُنَبّئُكُمْ عَلَىَ مَن تَنَزّلُ الشّيَاطِينُ تَنَزّلُ عَلَىَ كُلّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ" [الشعراء: 221-222] .
ومجمل القول أن فرية نسبة القرآن للشيطان دليل على العجز واستنفاذ كل الأعذار عناداً ومكابرة وتهربا من الحقيقة بادعاء يعوزه الدليل, ولابد أن تعرض للفطين تساؤلات:
(1) إذا كان الشيطان هو المصدر فكيف ذم نفسه في القرآن؟.
(2) وإذا كان ذلك المصدر أكيدا فلماذا حاروا إذن فلفقوا معه جملة افتراضات ليس منها الوحي من الله القادر على كل شيء وكأنه تعالى ليس له عندهم وجود؟.
(3) وإذا كان الشيطان رأسا لكل زائف ورذيلة يرتكبها الإنسان فكيف أيد كتابا لا تجد فيه إلا الحقيقة والدعوة إلى الفضيلة؟.
(4) وإذا كان عالماً بحقائق التكوين قبل عصر الاكتشافات العلمية بقرون فلماذا خص بها دون الجميع خاتم النبيين؟.(15/299)
ولو أن الشيطان قد أمد القرآن حقا بدلائل على الوحي فقد نال ما يستحق وانقلب السحر على الساحر فأصبح مؤيدا للنبوة الخاتمة بحجج علمية باهرة وله أن يولول ما شاء, يقول العلي القدير: "وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رّجِيمٍ. فَأيْنَ تَذْهَبُونَ. إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَن يَشَاءَ اللهُ رَبّ الْعَالَمِينَ" [التكوير: 25-29] .(15/300)
اشتراط النية للمتمتع
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/12/1426هـ
السؤال
رجل أدى العمرة في أشهر الحج، وهو لا ينوي الحج، فلما جاء الحج أراد أن يحج، فهل يعتبر متمتعاً أم لا؟ وهل للنية تأثير في ذلك؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالتمتع بالحج هو أن يأتي الإنسان بعمرة في أشهر الحج، وهي: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، ولا يرجع إلى بلده، وإنما يبقى في مكة حتى إذا جاء الحج يحج، فهو تمتع بنسكين في سفرة واحدة، سواء أكان ناوياً للحج عندما جاء بالعمرة أو لم ينو، فإنه يصدق عليه أنه تمتع؛ لأن التمتع بالنسكين، والاستفادة من النسكين في سفرة واحدة حصل له حينئذ، فيصير متمتعاً، وكونه لم ينو عند إحرامه بعمرة أن يحج لا يؤثر ولا يغير في نسكه، أو في صفته، وإنما التمتع يطلق على من جاء بعمرة في أشهر الحج، وحج من عامه، ولم يرجع إلى بلده، والله ولي التوفيق.(15/301)
قضاء الصلاة عن الميت
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/02/1426هـ
السؤال
قريب لنا بلغ من العمر مبلغاً لم يعد قادراً على قراءة القرآن في الصلاة لغلبة النسيان، فأخذ يصلي وهو يقرأ من المصحف، وفى مرض موته، ونظرا لإصابته بكسور في اليد والرجل، لم يكن يستطيع معها الإمساك بالمصحف؛ لأنه طريح الفراش وتوفى بعدها وعليه صلاة شهر تقريباً، ابنته تسأل: هل يجوز لها قضاء الصلاة عنه قياساً على حديث قضاء الصوم وأن دين الله أحق بالقضاء؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
أولاً: الواجب قراءته في الصلاة من القرآن هو الفاتحة فقط ولا أظن أن إنساناً مسلماً لا يستطيع أن يقرأ الفاتحة فإذا كان يقرأ الفاتحة فهذا تجزئه في الصلاة وما عداها فقراءته سنة وكونه يترك الصلاة لكونه لا يستطيع الإمساك بالمصحف هذا خطأ كبير وجهل شديد ولا تقضى عنه الصلاة لكن يبنبغي الإكثار من الدعاء له والاستغفار والصدقة عنه لعل الله جل وعلا أن يتجاوز عنه.
والواجب على أولياء المريض أن يذكروه الصلاة إذا كان عقله معه لأن الصلاة لا تسقط عن المريض ما دام عقله معه، فاهماً مدركاً، مالم يُغْمَ عليه.
وحينئذ فالواجب على من يزور مريضاً أو يكون قريباً له أن ينبهه إلى هذه المسألة وأن يدعوه إلى المحافظة على الصلاة وخاصة في مثل هذه الظروف التي يحتاج الإنسان فيها إلى الإكثار من الأعمال الصالحة، ويُخشى أن يختم له بخاتمة يكون فيها مقصراً كما جاء في سؤال السائل ونسأل الله أن يعفو عنا جميعا، ًوالله أعلم.(15/302)
حقيقة تنعم الشهداء في الجنة
المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/12/1426هـ
السؤال
كلنا يعلم من خلال آيات القرآن والأحاديث أن الشهداء الذين يقتلون من أجل إعلاء راية الله هم أحياء عند ربهم يرزقون وفي جوف طير خضر ينعمون بالجنة, السؤال: هل هذه الحياة روحية بدون الجسد, وما هي صفة النعيم الذي ينعمون به في الجنة هل هو حور عين ومأكل ومشرب وغير ذلك أم نعيم معين أو مؤقت حتى تقوم الساعة, وكيف نوفق بين هذا وبين المنقول عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه أول من يدخل الجنة، هل يعني هذا أن الشهداء يسبقون الأنبياء في دخول الجنة. أرجو للإفادة جزاكم الله خيراً عن أمة الإسلام.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد ثبت في صحيح مسلم (1887) وغيره "أن أرواح الشهداء في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل وأن ربهم يطلع عليهم فيقول: هل تشتهون شيئا؟ ... قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا
حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى....".
فدل هذا الحديث وغيره على أن الذي منهم في الجنة هو أرواحهم لا أجسادهم، وثبت أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم، وغير ذلك مما اختص به الشهداء.
وأصناف نعيمهم داخلة تحت قوله: "أحياء عند ربهم يرزقون" [آل عمران:169] . وهذا النعيم نعيم برزخي (بين الدنيا والآخرة) يأكلون من ثمار الجنة ويشربون من أنهارها ويأوون إلى قناديل معلقة بالعرش الذي هو سقف الجنة، وهذا النعيم دون النعيم الأخروي ولا شك، فمنازل الشهداء ودورهم وقصورهم التي أعد الله لهم في الجنة ليست هي تلك القناديل التي تأوي إليها أرواحهم في البرزخ، قطعاً، فهم يرون منازلهم ومقاعدهم من الجنة ويكون مستقرهم في تلك القناديل المعلقة بالعرش، أما الدخول التام الكامل فإنما يكون يوم القيامة، وأما قبل يوم القيامة فهو دخول للأرواح فقط. وتنعُّم الأرواح بالجنة في البرزخ شيء، وتنعُّمها مع الأبدان بالجنة يوم القيامة شيء آخر، فغذاء الروح من الجنة في البرزخ دون غذائها مع بدنها يوم البعث، وأما تمام الأكل والشرب واللبس والتمتع فإنما يكون إذا ردت إلى أجسادها يوم القيامة. وقد ورد أن نبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- أول من يدخل الجنة، والمراد به الدخول الكامل؛ أعني دخول الأرواح مع أبدانها، فهو -صلى الله عليه وسلم- أول الداخلين الجنة بهذا المعنى، ولا يعارضه دخول أرواح الشهداء الجنة قبل يوم القيامة، لأنه دخول للأرواح فقط، وهو دون الدخول الكامل يوم القيامة، الذي تكون الأولوية فيه للرسول -صلى الله عليه وسلم-.(15/303)
هل رأتِ الملائكة اللهَ سبحانه؟!
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/10/1424هـ
السؤال
بارك الله فيكم وفي موقعكم المبارك. سؤالي: هل رأت الملائكة الله تعالى؟.
الجواب
الحمد لله، لا أعلم دليلاً من القرآن، ولا من السنة على أن الملائكة، أو أحداً منهم رأى الله - سبحانه وتعالى- فالواجب التوقف في ذلك، وعدم الجزم بنفي ذلك، أو إثباته؛ لأن هذا من الغيب الذي يجب الوقوف فيه عند حد ما ورد في الكتاب والسنة، وما لم يدل عليه الدليل، فإنه يجب التوقف فيه، وتفويض علم ذلك إليه - سبحانه وتعالى-: "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا" [الإسراء:36] ، وقال الله - سبحانه وتعالى- عن الشيطان: "إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" [البقرة:169] ، فالجزم بأمر من أمور الغيب بغير دليل هو من القول على الله بغير علم، وقد حذر الله من القول عليه بغير علم وذم من يفتري عليه الكذب، قال تعالى: "ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" [آل عمران:66]] وقال: "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" [الأعراف:33] والله أعلم.(15/304)
الحكم على الكافر المعيَّن بالنار
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/11/1424هـ
السؤال
أنا كنت أعلم أن من مات كافراً يجوز لعنه والشهادة بأنه من أهل النار، وقد سمعت شريطاً للشيخ محمد صالح بن عثيمين -رحمه الله وأدخله فسيح جناته وأكرمه في عليين- بأننا لا نشهد لكافر معين بأنه من أهل النار؛ بل نقول: إن من مات على الكفر فإنه من أهل النار. هل أنا كنت على خطأ أم ماذا؟.
الجواب
الحمد لله.
قال الله -سبحانه وتعالى-: "وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً" [النساء:18] ، وقال -سبحانه وتعالى-: "ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" [البقرة:217] ، دلت هاتان الآيتان على أن كل من مات وهو كافر فقد أعد الله له عذاباً أليماً وأنه من الخالدين في النار.
وهذا حكم عام يجب الإيمان به على عمومه، فيجب اعتقاد أن كل من مات على الكفر فهو في النار حكماً عاماً.
وهذا لا يوجب الحكم على المعين والشهادة على المعين بأنه في النار، ولو صح هذا لما كان بين الحكم العام والخاص فرق.
ومَنْ دلت النصوص على أنه في النار بعينه وجبت الشهادة له بذلك، ويشبه هذه الشهادة بكل من مات مؤمناً بأنه في الجنة، ومع ذلك لا نشهد لمعين بالجنة إلا لمن شهد له الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإذا كنت سمعت من الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله أنه يقرر ذلك فهو مرجع علمي، فعليك ألا تستمر على اعتقادك السابق؛ بل عليك أن تأخذ بما بينه العلماء من الفرق بين الحكم العام والخاص، فلا يلزم من ثبوت الحكم العام ثبوت الحكم الخاص، كما نقول: حكم السارق قطع يده، ويجوز لعن الله السارق لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله السارق ... " الحديث رواه البخاري (6783) ومسلم (1687) عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، ومع ذلك لا يلزم من ذلك قطع يد السارق المعين؛ لأن ثبوت الحكم لمعين يتوقف على شروط وانتفاء موانع، فنقول: لعن الله السارق، ولعن الله شارب الخمر، ولعن الله آكل الربا، ولا يجوز لنا لعن المعين لكونه سارقاً أو شارباً أو آكل ربا، فتنبه بارك الله فيك. والله أعلم.(15/305)
تدوين السنة
المجيب سليمان بن عبد الله القصير
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 02/04/1427هـ
السؤال
هل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة السنة؟ ولو كان ذلك فكيف تمت كتابتها مع نهي النبي- صلى الله عليه وسلم- عن ذلك؟ ويرجى ذكر حديث المنع أو الجواز. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى قد تكفَّل بحفظ السنة النبوية من النسيان والضياع، فقال تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" [الحجر: 9] ، والذكر هنا القرآن والسنة كما قال علماء التفسير، فقيض الله تعالى للحديث النبوي رجالاً سهروا الليالي ووجهوا للحديث العناية التامة حفظاً وإتقاناً وفهماً وتبليغاً للأمة، فتناقلها الخلف عن السلف غضة طرية، كما تكلم بها النبي - صلى الله عليه وسلم-، وقد كان حفظ السنة بطريقتين:
الأولى: بكتابة شيء منها، وقد ورد هذا في أحاديث متعددة منها ما أمر به - صلى الله عليه وسلم- ومنها ما أقر أصحابه على كتابه وتدوينه ومن ذلك:
(1) حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما فتح مكة قام وخطب في الناس، فقام رجل فقال: اكتبوا لي يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: اكتبوا له، رواه البخاري ومسلم وغيرهما، أخرجه البخاري في العلم باب كتابة العلم ح (112) ، ومسلم في الحج باب تحريم مكة ح (1355) .
(2) قول أبي هريرة - رضي الله عنه-: "ما من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- أحد أكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب" رواه البخاري في العلم باب كتابة العلم ح (113) .
(3) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أريد حفظه فنهتني قريش، وقالوا: تكتب كل شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأومأ بإصبعه إلى فيه، وقال: "اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق" أخرجه أبو داود ح (3646) ، وابن أبي شيبة (9/49-50) ، والدارمي (1/125) ، وأحمد (2/162) والحاكم (1/105-106) ، وإسناده صحيح.
(4) وقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنه كتب كتباً متعددة إلى أمرائه على الأقاليم ببعض الأحكام الشرعية وهي من السنة قطعاً، كما إن في بعضها تفصيلاً طويلاً كما في كتاب عمرو بن حزم وهو كتاب مشهور، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة لا يسع المجال لذكرها.
وأما حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- الذي رواه مسلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ... الحديث" أخرجه مسلم في الزهد والرقائق، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم ح (93) ، وهذا هو أصح حديث في النهي عن كتابة الحديث، وهناك أحاديث أخرى لكنها ضعيفة لا تصح ولا تثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم-.(15/306)
وحديث أبي سعيد –رضي الله عنه- هذا وإن كان رواه مسلم فقد رجَّح عدد من أئمة الحديث كالإمام البخاري وغيره أن هذا الحديث لا يصح مرفوعاً إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- وأن الصحيح فيه أنه من قول أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه-، وعلى هذا فلا حجة فيه؛ لأن قول الصحابي ليس بحجَّة كقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم خصوصاً إذا خالف قول الرسول – صلى الله عليه وسلم- وقد عارض قول أبي سعيد هذا الأحاديث التي قدمنا ذكرها وهي صحيحة لا مطعن فيها. والنهي الوارد في حديث أبي سعيد لو صح مرفوعاً إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-، فقد بين العلماء المراد منه والجواب عليه، فمما قالوا في ذلك:
أن هذا النهي عن كتابة الحديث إنما كان في أول الإسلام؛ مخافة أن يختلط الحديث بالقرآن، فلما كثر عدد حفاظ القرآن، وميزوا القرآن من غيره نسخ هذا النهي، وأمروا بالكتابة.
وقال بعض العلماء: يمكن أن يكون النهي عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لأنهم كانوا يسمعون تفسير الآيات فربما كتبوه معه، فنهوا عن ذلك خوف الاشتباه، ويؤيد هذا أنه قال – صلى الله عليه وسلم-: "لا تكتبوا شيئاً غير القرآن"، ولم يقل لا تكتبوا حديثي فقط.
ومع هذا فقد ثبت لدينا أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم- بأمره عليه الصلاة والسلام وتوجيهه، ولما توقَّف عن الكتابة أعاد عليه الأمر مرة أخرى.
ومع وجود بعض الأحاديث مكتوباً فإن الأعم الأغلب من السنة لم يكن مدوناً في الصحف والسطور، وإنما كان محفوظاً في الصدور وهذه هي الطريقة الثانية في حفظ السنة وهي الاعتماد على الحفظ، فقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يدعو أصحابه إلى حفظ الحديث ووعيه في الصدور، ففي صحيح البخاري أنه عليه الصلاة والسلام قال لوفد عبد القيس لما حدثهم بحديث: "احفظوه وأخبروه من ورائكم" أخرجه البخاري ح (87) .
بل إنه عليه الصلاة والسلام دعا لمن حفظ حديثه وبلَّغه إلى غيره، فعن زيد بن ثابت وابن مسعود وغيرهما – رضي الله عنهم- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "نضر الله امرأ سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره. الحديث" حديث زيد بن ثابت أخرجه أبو داود ح (3660) ، والترمذي ح (2656) وابن ماجة ح (230) وح (233) ، وحديث ابن مسعود أخرجه الترمذي ح (2657) ، و (2658) ، وغيره.(15/307)
ومن ثم كان الصحابة - رضي الله عنهم- حريصين غاية الحرص على سماع حديث رسول - صلى الله عليه وسلم- وحفظه وتبليغه، وذلك لفرط محبتهم للرسول - صلى الله عليه وسلم- بل كان حبه يعلو حبهم للأهل والأبناء والأموال، وكانوا - رضي الله عنهم- يعتمدون على ملكة الحفظ والاستظهار، وقد وهبهم الله تعالى قوة في الحفظ وسيلاناً في الأذهان وصفاء في القريحة، مما جعلهم أكثر من غيرهم في هذا، كما أنهم لم تكن متوفرة لديهم بشكل عام أدوات الكتابة، كما إن عامتهم لم يكونوا يعرفون الكتابة أصلاً، وهذا الأمر كان في العرب عموماً أعني قوة الحفظ وعدم الكتابة، ولهذا يسمى العرب الأميون، كما قال تعالى: "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم ... " [الجمعة: 2] ، وقال عليه الصلاة والسلام: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ... "أخرجه البخاري (1913) ، ومسلم ح (1080) ، وأبو داود ح (2319) ، والنسائي ح (2140) .
فكل هذه العوامل الدينية والفطرية والاجتماعية والنفسية ساعدت على حفظ الصحابة - رضي الله عنهم- للأحاديث النبوية أتم الحفظ، واستظهارها أقوى استظهار.
ثم إن الطريقة الأولى في حفظ السنة سادت وانتشرت شيئاً فشيئاً، فكان ابتداؤها في عهد الصحابة -رضي الله عنهم- كما قدمنا، حتى إن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- كان لهم صحائف وكتب جمعوا فيها أهم الأحاديث مثل: الصحيفة الصادقة التي كتبها عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- والتي فيها أكثر من ألف حديث، وكذلك كان لأبي هريرة - رضي الله عنه- صحيفة جمع فيها بعض حديثه، وكذلك جابر بن عبد الله وسمرة بن جندب وغيرهم، كما كانت لهم صحائف فيها بعض حديثهم.
ولما جاء عهد التابعين اهتم علماء الحديث بكتابة السنة أكثر، فكان كل عالم يكتب ما وصله من الحديث ويدونه خشية النسيان أو الضياع، حتى جاء الخليفة عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - (ت101) ، فأصدر أمراً إلى علماء الأمصار يأمرهم فيه بجمع الأحاديث، ثم بعد هذا تطور تدوين الحديث وكتابته، حتى إن العلماء جمعوه على أبواب العلم، ومن هذه الكتب على سبيل المثال موطأ الإمام مالك المولود عام 93 للهجرة، والذي جمع فيه مالك - رحمه الله- ما صح عنده من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وجمع غيره من العلماء في باقي بلدان المسلمين، كمكة والكوفة والبصرة وبغداد ودمشق وغيرها.
وما زال تدوين الحديث في اتساع حتى صار الحفظ لوحده على نطاق ضيق جداً، وأصبحت العناية بضبط الكتب وحفظها من الضياع أو التلاعب، وكانوا يهتمون بذلك حتى إن أحدهم لا يعير كتابه لأحد إلا لمن يثق فيه ثقة تامة، وكان العلماء يقرئون تلاميذهم كتبهم ثم يسجلون عليها سماعاتهم بعد التثبت من ضبط التلميذ لما كتبه من الحديث، وأنه لا يوجد فيه تصحيف أو خطأ، وبقيت هذه الكتب إلى يومنا هذا شاهدة على عناية أمة الإسلام بالسنة النبوية وبتراث النبوة، فالحمد لله أولا وآخراً على نعمه التي لا تعد ولا تحصى. وصلى الله على نبينا محمد وسلَّم تسليماً.(15/308)
صلاحية الإسلام لهذا الزمان
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 5/7/1424هـ
السؤال
يثير بعض أهل الأهواء.. شبهات، مثل:
الإسلام غير صالح للتطبيق اليوم، لأن الزمن تغير، ويستدلون أن عمر - رضي الله عنه - أوقف حداً من حدود الله عام الرمادة، لأن الظروف فيه كانت لا تساعد على تطبيق الحد كالفقر وغيره؟ ويستدلون بقصه علي رضي الله عنه حينما أوقف حد القصاص من رجل؟ بماذا نرد على مثل هذه الشبهات؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فالله تعالى خالق الخلق الذي هو أعلم بمصالحهم وبما يناسب حاجاتهم، قال تعالى: "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" [الملك: 14] ، وقد أرسل رسوله عليه السلام خاتماً للرسل، قال تعالى: "وخاتم النبيين" [الأحزاب:40] ، وإذا كان خاتمهم فإن كل ما جاء به صالح للأمة إلى قيام الساعة، فإن الله حكيم عليم، ولو علم أنه سيأتي على الناس زمان لا يناسبهم هذا الدين لما ختم النبوة أو لأرشد العباد إلى تغيير الأحكام، ومن آمن بأن الله ربه وخالقه عليم حكيم وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم -خاتم رسله وأنبيائه فإنه لا يكون عنده شك في هذا بحمد الله.
وكل من نظر في أحكام الشرع وتأمل حكمها وجدها على وفق مصالح العباد، ووجدها دليلاً على حكمة مشروعيتها، ولكن قد يرد النقص في ذهن من لم يمعن النظر فيها، أو لم يوفقه الله ويرزقه البصيرة.
وأما إيقاف عمر - رضي الله عنه - حد السرقة عام الرمادة كما في إعلام الموقعين (3/10) فهو بسبب عدم تحقق شروط القطع، لا لأنه غير مناسب لزمانه، بل إذا سرق جائع ليسد رمقه فقد أخذ حقاً له، إذ يجب على صاحب المال بذل ذلك له مواساة له وإحياء له، فإذا بان أن السارق لا حاجة له وهو مستغن عن السرقة قطع، ومعلوم من قواعد الشرع أن الضرورات تبيح المحظورات، والشرع لا يقطع يد السارق إلا بعد التحقق من توفر شروط السرقة في السارق وفي الشيء المسروق، وبعد التأكد من الظروف المحيطة بهذه القضية، فلا يكون قد سرق لدفع الجوع عن نفسه.
ففرق بين إيقاف الأحكام لعدم صلاحيتها وبين عدم تنفيذ القطع في سارق لعدم توفر شروط القطع، فالثاني في الحقيقة مطبق لأحكام الشرع.
وكذلك قضية علي - رضي الله عنه - فإنه لم يقم حد الغيلة على من تاب قبل القدرة عليه، ومن تاب من حد قبل القدرة عليه سقط عنه في أحد قولي أهل العلم، وهو الراجح كما قال تعالى في المحاربين: "إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" [المائدة:34] ، ونذكر القصة كما جاءت في الطرق الحكمية (1/82) لابن القيم لتبيين أنها حد غيلة إذا قتل طمعاً في مال المقتول فليست القضية قصاصاً بل حد غيلة.(15/309)
قال ابن القيم رحمه الله: "ومن قضايا علي - رضي الله عنه - أنه أتي برجل وجد في خربة بيده سكين متلطخ بدم وبين يديه قتيل يتشخط في دمه فسأله، فقال أنا قتلته، قال اذهبوا به فاقتلوه، لما ذهبوا به أقبل رجل مسرعاً فقال يا قوم لا تعجلوا ردوه إلى علي فردوه، فقال الرجل يا أمير المؤمنين ما هذا صاحبه أنا قتلته، فقال علي للأول ما حملك على أن قلت أنا قاتله ولم تقتله؟ قال يا أمير المؤمنين وما أستطيع أن أصنع وقد وقف العسس على الرجل يتشخط في دمه وأنا واقف وفي يدي سكين وفيها أثر الدم وقد أخذت في خربة فخفت أن لا يقبل مني وأن يكون قسامة، فاعترفت بما لم أصنع واحتسبت نفسي عند الله، فقال علي بئسما صنعت فكيف كان حديثك؟ قال إني رجل قصاب خرجت إلى حانوتي في الغلس فذبحت بقرة وسلختها فبينما أنا أصلحها والسكين في يدي أخذني البول فأتيت خربة كانت بقربي فدخلتها فقضيت حاجتي وعدت أريد حانوتي فإذا بهذا المقتول يتشحط في دمه فراعني أمره فوقفت أنظر إليه والسكين في يدي فلم أشعر إلا بأصحابك قد وقفوا علي فأخذوني، فقال الناس هذا قتل هذا ما له قاتل سواه، فأيقنت أنك لا تترك قولهم لقولي فاعترفت بما لم أجنه، فقال علي للمقر الثاني فأنت كيف كانت قصتك؟ فقال أعرابي أفلس فقتلت الرجل طمعاً في ماله ثم سمعت حس العسس فخرجت من الخربة واستقبلت هذا القصاب على الحال التي وصف فاستترت منه ببعض الخربة حتى أتى العسس فأخذوه وأتوك به، فلما أمرت بقتله علمت أني أبوء بدمه أيضاً فاعترفت بالحق، فقال علي للحسن - رضي الله عنهم - ما الحكم في هذا؟ " أ. هـ
قال يا أمير المؤمنين إن كان قد قتل نفساً فقد أحيا نفساً وقد قال الله تعالى: "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً" [المائدة: من الآية32] ، فخلى علي - رضي الله عنه - عنهما.(15/310)
أثر المال المشبوه على الحج والعمرة
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/7/1424هـ
السؤال
أعمل في إدارة حكومية، وصرف لي مبلغ من المال عن فترات متقطعة عن خارج الدوام، بما يقارب ثلاثين ألف ريال بعلم رئيسي المباشر، علماً أن الفترات عملت فيها وبعضها لم أعمل، وقبل أن أستلم عن أول فترة سألت أحد المجتهدين، وقال إن المبلغ مشبوه.
فما حكم المبلغ الذي أخذته؟ وما حكم حجي وعمرتي؟ وإذا كان هذا لا يجوز فكيف أعيد المال وأنا لا أستطيع، ولا يوجد طريقة لإعادته لصاحبه
الجواب
ما عملته حلال لك أجرته؛ ولأن الأجر مقابل العمل، وأما الأيام التي لم تعمل في خارج الدوام فإن ما صرف لك لا يحل لك، ويلزمك أن ترده من حيث أخذته، وإذا كانت الإدارة حكومية فيكفي أن ترده إلى بيت المال، كمؤسسة النقد أو وزارة المالية.
أما سؤالك عن حجك وعمرتك فلا دخل لها في هذا، حجك وعمرتك صحيحة إن شاء الله تعالى وقولك: كيف أعيد المال وأنا لا أستطيع، ولا توجد طريقة لإعادته؟
نقول: بل يوجد طرق كثيرة لإعادته، فإما أن ترد إلى مؤسسة النقد أو وزارة المالية، أو إلى مصلحة الزكاة والدخل، أو تعيده إلى حساب الإدارة التي تعمل فيها مبيناً الأسباب التي دعتك لرد هذا المال، وهو أنك كنت لا تواظب على الدوام الذي أخذت عليه أجراً، وهذا منقبة لك ومحمدة، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.(15/311)
رهن المبيع بثمنه!
المجيب د. عبد الله بن محمد العمراني
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/11/1426هـ
السؤال
ما حكم شراء الأراضي بالتقسيط من بعض المخططات السكنية؟ وبعد الاتفاق بالشراء يوقع عقد مبايعة يوضح فيه الآتي:
1- المشتري قد استلم الأرض استلاماً نافياً الجهالة، وأصبحت بحوزته، وتحت مسؤوليته التامة، ولا يحق له الرجوع على البائع.
2- يبقى صك الأرض المباعة (محل هذا العقد) باسم البائع، ويحتفظ بصك الملكية لديه وبحوزته حتى يتم سداد باقي القيمة المتفق عليها.
3- يجب سداد كل قسط في حينه، وإذا تأخر المشتري عن السداد لثلاثة أقساط يحق للبائع بيع الأرض دون الرجوع للمشتري، واستيفاء باقي القيمة، وإن نقص المبيع عن سداد باقي القيمة يلتزم الطرف الثاني بسداد الباقي دون أدنى اعتراض منه، وللبائع الخيار بين بيع الأرض واستيفاء باقي القيمة المستحقة له، أو فسخ العقد، مع احتساب قيمة إيجارية على الطرف الثاني (المشتري) عن المدة من بداية العقد وحتى تاريخ فسخه، بواقع (4309) أربعة آلاف وثلاثمائة وتسعة ريالات لا غير عن كل سنة هجرية.
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه المعاملة فيها تفصيل، وذلك لأنها تحوي تصرفات صحيحة وغير صحيحة.
فالفقرتان (1) و (2) صحيحتان، وأما الفقرة (3) ففيها تفصيل:
أ- يحق للبائع بيع الأرض بناءً على الاتفاق بين الطرفين برهن المبيع بثمنه، والراجح صحة هذا التصرف.
ب- لكن الذي لا يصح في هذه الاتفاقية هو: أن البائع له الخيار بين بيع الأرض أو فسخ العقد، مع احتساب قيمة إيجارية من بداية العقد، وهذا لا يصح؛ لأن العقد هنا متردد وغير مستقر، فهو متردد بين البيع والإيجار، وهذا لا يجوز؛ حيث يدخل في إحدى تفسيرات (النهي عن بيعتين في بيعة) والله أعلم.(15/312)
ما العمل إذا تعذَّر تغسيل الميت؟!
المجيب عبد العزيز بن أحمد الدريهم
رئيس كتابة العدل بمحافظة المزاحمية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/05/1426هـ
السؤال
السلام عليكم
إذا توفي شخص، ولم يتوفر أي ماء لغسله، فعلى أي كيفية يكون التيمم له بالتفصيل؟
جزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا تعذَّر تغسيل الميت؛ لعدم الماء، أو لوجود ما يمنع من تغسيله فإنه لا ييمم؛ لأن المقصود من غسل الميت تنظيفه، وهذا لا يحصل بالتيمم، وذكر بعض أهل العلم، ومنهم ابن تيمية - رحمه الله - أن الطهارة المستحبة إذا تعذَّر فيها استعمال الماء فإنه لا يتيمم لها.
وذهب البعض الآخر -وهي رواية في مذهب الإمام أحمد رحمه الله- إلى أن الميت إذا لم يمكن تغسيله فإنه ييمم، وذلك بأن يضرب الغاسل يديه بالصعيد الطاهر، ثم يمسح وجه الميت وكفيه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.(15/313)
عمولات مواقع تصفح الإعلانات
المجيب د. سامي بن إبراهيم السويلم
باحث في الاقتصاد الإسلامي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/01/1427هـ
السؤال
أرجو إفتائي في الاشتراك في مثل هذه المواقع الربحية، وهل الربح منها حلال أم حرام؟ مثل شركات السيرفينج (Traffic-Surffing) ، وهي تقوم على مبدأ التبادل الإعلاني للمواقع، بالإضافة إلى أنها من أنظمة مضاعفة النقود، بمعنى أنك تقوم بفتح مواقع شركات أخرى، أو مواقع أشخاص آخرين مقابل فتح موقعك لهم، سواء كان موقعاً ربحياً أو شخصياً أو أي نوع آخر.
بعض شركات السيرفينج تمنحك نسبة 1:1 أو 2:1 للتبادل الإعلاني للمواقع، والهدف من تلك الشركات هو جلب أكبر عدد ممكن من أعضاء جدد للاشتراك عن طريقك في الشركات الربحية التي تعلن عنها، بالإضافة إلى أنه يمكنك أن تربح منها نقوداً عند وصولك للحد الأدنى، حيث كلما جمعت نقاطاً أكثر كلما جلبت الكثير من الزوار الجدد لموقعك، بالإضافة إلى المكسب المادي.
وشركات السيرفينج الاشتراك بها مجاني تماماً، إلا إنه يفضل ترقية عضويتك بشراء سهم واحد على الأقل؛ حتى تدفع لك الشركة الحد الأدنى من أرباحك.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
1. مواقع التصفح مثل (www.4daily.com) و (www.studiotraffic.com) و (www.12dailypro.com) تقدم عمولات مقابل تصفح الإعلانات التي لديها. وهذه العمولات نوعان:
(أ) نوع مقابل التصفح المجرد، دون دفع أي اشتراك أو رسوم من أي نوع. وهذا النوع لا حرج فيه -إن شاء الله- بشرط أن تكون الإعلانات بعيدة عن المحاذير الشرعية، ولا تتضمن الدعاية لمحرم أو منكر.
علماً أن بعضها لا يسمح بالاستمرار في التصفح المجاني، بل يجب دفع قيمة الاشتراك، وإلا ألغي الحساب.
(ب) نوع مقابل رسوم اشتراك غير مستردة، بالإضافة للتصفح. ومقدار العمولات يتناسب مع حجم رسوم الاشتراك، وكلما زاد مقدار الاشتراك كلما زادت العمولات، إلى حد معين. وهذه الرسوم يستخدم جزء منها لتغطية مصاريف الشركة المديرة للموقع، والباقي -وهو الأكثر- يوزع على شكل عمولات لبقية المشتركين.
وواضح أن العمولات في هذا النوع تتضمن معاوضة نقد بنقد، فالمشترك يدفع الثمن، ومن خلال هذا الثمن يحصل الآخرون على عمولاتهم، والعكس بالعكس. وما ينتج عن مبيعات الدعايات ونحوها فهو أقل من إيرادات الاشتراكات، فالغالب هو إيراد الاشتراك ومنه تصرف العمولات. فهذا النوع يدخله مبادلة النقد بالنقد مع التفاضل والتأخير، فضلاً عن الغرر والجهالة المتعلقة بالاشتراكات، فهو يجمع بين الربا والميسر.
فهذه الشركات تعيش على الاشتراكات، والأرباح أو العمولات هي من اشتراكات الأعضاء الجدد أساساً، فلو تناقص عدد المشتركين توقف دفع العمولات، فليس هنا استثمار حقيقي، بل يأخذ زيد مما دفع عمرو، ويأخذ عمرو مما دفع بكر، وهكذا. وهذا مع كونه من أكل المال بالباطل فهو غير مجدٍ اقتصاديًّا، ومخاطر العجز والإفلاس عالية جداً.
فأنصح الأخ -وكل مسلم عاقل- أن يتجنب هذا النوع من التعامل، وأن يجتهد في البحث عن سبل الكسب المشروع، وما أكثرها.(15/314)
2. وأما نظام الإحالات (referrals) ، فيختلف من موقع لآخر، وبعضها يندرج ضمن التسويق الشبكي، وبعضها ليس كذلك. فإن كانت عمولة الإحالة مقابل تصفح أعضاء جدد لا يدفعون رسوم اشتراك، فلا حرج فيه إن شاء الله. وأما إن كانت العمولات مقابل اشتراكات أعضاء جدد، فقد سبق أن رسوم الاشتراك هذه يدخلها الربا والميسر، فكل ما ترتب عليها فهو كذلك.
وعمولة الإحالات جائزة إذا لم يشترط على الوسيط دفع ثمن أو مبلغ مالي مقابل منتجات تجارية، فهي في هذه الحالة مقابل السمسرة. أما إذا اشترط الدفع أو كانت عمولة من يدفع أكبر من عمولة من لم يدفع، فيدخلها النقد بالنقد، ووجود المنتجات لا يغير من حقيقة الأمر إذا كانت العمولات أكبر من المبلغ المدفوع، لأنها تصبح هي المقصودة وليس المنتجات نفسها، كما سبق تفصيل ذلك عند مناقشة التسويق الهرمي.
3. من دخل في المعاملات المحرمة، أيًّا كان نوعها، سواء عن جهل أو غفلة أو تقصير، فيجب عليه التوبة والاستغفار وعدم العودة لها مستقبلاً، وفي هذه الحالة يغفر له ما سبق إن شاء الله؛ لعموم قوله تعالى: "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف" [البقرة: 275] ، ويستحب له مع ذلك أن يتصدق بما يتيسر له. والله تعالى أعلم.(15/315)
تعليق الصليب في العنق
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/8/1424هـ
السؤال
ما حكم من علَّق صليباً على صدره، ولكن لا يعتقد به، بل إنه يضعه على صدره لمصلحة شخصية؟.
الجواب
الحمد لله، الصليب معروف أنه صنم النصارى في كنائسهم، وفي بيوتهم، ويعلقونه في أعناقهم وعلى صدورهم، فهو شعار النصارى، وحرام على المسلم أن يعلَّقه، وإذا علَّقه المسلم ليظهر أنه نصراني فهذا إظهار لموافقة النصارى على دينهم، وموافقة النصارى على دينهم كفر بالله، إلا من كان يخشى على نفسه، فهو مُكره، والله تعالى يقول:"مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ" [النحل: 106] ، وأما من علَّقه جاهلاً به فهو معذور لجهله، وأما من علَّقه مجاملة فذلك حرام عليه يُخشى عليه من الكفر بالله، ولم تذكر أيها السائل المصلحة التي تحملك على تعليق الصليب، فلا يتيسر بيان الحكم على وجه التحديد، إلا بعد معرفة دوافع التعليق، وقد عرفت أنواع الدوافع، وحكم كل نوع من هذه الأنواع، والواجب على المسلم أن يحذر مما حرم الله عليه، ولا يخفى أنه من أعظم أنواع التشبه بالكفار، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-:"من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أبو داود (4031) ، فالواجب الحذر، ونسأل الله السلامة والعافية، والله أعلم.(15/316)
الصلاة عند القبور
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/12/1423هـ
السؤال
نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة في المقابر ولعن المتخذين القبور مساجد، وورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى عند قبور بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- منهم أم سعد، وطلحة بن البراء، وأم أمامة وغيرهم، فما الجمع بين هذا الاختلاف؟ وما هو القول الصحيح في ذلك؟
الجواب
الحمد لله، نعم، لقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة إلى القبور والصلاة عند القبور، وذلك أن الصلاة عند القبور وسيلة إلى الشرك بها، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم (532) من حديث جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله قبل أن يموت بخمس يقول:" ... ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك" وما ذكر في السؤال من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى عند بعض قبور الصحابة لا أعلم أنه صلى عند القبر الصلاة المعروفة المشتملة على الركوع والسجود بل معنى ذلك أنه صلى عليها صلاة الجنازة هذا هو الظاهر ولعل السائلة فهمت أنه صلى عندها الصلاة التي نهى عن فعلها عند القبور، مما يلزم منه التعارض، فإذا علمنا أن المراد بصلاته عند قبور من ذكر هي صلاة الجنازة لم يكن بين الأحاديث الصحيحة في النهي عن الصلاة عند القبور وبين صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- على بعض أهل القبور تعارض، والله أعلم.(15/317)
هل المسجد النبوي حرمٌ؟
المجيب د. محمد بن مرعي الحارثي
أستاذ الفقه بكلية المجتمع في جامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 3/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
هل يطلق على المسجد النبوي حرماً؟ وهل له حرمة كحرمة المسجد الحرام؟ وهل للمدينة حرمة كحرمة مكة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..
فالمدينة النبوية حرمها النبي صلى الله عليه وسلم، لا يعضد شجرها، ولا يصاد صيدها، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم (1362) عن جابر - رضي الله عنه- ولا شك أن لمسجده - صلى الله عليه وسلم- حرمة عظيمة، لكونه مسجده - صلى الله عليه وسلم- وداخل في حرم المدينة، وأحد بيوت الله، وفيه الروضة الشريفة، والصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه عدا المسجد الحرام، كما في الحديث الذي رواه البخاري (1190) ، ومسلم (1394) عن أبي هريرة - رضي الله عنه- غير أنه ليس فيه مواطن تُقبَّل أو تستلم، أو يطاف بها كما في بيت الله الحرام بمكة، والله المستعان.(15/318)
قضاء الصلاة عن الميت
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/12/1423هـ
السؤال
توفي والدي وفي الأيام الأربعة قبل وفاته لم يستطع الصلاة؛ لشدة المرض، ولكنه كان في وعيه، وعندما نذكره الصلاة يقول: سأصلي فيما بعد، فهل أقضي عنه أم ماذا أعمل؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فقد كان الواجب على والدك -رحمه الله- أن يصلي على حسب حاله، كما أمر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- عمران بن حصين -وكان مريضاً- حيث قال له:"صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب" أخرجه البخاري في صحيحه، وزاد النسائي في روايته:"فإن لم تستطع فمستلقياً"، وأما بالنسبة للقضاء -وهو محل السؤال- فإنه لا يشرع؛ لأن الصلاة عبادة لا تدخلها النيابة، كما قرر ذلك أهل العلم، ومنهم الإمام الزركشي في (المنثور 3/312) وحكاه إجماعاً.
ولذا فالمشروع -في حقكم- الدعاء والاستغفار له، والترحم عليه، عسى الله أن يتجاوز عنه، والله -تعالى- أعلم.(15/319)
صلى الإمام ركعة زائدة، فهل يعتدّ بها المسبوق؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 2/9/1424هـ
السؤال
أدركت صلاة الظهر مع الجماعة بعد الركعة الأولى وسها الإمام وصلى ركعة خامسة، بذلك أكون قد صليت أربع ركعات، هل أسلم مع الإمام أم آتي بركعة أخرى؟
الجواب
إذا علمت أنها خامسة فلا تتابع الإمام، بل عليك أن تنفصل عنه وتتم صلاتك، ولا تستمر معه في الزيادة، وإذا كان علمك بعد سلام الإمام ولم يطل الفصل فعليك أن تأتي بما فاتك ولا تعتد بالركعة الزائدة، وإذا طال الفصل فعليك أن تعيد الصلاة، لأنه قد يعلم المسبوق أن هذه زائدة ما لا يعلمه الداخل مع الإمام، لأن المسبوق قد يدخل والإمام يقوم من الركعة الأولى إلى الركعة الثانية، فيعلم أنه فاته ركعة فعليه أن يأتي بها، ولا يتابع الإمام في الركعة الزائدة، لأنه لا يعتد بها.(15/320)
زكاة الأرض الممنوحة أو المعدة للسكن
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/6/1423هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل في الأرض الممنوحة من قبل الدولة زكاة، وكذلك المعدة للسكن ولو لم يسدد من قيمتها إلا الثلث؟
الجواب
ليس في الأرض الممنوحة من الدولة زكاة، وكذلك الأرض المعدة للسكن، سواء سدد قيمتها، أو لم يسددها.(15/321)
غسل الميت وتكفينه
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/5/1423
السؤال
بسم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
أريد أن أعرف الصفة الصحيحة الكاملة في غسل الميت وتكفينه؟ وهل يوجد أجر في الغسل والتكفين؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن سؤال مشابه لسؤالك، فإليك السؤال والجواب:
سـ/ تعلمون فضيلتكم ما يعانيه المسلمون في بلاد الكفار من مشاكل ومصاعب، وذلك لضبط وتسيير حياتهم وأمور معيشتهم ومماتهم على نهج الإسلام الصحيح، ومن بين الأمور التي يعاني منها المسلمون في بلاد الولايات المتحدة الأمريكية هي: تجهيز ودفن الموتى على الطريقة التي يريدها ويأمر بها الإسلام، وقد رأى بعض الإخوة المسلمين من أهل هذه البلاد محاولة المطالبة لدى السلطات الحاكمة هناك لغرض تسهيلات وإجراءات خاصة بالموتى المسلمين لكي يتم تغسيلهم ودفنهم على نهج الإسلام السليم، ولكي يتم ذلك فإنه لا بد من إثبات وفتوى من مرجع معتمد؛ حتى يثبتوا لمن بيدهم السلطة أن هذه المطالب هي أمور تقتضيها شريعة الإسلام، وذلك لأن دستور أمريكا ينص على حرية التدين والأديان، ولهذا فالمطالبة من هذا الباب قد تكون مجدية ومثمرة؛ لذا نرجو من فضيلتكم التكرم بكتابة ما يلزم ويجب في حق المسلم عند الدفن والتجهيز، وأيضاً كتابة ما يستحب في هذا الباب أيضاً، وإن استطعتم ترجمة ذلك كله باللغة الإنجليزية وختمها وتصديقها لكي تكون معتمدة فإن هذا سيكون أفضل كثيراً.(15/322)
جـ/ إذا تبين موت المسلم شرع لمن حوله تغميض عينيه، وشد لحييه، وتسجيته، والإسراع في تجهيزه، ابتداء بغسله الغسل الشرعي، فيغسل يديه، ثم ينجيه ثم يوضئه وضوء الصلاة، ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر أو نحوه من صابون أو أشنان، ثم يفيض الماء على شقه الأيمن، ثم الأيسر، ثم يغسله كذلك مرة ثانية وثالثة، وإن لم ينق زاد إلى خمس أو سبع، ويجعل في الأخيرة كافوراً إن تيسر، ويجعل الطيب بعد في مغابنه، ومواضع سجوده، وإن طيبه كله فحسن، وإن اكتفى بغسلة واحدة جاز ذلك، والمرأة يضفر رأسها ثلاثة قرون، وتجعل من ورائها، ثم يكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، يدرج فيها إدراجاً، ويجوز أن يكفن في قميص وإزار، ولفافة أو لفافة فقط، والمرأة تكفن في خمسة أثواب: في درع ومقنعة وإزار ولفافتين، وإن كفنت في لفافة واحدة جاز، ويصلى عليه الصلاة الشرعية: يكبر ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يكبر ويدعو للميت، وإن جاء بنص الدعاء المأثور فهو حسن، ومنه:"اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته فأحيه على الإسلام، ومن توفيته فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنة وقه فتنة القبر وعذاب النار" الترمذي (1024) والنسائي (1986) وأبو داود (3201) وابن ماجة (1498) ، ثم يكبر الرابعة ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه، ولا يجوز أن يتبع بأنوار ولا أن ترفع الأصوات معه بدعوات، ولا تهليلات، ويوضع في لحد إن أمكن، وإلا شق له، وبعد تسوية قبره يستحب أن يقف الحاضرون عليه، ويستغفرون له، ويدعون له بالثبات، ولا يجوز أن يؤخر إلا في حدود حاجة تجهيزه أو انتظار حضور أقاربه، أو جيرانه إذا لم يطل ذلك عرفاً؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"أسرعوا بالجنازة" البخاري (1315) ومسلم (944) الحديث، ولا يجوز أن يقام له مأتم، سرادقات ونحوها، بما يسمى بمراسم العزاء، ويصلي على قبره من لم يحضر الصلاة عليه إذا كان في المدينة التي هو فيها، إلى حدود شهرين، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على قبر أم سعد وقد مضى على دفنها شهر. انظر: الترمذي (1037)
ولا يجوز دفن المسلم في مقابر النصارى ولا غيرهم من الكفرة كاليهود والشيوعيين وعباد الأوثان، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز(15/323)
تعليق الإعلانات بالمساجد
المجيب أ. د. حسين بن خلف الجبوري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/1/1424هـ
السؤال
ما حكم تعليق إعلانات المحاضرات التي بها تعريف بالجهة الراعية للحفل أو الدورة في المساجد؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده، وبعد:
فأقول وبالله التوفيق والسداد، تعليق إعلانات المحاضرات والندوات والدروس الشرعية في المساجد جائز شرعاً، لأن المسجد هو مركز تجمع المسلمين في اليوم خمس مرات، وهو أكثر مكان يجتمع فيه المسلمون في الوقت الحاضر، لذا فهو المكان الملائم لإخبار المسلمين بهذه الدروس والندوات، ولأن هذه الدروس والندوات في خدمة الإسلام والمسلمين، وتقدم لهم الفقه والنصح والإرشاد فيما يتعلق بأمور دينهم، لذا أرى أن إعلانها في المساجد جائز شرعاً، والله أعلم بالصواب.(15/324)
تكرار الصلاة على الجنازة
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/2/1424هـ
السؤال
صليت على إحدى الجنائز في الجامع، وبعد نقل الجنازة للمقبرة صلى عليها من لم يحضر في الجامع، وصليت معهم، وبعد ذلك أخبرني أحد الأشخاص بأن ذلك لا يجوز، أي: الصلاة على الجنازة مرتين مني، فهل كلام هذا الشخص صحيح؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، - والصلاة السلام- على رسول الله وآله وأصحابه ومن والاه.
هذه المسألة فيها تفصيل:
(1) أن يقصد إعادة الصلاة على الميت أكثر من مرة، كأن يصلي عليه مع الناس، ثم يذهب لزيارته مرة أخرى فيعيد الصلاة، أو يصلوا عليه جماعة في المصلى ثم بعد دفنه يعيدون الصلاة عليه مرة أخرى فهذا غير مشروع، إذ لم يصح تكرار الصلاة على الميت، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- كما لم يصح ذلك عن أحد من أصحابه، وإنما شرعت الصلاة على الميت مرة واحدة.
(2) أن يصلي على الميت ثم يتفق له أن يجد جماعة أخرى يصلون عليه، فله حينئذ الصلاة معهم، ومثل هذا ما لو صلى على ميت ثم ذهب إلى بلد فصلوا عليه صلاة الغائب صلى معهم أيضاً لما رواه البخاري (1321) ، ومسلم (954) ، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مر بقبر قد دفن ليلاً فقال: "متى دفن هذا؟ قالوا: البارحة، قال: أفلا آذنتموني" قالوا: دفناه في ظلمة الليل فكرهنا أن نوقظك، فقام فصففنا خلفه، قال ابن عباس - رضي الله عنهما- وأنا فيهم فصلى عليه"، إذ لم يستفصل النبي - صلى الله عليه وسلم- الحاضرين من الصحابة من كان منهم صلى على هذا الميت ممن لم يكن صلى عليه، مع أن ظاهر حالهم الصلاة عليه لإخبارهم النبي - صلى الله عليه وسلم- بحاله، وهذا مثل ما لو صلى الصلاة المكتوبة في جماعة، ثم أتى المسجد فوجدهم يصلون فإنه يصلي معهم، مع أنه لا يشرع للإنسان تقصد تكرار الصلاة المفروضة.
وانظر لمزيد الفائدة مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز - رحمه الله- (13/156) ، والله تعالى أعلم، - وصلى الله وسلم- على نبينا محمد.(15/325)
الصائم يأكل أو يشرب ناسياً
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/9/1423هـ
السؤال
ما حكم من أكل أو شرب في نهار الصيام ناسيا؟
الجواب
ليس عليه بأس وصومه صحيح لقول الله - سبحانه - آخر سورة البقرة "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" [البقرة: 286] .
وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله - سبحانه - قال: "قد فعلت" ولما ثبت عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه" متفق على صحته.
وهكذا لو جامع ناسياً فصومه صحيح في أصح قولي العلماء للآية الكريمة ولهذا الحديث الشريف، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: " من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة" خرجه الحاج وصححه.
وهذا اللفظ يعم الجماع وغيره من المفطرات إذا فعلها الصائم ناسياً، وهذا من رحمة الله وفضله وإحسانه، فله الحمد والشكر على ذلك.
[تحفة الأخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام لسماحة الشيخ ابن باز ص: 176] .(15/326)
هل العزم على الفطر مفطِّرٌ؟
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/09/1425هـ
السؤال
مرضت قبل يوم، وعند صلاة الفجر لم أستطع القيام في الركعة الأولى، وجلست وأحسست بدوخة ونويت الفطر وبعد الصلاة عزمت على الشرب، ولكن ولله الحمد عندما وصلت البيت نمت إلى الظهر، وأحسست بالتحسن وواصلت الصيام. والسؤال: هل علي إثم أو كفارة لعزمي على الفطر ولم أفطر؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فما دمت أنك قد نويت الفطر بعد طلوع الفجر فقد فسد صومك؛ لأن في ذلك قطع لنية الصوم.
أما الإثم فلا؛ لأنك قد نويت الفطر وعزمت على الشرب لمرضك، لا لشهوة في نفسك.
ويجب عليك أن تقضي ذلك اليوم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(15/327)
الجمع بين نية النذر وصوم رمضان
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/09/1425هـ
السؤال
هل يجزئ صيام النذر في رمضان بأن أنوي نيتين: نية صيام رمضان وقضاء النذر؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا يجوز لك أن تنوي مع صيام رمضان صيام النذر أو واجب آخر.(15/328)
محرم المرأة في الحج
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 3/11/1423هـ
السؤال
هل يصح أن أعتمر مع عمتي وابنها وأخواته حيث أن ابنها عمره 21 سنة محرم لهم فقط وعمري أنا 20 سنة؟ أجيبوني مشكورين.
الجواب
لا يجوز لكِ أن تسافري بدون محرم حتى وإن كان السفر للحج أو العمرة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-:"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها" متفق عليه البخاري (1088) ، ومسلم (1339) ، ولما روى ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" فقال له رجل: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق فحج مع امرأتك" متفق عليه البخاري (1862) ، ومسلم (1341) .(15/329)
هل من نوى الإفطار يفطر؟
المجيب عبد الرحمن السعدي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 6/9/1423هـ
السؤال
قولهم: ومن نوى الإفطار أفطر، هل هو وجيه؟
الجواب
نعم هو وجيه، وذلك أن الصيام مركب من حقيقتين: النية وترك جميع المفطرات، فإذا نوى الإفطار، فقد اختلت الحقيقة الأولى وهي أعظم مقومات العبادة، فالأعمال كلها لا تقوم إلا بها.
ومعنى قولهم: أفطر، معناه: أنه حكم له بعدم الصيام، لا بمنزلة الآكل والشارب، كما فسروا مرادهم.
ولذلك لو نوى الإفطار وهو في نفل، ثم بعد ذلك أراد أن ينوي الصيام قبل أن يحدث شيئاً من المفطرات، جاز له ذلك، لكن أجره وصيامه المثاب عليه من وقت نيته فقط، وإن كان الذي نوى الإفطار في فرض، فإن ذلك اليوم لا يجزئه ولو أعاد النية قبل أن يفعل مفطراً، لأن الفرض شرطه أن النية تشمل جميعه من طلوع فجره إلى غروب شمسه، بخلاف النفل.
وها هنا فائدة يحسن التنبيه عليها، وهي أن قطع نية العبادة نوعان:
نوع لا يضره شيء: وذلك بعد كمال العبادة، فلو نوى قطع الصلاة بعد فراغها أو الصيام، أو الزكاة، أو الحج أو غيرها بعد الفراغ، لم يضر لأنها وقعت وحلت محلها، ومثلها لو نوى قطع نية طهارة الحدث الأكبر أو الأصغر بعد فراغه من طهارته، لم تنتقض طهارته.
والنوع الثاني: قطع نية العبادة في حال تلبسه بها، كقطعه نية الصلاة وهو فيها، والصيام وهو فيه، أو الطهارة وهو فيها، فهذا لا تصح عبادته ومتى عرفت الفرق بين الأمرين، زال عنك الإشكال.
[الفتاوى السعدية للشيخ عبد الرحمن السعدي (228 - 229) ] .(15/330)
زكاة ناتج الأرض المستأجرة
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/2/1424هـ
السؤال
أقوم باستئجار أراضٍ زراعية وزراعتها بالحبوب والبقوليات بعليا فهل يترتب على المحصول الناتج من الأراضي المستأجرة زكاة العشر؟ كما على المحصول الناتج من الأرض التي أملكها؟
الجواب
نعم، يجب عليك زكاة عشر المحصول، ولو كانت الأرض مستأجرة، فإن العبرة بملك المحصول، سواء كان في ملكك أم مستأجراً في أرض غيرك.(15/331)
إخراج زكاة الفطر لحما
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/9/1423هـ
السؤال
بعض أهل البوادي ليس عندهم طعام يخرجونه لزكاة الفطر فهل يجوز لهم الذبح من المواشي وتوزيعها على الفقراء؟
الجواب
لا يصح ذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرضها صاعاً من طعام واللحم يوزن ولا يكال، قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: "فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعاً من تمر وصاعاً من شعير".
وقال أبو سعيد - رضي الله عنه -: "كنا نخرجها في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - صاعاً من طعام، كان طعامنا التمر والشعير والزبيب والأقط"، ولهذا كان القول الراجح من أقوال أهل العلم أن زكاة الفطر لا تجزئ في الدراهم ولا من الثياب ولا من الفرش.
ولا عبرة بقول من قال من أهل العلم إن زكاة الفطر تجزئ من الدراهم لأنه ما دام بين أيدينا نص عن النبي - عليه الصلاة والسلام - فإنه لا قول لأحد بعده ولا استحسان للعقول في إبطال الشرع، والله - عز وجل - لا يسألنا عن قول فلان أو فلان يوم القيامة وإنما يسألنا عن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى: "وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ" [القصص:65] .
فتصور نفسك واقفاً بين يدي الله يوم القيامة وقد فرض عليك على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن تؤدي زكاة الفطر من الطعام فهل يمكنك إذا سئلت يوم القيامة: ماذا أجبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فرض هذه الصدقة؟ فهل يمكنك أن تدافع عن نفسك وتقول والله هذا مذهب فلان وهذا قول فلان؟ الجواب: لا ولو أنك قلت ذلك لم ينفعك.
فالصواب بلا شك أن زكاة الفطر لا تجزئ إلا من الطعام وأن أي طعام يكون قوتاً للبلد فإنه مجزئ وإذا رأيت أقوال أهل العلم في هذه المسألة وجدت أنها طرفان ووسط:
فطرف يقول: أخرجها من الطعام، وأخرجها من الدراهم، وطرف آخر يقول: لا تخرجها من الدراهم ولا تخرجها من الطعام إلا من خمسة أصناف فقط وهي البر والتمر والشعير والزبيب والأقط، وهذان القولان متقابلان.
وأما القول الوسط فيقول: أخرجها من كل ما يطعمه الناس ولا تخرجها مما لا يطعمه الناس، فأخرجها من البر والتمر والأرز والدخن والذرة، إذا كنت في مكان يقتات الناس فيه الذرة وما أشبه ذلك، حتى لو فرض أننا في أرض يقتات أهلها اللحم فإننا نخرجها من اللحم.
وبناءً على ذلك يتبين أن ما ذكره السائل من إخراج أهل البوادي للحم بدلاً عن زكاة الفطر لا يجزئ عن زكاة الفطر.(15/332)
الانتظار وقوفاً حتى تقام الصلاة
المجيب د. محمد بن إبراهيم الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/1/1424هـ
السؤال
حكم الوقوف بعد أذان المغرب لانتظار الإقامة (الانتظار وقوفاً حتى تقام الصلاة) وهي كثير ما يعملها المصلين فما الحكم فيها؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فليس قبل صلاة المغرب سنة راتبة، لكن من دخل المسجد بعد أذان المغرب وأمكنه أن يصلي قبل أن تقام الصلاة ركعتين فيستحب له ذلك، يخففهما وإن وقف وانتظر إقامة الصلاة فلا بأس إن شاء الله.
أخرج البخاري في صحيحه 2/54 في كتاب التهجد باب الصلاة قبل المغرب (1183) "عن عبد الله المزني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: صلوا قبل صلاة المغرب قال في الثالثة لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة" وأخرج أيضاً في صحيحه 1/154 كتاب الأذان، باب كم بين الأذان والإقامة، ومن ينتظر إقامة الصلاة (625) عن أنس - رضي الله عنه -: قال: كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يبتدرون السواري حتى يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء) وقال عثمان بن جبلة وأبو داود عن شعبة: لم يكن بينهما إلا قليل.(15/333)
مضاعفة الصلوات في مساجد مكة
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 8/11/1423هـ
السؤال
هل تعتبر مكة كلها حرماً وأن الصلاة مضاعفة في جميع المساجد بمكة؟
الجواب
مكة منها ما يقع داخل حدود الحرم، ومنها ما هو خارج حدود الحرم، وهي الأجزاء الحديثة التي امتدت إليها المدينة بسبب التوسع العمراني، وحدود الحرم معروفة وهي أمور مقررة ثابتة دلت عليها الشريعة.
ومكة الواقعة داخل حدود الحرم يصدق عليها أنها المسجد الحرام كما ورد في كتاب الله الكريم في قصة الإسراء بالنبي -عليه السلام-:"سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى…" [الإسراء:1] ، ومن المعلوم أن الإسراء به -عليه السلام- لم يكن من المسجد وإنما كان من بعض بيوت مكة، وبناء على هذا فما ثبت من مضاعفة أجر الصلاة للمسجد فإنه يثبت لبقية أجزاء مكة الداخلة في حدود الحرم، وبالله التوفيق.(15/334)
من يساعدها في تغسيل زوجها؟
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/3/1425هـ
السؤال
إذا رغبت المرأة في تغسيل زوجها فمَن يمكن أن يساعدها في ذلك؟ هل ينبغي أن يكون المساعدون من الرجال المحارم مثل الأبناء، أم من محارمه من النساء؛ كبناته؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا غسلت المرأة زوجها فأولى الناس بمساعدتها أبو الميت ثم ابنه، ولو ساعدها غيرهما فلا بأس، أما النساء فلا يجوز أن يشاركن في غسله ولو كن من المحارم، إذ لا يجوز أن يغسل الرجل من النساء إلا زوجته فقط، فالأصل أن الرجل لا يغسله إلا الرجال، والمرأة لا يغسلها إلا النساء، يستثنى من ذلك فقط تغسيل الرجل لزوجته، والزوجة لزوجها.
هذا حكم الرجل، أما الطفل الذي له سبع سنين فأقل فيجوز أن يغسله الرجال أو النساء، وكذلك الطفلة التي لها سبع سنين فأقل يجوز أن يغسلها الرجال والنساء. والله تعالى أعلم.(15/335)
وضع الحواجز بين الرجال والنساء في الصلاة
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 30/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
نحن نعيش في بلاد غربية، قدم علينا في المركز الإسلامي دكتور في الشريعة في زيارة، ووجدنا نضع حواجز بين صفوف النساء والرجال في الصلاة، فعاب علينا ذلك وقال لم يكن ذلك موجوداً في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- بل الواجب ألا نضع حواجز ثم نعود أبناءنا على غض البصر والجلوس باحترام أمام الجنس الآخر، خاصة أنهم يختلطون بهم في كل مكان خارج المسجد، ثم فوجئنا في بداية رمضان برفع تلك الحواجز رغم عمل غرفة في الطابق السفلي مخصصة للنساء مع بداية رمضان للنساء اللاتي ليس معهن أطفال، وأخرى للآتي معهن أطفالهن، ومع ذلك أصرت النساء على الصلاة في الطابق العلوي وراء الرجال بدون حواجز، ورأينا أن الرأي قد استقر من الطرفين على الرضا بهذا القرار، فما رأي فضيلتكم في ذلك الفعل، هل نسكت عليه أم لا؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
ما ذكره الدكتور الذي زاركم من أنه لم يكن في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- حواجز تصلي خلفها النساء في المساجد صحيح، لكن المساجد تغيرت عما كان عليه الحال في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- من حيث وجود الإضاءة الكثيرة الكاشفة، ومن حيث كثرة خروج النساء في هذا الزمن، ومن حيث قلة التزام كثير من الناس بأحكام الإسلام، فوضع الحواجز للأمن من انكشاف النساء للرجال، واختلاطهن بهم أمر لا يخالف الشرع، بل هو مما يحقق المصلحة الشرعية في درء المفاسد، وسد ذرائع الشيطان، وقد كانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- إذا جاء إليها طلاب العلم ليسمعوا منها أمرت بالحجاب -الستر- فضرب بينهم وبينها، وحدثتهم من وراء الحجاب، وهي أم لكل مؤمن، على أنه لا مانع من صلاة النساء بدون حاجز يفصل بينهن وبين الرجال، إذا كان المسجد واسعاً والمسافة الفاصلة بين الرجال والنساء تكفي لعدم ظهور النساء بوضوح أمام الرجال مع إخفات الأضواء، أما إذا كانت المسافة قصيرة بينهم فلا بد من وجود حاجز يسترهن، ولتتأمل قول الله عز وجل:"يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين" [الأحزاب: 59] .
ومعنى ذلك أدنى ألا يعرفن فلا يؤذين على تقدير حذف (لا) النافية أو أن يكون المعنى: ذلك أدنى أن يعرفن بالستر والاحتشام فلا يتعرض لهن الفساق بالأذى.(15/336)
متى يكون السواك عند الوضوء
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/2/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
سمعت اليوم أحد الدعاة -جزاه الله خيراً- يتحدث عن فضل السواك، ومن ضمن ما حدثنا قال: إن معنى حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-:" لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء"، وقال إن السواك يكون بعد المضمضة، أو بعد غسل الفم، وليس بعد الانتهاء من الوضوء، هل هذا صحيح؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فقد اختلف أهل العلم في محل التسوك عند الوضوء، هل يكون قبل الوضوء (قبيل التسمية) أو يكون عند المضمضة؟ على قولين، وممن ذهب إلى القول الثاني أكثر الحنفية، ومنهم ابن عابدين في حاشيته (رد المحتار 1/233) ، وبعض الشافعية ومنهم ابن الصلاح، كما حكاه عنه الخطيب الشربيني في (مغني المحتاج 1/55) ، وبعض الحنابلة ومنهم البهوتي في (الروض المربع مع الحاشية 1/167) ، وبه أجاب سماحة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في مجموع الفتاوى له (11/115) ، ولم أر قولاً لأهل العلم -حسب اطلاعي- يرى بأنه يكون بعد الانتهاء من الوضوء، والله تعالى أعلم.(15/337)
بيع المسجد للمصلحة
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/11/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نحن القائمين على مركز إسلامي في ولاية (ماساشوشس الأمريكية) نتقدم إلى فضيلتكم بسؤال حول مسجد في مبنى صغير نؤدي فيه الصلوات والجمع منذ عشرين سنة ولم يعد هذا المبنى يسع حاجتنا وقد خططنا لبناء مسجد جديد في مكان آخر قريب من المسجد الأول سيكلفنا بناؤه ما نسدده في سنوات وذلك لارتفاع قيمة الأراضي والتصميم والبناء وسنعجز عن الإنفاق على المبنيين في نفس الوقت لأن المبنى الأول لا يمكن تركه بلا رعاية وهي مكلفة طبعا في هذا البلد، وأيضا فهناك أمر آخر وهو أنه في حال فتح المبنيين القريبين كمسجد أو كمصلى نخشى أن تحدث تفرقة وتشق الوحدة بأن تصير الجمعة جمعتين حيث هناك بوادر تنبئ بذلك وهذا أمر تعلمون خطره سيما في بلد غربة للإسلام، ونحن نعلم طبعا القول الرائج في الفقه الإسلامي بعدم جواز بيع المسجد وسؤالنا كالتالي:
أولاً: هل هناك استثناء عن القاعدة المتقررة -لدى أهل العلم-التي تقول بحرمة بيع مبنى المسجد؟
ثانيا: هل يفرق بين بلاد الإسلام وبين بلاد الكفر بهذا الخصوص؟
ثالثا: وإذا كان لا يجوز بحال من الأحوال بيع هذا المكان ونحن نعجز عن الإنفاق على صيانته ورعايته حسبما تتطلب قوانين البلدية فما هو واجبنا تجاهه؟
رابعا: وكيف نتفادى تحول المسجدين إلى جماعتين وهو احتمال قائم ولا شك؟
أفتونا مأجورين وجزاكم الله عنا وعن المسلمين كل خير.
الجواب
أشكركم على حرصكم على تعرف الحكم الشرعي، وعلى جمع كلمة المسلمين والبعد عما يسبب الفرقة، وبالنسبة لما ذكرتم فإن المصلحة الشرعية تتحقق بإذن الله بشكل أكبر في المسجد الجديد الذي تزمعون إنشاءه لأنه أكبر، ويجمع المسلمين في مدينتكم.
ولا حرج عليكم إن شاء الله في بيع المبنى القديم الذي خصصتموه للصلاة فيه سابقاً، وعليكم إنفاق ثمنه في تشييد المبنى الجديد للمسجد لا سيما وأن هذا -كما ذكرتم- سيمنع تفرق كلمة المسلمين، وبالله التوفيق.(15/338)
صوم المعتوه وفاقد الذاكرة ...
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/09/1425هـ
السؤال
هل يجب الصيام على فاقد الذاكرة والمعتوه والصبي والمجنون؟
الجواب
إن الله -سبحانه وتعالى- أوجب على المرء العبادات إذا كان أهلاً للوجوب بأن يكون ذا عقل يدرك به الأشياء، وأما من لا عقل له، فإنه لا تلزمه العبادات، وبهذا لا تلزم المجنون، ولا تلزم الصغير الذي لا يميز، وهذا من رحمة الله -سبحانه وتعالى-، ومثله المعتوه الذي أُصيب بعقله على وجه لم يبلغ حد الجنون.
ومثله أيضاً: الكبير الذي بلغ فقدان الذاكرة كما قال هذا السائل، فإنه لا يجب عليه صوم ولا صلاة ولا طهارة؛ لأن فاقد الذاكرة هو بمنزلة الصبي الذي لم يميز، فتسقط عنه التكاليف فلا يلزم بطهارة، ولا يلزم بصلاة، ولا يلزم أيضاً بصيام.
وأما الواجبات المالية، فإنها تجب في ماله وإن كان في هذه الحال، فالزكاة مثلاً يجب على من يتولى أمره أن يخرجها من مال هذا الرجل الذي بلغ هذا الحد؛ لأن وجوب الزكاة يتعلق بالمال كما قال الله -تعالى-:"خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" [التوبة:103] ، قال:"خذ من أموالهم" ولم يقل خذ منهم.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن:"أعلمهم أن الله فرض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم".
فقال:"صدقة في أموالهم" فبين أنها في المال وإن كانت تؤخذ من صاحب المال.
وعلى كل حال: الواجبات المالية لا تسقط عن شخص هذه حاله.
أما العبادات البدنية كالصلاة والطهارة والصوم؛ فإنها تسقط عن مثل هذا الرجل لأنه لا يعقل.
وأما من زال عقله بإغماء من مرض فإنه لا تجب عليه الصلاة على قول أكثر أهل العلم، فإذا أُغمي على المريض لمدة يوم أو يومين فلا قضاء عليه؛ لأنه ليس له عقل وليس كالنائم الذي قال فيه الرسول -عليه الصلاة والسلام-:"من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"؛ لأن النائم معه إدراك بمعنى أنه يستطيع أن يستيقظ إذا أوقظ وأما هذا المغمى عليه فإنه لا يستطيع أن يفيق إذا أوقظ هذا إذا كان الإغماء ليس بسبب منه.
أما إذا كان الإغماء بسبب منه كالذي أغمي عليه من البنج فإنه يقضي الصلاة التي مضت عليه وهو في حالة الغيبوبة.
[فتاوى الشيخ: محمد بن عثيمين -رحمه الله- (1/490-491) ] .(15/339)
إذا أكل الصائم ناسيا فهل ينبه؟
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 13/9/1423هـ
السؤال
إذا رؤي صائم يأكل أو يشرب في نهار رمضان ناسياً فهل يذكر أم لا؟
الجواب
من رأى صائماً يأكل أو يشرب في نهار رمضان فإنه يجب عليه أن يذكره لقوله - صلى الله عليه وسلم - حين سها في صلاته: "فإذا نسيت فذكروني"، والإنسان الناسي معذور لنسيانه، لأن الإنسان الذاكر الذي يعلم أن هذا الفعل مبطل لصومه ولم يدله عليه يكون مقصراً لأن هذا أخوه فيجب أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
والحاصل: أن من رأى صائماً يأكل أو يشرب في نهار رمضان ناسياً فإنه يذكره، وعلى الصائم أن يمتنع من الأكل فوراً.
ولا يجوز له أن يتمادى في أكله أو شربه، بل لو كان في فمه ماء أو شيء من طعام فإنه يجب عليه أن يلفظه، ولا يجوز له ابتلاعه بعد أن ذكر أو ذُكِّر أنه صائم.
وإنني بهذه المناسبة أود أن أبين أن المفطرات التي تفطر الصائم، لا تفطره في ثلاث حالات:
(1) إذا كان ناسياً (2) إذا كان جاهلاً. (3) وإذا كان غير قاصد.
فإذا نسي فأكل أو شرب فصومه تام لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه".
وإذا أكل أو شرب يظن أن الفجر لم يطلع أو يظن أن الشمس قد غربت ثم تبين أن الأمر خلاف ظنه فإن صومه صحيح لحديث أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: "أفطرنا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم غيم ثم طلعت الشمس، ولم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء".
ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به ولو أمرهم به، لنقل إلينا لأنه إذا أمرهم به صار من شريعة الله، وشريعة الله لابد أن تكون محفوظة بالغة إلى يوم القيامة.
وكذلك إذا لم يقصد فعل ما يفطر فإنه لا يفطر، كما لو تمضمض فنزل الماء إلى جوفه فإنه لا يفطر بذلك لأنه غير قاصد.
وكما لو احتلم وهو صائم فأنزل فإنه لا يفسد صومه لأنه نائم غير قاصد وقد قال الله - عز وجل -: "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ" [الأحزاب: 5] .
[الفتاوى لابن عثيمين كتاب الدعوة (1/164-166) ] .(15/340)
زكاة السيارة
المجيب د. حمد بن حماد الحماد
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم الزكاة في سيارة ملكي قمت بتخزينها لمدة سنة بدون استعمال؟ وإذا كانت فيها الزكاة فهل يكون تقدير مبلغ الزكاة بالثمن المشترى به، أو بثمنها الحالي في السوق؟
الجواب
السيارة التي قمت بتخزينها إن كان شراؤها للاستعمال فلا زكاة عليها حتى ولو لم تستعمل، وإن كان شراؤها للتجارة ومعدة للبيع فالزكاة على قيمتها وقت وجوب الزكاة، لا على ثمنها وقت شرائها، والله سبحانه وتعالى أعلم.(15/341)
هل رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه؟
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 13/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
أرجو منكم توضيح مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الإسراء والمعراج، والخلاف بين قول ابن عباس وعائشة، رضي الله عنهم، وهل رآه كفاحًا رأي العين؟ وما صحة حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم، تأخر عن الصحابة، رضي الله عنهم، في صلاة الفجر، فقال: "لقد رأيت ربي البارحة"؟ وما معنى: (ثم دنى فتدلى) ؟ أرجو إفادتي لأني في حيرة من هذا الأمر. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
القول الصحيح في المسألة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه تعالى ببصره في ليلة المعراج، وإنما رآه بفؤاده، وأنه لم يثبت عن واحد من الصحابة، رضي الله عنهم، القول بالرؤية البصرية، وأما الذين قالوا إنه رآه ببصره من أهل العلم فليس لهم مستند على ذلك إلا ما فهموه من الروايات المطلقة عن بعض الصحابة كابن عباس، رضي الله عنهما، وغيره.
أخرج البخاري (4855) ، ومسلم (177) واللفظ له، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ، ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ. قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ. قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِي وَلَا تَعْجَلِينِي، أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) . و: (لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) . فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ". فَقَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ؟ أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ... ) الحديث.
وفي رواية عند مسلم عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: فَأَيْنَ قَوْله: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) . قَالَتْ: إِنَّمَا ذَاكَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ، وَإِنَّهُ أَتَاهُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ فَسَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ.(15/342)
وأخرج مسلم (178) من حديث أَبِي ذَرٍّ، رضي الله عنه، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: "نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ؟ ".
وهذا حديث صريح في نفي الرؤية، بل هو أبلغ من النفي الصريح لمجيئه على صورة الاستفهام الإنكاري، لأن معناه: كيف أراه؟ وقد منعني من رؤيته النور؟ وهذا النور هو الحجاب الوارد في حديث أبي موسى، رضي الله عنه: "حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ". أخرجه مسلم (179) .
وقد جاء عن ابن عباس، رضي الله عنهما، وروايات مطلقة بإثبات الرؤية، وروايات مقيدة بأنه رآه بفؤاده. فتحمل الروايات المطلقة على الروايات المقيدة. ففي صحيح مسلم (176) أنه قال في قوله تعالى: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) . قَالَ: رَآهُ بِقَلْبِهِ.
وأخرج ابن أبي عاصم في السنة (192) ، والحاكم في المستدرك (2/509) ، وابن منده في الإيمان (2/761) عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم عليه السلام، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والألفاظ الثابتة عن ابن عباس، رضي الله عنهما، هي مطلقة أو مقيدة بالفؤاد.... ولم يثبت عن ابن عباس، رضي الله عنهما، لفظ صريح بأنه رآه بعينه) [ينظر: مجموع الفتاوى (6/509) ] .
وقال الحافظ ابن حجر: (الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة، رضي الله عنهم، بأن يحمل نفيها على رؤية البصر، وإثباته على رؤية القلب) [ينظر: فتح الباري (8/608) ] .
وأما قوله تعالى في سورة النجم: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) . فالمقصود هو دنو جبريل وتدليه، كما قالت عائشة وابن مسعود- رضي الله عنهما. انظر صحيح البخاري (4856،4855) ، صحيح مسلم (177،174) .
وهذا الذي يدل عليه سياق الآيات، قال تعالى: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) . فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى، وهو جبريل عليه السلام. [ينظر: شرح العقيدة الطحاوية (1/276) ] .(15/343)
أما حديث: "رَأَيْتُ رَبِّيَ البَارِحَةَ". فأخرجه الإمام أحمد في المسند (22109) قال: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ: حَدَّثَنَا جَهْضَمٌ، يَعْنِي الْيَمَامِيَّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، يَعْنِي ابْنَ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا زَيْدٌ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، وَهُوَ زَيْدُ بْنُ سَلَّامِ بْنِ أَبِي سَلَّامٍ نَسَبُهُ إِلَى جَدِّهِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَائِشٍ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، رضي الله عنه، قَالَ: احْتَبَسَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى قَرْنَ الشَّمْسِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيعًا فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ وَصَلَّى وَتَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: "كَمَا أَنْتُمْ عَلَى مَصَافِّكُمْ". ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْنَا فَقَالَ: "إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمْ الْغَدَاةَ، إِنِّي قُمْتُ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي، فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ، فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي يَا رَبِّ. قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي رَبِّ. فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ صَدْرِي، فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ، وَعَرَفْتُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الْكَفَّارَاتِ قَالَ: وَمَا الْكَفَّارَاتُ؟ قُلْتُ: نَقْلُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجُمُعَاتِ، وَجُلُوسٌ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْكَرِيهَاتِ. قَالَ: وَمَا الدَّرَجَاتُ؟ قُلْتُ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَلِينُ الْكَلَامِ، وَالصَّلَاةُ وَالنَّاسُ نِيَامٌ. قَالَ: سَلْ. قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ، فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ". وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا وَتَعَلَّمُوهَا".
وأخرجه الترمذي (3235) . وقال: "حديث حسن صحيح، وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن صحيح". وصححه الإمام أحمد كما في التهذيب (6 / 205) .
والرؤية المذكورة في الحديث رؤيا منام لا يقظة، وهذا ظاهر من قوله في الحديث: " فنعست في صلاتي حتى استثقلت.... ". وفي المسند: "حتى استيقظت".(15/344)
قال الحافظ ابن كثير- بعد أن أورد الحديث: (فهذا حديث المنام المشهور، ومن جعله يقظة فقد غلط) . وقد نقل القاضي عياض اتفاق العلماء على جواز رؤية الله في المنام وصحتها [ينظر: إكمال المعلم (7/220) ] .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحًا لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه ... ) [مجموع الفتاوى (3/390) ] .
وأما ما جاء في هذا الحديث من وصف النبي صلى الله عليه وسلم لربه، فهو حق يجب الإيمان به من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه، كما قال عز وجل عن نفسه: (لَيس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: من الآية11] .
قال الحافظ ابن رجب: (وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل، بما وصفه به، فكل ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم به ربه عز وجل فهو حقٌّ وصدقٌ يجب الإيمان والتصديق به، كأنما وصف الله عز وجل، به نفسه مع نفي التمثيل عنه، ومن أشكل عليه فهم شيء من ذلك واشتبه عليه فليقل كما مدح الله تعالى به الراسخين في العلم وأخبر عنهم أنهم يقولون عند المتشابه: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) . وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن: "ومَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَكِلُوهُ إِلَى عَالِمِهِ". أخرجه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما. ولا يتكلف ما لا علم له به فإنه يخشى عليه من ذلك الهلكة) .
وقد أفرد الحافظ ابن رجب، رحمه الله، شرح الحديث في كتاب مستقل، وهو: (اختيار الأوْلَى في شرح حديث الملأ الأعلى) . وهو كتاب نفيس توسع فيه ابن رجب في شرح الحديث، فيحسن الرجوع إليه. هذا، والله أعلم.(15/345)
الدليل على قيام المرأة وسط النساء إذا أمّتهن
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/06/1426هـ
السؤال
هل ثبت في دليل صحيح أن المرأة إذا أمّت النساء فإنها تقف وسطهن، ذكر البعض بأن ذلك من كلام الفقهاء بلا دليل. وهل ما فعلته عائشة -رضي الله عنها- من صلاتها في وسط الصف يعتبر دليلاً، أرجو منكم -حفظكم الله- الإجابة الشافية بالدليل. بارك الله في جهودكم وجزاكم خير الجزاء.
الجواب
الذي صح من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها أمَّت النساء، فقامت وسطهن. رواه الشافعي في مسنده، والدارقطني والبيهقي، ومثله روي عن أم سلمة -رضي الله عنها- بإسناد صحيح، وإذا صح هذا عن عائشة -رضي الله عنها- كان حجة ودليلاً على أن إمامة النساء تقوم وسطهن؛ لأن عائشة لا تفعل ذلك إلا بدليل، وقول الصحابي أو فعله إذا انتشر ولم يعرف له مخالف حجة على قول جمهور الأصوليين.(15/346)
بيع الوكيل وشراؤه لنفسه!
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/05/1427هـ
السؤال
أعمل في جهة حكومة في قسم المشتريات، ولدي محل لبيع قطع غيار السيارات، فهل يحق لي أن أشتري طلباتهم من محلي؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن السائل الذي يعمل في قسم المشتريات يعتبر وكيلاً للجهة الحكومية في الشراء، وقد اختلف العلماء في حكم بيع وشراء الوكيل من نفسه، فذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة إلى عدم جوازه لأنه تلحقه تهمة، وذهب المالكية إلى جوازه بشرط عدم المحاباة وهذا هو الأقرب للصواب، لأن المنع إنما شرع دفعاً للتهمة، وهذا منتف بعدم المحاباة، لا سيما وأن الجهة التي يعمل فيها السائل قد أذنت له بالشراء من متجره، لكن على السائل أن يبيع بسعر السوق، وأن يكون محل أمانة لما أؤتمن عليه. والله أعلم.(15/347)
صلاة المأمومين أمام الإمام في المسجد الحرام
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 13/10/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
أثناء فترة الحج لاحظت أن إمام المسجد الحرام يصلي في الشرفة ولا يقترب من الكعبة، وفي الأوقات الأخرى إذا لم يتقدم الإمام نحو الكعبة يتم عمل مساحة مثلثة بحيث لا يستطيع الناس الصلاة فيها، فلا يصلي أحد أمام الإمام، لكن أثناء موسم الحج فلو كان الحرم مزدحماً يصلي الناس بسهولة أمام الإمام.
وفي موسم الحج الماضي صليت صلاة العشاء في الصف العاشر، وكان الإمام خلفي تماماً وكنت أصلي أمامه بخط مستقيم تقريباً، والغريب أنه لم يكن هناك ازدحام، وقد تمكنت من تغيير وضعي بحيث لا أكون أمام الإمام مباشرة، لكن بالطبع صلى كثير من الناس أمام الإمام، لا أدري إذا كان هناك فتوى جديدة تسمح بهذه البدعة، والذي يظهر أنه تم اتخاذ الفعل المطلوب ثم صدرت الفتوى بتبريره، أرجو التوضيح.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فإن مسألة صلاة المأموم أمام الإمام من المسائل الخلافية أو الاجتهادية التي لا يعد المخالف فيها مبتدعاً، أو واقعاً في بدعة، خلافاً لما توهمه السائل، وبيان ذلك أن للعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
الأول: أن الصلاة لا تصح أمام الإمام مطلقاً، سواء كان لعذر أو لغير عذر، وهذا هو مذهب الحنفية، والشافعية -في الجديد- والحنابلة، كما في البحر الرائق (1/374) ، ومغني المحتاج (1/245) والإنصاف مع الشرح الكبير (4/418) .
الثاني: أن الصلاة تصح أمام الإمام -ولو لغير عذر- مع الكراهة وهذا هو المشهور في مذهب مالك، كما في الكافي لابن عبد البر (1/211-212) وهو القول القديم للشافعي، كما في مغني المحتاج (1/245) .
الثالث: أن الصلاة لا تصح أمام الإمام إلا لضرورة، إما لضيق المكان، أو لزحام ... ، فتصح الصلاة للعذر، والواجب يسقط بالعذر، ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه من القيام والقراءة واللباس الساتر للعورة، والطهارة ونحو ذلك، ودليل ذلك الآيات والأحاديث الدالة على رفع الحرج، وعلى التكليف بقدر الاستطاعة، كما في قوله تعالى:"لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ... " [البقرة:286] وقوله:"فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن:16] ، وحديث عمران بن حصين - رضي الله عنه-:"صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً ... " الحديث رقم (1117) في صحيح البخاري. وهذا القول هو رواية عن مالك -رحمه الله- كما في الكافي لابن عبد البر (1/211-212) وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (23/404-405) ، وما يقع في الحرم المكي في موسم الحج منزل على هذا القول؛ لأنه مظنة الزحام، والله تعالى أعلم.(15/348)
وصف النبي -صلى الله عليه وسلم-
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ فقه المناسبات/ربيع الأول
التاريخ 15/3/1425هـ
السؤال
ما هو وصف النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ وكيف كان يبدو حسب الأحاديث الصحيحة؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ورد في صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة حيث كان الصحابة -رضي الله عنهم- يصفون النبي -صلى الله عليه وسلم- فيذكر كل منهم ما استحضره من صفاته -صلى الله عليه وسلم-، ومن الأحاديث الجامعة في هذا ما يأتي:
1- ما أخرجه البخاري ح (3547) من طريق رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَصِفُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا آدَمَ لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلَا سَبْطٍ رَجِل، وقَوْله: "كَانَ رَبْعَة"أَيْ مَرْبُوعًا, وَالتَّأْنِيث بِاعْتِبَارِ النَّفْس, يُقَال رَجُل رَبْعَة وَامْرَأَة رَبْعَة, وَقَدْ فَسَّرَهُ، بِقَوْلِهِ: " لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِن وَلَا بِالْقَصِيرِ"، وِالطَّوِيلِ الْبَائِن: الْمُفْرِط فِي الطُّول مَعَ اِضْطِرَاب الْقَامَة، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث الْبَرَاء -رضي الله عنه- بَعْد قَلِيل أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مَرْبُوعًا " وَوَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة-رضي الله عنه-: " كَانَ رَبْعَة وَهُوَ إِلَى الطُّول أَقْرَب"، قَوْله: (أَزْهَر اللَّوْن) أَيْ أَبْيَض مُشَرَّب بِحُمْرَةِ, وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي حَدِيث أَنَس -رضي الله عنه- عِنْد مُسْلِم , وَعِنْد التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم مِنْ حَدِيث عَلِيّ قَالَ: " كَانَ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَبْيَض مُشَرَّبًا بَيَاضه بِحُمْرَةٍ"، قَوْله: (لَيْسَ بِأَبْيَض أَمْهَق) : الْمُرَاد أَنَّهُ لَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الشَّدِيد الْبَيَاض وَلَا بِالْآدَمِ الشَّدِيد الْأُدْمَة, وَإِنَّمَا يُخَالِط بَيَاضه الْحُمْرَة. قَوْله: " لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَط وَلَا سَبِط) , وَالْجُعُودَة فِي الشَّعْر: أَنْ لَا يَتَكَسَّر وَلا يَسْتَرْسِل، وَالسُّبُوطَة ضِدّه , فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ وَسَط بَيْنهمَا. وَوَقَعَ فِي حَدِيث عَلِيّ عِنْد التِّرْمِذِيّ: "وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَط, وَلَا بِالسَّبِطِ, كَانَ جَعْدًا رَجِلًا " وَقَوْله: رَجِل أَيْ مُتَسَرِّح , وَهُوَ مَرْفُوع عَلَى الِاسْتِئْنَاف,
أَيْ هُوَ رَجِل.(15/349)
2- وفي الصحيحين [البخاري ح (3551) ، ومسلم ح (2337) ] من حديث الْبَرَاءَ، قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-رَجُلًا مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ عَظِيمَ الْجُمَّةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَوْله: (بَعِيد مَا بَيْن الْمَنْكِبَيْنِ) أَيْ عَرِيض أَعْلَى الظَّهْر, وَوَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة -رضي الله عنه- عِنْد اِبْن سَعْد " رَحْب الصَّدْر"، قَوْله: (لَهُ شَعْر يَبْلُغ شَحْمَة أُذُنه) وفِي رِوَايَة " أُذُنَيْهِ"، بِالتَّثْنِيَةِ. وَفِي رِوَايَة أخرى: " تَكَاد جُمَّته تُصِيب شَحْمَة أُذُنَيْهِ". والْمُرَاد أَنَّ مُعْظَم شَعْره كَانَ عِنْد شَحْمَة أُذُنه، وَمَا اِسْتَرْسَلَ مِنْهُ مُتَّصِل إِلَى الْمَنْكِب. وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث أَنَس -رضي الله عنه- عِنْد مُسْلِم أَنَّ شَعْره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" كَانَ بَيْن أُذُنَيْهِ وَعَاتِقه " وَفِي حَدِيث حُمَيْدٍ عَنْه " إِلَى أَنْصَاف أُذُنَيْهِ"، وفي سنن أبي دَاوُدَ (3655) مِنْ حديث عَائِشَة -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ شَعْر رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوْق الْوَفْرَة وَدُون الْجُمَّة"، قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْجُمَّة أَكْثَر مِنْ الْوَفْرَة , فَالْجُمَّة الشَّعْر الَّذِي نَزَلَ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ , وَالْوَفْرَة مَا نَزَلَ إِلَى شَحْمَة الْأُذُنَيْنِ، وقيل إن اختلاف صفة الشعر لِاخْتِلَافِ الْأَوْقَات, فَإِذَا غَفَلَ عَنْ تَقْصِيرهَ بَلَغَ الْمَنْكِب, وَإِذَا قَصَّرَهَ كَانَ إِلَى أَنْصَاف الْأُذُنَيْنِ , فَكَانَ يَقَصرُ وَيَطَولُ بِحَسَبِ ذَلِكَ.
3- وفي الصحيحين البخاري (3549) ، ومسلم (2337) من حديث الْبَرَاءَ قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ"(15/350)
4- وفي الصحيحين البخاري (3561) ، ومسلم (2330) من حديث أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَلَا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرْفًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"واللفظ للبخاري، ولفظ مسلم: " قَالَ أَنَسٌ-رضي الله عنه-: مَا شَمَمْتُ عَنْبَرًا قَطُّ وَلَا مِسْكًا وَلَا شَيْئًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَا مَسِسْتُ شَيْئًا قَطُّ دِيبَاجًا وَلَا حَرِيرًا أَلْيَنَ مَسًّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"قَوْله: (وَلَا دِيبَاجًا) هُوَ مِنْ عَطْف الْخَاصّ عَلَى الْعَامّ, ِأَنَّ الدِّيبَاج نَوْع مِنْ الْحَرِير قَوْله: (أَلْيَن مِنْ كَفّ رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِيلَ هَذَا يُخَالِف مَا وَقَعَ فِي حَدِيث أَنَس " أَنَّهُ كَانَ ضَخْم الْيَدَيْنِ " وَالْجَمْع بَيْنهمَا أَنَّ الْمُرَاد اللِّين فِي الْجِلْد وَالْغِلَظ فِي الْعِظَام فَيَجْتَمِع لَهُ نُعُومَة الْبَدَن وَقُوَّته.
5- وفي الصحيحين البخاري ح (3556) ، ومسلم ح (2769) من حديث كَعْب
بْن مَالِكٍ -رضي الله عنه- يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ قَالَ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنْ السُّرُورِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ، قَوْله: (اِسْتَنَارَ وَجْهه كَأَنَّهُ قِطْعَة قَمَر) أَيْ الْمَوْضِع الَّذِي يَبِين فِيهِ السُّرُور, وَهُوَ جَبِينه, فَلِذَلِكَ قَالَ: "قِطْعَة قَمَر".(15/351)
6- وفي مسند الإمام أحمد ح (646) بإسناد حسن من حديث عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-ضَخْمَ الرَّأْسِ عَظِيمَ الْعَيْنَيْنِ هَدِبَ الْأَشْفَارِ مُشْرَبَ الْعَيْنِ بِحُمْرَةٍ كَثَّ اللِّحْيَةِ أَزْهَرَ اللَّوْنِ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صُعُدٍ وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، وقوله: هَدِبَ الْأَشْفَارِ: أي طويل شعر الأجفان، وقوله: " إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ " أي إذا مشى تمايل إلى قُدَّام، وقوله: " شَثْنَ " أي غليظ الكفين، هذه بعض أوصافه الخَلقية الكريمة عليه الصلاة والسلام، وقد لخص القاضي عياض -رحمه الله - ما جاء من صفات النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأحاديث فقال: " كان أزهر اللون، أدعج، أنجل، أشكل، أهدب الأشفار، أبلج، أقنى، أفلج، مدور الوجه، واسع الجبين، كث اللحية تملأ صدره، سَوَاءَ البطن والصدر، واسع الصدر، عظيم المنكبين، ضخم العظام، عَبْل العضدين والذراعين والأسافل، رَحب الكفين والقدمين، ... دقيق المسربة ربعة القد، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، ومع ذلك فلم يكن يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاله صلى الله عليه وسلم، رجل الشعر، إذا افْتَرَّ ضاحكاً افتر عن مثل سنا البرق، وعن مثل حب الغمام، إذا تكلم رُئي كالنور يخرج من ثناياه ... "الشفا بتعريف حقوق المصطفى (1/82-83) ، قوله: أَدْعَج، الدعج: شدة سواد العين مع سعتها، أَنْجَل: النجلة: سعة شق العين مع حسنها، أَشْكَل: الشكلة: حمرة يسيرة في بياض العين. أبلج: البلج: نقاء ما بين الحاجبين من الشعر، أزج: مقوس الحاجب مع طول امتداد، والأقنى: طول أنفه ودقة أرنبته مع حدب في وسطه، أفلج: الفلج: تباعد ما بين الثنايا، أو ما بين الأسنان، عبل: ضخم قوي، الأسافل: جمع أسفل، يريد رجليه، رحب: واسع، دقيق المسربة: المراد ليس بعريض ولا متكاثف الشعر، والمسربة: شعر مستطيل من الصدر للسرة، ربعة القد: القد بمعنى القامة، وربعة: معتدل أي مربوع القامة، عن مثل حب الغمام: هو البرد، أي مثله في بياضه ونقائه وصفائه.
هذا ومن أحب التوسع فليرجع إلى كتاب الشمائل للترمذي وشروحه، والبداية والنهاية لابن كثير، باب جامع لأحاديث متفرقة في صفة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وصحيح البخاري مع الفتح (6/563- 579) . هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(15/352)
تحويل المسجد إلى منزل
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 2/2/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: -وفقه الله-آمين.
عندنا سؤال وهو: أنه بني عندنا مسجد في منطقة بحرية، يسكنها مجموعة من الصيادين، حوالي سبعين صيادًا في فترة ثلاثة أشهر، فترة وجود الصيد؛ ولكن لأن المسجد بني في مكان مرتفع لذا لم يُصَلَّ فيه إلا فرضان فقط، وعمل الصيادون على إنشاء مصلى قريب من المسجد، وفي مكان منخفض يصلي فيه الصيادون الصلوات, وعليه فقد اقترح علينا شخص أن يبني المصلى الذي في المكان المنخفض ويجعله مسجداً على أن يأخذ المسجد الأول الذي بني في المكان المرتفع له يستخدمه كمنزل، ونحن إذ نتقدم إليكم بهذا السؤال نريد أن نعرف حكم الشرع في هذا العمل؟ وهل نقدم عليه؟ أرجو أن تقرن الفتوى مع دليل أو تعليل. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا تعطلت منافع الموقف كالمسجد جاز نقله أو بيعه واستبداله بموضع آخر، كما ذكر في السؤال أن مسجد الصيادين الموجود في المرتفع لا يصلى فيه تسعة أشهر من السنة لغياب الصيادين نظراً لتعذر الصيد هذه المدة؛ فهو مهجور لا يصلى فيه من الصلوات الخمس غير وقتين فقط، مما اضطر هؤلاء الصيادين أن يحددوا لهم مصلى في مكان منخفض، وعرض عليهم شخص أن يبني مصلاهم مسجداً مقابل أن يعطوه المسجد المهجور الذي في المرتفع.
ومما يظهر من السؤال أن هذا المسجد الذي في المرتفع قد تعطلت منافعه، والوقف إذا تعطلت منافعه جاز نقله إلى موقع آخر إن أمكن، وإلا جاز بيعه ووضع ثمنه في مسجد آخر، وعليه يجوز تمليك المسجد الذي تعطلت منافعه ببناء مسجد بديل له، وهذه المعاوضة نوع من البيع. والدليل على نقل المسجد والتصرف فيه للصالح العام إذا تعطلت منافعه ما ثبت عند الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- أنه كتب إلى واليه سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- لما بلغه أن بيت المال بالكوفة قد نقب (أي لغرض سرقته) أن أنقل المسجد الذي بالتمارين؟ (اسم موضع) واجعل بيت المال في قبلة المسجد فإنه لا يزال في المسجد مصل، وكان هذا بمشهد الصحابة - رضي الله عنهم-، ولم يخالف فيه أحد فصار إجماعاً انظر مجموع فتاوى ابن تيمية (30/405) ووجه الاستدلال أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- أمر بنقل المسجد من مكانه إلى جوار بيت المال لمصلحة بيت المال، وإن لم تتعذر منافع المسجد بالكلية، والمسجد المسؤول عنه أولى من هذا، لتعذر الانتفاع كلية وليعلم أن الفقه الحي هو ما يراعي المقاصد الشرعية ومآلات الأمور وليس من هذا الفقه الجمود وعدم النظر والاجتهاد، والأخذ برخص الله المباحة عند الرجل الثقة من العلم المأمور به، أما التشدد والعنف فكل الناس يحسنه، كما قال سفيان الثوري - رحمه الله- والخلاصة يجوز للرجل تملك موضع المسجد المقام في المرتفع لتعطل منافعه مقابل أن يبني بدلاً منه المسجد المصلى الذي في المنخفض، ويحسن أن يتم هذا بمعرفة القاضي لديكم. والله أعلم.(15/353)
التخلف عن صلاة الجماعة
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن المشعل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 8/9/1424هـ
السؤال
شباب عددهم تقريباً عشرة والمسجد عنهم ليس بالقريب ولا بالبعيد، هل صلاتهم في البيت تعتبر صلاة جماعة؟
ملاحظة: قد لا يصلي بعضهم لو لم يصلوا في البيت. والسلام.
الجواب
إذا كان المسجد بعيداً بحيث يشق الذهاب إليه ولا يسمع منه الأذان جاز لكم الصلاة جماعة في المنزل.
أما إذا كان الذهاب إلى المسجد متيسّراً فإنه يجب عليكم الصلاة مع الإمام الراتب، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - همَّ أن يحرق بيوت المتخلفين عن الصلاة معه في المسجد، مع أنهم ربما يصلون جماعة في بيوتهم، والله تعالى أعلم.(15/354)
هل هذا من النعي؟!
المجيب د. سعد بن ناصر الشثري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/11/1424هـ
السؤال
المقبرة عندنا فيها تلفون، فيأتي بعض الناس ويضعون أرقام جوالاتهم عند العامل الموجود فيها، حتى يخبرهم إذا كان هناك جنازة دون أن يكلمهم، بالنسبة لي أنا إمام مسجد، وإذا كان هناك جنازة يطلب مني بعض أولئك الشباب أن أخبر الناس بوجود الجنازة حتى يحضروها، هل في ذلك محظور شرعي؟ لأنني سمعت أن هذا من النياحة.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
فلا شك أن النياحة من المحرمات، فقد روى مسلم في صحيحه (67) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت"، والمراد بالنياحة رفع الصوت بتعداد محاسن الميت على جهة التحسر والتألم، ومن هنا فإن إخبار عامل المقبرة لبعض الناس بموت الميت بواسطة الهاتف لا يعد من النياحة، وكذلك إخبار إمام المسجد لبعض الناس ولو في المسجد بواسطة مكبر الصوت بموت شخص مع توضيح مكان الصلاة عليه وزمانها لا يعد من النياحة؛ لأنه لا يصدق عليه تعريف النياحة السابق، وقد ورد في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أخبر أصحابه - رضي الله عنهم- في المسجد بموت النجاشي وقال: "قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلم فصلوا عليه" انظر صحيح البخاري (1318، 1320) وصحيح مسلم (951، 952) ، وفي الصحيح أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم- وجد قبراً فسأل عنه فقيل: توفي البارحة فقال: "أفلا آذنتموني" انظر صحيح البخاري (1321) وصحيح مسلم (954) ، فدل ذلك على جواز الإخبار بوفاة الميت، ويماثل ذلك الاتصال بالهاتف الجوال، والإخبار عنه بمكبر الصوت، فلا يعد ذلك من النياحة المحرمة شرعاً. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد.(15/355)
صفة الصلاة على الجنازة
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم. أما بعد:
ماذا يقال بعد كل تكبيرة في صلاة الجنازة على الميت، سواء كان رجلاً أو امرأة؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - عن صفة الصلاة على الميت، فأجاب:
صفة الصلاة على الميت: يقف الإمام عند رأسه إن كان ذكراً سواءً كان صغيراً أم كبيراً يقف عند رأسه، ويكبر التكبيرة الأولى ثم يقرأ الفاتحة، وإن قرأ معها سورة قصيرة فلا بأس، بل قد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه من السنة.
ثم يكبر الثانية، فيصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
ثم يكبر الثالثة، ثم يدعو بما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنه: "اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته فتوفه على الإيمان. اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله" وغير ذلك مما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ثم يكبر الرابعة، قال بعض أهل العلم يقول بعدها: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
وإن كبر خامسة لا بأس؛ لأنه قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم-، بل إنه ينبغي أن يفعل ذلك أحياناً بأن يكبر خمساً؛ لثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم-، وما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم- ينبغي للمرء أن يفعله على الوجه الذي ورد، فيفعل هذا مرة وهذا مرة، وإن كان الأكثر أن التكبير أربع، ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه.
أما إذا كانت أنثى فإنه يقف عند وسطها، لا يقف عند رأسها، وصفة الصلاة عليها كصفة الصلاة على الرجل، وإذا اجتمع عدة جنائز فإنهم ينبغي أن يكونوا مرتبين، فيكون الذي يلي الإمام الرجال البالغون، ثم الأطفال الذكور، ثم النساء البالغات، ثم الجواري الصغار، هكذا بالترتيب، فعلى هذا يقدم الذكر -ولو كان صغيراً- على المرأة، بمعنى أنه يكون هو مما يلي الإمام، وأما رؤوسهم فيجعل رأس الذكر عند وسط المرأة، ليكون وقوف الإمام في المكان المشروع.
سئل فضيلة الشيخ - رحمه الله تعالى-: ما هي صفة الصلاة على الميت؟ وإذا كبر الإمام خمساً فماذا يقول بعد التكبيرة الرابعة؟(15/356)
فأجاب فضيلته بقوله: صفة الصلاة على الميت أن يوضع الميت بين يدي المصلي، ويقف الإمام عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة، ثم يكبر التكبيرة الأولى يقرأ فيها سورة الفاتحة، ثم الثانية يصلي فيها على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم الثالثة يدعو فيها للميت. والدعاء معروف في كتب أهل العلم: يدعو أولاً بالدعاء العام: "اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا.." إلخ، ثم بالدعاء الخاص الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وإن لم يتيسر له معرفة ذلك دعا بما يستحضره، المهم أن يخلص الدعاء للميت؛ لأنه في حاجة إلى ذلك، ثم يكبر الرابعة ويقف قليلاً، ثم يسلم، وذكر بعض أهل العلم أنه بعد الرابعة يقول: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، وإن كبر خامسة فلا بأس بل هو من السنة، فينبغي أن تفعل أحياناً حتى لا تخفى السنة، وفي هذه التكبيرة لا أعرف شيئاً ورد، ولكن إذا كان في نيته أن يكبر خمساً فليقسم الدعاء بين الرابعة والخامسة. والله أعلم.
[مجموع فتاوى ابن عثيمين (17/127-130) ] .(15/357)
تقدّم المأمومين على الإمام في الاصطفاف للصلاة
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 8/10/1424هـ
السؤال
هل تجوز الصلاة أمام الإمام إن كان المكان ضيقاً؟ خاصة يوم الجمعة، وقد انقسم الناس في مسجدنا إلى مؤيد ومعارض، واحتجَّ المؤيدون لجواز الصلاة أمام الإمام بالضرورة، وبحدوثها في الحرم المدني الشريف. نرجو أن تكون الإجابة بالأدلة، ومفصَّلة.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
أقول: إنه إذا لم يمكن المأموم أن يصلي خلف الإمام ولا عن يمينه، أو يساره لضيق المكان، أو لزحام، فإنه يجوز له أن يصلي أمام الإمام للضرورة، وهي عذر شرعي، يسقط به الواجب، لأن الواجبات تسقط بالعذر، ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه من القيام، والقراءة، واللباس، والطهارة، ونحو ذلك، وهذا قول في المسألة رجَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في مجموع الفتاوى (23/404-405) وهو رواية عن مالك - رحمه الله- كما في الكافي لابن عبد البر (1/211-212) ، ودليل سقوط الواجب بالعذر قوله تعالى: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ... "الآية، ونحوها من الآيات، وفي المسألة قولان آخران، وهما: قول بأنه تصح الصلاة قدام الإمام ولو لغير عذر، مع الكراهة، وهذا هو المشهور في مذهب مالك - رحمه الله- كما في الكافي لابن عبد البر (1/211-212) ، وهو القول القديم للشافعي كما في مغني المحتاج (1/245) .
وقول بأنه لا تصح الصلاة مطلقاً يعني: سواء كان لعذر أو لغير عذر، وهذا هو مذهب الحنفية، والشافعية، - في الجديد- وهو مذهب الحنابلة، كما في البحر الرائق
(1/374) ، ومغني المحتاج (1/245) ، والإنصاف مع الشرح الكبير (4/418-419) . فهذه ثلاثة أقوال في المسألة أرجحها هو القول الأول، وهو أن الصلاة تصح قدام الإمام لعذر - كما سبق تقريره- ولا تصح لغير عذر؛ لأنه لم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى بأصحابه - رضي الله عنهم- وهم أمامه، أو أحدهم، بل المنقول أنه صلى بهم وهم خلفه، كما في حديث أنس - رضي الله عنه- المتفق عليه، صحيح البخاري (871) ،ومسلم (660) وفيه، أنه قال: - صلى الله عليه وسلم- في بيت أم سليم - رضي الله عنها- فقمت ويتيم خلفه، وأم سليم خلفنا" وحديث مسلم (432) "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى.." الحديث والأدلة في هذا كثيرة. والله تعالى أعلم.(15/358)
زكاة مشاريع الدواجن
المجيب د. راشد بن أحمد العليوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 13/06/1426هـ
السؤال
لدينا مزرعة دواجن لإنتاج البيض، كما لدينا بيوت محمية لإنتاج بعض الخضراوات فهل في ما ذكرت زكاة؟ وإذا كان فيها زكاة فما مقدارها، وكيف أخرجها، من كامل المبيعات أم من صافي الأرباح؟.
الجواب
مشاريع الدواجن لإنتاج البيض ليس فيها زكاة، بل الزكاة على المبالغ النقدية إذا بيع البيض وبقيت هذه المبالغ النقدية حتى حال عليها الحول لدى مالكها.
وكذلك أيضاً لا زكاة على الخضراوات -على الصحيح- بل الزكاة في قيمتها إذا بيعت وحال عليها الحول وهي لدى مالكها، والله أعلم.(15/359)
هل يحس الميت بزائريه؟!
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/9/1426هـ
السؤال
ما الواجب عند زيارة الميت في المقبرة؟ وهل تجوز الصلاة عليه عند كل زيارة؟ وهل الميت يشعر بالزيارة ممن زاره؟ أو يحس بالبكاء ممن حوله؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
فتستحب زيارة القبور للرجال خاصة، ويكون القصد منها الاعتبار والدعاء للأموات والاستغفار لهم، فهذه هي الزيارة الشرعية، وإن كان القصد من الزيارة التبرك بالقبور والأضرحة، وطلب قضاء الحاجات، وتفريج الكربات من الموتى، فهذه زيارة شركية بدعية، وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على زيارة القبور من أجل الاتعاظ، ففي صحيح مسلم (976) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "زوروا القبور فإنها تذكر الموت". وعلَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته ماذا يقولون عند زيارة القبور، ففي صحيح مسلم (975) من حديث بريدة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائهلم: "السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية". وفيه أيضاً (974) من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلما كان ليلتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: "السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد".
ولا يصلى على الميت عند كل زيارة، لكن إذا كان الزائر لم يصل على الميت عند الصلاة عليه، فله أن يصلي عليه إذا لم تمض مدة طويلة على دفنه، وقد حددها بعض العلماء بشهر فما دونه، إذ هو أكثر ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى على قبر بعد الدفن، فقد ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى على أم سعد بعد موتها بشهر، أخرجه البيهقي في السنن (4/48) ، وقال: مرسل صحيح.
وصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- على القبر بعد الدفن ثابتة في الصحيحين، ففي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- على رجلٍ بعد ما دفن بليلة، قام هو وأصحابه وكان سأل عنه فقال: "من هذا؟ ". فقالوا: فلان دفن البارحة. فصلوا عليه. أخرجه البخاري (1340) ، ومسلم (954) .
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً أسود، أو امرأة سوداء، كان يقم المسجد فمات، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه، فقالوا: مات، قال: "أفلا كنتم آذنتموني به! دلوني على قبره، أو قال: قبرها"، فأتى قبرها فصلى عليها. أخرجه البخاري (458) ، ومسلم (956) .(15/360)
أما هل يشعر الميت بمن يزوره، فإن الله سبحانه وتعالى نفى في كتابه الكريم أن الموتى يسمعون، فقال سبحانه وتعالى: "وما أنت بمسمعٍ من في القبور" [فاطر:22] ، وقال عز وجل: "إنك لا تسمع الموتى" [النمل:80] ، وهذا هو الأصل أن الميت لا يسمع في قبره. ولكن توجد حالات يسمع فيها الميت، وقد ذهب طوائف كثيرة من السلف إلى أن الميت لا يسمع الكلام إلا إذا أعاد الله روحه إلى جسده، مثل ما حصل في قصة أصحاب القليب، حين خاطبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ومثل ما ورد أن الميت إذا أدخل في قبره سمع قرع نعال مشيعيه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فهذه النصوص وأمثالها تبين أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي، ولا يجب أن يكون السمع له دائماً بل قد يسمع في حال دون حال ... "، وورد في حديث -لكنه لا يثبت- أن الميت يعرف من يزوره، وهو حديث: "ما من عبد يمر على قبر رجل مسلم يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام"، قال ابن رجب: خرجه ابن عبد البر، وقال عبد الحق الإشبيلي: إسناده صحيح. يشير إلى أن رواته كلهم ثقات وهو كذلك، إلا أنه غريب بل منكر" [أهوال القبور ص (140) ] .(15/361)
أخذ آل البيت من الصدقة بعد تعطّل الخمس
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/09/1426هـ
السؤال
لما حرمت الصدقة على آل البيت عوضهم الله عنها بالخمس من بيت المال، وهم الآن لا يأخذون من ذلك شيئاً، وفي بعض أسرهم فقر مدقع، فهل يعطون من الصدقة، وهل تحل لهم؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ثبت في صحيح مسلم (167) عن عبد المطلب بن ربيعة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس". وفي رواية (168) : "وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد".
وقد اختلف أهل العلم في المراد بالصدقة المحرمة على آل البيت الشريف - هل هي صدقة الفرض (الزكاة) دون التطوع، أم هي صدقة الفرض والتطوع، أم هي صدقة التطوع دون الفرض؟ - على ثلاثة أقوال؛ أضعفها ثالثها، وأرجحها من حيث النظر: الأول، ومن حيث عموم الأثر: الثاني.
هذا كله فيما إذا كان يصرف لأهل البيت من خمس الغنيمة والفيء الواجب لهم في بيت المال.
أما إذا منعوا من الخمس لاستبداد الولاة به كما في عصور مضت، أو لم يوجد خمس كما هو الواقع الآن، فقد اختلف أهل العلم في جواز أخذهم للصدقة على قولين:
القول الأول: التحريم، وقد ذهب إليه الجمهور.
القول الثاني: الجواز؛ لأنه محل حاجة أو ضرورة، وممن قال بهذا من الحنابلة: القاضي يعقوب، وأبو البقاء، وأبو صالح، والآجري، ونصر الجيلي، وأبو طالب البصري، وشيخ الإسلام ابن تيمية، كما حكاه عنهم المرداوي في الإنصاف (7/289) ، ومن الشافعية: أبو سعيد الإصطخري، وأبو سعيد الهروي، ومحمد بن يحيى، كما حكاه عنهم النووي في الروضة (2/322) ، ومن المالكية: محمد بن مرزوق، كما في مواهب الجليل (2/345) ، حيث نقل الحطاب عن الونشريسي، عنه أنه قال: "والراجح عندي في هذا الزمان أن يعطى- يعني الفقير من آل البيت- وربما إعطاؤه أفضل من إعطاء غيره"أهـ.
بل هذا قول مروي عن أبي حنيفة -رحمه الله- رواه عنه أبو عصمة، كما في حاشية ابن عابدين (3/299) ، وعلل ذلك بقوله: "لأن عوضها -وهو خمس الخمس -لم يصل إليهم لإهمال الناس أمر الغنائم وإيصالها إلى مستحقيها"أهـ. ومن الحنفية من أطلق هذه الرواية عن أبي حنيفة، وأنه يقول بحل الصدقة لآل البيت بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- مطلقاً.
وبكل حال، فالأرجح من القولين، هو الثاني منهما، وهو من ارتكاب أخف الضررين، وأدنى المفسدتين، والله تعالى أعلم.(15/362)
مصلى المدرسة هل يأخذ أحكام المسجد؟
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/06/1426هـ
السؤال
هل المكان الذي أُعدَّ للصلاة فيه في المدرسة يُعدُّ مسجداً تصلى فيه تحية المسجد، حتى لو كان وقت نهي، أم أنه مصلى لا تصلى فيه تحية المسجد؟ وماذا علي لو رأيت أحدهم يصلي، أأنهاه أم أتركه؟ خاصة وأن بعض المعلمين في المدرسة يصلون، والبعض الآخر على النقيض من ذلك (هل هي مسألة مختلف فيها؟) بارك الله فيكم، ووفقكم لما يحب ويرضى.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
فالمصلى الذي لم يتخذ مسجداً على سبيل الدوام، وإنما اتخذ للصلاة ليس على سبيل الدوام وإنما على سبيل التأقيت، وقد يُغير في يوم من الأيام، فإن هذا ليس مسجداً يأخذ أحكام المسجد، وعلى هذا فلا تصلى فيه تحية المسجد وقت النهي، وإذا صلاها أحد في وقت النهي فإنه ينهى عن ذلك؛ لأنها أصبحت من التطوع المطلق، وليست من ذوات الأسباب، والتطوع المطلق لا يفعل في أوقات النهي، لحديث أبي سعيد- رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس" رواه البخاري (1864) ، ومسلم (827) . والله أعلم.(15/363)
هل تُقتل جميع الوزغات لأجل وزغٍ نفخ على إبراهيم عليه السلام؟
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم
قرأت فتوى عن قتل الوزغ، وفيها جاء المفتي بتعليل غريب يبرر قتل الوزغ، وهو أنه كان ينفخ في النار التي أعدت لحرق نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وهذه الفتوى تشعرني بالإحباط؛ لأنها تجعل الإسلام يبدو بربرياً ومستهجناً في عيون الكفار، ومثل هذه الفتاوى لا تخدم الدعوة إلى الإسلام. فالوزغ حيوان صغير لا يؤثر في نفخ النار، وحتى لو صح ذلك: فلماذا يقتل كل وزغ في الأرض، كما قد يقال بأنه يجب قتل كل الناس بسبب قتل شخص لآخر؟ أرجو التوضيح.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
فإن الأمر بقتل الوزغ لا يختلف عن الأمر بقتل العقرب والحية والفأرة والكلب العقور، وهو الكلب المفترس الذي يعدو على الناس. وقد صح الحديث بالأمر بقتل الفواسق الخمس في الحل والحرم، وهي الحية والعقرب والكلب العقور والفأرة والحدأة ـ وهي طائر من الجوارح ـ صحيح البخاري (3314) وصحيح مسلم (1198) .
فالأمر بقتل الوزغ هو للعلة نفسها التي أمر لأجلها أمر بقتل الفواسق الخمس وهي الإيذاء انظر صحيح مسلم (2338) ، فكل مؤذٍ يشرع قتله، فليس قتل الوزغ لأجل أنه كان ينفخ على إبراهيم -عليه السلام- في النار فحسب، بل أمر بقتله لأنه مؤذٍ فهو سامّ، ولذا تسميه العرب سامّ أبرص، والإخبار بأنه كان ينفخ بالنار على إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- بيان لخبثه وعظم إيذائه، فجنسه خبيث.
وأما الجواب عن قول السائل: ما ذنب الوزغ في عصرنا حتى تؤخذ جميع الوزغات بجريرة وزغة كانت تنفخ في النار على إبراهيم عليه الصلاة والسلام؟ فإن قتلها ليس لأجل جريرة واحد منها في عهد غابر، وإنما لأجل أنها مؤذية بطبعها تفسد الطعام وتسم الإنسان، فاقتضى ذلك قتلها، وما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- من كون الوزغ ينفخ بالنار على إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- كاشف عن خبث طبيعة هذه الدويبة. انظر صحيح البخاري (3359) . والله أعلم.(15/364)
تعزية الكفار
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
1- سؤالي هو: ما حكم الترحم على أهل الكتاب، كالترحم على البابا مثلا؟ وهل تجوز تعزية أهله؟.
الجواب
لا يشرع الترحم على غير أهل القبلة (المسلمين) ، لكن لا بأس بتعزية الكافر في ميته (إذا كان في ذلك مصلحة شرعية بأن يقول: جبر الله مصيبتك، أو أحسن لك الخلف بخير، وما يشبه ذلك من الكلام الطيب) .
لكن لا يترحم عليه، ولا يقول: غفر الله له، ولا: رحمه الله، فلا يدعو للميت، لكن يدعو للحي بالهداية ونحو ذلك.(15/365)
الصلاة في محل العمل
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/11/1424هـ
السؤال
أنا موظف في أحد المستشفيات وأعمل في إدارة النقل، فقد جرت العادة منذ زمن على أن نؤدي الصلاة في القسم؛ لأننا قسم خدمي على مدار الأربع والعشرين ساعة، وحيث إن وظيفتي في السابق مراقب حركة عام"رئيس وردية"، مسئول عن توزيع السائقين واستقبال الاتصالات من الإدارات الأخرى، وأيضا مسئولون عن سيارات الإسعاف التي لدينا، فلهذا يجب أن نصلي في الإدارة، ولكني الآن سكرتير القسم - ولله الحمد - فهل يجوز الصلاة في القسم والمسجد يبعد عنا بحوالي 200 إلى 300 متر، مع العلم أني أصلي بجماعة الإدارة في صلاة الظهر، وإذا تواجد المدير في صلاة العصر تقدم هو، وأنا شاب مستقيم منذ سنة ونصف، فهل تجوز الصلاة في القسم لي؟ وإذا كانت جائزة ما حكم الصلاة خلف المسبل والحليق؛ لأن المدير كذلك؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأصل الصلاة في المساجد، ولهذا بنيت، وقال علي - رضي الله عنه-: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، وفي حديث أبي موسى - رضي الله عنه-: "من سمع النداء فلم يجب، فلا صلاة له إلا من عذر" الترمذي (217) وابن ماجة (793) ، وقال النبي - عليه الصلاة والسلام لابن أم مكتوم -رضي الله عنه-: "أتسمع النداء؟ " قال: نعم، قال: "أجب" مسلم (653) ، هذا هو الأصل أن يصلي الإنسان في المسجد، ولا يصلي في بيته ولا يصلي في مقر عمله، لكن إذا كانت الصلاة في مقر العمل ضرورة، أو تترتب عليها مصلحة بحيث إن الموظفين إذا خرجوا إلى المسجد سيكون هناك تسيب لهؤلاء الموظفين، أو ضياع لمصلحة الدائرة، أو ضياع لممتلكات وأمانات الدائرة، أو تترتب على ذلك مفسدة فإن هذه المفسدة تراعى، أو أن بعض الموظفين لا يصلي فإن ذلك يراعى، وحينئذ يصلى في الدائرة، أما إذا لم يكن شيئاً من ذلك وكان بإمكان الموظف أن يرجع، وليست هناك مفسدة مترتبة فالأصل الصلاة في المسجد.(15/366)
هل شراء العروض بالنقود يقطع الحول؟
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/11/1426هـ
السؤال
1- هل أخرج زكاة على أرض اشتريتها منذ عامين لم أنو من شرائها المتاجرة وإنما شيئاً يستفيد منه أبنائي بعد موتي. وإن وجب فكيف أحسب مقدار الزكاة عليها، بسعر الشراء أم بسعر السوق التقديري وقت الحول؟
2- أرض أخرى اشتريتها منذ عدة أشهر بنية البيع حالما يرتفع سعرها, لم تتم الحول بعد, ولكن المبلغ الذي اشتريتها به سوف يتم الحول أول رمضان (تاريخ إخراجي الزكاة كل عام) هل أخرج زكاتها مع زكاة النقود؟
3- هل يجوز أن أعطي أخي جزءاً من زكاة مالي تعينه على علاج ابنته المصابة بالسرطان؛ حيث إن تكاليف علاجها باهظة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
1-2: الأرض الأولى لا تجب فيها الزكاة، لأنك لم ترد بها التجارة، وتجب الزكاة في الأرض الأخرى؛ لأنك تريدها للربح، وحولها يبدأ من حول النقود، فتخرج زكاتها مع زكاة النقود، ومن المتقرر أن المسلم إذا كان عنده نقود ثم اشترى بها عروضاً للتجارة فإن الحول لا ينقطع، بل يستمر وتكون بدايته من بداية حول النقود، فلو كان عنده نقود يبدأ حولها في رمضان واشترى بهذه النقود عروض تجارة في محرم فإنه يخرج زكاة هذه العروض في رمضان.
3: يجوز أن تعطي أخاك جزءاً من زكاة مالك أو جميع زكاة مالك إذا كان من أهل الزكاة، بمعنى أن يكون فقيراً أو مسكيناً أو غارماً، ودخله لا يكفيه لعلاج ابنته أو غير ذلك من النفقات، بشرط ألا تكون نفقته واجبة عليك، وتجب نفقته عليك:
أ- إذا كنت غنياً قادراً على النفقة عليه.
ب- إذا كان فقيراً غير قادر على النفقة على نفسه وعلى من يعول بحسب المستوى الاجتماعي الذي يعيش فيه.
ج- إذا كنت وارثاً له، أي ليس هناك من يحجبك من إرثه كالابن والأب، فإذا توفرت هذه الشروط وجبت نفقته عليك، وإذا وجبت نفقته عليك لم يجز دفع زكاتك إليه؛ لأنك توظِّف واجباً لسد واجب آخر وتقي مالك بزكاتك.
وأما إذا لم تكن نفقته واجبة عليك حسب ما تقدم. فيجوز دفع زكاتك إليه، وتكون لك حسنتان: صدقة وصلة. والله تعالى أعلم.(15/367)
الإفتاء بالأيسر من الأقوال
المجيب د. محمد بن حسين الجيزاني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/11/1426هـ
السؤال
سؤالي عن الفتوى بالأيسر، هل تجوز؟ وإن كانت لا تجوز فهل نحكم على من يلتزم بها بأنه مبتدع؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالفتوى بالأيسر تجوز بشرط ألا يكون القول معارضاً لدليل شرعي صحيح، وأن تكون هذه الفتوى موافقة لمقاصد الشريعة. وهذه الفتوى لو التزمها المفتي فإنها لا تدخل في باب الابتداع.
أما من يلتزم بالفتوى بالأيسر دون مراعاة لما مضى من الشروط فإن ذلك يعد من الابتداع في الدين، ووجه دخوله في البدعة أن الالتزام بالأيسر دون مراعاة شروطه يعتبر من قبيل الإفتاء في دين الله بغير علم، وتقديم العقل على الشرع.
قال الشاطبي: "فكل من اعتمد على تقليد قول غير محقق، أو رجح بغير معنى معتبر فقد خلع الربقة واستند إلى غير شرع عافانا الله من ذلك بفضله. فهذه الطريقة في الفتيا من جملة البدع والمحدثات في دين الله تعالى، كما أن تحكيم العقل على الدين مطلقاً محدث". الاعتصام (2/179) .
وهذا ما بيَّنه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رءوسًا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" أخرجه البخاري (100) ، ومسلم (2673) .
والواجب المحتم على كل مسلم أن يقوم في نفسه بدين الله، ثم في من هو تحت يده، وأن يجتهد في الامتثال بالإسلام وبثه والدعوة إليه، والإنكار على أعداء الإسلام ومجاهدتهم بحسب القدرة والطاقة. والله أعلم.(15/368)
تقبيل اليد
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/12/1426هـ
السؤال
أرجو من فضيلتكم توضيح أقوال العلماء في حكم تقبيل اليد في المصافحة بين الرجل والرجل، مع ذكر القول الراجح.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذه المسألة مما اختلف فيها العلماء، وقد تكلم عنها الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في شرحه على حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- في البخاري بشرحه الفتح رقم (6265) (11/56-57) باب الأخذ باليد فقال مانصه: [قال ابن بطال: الأخذ باليد هو مبالغة المصافحة، وذلك مستحب عند العلماء، وإنما اختلفوا في تقبيل اليد فأنكره مالك وأنكر ما روي فيه، وأجازه آخرون واحتجوا بما روي عن عمر أنهم لما رجعوا من الغزو حيث فروا قالوا: نحن الفرارون، فقال: بل أنتم العكارون أنا فئة المؤمنين. قال: فقبلنا يده، قال: وقبل أبو لبابة وكعب بن مالك وصاحباه يد النبي -صلى الله عليه وسلم- حين تاب الله عليهم. ذكره الأبهري، وقبل أبو عبيدة يد عمر حين قدم، وقبل زيد بن ثابت يد ابن عباس حين أخذ ابن عباس بركابه، قال الأبهري: وإنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبر والتعظم، وأما إذا كانت على وجه القربة إلى الله لدينه أو لعلمه أو لشرفه فإن ذلك جائز] .
وقال النووي: تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه أو صيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يكره بل يستحب، فإن كان لغناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا فمكروه شديد الكراهة) انظر فيض القدير (6/11) .
وانظر للمزيد في هذه المسألة عون المعبود (14/90) ، وتحفة الأحوذي (7/437) ، والله أعلم.(15/369)
هل مكة معصومة من الزلازل؟!
المجيب د. محمد بن إبراهيم دودح
باحث علمي في هيئة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/01/1427هـ
السؤال
السلام عليكم
هل يوجد سبب علمي لما حدث في مكة المكرمة من هزَّة أرضية في شهر شعبان من عام 1426هـ، وهل هي زلزال؟ وهل مكة معصومة من الزلازل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولا: تعريف الزلازل وبيان مخاطرها:
الزلازل (Earthquakes) عبارة عن اهتزازات تحدث في قشرة الأرض بسبب انكسار وزحزحة مفاجئة لقطاعات عريضة من ألواح القشرة الصخرية الصلبة للأرض، لأنها في الحقيقة غير متصلة وإنما هي قطع متجاورات, وهو من أعظم الأحداث ذات القوة الهائلة التي تُصيب العمران ولها نتائج مرعبة, وقد يطلق زلزال عنيف كميات من الطاقة تعادل مائة ألف مرة قدر ما أطلقته القنبلة الذرية التي أطلقتها الحكومة الأمريكية فحصدت سكان مدينة هيروشيما، ولم تميز بين أطفال وعجائز رجالاً ونساء, وقد تؤدي حركات الصخور أثناء الزلزال إلى تغيير مجاري الأنهار, كما يمكن أن يؤدي الزلزال إلى حدوث انزلاقات تؤدي بدورها إلى خراب كبير وفقدان أرواح.
وتسبِّب الزلازل الكبيرة التي تقع تحت مياه المحيط نشوء سلاسل من أمواج بحرية عظيمة مدمرة تغرق السواحل, ولا تقتل الزلازل الناس غالبًا مباشرة، بل إن كثيرًا من الوفيات والإصابات أثناء الزلازل تنتج عن سقوط الأجسام وعن انهيارات المباني، ويعتبر اشتعال النيران من جراء تحطم خطوط الغاز والكهرباء خطرًا رئيسًا آخر.
وتتوقف قوة الزلازل على مقدار تكسر الصخور ومقدار زحزحتها، وبمقدور الزلازل القوية هز الأرض الصلبة بعنف إلى مسافات شاسعة، بينما اهتزاز الأرض نتيجة زلزال صغير قد لا يتعدى الاهتزاز الذي يسببه مرور شاحنة كبيرة, ويقع في العموم زلزال قوي مرة واحدة كل سنتين بالتقريب, ويقع على الأقل كل عام حوالي أربعين زلزالاً متوسط القوة يحدث دمارًا في أماكن مختلفة من العالم, كما يقع كل عام نحو من أربعين إلى خمسين ألف زلزال صغير يمكن الإحساس بحدوثها دون أن تؤدي إلى دمار واسع.(15/370)
وتحدث الزلازل عندما تنكسر الصخور وتتزحزح مطلقة كمية كبيرة من الطاقة في شكل ذبذبات تسمى الموجات السيزمية, وتسمى النقطة داخل الأرض التي تنكسر فيها الصخور أولاً البؤرة, وتسمى النقطة المقابلة من سطح الأرض التي تقع مباشرة فوق بؤرة الزلزال السطحية, وتقع معظم الزلازل على طول امتداد الصدوع، والصدع كسْر يحدث في صخور قشرة الأرض الخارجية، يحدث حينما تنزلق قطاعات صخرية الواحدة عبر الأخرى بصورة متكررة. وتكون الصدوع في مناطق ضعف صخور الأرض، ومعظمها تحت سطح الأرض، ولكن بعضها كصدع (سان أندرياس) في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية يشاهد فوق سطح الأرض, ويؤدي الإجهاد المطبق على الأرض إلى التواء الكتل الصخرية على طول امتداد الصدع, وعندما يبلغ التواء الصخر حده الأقصى فإن الصخر يتكسر وينهار متجزئًا إلى وضع جديد، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى اهتزاز زلزالي, وتبدأ الزلازل عادة عميقة تحت سطح الأرض, وتقع بؤرة معظم الزلازل على عمق أقل من (70 كم) تحت سطح الأرض, ويحس الناس عادة بالاهتزاز الأكبر للأرض بالقرب من بؤرة الزلزال السطحية, ويؤدي اهتزاز الأرض إلى ترنح الأبنية من جانب لآخر، كما يؤدي إلى ارتفاعها وانخفاضها فجأة وإلى تحركها بعنف، وقد تنزلق من فوق قواعدها وتنهار أو ترجف وتتشقق.
ثانيا: قياس الزلازل:
قد يكون مقياس (ريختر) من أحسن ما يستعمل لقياس شدة الزلازل, وقد طوّره (تشارلز ريختر) عام 1935م ويقيس مقياس ريختر حركة الأرض التي يسببها الزلزال, وتعني كل زيادة بمقدار رقم واحد (تدريج واحد) على مقياس القدر الزلزالي هذا أن الطاقة التي يطلقها زلزال تبلغ (32) ضعفًا, مثال ذلك أن زلزالاً ذا قدر زلزالي مقداره سبع درجات -يطلق (32) ضعفًا من الطاقة التي يطلقها زلزالٌ ذو قَدْر زلزالي مقداره ست درجات, وزلزال مقداره أقل من 2 يعتبر زلزالا خفيفًا إلى درجة أن الإحساس به لا يحصل إلا على مؤشرات الزلازل فقط, كما أن زلزالاً ذا قَدْر زلزالي بلغ سبع درجات يمكن أن يدمر عددًا كبيرًا من المباني, ويزداد قدر الزلازل بعشرة أضعاف عند كل نقصان رقم واحد (تدريج واحد) في مقياس ريختر للقدر الزلزالي. فمثلاً عدد الزلازل ذات القدر الزلزالي ست تعادل عشرة أضعاف عدد الزلازل ذات القدر الزلزالي 7.
ثالثا: تباين شدة الزلازل تبعا للمكان:(15/371)
يفسر التصور المؤيد بالشواهد باسم حركة الصفائح القارية (Tectonic Plate) سبب وقوع الزلازل, وحسب هذا التصور فإن قشرة الأرض الخارجية تتألف من حوالي عشر صفائح كبيرة صلبة، وحوالي عشرين أصغر حجمًا, وتتألف كل صفيحة من قطاع من قشرة الأرض وجزء من وشاح الأرض, والأخير هو طبقة سميكة من صهير صخري حار يقع تحت قشرة الأرض, ويطلق العلماء على هذه الطبقة من قشرة الأرض مع الجزء العلوي من الوشاح اسم الغلاف الصخري, وتتحرك الصفائح حركة دائبة بطيئة فوق نطاق الانسياب، وهو طبقة من الصهير الصخري توجد في الوشاح, ولدى تحرك الصفائح فإنها قد تتصادم مع بعضها بعضًا، أو أنها قد تتباعد بعضها عن بعض، أو أنها قد تنزلق إحداها فوق الأخرى. وتؤدي حركة الصفائح إلى إجهاد الصخور على حدود التقاء الصفائح بعضها ببعض، وتشكيل نطاق صدوع حول حدود الصفائح هذه, قد تحْشر الصخور في مكان ما على طول امتداد بعض الصدوع، بحيث لا تستطيع الانزلاق عند تحرك الصفائح، وهكذا يتولد جهد في الصخور الواقعة على جانبي الصدع يؤدي إلى زحزحتها فجأة فتسبب الزلزال, وتقع معظم الزلازل في نطق الصدوع على حدود الصفائح على طول ما يسمى بخط النار لانتشار البراكين, وتعرف مثل هذه الزلازل بالزلازل بين الصفائح، كما تقع بعضها في داخل جسم الصفيحة ذاتها، وتسمى في هذه الحال الزلازل داخل الصفيحة, وأحد أعظم الصدوع شهرة هو صدع (سان أندرياس) حيث تتكرر الانزلاقات لتحرك صفيحة المحيط الهادئ فوق صفيحة أمريكا الشمالية, ويجعل صدع (سان أندرياس) والصدوع المصاحبة له غرب الولايات المتحدة الأمريكية منطقة كوارث متكررة. (الموسوعة العربية العالمية) .
رابعا: اكتشاف خصوصية جيولوجية لمكة المكرمة:(15/372)
مكة المكرمة أشهر مدن العالم الإسلامي، تهفو إليها قلوب المسلمين جميعًا من شتى بقاع الأرض وبها المقدسات الإسلامية: المسجد الحرام والكعبة المشرفة ومنى ومزدلفة وعرفات, خصها الله بالتكريم عبر مختلف العصور، وأقسم بها في كتابه في قوله تعالى: "لا أقسمُ بهذا البلد وأنت حِل بهذا البلد ووالدٍ وما ولد" [البلد 1-3] ، وهي مسقط رأس الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- ومبعثه، بها نزل الوحي الأمين، ومنها انتشر نور الحق يبدد دياجير الكفر في كل مكان, ويقصدها ملايين الحجاج كل عام لأداء فريضة الحج، فضلاً عن الزوار والمعتمرين من مختلف أرجاء العالم الإسلامي, وفي أرض مكة وبطاحها كان جهاد المسلمين الأوائل في مواجهة الشرك والضلال وعبادة الأصنام, وعلى أرضها كان تحقيق وعد الله لرسوله وللمؤمنين يوم دخلوها في العام الثامن للهجرة ظافرين منتصرين. وقد ارتبط ظهور مكة تاريخيًا بوظيفتها الدينية، وازداد نفوذها تدريجيًا؛ فأصبحت مركزًا للمعمورة المحيطة بها ومحطة تجارية بين الشمال والجنوب, وأشار المؤرخ اليوناني (بطليموس) إليها في القرن الثاني الميلادي باسم (ماركوابا) أي بيت الرب, وهي إشارة لها دلالتها، خاصة عندما نعلم أن الكتب المعتبرة عند الكنيسة قد ذكرتها تحت اسم بكة (Baca) بصفتها بيت الله في وادي جاف موضع الحجيج، حيث البئر ليشربوا والجبل ليتعبدوا، وهو ما يوافق علاماتها حتى اليوم, وهو نفس الاسم المذكور في القرآن الكريم في قوله تعالى: "إِنّ أَوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لّلْعَالَمِينَ" [آل عمران:96] . ويحيط بمكة من جهات ثلاث جبال ذات شعاب أغنت على مر العصور عن بناء سور لحمايتها, ويحتضن مكة وادي إبراهيم الذي ينحصر بين سلسلتي جبال متقاربة من مختلف الجهات, فالسلسلة الشمالية تتألف من جبل الفلق وجبل قعيقعان, والسلسلة الجنوبية تتألف من جبل أبي جديدة غربًا وجبل كُدي جنوبًا، ثم جبل أبي قبيس في الجنوب الشرقي، ثم جبل خندمة.
وترتفع مكة المكرمة عن سطح البحر بأكثر من 300م, وتقع عند ملتقى دائرة عرض (2 َ 22) ° شمالاً مع خط طول (8 َ 39) ° وملتقى (2َ1 28) ° عرضًا مع (3َ7 54) ° من الطول الشرقي، ويعد موقعها هذا من أكثر التكوينات الجيولوجية حصانة؛ نتيجة لوجودها بسلسلة جبلية, وفضلا عن وسطية مكة للمعمورة فإنها تقع وسط جزيرة العرب، ولا يقطعها خط النار، حيث تكون الزلازل أعنف شدة وأكثر عددًا، وإنما يمر بعيدا عنها.
خامسا: مكة المكرمة محمية، لكنها غير معصومة:(15/373)
نادرًا جدًّا ما تقع زلازل يذكرها التاريخ لمكة المكرمة؛ نتيجة لموقعها الفريد ضمن سلسلة جبال غرب جزيرة العرب وسط لوح شبه الجزيرة بعيدا عن خط النار الذي يقطع إيران شرقا، والبحر الأحمر غربا، وجبال زاغروس شمالا، وبحر العرب جنوبا, والمعلوم أن الزلازل داخل الصفائح ليست شائعة ولا كبيرة كتلك الزلازل التي تقع على طول حدود الصفائح, وأكبر هذه الزلازل يكون أصغر مائة مرة من الزلازل بين الصفائح الكبيرة, وتميل الزلازل داخل الصفيحة إلى الوقوع في المناطق الضعيفة الهشة داخل الصفيحة, ويعتقد العلماء أن الزلازل داخل الصفيحة تنتج عن إجهاد يطبق على الصفيحة من جراء تغيرات الحرارة والضغط داخل الصخور التحتية، كما قد يكون مصدر الإجهاد موجودًا على حدود صفيحة قارية بعيدة, ونتيجة لخصوصية مكة المكرمة -جيولوجيًّا- لا يكاد التاريخ المكتوب أن يسجل وقوع زلازل ذات آثار مدمرة في منطقتها, وليس في الكتاب والسنة دليل على أن مكة على خصوصيتها وعظيم قدرها معصومة من الزلازل أو غيرها من الكوارث.
وأما ما حدث مساء الأحد وصبيحة الاثنين (7و8 شعبان 1426هـ) فقد شعر الأهالي بهزات مكتومة، ولكن مركز الدراسات الزلزالية لم يسجل هزات بالمنطقة، بينما أعلنت هيئة المساحة الجيولوجية وقوع هزة قريبة بقوة (3.7) بمقياس ريختر الساعة الثانية صباح الاثنين (الصحف السعودية صبيحة الواقعة)
فإما أن يكون أثر الزلزال القريب، أو تفجير اصطناعي نتيجة أعمال التعمير, والله تعالى أعلم.(15/374)
مدة السفر الذي يجوز فيه القصر والجمع
المجيب أحمد بن حسن المعلم
رئيس مجلس علماء أهل السنة بحضرموت
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/11/1426هـ
السؤال
هل هناك مدة للقصر والجمع في السفر
1- مسافر وصل المسجد بعد صلاة المغرب، وأراد أن يجمع ويقصر الصلاة، فأي صلاة يبدأ بها؟
2- إذا أتيت مسجداً وأنت في سفر، وأردت القصر والجمع، ولكن الإمام الراتب لم يصلي بعد، فماذا عليك أن تفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمن كان سائراً مسافراً فله الجمع والقصر في مدة سفره حتى يقيم، بإجماع العلماء، وأما إذا كان قاراً غير مسافر، فجمهور العلماء أن له أربعة أيام للقصر والجمع، وذهب ابن تيمية إلى أنه لا مدة له، والصحيح أنه لا مدة له بشرط عدم نية الإقامة.
وعلى المسافر إذا أراد القصر والجمع في الصلاة، ووصل بعد أي صلاة منها، فعليه أن يصلي الصلوات مرتبة، فيبدأ بالظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء كما رتبها الله تبارك وتعالى.
وإذا أتيت المسجد وأنت في سفر وأردت القصر والجمع ولكن الإمام الراتب لم يصل بعد، فإن كنت على عجل من أمرك، فلك أن تصلي منفرداً ثم تخرج من المسجد، بشرط أن لا يصلي الإمام، فإذا صلى الإمام فتصلي معه، ثم تأتي بالفرض الذي بعده، ثم تسلم.(15/375)
تقبيل ربطة اليد عند الفوز
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
شيخي الفاضل: بعض الأشخاص عندما يلعب كرة القدم أو كرة الطائرة يضع على يديه أو مرفقه ربطة أو قماشاً، وعندما يفوز فريقه يقبِّل هذه الربطة أو القماش، فما حكم هذا العمل سواء يعتقد النفع فيه أو لا يعتقد؟ مع العلم أنه موجود بين أوساط الرياضيين؟ وجزاكم الله خيراًَ.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد: فإن المسألة محل تفصيل:
فإذا كان اللاعب قد وضع هذا الرباط أو القماش على يده لأنه يعتقد أنه ينفع بذاته من دون الله، فهو شرك أكبر مخرج من الملة، وهذا القصد لا يظن بمسلم نشأ في بلاد إسلامية إن شاء الله، وإذا كان قد وضعه في يده لأنه يعتقده سبباً في تحقيق الفوز على الفريق الآخر، فهذا أيضاً عمل محرم، بل عده كثير من أهل العلم شركاً أصغر، لأنه قد جعل ما ليس بسبب سبباً، وهو من جنس تعليق التميمة والودعة، ولبس الحلقة والخيط، لرفع البلاء أو دفعه، وفي مسند أحمد (4/154) ، عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - مرفوعاً: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له" وفي الصحيحين عن أبي بشير الأنصاري - رضي الله عنه- أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسولاً أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت. أما إن كان قد وضعه على يده لمجرد تقليد بعض الرياضيين الغربيين، كما هو الواقع، وقد أكد لي هذا أحد الإخوة الثقات ممن كان له اتصال مباشر بأحد الأندية الرياضية، فإنه يعد من باب التشبه المحرم، لا سيما وأنه يعتقد فيه هناك ما لا يحل، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم أن كثيرا ً من صور التشبه المنهي عنه بالكفار يفضي غالباً إلى كفر أو معصية، ولعل هذه الصورة مثالاً لما قرره شيخ الإسلام - رحمه الله - والله تعالى أعلم.(15/376)
توكلت على الله وعليك
المجيب د. سعد بن ناصر الشثري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/2/1425هـ
السؤال
ما حكم قول "توكلت على الله وعليك"، أو "توكلت على الله ثم عليك"؟ وما الفرق بين التوكل الذي هو عمل قلبي والتواكل الذي هو عمل بدني؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
التوكل عبادة يتقرب المؤمنون بها إلى ربهم، والعبادات حق خالص لله تعالى، ولذلك لا يجوز التوكل على غير الله - تعالى -، قال سبحانه في وصف المؤمنين: "وعلى ربهم يتوكلون" [الأنفال:2] فتقديم المعمول يفيد الحصر أي أنهم لا يتوكلون على غير ربهم، فلا يجوز للعبد أن يقول: توكلت على الله وعلى فلان، أو يقول: توكلت على الله ثم على فلان يمنع من الكل، والتوكل على المخلوق نوعان أولهما: فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك أكبر، وثانيهما فيما يقدر عليه المخلوق فيكون شركاً أصغر، والتوكل تفويض الأمور لله والاعتماد عليه، ولا يتنافى مع فعل الأسباب، بينما التواكل ترك الأسباب بعدم مزاولة الأعمال، والتواكل نقص في الدين والعقل.(15/377)
ما يشرع فعله بالميت عند موته
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
كنت أتناقش مع بعض الأشخاص ممن يمارسون أفعالاً ليست من السنة عن الشيء الذي ينبغي فعله عند وفاة شخص ما، ولم يقتنعوا بما قلت لهم، فهم يرون أنه يجب جمع الناس بعد وفاة الشخص لقراءة سورة ياسين والقرآن، وقراءة كلمة عدة مرات نيابة عن الميت، أرجو أن تبينوا لنا ما يجب فعله بعد الوفاة بناءاً على القرآن والسنة مع ذكر الأشياء المستحبة والجائزة في الشرع، حيث نحب أن تكون هذه الأشياء شاملة جميع ما يمكن فعله. وحيث إن جوابكم سينشر بشكل واسع نرجو أن يكون جواباً دعوياً مسهباً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن مما يكثر فيه الخلط بين ما يشرع فعله وما لا يشرع فعله ما له صلة بالجنائز، وإن للبيئة التي يعيش فيها المسلم أكبر الأثر في جعل الناس يتبعون السنة في ذلك أو أهل الجهل والبدع وأحيانا اتباع أهل الكتاب وغيرهم من الكفار في بعض مراسم الدفن، ولو كان ذلك في طريقة حمل الجنازة ونوع السيارة التي تحملها وطريقة سير الموكب.
أما ما وقع عليه السؤال تحديدا فمما يشرع فعله بالميت عند موته:
يشرع لمن كان موجودا عند احتضاره أن يلقنه قول لا إله إلا الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" رواه مسلم (916) .
ويسن توجيه المحتضر إلى القبلة بأن يمدد على ظهره ورجلاه إلى القبلة، فإن أمكن رفع رأسه قليلا مواجها للقبلة فحسن، لما روي عن البراء بن معرور -رضي الله عنه- أنه أوصى أن يوجه إلى القبلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصاب الفطرة" أخرجه البيهقي (3/384) .
فإذا تيقن موته سن تغميض عينيه لحديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: "إن الروح إذا قبض تبعه البصر" رواه مسلم (920) .
ويسن تغطيته بثوب يستر جميع بدنه بعد نزع ثيابه التي قبض فيها ما لم يكن شهيدا أو محرما. ويجوز كشف وجهه وتقبيله كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعثمان بن مظعون -رضي الله عنه- انظر الترمذي (989) وأبو داود (3163) وابن ماجة (1456) وأحمد (23645) وصححه الألباني، وكما فعل أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم، انظر البخاري (1242) .
ويشرع إعلام الناس بموته ليشهدوا جنازته ويصلوا عليه بالطرق المباحة.
ويجب غسل الميت وجوبا كفائيا على جماعة المسلمين، لقوله صلى الله عليه وسلم حين وقصت الدابة صاحبها فقتلته وهو محرم: "اغسلوه بماء وسدر ... "، رواه البخاري (1265) .
وبعد غسله يكفن الرجل في ثلاث لفائف والمرأة في خمسة أثواب: إزار وخمار وقميص ولفافتان. وهذا الأفضل لمن وجده وتيسر له، وإلا فالواجب تكفينه فيما يستر جميع جسده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كفن أحدكم أخاه فليُحِسِّن كفنه" مسلم (943) .
ويسن تطييب الميت وتجميره ثلاثا.
ثم يصلى على الميت صلاة الجنازة وهي مشروعة في حق النساء والرجال.(15/378)
فإذا تم تغسيل الميت وتكفينه وصلِّي عليه شرع حمله واتباعه، وفي ذلك فضل عظيم، قال صلى الله عليه وسلم: "من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين" رواه مسلم (944) .
ويسن التعجيل بدفن الميت ولا يشرع تأخيره إلا لحاجة، ويسرع به لما جاء في الحديث: "أسرعوا بالجنازة فإن كانت صالحة قربتموها إلى الخير، وإن كانت غير ذلك كان شرا تضعونه عن رقابكم" رواه مسلم.
ثم يدفن الميت، والسنة أن يدفن في مقابر المسلمين، ولم يعهد في سلفنا الأوَّل تخصيص أراضي ضمن الأملاك الخاصة لدفن أفراد العائلة فيها. أما الدفن في مقابر الكفار والمشركين فهو مما ابتلي به بعض المسلمين القاطنين ديار الكفر، وما أحسن قول بعض أهل العلم: (نقل الميت من بلد الكفر إلى بلد الإسلام أولى من دفنه في مقابر الكفار ولو في أرض مخصصة للمسلمين إذا جمعهما سور واحد) .
ويسن لمن يُدخل الميت القبر أن يقول: "بسم الله وعلى ملة رسول الله" الترمذي (1046) وابن ماجة (1550) وأحمد (4797) وحسنه الترمذي وصححه الألباني.
ويسن وضع الميت في قبره على شقه الأيمن مستقبلاً القبلة، ويفك عقد الكفن من قبل رأسه ورجليه، ولا يكشف وجهه.
ويسن حثو التراب عليه باليد ثلاثا، ثم يهال عليه تراب قبره. ويشرع رفع القبر على الأرض قدر شبر، ولا يرفع أكثر من ذلك إلا لحاجة. ويشرع وضع حصباء على القبر ثم رشه بالماء ليثبت التراب. ويجوز وضع النصائب على القبر لتعليمه، ولا يجوز تخصيصها ولا الكتابة عليها ولا البناء، لحديث جابر -رضي الله عنه-: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تخصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ". رواه مسلم (970) .
فإذا فرغ من دفنه سن الانتظار قليلا والدعاء له وسؤال الله له التثبيت، لحديث عثمان -رضي الله عنه- قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل"، رواه أبو داود (3221) .
كل ما سبق مما دلت عليه نصوص السنة، وهو مشروع باتفاق العلماء. وما عدا ذلك من أعمال مثل الاجتماع لتلاوة القرآن على الميت قبل دفنه، أو بعده، والدعاء له جماعة بعد الدفن، وإلقاء كلمة تأبين كما تسمى، والبناء على القبر، والكتابة عليه، أو إسراجه، وإحضار من يقرأ القرآن ثلاثة أيام أو سبعة، وغيرها كثير جدا ... فهو دائر بين ما اتفق العلماء على منعه كالبناء على القبور والإسراج، وبين مختلف فيه، وليس لمن قال بالجواز دليل يعتمد عليه، وهذه من أمور العبادة، والأصل فيها التوقيف، ومن أحضر دليلا على جواز فعل من الأفعال، فالسنة حاكمة والكل لها تابع. والله أعلم.(15/379)
زكاة النخيل
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/06/1424هـ
السؤال
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
كثير من البيوت يوجد بها نخيل وفيها ثمر قد يصل إلى حد النصاب وقد يتجاوزه؛ فهل تجب فيها الزكاة؟ وإن كان يهدى منها ويؤكل فهل يجزئ ذلك عن الزكاة أم لا؟ وما مقدار الزكاة إن وجدت؟ وما مقدار النصاب؟ وإذا كانت فسائلها تباع فهل فيها زكاة؟ وإذا كان النخيل يغرس بقصد بيع الفسائل (الفراخة) فهل فيها زكاة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، النخيل التي في البيوت تجب الزكاة في ثمرها إذا بلغت نصاباً، لقول الله تعالى: {ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَءَامَنُو?اْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَـ?تِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ?لأَْرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ?لْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاّ? أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَ?عْلَمُو?اْ أَنَّ ?للَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة:267] وهذه مما أخرج الله لنا من الأرض، فتجب فيها الزكاة، سواء كانت تهدى بعد خرفها، أو تؤكل، أو تباع.
وإذا لم تبلغ النصاب فلا زكاة فيها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة» . أخرجه البخاري (1459) ، ومسلم (979) من حديث أبي سعيد _رضي الله عنه_ والوسق الواحد ستون صاعاً بصاع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومقدار صاع النبي -صلى الله عليه وسلم- كيلوان اثنان وأربعون غراماً، فيكون النصاب ستمائة واثني عشر كيلو (612) ، والمعتبر في هذا الوزن بالبر (القمح) الجيد؛ فتزن من البر الجيد ما يبلغ كيلوين اثنين وأربعين غراماً، ثم تضعه في مكيال يكون بقدره من غير زيادة ولا نقص، فهذا هو الصاع النبوي، تقيس به كيلاً ما سوى البر.
ومن المعلوم أن الأشياء المكيلة تختلف في الوزن خفة وثقلاً، فإذا كانت ثقيلة فلابد من زيادة الوزن حسب الثقل.
ومقدار الزكاة نصف العشر، لأنها تسقى بالماء المستخرج من الا?بار أو من البحر، لكن بمؤونة إخراج وتحلية وتصفية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فيما سقت السماء والعيون، أو كان عَثَرياً العشر، وفيما سُقي بالنضح نصف العشر» رواه البخاري (1483) من حديث ابن عمر _رضي الله عنهما_.
وليس في الفسائل زكاة، ولكن إذا بيعت بالدراهم، وحال على ثمنها الحول وجبت زكاته.
وليس في النخيل التي تغرس لبيع الفسائل زكاة، كما أن النخيل التي تغرس لقصد بيع ثمرتها ليس فيها زكاة.
وما بيع من ثمر النخل التي في البيوت تخرج زكاته من قيمته، وما أكل رطباً تخرج زكاته رطباً من النوع الوسط إذا كان كثيراً في النخل. وما بقي حتى يتمّر تخرج زكاته تمراً.
وسئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: عندي في منزلي خمس نخلات وكلها مثمرة، فهل في ثمارها زكاة؟ وما مقدارها؟(15/380)
فأجاب فضيلته بقوله: هذه مسألة في الحقيقة السؤال عنها جيد. كثير من الناس عندهم بيوت فيها نخل، والنخل تكون ثمارها بالغة للنصاب، ومع ذلك لا يزكونه؛ لأنهم يظنون أن الزكاة تجب في الحوائط الكبيرة. أما النخلات التي في البيت فيظن كثير من الناس أنه ليس فيها زكاة، ولكن الأمر ليس كذلك، بل نقول: إذا كان في بيتك نخل وعندك بستان آخر، وكانت النخل الموجودة في البيت لا تبلغ النصاب، فإنها تضم إلى النخل الذي في البستان.
أما إذا لم يكن عندك بستان فإننا ننظر في النخل الذي في البيت إن كان يبلغ النصاب وجبت الزكاة، وإن كان لا يبلغ النصاب فلا زكاة فيه.
الخلاصة: أن النخل الذي في البيت إن كان مالك البيت عنده بستان فيه نخل فإن ثمرة النخل الذي في البيت تضم إلى ثمرة النخل الذي في البستان، فإذا بلغ مجموعها نصاباً وجب إخراج الزكاة.
وإن لم يكن له بستان فإننا نعتبر النخل الذي في البيت بنفسه، ونقول: إذا بلغت ثمرتها نصاباً وجب فيها الزكاة وإلا فلا.
وسئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: اشتريت قبل ثلاث سنوات بيتاً، وفيه ـ ولله الحمد ـ ثلاث نخلات مثمرات من نوعين، وفيهن ثمر كثير، فهل علَّي زكاة والحال هذه؟ إذا كان الجواب بنعم والناس يجهلون ذلك جداً فكيف يكون معرفتي بلوغ النصاب من عدمه وأنا أخرفها خرفاً؟.
فأجاب فضيلته بقوله: ما ذكره السائل من خفاء حكم هذه النخيل التي تكون في البيوت على كثير من الناس فهو صحيح، كثير من الناس يكون عنده سبع نَخْل أو عشر نَخْل أو أكثر أو أقل، وثمرتها تبلغ النصاب، لكنهم لا يعلمون أن فيها زكاة، يظنون أن الزكاة في البساتين فقط. والزكاة في ثمر النخل، سواء كان في البستان أو في الدور، وعلى هذا فليأت بإنسان عنده خبرة، وليقدر ثمر هذا النخل: هل يبلغ النصاب أو لا؟ فإذا بلغ النصاب وجب عليه أن يزكيه، ولكن كيف يزكيه وهو يخرفه كما قال السائل؟
أرى أنه في مثل هذه الحالة تقدر قيمة النخل، ويخرج نصف العشر من قيمتها؛ لأن ذلك أسهل على المالك وأنفع للمحتاج، يعني إعطاء الدراهم أنفع للمحتاج وتقويمها بالدراهم أسهل على المالك.
وعما إذا كان في البستان أنواع كثيرة من التمر فيقول الشيخ -رحمه الله -(15/381)
لو كان لك بستان ربعه برحي، وربعه سكري، وربعه أمهات حمام، وربعه شقر وكان مقداره ثمانية آلاف كيلو من كل نوع ألفان من الكيلوات، وكان الكيلو من البرحي باثني عشر ريالاً، ومن السكري بستة ريالات، ومن أمهات حمام بثلاثة ريالات، ومن الشقر بريالين، فإن قيمة البرحي أربعة وعشرون ألفاً، وقيمة السكري اثنا عشر ألفاً، وقيمة أمهات حمام ستة آلاف ريال، وقيمة الشقر أربعة آلاف ريال. فزكاة البرحي تساوي ألفاً ومائتي ريال، وزكاة السكري تساوي ستمائة ريال، وزكاة أمهات حمام تساوي ثلاثمائة ريال، وزكاة الشقر تساوي مائتي ريال، فتبلغ زكاة الجميع ألفين وثلاثمائة ريال إذا أخرج زكاة كل نوع منه، ولو أخرجها من البرحي لبلغت أربعة آلاف وثمانمائة ريال، ولو أخرجها من الشقر لم تبلغ إلا ثمانمائة ريال. فإلزام المزكي بإخراجها من البرحي ظلم له، وهو الذي حذر النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً منه. [يعني قوله –صلى الله عليه وسلم-: "إياك وكرائم أموالهم". انظر صحيح البخاري (1458) ، وصحيح مسلم (19) ] ، والاكتفاء بإخراجها من الشقر ظلم لأهل الزكاة، وهو الذي نهى الله عنه في قوله: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ ?لْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاّ? أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَ?عْلَمُو?اْ أَنَّ ?للَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة:267] . وهو خلاف ما أمر الله به من العدل.
وبهذا المثل يتبين ما وقع فيه كثير من الناس اليوم من ظلم أنفسهم وظلم غيرهم بإخراج الزكاة عن الأنواع الجيدة من أنواع رديئة بالنسبة إليها. وأن الواجب على المؤمن أن ينظر بعين البصيرة والعدل في إخراج الواجب عليه، وأن يحاسب نفسه اليوم لأنه يستطيع التخلص قبل أن يأتيه الموت فيقول: {رَبِّ ?رْجِعُونِ * لَعَلِّى? أَعْمَلُ صَـ?لِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99-100] . أو يقول: {رَبِّ لَوْلا? أَخَّرْتَنِى? إِلَى? أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ?لصَّـ?لِحِينَ} [المنافون:10] . أو يقول: {ي?حَسْرَتَى? عَلَى? مَا فَرَّطَتُ فِى جَنبِ ?للَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ?لسَّـ?خِرِينَ} [الزمر:56] .
وعن جواز أخذ الدراهم بدلا عن التمر يقول الشيخ - رحمه الله -:(15/382)
وأما أخذ الدراهم عن التمر ففيه مصلحة كبيرة للفقراء؛ لأنه أنفع لهم وأرغب إليهم، ولقد مضت السنوات السابقة والتمور المقبوضة زكاة في المخازن لم يستفد منها أحد حتى فسدت، وقد علم الناس كلهم قلة رغبة الناس في التمر هذه السنين، فكيف تطيب نفس الفلاح، أو أهل الأصل أن يبيعوا تمورهم بدراهم ثم يخرجوا زكاتها من التمر، وربما يكون من نوع لا يساوي زكاة النوع الجيد. وعليه فإخراج الدراهم فيه فائدة لرب المال من الفلاحين وأهل الأصل، وهي تيقن إبراء ذممهم وخروجهم من العهدة. وإجزاء القيمة عن الزكاة هو مذهب أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ وعنه رواية أخرى يجزئ للحاجة. وذكر بعضهم رواية أخرى يجزئ للمصلحة، هذا معنى ما قاله في الفروع (ص 365 ج 2، ط. آل ثاني) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى (ص 28، 38 ج 52 لابن القاسم) : وأما إخراج القيمة للحاجة، أو المصلحة، أو العدل فلا بأس به، وذكر لذلك أمثلة منها أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم، ومنها أن يرى الساعي (يعني جابي الزكاة) أن أخذها أنفع للفقراء.
وأخيرًا سئل الشيخ - رحمه الله رحمة واسعة - ماذا أصنع في السنوات الماضية، فلم أخرج زكاة النخيل التي في بيتي؟
قال الشيخ -رحمه الله-:
أما ما مضى من السنوات وهو لم يزكه جاهلاً، فإنه يقدر الا?ن في نفسه: كم يظن الثمرات الماضية ويخرج زكاتها الا?ن، وليس عليه إثم فيما سبق من تأخير الزكاة؛ لأنه جاهل بذلك، لكن لابد من أداء زكاة ما سبق.(15/383)
تحويل المقابر إلى منتزهات
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 13/10/1424هـ
السؤال
عندنا منع الناس من دفن موتاهم داخل المدينة، وانتقل مكان الدفن لخارجها، والمدينة بها مقابر قديمة لم تبل العظام بها، الحكومة تحولها إلى حدائق عامة منتزهات غالب روادها من الشباب والفتيات الضائعين، بعض الناس حولوا بعض المقابر إلى مساجد، فما الحكم في تحويلها؟ وما حكم الصلاة بها؟ وما حكم الخطبة بها؟ مع العلم أنها إن تركت سيطر عليها بعض المبتدعة، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا يجوز تحويل المقابر إلى حدائق ومنتزهات عامة ولا غيرها؛ لأن في ذلك إهانة للأموات والإنسان حرمته وهو ميت كحرمته وهو حي.
وكذلك تحويلها إلى مساجد لا يجوز قطعاً؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك في الحديث الصحيح "ألا لا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك" مسلم (532) ، وعليه فلا تجوز الصلاة في القبور التي اتخذت مساجد، ولا الخطبة بها، وأهل البدع ينصحون بألا يفعلوا ذلك، وإذا ما قبلوا النصيحة فيمنعون إذا لم تترتب على ذلك فتنة، وإذا فعلوا ذلك فلا تجوز مجاراتهم في عمل البدعة.(15/384)
هل الاستغاثة بغير الله شرك أكبر؟
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/11/1424هـ
السؤال
هل يشترط في الاستغاثة بغير الله أن يرافقها اعتقاد المشركين، حتى تكون من الشرك الأكبر أم لا؟ وهل تعد شركاً أكبر إذا كان المستغيث يعتقد أن المستغاث به سيغيثه بإذن الله؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالاستغاثة: طلب الغوث، وهو إزالة الشدة، كالاستنصار طلب النصر، والاستعانة طلب العون.
والمخلوق يُطلب منه من هذه الأمور ما يقدر عليه منها، كما قال -تعالى-: "وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر" [الأنفال: 72] ، وكما قال:"فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه" [القصص:15] ، وكما قال -تعالى-:"وتعاونوا على البر والتقوى" [المائدة:2] . وأما ما لا يقدر عليه إلا الله; فلا يطلب إلا من الله.
والمستغاث به من دون الله -تعالى- لا يخلو أمره من حالين:
إما أن يكون حياً أو ميتاً، والميت لا تجوز الاستغاثة به بحال، لا فيما يقدر عليه البشر ولا غيره.
والحي لا يخلو إما أن يكون حاضراً أو غائباً، والغائب لا تجوز الاستغاثة به أيضاً؛ لأنه لا يسمع المستغيث، فهو من هذا الباب كالميت في عدم السماع، والحي الحاضر لا يستغاث به إلا فيما يقدر عليه البشر، وينبغي أن يفرق بين الاستغاثة والتوسل، ذلك أن التوسل قد يتصور فيه عدم اعتقاد النفع والضر في المتوسل به، أما الاستغاثة فلا تتصور إلا مقرونة باعتقاد المستغيث في قدرة المستغاث به على إغاثته، وهذا فيه جواب على الشطر الأول من السؤال.
أما الشطر الثاني فإذا كان المستغيث يعلم أن المستغاث به لا يغيثه إلا بإذن الله -تعالى-، فلماذا يلجأ إليه ويُعرض عمن بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه -سبحانه-.
والله الهادي إلى سواء السبيل.(15/385)
لماذا لا يكون طلب الدعاء من الميت شركاً أكبر كالاستغاثة به؟!
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/05/1425هـ
السؤال
لماذا لا يعد طلب الدعاء من الميت شركاً أكبر، بينما تعد الاستغاثة به شركاً أكبر، مع أننا في الحالتين نعتقد في هذا الميت الشفاعة؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأقول ومن الله استمد العون والتوفيق:
إن طلب الدعاء من الميت، وكذا الاستغاثة به من دون الله كلاهما داخل في دائرة المحظور شرعاً، إلا أنهما يختلفان من حيث الحكم، وذلك أن طلب الدعاء من الميت المقبور بدعة ليس لها سند من دليل عقلي ولا نقلي صحيح، إذ الميت قد فارق الدنيا وأفضى إلى ما قدم، مرتهن بعمله لا يملك نجدة نفسه، ولا إنقاذها فضلاً عن إنقاذ غيره، وإجابته، كما أنه لم يرد نص يدل على جواز ذلك أو مشروعيته، فلم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يطلب من إخوانه الأنبياء الذين تقدموه أن يدعوا له أو لقومه، ولا فعل هذا من بعده الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- فتبين أن من فعل هذا فقد أحدث في الدين ما لم يأذن به الله، وفعله مردود عليه، وهو مخطئ خطأً ظاهراً، حيث يظن أن الموتى يستجيبون لطلبه فيدعون له، بخلاف الأحياء فإنه قد ورد ما يدل على فعله، ولذلك طلب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من العباس- رضي الله عنه- أن يدعو لهم ويستسقي، فيما رواه البخاري (1010) عن أنس -رضي الله عنه- ولم يعمد إلى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيسأله أن يدعو لهم أو يستسقي، ولو كان ذلك مشروعاً لما أمر عمر العباس - رضي الله عنهما- بذلك دون النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمن طلب من الميت أن يدعو له فقد ابتدع، وعمله مردود عليه عقلاً وشرعاً.
وأما الاستغاثة بالأموات فهي في حقيقة الأمر صرف عبادة من خالص حق الله على العباد إلى مخلوق، وهذا هو عين الشرك، إذ إن الدعاء -ومنه الاستغاثة- عبادة، لا يجوز صرفها إلا لله، فمن صرفها لغير الله فقد أشرك، وليس هذا من باب الاستشفاع المشروع. والله الموفق.(15/386)
انهيار القبر بعد الانتهاء من الدفن
المجيب عبد الله بن سليمان بن منيع
عضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/06/1425هـ
السؤال
تم دفن الميت في قبره المعد له وفق الأصول الشرعية، وبعد الانتهاء منه إذا بالقبر ينهار، فاختلف الحاضرون، هل يعيدون نبش القبر ثم دفنه من جديد؟ أم يهيلون التراب على القبر ويعيدون تسنيمه فقط؟ أفتونا.
الجواب
يأتون بتراب زائد حتى يتم الدفن، ويسنمون القبر تسنيماً جديداً، ولا يجوز لهم أن ينبشوا القبر.(15/387)
الحلف بغير الله شرك أكبر أم أصغر؟
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/04/1425هـ
السؤال
لماذا يعد الحلف بغير الله شركاً أصغر بينما تعد الاستغاثة بغير الله شركاً أكبر مع أن ما نعلمه هو أن كلتا الحالتين تمثلان صرف عبادة لغير الله؟.
الجواب
الحلف بغير الله شرك أصغر؛ لأنه شرك في الألفاظ جاء في النصوص تسميته شركاً، ولكنه لا يصل إلى الشرك الأكبر ما دام متعلقاً باللفظ فحسب، ولكن لو اعتقد الحالف بغير الله أن للمحلوف به عظمة أعظم أو مثل عظمة الله، أو تعبد للمخلوق به كما يتعبد لله، فهنا والحالة هذه يكون الحلف شركاً أكبر مخرجاً من الملة، وهنا يستوي مع الاستغاثة، أو الدعاء أو النذر لغير الله. والله أعلم.(15/388)
أوصت بنقل جثمانها إلى بلدٍ آخر
المجيب سامي بن محمد الخليل
مدير مركز الدعوة والإرشاد بعنيزة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/12/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا والدتي مقيمة خارج البلد منذ فترة طويلة، وقام أخي الأكبر منذ حوالي عشر سنوات بهدم المقابر وإقامتها على الشريعة الإسلامية، وعمل لحد، ولكن كما يعلم فضيلتكم أن هذه الأمور الشرعية لا يعلم بها أحد، وأن الناس هنا يشتغلون بالعرف، المهم عندما رأى معظم أهل العائلة هذه المقابر أصروا على عدم الدفن فيها، ومنهم والدتي التي أوصت بدفنها مع أهلها في البلد، والسؤال هنا يا شيخي: هل تنفذ الوصية؟ وهل نقل الجثمان من بلد إلى آخر يجوز شرعاً؟ أفيدونى أفادكم الله، ولكم جزيل الشكر.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الوصية لا تنفذ؛ لأن السنة أن يدفن المسلم في البلد الذي مات فيه إذا كان بلداً إسلامياً، وعلى هذا كان عمل السلف الصالح، وعليه فلا يلزمك تنفيذ هذه الوصية، لا سيما والقبور التي تنوي دفن أمك فيها مقامة وفق السنة.(15/389)
ينام عن الصلاة ويسأل عن الترتيب في قضائها
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 4/12/1424هـ
السؤال
سمعت من أحد الأشخاص أن الأصل في الصلوات الترتيب، فلا يجوز تقديم واحدة على أخرى، فقلت: ما المشكلة؟ فقال لي صاحب الحاجة: إنه يأتي الساعة الثانية من عمله متعباً، فينام عن صلاة العصر، فيقوم مع آذان المغرب، فيسألني: هل أصليها مغرباً أم أقضي الصلاة الفائتة؟ فيقول: تحدث معي في غير العصر أحياناً إذا كان دوامي مسائياً، فكيف أقضي صلواتي؟ وبأي طريقة؟ أفتوني بها -جزاكم الله خيراً-، ولكم جزيل الشكر يا إخواني في الله.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالترتيب في قضاء الصلوات واجب، وهذا هو مذهب جماهير أهل العلم، وقد دلّ على ذلك فعل النبي - صلى الله عليه وسلم-، ففي غزوة الخندق صلى النبي - صلى الله عليه وسلم- العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب، فيما رواه البخاري (596) ، ومسلم (638) من حديث عمر -رضي الله عنه- فراعى الترتيب في هذا؛ ولأن القاعدة أن القضاء يحكي الآداء، فإذا قضى الصلوات يكون هذا القضاء مشابه للآداء، وعلى هذا إذا قضى الصلوات فالواجب عليه مراعاة الترتيب، هذه مسألة، والمسألة الثانية في كلام السائل: قضاء الصلاة، فالواجب عليه عدم التهاون في أداء الصلاة حتى يخرج وقتها، فإذا خرج الوقت وكان غير معذور فقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن القضاء لا يصح منه، ولو أتى بالصلاة، فهذه الصلاة غير مقبولة، قالوا: لأن النصوص الواردة في القضاء إنما وردت في حال العذر، ولأن الله - عز وجل- توعد الساهين عن الصلاة بالويل، فلو كان مدركاً لها وقاضياً لما ورد الوعيد عليه: "بالويل" في موضع، "وبالغي" في موضع آخر، وقالوا: كما أن الصلاة لا تصح قبل دخول وقتها، وهذا بالإجماع، فكذلك لا تصح بعد خروج وقتها، فالواجب على السائل أن يتقي الله - عز وجل- وألاّ يفرط هذا التفريط العظيم في الركن الثاني من أركان الإسلام، وهذا إذا وقع فإنما يقع على سبيل الندور، لا أن يكون عادة وديدناً ومنهجاً للشخص، بحيث يفعل ذلك يومياً أو أياماً في الأسبوع.(15/390)
كيف نوفِّق بين هذين الحديثين؟
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/11/1424هـ
السؤال
لدي إشكال في بعض الأحاديث الواردة عن الرسول -صلى الله عيه وسلم-:
الحديث الأول: هو حديث "إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده سنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة" الحديث.
والحديث الثاني: "إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورهم ما لم تعمل أو تكلم، فأرى أن هناك تناقضاً في المعنى، أرجو الإفادة. جزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فأقول -وبالله التوفيق-: إنه لا تعارض بين الحديثين -بحمد الله تعالى-.
فحديث التجاوز عن وساوس الصدور، المقصود به: أن الله - عز وجل- يعفو عن خطرات النفس بالمعاصي، ولا يعاقب على هذه الخطرات. أما الحديث الآخر: فإنه يذكر جزاء من هم بالحسنة ومن هم بالسيئة. فأما الهم بالحسنة: فلا علاقة له بحديث التجاوز عن وساوس الصدور أصلاً؛ لأنه يذكر ثواب الهم بالحسنة، وحديث التجاوز يذكر جزاء الهم بالسيئة، فلا علاقة لموضوع الحديث الأول بالحديث الآخر.
وأما الهم بالسيئة الذي جاء في الحديث أنه تكتب له حسنة إذا لم يعمل بهمه، فهو لا يعارض التجاوز عن الوساوس، بل يؤيده، ويزيد من بيان فضل الله - تعالى - على من ترك المعصية لله - تعالى - مع همه بها، أو على من خطرت المعصية في قلبه مجرد خاطرة، دون أن يعزم ويصمم، بأن له حسنة؛ لتركه تلك المعصية. والله أعلم.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.(15/391)
هل تضاعف السيئة في مكة؟
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/10/1424هـ
السؤال
سمعت أن عمل الحسنة في مكة المكرمة يضاعف الأجر والثواب عن غيرها إلى مائة ألف حسنة، وكذلك السيئة تضاعف إلى مائة ألف سيئة، فما مدى صحة هذه المعلومات؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أما المضاعفة بمائة ألف فهذا خاص بالصلاة في المسجد الحرام، لحديث أم سلمة - رضي الله عنها- وفيه قول النبي - عليه الصلاة والسلام -: "إلا مسجد الكعبة" مسلم (1396) فخص النبي - عليه الصلاة والسلام - هذه المضاعفة بمائة ألف بمسجد الكعبة، وأما خارج المسجد في داخل الحرم فالحسنات تضاعف، لكنها لا تضاعف بهذه الكمية، ويدل لهذا فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديبية، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- في الحديبية إذا كان وقت الصلاة دخل إلى حدود الحرم وصلى.
وأما بالنسبة للسيئة فلا تضاعف كميةً وإنما تعظم كيفيةً، فالسيئة في الحرم أعظم منها في غيره، لقول الله - عز وجل -: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم" [الحج:25] ، وقول الله - عز وجل -: "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" [الحج:32] وقول الله - عز وجل -: "ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه" [الحج:30] .(15/392)
تحويل مسجد إلى منزل للإمام
المجيب د. محمد بن إبراهيم الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 4/1/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ثم أما بعد:
هل باستطاعتنا تحويل مسجد إلى منزل للسكن؟ علماً أن هذا المسجد أصبح لا تقام فيه الصلاة لضيقه وأقيم أمامه مسجد أكبر منه يتسع للمصلين، وقد اتخذته اللجنة المشرفة مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، ونظراً لتعاقب الأئمة على المسجد الكبير وعدم وجود قيم له، وحدوث فتنة بين المصلين والقيم السابق لتماطله عن أداء الصلوات الخمس وبعد الإمام عن المسجد لسكنه البعيد رأت اللجنة الدينية للمسجد تحويل المسجد الصغير إلى سكن للإمام لإقامة الصلوات في وقتها ودرء الفتنة فهل يجوز ذلك أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فإذا كان المسجد القديم قد ضاق بالناس ولم يعد يتسع للمصلين فأقيم مسجد قريباً منه أكبر منه يتسع للمصلين، ولم يكن القصد من إقامة المسجد الثاني الإضرار بالأول ورأى المشرفون على المسجد تحويل المسجد القديم إلى سكن لإمام المسجد ومؤذنه ليكونا قريبين من المسجد؛ ليتمكنا من أداء جميع الصلوات فيه فيظهر لي أنه لا حرج -إن شاء الله-؛ لأن هذا وقف أيضاً لصالح المسجد الجديد فيستمر وقفاً إذ في ذلك بقاء الوقف بمعناه عند تعذر بقاء صورته.
وأما إذا كان المسجد الذي أقيم ثانياً قد أقيم بغرض الإضرار بالمسجد الأول، وصرف بعض المصلين عن المسجد الأول فهذا مسجد الضرار الذي قال الله فيه:"والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون*لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين" [التوبة: 107-108] .
قال القرطبي - رحمه الله-: (قال علماؤنا: لا يجوز أن يبنى مسجد إلى جنب مسجد، ويجب هدمه، والمنع من بنائه لئلا ينصرف أهل المسجد الأول فيبقى شاغراً، إلا أن تكون المحلة كبيرة فلا يكفي أهلها مسجد واحد فيبنى حينئذ) .
وقال أيضاً: (قال علماؤنا -رحمة الله عليهم-: وإذا كان المسجد الذي يتخذ للعبادة وحض الشرع على بنائه فقال -صلى الله عليه وسلم-: "من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتاً في الجنة" رواه ابن ماجة (738) من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يهدم وينزع إذا كان فيه ضرر بغيره، فما ظنك بسواه بل هو أحرى أن يزال ويهدم حتى لا يدخل ضرر على الأقدم) . والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(15/393)
زكاة المقهى
المجيب د. حمد بن حماد الحماد
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/7/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، سؤالي يتمثل في الآتي:
(1) كيفية إخراج الزكاة من المقهى، علماً أن المال قد لا يجتمع إلى الحول، وهل يدخل العتاد في التقويم؟
(2) لقد اشتريت عتاد مقهى قوامه 50 مليوناً، وأدخلت شريكاً معي طالباً منه أن يدفع لي نفس المقدار (50) مليوناً، ثم أقتسم معه الفائدة من 50 مليوناً.
الجواب
كيفية إخراج الزكاة من المقهى ما يجتمع من دخل المقهى، ويحول عليه الحول، ويبلغ النصاب فيه الزكاة، أما عتاد المقهى المعد لعمل المقهى فلا يدخل، وليس عليه زكاة.(15/394)
سب شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/11/1424هـ
السؤال
لا أحد منا يجهل ما يقوله النصارى من سب النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولا نجهل غيرة شباب الأمة الإسلامية على دينهم ورسولهم -صلى الله عليه وسلم-، فهل يجوز الرد على من سب النبي -صلى الله عليه وسلم- بسب المتحدث؟ علماً بأني قمت بشتم أحدهم، وقد نصحني أحد الأقارب بعدم تكرار ذلك؛ لأنه يجعلهم يزيدون السب والاستهزاء، ويكون ذنبهم علي. أفيدوني أفادكم الله ورعاكم.
الجواب
الحمد لله.
سب النبي - صلى الله عليه وسلم- نوع من أنواع الكفر، فإن صدر من مسلم كان ذلك ردة منه، ووجب على ولي الأمر الانتصار لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- بقتل الساب، فإن أظهر الساب التوبة وكان صادقاً نفعه ذلك عند الله، ولم تسقط توبته عقوبة السب، وعقوبة الساب هي القتل، وإن كان الساب معاهداً كالنصراني كان ذلك نقضاً لعهده ووجب قتله، ولكن إنما يتولى ذلك ولي الأمر، فإذا سمع المسلمُ النصرانيَّ أو غيره يسب النبي -صلى الله عليه وسلم- وجب عليه الإنكار والإغلاظ، ويجوز سبه؛ لأنه هو البادي، فكيف لا ينتصر للنبي - صلى الله عليه وسلم- كما يجب الرفع عنه إلى ولي الأمر الذي يقيم عليه عقوبة الساب، وإذا لم يكن هناك من يقيم حد الله وينتصر لرسوله- صلى الله عليه وسلم- فعلى المسلم أن يفعل ما يقدر عليه من ذلك مما لا يؤدي إلى فساد وضرر متعد إلى غيره من الناس، أما أن يسمع المسلم الكافر يسب النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسكت، فلا يرد عليه حذراً من أن يتمادى في ذلك السب فهذا رأي خاطئ، وأما قوله تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم" [الأنعام:108] ، فليست في شأن من ابتدأ سب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- وإنما المقصود منها النهي عن سب آلهة المشركين ابتداءً؛ لئلا يسبوا الله جهلاً منهم وعدواناً، أما من ابتدأ سب الله وسب رسوله - صلى الله عليه وسلم- فإنه يجب الرد عليه وعقوبته بما يردعه عن كفره وعدوانه، ولو ترك للكفرة والملحدين أن يقولوا ما شاءوا دون إنكار ولا عقاب لعظم الفساد، وكان ذلك مما يحبه هؤلاء الكفار، ويرضون عنه، فلا يلتفت لهذا القائل إن السب، أو الرد على هذا الساب يجعله يتمادى في السب، فالمسلم لا بد أن يغار، ويغضب لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- فلا يطيق أن يسمع من مسلم ولا كافر سب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن يسمع النبي -صلى الله عليه وسلم - يسب ولا يغار ولا يغضب فليس بمؤمن، نعوذ بالله من الخذلان والكفران، وطاعة الشيطان، والله أعلم.(15/395)
النكاح بدون مهر
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/11/1426هـ
السؤال
حسب علمي فإن المهر للزوجة يجب بنفس العقد إن كان الزواج صحيحاً مستوفياً للشروط، ويجب المهر المسمى إن كانت التسمية صحيحة، ومهر المثل إن لم تكن هناك
تسمية، أو كانت التسمية فاسدة، أو في نكاح التفويض، لكن الإشكال عندي فيما يحصل في بلادنا روسيا من الجهل بوجوب المهر وحقيقته أصلاً في بداية الأمر، ثم بعد
مرور سنين يلتزم أحدهم بدينه، ويريد أن يوفي بحقه تجاه زوجته، فأنا أحتار في
الفتوى: هل يقال مثلا: المهر هو ما يتراضى الطرفان عليه، وإذا كانت المرأة قد
أبرأت زوجها في هذه الحالة فهل يبرأ الزوج؟ أو نقول: (تلك أمة قد خلت) ولا داعي
لإثارة الموضوع؟ أفتونا مأجورين وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن المهر أو الصداق شعيرة من شعائر المسلمين في أنكحتهم، وقد أجمع أهل العلم على أنه حقٌ من حقوق المرأة، وأنه يجب لها بنفس العقد، على النحو الذي ذكره الأخ السائل.
أما إذا تم العقد من غير ذكرٍ للمهر، فإن المهر لا يسقط بهذا، بل هو باق في ذمة الزوج، يجب عليه دفعه للزوجة، والمهر الواجب في هذه الحالة هو مهر المثل، إلا إذا اتفق الزوجان على مهرٍ معين فلا بأس بذلك، وإذا أبرأت الزوجة زوجها من المهر فهو جائز؛ لأن المهر حقٌ لها وقد تنازلت عنه، والله -سبحانه وتعالى- يقول: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً" [النساء: 4] ، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(15/396)
الفرق بين (يحرم) و (لا يجوز) !
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/11/1426هـ
السؤال
ما الفرق بين (لا يجوز) و (محرم) ؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن هذا السؤال يتعلق بحكم من الأحكام التكليفية، وهو "المحرم" وتعريفه عند أهل العلم: ما نهى الشارع عنه نهياً جازماً، كالربا والغيبة والسرقة وشرب الخمر وما إلى ذلك.
ولأهل العلم تسميات كثيرة لهذا الحكم التكليفي، فقد يسمونه بالـ"لمحرم" أو "الحرام" أو "المحظور" أو "الممنوع" أو "المزجور عنه" أو "المتوعد عليه" أو "المنهي عنه"، أو يصفونه بأنه الذي لا يجوز فعله، ولا يوجد فرق حقيقي بين هذه المصطلحات، ومن نظر في صنيع أهل العلم في كتبهم وفتاويهم تبين له أن هذه المصطلحات مترادفة في الدلالة على شيءٍ واحد، وهو ما نهى الشارع عنه نهياً جازماً.
ومما ينبغي التنبيه إليه أن بعض أهل العلم -خصوصاً المتقدمين منهم- كانوا يكرهون الإكثار من إطلاق لفظ الحرام إلا على ما ثبت تحريمه صراحةً في النصوص الشرعية؛ وذلك تورعاً منهم، ومن هؤلاء الإمام أحمد رحمه الله، فإنه كثيراً ما كان يقول: أكره كذا أو لا ينبغي كذا، ويقصد من ذلك التحريم لا الكراهة، كما نبه عليه ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين (1/32) . والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(15/397)
الزواج العرفي بحضور الولي
المجيب هتلان بن علي الهتلان
القاضي بالمحكمة المستعجلة بالخبر
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/12/1426هـ
السؤال
مطلقه وأطفالها في حضانتها وتخشى إن هي تزوجت أن تسقط حضانتها لأطفالها، ولذا فهي تريد أن تتزوج زواجاً عرفياً ويكون وليها في التزويج شقيقها حيث والدها متوفى ويوجد شاهدان للزواج. فهل يصح هذا الزواج أم لا؟
الجواب
إذا تم الزواج بأركانه الثلاثة وهي الزوجان الخاليان من الموانع والإيجاب والقبول وتوافرت شروطه الأربعة وهي تعيين الزوجين ورضاهما والولي الشرعي والشاهدان فإن عقد النكاح صحيح وينعقد بذلك، ولو لم يوثق لدى الجهات الشرعية. لكن لا شك أن توثيقه لديها أفضل وأمر متأكد.
أما إذا اختل شرط من تلك الشروط كعدم وجود الولي أو الشاهدين فالعقد باطل.
ويستحب إعلان النكاح وإظهاره فإن لم يعُلن فلا بأس.
لكن يُعلم أنه للأب المنازعة في حق الحضانة إن تزوجت الأم، ولو لم يكن الزواج معلناً، فمتى تزوجت ثبت له الحق في المنازعة في ذلك لعموم حديث "أنت أحق به ما لم تنكحي". أخرجه أبو داود (2276) . وليس معناه أنه تثبت له الحضانة مطلقاً بزواج الأم لكنه ينظر للأصلح للمحضون كما قرر ذلك ابن القيم -رحمه الله تعالى- والله تعالى أعلم.(15/398)
هل لتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أصل!
المجيب عبد الله بن علي الريمي
ماجستير كلية الشريعة من جامعة الإمام
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/11/1426هـ
السؤال
أثير عندنا كلام كثير حول موضوع تقسيم التوحيد، ومن أناس يرددون كثيراً أنه تقسيم خاطئ وبدعي، وقال بعض شبابنا: إنه يشبه بالتثليث النصراني؛ بحجة أنه بحث في البخاري ومسلم وجميع كتب السنة ولم يجد هذا التقسيم، ويقول: إنه كان في ندوة في أمريكا، فقال له شاب نصراني: عندكم تثليث مثلنا، فقال: كيف؟ قال: عندكم توحيد الربوبية وألوهية وأسماء وصفات، وعندنا أب وابن وروح قدس، ولم يرد عليه الشيخ، وقد اقتنع بكلامه ثم أخذ ينشر هذه الشبهة ويرددها في ندواته، مما أثار انزعاج بعض طلاب العلم، نرجو الإفادة في هذا الموضوع وشكراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيحسن في مقدمة الجواب أن يكون هناك إشارة لما يلي:
1- إن الله خلق العباد، ولحكمة جعلهم متباينين في الأجسام والأرزاق والفهوم؛ فما يعجز عنه شخص يحتار الآخر كيف عجز عنه الأول! وهكذا، فما يحتار فيه شخص قد يدركه آخرون.
2- أن هناك فرقاً بين الذات وبين وصف الذات، فالوصف معلومات قد تتعدد وتتقسم، وهي تصف ذات واحدة فتعدد وتقسيم المعلومات لا يقتضي تعدد وتقسيم الذات الموصوفة، وهذا من بدائه العقول.
3-أن وسائل إيضاح العلوم الشرعية ليست توقيفية، بل تتطور مع الأزمان، فظهور التقسيم إلى أبواب وفصول وأركان وواجبات وشروط في الفقه ونحوه ما هو إلا من باب وسائل الإيضاح وتسهيل العلوم، وليس من باب الابتداع في الدين ما ليس منه، وعلى هذا اتفقت الأمة.
ومما تقدم يتضح أن تقسيم التوحيد إلى توحيد ألوهية وربوبية وأسماء وصفات هو تقسيم لما يجب أن يعتقده المسلم تجاه ربه، وليس هو تقسيم لله -سبحانه وتعالى- حتى يقال إنه يشبه عقيدة التثليث، فسبحان الله من أين جاء هذا الفهم؟ كيف يشبه من جعل إلهه ثلاثة آلهة أب وابن وروح القدس مع من آمن بإله واحد لا إله إلا هو؟! فما أقسام التوحيد إلا بيان لجوانب الحقوق الواجبة على العبد تجاه رب واحد، فتوحيد الألوهية بيان أنه لا يعبد إلا الله، وتوحيد الربوبية بيان أنه رب خالق ومدبر ومالك كل شيء، وتوحيد الأسماء والصفات بيان ما يثبت لله من الأسماء والصفات، فكلها حقوق لإله واحد.
وهذا التقسيم ما هو إلا فهم لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية، وتوضيح لما فيها من العلم ليسهل على الناس فهمه، وكذلك للمساعدة في حصر شبهات أهل الضلال والرد عليها كل شبهة بالموضع المناسب لها، فمثال هذا التقسيم كمثال أركان الصلاة وشروطها وواجباتها، فلو قرأت القرآن والسنة لن تجد هذه التفاصيل، ولكنها ظهرت كتطور لوسائل إيضاح العلم المستنبط من الكتاب والسنة.
ولا يحتاج الإنسان إلى البحث المتعمق في الكتب ليجد أقسام التوحيد الثلاثة، بل ينظر ويتفكر في سورة الفاتحة التي يقرأها سبع عشرة مرة في يومه وليلته في الفريضة فقط، فإذا قال: "رب العالمين" فهو يوحد الله بتوحيد الربوبية.(15/399)
وإذا قال: "الرحمن الرحيم" وحَّد الله بأسمائه وصفاته، فأثبت لله ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات موحداً الله بكمال الصفة وحسنها، وعدم مشابهة صفات الله لصفات خلقه.
وإذا قال: "إياك نعبد" وحَّد الله بتوحيد الألوهية، فلا إله يستحق العبادة إلا الله سبحانه وتعالى.
فما أقسام التوحيد إلا إيضاح وترتيب لما دل عليه القرآن، وليس هذا التقسيم توقيفياً يترتب عليه صحة الإيمان أو كماله؛ بدليل أن العلماء قد اختلفوا بين من قسم التوحيد ثلاثة أقسام، وآخرون يقسمونه إلى قسمين بحيث يدخلون توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات في قسم، وتوحيد الألوهية في قسم آخر.
وفي نظري أن المسألة لا تحتاج إلى مزيد من الإطالة لوضوحها، وأن الخوض فيها وفي منشأها وأول من قال بها ما هو إلا خوض في شيء ظاهر القرآن الكريم والسنة النبوية على إثباته، فلا حاجه إليه والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آلهه وصحبه.(15/400)
الدعاء بـ (يا مُسهِّل) !
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 13/01/1427هـ
السؤال
هل يجوز للإنسان أن يدعو قائلا: (يا مُسهِّل يا رب) ، مع أن المسهِّل ليس من أسماء الله الحسنى؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالأولى بالمسلم أن يدعو بأسماء الله الحسنى؛ لأن الله -عز وجل- قال: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" [الأعراف:180] . وثبت في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة". صحيح البخاري (2736) ، وصحيح مسلم (2677) ، ومن إحصاء هذه الأسماء دعاء الله -عز وجل- بها.
ومن آداب الدعاء التوسل إلى الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العلا هذا هو الأولى بالمسلم، فيختار من أسماء الله الحسنى ما يلائم دعوته؛ إذا سأل الله الرزق قال: "يا رزاق"، إذا سأل الله -عز وجل- الرحمة قال: "يا رحمان يا رحيم"، إذا سأل الله -عز وجل- العزة قال: "يا عزيز"، إلى آخره.
وإن دعا بما يخبر به عن الله -عز وجل- فإن هذا لا بأس به، فهو جائز، مثل: "يا مسهِّل"، ولو قال: "يا مسهِّل سهِّل أموري"، إلى آخره، فإن هذا من الخبر عن الله -عز وجل- وهذا من صفاته سبحانه، فلا بأس بذلك إن شاء الله.(15/401)
فضل صلاة الفجر
المجيب عيسى بن عبد الله المطرودي
القاضي بالمحكمة الكبرى في حائل
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/10/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
أود السؤال عن فضل صلاة الفجر، وهل ثبت عن النبي دعاء معين فيها؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
لقد ورد فضل صلاة الفجر في الكتاب والسنة، كما في قوله تعالى: "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى" [البقرة: من الآية238] ، ومما قيل إنها الفجر والعصر، وقد خصهما لفضلهما.
كما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو موسى - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "من صلى البردين دخل الجنة" متفق عليه البخاري (574) ومسلم (635) ، قيل البردان الصبح والعصر، وعن أبي زهير عمارة بن رويبة - رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني الفجر والعصر" رواه مسلم (634) ، وعن جندب بن سفيان - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله...." الحديث رواه مسلم (657) .
وقد تكلم العلماء عن فضل صلاة الجماعة من كتب الفضائل، فعلى من أراد الاستزادة الرجوع إليها، ولا أعلم دعاء معيناً لصلاة الفجر إلا أنه يحسن بالمسلم أن يذكر الأوراد بعدها من أوراد الصباح كآية الكرسي وآخر آيتين من البقرة والمعوذتين، والإخلاص ثلاث مرات، والله أسأل أن يجعلنا من المحافظين على صلاة الفجر جماعة خاصة وغيرها عامة، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.(15/402)
استئجار قاعة للصلاة تقام فيها شعائر نصرانية
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 30/1/1425هـ
السؤال
نظراً لضيق مسجدنا ونظراً لكثرة عدد المصلين يوم الجمعة فإن سلطات المدينة النصرانية وافقت على تأجيرنا قاعة تابعة لهم، ليست كنيسة وإنما مركز تقام فيها أنشطتهم وحفلاتهم وحتى شعائرهم يوم الأحد مع العلم أن مركزنا أصبح ضيقاً لا يسع إلا ثلث المصلين يوم الجمعة، فهل نقبل هذا العرض أم لا؟ وللعلم فإننا نخشى أن تستغل وسائل الإعلام الحدث ويصبح الأمر فيه منّة وافتخار على المسلمين. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
يجوز استئجاركم هذه القاعة لإقامة صلاة الجمعة ما دام المسجد ضيقاً ولو كانت هذه القاعة تستخدم في أوقات أخرى من النصارى لإقامة أنشطتهم وبعض طقوسهم الدينية، وأنتم تشكرون على فعلكم هذا في إظهار شعائر الإسلام كصلاة الجمعة في مثل ديار الكفار، وأرجو الله أن يثيبكم على ذلك، وهذه الصالة في حقكم ليست مسجداً بالمعنى الاصطلاحي المتعارف عليه عند المصلين وإنما هي (مصلى) ، والمصلى لا يأخذ حكم المسجد من حيث منع المرأة الحائض من المكث فيه، فيجوز للنساء حضور الخطبة في هذا المصلى، كما أنه لا تصلى فيه تحية المسجد بهذه النية وإنما بنية الصلاة المطلقة لقوله صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة ثلاثاً لمن شاء" رواه البخاري (624) ، ومسلم (838) من حديث عبد الله بن مغفل المزني - رضي الله عنه - والأذانان هما الأذان والإقامة، كما يجوز أداء النوافل العامة والقبلية منها للصلاة والبعدية لكونها غير مرتبطة بالمكان وإنما بالصلاة، ولا أعتقد أن يكون فعلكم هذا فتنة من النصارى؛ فإن ديننا لا يمنعنا من ذلك، بل هذا ربما يقربهم لنا وإن كانت الفتنة المتوقعة من بعض المسلمين؛ فينبغي أن يتفقهوا في دينهم أولاً، وفق الله الجميع إلى كل خير وفقهنا وإياك في دينه آمين.(15/403)
وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بـ (برء العليل)
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/04/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: -حفظكم الله-
استمعت قبل فترة لبيت من الشعر ولدي تخوف من أن يكون فيه محظور شرعي فأرجو إفادتنا:
بديع الزمان وبدر الظلام *** أمير الأنام وماء الغمام
دعاء الخليل وبرء العليل *** وهادي السبيل لدار السلام
القصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم -، ولدي تخوف من البيت الثالث في وصف الرسول بإبراء العليل. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه أما بعد:
فمما لا شك فيه أن الشعر لا يخلو عادة من مبالغة، وما ذكر في البيت المذكور هو بحسب نية قائله فإن كان يعني بذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سبب في إبراء العليل فلا شك أنه عليه الصلاة والسلام من أكبر أسباب إبراء علل القلوب والأجسام فهو سبب لإبراء علل القلوب من الشرك والكفر والنفاق والبدعة.
كما أنه سبب في إبراء علل الأجسام عليه الصلاة والسلام كما فعل في عين علي - رضي الله عنه- وهو أرمد فبرئ بإذن الله تعالى.
أما إن قصد أن النبي - صلى الله عليه وسلم- هو الشافي المبرئ من العلل والأسقام فلا شك أن هذا لا يكون إلا لله تعالى.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(15/404)
الصلاة في مركز إسلامي اشتُرِي بمال الربا
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/10/1424هـ
السؤال
نصلي الصلوات المكتوبة بأحد المراكز الإسلامية، وقد قام القائمون عليه بتسديد ثمنه بقرض ربوي أفتاهم بجوازه أحد المشايخ في أوربا، فهل الأفضل لنا الاستمرار في أداء المكتوبات بالمسجد؟ أم نصلي في بيوتنا؟ علماً أن أقرب مسجد يبعد حوالي 6 كيلو متر. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
فتوى من ذكرت لا تصح، ولا يجوز بناء المساجد من أموال ربوية أو مسروقة، ولو نظرت إلى مشركي قريش حينما أرادوا بناء الكعبة حينما تهدمت فإنهم جنبوا الأموال المحرمة في بنائها، حتى قصر بناؤهم عن بناء جميع الكعبة، فحجروا الجزء الذي لم يبن، وأما إذا تم البناء وانتهى فالإثم على من أفتاكم، وأما صلاتكم فيه فصحيحة.(15/405)
اصطحاب القواعد من غير محارم للحج
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/05/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
نحن في دولة غربية ولدينا حملة الحج، فهل يجوز لنا أن نصحب معنا النساء اللائي يتجاوز عمرهن 45 عاماً بدون محارمهن؟ لأن كثيراً منهن يرغبن في الحج، لكن ليس لهن محارم، إن كان هذا جائزاً فهلا ذكرتم لنا شروط ذلك؟. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالمرأة التي ليس لها محرم لا يجب عليها الحج، إذ يشترط لوجوب الحج وجود المحرم، فإذا كانت لا تجده فهي غير مستطيعة وذمتها بريئة، قال الله - عز وجل-: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا" [آل عمران: 97] ، ولا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم، لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يخلون رجل بامرأة إلا معها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم"، فقال رجل: يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا وإن امرأتي خرجت حاجة، فقال عليه الصلاة والسلام: "انطلق فحج مع امرأتك"، وهذا في الصحيحين. عند البخاري (1862) ، ومسلم (1341) ، فدل ذلك على أنه لا بد من المحرم مع المرأة.(15/406)
كيّ موضع السجود
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/10/1424هـ
السؤال
ما حكم كي الجبهة موضع السجود من الرأس، وهل لذلك أصل في الإسلام؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأخشى يا أخي الكريم أن يكون غرض من يفعل هذا أن يظهر لمن يراه وكأنه أثر من آثار السجود وهذا من الرياء، أو أنه يقصد بذلك التقرب إلى الله بهذا الفعل، وهذه بدعة، وقد نهينا عن الرياء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال الرياء، يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء" رواه الإمام أحمد في المسند (5/428) ، ونهينا عن البدعة لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" رواه أبو داود (4607) والترمذي (2676) وأحمد (17144) وابن ماجة (42) ، ولهذا الحديث شرح مفصل في جامع العلوم والحكم لابن رجب الحديث 28 فليتأمل.
وأما إن كان غرضه التداوي - وهو بعيد - فيحسن هنا أن نشير إلى أنه قد وردت أحاديث في النهي عن الكي، ووردت أحادث تدل على جوازه، قال ابن القيم - رحمه الله- في زاد المعاد (4/65-66) تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع: أحدها فعله، والثاني عدم محبته، والثالث: الثناء على من تركه، والرابع: النهي عنه، ولا تعارض بينها بحمد الله، فإن فعله يدل على جوازه، وعدم محبته له لا يدل على المنع منه، وأما الثناء على تاركه فيدل على أن تركه أولى وأفضل، وأما النهي عنه فعلى سبيل الاختيار والكراهة أو عن النوع الذي لا يحتاج إليه بل يفعل خوفاًً من حدوث الداء، والله أعلم.
وقال ابن قتيبة: "الكي جنسان: كي الصحيح لئلا يعتل، فهذا الذي قيل فيه: لم يتوكل من اكتوى" لأنه يريد أن يدفع القدر عن نفسه، والثاني كي الجرح إذا لم ينقطع دمه بإحراق ولا غيره، والعضو إذا قطع، ففي هذا الشفاء بتقدير الله تعالى، وأما إذا كان الكي للتداوي الذي يجوز أن ينجح ويجوز أن لا ينجح فإنه إلى الكراهة أقرب" انظر عون المعبود شرح سنن أبي داود ج (10/246-247) ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(15/407)
الفرق بين العقيدة والشريعة
المجيب د. صالح بن عبد العزيز التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/01/1427هـ
السؤال
ما هو مفهوم العقيدة؟ وما هو مفهوم الشريعة؟ وما هي الغاية من ترابط العقيدة بالشريعة؟ وأين يكمن الإسلام الحقيقي؟ مع إعطاء أدلة من القرآن أو الحديث.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه المصطلحات مترابطة من حيث كونها مطلوبة من المكلف.. وكذلك ارتباطها بمصادر التلقي، وكان السلف الصالح من الصحابة ومن تبعهم بإحسان يتعلمون كل هذه العلوم ويعملون بها دون تفريق في مسمياتها.. ولما ضعفت العزائم وانشغل الناس أفردت هذه المسائل تحت علوم تجمع الأشباه إلى بعضها.
أما العقيدة: فهي ما يعقد عليه القلب إيماناً وتصديقاً من مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ومسائل المعاد من الشفاعة وأخبار الساعة وأشراطها.
والشريعة: هي الأعمال الظاهرة، كالعبادات والمعاملات والأخلاق.
والغاية من الترابط بين العقيدة والشريعة: أن العقيدة أساس والشريعة بناء، حيث لا يقبل عمل بدون اعتقاد، وكذلك لا تنفع عقيدة بلا عمل؛ لأن الله -تعالى- قرن ذلك في القرآن الكريم. قال تعالى: "الذين آمنوا وعملوا الصالحات ... " [البقرة:25] ، وقال تعالى: "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ... " [النحل:97] ، وغيرها. وقوله صلى الله عليه وسلم: "قل آمنت بالله ثم استقم ... " صحيح مسلم (38) ، وجامع الترمذي (2410) ، وغيرهما.
ولا تنفك الشريعة عن العقيدة إلا في حالات، مثل النفاق أو الإكراه أو النسيان والجهل، أما في الأحوال العادية فإن الأصل الترابط، وعلى قدر الاعتقاد يكون العمل صحة وفساداً.. ونحن شهود على الظاهر، فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه والله يتولى سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً أو فسقاً أسأنا به الظن، ولا نقبل منه الإحالة إلى القلب كما يقول بعضهم: (ربك رب قلوب) أو يستشهد (هروباً) بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ... "، وقوله صلى الله عليه وسلم: "التقوى هاهنا". صحيح مسلم (2564) ، فهذه أمور صحيحة، لكن لا تصلح حجة لمن أساء العمل.. والإسلام الحقيقي هو الجمع بين الاعتقاد الصحيح والعمل بالسنة "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ... " [الحجرات:14] .
وقال -صلى الله عليه وسلم- لرجل قال عن صاحبه -أعطه فإنه مؤمن، قال -صلى الله عليه وسلم- "أو مسلم". صحيح البخاري (27) ، وصحيح مسلم (150) .
المهم أن هذه الألفاظ الشريفة يجب أن تحفظ من التلاعب بمنحها أو منعها، ولا يوصف بها أحد إلا مِن قِبَل أهل العلم والبصيرة في الدين؛ لئلا تكون مجالاً لحديث العامة..(15/408)
صبغ يد المتوفاة بالحناء
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/08/1426هـ
السؤال
هل من السنة وضع الحناء على يد المرأة المتوفاة؟ يروى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضع الحناء على لحيته، فالناس يضعون الحناء على يدي المرأة المتوفاة ثم يغسلونها، فهل هذا جائز أم هو بدعة؟ ولو كان بدعة فهل يتأثر الميت بما يفعله الأحياء له؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
هذا العمل يظهر لي أنه يفعل على وجه التقرب لاعتقاد أنه سنة، فنقول: إن مثل هذا العمل بدعة ولا يجوز، بل يجب إنكاره؛ لأن هذا لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وإذا كان كذلك فلا يجوز صنعه، وإنما الوارد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث أم عطية -رضي الله عنها- في قصة اللاتي غسلن ابنته أنه قال: "اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إذا رأيتن بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور"، وأمر بضفر شعرها ثلاثاً إلى آخره [صحيح البخاري (1259) ، وصحيح مسلم (939) ] ، هذا هو الوارد، ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر أن يوضع شيء من الحناء ونحو ذلك، وأما بالنسبة للميت فإنه لا شيء عليه؛ لأن الله -عز وجل- يقول: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" [الأنعام: 164] .(15/409)
الاستثمار في القُرى السياحية!
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/01/1427هـ
السؤال
هل يجوز الاستثمار في قرى سياحية؟ علماً أن الدولة تشترط وجود حانة، ولزوم السباحة بلباس البحر، وعدم السباحة بلباس شرعي، وما الحكم لو قبلنا مع نية عدم تنفيذ الشروط خصوصاً الحانة؛ لوجود من يستثمرها خارج نطاق رأس المال؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا كان ضمن الشروط تنفيذ أمر محرم فلا يجوز لكم ذلك، وإذا دخلتم في هذا العقد فهذا من التعاون على الإثم والعدوان، والله يقول: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة:2] . وأما إذا لم يتضمن العقد أمراً محرماً فلا حرج عليكم في الدخول في هذا الاستثمار ووجهوه فيما ينفعكم وينفع بلدكم.
وبكل حال فالورع ترك ذلك واستثمار الأموال في مشاريع لا شبهة فيها، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام" صحيح البخاري (52) ، وصحيح مسلم (1599) . وفقك الله لطيب المطعم، وجنبنا وإياك الحرام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(15/410)
كسب أبي حرام فهل أقبل نفقته؟!
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/03/1427هـ
السؤال
أنا طالب جامعي أعيش في بيت بعيد عن الله -سبحانه وتعالى- أبي يعمل موظفًا في إحدى الهيئات الحكومية، وأمي تعمل معه في نفس الهيئة، وأبي يعمل عملاً إضافيًّا وهو مصفف لشعر النساء (كوافير) ، وأنا أعلم أن هذا العمل ماله حرام، ولكنى حاولت نصحه فلم يسمع لي، فهل آخذ من مال أبي أم هو حرام؟
كما أن أبي يأخذ الراتب الشهري لأمي بالإجبار، ولا نستطيع أن نقول له أن يفصل بين ماله ومالها، فتضطر أمي لأن تأخذ منه أموالاً دون علمه، وهي تعتبر أن هذا من مالها، فهل ما تقوم به أمي صحيح؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فليس كل مال أبيك حراماً، بل ما يتقاضاه من عمله الإضافي، وعلى هذا فأخذك من مال أبيك ليس بالضرورة أن يكون من جزئه الحرام، وفي الجملة ما يتقاضاه والدك من مال حرام هو له حرام وأما لك فهو حلال؛ لأن نفقتك واجبة عليه، وقد كان يهود المدينة لا يتورعون عن الحرام من ربا ومن غيره، كما قال تعالى: "سماعون للكذب أكالون للسحت" [المائدة:42] . وقال أيضاً: "من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً" [النساء:160-161] . ومع ذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعاملهم ويقبل دعوتهم ويأكل من طعامهم، وقد دعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة، كما في مسند أحمد [13357،12396،12724) من حديث أنس -رضي الله عنه-، فقبل دعوة اليهودي، [وانظر البخاري (2092) ، ومسلم (2041) ] . من حديث أنس.
فإذا كان المال لكم حلالاً فلن تكونوا آثمين بالأكل منه، ومن يجد الكافية من أولاده فعليه أن يستغني بذلك عن نفقة والديه ما داما كذلك، سواء في ذلك مال الوالد أو الوالدة.
وإذا أراد والدكم التوبة فله رأس ماله الذي اكتسبه من مال حلال، وما زاد عن ذلك فعليه الصدقة به.
وواجب عليكم المناصحة للوالد والوالدة فإن لقلب المسلم إقبالاً وإدباراً، فقد توافق نصيحتكم إقبال قلبه فيعود إلى الله فيلتزم الاستقامة والورع.
أما أخذ أبيك من مال أمك فلا يجوز شرعاً فلها مالها، ولها الحق في أن تأخذ هذا المال الذي أخذه زوجها بالقوة، فتأخذ من ماله بقدر هذا المال بطريقتها الخاصة، وإن لم يشعر الأب بذلك. والله أعلم.(15/411)
حديث النار التي تحشر الناس في الشام
المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/01/1427هـ
السؤال
في الحديث الذي يذكر فيه حشر الناس من نار تخرج من عدن، وتحشرهم في الشام، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، ويحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا".
لدي استفساران:
1- أين وسائل النقل الحديثة من سيارات وغيرها.
2- لماذا لا يحشر إلا الذين في جزيرة العرب؟ أين بقية العالم، وأين الذين في أرجاء المعمورة؟ أتمنى الجواب الشافي.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
فمن أشراط الساعة الكبرى التي أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- "نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم".
وروى الإمام أحمد (4522) ، والترمذي (2217) عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ستخرج نار من حضرموت -أو من نحو بحر حضرموت- قبل يوم القيامة تحشر الناس".
كما ورد في البخاري (3329) جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المسائل التي سألها عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- ومنها: ما أول أشراط الساعة؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب".
وجمع أهل العلم بين هذه الروايات بأن كون النار تخرج من قعر عدن لا يعارض حشرها للناس من المشرق إلى المغرب؛ لأن ابتداء خروجها من قعر عدن ثم ينتشر في الأرض كلها.
ولعل هذا الجواب يجيب عن تساول السائل.
أما تساؤله الأول عن وسائل المواصلات، فظاهر أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة تدل على انتهاء هذه الحضارة، وسيعود الناس كما كانوا، والعلم عند الله تعالى.
وللعلم فإن من أشراط الساعة الصغرى: نار تخرج من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل لها ببصرى، وقد ظهرت هذه النار عام (654هـ) ، وقد ذكرها أهل العلم كالنووي وابن كثير.
ومما يجدر ذكره أن هذا الحشر ليس هو الحشر يوم القيامة؛ لأن الناس يحشرون عراة حفاة غرلاً، ويبعثون من قبورهم بعد نفخ الصور.
والله أعلم.(15/412)
زكاة المال الحرام
المجيب د. محمد بن حسين الجيزاني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/11/1426هـ
السؤال
أملك محلاً تجارياً صغيراً يباع فيه مواد حلال، وأخرى حرام مثل السجاير والخمور، فكيف يتم إخراج الزكاة من هذا المال، مع العلم أنه من الصعب الفصل بين هذه الأموال؟
وهل يجوز التبرع من هذه الأموال للفقراء والمساكين، والتبرع لبناء المساجد، والتبرع للفقير الذي يريد الحج؟
الجواب
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله، وبعد:
أولاً- المال الحلال تجب فيه الزكاة إذا كان نصاباً وحال عليه الحول، أما إذا كان المال حراماً فالواجب التخلص منه كله، والتوبة إلى الله من الكسب المحرم، واعلم أن المال الحرام سبب لمحق البركة في الرزق، ومنع إجابة الدعاء، واعلم أن من ترك شيئاً لله عوضه خيراً منه.
وإذا لم يحصل التخلص منه فهل تجب فيه الزكاة؟
القول بوجوب الزكاة في المال الحرام يقويه ويؤيده سد الذرائع، لئلا يصبح القول بعدم الزكاة مغرياً بالتكسب من الحرام، وهذا ما يقول به بعض العلماء، والقول بأنه لا زكاة في المال الحرام هو الذي يتمشى مع الأصل، وهو أن الزكاة تطهير للمال وزيادة له، وهذا لا يحصل إلا بالمال الحلال دون الحرام، وهذا ما يفتي به بعض العلماء.
ثانياً: أما إذا اختلط الحرام بالحلال فيمكن الفصل بينهما على سبيل المقاربة قدر الإمكان.
أما بالنسبة للتبرع من هذه الأموال -التي اختلط فيها الحلال بالحرام- فلا بد أولاً من تحديد معنى التبرع، وأنه غير الزكاة الواجبة، ومعلوم أن الزكاة الواجبة إنما تكون في المال الحلال الطيب كما تقدم.
أما إن كان المراد بالتبرع الصدقة المطلقة فيجوز دفعها في المصالح العامة، ولا تدفع لمن أراد الحج، أو لبناء المساجد؛ لأنه مال حرام. والله أعلم.(15/413)
زكاة الأرض المشتراه بقصد الاستثمار
المجيب أحمد بن محمد الرزين
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/1/1425هـ
السؤال
صاحب أرض اشتراها قبل 15 سنة بقصد الاستثمار، ولم يزكها طوال هذه المدة، فماذا يصنع؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد:
إن كان أراد بالاستثمار بيعها، وهو يتحين فرصة ذلك في حال ارتفاع سعرها، فالواجب عليه أن يزكي قيمتها عن جميع الأعوام التي حالت عليها عاماً عاماً، وعليه أن يتوب إلى الله من تأخيرها، وإن كان أراد بالاستثمار سوى ذلك، كتأجيرها أو البناء عليها لتأجير تلك المباني فليس عليه شيء، وكذا إن كان تردد بحيث لم يقطع نيته على شيء، فليس عليه شيء. والله الموفق.(15/414)
هل يصح الصيام ممن لا يصلي؟
المجيب أ. د. صالح بن محمد السلطان
أستاذ الفقه بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/09/1425هـ
السؤال
ما حكم صيام العاقل المكلَّف الذي لا يصلي؟.
الجواب
الصلاة ركن الإسلام الأكيد وعموده العظيم، وتركها كفر كما قال -صلى الله عليه وسلم-:"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" الترمذي (2621) ، والنسائي (463) ، وابن ماجة (1079) ، وقال -صلى الله عليه وسلم-:"بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة" مسلم (82) وقال عبد الله بن شقيق:"كان أصحاب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة" الترمذي (2622) فأمر صيام من لا يصلي إلى الله، لكن عليه أن يتوب ويقبل على أداء هذه الشعيرة مع جماعة المسلمين ويداوم على ذلك، فإن الله غفور لمن تاب وعمل صالحاً ثم اهتدى.(15/415)
كتابة الآيات بالدم!
المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/02/1427هـ
السؤال
ما حكم الشرع في كتابة القرآن الكريم بالدم؟ وما عقوبة مَنْ يأمر بفعل ذلك ومَنْ ينفذه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن من المقطوع به عند جميع المسلمين وجوب احترام كتاب الله وتعظيمه، وصيانته عن كل ما من شأنه أن ينال من طهارته وقدسيته ومكانته.
ومن صور احترامه وتعظيمه كتابته على ورق طاهر نظيف، وبمداد طاهر، ووضعه في مكان طاهر لائق به، وعدم مسه إلا بطهارة، ونحو ذلك من الأمور.
وعليه فتحرم كتابته بشيء نجس أو قذر، كالبول والدم والماء المتنجس، وسائر المواد النجسة.
ومن كتب القرآن بشيء نجس أو قذر على سبيل الاستهانة والاحتقار فهو كافر، وأما من كتبه لا على سبيل الاستهانة والاحتقار، وإنما على سبيل الجهل فهذا جاهل يعلّم ويبيّن له الحكم الشرعي في ذلك، وأما إن فعل ذلك لا احتقاراً ولا جهلاً فهذا يؤدب بما يردعه هو وأمثاله عن هذا الفعل الشنيع. والمشارك له في هذا الفعل مثله في الحكم.
فتحصّل أن كتابة القرآن بالدم حرام على كل حال؛ لأن الدم نجس، ولو لم يكن نجساً فهو قذر، ولا تجوز كتابة القرآن الكريم بشيء نجس أو مستقذر.
وفاعل ذلك والمشارك له فيه إن كان فعلهم استخفافاً واستهانة بكتاب الله فهو كفر وردة عن الإسلام، وإلا فهو كبيرة من كبائر الذنوب. والله أعلم.(15/416)
الصدقة على غير المسلمين
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/03/1427هـ
السؤال
نحن نعيش في بلد النصارى, ونجد من يسألنا الصدقة عند مرورنا بالفقراء, وأحياناً يسألوننا بالله. فهل يجوز أن نعطيهم صدقة أو مساعدة؟ وهل نؤجر على ذلك؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد قال الله تعالى: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِن دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [الممتحنة:8] .
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "في كل كبد رطبة أجر" صحيح البخاري (2363) ، وصحيح مسلم (2244) .
وبناء على ذلك فتستحب الصدقة حتى على غير المسلمين، وقد يكون في ذلك تأليف لهم وترغيب في الإسلام، لكن لو كانوا يستعينون بذلك على أذى المسلمين فحينئذٍ لا تجوز الصدقة عليهم. والله تعالى أعلم.(15/417)
الاتزان في الحب والبغض!
المجيب أ. د. عبد المهدي عبد القادر
أستاذ الحديث بكلية أصول الدين - جامعة الأزهر
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/05/1427هـ
السؤال
هل يوجد حديث معناه "أن نتعامل كالغرباء (الأصدقاء, الجار, في الاحترام) ونتحاب كالأخوة"؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، وبعد:
فإن الإسلام هو الدين الذي جمع القلوب على الحب في الله، وربط بين الإيمان والأُخُوَّة، فقال الله تعالى:"إنما المؤمنون إخوة" [الحجرات:10] . ونهى عن اتخاذ غير المؤمنين أولياء من دون المؤمنين، كما وضعت شريعة الله القواعد العامة للتعامل بين الناس جميعا؛ كما بيّن النبي عليه الصلاة والسلام الأساس الذي تقوم عليه المعاملة في ديننا بقوله صلى الله عليه وسلم:"الدين النصيحة" رواه مسلم (55) . ومع ذلك فقد وضع الإسلام ميزان قسط يحفظ للعلاقات بين الناس توازنها لضمان استمرار الحب ودوام الألفة، وكذلك ليصون النفس من صدمات تقلب أحوال المسرفين في مشاعرهم، لذا فقد وجه إلى الاعتدال في المحبة، والاقتصاد في المديح، والإنصاف في المعاملة، والتوسط في المعاشرة، والالتزام بالشرع في المخالطة.
قال سيدنا عمر -رضي الله عنه-: لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا.
والكلف شدة التعلق بالشيء، والتلف: الإهمال.
وقال علي -رضي الله عنه- أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما ورُوي مرفوعا، ولا يصح. والله أعلم.(15/418)
فسخَ العمرةَ ولم يكن قد اشترط
المجيب د. شرف بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/10/1424هـ
السؤال
أنا أعمل في إحدى المناطق، وذهبت للعمرة في إحدى السنين، وعندما وصلت إلى مدينة جدة وأنا محرم ذهبت للفندق لأضع حقائبي، وعندما وصلت للفندق جاءني خبر وفاة جدتي، فخلعت إحرامي وعدت إلى المطار وسافرت، فما الواجب علي في ذلك، علماً أنني لا أتذكر إن كنت تلفظت بهذا اللفظ: (فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني)
الجواب
الحمد لله، أخي الكريم يجب أن نعلم أن المسلم إذا نوى عمرةً أو حجاً، ودخل في العبادة -مثلك- وجب عليه إتمام ما نوى حجاً أو عمرة، فلو أنك سافرت إلى أبها وأنت محرم لا شيء عليك، فأنت ما زلت محرماً ولو خلعت ملابس الإحرام، فعليك أن تلبس ملابس الإحرام وتعود إلى مكة محرماً وتؤدي مناسك العمرة، وعليك دم لرفض الإحرام، تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وكان الواجب عليك أن تسأل قبل خلع ملابس الإحرام، لتكون على بصيرة، والله أعلم.(15/419)
قبول هدايا الكفار في أعيادهم
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 30/12/1426هـ
السؤال
أسلمت وعلاقاتي متوترة مع أقربائي. وفي عيد الميلاد المسيحي يقدم بعضهم هدايا لبعض، وأنا إلى الآن أقبل هذه الهدايا، لأنه يحزنهم كوني لا أشاركهم في المأدبة التي يقيمونها بهذه المناسبة، حيث يحضر كل أفراد الأسرة إلا أنا، لكنني أشك الآن في شيء: هل يجوز لي أن أقبل هداياهم، علما بأني اشترطت عليهم أن يقدموها لي بعد مضي عيد الميلاد بأسبوع على الأقل؟
وهل يمكنكم أن تقدموا لي نصائح قد تفيد جميع حديثي العهد بالإسلام ممن يواجهون الصعوبات نفسها؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالجواب فيه تفصيل:
أولاً: الأصل أنه لا تجوز مشاركة اليهود والنصارى وغيرهم من الملل في أعيادهم ولا في شعائر دينهم، ولا تجوز تهنئتهم بها، كتهنئتهم بعيد الميلاد أو بعيد رأس السنة؛ لأن تهنئتهم بشعائر الكفر معناها الرضى بهذه الشعائر لهم، وهذا مخالف لما تقتضيه أدلة الشريعة، وكذلك لا يجوز الإهداء لهم في أعيادهم من باب أولى.
ثانياً: أما قبول الهدية منهم يوم عيدهم فلا حرج فيه؛ لما ورد عن علي -رضي الله عنه- أنه أُتي بهدية النيروز فقال: ما هذه؟ قالوا: يا أمير المؤمنين هذا يوم النيروز. قال: فاصنعوا كل يوم فيروزاً، قال أبو أسامة -أحد الرواة-: كره -رضي الله عنه- أن يقول: نيروزاً". رواه البيهقي في السنن (9/235) ، وروى ابن أبي شيبة في المصنف (24361) أن امرأة سألت عائشة -رضي الله عنها- قالت: إن لنا أظآراً من المجوس، وإنه يكون لهم العيد فيهدون لنا، قالت: أما ما ذُبح لذلك اليوم فلا تأكلوا، ولكن كلوا من أشجارهم.
والأظآر: جمع ظئر وهي المرضعة لغير ولدها، ولعل المقصود هنا الأقارب من الرضاعة، قاله الشيخ/ ناصر العقل.
وروى ابن أبي شيبة أيضًا (24362) عن أبي برزة -رضي الله عنه- أنه كان يقول، لأهله إذا أهدي لهم في النيروز والمهرجان: ما كان من فاكهة فكلوه، وما كان من غير ذلك فردوه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر هذه الآثار: فهذا كله يدل على أنه لا تأثير للعيد في المنع من قبول هديتهم في العيد وغيره سواء؛ لأنه ليس في ذلك إعانة لهم على شعائر كفرهم. ا. هـ
وأما الذبائح فلا تحل؛ لأن ذبائح المجوس غير مباحة.
ثالثاً: وأما معاملتهم فإن معاملة الإنسان لغيره لا تخلو من ثلاث حالات؛ إما أن يعامل بالإحسان، وإما أن يعامل بالعدل، وإما أن يعامل بالجور والظلم.
فأما المعاملة بالجور والظلم فهي محرمة لا تجوز حتى في حق غير المسلمين، وأما المعاملة بالعدل فهي واجبة مع كل أحد ولو مع البغض، قال الله تعالى: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" [المائدة: 8] . والشنآن أشد الكراهية.
وأما المعاملة بالإحسان فمستحبة مؤكدة مع المودة في حق المسلمين, ولا بأس بها في حق غير المسلمين بشرطين:
الأول: ألا يصاحب ذلك مودة.(15/420)
الثاني: أن يكون هؤلاء ليسوا محاربين للمسلمين، قال الله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون". [الممتحنة: 8، 9] .
أن تودوهم: أي تحسنوا إليهم، وتقسطوا إليهم: تعاملوهم بالعدل.
أما إجابة دعوتهم في غير أعيادهم فلا بأس بها إن كان في ذلك مصلحة ودعوة للإسلام، فقد أجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوة من دعاه من اليهود، وأما إن كان في ذلك محذور من مودتهم ومحبتهم والإعجاب بهم والتأثر بهم فلا تجوز، والقلب إذا مال إليهم أو رضي بكفرهم على خطر عظيم، يقول الله تعالى: "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم". [المجادلة: 22] .
فالإحسان والمعاملة بالحسنى شيء، والمودة شيء آخر، وأوصي أخي -ومن هو على شاكلته- بأن يتفقه في الدين، وأن يكثر من الدعاء بالثبات عليه، وأن يدعو إلى الله بحسب علمه بالتي هي أحسن.
وفقك الله وثبتك وزادك علماً وتقى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(15/421)
الانحراف اليسير عن القبلة
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/02/1427هـ
السؤال
ما حكم الصلاة مع انحراف يسير عن جهة القبلة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمن شروط صحة الصلاة استقبال القبلة، ولا تصح الصلاة إلا به؛ لأن الله تعالى أمر به، وكرر الأمر به في القرآن الكريم، قال تعالى: "وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ" [البقرة:150] ، أي جهته، إلا أنه يستثنى من ذلك ثلاث مسائل:
الأولى: إذا كان المصلي عاجزاً، كمريض وجهه إلى غير القبلة، ولا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة، فإن استقبال القبلة يسقط عنه في هذه الحال، لقوله تعالى: " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" [التغابن:16] .
الثانية: إذا كان في شدة الخوف، كإنسان هارب من عدو، أو هارب من سبع، أو هارب من سيل يغرقه، فهنا يصلي حيث كان وجهه، ودليله قوله تعالى: "فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ" [البقرة:239] . فإن قوله "فإن خفتم" يشمل أي خوف، فالواجب معلق بالاستطاعة.
الثالثة: النافلة في السفر، سواء كان على طائرة، أو على سيارة، أو على بعير، فإنه يصلي حيث كان وجهه في صلاة النفل، مثل الوتر، وصلاة الليل، والضحى، وما أشبه ذلك.
فيجب على المسلم أن يستقبل القبلة، لكن إذا اجتهد وتحرى، ثم تبين له الخطأ بعد الاجتهاد، فإنه لا إعادة عليه إن كان في غير البلد، أما في البلد فالصواب أنه يعيد الصلاة لسهولة معرفة القبلة.
وأما من علم أن جهة القبلة خطأ، وصلى على ذلك، فعليه الإعادة بكل حال. وفقنا الله وإياك للفقه في الدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(15/422)
قطع آذان البهائم
المجيب سالم بن ناصر الراكان
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/03/1427هـ
السؤال
يقوم البعض بقطع أذن الماعز وكي قرنها بتخديرها حتى لا تتألم، معللين أن ذلك يزيد من وضوح الوجه، وزيادة سعرها بجمال الوجه. أما كي القرن فحتى لا يؤذيها عند تناول الطعام أو العراك فيما بينها، فهل يجوز من قطع الأذن وكي القرن؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
أما قطع أذن الماعز فلا يجوز شرعاً لنهيه -عز وجل- عن ذلك في كتابه، قال -تعالى- عن إبليس لعنه الله: "وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ" [النساء:119] يعني يقطعونها، قال القرطبي -رحمه الله تعالى- في تفسيره (5/389) : وذلك كله تعذيب للحيوان، وتحريم وتحليل بالطغيان، وقول بغير حجة ولا برهان".
وأما كي القرن فلا يظهر لي مانع من ذلك، لأنه يجوز وسم الأنعام وإشعارها في كل أماكن الجسم ما عدا الوجه؛ لما جاء في صحيح البخاري (1502) ، وصحيح مسلم (2119) عن أنس -رضي الله عنه- قال: رأيت في يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الميسم وهو يسم إبل الصدقة. ولحديث جابر رضي الله عنه: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الضرب في الوجه والوسم في الوجه. رواه مسلم (2116) .
فلا مانع إذن من كي القرون، لا سيما إذا كانت القرون تؤذيها عن الأكل أو في العراك كما ذكرت السائلة، والعلم عند الله تعالى.(15/423)
هل خلاف الصحابة في رؤية النبي ربه خلاف في الأصول
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/01/1427هـ
السؤال
يقال: إن الصحابة لم يختلفوا في العقيدة والأصول؟! فكيف نوفق بين ما قاله ابن عباس -رضي الله عنهما- من أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأى وجه ربه ليلة الإسراء والمعراج، وبين نفي عائشة -رضي الله عنها- لذلك؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالصحابة لم يختلفوا في مسائل الاعتقاد، ولم يختلفوا في صفات الله، بل هم يؤمنون بها، ويصفون الله بها؛ فيؤمنون بأنه تعالى حي قيوم سميع بصير، وأنه على كل شيء قدير، وأنه مستوٍ على العرش، عالٍ على خلقه، وأنه سبحانه وتعالى مع عباده كما أخبر بذلك عن نفسه، وأخبر رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو موجب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، فيجب الإيمان بكل ما أخبر الله به عن نفسه، وأخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، كما يجب الإيمان بما أخبر به من المبدأ والمعاد والجنة والنار، والماضي والمستقبل، هذا ما مضى عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وتبعهم على ذلك أهل السنة والجماعة.
وكذلك لم يختلفوا في القدر وأفعال العباد وفي حكم أهل الكبائر، وهذا الاتفاق لا يمنع أن يختلفوا في بعض الجزئيات، كمسألة رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه ليلة المعراج، كما اختلفوا في تفسير بعض الآيات، هل هي من آيات الصفات؟ كقوله تعالى: "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله" [البقرة: 115] ، فالأكثرون قالوا المراد بالوجه الجهة، وهي القبلة، فوجه الله قبلة الله كما قال مجاهد، وقال بعض أهل السنة: (وجه الله) هو وجهه الذي هو صفته سبحانه وتعالى، وليس ذلك اختلافاً في إثبات الوجه لله -سبحانه وتعالى- فإنه ثابت بالنصوص التي لا تحتمل، كقوله تعالى: "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" [الرحمن: 27] . وعائشة -رضي الله عنها- لم ترو عن النبي -صلى الله عليه وسلم-من قوله (لم ير ربه) بل هذا ما فهمته -رضي الله عنها. صحيح البخاري (4855) ، وصحيح مسلم (177) .
وقد سأل أبو ذر النبي -صلى الله عليه وسلم- هل رأيت ربك؟ "قال: رأيت نوراً". صحيح مسلم (178) .
وقد جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- من قوله إن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه، وفي رواية: (رأى ربه بقلبه) انظر صحيح مسلم (176) ، والسنة لابن أبي عاصم (192) ، والمستدرك (2/509) ، والإيمان لابن منده (2/761) . وليس فيه أنه رأى وجه ربه، ولا أنه رآه بعينه.(15/424)
ومثل هذا الاختلاف لا يقدح في القول بأن الصحابة لم يختلفوا في مسائل الاعتقاد، ولا يصلح مستنداً في الخلاف في باب الصفات، فإن بعض الذين انحرفوا عن سبيل أهل السنة والجماعة، ووافقوا الجهمية والمعتزلة في أكثر مسائل الأسماء والصفات يذكرون خلاف الصحابة في رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه؛ ليتخذوا منه مسوغاً لخلافهم وهو لا يُسوِّغُ إلا الخلاف في هذه المسألة، والواجب اتباع سبيل المؤمنين، فما أجمع عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان وجب اتباعهم فيه، وما اختلفوا فيه يجب رده إلى الله والرسول، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً" [النساء: 59] . والله أعلم.(15/425)
رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في اليقظة؟!
المجيب د. خالد بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/03/1427هـ
السؤال
هناك أناس يزعمون أنه بالإمكان رؤية الرسول -صلى الله عليه وسلم- في اليقظة، وليس في المنام!! وكذلك رؤية شخص آخر، ويستدلون بما وقع من عمر -رضي الله عنه- مع سارية، بينما هو على المنبر. أرجو منكم الإفادة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمن زعم أن بإمكانه رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم يقظة بعد موته فهو كاذب ويدعي باطلاً، وزاعم لنفسه مكانة لا يستحقها، وذلك للآتي:
1- أن مقتضى دعواه أن يكون من جملة الصحابة، وقد أجمع العلماء على أن الصحبة خاصة بمن رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في اليقظة مؤمناً به.
2- أن مقتضى دعواه الزعم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما زال حيًّا، وهذا كذب فاضح مخالف لإجماع الصحابة والأمة من بعدهم بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد مات، لقوله جل وعلا: "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ" [المؤمنون:15] ، وقد أجمع الصحابة على الصلاة عليه ودفنه، فلو كان حيًّا ما جاز فعل ذلك به.
3- أنه لو كان أحد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في اليقظة بعد الموت لكان التابعون وأتباعهم -رضي الله عنهم- أئمة الدين، من أمثال ابن المسيب، وابن سيرين، وعمر بن عبد العزيز، والإمام مالك، والإمام الشافعي، وأحمد، ولم يدَّع أحد منهم ذلك.
4- أنه يلزم من ذلك أن الوحي لم ينقطع، وهذا مخالف لإجماع المسلمين، فقد انقطع الوحي بموت النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وأما الاستدلال لما حصل لعمر مع سارية فهو استدلال فاسد؛ لأن سارية كان حيًّا، وإنما الكرامة وقعت لعمر -رضي الله عنه- حيث إنه رأى موقف المسلمين رأي عين، أو أنه ألهم هذا القول دون رؤية، ثم بلغ الله مقالته لسارية.
ثم إن هذه الكرامة أمكن إثباتها بغير النقل لها عن عمر ولا عن سارية، أي حصل مصدر مستقل في إثباتها مما نعلم به صدقها.
ولكن مدعي رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يستطيع بحال أن يثبت رؤيته للنبي -صلى الله عليه وسلم- بشهادة عدول ولا بغيرها، إلا بمجرد خبره. والله أعلم.(15/426)
نفقه ومتعة المطلقة
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 08/04/1427هـ
السؤال
هل للمطلقة ثلاث مرات نفقة عدة وسكن ومتعة؟ وإن كانت طلقتان فقط هما الموثقتان بالمحكمة فكيف يمكن إثبات الطلقة الثالثة؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا كانت المطلقة ثلاثاً حاملاً فإن لها نفقة وسكنى ما دامت حاملاً بإجماع أهل العلم، لقوله تعالى: "وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ" [الطلاق:6] .
وأما إذا لم تكن حاملاً ففي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، كما اختلفت التقنينات المعاصرة في هذه المسألة.
والصحيح من هذه الأقوال هو مذهب الإمام أحمد وفقهاء الحديث أن المطلقة ثلاثاً ليس لها نفقة ولا سكنى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس -رضي الله عنها- وكان زوجها طلقها البتة: "لا نفقة لك ولا سكنى" أخرجه مسلم (1480) .
وأما التقنينات المصرية في هذه المسألة فإنها موافقة لمذهب أبي حنيفة -رحمه الله- فتوجب للمطلقة ثلاثاً النفقة والسكنى خلال العدة، وأيضاً متعة تقدر بنفقة سنتين ما دامت قد طلقت بغير رضاها ولا سبب من قبلها.
أمّا الطلقة الثالثة فإثباتها لدى الجهة المختصة بإقرار المطلق أو الشهادة عليه بوقوع الطلاق منه. والله الموفق.(15/427)
إذا كان المصير مقدراً فَلِمَ العمل؟!
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/01/1427هـ
السؤال
إذا كان كل شيء بقضاء الله وقدره، حتى مصير العباد بعد الموت، فلماذا نعمل؟ ولماذا أدعو الله بالهداية؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالإيمان بالقدر من أصول الإيمان التي لا يتم الإيمان إلا بها، ولا يتم التوحيد إلا به، ومعنى الإيمان بالقدر أن الله علم ما يكون قبل أن يكون بعلمه القديم، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، وأنه تعالى لا يكون إلا ما يشاء فهو خالق كل شيء، ويجب مع الإيمان بالقدر الإيمان بالشرع، وهو أن الله أمر عباده بطاعته، ونهاهم عن معصيته، فيجب على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وأن يطيعوه وأن يتبعوا رسله، فهذا سبب النجاة، وله الحكمة البالغة في شرعه وقدره، وقد قدَّر سبحانه ترتيب الأشياء على أسبابها، فجعل للخير أسباباً وللشر أسباباً، وقد شرع الله لعباده الأخذ بالأسباب الموصلة إلى المنافع، وتجنب الأسباب المفضية إلى الأضرار، وفطرهم سبحانه وتعالى على ذلك، مع التوكل على الله والاستعانة به، والإيمان بأنه لا يكون إلا ما يشاء.
وليس من العقل والدين تعطيل الأسباب اتكالاً على القدر، فأما منافع الدنيا من الرزق والصحة والولد وغير ذلك، فكل أحدٍ يكدحُ لتحصيلها ويأخذ بأسبابها، وما أدركه منها فبمشيئة الله وتقديره، فهو سبحانه خالق الأسباب والمسببات.
ولا يقول عاقل: إن كان الله قدَّر لي رزقاً أو ولداً أو حظاً من حظوظ الدنيا، فسيكون ولو لم أسعَ في تحصيله، وهكذا الشرور في الدنيا جعل الله لها أسباباً واقية منها، وأسباباً جالبة، وكل يعمل لدفع هذه الشرور، ويُحاذر الأسباب الجالبة لها، وهكذا الآخرة جعل الله للخير والشر فيها أسباباً، فالإيمان والطاعة سببٌ للفوز بالجنة والنجاة من النار والكفر والمعاصي سببٌ لدخول النار، والمؤمنون بالله ورسله لا يتكلون على القدر في ذلك، بل يعملون بطاعة الله رجاء ثوابه، ويتجنبون معاصيه خوفاً من عذابه، مستعينين بالله على ذلك، كما قال تعالى: "إياك نعبد وإياك نستعين".
ولما قال رجل: يا رسول الله: أفلا نتكل على كتابنا (يعني القدر) وندع العمل؟ قال: "اعملوا فكل ميسَّر لما خُلق له". صحيح البخاري (4949) ، وصحيح مسلم (2647) . وفي الحديث القدسي: "يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم أياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه". صحيح مسلم (2577) .
فمن ترك الإيمان بالله ورسله، واتبع هواه محتجاً بالقدر ومات على ذلك، فهو من أهل النار قطعاً، ومن آمن بالله ورسله وعمل بطاعته ومات على ذلك، فهو من أهل الجنة قطعاً. فالواجب على الإنسان أن يأخذ بأسباب النجاة، ويحذر من أسباب الهلاك، والله تعالى يمن على من يشاء، وهو أعلم حيث يجعل فضله (ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما) [النساء: 70] . والله أعلم.(15/428)
تسمية بعض النبات بـ "عباد الشمس"
المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 06/02/1427هـ
السؤال
السلام عليكم
هل يجوز تسمية زهرة عباد الشمس بهذا الاسم؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن إطلاق اسم (عبّاد الشمس) على الزهرة المعروفة لا يجوز؛ لأن هذه الزهرة وسائر النباتات لا تعبد الشمس، وإنما تعبد الله الواحد الأحد، وقد قال الله تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء". [الحج:18]
والواجب تسميتها بغير ذلك، كتسميتها بـ (دوّار الشمس) ونحو ذلك من الأسماء التي لا تحمل مخالفة شرعية. والله الموفق.(15/429)
لماذا لا نأذن لهم بالدعوة كما أذنوا لنا بها في بلادهم؟!
المجيب د. خالد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/03/1427هـ
السؤال
يشارك بعض الإخوة في بريطانيا ببرامج دعوية للمسلمين وغير المسلمين، ودائما يتكرر سؤال من غير المسلمين، وهو: إنهم في الغرب يسمحون للمسلمين بالدعوة إلى دينهم، بينما لا يسمح المسلمون في الدول الإسلامية للدعاة من غير المسلمين بالدعوة لدينهم هناك. فكيف نجيب عن مثل هذا السؤال؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالجواب أن دين الإسلام قد ختم الله به الأديان، ورسولنا قد ختم الله به الرسل، فكل شخص في هذا العالم مطالب باتباع دين الإسلام لا غيره، ومن هنا حرّم الله تعالى أن يدعو غير المسلم في بلاد المسلمين لإخراجهم عن دينهم الحق.
وكذلك يجاب بأن هذه حرية شخصية للمجتمع المسلم الذي يفرض أنظمته وفق دينه فلماذا الغضب والاستنكار؟!
وقد مارس المسلمون حقهم الشخصي والطبيعي في تطبيق أنظمتهم.
ثم ألا ترى أن الغرب يمارس جميع أهوائه وفق ما يريد، وفوق ما يريد كتشريع الأنظمة العالمية التي تبيح كثيراً من المحرمات، وكاحتلال البلدان وفرض أنظمتهم عليها، وكإقصاء الأديان عن التأثير في مجريات الحياة العامة والخاصة.(15/430)
طلَّق مُكرهاً
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/03/1427هـ
السؤال
طلقت زوجتي الثانية طلقة واحدة، رغم أنها لم تأتِ بإثم، لكن بضغط من أهلي, وبعد مدة قصيرة أرجعتها, وقد كنت عقدت النكاح بدون موافقة أهلي، وكنت قد عقدت العزم أن يتم الزواج بعد أشهر قليلة، فبعد أن علم أهلي أني أرجعتها وقفوا في طريق تحقيق الزواج , وبإصرار وضغط وتهديد تم الطلاق.
سؤالي: لم أنطق بكلمة الطلاق، ولم أعقد النية في قلبي إنما أرسلت إليها ورقة بطلاقها. وأريد استرجاعها. فهل من سبيل إلى ذلك؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن كان الطلاق الصادر من مكلف -وهو العاقل البالغ- نطقاً أو كتابة قد تم تحت الإكراه الملجئ فطلق بسبب تهديده بالقتل أو بسبب التعذيب الواقع عليه، أو أخذ ماله، أو هدده قادر يظن إيقاعه به، ولم يمكنه التخلص من ذلك إلا بالطلاق، فطلق تبعاً لقوله لا قصداً للطلاق، فإن هذا الطلاق لا يقع؛ قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "أفتى الصحابة بعدم وقوع طلاق المكره وإقراره، فصح عن عمر أنه قال: ليس الرجل بأمين على نفسه إذا أوجعته أو ضربته أو أوثقته، وصح عنه أن رجلاً تدلى بحبل ليشتار فأتت امرأته فقالت: لأقطعن الحبل أو لتطلقني، فناشدها الله فأبت فطلقها، فأتى عمر فذكر له ذلك فقال له ارجع إلى امرأتك فإن هذا ليس بطلاق. وحكي عدم الوقوع عن علي وابن عمر وابن الزبير -رضي الله عنهم-". انظر: زاد المعاد (5/208) .
وقال: "وقد صح عن ابن عباس: ليس لمكره ولا لمضطهد طلاق" ا. هـ إعلام المعوقين (3/38) .
وقال -رحمه الله تعالى-: "وقال -أي الإمام أحمد- في رواية أبي الحارث: إذا طلق المكره، لم يلزمه الطلاق فإذا فُعل به كما فُعل بثابت بن الأحنف فهو مكره، لأن ثابتاً عصروا رجله حتى طلق فأتى ابن عمر وابن الزبير فلم يريا ذلك شيئاً، وكذا قال الله تعالى: "إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ" [النحل:106] .
وقال الشافعي: قال عز وجل: "إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ" وللكفر أحكام، فلما وضعها الله تعالى عنه سقطت أحكام الإكراه عن القول كله؛ لأن الأعظم إذا سقط عن الناس سقط ما هو أصغر منه.
وفي سنن ابن ماجه وسنن البيهقي من حديث بشر بن بكر عن الأوزاعي عن عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله وضع عن أمتي" -وقال البيهقي "تجاوز لي عن أمتي"- الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". إعلام الموقعين (4/51) .
قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "ولا يقع طلاق المكره. والإكراه يحصل إما بالتهديد أو بأن يغلب على ظنه أنه يضره في نفسه أو ماله بلا تهديد. وقال -في موضع آخر-: كونه يغلب على ظنه تحقق تهديده ليس بجيد، بل الصواب أنه لو استوى الطرفان لكان إكراها" ا. هـ الفتاوى الكبرى (5/568) .
أما إن كان الإكراه غير ملجئ بل بسبب ضغوط بالكلام من غير فعل، كطاعة الولد والديه أو أهل بيته بطلاق زوجته من غير إيذاء فإن الطلاق واقع.(15/431)
فإن كان هذا الطلاق قد وقع قبل الدخول والخلوة فقد بانت منك المرأة بينونة صغرى، فلا تحل لك إلا بعقد جديد مستوف الشروط والأركان قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا" [الأحزاب:49] .
أما إن وقع بعد الدخول والخلوة وطلقتها بلا عوض فهي طلقة رجعية لك مراجعتها ما دامت في العدة، وتحسب طلقة واحدة.
وأنصحك بعدم الاستعجال حتى تنهي الموضوع مع أهلك، خاصة أنك قد توقع الطلاق لو أرجعتها بسبب ضغوط أخرى فإن أكملت الثلاث بانت منك المرأة بينونة كبرى، فلا تحل لك إلا بعد أن تنكح زوجاً غيرك نكاح رغبة لا تحليل، قال تعالى: "الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" [البقرة:229-230] .
وكتابة الطلاق كنطقه على التفصيل الذي ذكرناه. والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(15/432)
هل يجوز العمل في هذه المنظمة
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/04/1427هـ
السؤال
عرض علي عمل بمنظمة غير حكومية كموثق ومحرر لبرامج الكمبيوتر، هذه المنظمة من أهدافها ترسيخ قيم الديمقراطية، والتعاون الدولي، ومكافحة الظلم، والفقر في العالم.
هل يجوز لي أن أعمل كاتبا أو محرراً لبرامج الكمبيوتر الخاصة بهذه المنظمة، مع العلم أنني لن أروج لأفكار هذه المنظمة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا كنت بحاجة إلى العمل يسعك أن تعمل في هذا البرنامج، وبخاصة في مكافحة الظلم، والفقر، وترسيخ قيم الديمقراطية التي تعني الحوار، والتعاون، والشورى، والعدل، والبعد عن التعصب الأعمى، والعنصرية، والاستعلاء، إلى غير ذلك من القيم التي يزكيها ديننا الحنيف، وكل الرسالات السماوية، كما تستجيب لها العقول السوية، والفطر السليمة، هذا الجانب من القيم هو الذي ينبغي التعاون فيه، ولكن هناك الجوانب الأخرى السلبية التي تُصَدَّر إلى العالم الثالث من مثل المبالغة في المطالبة بحقوق المرأة وحرية السب والتشهير، والصراع الدائم بين الحاكم والمحكوم، واعتبار صراع المغالبة أساساً لفلسفة الحياة دون سقف لخلق أو دين.
لذا لا مانع من العمل، مع شيء من الذكاء والديانة، والتمييز بين الخبيث والطيب، والله أعلم.(15/433)
اتخاذ الوسائد ذات التصاوير
المجيب عبد الرحمن بن إبراهيم العثمان
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 13/03/1427هـ
السؤال
أريد شراء قطيفة فيها تصاوير، فهل يجوز لي ذلك؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه، وبعد:
فإذا كان في هذه القطيفة تصاوير ذوات الأرواح، وتستخدم استخدام الفرش والسجاجيد بأن توطأ وتمتهن فاتخاذها جائز، وإن كانت تعلق وتنصب على الجدران أو النوافذ ونحوها فاتخاذها محرم؛ لما في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه هتكه وتلون وجهه، وقال: "يا عائشة أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله". قالت: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين.
وفي رواية: فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرتفق عليهما" يعني: يتوسد. صحيح البخاري (5954) ، وصحيح مسلم (2107) .
والشاهد منه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنكر على عائشة -رضي الله عنها- الستر الذي كان فيه التماثيل وغيَّره وأزاله حينما كان منصوباً، فلما جعلت منه وسائد يتكأ عليها لم يكرهها؛ لكونها مما يوطأ ويمتهن بخلاف المنصوب.
وكان السلف -رحمهم الله- لا يرون بأساً باستعمال البسط ذات الصور إذا كانت مما يوطأ بالأقدام، يقول عكرمة مولى عبد الله بن عباس: كانوا يكرهون ما نصب من التماثيل نصباً ولا يرون بأساً بما وطأته الأقدام.
ولأن هذه الصور إذا كانت تداس وتبتذل فإنها لا تكون معززة ولا مكرمة، فلا يكون فيها تشبه بالأصنام التي تعبد وتتخذ آلهة، وبالله التوفيق.(15/434)
زكاة القطن
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/2/1425هـ
السؤال
هل القطن تجب عليه زكاة؟ مع العلم أنه محصول رئيسي، وإذا كان عليه زكاة فما مقدارها؟، وهل تحسم المصاريف قبل الزكاة أم بعدها؟ -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
قال ابن قدامة - رحمه الله - في المغني: (ولا زكاة في الأزهار كالزعفران والعصفر، والقطن؛ لأنه ليس بحب، ولا ثمر، ولا هو بمكيل، ولا تجب فيه الزكاة كالخضروات) ، قال أحمد - رحمه الله-: (ليس في القطن شيء، وهذا ظاهر كلام الخرقي، وقيل فيه الزكاة، والقول الأول قول الجمهور) . والله أعلم.(15/435)
دخول محارم الميت عليه
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/05/1425هـ
السؤال
بعض مغاسل الموتى تمنع الرجال من الدخول إلى المتوفاة، وهم محارمها، وتمنع النساء من الدخول على الميت للسلام عليه بعد تغسيله مع أنهم محارمه، علماً بأنه يوجد مدخل خاص للنساء، ومكان خاص للنساء للسلام على الميت دون أن يراهم أحد، وإذا سُئِلَ عن السبب قيل: إنه من اتباع النساء الجنائز، وقد نهي عن ذلك، والمعروف أن الاتباع المحظور هو المقابر. أفيدونى، -جزاكم الله خيراً-.
الجواب
كون المرأة تأتي لترى زوجها أو والدها، أو أبناءها، أو أخاها، أو نحو ذلك، ليس فيه شيء من المحذور - إن شاء الله-، إنما الممنوع هو أن تمشي مع الجنازة، أو تزور المقابر، وأما رؤيتها له في مكان التغسيل فلا يدخل في النهي - إن شاء الله-. والله أعلم.(15/436)
هل الخواطر والوساوس تؤثر في الإيمان
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 6/11/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
هل يجوز للفرد أن يعقد القران رغم إصابته بحالة شك في الإيمان؟ مع العلم أنه إنسان متدين جداً، ويؤدي الفرائض والسنن والنوافل في أوقاتها، ولم يخبر أحداً بهذه الوساوس والخواطر، وطول اليوم يكرر الشهادة من شدَّة خوفه، ولم يتلفظ بتلك الوساوس. فهل عقد الزواج يكون صحيحاً أم لا؟ مع العلم أن هذه الأفكار خارجة عن طاقتي ولا أتحكم فيها. أفيدونا جزاكم الله خيراً، ولا تنسونا من صالح الدعاء، والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
الجواب
الأخ الكريم/ سلمه الله، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع الإسلام اليوم، ونرجو أن تجد منا الفائدة والنفع.
أخي الكريم: ثبت في الحديث الذي رواه البخاري (5269) ومسلم (127) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم" فطالما أن الوساوس والخواطر محلها قلبك أو نفسك ولم تتلفظ بها، فأنت في عفو منها ولا تؤاخذ عليها، والعقد حين ذلك صحيح، ولا إشكال فيه، ولكن الواجب عليك أن تتنبه لأمور ومنها:
(1) الحرص على الانصراف عن التفكير في تلك الوساوس؛ لقوله -عليه السلام-:"يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته" رواه البخاري (3276) ومسلم (134) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، ومعنى "ولينته" أي: ينصرف عن تلك الأفكار، ولا يلتفت لها حتى لا يقع في الاستغراق فيها.
(2) الإكثار من التعوذ من الشيطان الرجيم.
(3) الذهاب لعالم أو طالب علم وذكر الأمر له؛ حتى يدفعه لك بالعلم؛ لأن الوساوس ناتجة عن صورة من الجهل، ولا دافع لها مثل العلم.
(4) حاول إشغال ذهنك بأمور من طلب العلم أو القراءة أو الدعوة أو ما شابه ذلك؛ حتى لا يجد الذهن وقتاً لتلك الأفكار.
(5) أكثر من سؤال الله الثبات على دينه، وأن يصرف عنك تلك الوساوس.
(6) تذكَّر أن الصحابة - رضي الله عنهم- مروا بمثل هذا، وقال لهم الرسول عليه الصلاة والسلام، كما في مسلم (132) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال:"وقد وجدتموه؟ " قالوا: نعم، قال"ذاك صريح الإيمان" أي: مدافعة تلك الوساوس إنما هو دليل إيمان. والله أسأل لي ولك الثبات على دينه إنه جواد كريم. والسلام عليكم.(15/437)
أجور قراء العزاء
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
في مجتمعنا عندما نقوم باحتفال أو وليمة بأي مناسبة، أو حتى في الجنازة، نقوم بدعوة رجال يحفظون القرآن من أجل قراءة بعضٍ من القرآن والدعاء، ولكن الملاحظ أنه يلزم على صاحب الوليمة أو الجنازة دفع مقدارٍ معتبرٍ من المال لهؤلاء الرجال، وبعض المرات يجمعون الأموال من المدعوين مقابل الدعاء لهم ولذويهم، ويأخذها هؤلاء الرجال حتى ولو كان صاحب الجنازة فقيراً، مع العلم أن هؤلاء الرجال يعملون ويتقاضون أجرة. والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هذا الفعل من البدع التي يجب الإقلاع عنها، ودعوة من يعملها إلى تركها، ويجب على طالب العلم أن يبصِّر من حوله، فالاجتماع في مناسبة الجنازة، وتقديم الطعام للمدعوين، ودفع مبالغ من المال لمن يقرأ ويدعو من النياحة المحرمة، قال جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه-: "كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة" انظر المسند (6905) وسنن ابن ماجة (1612) . وأما إذا كان الاجتماع مباحاً كأن يكون بمناسبة زواج، أو قدوم مسافر، أو ختان فلا تجوز فيه القراءة بهذا الشكل المرتب على هذا الترتيب، وبالمؤاجرة المذكورة. والله أعلم.(15/438)
بيع المساويك في ساحة المسجد
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/3/1425هـ
السؤال
حكم البيع في ساحة المسجد، لأعواد السواك والطيب ونحوه؟ حيث إنني إمام مسجد، وعندنا رجل يبيع في ساحة المسجد فآذوه الناس يقولون له: حرام تبيع في هذا المكان، فسُئِلت، فقلت لهم: لا بد من سؤال أهل العلم أولاً. فأفتونا في هذا -مأجورين-
الجواب
لا يجوز اتخاذ المسجد مكاناً للبيع أو الشراء، لا للسواك ولا غيره، ويلحق بالمسجد ساحاته المحاطة بسوره، أما إن كانت ساحاته غير محاطة، وإنما هي معدة لوقوف السيارات فلا بأس بالبيع والشراء فيها، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك" رواه الترمذي (1321) وغيره وقال: حديث حسن.(15/439)
زيارة المعتدة لأمها المريضة!
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/12/1426هـ
السؤال
امرأة توفي عنها زوجها وأمها مريضة وهي مسنة، وتخشى عليها الوفاة دون أن تزورها إذا انتظرت حتى تنقضي عدتها، مع العلم أن أمها تبعد عنها 190كيلو متر، فإذا زارتها فكم من الوقت تمكث عندها مراعاة لإجهاد السفر عليها؟ ومراعاة أيضا للحالة النفسية لأمها التي قد تؤثر على مرضها إذا ذهبت إليها وعادت مباشرة؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيجوز لهذه المرأة أن تخرج نهاراً لزيارة أمها، لأن هذا من الحاجات ومن فعل الخير، لما روى جابر -رضي الله عنه- قال: طُلقت خالتي ثلاثاً فخرجت تجدُّ نخلها، فلقيها رجل فنهاها، فذكرتْ ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "اخرجي فجدِّي نخلك لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيراً" رواه مسلم (1483) ، وأبو داود (2297) ، والنسائي (3550) .
وقد احتج الفقهاء بهذا الحديث على جواز خروج الحادة من بيتها نهاراً لقضاء حوائجها.
وعليه فالمدة التي يمكن أن تخرج فيها هي النهار، ولا بأس لو مضى شيء من الليل قبل أن تدخل بيتها، لكن لابد أن تبيت أكثر الليل في دارها التي تعتد فيها. والله أعلم.(15/440)
السفر من أجل زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/09/1426هـ
السؤال
قرأت أن كل من يؤدي الحج عليه أن يزور قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سواءً كان ذلك في طريقه أم لا؛ لأن زيارته من أهم العبادات وأعظمها أجراً، وأسماها هدفا، فما الموقف الشرعي الصحيح من زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالسفر إلى المدينة النبوية للصلاة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- مشروع؛ للحديث الصحيح: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى" أخرجه البخاري (1189) ، ومسلم (1397) .
ثم إذا وصل إلى المسجد يشرع له أن يزور قبر النبي-صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه، ثم بقية مقابر المسلمين من الصحابة وغيرهم، وذلك للسلام عليهم والدعاء لهم.
أما مقولة: (إن زيارة قبر النبي-صلى الله عليه وسلم- من أهم العبادات) فلا دليل على ذلك، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه أن المسلم يصلي ويسلم عليه حيثما كان، وأن السلام يبلغه من أي مكان، انظر مسند البزار (1425، 1426) ، وصحيح الترغيب والترهيب (1664-1667) وهذه من خصوصياته-صلى الله عليه وسلم-.(15/441)
ذكر أحب الناس إذا خدرت الرِّجل
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 06/01/1427هـ
السؤال
ذكر الإمام البخاري في كتابه الأدب المفرد، والإمام ابن السني أن عبد الله بن عمر أصاب رِجْله خدر، فنصحه البعض بتذكر أحب الناس إليه، فقال الصحابي الجليل بصوت مرتفع: "وا محمدا ". فبرئ في الحال. فماذا تقولون في ذلك؟ وهل تصح مثل هذه الرواية؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
فلم يثبت ذكر أو دعاء يقال عند خدر الرِّجْل، وقد ورد خبران موقوفان عن ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهما- وهما:
1. أخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة (170) من طريق الهيثم بن حنش، قال: كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فخدرت رِجْله، فقال له رَجُل: اذكر أحب الناس إليك. فقال: يا محمد. فكأنما نشط من عقال. والهيثم بن حنش مجهول.
2. وأخرج ابن السني أيضاً في عمل اليوم والليلة (169) من طريق غياث بن إبراهيم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد، قال: خدرت رِجْل رَجُلٍ عند ابن عباس، فقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: اذكر أحب الناس إليك. فقال: محمد. فذهب خدره. وفي إسناده غياث بن إبراهيم، وهو كذاب.
3. وأخرج البخاري في الأدب المفرد (ص 324) من طريق أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد، قال: خدرت رِجْل ابن عمر، فقال له رَجُل: اذكر أحب الناس إليك. فقال: يا محمد.
وفي هذا الإسناد: عبد الرحمن بن سعد ليس له في الكتب الستة ولواحقها سوى هذا الأثر في الأدب المفرد للبخاري، ويظهر أنه مجهول الحال، وقد سئل ابن معين: مَن عبدُ الرحمن بن ُسعد؟ فقال: لا أدري [ينظر: تاريخ ابن معين (4/24) ] ، ولم يذكر فيه ابن أبي حاتم والبخاري جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في الثقات، ونقل ابن حجر في التقريب توثيقه عن النسائي، وقد عرف عن النسائي أنه ربما حصل له تساهل في التوثيق، لاسيما وأنه لم يشاركه أحد من الأئمة المعتبرين في توثيقه، قال المعلمي: ابن سعد وابن معين والنسائي وآخرون غيرهم يوثقون من كان من التابعين وأتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة بأن يكون له فيما يروي متابع أو شاهد، وإن لم يرو عنه إلا واحد ولم يبلغهم عنه إلا حديث واحد [التنكيل (1/16) ] .(15/442)
إثبات صلة العقيدة بالأخلاق
المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/01/1427هـ
السؤال
سمعت أستاذ علم النفس في الجامعة يقول: إن العقيدة مفصولة عن الأخلاق. وأنا أعرف أن قوله خطأ، لكن الأغلبية ممن أعرفهم يعتقدون أن هذا الكلام صحيح. فكيف نقنعهم؟!
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن قول القائل: (الأخلاق منفصلة عن العقيدة) -بمعنى أنه لا علاقة للعقيدة بالأخلاق- مقولة باطلة؛ لأن العقيدة الصحيحة تستلزم التحلي بكل خلق فاضل، والتخلي عن كل خلق ذميم، وبيان ذلك: أن الأخلاق ترتبط بثلاثة أركان من أركان الإيمان هي محل إجماع الرسالات الإلهية، وهي الإيمان بالله وبرسله وبالبعث:
1- فمن ناحية الإيمان بالله فإن المسلم عندما يمارس الأخلاق الفاضلة ويجتنب الأخلاق السيئة يعتقد ويؤمن أن الله أمره بذلك، فيمارسها على أنها جزء من إيمانه بالله، أو أنها من لوازم إيمانه بالله، وأن الله فرض عليه ذلك وألزمه به.
ومن شواهد ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الإيمان بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان" صحيح البخاري (9) ، وصحيح مسلم (35) ، فجعل إماطة الأذى عن طريق الناس -وهو من الأخلاق النبيلة- شعبة من شعب الإيمان.
وبوّب أهل العلم الذين صنفوا في الإيمان وشعبه وخصاله على كثير من الأخلاق، وعدوها من شعب الإيمان، مثل كتاب البيهقي (شعب الإيمان) ، ومختصره للقزويني، وغيرهما، بل إن المصنفين في الحديث بشكل عام يوردون تحت مسمى الإيمان كثيراً من الأخلاق، على سبيل التمثيل أنها من شعب الإيمان وأجزائه..
2- وأما ارتباط الأخلاق بالعقيدة من جهة الإيمان بالرسول -صلى الله عليه وسلم- فإن المسلم يمارس الأخلاق على أن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- حثَّ عليها وبلغها عن ربه، فهو لاعتقاده بنبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه مبلغ عن ربه -ومما بلّغه الأخلاق- يمارس الأخلاق من هذا الجانب أيضاً، فمقتضى إيمانه برسول الله -صلى الله عليه وسلم- امتثال ما أمر به من الفضائل، والابتعاد عمَّا نهى عنه من الرذائل. بل ويمارس الأخلاق أيضاً على سبيل الاقتداء بنبيه المعصوم الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق، فتممها إذ كان خلقه القرآن صلوات الله وسلامه عليه.
3- وأما ارتباطها بالإيمان باليوم الآخر فمن حيث الجزاء عليها ثواباً أو عقاباً، فيمارس الأخلاق الفاضلة مؤمناً ومعتقداً بأن الله سيثيبه عليها أجراً عظيماً، وأنها سبيل إلى الجنة، ففي الحديث: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا.." صحيح البخاري (6134) ، وصحيح مسلم (2607) . بل إنها سبب للقرب من الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، ففي الحديث: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا.." أخرجه الترمذي (2018) .(15/443)
ويبتعد المؤمن عن كل خلق ذميم ودنيء؛ لأنه سيعاقب عليه يوم القيامة، وقد يكون سبباً لدخول النار والعياذ بالله، ففي الحديث السابق: " ... وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا".
كما أن الأخلاق الذميمة سبب للبعد عنه -صلى الله عليه وسلم- ففي حديث الترمذي المتقدم: "وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون ... ".
ولزيادة الإيضاح أسوق بعض النصوص الشرعية الواردة في الأخلاق، وكيف ربطت الأخلاق بالعقيدة.
فقد جاء في كتاب الله آيات تخاطب المؤمنين بوصف الإيمان -والإيمان عقيدة وعمل- حاثةً لهم على بعض الأخلاق الفاضلة، أو ناهية لهم عن بعض الأخلاق الذميمة، وأن من صفات المؤمنين الالتزام بهذه الأخلاق فعلاً لحسنها وتركاً لسيئها مما يدل على ارتباط هذه الأخلاق بالإيمان ارتباطاً قوياً.
1. قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" [النور:27] .
2. وقال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [الحجرات:11] .
3. وقال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ" [التوبة:119] والآيات في هذا كثيرة.
كما جاءت السنة بمثل ذلك:
4. فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء". أخرجه الترمذي (1209) .
5. وقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه". صحيح البخاري (6475) ، وصحيح مسلم (47) .
6. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" صحيح البخاري (13) ، وصحيح مسلم (45) .
7- ولما سأل هرقل أبا سفيان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بماذا يأمر؟ قال له أبو سفيان: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. صحيح البخاري (7) ، وصحيح مسلم (1773) . إلى غير ذلك من النصوص الشرعية.
وبهذا يتبين لنا الرباط الوثيق بين العقيدة وبين الأخلاق، وأن مقتضى الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر التحلي بكل خلق فاضل، والتخلي عن كل خلق ذميم.
والكلام في هذا يطول، وفيما ذكر كفاية. والله أعلم وأحكم.(15/444)
رسوم اشتراك على مرتادي المسجد
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/03/1427هـ
السؤال
تنوي لجنة المسجد في مدينتنا الطلب من المسلمين مرتادي المسجد أن يدفعوا اشتراكا شهريا للمسجد، والغرض من الاشتراك توفير الأموال اللازمة لتسيير شؤون المسجد، من راتب للإمام والكهرباء والماء والتنظيف وغيرها، وكذلك لتوزيع أعباء المشاركة على أكبر عدد ممكن من المسلمين الذين يرتادون المسجد، وينتفعون بخدماته.
ولتشجيع أكبر عدد ممكن فإنه سيتم إعطاء الأولوية وتقديم خدمات مخفضة لدافعي الاشتراك، مثل تخفيض رسوم المدرسة الإسلامية، ورسوم عقد الزواج، ورسوم الدفن، وغيره.
فما حكم هذا الاشتراك الشهري، وهل يجوز للجنة المسجد أن تشترطه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالتبرع للمساجد وعمارتها عبادة يؤجر المرء عليها، قال تعالى: "إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَن آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ" [التوبة:18] .
قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وليس المراد من عمارتها زخرفتها وإقامة صورتها فقط، إنما عمارتها بذكر الله فيها وإقامة شرعه فيها، ورفعها عن الدنس والشرك" ا. هـ التفسير (1/157) .
وقال تعالى: "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رجال" [النور:36] .
ذكر عبد الرزاق الصنعاني -رحمه الله تعالى-: في تفسيره عن الحسن قال: "أذن الله أن تبنى ويصلى له فيها بالغدو والآصال". تفسير الصنعاني (3/61) .
وقال الطبري -رحمه الله تعالى-: "واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "أذن الله أن ترفع" فقال بعضهم: معناه أذن الله أن تبنى ثم روى عن مجاهد (أذن الله أن ترفع) قال: تبنى. وقال آخرون معناه: أذن الله أن تعظم.
ثم روى عن الحسن في قوله: (أذن الله أن ترفع) يقول: أن تعظم لذكره.
ثم قال: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب القول الذي قاله مجاهد، وهو أن معناه أذن الله أن ترفع بناء، كما قال جل ثناؤه: "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ" وذلك أن ذلك هو الأغلب من معنى الرفع في البيوت والأبنية " ا. هـ التفسير (18/145) .
وقال العلامة السعدي -رحمه الله تعالى- قوله تعالى: "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ" [النور:36] يعم أحكام المساجد كلها، فإنه أمر فيها بشيئين: برفعها الذي هو تعظيمها وصيانتها عن الأوساخ، والأقذار والأنجاس الحسية والمعنوية، وتعمر العمارة اللائقة بها، ويذكر فيها اسمه بأنواع التعبد من صلاة وقراءة، وتعلم علم نافع، وتعليم، وذكر الله تعالى، فكل ما قاله أهل العلم من أحكام المساجد وفصلوه فهو داخل في هذين الأمرين، فتبارك من جعل كلامه فيه الهدى والشفاء والنور" فتح الرحيم الملك العلام (121) .(15/445)
وقال -رحمه الله-: "أي: يتعبد الله" في بيوت" عظيمة فاضلة هي أحب البقاع إليه وهي المساجد. "أذن الله" أي: أمر ووصى" أن ترفع ويذكر فيها اسمه" هذان مجموع أحكام المساجد، فيدخل في رفعها بناؤها وكنسها وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة وعن الكافر وأن تصان عن اللغو فيها ورفع الأصوات بغير ذكر الله.
"ويذكر فيها اسمه" يدخل في ذلك الصلاة كلها فرضها ونفلها وقراءة القرآن والتسبيح والتهليل وغيره من أنواع الذكر، وتعلم العلم وتعليمه والمذاكرة فيها والاعتكاف وغير ذلك من العبادات التي تفعل في المساجد، ولهذا كانت عمارة المساجد على قسمين: عمارة بنيان وصيانة لها، وعمارة بذكر اسم الله من الصلاة وغيرها، وهذا أشرف القسمين، ولهذا شرعت الصلوات الخمس والجمعة في المساجد وجوباً عند أكثر العلماء، أو استحباباً عند آخرين" تيسير الكريم الرحمن (5/422) .
وعن عائشة –رضي الله عنها- قالت: أمرنا رسول الله –صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب". رواه أحمد (26429) ، وأبو داود (455) ، والترمذي (594) ، وابن ماجه (759) ، وصححه ابن حبان (1634) .
وقد جاء في فضل عمارة المساجد أحاديث كثيرة منها:
حديث عثمان بن عفان –رضي الله عنه- قال: إني سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: "من بنى مسجداً –قال بكير أحد الرواة: حسبت أنه قال- يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة" رواه البخاري (439) ، ومسلم (533) .
فنلاحظ هنا أنه شرط لنيل هذا الأجر أن يكون لوجه الله تعالى، أما أن يدفع ليحصل على تسهيلات فقط فليس له من الأجر إلا ما حصله.
عن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" رواه البخاري (1) .
عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء. فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن. فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليُقال: عالم. وقرأت القرآن ليقال: هو قارئٌ. فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد. فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار" رواه مسلم (1905) .
ومثل ذلك باقي الأعمال الصالحة كالتبرع للمساجد، فمن تبرع ليحصل على التخفيض فلا أجر له، أما من تبرع لوجه الله تعالى لا يريد عرضاً من الدنيا فحصل على تخفيض غير مقصود له فلا بأس.(15/446)
وأعمال البر ينبغي أن لا يُربط فعلها بحصول عرض من أعراض الدنيا مما يتسبب في تربية الناس على ذلك، بحيث لا يفعل أحد شيئاً من المعروف إلا بمقابل دنيوي، والواجب على القادرين خاصة في الدول التي لا تتولى وزارات الأوقاف عمارة المساجد أن يقدموا ما يستطيعونه، لأجل عمارة المساجد وتنظيفها وتأمين رزق للإمام والمؤذن والخادم وتسديد الفواتير الخدمية وغير ذلك ليظهر المسجد بالصورة المناسبة.
وأشير إلى أنه لا ينبغي التكلف في عمارة المساجد والمبالغة في زخرفتها مما يُكلف مبالغ طائلة، بل قد ورد النهي عن ذلك فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد" رواه أبو داود (449) ، وابن خزيمة (1322) ، والضياء (2238) من حديث أنس -رضي الله عنه-.
وقال أبو سعيد -رضي الله عنه-: كان سقف المسجد من جريد النخل، وأمر عمر ببناء المسجد، وقال: أكن الناس من المطر، وإياك أن تُحمِّر أو تُصفِّر فتفتن الناس.
وقال أنس: يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلاً.
وقال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى. رواه البخاري تعليقاً (1/171) . والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(15/447)
توزيع الإعلانات التجارية في المساجد
المجيب د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 6/3/1425هـ
السؤال
نحن جمعية دينية بإحدى المدن الغربية، حيث يوجد بالمدينة أربعة مساجد، (وهي بالنسبة لحجمها مصليات، وكما تعلمون أننا هنا في الغرب ليس للجمعيات دعم من الدولة، فالمسلمون هم الذين يقومون بالإنفاق على بيوت الله لتوفير احتياجاتها من دفع أجرة الإمام، تكاليف الكهرباء، الفراش، وغيرها من الحاجيات اللازمة رغم قلة اليد.
وقد هدانا الله في الآونة الأخيرة إلى الاستعانة بطريقة جديدة، رأينا فيها الخير للمسلمين، ولبيوت الله، وهي اتفاقنا مع مجموعة من التجار المسلمين الذين يتاجرون في السلع الحلال بالتكفل بنفقات طبع اليوميات الخاصة بمواقيت الصلاة بالمدينة، مع إثبات أسماء محلاتهم، وكذلك شكرهم على هذه المساهمة، مع العلم أن الدخل الناجم عن بيع هذه اليوميات كلها لفائدة المساجد، ليس لأحد فيها نصيب، إلا أن بعض إخواننا لامونا على هذا الفعل، بل ذهبوا إلى الإفتاء بعدم جوازه، نرجو أن تبينوا لنا وجه الصواب بجواب شاف وكاف. -وجزاكم الله عنا خيراً-.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن تصرفكم هذا تصرف صحيح، وأنتم مأجورون على ذلك -بإذن الله-، والاستفادة من مرافق المسجد لا محظور فيها إذا كانت المنفعة ستعود للمسجد نفسه.
ولا مانع من توزيع هذه الأوراق داخل المسجد وخارجه، ووجود اسم المحل على ورقة المواقيت لا يدخل في نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن البيع والشراء داخل المسجد؛ لأن هذا ليس ببيع ولا شراء، ولأن المقصود من طباعة هذه الأوراق في الأصل هو تعريف الجالية المسلمة لديكم بالمواقيت، وليس الدعاية لصاحب المحل، وهذا كالأدوات التي تحمل في طياتها دعاية وترويجاً للمنتج أو الموزع، كالأجهزة الكهربائية، وعلب المناديل، ونحو ذلك، فهذه لا يمنع من استخدامها داخل المسجد؛ لأن المقصود منها في الأصل المنفعة التي فيها وليس الدعاية. والله الموفق.(15/448)
هل خُتم الرسل بمحمد كما خُتم به الأنبياء؟!
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 8/11/1424هـ
السؤال
هناك طائفة لها موقع على شبكة المعلومات تدعي أن نبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم- كان آخر نبي، لكنه لم يكن آخر رسول، وهم ينظرون إلى راشد خليفة كرسول لهم جاءت رسالته لتحذير الناس لاتباع القرآن فقط بدلا من الأشياء المضللة (يقصدون بذلك الأحاديث) ، وفوق ذلك يقولون: كل نبي رسول، وليس كل رسول نبي، والحظر إنما جاء في القرآن على النبي وليس الرسول (والعياذ بالله) ، فهل هناك نص معين في القرآن بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخر نبي وآخر رسول؟ وكيف ندحض حججهم الكفرية بالقرآن؟ هذا الموضوع هام جداً؛ لأن هذه الجماعة تنشط الآن في الجامعات والكليات.
الجواب
من عقائد المسلمين القطعية إيمانهم بأن محمداً عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وقد دل على هذا نصوص الكتاب والسنة. قال الله سبحانه: "وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً" [الأحزاب: من الآية40](15/449)
ومعنى خاتم النبيين: أي الذي ختمت به النبوة فطبع عليها فلا تفتح لأحد بعده إلى قيام الساعة. وهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بعده بطريق الأولى والأحرى؛ لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسول. قال القاضي عياض: والصحيح الذي عليه الجم الغفير - أي عامة العلماء - أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسول. الشفاء (1/ 347) ، والأدلة على أن مقام الرسالة أخص وأكمل من مقام النبوة كثيرة، ومنها قوله تعالى: "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ" [الأحقاف: من الآية35] ، فنوه الله سبحانه وتعالى بأولي العزم من الرسل وأمر نبيه أن يقتدي بصبرهم وثباتهم، وهم على أشهر الأقوال: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وخاتم النبيين محمد عليهم الصلاة والسلام. وذكرهم الله بوصف الرسالة مما يدل على أن وصف الرسالة أخص وأكمل، وأخرج الإمام أحمد في مسنده (22288) من حديث أبي ذر - رضي الله عنه- قلت: يا رسول الله كم وَفَى - أي بلغ - عدة الأنبياء؟، قال: " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جماً غفيراً "، وقد دلت السنة المتواترة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه خاتم الأنبياء والمرسلين ومن ذلك: ما جاء في الصحيحين البخاري (3535) ومسلم (2286) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين"، وفي رواية في (تاريخ دمشق) لابن عساكر من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-: "فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة، ختم بي البنيان، وختم بي الرسل" ذكرها السيوطي في الجامع الكبير، وكذلك ما جاء في الصحيحين البخاري (3532) ومسلم (2354) من حديث جبير بن مطعم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب، والعاقب الذي ليس بعده نبي"، وكذلك ما جاء في صحيح مسلم (1920) عن ثوبان، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وإنه سيكون من أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، ولا نبي بعدي"، وما جاء في صحيح مسلم (523) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فضلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون".(15/450)
قال الحافظ ابن كثير: (وقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه، ورسوله في سنته المتواترة عنه أنه لا نبي بعده، ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل، ولو تخرق وشعبذ وأتى بأنواع السحر والطلاسم) ، فهذه الطائفة المذكورة طائفة ضالة زائغة عن الهدى، مكذبة للقرآن والسنة، وهذا المدعي للرسالة كذاب أفاك مفتر على الله ورسوله عليه الصلاة والسلام. قال القاضي عياض: (نكفر من ادعى نبوة أحدٍ مع نبينا صلى الله عليه وسلم ... أو من ادعى النبوة لنفسه، أو جوز اكتسابها والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبتها كالفلاسفة وغلاة المتصوفة، وكذلك من ادعى منهم أنه يوحى إليه وإن لم يدع النبوة، فهؤلاء كلهم كفار مكذبون للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه أخبر -صلى الله عليه وسلم- أنه خاتم النبيين لا نبي بعده، وأخبر صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى أنه خاتم النبيين ... ) الشفاء (2/ 1070) . هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(15/451)
بعض اليهود والنصارى يعفون لحاهم، فهل نخالفهم بحلقها؟
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن العمير
عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل بالإحساء وعميد كلية التربية بالجامعة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/11/1424هـ
السؤال
أمرنا ديننا بإعفاء اللحى، لكي نخالف اليهود والنصارى، لكني أشاهد علماء اليهود والنصارى لا يحلقون لحاهم، وحتى المجوس؟ فهل نخالفهم بحلقها؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله. وبعد:
فإن إعفاء اللحى شريعة ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بأمره وفعله، انظر مثلاً ما رواه البخاري (5892) ومسلم (259) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- ومخالفة أهل الكتاب بإعفاء اللحية ليست قيداً، ولا علة يدور معها الحكم وجوداً وعدماً، وعليه فلو ربى بعض اليهود والنصارى وغيرهم لحاهم، لم يؤثر ذلك في بقاء مشروعية الإعفاء، كما لو فعلوا شيئاً من الأخلاق والتصرفات المحمودة شرعاً، فإنا لا نتركها مخالفة لهم، ومخالفة اليهود والنصارى من المقاصد المعتبرة شرعاً فيما هو خاص بهم من أخلاقهم، أو شرائعهم، وعاداتهم، ولم يأت في شرعنا ما يأمر به، أو يمدحه. والله أعلم وأحكم.(15/452)
خبرُ همّ النبي عليه الصلاة والسلام بإلقاء نفسه من ذروة جبل
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/1/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هذه شبهة يتداولها بعض الشباب؛ شبهة محاولة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- الانتحار في صحيح البخاري (6982) هل هي صحيحة؟ وإذا كانت صحيحة ما الذي منعه من الانتحار؟ أرجو التفصيل في هذا مع ذكر أقوال العلماء.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فجواباً عن السؤال أقول - وبالله التوفيق -:
الحديث المذكور في صحيح البخاري (6982) هو حديث طويل في قصة بدء الوحي، من رواية الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة -رضي الله عنهما-. وقصة الانتحار جاءت في آخر متن الحديث، مقدمة بعبارة: "وفتر الوحي فترةً حتى حزن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردَّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه، تبدَّى له جبريل، فقال: يا محمد: إنك رسول الله حقًّا. فيسكن لذلك جأشه وتقرَّ نفسه، فيرجع ... ".
فواضحٌ من قوله في أول هذا الخبر: "حزن النبي - صلى الله عليه وسلم- فيما بلغنا.."، ومن قوله: "فيما بلغنا" خاصة أنه خبر ممن لم يسمع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه خبر بلغ هذا الذي قال هذه العبارة دون سماع أو مشاهدة. ومثل هذه العبارة لا يقولها غالباً إلا رجل من التابعين أو من جاء بعدهم، ولا يقولها الصحابة -رضي الله عنهم- غالباً.
ولذلك فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا الكلام من كلام الزهري، يرويه مرسلاً. وهذا هو الذي رجحه الحافظ ابن حجر في كتابه: فتح الباري (12/376) . وعليه فهذا الخبر مرسل، والمرسل من أقسام الضعيف، وخاصة مرسل الزهري؛ لكونه من صغار التابعين، ولغير ذلك.
وإخراج البخاري لهذه اللفظة لا يلزم منه أنه ُيحكم بصحتها؛ لأنه إذا أخرج الحديث، وأظهر علته (كما حصل هنا) ، فإنه يكون قد أبرز ما يدل على عدم صحته، كما نبَّه على ذلك أهل العلم، في مواطن متعددة من صحيح البخاري. وبذلك يزول الإشكال بأن القصة لا تصح أصلاً.
والله أعلم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
موضوع ذات صلة: (غرابة محاولة الرسول صلى الله عليه وسلم التردي)(15/453)
غرابة محاولة الرسول صلى الله عليه وسلم التردي
د. الشريف حاتم بن عارف العوني 18/2/1425
08/04/2004
ورد إلى نافذة الفتاوى سؤال يتعلق بخبرِ همّ النبي عليه الصلاة والسلام بإلقاء نفسه من ذروة جبل وهو في صحيح البخاري فأجاب عنه فضيلة الشيخ/ د. الشريف حاتم بن عارف العوني - حفظه الله - وذكر أن القصة لا تصح أصلاً وقد أظهر البخاري ضعفها.
ثم وردنا تعقيب من أحد قرائنا الأعزاء على هذه الفتوى مفاده " لعل الانتحار لم يكن حرم في ذلك الوقت؟ " فعرضنا هذا التعقيب على الشيخ المجيب؛ فتفضَّل بالإجابة. جزاه الله عنا خيراً، فإليكم التعقيب والتوضيح
التعقيب:
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لماذا لم يذكر الدكتور حاتم أن المبرر في همِّ الرسول بإلقاء نفسه من الجبل هو أن الانتحار لم يكن محرمًّا في ذلك الوقت؟ فمن المؤكد أن الواقعة المذكورة كانت في بداية الوحي والرسالة في مكة المكرمة، أما الحديث الشريف: "من قتل نفسه بحديدة...." إلى آخر الحديث، فقد كان في المدينة المنورة بعد الهجرة، وكما هي القاعدة فإن الأحكام اللاحقة تنسخ الأحكام السابقة. أرجو إفادتي وتصحيح المعلومة إن كانت خطأ والنشر إن كانت صواباً، وجزاكم الله خيراً.
*****
التوضيح:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن غرابة (أو نكارة) خبر محاولة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتردى من جبال مكة ليست من قِبل أنه فقط قتل للنفس وانتحار، بل من عدة جهات:
أولاً: هل يُتصوّر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شكَّ في كونه نبيًّا بعد نزول الوحي عليه؟! فإن شك هو فمن بُعث إليهم أولى بالشك!!!
ثانياً: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حين علم أن ما جاءه من الوحي يقتضي أن يتحمل أعباء الرسالة، فقد ألزمه ربه - عز وجل- أن يستعد لذلك للبلاغ والدعوة العظمى. فكيف يجوز له أن يتخلى عن أداء ما كلفه وشرفه به ربه - عز وجل-؟! وما أجل وأعظم ذلك التكليف والتشريف!!!، ولا شك أن تَرْك مهمة التبليغ بهذه الصورة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر مستنكر جداً، وقد عوقب نبي من الأنبياء لأمر أقل من هذا، كما قال تعالى: "وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" [الأنبياء: 87] ، وقال تعالى: "ولا تكن كصاحب الحوت ... " [القلم: 48] .
ثالثاً: أن قتل النفس مما ارتكز في الفطر استقباحه، واتفقت عليه جميع الأديان والمذاهب والقوانين، فليس استقباح ذلك منوطاً فقط بورود الشرع به. وإلا فهل استجاز أحدٌ من المسلمين قَتْل نفسه قبل ورود الشرع به، مع ما كان ينالهم من الأذى والتعذيب، بل كانوا يؤمرون بالصبر وعدم الاستعجال. هذا والله أعلم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.(15/454)
هل للنبي صلى الله عليه وسلم علمٌ باطنيٌ
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/11/1424هـ
السؤال
هل كان لدى النبي - صلى الله عليه وسلم- علم باطني؟ بمعنى أن يكون الله - سبحانه وتعالى- أطلعه على علم لم يكشفه للناس؟ فهل يجوز أن نقول إن عند النبي - صلى الله عليه وسلم- علماً باطنياً؟.
الجواب
لا يجوز أن يقال: بأن لدى النبي - صلى الله عليه وسلم- علماً باطنياً؛ لأن ذلك لا يمكن إثباته إلا بالوحي، وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لا يعلم الغيب قال -تعالى-: "وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ" [الأعراف: من الآية188] ، وأمر الله -تعالى- نبيه -عليه الصلاة والسلام- بأن يقول: "ولا أعلم الغيب" [الأنعام:50] ، وقال تعالى: "قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ" [النمل: من الآية65] ، وعلم الباطن نوع من الغيب، وقد يكون الله أطلع نبيه - صلى الله عليه وسلم- على شيء لم يكشفه للناس كما أطلعه على أعيان المنافقين، لكن ذلك لا يسمى علم الباطن، لأن الذين يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم- يعلم علم الباطن يقصدون بذلك أشياء هي من الشركيات والخرافات، والتخرصات، والأوهام، والظنون، والفلسفات، والمعتقدات الباطلة المنافية للشرع، ويدخلون تحت اسم علم الباطن كل عقائد الملل والديانات، والمقالات الضالة والمنحرفة المضادة للتوحيد والحق، ثم يزعمون أن ذلك من العلم الباطن الذي يعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم- والأولياء ونحو ذلك، وهذا باطل، ويجب على المسلم أن يبتعد عن هذه المتاهات المهلكة.(15/455)
فضل الصلاة في الروضة بالمسجد النبوي؟
المجيب د. حسين بن عبد الله العبيدي
رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/05/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل ورد فضل في الصلاة في الروضة بالمسجد النبوي؟ وهل يستوي في هذا النساء والرجال؟ وهل إذا حضر أحد المسجد النبوي الأفضل له أن يسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم- من أي مكان؟ أو يذهب إلى قبره ويسلم عليه وعلى صاحبيه -رضي الله عنهما-؟ أفتونا - مأجورين-.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" متفق عليه عند البخاري (1195) ، ومسلم (1390) من حديث عبد الله بن زيد المازني -رضي الله عنه-، وجاء من حديث عبد الله بن لبيد - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "من سره أن يصلي في روضة من رياض الجنة فليصل بين قبري ومنبري" رواه الديلمي في الفردوس (5676) والمتقي الهندي في كنز العمال (34950) ، وفيه ضعف في إسناده، ويستوي هنا الرجال والنساء دون فرق، حيث لا مخصص.
أما السلام على النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن السلام عليه يبلغه حيث كان المسلِّم، فقد جاء في الحديث: " ... وصلوا عليَّ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم" رواه أبو داود (2042) وغيره من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-،وقال: "ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام" رواه أبو داود (2041) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، ووكل الله به ملائكة يبلغونه عن أمته السلام.
لكن إذا كان الإنسان في المسجد فالأولى أن يأتي قبره، وقبر صاحبيه فيسلم عليهم. والله أعلم.(15/456)
هل يترك ابنه في بيئة كافرة؟
المجيب يوسف أبرام
مدير المركز الإسلامي بزيورخ في سويسرا وعضو المجلس الأوروبي للافتاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/10/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب مسلم سبق لي الزواج من امرأة أوروبية، وبعد مدة من الخلافات حدث الطلاق، لي منها ولد عمره الآن 11 سنة، هي الآن ارتدت عن الدين الإسلامي. وتزوجت من رجل آخر من أهل بلدتها، القانون هنا يعطي المرأة دائما حق الحضانة للأطفال، ابني كان قد حفظ بعضاً من القرآن، ويعرف كيف يصلي، ولكنه الآن يعيش في جو كله كفر، ماذا أفعل؟ جزاكم الله كل خير، أنا الآن -والحمد لله- صلتي بربى جيدة، أداوم على الصلاة وتعاليم ديني الحنيف؛ لأني أخشى يوم لقاء ربي وحسابه، أفكر الآن في العودة إلى بلدي أو أي بلد مسلمة، بعد أن مللت العيش في بلاد الكفار وخاصة بعد قراءة كثير من الفتاوى التي تحرم الإقامة في بلاد الكفار، ماذا أفعل؟ وهل أترك ابني هنا؟. أفيدوني أفادكم الله، وجزاكم عني كل الخير والثواب.
الجواب
الحمد لله وحده. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ السائل -حفظه الله-.
كنت أتمنى لو اطلعتَ على الفتوى القائلة بحرمة العيش في بلاد الكفر، وما ورد فيها من أحكام خاصة وعامة قبل أن تتزوج من أوروبية، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه.
اعلم رعاك الله أن الحكم بردة زوجتك قضية خطيرة، فتأكد من قولك، لأن قضية التكفير بلية عظيمة لا نزال نصطلي بنارها، وإذا قال المسلم لأخيه -يا كافر- فقد باء بها أحدهما كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري (6104) ، ومسلم (60) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، فمجرد زواج مطلقتك من رجل غير مسلم مع عدم اعتقادها الحل لا يعتبر مسوغًا للحكم عليها بالردة. وعسى الله أن يعيدها إلى حمى الإسلام والإيمان. أما إذا ارتدت فعلا عن الإسلام فهي شر أراحك الله منه.
أما ما قلته إن "القانون يعطي المرأة دائما الحق" فأنت محق لا محالة، وبناء على هذا الأمر وغيره من الأسباب لا ننصح بالزواج من الكتابية إلا إذا كانت الإقامة في مجتمع إسلامي، وتحت سلطان الإسلام والسواد الأعظم من المسلمين. وأما في بلاد الغرب فلا سلطان لا للإسلام ولا للمسلمين، والقوامة والسلطة سواء داخل البيت أو خارجه للزوجة الكتابية على حساب زوجها المسلم.
وقد تساءلت بقولك "هل أترك ابني هنا" والجواب:(15/457)
إن استطعت أن تأخذه إلى بلدك بالحكمة وبطريقة حسنة لا تعرضك لمكروه فعليك بها. ولكن قبل أن تفكر في هذا المشروع لا بد أن تستعلم عن قوانين بلدك؛ لأن كثيرًا من الدول الغربية بينها وبين الحكومات الإسلامية قوانين تلتزم بموجبها هذه الأخيرة إعادة الأولاد إلى أمهاتهم الأوربيات. وتكون حينها كمن استجار من الرمضاء بالنار، وفي الأخير: إن لم تقصر في تربيتك لزوجتك ولابنك فلا لوم عليك إن شاء الله، وأما خوفك على مستقبل ابنك فاعلم أن الله ولي الصالحين، وهو معك في السراء والضراء، مجيب المضطر إذا دعاه وكاشف السوء، فالزم طاعته وتقواه واجتهد في الدعاء فإنه -سبحانه وتعالى- قال: " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين" [الطور: 21] ، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الطويل:
"احفظ الله يحفظك" رواه الترمذي (2516) وغيره من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- فإن حفظت الله بالتزام العقيدة السليمة المنجية، عقيدة سلف الأمة، والتزم بفعل الواجبات وترك المنهيات، فإنه -سبحانه وتعالى- يكرمك بحفظ دينك من الشبهات والشهوات ويحفظ لك أهلك وأولادك ومالك. فعسى الله أن يمن عليك بما تقر به عينك وينشرح له صدرك، ولا يخزيك في ذريتك أبدًا. والله أعلم.(15/458)
هل يحج بدون موافقة مرجعه في العمل
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/06/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله.
أنا أعمل لدى الأمن العام، وحيث إني أردت الحج لهذا العام، وتفاجأت بتعميم صادر من القيادة العليا برفض جميع طلبات الحج لهذا العام؛ للظروف الراهنة، هل أستطيع أن أحج بطريقة ما دون علم مرجعي أو موافقة ولي الأمر؟ أرجو إفادتي، ولكم جزيل الشكر.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "المسلمون على شروطهم" رواه أبو داود (3594) والترمذي (1352) والبخاري (كتاب الإجارة/ باب أجر السمسرة) معلقاً.
فإذا شرط رب العمل على العامل شرطاً، فالواجب الوفاء بهذا الشرط، ولا سيما إذا كان رب العمل هو ولي الأمر، فإذا شرط على الموظف ألا يقوم بأداء الحج أثناء أداء عمله، فالواجب عليه هو الوفاء بذلك، وعدم المخالفة.(15/459)
الفرق بين الكافر والفاجر
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 30/12/1426هـ
السؤال
ما الفرق بين الكافر والفاجر؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالكافر هو الذي فعل ناقضاً من نواقض الإسلام، أو لم ينطق بالشهادتين أصلاً.
فالأول هو كافرٌ مرتدٌ، والثاني كافرٌ أصلي.
أما الفاجر: فهو الذي معه أصل الإيمان والتوحيد، لكنه مصر على الذنوب والمعاصي.
والفجار خلاف الأبرار، وقد ذكرا في موضعين مقترنين في كتاب الله، كما في سورتي الانفطار والمطففين، كما قال تعالى: "إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم" [الانفطار: 13-14] .
وقال تعالى: "كلا إن كتاب الفجار لفي سجين" [المطففين:7] .
وقال في نفس السورة: "كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين" [المطففين:18] .
وهو متوعد بالعذاب؛ لمخالفته حدود الله عز وجل.
ولكن هذا لا يدل على خلوده في العذاب، كما هو الحال بالنسبة للكفار.
كما أن المحسن ترجى له المغفرة والرحمة، كما قرر ذلك أهل السنة والجماعة، وفي ذلك يقول الطحاوي -رحمه الله-: "ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته ولا نأمن عليهم".
هذا ونسأل الله الكريم أن يكتب لنا ولكم ولكافة المسلمين السعادة والفوز في الدارين.(15/460)
اكتشافات العصر واختصاص الله بعلم ما في الأرحام!
المجيب د. محمد بن إبراهيم دودح
باحث علمي في هيئة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/01/1427هـ
السؤال
أود أن أستفسر عن بعض الأمور التي أفكر فيها كثيراً، ولا أجد لها جواباً، ومنها سؤالان هما:
1- قال تعالى: "ويجعل من يشاء عقيماً" فقد فكرتُ في هذه الآية، وخطر على بالي موضوع العمليات التي تجرى اليوم وثبت نجاحها، وهي ما يسمى بـ (عمليات أطفال الأنابيب) ، فهل من كان عقيماً يستطيع إجراء هذه العملية المذكورة آنفاً، وبالتالي يكون له أطفال، مع أن هذا الأمر (العقم) قدَّره الله عليه؟
2- قال تعالى: "ويعلم ما في الأرحام". عندما نظرت في هذه الآية تذكرت أن العلم الحديث استطاع معرفة ما في رحم الأم هل هو ذكر أم أنثى، فطالما أن الآية أفادت أن علم ما في الأرحام يختص به الله وحده سبحانه، فكيف يعلم الأطباء -اليوم- ما في رحم المرأة هل هو ذكر أم أنثى؟ أرجو أن ترشدوني.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
فأقول مستعينا بالعلي القدير -سبحانه- القادر وحده على كل شيء:
في قوله تعالى: "لِلّهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذّكُورَ أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ" [الشورى:49-50] ؛ بيان بنفاذ مشيئة الله في كل شيء وطلاقة قدرته تعالى, والعقم اصطلاحا: حالة لا أمل في علاجها كما في حال الفشل الدائم للخصيتين أو المبيضين, أما إذا عولجت الحالة فلا تسمى حينئذ عقما أصلا، وإنما ضعفا في الخصوبة لأسباب يمكن بوسيلة أو أخرى علاجها, فإن شفيت حالة فهي ضعف في الخصوبة, وأما العقم فلا علاج له.
ومن أصول الإيمان اليقين بأنه لا يقع شيء إلا بقدر الله وفق ما يشاء تعالى, فإن تقدم الطب وتمكن من معرفة بعض الأسباب المانعة للحمل وتمكن من علاجها فهو بقدر الله تعالى, وإن لم يتمكن الطب من علاج بعض حالات غير ممكنة العلاج أو مجهولة الأسباب فهو بقدر الله تعالى, وليس لأحد أن يدعي العلم بقدر الله تعالى.
وتتكون جميع بويضات المرأة عندما تكون جنينا ثم تنضج بويضة كل شهرين من كل مبيض بالتتابع عند البلوغ, ويستمر نضوج بويضة شهريًّا خلال فترة خصوبة المرأة حتى تستنفذ رصيدها من البويضات عند بلوغ سن اليأس, ولذا ينقطع الأمل في الإنجاب بكِبر الزوجة، بينما لا ينقطع بكِبر الزوج.(15/461)
والعجيب أن يفرّق الذكر الحكيم بين عدم إنجاب المرأة مع الأمل بسبب كِبر الزوج بلفظ "عاقر"، وبين انقطاع الأمل بسبب كِبرها هي بلفظ "عقيم"؛ فلم يَحِد عن وصف حال زوجة زكريا -عليهما السلام- عند كِبره بلفظ "عاقر", يقول تعالى: "ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّآ إِذْ نَادَىَ رَبّهُ نِدَآءً خَفِيّاً قَالَ رَبّ إِنّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنّي وَاشْتَعَلَ الرّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبّ شَقِيّاً وَإِنّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً يَزَكَرِيّآ إِنّا نُبَشّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَىَ لَمْ نَجْعَل لّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً قَالَ رَبّ أَنّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبّكَ هُوَ عَلَيّ هَيّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً" [مريم:2-9] ، ويقول تعالى: "هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيّا رَبّهُ قَالَ رَبّ هَبْ لِي مِن لّدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً إِنّكَ سَمِيعُ الدّعَآءِ فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي فِي الْمِحْرَابِ أَنّ اللهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَىَ مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ اللهِ وَسَيّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مّنَ الصّالِحِينَ قَالَ رَبّ أَنّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ" [آل عمران:38-40] ، ومع اليأس من الحمل وانقطاع الأمل لكِبر الزوجة عدل في وصف حال زوجة إبراهيم -عليهما السلام- إلى التعبير بلفظ "عقيم", يقول تعالى: "هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مّنكَرُونَ فَرَاغَ إِلَىَ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرّةٍ فَصَكّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبّكِ إِنّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ" [الذاريات:24-30] ، فالفارق أن زوجة إبراهيم "عجوز" بينما لم يمثل كِبر الزوجين فارقا, يقول تعالى: "وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىَ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَىَ قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهََذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنّ هََذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُوَاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنّهُ حَمِيدٌ مّجِيدٌ" [هود:69-73] .(15/462)
والتمييز بين اللفظين على لساني زكريا وامرأة إبراهيم -عليهم جميعا السلام- إنما هو في علم البشر، بينما قضت مشيئة الله تعالى لكليهما بالذرية, وإذا غابت مشيئة الله تعالى عن مدارك هؤلاء على فضلهم وفاجأهم قضاؤه فكيف يدعي اليوم من هو دونهم العلم بالغيب، ويتوهَّم أن الله حكم بالعقم على شخص فنجح طبيب في علاجه معارضًا المشيئة العلية! , وهل يُعارض قدر الله تعالى أحد!.
وفي قوله تعالى: "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّبِينٍ" [الأنعام:59] ؛ قصرت الآية الكريمة العلم التفصيلي المسبق بكل مقدر الحدوث قبل وقوعه على الله –تعالى- وحده، وجعلته غيبا عن علم البشر.
وذكر القرآن خمسا تتعلق بحياة الإنسان ومصيره؛ يقول تعالى: "إِنّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنّ اللهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ" [لقمان:34] ، أطلق التعبير (وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ) على الله فشمل كل مغيب عن مشروع الإنسان المقبل ومستقبله ومصيره بعد الحساب مما ليس بمقدور بشر إدراكه فضلا عن الإحاطة بتفاصيله.
ولا يعارض القرآن إذن معرفة الطب حاليًّا ببعض أحوال الجنين، لأن المحجوب هو العلم المحيط به قبل أن يخلَّق.
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: كيف نوفق بين علم الأطباء الآن بذكورة الجنين وأنوثته، وقوله تعالى:) وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ) ؟ فأجاب بقوله: "قبل أن أتكلم عن هذه المسألة أحب أن أبين أنه لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً، وأنه إذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له، وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته؛ لأن صريح القرآن الكريم وحقيقة الواقع كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً, فإذا تبين ذلك فقد قيل: إنهم الآن توصلوا بواسطة الآلات الدقيقة للكشف عما في الأرحام، والعلم بكونه أنثى أو ذكراً، فإن كان ما قيل باطلاً فلا كلام، وإن كان صدقاً فإنه لا يعارض الآية، حيث إن الآية تدل على أمر غيبي هو متعلق علم الله تعالى في هذه الأمور الخمسة، والأمور الغيبية في حال الجنين هي: مقدار مدته في بطن أمه وحياته وعمله ورزقه، وشقاوته أو سعادته، وكونه ذكراً أم أنثى قبل أن يخلَّق، أما بعد أن يخلق فليس العلم بذكورته أو أنوثته من علم الغيب؛ لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة، إلا أنه مستتر في الظلمات الثلاث التي لو أزيلت لتبين أمره.(15/463)
ولا يبعد أن يكون فيما خلق الله تعالى من الأشعة أشعة قوية تخترق هذه الظلمات حتى يتبين الجنين ذكراً أم أنثى.. قال ابن كثير رحمه الله..: (وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه) .., وإذا كانت الآية لا تتناول ما بعد التخليق، وإنما يراد بها ما قبله فليس فيها ما يعارض ما قيل من العلم بذكورة الجنين وأنوثته.., ولا يمكن أن يناقض صريح القرآن الكريم أمراً معلوماً بالعيان" [مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح بن العثيمين] .
وعندما يُصَب المني في المجاري التناسلية للمرأة ينقبض الرحم ويغور للداخل بسبب مادة منوية تسمى بروستاجلاندين (Prostaglandin) ويعينها تقلص لا إرادي يقع للمرأة يصاحب نشوة الجماع (Orgasm) , وبهذا يعمل الرحم عمل المضخ (pumpaction) بطريقة تماثل عمل شفاطة لبن الثدي المطاطية التي تنقبض لتدفع الهواء، ومع الانبساط يقل الضغط داخلها فتشفط اللبن, وبالمثل ينبسط الرحم لاحقا فيعين الحيوانات المنوية على بلوغ البويضة قرب نهاية قناة الرحم, ولذا لا يقل دوره هذا أهمية عن دوره في حفظ الحمل على طول مراحله، حيث يزداد حجما بما يتناسب ومتطلبات الجنين, وتحمل البويضة نصف عدد الفتائل الوراثية (الكروموزومات) ، ويحمل الحوين النصف الآخر, وتتسابق الحيوانات المنوية وتعلو في المجاري التناسلية للمرأة ليحقق الفوز في بلوغ البويضة وإخصابها إما حيوان يحمل شارة الذكورة (كروموزوم بهيئة Y) فيكون الجنين المرتقب ذكراً -بإذن الله- وإما حيوان يحمل شارة الأنوثة (كروموزوم بهيئة X) فيكون الجنين أنثى بإذن الله, والبويضة الملقحة (Zygot) أشبه ما تكون بقطيرة أو "نطفة" لكنها تعرض لمن يمكنه القراءة كتابا بمشروع الجنين, وقبل تلقيح البويضة وتشكل الخريطة الوراثية وتخلَّق الجنين لا يمكن الحديث طبيًّا عن جنسه أو صفاته الجسدية, وبتلقيحها تتضاعف الفتائل الوراثية، وبالانقسام تتزايد الخلايا وبنمو الجنين يزداد الرحم، ولذا يعتبر الحمل كله وجوها من الازدياد.
وفي قوله تعالى: "اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلّ أُنثَىَ وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ" [الرعد:8-9] ، أكدت الآية الكريمة قصر العلم التفصيلي المسبق بكل مقدر الحدوث قبل وقوعه على الله تعالى وحده، لكنها جمعت لله تعالى وحده ما هو بالنسبة للبشر غيب لم يقع بعد، فضلا عما هو شهادة متحقق الحدوث, وراعت ترتيب علم الله تعالى بالغيب بالنسبة للبشر ليناظر غيض الأرحام وترتيب العلم بالشهادة ليناظر زيادتها, ويعرف هذا الأسلوب عند اللغويين باسم "اللف والنشر" ويعني أن الأرحام تغيض قبيل تخلّق الجنين وازديادها, وبالفعل ينقبض الرحم ويغور للداخل قبل وقوع الإخصاب، وتشكل الخريطة الوراثية، ولا يمكن لأحد حينئذ سوى الله تعالى وحده العلم بخصائص الجنين أو ذكورته وأنوثته.(15/464)
وفعل (تَغِيضُ) منسوب ابتداء في الآية الكريمة إلى (الأرْحَام) ، وفي مقابل الازدياد خاصة يفيد كما في اللغة الغور والنقصان, وكذلك في القرآن؛ يقول تعالى: "وَقِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ" [هود:44] ، ويقول تعالى: "أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً" [الكهف:41] ، ويقول تعالى: "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مّعِينٍ" [الملك:30] ، وفي لسان العرب: "غاض الماء يغيض غيضا.. نقص أو غار" [لسان العرب (7/201) ] .
والخلاصة أن الله تعالى يعلم بمستقبل ومصير الإنسان المقبل الذي لم يتخلق بعد حال غيض الأرحام تماما كما هو حال زيادتها بعد تخلقه.
ويأتي الحديث مؤيدا نسق القرآن الكريم في قصر الغيب المطلق عن علم البشر على حال غيض الأرحام قبل تخلق الجنين دون حال ازديادها بعد تخلقه؛ ففي الحديث الذي رواه البخاري وغير واحد: "عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله) " [صحيح البخاري (6/2687) , (4/1733) , تفسير ابن كثير (2/503) , تفسير الثوري (1/239) , الدر المنثور (3/277) , صحيح ابن حبان (1/273) , السنن الكبرى (6/370) , عمدة القاري (18/313) , (25/86) , التمهيد لابن عبد البر (24/379) ] .
قال ابن كثير: "هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها فلا يعلمها أحد.. فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب.. وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله، ولكن إذا أمر به علمته الملائكة، ومن يشاء الله من خلقه، وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أمر علمته الملائكة، ومن شاء الله من خلقه، وكذا لا تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت.. وقد وردت السنة بتسمية هذه الخمس مفاتيح الغيب" [تفسير ابن كثير (3/454) ] .
وقد ورد في الحديث أن الملائكة تعلم بحال الجنين منذ بدء تكون النطفة, ففي الحديث الذي رواه البخاري وغير واحد: عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكا يقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة. فإذا أراد أن يقضي خلقه، قال: أذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد؟ فما الرزق والأجل؟ فيكتب في بطن أمه". [صحيح البخاري (1/121) , (3/1213) , (6/2433) , وصحيح مسلم (4/2038) , مسند أحمد (3/116) , (3/148) ] .(15/465)
يقول فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني: "وإذًا هناك نصوص قد بينت بجلاء أن الأمر المحجوب عن علم غير الله إنما هو في مرحلة ما قبل تكون الجنين، فعلمنا أن الأرحام قبل أن تزداد حتى يراها كل المحيطين بالحامل تعاني من حالة تقلص وانكماش وغور ونقصان, وفي تلك الفترة حال الجنين المرتقب محجوب عن علم غير الله تعالى.., (فهو) مفتاح من مفاتيح الغيب يفتح على أبواب مغلقة، ولا يملكه دون الخالق سبحانه أحد.. وأما حمل الغيض على دم الحيض (أو السقط) فلا يتفق مع كونه مفتاحا للغيب لأنه لن ينشأ منه جنين, وبإجماع علماء المسلمين مفتاح الغيب متعلق بالإنسان الذي سيخلق وقد تقرر في علم الله تعالى أن له مستقبلا مغيبا وليس دم الحيض (أو السقط) كذلك.
وفي مرحلة الغيض يستحيل على إنسان أن يعرف صفات الجنين المقبل.. ولو جئت بصفين؛ وقلت: أنا سأصنع من هذه الأحجار بناء هل سيعلم أحد السامعين يقينا أيكون من الصفين مدرسة أم مستشفى؟ فيلا أم عمارة؟ هكذا الجنين في مرحلة الغيض لا يعلم أحد -غير الله تعالى- بما سيكون عليه حاله" [من مقالات الشيخ عبد المجيد الزنداني] .
ولو افترضنا جدلا إذن إمكان قراءة الخريطة الوراثية عند تخلق الجنين ومعرفة صفاته وجنسه فلن ينقض هذا نصوص الوحي.(15/466)
السكن مع الكفار
المجيب أ. د. محمد بن أحمد الصالح
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/02/1427هـ
السؤال
أنا شاب مغترب في بلد إسلامي للعمل، وتوجد في بعض المدن مشكلة صعوبة الحصول على مسكن؛ وذلك لزيادة قيمة الإيجار، وكنت عائداً من بلدي بعد إجازة، واضطرتني الظروف للسكن مع غير المسلمين، فصرت في حيرة: هل يجوز هذا بالرغم من أنه ليس برضا مني؟ ولكن ليس أمامي خيار آخر، وأنا -والحمد لله- متدين، وليس بيننا شراكة في شيء سوى السكن، بمعني أني آكل بمفردي. فهل سكني مع غير المسلمين حلال أم حرام؟
الجواب
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله، وبعد:
فالسكنى مع غير المسلمين ما دامت لا تلزمك بالأكل أو الشرب مما يأكلون أو يشربون من المحرمات، وليس لها تأثير عليك في عبادتك من الصلاة والصيام وتلاوة القرآن، فلا مانع منها، ولا مانع أيضاً من مصاحبتهم بالمعروف، ولعلهم يجدون في حسن صحبتك وصدقك ومحافظتك على دينك وأخلاقك الأمر الذي قد يرغبهم في دخول الإسلام. وتذكَّر قول الله تعالى: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [الممتحنة:8] .
والبر أرقى أنواع الصلة والإكرام، والقسط المعاملة بالعدل، وهذا كله إذا لم يكن لهم تأثير عليك في التدين والالتزام والقيام بواجبات الإسلام، ويكون مبيتك في غرفة مستقلة ولا سيما إذا كانوا من المدخنين.
بارك الله فيك، ووفقك للمزيد من الصدق والبر والخير.(15/467)
أباطيل الشيعة
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 2/3/1425هـ
السؤال
قابلني رجل، وأخذ يعطينا بعض الأسئلة، والفرق بين السنة والشيعة، ومن هذه الأسئلة:
1- من هو الشخص الذي وضعه النبي -صلى الله عليه وسلم- على الخلافة وتمت المبايعة له، ومن قال بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن.
2- من زوج فاطمة الزهراء حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم- فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذني، ومن آذاني، فقد أغضب الله.
3-من سلب حق فاطمة - رضي الله عنها- وأخذ حقها؟.
4- اللهم والي من والى علياً، علي مع الحق، علي مع القرآن، علي مدينة العلم، علي علي علي، كثرت الأحاديث عن علي، من زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- فاطمة.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الحديث عن الشيعة كثير، ولكننا سنختصر الحديث في إشارات:
أولاً: الشيعة فرق كثيرة أشهرها الإمامية وهي التي تسمى: (الرافضة) ، وهي التي توجد الآن في إيران والبحرين والخليج.
ثانياً: مذهب الرافضة يرجع تأسيسه إلى رجل يهودي اسمه: (عبد الله بن سبأ) ، تظاهر بالإسلام ثم ادعى أن علياً - رضي الله عنه- هو: (الوصي) بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ثالثاً: المذهب الرافضي تطور حتى أصبح مذهباً خارجاً عن الإسلام، فقد دخلت فيه عقائد ضد الإسلام من أسوئها:
(1) القول بأن القرآن ناقص، وهذا يضاد القرآن الذي فيه قول الله -تعالى-: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" [الحجر:9] ، فقد أكد - عز وجل- أنه سيحفظ القرآن الذي أنزله وهو الذكر، والله إن الذي يعتقد أن القرآن قد نقص فقد كذب الله - عز وجل-، وهذا القول قال: به قرابة ثلاثين عالماً من علمائهم، لما ذكره الطبرسي من علمائهم.
(2) اتهام أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بالكفر، والله - عز وجل- قد أخبر أنها من أهل الجنة كما في سورة النور عندما قال -تعالى-: " ... أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم" [النور:26] ، ومن وصفها بالكفر فقد كذب الله - عز وجل-.
(3) اتهموا الصحابة- رضي الله عنهم- بأنهم كفروا ما عدا أربعة، وهذا تكذيب للقرآن الكريم الذي مدح الصحابة -رضي الله عنهم- وأثنى عليهم في عشرات الآيات، وجاءت الأحاديث تثني عليهم، وتبين فضل كثير منهم، وخاصة العشرة المبشرين بالجنة، الصحابة -رضي الله عنهم- الذي نصروا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونشروا الدين في الأرض، ونقلوا لنا القرآن والسنة، واعتقاد الرافضة يؤدي إلى إبطال الدين والقرآن، وهذا مقصود زعمائهم الذين أسسوا هذا المذهب.
(4) يزعمون أن الله - عز وجل- لا يعلم الغيب وهو ما يسمونه "البداء"، أي أن الله - عز وجل- يخبر بالخبر ثم بغيره، وهذا قول من لا يعرف الله - عز وجل-، وقالوا بهذا القول بسبب تغيير أحد أئمتهم للإمام الذي نصبه من بعده، فلما مات في حياة أبيه كان الخبر كاذباً، فبدلاً من أن يعترفوا بخطأ معتقدهم نسبوا الخطأ إلى الله - عز وجل- أي أن الله هو الذي أخبر ثم أماته، وغير إرادته ليكون الإمام أخاه الآخر.(15/468)
(5) التقية: وهي الكذب أي أن الشخص يكذب أمام السني في كل شيء، وله بذلك أجر، فإذا سألته: القرآن ناقص؟ قال: لا نحن لا نقول بذلك، وهو كذاب، ولهذا يستحيل أن تعرف شخصية الشيعي وعقيدته؛ لأنه يستبيح الكذب عليك، ويزعم أن جعفر الصادق الذي يعتقدون أنه إمام أنه قال: (التقية ديني ودين آبائي) ، وأنه قال: (من لا تقية له لا دين له) ، وما شابه هذا من القول الكذب.
بعد هذه المقدمة....إلى الإجابة على الأسئلة:
أولاً: الرافضة يستدلون بأحاديث لم تصح.
ثانياً: لو كان علي - رضي الله عنه- هو الخليفة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلماذا لم يتكلم علي بذلك، ويواجه الصحابة - رضي الله عنهم- أيعقل أن يجبن علي - رضي الله عنه- عن قول الحق؟.
ثالثاً: يزعم الرافضة أن عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه- ضرب فاطمة - رضي الله عنها- وعلي -رضي الله عنه- شاهد ولم يدافع عنها، ويزعمون أن علياً - رضي الله عنه- زوج ابنته أم كلثوم - رضي الله عنها- من عمر- رضي الله عنه- جبراً - فسبحان الله- ويزعمون أن علياً -رضي الله عنه- سمى أبناءه الثلاثة: أبا بكر وعمر، وعثمان، تقية خوفاً من عمر -رضي الله عنه-، فوصفوا علياً -رضي الله عنه- بالجبن والدياثة والنفاق، الجبن في سكوته عن الخلافة، وفي ضرب فاطمة -رضي الله عنها- وهو يشاهد، والدياثة أنه زوج ابنته من رجل كافر وهو عمر، والنفاق أنه سمى أبناءه بأسماء كفار خوفاً منهم، أي ذم أشد من هذا لعلي -رضي الله عنه- والصحيح أنه شجاع، غيور مؤمن، ولم يحدث شيء من تلك الروايات المكذوبة، والتي ملئت بها كتبهم، وهم يصدقونها، ولو وقع شيء منها لكان له مواقف تليق بإيمانه وشجاعته، نحن نرى في عالم الحيوانات أنها تدافع عن أبنائها في الموت، هذه الدجاجة لو أراد شخص أن يأخذ بعض فراخها لقاتلت دونهم، فهل علي -رضي الله عنه- أقل من الدجاجة، قبح الله طائفة لا تستحي مما تقول، هذه نبذة يسيرة تكفي لمن نور الله قلبه، وَقِسْ عليها بقية الأسئلة. والله الموفق.(15/469)
سكرات الموت وضمة القبر هل تطال المؤمنَ
المجيب د. عثمان بن جمعة عثمان ضميرية
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/11/1424هـ
السؤال
أريد أن أسأل عن كيفية خروج الروح للعباد, فإذا كانت جد مؤلمة للكفار فإن المؤمنين كذلك، بما أن للموت لسكرات، وهل يُعذب كثيراً مَنْ كان في هذه الغمرات؟ ونفس السؤال بالنسبة لضمة القبر، فهل هي جد عظيمة أيضاً بالنسبة للعبد المؤمن. أفيدونى -جزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه، وبعد:
فقد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري (4449) ، ومسلم (2443) من حديث عائشة - رضي الله عنها -أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما تغشَّاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: "سبحان الله! إن للموت سكرات"، وقالت عائشة - رضي الله عنها-: "ما رأيت الوجع على أحد أشدَّ منه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم-" رواه البخاري (5646) ، ومسلم (2570) ، ففي هذا وغيره من النصوص الشرعية ما يدل على أن الميت يجد ألماً وشدة مما يغشاه عند الموت، فإن سكرة الموت هي: شدته وغمراته التي تذهب بالعقل، وإذا كان المؤمن يجد هذه الشدة، فإن الكافر أيضاً يجد من الألم والشدة أكثر مما يجد المؤمن، كما أن الكافر تنزع روحه أيضاً بشدة، كما جاء في الحديث عن البراء بن عازب - رضي الله عنه- أن روح الكافر والفاجر تفرَّق في جسده عندما يقول لها ملك الموت: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط الله وغضبه، وأنه ينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فتتقطع معها العروق والعصب، (والسفود هو الحديد الذي يوضع عليه اللحم للشواء) الحديث رواه أحمد (18063) ، وأما ضمة القبر أو ضغطته فهي: زحمة القبر وعصره، أي: التقاء جانبي القبر على جسد الميت، بحيث يعصره ويضغطه، والكافر والمسلم في ذلك سواء، فلا ينجو منها صالح ولا طالح، غير أن الفرق بين المسلم والكافر فيها: هو دوام الضغط للكافر، وحصول هذه الحالة للمؤمن في أول نزوله إلى قبره، ثم يعود القبر إلى الإنفساح له، وجاء في الحديث الشريف: "إن للقبر ضغطة، لو كان أحد ناجياً منها: نجا سعد بن معاذ" رواه أحمد (23762) من حديث عائشة - رضي الله عنها -، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة، ومما ينبغي ملاحظته هنا: أن أمور الغيب، كعذاب القبر ونعيمه، تختلف في طبيعتها عن عالم الشهادة الذي نشهده، ونحكم عليه بحواسنا وعقولنا، ولذلك لا يقاس عالم الغيب على عالم الشهادة. والله -تعالى- أعلم، والحمد لله رب العالمين.(15/470)
طلب العون من الأولياء الأموات
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/11/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
سألت أحد العلماء عن حكم طلب العون من أحد أولياء الله، مثل أن نقول: "يا شيخ أرجوك أن تساعدني" وهل في ذلك شرك؟ فأجابني قائلاً: (الذي تفعله هو الصواب، فسؤال الأولياء هو ما ورد في القرآن والسنة، وهو مذكور في كتاب الله في قوله -تعالى -: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا"، وهكذا فإن سيدنا عبد القادر الجيلاني يساعدك، وذلك يكون مساعدة من الله لك بواسطته، وهناك مزيد من التوضيح بخصوص هذه المسألة في كتاب (التوسل بطلب العون) ، للدكتور طاهر القدري، أرجو الرد وبيان حقيقة الأمر والمفهوم الحقيقي للآية المذكورة أعلاه.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فإن طلب العون من الحي القادر جائز لا خلاف في ذلك، قال الله -تعالى-: "وتعانوا على البر والتقوى" [المائدة: 2] ، وقال -تعالى- عن موسى -عليه السلام-: "فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه" [القصص:15] .
أما طلب العون من الميت فهذا لا يجوز، بل هو عين الشرك الذي أنزل الله الكتب وأرسل الرسل لتحذير الناس منه، مهما كانت منزلة هذا المطلوب، حتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فالصحابة - رضوان الله تعالى عليهم- وهم القدوة كانوا يستعينون بالنبي - صلى الله عليه وسلم- في حياته ويطلبون منه العون والدعاء، فلما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لم يرد عن أحد منهم مهما كان وفي أحلك الأحوال وأشدها أنه طلب العون من الرسول - صلى الله عليه وسلم-، بل إنهم في الاستسقاء وعندما تجدب الأرض كانوا يطلبون من النبي -صلى الله عليه وسلم- في حال حياته أن يدعو الله لهم ليغاثوا فيستسقي لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فلما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لجأوا إلى عمه العباس - رضي الله عنه- يطلبون منه أن يستسقي لهم فيقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- اللهم إنا كنا نستسقي بنبيك - صلى الله عليه وسلم- فتسقينا، واليوم نستسقي بعم نبيك فاسقنا ثم يقول يا عباس فادع الله لنا انظر ما رواه البخاري (1010) من حديث عمر - رضي الله عنه -، فعدول الصحابة - رضي الله عنهم- عن طلب الاستسقاء بالنبي - صلى الله عليه وسلم- بعد موته إلى من هو دونه من الأحياء دليل قاطع على أنه لا يجوز طلب العون والمدد من الميت، وإذا لم يجز هذا في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن دونه من باب أولى.(15/471)
وأصل الشرك إنما هو طلب العون والشفاعة وقضاء الحاجات من غير الله –تعالى-، (ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر) هذه أسماء لأقوام صالحين مثل عبد القادر الجيلاني -رحمه الله - وغيره، اتخذوا على قبورهم تماثيل لتذكرهم بالعبادة لله –تعالى- ولما تقادم الزمان طلبوا منهم -وهم أموات- العون وقضاء الحاجات فكان ذلك منهم شركاً، وكذلك اللات، كان رجلاً صالحاً يلت السويق ويسقيه الحاج، يعني من المحسنين، فلما مات عكفوا على قبره أو الحصاة التي كان يجلس عندها فعبدت، وكذلك الذين يأتون إلى قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني – رحمه الله – وأمثاله من الصالحين مثل قبر الحسين وزينب – رضي الله عنهم - وغيرهم، ويسألونهم الحاجات ويدعونهم من دون الله –تعالى-، هذا تماماً مثل سؤال ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر) ، ومثل سؤال اللات، قال الله –تعالى-: "ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" [الزمر:3] ، فالذين عبدوا الأصنام إنما كان مقصدهم أن هؤلاء من الصالحين ونريد منهم أن يشفعوا لنا عند الله، وهذه العلة هي بعينها التي يرددها من يجيز طلب العون والشفاعة من الأموات.
وقد زاد المتأخرون على شرك المتقدمين الذين قاتلهم النبي – صلى الله عليه وسلم- بأن ادعوا لهم التصرف في الكون، وأن الله تعالى وكل تصريف الأمور وتدبير الكون لهم فيقول قائلهم:
عبد القادر يا جيلاني يا متصرف في الأكوان.
فماذا بقي لله –تعالى-؟! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وإذا لم يكن هذا شركاً فليس على وجه الأرض شرك البتة.
أما من أفتى السائل بأن الذي تفعله من سؤال عبد القادر في قبره العون والمدد هو الصواب وهو ما ورد في القرآن والسنة، فهذا كذب وافتراء على كتاب الله –تعالى- وعلى سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم- وأين في كتاب الله –تعالى- جواز سؤال الموتى الحاجات؟ وأين ذلك في سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم- وهذه سنته – صلى الله عليه وسلم- بين أيدينا وسيرة أصحابه – رضوان الله تعالى عليهم- بين ظهرانينا؟(15/472)
بل ما أنزل الكتاب وأرسل الرسول – صلى الله عليه وسلم- بل وجميع الكتب وجميع الرسل إلا لتحقيق التوحيد وإفراد الله –تعالى- بالعبادة، قال تعالى: "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" [الأنبياء:25] ، وقد حذر الله –تعالى- في العديد من الآيات من دعاء الأموات فقال تعالى عنهم: "إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" [الأعراف:194] ، وقال تعالى عنهم: "إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ" [فاطر:14] ، ومن الأدلة على افتراء هذا الأفاك الأثيم استدلاله بهذه الآية الكريمة: "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ" [المائدة:55-56] ، وأين في هذه الآية جواز سؤال الأموات العون وطلب المدد؟! أما المعنى الصحيح لهذه الآية: فالآية جاءت في سياق النهي عن تولي اليهود والنصارى، قال الله –تعالى-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [المائدة:51] ، فلما نهى عن ولاية الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، وذكر أن مآل توليهم الخسران المبين، أخبر بعد ذلك بآيتين صفة من يجب، ويتعين توليه، وذكر فائدة ذلك ومصلحته، فقال تعالى: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون" [المائدة: 55-56] .
وقد ورد في سبب نزولها عن ابن عباس – رضي الله عنهما- أنها نزلت في عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- لما تبرأ من اليهود وقد كان موالياً لهم في الجاهلية وقال: أتولى الله ورسوله والذين آمنوا، وقال جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- جاء عبد الله بن سلام إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن قومنا قريظة والنضير قد هجرونا وفارقونا وأقسموا ألا يجالسونا، فنزلت هذه الآية فقرأها عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء، وقيل إنها نزلت في علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- أنه تصدق وهو راكع، لكن قال ابن كثير بعد أن ذكر عدة روايات في هذا الموضوع، لكن لا يصح منها شيء لضعف أسانيدها وجهالة رجالها. وأياً كان سبب نزول الآية فلا شك أن علي بن أبي طالب وعبادة بن الصامت وعبد الله بن سلام وغيرهم من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنهم – هم من المؤمنين الذي يدخلون فيها دخولاً أولياً. وانظر تفسير ابن كثير (3/1194 – 1195) .(15/473)
وقال ابن كثير في تفسير الآيات: أي ليس اليهود بأوليائكم بل ولايتكم راجعة إلى الله ورسوله والمؤمنين. وكل من كان لله تقياً فهو لله ولي؛ كما قال تعالى: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" [يونس:62 -63] ، قال بعدها مبيناً من هم:"الذين آمنوا وكانوا يتقون"، وليست مخصوصة بأشخاص بأعيانهم، لأن الله -تعالى-وحده هو أعلم بمن اتقى، فأين في الآية ما يدل على جواز طلب العون من الأموات؟!. سبحانك هذا بهتان عظيم.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(15/474)
حج المرأة النفساء
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 4/12/1424هـ
السؤال
ما حكم حج النفساء والمستحاضة، والمرضع، والحامل، ومن لاتجد من يعتني بأطفالها
الجواب
حجها صحيح إلا أن النفساء والحائض لاتطوف بالبيت حتى تطهر ولاشيء عليها، لأنه يمكن أن تؤدي الحائض والنفساء جميع المناسك ما عدا الطواف بالبيت، والطواف بالبيت ـ والحمد لله ـ وقته موسع، وكما عرفنا أن أسماء بنت عميس ـ رضي الله عنها ـ خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجَّةً في حجة الوداع ومع زوجها أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ وولدت ابنها محمد بن أبي بكر - رضي الله عنهما - في ميقات ذي الحليفة بالشجرة فأرشدها النبي - صلى الله عليه وسلم - ماذا تعمل حيث أمرها أن تغتسل وَتُهِلَّ رواه مسلم (1209) من حديث عائشة - رضي الله عنها - فمن المعلوم أن غالب النفساء يطول وقت نفاسهم فهي أحرمت للحج وهي نفساء ساعة ولادتها.(15/475)
"خاتم النبوة"
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/2/1425هـ
السؤال
هل هناك أي صفة أو رسم لخاتم النبوة؟ لأنني رأيته في كتاب (سر الأسرار) تأليف الشيخ: أحمد الطيب البشير - رحمه الله-.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد ورد ذكر خاتم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحاح أخرجها البخاري ومسلم وغيرهما، وهو الخاتم الذي كان بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى جهة كتفه الأيسر، وكان من علاماته التي كان أهل الكتاب يعرفونه بها، وهو خاتم أسود اللون وقيل أخضر وقيل أحمر، ولا تعارض بينها، لأن بين الأخضر والأسود تداخلا كما يقال سواد العراق لكثرة النخيل فيه، وإنما سعف النخل أخضر اللون، وذلك أن الخاتم تعلوه شعيرات، ومن أخبر أنه أحمر اللون فنظرا للثآليل التي قيل إنها كانت تحيط بالخاتم، ولون الثآليل يميل إلى الاحمرار. وقيل في لونه إنه كلون جسده صلى الله عليه وسلم من غير تحديد وهو الأقرب. ويبلغ حجم الخاتم زر الحجلة أو بيض الحمامة. وقد عرف سلمان الفارسي رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الخاتم.
ومما ورد في ذلك من أحاديث: ما أخرجه البخاري (190) عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: ذهبت بي خالتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن ابن أختي وجع فمسح رأسي ودعا لي بالبركة ثم توضأ فشربت من وضوئه ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زر الحجلة.
وأخرج مسلم (2346) عن عبد الله بن سرجس-رضي الله عنه- قال: " رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وأكلتُ معه خبزاً ولحماً وقال ثريداً. فقيل له: أستغفر لك النبي - صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم ولك، ثم تلى هذه الآية: "وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ". قال: " ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى عليه خيلان كأمثال الثآليل ".
قال أبو زيد رضي الله عنه: " قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقترب مني، فاقتربت منه، فقال: أدخل يدك فامسح ظهري، قال: فأدخلتُ يدي في قميصه فمسحتُ ظهره فوقع خاتم النبوة بين أصبعي قال: فسئل عن خاتم النبوة فقال: " شعرات بين كتفيه"، أخرجه أحمد (20732) ، والحاكم (3/497) ح (4233) وقال (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي.
أما رسم ذلك فهو مما لم أقف له على ذكر في كتب من يعتد به من أهل العلم. وإنما تجد هذا في كتب الصوفية ممن يعتنون بذكر أوصاف الأقطاب عندهم، لأنهم يذكرون خاتم القطبية، وهو من يبلغ مرتبة قطب الأقطاب، نسأل الله السلامة.(15/476)
مسجد أقيم على مقبرة
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 6/2/1425هـ
السؤال
هناك مسجد كبير يضم عدداً كبيراً جداً من المصلين خاصة في الجمعة لتواجد إمام على درجة كبيرة من العلم، ونحسبه على خير ولا نزكيه على الله، كما أن له الكثير من الأعمال الخيرية في هذا المسجد، وحيث من الصعب عليه ترك هذا المسجد لأسباب كثيرة، وحيث تُلقى في هذا المسجد الكثير من العلوم الشرعية بالإضافة إلى الندوات الدينية حيث يقل وجود خطباء على درجة من العلم في مدينتنا يصعدون المنابر، ولكن كان بناء هذا المسجد على مكان مقابر بعد نبشها عند قول بعض الناس، والبعض يقول إنها لم تنبش والصحيح مجهول؛ لأن هذا الكلام كان منذ أكثر من 90سنة تقريباً، ولكن على قول من قال إنها نبشت بقي قبر واحد له مدخل على يسار المصلين من الخلف لكن الباب - باب هذا المدخل - على نفس استقامة الحائط الأيسر من المسجد، كما أن له باباً آخر من الجانب الخارجي من المسجد؛ أي أن القبر ممتد خارج المسجد أي أن له بابين، وهذا المسجد أيضاً يأتي إليه بعض الناس من الجهال المتعصبين من مختلف الأمكنة لاعتقادهم وأقول لاعتقادهم بوجود ضريح لأحد الصالحين فيه، والصحيح بينته فيما سبق، ولكن هذا الضريح ليس ظاهراً للعيان ولكنهم كانوا يأتون لهذا الشيء من قبل بناء المسجد حتى تم بناؤه، وهذا الموضوع كما ذكرت من سنوات طوال، لكن اليقين عندنا أنه أثناء التوسعة - لاحظ أني أقول التوسعة - كما قال بعض الإخوة إنه وجد بعضاً من العظام وقاموا بإزالتها.
ملحوظة: قام بعض الإخوة ومعهم شيخ المسجد - جزاهم الله خيراً - في محاولة لغلق باب الضريح الخارجي بالطوب من خارج المسجد لمنع الطوافين الجهلاء من الطواف بهذا الضريح وتقديم القرابين (الذبائح) ، والنقود لهذا الضريح إلى غير ما يفعل من الشركيات، ليكون باب هذا الضريح من الداخل فقط، وفعلاً بفضل الله منع الكثير من المجيء إلى هذا الضريح، ولكن حدثت ضجة كبيرة مع الجهال المتشددين عندما حاول الإمام غلق الباب الداخلي أو حتى نقل القبر إلى مكان آخر ووصل الأمر إلى الأمن حتى أضروا بالإمام وأجبروه على إبقاء الباب الداخلي دون مراجعة، مع ملاحظة أن الباب الخارجي كان يطل على ساحة المسجد قبل إلغائه بالرغم من كونه بالخارج، فالرجاء تبيين حكم الصلاة في هذا المسجد في الحالتين:
(1) وجود الباب داخل المسجد.
(2) عدم وجوده داخل المسجد أي وجوده خارج المسجد فقط ...
(3) رأي الشرع في قول من أجاز الصلاة بحجة أن القبر ليس في المربع الداخلي. للمسجد أقصد الحدود الداخلية للمسجد؛ بل هو في ساحة أو ممتد في ساحة المسجد.
(4) حكم الصلاة في المسجد الذي في ساحته قبر، وهل هذه الصورة تنطبق على مسجدنا.
مع بيان الحكم الشافي في ذلك وبيان خير ما قيل في هذا إجمالاً وتفصيلاً مع تكرمكم بإضافة حكم نهائي قصير مختصر بعد البيان التفصيلي لئلا يلتبس على ضعاف الفقه، مع بيان الحل إن كان لديكم رأي وسط. وجعل الله سعيكم في ميزان حسناتكم وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:(15/477)
فإنه إذا بني المسجد على قبر وجب هدمه، وحرمت الصلاة فيه لقوله - صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس: "ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك" رواه مسلم (532) من حديث جندب البجلي - رضي الله عنه - وقال في مرض موته: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" متفق عليه عند البخاري (1330) ومسلم (531) من حديث عائشة - رضي الله عنها -، قالت عائشة - رضي الله عنها- راوية الحديث: "يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك لأبرز قبره، لكن خشي أن يُتخذ مسجداً" عند البخاري (436) ، ومسلم (531) ، وأما إذا كان المسجد سابقاً على القبر، فيجب نبشه ونقله إلى المقابر العامة، بناء على ما تقدم وعلى ما فهمته من سؤالكم: فإن هذا المسجد قد أقيم على قبور منبوشة، فيما يظن، ولكن لا يوجد منها شيء قائم في داخل المسجد، أو مقدمة، وإنما يوجد قبر في مؤخر له باب على المسجد، فأرى أن يجتهد الإمام في فصله عن المسجد ببناء جدار يخرجه عن ساحة المسجد فلا يفتح عليه ولا على ساحته بقدر مستطاعه ما لم يفض ذلك إلى فتنة أو ضرر أشد، وأرى أن يستمر إمام المسجد في الدعوة والبيان، وتحذير الناس من الشرك وذرائعه، وألا يخلى هذا المسجد الكبير للقبورين وأهل البدع، وفيما تقدم إجابة على الفقرات الأربع الواردة في سؤالكم. والله أعلم.(15/478)
الفرق بين سجودنا إلى الكعبة وسجودهم لأصنامهم
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
نحن كمسلمين لا نعبد الكعبة وإنما نتوجه إليها في صلاتنا كقبلة موحدة للعموم، وشخص هندوسي يقول إن الأصنام التي يعبدونها إنما هي للاتجاه والتركيز، فأين هو الفرق بيننا وبينهم؟ أرجو مساعدتي في جواب مثل هذا السؤال.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الفرق هو أننا - نحن المسلمين - لا نعبد الكعبة حين نتوجه إليها، إنما نعبد الله وحده، واتخاذها قبلة إنما هو طاعة لله -تعالى- حين أمرنا بذلك، فنحن نعبد الله بذلك ونطيعه، كما أمر الله -تعالى- إبليس بالسجود لآدم، طاعة لله لا عبادة لآدم، لكنه عصى فغوى، وزعم القائل بأن الأصنام يعبدونها للتركيز والاتجاه غير مسلَّم به؛ فإن التوجه إليها عندهم تعبداً لا لمجرد أنها قبلة، بل هم يقدسونها، ونحن لا نقدس الكعبة لكن نحترمها؛ لأنها من شعائر الله.
والخلاصة أن الفرق أن توجهنا للكعبة إنما هو طاعة لله وعبادة له سبحانه لا للكعبة، بخلاف التوجه للأصنام والمعبودات، فهو بخلاف أمر الله. والله أعلم.(15/479)
معنى: "وأنا الدهر"
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/06/1425هـ
السؤال
في حديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال الله عز وجل: "يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أُقلب الليل والنهار" رواه البخاري في كتاب التفسير، ورواه أيضا مسلم، وهناك رواية تقول بأن الصحابة - رضي الله عنهم- سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: هل الزمن من مخلوقات الله؟ فأجاب عليه الصلاة والسلام: "نعم الزمن من مخلوقات الله"، والسؤال هو: كيف يكون الزمن من مخلوقات الله، وفي نفس الوقت هو الله؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأمر ليس كما فهمت أنت، وإنما الزمن هو من مخلوقات الله، ولكن لما كان الإنسان يسب المتصرف في الدهر، فإن هذا سب لله -تعالى-؛ لأن الله - جل وعلا- هو المتصرف في هذا، فإذا سب الإنسان الدهر فإنما السب يقع ويتجه إلى المتصرف فيه؛ لأنه لا إرادة للدهر، وإنما الإرادة لله -تعالى- ولهذا قال الشافعي - رحمه الله - كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء، أو نكبة، قالوا: يا خيبة الدهر، فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه، وإنما فاعلها هو الله - جل وعلا- فكأنهم إنما سبوا الله - سبحانه-؛ لأنه فاعل ذلك في الحقيقة، ولهذا نهي عن سب الدهر لهذا الاعتبار؛ لا أن الله هو الدهر الذي يعنونه ويسندون إليه تلك الأفعال، وقد جاء بيان معنى هذا في قوله تعالى في نفس الحديث: "أقلب الليل والنهار" رواه البخاري (4826) ، ومسلم (2246) ، وتقليبه تصريفه تعالى فيه بما يحبه الناس ويكرهونه، ومعنى ذلك أن ما يجري في الليل والنهار، أو في الدهر من خير وشر إنما هو بإرادة الله - سبحانه وتعالى-، وتدبيره بعلم منه تعالى وحكمه لا يشاركه في ذلك غيره، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فالواجب عند ذلك حمد الله -تعالى- في الحالتين، وحسن الظن بالله - جل وعلا- والرجوع إليه تعالى في كل أمر من أمور الإنسان. وبالله التوفيق.(15/480)
رفع الصوت بالسلام في المسجد
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/5/1425هـ
السؤال
عند دخول بعض الناس المسجد يسلمون بصوت جهوري، وعند خروجهم يسلمون بصوت جهوري أيضاً؛ مما يؤثر على من يقرأ القرآن أو من يصلي، فهل لهذا أصل؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لا ينبغي الجهر بالسلام إذا كان يترتب على ذلك تشويش على الآخرين سواء كان من المصلين أو التالين للقرآن، أو من يدرسون العلم، أو يذاكرون دروسهم، وإنما يلقى السلام بحيث لا يترتب عليه تشويش على الآخرين، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدخل ويلقي السلام، وسلامه صلى الله عليه وسلم يسمع اليقظان ولا يوقظ النائم، كما في الحديث الذي رواه مسلم (2055) عن المقداد بن عمرو -رضي الله عنهما-. والله أعلم.(15/481)
معنى "لا إله إلا الله"
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 4/1/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي سؤال بخصوص معنى لا إله إلا الله؟ فنحن نعرف أن الله واحد أي لا يوجد إله آخر يشاركه في ربوبيته ولا في ألوهيته أي إن الله منفرد بخلقه، ولكن السؤال هو كيف نعرف إنه لا يوجد إله آخر يشبهه في صفاته وأفعاله، ومستقل بخلقه؟ أي: قد يخلق أشياء أخرى ليس بالضرورة تشبه خلق الله، أي: هل هناك أحد يشبه الله في صفاته وأفعاله منذ الأزل وإلى الأبد وليس بالضرورة يشارك الله في مخلوقاته أي: يخلق أشياء أخرى
الجواب
الحمد لله.
لقد دلت العقول والفطر وأخبرت الرسل بأن هذا العالم مخلوق مدبر، وأن خالقه ذو علم وفير، وقدرة تامة ومشيئة نافذة، وحكمة بالغة وأن العقول عاجزة عن تصور كنه صفاته، كما دلت على أن خالق هذا العالم ومدبره هو المستحق للعبادة حباً وخوفاً ورجاء وتعظيماً وطاعة ... ؟ وكلمة التوحيد تدل على كل معاني التوحيد وأنه -تعالى- واحد في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته فلا شريك له ولا شبيه، وقد بين -سبحانه وتعالى- أنه لو كان إلهان وخالقان لفسد العالم، كما قال -سبحانه وتعالى-: "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون" [الأنبياء:22] وقال -سبحانه وتعالى-: "ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون" [المؤمنون:91] ، فلو كان لهذا العالم خالقان لاضطرب نظامه، وانتظام أمر هذا العالم علويه وسفليه دال على وحدانية خالقه ومدبره، وقول السائل: من أين لنا أنه لا شبيه له في صفاته. نقول إذا أقررت أن الله -تعالى- هو المبدع المدبر لهذا العالم، وأنه الإله الحق دون ما سواه فإنه يجب أن يكون لا مثيل له؛ إذ لو كان له مثيل في صفاته لكان إلهاً ثانياً ورباً ثانياً، فاعتقاد أن لله شبيهاً في صفاته أو أن يجوز أن يكون ذلك هو نقض لما ادعيت الإقرار به من توحيد الربوبية والإلهية، فأنواع التوحيد الثلاثة متلازمة من جحد شيئاً منها نقض ما يدعي الإقرار به من التوحيد، فعليك الإيمان بالله إيماناً تاماً، وذلك بالإيمان بأنه رب كل شيء ومليكه، وأنه لا إله غيره، وأنه المستحق بجميع صفات الكمال المنزهة عن جميع النقائض والعيوب، وهذا سبيل المرسلين وعباد الله المخلصين ومن أثبت لله شبيهاً أو قال: يجوز أن يكون لله شبيهاً، فقد سلك سبيل المشركين فقد نزه -سبحانه وتعالى- نفسه عما يصفه به الجاهلون والمشركون، قال سبحانه: "سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين" [الصافات:180-181] ، والله أعلم.(15/482)
إطلاق النفاق على المعين
المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 8/1/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
من المعلوم أننا نستطيع أن نقول عن شخص إنه كافر إذا كان مفرطاً جداً في الشريعة ويجهر بأنه ليس مسلماً، هل نستطيع أن نسمي شخصاً بعينه منافقاً؟ ومتى؟.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المهم أن نعرف ما هو النفاق، وأنه نوعان:
النوع الأول: نفاق عملي لا يخرج من الملة، وصفات المنافق نفاقاً عملياً إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان.
أما النوع الثاني فهو: نفاق اعتقادي وهو الذي يظهر الإيمان ويبطن الكفر، وصاحبه مخلد في النار؛ بل هو في الدرك الأسفل من النار، الأصل في معاملته أن تعامله على ظاهره وتكل سريرته إلى الله، كما كان يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم- مع المنافقين في زمانه، ولا تنشغل في الحكم على الأشخاص إلا إذا كنت في مقام القضاء، ومن انكشف أمره بأن ظهرت زندقته وهو يظهر الإسلام، أو تبين خطره بأن كان جاسوساً للأعداء يخفي جاسوسيته وعمالته، ويظهر الإسلام فهذا أمره إلى السلطان، وولي الأمر هو الذي يحكم في شأنه، والإنسان يعرف أسباب الكفر والردة وأسباب النفاق ليتقي ذلك ويبتعد عنه، ولا يشغل نفسه بالحكم على الأشخاص. والله -تعالى- أعلم.(15/483)
حديث: (من كانت الدنيا همّه ... ) والحرص على طلب الرزق!
المجيب د. سعد بن ناصر الشثري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/3/1425هـ
السؤال
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَانَتِ الآخرة هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِه، ِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ؛ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْه، ِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ"، كيف يمكن الجمع بين هذا الحديث وقول الله -تعالى-: "قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ"، فإني أسأل الله في أمور دنياي أخشى أن يكون هذا من هم الدنيا بقلبي. أرجو أن أكون بينت ما أود أن أسأل عنه. أفيدوني، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
الحديث رواه الترمذي (2465) ومعنى قوله فيه: "من كانت الدنيا همه"، يعني أنه لا يهتم إلا بالدنيا ولا يلتفت للآخرة في همه، وهذا المعنى لا يعارض الدعاء بشيء دنيوي من مثل صلاة الاستسقاء، ومثل قوله تعالى: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة ... " [البقرة:201] ؛ لأن المؤمن يدعو بهذه الأشياء ليتوصل بها للقيام بالأمور المشروعة سواء الواجبة أو المستحبة كالنفقة الواجبة أو سداد الديون أو الصدقات، أو يريد بذلك الاستغناء عن الناس، وكل ذلك من النيات والمقاصد المشروعة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(15/484)
قاعدة: "من لم يكفر الكافر ... "
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/05/1425هـ
السؤال
هل قاعدة "من لم يحكم على الكافر بالكفر فهو كافر، ومن شك في كفر الكافر فهو كافر" قاعدة معتبرة بين أهل العلم؟ وما مستندها؟ وهل يقتضي أننا إذا لاقينا أي كافر فلابد لنا أن نكفره أو نقول أنت كافر؟ أم يكفينا أننا نعلم أنه كافر بدون أن ننطق بأي كلمة تفيد ذلكم قدامه؟ ولا نحكم بأنه مخلد في النار إلا إذا استمر في الكفر إلى الموت؟ أم ماذا نفعل؟
الجواب
الأخ السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
معنى هذه القاعدة أن المسلمين إذا عرفوا شخصاً بأنه كافر أو مشرك، وظهرت أدلة كفره ظهوراً جلياً، فإنهم يحكمون بكفره بدون شك أو تردد، كمن جحد ألوهية الله أو ربوبيته، أو أنكر الشريعة الدينية، أو كذب الرسل، أو كذب بالقرآن، أو بالبعث بعد الموت، أو أباح المحرمات، وليس من شرط تكفيره مصارحته بأن يقال: يا كافر، أو: أنت قد كفرت، وإنما تكفيره اعتقاد خروجه من الدين الإسلامي، فنعلم أنه كافر ولو لم نقابله بذلك، وعند التعامل معه نجعله كافراً، ونعامله بمعاملة الذمي والمعاهد والمستأمن إذا كان في بلاد الإسلام، وأما الحكم عليه بالنار فلا نحكم عليه إلا إذا تحققنا أنه مات على الكفر، وذلك لأن الله قطع الولاية بين المسلمين والكفار، وأمرهم بمعاداة أقاربهم الكفار ومقاطعتهم، فدل على أنهم كفروهم حتى يرجعوا إلى الإسلام، والله أعلم.(15/485)
لمز الصحابي بذنبه الذي تاب منه
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 08/02/1427هـ
السؤال
ضربت لزملائي مثالاً في التوبة، وكيف أن الله يعظم أجرها، وضربت لهم المثل بالغامدية التي رُجِمت في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فما كان من زميل كان يجلس معنا إلا أن قال -والعياذ بالله- معلقًا: (وكانت هذه الغامدية أول قحبة في الإسلام) !
يعلم الله أني تفاجأت من جرأته، فحذرته من الاستهزاء وعقوبته، ولكنه حاول تكرارها مرة أخرى، فما كان مني إلا أن اعتزلت المجلس.
سؤالي: ما هي الخطوة التي تجب علي الآن؟ هل أمتنع عن كلامه أم ماذا؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا شك أن ما قاله عن تلك الصحابية الجليلة -رضي الله عنها- كلام في غاية الوقاحة وسوء الأدب وفيه بهتان عظيم، ووصف لها بما لا يليق، ويدخل في لمز الصحابة -رضي الله عنهم- وسبهم الذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في صحيح مسلم (2540) ، وغيره. ولا يضيرها أنها زنت ما دامت قد تابت توبة صادقة، زكاها بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما العبرة بالخواتيم، وربما عاقب الله هذا القائل وفتنه بما لمزها به، وكان الأَوْلى أن تنهروه وتزجروه على كلمته الخبيثة، ولا يعذر فيها بالجهل، وكان المفترض -إنْ لم يعقبها باستغفار وندم يظهر فيه الصدق- أن ترفعوا أمره للمحكمة ليعزِّره القاضي حُكمًا بشهادتكم عليه، حتى يكون عبرة لغيره.
وأخشى أن يكون عند هذا الرجل طوام أعظم من هذه، فإن كان كذلك فابدأ معه بالأصول لتقريرها والرد إليها، مع تبيين أن إسلام المرء لا يصح إلا مع الإقرار والتسليم بها، والإيمان بها إيماناً لا يخالطه شك ولا تزعزعه شبهة، فإن أجدى نصحك وتذكيرك، وإلا فاعتزله واهجر مجلسه، امتثالاً لقوله تعالى: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ... " [الأنعام: 68] . وفقك الله وزادك غيرة على دينه وأهله، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(15/486)
الصلاة على الفرش الملون
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 7/6/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بدأت البحث مؤخراً في موضوع الصلاة على الأرض مباشرة، والخلاصة التي خرجت بها هو أن هذا ما كان يفعله الرسول -عليه الصلاة والسلام- وكذا الصحابة- رضي الله عنهم- أي الصلاة ووضع الجبهة مباشرة على الأرض، وهذا ما يلتزم به الشيعة، كما أن هناك أحاديث وفتاوى تبين أنه يمكن أيضاً الصلاة على سجاد، شريطة ألا يكون مما يلبس، وألا تكون به ألوان أو رسوم، سؤالي هو: لماذا يلتزم الشيعة بما فعله النبي- صلى الله عليه وسلم- ولا نلتزم به نحن السنيون؟ ثم إن المسجد الذي بحينا مفترش بأغطية ملونة يصلي عليها الناس, فما العمل؟ هل أصلي في بيتي وأمتنع عن المسجد؟ أثابكم الله وأعانكم على الخير.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الجواب وبالله التوفيق:
هذا الدين الذي كرمنا الله بالانتساب إليه وتعبدنا به، دين يسر لا مشقة فيه، ولا حرج، وهذا أمر ظاهر في تكليفاته وعباداته التي تعبدنا بها، حيث إن الله - سبحانه- ربطها في أدائها بالاستطاعة؛ "فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن: 16] ، ولم يكلفنا بطقوس نلتزمها كما هو حال أهل الكتاب، والصلاة أوضح مثال لهذا، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "فضلت على النبيين بست" وذكر منها: "وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل" رواه البخاري (335) ، ومسلم
(521) ، وهذا يعني أنه لا يلزم أن تؤدى الصلاة في مكان مخصوص، بل كل مكان طاهر يصح أن يصلى فيه، مبنياً معداً للصلاة فيه أو غير مبني، وإذا لم يوجد الماء فإن المسلم يكفيه التيمم بالصعيد الطيب "فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيبا"ً [النساء: 43] ، ولم يكن مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مفروشاً بحصير ولا بغيره، وكان الرسول - عليه الصلاة والسلام- يصلي في مسجده على الأرض مباشرة، ولكنه ثبت عنه أيضاً أنه صلى على الحصير في مرات عديدة في بيته، وفي بيت أم سليم - رضي الله عنها-، كما روى ذلك أنس ابنها - رضي الله عنه-، انظر: البخاري (380) ، ومسلم (658) وكذلك صلى على الحصير في بيت عتبان بن مالك - رضي الله عنه- انظر: البخاري (1186) ، ومسلم (33) ، وغير ذلك.
فالصلاة على الحصير والفرش سنة ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما هي ثابتة في صلاته على الصعيد من غير حائل، والعبرة ليست بوجود الحصير من عدمه، بل بطهارة المكان التي هي من شروط الصلاة، وهي إحدى الطهارات الثلاث المشترطة في الصلاة (طهارة الثوب والبدن والبقعة) .(15/487)
والقول بأن الصلاة لا تصح إلا على الأرض أو على ما كان من جنس الأرض إنكار لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة على الفرش والحصير، على أنه لو سلمنا بأنه لا تصح الصلاة إلا على الأرض، أو ما كان من جنسها، فإن كل الفرش مصنوعة إما مما يخرج من الأرض من النباتات والأشجار ومن مشتقات البترول وهو من الأرض، ولهذا فإنه لا مانع من الصلاة على الحصير، والفرش حتى ولو كانت ملونة، وينبغي اجتناب الفرش المزركشة ذات الألوان التي تشغل المصلي عن صلاته وتشوش فكره. والله أعلم.(15/488)
كيفية استخدام القاعة الكبرى للمسجد
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/1/1425هـ
السؤال
اقتنى الإخوة مركزاً إسلاميًّا ضخماً في كندا، وتم تأسيس عملية الشراء على نية استخدام المركز لاستيعاب ما شاء الله من مختلف مجالات الأنشطة التعبدية، والاجتماعية والثقافية التي تتطلع إليها الجالية في بلاد الغربة، وتمت الدعاية أثناء عملية جمع التبرعات لتوفير تكلفة شرائه على ضوء مخطط بُيِّن فيه توزيع منشآت المركز على مختلف الأنشطة التي وُعد بإنجازها، وكان من ضمن ما بُيِّن في المخطط تسمية الجزء الأمامي من القاعة الكبرى مسجداً في حين سمي جزؤها الخلفي قاعة متعددة الأغراض ثم قدر الله أن نشب خلاف في كيفية استخدام القاعة الكبرى، فإذا نحن فريقان متنازعان: فريق يرى المضي على ما بُيَّن في المخطط على اعتبار أن المركز في حكم الوقف، وأن مجال استخدام الوقف شرعاً ينحصر فيما انعقدت عليه كلمة الالتزام الأولى عند عقد صفقة الشراء، والذي قامت على أساسه الدعاية لجمع تبرعات المحسنين من المسلمين، وفريق آخر يوجب استخدام القاعة كلها مسجداً ولا يجيز إجراء غير المسجد عليها سواء فصل بين جزأيها أم لا، ومستند هذا الفريق أن القاعة وإنْ الْتُزم ابتداءً تقسيمها إلا أن مجرد استخدام الجزء المبرمج لأن يكون قاعة متعددة الأغراض للصلاة أحالها مسجداً وألحقها بحكم المساجد، يشار إلى أن متزعم الفريق الثاني كان له الدور الفعَّال في الدعاية لجمع التبرعات على ضوء المخطط المذكور والمنصوص فيه على التقسيم، وسافر به إلى خارج كندا، واستخدمه لإقناع المحسنين بدعم مشروع شراء المركز، كما أنه لا يقول بإلحاق أجزاء أخرى من المركز بحكم المساجد مع استخدامها للتوسع في صلوات الجمعة والعيدين عند ازدحام الناس ختاماً نشير إلى أن عدم استخدام القاعة في غير الأنشطة التعبدية يكلف إدارة المركز مصاريف إضافية عالية؛ لتأجير مكان آخر، لاحتواء وتنظيم بعض الأنشطة التي كانت من أهداف شراء المركز مثل إحياء احتفال العيدين لتحسيس أطفال الجالية بفرحة العيد في حين يظل المركز خاوياً إلا في صلوات الجمعة، والعيدين، وجمعية المركز ما زالت تتوفر على مقرها الأول الذي كان يفي بهذا الغرض، وإنما ارتأت شراء المركز الجديد؛ لتوسيع آفاق نشاطاتها، ومجالات نفع المسلمين، وإصرار الفريق الثاني على رأيه يعطل المركز عن المنافع التي أُسس من أجلها، أفتونا مأجورين.
الجواب(15/489)
الذي أعلمه من واقع المساجد والمراكز في غير البلاد الإسلامية أنها توظف لإقامة كثير من المناشط الدعوية كالمحاضرات، والندوات، ويلحق بهذه المساجد صالات خاصة يلتقي فيها المسلمون، ويقيمون فيها مناسباتهم الاجتماعية، وهي بهذا تحقق مصالح عظيمة للجالية المسلمة، وتجعل صلتهم بالمسجد وأنشطته قوية، تعوضهم عما فقدوه في بلاد الغربة من المظاهر والشعائر الإسلامية، وبناء على هذا فليس من المناسب أن يقتصر الإخوة في كندا على جعل المركز الإسلامي الضخم الذي تحصلوا عليه مكاناً تؤدى الصلوات فيه فحسب، وتستبعد عنه المناشط الثقافية والاجتماعية؛ لأنهم بهذا سيحرمون المسلمين هناك من كثير من المصالح والمناشط التي يرغبونها، وقد يؤدي هذا الأمر إلى أن يزهد الناس في الحضور إلى المسجد لأداء الصلاة، وتنقطع صلتهم به بالكلية، ولا سيما أن الذين جمعوا التبرعات لهذا المركز قد أفهموا الناس أنهم سيجعلون هذا المركز مخصصاً للصلاة وللمناشط الأخرى أيضاً، فلا يجوز العدول عن هذا الوعد بلا سبب وجيه، وعلى الإخوة أن يدركوا أن القاعة الكبرى عندما تقسم إلى قسم خاص بالصلاة يعدُّ مسجداً، وقسم آخر خاص بالمناشط، ويُفصل بينهما، فلا يعني هذا أنه لا يجوز استخدام القاعة الخاصة بالمناشط لأداء الصلاة عند وجود الزحام في مثل صلاة الجمعة والعيدين، بل يمكن فعل هذا مع كون هذه القاعة خارجة عن مسمى المسجد، والصلاة فيها عند الحاجة إذا اتصلت الصفوف لا يصيرها مسجداً في الأحوال التي لا يصلي الناس فيها عادة، وهذا مثل كثير من المساجد الصغيرة إذا ازدحمت بالمصلين واضطر الناس إلى الصلاة خارجها في الطرقات، أو المحلات المجاورة لها مع اتصال الصفوف، فإن هذا لا يصيرها مسجداً بحيث تأخذ أحكام المساجد المعروفة، وأنصح هؤلاء الإخوة بالبعد عن كل ما يسبب الجدل والنزاع، وإذا وقع عندهم أي اختلاف، أو تباين في وجهات النظر أن يسألوا أهل العلم، ويأخذوا بفتواهم، وإن كانت الواقعة تحوي خلافاً كبيراً، ولها أبعاد قد يجهلها الشخص المسؤول، فالذي أراه أن يحال الأمر إلى لجنة تحكيمية تفصل فيه، على أن يتوفر في أعضاء هذه اللجنة العلم الشرعي، والأمانة، والخبرة بواقع الناس في المنطقة التي توجد فيها المشكلة، وعلى الجميع أن يتعاون، ويأخذ برأي هذه اللجنة؛ حفاظاً على وحدة الصف، والبعد عن الشقاق والنزاع.(15/490)
إمامة الرسول صلى الله عليه وسلم بالأنبياء
المجيب د. جمال المراكبي
رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/04/1425هـ
السؤال
كيف صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام- في بيت المقدس ولم تكن الصلاة فرضت بعد، فقد فرضت في المعراج؟ ثم لماذا صلى بهم وهو سوف يقابلهم بعد قليل في السماوات ويسلم عليهم؟ ثم لماذا كان يسأل جبريل- عليه السلام- عن كل نبي في كل سماء، وهو قد رآهم فعلا من قبله وعرفهم؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
صلاة النبي صلى الله علية وسلم بالنبيين إماما ليلة الإسراء والمعراج ثبتت في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي. (الحديث) ، وفيه "فحانت الصلاة فأممتهم" مسلم
(259) (263) (264) ، وما بعده. وزاد المعاد بالهامش (ج3 ص31) .
أما كيف صلى ولم تكن الصلاة فرضت بعد؟
فنقول: إن الصلاة كانت مشروعة ومعروفة قبل رحلة الإسراء والمعراج، والأدلة على ذلك كثيرة في السنة والسيرة، ولكن ما حدث ليلة الإسراء والمعراج هو جعل الصلاة فريضة، فرضت خمسين صلاة، ثم خففت حتى صارت خمسا في العدد، خمسين في الأجر.
أما قول السائل لماذا صلى بهم وهو سوف يقابلهم؟
فهذا أمر لا يقال فيه لماذا؛ لأن الله جعله تشريفا لنبيه صلى الله علية وسلم.
ولماذا كان يسأل جبريل عنهم في كل سماء إذا كان قد رآهم من قبل؟.
فمعلوم أن أعداد الأنبياء والمرسلين كبير جداً، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن العلماء أهل العلم اختلفوا في هذه المسألة؛ فابن حجر في الفتح قال: (صلاة النبي- صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام- كانت قبل العروج.
أما ابن كثير في تفسيره لسورة الإسراء فيرى أن الصحيح أنه صلى بهم في بيت المقدس بعد عروجه.
وخلاصة القول أن هذا من عالم الغيب الذي لا يقال فيه لم، ولا يقال كيف، ولكن نصدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما قاله ونقله عنه الثقات الأثبات بالأسانيد الصحاح. والله أعلم.(15/491)
لم يسهموا في بناء المسجد، فهل يُمنعون من دخوله؟
المجيب يوسف أبرام
مدير المركز الإسلامي بزيورخ في سويسرا وعضو المجلس الأوروبي للافتاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 6/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد قمنا ببناء مسجد بفضل من الله في مدينتنا إحدى مدن الغرب، وذلك عن طريق القرض والحمد لله نحن ماضون في تسديد ما علينا، والمبلغ كبير جدًّا، وقد أسهم العديد من المسلمين في سداده بتبرعهم وإحسانهم، ولازالوا يسهمون، إذ إن القرض لا يمكن تسديده، من جهة أخرى فاعتمادنا كله بعد الله على إسهام المسلمين المقيمين هنا، لكن المشكلة هي: أنه توجد مجموعة من الذين يصلون في المسجد يمتنعون عن الإسهام والعطاء، فلم يشاركوا في ثمن أرضه ولا ثمن بنائه، ولا ثمن فرشه من زرابي وإنارة وغيره; وقد تفرق المسلمون في هؤلاء فئتين: فئة تدعو لطردهم ومنعهم من دخول المسجد، وفئة تقول إن المساجد لله ولا يحق لنا طرد من جاء للصلاة، مع العلم أنه كل جمعة يمر جماعة من القائمين بين صفوف المصلين يستحثونهم على العطاء ويذكرونهم الفضل، لكن لاجدوى، مع أن مستواهم المادي ليس متدنيا لكنهم يمتنعون، فما الحل حفظك الله؟ فالبعض يرى أن الأمر غير عادل إذ إنهم دفعوا من أموالهم والآخرين لم يفعلوا، ويرتادون المسجد دون التفكير في ضخامة ما تبقى من دين لم يسدد بعد.
وجزاك الله عنا كل خير.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اعلم - رحمك الله- أن ما قمتم به في مدينتكم من شراء الأرض ثم بناء المسجد وتجهيزه وإعداده للمسلمين عمل من أعظم القربات وجميل الطاعات، وقد مدح الله من بني له مسجداً، وزكى فعله ورجولته وعبادته، وحسن فعله ووعده ببركة في الرزق والنجاة من النار، قال تعالى: "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ" [النور:36-38] .
كما وعد الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم- فاعله ببناء مخصوص من رب عظيم فقال - صلى الله عليه وسلم-: "من بنى لله مسجداً بنى الله له مثله في الجنة" متفق عليه، وقال كذلك: "من بنى مسجداً يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتاً في الجنة" صحيح الترغيب (1/217) .
فهنيئاً لكم بهذا الأجر والثواب، وبارك الله فيكم وفي أمثالكم.
واعلم أخي أن الله تبارك وتعالى أثنى على عُمّار المساجد الذين يأتون إليها زلفى إلى الله وابتغاء مرضاته"، "إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ" [التوبة:18] .
وإن من عمارة المساجد بل أهمها ما تقوم به العمارة وهو إقامتها بالمال الحلال، فالله طيب لا يقبل إلا طيباً.(15/492)
ومن عمارتها إحياؤها بالكتاب والسنة وإماتة البدعة، وإن من عمارتها ألا يرفع فيها إلا اسم الله سبحانه وتعالى فلا إله إلا الله تعني لا معبود بحق إلا الله، وإن من عمارتها أن يحكم فيها بالكتاب والسنة على قدر ولايتكم وسلطانكم داخل المسجد، فالحكم بما أنزل الله ليس مقصوراً على الخليفة بل في كل مرافق الحياة بما فيها الشرع المطهر الذي يسري على المساجد، وعليه فكما لا يخفى عليكم فالمسجد بيت الله ولا يُمنع من بيته أحد من الناس، وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – عن حكم دخول الكافر المساجد فأجاب: "أما المسجد الحرام؛ فلا يجوز دخوله لجميع الكفرة: اليهود، والنصارى، وعباد الأوثان، والشيوعيين؛ فجميع الكفرة لا يجوز لهم دخول المسجد الحرام، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا" [التوبة: من الآية28] ، فمنع سبحانه من دخولهم المسجد الحرام، لا يهودي، ولا نصراني، ولا غيرهما، بل هذا خاص بالمسلمين، وأما بقية المساجد فلا بأس من دخولهم للحاجة والمصلحة، ومن ذلك المدينة، وإن كانت المدينة لها خصوصية، لكنها في هذه المسألة كغيرها من المساجد؛ لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم- ربط فيها الكافر في مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم-، وأقرَّ وفد ثقيف حين دخلوا المسجد قبل أن يسلموا، وهكذا وفد النصارى دخلوا مسجده عليه الصلاة والسلام، فدل على أنه يجوز دخول المسجد النبوي للمشرك، وهكذا بقية المساجد من باب أولى إذا كان لحاجة، إما لسؤال، أو لحاجة أخرى، أو لسماع درس ليستفيد، أو ليسلم ويعلن إسلامه، أو ما أشبه ذلك" انتهى. فإخوانكم الذين امتنعوا عن المساعدة في مصاريف المسجد من باب أولى، بل لا يجوز لأحد أن يمنعهم من المسجد، خاصة إذا كان مجيئهم واختلاطهم بإخوانهم مدعاة حتى ينتظموا مع جماعة المسجد، فالذئب يأكل من الغنم القاصية.
وإخوانكم كذلك – إن شاء الله- من المؤمنين، والله نهى أن تكون هذه المساجد وسيلة للتفريق بين المؤمنين، فقد بنى أهل النفاق مسجداً ضراراً، وكان قصدهم هو تفريق وتمزيق شمل الجماعة، فأنزل الله فيهم حكماً رادعاً، وتم حرق مسجدهم الفاسد بأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" [التوبة: من الآية107] .(15/493)
وإني أدعوكم بدعوة القرآن الكريم أن تقبلوا موقفهم هذا وقلوبكم مؤمنة بأن الله - سبحانه وتعالى - سيغيرهم من حال إلى حال؛ فقد وعد سبحانه وتعالى بأن الذين يقابلون الإساءة بالحسنى يُغيّر الله لهم القبيح حسناً والبخيل كريماً والجبان شجاعاً والعنيف مسالماً، بل والكافر مؤمناً، ألم يعدنا ربنا وعداً حسناً بقوله: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" [فصلت: من الآية34] ، فالكلمة الطيبة ورَدَّ السيئة بالحسنة تنتزع من الصدور كل أنواع الغل والحقد، وتجعلها مستعدة لعمل الخير وقبول الحق، لهذا السلوك - أي دفع السيئة بالحسنة والتسامح مع الآخرين عند الإساءة - مقام عظيم لا يصل إليه كل الناس، بل الصابرون، المحتسبون المتيقنون بالجزاء الأوفى من الله: "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" [فصلت:35] .
وفي الأخير أخاطب الإخوة الذين امتنعوا عن المساهمة في المسجد، فأقول لهم بأن لكل غائب عذر وإني لا أعلم هل لهم عذر في عدم المساهمة أم لا، فإن لم يكن لهم عذر فإني أدعوهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا لقوله تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْم وَالْعُدْوَانِ" [المائدة: من الآية2] ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى سائره بالحمى والسهر" متفق عليه.
وأنت في بلاد الغرب، والمؤامرات تحاك بالليل والنهار لإدماجكم وتذويبكم، والكفر والفساد محدق بكم والانحلال الخلقي والتمزق الأسري يهددكم، فاعلموا علم اليقين أن لا حافظ لكم إلا الله ولا مأوى لكم إلا مساجده، فاتقوا الله إخواني وكونوا للحق أعواناً.
والدين النصيحة، وإني أنصحكم أن تكونوا جماعة واحدة تحت إدارة واحدة، فحتى لو وُجد بعض التقصير؛ فإن ظلمة الجماعة خير من نور التفرد والتشتت، ولا تتبعوا كل دعوة تُفرِّق الشمل وتمزِّق الصف سواء كانت قومية أو عرقية أو حزبية، فأنتم عباد الله المسلمون، والمعادلة التي ينبغي أن تضعوها نصب أعينكم هي: إما التمسك بالإسلام، وإما الضلال المبين والعياذ بالله، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلكم.
لقد قلتم في رسالتكم: (لقد قمنا ببناء مسجد بفضل الله وذلك عن طريق القرض) ، وما دام أنه لم توضحوا في رسالتكم الكريمة مصدر القرض فاسمحوا لي بهذا التساؤل، إن كان عن طريق مؤسسة ربوية فلا ريب أن ما تلاقون من مشاكل ليس إلا بسبب هذا، فالله يمحق الربا ويربي الصدقات؛ فعجِّلوا بالتخلص من هذا القرض والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وإن كان القرض قرضاً حسناً بدون فوائد؛ فأسأل الله أن يعينكم ويرفع ضائقتكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(15/494)
هل يصلى على ما بتر من الجسم البشري؟
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/04/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
ماذا يعمل بالجزء المبتور من جسم الإنسان؟ هل يدفن ويصلى عليه؟ أفيدونا جزاكم الله عنا خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يُدفن بدون أن يصلى عليه؛ لأن العبرة بالبدن كله وبالإنسان، وصاحب هذه الأعضاء -كما يُفهم من السؤال- لا يزال حياً، وإنما الصلاة تكون على الميت، وإنما اختلف العلماء في الصلاة على أعضاءٍ لميت، وأما الحي فلا يصلى على ما انفصل منه من أعضاء. والله -تعالى- أعلم.(15/495)
حكم الصلاة في المسجد الأموي
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أولاً: أسكن بجانب مسجد فيه قبر -وهو قريب جداً- من منزلي لدرجة أني أسمع الأذان كأنه في غرفتي، ولكن مما قرأت في كتاب فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد وغيره في فتاوى شيخ الإسلام أنه لا تجوز الصلاة فيه، وأقرب مسجد لي بعده بعيد بحيث أحتاج لسيارة للذهاب إليه، وأنا لا أستطيع أن أصلي صلاة الجماعة فيه، وبنفس الوقت أكاد أتقطع أني أسمع الأذان ولا ألبي النداء.
ثانياً: ما حكم الصلاة في الجامع الأموي؟ علماً أن هناك قبراً كبيراً داخل المصلى يقال إنه للنبي يحيى- عليه الصلاة والسلام-، وأظن أن ذلك غير صحيح، علماً أن الناس تتحلق حول القبر وتستقبله أثناء الدعاء، ولا أحد يتحرك من الشيوخ والمحدثين الموجودين فيه بعد صلاة الفجر.
ثالثاً: إذا كان الأمر كما ذكرت لك فكيف كان شيخ الإسلام يحدث الناس في ذلك الجامع؟ وهل ظهرت تلك البدع بعد وفاته رحمه الله؟ أفتونا أثابكم الله، والسلام عليكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أولاً: لا تجوز الصلاة في مسجد فيه قبر، سواء كان المسجد سابقاً للقبر أو كان المسجد بني على القبر؛ لعموم الأحاديث الدالة على تحريم بناء المساجد على القبور، والتغليظ في ذلك، وسداً لذرائع الشرك، فإن كان المسجد الثاني بعيداً فصل جماعة بمن حضرك من إخوانك المسلمين في بيتك أو في فضاء قريب، وليكن منكم سعي في إقناع جماعة المسجد بإخراج القبور إلى المقابر العامة، أو عزله عن المسجد عزلاً تاماً.
ثانياً: الصلاة في الجامع الأموي بدمشق مشروعة كسائر مساجد المسلمين، وليس له خصوصية شرعية، سوى أنه مسجد عتيق اتخذه صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مسجداً، وأما مقام يحيى - عليه السلام- فلم يثبت أنه موضع قبره، وإنما حكي أنه وُجد رأسه فيه، ولم يكن في زمن الصحابة - رضي الله عنهم- والتابعين مقام مبين، وإنما حدث في عصور متأخرة، وليس بقبر، وأما تحلق الناس حوله فبدعة منكرة، ودعاؤه من دون الله شرك أكبر مخرج عن ملة الإسلام، يتعين على أهل العلم إنكاره والتحذير منه. والله المستعان.(15/496)
هل يبلى جسد الشهيد في قبره؟
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/04/1425هـ
السؤال
هل يبقى جسد الشهيد كما هو في قبره، فلا يتحلل ولا يبلى؟
وإن كان جسده يتحلل فماذا عن قصة إعادة دفن شهداء أحد؟ إذ يقول دافن سيد الشهداء -حمزة بن عبد المطلب-رضي الله عنه- إنه كما هو حين دفنه لم يتغير، وكان دمه يسيل، مع العلم أن بين إعادة دفن شهداء أحد -إثر السيل- وبين استشهادهم سنوات.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الوارد من حديث أوس - رضي الله عنه- قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"إن الله عز وجل قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء". رواه النسائي (1374) ، وأبو داود (1047) ، وابن ماجة (1636) ، وذكر ابن عبد البر أنه قد روي في أجساد الأنبياء والشهداء أن الأرضة لا تأكلها، وساق رواية بسندها أنه لما أراد معاوية - رضي الله عنه- أن يجري العين التي في أسفل أحد أمر منادياً فنادى أنه من كان له ميت فليأته فليخرجه وليحمله، قال جابر - رضي الله عنه-:"فذهبنا فأخرجناهم رطباً ينثنون"، وقال -أيضا-:"فأصابت المسحاة إصبع رجل منهم فتقطر الدم" انظر ما رواه مالك في الموطأ (1023) ، وانظر التمهيد لابن عبد البر (18/174) ، وذكر الزرقاني أن ذلك وقع بعد ست وأربعين سنة من دفنهم، ونقل الزرقاني عن بعضهم أنه ألحق بهم الشهداء والصديقين والعلماء العاملين والمؤذنين المحتسبين وحاملي القرآن العاملين به والمرابطين والميت بالطاعون صابراً محتسباً، والمكثر من ذكر الله والمتحابين في الله، قلت وليس ثمة دليل على ذلك؛ وإنما الدليل الثابت في أجساد الأنبياء وأما غيرهم فالأصل بلاءها، والله أعلم.(15/497)
تقبيل القبر
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 8/2/1425هـ
السؤال
هل يجوز تقبيل القبر احتراماً للشخص المدفون فيه؟.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
الذي يظهر لي أن هذا العمل محرم ولا يجوز؛ لأن الشارع الحكيم جاء بسد باب أي ذريعة تؤدي إلى تعظيم القبور وتميزها؛ ومن ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم- نهى أن يُبنى عن القبور أو تجصص، أو يجلس عليها، أو يكتب عليها انظر ما رواه مسلم (970) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - وأمر عليًّا - رضي الله عنه- ألا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه، أي بغيره من القبور انظر ما رواه مسلم (969) من حديث علي - رضي الله عنه - ومن ذلك فيما يظهر لي تقبيل القبر احتراماً فهو لا يجوز، وإن لم يكن قصد الفاعل لذلك تعظيم صاحب القبر، وإنما مجرد المحبة، أو الاحترام؛ سدًّا لهذا الباب، ولأن أكثر أسباب الشرك تأتي من القبور، وقد يراك جاهل فيحسب أنك تفعل ذلك لمزية خاصة تتعلق بصاحب هذا القبر، والله أعلم.(15/498)
المنفي في قوله "ليس كمثله شيء ... "
المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/3/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، قال تعالى: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" [الشورى:1] ، قرأت في إحدى المقالات على الإنترنت ما مجمله: أن آية "ليس كمثله شيء" غير محكمة بالمعنى الأصولي، وأن هناك فرقاً بين التمثيل والتشبيه فليس كل تشبيه هو تمثيل، وأن الآية هنا تنفي التمثيل فقط الذي هو بمعنى ما يساوي الشيء في جميع أوصافه، أما مطلق التشبيه فلم تنفه الآية ولم يتعرض له القرآن الكريم ولا السنة النبوية بنفي أو إثبات، وعلى ذلك فإنه لا ينبغي علينا أن ننكر على من أثبت أوجه شبه بين الخالق والمخلوق لاحتمال الصحة في قوله؛ ولأن بعض النصوص تحتمله فلا ننفي قوله ولا نثبته، ولأن الشرع لم يأت بنفي قوله بل أتى بنفي المماثلة -كما في هذه الآية- فمثلاً من المعلوم أن الله -عز وجل- يوصف بالحياة، وأنه حي، ونوصف نحن بالحياة وأننا أحياء، والحياة في عرفنا بشكل مبسط دون النظر في تعريفها الصحيح هي تعلق الروح بالبدن بصفة يعلمها الله، فإذا فارقت الروح البدن لا يسمى الكائن حياً، فالحياة إذن فيها سلب للموت والجمادية هذا بالنسبة لكل المخلوقات المنظورة التي نعرفها على الأقل، والخالق يشترك معنا ويشابهنا في هذه الصفة من هذه الناحية على الأقل، فحياته تعني أنه ليس بميت، وأنه ليس جماداً وإن كانت حياته لا تماثل حياتنا لكن الخالق لا يشاركنا في كل خصائص الحياة وينفرد ببعض خصائصها الأخرى، فحياتنا حياة تسير وفق أسباب ووفق سنن عند حدوث خلل في هذه الأسباب، وهذه السنن تتغير هذه الحياة أو نفقد هذه الحياة، لكن الله -عز وجل- لا تسير حياته وفق أسباب وسنن.
الأمر الآخر أن حياتنا لها بداية ونهاية، وحياته -عز وجل- لا بداية لها ولا نهاية، فحياتنا مفتقرة للديمومة، وحياته لا تفتقر لشيء من ذلك البتة، فهذا الوجه من التشبيه يعني فهماً لمعنى الصفة، كما أنه لا يؤدي إلى معان ولوازم فاسدة من كل وجه، ومن يقول بهذا القول لا يقال عنه مشبه، وإنما يقال بأنه مشبه إذا جعل حياتنا كحياة الله أو مثل حياة الله -عز وجل- بحياتنا، أما أنه يثبت جهة اشتراك واحدة أو اثنتين، أو غيرها، وكان الخالق مبائناً للمخلوق في أكثر لوازم إثبات هذه الصفة، فلا يسمى مطلقها مشبها أو ممثلا، وخاصة إذا كانت أوجه الشبه صحيحة عقلا، ولم تتعارض مع غيرها من النصوص، هذا مجمل القول فما رأيكم به؟ وهل يجوز لي الاعتقاد به؟ أفيدونا رحمكم الله.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فقد أجمعت الأمة على أن آية "ليس كمثله شئ وهو السميع البصير" [الشورى:11] آية محكمة، وأن مضمونها نفي المماثلة بين الله وخلقه، مع إثبات صفتي السمع والبصر لله -تعالى -، حيث جمعت بين التنزيه والإثبات إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل (=نفي) .(15/499)
أما لفظ التشبيه فلم يرد ذكره في الكتاب ولا في السنة لا نفياً ولا إثباتاً، إنما الذي ورد نفيه هو التمثيل؛ وذلك أن التمثيل يقتضي المساواة من كل وجه، وهذا المعنى منفي عن الله، أما لفظ التشبيه فهو يقتضي المساواة من بعض الوجوه، تقول مثلاً هذا الشيء يماثل ذلك الشيء أي يساويه تماماً، وتقول هذا الشيء يشبه ذاك الشيء أي يساويه من بعض الوجوه دون بعض، ولذا لم يرد في حق الله –تعالى- لفظ التشبيه لأنه مشترك مبهم، فقد يراد به المفهوم الكلي العام (المعنى اللغوي) ، والذي لا يكون إلا في الذهن لا في الخارج، فهذا حق، والتشابه به حاصل إذ ما من موجودين إلا وبينهما قدر مشترك ذهني كلفظ الوجود مثلاً فإن معناه اللغوي مشترك بين الخالق والمخلوق فهو من هذا الجانب متشابه، أما إذا أريد به المعنى الخاص فلكل من الخالق والمخلوق وجود يخصه لا يشركه فيه غيره.
ولولا هذا القدر المشترك لما فهمنا ما خاطبنا الله به من نصوص كتابه من أمور الغيب التي لا تدرك حقائقها كحقيقة ذات الله وصفاته وحقيقة ما في اليوم الآخر وما في الجنة، ولذا قال ابن عباس – رضي الله عنهما-: (ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء) (تفسير ابن كثير 1/ 61) عند تفسير قوله تعالى: "وأتوا به متشابهاً"الآية، [البقرة:25] ، فنحن ندرك معنى ما خاطبنا الله به مما في الجنة من نعيم كأصناف المآكل والمشارب من خمر وعسل ولبن وماء، وفاكهة ولحم طير، وغير ذلك، لكن ليس حقيقة تلك الأمور كحقيقة ما في الدنيا وإنما هنا قدر مشترك فهمنا به خطاب الله –تعالى-.
وكذا يقال في صفاته سبحانه، فنحن نفهم معنى القدرة والحياة والعلم واليد والوجه، ونحو ذلك من صفات الله –تعالى-، وذلك قدر مشترك متشابه بين الخالق والمخلوق، وهو مفهوم كلي ذهني لا خارجي، أما في الخارج فلا يوجد كلي يشترك فيه الخالق والمخلوق إذ ما يوجد في الخارج يوجد معيناً مقيداً، وهو الوجود الخاص بكل موجود فمفهوم الوجود في الذهن واحد وفي الخارج مختلف فوجود الخالق واجب ووجود المخلوق ممكن وكذا سائر الصفات.
فمن شبه الحقيقة الخارجية للخالق الواجب الوجود بالحقيقة الخارجية للمخلوق الممكن الوجود فقد وقع في التشبيه المحرم الذي يكفر قائله ومعتقده.
أما ما في الذهن من الاشتراك في المعنى العام فليس من التشبيه المحرم
وإلا لتعطلت نصوص الصفات إذ تصبح غير مفهومة المعنى.
يقول ابن تيمية – رحمه الله -: (وهذا الموضع من فهمه فهماً جيداً وتدبره زالت عنه عامة الشبهات، وانكشف له غلط كثير من الأذكياء في هذا المقام وقد بسط هذا في مواضع كثيرة وبُيّن أن القدر المشترك الكلي لا يوجد في الخارج إلا معيناً مقيداً، وأن معنى اشتراك الموجودات في أمر من الأمور هو تشابهها من ذلك الوجه، وأن ذلك المعنى العام يطلق على هذا، وهذا لا أن الموجودات في الخارج يشارك أحدها الآخر في شيء موجود فيه بل كل موجود متميز عن غيره بذاته وصفاته وأفعاله) [التدمرية 127 - 128] .(15/500)
وبهذا نعلم أن اتفاق المسمّيين اتفاقاً كلياً عاماً [=المفهوم اللغوي] في بعض الأسماء والصفات ليس هو التشبيه والتمثيل الذي نفته الأدلة السمعية والعقلية، وإنما نفت تلك الأدلة ما يستلزم اشتراكهما فيما يختص به الخالق، مما يختص بوجوبه أو جوازه أو امتناعه فلا يجوز أن يشركه فيه مخلوق، ولا يشركه مخلوق في شيء من خصائصه سبحانه وتعالى، وتشابه الشيئين من بعض الوجوه لا يقتضي تماثلهما في جميع الأشياء.
ومع أن لفظ التشبيه لم يرد ذكره نفياً ولا إثباتاً في الكتاب والسنة إلا أنه يتسامح أحياناً في استخدامه بمعنى التمثيل، فقد جاء عن بعض السلف استخدامه.
فعلى سبيل المثال ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما- في قوله تعالى: "فلا تجعلوا لله أنداداً" أي: أشباهاً [تفسير ابن جرير1/198-199] .
وقال أبو حنيفة (ت 150هـ) : (أتانا من المشرق رأيان خبيثان جهم معطل، ومقاتل مشبه) .
وسئل الإمام أحمد (ت 241هـ) عن المشبهة فقال: (المشبهة تقول: بصر كبصري، ويد كيدي، وقدم كقدمي، ومن قال ذلك فقد شبه الله بخلقه) (إبطال التأويلات لأبي يعلى 1 / 43] .
قال نعيم بن حماد شيخ البخاري (ت 228هـ) : ((من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، فليس ما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيه)) . [شرح أصول أهل السنة 2/532] .
وقال إسحاق بن راهويه: (من وصف الله فشبه صفاته بصفات أحد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم) . [شرح أصول أهل السنة 2/532]
والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.(15/501)
إخراج زكاة القمح نقداً
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/05/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما مقدار زكاة القمح؟ وهل يجوز بيع المحصول كله، ثم إخراج الزكاة نقداً لا قمحاً؟ وهل تخرج الزكاة في التبن؟ وكيف ذلك؟ التكاليف مثلاً: 1000درهم، والأرباح 5000 درهم. هل أزكي على الأرباح فقط، أم في التكاليف والأرباح؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
زكاة القمح ونحوه إن كان سقيه بلا مئونة، كالذي يسقى بماء الأمطار ونحوها ففيه العشر، وإن كان السقي بمئونة، كالذي يسقى بالمكائن ونحوها ففيه نصف العشر، ويجوز إخراج الزكاة من القيمة إذا بيع جميع المحصول دفعة واحدة، ولا زكاة في التبن، ولا اعتبار بالتكاليف، وإنما تخرج الزكاة أو نصف العشر من المحصول أو القيمة. والله أعلم.(15/502)
"الإسماعيلية"
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/2/1425هـ
السؤال
أرجو توضيح وموقف الشرع من طائفة تسمى "الشيعة الإمامية النزارية الإسماعيلية" وما هي معتقداتهم وأفضل طريقة لدعوتهم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وبعد:
فإن فرقة النزارية من فرق الإسماعيلية، وتنسب إلى نزار بن المستنصر الإسماعيلي (ت:487هـ) وقد خلفه ابناه نزار الأكبر، والمستعلي فصاروا نزارية، ومستعلية، وكانت الدولة والغلبة للمستعلية الذين حكموا مصر، واليمن وغيرها، وينتسب إلى النزارية الحشاشون الذين انتشروا بالشام وبلاد فارس وغيرها، ومن أبرز رجالهم الحسن ابن الصباح فارسي الأصل، وينتسب إلى النزارية إسماعليلية الشام ولهم دور خطير وإن لم تكن لهم دولة، ولا يزالون إلى اليوم في الشام.
عقيدتهم: عقيدة الإسماعيلية ومن أبرزها اعتقادهم بوجود إمام معصوم منصوص عليه من نسل محمد بن إسماعيل، يضيفون عليه صفات ترفعه إلى مقام الألوهية، ويخصونه بعلم الباطن، ويدفعون له خمس دخلهم، ولا يقيمون الصلاة في مساجد عامة المسلمين وصلاتهم للإمام المستور، والكعبة عندهم رمز للإمام، ويستحلون المحرمات، ويرون أن الله خلق العالم عن طريق العقل الكلي الذي هو محل لجميع الصفات الإلهية ويسمونه الحجات، وقد حل العقل في الإمام المستور.
أما الموقف من هذه الطائفة وأخواتها من طوائف الإسماعيلية. فمن الواضح كما بين العلماء أن هذه العقائد تخالف العقيدة الإسلامية جماعة وتفصيلا، وأنها عقائد كفرية، وحقيقتها هدم الإسلام، وإن كانت في الظاهر تتستر بالتشيع لآل البيت، ولذا فليست من الإسلام في شيء.
وأتباعها: يدعون إلى الإسلام، وتبين لهم أصوله التي من خرج عنها يعد كافرا بالله وغير متبع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقام عليهم الحجة بتوضيح المحجة، وبيان معالم الطريق المستقيم الذي تركنا عليه نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وأرى أن من الضروري استغلال وسائل العصر المتاحة، ومن أهمها (الإنترنت) ، والدخول معهم عبر هذه الشبكة على أن يكون المناقش له من أهل العلم والخبرة والتجربة، ومن الذين يعرفون حقيقة ما هم عليه من خلال كتبهم وأنصح بقراءة الكتب الآتية:
1. الإسماعيلية: للشيخ/ إحسان إلهي ظهير.
2. فضائح الباطنية: لأبي حامد الغزالي.
3. المؤامرة على الإسلام: أنور الجندي.
4. الحركات الباطنية في العالم الإسلامي: د. محمد الخطيب.
والله الموفق وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(15/503)
الدخول بالزوجة قبل بلوغها
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 06/07/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم.
سؤالي هو بعض النصارى يثير شبهة أن القرآن الكريم يبيح الزواج من البنات دون سن البلوغ، ويستشهد بالآية التي في سورة الطلاق "واللائي لم يحضن" [الطلاق] ، هل ممكن للإنسان إذا عقد على بنت دون سن البلوغ أن يدخل بها؟ ولماذا ذكر القرآن هذا؟ هل كان منتشراً مثل هذا الزواج؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ما ذكره هذا النصراني هو كلام باطل؛ فالمرأة يجوز العقد عليها وإن كانت دون سن البلوغ، وكذلك يجوز الدخول بها كما حصل للنبي - صلى الله عليه وسلم- مع عائشة - رضي الله عنها-.
لكن لا يجوز وطء الصغيرة إلا إذا كانت مطيقة للوطء، ولذا عقد النبي - صلى الله عليه وسلم- على عائشة - رضي الله عنها- وهي بنت ست، ودخل بها بنت تسع، والحديث مخرج في الصحيحين البخاري (3894) ، ومسلم (1422) .
وبالنسبة لما ذكر الله - عز وجل- ذكره في سورة الطلاق، وبيّن الله - عز وجل- عدد المطلقات، فإذا كانت المرأة دون سن البلوغ ولم تحض بعد فعدتها ثلاثة أشهر؛ لأن هذا الأمر قد يقع أحياناً، وقد تكون للمرأة مصلحة بالزواج من هذا الرجل وإن كانت صغيرة، ولو أُخر هذا الزواج فقد يفوتها هذا الرجل الصالح، وقد يرى الولي المصلحة للمرأة في الاقتران بشخص معين وعدم تفويت هذه الفرصة، هذا هو الجواب مع التأكيد على الأصل الذي سبق، وهو عدم الجلوس مع هذا النصراني وأمثاله ممن هو يحمل شُبها عن الإسلام.
وبالنسبة لوجود هذا النوع من الزواج وانتشاره في السابق، فإنه كان موجوداً؛ لأن هناك مصلحة؛ لأنه قد يتقدم الرجل الكفء للبنت، وهي صغيرة، ولو رد لذهب إلى غيرها، فالولي قد يرى مصلحة لموليته في تزويجها من الرجل الكفء، وإن كانت صغيرة؛ كما وقع هذا للنبي - صلى الله عليه وسلم- مع عائشة - رضي الله عنها-. والله أعلم.(15/504)
الزكاة على الأخت في كنف الوالد
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 08/02/1427هـ
السؤال
هل يجوز لي أن أدفع زكاتي إلى أختي التي تصغرني، سواء بصرفها في دراستها أو تجهيزها للزواج؟ علماً أنها في كفالة والدي الكبير في السن، كما أنني أقوم بمساعدة والدي من حر مالي؛ نظراً لاحتياجه ومرضه.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا كنت تنفق على والدك ومن تحت ولايته فهذا يعتبر من النفقة الواجبة عليك، وحينئذ لا تدفع لأختك من الزكاة؛ لأنك تنفق عليها وعلى والدك.
وأما إذا كنت تعطي والدك بعض المساعدات وهو ينفق على أولاده -بما فيهم أختك- وأردت أن تملِّك أختك مباشرة مالاً من المال الذي تحتاجه، وهي لا مال لها، ووالدك لا يستطيع الإنفاق عليها النفقة التامة، فالذي يظهر لي -والله أعلم- أنه يجوز لك أن تدفع لها شيئاً من الزكاة لهذا الاعتبار، بمعنى أنك تملكها لأختك لا أنك تدفعه لوالدك ليعطيه لأختك، وإنما يكون لأختك مباشرة، وأختك فقيرة بحكم وضعها الأسري الذي تعيشه مع والدك، فيجوز أن تعطيها من مال الزكاة لدراستها أو تجهيزها للزواج ونحو ذلك في هذا الضرب الذي يملك لها مباشرة. والله أعلم.(15/505)
قراءة الفاتحة على الميت
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في نقاش دار بيني وبين أحد الأصدقاء قال لي صديقي إنه لا بأس بقراءة الفاتحة على الميت لما لها من فضل وأجر, فأجبته أنه لا أصل لهذه القراءة ولم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها بدعة, فأجاب وكذلك لا يوجد دليل على أنه لم يفعل ذلك، وهكذا وجد آباءه وأجداده يفعلون، أرجو من فضيلتكم الرد على هذه البدعة بالحجة والدليل من الكتاب والسنة، وكذلك الرد على المنهجية التي يتبعها صديقي في الاستنباط بقوله إنه (لا يوجد دليل على أنه لم يفعل ذلك، وهكذا وجد آباءه وأجداده يفعلون) .
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأصل في العبادات المنع حتى يرد الدليل عليها من الشرع، فلا يقال إن قراءة الفاتحة على الميت مشروعة من أصلها أو من جهة عددها، أو من جهة هيئتها إلا بدليل شرعي، فمن ابتدع في الدين ما لم يشرعه الله رد عليه عمله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن عَمِل عملاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فهُو رَدٌّ". أخرجه البخاري (2697) ومسلم (1718) . أي مردود عليه، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين وسائر الصحابة، رضي الله عنهم، أنهم قرؤوا الفاتحة على الميت إلا في صلاة الجنازة، على الهيئة التي شرعها الإسلام، وليس على هيئة أخرى، قال الله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) ] الحشر: من الآية7 [. فنأخذ ما آتانا الرسول صلى الله عليه وسلم، على عدده وهيئته، وهذا معنى أن الأصل في العبادات المنع حتى يرد الدليل من الشرع، وقوله: (لا يوجد دليل على أنه لم يفعل ذلك) . له جوابان: الأول: ما ذكرت من أن الأصل في العبادات المنع حتى يرد دليل شرعي، والجواب الثاني: لو فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، أو أمر به لأُخبرنا بذلك، فقد ربى الصحابة، رضي الله عنهم، على كل شيء يرضاه الله من العبادات، بل على ما يصلح لهم في حياتهم وبعد مماتهم، فقد علمهم حتى كيفية قضاء الحاجة.
ووجود الآباء والأجداد على بدعة ليس دليلاً على صحتها، إنما الدليل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أتى بالشرع وأكمل الله به الدين. والله أعلم.(15/506)
وسيلة دحض عقيدة السيخ
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/2/1425هـ
السؤال
كيف ندحض عقيدة السيخ؟ هم يدعون أنهم مؤمنون بإله واحد لا شريك له. هل هم موحدون؟ أرجو إيراد الحجج التي ترد عليهم، بعض الناس يقولون إن السيخ يؤمنون حقاً بالإسلام. نرجو التوضيح لمساعدتي في الدعوة.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
ديانة السيخ خليط من العقائد الإسلامية والهندوسية، وما ادعاه معلمو هذه الديانة الملفقة، وهم قطعاً ليسوا مسلمين، ويكفي في الدلالة على ذلك تبرؤهم من الإسلام في أول شعاراتهم التي أطلقوها عند إعلان دينهم: (لا هندوس ولا مسلمون) ، ومؤسس مذهبهم: (تاناك) ، يزعم أنه رأى الله، وأنه أمره بالدعوة إلى دينه الجديد! وقد أباح لأتباعه الخمر وأكل لحم الخنزير، وحرم أكل البقر مجاراة للهندوس، وحين حكموا البنجاب في القرن الثامن عشر الميلادي اضطهدوا المسلمين، كما أنهم والوا الإنجليز أثناء استعمارهم لشبه القارة الهندية، وشكلوا نسبة كبيرة من عسكرها الذي قمعت به حركات التحرر والجهاد الإسلامية، وأما دعواهم أنهم مؤمنون بإله واحد، فلا تنفعهم حتى يعبدوا الله الواحد وفق ما بعث به نبيه الخاتم محمداً - صلى الله عليه وسلم-، وذلك متقضى الشهادتين، والسيخ بعيدون أشد البعد عن عبادة الله، وعن اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.(15/507)
معنى: " وما ترددت في شيء ... "
المجيب د. تركي بن فهد الغميز
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما معنى التردد في قوله تعالى في الحديث القدسي؛ قال: " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَ بي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ". رواه البخاري (6502) .
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ثم أما بعد: فجوابًا عن سؤالكم عن معنى التردد في الحديث القدسي: "ومَا تردَّدتُ في شيءٍ أنا فاعلُه تردُّدي عن نَفْسِ المؤمنِ ... ". أفيدكم أن ابن تيمية، رحمه الله، قد سئل عن ذلك، فأجاب بإجابة فيها طول، ألخصها لكم فيما يلي: وهي في مجموع الفتاوى (18/129) ، فذكر أولاً: أن منشأ الإشكال عند بعضهم هو قولهم: إنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور، والله أعلم بالعواقب. وقد رد ذلك ابن تيمية بأن الواحد منا قد يتردد تارة لعدم العلم، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة، لا بجهل منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من وجه، ثم مثل لذلك بالشيب في بيت شعر، ومثل له بإرادة المريض للدواء الكريه، قال: بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب، وفي الصحيح: " حُفَّتِ الجَنَّةُ بالمَكَارِهِ وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَوَاتِ". أخرجه البخاري (6487) ومسلم (2823) . وقال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ) الآية..] البقرة:216 [.(15/508)
ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في هذا الحديث، فإنه قال: "لا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافلِ حتى أُحبَّه". فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوبًا للحق محبًّا له، يتقرب إليه أولاً بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد في النوافل التي يحبها، ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق، فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة، بحيث يحب ما يحبه محبوبه، ويكره ما يكرهه محبوبه، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه، فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه، والله سبحانه قد قضى بالموت، فكل ما قضى به فهو يريده، ولا بد منه، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مرادًا له من وجه مكروهًا له من وجه، وهذا حقيقة التردد، وهو: أنه يكون الشيء الواحد مرادًا من وجه مكروهًا من وجه ... إلخ. ا. هـ.
وإنما طولت بنقل كلام ابن تيمية لما فيه من الوضوح والبيان، أما ابن حجر فقد ذكر في فتح الباري (11/353) (طبعة الريان) أقوالاً متعددة في معنى ذلك، يغني عنها كلام ابن تيمية السابق.
وقد ذكر العلامة المعلمي في كتابه (الأنوار الكاشفة ص193) هذا الحديث، في معرض رده على أبي رية، وذكر أن هذا الخبر نظر فيه الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد من الميزان، وابن حجر في الفتح، ثم ذكر إسناده وأنه فرد. قال: ومثل هذا التفرد يريب في صحة الحديث ... فأبدى احتمال ضعف هذا الحديث، ثم ذكر أنه إن صح فهو من جملة الأحاديث التي تحتاج ككثير من آيات القرآن إلى تفسير، ثم قال: وقد أومأ البخاري إلى حاله فلم يخرجه إلا في باب التواضع, من كتاب الرقاق. ا. هـ.
والمراد من نقل كلام المعلمي أن يعلم أن هذا الحديث ليس في منتهى الصحة، ومع ذلك فتفسيره على ما قال ابن تيمية. والله أعلم.(15/509)
هل لأختي الحق في أخذ نصف قيمة المنزل؟
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/02/1427هـ
السؤال
اشتريت منزلاً تم تسديد ثمنه على دفعتين، الدفعة الأولى نقداً، والثانية عن طريق قرض من البنك بالتقسيط، وقد سُجل المنزل باسم أختي لأخذها القرض من البنك؛ (لأني مسجل بجمعية، ولا يحق لي أن أسجله باسمي) ، ثم أخذت مبلغاً من المال من أختي لإتمام كسوة المنزل وفرشه وبدون أي اتفاق، كما بدأت أختي بمساعدتي بدفع بعض أقساط البنك، وأيضاً بدون أي اتفاق، والآن بعد مرور خمس عشرة سنة أخذت أختي تطالبني بالبيت بنسبة ما دفعته في الماضي، أي أنها افترضت أنها دفعت نصف ثمن البيت في الماضي، وتطالبني بنصف قيمته في الوقت الحاضر.
ما حكم الشرع في هذا الموضوع، وباعتبار عدم وجود اتفاق؟ وهل يحق لها أخذ نصف قيمة المنزل في الوقت الراهن، أو استرداد المبلغ الذي دفعته، أو أخذ مبلغ يعادل المبلغ الذي يعطيه البنك كقرض في الوقت الراهن؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
فحكم الشرع هو أن المسلمين على شروطهم، فالمال الذي دفعته لك أختك وأعطتك إياه لا بد أنك فهمت منه شيئاً وهي أيضاً فهمته، ووقع في نفسيكما هل هو هدية من أختك أم أنه قرض أم أنه مشاركة؟ فإذا كان هذا هدية من أختك فلا شيء لها في البيت، وإن كان قرضاً فعليك أن ترد لها المال الذي أعطتك إياه، وإذا كان مشاركة من أختك معك فإنها تكون شريكة لك في هذا البيت بنسبة المال الذي دفعته، وأنتما أدرى بما بينكما فاتقيا الله وتحاسبا في هذه الدنيا قبل أن تُحاسبا في الآخرة، وكل إنسان يعرف ما بينه وبين صاحبه، فأنت تعرف ما تريد أختك، وأختك تعرف ما تريد أنت أيضاً، فعليكما أن تتقيا الله وأنتما إخوان، وبينكما رحم، وبينكما مودة، وبينكما صلة، فلا تختلفا في حطام الدنيا وأنتما بدأتما حياتكما بمحبة ومودة، فاستمرا على ما أنتما عليه من الثقة فيما بينكما، وتصافيا فيما بينكما، واصطلحا، فإن لم يظهر لكما فيما بينكما أن هذا قصد به قرض أو مشاركة أو نحو ذلك، فعليكما أن تصطلحا فيما بينكما؛ والصلح خير، ويحلل كل منكما الآخر، الأخت تحلل أخاها، والأخ يحلل أخته، وتتفقا على شيء تصطلحان به فيما بينكما. هذا فيما يظهر لي هو الأولى والأسلم لذمة كل منكما، والله ولي التوفيق.(15/510)
الإكراه على الكفر
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 1/3/1425هـ
السؤال
ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في كتاب التوحيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "دخل رجل الجنة بسبب ذبابة ودخل رجل النار بسبب ذبابة" (رواه أحمد عن طريق طارق بن شهاب)
والذي فهمته من الحديث أن الشخص لا يجوز أن يتكلم بالكفر أو يفعل أشياء تقود إلى الشرك حتى في حالة الإكراه، بل يضحي بحياته، غير أنني قرأت أن بعض العلماء يرون جواز الجهر بكلمات أو أفعال الكفر في حالة الإكراه، وذلك لحفظ حياة الشخص وعدم تعريض نفسه للهلاك، وفي القرآن الكريم قال تعالى: "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان". أرجو توضيح هذه المسألة. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أولاً: الحديث رواه أحمد في كتاب الزهد (22) وابن أبي شيبة في مصنفه (32409) وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو موقوف على سلمان -رضي الله عنه- ويكون دخول الرجل الذي قرب الذباب النار لكفره الأول، والله أعلم.
ثانياً: أن الذي قرب ذباباً ليس على وجه التقرب، وإنما على وجه التخلص، فهو من باب الإكراه، وفي الحديث: "إنما الأعمال بالنيات" رواه البخاري (1) ، ومسلم (1907) من حديث عمر - رضي الله عنه -، وعلى هذا إذا فعله بقصد التخلص، ولم ينو التقرب لهذا الصنم: لا يكفر؛ لعموم قول الله -تعالى-: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً" [النحل:106] .
وعلى هذا يجوز الجهر بكلمات أو أفعال الكفر في حال الإكراه لحفظ الدنيا، لكن هل الصبر على القتل أفضل أم الموافقة ظاهراً دون الباطن؟
إذا كان الإكراه لا يترتب عليه ضرر في الدين للعامة، فإن الأولى أن يوافق ظاهراً لا باطناً، لا سيما إذا كان في بقائه مصلحة للدين، وهو قد رخص له، وإن لم يكن فيه مصلحة.
أما إذا كان موافقته وعدم صبره ضرر على الإسلام فإنه يصبر، كما فعل الصحابة -رضي الله عنهم- لما شكوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يجدونه من المشركين قص عليهم قصة الرجل فيمن كان قبلنا بأن الإنسان كان يمشط ما بين لحمه وجلده بأمشاط الحديد فيما رواه البخاري (3612) من حديث خباب - رضي الله عنه - فكأنه يقول لهم: اصبروا على الأذى؛ لأنه لو حصل من الصحابة- رضي الله عنهم-موافقة وهم قلة، لحصل بذلك ضررٌ عظيمٌ على الإسلام.
وكذلك قصة الإمام أحمد - رحمه الله- في المحنة المشهورة، لو وافقهم ظاهراً لحصل في ذلك مضرة على الإسلام، وإن أردت المزيد فانظر جامع العلوم والحكم لابن رجب، شرح الحديث التاسع والثلاثون: "إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" والحديث عند ابن ماجة (2043) وغيره عن أبي ذر - رضي الله عنه-. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.(15/511)
حكم من يكفر آحاد الصحابة رضي الله عنهم
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/04/1425هـ
السؤال
ما هو الحكم في شخص يكفر بعض الصحابة - رضي الله عنهم- والعياذ بالله، مثل أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم-؟ وما الحكم فيمن لا يكفر الصحابة - رضي الله عنهم-، ولكن لا يكفر من يكفرهم؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
تكفير الصحابة - رضي الله عنهم- جرم عظيم وجناية كبيرة، وتعدٍ على مقامات عظيمة، واتهام للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالتقصير في التربية، وتكذيب لله الذي زكاهم وحكم بفضلهم ورضي عنهم، ومخالفة صريحة لنصوص القرآن العظيم، ورد لما أجمع عليه المسلمون من الصحابة-رضي الله عنهم- والتابعين وسائر أهل العلم والدين الذين يرون في الصحابة- رضي الله عنهم- النموذج الأعلى، والقدوة المثلى، والجيل الأفضل والأعلم والأحكم، وكيف لا وهم تلاميذ سيد الخلق -صلى الله وعليه وسلم-، وخاصة الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- وفضلهم بحسب ترتيبهم في الخلافة، ومن المعلوم أن من كذب بالقرآن وردَّ آياته، وأعرض عن حكمه، وخالف أمره المعلوم وتوجيهه البين فإنه يجني على نفسه جناية عظيمة، وهذا الاعتقاد والقول به كفر وردة عن الإسلام لما فيه من التكذيب لله تعالى ولنصوص القرآن؛ كقوله تعالى "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه" [التوبة:100] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" رواه البخاري (3673) ، ومسلم (2541) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، والقائلون بهذا القول قالوا بما لم يقله اليهود ولا النصارى فإنهم إن سئلوا من خير أهل ملتكم قالوا أصحاب موسى وحواريو عيسى وهؤلاء يقولون شر أهل الملة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكفى بذلك إفكا وجرما ومخالفة وانحرافا.
أما من لم يكفر من كان هذا حاله فليس بكافر، بل قد يكون معذورا مأجورا؛ لأن الحكم بالكفر على معين -فردا كان أو طائفة- من المسائل التي يقع فيها الخلاف بين أهل العلم، ولا بد فيها من وجود شروط الحكم وانتفاء موانعه، والصواب في هذا الحال أن يقال -كما سبق- هذا القول والاعتقاد به كفر، أما القائل به والمعتقد له فلا يكفر إلا بوجود الشروط وانتفاء الموانع. والله تعالى أعلم.(16/1)
قول ابن القيم بفناء النار
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قرأت عن العلامة ابن قيم الجوزية, ذكر فيه أن أهل النار لن يخلدوا أبد الآبدين في النار, معللاً ذلك بأن هذا العذاب الأبدي منافٍ للعدالة الإلهية, كما أن القرآن ذكر أنهم "لابثين فيها أحقاباً" (أي فترات زمنية محددة) , ثم إنه قال إنهم خالدين فيها -بمعنى مادامت جهنم-, وهي سيأتي عليها يوم وتخمد نارها -كما ذكر بعض الصحابة رضي الله عنهم- فإذا اتفقنا معه على أن النار ليست خالدة أبد الآبدين (إلى ما لانهاية) ألا ينطبق نفس القول على أهل الجنة. أسأل الله أن يغفر لي هذا السؤال. وجزاكم الله عني خيراً.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قال الطحاوي الحنفي - رحمه الله-: (والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً ولا تبيدان) قلت: وقوله: إن الجنة والنار مخلوقتان هذا باتفاق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن.
قال أهل العلم: والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء، وكذلك العرش فإنه سقف الجنة، فقد أخبر تعالى عن أهل السماء والأرض أنهم يموتون، فقال: "كل شيء هالك إلا وجهه" [القصص:88] ؛ لأنه حي لا يموت، فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت وإنما قالوا ذلك توفيقاً بينها وبين النصوص المحكمة الدالة على بقاء الجنة وعلى بقاء النار أيضاً على ما يأتي.
وقوله لا تفنيان أبداً ولا تبيدان، هذا قول جمهور الأئمة من السلف والخلف، وقال ببقاء الجنة وبفناء النار جماعة من السلف والخلف منهم ابن القيم - رحمه الله- والقولان مذكوران في كثير من كتب التفسير وغيرها.
فأما أبدية الجنة وأنها لا تنفى ولا تبيد، فهذا مما يعلم بالضرورة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر به؛ قال تعالى: "وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاءً غير مجذوذ"
أي: غير مقطوع ولا ينافي ذلك قوله تعالى: "إلا ما شاء ربك".(16/2)
واختلف السلف في هذا الاستثناء فقيل معناه إلا مدة مكثهم في النار، وهذا يكون لمن دخل منهم إلى النار، ثم أخرج منها لا لكلهم وقيل إلا مدة مقامهم في الموقف، وقيل إلا مدة مقامهم في القبور والموقف، وقيل هو استثناء الرب لا يفعله كما تقول والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك وأنت لا تراه، بل تجزم بضربه، وقيل إلا بمعنى الواو، وهذا على قول بعض النحاة وهو ضعيف، وسيبويه يجعل إلاّ بمعنى لكن فيكون الاستثناء منقطعاً ورجحه ابن جرير، وقال إن الله تعالى لا خلف لوعده، وقد وصل الاستثناء بقوله: "عطاء غير مجذوذ"، قالوا ونظيره أن تقول أسكنتك داري حولا إلا ما شئت- أي سوى ما شئت- ولكن ما شئت من الزيادة عليه، وقيل الاستثناء لإعلامهم بأنهم مع خلودهم في مشيئة الله لا أنهم يخرجون عن مشيئته، ولا ينافي ذلك عزيمته وجزمه لهم بالخلود كما في قوله تعالى: "ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلاً" [الإسراء:86] ، وقوله تعالى: "فإن يشأ الله يختم على قلبك" [الشورى:24] ، وقوله: "قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به" [يونس:16] ، ونظائره كثيرة يخبر عباده سبحانه أن الأمور كلها بمشيئته ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وقيل إن "ما" بمعنى: من أي: إلا من شاء الله دخوله النار بذنوبه من السعداء، وقيل غير ذلك، وعلى كل تقدير فهذا الاستثناء من المتشابه، وقوله: "عطاء غير مجذوذ" محكم، وكذلك قوله تعالى: "إن هذا لرزقنا ما له من نفاد" [ص:54] ، وقوله: "أكلها دائم وظلها" [الرعد:35] ، وقوله: "وما هم منها بمخرجين" [الحجر:48] ، وقد أكد الله خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القرآن، وأخبر أنهم لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، وهذا الاستثناء منقطع، وإذا ضممته إلى الاستثناء في قوله تعالى: "إلا ما شاء ربك" تبين أن المراد من الآيتين استثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود كاستثناء الموتة الأولى، من جملة الموت، فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية، وذلك مفارقة للجنة تقدمت على خلودهم فيها، والأدلة من السنة على أبدية الجنة ودوامها كثيرة كقوله –صلى الله عليه وسلم -: "من يدخل الجنة ينعم ولا يَبْأَسُ ويخلد ولا يموت" رواه مسلم (2836) والترمذي (2525) واللفظ له من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -، وقوله – صلى الله عليه وسلم -: "ينادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً" رواه مسلم (2837) من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه-، وذكر ذبح الموت بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ولم يجيء مثل ذلك في عذاب أهل النار.(16/3)
وأما أبدية النار ودوامها فللناس في ذلك ثمانية أقوال أصحها ما وافق أدلة الكتاب والسنة: قولا أهل السنة والجماعة؛ الأول: أن الله يخرج منها ما يشاء كما ورد في الحديث، ثم يبقيها شيئاً ثم يفنيها، فإنه جعل لها أمداً تنتهي إليه. الثاني: أن الله –تعالى- يخرج منها من شاء، كما ورد في السنة، ويبقى فيها الكفار بقاء لا انقضاء له؛ كما قال الشيخ – رحمه الله- وما عدا هذين القولين ظاهر البطلان، وهذان القولان لأهل السنة ينظر في أدلتهما.
فمن أدلة القول الأول منهما قوله تعالى: "قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم" [الأنعام:128] وقوله تعالى: "فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيما ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد" [هود: 106-107] ، ولم يأت بعد هذين الاستثناءين ما أتى بعد الاستثناء المذكور لأهل الجنة، وهو قوله: "عطاء غير مجذوذ" وقوله تعالى: "لابثين فيها أحقاباً" [النبأ:23] ، وهذا القول -أعني القول بفناء النار دون الجنة منقول عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم – رضي الله عنهم-، وقد روى عبد بن حميد في تفسيره المشهور بسنده إلى عمر – رضي الله عنه- أنه قال: "لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك وقت يخرجون فيه" ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: "لابثين فيها أحقاباً" [النبأ:23] قالوا والنار موجب غضبه، والجنة: موجب رحمته، وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: "لما قضى الله الخلق كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي" رواه البخاري (7422) ، ومسلم (2751) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - وفي رواية لمسلم (2751) : "تغلب غضبي" قالوا والله – سبحانه – يخبر عن العذاب أنه عذاب يوم عظيم وأليم وعقيم، ولم يخبر ولا في موضع واحد عن النعيم أن نعيم يوم، وقد قال تعالى: "عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء" [الأعراف:156] ، وقال تعالى حكاية عن الملائكة: "ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً" [غافر:7] ، فلا بد أن تسع رحمته هؤلاء المعذبين فلو بقوا في العذاب لا إلى غاية لم تسعهم رحمته، وقد ثبت عند مسلم (987) تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة، والمعذبون فيها متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم، وليس في حكمة أحكم الحاكمين ورحمة أرحم الراحمين أن يخلق خلقاً يعذبهم أبد الآباد عذاباً سرمداً لا نهاية له، وأما أنه يخلق خلقاً ينعم عليهم، ويحسن إليهم نعيماً سرمداً فمن مقتضى الحكمة والإحسان مراد لذاته والانتقام مراد بالعرض، قالوا وما ورد من الخلود فيها والتأبيد وعدم الخروج، وأن عذابها مقيم، وأنه غرام كله حق مسلم لا نزاع فيه، وذلك يقتضي الخلود في دار العذاب ما دامت باقية، وإنما يخرج منها في حال بقائها أهل التوحيد ففرق بين من يخرج من السجن وهو سجن على حاله، وبين من يبطل سجنه بخراب السجن وانتقاضه.(16/4)
ومن أدلة القائلين ببقائها وعدم فنائها قوله: "إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون" [الزخرف:74-75] ، وقوله: "فلن نزيدكم إلا عذاباً" [النبأ:30] ، وقوله: "خالدين فيها أبداً" [الجن:23] ، وقوله: "وما هم بخارجين من النار" [البقرة:167] ، وقوله: "لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط" [الأعراف:40] ، وقوله: "لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها" [فاطر:36] ، وقوله: "إن عذابها كان غراماً" [الفرقان:65] ، وقوله: "يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم" [المائدة:37] أي مقيماً لازماً، وقد دلت السنة المستفيضة أنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وأحاديث الشفاعة صريحة في خروج عصاة الموحدين من النار، وأن هذا حكم مختص بهم، فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم، ولم يختص الخروج بأهل الإيمان، وبقاء الجنة والنار ليس لذاتها، بل بإبقاء الله لهما، ورجح ابن القيم - رحمه الله - فناء النار لظاهر قول الله -تعالى-: "فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ" [هود: 106-108] ، وقوله: "إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية إن الذين آمنوا وعلموا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه" [البينة:6-7] ، وقول ابن مسعود وعمر وأبي هريرة من الصحابة - رضي الله عنهم-: "ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد"، قال: وهذا يقتضي أن الدار التي لا يبقى فيها أحد هي الدار التي يلبث فيها أهلها أحقاباً، وقال رحمه الله: مجرد الخلود والتأبيد لا يقتضي عدم النهاية، بل الخلود هو المكث الطويل، وتأبيد كل شيء بحسبه، فقد يكون التأبيد لمدة الحياة، وقد يكون لمدة الدنيا، كما قال الله عن اليهود: "ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم" [البقرة:95] ، ومعلوم أنهم يتمنونه في النار حيث يقولون: "يا مالك ليقض علينا ربك" [الزخرف:77] هذا وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.(16/5)
شبهة حول من درع النبي عند يهودي
المجيب د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال هو عن حادثة وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ودرعه مرهونة عند اليهودي، في أحد الأيام كنا في نقاش عن حرمة الربا، وقام أحد الإخوان ـ سامحه الله ـ فقال إن دليل أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقبل (الفائدة) حيث إنه توفي ودرعه مرهونة عند يهودي مراب! فدافعت وبينت له أنه حاشا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقبل الربا وهو المعلم الأول، ولكن عرض لي أحد الإخوة بالسؤال، ما هي القصة الكاملة خلف هذا الرهن، وهل كان اليهودي مرابياً؟ وإن كان فهل قام بإعطاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- القرض بلا ربا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فمما لا شك فيه أن تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع اليهود ومع غيرهم إنما كان على الوجه المشروع، وحاشا نبي الله -صلى الله عليه وسلم- عن أن ينهى أمته عن الربا ثم يتعامل به، وكون اليهود من أخلاقهم أكل الربا وعدم التورع عنه، لا يعني ذلك أنهم يفعلون ذلك في جميع مبادلاتهم التجارية، فالمرابي قد يشتري أو يبيع أحياناً على الوجه الصحيح.
والحديث المذكور في السؤال صحيح، وهو في البخاري (2096) ، ومسلم (1603) ، وليس فيه أي دلالة لا من قريبٍ ولا من بعيد على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اقترض من اليهودي بزيادة، بل لم يكن فيه قرضٌ أصلاً، إذ الثابت من روايات الحديث في الصحيحين وغيرهما أن الرهن المذكور في الحديث لم يكن بسبب قرضٍ، وإنما كان بسبب بيعٍ آجل، كما قالت عائشة -رضي الله عنها-: اشترى النبي -صلى الله عليه وسلم- من يهودي شعيراً إلى أجل ٍ ورهنه درعه"، ومن المعلوم أن بيع الأجل تجوز زيادة الثمن فيه عن البيع الحاضر.
وقد يثور تساؤل حول هذا الحديث عن سبب عدوله -صلى الله عليه وسلم- عن معاملة مياسير الصحابة- رضي الله عنهم- إلى معاملة اليهود، وقد أجاب أهل العلم عن ذلك بأنه من المحتمل أنه لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل، أو أنه فعله لبيان الجواز، فقد استفاد العلماء من هذا الحديث جواز معاملة الكفار على الوجه المباح بالبيع والشراء والإيجار والاستئجار والرهن والارتهان ونحو ذلك، وعدم الاعتبار بفساد معتقدهم ومعاملاتهم فيما بينهم، وجواز معاملة من أكثر ماله حرام، إذا كان التعامل معه على الوجه المشروع، وغير ذلك مما استنبطه أهل العلم من هذا الحديث، والله أعلم.(16/6)
تكفير من أعان الأمريكيين
المجيب د. عيسى بن عبد الله السعدي
أستاذ العقيدة بجامعة الطائف
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
قرأت رسائل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري في تكفير من أعان الكفار الأمريكان على المسلمين، حيث أشاروا إلى ما ذكره الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام العشرة، واعتبروا هذا الكفر من الكفر العملي، وإن قال أنا من المسلمين. هل هذا صحيح؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
فإن من أصول أهل السنة والجماعة في مسائل الأسماء والأحكام التفريق بين إطلاق الحكم وتعيينه، وذلك بناء على نصوص كثيرة، كلعن شارب الخمر عمومًا مع النهي عن لعن شارب معين، وهو عبد الله -وكان يلقب: حمارًا- الذي أتي به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد شرب الخمر، فقال رجل: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله روسوله". صحيح البخاري (6780) . فنهى عن لعنه لوجود مانع في حقه، وكلعن آكل الربا مع عدم تطبيقه على بلال -رضي الله عنه- حين باع صاعين من التمر الرديء بصاع من التمر الجيد، وهذه صورة ربا الفضل، ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لبلال: "أوه عين الربا". صحيح البخاري (2312) ، وصحيح مسلم (1594) . ومع ذلك لم يطبق عليه هذا الحكم لانتفاء شرط الوعيد في حقه، وهو العلم بالحكم.(16/7)
وبناء على هذا الأصل فإن العلماء يذكرون آحاد المكفرات على وجه العموم والإطلاق لتعلم وتحذر دون أن يكون مقصودهم تكفير كل من اتَّصف بها؛ لأن المعين لا يكفر إلا إذا قام به مقتضى التكفير الذي لا معارض له، وذلك بتحقق شروطه وانتفاء موانعه، ولهذا فإن الإمام أحمد أطلق القول بتكفير من قال بخلق القرآن، ومع ذلك فإنه لم يكفِّر الخليفة الذي امتحنه على القول بخلق القرآن وضربه وحبسه، بل دعا له وحلله ولم ينزع يدًا من طاعته، وذلك لانتفاء شروط التكفير في حقه ووجود الموانع، كالتأول وغلبة الشبهة، وهكذا شأن الشيخ/محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-، فإنه كان يذكر نواقض الإسلام على وجه العموم والإطلاق، ولم يقصد من ذلك تكفير كل من اتصف بشيء من هذه النواقض، ومن ذلك موالاة المشركين ومظاهرتهم على المسلمين، والتي جاءت النصوص الصريحة في تحريمها، كقوله جل وعلا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [المائدة:51] . وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ" [الممتحنة:1] .
لكن لا يصح تكفير كل من والى المشركين، لأن تكفير العين بموالاة المشركين يتوقَّف على وجود شروطه وانتفاء موانعه، ومن أهم الشروط المعتبرة في التكفير بموالاة المشركين القطع بأن ما فعله المعين من الموالاة المكفرة، فإن من الموالاة ما لا يكفر فاعله، ولهذا أنكر النبي –صلى الله عليه وسلم- على حاطب بن أبي بلتعة ما فعله من موالاة المشركين، ولم يرفع عنه وصف الإيمان، بل قبل عذره، وأثبت تأثير حسناته في تكفير ذنبه، لأنه لم يفعل ما فعل رضا بالكفر ومحبة له، وإنما فعل ما فعله مصانعة لقريش؛ لما له عندهم من الأموال والأولاد، وهكذا شأن كل من وقعت منه الموالاة مداراة ومصانعة فإنه لا يكفر بما فعله، وإنما يكون من جملة عصاة المؤمنين.
وأما الموانع المعتبرة في التكفير بالموالاة وغيرها من آحاد المكفرات فهي كثيرة من أشهرها الإكراه، فإن من أكره على الموالاة أو غيرها من آحاد المكفرات، وكان المكرِهُ قادرًا على إنفاذ وعيده والمكرَه عاجزًا عن الدفع، فإنه لا يكفر بما فعله من مصانعة الكفار وإظهار موالاتهم إذا كان قلبه حال فعله مطمئنًا بالإيمان.(16/8)
فعلى المسلم أن يحتاط في التكفير حيطة بالغة؛ لأنه لا يعلم الظروف التي تحيط بالمعين، وبخاصة في هذا العصر الذي تسلَّط فيه الكفار على المسلمين أفرادًا وجماعات، وتحكَّموا في كثير من أمورهم بما يملكون من أدوات الضغط الهائلة في كثير من مجالات الحياة، وإني أنصح إخواني المسلمين في هذا المقام بعدة أمور:
1- العودة إلى الإسلام الصحيح، والتمسك به باطنًا وظاهرًا، فهو الطريق الوحيد لتحقيق العزة للمسلمين، ودفع تسلط الكفرة عليهم، فما وقع بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.
2- أن الأمة الإسلامية في هذا الوقت العصيب أحوج ما تكون إلى دعاة الإصلاح والبناء، لا إلى دعاة التكفير والتفسيق، وفي مقدور كل مسلم أن ينضم إلى هذا الركب حسب قدرته ولا يحقرن أحد نفسه، فإن كل مسلم يستطيع نفع المسلمين بدعوته ودعائه بصلاح هذه الأمة، وكف بأس أعدائها، وإصلاح أبنائها.
3- أن يحذر المسلم من الجرأة على التكفير، فإن اليقين لا يزول بالشك، ومن ثبت إسلامه بيقين فإنه لا يجوز تكفيره بالظنون، أو بالأمور الخفية والملتبسة، وليتذكر المسلم عظم الوعيد الوارد في التكفير، كقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من دعا رجلاً بالكفر، أو قال: عدو الله. وليس كذلك إلا حار عليه". رواه مسلم (61) . وكقوله -صلى الله عليه وسلم-: " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". رواه البخاري (6103) . وكقوله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل مسلم أكفر رجلاً مسلماً فإن كان كافراً وإلا كان هو الكافر". رواه أبو داود (4687) بسند صحيح.
وليحذر المسلم أن يكون التراشق بالتكفير من جملة الفتن التي يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، فإنه إذا كفّر من ليس بكافر باء بتكفيره، وصدق عليه أنه أمسى مؤمنًا وأصبح كافرًا أو العكس.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.(16/9)
الصلاة في أماكن خصصت لأداء العبادة لجميع الأديان
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
يتواجد في الدول الغربية أماكن للعبادة في المطارات والمستشفيات، بحيث تكون مكانًا للعبادة لجميع الأديان، ما حكم الصلاة فيها، خصوصًا أنه - أحياناً-يكون فيها صليب؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الصلاة تصح في أي مكان، ما لم يكن هناك محذور شرعي، لهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مسجدًا وطهورًا". أخرجه البخاري (335) ، فإذا كان هناك محذور شرعي؛ كوجود صلبان أو صور أو نجوم سداسية، مما هو من علامات الكفر، فلا يجوز الصلاة في هذه الأماكن، ويبحث المسلم عن مكان لا يوجد فيه شيء من هذه الأمور التي هي من علامات الكفر وشعاراته، ويصلي فيه، فإن لم يجد غيرها فيصلى فيه، ولا شيء عليه - إن شاء الله-. والله أعلم.(16/10)
يعمل في شركة تتعامل مع البنوك الربوية
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 08/02/1427هـ
السؤال
أنا أعمل مهندس كمبيوتر في إحدى الشركات، ولدي سؤالان:
السؤال الأول: الشركة التي أعمل بها تقوم بأخذ فوائد بنكية من البنك الذي تضع أموالها فيه، مع أن عمل الشركة عمل مباح وهو صناعة الزيوت، فما حكم الراتب الذي أتقاضاه؟ حيث إنني أعمل في قسم الحاسب الآلي لهذه الشركة، وهل علي حرج في إصلاح عطل كمبيوتر الإدارة المالية في شركتنا، والتي هي الإدارة المكلفة بالمعاملات مع البنوك?
السؤال الثاني: جاءني عرض وظيفي في شركة الاتصالات، وهذه الشركة من ضمن عملائها بنوك تتعامل بالربا، فهل علي حرج لو قبلت هذه الوظيفة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أما السؤال الأول وهو عملك في هذه الشركة التي أعمالها مباحة، لكنها تأخذ قروضاً بنكية، فهذا عمل مباح؛ لأنك لا تباشر المحرم ولا تسعى إليه، وإنما تعمل أعمالاً مباحة، لكن بالنسبة لإصلاح أجهزة الإدارة المالية التي تقوم بالاتصال بالبنوك، فإذا كنت تظن أن هذه الأجهزة ستكون سبباً في هذا العمل المحرم، فإنك لا تقدم عليه؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان.
وأما بالنسبة للسؤال الثاني: فالعمل في شركة الاتصالات، هذا العمل مباح؛ لأن أعمالها مباحة، لكن إن طلب منك أن تعمل في البنك، أي تعمل ما يتعلق باتصالات البنك من مد أجهزة للبنك أو خطوط هاتفية، ونحو ذلك، فعليك أن تمتنع؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان. والله أعلم.(16/11)
عمارة القبر
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 7/07/1425هـ
السؤال
جزاكم الله خيرًا، ما حكم عمارة القبر كاملاً بالأحجار والأسمنت، ولكن بارتفاع شبر أو أقل من شبر؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
بناء القبر داخل الأرض شقًّا في الأرض بالأحجار والطين أو الأسمنت من غير تجصيص، بحيث لا يرتفع عن الأرض- جائز، واللحد أفضل، لكن مع ذلك كله لا يجوز أن يرفع عن الأرض ولو شبرًا؛ لما في صحيح مسلم (969) عن أبي الهياج الأسدي، قال: قال لي علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى ما بعَثني عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ "ألَّا تَدَعَ تِمْثَالاً إلَّا طَمَسْتَهُ، ولا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ". والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(16/12)
هل له أن يمنع زوجته من الصلاة في المسجد
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/2/1427هـ
السؤال
أود السؤال عن الحكم المفصل لصلاة المرأة في المسجد جماعة، وهل للزوج منعها في حال إهمال واجباتها؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فصحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" أخرجه البخاري (900) ، ومسلم (442) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، فصلاة المرأة في المسجد مشروعة، فلها أن تخرج للصلاة مع الجماعة في المسجد بشرط أن تعتزل الرجال، وتلتزم الحجاب، وألا يترتب على خروجها تضييع لحق الزوج والأولاد، وأن يكون بإذن الزوج، فإن كان في خروجها إهمال لحق الزوج، أو الولد، جاز له أن يمنعها منه، فإنْ خرجت أثمت؛ لأنها تركت واجباً لأجل عمل أكثر ما يقال فيه إنه مستحب.
ولتعلم المرأة مع كل هذا أن صلاتها في بيتها خير لها من صلاتها في المسجد- كما جاء ذلك في الحديث الصحيح الصريح- عن امرأة أبي حميد الساعدي -رضي الله عنها- أنها جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك. فقال: "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي". أخرجه أحمد (27090) ، وابن خزيمة (1689) . وابن حبان (2217) ، وله شاهد من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - عند أبي داود (570) . والله أعلم.(16/13)
صلاة المرأة خلف الرجال بلا حائل
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/08/1425هـ
السؤال
بسم الله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي: أعيش في دولة غربية مع جالية لا بأس بها من المسلمين، ولنا مسجد -والحمد لله- وفيه كذلك مكان مخصص للنساء، ولكن في بعض الأحيان تأتي امرأة أو اثنتان وتصليان معنا في مسجد الرجال، هل يجوز ذلك؟ مع العلم أنه ليس بيننا وبينهما أي حاجز، ما حكم ذلك؟ جزاكم الله خيرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأصل أن المرأة تصلي في صفوف النساء، أما الحاجز فليس بشرط، فإذا وجد الحاجز والساتر فهذا أولى، وإذا لم يوجد فليس بشرط؛ قد كان النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلين خلف الرجال؛ كما جاء في الأحاديث الصحيحة، بدون حاجز ولا ساتر، وفي بعض الأحيان إذا لم تكن ملابس الرجال سابغة فإنه يؤمر النساء ألا يرفعن رؤوسهن من السجود حتى يرفع الرجال، وهذا جاء في الأحاديث الصحيحة التي لا مطعن فيها. انظر مسند أحمد (22911) وصحيح البخاري (362) وصحيح مسلم (441) ، وكذلك في الحرمين الشريفين، فإن النساء يصلين في صفوف النساء خلف الرجال، أما إذا صلت في صفوف الرجال مع الرجال فهذا لا يجوز، والعبرة في صلاة النساء خلف الرجال بلا ساتر أن الأمر يرجع إلى طهارة النفوس والابتعاد عن الريبة، ونحو ذلك، فالمكان المخصص للنساء يجب أن يصلين فيه سواء وجد ساتر أو لم يوجد، ولو صلت المرأة معتزلة عن صفوف الرجال لكانت صلاتها صحيحة، لكن لا ينبغي أن تختلط بصفوف الرجال ولا يسمح لها بذلك. والله أعلم.(16/14)
هل أحب النبي - صلى الله عليه وسلم- اللون الأخضر؟
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/3/1425هـ
السؤال
هل صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يفضل أو يحب اللون الأخضر؟ - وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد:
يُستحب لبس الثياب الخضر، فقد ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يلبس الأخضر من الثياب، ففي حديث أبي رمثة -رضي الله عنه- قال: " رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ" أخرجه أحمد (7117) بإسناد صحيح، وأخرجه أبو داود، (3674) ، والترمذي (2737) ، وقال: هذا حديث حسن غريب، والنسائي (1554) ، وفي حديث يعلى بن أمية -رضي الله عنه-: " أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طاف بالبيت مضطبعاً ببرد أخضر " أخرجه أحمد والأربعة إلا النسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، لكن يظهر أن هذه الثياب ليست خضراً خالصاً، وإنما مخطوطة بخطوط خضر؛ لأن البرود تكون ذوات خطوط، قال ابن القيم: "والبرد الأخضر هو الذي يكون فيه خطوط خضر"، وبوب البخاري في الصحيح بقوله: باب: الثياب الخضر، وذكر حديثاً فيه: أن عائشة- رضي الله عنها- عليها خمار أخضر.
وقال ابن بطال: " الثياب الخضر من لباس أهل الجنة "وكفى بذلك شرفاً لها. يشير بذلك إلى قوله -تعالى-: " وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً ".
وقال الشوكاني: "يستحب لبس الأخضر؛ لأنه لباس أهل الجنة وهو أيضاً من أنفع
الألوان للأبصار، ومن أجملها في أعين الناظرين."
هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(16/15)
قراءة القرآن على الميت عند القبر
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يجوز قراءة القرآن على الميت عند القبر؟ أرجو من فضيلتكم التوضيح بالتفصيل. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قراءة القرآن على الميت في المقبرة أمر محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال، في الحديث الصحيح: "اجْعَلُوا مِن صَلاتِكُمْ في بُيوتِكُمْ ولا تَتَّخِذُوها قُبورًا". أخرجه البخاري (432) ومسلم (777) ، فدل هذا الحديث على أن الصلاة تستحب أن يكون شيء منها في البيت؛ كالنافلة، ولا ينبغي أن تهجر البيوت في العبادات كالصلاة وغيرها، فتكون كالقبور، فدل ذلك على أن القبر ليس مكانًا لفعل شيء من العبادات؛ ولأن هذا الأمر لم ينقل، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة، رضي الله عنهم، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه. وقراءة القرآن على الميت لم تَرِدْ إلا في حال الاحتضار قبل أن يموت الإنسان، وقد ورد بسورة "يس"، فقد جاء في حديث معقل بن يسار، رضي الله عنه: "اقْرَؤوا عَلَى مَوْتَاكُم سُورةَ ياسين" رواه أبو داود (3121) والنسائي في الكبرى (10913) . والحديث ضعيف، أما بعد الموت فلا يقرأ عليه شيء من القرآن، ويشتد الأمر إذا كان هذا في المقبرة، فهذا من جملة البدع، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تحري الصلاة عند القبور، ونهى عن الصلاة عند القبور، في أحاديث كثيرة، جاء في حديث جندب، رضي الله عنه: "ألا فلا تتخذ القبورمساجد" أخرجه مسلم (532) ، فدل هذا الحديث وغيره على أن المقبرة ليست مكاناً للعبادات. والله أعلم.(16/16)
الصلاة في مسجد بجانبه قبر
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/02/1427هـ
السؤال
لدينا مسجد وبجواره ضريح في غرفة ملاصقة له، وبعد ترميمه وتجديده نقل الضريح بعيداً عن المسجد بستة أمتار تقريباً، وفصله عن المسجد مكتب تحفيظ القرآن الكريم، ولكن للمسجد بابًا من جهة الحمامات يوصل للضريح، فهل يجوز لي الصلاة فيه؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالذي ينبغي لمثل هذه الأضرحة أن تنقل إلى قبور المسلمين -إذا كان يمكن ذلك-، فلو نقل هذا الميت إلى قبور المسلمين لكان أحسن، وهو أولى من أن يفرد بقبر، وأما الصلاة في هذا المسجد فما دام القبر قد أزيل عن المسجد وأبعد عنه بمقدار ستة أمتار فلا بأس بالصلاة فيه، ولا يظهر لي في ذلك محذور شرعي -إن شاء الله-، وقد ذكر العلماء -رحمهم الله- أن مثل هذه المسائل تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يكون الضريح وارداً على المسجد، فالصلاة في المسجد صحيحة، وينبش مثل هذا الضريح إلا إذا كان الضريح في قبلة المصلى، فإن المسلم لا يصلي فيه.
القسم الثاني: أن يكون المسجد قد بُني على هذا القبر، فهذا مسجد أسس على غير تقوى من الله فلا يُصلى فيه، بل يُهدم.
القسم الثالث: أن يشك الإنسان، والأصل صحة الصلاة. والله أعلم.(16/17)
زكاة الأرض الكاسدة
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/09/1426هـ
السؤال
لي أرض اشتريتها على أقساط شهرية، وقد سددت بعض المبلغ وتبقى بعضه، فهل عليها زكاة أم لا؟ علماً بأنني قد عرضت الأرض للبيع ولكنها لم تبع. وإن كان عليها زكاة فهل يجوز تأخير الزكاة لحين البيع؛ حيث لم أستطع زكاتها حالياً؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا كنت اشتريت الأرض بنية غير نية التجارة فلا زكاة فيها، فإن طرأت عليك نية التجارة بعد الشراء فإن الحول يحتسب من حين النية، أما مجرد عرضها للبيع للتخلص منها، أو الحاجة إلى قيمتها فليس موجباً للزكاة.
وإن كنت اشتريتها ولو مقسطة لتكون رأس مال تجارة فعليها الزكاة إذا حال عليها الحول، وأهل العلم مختلفون في كون الدين يمنع الزكاة والراجح أن الدين لا يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة.
ومن وجب عليه زكاة مال لم يُقبض أداه بعد قبضه إياه لما سلف من السنين، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الأراضي المعدة للتجارة، إذا كسدت وانصرف عنها الناس ولم يستطع تعريفها أنه لا زكاة فيها، لأنها كالمال المفقود أو المنسي، أو غير المقدور عليه، والله أعلم.(16/18)
هل قتل الرسول نساء اليهود وأطفالهم؟
المجيب د. فوزي محمد ساعاتي
أستاذ التاريخ بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/12/1426هـ
السؤال
لما قتل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يهود بني النضير فهل قتل معهم نساءهم وأطفالهم؟ فالمعروف عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يأمر ألا يقطع شجر، ولا يهدم معبد، ولا يقتل طفل ولا امرأة ولا شيخ، فكيف يقتل نساء أولئك وأطفالهم وما ذنبهم؟!
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يقتل أي يهودي من بني النضير، وإنما تم إجلاؤهم لأنهم تآمروا على اغتياله -صلى الله عليه وسلم-. وأما بنو قريظة فإنهم غدروا بالمسلمين عندما حاصر الأحزاب المدينة، ثم بعد جلاء الأحزاب نزلوا على حكم سعد بن معاذ -رضي الله عنه- وهو أن تقتل المقاتلة، وتقسم الأموال، وتسبى الذراري والنساء، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل". صحيح البخاري (3043) ، وصحيح مسلم (1769) .
فالقتل إنما كان للرجال وكل من أنبت، دون النساء فلم يقتل النساء ولا الأطفال. وإنما قتل امرأة واحدة من بني قريظة، وهي بنانة امرأة الحكم القرظي، بسبب أنها قتلت من المسلمين خلاد بن سويد بأن طرحت عليه الرحى، فقتلته فقتلت به. الطبقات الكبرى (3/530) ، وتاريخ الطبري (2/104) . فلذلك لم يقتل من النساء وإنما وقع للنبي -صلى الله عليه وسلم- من سبيهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة، إحدى نساء بني عمرو بن قريظة، فلم تزل في ملكه حتى مات صلي الله عليه وسلم. بل واستحيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من رجالهم عطية القرظي، وله صحبة ورفاعة بن شمويل القرظي، فوهبه لأم المنذر سلمى بنت قيس من بني النجار. لذلك لم يقتل الرسول -صلى الله عليه وسلم- النساء ولا الأطفال وإنما قتل الرجال منهم؛ لأنهم نقضوا العهد وانضموا إلى الأحزاب، وبذلك خانوا الله ورسوله.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- يعفو ويصفح عن الرجال إذا أسلموا. وفي قصة أسامة بن زيد -رضي الله عنه- خير شاهد؛ فقد قتل رجلاً بعد أن قال: لا إله إلا الله، فكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول لأسامة: "أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟! ". قال أسامة: وددت أني لم أسلم قبل ذلك. صحيح البخاري (4269) ، صحيح مسلم (96) . والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.(16/19)
لماذا قال تعالى: " (إنه) أنا الله"، ولم يقل: (إني) ؟
المجيب عبد الحكيم بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 01/01/1427هـ
السؤال
يقول الله في كتابه العزيز: " ... يا موسى إنه أنا الله" لماذا قال: "إنه", ولم يقل:"إني"؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد جاء ذكر فضيلة موسى -عليه الصلاة والسلام- عند مناجاة الله تعالى له وتكليمه إياه ومناداته له في القرآن الكريم في مواضع متفرقة، فقال تعالى في سورة النمل -وفيها الآية المسؤول عنها-: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْءَانَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ إِذْ قَالَ مُوسَى لأهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن في النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النمل: 6-9] . وقال تعالى أيضا في سورة طه: {فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصلاة لذكري} [طه: 11-14] ، والشاهد هنا قوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَاْ} وقد استدل بهذا أهل السنة والجماعة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق.
وقال سفيان الثوري رحمه الله: "من زعم أن قول الله: {يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم} مخلوق فهو كافر زنديق حلال الدم".
قلت: لأنه لو كان هذا الكلام مخلوقا -معاذ الله - للزم منه ثبوت الألوهية للمخلوق {إنه أنا الله} ؛ لأنه أضاف الكلام إليه.
قال الشنقيطي في أضواء البيان (3/431) : "والنداء المذكور في جميع الآيات المذكورة نداء الله له، فهو كلام الله أسمعه نبيه موسى، ولا يعقل أنه كلام مخلوق ولا كلام خلقه الله في مخلوق كما يزعم ذلك بعض الجهلة الملاحدة، إذ لا يمكن أن يقول غير الله: {إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، ولا أن يقول: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَاهَ إِلا أَنَاْ فَاعْبُدْنِي} . ولو فرض أن الكلام المذكور قاله مخلوق افتراء على الله -كقول فرعون: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} على سبيل فرض المحال- فلا يمكن أن يذكره الله في معرض أنه حق وصواب، فقوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَاهَ إِلا أَنَاْ فَاعْبُدْنِى} ، وقوله: {إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} صريح في أن الله هو المتكلم بذلك صراحة لا تحتمل غير ذلك، كما هو معلوم عند من له أدنى معرفة بدين الإسلام".ا. هـ
فالذي ينبغي في فهم ضمير: {إنه} أن نأخذ بنظيرها في بابها، وهو ما ذكره الله في سورة طه بلفظ {إنني} .هذا أولا.
ثانيا: أن المفسرين اختلفوا في الهاء من إنه، وذكروا أنها تحتمل ثلاثة معانٍ تتبين في قول القرطبي الآتي بعد قليل:(16/20)
قال الطبري -رحمه الله- في تفسيره (19/135) : "والهاء التي في قوله: {إنه} هاء عماد وهو اسم لا يظهر في قول بعض أهل العربية، وقال بعض نحويي الكوفة: يقول: هي الهاء المجهولة، ومعناها أن الأمر والشأن أنا الله".
وفي زاد المسير لابن الجوزي (6/156) : "الهاء عماد في قول أهل اللغة، وعلى قول السدي: هي كناية عن المنادي؛ لأن موسى قال: من هذا الذي يناديني؟ فقيل: إنه أنا الله".
وفي الكشاف (3/355) : الهاء في {إنَّهُ} يجوز أن يكون ضمير الشأن، والشأن {أَنَا اللَّهُ} مبتدأ وخبر، و {العَزِيزُ الحَكِيمُ} صفتان للخبر.
ويجوز أن يكون راجعاً إلى ما دل عليه ما قبله، يعني: إنّ مكلمك أنا، والله بيان لأنا، والعزيز الحكيم صفتان للمُبَيَّنِ.
وقال القرطبي: الهاء: عماد وليست بكناية في قول الكوفيين.
والصحيح: أنها كناية عن الأمر والشأن (أنا الله العزيز) الغالب، الذي ليس كمثله شيء (الحكيم) في أمره وفعله.
وقيل: قال موسى: يا رب من الذي نادى؟ فقال له: (إنه) ، أي: إني أنا المنادي لك، (أنا الله) .
وقال الرماني في منازل الحروف في بيان الحكمة: والهاء للتفخيم.
وهاء العماد كقول الله تعالى: {إنه أنا الله العزيز الحكيم} ، والهاء في (إنه) عماد ذكرت على شريطة التفسير، وكذلك قوله تعالى: {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل} فالهاء ليست بضمير يرجع إلى مذكور مقدم، وإنما هي مقدمة على شريطة التفسير؛ لتفخم الكلام.
والله تعالى أعلم.(16/21)
الوقف على الذكور من الورثة!
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/12/1426هـ
السؤال
توفي أحد الأقارب ويملك من العقارات الشيء الكثير، وعند تقسيم التركة قال الذكور: إن هذه العقارات والمزارع جميعها وقف على الذكور فقط، فما حكم هذا الوقف؟ وهل يوجد في الشريعة ما يسمى بوقف الذكور؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا كان للإنسان أقارب فقراء وأراد الوقف عليهم فوقفه صحيح، ويؤجر على ذلك سواء أكانوا ورثة أو غيرهم، لكن يجب أن يكون ذلك حسب الشرع المطهر دون مخالفة له، كأن يحرم وارثاً من حقه، أو يعطي آخر زيادة على نصيبه الشرعي، فإن قصد الواقف هذا الأمر وأضر بأحد من الورثة بأن نقص بعض حقه أو حرمه من حقه فقد خرج بالوقف عن مقصود الشارع وحكمته، وهنا يؤزر ولا يؤجر، وقد جاء في ذلك حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أصاب عمر أرضاً بخيبر، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب قط مالاً أنفس عندي منه، فما تأمرني فيها؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها". قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يورث ولا يوهب. قال: فتصدق عمر في الفقراء وذوي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقاً غير متمول فيه. وفي رواية: "غير متأثل مالا". صحيح البخاري (2737) وصحيح مسلم (1633) . والمتمول: المدخر. والمتأثل: الجامع. وفقك الله لكل خير ويسر لك أمرك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/22)
أعطي زكاة ليفرِّقها في مستحقيها فأكل منها!
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/12/1426هـ
السؤال
شخص ارسلت إليه زكاةٌ ليفرقها في الفقراء والمساكين، فأعطى بعضها إلى الفقراء وأخذ منها جزءاً لنفسه، حيث سدد بها دينا له، واشترى بعض الأثاث لبيته، ولم يزد على ذلك شيئاً. وأحيطكم علماً بأن دخله ضعيف لا يكفي لسداد هذه الأشياء، فهل يحق له ذلك شرعاً؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الله تعالى حدد مصارف الزكاة ولم يدعها إلى اجتهاد الناس، وهي ثمانية كما هو منصوص عليه في قوله تعالى: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم" [التوبة:60] .
ويجوز للمسلم أن يوزع زكاته على الأصناف الثمانية إن وجدوا وكثرت زكاته، كما يجوز الاقتصار على بعضهم ولو على صنف واحد فقط.
وكثير من الناس لا يجدون السبيل إلى توزيع زكواتهم، فيلجأون إلى من يتوسمون فيه الأمانة والخير والصلاح لينوب عنهم في توزيعها، وإيصالها إلى مستحقيها، خاصة في غياب الجهات المعنية في كثير من بلاد المسلمين، فهو بهذا وكيل عنهم في ذلك.
ويجوز للعامل على جلب الزكاة وتوزيعها على مستحقيها الأخذ من سهم العاملين عليها، غنيًّا كان أو فقيراً، ولكن بما يراه الإمام ويقدره، فإن تعذر الوصول إلى الإمام أو عُدم فبأجرة المثل، فإن تعذر تقديرها فبما لا يزيد على ثمن المال الذي يقوم بتوزيعه.
فإن لم يكن عاملا على جلب الزكاة وتوزيعها، ولكن وكَّله شخص أو أكثر على توزيع الزكاة، وكان هو من المستحقين لها جاز له أن يجعل نفسه ضمن المستحقين، ويفرض لنفسه دون محاباة كما يفرض لغيره، ولا يقدم حاجاته الشخصية على حاجات غيره، ويعدل بين المستحقين ويتحرى الحق في ذلك والله يتولى السرائر. وتقدير ذلك يعود إلى الشخص نفسه، ويضع المرء نصب عينيه أن الإثم ما حاك في نفسه وكره أن يطلع عليه الناس، ثم ضع نفسك -يا أخي- مكان من وكلك، فلو أعطيت شخصاً آخر مبلغا لتوزيعه على الناس، فقام بصرف جزء منه على حاجاته الشخصية أيرضيك ذلك؟! والله أعلم.(16/23)
حق المرأة في المطالبة ببيت مستقل
المجيب سليمان بن عبد الله الماجد
القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/11/1426هـ
السؤال
أنا متزوج وكان من شروط الزواج بيت مستقل وعدم ترك زوجتي للوظيفة، وكان لدي بيت فيه ثلاثة إخوة فقط، فوافقتْ عليه، فقمت بترميمه وفرشه على أحسن ما يكون، وأنا أعمل في مدينة غير مدينتي، فأصبحت أتعب من التنقل اليومي بين وظيفتي وبيتي، فطلبت منها أن تنتقل معي إلى مكان عملي فرفضت، علماً بأنها مدرسة، ثم صارت هناك خلافات بيننا، فذهبت لأهلها، وقالت: أريد بيتاً مستقلاً وإلا فلن أرجع إليك، وهي تعلم أني لا أستطيع ذلك، علماً بأنها تأخذ لأهلها قروضاً بنكية، وأنا غير موافق، ولا تساعدني في شيء، وهي الآن حامل، فماذا أعمل؟ وإذا طلبت مني الطلاق فهل يجوز لي أن أشترط مبلغاً من المال؛ لأنني تضررت؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيحسن بك -أخي الكريم- أن تجعل الحياة الزوجية فوق هذه المساومات والضغوط من جانبك على زوجتك، وأن تحرص على تحقيق رغباتك عن طريق الحب والعاطفة والاحترام المتبادل، وإذا لم تأت لك الزوجة بهذا فلا خير في علاقة تقوم على الضغوط النفسية والحرب الباردة من الزوجين، ولهذا أوصيك بعلاج المشكلة من جذورها، ومراجعة طرق تعاملك معها، وكسب محبتها وقناعتها.
بقي ما يتعلق بالبيت المستقل، فنقول: إنه صار في الوقت الحاضر من الضروريات، فاحرص على تحقيقه لها، وإن عجزت فعوضها عن ذلك بجوانب أخرى مادية ومعنوية.
وأرى أن الزوجة إذا طلبت الطلاق بعد أن صارت الحياة الزوجية متعذرة بينكما تجاب لطلبها دون مطالبتها بأي شيء.
والله الموفق.(16/24)
اشتراط المتصوفة للسند في تلقي العلم الشرعي
المجيب أحمد حسان
داعية إسلامي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/11/1426هـ
السؤال
لدي صديق عزيز مقيم معنا في بلدنا، هذا الصديق تعرف على المنهج السلفي من خلالي، وبدأ يخالطنا منذ سنوات، حتى ظننت يقينا أنه منا، إلا أني فوجئت منذ فترة أنه -وبعد زيارة إلى وطنه- قد تحول إلى صوفي، وأنه كان في دورة علمية صوفية لأحد دعاة الصوفية المناوئين للدعوة السلفية التي تحارب الشرك والغلو في الصالحين، فتحول صديقي إلى صوفي يكذّب مشايخنا، ويتهمهم بالكذب والخديعة والوقيعة بين أفراد الأمة بالزور والبهتان وأننا -أدعياء السلفية- ليس لنا سند في العلم الشرعي بمختلف فروعه من فقه وعقيدة وحديث وتفسير، بل زعم أن التزكية تتلقى بالسند كذلك وأننا لسنا لنا سند فيها ولا في غيرها، فهل صحيح أن العلم الشرعي لا يُتلقى إلا بالسند؟ وهل حدث هذا أصلاً في التاريخ العلمي للإسلام؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فنشكرك أخي على تواصلك معنا، وهذا دليل على بحثك ونشدانك للحق والصواب فيما يتعلق بأمر دينك.
أولاً: إن الطريق الصحيح الذي يجب على كل مسلم سلوكه هو طريق أهل السنة والجماعة، الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، ذو العقيدة الصافية والمنهج السليم، واتباع السنة والدليل.
وإذا أردت أن تعرف قيمة هذا الثبات، فتأمل واسأل نفسك: لماذا ضل كثير من السابقين؟ أحدهم يتنقل في منازل البدع والضلال من الفلسفة إلى علم الكلام والتصوف
والتشيع والاعتزال، وهكذا أهل البدع يتحيرون ويضطربون، وانظر كيف حرم أهل
الكلام الثبات عند الممات، فقال السلف: أكثر الناس شكًّا عند الموت أهل الكلام. لكن هل قرأت أو سمعت أن ظاهرة بدت من كبار أهل السنة والجماعة أنه رجع عن طريقه
سخطة بعد إذ فقهه وسلكه؟ نعم.. قد يحصل لأفراد، يتركه لأهواء وشهوات أو لشبهة
عرضت لعقله الضعيف..
لقد سمعنا كثيراً عن كبار تنقلوا في منازل البدع، وهداهم الله فتركوا الباطل وانتقلوا إلى مذهب أهل السنة ساخطين على مذاهبهم الأولى، وهو ما لا نجده كظاهرة عند أهل السنة والجماعة، وفي الأخير فإن الثبات على المبادئ أغلى من الأرواح، والإصرار عليه لا يعرف التنازل "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً" [الأحزاب:23] .
ثانياً: أن السلف لا يتلقون أمور دينهم إلا عن مشكاة النبوة، لا عقل ولا ذوق ولا كشف، بل هذه إن صحت كانت معضدة لحجة الكتاب والسنة، فكيف بمن عارض بها(16/25)
دلائل الكتاب والسنة، وأكثرها جهالات وخيالات فاسدة، وبهذا تفهم كيف أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنكر على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- النظر في صحيفة من التوراة [انظر: مسند أحمد (15156) ، والسنة لابن أبي عاصم (50) ] . وهو الكتاب المنزل من السماء وإن شابه التحريف فهو أفضل من كثير من الأقيسة العقلية، والخيالات الصوفية، وكذلك موسى -عليه السلام- لو قدر وجوده بعد بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- ما جاز لأحد متابعته، وترك ما عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بل ما جاز له –أي موسى- ترك متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- فكيف تتلقى أمور الديانة أصولها وفروعها، عن عقل أو ذوق أو وجد أو نحو ذلك؟ فمنهج السلف يقوم على التسليم المطلق لنصوص الكتاب والسنة، لا يردون منها شيئاً، ولا يعارضونها بشيء لا بعقل ولا ذوق ولا منام ولا غير ذلك، بل يقفون حيث تقف بهم النصوص، ولا يتجاوزونها إلى إعمال رأي أو قياس أو ذوق، ملتزمين قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم" [الحجرات:1] .
أما المخالفون لعقيدة أهل السنة والجماعة فمستندهم وسلسلتهم في تلقي العلوم الدينية هو الكشف والعيان لا النظر والبرهان، بل عندهم أن السالك لا بد وأن يفرغ قلبه عن جميع التعلقات الكونية، والقوانين العلمية، وقد ذكر بعض الصوفية أن علوم الصوفية فاضت على صدورهم فيضاً، ولم تحصل لهم بالتعلم والدراسة والكتابة للكتب، والنظر في المصنفات والبحث عن الأقاويل والأدلة، بل من لوازم طريقهم قطع الهمة عن الأهل والولد والعلم، فلا يفرق فكره بقراءة قرآن، ولا بالتأمل في تفسيره، ولا بالنظر في كتب الحديث وغيرها.
فالعلوم العقلية والشرعية من جملة الحجب والعوائق التي يجب على السالك التخلص منها وتجاوزها، إن هو أراد الوصول إلى حقيقة المعرفة.
بل تجدهم قد وصفوا ما عندهم بالمعرفة والقطع، وما عند غيرهم بالعلم والظن، فالعلم طريقه الخبر، أما المعرفة فطريقها الكشف والعيان، والعلم عندهم حجاب عن المعرفة وإن كان لا يوصل إليها إلا بالعلم، فالعلم لها كالصوان لما تحته فهو حجاب عنه ولا يوصل إليه إلا منه.
ثالثاً: أما هل هذا حصل في التاريخ الإسلامي؟ فنقول: نعم هناك من زعم أن الأولياء يسمعون كلام الله، أو أن الله كلمهم، ومنهم من زعم التصرف مع الله في الكون، ومنهم من ادعى العروج إلى السماوات وتبادل الحديث مع الله، ومنهم من زعم أن هناك من يتلقى علوماً خاصة بهم عن الله كابن سبعين وغيره، وأبي العباس المرسي، حيث قال: علوم هذه الطائفة -أي الصوفية- علوم تحقيق، وعلوم التحقيق لا تحملها عقول عموم الخلق، والفقيه من انفقأ الحجاب عن عيني قلبه. ويقول أحمد بن مخلوف الشابي الصوفي: وعلم التجليات موقوف على الأذواق، فمن لا ذوق له لا علم له.
وإلى جانب زعم التلقي عن الله مباشرة هناك من يزعم أنه يتلقى عن الله مباشرة وباستمرار، ويتلقون التوجيهات ويصححون عنده الأحاديث، فهذا محمد الصبان يقول:(16/26)
(وحرم بعض المحققين القياس على جميع أهل الله؛ لكون رسول الله مشهوداً لهم، فإذا شكوا في صحة حديث أو حكم رجعوا إليه في ذلك فأخبرهم بالأمر الحق يقظة ومشافهة، وصاحب هذا المشهد لا يحتاج إلى تقليد أحد من الأئمة غير رسول الله صلى الله عليه وسلم) انظر هامش مشارق الأنوار لمحمد الصبان (ص:137) .
وأخيراً: فزعم الأولياء أنهم يلتقون بالرسول -صلى الله عليه وسلم- ويتلقون منه علوماً، ويصححون عليه أحاديث ولهم سلسلة مباشرة إليه، هو مجرد ادعاء فقط لا أساس له من الصحة، وهذه الدعاية التي يروج لها المتصوفة يقصدون من ورائها هدم الشريعة الإسلامية، حيث إن دعوى التلقي عن رسول الله وتصحيح الأحاديث عليه قاعدة خطيرة جداً، لو سلمت بها لكفت لتدمير الأمة الإسلامية في العقيدة والعبادة والسلوك؛ وذلك لأنه أصبح سلساً جداً أن يأتي أي صوفي بحديث من عند نفسه، ويدعي أنه صححه على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن -والحمد لله-لم يعتنق هذه العقائد الباطلة إلا من انخرط تحت لواء الطرق الصوفية الذين زعموا أنهم يتلقون العلوم عن الله مباشرة، وادعوا بأن الكتب التي ألفوها إنما هي من الإلقاء الرباني عليهم، وليست تأليفاً من عند أنفسهم.. نعوذ بالله من الضلال والخذلان، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه..
وأنصحك أخي المحب الفاضل أن تراجع كلام الشيخ سلمان العودة في كيفية دعوة أولئك القوم بعنوان (دعوة المتصوفة) ، ففيه نفائس ودرر لمن وفقه الله لسلوك الهدى، وبالله التوفيق.(16/27)
دعوة المتصوفة
المجيب / المشرف العام
التصنيف
التاريخ 26/10/1422
السؤال
أسأل الله تعالى أن تكون في أتم الصحة والعافية وأن تكون بخير، ثم أرجو أن تذكر لي طريقة عملية في دعوة الصوفية، مع العلم أنهم ليسوا متعمقين في التصوف بل مازالوا عند الموالد والأذكار والدعوات والصلوات فقط.
كما أرجو أن ترشدني إلى كتب تهتم بدعوة هؤلاء الناس.
الجواب
التصوف باب واسع، والطرق الصوفية كثيرة ومتباعدة في مناهجها، الاسم واحد والمحتوى مختلف متفاوت، فيها الطرق القائمة على التكسب المادي والغنائم الدنيوية، وفيها الطرق القائمة على عقيدة الاتحادية أو الحلول، وفيها الطرق القائمة على التهذيب والتربية وبناء الأخلاق والتعبد، وربما صحب ذلك شيء من المحدثات العملية التي لم تُؤْثرَ عن السلف.
وكثير من المنتسبين إلى الطرق الصوفية لا يربطهم بها إلا مجرد الانتساب والمحبة والولاء العام، دون أن يعرفوا ما عليه شيوخ الطريقة.
ونظراً لهذا نرى أن التأثير على هذه الجماهير ممكن جداً شريطة أن يكون بالأسلوب الحسن والموعظة الحسنة، والهدوء وسعة البال، ومن طلبة علم وأهل دعوة يعرفون مداخل النفوس وأسباب قبولها وإقبالها، وأسباب ردها وإدبارها فليس من الحكمة أن تبدأ بنقد شيوخهم وتفنيد طرائقهم وعيب مسالكهم، وربما لا يكون كثير من هذا معروفاً لديهم، وربما أخذتهم بذنب غيرهم، أو كنت سمعت عنهم شيئاً والواقع بخلافه.
والأسلوب الأمثل في دعوة هؤلاء وغيرهم هو عرض الحق لهم دون الدخول معهم في مناظرة حول ما هم عليه، فتعرض عليهم العقيدة في الله - تعالى - وتعظيمه وعبادته وتوحيده، والإقرار بما أخبر به عن نفسه أو أخبر عنه رسوله مما هو لب الديانة ومقتضى الفطرة، وصريح العقل.
ويُثَنّى بالثناء على الأنبياء والمرسلين وتعظيمهم ومحبتهم والاقتداء بهم واللهج بذكرهم دون غلو أو مبالغة، ولا نفرق بين أحد منهم.
ونثلِّث بالثناء على أصحاب الأنبياء، وخصوصاً أصحاب نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فهم غراس يده، وثمرة تربيته، وأعوانه وإخوانه وأصحابه وجلساؤه ووزراؤه وأهل بيته.
وهكذا ما يتعلق بالملائكة والكتب والقدر وغيرها.
ويراعى في هذا ناموس التدرج، فليس من الحكمة أن تشعره بأن كل ما عنده خطأ وباطل وضلال، كما أنه ليس من الحكمة أن تعلمه صغار الأمور وكبارها في وقت واحد، وأن تنتقده في كل كلمة وكل حركة.
هناك مسائل جوهرية وكبيرة وضرورية يُبْدأ بها، وتُوْلَى حقها من العناية بصبر وذكاء وبعدٍ عن الإثارة، وأعني أن أتعمد البعد عن تحريك عوامل الرفض والمعاندة لديه، وأتجنب كل ما يحرك التعصب عنده، وأجعل الحق يسري ويسرب إلى قلبه ونفسه بهدوء وانسياب ولطف، حتى لربما لا يشعر أول الأمر أن ثمةَ شيئاً جديداً يدخل عليه، وقد يكون في قرارة نفسه فطرة سليمة، أو فهم صائب ولكنه مستور مغطى ببعض الظواهر وبعض الشوائب.
وإذا ظهرت بوادر القبول فليكن بعد اللقاء لقاء آخر، ولتكن الطريق سالكة لصداقة تمتد جذورها وتبسق فروعها ويتولد عنها تبادل الأحاديث والصِّلات والهدايا، والكتب والأشرطة والوسائل التعليمية المختلفة.(16/28)
فإن كان الأمر لا يحتمل كل هذا، والفرصة تضيق عن مثله، فليكن سؤالاً بعد سؤال تثير في ذهنه الشك في الخطأ القائم لديه، وتبعثه على التفكير السليم والنظر السديد والتأمل فيما حوله، وليكن من هدية الكتاب المختار، أو الشريط المختار ما يكمل المشوار، وينبغي اختيار المادة التي تعطى له، فلا تكون مادة صارخة أو ملحة على قضايا أو مسائل جزئية أو فرعية؛ لأن المهم هو القاعدة والتصور وغيرها يبنى عليها.
إنك تحتاج حين تدعو قوماً إلى خير فقدوه أن تكون متحلياً بالخير الذي وجدوه فعليك بجميل الأخلاق، وطيب الصفات، وطول النفس، والأناة، وعدم الانفعال والتحلي بالصبر، والصدق، والإخلاص، والتجرد التام للحق ليكون التوفيق حليفك، ولا تنس الوصايا الإلهية في سورة العصر "والعصر إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر "جعلنا الله وإياكم منهم بمنِّه وكرمه.
وفي المكتبة الإسلامية أعداد كبيرة من الكتب النافعة في الردود على أباطيل المنحرفين عن سواء السبيل، لكن من النادر أن تجد كتاباً في دعوة هؤلاء وأولئك لا يتحدث عن نقد مذاهبهم لكنه يعرض لهم الدعوة عرضاً أولياً متجرداً هادئاً وهذا كما هو ظاهر، لون آخر غير النقد والتفنيد والحاجة إليه ماسة، والله المستعان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(16/29)
آخذ بقول مَنْ؟
المجيب د. محمد بن حسين الجيزاني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/04/1427هـ
السؤال
ما رأيكم في تعاملي مع خلاف العلماء بهذه الطريقة وهل هي صحيحة وهي:-
أولاً: النظر في كلام العلماء في المسألة وأدلتهم، وإذا استطعت الترجيح آخذ بالأقوى دليلاً.
ثانيا: اتباع قول الجمهور.
ثالثاً: اتباع قول الأعلم والأتقى.
رابعا: الأخذ بالأحوط.
خامسا: الأخذ بالأيسر، ولا أحيد عن ترتيب الطرق السابقة، إلا إذا عجزت عن طريقة انتقلت إلى التي تليها.
ملاحظة: أطوع نفسي على الأخذ بالأحوط إلا إذا كان فيه مشاقة شديدة، فأنتقل إلى الأيسر؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فالناس صنفان بالنسبة للاجتهاد والتقليد: مجتهد، وغير مجتهد، فالمجتهد هو الذي اجتمعت فيه شروط الاجتهاد. فهذا واجبه الاجتهاد، وهو وجوب العمل بما أداه إليه اجتهاده، لا يسعه إلا ذلك.
أما غير المجتهد، وهو الذي لم تتوفر فيه شروط الاجتهاد، فهذا لا يجوز له الاجتهاد، لأنه ليس من أهله، بل حقه التقليد، وهو سؤال المجتهدين والأخذ بفتاويهم.
وطريقة ذلك أن يتحرى أولاً في سؤال الأعلم، والأتقى، والأورع من العلماء المجتهدين، فيسأل واحداً منهم ويأخذ بقوله.
أما إذا سأل أكثر من واحد وتعددت أمامه الأقوال، فالصحيح أنه لا يختار منها، بل الواجب عليه أن يأخذ بقول الأعلم، والأفضل من المجتهدين.
هذا في حق العامي المقلد الذي لا قدرة له على فهم الدليل، أما إن كان هذا المقلد ممن لديه قدرة على فهم الدليل، ووجه الاستدلال به، فالواجب على هذا أن يأخذ بالقول الذي تعضده الأدلة، وعلى الكل أن يتقي الله ما استطاع وأن يبذل وسعه في طلب الحق والوصول إليه. والله الموفق.(16/30)
هل يستحق الأب الحضانة؟
المجيب د. محمد بن عبد الله المحيميد
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/03/1427هـ
السؤال
امرأة مطلقة تنازعت مع طليقها على ابن لهما عمره خمس سنوات، وفي مجلس عُرف حكم للأب بحضانة الابن؛ لأنه لا يريد أن يدفع له نفقة، وعند أخذه صرخ الطفل فتركه أبوه وذهب ولم يطالب به بعد ذلك، ثم حدثت مشاكل بين والد الأم -الذي ينفق عليها هي وابنها- وبين والد الطفل (وكان أبو الطفل ظالماً لوالد الأم) ، فقرر والد الأم أن يعطي الطفل لأبيه لأنه لا يستحق أن يربيه له، وأم الطفل حزينة لذلك، فهل والد الأم ظلمها؟ علماً بأن الأم ليس لها دخل أو مال خاص، وهي مقيمة في بيت أبيها، وهل هذا ظلم للطفل؟ علماً بأن أباه شاب قادر على الكسب، ولا يصلي وأخلاقه ذميمة. أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ومن والآه، وبعد:
فإن الحضانة إنما تراعى فيها مصلحة الطفل، لا رغبة الأبوين، فمن ترجح أن مصلحة الطفل عنده أكثر من الآخر فهو أحق بحضانته، سواء كان أباً أو أماً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: (ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس له نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقا ولا تخيير أحد الأبوين مطلقا. والعلماء متفقون على أنّه لا يتعيّن أحدهما مطلقا؛ بل مع العدوان والتّفريط لا يقدم من يكون كذلك على البر العادل المحسن القائم بالواجب) . مجموع الفتاوى (9/86) .
أما ما يتعلق بنفقة الصغير الذي لا مال له فإنها تجب شرعاً على الأب إن كان موسرا، وتُلزمه المحكمة بدفعها، فإن كان الأب معسرا وقادرا على الكسب أجبر على التكسب من أجل الإنفاق على ابنه، فإن أبى فإنه يعاقب ولو بالسجن.
وعلى هذا فإن كان ما ذكره السائل صحيحاً من أن والد الطفل لا يصلي وأخلاقه ذميمة.. فإنه لا يستحق حضانة هذا الطفل؛ حفاظاً على مستقبله، كذلك إن كان ما ذكره السائل صحيحاً من أن والد الطفل شاب وقادر على الكسب.. فإنه يجبر على التكسب للنفقة على ابنه، ولو اقتضى الأمر سجنه فإنه يسجن، ومثل هذا لا يتم إلا عن طريق المحكمة، فعلى الأم التقدم إليها.
أما فيما يتعلق بتخلي والد أم الطفل عنه ودفعه لوالده، وهل يأثم بذلك؟
فالجواب أن والد الأم لا تجب عليه نفقة ابنها شرعاً، لكن ينبغي أن لا يحول بين ابنته وبين حضانة طفلها، لاسيما إذا تكفّل بنفقة الطفل غيره ممن تجب عليه نفقته من والد أو وارث أو غيرهما.
ولعلي أُذكِّر والد هذه الأم بما روي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، ومررنا بشجرة فيها فرخا حمرة (طائر صغير) فأخذناهما، قال: فجاءت الحمرة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي تصيح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من فجع هذه بفرخيها؟ ". قال: فقلنا: نحن. قال: "فردوهما". أخرجه الحاكم (7673) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
كما أخرجه أبوداود (2658) بلفظ قريب من هذا، وصححه الألباني -رحمهم الله تعالى-.(16/31)
وقال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: (أجمع أهل العلم على أن التفريق بين الأم وولدها الطفل غير جائز، هذا قول مالك في أهل المدينة، والأوزاعي في أهل الشام، والليث في أهل مصر، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي فيه، والأصل فيه ما روى أبو أيوب، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من فرق بين والدة وولدها، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة"، أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا توله والدة عن ولدها"، قال أحمد: لا يفرق بين الأم وولدها وإن رضيت، وذلك -والله أعلم- لما فيه من الإضرار بالولد، ولأن المرأة قد ترضى بما فيه ضررها، ثم يتغير قلبها بعد ذلك فتندم) أ. هـ المغني (21/55) .
قلت: وإن كان هذا في مسألة بيع الرقيق إلا أن العلة واحدة، فعلى والد هذه الأم أن يصبر ويحتسب الأجر من الله، ولعل الله أن يسخِّر له هذا الطفل في مستقبل حياته فيبره وهو أحوج ما يكون لذلك. وفق الله الجميع للصواب. وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.(16/32)
الاكتتاب في شركة ينساب
المجيب د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/11/1426هـ
السؤال
ما حكم الاكتتاب في شركة ينساب؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن نشاط شركة ينساب في صناعة البتروكيماويات، ومن خلال دراسة نشرة الإصدار المفصلة الخاصة بها تبين أنها حصلت على عمولات بنكية، كما وقعت على اتفاقية تمكنها من الحصول على قروض تجارية بالفائدة ومرابحات إسلامية من عدة بنوك، فالشركة بهذا تعد من الشركات المختلطة، والخلاف في الشركات المختلطة بين العلماء المعاصرين معروف، والأقرب -والله أعلم- أن الشركة إذا كانت لا تعتمد في نشاطها على المعاملات المحرمة فإن ذلك لا يقتضي حرمة السهم كله، بل يتخلص من الجزء المحرم منه ويبقى ما عداه مباحاً، وبالنظر إلى الإيراد المحرم الموجود في الشركة وقت الاكتتاب فإنه يسير جداً بل لا يكاد يذكر (أقل من واحد بالألف من أصول الشركة) ، وأما التمويل فلم تلتزم به الشركة إلى الآن، ومتى ما ارتبطت الشركة بشيء محرم منه فسيتم بيانه في حينه.
وبناء عليه فالذي يظهر هو جواز الاكتتاب في الشركة، وإذا حصل المساهم على شيءٍ من الأرباح التي توزعها الشركة فيلزمه أن يتخلص من تلك الأرباح بقدر نسبة الإيرادات المحرمة فيها، أما الأرباح الناتجة من بيع السهم فلا يلزم التخلص من شيءٍ منها.
وإني أدعو القائمين على الشركة إلى أن يكون جميع التمويل الذي ستحصل عليه تمويلاً إسلامياً، وأن تحول ودائعها إلى ودائع استثمارية موافقة للشريعة، فنحن-ولله الحمد- في بلدٍ قائمٍ على تحكيم شريعة الله. وكل ما يخالف هذه الشريعة الغراء فهو مرفوض شرعاً ونظاماً، وما تمارسه أي شركة من اقتراضٍ أو إيداعٍ بالفائدة يعد من التجاوزات غير النظامية التي يحق لأي مساهمٍ أن يعترض عليها، وهذا هو الحد الأدنى من الواجب على من ساهم في الشركات المختلطة، أن يعترض على تلك التجاوزات عند حضوره الجمعية العمومية للشركة. والله أعلم.(16/33)
التأويل المخرج من الملة
المجيب محمد الحسن الدَّدَوْ
الداعية الإسلامي المعروف
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/11/1426هـ
السؤال
متى يمكن أن يصبح تأويل شخص لآية أو حديث مخرجاً له من الملة؟
كأن يقرأ شخص الآيات في عيسى -عليه السلام- ويشعر بأنه مات قبل الصعود إلى السماء، أو يشعر بعدم التأكد من التأويل الصحيح، فهل يكون ذلك مخرجاً له من الملة؟
وإذا قرأ الآية في ختم النبوة وفهمها (كما يفهمها القادياني) ؛ بأن الآية لا تعني انقطاع قدوم أنبياء آخرين، فلماذا يخرجه هذا التأويل من الملة، وهو لا يرفض الآية لكنه يفهمها بصورة مختلفة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالتأويل ينقسم إلى قسمين: سائغ وغير سائغ.
فالتأويل السائغ هو: حمل الدليل على معنى يحتمله، ولكنه غير متبادر منه، اعتماداً على دليل يقتضي ذلك، مع كون الحامل من أهل الاجتهاد.
والتأويل غير السائغ هو: حمل الدليل على معنى لا يحتمله أصلاً، أو يحتمله مرجوحاً من غير دليل يقتضيه، أو كان ممن ليس أهلاً للاجتهاد.
فالقسم الأول الذي هو السائغ لا يمكن أن يكفر صاحبه، بل هو إما مصيبٌ له أجران، وإما مخطئ له أجرٌ واحدٌ؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر". أخرجه البخاري (7352) ، ومسلم (1716) .
وقد قال ابن تيمية -رحمه الله- في المسائل الماردينية: "كل من اجتهد في طلب الحق فهو معذور أصاب أو أخطأ، سواء كان ذلك في الأصول أو في الفروع".
والقسم الثاني وهو: التأويل غير السائغ -إذا كان يحمل الدليل على ما لا يحتمله أصلاً، فإن كان في العقائد وما في معناها فهو كفر، وإن كان من باب العبث فكذلك، كالذين يفسرون قوله تعالى: "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" [البقرة: 67] بأنها عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- وإن كان في غير ذلك فهو كبيرة يعزر صاحبها؛ لقول الله تعالى: "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" [الأعراف:33] . فهو من القول على الله بغير علم.
وإن كان بحمل الدليل على ما يحتمله مرجوحاً من غير دليل، أو كان الحامل غير أهل للاجتهاد فهو كبيرة كذلك يعزر صاحبها لما سبق.
فالمثال المذكور في السؤال في رفع عيسى -عليه السلام-لو لم ترد النصوص بحياته في السماء ونزوله في آخر الزمان -متواترة، حتى أصبح ذلك من عقيدة المسلمين لكان كبيرة يعزر صاحبها؛ لعدم اعتماده على دليل، أما وقد تواترت النصوص وأصبح الأمر عقيدة، فإن مخالفه يكفر بإنكاره كفراً مخرجاً من الملة.
والمثال الثاني في السؤال في إنكار ختم النبوة بمحمد -صلى الله عليه وسلم- ليس من باب التأويل أصلاً، بل هو إنكار للنصوص الصريحة التي لا تحتمل إلا معنى واحداً، فهو كفر كذلك مخرج من الملة. والله أعلم.(16/34)
مقتضى حديث "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"
المجيب وليد بن علي الحسين
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/03/1427هـ
السؤال
كيف يفهم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"، من خلال عموم المقتضى عند الأصوليين؟
الجواب
الحمد لله رب العاملين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد:
فإن المراد بالمقتضى عند الأصوليين: ما يجب تقديره لصدق الكلام أو صحته عقلاً أو شرعاً، وتعيين اللفظ المقدر مما يدخله الاجتهاد ويقع فيه الخلاف.
وقد وقع خلاف بين الأصوليين في المقتضى: هل يعم أم لا؟
فمن يرى عموم المقتضى حمل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: "فلا صلاة" على نفي الصحة، أي: فلا صلاة صحيحة؛ لأنه لا يمكن حمل النفي على نفي الحقيقة، فيحمل على نفي الصحة، وعلى هذا القول: إذا أقيمت الصلاة المكتوبة في المسجد فلا يجوز أن يُصلَّى شيءٌ من النوافل، ولو تلبس بنافلة بعدما أقيمت الصلاة فإنها لا تصح، وقال بهذا القول جمهور الفقهاء من المالكية والحنابلة وغيرهم.
قال الشوكاني: "يحتمل أن يتوجه النفي إلى الصحة أو إلى الكمال، والظاهر توجهه إلى الصحة؛ لأنها أقرب المجازين إلى الحقيقة، فلا تنعقد صلاة التطوع بعد إقامة الصلاة المكتوبة".
وقد شدَّد بعض الفقهاء فذهب إلى قطع النافلة إذا أقيمت الصلاة؛ لأن هذا الحديث مخصص لعموم قوله تعالى: "ولا تبطلوا أعمالكم" [محمد:33] .
ومال ابن حجر إلى أن المراد بالحديث نفي الكمال لا الصحة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقطع صلاة المصلي، وإنما اقتصر على الإنكار.
ومن لا يرى عموم المقتضى فقد حمل الحديث على النهي، فيكون معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فلا صلاة" أي: فلا تصلوا، وحملوا النهي على الكراهة، وعلى هذا القول يكره التطوع بعد إقامة الصلاة المكتوبة؛ لأن التقدير للضرورة، وإذا أمكن عدم التقدير فهو أولى، وقال بهذا القول أكثر الحنفية والشافعية، ولعل الراجح في ذلك -والله أعلم- هو القول الأول، وهو عدم جواز الشروع في النافلة بعد إقامة الصلاة المكتوبة. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/35)
الاكتتاب بأسماء آخرين
المجيب د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/11/1426هـ
السؤال
ما حكم اكتتاب الشخص باسم غيره؟.
الجواب
أرى أنه لا يجوز للمكتتب أن يستعمل اسم شخصٍ آخر في الاكتتاب، سواء أكان ذلك بعوض يدفعه لصاحب الاسم أم بغير عوض؛ لما في ذلك من تجاوز الحد المستحق له نظاما، وتعديه على حق غيره ممن التزم بالنظام، إذ إن مقتضى العدالة أن تكون قسمة الأسهم بين الناس بالسوية، ولا يتحقق ذلك إلا بأن يحدد لكل واحد من المكتتبين سقف أعلى لا يتجاوزه، فالمنع من استخدام الشخص اسم غيره من السياسة الشرعية التي تتفق مع مقاصد الشريعة من جعل المال دولة بين الناس كلهم فقيرهم وغنيهم، لا أن يكون محصوراً بأيدي فئة قليلة. وفضلا عن ذلك، فإن هذا التصرف نوع من التدليس، وهو مظنة الخلاف والخصومة بين الأطراف. وبإمكان المكتتب الذي لا يجد ما يكفي من المال أن يقترض مبلغ الاكتتاب بقرضٍ حسنٍ يرده للمقرض بمثله بدون زيادة، ويجوز أيضاً أن يدخل مع صاحب المال في عقد مشاركة، فيكون لكل منهما حصة شائعة معلومة من الربح كأن يقول: خذ هذا المال وما كان من ربح فيه فلك 30% منه، ولي 70%، والله أعلم.(16/36)
قاعدة "ما حرم سدًا للذريعة ... "
المجيب د. مصطفى بن كرامة مخدوم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/04/1427هـ
السؤال
أعلم أن هناك قاعدة فقهية تقول: (ما حرم سدا للذريعة أبيح لمصلحة راجحة) .
هل المراد بالأمر المحرم سدا للذريعة هو ما حرمه الشارع بالنص وتبين أن تحريمه شرع سدا لذريعة محرمة؟ أم المراد ما اجتهد العلماء في تحريمه سدا للذريعة؟ آمل الإجابة بالتمثيل، ولكم جزيل الشكر والاحترام.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقاعدة "الفعل المنهي عنه سدّا للذريعة يباح للحاجة والمصلحة الراجحة" قاعدة عامة فيما نهي عنه بالنص، أو الاجتهاد، ولهذا مثل لها الفقهاء بأمثلة ورد فيها النص، وأمثلة لم يرد فيها النص، وذلك كالنهي عن دفع الرشوة ودخول المرأة للحمامات الساخنة، ولبس الرجال للحرير، والذهب للرجال، والسمر بعد العشاء ... إلخ.
ومستند القاعدة هو البناء على قاعدة تعارض المصالح والمفاسد، فمتى تعارضت مفسدة مرجوحة مع مصلحة راجحة فالعبرة بالراجحة.
ولأن الأصل في الوسيلة التي لا تتضمن في ذاتها مفسدة هو الجواز من حيث ذاتها، وإنما منعت لكونها طريقا إلى المفسدة، فلما ألغي اعتبار المفسدة بسبب رجحان المصلحة عليها عاد الفعل إلى الأصل وهو الجواز.
والمهم الذي ينبغي التنبه له هو أن القاعدة متعلقة بالفعل الذي لا يتضمن في ذاته مفسدة، ولكنه طريق إليها وهو المسمى بالوسيلة، ويمكن السائل مراجعة كتابي "قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية" ففيه زيادة بيان، والله أعلم.(16/37)
هل وقع خلاف فقهي في زمن الرسول؟!
المجيب وليد بن علي الحسين
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/04/1427هـ
السؤال
هل كان في زمن الرسول -صلوات الله عليه- اختلاف بين العلماء؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبي الرحمة، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- هو المشرع في زمن الصحابة، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يرجعون إليه في النوازل التي تنزل بهم، فإذا نزلت بهم نازلة واحتاجوا إلى معرفة حكمها الشرعي، جاءوا إليه يستفتونه، ولم يكونوا بحاجة إلى الاجتهاد لبيان الأحكام الشرعية مع وجوده -صلى الله عليه وسلم-؛ فلذلك كان الاختلاف الواقع في عصره -صلى الله عليه وسلم- محدوداً وضيق النطاق، وإذا وقع خلاف بين الصحابة -رضي الله عنهم- رجعوا إليه -صلى الله عليه وسلم- كما جاء عند البخاري عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه سمع رجلاً يقرأ آية سمع من النبي الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ خلافها، قال: فأخذت بيده، فأتيت به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: "كلاكما محسن، ولا تختلفوا فإن من كان من قبلكم اختلفوا فهلكوا"، صحيح البخاري (3476) ، فلما اختلف ابن مسعود مع ذلك الصحابي في قراءة الآية رجع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم.
وقد يقع اختلاف بين الصحابة في فهم النصوص الشرعية، كما اختلفوا في فهم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" صحيح البخاري (946) ، وصحيح مسلم (770) . ففهم بعضهم أنه أراد حثهم على الإسراع والاستعجال في المشي، فصلوا العصر في الطريق، وأخذ آخرون بالنص على ظاهره فلم يصلوها إلا في بني قريظة، فأخروا الصلاة لذلك، ولم يعنف النبي -صلى الله عليه وسلم- أحداً من الفريقين.
فخلاصة ذلك أن الاختلاف سنة كونية وطبيعة بشرية، وليس كل اختلاف مذموما، بل منه المذموم ومنه الممدوح، وقد كان الاختلاف الواقع في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم - قليلاً جداً لوجوده -صلى الله عليه وسلم-، حيث كان هو المرجع في تشريع الأحكام، فلا حاجة إلى الاجتهاد، فإن أكثر الاختلاف متفرع عن الاجتهاد في استنباط الأحكام أو تنزيلها؛ لأن الاجتهاد يستلزم وقوع الاختلاف، لتفاوت العقول، والمدارك، والأفهام، ولأن أكثر الأسباب التي توجب الاختلاف لم تكن موجودة في ذلك الزمن، ومع هذا فإن ذلك الاختلاف لم يكن موجباً للتفرق، والاختلاف، والتنابز والتشاقق.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/38)
تعليل الأحكام
المجيب د. مصطفى بن كرامة مخدوم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/04/1427هـ
السؤال
ما أدلة الذين منعوا من جواز تعليل الأحكام في الشريعة الإسلامية؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد ذهب كثير من الأشاعرة إلى منع تعليل أحكام الله تعالى بالحِكَمِ والمصالح، بناءً على أصلهم المشهور "أفعال الله لا تعلل بالغرض" لأنهم يرون أن تعليل أفعال الله -ومنها أحكامه التشريعية- يستلزم إضافة النقص إلى الله، كأنه تكميل لصاحب الغرض.
وهذا يناقض ما يذكرونه في كتب الفقه والأصول، من التعليل بالعلل وذكر الحِكم، ولهذا ذهب بعضهم إلى أن هذه الأحكام وقعت على وفق المصالح دون قصد لها، وفيه نظر.
والصحيح عند المحققين من العلماء كما يدل عليه الاستقراء أن أفعال الله وتشريعاته لا تخلو من حكمة بالغة، وإن لم نطلع عليها أحياناً، وهذه الحِكم والمصالح المقصودة من وراء التشريعات راجعة إلى الخلق، والله غني عن كل شيء وليس محتاجاً إلى شيء من مخلوقاته، والله أعلم.(16/39)
التصرف في التركة دون إذن الورثة
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/03/1427هـ
السؤال
نحن إخوة ترك لنا والدنا مبلغا من المال، فهل يحق لي أن أستخدم هذا المال في مجال تجاري يكون العائد منه لنا جميعا؛ لأننا نعيش سوياً؟ علماً بأني أخذت مبلغاً من المال للزواج، فهل يحق لي الاتجار بهذا المال؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا المال مشترك لجميع الورثة، ولا يجوز لأحدهم أن ينفرد بالتصرف فيه بالتجارة أو غيرها إلا بإذنهم، فإذا أذن شركاؤه بأن يتصرف فيه فإن هذا جائز ولا بأس به إن شاء الله.
والربح حسب ما يتفق عليه، فإذا كان هذا العامل اتفق معهم على أن يأخذ نصف الربح والبقية للآخرين فله ذلك، وإن اتفقوا على شيء آخر فإن هذا جائز ولا شيء فيه.
وأما ما أخذه للزواج فإن هذا يحسب من حقه، ولا بد من إعلام الباقين. والله أعلم.(16/40)
إسكان بعض الأولاد بلا أجرة!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/03/1427هـ
السؤال
لدى والدي أربع شقق أنا وهو نسكن في إحداها، ولي إخوة متزوجون يسكنون في الشقق الباقية بدون أجرة، ولي أخوات متزوجات يسكنّ مع أزواجهن؟ فهل حرام على والدي أن يسكن بعض أولاده دون الآخرين؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن كان إخوانك غير قادرين على استئجار سكن لفقرهم فأسكنهم والدك في الشقق المملوكة له فلا بأس بذلك؛ لكونها من النفقة الواجبة عليه، أما إن كانوا قادرين على أجرة السكن فلا يحل له ذلك إلا برضى جميع أولاده ذكوراً أو إناثاً، فإن رضوا فالحمد لله، وإلا احتسب سكناهم بأجرة يأخذها منهم من غير محاباة؛ لحديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: أعطاني أبي عطيةً، فقالت عمرة بنت رواحة [والدة النعمان] : لا أرضى حتى تشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله؟ قال: "أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ ". قال: لا. قال: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" قال: فرجع فرد عطيته. رواه البخاري (2747) .(16/41)
هل دَهْن الشَّعَر من السنة؟
المجيب سامي بن محمد الخليل
مدير مركز الدعوة والإرشاد بعنيزة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/01/1427هـ
السؤال
سمعت أن دَهْن الشَّعَر من السنة، فهل صحَّ ذلك عنه صلوات الله وسلامه عليه؟ وما هي تلك الدهون المستحبة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نعم دَهْن الشعر والعناية به سنة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من كان له شعر فليكرمه" وهو عند أبي داود (4163) بإسناد حسن، وهذا يدل على أن من السنة تسريح الشعر ودهنه والعناية به عموماً، لكن بدون مبالغة، ولذلك أمر صلى الله عليه وسلم بترجيل الشعر ودهنه غباً، أي يوماً بعد يوم كما فسره الإمام أحمد. انظر سنن أبي داود (4159) ، وجامع الترمذي (1756) .
وأما نوع الدُّهْن فلم يرد في السنة تحديد نوع بعينه، فيدهن الإنسان شعره بأي دُهْن مفيد للشعر.(16/42)
لماذا تأخر رجوع أصحاب الهجرة الثانية للحبشة؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/05/1427هـ
السؤال
ما هي أسباب تأخر عودة أصحاب الهجرة الثانية إلى الحبشة حتى السنة السابعة للهجرة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله، وبعد:
فمن الثابت أن المسلمين هاجروا إلى الحبشة مرتين، وكانت الهجرة الأولى في شهر رجب سنة خمس من البعثة، وهم أحد عشر رجلاً، وأربع نسوة، خرجوا مشاة إلى البحر، فاستأجروا سفينة بنصف دينار. {فتح الباري 7/187-188، وذكر ابن إسحاق أنهم عشرة رجال وأربع نسوة (سيرة ابن هشام 1/344) } .
ثم بلغ المسلمين وهم بأرض الحبشة " أن أهل مكة أسلموا، فرجع ناس منهم عثمان بن مظعون إلى مكة، فلم يجدوا ما أُخبروا به صحيحاً، فرجعوا وسار معهم جماعة إلى الحبشة، وهي الهجرة الثانية، وقد سرد ابن إسحاق أسماء أهل الهجرة الثانية، وهم يزيدون على ثمانين رجلاً. وقال ابن جرير: كانوا اثنين وثمانين رجلاً، سوى نسائهم وأبنائهم ... وقيل: إن عدة نسائهم كان ثمان عشرة امرأةً ".
كما أبان ابن إسحاق رحمه الله عن دوافع الهجرة الثانية فقال: "فلما اشتد البلاء وعظمت الفتنة تواثبوا على رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وكانت الفتنة الآخرة التي أخرجت من كان هاجر من المسلمين بعد الذين كانوا خرجوا قبلهم إلى أرض الحبشة". وقد أرسلت قريش عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة، يحملان الهدايا إلى النجاشي، وبطارقته، طالبين إليه إعادة من هاجر من المسلمين، فأرسل النجاشي إلى المسلمين فسألهم عن دينهم، فقال جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "أيها الملك كنا قوماً على الشرك، نعبد الأوثان، ونأكل الميتة، ونسيء الجوار، ونستحل المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، لا نحل شيئاً ولا نحرمه. فبعث الله إلينا نبياً من أنفسنا نعرف وفاءه، وصدقه وأمانته، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونصل الرحم، ونحسن الجوار، ونصلي ونصوم، ولا نعبد غيره". فقال: هل معك شيء مما جاء به -وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله. فقال جعفر: نعم. قال: هلمَّ فاتلُ عليَّ ما جاء به. فقرأ عليه صدراً من سورة مريم، فبكى النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلت مصاحفهم.
ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى، انطلقوا راشدين.
ولما أخفقت محاولة وفد قريش في استعادتهم، أثار عمرو بن العاص في اليوم التالي موقف المسلمين من عيسى عليه السلام، فقال للنجاشي: أيها الملك: إنهم يقولون في عيسى قولاً عظيماً. فأرسل النجاشي إليهم فسألهم؟ فقال له جعفر: نقول: هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فقال النجاشي: ما عدا عيسى بن مريم مما قلت هذا العود.
وأعطى النجاشي الأمان للمسلمين، فأقاموا مع خير جار في خير دار -كما تقول أم سلمة رضي الله عنها-". [ (السير والمغازي لابن إسحاق (513-217) ، و (سيرة ابن هشام) (1/289-293) ، بإسناد حسن إلى أم سلمة رضي الله عنها] .
وقد هاجر معظم مهاجرة الحبشة إلى المدينة بعد هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها وتأخر جعفر بن أبي طالب ومن معه إلى فتح خيبر سنة 7هـ، انتظاراً لاستقرار الإسلام، وقوة شوكة المسلمين. والله أعلم.(16/43)
التسمية بـ (معظَّم)
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/03/1427هـ
السؤال
ما حكم تسمية الولد بـ (مُعظَّم) ؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا اللفظ أقرب أن يكون صفة من أن يكون اسماً، وعلى كل فلا أرى من إطلاقه على المخلوق بأساً ما دام بغير (ال) المُعَرِّفة. فهو قد يكون معظَّماً في أسرته أو بيته أو عند قومه، ونحو ذلك. والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(16/44)
صناديق البلاد الاستثمارية
المجيب د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/11/1426هـ
السؤال
ما حكم صناديق (أصايل) و (السيف) و (المرابح) التي ببنك البلاد؟
الجواب
جميع هذه الصناديق جائزة، فصندوق أصايل في الأسهم السعودية، وصندوق السيف في الأسهم الكويتية، وكلاهما لا تستثمر فيهما الأموال بشركاتٍ تقترض أو تودع بالربا. وأما صندوق المرابح فهو في المتاجرة بالسلع الدولية المباحة بطريقة البيع الآجل. والله أعلم.(16/45)
ما الفرق بين الاستقراء والقياس؟
المجيب علي بن عبد العزيز المطرودي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/03/1427هـ
السؤال
ما الفرق بين الاستقراء والقياس مع ذكر بعض الأمثلة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالفرق بين الاستقراء والقياس يتضح بما يأتي:
الاستقراء هو: تتبع جزئيات الشيء للوصول منها إلى حكم كلي يجمعها.
ومثال ذلك: الأمر المجرد عن القرائن يفيد الوجوب، والنهي المجرد عن القرائن يفيد التحريم، والعام يحمل على عمومه ما لم يرد له مخصص، ونحو ذلك، فهذه قواعد كلية شاملة تم التوصل إليها من النظر في جزئيات كثيرة تدخل تحتها أنتجت هذه الأحكام الكلية.
أما القياس فلا يخلو من أن يكون قياس جزئي على جزئي، أو قياس جزئي على كلي.
فقياس الجزئي على الجزئي كقياس الأرز على البر في جريان الربا في كل منهما، وقياس ضرب الوالدين على التأفيف في حرمة كل منهما.
أما قياس الجزئي على الكلي فمثاله قوله تعالى: "وأقيموا الصلاة" هذا أمر جزئي مجرد، وقد سبق في القاعدة الكلية أن الأمر المجرد يفيد الوجوب، إذاً الصلاة واجبة، فهنا تم إلحاق جزئية أمر الصلاة بالقاعدة الكلية المتعلقة بالأمر المجرد.
ومثال آخر: كل إنسان يموت، وخالد إنسان، إذاً خالد سيموت، فهنا ألحقنا جزئياً وفرداً من الإنسان تحت هذه القاعدة الكلية المتعلقة به.
ومما سبق يتضح أن الاستقراء هو: أخذ حكم الكلي من جزئياته.
والقياس: أخذ حكم الجزئي من جزئي آخر، أو من كلي.
وهناك فرق آخر في الدلالة، وهو: أن الاستقراء إذا كان تامًّا فإنه يفيد القطع واليقين، بينما القياس لا يفيد إلا الظن.
ومعنى كون الاستقراء تامًّا: أنه تم فيه تتبع جميع جزئياته، بحيث لم يبق منها شيء.
أما إن كان التتبع لمعظم الجزئيات فهنا تكون دلالته ظنية؛ لإمكان وجود شيء من الجزئيات التي لم تستقرأ تخالف الحكم الذي تم الوصول إليه. والله أعلم.(16/46)
الصكوك الوطنية الإماراتية
المجيب د. سامي بن إبراهيم السويلم
باحث في الاقتصاد الإسلامي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/05/1427هـ
السؤال
نريد معرفة حكم الصكوك الوطنية التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية، هل هي مجازة أم لا؟
الصكوك الوطنية: شركة مساهمة خاصة، يقع مقرّها في دبي، وتضم قائمة المساهمين فيها شركات وطنية هي: دبي القابضة، وشركة إعمار العقارية، إضافة إلى بنك دبي، ويبلغ رأسمال الشركة (150 مليون درهم) ، موزعاً بالتساوي على الشركاء الثلاثة. ويتم شراء الصكوك الوطنية بفئات قيمتها (10 دراهم) ، والحد الأدنى للشراء هو (100 درهم) ، أي (10) صكوك، يخصص لكل صك رقم مسلسل ويتم إدخاله في سحب شهري على جوائز تتراوح قيمتها بين (100 درهم) و (مليون درهم) وهو مبلغ الجائزة الشهرية الكبرى. وتوجد هيئة شرعية لمراقبة سير عمل الشركة وموافقته للشريعة الإسلامية وقد أصدرت فتوى بجواز عملها!.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
هذا البرنامج الذي تقدمه شركة الصكوك الوطنية بدبي لا يعدو أن يكون صورة من صور اليانصيب المتفق على تحريمه شرعاً. فالمشتري لما أسموه "الصكوك" يدفع (100 درهم) ، وهو الحد الأدنى للاشتراك، وله حق استرداد هذا المبلغ بعد شهر، وكل شهر يدخل في السحب على جوائز تتراوح بين (100) وبين مليون درهم، كما هو مبين في موقع الشركة (nationalbonds.ae) . وهذه معاوضة نقد بنقد مع التفاضل، والتأخير والجهالة، فيدخلها الربا والميسر معاً.
وأما الفتوى الصادرة عن الهيئة الشرعية للشركة في هذا الخصوص فهي تختلف في الحقيقة عن عمل الشركة المعلن في موقعها. وبيان ذلك من وجوه:
1. الفتوى تنص على أن العقد بين حامل الصكوك وبين الشركة عقد مضاربة، بينما لا يذكر الموقع شيئاً عن عقد المضاربة، ولا عن طبيعة المشاريع التي يستثمر فيها، ولا عن معدل الأرباح المحققة. فليس في الموقع ما يحدد ويبين الطبيعة الاستثمارية للشركة، بل هو يعلن بكل وضوح عن جوائز السحب التي قد تصل إلى مليون درهم، ويحث الجمهور على الاشتراك طمعاً في الجوائز وليس في الأرباح الاستثمارية. فأين هي المضاربة إذن؟
2. الفتوى تنص على أن الجوائز يتم توزيعها من نصيب الشركة في أرباح المضاربة من خلال القرعة. لكن تحديد مقدار الجوائز ما بين (100) إلى مليون درهم، ينافي كونها من أرباح الاستثمار التي لا يمكن تحديدها مسبقاً.
وهذا يعني أن الشركة تلتزم بجوائز بمبالغ محددة في حال وقوع السحب عليها بغض النظر عن أداء الاستثمار، فتكون المعاملة معاوضة نقد بنقد مجرداً ولا علاقة لها بالمضاربة.
أضف إلى ذلك أن الشركة تعلن أن أول سحب سيتم شهر مايو، بينما لا تعلن الأرباح إلا في نهاية العام. فكيف تكون الجوائز من الأرباح مع أن الأرباح لم تحدد ولم تعلم بعد؟(16/47)
3. الفتوى تنص على أنه لا يجوز اشتراط السحب على الجوائز في عقد المضاربة، بينما يجعل موقع الشركة هذه الجوائز هي أهم مزايا الاشتراك، ويحدد تواريخ السحب على الصفحة الأولى وجميع صفحات الموقع، ويشجع الزائر على الاشتراك لأنه قد يصبح من أصحاب الملايين. وهذا يجعل السحب على الجوائز هو الهدف من الاشتراك، ولا يخفى أن هذا من أعظم الاشتراط لأنه الأساس الذي من أجله يشتري الناس هذه الصكوك.
4. الفتوى تنص على أن العقد عقد مضاربة، بينما ينص الموقع على حق المشترك في استرداد قيمة الصكوك بعد مضي شهر على الأقل من الاشتراك، وهذا يجعل ثمن الصك بمثابة القرض الذي تلتزم الشركة برد مثله. فإذا انضم لذلك الحصول على الجوائز كان قرضاً جر نفعاً، وهو ربا، بإجماع العلماء.
والحاصل أن مضمون الفتوى شئ وواقع الشركة شئ آخر. وكان الواجب توجيه هذه الأموال للاستثمار المشروع القائم على العمل والإنتاج وتحقيق القيمة المضافة، بدلاً من توظيفه في الحظ والجوائز التي تقتل العمل، ولا تولد أي قيمة للاقتصاد.
والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.(16/48)
شك في التلفظ بالنذر!
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/11/1426هـ
السؤال
تبتُ إلى الله بصدق من ذنوبي، ودعوتُ في سجودي أنني أتوب، ولا أفعل هذه الذنوب مرة أخرى، لكنني غير متأكذ ماذا قلتُ، فربما قلت: "لن أفعل ذلك مرة أخرى" أو "لله علي أن لا أعود إلى هذا الذنب". لكنني عدت ووقعت في نفس الذنب. فماذا علي الآن؟ وهل تلزمني كفارة النذر؟!
هل أتوب فقط أو علي كفارة يمين؟
الجواب
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله، وبعد:
فالأحوط لك أن تكفر كفارة يمين وتعزم على التوبة، واحذر من العودة للذنب مرة ثانية، فقد تفجأك المنية وأنت على معصية، والأعمال بالخواتيم.
وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، وهذا على التخيير، فإن لم تستطع تعدل إلى الصيام، فتصوم ثلاثة أيام متتابعة، قال الله تعالى: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون". [المائدة:89] .
وفقك الله لهداه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/49)
هل وجوب الصلاة في المسجد على القادر أم السامع؟!
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 01/02/1427هـ
السؤال
هل الصلاة في المسجد فرض على كل قادر على حضور الجماعة في المسجد؟ أم الوجوب فقط على الذين يسمعون الأذان؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فصلاة الجماعة في المسجد واجبة، والدليل على الوجوب أن الله -عز وجل- أمر بالصلاة مع المصلين، فقال سبحانه وتعالى: "وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ" [البقرة:43] ، وفي حديث أبي موسى وابن عباس -رضي الله تعالى عنهم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من سمع النداء فلم يأته، فلا صلاة له إلا من عذر" أخرجه أبو داود (551) ، وابن ماجه (793) . وكذلك أيضاً لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم". صحيح البخاري (644) ، وصحيح مسلم (651) . ومما منعه من ذلك أنه لا يعذب بالنار إلا رب النار. وهكذا حديث عبد الله بن أبي أم مكتوم -رضي الله عنه- لما استأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: "هل تسمع النداء بالصلاة؟ " قال: نعم، قال: "فأجب". وفي رواية: "لا أجد لك رخصة". أخرجه مسلم (653) ، وأبو داود (552) . وأيضاً في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا صلاة لرجل فرد خلف الصف". أخرجه أحمد (15862) ، وأبو داود (1003) ، وابن حبان (2203) . قال ابن القيم -رحمه الله- فكيف بمن كان منفرداً عن الصف وعن الجماعة ... إلى آخره.
وأيضاً يدل على هذا حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق -وفي رواية: أو مريض- ولقد كان الرجل يوتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف. صحيح مسلم (654) .
وأما فعلها في المسجد فالصواب أيضاً أنه واجب لمن قدر على ذلك، ولا يسقط إلا عند المشقة الظاهرة؛ لما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر"، وكذلك قوله -عليه الصلاة والسلام- للأعمى: "أجب"، وكذلك أيضاً فعل الصحابة -رضي الله تعالى- عنهم فلقد كان الرجل يؤتى به بين الرجلين حتى يقام في الصف، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق.
ولأن الجماعة لو لم تشرع في المسجد لفاتت الحِكَم العظيمة والمقاصد الشرعية التي من أجلها شرعت الصلاة، وأيضاً لم يكن هناك كبير فائدة في بناء المساجد.(16/50)
الاكتتاب في الشركة السعودية للأبحاث والنشر
المجيب جمع من العلماء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/03/1427هـ
السؤال
هل يجوز الاكتتاب في الشركة السعودية للأبحاث والنشر؟
الجواب
أولاً: إجابة د. يوسف بن عبد الله الأحمد
(عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) .
ثانيًا: إجابة د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
(عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء) .
ثالثًا: إجابة د. محمد بن سعود العصيمي
(مدير عام المجموعة الشرعية ببنك البلاد) .
أولاً: إجابة د. يوسف بن عبد الله الأحمد (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فبعد الاطلاع على موقع الشركة الرسمي تبين -بجلاء تام- حرمة الاكتتاب فيها؛ لأن نشاطها محرم؛ فهي تضم في مطبوعاتها الدورية (18صحيفة ومجلة) ، وعلى رأسها: الشرق الأوسط، وسيدتي، والجميلة، وهي، والمجلة. ولا يخفى على أهل الإيمان ما تتبناه هذه الصحف والمجلات من فكر تغريبي، وصور عارية، وابتذال للمرأة بجعلها وسيلة للإغراء والترويج لمجلاتها وصحفها. وهي تمتلك "الشركة السعودية للتوزيع" وهي أضخم شركة توزيع داخل المملكة، وتوزع أكثر من ثمانين مجلة وصحيفة، أكثرها يحمل الصور الخليعة والأفكار المفسدة.
وتزداد حرمة الشركة في المجاهرة بالمعصية، وتحمل ذنوب المطلعين على منشوراتها والمتأثرين بها، إضافة إلى تعاملاتها المالية الربوية.
والواجب على القائمين عليها: التوبة إلى الله، وأن يتذكروا الآخرة، وحديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به". أخرجه أحمد (13919، 14746) ، والترمذي (614) ، والدارمي (2657) بسند صحيح.
وبالله التوفيق.
ثانيًا: إجابة د. يوسف بن عبد الله الشبيلي (عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء) .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن نشاط هذه الشركة في مجال الإعلام والطباعة والنشر، ومن المجلات التي تصدرها الشركة مجلات محرمة؛ لاشتمالها على صورٍ فاضحة للنساء مثل: مجلة سيدتي، والجميلة، وهي، وغيرها، ولا شك أن التحريم إذا كان في نشاط الشركة فهو أشد من التحريم الذي يتعلق بتعاملات الشركة المالية؛ لأن مفسدة النشاط ظاهرة ومتعدية للآخرين. وعلى هذا فأرى عدم جواز الاكتتاب فيها. والله أعلم.
ثالثًا: إجابة د. محمد بن سعود العصيمي (مدير عام المجموعة الشرعية ببنك البلاد) .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(16/51)
فإن من المعلوم أن العلماء اشترطوا لجواز تأسيس وتداول الشركات المساهمة أن يكون نشاط الشركة في مجال مباح. وحيث إن المجموعة متخصصة في الأنشطة الإعلامية من الإصدار والنشر والطباعة والتوزيع، وهو في الأصل نشاط مباح، فلا بد من فحص تلك الأنشطة التي تعمل فيها. وحيث إن الشركة تصدر وتسوق كثيرا من المطبوعات التي تحتوي على أفكار غير إسلامية، وعلى صور خليعة، مثل مجلة سيدتي، ومجلة هي، ومجلة الجميلة، وجريدة الشرق الأوسط، وغيرها من المطبوعات، فلا شك أن الشرط الأول لجواز الاكتتاب فيها غير موجود، وهو كون النشاط مباحا. وعليه فلا يجوز الاكتتاب في الشركة، ولا تداول أسهمها، حتى تغير من واقعها إلى تسويق المطبوعات والمواد الإعلامية التي تنطبق عليها الضوابط الشرعية.
وإني أدعو القائمين عليها إلى تقوى الله -سبحانه وتعالى- وأن يضعوا خوفه نصب أعينهم، وأن يعلموا أن الدنيا زائلة، وأن الآخرة خير وأبقى. وأذكرهم بقول الله تعالى: (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم، ألا ساء ما يزرون) [النحل: 25] ، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا" رواه الإمام أحمد (8795) ، ومسلم (2674) .
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(16/52)
إطالة الأظافر
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/04/1425هـ
السؤال
ما حكم تربية المرأة لأظافرها؟
الجواب
أجاب فضيلة الشيخ/ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- على سؤال شبيه لسؤالك، فإليك السؤال والجواب:
س: ما حكم تطويل الأظافر، ووضع (مناكير) عليها؟ مع العلم أنني أتوضأ قبل وضعه ويجلس (24) ساعة، ثم أزيله.
ج: تطويل الأظافر خلاف السنة، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، ونتف الإبط، وقلم الأظافر" رواه البخاري (5889) ، ومسلم (257) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
ولا يجوز أن تترك أكثر من أربعين ليلة، لما ثبت عن أنس -رضي الله عنه- قال:" وقت لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة ألا نترك شيئاً من ذلك أكثر من أربعين ليلة" رواه مسلم (258) من حديث أنس -رضي الله عنه-، ولأن تطويلها فيه تشبه بالبهائم وبعض الكفرة.
أما (المناكير) فتركها أولى، وتجب إزالتها عند الوضوء؛ لأنها تمنع وصول الماء إلى الظفر.(16/53)
إزالة الشعر النابت على الخدين
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/08/1425هـ
السؤال
ما حكم الإسلام فيما يسمى بتربية (السكسوكة) ، وهي اللحية تكون حول الفم، وطرف الوجه من الأسفل؟ وما الحكم في إزالة الشعر النابت على الخد للرجل خصوصًا إذا ما كان كثيرًا؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
لا يجوز الاكتفاء من اللحية بما ذكره السائل، بل الواجب إعفاء اللحية كلها، كما تدل عليه الأحاديث الصحيحة الصريحة، ومنها ما أخرجه البخاري (5892) ومسلم (259) ، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "خَالِفُوا المُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى، وأَحْفُوا الشَّوَارِبَ". وفي لفظ له (5893) : "أَنْهِكُوا الشَّوَارِبَ وأَعْفُوا اللِّحَى". وفي لفظ: "وأَوْفُوا اللِّحَى". أخرجه مسلم (259) . وفي لفظ آخر له (260) : "وأَرْخُوا اللِّحَى".
قال النووي في شرح صحيح مسلم (3/151) تعليقًا على هذا الحديث، ما نصه: وأما "أوفوا" فهو بمعنى "أعفوا"، أي: اتركوها وافية كاملة لا تقصروها.. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وأرخوا" فهو أيضًا بقطع الهمزة.. ومعناه: اتركوها ولا تتعرضوا لها بتغيير، ثم حكى الإمام النووي عن القاضي عياض أنه قال: (يكره حلقها، وقصها، وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن، وتكره الشهرة في تعظيمها، كما تكره في قصِّها وجزِّها ... ) ثم بين النووي- رحمه الله- القول المختار في هذه المسألة بقوله: (والمختار ترك اللحية على حالها، وألا يتعرض لها بتقصير شيء أصلاً) ا. هـ.
وما اختاره- رحمه الله- هو الأصح من جهة الدليل، وبذلك يجب إعفاء اللحية كلها، واللحية في لسان العرب هي: اسم يجمع من الشعر ما نبت على الخدين والذقن، كذا جاء في اللسان (15/243) ، وفي القاموس المحيط (ص1330) .
ولكن إذا كان شعر الخدين كثيرًا، بحيث نبت الشعر في أعلاهما، وهو ما يعرف في لسان العرب بشعر الوجنتين، فإنه لو قيل بجواز إزالة هذا القدر فقط؛ لخروجه عن مسمى الخد، لكان له وجه ظاهر. والله تعالى أعلم.(16/54)
هل أصلي عن والدي المريض؟!
المجيب عبد الرحمن بن إبراهيم العثمان
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والدي كان يصلي وهو بصحته وعافيته، وعندما مرض ظل يصلي إلى أن أقعده المرض، وهو الآن طريح الفراش، لا يسمع إلا قليلاً، ولا يرى، وباستمرار تأتي له غيبوبة، ومن قبل شهر رمضان الماضي وهو في هذه الحالة، لا صام رمضان ولا صلى إلى هذا اليوم الذي أبعث برسالتي هذه إلى فضيلتكم. هل ينفع أن أصلي بدلاً منه، وأصوم أنا وإخوتي عنه ما فاته من شهر رمضان؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه، وبعد:
فإن كان هذا المريض يعقل فيجب إخباره بأن الصلاة لا تسقط عنه بالمرض، وأن عليه أن يصليها حسب طاقته ولو إيماءً، وعلى من يتولى أمره أن ينبهه إلى دخول وقت الصلاة، وأن يرشده إلى ما يجب عليه من الطهارة، ويساعده عليها، فيتطهر بالماء إن استطاع أو إلا تيمم؛ لقوله سبحانه: "فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن: 16] ، وقوله سبحانه: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" [البقرة:286] ، ولقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين - رضي الله عنه-: "صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب" رواه البخاري (1117) زاد النسائي "فإن لم تستطع فمستلقياً"، وأما إذا كان لا يعقل، أو كان يغيب وعيه مع اشتداد المرض عليه فلا يعقل شيئاً فإن الصلاة تسقط عنه، لأن العقل مناط التكليف.
وأما أن يصلي عنه غيره فهذا لا يجوز؛ لأن الصلاة لا تدخلها النيابة، فلا يصلي أحد عن أحد.
وأما الصيام فإن من عجز عن الصيام؛ لكبر سن أو لمرض لا يرجى برؤه، ويعجز عن الصيام معه، فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع مما يطعم أهله، لقوله سبحانه: "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" [البقرة:184] قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: "نزلت رخصة في الكبير والمرأة الكبيرة، وهما لا يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكيناً" رواه البخاري (4505) ولفظه عند أبي داود (2318) ، وإن كان لا يعقل فليس عليه صيام ولا كفارة.
وعلى السائل أن يدعو لوالده، وأن يحرص على بره، وأن يصبر على ما يلقاه؛ وفاءً لوالده، ورغبة فيما أعده الله -تعالى- للبار بوالديه من الثواب العاجل والآجل. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(16/55)
تخطي الرقاب لسد فرجة في خطبة الجمعة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/6/1425هـ
السؤال
شخص ذهب إلى المسجد يوم الجمعة أثناء الخطبة، فوجد المسجد ممتلئاً، فتخطى الرقاب على أن يجد مكاناً يجلس فيه، لأنه بعد إقامة الصلاة سيجد مكاناً يصلي فيه، فهل يتخطى الرقاب، أو يذهب ليبحث له عن مسجد آخر وربما تفوته صلاة الجمعة؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إذا علم وجود فرجة تركها من سبقه، فله أنه يتخطى إليها، أما إذا لم يعلم وجود فرجة فلا يجوز له التخطي، ولا يلزمه أن يذهب إلى مسجد آخر قد تفوته الجمعة، وإنما يصلي -ولو في الشارع- إذا اتصلت الصفوف. والله أعلم.(16/56)
وضع الهلال على المآذن
المجيب د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد أن أسألكم عن سبب وضع الهلال على المآذن، وسيارات الإسعاف.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ليس ثم سبب شرعي لهذا العمل، إذ لا دليل من الكتاب ولا من السنة ولا من فعل الخلفاء الراشدين ولا الصحابة عامة ولا التابعين لهم بإحسان على مشروعية وضع الهلال كشعار يتميز به المسلمون، ولعل السبب فيما يظهر هو الحاجة لشعار يتميز به المسلمون عن النصارى الذين اتخذوا الصليب شعاراً دينيًا ووطنيًا أحياناً، مما حمل بعض المسلمين على اتخاذ شعار الهلال باعتبار ارتباط بعض العبادات به؛ ولارتباط حساب الشهور به، فالحج لا بد فيه من معرفة دخول شهر ذي الحجة بالهلال وكذلك شهر رمضان. والله أعلم.(16/57)
تريد الحج ولكنها لا تريد ترك أولادها
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن المشعل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
والدتي تريد الحج، ولكنها لا تستطيع لسبب، وهو أنها لا تستطيع تركنا بمفردنا -أنا وإخوتي-رغم وجود والدي معنا، لكنها مصرة على عدم الحج لهذا السبب.. فهي حريصة جدا علينا، ولا يطاوعها قلبها تركنا فأريد أن أعرف هل هي آثمة بترك الحج، رغم توفر جميع الظروف أم لا؟ وهل يجب عليها الحج أم لا؟ مع العلم أنها لم تحج من قبل، وجزاكم الله خيرا.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يجب على أم هذه السائلة أن تحج إذا توفرت لها الشروط لقوله تعالى: "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ" [آل عمران: من الآية97] .
أما اعتذارها بأولادها الكبار - فغير مقبول لاسيما وأن والدهم موجود، والحج أيامه قليلة، فمثل هذه الأعذار لا تمنع من الاستطاعة، وإنما هي وساوس من الشيطان الرجيم. والله أعلم.(16/58)
ما الذي تجب زكاته من الثمار
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 1/05/1425هـ
السؤال
أرجو بيان صحة الحديث التالي: عن أبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل-رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسلهما إلى اليمن، وأمرهما أن يعلما الناس دينهم، وقال:"لا تأخذوا الصدقات إلا من أربعة أشياء: الشعير والقمح والزبيب والتمر الجاف" روه الطبراني في الكبير، ومجمع الزوائد (3/75) . وهل يمكن الاستناد على هذا الحديث بأن الزكاة تكون على هذه الأصناف الأربعة من الحبوب والفاكهة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الجواب عن هذا الحديث من وجوه:
الوجه الأول: أن هذا الحديث ضعيف، فقد ضعفه جمع من أهل العلم، وهذا من ناحية الإسناد.
الوجه الثاني: من ناحية الدلالة ومن ناحية المتن فهذا الحديث لا يقتضي الحصر، فالزكاة لا تنحصر في هذه الأصناف الأربعة الخارجة من الأرض، نظراً لقيام الإجماع على أن الزكاة تجب في غير هذه الأصناف الأربعة، ولو ثبت هذا الحديث فيحمل على الغالب إذ الغالب في الذي تجب فيه الزكاة من الخارج من الأرض أنه يكون من هذه الأصناف الأربعة.
والضابط في الخارج من الأرض إذا كان مكيلاً وكان مدخراً تجب فيه الزكاة، على سبيل المثال التمر هو من المكيلات، وهو من الأشياء التي تدخر فتجب فيه الزكاة بالاتفاق، والزبيب كذلك والبر والشعير إلى غير ذلك، فالحصر غير مراد من هذا الحديث، وهذا باتفاق الأئمة الأربعة أن الزكاة تجب في غير هذه الأصناف الأربعة، وعلى هذا يجاب عن الحديث إما بالضعف كما ضعفه بعض أهل العلم، أو أن المراد الغالب في الذي تؤخذ منه الزكاة في الخارج من الأرض أن يكون من هذه الأصناف الأربعة، أو يحمل أيضاً على أن المكان الذي ذهب إليه أبو موسى ومعاذ -رضي الله عنهما- في اليمن لا توجد فيه إلا هذه الأصناف الأربعة.(16/59)
الحكم على من مات من الكفار بالنار
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/11/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
ما رأيكم في من إذا ذكر له أن أحد النصارى قد مات كان تعليقه: (هو كافر في النار لا رده الله) . أو: (زادت النار شخصًا بموته؟) .
الجواب
الحمد لله.
معلوم بالضرورة من دين الإسلام أن اليهود والنصارى كفار؛ لما ارتكبوه من أنواع الكفر قبل مبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من تحريف كتب الله، والشرك بالله، واتخاذهم الأحبار والرهبان أربابًا من دون الله، والمسيح ابن مريم، وقول النصارى: (إن الله ثالث ثلاثة) . واتخاذهم المسيح وأمه إلهين من دون الله، وقولهم: (المسيح ابن الله) . وكقتل اليهود للأنبياء، وقولهم: (إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم) . ثم كفروا مع ذلك بتكذيبهم لمحمدصلى الله عليه وسلم، خاتم النبيين. واليهود والنصارى المعاصرون سبيلهم سبيل أسلافهم بالكفر والشرك، وعداوة الأنبياء، ولو سلموا من كل أنواع الكفر لكفاهم كفرًا وبعدًا عن رحمة الله تكذيبهم لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن مات منهم على ذلك فهو في النار، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) [البينة:6] .
وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِه، لا يَسْمَعُ بي أَحَدٌ مِن هَذِه الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ ولا نَصْرَانِيٌّ ثم يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارَ".صحيح مسلم (153) .
فيجب على كل مسلم اعتقاد كفر اليهود والنصارى، وأن من مات منهم ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم- فهو في النار خالدًا مخلدًا فيها، ومن لم يقرّ بذلك من المسلمين، بل زعم أن اليهود والنصارى على دين صحيح، فإنه كافر مرتد بذلك عن دين الإسلام، ولو زعم أنه مسلم، ولكن لا يشهد على معين ممن مات منهم بأنه في النار لعدم العلم بحقيقة أمره وبما مات عليه، ولكن من علم منهم بكثرة الفساد والطغيان، وشدة الكفران، فإنه يجوز لعنه والدعاء عليه بالنار، والبعد عن رحمة الله، فما ذكر في السؤال يجوز في هذا النوع من الكفار ممن اشتهر بالشر واشتدت عداوته للإسلام والمسلمين. والله أعلم.(16/60)
ترك سجود السهو عمداً فهل صلاته صحيحة؟
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 08/02/1427هـ
السؤال
رجل ترك سجود السهو عمداً فهل صلاته صحيحة؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا كان هذا السجود من المواضع التي يسجد فيها قبل السلام فلا تصح صلاته، أما إن كان هذا السجود من المواضع التي يسجد فيها بعد السلام فصلاته صحيحة، والفرق بين الصورتين أن ما كان قبل السلام فهو واجب في الصلاة، وما كان بعد السلام فهو واجب للصلاة، والصلاة تبطل بترك ما وجب فيها، كما لو ترك واجباً من الواجبات متعمداً، ولا تبطل الصلاة بترك ما وجب لها، كما لو ترك صلاة الجماعة متعمداً، فإن صلاته صحيحة مع الإثم، وعلى هذا ينظر في حال هذا السجود الذي ترك، فإن كان من المواضع التي يسجد فيها قبل السلام فصلاته غير صحيحة وعليه الإعادة، وإن كان من المواضع التي يسجد فيها بعد السلام فصلاته صحيحة مع الإثم. والله أعلم.(16/61)
هل وقع من يوسف عليه السلام هَمٌّ بامرأة العزيز؟!
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/04/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أرجو التكرم بحل هذا الإشكال لدي بخصوص الآية رقم (24) من سورة يوسف "ولقد همت به وهم بها" قرأت في التفسير أن يوسف- عليه السلام - غضب وأراد أن يضربها لكن الله أراه برهانه، وذلك بأنه إذا ضربها فإن الناس سوف يصدقونها ولا يصدقونه، لذلك حاول الهرب من الغرفة، كنت دائماً أظن أن معنى "هم بها" تعني أنه شعر بنفس شعورها نحوه، فما هو التفسير الصحيح لهذه الآية؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
التفسير الصحيح لقوله تعالى: "ولقد همت به وهم بها" [يوسف: 24] أن هم المرأة كان فعل الفاحشة، وأما يوسف - عليه السلام- فقد ذهب أبو حيان في البحر المحيط، والشنقيطي في أضواء البيان وغيرهما إلى أنه عليه السلام لم يقع منه هم أصلاً، بدليل قوله تعالى: "لولا أن رأى برهان ربه" [يوسف:24] ، فلما رأى برهان ربه لم يهم بها، وهو سائغ في اللغة أن يتقدم جواب لولا عليها كما في الآية.(16/62)
القلق يمنعني من أداء الحج
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/05/1425هـ
السؤال
هل يعتبر القلق والتوتر النفسي من الأعذار التي تمنعني من أداء فريضة الحج، وأنا أعصابي ضعيفة، فهل علي إثم وأنا أتمنى أن أقوم بالحج؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
تقدير المرض النفسي وتأثيره في ترك الحج يعود إلى الطبيب المعالج، فإذا بلغ المرض مبلغاً لا يتحمل المريض الزحام واختلاط الناس، فإن هذا عذر يبيح له ترك الحج، وعليه أن ينيب من يحج عنه، وإن كان نوعاً محتملاًُ ومتغيراً يخف عنه أحياناً فعليه أن يجتهد ويحج.
فالمعول عليه هو رأي الطبيب فيستشيره، فإن رأى أنه قادر على الحج متحمل لما فيه ازدحام واختلاط فعليه أن يحج، وإذا رأى أن حالته لا تمنعه من أداء الحج، فإن الحج لا يسقط عنه، والله أعلم.(16/63)
جعل المراحيض في الطابق العلوي من المسجد
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نحن لجنة مسجد في بلدة طمرة الجليل، مسلمة- والحمد لله رب العالمين- نتوجه إليكم بالسؤال التالي: نقوم بتوسيع المسجد، وبحكم التوسيع والبناء كان أفضل خيار لموضع الموضأ والمراحيض التابعة للنساء أن يكون في الطابق العلوي أي محاذيًا لسدة النساء، وذلك فوق قسم من قاعة صلاة الرجال، ولقد سمعنا بعض الانتقادات من بعض الملمين بعلوم الشريعة، ولهذا نتوجه إليكم بهذا السؤال، مع أننا أخذنا إذنًا بذلك من أحد علماء مدينة غزة واسمه الشيخ عبد الحليم، ولكن لنطمئن أكثر نشير بالذكر أننا نسكن في مدينة طمرة داخل الخط الأخضر بفلسطين. الرجاء أفيدونا وجزاكم الله عنا وعن الأمة كل خير.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أماكن العبادة ينبغي أن تنزه عن النجاسات وما يكون عرضة للتنجيس من قريب أو بعيد، والنهي ورد عن الصلاة في الحش أو الحمام، أو معاطن الإبل، ولكن هل أسطحتها تكون مثلها أو تخومها وما تحتها يأخذ حكمها؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم، فبعض أهل العلم قصر التحريم على هذه الأماكن دون تخومها- وهو ما تحتها- ودون أسطحتها، وبعضهم عدَّى الحكم إلى ما كان تحتها وما فوقها، وقال: إن القرار يتبعه الهواء، وكذلك تخومه- وهو ما تحته- يأخذ حكمه. وبعضهم قال: إن المنع إنما هو للنجاسة، والنجاسة إذا لم تكن موجودة فلا حرج حينئذ. والذي أنصح به السائلين هو أن وجود دورات المياه والمراحيض فوق جزء من المسجد لو احتاطوا لذلك بالمواد العازلة، فإنه بعد سنوات سيوجد شيء من التسرب إلى هذا السقف الذي يصلي الناس تحته، وهذا يؤدي إلى تنجيسهم وتنجيس مصلاهم، فأنصح الإخوة أن يختاروا لهذه المواضئ والمراحيض أماكن خارج المسجد، وإذا لم يكن هناك وسيلة فكونها في الدور الأرضي ولا يتسرب منها شيء إلى ما تحتها قد يكون أخف مما لو كانت في مكان يصلي الناس تحته. وبالله التوفيق.(16/64)
دفن المسلم في مقابر الكفار
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/5/1425هـ
السؤال
الرجاء إرسال الرد على مركزكم؛ لأن بريدي لا يكتب العربية.
السؤال: الرجاء توضيح الرأي الشرعي لمسلم توفي في أوروبا متزوج من نصرانية (عنصرية) ، تود دفنه في الكنيسة متحدية أهله وحفيدته المقيمة في نفس البلد، القانون مع زوجته، حفيدته المسلمة تحارب لدفن جدها في المقابر الإسلامية، وقد عملت على توقيف إجراءات الدفن مؤقتا، علماء الدين في هذه البلد وافقوا على أنه للضرورة لا مانع من إجراءات المراسم الكنسية، ومن ثم دفنه في المقابر الإسلامية، زوجته حولت الموضوع إلى قضية عامة وبدأت تحارب عن طريق وسائل الإعلام والعمل على تشويه صورة الإسلام، ما هي الفتوى الشرعية ورأي الإسلام؟ علماً بأن المتوفى كان مسلماً بالوراثة فقط، وما هو السبيل للمسلمين على معالجة هذه القضية؟.
الجواب
لا يجوز للزوجة الكتابية (النصرانية) دفن زوجها في مقابر غير المسلمين، ففي الشرع الإسلامي إذا توفي الرجل فأولى الناس بدفنه أهله وأقاربه.
فإن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لما انتهى المسلمون من دفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان علي فيمن نزل في قبره، قال علي - رضي الله عنه- بعد ذلك: "إنما يلي الرجل أهله".
أما الكافر فليس من أهل المسلم ولو كان أقرب قريب لقوله تعالى لنوح مع ابنه: "إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ" [هود: من الآية46] ، وأهل الرجل في اللغة يشمل الرجال والنساء، ونص ابن قدامة في المغني: على أن أولى الناس بالصلاة على الميت الوصي إن كان الميت أوصى أن يصلي عليه ويدفنه فلان من الناس، إلا إن كان فاسقاً أو كافراً فلا تنفذ وصيته؛ لأن القصد من الصلاة عليه الدعاء له، ومن كان كافراً أو فاسقاً لا يقبل دعاؤه، ثم بعد الوصي (الأمير) ثم أهله الأقرب فالأقرب، وأكثر أهل العلم يقدمون الأمير - في الصلاة على الميت ودفنه- على الأقارب، فقد ثبت في سنن النسائي (1978) أنه لما ماتت أم كلثوم بنت علي صلى عليها سعيد بن العاص - رضي الله عنهم- وكان أمير المدينة وخلفه يومئذ ثمانون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وروي عن علي بن أبي طالب وأبي هريرة وابن مسعود - رضي الله عنهم- أنهم قالوا: الإمام أحق بالصلاة على الجنازة، وبما أنكم في بلاد الدنمارك تعيشون أقلية بين النصارى وغيرهم، فإن رئيس المركز الإسلامي أو إمام المسجد يقوم مقام إمام المسلمين فيما يخصكم من أمور شرعية من صلاة وصيام ونحوهما، ومن المعلوم أن الدنمارك كغيرها من دول أوروبا تحترم حرية الأديان، فإن الحق لأهل الميت المسلم كحفيدته، وإن كان الأمر في الدولة على خلاف هذا فلا بأس باعتبار ما سميتموه رأي علماء الدين، فتجرى المراسم على الطريقة الكنسية ثم يقبر في مقابر المسلمين بعد ذلك ولا ينبغي أن تجرى المراسم الكنسية تلك إلا بعد أن تستنفذوا كل الوسائل القانونية الممكنة للعدول عنها فإن لم تنفع فيكون الأمر حينئذ من باب الضرورة الشرعية وارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما.(16/65)
أما كون الميت مسلماً بالوراثة فيكفي هذا لتجري عليه أحكام المسلمين في الحياة وبعد الموت ما دام أنه في الدنيا يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويؤدي أركان الإسلام ولو ترك بعضها تهاوناً وكسلاً لا جحوداً، وقد جاء في الأثر "اذكروا محاسن موتاكم".
أما كون الزوجة النصرانية حولت قضية دفن زوجها إلى قضية عامة وقامت تحارب الإسلام في وسائل الإعلام فاعلموا أنها ليست أول من ناصب دين الإسلام العداء، ولن تكون آخر من يحاربه، فالله يقول في كتابه عن مثل هذا النوع من البشر: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير" [البقرة:120] ، واعلموا أن الله متكفل بحماية هذا الدين رغم حقد الحاقدين وحسد الحاسدين، بقوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" [الحجر:9] وقوله سبحانه: "وإن جندنا لهم الغالبون" [ص:173] . وفقنا الله وإياكم للحق وثبتنا، وأماتنا عليه غير محرفين ولا مبدلين ولا مغيرين ولا خزايا ولا مفتونين آمين.(16/66)
هل كان للرسول صلى الله عليه وسلم ظل؟
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 06/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
إن الله بعث إلينا رسوله الكريم محمدًا صلى الله عليه وسلم وأيده بمعجزات كثيرة، فهل حقًّا كان من هذه المعجزات أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن له ظل، يعني أنه عندما كان يقف في الشمس لم ير له ظل، وهل نستطيع أن نعرف كل معجزاته صلى الله عليه وسلم؟ أثابكم الله وأبقاكم الله في خدمة الإسلام والمسلمين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
دلت الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خَلْقًا وأكملهم صورة، وأتمهم جمالًا، وأجمعهم للمحاسن الدالة على كماله، وأيده الله سبحانه وتعالى بالآيات العظيمة والمعجزات الباهرة، وأما ما ورد من صفته أنه ليس له ظل فلم أقف له على إسناد يعتمد عليه، ولم يذكرها الأئمة الذين يعتنون بذكر صحيح الأخبار في مصنفاتهم المشهورة، وإنما ذكرها الحكيم الترمذي وابن سبع وغيرهما ممن لا يعتنون بتمحيص الأحاديث، ويوردون الأحاديث الواهية والموضوعة؛ قال السيوطي في الخصائص الكبرى (1/116) : أخرج الحكيم الترمذي، عن ذكوان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يُرى له ظل في شمس ولا قمر. قال ابن سبع: من خصائصه أن ظله كان لا يقع على الأرض، وأنه كان نورًا، فكان إذا مشى في الشمس أو القمر لا ينظر له ظل. قال بعضهم: ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه: "وَاجْعَلْنِي نُورًا". أخرجه مسلم (763) .(16/67)
وقد اعتنى الأئمة- رحمهم الله- بجمع معجزات النبي صلى الله عليه وسلم أو دلائل نبوته، وحاولوا الاستقصاء، ومن أوسع المصنفات في هذا الفن كتاب (دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة) لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 هـ) ، حيث توسع في ذكر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله، ثم في أثناء الكتاب تحدث عن دلائل النبوة، فخصص لها قدرًا من الكتاب، قال- رحمه الله: (جماع أبواب دلائل النبوة ما ظهر منها على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من وقت الولادة إلى أن بعث بالرسالة، ثم من وقت الرسالة إلى وقت الهجرة، ثم من وقت الهجرة إلى آخر مغازيه المعروفة وأسفاره المشهورة) . ثم جعل يسرد دلائل النبوة بتوسع، وخصص الحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية فصلًا لدلائل النبوة، توسع في إيراد الأحاديث الدالة على دلائل النبوة، وهو من أنفع ما كتب في هذا الموضوع؛ لعنايته بانتقاء الأحاديث وعزوها إلى مصادرها، وقسم دلائل النبوة إلى قسمين: دلائل معنوية، ودلائل حسية. فذكر من الدلائل المعنوية إنزال القرآن العظيم، حيث قال: (وهو أعظم المعجزات وأبهر الآيات، وأبين الحجج الواضحات. . . فالقرآن العظيم معجز من وجوه كثيرة من فصاحته وبلاغته وتراكيبه وأساليبه، وما تضمنه من الإخبار بالغيوب الماضية والمستقبلة، وما اشتمل عليه من الأحكام المحكمة الجلية. . .) . ثم ذكر الدلائل الحسية، ومنها انشقاق القمر، وتكثير الطعام، وحنين الجذع، وتسبيح الحصى، وانقياد الشجر للرسول صلى الله عليه وسلم، ونبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر ما يتعلق بالحيوان من دلائل النبوة، مثل: قصة الذئب وشهادته له بالرسالة، ثم ذكر إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن الغيوب الماضية والمستقبلية والتي وقعت كما أخبر بها، وغير ذلك مما يدخل تحت دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام. هذا والله أعلم.(16/68)
اتخاذ القبر مسجداً
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/05/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
ما معنى: اتخاذ القبر مسجدا؟ هل هو أن يصلي الناس إليه أو أن يعبدوا القبر أو هو مطلق الصلاة في المكان الذي فيه قبر؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
- معنى اتخاذ القبر مسجداً: الصلاة عنده، وإن لم يبن عليه مسجداً، فكل موضع قصد للصلاة فهو مسجد؛ لعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" رواه البخاري (335) .
- فإن بنى على القبر مسجداً، فالأمر أعظم؛ لأنه يفضي إلى الشرك بعبادة غير الله، وتعظيم المقبور تعظيماً شركياً، ولهذا حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته من هذا الصنيع في سكرات الموت، كما روت عائشة - رضي الله عنها-، قالت: لما نُزل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها، فقال وهو كذلك: "لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً، متفق عليه عند البخاري (1330) ، ومسلم (529) ..
- أما الصلاة إليه، وعبادته، فهو الشرك بعينه، بخلاف اتخاذه مسجداً، فهو ذريعة إلى الشرك، لقصده الصلاة عنده.
- وكثير من الجهال يظن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دفن في مسجده، فصاروا يحاكون ذلك، ويدفنون معظميهم في مساجدهم، وإنما دفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قُبض في بيته، في حجرة عائشة المحاطة بجدران تفصلها عن المسجد، لكن لما جرى ما جرى عبر القرون من توسعة مسجده صلى الله عليه وسلم، بدأ وكأن الحجرة النبوية كالمقامات والمزارات المعروفة، فالتبس الأمر على الجهال. والله أعلم.(16/69)
زكاة المدخر المقتطع من الراتب
المجيب د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
أود السؤال عن الزكاة، يوجد لدينا عن طريق العمل ادخار، حيث يتم شهرياً اقتطاع 15% من الراتب، والبرنامج مدته 10 سنوات، حيث تجمع للموظف ويحق له السحب منها عند الحاجة مرتين خلال هذه المدة، وبعد الانتهاء تقدم الشركة مكافأة للموظف 10% عن كل سنة، حيث في النهاية يحصل على 100% من ما تم ادخاره، فما الحكم في هذا؟ وهل فيه زكاة عن كل سنة أو عند نهاية المشروع، مع العلم بأنني مقترض من البنك بالمرابحة، ولدي قرض بمبلغ 80 ألف ريال. بالإضافة إلى قرض من أحد الأقارب بمبلغ 50 ألف ريال.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فالمال الذي تقتطعه الشركة من مرتبك لا زكاة فيه؛ لأن من شروط الزكاة تمام الملك، وملكك لهذا المال ناقص، ولكن إذا قبضته فتستأنف به حولاً، فما حال عليه الحول مما تقبضه فتزكيه. والله أعلم.(16/70)
الكفر البواح المجيز للخروج على السلطان
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قد علمنا من أحاديث رسول لله صلى لله عليه وسلم المتواترة أنه نهى عن الفتنة وشق عصا الطاعة، والخروج على ولاة الأمور، لكنه أوقف ذلك حين ظهور كفر بواح؟ سؤالي هو: ما هذا الكفر البواح؟ بارك لله فيكم ونفعنا الله وإياكم بما علمكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فالكفر البواح هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث عبادة بن الصامت، رضي الله تعالى عنه، المتفق على صحته، وفيه: دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ، فَكانَ، فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَى "السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ". صحيح البخاري (7056) وصحيح مسلم (1709) . قال الخطابي: معنى "بواحًا" يريد ظاهرًا باديًا، من قولهم: باح بالشيء يبوح به بواحًا. إذا أذاعه وأظهره، وجاء في بعض الروايات: "بَرَاحًا". بالراء، وعند الطبراني- كما في الفتح 13/8: "كفرًا صُرَاحًا". وعند البزار (2698) : "إِلَّا أنْ يَأْمُرُوكَ بِالْكُفْرِ صُرَاحًا". وكلها بمعنى واحد، ويدل على معنى البواح آخر الحديث. " عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ ". أي نص آية، أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل، وقد جاءت أحاديث أخر تشير إلى بعض صور هذا الكفر البواح، منها قوله صلى الله عليه وسلم: "..... لَا، مَا صَلَّوْا". أخرجه مسلم (1854) . و: ".... مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ". أخرجه مسلم (1855) . و: " ... وَلَوْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا". أخرجه مسلم (1838) . ولكن مع وجود الكفر الصراح الواضح البيِّن الذي عندنا فيه من الله دليل صريح، فإنه لا يجوز الخروج على السلطان إلا إذا كان هناك قدرة واستطاعة، وإلا فيجب الصبر حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر، وقَلَّ مَن خرج عن إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد فيه الخير، فلا يُهدم أصل المصلحة شغفًا بمزاياها كمن يبني قصرًا ويهدم مصرًا. والله تعالى أعلم.(16/71)
كيف يزكي أرضه التجارية؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 13/09/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد قمت بشراء أرض بغرض التجارة مع مجموعة من الشركاء الآخرين، وأنا أمتلك هذه الأرض منذ ثلاث سنين ولم أزكِّ عنها لاعتقادي بعدم وجوب الزكاة عليها، وكذلك شركائي، وسؤالي هو: هل تجب الزكاة على هذه الأرض؟ وإذا كان كذلك فهل تخرج سنويًّا؟ وعلى ماذا تكون الزكاة: على القيمة الحالية للأرض أم على السعر الأصلي؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
نعم تجب الزكاة على هذه الأرض ما دامت اشتُريت للتجارة، وبلغ نصيب كل واحد منكم نصابًا أو بضمه مع ما يملكه من النقدين أو عروض التجار يكون نصابًا. وتخرج الزكاة سنويًّا، وتكون على ما تساويه الأرض حالاً بصرف النظر عن قيمة الشراء أو قيمة البيع، وإنما حسب قيمتها وقت وجوب الزكاة، فمثلاً اشتريتها بمائة، عند تمام الحول صارت تساوي ألفين، فتزكي ألفين، وعند تمام الحول الثاني من السنة الثانية صارت تساوي ألفًا وخمسمائة، فتزكي ألفًا وخمسمائة، وعند تمام الحول في السنة الثالثة مثلاً صارت تساوي ثلاثة آلاف فتزكي ثلاثة آلاف، وهكذا. والله أعلم.(16/72)
إزالة شعر العورة بالليزر
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/10/1425هـ
السؤال
امرأة تعاني من مشكلة في إزالة شعر العانة وما حوله بالطرق المعتادة عند النساء (الحلق، النتف) ، حيث تسبب لها آلامًا شديدة لا تستطيع احتمالها، وقد ظهرت الآن أجهزة طبية تزيل الشعر بالليزر على يد طبيبة (امرأة) بيسر وسهولة وهي مأمونة طبيًّا، وبعدة جلسات يصبح نمو الشعر ضعيفًا بل لا يكاد يكون له وجود، وهذا ليس له ضرر أبدًا على الجلد، كما يقول الأطباء المسلمون. فهل يجوز أن تكشف هذه المرأة جزءًا من عورتها لدى طبيبة مسلمة لتنقذها من هذه المشكلة مع الشعر؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إذا كانت المرأة تعاني آلامًا شديدة من إزالة شعر العانة بالطرق المعتادة، ولم يوجد هناك وسائل أخرى تستطيع بها المرأة إزالة الشعر من مكانه، فيظهر لي، والله أعلم- جواز إزالة الشعر بالليزر بشرط ألا يترتب على إزالته في هذه الحالة ضرر، وبشرط أن تتولاه طبيبة، وألا يتعدى الكشف موضع الحاجة، وأن تكون هذه الجلسات بقدر الحاجة، فالحاجة تقدر بقدرها؛ وذلك دفعًا للضرر الواقع على هذه المرأة، والضرر يزال لعموم حديث: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ". أخرجه أحمد (2865) وابن ماجه (2341) . والحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامةً كانت أو خاصةً. والله أعلم.(16/73)
هل لقن النبي -صلى الله عليه وسلم- عند موته؟
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 06/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
إذا كان تلقين المحتضر من الأمور المندوبة، فلماذا لم يرد أن عائشة، رضي الله عنها، لقنت الرسول صلى الله عليه وسلم عند احتضاره، ولم يرد أن الرسول صلى الله عليه وسلم تلفظ بالشهادة عند موته؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أخي: إن من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم محبته وتعظيمه وتوقيره وتعظيم أمره وسنته.
إن الذي أمر بتلقين الميت هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال: "مَن كَانَ آخِرَ كَلَامِه مِن الدُّنيا لَا إلهَ إلَّا اللهُ دخَل الجنَّةَ". أخرجه أبو داود (3116) . وقال أيضًا: "مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ". أخرجه مسلم (26) .
وحق على كل مؤمن برسالة هذا الرسول الكريم أن يتلقى هذا الأمر بالتعظيم والتسليم ولا يقابله بمثل هذا الإيراد الذي أوردته.
نحن مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مقام أن نتعلم منه ما هو مشروع لنا لا أن نعلمه ما هو مشروع له.
أما لماذا لم تلقنه عائشة لا إله إلا الله؟ فعليك أن تعلم أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء ليعلم البشرية كلها لا إله إلا الله، وقضى 23 سنة وهو يدعو إليها ويبلغها، فهل يمكن تصور أن يلقنه أحد لا إله إلا الله وهو إنما تعلمها منه، إن كل من قال لا إله إلا الله من أمته فإن له صلى الله عليه وسلم مثل أجره؛ لأنه هو الذي دل الأمة عليها- صلوات الله وسلامه عليه- أما لماذا لم يقلها صلى الله عليه وسلم فلأن الأنبياء عند الموت يخيرون وقد فهِمت هذا أمنا عائشة، رضي الله عنها، حيث كان آخر كلامه: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". أخرجه البخاري (4463) ومسلم (2444) . واختيار النبي صلى الله عليه وسلم لقاء ربه عند تخييره بقوله: "بَلِ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". متضمن معنى لا إله إلا الله، بل وأقوى دلالة منها بالنسبة لحال النبي صلى الله عليه وسلم تلك، وهي حال لا يشاركه فيها غيره من أمته، فأمته صلى الله عليه وسلم على ما شرعه لهم من جعل آخر الكلام في الدنيا لا إله إلا الله، وهو أفضل في حقهم، وقوله صلى الله عليه وسلم هو الأفضل في حقه، وختامًا فإن علينا أن ندخل على سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وهديه بقلب المعظِّم له، الموقر لمقام النبوة، المسلِّم بما قضى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.(16/74)
القول بأن رضا الله عن الصحابة منسوخ
المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/08/1425هـ
السؤال
ما ردكم حول ما يقول الشيعة من أن رضا الله الذي وقع على الصحابة الكرام-رضي الله عنهم- إنما وقع في لحظة البيعة فقط، مستدلين بوجود النسخ؟ أرجو أن تكون الإجابة بما أمكن من تفصيل. وشكراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أخبار الله -تعالى- لا يدخلها النسخ بالاتفاق؛ فقد أخبر تعالى بهلاك فرعون وأبي لهب، فلا يقول قائل إن ذلك قابل للنسخ، وهكذا إخباره تعالى عن صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم- برضاه عنهم في عدة مواضع لا يقبل النسخ؛ لأن القول بنسخ الأخبار تجويز للكذب على الله، وهذا كفر وردة "ومن أصدق من الله قيلا"، ثم إن الطعن في الصحابة -رضي الله عنهم- طعن في مقام النبي - صلى الله عليه وسلم- إذ إن ذلك يعني أنه لم يحسن تربيتهم وتزكيتهم، فهو دليل على فشله، ولا يقول ذلك مسلم، وعليه فما أخبر الله -تعالى- عنه يشهد له واقع الصحابة -رضي الله عنهم- وسيرتهم العطرة، فهم المهاجرون والأنصار، وأصحاب بدر والبيعة والمواقف المشهودة، وبسببهم بعد الله وصل الدين إلينا وإلى العالم. والله أعلم.(16/75)
هل يكفر ساب الصحابة رضي الله عنهم؟
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/11/1425هـ
السؤال
سب الصحابة، رضي الله عنهم، هل هو كفر؟ ويقول البعض إنه في عهد الأمويين كان يسب علي، رضي الله عنه، وقد أوقف عمر بن عبد العزيز ذلك، فما حكم سب الصحابة، رضي الله عنهم؟ وهل فعلًا كان يسب علي، رضي الله عنه، في تلك الفترة؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
سب الصحابة، رضي الله عنهم، على اعتقاد أنهم قد ارتدوا جميعهم إلا أربعة أشخاص كما يقوله: (الرافضة) - كفرٌ؛ لأنه يؤدي إلى تكذيب القرآن الذي أثنى عليهم وزكّاهم، كما قال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ... ) [الفتح: من الآية29] . فمن سبهم فقد أغاظوه ومن غيظ منهم فهو كافر.
وأما السبُّ لأحدهم على أمر دنيوي أو سبُّ بعضهم لبعض فليس كفرًا ولكنه معصية- يراجع كتاب الشفاء للقاضي عياض فقد فصل ذلك- وأما سب علي، رضي الله عنه، من بني أمية فأخبار تاريخ لا نستطيع تمييز صحيحها من كذبها، فلا يُعوَّل على ذلك.
وأما حديث مسلم (2404) والذي سأل فيه معاوية، رضي الله عنه، سعد بن أبي وقاص بقوله: (ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟) . فقال العلماء: سبه أي بيان خطئه في حربه له، أو أنه بلغه أنه كان في مجلس تناول أهله عليًّا، رضي الله عنه، بالسب أو بذكر الخلاف بينه وبين بني أمية وتخطئته فيها وسبه بسببها ونحو ذلك، فلم يشاركهم سعد، رضي الله عنه، فيما خاضوا فيه، فسأله عن امتناعه، هل لاقتناعه بأنه كان مصيبًا أم لشيء آخر؟ وإن وقع منهم سب لعلي، رضي الله عنه، فلا شك أن ذلك معصية وكبيرة من الكبائر سواء كان ذلك السب أو نحوه بنفس السبب لأبي بكر أو لعمر أو لعثمان، رضي الله عنهم، ولكن لا يسب الصحابة أو بعضهم إلا من في قلبه مرض، وأما ما كان يجري بين الصحابة، رضي الله عنهم، فهو مما يجري بين البشر المتعاصرين مما لا يكاد يخلو منه مجتمع من الخلافات، والله يغفر لهم؛ (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10] . والله الهادي.(16/76)
الاستدلال بالأبراج على معرفة صفات المولود
المجيب عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
عضوهيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/11/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ، حفظك الله.
ما رأيك في مسألة الاستدلال بالأبراج لمعرفة الصفات الأساسية للإنسان من خلال معرفة البرج المولود فيه بناء على النظرية الصينية أو الغربية التي تقول إن ذلك يتم بسبب الإشعاعات الكهرومغناطيسية التي تؤثر على الجنين في بطن أمه، كما يذكر المنظِّرون لهذا العلم.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
هذا الاستدلال داخل في دعوى علم الغيب، وعلم الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فمن ادعى أنه يعلم الغيب فقد كذب الله؛ لقوله سبحانه وتعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) [النمل: من الآية65] . ولقوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا* إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) [الجن: 27، 26] . فالاستدلال بالأبراج لمعرفة شيء خفي لا يمكن أن يدركه الإنسان هو من دعوى علم الغيب، ودعوى علم الغيب كفر وردة- والعياذ بالله- فلا يجوز للإنسان أن يستدل بالأبراج على أمور غيبية على معرفة صفات الإنسان الأساسية، أو معرفة سعادته، أو ما يؤول أمره، أو ما يحصل عليه في المستقبل، أو ما يحصل على أولاده وأهله، كل هذا من دعوى علم الغيب وهو محرم، وهذا يعتبر اقتباس شعبة من شعب النجوم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنْ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ". أخرجه أبو داود (3905) ، وابن ماجة (3726) . وقال ابن عباس، رضي الله عنهما، في قوم يكتبون أبا جاد، وينظرون في النجوم - يعني يستدلون به على دعوى علم الغيب والخفي- قال: (ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق) . والله أعلم.(16/77)
هل تؤثر الولادة أثناء الحج على صحته؟
المجيب د. هاني بن أحمد عبد الشكور
عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبد العزيز
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/12/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
امرأة ذهبت لأداء فريضة الحج، وأثناء أدائها مناسك الحج أنجبت طفلاً. السؤال: هل تؤثر ولادتها على صحة الحج على اعتبار أنها أصبحت غير طاهرة؟ وكذلك هل يعتبر المولود الجديد حاجاً؛ لأنه ولد في مكة المكرمة؟ أجيبونا عن هذا جزاكم الله خير الجزاء، وأسكنكم فسيح جناته، آمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لا تؤثر ولادة المرأة على أدائها لمناسك الحج إلا في أداء الطواف الذي يشترط له الطهارة، فإذا أدت السائلة جميع المناسك والطواف منها فحجها صحيح ولا شيء عليها، بشرط أن يكون أداؤها للطواف على طهارة كما سبق. أما بالنسبة للمولود فإن نوت عنه الحج ومكّنته من أداء المناسك فلها الأجر على ذلك، لكنه لا يكفي عن أداء فريضة الحج الواجبة؛ لأنه لا يجب عليه إلا بعد بلوغه، وتوفر باقي الشروط التي ذكرها أهل العلم في هذا الباب. والله أعلم.(16/78)
وقوع الطلاق دون توثيقه في المحكمة!
المجيب عبد العزيز بن أحمد الدريهم
رئيس كتابة العدل بمحافظة المزاحمية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/04/1427هـ
السؤال
ما هي إجراءات الطلاق؟
وهل تلك الإجراءات لازمة عندما يريد الزوجان أن يتفرّقا، أم لا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله، وبعد:
الطلاق الشرعي ليست له إجراءات لازمة، وإن كانت هذه الإجراءات فيها تنظيم، ولكن الشارع الحكيم علق الطلاق بأمور إذا وقعت وقع الطلاق، وهي أن يطلق الرجل زوجته وهي طاهر في طهر لم يجامعها فيه، ولا تكون في حال حيض، ولا تكون في حال نفاس.
وأن يكون الرجل مختارا وليس مكرهاً على هذا الفعل، فإذا وقع بهذه الصورة، فإن طلاقه واقع حتى وإن لم يسجله لدى الجهات الرسمية، وقد قال الله عز وجل: "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن" [الطلاق:1] . قد جاء في تفسير العدة هنا أنها كون المرأة طاهراً بلا جماع، فإذا طلقها فإن الطلاق واقع.(16/79)
درجةُ ما سكت عنه أبو داود في سننه من الحديث
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/01/1427هـ
السؤال
أرجو بيان صحة القول التالي: "بناءً على الشرط الذي وضعه أبو داود حين ألّف كتابه، فإنه عندما يسكت عن حديث يكون الحديث حسناً صحيحاً".
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
فقد ذكر أبو داود في رسالته إلى أهل مكة ما نصه: "ما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض" [رسالة أبي داود إلى أهل مكة في وصف سننه ص (27) ] .
وقد أخذ بعض العلماء من هذه العبارة أن ما سكت عنه أبو داود في سننه فهو حسن عنده، لاسيما وقد ذكر ابن كثير أن عبارة أبي داود: "وما سكت عنه فهو حسن"، لكن المشهور في النسخ المعتمدة لفظ: "صالح" لا "حسن"، والراجح: أن ما سكت عنه أبو داود في سننه لا يوصف بالحسن، بل لابد من النظر في الأحاديث التي سكت عنها والحكم عليها بما يليق بها.
ومما يؤكد ما سبق أن أبا داود قال في ضمن كلامه: "وما كان فيه وهنٌ شديد بينته"، فيفهم أن الذي يكون فيه وهن غير شديد لا يبينه، وقد حرر الحافظ ابن حجر هذه المسألة في كتابه النكت على ابن الصلاح، قال رحمه الله: "ما سكت عليه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن الاصطلاحي بل على أقسام: منه ما هو في الصحيحين أو على شرط الصحة، ومنه ما هو من قبيل الحسن لذاته، ومنه ما هو من قبيل الحسن إذا اعتضد، وهذان القسمان كثير في كتابه جداً، ومنه ما هو ضعيف، لكنه من رواية من لم يجتمع على تركه غالباً.
"وقال أيضاً: "ومن هنا يظهر ضعف طريقة من يحتج بكل ما سكت عليه أبو داود فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها مثل: ابن لهيعة، وصالح مولى التوأمة، وعبد الله بن محمد بن عَقِيل، وموسى بن وَرْدان، وسلمة بن الفضل، ودَلْهَم بن صالح وغيرهم، فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على أحاديثهم ويتابعه في الاحتجاج بهم، بل طريقه أن ينظر: هل لذلك الحديث متابع فيعتضد به، أو هو غريب فيتوقف فيه، لاسيما إن كان مخالفاً لرواية من هو أوثق منه، فإنه ينحط إلى قبيل المنكر، وقد يخرّج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير، كالحارث بن وجيه، وصدقة الدقيقي، وعثمان بن واقد العمري، ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني، وأبي جَناب الكلبي، وسليمان بن أرقم، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وأمثالهم من المتروكين.
وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة وأحاديث المدلسين بالعنعنة والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم، فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود، لأن سكوته تارة يكون اكتفاءً بما تقدم له من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه، وتارة لذهول منه، وتارة يكون لشدة وضوح ضعف ذلك الراوي، واتفاق الأئمة على طرح روايته، كأبي الحويرث ويحيى بن العلاء وغيرهما، وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه وهو الأكثر، فإن في رواية أبي الحسن بن العبد عنه من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤي، وإن كانت روايته أشهر"وقال:" فالصواب عدم الاعتماد على مجرد سكوته [ينظر: النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 435 - 445) . والله أعلم.(16/80)
الصلاة على المدين المماطل
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/10/1425هـ
السؤال
ما الحكم في الذين يستدينون من المحل ثم لا يدفعون ما عليهم من التزام؟ هل تجوز الصلاة على أحد منهم إذا مات؟ وهل يدفن في مقابر المسلمين؟ وهل يدخل الجنة؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
الذين يستدينون ثم لا يدفعون ما عليهم من التزام إن كانوا أغنياء فهذا ظلم؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مطل الغني ظلم يُحِلُّ عرضه وعقوبته"، وإذا مات من كان كذلك فإنه يُصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، لكن الإمام الأعظم لا يصلي عليه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- امتنع من الصلاة على مسلم مدين وقال: "صلوا على صاحبكم" حتى التزم أبو قتادة -رضي الله عنه- بدينه، فصلى عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأما دخوله الجنة فالذي ورد في ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" أخرجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة.
وأما إن كان معسراً فقد قال الله -تعالى-: "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة"، ويُرجى ألا يتناوله الحديث السابق حديث أبي هريرة، وكذلك يرجى ألا يدخل في الحديث السابق من بيَّت النية الحسنة بالأداء عند الاستدانة ثم مات قبل الأداء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله" أخرجه البخاري وغيره. والله أعلم.(16/81)
هل يستأنس الميت بمن يزور قبره؟!
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/07/1425هـ
السؤال
هل الميت يحس ويستأنس بزيارة الأحياء له؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فالأصل أن الميت إذا قبضت روحه وفارق الحياة فإنه يفقد الإحساس الذي يحس به الأحياء، فلا يسمع ولا يرى، وتتعطل جميع حواسه التي كان يحس بها في الدنيا.
قال تعالى:" إنك لا تسمع الموتى ... "، وقال - تعالى-:" وما أنت بمسمع من في القبور" وما يكون في الحياة البرزخية فهو من الأمور الغيبية التي لا سبيل إلى معرفتها إلا عن طريق الوحي المعصوم أي: ما دل عليه الدليل من الكتاب والسنة الصحيحة.
واستثني من هذا الأصل سماع أهل القليب للنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر، وقوله - صلى الله عليه وسلم-:" هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً"، وقوله لأصحابه:" ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" حينما استنكروا نداءه لهم.
وكذلك يستثنى من هذا الأصل سماع الميت قرع نعال المشيعين لجنازته لثبوت الدليل على ذلك.
أما الآثار التي وردت بأن الميت يحس بزائره ويستأنس به فهي لا تثبت، وأسانيدها واهية لا تصلح للاحتجاج، وقد ذكر ابن القيم في (الروح) ، والقرطبي في (التذكرة) كثيراً منها.
ومما يدل على عدم إحساس الميت بزائره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر العلل والحكم من زيارة القبور لم يذكر منها استئناس الميت بزائرين، وإنما ذكر أنها:
1- تذكر الآخرة، كما عند أبي داود والنسائي.
2- ترقق القلب، وتدمع العين، كما عند الحاكم.
3- تزهد في الدنيا كما في حديث ابن مسعود.
4- تذكر الموت كما عند مسلم.
أما الميت فلا ينتفع إلا بالدعاء، سواء وقت الزيارة أو بعيداً عن القبر، لكن الزيارة تذكره بالميت فيدعو له.
أما حديث عمرو بن العاص ووصيته بأن يقيموا حول قبره قدر ما تنحر الجزور، ويقسم لحمها حتى يستأنس بهم، وينظر ماذا يراجع به رسل ربه، فهذا وإن كان في صحيح مسلم إلا أنه موقوف على عمرو بن العاص، ولم يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو اجتهاد منه -رضي الله عنه- ولم يذكر دليله على ذلك، والله - تعالى- أعلم.
وعلى كلٍ فسماع الأموات مسألة خلافيه بين العلماء قديماً وحديثاً، والله أعلم.
يحسن الرجوع إلى فتوى اللجنة الدائمة رقم (1727 الجزء 1 / 477) جمع أحمد الدويش. انتهى.(16/82)
تأويل آيات الصفات
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
سؤالي هو: ماذا تفسرون تأويل بعض الصحابة-رضي الله عنهم- وبعض التابعين بإحسان من القرون المفضلة لبعض آيات وأحاديث الصفات؟ فقد ثبت عن ترجمان القرآن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه أول آية "يوم يكشف عن ساق"، وقال هذه كناية عن هول الموقف وشدته، أو بما معناه، لكنه لم يثبت هذه الصفة صفة (الساق) ، وكذلك تأويلات بعض العلماء الجهابذة كالنووي وابن حجر وغيرهما، وقرأت عن بعض علماء الأشاعرة كالرملي وغيره أن الله ليس موجوداً في زمان ولا مكان. واستدلوا بقول الإمام علي- رضي الله عنه- الذي يقول: (كان الله ولا مكان وهو الآن على ما هو عليه كان) ، وحكوا عن علي بن الحسين زين العابدين أنه كان يقول: (سبحانك لا يحويك مكان) ، وقالوا إن تلك الروايات ثابتة ومروية عن كثير من الأئمة كأبي حنيفة والطبري والماتريدي والأشعري، ومفاده أن مذهب أهل السنة والجماعة أن الله موجود بلا مكان ولا زمان. هل هذا الكلام صحيح؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
يعتقد أهل السنة والجماعة أن من الإيمان بالله سبحانه الذي أمر الله به ورسوله: الإيمان بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل؛ ولهذا فهم يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير؛ فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسمائه وآياته، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سمي له، ولا كفو له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه..(16/83)
قال الإمام أحمد – رحمه الله -: (لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا يتجاوز القرآن والحديث) [ينظر: المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد ص (116) ] ، وقال نعيم بن حماد – شيخ البخاري -: (من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم تشبيه) [العلو للذهبي ص (116) ] ، وقال الأوزاعي – رحمه الله -: (كنا – والتابعون متوافرون – نقول: إن الله فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته) [ينظر: الأسماء والصفات للبيهقي ص (408) ] ، وقال الإمام الشافعي – رحمه الله -: (لله أسماء وصفات لا يسع أحد جهلها، فمن خالف بعد ثبوت الحجة عليه كفر، وأما قبل قيام الحجة فيعذر بالجهل) [ينظر: مناقب الشافعي للبيهقي (1/412) ] وقال ابن عبد البر – رحمه الله -: (أهل السنة مجتمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز؛ إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك، وأما أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والخوارج فينكرونها ولا يحملونها على الحقيقة ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أقر بها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به الكتاب والسنة وهم أئمة الجماعة) [ينظر: التمهيد لابن عبد البر (7/145) ] ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومذهب سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل؛ فلا يجوز نفي صفات الله التي وصف بها نفسه، ولا يجوز تمثيلها بصفات المخلوقين، بل هو سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [ينظر: مجموع الفتاوى (5/195) ] ، وقال الحافظ ابن رجب: " والصواب ما عليه السلف الصالح من إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تفسير لها، ولا تكييف، ولا تمثيل، ولا يصح عن أحد منهم خلاف ذلك البتة) [ينظر: فضل علم السلف على الخلف لابن رجب ص (22) ] ، وسلف هذه الأمة وأئمتها يثبتون علو الله وفوقيته وأنه تعالى فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه وهم بائنون منه، وهو سبحانه مع العباد بعلمه ومع أوليائه بالنصر والتأييد، وأدلة ثبوت علو الله وفوقيته لا يمكن حصرها، حيث دل العقل والفطرة والكتاب والسنة على علو الله عز وجل، ومن ذلك: نصوص الاستواء والنزول والرؤية وصعود الأعمال إليه والروح والملائكة، وأنه في السماء، ونزول القرآن، وتنزل الملائكة، والتصريح بالفوقية وغير ذلك كثير جداً، وقد استقر في فطرة بني آدم علو الله، وقصدهم له سبحانه وتعالى عند الحاجات التي لا يقصد فيها إلا هو، وذلك في دعاء العبادة ودعاء المسألة لا يكون إلا إلى جهة العلو، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ذكر محمد بن طاهر المقدسي، عن الشيخ الجليل أبي جعفر الهمداني، أنه حضر مجلس أبي المعالي الجويني، وهو يقول: (كان الله، ولا عرش ولا مكان وهو على ما كان عليه قبل خلق المكان أو كلام من هذا المعنى، فقال: يا شيخ دعنا من ذكر العرش، أخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، فإنه(16/84)
ما قال عارف قط: يا الله إلا وجد من قلبه ضرورة، بطلب العلو، ولا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف ندفع هذه الضرورة عن قلوبنا؟، فصرخ أبو المعالي، ولطم رأسه، وقال: حيرني الهمداني، حيرني الهمداني) [ينظر: كتاب الاستقامة (1/167) ] وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، وقد تعلق نفاة العلو: بأن الله – تعالى – لو كان في مكان لأشبه المخلوقات لأن ما أحاطت به الأمكنة فهو مخلوق، فيقال: هذا نشأ عن القياس الفاسد والتشبيه المستكن في نفوس هؤلاء إذ لو آمنوا بأن الله على كل شيء قدير وأنه ليس كمثله شيء ما انطلت هذه الشبه وهذا الهراء على نفوسهم، ويقال أيضاً: ألستم تقرون بأن الله – تعالى – موجود قبل خلق الكون فهو تعالى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان الله، ولم يكن شيء غيره" أخرجه البخاري (3191) ، ونحن وأنتم وكل العقلاء لا نعقل وجود أحد منا إلا في مكان، وما ليس في مكان فهو عدم، والله بخلاف ذلك، فلا يجوز أن يقاس بخلقه كما فعلتم، قلتم: لو كان في مكان لأشبه خلقه، فإن زعموا أنه يلزم من كونه تعالى في العلو التغير والانتقال لأنه تعالى كان ولا مكان فلما خلق المكان صار في العلو، فزال عن صفته في الأزل وصار في مكان، قيل: وأنتم يلزمكم أقبح من ذلك، وهو زعمكم أنه – تعالى – كان لا في مكان ثم صار في كل مكان فقد تغير عندكم معبودكم وانتقل من لا مكان إلى كل مكان، وهذا لازم لكم، لا انفكاك لكم منه، وقولهم: كان الله، ولا مكان وهو الآن على ما كان عليه قبل خلق المكان كلام فاسد متناقض وذلك أن النفاة للاستواء والعلو على قسمين، قسم يقول: إن الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف ولا داخل العالم ولا خارجه وهذا لا يفهم منه إلا العدم المحض، فليس له وجود فعلي على هذا الوصف، فهو إذاً ليس له مكان أصلاً، إذ لا وجود له، وقسم يقول: إنه في كل مكان، فيلزم أنه كان في كل مكان، قبل خلق المكان، فهو إذاً في هذا الكون كله، قبل خلقه له، وهذا قول ظاهر الفساد، إذ معناه: كان في الأمكنة قبل خلقها، فالحق أن الله ليس كمثله شيء لا في نفسه ولا في فعله ولا في صفاته، ولا في مفعولاته، فإذا رام الإنسان أن ينفي شيئاً مما يستحقه، لعدم نظيره في الشاهد المحسوس، صار ما يثبته بدل نفيه أبعد عن المعقول والمشهود [ينظر: بيان تلبيس الجهمية (1/147) ] ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (افترق الناس، في علو الله، واستوائه أربع فرق: الأولى: الجهمية النفاة، يقولون: ليس داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت وجميع الطوائف من أهل البدع يتمسكون بنصوص، إلا الجهمية، وقسم ثان منهم يقولون: إنه بذاته في كل مكان، ويدخل فيهم الأشاعرة، وهؤلاء هم الفرقة الثانية، الثالثة: من يقول: إنه فرق العرش، وهو في كل مكان ويزعم أنه بذلك يجمع بين النصوص، الرابعة: المتبعون للكتاب والسنة، الذين أثبتوا ما أثبته الله ورسوله، من غير تحريف، فآمنوا بأن الله فوق سماواته مستوٍ على عرشه) [ينظر: مجموع الفتاوى (5/229-231) ] والحاصل أن الحق فيما ذهب إليه أهل السنة، وأن علو الله ثابت بالكتاب والسنة والفطرة وصريح العقل، والأدلة عليه لا تحصى، وليس بين علو الله واستوائه على عرشه وبين معيته(16/85)
لخلقه ولأوليائه وأنبيائه وقربه منهم تعارض.(16/86)
وأما القول بوجود تأويل لبعض الصفات عن الصحابة والتابعين بمعنى التأويل عند المتأخرين وهو صرفها عن ظاهرها فهذا لم يرد عن أحد منهم، وليس ما جاء عن ابن عباس –رضي الله عنهما- من باب التأويل بل فهم منها ابن عباس أنها ليست نصاً في الصفات، إذ لا يعرف عن الصحابة تأويل شيء من نصوص الصفات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن جميع ما في القرآن من آيات الصفات فليس عن الصحابة اختلاف في تأويلها، وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة وما رووه من الحديث ووقفت من ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار أكثر من مائة تفسير فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئا من آيات الصفات أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف.... وتمام هذا أنى لم أجدهم تنازعوا إلا في مثل قوله تعالى: "يوم يكشف عن ساق" فروى عن ابن عباس-رضي الله عنهما- وطائفة أن المراد به الشدة أن الله يكشف عن الشدة في الآخرة، وعن أبى سعيد وطائفة أنهم عدوها في الصفات للحديث الذي رواه أبو سعيد في الصحيحين، ولا ريب أن ظاهر القرآن لا يدل على أن هذه من الصفات فإنه قال: "يوم يكشف عن ساق" نكرة في الإثبات لم يضفها إلى الله ولم يقل عن ساقه، فمع عدم التعريف بالإضافة لا يظهر أنه من الصفات إلا بدليل آخر، ومثل هذا ليس بتأويل، إنما التأويل صرف الآية عن مدلولها ومفهومها ومعناها المعروف) [ينظر: مجموع الفتاوى (6/394) ] ، وقال ابن القيم – رحمه الله -: (إن أهل الإيمان قد يتنازعون في بعض الأحكام، ولا يخرجون بذلك عن الإيمان، وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام وهم سادات المؤمنين، وأكمل الأمة إيماناً، ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة، كلمة واحدة، من أولهم إلى آخرهم، ولم يسوموها تأويلاً، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلاً، ولم يبدوا لشيء منها إبطالاً، ولا ضربوا لها أمثالاً، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها، ولم يقل أحد منهم: يجب صرفها عن حقائقها، وحملها على مجازها، بل تلقوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم وجعلوا الأمر فيها كلها أمراً واحداً، وأجروها على سنن واحدة) [إعلام الموقعين (1/51- 52) ] ، والحاصل أن بعض الآيات والأحاديث يفهم من سياقها والقرائن المحتفة بها أنها ليست نصاً في الصفات، فتفسر بما يفهم من المقصود بها مثل قوله تعالى: (فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) [البقرة:115] ، ومثل قوله تعالى: "أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ" [الزمر:56] ، وقوله تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ" [يس:71] قال الحافظ ابن رجب – معلقاً على قوله تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً": (وليس المراد هنا الصفة الذاتية – بغير إشكال -، وإلا استوى خلق الأنعام وخلق آدم عليه السلام) [فتح الباري لابن رجب (1/7) ] ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والصواب في كثير من آيات الصفات وأحاديثها: القطع بالطريقة الثابتة(16/87)
كالآيات والأحاديث الدالة على أن الله - سبحانه وتعالى - فوق عرشه ويعلم طريقة الصواب في هذا وأمثاله، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع على ذلك؛ دلالة لا تحتمل النقيض، وفى بعضها قد يغلب على الظن ذلك مع احتمال النقيض، وتردد المؤمن في ذلك هو بحسب ما يؤتاه من العلم والإيمان، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) [ينظر: مجموع الفتاوى (5/117) ] ، وأما ما يوجد من تأويل عند بعض العلماء مثل النووي وابن حجر وغيرهما فهذا بسبب تأثرهم بمذهب الأشاعرة حيث تلقوا هذا المذهب عن شيوخهم فرأوا أنه هو الحق الذي يجب اتباعه، والمسلم عليه أن يتبع الحق والصواب وما عليه سلف الأمة ويعرف الرجال بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال، ويعتذر لمن أخطأ من أهل العلم وينتفع من علومهم ومعارفهم فيما أصابوا فيه، وأما ما ورد من الأقوال المنسوبة لعلي وزين العابدين وأبي حنيفة فحسب اطلاعي لا تصح عنهم، هذا والله أعلم.(16/88)
عقيدة البداء
المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/07/1425هـ
السؤال
لماذا يحرم الاعتقاد بعقيدة البداء؟ وما حكمها؟ ولماذا لا يعتبر حديث تحويل الصلاة من خمسين صلاة لخمس صلوات تناقضاً مع عقيدتنا في البداء؟ وما الفرق بين النسخ والبداء؟ وشكراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن البداء معناه: التغير في العلم من حال إلى حال.
كالظهور بعد الخفاء، كقوله -تعالى-: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" [البقرة:284] ، وقوله: "وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون" [الزمر:47] أي: ظهر لهم من الله ما لم يكونوا يتوقعونه
وكاستحداث رأي جديد وإنشائه، كقوله -تعالى-: "ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين" بمعنى: ثم نشأ لهم رأي جديد غير الرأي السابق.
والتغير في العلم يصح إطلاقه في حق البشر، فإذا ظهر للإنسان ما كان خافياً عليه، أو نشأ له رأي جديد قيل في حقه: (قد بدا له)
أما بالنسبة لله فإن التغير في العلم (البداء) بمعنييه السابقين لا يصح نسبته إليه، بل إن ذلك كفر -والعياذ بالله-
وذلك أن البداء يستلزم أن يكون مسبوقاً بالجهل، والجهل صفة نقص ينزه الله -تعالى- عنها؛ لأنه يناقض صفة علم الله المحيط بكل شئ، والشامل لكل شيء، والسابق على كل شيء، والذي لم يسبق بجهل ولا يلحقه جهل ولا نسيان..، والقول بالبداء مستلزم لوصف الله بالجهل والعياذ بالله من ذلك، فكان القول به في حقه سبحانه كفراً.
أما بالنسبة لعلم البشر فهو مسبوق بالجهل ويلحقه الجهل والنسيان..، فلا ضير أن يقال للمخلوق: (قد بدا له) .
والذين قالوا بالبداء في حق الله -تعالى- هم اليهود المغضوب عليهم، والمعروفون بنسبة القبائح إلى الله تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً وفي توراتهم المحرفة أشياء كثيرة من ذلك.
كما اشتهرت نسبة القول بالبداء إلى فرقة الكيسانية أو المختارية (كلاهما فرقة واحدة) ، واستقر القول بهذه العقيدة في مذهب الرافضة، وكتبهم مليئة بالروايات المقررة لهذه العقيدة الباطلة (راجع-على سبيل المثال- أصول الكافي وبحار الأنوار) ، وقد حاول بعض علمائهم تبرير القول بهذه العقيدة بتأويلها تأويلات تبعد الشنعة عنهم، إلا أنهم لم يفلحوا في ذلك، إذ المقرر في كتبهم يناقض هذه التبريرات.
والذي دعاهم للقول بها: أنهم ينسبون لأئمتهم أخباراً تتحدث عن المستقبل، فيأتي الواقع مكذباً لها، ويَعِدون أتباعهم بأمور ستحدث في المستقبل، كانتصارهم على أعدائهم، وحصول الغلبة لهم عليهم، وقد يحددون ذلك بتواريخ معينة، فيكذب الواقع كل ذلك، فيقعون في مأزق التناقض بين الإخبار بالغيب والوعد بأمور مستقبلية، وبين الواقع المحسوس، لذا أرادوا إزالة هذا التناقض وإبعاد صفة الكذب عنهم، وأنهم صادقون فيما أخبروا به، وليسوا بمتناقضين، فنسبوا ذلك التناقض والكذب إلى الله، ولكن عدّلوا في العبارة فقالوا: (قد بدا لربكم) تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، فنزهوا أنفسهم عن الكذب والتناقض ونسبوا ذلك إلى الله.
وأما النسخ:(16/89)
فهو لغة: الرفع والإزالة ومنه: نسخت الشمس الظل أي أزالته، ونسخ الكتاب أي رفع منه إلى غيره.
واصطلاحاً: رفع حكم دليل شرعي متقدم أو لفظه بدليل من الكتاب والسنة متأخر عنه.
والمراد بقوله: (رفع الحكم) : تغييره من إيجاب إلى إباحة أو من إباحة إلى تحريم..
والمراد بقوله: (أو لفظه) لفظ الدليل؛ لأن النسخ قد يكون للحكم دون اللفظ، وقد يكون للفظ دون الحكم، وقد يكون لهما جميعاً.
والمقصود بقوله: (بدليل من الكتاب والسنة) إخراج ما عداهما كالإجماع والقياس.
والمتقدم يسمى منسوخاً والمتأخر يسمى ناسخاً.
والنسخ واقع في الشرع كتاباً وسنة. قال تعالى: "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ منْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" [البقرة:106] .
حيث يشرع الله حكمًا مؤقتاً بوقت محدد في علم الله، ثم عند انقضائه ينسخه -سبحانه-؛ إما بحكم جديد؛ وإما إلى غير بدل، ولله الحكمة البالغة.
وقد ألف العلماء في الناسخ والمنسوخ كتباً عديدة سواء في القرآن أو في السنة، وبعضها مطبوع متداول.
أما الفرق بين النسخ والبداء:
فهو أن النسخ ليس مسبوقاً بالجهل، ولا هو من لوازمه، بل علم الله سابق على النسخ، والله عالم بما يشرع من أحكام، حتى إذا انقضت المدة التي جعلها الله لذلك الحكم نسخه بما سبق في علمه أنه سيكون.
أما البداء فإنه يستلزم سبق الجهل، وهذا مناف لكمال الله -تعالى- فلا يجوز القول بما يؤدي إلى نفي كمال الله أو إثبات نقص في حقه -سبحانه وتعالى-.
والعجب من اليهود -إذ تحكي عنهم كتب الأصول - أنهم لا يقولون بالنسخ، مع أنهم-كما سبق - يقولون بالبداء.
وسبب إنكارهم للنسخ حتى لا يلزمهم الاعتراف بنسخ شريعة عيسى لما جاء به موسى -عليهما السلام-، وبالتالي إنكار نسخ شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم - لدينهم.
أما السؤال الثاني:
وهو قوله: (لماذا يحرم الاعتقاد بعقيدة البداء؟ وما حكمها؟ ولماذا لا يعتبر حديث تحويل الصلاة من خمسين صلاة لخمس صلوات تناقضا مع عقيدتنا في البداء؟)
أما قوله: (لماذا يحرم الاعتقاد بعقيدة البداء؟) فلما تقدم من استلزام ذلك سبق الجهل في حق الله، وذلك محال في حقه -تعالى-، كما سبق بيانه.
وأما قوله: (وما حكمها؟) فقد أجاب السائل بنفسه وهو التحريم، بل إنها كفر بالله والكفر بالله أكبر المحرمات.
وأما قوله: (ولماذا لا يعتبر حديث تحويل الصلاة من خمسين صلاة لخمس صلوات تناقضًا مع عقيدتنا في البداء؟)
فنقول: بعد أن عرفت معنى البداء، وأنه لا يجوز القول به في حق الله -تعالى-، فإن ما حدث ليلة الإسراء بخصوص فرضية الصلاة ليس من قبيل البداء، والذي هو بمعنى (بدا لله بعد أن فرض الصلوات خمسين أن يخففها حتى صارت خمساً) ، ولا يعد ذلك تناقضاً مع اعتقادنا بحرمة البداء على الله، وإنما ذلك من قبيل النسخ، والتدرج في التشريع، وذلك جائز وواقع، وكله وفق علم الله -تعالى-، والله أعلم وأحكم.(16/90)
باع أرضه فهل عليه زكاة؟
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/10/1425هـ
السؤال
اشتريت قطعة أرض، ثم عرضتها للبيع، وبيعت بعد عرضها للبيع بمدة زمنية تقدر بسنة وثلاثة أشهر تقريبًا، بمبلغ وقدره مائتان وأربعون ألف ريال سعودي، فهل تجب على هذه الأرض المباعة زكاة؟ علمًا أنه كان في نيتي إذا لم تبع أن أبني عليها سكنًا، وكنت أنوي إذا بيعت أن تكون قيمتها دفعة لشراء منزل جاهز أو شراء أرض أخرى في مخطط سكني أفضل بالنسبة لي. أفيدونا مأجورين، ولكم جزيل الشكر.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فتجب الزكاة في الأرض المذكورة لسنة واحدة؛ لأنك ذكرت أنها بقيت بعد عرضها للبيع سنة وثلاثة أشهر، وبناء عليه فقد حال عليها الحول من حين عرضتها للبيع، وقد روى أبو داود (1562) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ. والله تعالى أعلم.(16/91)
هل له أن يغسِّل أمه المتوفاة؟
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/09/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ، حفظكم الله: هل يجوز للرجل أن يغسِّل أمه إذا ماتت عند عدم وجود نساء أخريات للقيام بتغسيلها؟ وإذا جاز ذلك، فهل يكون التغسيل حسب التغسيل الشرعي المعروف؟ أم كيف يكون التغسيل؟ (التفصيل والتوضيح) ، أرجو تحقيق المسألة وذكر أقوال العلماء فيها والراجح منها في حالة وجود خلاف فقهي في المسألة. وجزاكم الله خيرًا، وبارك الله فيكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فقد اختلف العلماء - رحمهم الله- في جواز تغسيل الرجل محارمه من النساء كأمه وأخته وبنته، فذهب أبو حنيفية وأحمد إلى عدم جواز تغسيل الرجل للمرأة من محارمه، ودليلهم أنه لا يجوز له مس جسدها أو ما يحتاج إلى مسه، وذهب مالك والشافعي وبعض أهل العلم إلى أن للرجل أن يغسل محارمه كأمه وابنته وأخته، وحجتهم أن النساء الأجنبيات يغسلنها، والمرأة الأجنبية مثل الرجل المحرم بالنسبة إلى تلك الميتة، في العورة والخلوة حال الحياة، فإذا جاز لها- أي الأجنبية- غسل المرأة، فكذلك الرجل مع ذوات محارمه، وليس في هذه المسألة دليل صريح، وإنما مرجعه إلى اجتهاد الفقهاء في الأدلة العامة، وقد قيل للإمام أحمد - رحمه الله: إن أبا خلابة قد غسل ابنته. فاستعظم ذلك ولم يعجبه، وسئل- رحمه الله- عن الرجل تموت عنده ذات محرمه ولم يوجد نساء، قال: يغسلها وعليها ثيابها، يصب الماء صبًّا. ا. هـ، وعند الحنفية وبعض الحنابلة أنها تيمم، ولعل الأقرب أن يصب عليها الماء صبًّا من غير مسٍّ إلا ما يجوز له مسه حال الحياة كيديها ورأسها وقدميها؛ لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16] . والله تعالى أعلم.(16/92)
التشاؤم..
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/07/1425هـ
السؤال
أعاني من التشاؤم بالشر، وأنا أصلي الصلوات الخمس، وأحافظ على الصلاة -ولله الحمد- وأدعو ربي، لكن لدي التفاؤل بالشر، فهل المتفائل بالشر يجده؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
التشاؤم مضاد للتوكُّل على الله، يفتح باب الخوف والتعلُّق بغير الله، ويفسد القلب والإيمان، ويفضي بصاحبه إلى المعصية والشرك عند الاستسلام له، وكم هلك به من أحد فخسر الدنيا والآخرة، بخلاف التفاؤل الصالح السار للقلوب المؤيد للآمال، الفاتح باب الرجاء المسكن للخوف، الرابط للجأش، الباعث على الاستعانة بالله والتوكل عليه، والاستبشار المقوي للأمل المفضي بصاحبه إلى الطاعة والتوحيد، ولهذا أبطل الشرع التشاؤم ونهى عنه وأحب التفاؤل، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه الفأل، كما رواه ابن ماجة (3536) من حديث عائشة -رضي الله عنها- فعليك بفعل الأسباب في الأمور التي تتشاءم بها، فمثلاً عند ركوبك السيارة تفعل الأسباب، وتأخذ حذرك عند قيادتها، وتحافظ على أدوات السلامة وتحذر من السرعة، وتتوكل على الله، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك إلا بإذن الله وقضائه وقدره، وعليك بذكر الله -تعالى- والدعاء المأثور في ركوب الدابة، قال علي بن ربيعة: شهدت علياً - رضي الله عنه- أتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله ثم قال: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون"، ثم قال: الحمد لله ثلاث مرات، ثم قال: الله أكبر ثلاث مرات، ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم ضحك! فقيل يا أمير المؤمنين من أي شيء ضحكت؟ قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل ما فعلت ثم ضحك فقلت: يا رسول الله من أي شيء ضحكت؟ فقال: إن ربك - سبحانه وتعالى- يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري" رواه أبو داود (2602) ، والترمذي (3446) وصححه، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً ثم قال: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن آيبون، تائبون، عابدون لربنا حامدون"، وفي وجه آخر وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه - رضي الله عنهم- إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا.
وأنت إذا كنت -كما ذكرت - محافظاً على الصلوات، وحريصاً على ذكر الله، كنت في كنف الله وحفظه، والله خير حافظاً، وبهذا يزول التشاؤم - إن شاء الله-. والله أعلم.(16/93)
آداب الاستيقاظ
المجيب د. تركي بن فهد الغميز
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/11/1426هـ
السؤال
ما هو أول شيء ينبغي لنا فعله عندما نستيقظ من النوم وفقا للسنة؟ وهل ينطبق ذلك على الاستيقاظ من نوم النهار؟ وهل علينا المضمضة؟
وهل يجوز تناول الإفطار قبل المضمضة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد دلت السنة النبوية على أن أول ما ينبغي للمسلم الاعتناء به عند الاستيقاظ من النوم، ينقسم إلى قول وفعل.
أما القول فمنه حديث حذيفة -رضي الله عنه- في صحيح البخاري (6312) وغيره، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أوى إلى فراشه قال: "باسمك أموت وأحيا"، وإذا قام قال: "الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور" وأخرجه البخاري (6325) أيضاً من حديث أبي ذر -رضي الله عنه-.
وفي الصحيحين البخاري (1142) ومسلم (776) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة مكانها: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ وذكر الله تعالى انحلت عقدةٌ، فإن توضأ انحلت عقدةٌ، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".
وقد جاء في الذكر بعد الاستيقاظ أحاديث أخرى ينظر فيها كتاب (الأذكار) للإمام النووي، وغيره من الكتب.
وأما الفعل فقد ذكره الحديث السابق: الوضوء، وبعده الصلاة، وفي الصحيحين البخاري (3295) ، ومسلم (238) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثاً، فإن الشيطان يبيت على خيشومه".
والاستنثار: إخراج الماء من الأنف بعد استنشاقه.
وفي الصحيحين البخاري (245) ومسلم (255) عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك.
وهذه كلها مستحبات لو لم يفعلها المسلم لم يأثم، ولكن ينبغي له الحرص على ذلك والمحافظة عليه، والظاهر أن هذا يستوي فيه نوم الليل ونوم النهار، خصوصاً إذا طال النوم في النهار فإنه لا يختلف عن نوم الليل.
وأما من أفطر قبل أن يتمضمض فلا شيء عليه، ولكن الأفضل هو ما سبق. والله أعلم.(16/94)
أخذ الأجرة على الانتفاع بالاسم
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/02/1427هـ
السؤال
وضعت اسمي كمدير لإحدى الصيدليات، ولكن صاحب العمل لا يريدني أن أعمل عنده، بل يريد أن يكون اسمي مسجلاً عنده كمدير للصيدلية، ويعطيني على ذلك راتباً. فهل هذا الراتب حلال أم حرام؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا العمل من التحايل، وهو من أكل المال بالباطل، ومن التعاون على الإثم والعدوان؛ لأن صاحب العمل يتحايل على الأنظمة التي تلزم بتوفير الوظائف للمواطنين، فيلجأ لتسجيل الأسماء ودفع الرواتب من غير تمكين المواطنين من العمل، وليس هذا هو المقصود من النظام، بل المقصود إيجاد الأعمال للعاطلين والقضاء على البطالة الموجودة، ولذا فنصيحتي لك أن تتولى العمل وتشترط مزاولته حسب المتبع أو تعتذر، ولا يتخذك صاحب العمل وسيلة للتحايل على الأنظمة التي وضعت لمصلحة الشباب المواطنين، وربنا -جل وعلا- يقول: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة:2] ، ويقول تعالى: "وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ" [البقرة:188] .
وفقك الله لكل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/95)
علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقتل الحسين، رضي الله عنه
المجيب ماجد بن عبد الرحمن آل فريان
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
وجدت الحديث التالي وأرغب في معرفة رأيكم فيه: "قبل 50 سنة من واقعة كربلاء بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين علم من جبريل، عليه السلام، أن الحسين، رضي الله عنه، يقتله جيش يزيد في كربلاء. فسأله جبريل: يا رسول الله، هل أريك تربة من مكان استشهاده؟. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم". فأعطاه جبريل حفنة من تراب كربلاء، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم رغمًا عنه. وهذا الحديث موجود في مشكاة المصابيح ومسند الإمام أحمد والصواعق المحرقة للعلامة ابن حجر المكي وسر العالمين للإمام الغزالي، ورواه الإمام الشعبي والبيهقي والحاكم وغيرهم. وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم- التربة لأم المؤمنين أم سلمة قائلاً لها: "عندما ترين هذه التربة تحولت إلى دم، يكون الحسين قد استشهد". وهذا الحديث مروي في مسند الإمام أحمد.
الجواب
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لقد ذكرت بأسلوبك مضمون روايتين أذكرهما لك بأسانيدهما وحكم العلماء عليهما في هذه الرسالة الجوابية، وهذا في الحديث الأول.
الحديث الأول أخرجه:
1- ابن حبان في صحيحه (6742) قال: أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا شيبان بن فروخ، قال: حدثنا عمارة بن زاذان، قال: حدثنا ثابت، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: استأذن مَلَكُ القَطْرِ ربه أن يزور النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن له، فكان في يوم أم سلمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "احْفَظِي علينا البابَ لا يَدْخُلُ علينا أحَدٌ". فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي، رضي الله عنهما، فظفر فاقتحم ففتح الباب فدخل فجعل يتوثب على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل النبي يتلثَّمه ويقبِّله، فقال له المَلَك: أتحبه؟ قال: "نعم". قال: أما إن أمتك ستقتله، إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه. قال: "نعم". فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه فأراه إياه فجاءه بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها. قال ثابت: كنا نقول: إنها كربلاء. وهذا صححه ابن حبان. وقال عنه الشيخ شعيب الأرناؤوط: حديث حسن.
2- وأخرجه أحمد في مسنده (13539) قال: حدثنا مؤمل: حدثنا عمارة بن زاذان: حدثنا ثابت، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن ملك المطر استأذن ربه أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن له، فقال لأم سلمة: "املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد". قال: وجاء الحسين ليدخل فمنعته فوثب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وعلى منكبه وعلى عاتقه. قال: فقال الملك للنبي صلى الله عليه وسلم: أتحبه؟ قال: "نعم". قال: أما إن أمتك ستقتله، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه. فضرب بيده فجاء بطينة حمراء، فأخذتها أم سلمة فصرَّتها في خمارها. قال: قال ثابت: بلغنا أنها كربلاء. قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف.(16/96)
3- وأخرجه أبو يعلى (3402) قال: حدثنا شيبان: حدثنا عمارة بن زاذان: حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: استأذن ملك القطر ربه أن يزور النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن له، وكان في يوم أم سلمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد". قال: فبينما هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي فاقتحم ففتح الباب فدخل، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يلتزمه ويقبِّله، فقال الملك: أتحبه؟ قال: "نعم" قال: إن أمتك ستقتله، إن شئت أريتك المكان الذي تقتله فيه. قال: "نعم". قال: فقبض قبضة من المكان الذي قتل به فأراه فجاء سهلة أو تراب أحمر، فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها. قال ثابت: فكنا نقول: إنها كربلاء. قال الشيخ حسين أسد: إسناده حسن.
الرواية الثانية: أخرجها كل من:
1. أحمد (648) قال: حدثنا محمد بن عبيد: حدثنا شرحبيل بن مدرك، عن عبد الله بن نجى، عن أبيه، أنه سار مع علي رضي الله عنه، وكان صاحب مَطْهَرَتِه، فلما حاذى (نِينَوَى) وهو منطلق إلى صفين، فنادى علي رضي الله عنه: اصبر أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت؟ وماذا؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله، أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: "بل قام من عندي جبريلُ قَبْلُ، فحدثني أن الحسين يُقتَل بشطِّ الفرات". قال: "فقال: هل لك إلى أن أُشِمَّكَ مِن تربته؟ ". قال: "قلت: نعم. فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملِك عينيَّ أنْ فاضَتَا". قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف. وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
2- وأخرجه أبو يعلى (363) قال: حدثنا أبو خيثمة: حدثنا محمد بن عبيد: أخبرنا شرحبيل بن مدرك، عن عبد الله بن نجي، عن أبيه، أنه سار مع علي، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى (نينوى) ، وهو منطلق إلى صفين، فنادى علي: اصبر أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وماذا يا أبا عبد الله؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وعيناه تَفيضان. قال: قلت: يا نبي الله، أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: "بل قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات". قال: "فقال: هل لك أن أشمك من تربته؟ ". قال: "قلت: نعم". قال: "فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عينّيَّ أن فاضتا". قال الشيخ حسين أسد: إسناده حسن.(16/97)
أما الرواية الثانية والتي فيها تحول التربة إلى دم فأخرجها الطبراني (2817) قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني عباد بن زياد الأسدي: حدثنا عمرو بن ثابت، عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن أم سلمة، قالت: ثم كان الحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي، فنزل جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك. فأوما بيده إلى الحسين، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضمَّه إلى صدره، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وديعةٌ عندَكِ هذه التُّربةُ". فشمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "وَيْحَ كَرْبٍ وبَلَاءٌ". قالت: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أمَّ سلمةَ، إذَا تحوَّلتْ هذه التُّربةُ دَمًا فاعْلَمِي أنَّ ابني قد قُتِل". قال: فجعلتها أم سلمة في قارورة، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: إن يومًا تَحَوَّلين دمًا ليومٌ عظيمٌ. وقال الهيثمي في المجمع 9/189: عمرو بن ثابت النكري متروك.
والله تعالى أعلم. وصلى الله على محمد وآله.(16/98)
لماذا وُصف الخمر بالرجس ولم يوصف بـ (النجس) ؟
المجيب عبد الحكيم بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 30/12/1426هـ
السؤال
قال تعالى: "إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ". لماذا قال تعالى (رجس) ولم يقل (نجس) مع أنهما يؤديان نفس المعنى؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد جاء لفظ القرآن الكريم على مبلغ عظيم من الفصاحة والبيان ما أعجز العرب الأقحاح عن مباراته، وأما الإتيان بمثل القرآن بعد عجز العرب من غيرهم فهو أعظم وأشد، هذا مما يجب التسليم به في حال تدبر القرآن.
وقد قارن بعض العلماء بين بعض الأمثال القرآنية وأمثال العرب، من مثل: قول العرب: (القتل أنفى للقتل) ، وقول الله تعالى: "ولكم في القصاص حياة" [البقرة: 179] وغيرها، وممن فصل في ذلك من كتب في إعجاز القرآن.
ثم إنه ليس كل كلمة تكون لها لفظة مماثلة لها في المعنى تماما، وقد منع جماعة من العلماء الترادف بين الكلمات في اللغة، بل جعلوا ذلك من المعاني المتقاربة.
ولو رجعنا لمحل السؤال: وهو معنى (رجس) و (نجس) في اللغة العربية لوجدنا ما يلي:
أن معناهما يدور على النجاسة والقذارة والسخط والشر، ولم يتمحض معنى (الرجس) على النجاسة فقط، بل هو أعم من ذلك؛ ولذلك لم يختلف العلماء في نجاسة الخمر، بل اختلفوا في نوع النجاسة هل هي حسية أم معنوية؟.
ولو فرضنا أن معنى كلمة (رجس) هو معنى كلمة (نجس) ، لوقع السؤال أيضا: لماذا لم يقل نجس؟ فنصبح في دوامة من طلب التعليلات، والوقوف على دقائق استعمال المفردات في القرآن يحتاج إلى طول باع في البلاغة والبيان والبديع، وكثرة مطالعة في كتب التفسير واللغة، والله المستعان.
وهذه الدقائق لا تظهر لكل أحد في مواطن، ولكن الذي ظهر لي هنا -والله أعلم-: أن الحكمة من استعمال (الرجس) محل (النجس) في أمرين:
1-أنها أعم، فتكون أبلغ في التحذير والنهي والتفظيع.
2-لما كان أصول كلمة رجس (الراء والجيم والسين) وجدنا كلمة في اللغة بأصولها تماما وهي: الرَّجَس، وهي تدل على شدة الصوت، كان المعنى الذي يفهم هنا: أن الخمر وما معها من الميسر والأنصاب والأزلام من الأعمال التي هي قوية الدرجة وكاملة الرتبة في القبح. والله أعلم.
وإليك نقل تفسير الآية من كتب التفسير:
في تفسير الطبري (7/32) ونحوه عند ابن كثير (2/93) : {رجس} ..قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أي سخط من عمل الشيطان، وقال سعيد بن جبير: إثم، وقال زيد بن أسلم: أي شر من عمل الشيطان.
وفي زاد المسير لابن الجوزي (2/417) : فأما الرجس فقال الزجاج: هو اسم لكل ما استقذر من عمل، يقال: رجس الرجل يرجس ورجس يرجس إذا عمل عملا قبيحا ...
وفي المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية (2/233) : كل مكروه ذميم، وقد يقال للعذاب، وقد يقال للنتن وللعذرة والأقذار: رجس، والرجز العذاب لا غير، والركس العذرة لا غير، والرجس يقال للأمرين.(16/99)
وفي التفسير الكبير للرازي (12/66) : والرجس في اللغة كل ما استقذر من عمل، يقال: رجس الرجل رجساً ورجس إذا عمل عملاً قبيحاً، وأصله من الرجس بفتح الراء وهو شدة الصوت، يقال: سحاب رجاس إذا كان شديد الصوت بالرعد، فكان الرجس هو العمل الذي يكون قوي الدرجة كامل الرتبة في القبح.
وفي روح المعاني للآلوسي (7/15) : {رجس} : أي قذر تعاف عنه العقول، وعن الزجاج: الرجس كل ما استقذر من عمل قبيح. والرجز بمعناه عند بعضهم، وفرّق ابن دريد بين الرجس والرجز والركس، فجعل الرجس الشر، والرجز العذاب، والركس العذرة والنتن.
وفي أضواء البيان للشنقيطي (1/426) : يفهم من هذه الآية الكريمة أن الخمر نجسة العين؛ لأن الله تعالى قال: إنها رجس، والرجس في كلام العرب كل مستقذر تعافه النفس، وقيل: إن أصله من الركس وهو العذرة والنتن، قال بعض العلماء: ويدل لهذا مفهوم المخالفة في قوله تعالى في شراب أهل الجنة: "وسقاهم ربهم شرابا طهورا" [الإنسان: 21] ؛ لأن وصفه لشراب أهل الجنة بأنه طهور يفهم منه أن خمر الدنيا ليست كذلك، ومما يؤيد هذا: أن كل الأوصاف التي مدح بها تعالى خمر الآخرة منفية عن خمر الدنيا، كقوله:"لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون" [الصافات: 47] ، وكقوله: "لا يصدعون عنها ولا ينزفون" [الواقعة: 19] ... وجماهير العلماء على أن الخمر نجسة العين؛ لما ذكرنا، وخالف في ذلك ربيعة والليث والمزني صاحب الشافعي وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين، كما نقله عنهم القرطبي في تفسيره..
وفي تفسير السعدي: رجس: أي نجس خبث معنى، وإن لم تكن نجسة حسا، والأمور الخبيثة مما ينبغي اجتنابها، وعدم التدنس بأوضارها.
وفقك الله لكل خير، وزادك من تدبر كتابه الكريم والعمل به.(16/100)
هل تجب عليَّ صلاة الجماعة في هذه الحالة؟
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/01/1426
السؤال
أنا طالب مسلم، سافرت إلى هولندا منذ ما يزيد عن الشهر لنيل شهادة الماجستير، ومدة دراستي ستنتهي بعد سنة تقريباً، سؤالي هو حول الصلاة في المسجد الذي يخص المدينة التي أسكن فيها، اعلم حفظك الله ورعاك أنني أمتلك دراجة، والتي تعتبر وسيلة النقل الأساسية في المدينة التي أقطن بها، وذلك لأن المدينة قديمة وطرقاتها ضيقة جداً، ولا يوجد بها مواقف للسيارات، والمسجد يبعُد عن المكان الذي أسكن فيه مسافة تتجاوز العشرون دقيقة بالدراجة، أو تتجاوز الخمس وأربعون دقيقة مشيا على الأقدام، والخيار الآخر هو أن أستقل الحافلة، والتي تعتبر مكلفة نسبيا بعد مقارنتها بالمكافأة الشهرية التي نحصل عليها والتي بالكاد تغطي مصروفنا الشهري للأكل والسكن، مع العلم أن تذكرة الحافلة الواحدة تتجاوز الثلاثة عشر ريالا، أريدكم أن تفتوني مشكورين عن التالي:
هل يحل لي القصر والجمع؟.
هل تجب علي صلاة الفريضة في المسجد؟
وماذا عن صلاة الجمعة؟
وماذا عن شهر رمضان؟ هل أبدأ صيامي مع بدء صيام المجتمع المسلم (الذي لم أختلط به البتة لبعد المسجد) الذي يسكن هذه الديار؟ أم أتبع الأمة الإسلامية متمثلة في بلد الحرمين؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله:
صلاة الجماعة واجبة على كل مسلم لجملة من نصوص الكتاب والسنة.
ولكن ثمة أعذار تسقط وجوبها والتي منها البعد عن المسجد بحيث لا يسمع النداء، وعليه لا تجب عليك صلاة الجماعة، والحالة هذه لكن إن كان ثمة مسلمين قرب سكنك فالأولى أن يتم تحديد مكان معين في منزل أحدكم تجتمعون فيه لإدراك فضل الجماعة.
وأما سؤالك عن الجمع والقصر فبعد المسافة التي ذكرت لا يحل لك الجمع والقصر؛ لأن البعد داخل المدينة لا أثر له لأن الجمع والقصر مناط بالسفر.
ولكن إن كان جلوسك في تلك المدينة مؤقت ولا تريد البقاء بل بقدر دراستك التي حددتها بقدر سنة ثم تعود إلى وطنك فحكمك حكم المسافر، القصر لك سنة والجمع لك رخصة.
وأما حضور الجمعة فإن كان المسجد خارج المدينة التي أنت فيها بأكثر من ثلاثة أميال فلا يلزمك وإن كان في داخل المدينة وجب عليك الحضور ولو كان بينك وبين المسجد عشرة أميال؛ لعموم قوله تعالى: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) [الجمعة:9] وهذا عام؛ ولذلك كان الصحابة الذين يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة يبقون إلى يوم الجمعة، لا يتركون صلاة الجمعة بل إن ظاهر السنة أنهم يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم كما أنه لم ينقل عن صحابة رسول الله عن أسفارهم إلى الأقطار أنهم يتركون حضور الجمعة في البلاد التي تقام فيها الجمع.
وأما سؤالك عن الصيام فالذي يتأكد في حقك أن تصوم مع المسلمين في البلد الذي تقيم فيه وتفطر معهم؛ لعموم حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: " الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون". رواه الترمذي (697) وحسنه.(16/101)
والراجح من أقوال أهل العلم أن لكل أهل بلد مطلعهم لحديث كريب لما أرسلته أم الفضل بنت الحارث إلى معاوية بالشام فرأى الهلال هناك ليلية الجمعة فصام أهل الشام ثم قدم المدينة في آخر الشهر وذكر ابن عباس رضي الله عنهما رؤية الهلال ليلة الجمعة فقال ابن عباس رضي الله عنها: لكنا رأيناه ليلة السبت فما نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقال كريب: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. صحيح مسلم (1087) ، فإذا ثبتت الرؤية لأهل بلد وجب على أهلها كلهم الصوم؛ ولأن في الصوم يوم يفطر الناس والفطر يوم يصوم الناس فتنة لا يجوز وقوعها.(16/102)
نبش قبور الكفار بحثاً عن الآثار
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/05/1426هـ
السؤال
لقد حفرت قبر يهودي بحثًا عن الآثار، فما الحكم؟ جزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأصل احترام الإنسان حيًّا أو ميتًا، فلا يجوز نبش قبره لغير غرض شرعي صحيح؛ وذلك لعموم قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء: 70] . ولقوله صلى الله عليه وسلم: " كَسْرُ عَظْمِ المَيْتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا". أخرجه أبو داود (3207) وابن ماجه (1616) . وهذا يدل على كمال احترام الشرع للميت، خاصة وأن الغرض الذي يراد نبش القبر من أجله هو أمر كمالي، وهو البحث عن الآثار، فلا يجوز نبشه في هذه الحالة. والله أعلم.(16/103)
دُفن ولم يُغسَّل ولم يُصلَّ عليه
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/06/1426هـ
السؤال
إذا مات المسلم ولم يُغسَّل، ولم يُكفَّن، ولم يصلَّ عليه، ولم يُدفن في مقابر المسلمين (وضع في مقبرة جماعية) ، إذا وُجِد مسلم بهذه الحالة، فماذا يفعل من وجده؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن استُطيع أن يفرد قبل أن يبلى، أو يكون هناك مثلة في إخراجه، فإن الواجب أن يُخرج ويُغسَّل ويُكفَّن ويُصلى عليه، فإن لم يمكن شيء من ذلك فإنه يصلى عليه وهو في قبره؛ لعموم أدلة تغسيل الميت المسلم وتكفينه والصلاة عليه، وقول الله -تعالى-: "فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن:16] ، ويقول عليه الصلاة والسلام: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". أخرجه البخاري (7288) ، ومسلم (1337) . والله أعلم.(16/104)
زراعة الأشجار في المقابر
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن أبو سيف الجهني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/11/1425هـ
السؤال
هل يجوز زراعة الأشجار والأزهار في المقابر بغية أن يتظلل بها من يزورون المقابر ولكي تأخذ المقبرة رونقًا جميلًا للزائرين؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
تزيين المقابر منهي عنه، فلا يجوز زراعة الأشجار والأزهار فيها لتزيينها، وكذا لا ينبغي زراعتها ليتظلل بها زائرها؛ فإنه لا حاجة شرعية لهذا، والمقابر تزار للعظة والعبرة وتذكر الآخرة، لا للسياحة والترفه. والله أعلم.(16/105)
تغيير تراب القبر ونصائبه
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/08/1425هـ
السؤال
هل لولي الميت تغيير البطحاء الموجودة على القبر، أو النصائب الموجودة بغيرها، أو تجديد بطحاء القبر؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إذا خشي ولي الميت من اندثار القبر، وانطماسه متطؤه الأقدام، والحيوانات، أو أن تحفره الكلاب والهوام جاز له حينئذ تجديده، بوضع حصباء أو نصائب تميزه عن غيره مما حوله من أرض، أو قبور أخرى، وهذا كله إذا لم تقم برعاية المقابر، وصيانتها جهة معينة؛ كالبلدية أو غيرها، أما إذا وجدت جهة مختصة تعنى بذلك فلا يجوز حينئذ لولي الميت القيام بشيء مما ذكر، بل يعتبر ذلك منه تعديًا، وافتئاتًا على صاحب الولاية الشرعية في هذا.(16/106)
حديث "لولا صفية لتركته - أي حمزة- حتى يجمعه الله ... "
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/08/1425هـ
السؤال
ما هي الحكمة من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما رأى عمه حمزة - رضي الله عنه- ميتاً بعد معركة أُحد: "لولا صفية لتركته حتى يجمعه الله يوم القيامة من بطون الحيوانات؟ ".
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
الحديث المشار إليه في السؤال أخرجه أحمد (12322) ، والترمذي (1016) وأبو داود (3136) والحاكم (1/365) ، (3/196) من طريق أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حَمْزَةَ يَوْمَ أُحُدٍ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَرَآهُ قَدْ مُثِّلَ بِهِ فَقَالَ لَوْلَا أَنْ تَجِدَ صَفِيَّةُ فِي نَفْسِهَا لَتَرَكْتُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الْعَافِيَةُ حَتَّى يُحْشَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ بُطُونِهَا.... " واللفظ للترمذي، قال الترمذي: " حديث أنس - رضي الله عنه- حديث غريب لا نعرفه من حديث أنس- رضي الله عنه- إلا من هذا الوجه، وفي بعض نسخ الترمذي: حسن غريب، وفي إسناد هذا الحديث ضعف، وقد أشار البخاري إلى خطأ أسامة في روايته هذا الحديث عن الزهري عن أنس- رضي الله عنه- قال البخاري: " وحديث أسامة بن زيد، عن ابن شهاب، عن أنس - رضي الله عنهم- غير محفوظ، غلط فيه أسامة بن زيد- رضي الله عنه-، وقال: عبد الرحمن بن كعب عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما- في شهداء أحد هو حديث حسن"، وقد أخرج البخاري حديث جابر- رضي الله عنه- (1343) وليس فيه ما يتعلق بترك حمزة- رضي الله عنه- دون دفن، وهذا لفظه عند البخاري من طريق ابْن شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ "
وعلى تقدير صحة الحديث، فمعناه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قصد بتركه من غير دفن تأكله السباع والطير من أجل أن يتم له الأجر ويكمل له الثواب، ويكون بدنه كله مصروفاً في سبيل الله، أو يكون قصد -صلى الله عليه وسلم- أن ما فعل المشركون بحمزة -رضي الله عنه- من المثلة لا يضره ولا ينقصه شيئاً، حتى إن دفنه أو تركه سواء، والله أعلم. هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(16/107)
دفع رشوة لأجل الحج، فهل حجه صحيح؟
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 01/12/1426هـ
السؤال
أحد الإخوة أراد الحج، ولم يظهر اسمه في قوائم القرعة، فذهب إلى أحد المسؤولين عن لجنة اختيار متعهدي الحج وأعطاه مبلغاً مغرياً من المال، فظهر اسمه، وهو الآن في حيرة من أمره بصدد قبول الله لحجته من عدمها، وكذلك أصابه الندم كونه أخذ موقع أحد المتعهدين لدفعه الرشوة، ويطلب نصيحتكم بصدد الأرباح التي حصل عليها، هل هي حرام أم حلال، وطريقة التصرف بها؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فحج هذا الرجل صحيح، أما الرشوة فهي محرمة، ملعون فاعلها على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ قال: "لعنة الله على الراشي والمرتشي" أخرجه أبو داود (3580) والترمذي (1337) .
وأما الأرباح، فإن كان حصل عليها نتيجة عملٍ قام به فعلاً، وإلا فهي حرام، وهذه الرشوة عليه أولاً أن يتوب منها، ثم إن كان قد أخذ موقع شخص معين من المتعهدين برشوته فإنه قد ظلمه، وعليه أن يعتذر إليه ويعطيه الأرباح، وإن كان قد أخذ موقع شخص غير معين بل اختير بدلاً عن شخص مجهول، فإني أرجو ألا يكون في ربحه الذي حصل عليه إثم، ووجه ذلك أنه لم يظلم معيناً، أما إن ظلم معيناً فهو غاصب لعمل ما كان من نصيبه لولا رشوته، ومثل هذا يضمن في الأعيان، فليكن الحال كذلك في هذه المسألة. والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.(16/108)
شبه حول تكليم الله لعباده
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن أبو سيف الجهني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
النبي إبراهيم - عليه السلام- طلب من المشركين أن يسألوا آلهتهم إذا كانت تتكلم ولم يقدروا، لأنها لم تكن آلهة، فكيف يكون الأمر وأنا أتكلَّم مع الله وهو لا يرد علي بكلام مسموع؟ هل يعني ذلك تشابه بين الله والأصنام؟.
الجواب
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هذه الشبهة لم يوردها المنازعون لإبراهيم - عليه السلام- لما خاطبهم بهذه الحجة، مع أنهم أهل خصومة يجتهدون في محاجة الخصم، وها هي يلقيها الشيطان على لسان مسلم، كان الواجب أن يزعه إيمانه بالله، ورسوله، وكتابه، عن أن يتتبع الشبهات الفاسدة، ويكون منهجه قول الله في كلامه الذي سمعه منه جبريل - عليه السلام- وبلغه لرسوله - صلى الله عليه وسلم-: "وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ... " [الأعراف من الآية:200] "وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ...." [فصلت من الآية:36] ، ولما قال المكذبون لرسل الله، الكافرون بالله: "لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ... " [البقرة: من الآية118] ، وهم لم يشتبهوا في أن الله يتكلم بل طلبوا أن يكلمهم! ردَّ الله عليهم بقوله: "وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ" [الشورى:51] ، فتكليمه سبحانه لا يكون إلا لخواص خلقه من الأنبياء والمرسلين، ولا يكون إلا بهذه الطرق الواردة في الآية أو بأحدها. وإنما لم يورد المنازعون لإبراهيم- عليه السلام-، ولا سائر المشركين هذه الشبهة التي أوردها السائل؛ لأنه ظاهر لهم أن الله الذي خلقهم كامل لا نقص في صفاته، وأن مقتضى ذلك أن يكون متكلماً، ولا حاجة في معرفة كونه متكلماً لسماع كلامه؛ لأنه إن لم يكن متكلماً فليس بخالق ولا إله، وإن كان خالقاً إلهاً فهو متكلم - وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل- وأما الأصنام فظاهر لهم أنها لا تتكلم أبداً، فهم صانعوها وأعلم بها، ولذلك تمت الحجة لإبراهيم - عليه السلام- ولم يعارضوه في ذلك بشبهة بل بمجرد المعاندة.
فهل المشركون أصح أذهاناً وأفقه فهماً من مسلم؟!! وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/109)
شبهة حول انتفاع الأحياء بالأموات
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو من فضيلتكم أن تجيبونا في هذه الشبه: قال الصوفي: (هل انتفع المسلمون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بسيدنا موسى عليه السلام، بعد موته بألف سنة بتخفيف الصلاة عليهم من خمسين صلاة إلى خمس أم لا؟!) ا. هـ. وهو يستدل بهذا الحديث أن الأموات يمكن أن ينفعوا الأحياء. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، وبعد:(16/110)
عند المتصوفة إشكال رئيسي يتمثل في الأدلة التي يستندون إليها وطرق الاستدلال، وهذا السؤال من أوضح الأدلة على ذلك، فما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء كان خاصًّا به، وهو أمر خارق للعادة، وليس فيه استدلال على ما ذهب إليه هؤلاء، ولو كان فهمهم هذا صحيحًا لوجدنا واحدًا من الصحابة أو التابعين أو أتباعهم بإحسان استند عليه، لاسيما وهم أشد حبًّا للنبي صلى الله عليه وسلم منا، وأكثر شوقًا إليه، وإذا نظرنا إلى ما نقل عنهم بسند صحيح وجدنا أنهم أشد الناس حفاظًا على حمى التوحيد وحرصًا على صفائه من أية شائبة، ولذلك لم ينقل عنهم في التعلق بالقبور أو المقبورين أي نص يمكن الاعتماد عليه، بل النقول عنهم على عكس ذلك، وكيف لا وهم أنجب تلاميذ مدرسة النبوة، وهم الذين علموا أن الإسلام ما جاء إلا لمحاربة الخرافة والغيبيات الفاسدة، وتعليق القلوب بالله وحده دون سواه. ولو كان هذا الاستدلال بقصة موسى صحيحًا لصح الاستدلال بأية قضية غيبية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ مثل سؤال النبي صلى الله عليه وسلم، لجبريل، وطلبه منه واستفتاح جبريل له أبواب السماوات ونحو ذلك من الأمور التي عملها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، لكان أولى أن يدعى جبريل ويطلب منه لأنه حي موجود ولديه قدرات عظيمة، فالأنبياء بما فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، والله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 188] . وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو أمر لأمته أن يتوجهوا بالدعاء له وحده دون سواه فقال: (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ) [يونس: 106] . وكل أحد غير الله لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، وهذا من محكمات الدين، قال تعالى: (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ) . وقال سبحانه: (فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) [الشعراء: 213] . وقال: (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص: 88] . والله أعلم.(16/111)
وضع العلامات على القبور
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 02/09/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ أ. د. / سعود الفنيسان يوجد في إحدى مقابر مدينتنا ملاحظات نريد عرضها عليكم لأنه كثر الكلام وجزاكم الله خيرا
1- المبالغة في وضع العلامات على القبور، بحيث إن البعض يأتي بقطع من الحجارة، ويفرشها على القبر والبطحاء، وقد تكون هذه متميزة بلونها، كالأسود، وبعضها غير متميز اللون، وبعضها من حجارة المرو الملونة.
2- طلاء نصائب القبر بالبوية، أو أجزاء من القبر، ووضع نصائب من الحجارة مرتفعة، يصل ارتفاعها أحيانًا طول الذراع، وأطول وأقل، ويتميز بها القبر عن غيره من القبور.
3- وضع علامات على القبر من القطع الأسمنتية، والبلاط، والرخام، والسيراميك، والأزفلت، والألمنيوم، والطوب، والبَلَكّ، ونحوه.
4- لف قطع من الخرق والحبال والحديد، ونحوها على نصائب القبر.
5- غرز قطع من الحديد، أو الخشب، أو الألمنيوم، ونحوها، بجوار نصائب القبر، وأحيانًا تكون مرتفعة واضحة الارتفاع.
6- وضع العلب الفارغة من الحديد أو البلاستيك، وتعبئة بعضها بالأسمنت أو الجبس، وطلاء بعضها بالبوية، ووضعها علامة للقبر.
7- نحت أو كتابة حرف واحد من اسم المتوفَّى، أو حرف من اسم قبيلته أو وسمها، أو وسم خاص به كعلامة أيضًا للقبر.
8- تعدد العلامات، ووضع أربع أو أكثر أو أقل من العلامات على القبر.
9- كثير من الناس يرون بدعية هذه العلامات وتبديع من يضعها، ويطالبون ذوي الاختصاص بتغييرها، وإذا لم يستجيبوا لهم قاموا بوصفهم بالمبتدعة، وأنهم يسكتون عن إنكار البدع ويرضون بانتشارها، فما توجيهكم ونصيحتكم لمثل هؤلاء؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ثبت في سنن أبي داود (3206) من حديث المطلب قال: لما مات عثمانُ بنُ مَظْعُونٍ، وأُخْرِج بِجِنازَتِه، فدُفِن، أمَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً أن يَأتِيَهُ بِحَجَرٍ، فلَمْ يَستطِعْ حَمْلَه، فقام إليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وحَسَرَ عن ذراعيه، ثم حمَلَها فوضَعها عندَ رأسِه، وقال: "أَتَعَلَّمُ بِهَا قبرَ أَخِي وأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِن أَهْلِي".
وثبت في صحيح مسلم (970) ، وجامع الترمذي (1052) ، وسنن النسائي (2026) ، عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ تُجَصَّصَ القُبُورُ، وأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا، وأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا، وأنْ تُوطَأَ.(16/112)
ففي الحديث الأول مشروعية وضع العلامة على القبر ليعرف بها، ويتميز عن غيره، وفيه تحديد موضع العلامة من القبر (عند رأسه) ، وكون الحجر كبيرًا لم يستطع الرجل حمله حتى حمله الرسول صلى الله عليه وسلم بيديه الكريمتين، دليل على كبر حجم العلامة على القبر، والحجم يشمل الطول والعرض والارتفاع، وكون العلامة على القبر حجارة- كما في الحديث- لا يعني أنه لا يجوز أن تكون من غيرها؛ ذلك لأنها جاءت وصفًا لبيان الحال والواقع، والقيد أو الوصف إذا جاء لبيان الحال في الواقع فلا مفهوم له عند علماء الأصول، وعليه يجوز أن تكون العلامة على القبر لبنة من طين، أو عود قصب أو خشب، أو طوبة، أو حديدة، أو كسرة رخام أو بلاط، ونحو ذلك، وقد نص الفقهاء، كما في حاشية الشيخ ابن قاسم على الروض المربع: "ولا بأس بتعليم القبر بحجر أو خشب، ونحوهما". واستدلوا بحديث عثمان بن مظعون، رضي الله عنه، هذا، أما قول جمهور الفقهاء: "ولا يُدخِلُ القبرَ آجُرًّا ولا خشبًا، ولا شيئًا مسته النار". فيراد به ما يوضع في اللحد داخل القبر، ولا دخل لهذا القول في علامة القبر التي توضع فوقه، وهذا القول من الفقهاء تفاؤل بألَّا تمسه النار، مع أن السلف مختلفون فيما يوضع داخل القبر، فقد روى أحمد (17780) ، عن عمرو بن العاص، رضي الله عنه- أنه قال: لا تجعلن في قبري خشبة ولا حجرًا.
أوصى الصحابي عمرو بن شُرَحْبِيلَ، رضي الله عنه: أن اطْرَحُوا عَلَى قَبْرِي طُنًّا من قَصَبٍ؛ فقد رأيتُ المهاجرين يَسْتَحِبُّونَه على ما سِواهُ. والطن يعني الحزمة، والحسن البصري لا يرى بأسًا بالقصب والسَّاجِ في اللحد، والساجُ نوع من الخشب، وبوب البخاري في صحيحه: (باب الإذخر والحشيش في القبر) . وساق فيه الحديث الصحيح عن ابن عباس، رضي الله عنهما- (1349) عندما قال العباس، رضي الله عنه: إلا الإِذْخِرَ لصاغَتِنا وقبورِنا.
أما النهي عن الكتابة في حديث جابر، رضي الله عنه- السابق ذكره، فليست عند مسلم ولا النسائي؛ وإنما هذه الزيادة عند الترمذي، وإسناده بهذه الزيادة ضعيف؛ لضعف أحد رواته، وهو موسى بن سليمان، قال فيه البخاري: متروك. وضعفه النسائي، وابن عدي، وأيضًا في الإسناد انقطاع، فإن موسى بن سليمان لم يدرك جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، وعلى فرض صحته فيُحمَل النهي عن الكتابة على القبر، إذا ما أوصى الرجل إذا مات أن يكتب على قبره، كما حمل حديث عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، في الصحيحين: "إنَّ الميتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". صحيح البخاري (1286) ، وصحيح مسلم (928) . على ما إذا أوصى بذلك، أو تحمل الزيادة عند الترمذي على ما إذا كُتب على القبر اسم صاحبه أو دعاء له، أو شيء من سيرته وأفعاله في حياته، وتزداد الحرمة، ويشتد النهي إذا كان الميت ذا شأن يشار إليه في أمر الدين أو الدنيا، ولا يدخل في الكتابة الممنوعة شرعًا ما يضعه الناس من (وسم) القبيلة على القبر؛ لأنه مجرد علامة تميز القبر عن غيره عند تشابه (النصائب) العلامات؛ ليزوره الزائر ويسلم عليه، وهذا الوصف لا يعرفه عادة إلا أهلهم بخلاف الكتابة بالحروف الهجائية فيعرفها كل من يقرأ من الناس.(16/113)
ووضع الجريدة على القبر عند الدفن ثابت في حديث ابن عباس، رضي الله عنهما- المتفق عليه: " ... لَعَلَّهُ أنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا" صحيح البخاري (179) ، وصحيح مسلم (292) . واختلف العلماء قديمًا وحديثًا، هل وضع الجريدة على القبر قضية عين خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم- أم هي عامة لكل أحد؟ فالإمام البخاري يرى عدم الخصوصية، فذكر في صحيحه: (باب الجريدة على القبر) ، ثم قال: وأوصى الصحابي بُرَيْدَةُ الأَسْلَمِيُّ، رضي الله عنه، أن يُجعَلَ على قبره جريدتان. وقال ابن بطال في شرحه للبخاري: "وخُصت جريدتا النخل لأنهما أطول الثمار بقاء، فتطول مدة التخفيف عنهما، وهي شجرة شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤمن- انظر صحيح البخاري (61) ، وصحيح مسلم (2811) . وقيل إنها خلقت من فضلة طينة آدم، وإنما أوصى بريدة الأسلمي، رضي الله عنه، بالجريدتين تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتبركًا بفعله ورجاء أن يخفف عنه.
وقال الحافظ بن حجر في الفتح: لا يلزم من كوننا لا نعلم أيعذب الميت أم لا؟ ألا نتسبب له في أمر يخفف عنه العذاب لو عذب، كما لا يمنع كوننا لا ندري أرحم أم لا؟ ألا ندعو له بالرحمة.
فقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات: في غرس الجريدتين نصفين على القبرين أن الشجر والنبات يسبح ما دام أخضر، فإذا يبس انقطع تسبيحه، والتسبيح والعبادة عند القبر مما يوجب تخفيف العذاب.
أما الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله- فهو يخالف من سبقه ممن ذكرنا، فيرى خصوصيتها بالرسول صلى الله عليه وسلم، لا تتعداه إلى غيره، وهكذا جرى اختلاف العلماء في وضع الجريدة علامة على القبر، أو طلبًا لتخفيف العذاب عن صاحبه، فالأمر فيه سعة، والحمد لله؛ لأنها من مسائل الاجتهاد، ولو لم تكن من مسائل الاجتهاد لم يقع فيها الخلاف، ثم إن مسائل الاجتهاد لا يسوغ فيها الإنكار، قال سفيان الثوري: إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه، وأنت ترى غيره فلا تنهه. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: مسائل الاجتهاد لا يسوغ فيها الإنكار إلا ببيان الحجة لا الإنكار المجرد المستند إلى محض التقليد؛ فإن هذا من فعل أهل الجهل والأهواء. ويقول ابن القيم: إذا لم يكن في المسألة سنة، ولا إجماع ثابت، وللاجتهاد فيه معاني لم ينكر على من عمل بها مجتهدًا أو مقلدًا.
وخلاصة الجواب: أن وضع العلامات على القبور، وتنوعها وتعددها- كما ذكر في السؤال- أمر جائز ليتميز بها القبر، ويعرف فيزار، ويسلم عليه، والقول بالتبديع في وضع العلامات على القبور هو عين البدعة، بل هي أمر مشروع ما لم يعتقد فاعلها بها اعتقادًا مخالفًا للشرع.(16/114)
هل (الرشيد) من أسماء الله الحسنى
المجيب د. صالح بن عبد العزيز التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/08/1425هـ
السؤال
هل الرشيد من أسماء الله الحسنى؟ مع التكرم بذكر الدليل على ذلك.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لم يرد اسم الرشيد اسمًا لله تعالى- في حديث صحيح، وعمدة من عد ذلك اسمًا لله تعالى- حديث الأسماء المشهورة، فصدر الحديث: "إنَّ للهِ تسعةً وتسعين اسْمًا مائةً إلَّا واحِدًا، مَن أَحْصَاها دخَل الجنَّةَ". متفق على صحته: صحيح البخاري (2736) وصحيح مسلم (2677) ، ولكن ليس فيه سرد الأسماء، وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن العدَّ ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مدرج في الحديث، وطرقها ثلاثة، كلها غير صحيح متنًا وسندًا، والرشيد ضمن تلك الرواية المشار إليها، وهذا لا يعني أن كل الأسماء التي وردت في تلك الرواية غير صحيحة، لأن بعضها ورد فيه حديث صحيح على جهة الخصوص. والله أعلم.(16/115)
لماذا المسلمون وحدهم الذين يقطعون رؤوس الأبرياء؟
المجيب أ. د. نعمان عبد الرزاق السامرائي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 08/10/1425هـ
السؤال
هذه بضعة أسئلة من شخص غير مسلم:
1- لماذا فقط المسلمون هم الذين يقتلون ويقطعون رؤوس الأبرياء باسم الله؟ (لم أسمع عن يهود أو نصارى أو هندوس أو بوذيون أو حتى الذين لا يؤمنون بوجود الله أنهم يفعلون ذلك) .
2- إذا كان الذين يقومون بمثل هذه الأعمال فئة قليلة فلماذا لا تواجهها البلايين من المسلمين في العالم أو على أقل تقدير تقوم غالبية مسلمة بشجبهم؟
3- هل أنتم مقتنعون حقًّا أن الإسلام هو دين الله، والله العادل الطيب يسمح لأكثر الناس شرًّا في الأرض أن يدمروا "دين الله" تحت أنظار العالم؟ ألا يكون مثل هذا الواقع طريقة الله للتوضيح لنا ببطلان الإسلام؟
4- هل يوجد في القرآن شيء يجعل من قارئه قاتلاً شريرًا ويجعل كثيرًا من الناس يتبعون القاتل ويساندونه؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
س1 لماذا يقتل المسلمون ويقطعون رؤوس الأبرياء باسم الله؟
ج- الدين مجموعة نصوص وأوامر مثل: لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تكذب، ولا تغش، ولا تظلم ... ومع ذلك فأصحاب الديانات قديمًا وحديثًا فيهم من يمتثل لهذه التعليمات، وفيهم من لا يمتثل. على سبيل المثال، فالسيد المسيح يقول: من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر. وهو يدعو للمحبة والسلام، ومع ذلك فالقتل والحروب بين النصارى لا مثيل له، والكنيسة الكاثوليكية أقامت محاكم (التفتيش) ، وعرضت عليها أكثر من (350) ألف إنسان قتل، وأحرق أكثر من (150) ألفًا منهم باسم المحبة والسلام، الحرب العالمية الأولى والثانية أشعلها الغرب، ويقول المستشار برينجسكي: إن الذين قُتلوا في القرن العشرين زادوا على (176) مليونًا من البشر. أمريكا قتلت وأبادت الهنود الحمر دون جريمة، ستالين قتل ما بين 40-50 ميلونًا، إسرائيل تقتل يوميًّا من الفلسطينيين العشرات وتهدم بيوتهم، وتضرب المدن الفلسطينية بالصواريخ والطائرات، وتقتل كل من تقدر على قتله، ومع ذلك فالحجة للنص. وهنا علينا أن نفرق بين النص والتطبيق، فهل النص يدعو للقتل؟ أم ذلك بفعل البشر؟!
س2 إذا كانت قلة تمارس القتل والتعذيب فلماذا لا تواجهها البلايين من المسلمين؟
ج- هناك قتل مارسته جماعات مختلفة، بيض ضد السود في أمريكا، وفي جنوب إفريقيا (العنصرية) ، الكاثوليك ضد البروتستانت في إيرلندا، ومنظمة إيتا الانفصالية في إسبانيا وإيطاليا، والجيش الأحمر الياباني، والهندوس ضد المسلمين في الهند وكشمير، والمنظمات الصهيونية ضد الفلسطينيين وهم يصلون في الحرم الإبراهيمي، فالقتل اليوم ينتشر من سرلانكا وحتى أمريكا، توتُّرات وصراعات طائفية وعنصرية لا حصر لها، وآخرها ما يشن على مسلمين من مسلمين ومن نصارى ضد نصارى، وبوذيين ضد إخوانهم، ومن أكراد ضد الأتراك، ومن روسيا ضد الشيشان، ونتساءل: أيهما أشنع وأقبح؛ أن تشن جماعة صغيرة حربًا ضد دولة مثل الشيشان والقاعدة، أم الحرب التي تشنها الهند ضد شعب كشمير، وروسيا ضد الشيشان، وأمريكا ضد كل من يقف ضد سياستها؟(16/116)
س3 هل الإسلام هو دين الله؟.
ج- أرسل الله الكثير من الرسل معهم بعض الكتب والبعض دون كتب، وأول الرسل آدم، وآخرهم محمد- عليهم السلام جميعًا- المسلم مطالب بالإيمان بالله، وكتبه، ورسله جميعًا، واليهودي يؤمن بأنبياء التوراة فقط، ويرفض الاعتراف بالنصرانية، وبالسيد المسيح والأناجيل، وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن، النصارى يؤمنون بالسيد المسيح وبأنبياء التوراة، لكنهم يرفضون الإسلام ونبيه، وكل أصحاب دين يعتقدون صحة وسلامة دينهم، وإلا تخلوا عنه وتركوه، وعمر الإسلام 1500عام، وأهلُه متمسكون به كما يتمسك غيرهم من الناس، من أصحاب الديانات، ولا جديد هنا.
س4 ماذا يوجد في القرآن يدفع نحو القتل؟
ج- القرآن آخر الكتب المنزلة، وهو اليوم مترجم إلى كافة لغات العالم، ويمكن الاطلاع عليه بسهولة، وهو يختلف كثيرًا عن التوراة، بل يتميز بأنه لا يعرف حروب الإبادة ضد أحد، والدليل أنه بعد (1500عام) من انتشار الإسلام فما زال في بلاد المسلمين يهود ونصارى. والسؤال: ما مصير ثلاثة ملايين مسلم من أهل الأندلس؟ ثلثهم قتل، وأحرق الكثير منهم أحياء، والبعض ركبوا سفنًا وغادروا الأندلس فأُغرِقت سفنهم في البحر، ثلث أجبروا بالقوة على التنصر، وثلث هاجر إلى شمال إفريقيا، وكان بإمكان المسلمين العثمانيين طرد النصارى من بلاد المسلمين، أو حتى قتلهم، ولكن الإسلام يمنع من ذلك، ويمنع من إجبارهم على الإسلام، ولذا فما زال النصارى بعد كل ما حصل لمسلمي الأندلس أحياء ولهم كنائسهم ومدارسهم.
من يقرأ التوراة يراها تشرع لإبادة شعوب بكاملها، مثل العماليق وغيرهم، لكن الإسلام منع ذلك وما زال، فإذا قامت جماعة صغيرة بالقتل، تحت أي مبرر، فهي اليوم تقتل مسلمين، وهذا دليل على خطأ في السلوك لهذه الجماعة، وليس الخطأ في الإسلام، وإلا فعلينا أن نحكم بمثل ذلك على اليهودية كدين، والنصرانية؛ لأنها فعلت وما زالت تفعل الحروب النظامية وتسرق خيرات الشعوب الفقيرة، وتضطهدها، وتسلط عليها، أمثال إسرائيل أو روسيا أو الهندوس في الهند. والله أعلم.(16/117)
أوثان جديدة
المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/10/1425هـ
السؤال
ما عبادة الأصنام بالتفصيل؟ وما تأثيرها على تفكير المسلم وسلوكه؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالأصنام جمع صنم، وهو ما جعل على صورة إنسان أو غيره ليعبد من دون الله.
أما الأوثان فهي جمع وثن، وهو ما عبد من دون الله على أي وجه كان، وفي الحديث: "اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ". أخرجه مالك (416) وابن سعد 2/241. وعليه فإن الوثن أعم من الصنم.
هذا هو المشهور في معنى الصنم والوثن.
أما عبادتها فتكون على صور متعددة حسب تعدد أنواع العبادة، فالسجود مثلًا عبادة، فإذا جعل لصنم أو وثن كان عبادة لذلك الصنم أو الوثن، والذبح عبادة، فإذا جعل لصنم أو وثن كان عبادة لذلك الصنم أو الوثن، وكذا النذر ونحوه. . ومثل ذلك العبادات القلبية كالحب والتوكل والإنابة والخوف والرجاء ونحو ذلك. . . . فإنها عبادات متعددة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى، وإذا صرفت لغير الله كالأصنام والأوثان كانت عبادة لتلك الأصنام والأوثان.
قال تعالى فيمن يصرف عبادة الحب الخاصة بالله لغيره: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ) [البقرة: 165] . وقال في عبادة الخوف: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران: 175] . وقال في عبادة التوكل: (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [المائدة: 23] . وقال في عبادة الإنابة إلى الله: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الروم: 31] . وبالجملة فكل ما ثبت أنه عبادة لله تعالى لا يجوز صرفه لغيره سبحانه، ومن صرفه لغير الله تعالى؛ مثل أن يصرفه لصنم أو نحوه، فقد عبد ذلك الصنم وجعله شريكًا لله في تلك العبادة؛ (وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا بَعِيدًا) [النساء: 116] .
وعبادة الأصنام والأوثان ليست محصورة في المحسوسات وحدها بل هناك أصنام معنوية يتخذها بعض الناس آلهة من دون الله كالهوى المخالف لدين الله وشرعه، فمن اتبع هواه من دون الله فقد اتخذه إلهًا وصنمًا معبودًا من دون الله، قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفََلا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية: 23] .
ويدخل في الهوى كل المبادئ والأفكار والفلسفات المنحرفة عن الدين الحق، وقد كان السلف يسمون الذين يتبعون مثل هذه الأهواء أصحاب الأهواء والبدع.
وبهذا يعلم أن عبادة الأصنام ليست محصورة في نوع خاص أو شكل معين، فهي تتعدد بتعدد أنواع العبادة.(16/118)
وقد كانت البشرية في أول عهدها على التوحيد الخالص، قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ) [البقرة: 213] . ولم تعرف البشرية عبادة الأصنام إلا بعد عشرة قرون من عهد آدم إلى زمن نوح عليهما السلام حيث حدثت عبادة الأصنام من دون الله بعد تلك الفترة فبعث الله نوحًا لإرجاعهم إلى توحيد الله ونبذ عبادة الأصنام.
وقد جاء في تفسير قوله تعالى: (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) [نوح: 23] . أنها أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا وسموها بأسمائهم. ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، ونسخ العلم عبدت، ثم صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في قبائل العرب بعد ذلك، حتى بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم فأزالها. انظر صحيح البخاري (4920) . ولم تخل أمة من الأمم من نبي يدعوها إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه من الأصنام والأوثان قال تعالى: (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إلاّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ) [فاطر: 24] .
أما آثار عبادة الأصنام على تفكير المسلم وسلوكه فهي كثيرة، وقد ورد في كتاب الله الإشارة إلى بعض تلك الآثار ومنها على سبيل المثال:
1. عدم الأمن والطمأنينة وراحة النفس والبال، قال تعالى: (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 81- 82] . والظلم في هذه الآية هو الشرك، كما في قوله تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: 13] .
2. الانحطاط الفكري والسلوكي بحيث يعبد بشرًا مثله لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، بل أشد من ذلك يعبد جمادًا لا يسمع ولا يبصر، قال تعالى: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة: 31] . وقال تعالى: (لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا) [مريم: 42] .
3. اتباع الظنون والتخرُّصات، قال تعالى: (أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) [يونس: 66] .
4. التناقض في سلوكهم وتفكيرهم وعبادتهم، قال تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) [يوسف: 106] .(16/119)
5. التخبط وعدم معرفة النافع من الضار، قال تعالى: (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لأنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد: 16] .
6. الانتهازية والنفعية في سلوك من يعبد مع الله إلهًا آخر، قال تعالى: (ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) [النحل: 54] . وقال تعالى: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت: 65] . وقال تعالى: (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) [الروم: 33] . حيث يعبد ربه حال الشدة ويشرك به بعد انكشاف الضر وانقضاء الحاجة.
7. بسبب عبادة الأصنام ونحوها من دون الله يتسلط الشيطان على المشرك فتجد كثيرًا من سلوكه وتفكيره من وحي الشيطان وإلهامه، قال تعالى: (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ) [النحل: 100] . وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) [الأنعام: 112] .
8. تفكير المشرك دنيوي مادي فالنعمة تبطره وتنسيه ربه وتجعله يعبد غيره، قال تعالى: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا* وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا* وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا) [الكهف: 34- 36] .
9. المشرك تسيطر عليه الخرافة حيث يدعو من لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر، فهو في ضلال، قال تعالى: (إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر: 14] . وقال تعالى: (وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ) [غافر: 50] .
10. تشتت الهم والفكر بين المعبودات المتنوعة، قال تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [الزمر: 29] .
11. الحرص على الحياة الدنيا، قال تعالى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [البقرة: 96] .(16/120)
12. الضيق والحرج، والشعور بالإحباط واليأس مما يجعله يقنط من رحمة ربه، بل ويؤدي بكثير من عباد الأصنام إلى الانتحار، قال تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام: 125] . وقال تعالى: (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ) [الحجر: 56] .
هذه بعض آثار عبادة غير الله من الأصنام ونحوها على سلوك عابديها، وهي كثيرة، كما أن هناك آثارًا أخروية مثل:
تحريم دخول الجنة، وعدم مغفرة الذنوب، والتخليد في نار جهنم، ونحو ذلك. . . وعمومًا فكل فائدة وثمرة لتوحيد الله وعبادته فإنه يقابلها ويضادها مفسدة ومضرة من مفاسد الشرك ومضاره، أو أكثر. والله أعلم.(16/121)
تسوية القبر وارتفاعه
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/10/1425هـ
السؤال
كيف نوفق بين النهي عن ارتفاع القبر فوق الشبر، والأمر بإعادة ترابه عليه إذا كان إعادة ترابه عليه سيرتفع أكثر من الشبر.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
تحديد مقدار رفع القبر بشبر ونحوه لم يرد بنص من الشارع، وإنما هو من كلام العلماء؛ فهموه من أحاديث النهي عن البناء على القبور، والأمر بتسوية ما ارتفع منها، كحديث علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: ". . . لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ ". أخرجه مسلم (969) . وكفعل الصحابة، رضي الله عنهم، بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، فقد جاء في وصفها (أنها ليست بمُرْتَفِعَةٍ ولا وَاطِئَةٍ) . وجاء في سنن أبي داود (3215) ، والترمذي (1713) ، وابن ماجه (1560) ، والنسائي (2010) ، من حديث هشام بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: "احْفِرُوا وأعمقوا وأَوْسِعُوا. . . ".
ولكن تحديد مقدار هذا العمق لم يرد فيه دليل، فلهذا اختلف في تحديده، فروي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه أوصى أن يعمق قبره قدر قامة وبسطة، وأوصى ابنه عبد الله، رضي الله عنه، أن يعمق قبره قدر قامة، ولا يزاد، واستحسن الشافعي، وأبو الخطاب الحنبلي أن يعمق القبر قدر قامة الإنسان، ورأى الخليفة عمر بن عبد العزيز أن يعمق القبر قدر السرة فقط، واستحب الإمام أحمد أن يعمق القبر إلى الصدر، وكل هذه النقول والأقوال متقاربة، مبناها على مراعاة تطييب نفوس أهل الميت، وإلا فإن السعة، والعمق في القبر لا تنفع الميت، وإنما ينفعه عمله، ولهذا قال البهوتي في الروض: (وسُنَّ أنْ يُوسَّعَ ويُعمَّقَ قبرٌ بلا حدٍّ، ويَكفي ما يَمْنعُ من السِّباعِ والرَّائحةِ) . ومعلوم أنه كلما زادت حفرة القبر زاد ترابها، وقد ورد النهي في سنن أبي داود (3225) والنسائي (2027) عن الزيادة على القبر: نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يُبْنَى عَلَى القَبْرِ أوْ يُزَادَ عَلَيْهِ.
وإذا كان تراب القبر يرد عليه، فإن ما زاد منه يكون تسنيمًا له، وقد يكون التسنيم شبرًا، أو أقل أو أكثر، حسب كثرة تراب القبر الزائد عن الدفن، وبهذا يتبين أن تحديد ارتفاع القبر بشبر أمر تقريبي لا غير. والله أعلم.(16/122)
الحج عن الميت
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/12/1426هـ
السؤال
لقد حججت واعتمرت عن نفسي، وزوجة أبي اعتمرت ولكن توفيت قبل أن تحج، أبي إن شاء الله سوف يحج هذه السنة لأنه لم يحج من قبل، أرغب في الحج عن زوجة أبي هذه السنة على حسابي الخاص.
السؤال الأول: ما حكم هذا الحج؟ علماً بأن لها أولاداً ولكن لا يستطيعون من الناحية المادية.
السؤال الثاني: كيف أستطيع أن أحج وأعتمر نيابة عنها، وأعتمر لنفسي.
السؤال الثالث: ما هو أجر الحاج والحاج عنه؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
الأول: يجوز للحي أن يحج عن الميت، سواء كان من أقاربه أو لم يكن من أقاربه، وسواء كان أولاده أحياء أم كانوا أمواتاً.
الثاني: يستطيع النائب أن يجمع بين الحج والعمرة عن المنوب عنه وبين العمرة لنفسه، بأن يأتي بعمرة وحج عن المنوب عنه، ثم بعد ذلك يخرج إلى أدنى الحل فيحرم بعمرة عن نفسه.
الثالث: الحج وردت فيه فضائل كثيرة، وأحاديث متنوعة، من ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" صحيح البخاري (1521) ، وصحيح مسلم (1350) .
وجاء في الصحيحين أيضا من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" صحيح البخاري (1773) ، وصحيح مسلم (1349) . والأحاديث في هذا كثيرة جداً، جاء في صحيح مسلم (121) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعمرو بن العاص -رضي الله عنه- "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله".
وبالنسبة لمن حج عن غيره فيرجى له الأجر العظيم؛ لأنه دال على الخير، وقد جاء في صحيح مسلم (1893) : "من دل على خير فله مثل أجر فاعله".(16/123)
نزع الإحرام ولبس الثوب!
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/12/1426هـ
السؤال
ذهبت للعمرة وأحرمت من الميقات، وعند وصولي للحرم كنت مجهداً إجهاداً شديداً ولم أذهب لأعتمر، بل ذهبت للفندق ونزعت الإحرام ولبست الثوب، وفي اليوم الثاني ذهبت لميقات أهل مكة (التنعيم) وأحرمت من جديد، واعتمرت فما الذي علي فعله؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فلا يجوز نزع ثياب الإحرام بعد التلبس به والرجوع إلى الثياب العادية؛ لأن النسك يجب إتمامه بعد الشروع فيه، وكونك أعدت لبس الإحرام في اليوم الثاني جيد، ولتعلم أن رفضك للإحرام الأول واستحلالك لبعض محظورات الإحرام لا يجوز، بل بإمكانك الصبر حتى يزول عنك التعب، كما بالإمكان أن يطاف بك على عربة أو محمولاً وكذا السعي، هذا وكما قلت آنفاً: إعادتك لبس الإحرام في اليوم الثاني جيد، لكنك قبل طوافك وسعيك لا زلت على إحرامك الأول، فيجب عليك فدية لكل ما فعلته من محظور من محظورات الإحرام، وأنت ذكرت أنك لبست الثياب، فإن كان كذلك فقط ولم تغط رأسك ولم ترتكب محظوراً آخر من محظورات الإحرام فليست عليك إلا فدية واحدة، وهي على التخيير إما ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين كيلو وربع، أو صيام ثلاثة أيام (اختر ما شئت من الثلاثة) ، فإن كنت قد غطيت رأسك فعليك فدية أخرى كما سبق، هذا ما أراه حول هذا السؤال. والله أعلم.(16/124)
كسب النبي صلى الله عليه وسلم
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ فقه المناسبات/ربيع الأول
التاريخ 25/10/1425هـ
السؤال
هل كان للنبي صلى الله عليه وسلم- عمل أو أي شكل من الوظيفة؟ يسألني كثير من غير المسلمين مثل هذا السؤال، لكنني لست متأكدًا من الجواب عليه، الذي أعرفه أنه كان راعيًا في مرحلة من عمره، وسافر للتجارة، وطبعًا كان يرعى شؤون المسلمين في المدينة بعد نهوض المسلمين فيها، فهل كان عليه الصلاة والسلام يعتمد على الآخرين في معيشته، مثل خديجة، رضي الله عنها، أو أبو طالب، أو أبو بكر، رضي الله عنه؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكسب برعي الغنم قبل البعثة، كما جاء في صحيح البخاري (2262) ، من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا بعَث اللهُ نبيًّا إلاَّ رعَى الغَنَمَ". فقال أصحابه، رضي الله عنهم: وأنتَ؟ فقال: "نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاها عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ". قال أحد رواته: يعني: كلُّ شاةٍ بقيراطٍ، يعني القيراط الذي هو جزء من الدينار أو الدرهم. وزاول النبي صلى الله عليه وسلم- التجارة فخرج إلى الشام في تجارة لخديجة رضي الله عنها- مضاربةً- كما ذكره ابن إسحاق في السيرة، وأخرج البيقهي في السنن الكبرى (6/118) ، من طريق الربيع بن بدر- وهو ضعيف- عن أبي الزبير، عن جابر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آجَرْتُ نَفْسِي مِن خَدِيجةَ سَفْرَتَيْنِ بِقَلُوصٍ.. ". والقلوص هي النافة من الإبل، وقال الله سبحانه وتعالى: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا) [الفرقان: 7] . وقال أيضًا: (وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ
الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ) [الفرقان من الآية: 20] . ومعنى وصفه- صلى الله عليه وسلم- ووصف الأنبياء بالمشي في الأسواق، أي للتكسب والتجارة طلبًا للربح الحلال، ثم لما شرع الله الجهاد بالمدينة، كان يأكل مما أباح الله له من المغانم التي لم تبح قبله، ومما أفاء الله عليه من أموال الكفار التي أبيحت له دون غيره، كما جاء في المسند (5094) عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُعِثْتُ بينَ يَدَيِ السَّاعَةِ بالسَّيْفِ حتَّى يُعبَدَ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وجُعِل رِزْقِي تحتَ ظِلِّ رُمْحِي ... ". وقال الحافظ ابن حجر، وهو يتحدث عن أفضل المكاسب: وفوق ذلك من عمل اليد ما يكتسب من أموال الكفار بالجهاد، وهو مكسب النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، رضي الله عنهم، وهو أشرف المكاسب لما فيه من إعلاء كلمة الله تعالى وخذلان كلمة أعدائه والنفع الأخروي. هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(16/125)
الانتفاع بالمقابر القديمة بالزراعة أو السكن
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/05/1426هـ
السؤال
هناك قطعة من الأرض كانت مقبرة للقرية منذ خمسين سنة، وقد ألغيت وتم زراعتها بالأشجار والقمح منذ ذلك العهد، فهل هناك مانع من إقامة منزل على هذه الأرض؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حياً، فهذه المقبرة هي ملك للأموات لا يجوز التعدي عليها ونبش قبورها، أو البناء عليها أو زراعتها، ففي حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يبنى على القبور. أخرجه مسلم في صحيحه (970) . وفيه أيضًا (972) من حديث أبي مرثد الغنوي -رضي الله عنه-: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها"، وفي صحيح مسلم أيضاً (971) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه، فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر"، وعلى هذا فالواجب تقوى الله، وإلغاء ما تم إحداثه على المقبرة، وعدم التعدي عليها.(16/126)
هل في هذه الأرض زكاة؟
المجيب خالد بن عبد الله البشر
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 08/03/1426هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم.
سؤالي: اشتريت قطعة أرض بقصد السكن في نصفها، وبيع النصف الآخر بعد البناء، ولكن بعد سنة كاملة من البناء قررت بيع كلتا القطعتين، وفي السنة الثانية بعت إحداهما وما زالت الثانية معروضة للبيع. كيف أخرج الزكاة فيما ذكر؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بالنسبة للنصف الذي نويته للسكن ليس فيه زكاة مدة نيتك أنك تبنيها، وبعد أن تغيرّت نيتك من البناء إلى بيعها؛ ففيها زكاة إذا حال عليها سنة منذ أن نويتها للبيع.
أما بالنسبة للنصف الآخر الذي نويت بيعه فإنك تخرج زكاته عن كل سنة.
فالأصل في هذه المسألة أن الحول يبدأ من النية الجازمة في البيع.
دليل هذه المسألة:
ما أخرجه أبو داود (1562) بسنده عن سمرة بن جندب، قال: أما بعد، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع.
وروى عن حِماس قال: مرَّ علي عمر؛ فقال: أدّ زكاة مالك. فقلت: ما لي مال أزكيه إلا في الخفاف والأَدَمَ. قال: فقومه، وأدَّ زكاته أخرجه عبد الرزاق (7099) والدارقطني 2/125.
وأخرج الشافعي في الأم 2/46 والبيهقي 4/147 بسنديهما عن أبي عمرو بن حماس أن أباه: قال مررت بعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وعلى عنقي آدمة أحملها، فقال عمر: ألا تؤدي زكاتك يا حماس؟ فقلت: يا أمير المؤمنين ما لي غير هذه التي على ظهري، وآهبة في القرظ. فقال: ذاك مال فضع. قال: فوضعتها بين يديه، فحسبها، فوجدت قد وجبت فيها الزكاة؛ فأخذ منها الزكاة.
والله أعلم،،، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(16/127)
ائتمام المرأة بصلاة الإمام وهي ففي بيتها!
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/02/1426هـ
السؤال
والدتي مريضة، ويصعبُ عليها الذهاب للمسجد لأداء صلاة التراويح مع الجماعة، وكذلك فهي أميَّة لا تقرأ ولا تكتب، وتحفظ الشيء اليسير من كتاب الله، وأمنيتها الوحيدة أداء الصلاة مع الجماعة، وقد أشرت عليها بافتراش السجادة في فناء البيت والصلاة مع الجماعة من خلال سماع القراءة من السماعات الخارجية للمسجد الذي يقع مقابل بيتنا، أي أنه عند أداء الصلاة يكون موقع والدتي أمام المسجد مباشرة. فهل عليها حرج في ذلك؟. أفتونا مأجورين بارك الله فيكم.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولاً: صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد بنص حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم-: "لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن" أخرجه أبو داود (567) ، فينبغي لك أن توضح ذلك لوالدتك.
ثانياً: إذا كانت والدتك تصلي في فناء بيتها فأرى لها ألا تقتدي بمن يصلي في المسجد؛ لأنها ليست في المسجد ولا في امتداد صفوف المصلين، بل تصلي لوحدها. نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم.(16/128)
هل في الأرض المشتراه بالتقسيط زكاة؟
المجيب عبد العزيز بن إبراهيم الشبل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/02/1426هـ
السؤال
أرض اشتريتها باسمي بالتقسيط ومدة التقسيط (3سنوات) ولم أكمل سدادها، هل علي زكاة عن كل سنة، أو عن قيمة الأرض كلها بعد انتهاء التقسيط؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
جواب هذا السؤال يتكون من شقين:
الشق الأول: هل الدين يمنع وجوب الزكاة؟
والجواب هو: أن الصحيح من أقوال العلماء أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة إلا الدين الحال الذي يريد المسلم سداده، وما سوى ذلك فإنه لا يمنع وجوب الزكاة، والدليل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بالزكاة وبعث عماله لأخذ الزكاة ولم يؤثر عنه أنه كان يقول: لا تؤخذ الزكاة ممن عليه دين.
وأما دليل عدم وجوب الزكاة في المال الذي يريد صاحبه سداد الدين به، فهو ما ورد عن عثمان -رضي الله عنه- أنه خطب فقال: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دينه فليقض دينه حتى تخلص أموالكم فتؤدوا منها الزكاة. رواه مالك والبيهقي بسند صحيح.
الشق الثاني: هل في الأرض زكاة؟
والجواب هو: أن ذلك يختلف باختلاف الغرض من الأرض، فإن كان الغرض من الأرض بيعها فإن زكاتها زكاة عروض التجارة ربع العشر (2,5%) .
وأما إن كان الغرض من الأرض تأجيرها والانتفاع من غلتها، فالصحيح من أقوال العلماء أنه لا زكاة في الأرض، وإنما الزكاة في الغلة بعد أن يحول عليها الحول.
وأما إن كان الغرض من الأرض القنية (أي استخدامها لأغراضه الشخصية) كبناء بيت والسكن فيه، ففي هذه الحال لا يجب فيها الزكاة.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.(16/129)
القرآن وخلق عيسى -عليه السلام-
المجيب عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
عضوهيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
إذا كان القرآن غير مخلوق، فكيف ينطبق الأمر في حالة نبي الله عيسى عليه السلام، حيث وصفه الله بأنه "كلمته"؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
عيسى عليه السلام، وصف بأنه كلمته، يعني مخلوق بكلمة الله، ليس هو الكلمة، قال تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران: 59] . يعني أنه مخلوق بكلمة: كُن. وليس هو الكلمة، فالنصارى يدّعون أن عيسى عليه السلام، هو نفس الكلمة، وأنه جزء من الله، والعياذ بالله، وهذا كفر، كفَّرهم الله به؛ (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. . .) [المائدة: من الآية 17 ومن الآية 72] ، قال تعالى: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: من الآية54] . فالله يخلق بالكلام، وقال تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس: 82] . والله أعلم.(16/130)
المكافأة على المعروف بالدعاء
المجيب د. هشام بن إسماعيل الصيني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/05/1427هـ
السؤال
هل يوجد حديث فيه أن الشخص الذي يصنع معروفا لشخص آخر عليه ألا ينتظر مكافأة على صنعيه، لكن إذا أسدى أحد معروفا إليه، وجب أن يكافئه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا صنعت معروفا لأخيك فلا تنتظر الأجر أو المكافأة منه، ولكن احتسب العمل لله وحده، وأما إذا صنع إليك إنسان معروفا فكافئه إن استطعت، فإن لم تستطع فادع له دعاء كثيراً، حتى ترى أنك كافأته بهذا الدعاء؛ ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد (5484) ، وأبو داود (1672) ، والنسائي (2567) . من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه".(16/131)
قاعدة الولاية الخاصة أقوى من العامة
المجيب وليد بن علي الحسين
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 30/05/1427هـ
السؤال
قاعد الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة، ما علاقتها بمقاصد الشريعة؟
وهل هناك قواعد متفرعة عن هذه القاعدة؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد:
فإن قاعدة (الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة) من القواعد الفقهية التي نص عليها الفقهاء في كتب القواعد الفقهية، وهي تفيد تقديم صاحب الولاية الخاصة على الولاية العامة، فلا يحق للولي العام أن يتصرف مع وجود الولي الخاص، سواء أكانت الولاية الخاصة ثابتة من جهة الشارع (كولاية الوالد على ولده، وولاية الزوج على زوجته) ، أو ثابتة من جهة التعيين (كولاية الناظر على الوقف، والوصي على اليتيم) .
ولهذه القاعدة علاقة بمقاصد التشريع لتعلقها بالسياسة الشرعية في تدبير الأمور وتصريفها، والحفاظ على المصالح العامة، وتوزيع الصلاحيات والمسئوليات، وإعطاء كل مسؤول صلاحيته حتى لا تتداخل الصلاحيات، ويقع التنازع والتشاحن فلا يتصرف القاضي في مال اليتيم مع وجود وليه، ولا في الوقف مع وجود الناظر عليه.
وإنما قدم صاحب الولاية الخاصة؛ لأن الولاية كلما ضاقت قوي الولي على القيام بجلب مصالحها ودفع المضار عنها، وكلما اتسعت الولاية عجز الولي عن القيام بمصالحها، والمقصود من جعل الولي هو تحقيق مصالح المتولى عليه ودرء المفاسد عنه، وصاحب الولاية الخاصة أقدر في ولايته على ما يتحقق به جلب المصلحة لتخصصه في ذلك.
ولا يتفرع عن هذه القاعدة قواعد، وإنما ذكر الفقهاء تطبيقات لها في كتاب النكاح، والوقف، والقصاص، وغيرها.
والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(16/132)
الصفوف غير المتصلة في الصلاة!
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
في بلادنا يوجد مكان خاص بالمؤذن، ويكون في الجهة الخلفية من المسجد، فعندما لا يمتلئ المسجد يكون هناك فراغ بين آخر صف من صفوف الصلاة وبين منطقة المؤذن ما لا يقل عن أربعة أمتار، فهل يجوز للمؤذن أن يصلي في تلك المنطقة مع هذا الفرق في المسافة؟ مع العلم أن بعض الناس يقومون بترك الصف الأخير من الصلاة ويصلون إلى جانب المؤذن، راجيًا أن تكون الإجابة متضمنة كم يجب أن تكون المسافة بين صف وآخر إذا كانت المسافة كبيرة؟ أفيدونا أثابكم الله.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فما دام أن منطقة المؤذن داخل المسجد، فيجوز له أن يصلي فيها إذا لم يكن منفرداً في الصف، ولو كان بينه وبين الصف الأخير مسافة تزيد على أربعة أمتار، وقد حكى النووي الإجماع على الجواز في كتابه المجموع (4/302) ، حيث قال: (للإمام والمأموم في المكان ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكونا في مسجد، فيصح الاقتداء سواء قربت المسافة بينهما أم بعدت لكبر المسجد، وسواء اتحد البناء أم اختلف، تصح الصلاة في كل هذه الصور وما أشبهها إذا علم صلاة الإمام، ولم يتقدم عليه، سواء كان أعلىمنه أو أسفل، ولا خلاف في هذا، ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين) ا. هـ.
ثم وضَّح - رحمه الله- ما يحصل به العلم بصلاة الإمام، بقوله: (ويحصل له العلم بذلك بسماع الإمام، أو من خلفه، أو مشاهدة فعله، أو فعل من خلفه، ونقلوا الإجماع في جواز اعتماد كل واحد من هذه الأمور) ا. هـ.
وبهذا يعلم أن صلاة المأموم - سواء كان مؤذناً أو غيره- تصح خلف الإمام، ولو كان بين الصف الذي هو فيه، وبين الإمام أو الصف الأخير مسافة كبيرة، ما دام أنهم في مسجد واحد، وما دام أن المأموم يعلم صلاة الإمام بسماع الإمام أو من خلفه، أو مشاهدة فعل الإمام أو من خلفه، وأن هذا إجماع كما حكاه النووي، وكما حكاه أيضاً أبو البركات ابن تيمية، كما نقله عنه الشيخ ابن قاسم في حاشية الروض (2/347) رحم الله الجميع.
ولكن يتأكد أن أنبه - هنا- على أنه لا ينبغي للمأموم عموماً، وللمؤذن خصوصاً أن يتأخر عن الصفوف الأولى؛ لما في ذلك من مخالفة السنة، التي أُمرنا باتباعها، فقد جاءت الأحاديث الكثيرة بالترغيب في المسابقة إلى الصفوف الأُوَل، ومن ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه (440) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ... " الحديث.
ومنها ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، يعني - من الثواب- ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا" صحيح البخاري (615) وصحيح مسلم (437) .(16/133)
بل حثَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على المقاربة بين الصفوف - بعضها مع بعض- وبين الصف الأول وبين الإمام، فقال صلى الله عليه وسلم: "تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله" أخرجه مسلم في صحيحه (438) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه-.
لهذه النصوص وغيرها، فإنه لا ينبغي للمؤذن وهو الأسوة أن يتأخر عن الصف الأول، فضلاً عن أن يكون في مؤخرة المسجد، وعليه أن يكون داعية بفعاله قبل أن يكون داعية بلسانه ومقاله. والله تعالى أعلم.(16/134)
إقامة جماعتين أو أكثر في آن واحد
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/02/1426هـ
السؤال
ما حكم قيام أكثر من جماعة في مسجد واحد وفي وقت واحد، ومع أي جماعة يصلي المصلي هل مع الأغلبية أم مع الجماعة التي أقامت الصلاة أولا؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن إقامة أكثر من جماعة في مسجد واحد وفي وقت واحد بدعة لم تكن على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه - رضي الله عنهم-، قال الزركشي في إعلام المساجد (ص 366) : (تكرير الجماعة في المسجد الواحد خلف إمامين فأكثر كما هو الآن بمكة وجامع دمشق لم يكن في الصدر الأول) .
وقال أحمد شاكر - رحمه الله- في تعليقه على الترمذي (ج1 ص431) : (وقد كان عن تساهل المسلمين في هذا، وظنهم أن إعادة الجماعة في المساجد جائزة مطلقاً أن فشت بدعة منكرة في الجوامع العامة مثل الجامع الأزهر والمسجد المنسوب للحسين - رضي الله عنه- وغيرهما بمصر، فجعلوا في المسجد الواحد إمامين راتبين أو أكثر ... إلى أن قال: بل قد بلغنا أن هذا المنكر كان في الحرم المكي، وأنه كان يصلى فيه أربعة أئمة يزعمونهم للمذاهب الأربعة، ولكننا لم نر ذلك، إذ أننا لم ندرك هذا العهد بمكة، وإنما حججنا في عهد الملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله-، وسمعنا أنه أبطل هذه البدعة وجمع الناس في الحرم على إمام واحد راتب، ونرجو أن يوفق الله علماء الإسلام لإبطال هذه البدعة من جميع المساجد في البلدان بفضل الله وعونه إنه سميع الدعاء) . انتهى كلامه رحمه الله.
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله- في الشرح الممتع (ج4 ص228) ما نصه: (فأما الصورة الأولى بأن يكون في المسجد جماعتان دائماً: الجماعة الأولى والجماعة الثانية، فهذا لا شك أنه مكروه إن لم نقل إنه محرم؛ لأنه بدعة لم يكن معروفاً في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ومن ذلك ما كان معروفاً في المسجد الحرام قبل أن تتولى الحكومة السعودية عليه، كان فيه أربع جماعات كل جماعة لها إمام (إمام الحنابلة يصلي بالحنابلة) و (إمام الشافعية يصلي بالشافعية) و (إمام المالكية يصلي بالمالكية) ، و (إمام الإحناف يصلي بالأحناف) ،..... الملك عبد العزيز - جزاه الله خيراً- لما استولى على مكة قال: هذا تفريق للأمة، أي: أن الأمة الإسلامية متفرقة في مسجد واحد، وهذا لا يجوز، فجمعهم على إمام واحد، وهذه من مناقبه وفضائله رحمه الله تعالى) انتهى. والله أعلم.(16/135)
هل في هذه الأرض زكاة؟
المجيب عبد الله بن علي الريمي
ماجستير كلية الشريعة من جامعة الإمام
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/05/1426هـ
السؤال
لدي أرض قيمتها مائتان وخمسون ألف ريال، اشتريتها لأبيعها بعد فترة لأبني لي بيتاً في موقع آخر، هل في هذه الأرض زكاة، علماً أن عليَّ مبلغ خمسمائة ألف ريال، عبارة عن أقساط شهرية بواقع 8000 ريال شهرياً. كما أنني أقرضت أحد الإخوان قبل سنة ونصف مبلغ ثلاثين ألف ريال، وهو من الثقاة، فهل فيها زكاة؟ أفيدونا، وأسأل الله أن يجزيكم عنا كل خير.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، أما بعد:
فإن كانت الأرض التي اشتريتها اجتمع فيها هذان الشرطان:
1- أن تقصد بها التكسب.
2- عرضها للبيع، فعليك الزكاة فيها عن كل سنة ما دام الشرطان مجتمعين, وإن كنت لم تقصد بها التكسب، أو قصدت ذلك ولكنك لم تعرضها للبيع، فتزكي ثمنها إذا بعتها (2.5%) مرة واحدة.
والذي يظهر أن الدين الذي يسدّد عن طريق الأقساط المسحوبة من الراتب لا يمنع الزكاة، بل يزكي الإنسان ماله الموجود بيده إذا حال عليه الحول.
أما الدين الذي أقرضته لأخيك المذكور، فإن كنت تقصد بالثقة أنه قادر على الدفع عند الطلب بدون مماطلة فعليك زكاة المال كل سنة , وإن كان معنى الثقة أنه لا يجحد المال، ولكنه لا يستطيع الدفع لعجزه فتزكي المال (30.000) مرة واحدة عند قبضه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/136)
هل ورد في السُنَّة علاج العقم؟
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/04/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
هل ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما هو مختص بعلاج العقم؟. وفقكم الله.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
لا أعلم شيئاً ورد في السنة يختص بعلاج العقم، ولكن ينبغي للإنسان أن يحرص على الدعاء، وصدق الالتجاء إلى الله بسؤاله الذرية الطيبة، ويتوخى ساعات الإجابة، وقد أخبر الله -سبحانه وتعالى- أنه رزق زكريا -عليه السلام- الولد على كبر سنه وعقم امرأته حينما دعا ربه، قال عز وجل: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) [الأنبياء:90،89] ، وقال تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) [آل عمران:38] ، وعلى الإنسان الذي لم يرزق بولد أن يحرص على كثرة الاستغفار والتوبة، فهو سبب في مغفرة الذنوب ونزول الغيث والإمداد بالأموال والبنين، قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مُدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً) [نوح:10-12] ، وإذا بذل المسلم الأسباب في طلب الولد ولم يتحقق ذلك فعليه بتفويض الأمر إلى الله، والرضا بما قسم الله له، فهو لا يعلم فيما تكون الخيرة فيه، هذا والله أعلم.(16/137)
هل في دنو المأمومين من الإمام فضل؟
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/05/1426هـ
السؤال
هل يوجد حديث صحيح، أو قول للأئمة أو التابعين، أو تفضيل بخصوص مقاربة صفوف المأمومين للإمام في الصلاة، كمسافة بين موضع وقوفهم ووقوفه؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
ورد في الأحاديث الأمر برص الصفوف وتسويتها والدنو من الإمام. انظر صحيح البخاري (719،717) ، وصحيح مسلم (436) ، وقد ذكر بعض أهل العلم أن السنة ألا تزيد المسافة بين الإمام والمأمومين على ثلاثة أذرع.
قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى (1/215) : "السنة ألا يزيد ما بين الإمام ومن خلفه من الرجال على ثلاثة أذرع تقريباً كما بين كل صفين".
ومعنى هذا أن المسافة ما بين أقدام المصلين في الصف الأول وقدم الإمام لا تزيد على ثلاثة أذرع، وهذا مأخوذ من أن السنة أن يكون ما بين المصلي - أي موضع قدميه - وسترته قدر ثلاثة أذرع، كما في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان إذا دخل الكعبة مشى حتى يكون بينه وبين الجدار -وفي لفظ: القبلة- ثلاثة أذرع صلى، يتوخى المكان الذي أخبره بلال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى فيه. صحيح البخاري (506) ، وسنن أبي داود (2023) . والله أعلم.(16/138)
منعها زوجها من الحج فهل يسقط عنها!
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/12/1426هـ
السؤال
أنا امرأة متزوجة وقد توفي والدي وترك لي أرثاً جيداً أستطيع من خلاله أن أذهب مع ابني الشاب إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، وزوجي لا يسمح لي بالذهاب، وهنا في دولتي يطلبون موافقة الزوج، وفي كل عام ألح عليه وهو يرفض، وأنا الآن تجاوزت الخمسين، وأخاف أن أموت دون تأدية هذه الفريضة، ودون أن أحظى بتلك المتعة. أفتوني مأجورين.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا يجوز لزوجك أن يحول بينك وبين الحج، وهو في ذلك آثم أعظم الإثم. لكن مع عجزك بمنعه لك. لا يلزمك الحج ويسقط عنك، ولعلك أن توصي من يشفع لك عنده لعله يتذكر أو يخشى، ولعل قلبه أن يرق، ومحاولتك هدايته ألزم عليك من السفر للحج، فانصحيه وعظيه وخوفيه بالله، ومريه بالصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر واجبات الإسلام. والله أعلم.(16/139)
التيس المستعار!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/11/1426هـ
السؤال
كنت متزوجاً بامرأة أنجبت منها طفلاً، ثم طلقتها ثلاثاً، ورغم انفصالنا إلا أننا يحب كل منا الآخر، وذلك من أجل ولدنا، وقد استمر تواصلنا بعد الطلقة الثالثة، وحين نلتقي لا نملك أنفسنا فنقع في الحرام، فهل أجعلها تتزوج بآخر لتحل لي من جديد؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولاً: لا بد أن تعلم أن الزنا من كبائر الذنوب، وأن عقوبة الزاني المحصن الرجم بالحجارة حتى يموت، كما صح ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد رجم ماعزاً -رضي الله عنه- أخرجه البخاري (6824) ، ومسلم (1693) ، ورجم الغامدية -رضي الله عنها- أخرجه مسلم (1695) .
ثانياً: يجب عليك التوبة النصوح من هذا الذنب العظيم وهذه الكبيرة، والندم على ما فات، وأن تعزم على عدم العود إلى الزنا مرة ثانية. قال الله تعالى: "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً" [الفرقان:68-70] .
ثالثاً: يجب عليك عدم الحديث بما وقع منك في المجالس العامة أو الخاصة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه" رواه البخاري (5721) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
رابعاً: يحرم عليك الخلوة بتلك المرأة ورؤيتها، بل الواجب عليك ألا تذهب إلى بيتها بل تُرسل من يحضر ولدك إليك في مقر سكنك (كالفندق أو غيره) ، قال عليه الصلاة والسلام: "لا يخلو رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان" رواه الترمذي (2165) ، والنسائي (9219) من حديث عمر -رضي الله عنه- وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
خامساً: هذه المرأة التي بانت منك بينونة كبرى -حيث طلقتها ثلاثاً- لا تحل لك حتى تنكح غيرك نكاح رغبةٍ لا تحليل، ثم يطلقها قال تعالى: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يُقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون" [البقرة:229-230] .
أما النكاح الذي يقصد منه التحليل فلا يحل المرأة لك، فعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ " قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له" رواه ابن ماجه (1936) ، والحاكم (2/217) ، والدارقطني (3/251) ، وصححه الحاكم، وحسّن إسنادَ ابنِ ماجه الإمامُ عبدُ الحق. نصب الراية (3/239) .(16/140)
وعن عمر بن نافع عن أبيه، أنه قال: جاء رجل إلى ابن عمر -رضي الله عنهما- فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثاً فتزوجها أخ له مؤامرة منه ليحلها لأخيه، هل تحل للأول؟ قال: لا، إلا نكاح رغبة، كنا نعد هذا سفاحاً على عهد رسول الله -صلى الله عليه- رواه الحاكم (2/217) ، والبيهقي (7/208) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/141)
زكاة أسهم المضاربة
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/11/1426هـ
السؤال
اشتريت أسهماً في شركة الاتصالات ليس بغرض التجارة، وبعد سنتين ارتفع عدد الأسهم، فنويت أن أبيع، ثم أشتري عندما ينخفض السعر، فكيف أخرج الزكاة، حيث إن النية أصبحت للربح؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن زكاة الأسهم يختلف حكمها باختلاف النية من اقتنائها؛ لأن الأسهم إما أن تُقتنى لأجل الاستفادة من الأرباح التي تصرفها الشركات المساهمة، وإما أن تُقتنى من أجل المضاربة فيها، والاستفادة من الفرق الحاصل بين سعر الشراء والبيع.
فإن كانت النية من اقتنائها الاستفادة من أرباحها السنوية التي توزعها الشركات المساهمة آخر السنة، فإن الزكاة لا تجب على المساهم في هذه الحالة؛ لأن الشركات المساهمة تقوم بإخراج الزكاة الواجبة عليها، وهذا في الشركات المساهمة في المملكة العربية السعودية؛ لأنها ملزمة بإخراج الزكاة الواجبة عليها، لكن يجب عليك التأكد من أن الشركة قد أخرجت الزكاة الشرعية الواجبة عليها.
وإن كانت النية من اقتنائها المضاربة فيها، والاستفادة من الفرق بين سعر الشراء والبيع، فإنها في هذه الحالة تعد من عروض التجارة، ومقدار الزكاة الواجبة فيها اثنان ونصف في المئة (2.5%) ، وذلك بعد تقييم الأسهم عند تمام الحول على المساهم وهو يضارب في الأسهم. والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/142)
كيف الجمع بين هذين الحديثين؟
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/06/1426هـ
السؤال
كيف نجمع بين حديث: "يضحك الله إلى رجلين يتقاتلان ... " إلى آخر الحديث، وبين حديث: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار...."؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
حديث: "يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ، يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُسْتَشْهَدُ". أخرجه البخاري (2826) ، ومسلم (1890) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. وحديث: "إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّار"،ِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَال: "إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ". أخرجه البخاري (31) ، ومسلم (2888) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
وليس بين الحديثين تعارض، فالحديث الأول معناه أن رجلين أحدهما كافر والآخر مسلم، فيقتل الكافر المسلم، ثم يمن الله على الكافر فيسلم، والإسلام يهدم ما كان قبله.
وأما الحديث الآخر فهو من أحاديث الوعيد، فإن الملتقيين بسيفيهما قد توعدا بالنار، وهما تحت المشيئة إن شاء الله غفر لهما، وإن شاء عذبهما؛ لعموم قوله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ) [النساء:48] ، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة في مرتكب الكبيرة، وقد سماهم الله مسلمين مع توعدهما بالنار، وهذا مثل قوله عز وجل: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) [الحجرات:9] ، فسماهم الله مؤمنين مع وجود القتال بينهم، فالحاصل أن القتل من كبائر الذنوب، وهذا إذا لم يكن بتأويل سائغ، والله أعلم.(16/143)
هل يلزم الصبي إتمام العمرة؟
المجيب عبد العزيز بن أحمد الدريهم
رئيس كتابة العدل بمحافظة المزاحمية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/12/1426هـ
السؤال
عندما كنت في الثانية عشرة من عمري -تقريباً قبل البلوغ- أحرمت للعمرة، ولما ذهبت ووصلت الطائف مرضت ولم أتمم عمرتي، فهل يلزمني شيء؟ علماً بأني قد تيسَّر لي أداء العمرة عدة مرات بعد هذه المرة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه المسألة مبنية على ما ذكره أهل العلم في إحرام الصبي (أي غير البالغ) ، هل يلزمه إتمام ما أحرم به أم لا؟ اختلف أهل العلم فيها على قولين: أصحهما أنه لا يجب عليه الإتمام، وأنه يقبل ما أتى به في الطاعات، ولا يُلزم بما تركه؛ لأنه غير مكلف، وهذا مذهب الحنفية، وهو مارجَّحه العلامة الفقيه الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله رحمة واسعة.
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(16/144)
تأبين الميت
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/05/1426هـ
السؤال
ما حكم تأبين الميت (المسلم) ، فقد نقل عن كثير من العلماء فعله، فما هو أصل هذا العمل في ديننا؟.
الجواب
التأبين للميت - ذكر محاسنه في الحياة وعند الممات والدعاء له، ومنه العزاء أو التعزية لأهل الميت - مشروع، وأخذ به عامة العلماء وعمل الناس عليه بذكر محاسن الميت بحضور أهله وذويه؛ تأنيساً لهم وتطييباً لخواطرهم بفقد ميتهم، والأصل في هذا حديث أبي هريرة -رضي الله عنه - في سنن أبي داود (4900) ، والترمذي (1019) : "اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم"، وأخرجه الحاكم في المستدرك (1461) ، وصحح إسناده، ووافقه الذهبي في التلخيص.
وما يفعله بعض الناس من الجلوس في بيت الميت أو قريبه يستقبل المعزين- فعل سائغ لا شيء فيه شرعاً؛ لأن فيه تعاوناً على فعل الخير في الدعاء للميت لكل من المعزين والمعزى، وربما لولا تحديد المكان لما أمكن تعزية أولياء الميت، والفائدة حصول الجميع على الأجر.
أما تحديد العزاء (التأبين) ثلاثة أيام من وفاة الميت، فاستئناساً بحديث أم المؤمنين زينب بنت جحش المتفق عليه، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً". صحيح البخاري (1282) ، صحيح مسلم (1487) . والله أعلم.(16/145)
قراءة القرآن عند القبر بعد الدفن
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما هو رأي الأحناف في الإمام الذي يقرأ القرآن عند القبر بعد الفراغ من دفن المتوفى؟
وماذا تقولون في الأئمة الآخرين الذين يقولون إن ذلك بدعة ويجيزون الدعاء فقط؟ مَن مِنهم على الحق؟ وما هي آراء الأئمة الثلاثة الآخرين؟ أرجو تزويدي بأي أدلة تساعدني في معرفة الحق في هذه المسألة.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله
أما تفصيل مذاهب الأئمة وأصحابهم في مسألة قراءة القرآن عند القبور فيرجع في ذلك إلى كتب هذه المذاهب وكتب الخلاف.
وأما مجمل القول في هذه المسألة فللناس فيها ثلاثة مذاهب:
أحدها: المنع مطلقاً، أي أنها لا تجوز القراءة عند القبور مطلقاً.
الثاني: أنه تجوز القراءة مطلقاً.
والثالث: أنها تجوز القراءة عند الدفن فقط.
ويروى في ذلك بعض الآثار عن الصحابة -رضي الله عنهم-.
والقول الأول هو الصحيح، أي أنه لا تجوز القراءة عند القبور، فالقبور ليست موضعاً للصلاة ولا لغيرها من العبادات، كل ما دلت عليه السنة هو استحباب زيارة القبور للسلام والدعاء للأموات وتذكر الآخرة.
أما الصلاة فقد استفاضت السنة في النهي عنها عند القبور؛ فإن ذلك من اتخاذها مساجد كما قال صلى الله عليه وسلم: "فلا تتخذوا القبور مساجد؛ إني أنهاكم عن ذلك" أخرجه مسلم (532) .
ولم يأت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أرشد إلى قراءة القرآن عند القبور كما أرشد إلى زيارتها والدعاء لأهلها.
وأيضاً يقال: لماذا يُقرأ القرآن عند القبور؟ هل لأن ذلك أفضل للقارئ؟ أو من أجل أن ينتفع الميت بسماع القرآن؟
كل من الأمرين باطل، فالميت قد انقطع عمله إلا من علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية، كما صح بذلك الحديث انظر صحيح مسلم (1631) .
ودعوى الأفضلية تفتقر إلى دليل، ولا دليل على أفضلية القراءة عند القبور، فتحري القراءة عند القبور بدعة.
وقد حكى الأقوال الثلاثة ابن أبي العز الحنفي -رحمه الله- في شرحه للعقيدة الطحاوية فليرجع إليه.
والله أعلم.(16/146)
العمل في مصنع أسلحة في الدول الغربية!
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 01/02/1427هـ
السؤال
ما حكم العمل في مصنع أسلحة في ديار الغرب؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
زادك الله حرصاً وثباتاً على الدين، نعم يجوز العمل في مصانع الأسلحة كسائر الأعمال؛ إذ الأصل في الأشياء الإباحة والحل حتى يرد دليل بالمنع.
وصنع الكفار الأسلحة لا يلزم منها أن يحاربوا بها المسلمين، بل قد يبيعونها لهم فيستفيد منها المسلمون.
ثم إن العمل في مصنع الأسلحة قد يكون عملاً غير مباشر، كأن يكون إداريًّا أو خدميًّا، وتحريم صنع السلاح أو الإعانة عليه إنما يكون عند القطع واليقين أنه سيستخدم بعينه لضرر الغير، كقتل المسلم بغير حق، وتحقق هذا الغرض بعيد جداً إن لم يكن مستحيلاً.
أما عمل المسلم أجيراً ونحوه عند الكافر فجائز شرعاً؛ فقد تعامل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصحابة ومن بعدهم مع المشركين واليهود والنصارى، فتعاملوا بالبيع والشراء والإجارة، وتبادلوا الهدايا، ولم يدفعهم هذا إلى موالاة الكفار ومحبتهم. وفق الله الجميع إلى كل خير.(16/147)
تنقّل المقلد بين المذاهب
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/11/1426هـ
السؤال
هل يجوز لمسلم أن يخالف رأي الجمهور في مسألة ما، ويأخذ برأي قلة من العلماء؟ وهل يجوز التبديل بين المذاهب في مسألة واحدة، مثل قنوت الفجر، فيقنت يوماً ويدع يوما وهكذا؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الواجب على جميع المكلفين اتباع الأدلة الشرعية من الكتاب، وما صحّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمصير إلى ما تدل عليه، ولكن إذا كان الإنسان عاجزاً عن ذلك بأن لم يكن من أهل النظر في الأدلة الشرعية، واستنباط الأحكام منها- فإنه يجوز له أن يقلد أحد الأئمة المشهود لهم بالعلم والورع، فيلتزم بأقواله ويعمل بفتاويه، ويتبعه في كل ما لم يعلم بطلانه، أما إذا علم بطلان قوله في أي مسألة من المسائل، بأن تبين له فيها دليل يخالف قول إمامه، فإن الواجب عليه حينئذٍ العمل بما دل عليه الدليل، ولا يجوز له حينئذٍ الاستمرار على ما ذهب إليه إمامه؛ لأن التقليد إنما جاز لهذا العامي لأنه جاهل بالدليل، أما إذا عرفه أو أُخبر به وجب عليه ترك التقليد والعمل بالدليل؛ لعدم الحاجة إلى التقليد. وهذا الكلام ينبهنا إلى أن العامي لا يسوغ له التنقل بين المذاهب، بل يجب عليه اتباع مذهب إمامه، ولا يجوز له تركه في أي مسألة من المسائل، إلا إذا ظهر له دليلٌ صريحٌ يخالف مذهب إمامه، أمَّا إذا لم يظهر له دليلٌ يدل على خلاف ما ذهب إليه إمامه، فإنه لا يجوز له ترك مذهب إمامه ولا التنقل بين المذاهب؛ لأنه لا يفعل ذلك عن علم، وإنما مستنده في ذلك الهوى، واتباع الهوى لا يجوز.
ويمكن تطبيق هذا الكلام على مسألة القنوت في صلاة الفجر، فالواجب على العامي اتباع إمامه فيما ذهب إليه في هذه المسألة، فإن كان إمامه يرى مشروعية القنوت في صلاة الفجر قنت، وإن كان إمامه لا يرى مشروعية ذلك لم يقنت، ولا يجوز للعامي أن يتنقل بين المذاهب في هذه المسألة، وأحيل الأخ السائل إلى جواب عن سؤال حول حكم القنوت في صلاة الفجر في هذا الموقع، بعنوان: (القنوت في الفجر) . والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(16/148)
استيفاء العامل حقه من كفيله دون علمه
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/01/1427هـ
السؤال
لي صديق يعمل مع كفيل لا يعترف بأن للعمالة حقوقاً، أي لا نهاية خدمة، ولا تذاكر سفر، ولا راتب إجازة وغيره.
فهل للمكفول أخذ حقه دون زيادة بطريقة لا يعلمها الكفيل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا تحقق ما ذكر فيجوز للمكفول أخذ حقه بطريقة شرعية صحيحة، من نصحه أو إقناعه بواسطة آخرين بأن للعمالة حقوقاً عليه احترامها، فإذا لم يستجب فلصديقك أن يشتكيه عبر الجهات المختصة.
وأما أخذ الحق بنفسه فإن ذلك يمثل خيانة أو سرقة، ونهايته إلى الفوضى، كما أنه قد يظن أن له حقًّا وليس الأمر كذلك. وإنما يجوز أخذ الحق للزوجة مع زوجها إذا قصر في النفقة عليها؛ لما ثبت في الصحيحين، حيث قالت امرأة أبي سفيان للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إن أبا سفيان رجل بخيل، فهل لي أن آخذ من ماله دون علمه؟ قال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف". صحيح البخاري (5364) ، وصحيح مسلم (1714) .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(16/149)
كيف الجمع بين هذه الآية وهذا الحديث؟!
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/05/1426هـ
السؤال
قال تعالى: "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير.." [الأنعام: 145] ، ولكننا نعلم من الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن أكل الحمر الأهلية والسباع وغيرها. فكيف يكون التوفيق بين الآية والحديث؟ وفي صحيح البخاري روى عمرو: قلت لجابر بن زيد: "يزعم الناس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن أكل لحم الحمر، ولكن الحبر ابن عباس رفض أن يفتي في ذلك, وتلا: "قل لا أجد فيما أوحي إلي" الآية أرجو توضيح المسألة. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله, وبعد:
ثبت في السنة النهي عن لحوم الحمر الأهلية, وعن كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ. صحيح البخاري (4198) ، وصحيح مسلم (1940) ، وفيهما من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: نَهَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ. صحيح البخاري (4219) ، وصحيح مسلم (1941) ، وفيهما من حديث أبي ثعلبة -رضي الله عنه- قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ. صحيح البخاري (5527) ، وصحيح مسلم (1936) ، وفي صحيح مسلم (1933) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: " كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ"، وفيه (1934) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِن السِّبَاعِ، وَعَن كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِن الطَّيْرِ".
وهذه الأحاديث تدل على تحريم ما ذكر، وهو قول جمهور العلماء، وأما الاستدلال بقوله تعالى:
(قُلْ لا أجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) [الأنعام:145] ، وكون ابن عباس أخذ بظاهرها، فيجاب عنه بما يأتي:
1- أن الاستدلال بالآية يتم فيما لم يرد فيه النص بالتحريم، والحمر الأهلية قد تواردت النصوص على تحريمها - كما سبق - والتنصيص على التحريم مقدَّم على عموم التحليل وعلى القياس.
2- أن الآية الكريمة مكيَّة، والحصر فيها قبل أن يستجد تحريم ما ذُكر في السنة، فقد حُرمت أشياء بعد نزولها، والآية جاءت بصيغة الفعل الماضي: (قُلْ لا أَجِدُ) ، فمعنى ذلك أن وقت نزول الآية لم يحرم إلا ما ذكر فيها، ثم حرم أشياء بعد نزولها.(16/150)
3- أن الآية جاءت في سياق نقض أقوال المشركين الذين حرموا أشياء بأهوائهم، وافتروا على الله عز وجل، ومن ذلك أنهم يجعلون بعض الأنعام محرماً ما في بطونها على الإناث دون الذكور، وأشياء أخرى ذكرت في الآيات، فجاءت هذه الآية الكريمة لتبين أنه لا يحرم من بهيمة الأنعام إلا الميتة، وما أهل لغير الله به، والله أعلم.
4 - أن الله -سبحانه وتعالى- وصف المحرمات في الآية بأنها رجس، فما كان مشتركاً في هذا الوصف فيدخل في التحريم، وقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- الحمر الأهلية في حديث أنس - كما تقدَّم - بأنها رجس.
أما ما يروى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في الاستدلال بالآية على أن الحمر الأهلية ليست محرمة -صحيح البخاري (5529) - فيجاب عنه بما يأتي:
1- أن ابن عباس - رضي الله عنهما - لم يتحقَّق له أن تحريم الحمر الأهلية تحريماً مؤبداً، بسبب ما جاء في بعض الروايات أنها حُرمت من أجل خوف قلة الظهر, أو لأنها لم تخمس أو لأنها جوالة القرية، أي جلالة تأكل النجاسات. انظر صحيح البخاري (3155) ، وصحيح مسلم (1937) ، وسنن أبي داود (3809) ، ومعجم الطبراني (12226) ، ولهذا توقَّف ابن عباس هل كان تحريمها بسببٍ عارض أو على وجه التأبيد، ولكن حديث أنس في الصحيحين صريح بأنها حرمت لأنها رجس.
2- أنه يروى عن ابن عباس أنه رجع عن رأيه هذا, وجزم بالتحريم. انظر المنتقى لابن الجارود (732) , ومعجم الطبراني (11067) ،
قال ابن القيم: "والتحقيق أن ابن عباس أباحها أولاً؛ حيث لم يبلغه النهي فسمع ذلك منه جماعة فرووا ما سمعوه، ثم بلغه النهي عنها فتوقف هل هو للتحريم أو لأجل كونها حمولة، فروى ذلك عنه الشعبي وغيره، ثم لما ناظره علي بن أبي طالب جزم بالتحريم كما رواه عنه مجاهد" [تهذيب السنن (5/322-323) ] .(16/151)
الصلاة في مسجد بجانب مقبرة
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/05/1426هـ
السؤال
أرجو تقديم دليل مفصَّل من القرآن أو السنة عن حكم الصلاة في مسجد يقع إلى جانبه مقبرة.
وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، أمَّا بعد:
فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل" متفق عليه من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-[صحيح البخاري (235) ، وصحيح مسلم (521) ] ، ولذلك ذهب أهل العلم كافةً إلى أن الأصل جواز الصلاة في أي جزءٍ من الأرض، إلا ما استثناه الشارع بحديث صحيح.
وما سألت عنه داخل في هذا الأصل، فإنه لا حرج في الصلاة في مسجد يقع إلى جانبه مقبرة، إذا كان المسجد منفصلاً تماماً عن المقبرة، ولكل منهما بناءٌ خاص به متميزٌ عن الآخر، وهكذا كان المسلمون قديماً وحديثاً، فإن كثيراً من مساجدهم تقع بجانب مقابرهم؛ تسهيلاً عليهم في حمل موتاهم ودفنهم بعد الصلاة عليهم.
والمحذور في هذا الباب أن يكون المسجد داخل المقبرة، أو يكون القبر داخل المسجد، فإن كان المسجد داخل المقبرة وجب هدم المسجد؛ لأنه بني في موضع لا يجوز بناؤه فيه، وإن كان القبر داخل المسجد، فإن كان القبر هو الأسبق وجب هدم المسجد؛ لما سبق ذكره، وإن كان المسجد هو الأسبق وجبت إزالة القبر؛ لأنه وضع في مكان لا يجوز وضعه فيه.
وعلى كلٍّ فإن الصلاة لا تجوز في المساجد المبنية على القبور؛ لما ثبت من نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بناء المساجد على القبور، بل هو من آخر وصاياه عليه الصلاة والسلام، كما ثبت في الحديث المتفق عليه عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". قالت: ولولا ذلك أُبرز قبره، غير أنه خشي أن يُتَخَذَ مسجداً. صحيح البخاري (1390) ، وصحيح مسلم (529) . وثبت عند مسلم (532) من حديث جندب -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك".
ولما سبق فإن الصلاة في مسجد يقع بجانبه مقبرة لا حرج فيه إذا كان لكل منهما مبنى منفصل تماماً عن الآخر، إلا أن كثيراً من أهل العلم اشترطوا في ذلك ألا تكون المقبرة في قبلة المسجد ملاصقة له، فإن كانت المقبرة في قبلة المسجد لم تجز الصلاة فيه؛ لما ثبت عند مسلم (970) من حديث أبي مرثد الغنوي -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تصلوا إلى القبور) .
وعموماً فإن المحققين من أهل العلم يشددون في مثل هذه المسائل؛ حمايةً لجناب التوحيد، ولأن ذلك ذريعةٌ واضحةٌ للشرك، كما حصل عند كثيرٍ من الناس في مختلف الأزمنة والأمكنة.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/152)
سبب نزول آية الكرسي
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/01/1427هـ
السؤال
هل يصح كون سبب نزول آية الكرسي الحديث الآتي: (سأل بنو إسرائيل رسولهم موسى: هل ينام ربك؟ فقال موسى: اتقوا الله، فناداه ربه عز وجل: يا موسى سألوك هل ينام ربك؟ فخذ زجاجتين في يديك فقم الليل، ففعل موسى، فلما ذهب من الليل ثلث، نعس فوقع لركبتيه، ثم انتعش فضبطهما، حتى إذا كان آخر الليل نعس، فسقطت الزجاجتان فانكسرتا. فقال الله تعالى: يا موسى لو كُنت أنام لسقطت السماوات والأرض، فهلكن كما هلكت الزجاجتان في يديك) ؟. ولهذا السبب أنزلت آية الكرسي. أرجو الرد.
الجواب
الحمد لله ذي المحامد العليّهْ، والصلاة والسلام على هادي البشريّهْ، وعلى أزواجه والذريّهْ، أما بعد:
فلهذا الحديث -الذي فيه قصةٌ لموسى مع ربّه عز وجل، عن تنزيه الله تعالى عن النوم- رواياتٌ:
الأولى: رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
أخرجها أبو يعلى في المسند (6669) ، وابن جرير في تفسيره (4/534) ، وابن أبي حاتم في التفسير (18015) ، والدارقطني في الغرائب -كما في أطرافه- (5229) ، والبيهقي في الأسماء والصفات (79) ، والخطيب في تاريخ بغداد (1/268) ، وابن الجوزي في العلل المتناهية (23،22) ، كلهم من طريق أميّة بن شبل، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن أبي هريرة، به.
لكن جاء فيه أن موسى -عليه السلام- هو الذي وقع في نفسه السؤال عن الله عز وجل: هل ينام؟!!
وأميّة بن شبل اليماني لمّا ترجم له الذهبي في ميزان الاعتدال (1/276) ، لم يذكر فيه توثيقاً، بل قال: "له حديث منكر، رواه عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن أبي هريرة مرفوعاً، قال: وقع في نفس موسى: هل ينام الله ... الحديث، رواه عنه هشام بن يوسف. وخالفه معمر، عن الحكم، عن عكرمة قوله، وهو أقرب، ولا يسوغ أن يكون هذا وقع في نفس موسى، وإنما رُوي أن بني إسرائيل سألوا موسى عن ذلك".
فأضاف ابن حجر في اللسان (2/219) أن ابن حبان ذكره في الثقات.
قلت: وفاتهما أن يحيى بن معين قال عنه: "ثقة"، كما في الجرح والتعديل (2/302) ، والثقات لابن شاهين (109) ، وتاريخ الإسلام للذهبي (4/583) .
وفاتهما أيضاً أن علي بن المديني قال عنه في سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة له (202) : "ما بحديثه بأس".
إذن فأميّة بن شبل مقبول الحديث حَسَنُه، لكن تبقى العلّتان اللتان أشار الذهبي إليهما.
- مخالفته لمعمر بن راشد، وتأتي.
- والنكارة في متنه، والتي أشار إليها البيهقي أيضاً في الأسماء والصفات، ثم ابن كثير في تفسيره.
أما رواية معمر بن راشد عن الحكم بن أبان عن عكرمة موقوفاً عليه، ليس فيه ذكر أبي هريرة ولا النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخرجها عبد الرزاق في تفسيره (1/102) ، ومن طريقه ابن جرير في تفسيره (4/533) ، والخطيب في تاريخ بغداد (1/268-269) .
ونبّه الخطيب إلى مخالفة رواية أميّة بن شبل لرواية معمر، وكذلك ابن عساكر في تاريخ دمشق.
ولا شك أن معمر بن راشد أحفظ وأتقن بمراتب من أميّة بن شبل، فحديثه أولى، ولذلك أورد ابن الجوزي هذا الحديث في العلل المتناهية، أي أنه يعدّه من الأحاديث الشديدة الضعف.(16/153)
وبذلك لا يصحّ هذا الخبر من هذا الوجه إلا عن عكرمة مولى ابن عباس موقوفاً عليه.
الثانية: رواية ابن عباس عن النبي –صلى الله عليه وسلم- مرفوعة:
أخرجها ابن مردويه في تفسيره، ومن طريقة الضياء في المختارة (10/113-114) (111) ، قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم: حدثنا محمد بن الفضل بن موسى: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي: حدثني أبي، عن أبيه، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن نبيَّ الله –صلى الله عليه وسلم- قال: إن بني إسرائيل سألوا موسى –عليه السلام- هل ينام ربُّك؟ ... "الحديث.
فمحمد بن عبد الله بن إبراهيم هو أبو بكر الشافعي صاحب الفوائد الشهيرة بالغيلانيات (ت354هـ) ، وهو أحد الحفَّاظ المتقنين.
ومحمد بن الفضل بن موسى الرازي القُسْطاني (توفي بين 281هـ و290هـ) ، قال عنه ابن أبي حاتم: كتبت عنه وهو صدوق. الجرح والتعديل (8/60) وانظر له: تاريخ بغداد للخطيب (3/152-153) ، وتاريخ الإسلام للذهبي (6/821) .
وأحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن عثمان الدَّشتكي، هو وأبوه، وجدّه من رجال التهذيب، وكلّهم مقبول، وأقلّهم هو الجدّ: عبد الله بن سعد بن عثمان، فمع أن الحافظ قال عنه: "صدوق"، إلا أنه لم يذكر عنه في التهذيب، إلا أن ابن حبان ذكره في الثقات، وأنه من رجال أبي داود والترمذي والنسائي، ويضاف إليهم أنه أخرج له أبو عوانة في مستخرجه على صحيح مسلم، كما في إتحاف المهرة لابن حجر (2/554رقم 2236) ، وهذا يرفع (مع ما سبق) من شأنه.
وأشعث بن إسحاق بن سعد القُمي: صدوق مقبول الرواية.
وجعفر بن أبي مغيرة دينار الخزاعي القُمي: صدوق مقبول الرواية، لكنه ليس من أقوى الرواة عن سعيد بن جبير، حتى قال ابن منده في الردّ على الجهمية (15) : "ليس بالقوي في سعيد بن جبير"، ومع أن الإمام أحمد هو أجل، وعبارته أجل عبارة في توثيقه، إلا أنه قدَّم أسلم المنقري عليه، وقال في هذا السياق: "جعفر ليس بالمشهور" العلل (5256) ، وهو يعني أنه ليس بتامّ الشهرة؛ وكذلك ابن منده: إنما يعني (فيما يظهر) أنه ليس بأقوى ما يكون في سعيد بن جبير.
قلت: فهذا إسنادٌ ظاهره الحُسن عن ابن عباس –رضي الله عنهما- لكن له علّة، فقد خولف بوجهين:
الأول: أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (2580) ، قال: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي ... بالحديث، لكنه جعله موقوفاً على ابن عباس، ليس مرفوعاً إلى النبيّ –صلى الله عليه وسلم-
وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (138) ، عن ابن أبي حاتم بمثله تماماً.
وأحمد بن القاسم بن عطية الرازي أبو بكر: حافظ، وثقه ابن أبي حاتم. الجرح والتعديل (2/67-68) ، وتاريخ الإسلام للذهبي (6/275) .
فخالف أحمد بن القاسم: محمد بن الفضل بن موسى، في شيخهما أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي، فالأول رواه موقوفاً، والثاني رواه عنه مرفوعاً.
فإن لم تكن الرواية الموقوفة هي الأشبه بالصواب، فلن تكون المرفوعة إلا مساويةً لها، وعليه لا يُحكم للرفع على الوقف.
وقد رجّح ابن كثير في تفسيره الرواية الموقوفة.
الوجه الثاني من المخالفة: يجعل الحديث موقوفاً على سعيد بن جبير، ليس فيه ذكر ابن عباس أصلاً.(16/154)
أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب السنّة (1028) من طريق يحيى بن يمان، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، موقوفاً عليه.
وأخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (4/276-277) من طريق جرير بن عبد الحميد عن أشعث بن إسحاق وابن عمّه يعقوب بن عبد الله، كليهما عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير موقوفاً عليه.
وبذلك يتابعُ جرير بن عبد الحميد يحيى بن يمان على رواية هذا الحديث عن أشعث بن إسحاق موقوفاً على سيعد بن جبير، خلافاً لراو واحد هو عبد الله بن سعد الدشتكي الذي ذكر فيه (ابن عباس) مرفوعاً أو موقوفاً (كما سبق) . وواحدٌ من ذينك الراويين أولى بالصواب من عبد الله بن سعد، فكيف وقد اتفقا على مخالفته.
ولذلك فإن الأصوب في هذا الإسناد أن يكون من كلام سعيد بن جبير.
أما ما جاء عند أبي نعيم في الحلية (4/302) ، والضياء في المختارة (10/295-296) من رواية بعض أطراف هذا الحديث من رواية زياد بن عبد الله البكائي، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعاً إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فهو مع ما في زياد البكائي من ضعف، فهو معدود في أفراده عن عطاء بن السائب ومن مناكيره. كما تراه في الكامل لابن عدي (3/192) ، وميزان الاعتدال للذهبي (2/91-92) . كما أن عطاءً اختلط، ولم أجد ما يدل على وقت سماع زياد البكائي منه، لا أنه قبل الاختلاط، ولا أنه بعده.
ومن ثَمَّ ليس في هذه الرواية ما يقوّي رفع الحديث.
الثالثة: رواية عبد الله بن سلام –رضي الله عنه- موقوفاً عليه.
أخرجها الآجري في الشريعة (764) ، والخطابي في غريب الحديث معلقة (2/375-376) ، كلاهما من طريق منصور بن المعتمر، عن ربعي بن حِراش، عن خرشة بن الحرّ، قال: دخلت على عبد الله بن سلام فانقبض مني، حتى انتسبت له، فعرفني، فقال: والله لا أحدّثُ بشيءٍ إلا وهو في كتاب الله -عز وجل-: إن موسى –عليه السلام- دنا من ربه –عز وجل- حتى سمع صريف الأقلام، فقال: يا جبريل، هل ينام ربّك؟ قال جبريل: يا رب يسألك هل تنام؟ قال: يا جبريل، أعطه قارورتين، فليمسكهما الليلة لا ينام، فأعطاه، فنام، فاصطدمت القارورتان، فانكسرتا، فقال: يا ربّ، قد انكسرت القارورتان، فقال: يا جبريل، إنه لا ينبغي لي أن أنام، ولو نمت لزالت السماوات والأرض".
وإسناده صحيح، وهو نص على أن هذا الخبر من الإسرائيليات؛ لأن عبد الله بن سلام يذكر أنه في كتاب الله تعالى، وهو ليس في القرآن فهو يعني التوراة. ومن المعلوم أن عبد الله بن سلام –رضي الله عنه- كان أحد أحبار اليهود قبل إسلامه. ثم إن هذا الخبر لو كان عند عبد الله بن سلام عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أو سمعه عنه، لكان أوثق له أن يرويه عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فعُدُوله عن روايته عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- يدل على أنه لا يعرفه إلا عن كتب أهل الكتاب.
الرابعة: رواية أبي بردة بن أبي موسى (وهو تابعي) مقطوعاً:
أخرجها البيهقي في الأسماء والصفات (78) من طريق عاصم بن علي عن المسعودي، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، قال: إن موسى عليه السلام قال له قومه: أينام ربّك؟ ... الحديث.(16/155)
وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (119) من هذا الوجه، لكن وقع فيه من رواية أبي بردة عن أبيه أبي موسى الأشعري موقوفاً عليه. ولكن يبدو أنه خطأ، حيث إن السيوطي ذكر الأثر في الدر المنثور (12/305) ، مَعْزُوًّا إلى أبي الشيخ والبيهقي، أنهما روياه عن أبي بردة موقوفاً عليه، ليس فيه ذكر أبي موسى الأشعري.
ثم إن هذا الإسناد فيه ضعف، حيث إن المسعودي (عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة) أحد المختلطين، وسماع عاصم بن علي منه بعد الاختلاط، كما تراه في تاريخ بغداد للخطيب (10/220) .
هذا ما وقفت عليه من روايات هذا الخبر، وأصحّها وأقواها ما جاء عن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- موقوفاً عليه، وهو مما نقله من كتب أهل الكتاب والغالب أن من ذكره من التابعين، وصحّ عنهم، كعكرمة مولى ابن عباس، وسعيد بن جبير = قد تلقّاه عن أهل الكتاب أيضاً.
وهو من الإسرائيليّات التي ليس عندنا ما يكذّبها، ولا ما يصدّقها، فلا يجوز أن نردها ولا أن نقبلها، ويجوز أن تُروى معزوة إليهم، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج". صحيح البخاري (3461) .
أمّا أن هذا الخبر هو سبب نزول آية الكرسي بالمعنى المعروف لأسباب النزول فلا وجه له، وإنما المقصود أنّ هذه الآية نزّهت الله -عز وجل- عن نقص كان قد وقع السؤال عنه في الأمم التي قبلنا، فجاء الجواب عنه في آية الكرسي: "لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم". هذا.. والله أعلم.
والحمد لله على أفضاله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله.(16/156)
امتناع النبي عليه الصلاة والسلام عن الدعاء لنجد!
المجيب د. تركي بن فهد الغميز
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/11/1426هـ
السؤال
سؤالي عن حديث أورده البخاري في صحيحه، في كتاب الفتن، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دعا الله أن يبارك لنا في شامنا واليمن، ويمتنع عن الدعاء بالبركة لنا في نجد، نود من فضيلتكم التوضيح. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالحديث المذكور أخرجه البخاري في موطنين، في الاستسقاء (1037) ، وهو بصورة الموقوف، وفي الفتن (7094) ، وقد صرح برفعه، ولفظه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا"، قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا، قال: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا، فأظنه قال في الثالثة: "هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان".
وقد بوب عليه البخاري في الموضع الأول: باب ما قيل في الزلزال والآيات، وبوب عليه في الموضع الثاني: باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الفتنة من قبل المشرق"، وساق معه حديثين آخرين لابن عمر -رضي الله عنهما- أحدهما أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مستقبل المشرق يقول: "ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان".
وقد تبين من تبويب البخاري أن المراد بنجد جهة المشرق، ولذا قال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور، فإنه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور، ومكة من تهامة. انتهى.
وأما عدم دعائه لأهل نجد، فقال المهلب: إنما ترك -صلى الله عليه وسلم- الدعاء لأهل المشرق ليضعفوا عن الشر الذي هو موضوع في جهتهم لاستيلاء الشيطان بالفتن. انظر في ذلك كله فتح الباري لابن حجر (13/46) ، وانظر للفائدة كتاب (أكمل البيان في شرح حديث النجد قرن الشيطان) للشيخ محمد أشرف سند، تحقيق عبد القادر بن حبيب الله السنوسي. والله أعلم.(16/157)
تكوير شعر الرأس
المجيب محمد محمد سالم عبد الودود
عضو اللجنة العلمية بالموقع
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/11/1426هـ
السؤال
نرجو إفادتنا عن النهي الذي ورد في ربط الشعر فوق رأس المرأة في حديث: (صنفان من أهل النار..) فهل يتناول المرأة وهي داخل منزلها مع زوجها؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
1- إن أفضل طريقة لفهم النصوص- وخاصة الشرعية منها- هي: أن ننظر إليها نظرة متكاملة؛ حتى نتصور بوضوح الصورة التي يتحدث عنها النص، بعد فهم المفردات أو الأجزاء، وأبرز مثال لهذا هو الحديث المشار إليه؛ وهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديثه عن الصنف الثاني من أصناف أهل النار التي لم يرها-: "ونساء كاسايات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة.." صحيح مسلم (2128) .
فمن أجل أن نفهم هذا الحديث فهماً صحيحاً لا بد أن نتصور الصورة التي يذكر تصوراً متكاملاً، وإذا حصل اختزال أو حذف لبعض الصفات أو العناصر المذكورة في الحديث فلا يمكن أن نفهمه فهماً صحيحاً.
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث لم يتكلم عن رأس المرأة فقط، كما لم يتكلم عن ملابسها فقط، ولا عن تصرفاتها فقط.
2- وبهذا يتبين أن الحديث إنما هو عن نوعية من النساء مستهترة بكل المقاييس؛ تلبس الملابس التي لا تستر ما أوجب الله ستره، تميل إلى غيرها وتستميل غيرها، تستخدم أعضاء جسمها في حركات استعراضية معينة.
3- وبناء على ما سبق فإني أرى -والعلم عند الله- أنه يجوز للمرأة ربط شعر رأسها على أية طريقة شاءت، إذا التزمت بأوامر الشرع المعروفة من الستر وعدم التشبه.
خاصة أن الحديث وَصَفَ الرؤوسَ والأسنمة بالمَيَلان، وهو مختلف عن الشكل العمودي الذي ينتج عن ربط الشعر فوق الرأس.
كما أنه لم يتحدث عن الشعر فقط، وإنما تحدث عن الرأس بشكل عام، ويفهم من هذا أنه لا يتكلم عن تموجات الشعر، وإنما يتكلم عن حركات الرأس ذات الدلالة الخاصة كما سبقت الإشارة إليه.
ومن أراد التوسع في أقوال العلماء في تفسير ألفاظ هذا الحديث فعليه بشرح الإمام النووي لباب النساء الكاسيات العاريات من صحيح مسلم (14/ 109 - 110) .
والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(16/158)
مفهوم السنة بين الوجوب والاستحباب!
المجيب د. سعيد بن متعب القحطاني
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/02/1427هـ
السؤال
كيف أفرِّق بين السنة الواجبة وغير الواجبة؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فقد أطلق علماء الشريعة لفظ السنة، واصطلح أهل كل علم منهم على معنى له عندهم، وهذه المعاني في الجملة لا تتنافى في مؤداها، إلا أن بينها عموم وخصوص والمؤثر فيه المواضعة والاصطلاح.
فالسنة -مثلاً- عند المحدثين تطلق على جميع ما نقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خُلُقيَّة أو خَلْقيَّة، وهي بهذا المعنى تشمل كل ما نقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمر به أو النهي عنه؛ سواء كان الأمر إيجاباً أو ندباً والنهي تحريمًا أو كراهةً، وكذلك الحال بالنسبة للمباح.
إلا أنها استعملت استعمالاً خاصاً عند الفقهاء والأصوليين بمعنى ما طلب طلباً غير جازم، فخرج بذلك الواجب والمحرم والمكروه؛ لأن طلب الواجب جازم، والمحرم والمكروه غير مطلوبين، والمباح مخير فيه بين الفعل والترك فلا طلب حقيقي فيه.
ومن هنا فكلمة (السنة) الواردة في السؤال فيها إجمال يرد عليه قادح الاستفسار وهو: ما المراد بالسنة هنا؛ عند المحدثين أم عند الفقهاء والأصوليين؟ فتحتاج إلى تحرير المراد.
فإن أريد بها عند المحدثين فالسؤال متجه، فهناك سنة واجب العمل بها، وسنة مندوب العمل بها، والمراد بها هنا ما ثبت بالسنة.
وإن أريد المصطلح عليه عند الفقهاء والأصوليين فالسنة عندهم: ما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه؛ فلا تشمل الواجب.
وعليه: فإن من أطلق السنة الواجبة أراد به الطلب الجازم مما ورد في سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ومن أطلق السنة غير الواجبة أراد اصطلاح الفقهاء والأصوليين في المراد بالسنة، وهي ما طلب طلباً غير جازم.
وننبه هنا إلى أن ابن السبكي قد ذكر في "الإبهاج شرح المنهاج 1/36" أن في السنة اصطلاح، وهو ما علم وجوبه أو ندبيته بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم.
وننبه إلى أمر آخر؛ وهو أن هناك سنة مؤكدة كرغيبة الفجر وصلاة الوتر، وضابطها ما واظب عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الترك ما بلا عذر.
يمكن أن يعرف الفرق بين السنة والواجب بأشياء منها: حقيقة الأمر الوارد بها، وهل هو جازم أو غير جازم؟ ومن حيث ترتب الثواب والعقاب على الفعل والترك، والمسألة دقيقة في تحديد الفرق بينهما في الواقع، وينبغي تتبع كلام العلماء في تحديد السنة الواجبة من غيرها؛ لمعرفتهم بصوارف الأمر عن الوجوب والقرائن الحالية والمقالية لنوع الأمر الشرعي، والله أعلم.(16/159)
حجية قول الصحابي
المجيب د. سعيد بن متعب القحطاني
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 13/02/1427هـ
السؤال
سؤالي عن حجية قول الصحابي عند الأصوليين، وأثر ذلك عند الفقهاء؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فقد اختلف العلماء في حجية قول الصحابي في ذاته إذا قاله إنه رأي له، وذلك بعد أن تقرر أن الصحابة كلهم عدول؛ لتعديل الله لهم وترضيه عنهم من فوق سبعة أطبقة، ولثناء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليهم ونهيه عن سبهم، وغير ذلك مما يدل على عدالتهم.
وأول من أثار الخلاف في هذه الحجية واعترض عليها هم الصحابة أنفسهم، فهذه عائشة -رضي الله عنها- تعترض على زيد بن أرقم -رضي الله عنه- في جواز بيع العينة. انظر مصنف عبد الرزاق (14812) ، وسنن الدارقطني (3/52) ، وسنن البيهقي (5/330) . وكذلك اعتراض عمر على أبي بكر -رضي الله عنهما- في قتال مانعي الزكاة، والتسوية في العطاء وغير ذلك، انظر صحيح البخاري (7285) ، وصحيح مسلم (20) ، والإحكام للآمدي (4/44) . وإن كان متأخرو العلماء قد أخرجوا هذه الصور عن محل النزاع بنصهم على أن ما خالف فيه الصحابي صحابياً آخر غير محتج به.
إلا أن الخلاف اشتهر كثيراً بعد ذلك بين أرباب المذاهب؛ ومحله فيما إذا ورد عن الصحابي قول في حادثة لم تحتمل الاشتهار بين الصحابة، ثم نقل هذا القول عند التابعين ولم يخالفه صحابي آخر، فقد ذهب العلماء في ذلك مذاهب، فاشتهر عن مالك وابن حنبل القول بحجيته وهو قول الشافعي القديم، واشتهر عن الشافعي في الجديد أنه ليس بحجة، وللحنفية تفصيل في ذلك، فقد فرقوا بين ما وافق القياس وما خالفه، فما وافق فليس بحجة، وأما ما خالف القياس فهو حجة عندهم، وفرق بعضهم بين ما لا يدرك بالرأي وما يدرك بالرأي؛ فما لا يدرك بالرأي فهو حجة عندهم، وأما ما يدرك بالرأي فإن اشتهر ولم يعرف له مخالف فهو حجة، وأما إن لم يشتهر فهو مختلف فيه.
ومن الفروع الفقهية التي أثر فيها خلاف العلماء: حكم سجود التلاوة، وصلاة الجمعة لمن صلى العيد، وزكاة الحلي، وبيع العينة، وحكم النكاح في العدة، وخيار العيب في النكاح، وغيرها.
والمراجع في هذه المسألة وأثرها في الفقه كثيرة، وقد حفلت كتب أصول الفقه بالكثير منها، وكذلك اعتنت بها كتب بناء الفروع على الأصول؛ انظر مثلاً: تخريج الفروع على الأصول للزنجاني طبعة الرسالة الخامسة (ص179) وما بعدها، والتمهيد في تخريج الفروع على الأصول للأسنوي طبعة الرسالة الثالثة (ص499) وما بعدها، ومفتاح الوصول للتلمساني طبعة دار الكتب العلمية (ص166) ، وانظر كذلك: أثر الأدلة المختلفة فيها لمصطفى ديب البغا (ص335-419) . والله أعلم.(16/160)
كيف وسوس إبليس لآدم وقد طرد من الجنة؟
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/12/1426هـ
السؤال
حصل نقاش بيني وبين أحد الزملاء بأن إبليس مطرود من الجنة عندما رفض السجود لآدم، فكيف دخل الجنة بعد طرده منها، ووسوس لآدم بالأكل من الشجرة؟ وهل كان قبل الأمر بالسجود في الجنة أم أين كان؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأصحابه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء والمفسرون في كيفية إغواء إبليس لآدم - عليه السلام - فإن الله تعالى أخرجه من الجنة لما أبى السجود لآدم، كما قال تعالى: "قال ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين" (الأعراف:12-13) وآيات أخرى.
قال ابن مسعود وابن عباس وجمهور العلماء: أغواهما مشافهة، ودليل ذلك قوله تعالى: "وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين" (الأعراف:21) وذكر عبد الرزاق عن وهب بن منبه ما خلاصته أن إبليس دخل الجنة في جوف الحية، فلما دخلت به الجنة خرج من جوفها وأغوى آدم وحواء ... في خبر مبسوط. ويظهر أنه من الإسرائيليات، راجع تفسير القرطبي (1/313) إن شئت.
وقالت طائفة: إن إبليس لم يدخل الجنة إلى آدم بعد ما أُخرج منها، وإنما أغوى بسلطانه وشيطانه ووسوسته التي أعطاه الله تعالى، ولا يلزم من المخاطبة الملاقاة، وأنت تشاهد في هذا الزمان من يخاطب غيره وبينهما مسافات طويلة، وليست سنة ما ذكر الله تعالى عن إبليس وآدم مقيدة بسنن الله تعالى في الحياة الدنيا حتى تقاس عليها ويُسأل عن كيفيتها في ضوء هذه السنن الدنيوية، بل هذا من علم الغيب. ولكن المؤمن يعلم أن ما ذكره الله تعالى من إغواء الشيطان لآدم وحواء حق ولا شك، وأما الكيفية فتترك لعالمها سبحانه، وتعلم أنه قد ورد الخبر عن ذلك بأنه كان بطريق الوسوسة، قال تعالى: "فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما ... " (الأعراف:20) لكن الوسوسة في الأصل هي الصوت الخفي، وقد يكون الموسوس من الإنس، قال تعالى "الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس" ويجب على المسلم - مع الإيمان بما ذكر - ألا يشتغل بمثل هذه الواردات التي تشكل، ولكن يحرص على الاعتبار والحذر مما حذر الله منه، قال الله تعالى بعد ذكره لقصة آدم وإبليس: "يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة" (الأعراف:27) والله تعالى أعلم.(16/161)
إشكال في معنى حديث
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/06/1426هـ
السؤال
في جامع الترمذي روي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أتى امرأة في دبرها أو عرافاً فقد كفر بما أنزل على محمد" فكيف تم الربط بين العملين في الحديث، ونحن نعلم أن الجماع في الدبر ليس كفراً في الحقيقة، بينما إتيان العراف كفر حقيقةً؟ أرجو التوضيح.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
الحديث المشار إليه في السؤال أخرجه أحمد (9290) ، وأبو داود (3904) ، والترمذي (135) ، وابن ماجه (639) ، والنسائي في الكبرى (9017) من طرق عن حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم، عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". واللفظ للترمذي.
وإسناد هذا الحديث ضعيف، أبو تميمة لا يعرف له سماع من أبي هريرة، وقد ذكر غير واحد من الأئمة أن حكيما الأثرم لا يتابع عليه. وهو مما أنكر عليه.
قال البخاري: "هذا حديث لا يتابع عليه، ولا يعرف لأبي تميمة سماع من أبي هريرة في البصريين"، وقال البزار: "حدث عنه حماد بحديث منكر"، وضعف الحديث البخاري فيما نقله عنه الترمذي، قال الترمذي: "لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة ... وضعف محمد - يعني البخاري- هذا الحديث من قبل إسناده "، ومن خلال ما سبق يتبين أن الحديث ضعيف، وقد تضمن الحديث ما يأتي:
1- ما يتعلق بإتيان المرأة في دبرها أو في الحيض، وهذا محرم، وقد دلت أدلة على تحريم ذلك، وما جاء في الحديث المذكور من وصف من أتى امرأة في دبرها أو في الحيض بأنه كفر بما أنزل على محمد على تقدير ثبوته محمول على التغليظ والتشديد في النهي عن هذا العمل، قال الترمذي: " وإنما معنى هذا عند أهل العلم على التغليظ، وقد روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من أتى حائضاً فليتصدق بدينار فلو كان إتيان الحائض كفراً لم يؤمر فيه بالكفارة ".(16/162)
2- الجملة الثانية في الحديث دلَّت على أن من أتى كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد، وقد ورد في حديث آخر أن إتيان الكهان وتصديقهم بما يقولون كفر، وأما مجرد الإتيان ففيه أن صلاته لا تقبل أربعين يوماً، ففي صحيح مسلم (2230) من حديث صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. "، وفي المسند (9536) من طريق خِلَاس عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- وَالْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وهذا حديث رجاله ثقات، لكن خلاس - وهو ابن عمرو الهجري - لم يسمع من أبي هريرة، وفيه دليل على أن إتيان الكهان وتصديقهم بما يدعونه من علم الغيب كفر بما أنزل على محمد، قال في تيسير العزيز الحميد: " وظاهر الحديث أنه يكفر متى اعتقد صدقه بأي وجه كان، لاعتقاده أنه يعلم الغيب، وسواء كان من قبل الشياطين، أو من قبل الإلهام لاسيما وغالب الكهان في وقت النبوة إنما كانوا يأخذون عن الشياطين".
وقول السائل - حفظه الله - إن إتيان الكهان كفر حقيقة ليس على إطلاقه، هذا وقد ذكرت في فتوى سابقة بعض الأحاديث الواردة في تحريم إتيان النساء في أدبارهن. والله أعلم.(16/163)
لبست النقاب في العمرة جهلاً!
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/12/1426هـ
السؤال
لي قريبة اعتمرت أربع مرات، وحجت واحدة وهي منتقبة فماذا عليها؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا لبست المرأة النقاب جهلاً أو نسياناً في حج أو عمرة فلا شيء عليها، وإن كانت استعملته متعمدة مع علمها أن هذا من محظورات الإحرام فعليها فدية ذلك، في كل مرة إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاه تطعم لمساكين الحرم، وهي مخيرَّة بين هذه الأمور الثلاثة في كل مرة.(16/164)
صورة من التورق المنظم
المجيب د. سامي بن إبراهيم السويلم
باحث في الاقتصاد الإسلامي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/12/1426هـ
السؤال
اشتريت من البنك كمية من النحاس بمبلغ (171.000) ريال، على شكل أقساط شهرية لمدة خمس سنوات، بقسط قدره (2856) ريالاً، وبعتها للبنك بـ (121.000) ريال نقداً، وقد أعطيت المبلغ كاملاً لشخص، على أن يخصم البنك من حسابي القسط الشهري، ويقوم الشخص الآخر بإيداع نفس القسط في حسابي الشخصي لمدة سنتين، ثم يقوم الشخص بسداد المبلغ المتبقي للبنك؟ فما الحكم في ذلك؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
المعاملة الأولى، وهي شراء النحاس ثم بيعه عن طريق البنك للحصول على النقد، من التورق المنظم الذي صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بمنعه؛ لأنه حيلة على الربا.
المعاملة الثانية، وهي تسليم النقد لطرف ثالث على أن يدفع لك القسط الشهري لمدة سنتين، ثم يسدد المبلغ المتبقي للبنك، تتضمن سلفاً جر نفعاً، لأنك أسلفت الطرف الثالث على أن يسدد عنك ما تبقى من دينك للبنك.
والمعاملة الثانية إنما نشأت من خلال الأولى، فالخلل في المعاملة الأولى ترتب عليه الخلل في المعاملة الثانية، ولو كانت صحيحة من البداية لما نتج عنها ذلك.
وحيث إن المعاملة قد وقعت فالواجب أن تتولى أنت سداد ما عليك من دين للبنك، وأما الطرف الثالث فلا يسدد إلا ما قبضه منك دون أية زيادة، لا لك ولا للبنك.
ويجب عدم العودة لهذه المعاملة مستقبلاً، كما يجب على المسلم أن يتقي الشبهات ويتحرى لدينه أكثر مما يتحرى لدنياه. وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.(16/165)
زكاة العقار قبل تأجيره
المجيب عبد الله بن علي الريمي
ماجستير كلية الشريعة من جامعة الإمام
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/12/1426هـ
السؤال
اشتركت أنا واثنان من الزملاء في بناء عمارة سكنية، وقبل انتهاء البناء والتأجير رفع أحد الشركاء قضية على الشريك الآخر (المنفذ) في نزاع مالي، قام الشيخ ناظر القضية بحجز العقار وعدم التصرف في بيعه لحين الانتهاء من القضية، استمرت القضية قرابة سنة ونصف، وتم فك العقار الآن، علما أنني لم أستلم أي مبالغ حتى الآن من إيجار العمارة (السنة والنصف) ، فهل علي زكاة سواء في مدة الإنشاء وهي قرابة تسعة أشهر، أو الفترة التي تم حجز العقار فيها؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن العقار (الأراضي والدور) لا تجب فيها الزكاة إلا في حالتين:
الحالة الأولى: إذا كانت معدة للبيع والشراء من أجل الربح (عروض تجارة) ، فيجب في قيمتها ربع العشر (2.5%) بعد سنة من نية بيعها وعرضها للبيع، باعها مالكها أولم يبعها.
الحالة الثانية: إذا كانت مؤجرة، فيجب في أجرتها ربع العشر (2.5%) بعد أن يحول عليها الحول.
وبناء على هذا فلا زكاة عليك؛ لأن ظاهر السؤال أن العمارة لم تؤجر أصلا, أما إذا كانت مؤجرة خلال السنة والنصف، وقد استحققت الأجرة ولكنك لم تقبضها بعد, فإن كان المستأجر قادراً على الدفع غير مماطل فعليك زكاة أجرة السنة الأولى، أما نصف السنة فتنتظر تمام السنة الثانية وتزكي أجرتها، أما إن كان المستأجر عاجزاً عن الدفع أو مماطلا فتخرج ربع العشر من الأجرة عند قبضها مرة واحدة (عن سنة واحدة) .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/166)
هل يؤاخذ المرء على سيئاته إذا رجحت حسناته
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 06/01/1427هـ
السؤال
عند قيام الساعة وعرض الناس على الله، هل يعاقب الإنسان على سيئاته إذا رجحت حسناتُه عليها وثقلت موازينه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالقاعدة القرآنية تنص على أن من رجحت حسناته على سيئاته فقد فاز في الآخرة ونجا من النار قال تعالى: "فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية" [القارعة:6-7] . وقال سبحانه: "فمن ثقلت موازينه فأؤلئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم" [الأعراف:8-9] . وفي سورة المؤمنون مثل ذلك.
والثابت في السنة أن المسلمين بعد مرورهم على الصراط يحبس بعضهم على قنطرة قبيل الجنة، ليقتص من بعضهم لبعض ثم يدخلون الجنة، وذلك كله بعد أخذ الكتب ونصب الموازين.
وعلى ذلك فلا يعذب المسلم بالسيئات التي بقيت عليه، ولكن حقوق الناس لا بد فيها من القصاص قبل دخول الجنة ولو كان الشخص ممن ثقلت موازينه. نسأل الله المغفرة وحسن الختام.(16/167)
عمليات تجميل الوجه!
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/11/1426هـ
السؤال
ما حكم عمليات نفخ الوجه، أي تسمين الوجه؟ علماً بأني سألت أكثر من طبيب وأكدوا لي أنها لا تضر؛ فهي عبارة عن إبرة موضعية.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فعملية نفخ الوجه وتسمينه أرى أنها تدخل في تغيير الخلقة المنهي عنه، فتكون ممنوعة؛ لأنها تعطي الشخص شكلاً وخلقة غير خلقته الحقيقية.
لكن لو كان عند الشخص مرض أدّى إلى تشويه وجهه فلا بأس باتخاذ العلاج الذي من شأنه أن يعيد وجهه إلى حالته الطبيعية فقط، وبشرط ألا يترتب على ذلك العلاج ضرر.
والمرجع في تحديد الضرر هم الأطباء المختصون الثقات. والله أعلم.(16/168)
نفقة غير المدخول بها
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/01/1427هـ
السؤال
هل التي يعقد عليها ولم يدخل بها لمدة سنة، ولم يتحدد موعد الزواج والدخول بها تجب لها نفقة في هذه الفترة؟ وهل يجب عليها إذا طلبت الخلع بعد هذه المدة لكرهها هذا الشاب -أن تدفع فوق المهر المسلم لها تكاليف ما يسمى بالملْكة؟ فإن أهل الزوج قد طلبوا عند الخلع رد المهر وتعويضهم ما دفعوه من هذه التكاليف التي دفعوها برغبتهم، أرجو من فضيلتكم إفادتي وتوجيهي، وجزاكم الله كل خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالمرأة إذا عقد عليها شرعاً تثبت أحكام الزوجية لها وعليها كالخلوة والوطء والنفقة والطلاق والخلع والإرث ونحو ذلك. غير أنها إن امتنعت من تسليم نفسها للزوج، أو منعها أهلها فله أن يمنع عنها النفقة حتى تسلم نفسها له؛ لأن هذا نشوز، فإن رضي بعدم التسليم لزمته النفقة.
وإن طلبت هي الخلع قبل الدخول أو بعده لزمها أن ترد ما دفع لها من صداق وجوباً، أما الزيادة عند الخلع عن المهر ففيه خلاف بين الفقهاء بين مجيز ومانع، والذي يظهر لي عدم جواز أخذ الزوج في المخالعة أكثر مما دفعه من المهر لزوجته؛ لحديث: "أتردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم وزيادة. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما الزيادة فلا". صحيح البخاري (5273) ، وسنن الدارقطني (3/255) ، وسنن البيهقي (7/314) .
وعدم أخذ الزوج ما زاد من زوجته بعد الخلع لا أراه يتفق مع المروءة وحسن العشرة، وإذا كانت المطلقة يمتعها زوجها بشيء من المتاع من مال أو كسوة ونحوها كما أمر الله بذلك: "وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين" [البقرة:241] ، وفي الآية الأخرى: "حقاً على المحسنين" [البقرة:236] . فإن المخالعة كذلك على القول بأن الخلع طلاق فتجب لها به المتعة. وعلى القول بأنه ليس طلاقاً فالمتعة لها من الإحسان والمروءة والله أعلم.(16/169)
المشاركة في شركة مساهمة قد تتعامل بالربا
المجيب د. راشد بن أحمد العليوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/12/1426هـ
السؤال
أشارك في تأسيس شركات مساهمة أصل عملها حلال، ولكن عند بدء العمل يمكن أن تلجأ هذه الشركات للبنوك الربوية، فماذا أفعل عندها هل أبيع أسهمي بسعر السوق وأخرج من الشركة؟ أو آخذ سعر السهم الحقيقي وأتبرع بالزيادة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا تعاملت الشركات التي أصل نشاطها مباح في الربا أخذاً أو إعطاءً، وكان ذلك الربا يسيراً -دون الثلث- فبعض العلماء يرى جواز الاستمرار فيها مع وجوب التخلص من العنصر الربوي المحرم، وبعض العلماء يرى الامتناع عنها والخروج منها وبيعها بسعر السوق، فإن كان للربا أثر في أرباحها بالزيادة فتتخلص من مقدار ذلك التأثير وإلا فلا، كأن تعلم بتعاملها بالربا وتبيعها فوراً، فلا يؤثر الربا في هذه الحالة. والله أعلم.(16/170)
صفة الجلوس في التشهدين في الصلاة
المجيب سليمان بن صالح الراشد
مدير أعمال لجنة الشؤون الإسلامية بالشورى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/11/1426هـ
السؤال
ما هي صفة الجلوس في التشهد الأول، والتشهد الأخير؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فصفة الجلوس في التشهد الأول كصفة الجلوس بين السجدتين، وهي أن يفرش المصلي رجله اليسرى فيقعد عليها، وينصب رجله اليمنى ويستقبل بأصابعها القبلة.
وذهب بعض أهل العلم إلى صفة أخرى، وهي أن يجلس ناصباً قدميه على عقبيه، حيث قال ابن عباس: "إن ذلك هو السنة". وأكثر الأحاديث الواردة في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- تدل على الصفة الأولى، وهي صفة الافتراش. صحيح البخاري (828) ، وصحيح مسلم (498) .
أما اليدان فقد ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يضع يديه بين السجدتين على فخذيه، وأطراف أصابعه عند ركبتيه.
وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه يضع يده اليمنى على الركبة، واليد اليسرى يلقمها الركبة كأنه قابض لها. صحيح مسلم (579) .
والأفضل أن تكون اليد اليسرى مبسوطة مضمومة الأصابع موجهة إلى القبلة، ويكون طرف المرفق عند طرف الفخذ، بمعنى أنه لا يفرجها بل يضمها إلى الفخذ، أما اليد اليمنى فورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه يقبض من يده اليمنى الخنصر والبنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى، ويرفع السبابة ويحركها عند الدعاء. سنن النسائي (889) .
وورد عنه صلى الله عليه وسلم صفة أخرى -بالنسبة لليمين- أنه يقبض أصابعه كلها، ويشير بالسبابة إلى القبلة. صحيح مسلم (580) ، وزاد النسائي (1160) : "ورمى ببصره إليها أو نحوها".
أما صفة الجلوس للتشهد الأخير فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم ثلاث صفات:
1- أن يخرج الرجل اليسرى من الجانب الأيمن مفروشة، وينصب الرجل اليمنى، ويقعد
على مقعدته على الأرض.
2- كالحالة الأولى، إلا أنه يفرش الرجل اليمنى.
3- أن يفرش الرجل اليمنى، ويدخل اليسرى بين فخذ وساق الرجل اليمنى. صحيح البخاري (828) ، وصحيح مسلم (498) ، وسنن أبي داود (730، 963) .
أما صفة وضع اليدين فكما ورد في التشهد الأول.
والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.(16/171)
هل زنا البكر من الصغائر؟
المجيب د. محمد بن عبد العزيز المبارك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/11/1426هـ
السؤال
عندي مشكلة، وهي أن بعض الناس يقولون: إن الزنا قبل الزواج صغيرة من الصغائر؛ وذلك لأن حدها مائة جلدة، ومائة جلدة قليلة. فأرجو منكم التفصيل بذكر الأدلة الصحيحة وأقوال العلماء في ذلك.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
نعوذ بالله من القول في دين الله بغير علم، كيف يجرؤ امرؤ مسلم أن يقول هذا الكلام؟!
وليس يصح في الأذهان شيءٌ *** إذا احتاج النهارُ إلى دليل
أخي الكريم: الزنا من كبائر الذنوب بلا شك ولا مرية، سواء كان من بكر أو ثيب، فهو من كبائر الذنوب باتفاق العلماء، قال الله تعالى: "ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا" [الإسراء:32] .
فأخبر الله -تعالى- عن فحش الزنا في نفسه، وهو ما انتهى قبحه، وأخبر عن طريقه، وهو طريق البلاء والعار وضعف الإيمان وقلة الحياء والتقوى والخوف من الله -عز وجل- وقال الله تعالى: "الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين" [النور:3] .
وقال عز وجل في جزاء وعقوبة الزاني والزانية، وتقرير أليم عذابهما، بعد ذكر الشرك بالله والقتل والزنا: "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا" [الفرقان:68-69] . فقرن الله -عز وجل- الزنا بالشرك وقتل النفس، وجعل جزاء ذلك الخلود في العذاب المضاعف.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن". صحيح البخاري (2475) ، ومسلم (57) .
ومعنى الحديث أنه لا يزني وهو كامل الإيمان، بل يكون واقعا في الفسق والمعصية الكبيرة إذا لم يستحل هذا الفعل، أما إن استحل الزنا فقد وقع في الكفر، والعياذ بالله؛ لأن اعتقاد حل الزنا تكذيب لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما أشنع التسرع في الكلام في مثل هذا بألفاظ فيها استحلال الزنا أو تهوين أمره.(16/172)
ويكفي في عقوبة الزنا ما جاء في صحيح البخاري من إثبات عظيم عقوبته يوم القيامة؛ فقد جاء فيه (1386) من حديث سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه، فقال: "من رأى منكم الليلة رؤيا؟ " قال: فإن رأى أحد قصها، فيقول ما شاء الله، فسأَلنا يوما فقال: "هل رأى أحد منكم رؤيا؟ " قلنا: لا، قال: "لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة، فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده كَلُّوب من حديد" ... وذكر الحديث بطوله، وفيه: "قالا: انطلق. فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نارا فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا فإذا خمدت رجعوا فيها وفيها رجال ونساء عراة، فقلت: من هذا؟ قالا: انطلق. فانطلقنا ... قلت: طوفتماني الليلة فأخبراني عما رأيت، قالا: نعم، أما الذي ... والذي رأيته في الثقب فهم الزناة ... وأنا جبريل وهذا ميكائيل...." الحديث.
والنصوص في تحريم الزنا وبيان عظمه أكثر من أن تحصر، بل هو أمر معلوم من الدين بالضرورة. قال الإمام أحمد رحمه الله: (لا أعلم بعد قتل النفس ذنبا أعظم من الزنا) . أسأل الله -عز وجل- أن يهدينا جميعا، وأن يجنبنا مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، ووفق الله السائل لما يحبه ويرضاه وهداه إلى سبيله المنير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(16/173)
ما الجواب على الإشكال في هذا الحديث؟
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/07/1426هـ
السؤال
نعلم من الحديث أن موسى -عليه السلام- سأل ربه عن دعاء خاص له ليدعو الله به ويحمده به، فأرشده الله أن يقول:"لا إله إلا الله"، فقال موسى -عليه السلام-: يا رب كل عبادك يقولون لا إله إلا الله، فقال الله: يا موسى لو أن السموات السبع والأرضين السبع وما بينها - غيري - وضعت في كفة ... إلى آخر الحديث.
السؤال عن قوله و: "غيري" فهل هناك حاجة لقولها؟ لأن ذلك يتضمن أن الله -سبحانه- بين السموات والأرض. أرجو توضيح هذا الأمر.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا الحديث من رواية دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفيه: قال موسى عليه السلام: يا رب علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به ... إلى أن قال: "لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله". وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه (6218) والحاكم (1936) وصححه ووافقه الذهبي، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (1393) ، وصححه الحافظ ابن حجر في الفتح (11/175) .
ويتبين من هذا الحديث أن ليس فيه "وما بينهما غيري" كما في السؤال وهو منبع الإشكال، فلا يرد إذاً هذا الفهم، وهو كون الله تعالى بين السموات والأرض. وإنما الحديث كما تقدم "لو أن السموات السبع وعامرهن غيري" والمعنى: لو أن السموات السبع ومن فيهن من العُمّار غير الله، والمقصود: ساكنهن؛ فالعامر للشيء هو الذي عُمر به الشيء، وهاهنا فائدة مهمة، وهي أن الله تعالى في السماء كما في هذا الحديث، وفي آية الملك "أأمنتم من في السماء" [الملك:16] وحديث الجارية: "أين الله؟ قالت: في السماء" أخرجه مسلم (537) . فليس في هذه الأدلة ما يفيد أن الله تقله السماء أو تظله، فهو تعالى غير محتاج إلى السماء أو العرش بل السماء وما فيها والعرش وحملته محتاجون إلى الرب تعالى، وإنما المراد أن الله تعالى في جهة العلو مستوٍ على عرشه بائن من خلقه، لا يقله شيء من خلقه لا السموات ولا العرش ولا الكرسي، ولا يصح - في الأدلة النقلية والعقلية ودلالة الفطرة- غير هذا المعنى، وقد قرره جميع علماء السنة على مر العصور، والله أعلم.(16/174)
التحدث في أمور الدنيا في المسجد
المجيب عبد العزيز بن أحمد الدريهم
رئيس كتابة العدل بمحافظة المزاحمية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/12/1426هـ
السؤال
توجد عندنا ظاهرة مناقشة بعض الأمور التي تخص أهل القرية داخل المسجد، ومن الأمور التي تحدث أحياناً الدعوة في المسجد إلى الولائم.
فسؤالي -وفقكم الله-: ما حكم مثل هذه التصرفات، وخاصة أنه يترتب عليها أحيانا ضوضاء في المسجد، وما هو ضابط ما يصح فعله في المسجد من هذه الأمور؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمعلوم أن وظيفة المسجد في الإسلام ليست متوقفة على أداء الصلاة فقط، بل كان عليه الصلاة والسلام يجالس أصحابه في المسجد، فيعلّمهم ويجهز الجيوش ويستمع إلى أحاديثهم وأشعارهم، إلى غير ذلك من الأعمال.
فإذا اجتمع جماعة المسجد في مسجدهم وتحادثوا فيما بينهم، أو جعلوه مكاناً للإصلاح فكل ذلك لا بأس به، وإنما جاء النهي عن البيع والشراء في المسجد، وعن نشدان الضالة فيه، بل وجاء في ذلك تشديد من الشارع الحكيم. صحيح مسلم (568) ، وسنن أبي داود (473) ، وجامع الترمذي (1321) . ومما ذكره أهل العلم كابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى المصرية أن الأكل والنوم في المسجد لا بأس به ما لم يتخذ عادة.
فإذا دعا رجل جماعة المسجد إلى وليمة في المسجد فلا بأس بذلك، ولكن لا ينبغي رفع الصوت تعظيماً لشعائر الله. وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/175)
شوي الجراد بالنار حيًّا
المجيب أحمد بن حسن المعلم
رئيس مجلس علماء أهل السنة بحضرموت
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/11/1426هـ
السؤال
هل يجوز إدخال الجراد أو أي حيوان آخر في النار وهو ما زال على قيد الحياة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالجراد هو الحيوان البري الوحيد الذي يحل بدون تذكية، أي يحل أكله بأي وسيلة مات بها، فلا تشترط لحله الذكاة المشترطة لبقية الحيوانات؛ لأن الله أحل لنا ميتته، كما في الحديث: "أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال". رواه ابن ماجة (3218،3314) والبيهقي (1/254) وغيرهما.
لكن إذا أراد المرء أكله فلا يحل له أن يدخله النار حيًّا ليموت بالنار وينضج بها، وإنما يتركه حتى يموت، أو يقتله بوسيلة أخرى بدون تعذيب؛ لأن إحراقه -وهو ما زال حياً- داخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يعذب بالنار إلا رب النار"، كما في صحيح البخاري (3016) ، وسنن أبي داود (2673) ، وغيرهما، وعلى ذلك فلا يجوز إحراق حيوان في النار، سواء ما يؤكل أو ما لا يؤكل، إلا ما كان شديد الضرر، إذا لم يقدر على قتله ودفع ضرره إلا بذلك. والله أعلم.(16/176)
هل هذا يوجب الهجرة من بلدي؟!
المجيب د. محمد بن عبد العزيز المبارك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/12/1426هـ
السؤال
أنا طالب في جامعة مختلطة أريد أن أقطع دراستي، وأريد الهجرة للسعودية للدراسة، علماً بأنه لا توجد جامعة غير مختلطة في بلدي، فهل هذا يكفي للهجرة؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. وبعد:
فإنما تجب الهجرة على من لم يستطع أن يقيم شعائر دينه، ولا يأمن على نفسه الوقوع في الفتنة، واعلم أخي الكريم أنه من الغفلة عن حقائق الأمور بمكان أن يظن أحد أنه سيعيش في الدنيا بدون منغصات، قال الله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في كبد" [البلد:4] ، وقال تعالى: "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون" [البقرة:155-157] . وقال تعالى: "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون" [العنكبوت:2] .
وجاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي (2398) عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: "الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة".
وجاء في حديث آخر أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (24/245) عن أخت حذيفة بن اليمان فاطمة أو خولة -رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل".
وإن أسعد الناس حالاً في هذه الدنيا من آمن بالله تعالى وصدق رسوله -صلى الله عليه وسلم- واهتدى بشرعه، وكان آمناً معافى عنده قوت يومه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا " أخرجه الترمذي (2346) ، وغيره.
فإذا كنت تستطيع أداء الشعائر الدينية من صلاة وزكاة وصوم وغيرها في مكانك الذي أنت فيه، ولا ترتكب محرمات فلا يجب عليك أن تهاجر من مكانك، بل أرجو أن يكون بقاؤك مع الصبر والنصيحة أولى وأفضل، أما إذا كنت مجبراً على الامتناع عن واجباتك، أو مجبراً على ارتكاب المحرمات ولا تستطيع مقاومة ذلك وتستطيع الهجرة إلى بلاد أخرى تقيم فيها شعائرك الدينية وتتوقى فيها من الوقوع في الحرام فعليك أن تهاجر فرارا بدينك.
وفقك الله لما يحبه ويرضاه، وجعل لك من كل ضيق مخرجا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(16/177)
أخذ الأجرة على صيانة المسجد
المجيب عبد العزيز بن أحمد الدريهم
رئيس كتابة العدل بمحافظة المزاحمية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/12/1426هـ
السؤال
ما حكم أخذ الأجرة على القيام بأعمال المسجد؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلم توضح -أخي السائل- نوعية الأعمال التي تقوم بها، هل هي الأذان والإقامة والصلاة، أو أعمال النظافة والصيانة ونحوها؟
أما الأذان والإمامة فلا يجوز جعلها تجارة يتاجر بها، بل يقوم بها المسلم ومقصده نفع نفسه وإخوانه المسلمين إذا قام بهذه القربات، فإذا أعطي شيء من الجهة المختصة أو من متبرع فلا بأس بأخذه، ولكن لا يجعل هذا هو المقصود الأول.
أما أعمال النظافة والصيانة ونحوها فلا بأس بأخذ الأجرة عليها، وإن كان الأولى أن يحسن الإنسان بنيته فيها، فيتحصل على الأجر الدنيوي والأخروي. والله أعلم.(16/178)
كيف أغوى أبليس آدم وقد طُرد من الجنة؟!
المجيب عبد الحكيم بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/01/1427هـ
السؤال
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه".
السؤال الأول: ما هي هذه الشجرة التي نهى الله -سبحانه وتعالى- آدم وحواء عليهما السلام عن الأكل منها؟
السؤال الثاني: كيف أن الشيطان دخل الجنة، ووسوس لأبينا آدم -عليه السلام- حتى أكل من الشجرة وقد طرد من الجنة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله، وبعد:
فجواب السؤال الأول: لم يرد في تحديد الشجرة -التي أكل منها أبونا آدم وأمنا حواء -عليهما السلام- نص صحيح من كتاب الله أو سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهما محل الأخذ في الأمور الغيبية والأخبار الغابرة على وجه التحقق، وقد نقل عن بعض أهل الكتاب وبعض المفسرين أقوال منها: أنها العنب، أو التين، أو البر، أو السنبل، أو الحنطة، أو النخل. وللإمام أبي جعفر ابن جرير الطبري -رحمه الله- كلام جميل جدا في هذا حيث قال: والصواب في ذلك أن يقال: إن الله -عز وجل ثناؤه- نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها، فأكلا منها ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين؛ لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن، ولا من السنة الصحيحة.....
وذلك عِلْمٌ إذا عُلِمَ لم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به. والله أعلم.
أما جواب السؤال الثاني: وهو عن كيفية وسوسة الشيطان لآدم مع أنه خرج من الجنة، فقد ذكر الله -تعالى- في سورة الأعراف أن الشيطان وسوس لأبوينا في الجنة وأنه كلمهما وأغراهما ليأكلا من الشجرة، وسعى أمامهما ليوصلهما إليها. قال تعالى: "فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور ... " [الأعراف:20-21] . والله أعلم. وقال ابن عطية -رحمه الله- في المحرر الوجيز: ولا خلاف بين العلماء أن إبليس اللعين هو متولي إغواء آدم، واختلف في الكيفية:
فقال ابن عباس وابن مسعود وجمهور العلماء: أغواهما مشافهة، ودليل ذلك قوله تعالى: {وقاسمهما} ، والمقاسمة ظاهرها المشافهة [ورجحه الطبري] .
وقال بعضهم: إن إبليس لما دخل إلى آدم كلمه في حاله، فقال: يا آدم ما أحسن هذا، لو أن خلدا كان، فوجد إبليس السبيل إلى إغوائه، فقال: {هل أدلك على شجرة الخلد} .
وقال بعضهم: دخل الجنة في فم الحية، وهي ذات أربع كالبختية، بعد أن عرض نفسه على كثير من الحيوان فلم تُدخله إلا الحية، فخرج إليهما وأخذ شيئا من الشجرة، وقال: انظرا ما أحسن هذا فأغواهما حتى أكلا.
وفي التبصرة لابن الجوزي قال السدى: "دخل الشيطان في فم الحية فكلمهما، وقال الحسن: ناداهما من باب الجنة ".(16/179)
والمقصود أن الاستطراد في ذلك، والاستفصال فيما لم يرد فيه دليل ظاهر يوصل إلى ما أعرض القرآن عنه لا يوصل إلى نتيجة، والذي ينبغي لطالب العلم أن يقف حيث وقف القرآن؛ لأن ما بعده لا ثمرة كبيرة منه. والله تعالى أعلم.(16/180)
شروط الإمامة
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/02/1427هـ
السؤال
ما هي شروط الإمامة التي تترتب عليها صحة صلاة المأمومين؟
ما حكم من لم يصلِّ من غير إنكاره لوجوبها؟ وما حكم من تركها تكاسلاً وتهاوناً، وجمع الأوقات مع بعضها بدون عذر شرعي؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالقاعدة عند أهل العلم أن كل من صحت صلاته صحت إمامته، أي أنه تصح الصلاة خلف كل إمام إذا كانت صلاته صحيحة إذا صلى منفرداً.
لكن مع ذلك أرشدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن الأحق بالإمامة الأقرأ والأعلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. صحيح البخاري (4302) ، وصحيح مسلم (673) .
الجواب الثاني: إذا ترك المسلم الصلاة ولو كان مع عدم إنكاره للوجوب أو تهاوناً وكسلاً فإنه يعتبر كافراً بذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر". أخرجه الترمذي (2621) ، وغيره. والمقصود أن يتركها تركاً كاملاً لا يصلي مطلقاً.
أما إذا كان يصلي أحياناً ويترك أحياناً فهذا لا يعتبر كافراً، لكنه قد اقترف إثماً عظيماً بتقصيره في الصلاة، وهي من أعظم شعائر الدين، وهي الركن الثاني من أركانه. والله أعلم.(16/181)
الصلع ... وتغيير خلق الله!
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 01/01/1427هـ
السؤال
أنا شاب أصبت بالصلع المبكر، وقد ذكر لي الأطباء أن الحل إما زراعة الشعر طبيعيا، وهو مكلف جداً، ويحتاج إلى عمل جراحي، وقد يتسبب في صداع، وإما عن طريق زراعة شعر طبيعي على جلد شفاف به مسامات وفتحات صغيرة؛ لكي تتنفس منها جلدة الرأس الأصلية، وتنزع هذه الجلدة كل شهرين إلى ثلاثة أشهر للتعقيم والتنظيف لها ولجلدة الرأس الأصلية، فما الحكم الشرعي في ذلك؟ وهل يدخل ضمن الوصل المنهي عنه؟
وهل يجري علي حكم من فقد (رجل..يد..سن.. أنف..الخ) واستبدلها بأعضاء صناعية؟
وكيف أتعامل معه في الحج والعمرة؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد روى عبد الرحمن بن طرفة أن جده عرفجة بن أسعد قُطع أنفه يوم الكُلاَب، فاتخذ أنفاً من ورق، فأنتن عليه، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- فاتخذ أنفاً من ذهب" رواه أبو داود (4232) ، والترمذي (1770) ، والنسائي (5161) ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب ... وقد روى غير واحد من أهل العلم أنهم شدوا أسنانهم بالذهب، وفي هذا الحديث حجة لهم" أ. هـ.
وقد استدل العلماء المعاصرون بهذا الحديث على جواز إجراء العمليات التجميلية للضرورة، والحاجة، كإصلاح نقص أو تلف أو تشوه، أو إزالة عيب، ومن ذلك معالجة الصلع.
ولا شك أن هناك فرقاً بين صلع النساء، وصلع الرجال؛ فصلع النساء تذم به المرأة، ويعتبر بالنسبة لها عيباً خَلْقياً، يسبِّب لها آلاماً نفسية، وينفِّر منها الرجال.
أما صلع الرجال فهو أهون من ذلك بكثير؛ لكثرة انتشار هذه الظاهرة بينهم، ولا سيما الكهول والشيوخ، ولكنه إذا وقع في سن مبكر -كما هو حال السائل- فعادة ما يسبَّب إحراجاً وألماً نفسياً، ولذا فإنه ينبغي التفريق بين الحالين.
وبكل حال، فإذا كان الصلع يوقع السائل في حرج وألم نفسي فإنه لا مانع من قيامه بعملية زراعة الشعر، ولكن بشرط ألا يترتب على هذه العملية ضرر راجح على مصلحة العلاج، كما لو كان ينتج عن هذه العملية صداع في الرأس -كما صرح به السائل- فيحرم هذا الإجراء لهذه المفسدة.
وأما بالنسبة للسؤال عن مدى كون هذه الزراعة من الوصل المنهي عنه أو لا؟.
فالجواب: أنه لا يعتبر من الوصل المحرم؛ لأن المقصود بالزراعة إزالة العيب ليس إلا، فهو كمن فقد سناً أو نحوها من الأعضاء الحاجية، وهذه بخلاف من جرت العادة بسقوط شعره، كالكهل والشيخ، فهو بالنسبة لهم من قبيل التحسيني لا الحاجي.
وبناء على ما تقدم من القول بالجواز، فإنه عند قيامك بزراعة الشعر على الطريقة الثانية -المشار إليها في السؤال- فإن كانت في الشعر حياة، بحيث يطول كالشعر الطبيعي، فإنه يأخذ حكمه في وجوب القص منه في العمرة والحج، وإن كان ثابتاً ليس فيه حياة، فإنه لا يجب الأخذ منه كالباروكة، ويكون حكمه حكم الصلع.
وأما بالنسبة للوضوء والغسل، فإنه يجب المسح عليه عند الوضوء، ويجب نزعه عند الاغتسال الواجب، كالجبيرة، والله تعالى أعلم.(16/182)
ما جاء في فضل معاوية -رضي الله عنه-
المجيب د. تركي بن فهد الغميز
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/11/1426هـ
السؤال
قرأتُ في أحد الكتب بأنه لا يوجد حديث صحيح في الثناء على معاوية -رضي الله عنه- فهل هذا القول صحيح؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- أحد أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين لا شك في صحبتهم، وكان من كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فهاتان منقبتان عظيمتان نالهما، ويكفيه فضل الصحبة، ثم قد ولي فحمدت سيرته، فولاه عمر -رضي الله عنه- وقد علمت حنكته في اختيار الولاة، وأنه لا يحابي في ذلك أحداً، ثم أقره عثمان -رضي الله عنه- على ولايته، وهذا كله منقبة له -رضي الله عنه-.
وأما بخصوص ما سأل عنه السائل، فليعلم أولاً: أن الصحابة الذين روي في فضلهم نصوص خاصة إنما هم عدد محدود ويسير، سواء ما كان من ذلك ثابتاً أو في ثبوته نظر، وأما سائر الصحابة فلم يرد في فضلهم بخصوصهم شيء، وإنما يدخلون في النصوص العامة في فضل الصحابة.
ومعاوية -رضي الله عنه- كان له شأن بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وافترق الناس فيه فمنهم الغالي ومنهم الجافي، ومنهم بين ذلك، وقد أتى الغلاة في مدحه بنصوص وروايات، وقابلهم الجفاة بمثل ذلك وعامة ذلك باطل، وقد ساق الأئمة الذين ألفوا في الموضوعات ونحوها جملة كثيرة من ذلك، ومن ذلك كتاب الموضوعات، واللآلئ المصنوعة، والفوائد المجموعة، وغيرها. وتصدَّوا لبيان بطلان هذه النصوص، ومن كلامهم في ذلك ما نقله في اللآلئ المصنوعة (1/424) ، والفوائد المجموعة (47) ، وغيرهما، عن الحاكم: سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب بن يوسف: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: لا يصح في فضل معاوية حديث. أ. هـ. فهذا الكلام لبيان بطلان الأحاديث التي يذكرها هؤلاء الغلاة.
وقد روي في فضل معاوية أحاديث اختلف الأئمة في قوتها، قال الترمذي: باب مناقب معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- (3842) ، ثم ساق بسنده، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة -وكان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لمعاوية: "اللهم اجعله هادياً مهدياً، واهد به". قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. ثم ساق الترمذي حديثاً آخر بنحوه مختصراً وضعفه. وحديث عبد الرحمن بن أبي عميرة مما اختلف الأئمة في صحته. والله أعلم.(16/183)
اتخاذ حرس من الجن!
المجيب محمد الصادق مغلس المراني
قاضي في وزارة العدل اليمنية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/11/1426هـ
السؤال
هل يحق لي أن أتخذ من الجن مرافقين وحرساً لي ولأسرتي؟ مع العلم أنني أعاني الكثير منهم، ومن الذين يرسلونهم إليَّ ليخربوا عليَّ حياتي، ويخيفوا أسرتي، ويتجسسوا على عملي، فحتى قراءه القرآن أصبحت صعبة، والصلاة أيضاً أصبحت صعبة، فهم لا يحبون هذه الأشياء، ولا يكادون يفارقوني، أفتوني أثابكم الله.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فاتخاذ حرس من الجن معناه الاستسلام لهم والاعتقاد فيهم وهذه فتنة، وهذا يزيد من تسلطهم على الإنسان، قال تعالى: "وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً" [الجن:6] ، ولا يجوز الاطمئنان إلى الجن، فهم يخادعون الإنس كثيراً مستغلين عدم رؤيتهم لهم، حتى لو زعموا أنهم صالحون؛ لأنه يصعب التأكد من صدقهم وعدالتهم، لا سيما وعندهم قدرة على التمثيل والتشكل، ومما يدل على عدم عدالتهم تقربهم من الإنس ومحاولة الاختلاط بهم.
ولو كان في مخالطتهم خير لفعلها الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والسلف الصالح، ولم يثبت أن أحداً منهم خالط الجن، بل جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- خطاً لابن مسعود ومنعه من تجاوزه في الليلة التي قابل فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- الجن، وهذا الخط معناه منع التعامل مع الجن؛ سداً لذرائع الافتتان بهم، وإيقافاً لأضرارهم وتحكمهم في البشر.
ومن يزعم أنه يمكن أن يتحكم فيهم فهو كاذب؛ لأن الله لم يجعل ذلك لأحد غير سليمان صلى الله عليه وسلم.
وعندما يؤذوا الإنسان فليطردهم بالذكر والقرآن ومن ذلك المعوذتان، فإن عجز هو فليجعل من أصحاب الخبرة من يرقيه، قال الله تعالى: "فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا" [النحل:98] ، وقال تعالى: "إن كيد الشيطان كان ضعيفاً" [النساء:76] . والله الموفق.(16/184)
الآثار في ستر الجدران
المجيب عبد العزيز بن إبراهيم الشبل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/12/1426هـ
السؤال
ورد في حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- المنع من تغطية الحجر والجدران بالقماش، فهل هذا صحيح؟ وإذا صح، فماذا تقولون عن كسوة الكعبة المشرفة وهي من القماش؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عدة أحاديث في هذه المسألة، أقواها حديث عائشة -رضي الله عنها-عند مسلم، فقد أخرج الإمام مسلم (2106) عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: خرج أي النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزاته فأخذت نمطاً فسترته على الباب، فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهية في وجهه، فجذبه حتى هتكه أو قطعه، وقال: "إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين"، قالت: فقطعنا منه وسادتين وحشوتهما ليفاً فلم يعب ذلك علي.
وقد اختلف العلماء في حكم هذا الستر:
1- فذهب جمهور الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد -هي الأصح في مذهب الحنابلة كما ذكر ذلك ابن قدامة في المغني والمرداوي في تصحيح الفروع وغيرهما- إلى أن النهي للكراهة، ما لم يكن الستر حريراً أو فيه صور فيحرم ذلك.
ومحل الكراهة عند الحنابلة ما لم يكن هناك حاجة إليها كبرد وغيره، فإن كان هناك حاجة فلا كراهة لخروجه عن حد الإسراف، فهو كلبس الثياب.
وما ذكر من القول بعدم تحريم ستر الجدر هو الذي يظهر من مذهب الحنفية؛ فقد جاء في البحر الرائق (8/216) : (وله أن يستر الجدار باللبد وغيره) .
وفي ملتقى الأبحر مع شرحه مجمع الأنهر (2/556) : (ولا بأس بستر حيطان البيت باللبود.. للبرد) ؛ لأن فيه منفعة (ويكره للزينة، وكذا إرخاء الستر على البيت) ، يعني لا يكره إذا كان لدفع البرد ويكره إن كان للتكبر) .
ويظهر -أيضاً- أن هذا هو مذهب المالكية؛ فقد قالوا في كتاب الوليمة: وليس من المنكر ستر الجدران بحرير إذا لم يستند إليه. انظر: الشرح الصغير (2/380) ، والشرح الكبير (2/337) .
2- وذهب بعض الشافعية -منهم الشيخ أبو نصر المقدسي- والإمام أحمد في رواية عنه إلى أن النهي للتحريم، ومن أهم أدلتهم حديث عائشة -رضي الله عنها-.
وأجيب عن استدلال المانعين بحديث عائشة بأجوبة، منها:
الجواب الأول: أن الحديث ليس فيه نهي عن ستر الجدر، وإنما الذي فيه أننا لم نؤمر بالستر، وعدم الأمر لا يدل على التحريم، بل غاية ما فيه أنه لا يدل على الوجوب ولا الاستحباب، قال النووي رحمه الله: وليس في هذا الحديث ما يقتضي تحريمه؛ لأن حقيقة اللفظ أن الله تعالى لم يأمرنا بذلك، وهذا يقتضي أنه ليس بواجب، ولا مندوب، ولا يقتضي التحريم. ا. هـ
الجواب الثاني: أن نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة لكون الستر فيه تصاوير -وقد ورد ذلك في روايات أخرى للحديث عند البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم- وقد ذكر هذا الجواب البيهقي في السنن الكبرى (7/272) واختاره بعض الحنابلة.(16/185)
ومما ورد في هذه المسألة: حديث عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تستروا الجدر" رواه أبو داود (1485) وقال: روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية، وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضا.
وضعَّف هذا الحديث –أيضاً- جمع من العلماء منهم البيهقي في السنن الكبرى، والحافظ ابن رجب، فقد قال في فتح الباري: (2/207طبعة ابن الجوزي) : حديث النهي عن ستر الجدر إسناده ضعيف.
الحديث الثالث: عن محمد بن كعب القرظي، حدثني من سمع علي بن أبي طالب يقول: إنا لجلوس مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في المسجد إذ طلع مصعب بن عمير -رضي الله عنه- ما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو، فلما رآه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بكى للذي كان فيه من النعمة والذي هو اليوم فيه، ثم قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة وراح في حلة، ووضعت بين يديه صحفة ورفعت أخرى، وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة". قالوا: يا رسول الله: نحن يومئذ خير منا اليوم نتفرغ للعبادة ونكفى المؤنة. فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لأنتم اليوم خير منكم يومئذ". قال الترمذي (2476) : هذا حديث حسن غريب ... ا. هـ.
والحديث فيه جهالة من حدث عن علي بن أبي طالب.
وورد عن بعض الصحابة أيضاً النهي عنه، فقد ذكر البخاري تعليقاً: في كتاب النكاح، باب هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة؟ أن ابن عمر دعا أبا أيوب، فرأى في البيت ستراً على الجدار، فقال ابن عمر: غلبنا عليه النساء، فقال: من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك، والله لا أطعم لكم طعاما فرجع.
وقال ابن حجر في الفتح: وصله أحمد في كتاب الورع، ومسدد في مسنده، ومن طريقه الطبراني من رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: (أعرست في عهد أبي ... ) . وذكر الحافظ ابن حجر آثاراً أخرى في هذا المعنى فليراجعها من أراد الاستزادة.
وقال الشيخ الألباني عن هذا السند في كتابه آداب الزفاف (130) : سند جيد، ونقل عن المروذي في كتابه الورع (19/2) أن الإمام أحمد احتج به.
لكن أجاب بعض العلماء عن هذا الأثر: بأنه اجتهاد من أبي أيوب؛ بدليل أن ابن عمر فعله وحضر بعض الصحابة ولم ينكروا ذلك وإنما أنكر ذلك أبو أيوب، ولو كان محرماً لما غلبت النساء ابن عمر عليه، ولكنهن غلبنه على شيء مكروه، والله أعلم.
وأما ستر الكعبة فإنه مستثنى من النهي لمكانة الكعبة وخصوصيتها، ولا أعلم في ذلك خلافاً، فقد كانت الكعبة تستر في وقت النبي –صلى الله عليه وسلم- وبعده ولم ينكر ذلك أحد فيما أعلم، وفي حديث علي -الذي سبق ذكره- عند الترمذي: "وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة"، ولكن الحديث فيه ضعف، وعند البيهقي (7/272) عن سلمان عندما تزوج امرأة من كندة، وأراد أن يدخل بها ورأى بيتاً مستراً قال: مابال بيتكم محموما أو تحولت الكعبة في كندة.. ولكن قال عنه البيهقي: هذا منقطع.
وقال ابن عمر لرجل دعاه إلى وليمة وقد ستر الجدر: يا فلان متى تحولت الكعبة في بيتك، رواه أحمد في الزهد كما ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري.(16/186)
هذا مختصر لما ورد في هذه المسألة، وباختصار فقد ورد حديث صحيح ليس بصريح في هذه المسألة، ووردت أحاديث أخرى ضعيفة، والعلماء مختلفون في حكم ستر الجدر، فالجمهور على أن النهي للكراهة إن لم يكن ذلك حريراً، ورأى بعض العلماء أن النهي للتحريم، والله أعلم وصلى وسلم وبارك على نبينا محمد.(16/187)
هل الأجر في الحج على قدر المشقة!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/12/1426هـ
السؤال
دار نقاش بيني وبين أحد زملائي بخصوص حملات الحج، فهو يقول: إن الذي يحج في حملة رخيصة، وبعيدة عن الجمرات -حتى وإن كان قادراً مالياً- أكثر أجراً من الذي يحج في حملة قربية من الجمرات؛ لأن الأجر على قدر المشقة، وأنا أقول: لا توجد فوارق؛ لأن الذي يحج بحملة قريبة يستطيع -بتوفيره للوقت- أن يستغل هذا القرب في العبادة والدعاء، وكذلك هو دفع مالاً أكثر، وهذه كذلك مشقة. أرجو إفادتنا، وجزاكم الله كل خير.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك؟ فقيل لها: انتظري فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم، فأهلي ثم ائتينا بمكان كذا ولكنها على قدر نفقتك أو نصبك. أخرجه البخاري (1787) .
فيلاحظ هنا أنه علق الأجر على أحد أمرين النصب والنفقة.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وظاهره أن الثواب والفضل في العبادة بكثرة النصب والنفقة. شرح مسلم (8/152) .
وقال الحافظ ابن حجر: وهو كما قال لكنه ليس بمطرد؛ فقد يكون بعض العبادة أحق من بعض، وهي أكثر فضلا وثوابا بالنسبة للزمان، كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام رمضان، وبالنسبة للمكان كصلاة ركعتين في المسجد الحرام بالنسبة لصلاة ركعات في غيره، وإلى شرف العبادة المالية والبدنية كصلاة الفريضة بالنسبة إلى أكثر من عدد ركعاتها، وأطول من قراءتها ونحو ذلك من صلاة النافلة، وكدرهم من الزكاة بالنسبة إلى أكثر من التطوع، أشار إلى ذلك ابن عبد السلام في القواعد، وقال أيضا: وقد كانت الصلاة قرة عين النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي شاقة على غيره وليست صلاة غيره مع مشقتها مساوية لصلاته مطلقا والله أعلم. فتح الباري (3/611) ، عمدة القاري (10/124) ، كشف الخفاء (1/50) .
وفي حديث "ذهب المفردون بالأجر" ثواب عظيم على عمل يسير، لذا قال الكرماني رحمه الله تعالى: (كيف يساوي قول هذه الكلمات مع سهولتها وعدم مشقتها الأمور الشاقة الصعبة من الجهاد ونحوه، وأفضل العبادات أحمزها، قلت أداء هذه الكلمات حقها الإخلاص، سيما الحمد في حال الفقر من أفضل الأعمال وأشقها.
ثم إن الثواب ليس بلازم أن يكون على قدر المشقة؛ أَلاَ ترى في التلفظ بكلمة الشهادة من الثواب ما ليس في كثير من العبادات الشاقة " ا. هـ. عمدة القاري (6 /129) ، فتح الباري (2/328) ، فيض القدير (2/34) . والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(16/188)
الدعاء على اليهود والنصارى بعامّة!
المجيب د. عبد العزيز بن عمر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/01/1427هـ
السؤال
كثيراً ما نسمع في خطبة الجمعة: اللهم عليك باليهود وأمريكا، اللهم دمِّرهم، اللهم أهلكهم.
في الحقيقة يوجد يهود وأمريكان ظالمون، ويوجد يهود وأمريكان غير ظالمين، ولا يؤيدون ما يحدث في البلاد الإسلامية من قتل، فهل يجوز لي أن أقول: اللهم عليك باليهود الظالمين، أو الأمريكان الظالمين؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فبالنسبة للدعاء على اليهود والأمريكان فهناك إفراط وتفريط، فمن الناس من يتورع عن لعنهم والدعاء عليهم تحت مبررات وهميةٍ نابعةٍ من قصور فهمه بالشرع الحنيف، أو من نفسيته المنهزمة، أو إفراط في الأمر نابع من الجهل أو الحنق، والصحيح أن اليهود والنصارى يلعنون في الجملة لا في التعيين، وقد قال تعالى: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون" [المائدة:76] . وبنو إسرائيل اليوم جميعاً كفار ليسوا على دين أنبيائهم، فاستحقوا اللعنة بكفرهم دون اعتداءٍ منهم، فكيف إذا جمعوا بين الكفر والاعتداء؟!
وفي الصحيحين قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" صحيح البخاري (436) ، وصحيح مسلم (531) . والدعاء عليهم بالهلاك والانتقام يكون على الظالم منهم لا عليهم جميعاً، فنقول: اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصليبيين المعتدين. ولا نَعُمّ الجميع؛ لأن الجميع وإن كانوا بالنسبة لنا كفاراً ملعونين إلا أن كفرهم شيء، والدعاء عليهم جميعاً شيءٌ آخر. والله أعلم.(16/189)
معنى "نحمد الله إليكم"
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/11/1426هـ
السؤال
إذا سئل بعض أهل العلم عن حاله، أجاب: "نحمد الله إليكم" فما معنى ذلك، وما الفرق بين الحمد والشكر؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقول القائل: "أحمد الله إليك" كما هو المتبع في الخطابات، معناه: إني أحمد الله على ما أولى وتفضل، فأنا بنعم الله أنهي إليك هذا الخبر، لأن هذا يأتي عندما يسأل الإنسان أخاه عن حاله، بقول: "أحمد الله إليك"، وأكثر ما تأتي هذه العبارة في الرسائل؛ لأن المرسِل يُبلغ صاحبه بما يتمتع به من نعم الله، فالكلام مضمن معنى: أنهي إليك هذا الخبر الذي يهمك أن تعرفه من حالي.
وأما الفرق بين الحمد والشكر، فالشكر: هو ما كان في مقابل نعمة من طاعة وثناء، وأما الحمد: فلا يختص بالنعم، بل يكون الحمد على ما كان نعمة وما لم يكن نعمة، فالله تعالى هو المحمود على كل حال على السراء وعلى الضراء وعلى كل أفعاله؛ لأنه سبحانه حكيم عليم في تدبيره وتقديره، فله الحمد على كل حال، بل الحمد كله له، كما قال تعالى: "الحمد لله رب العالمين".
فحمد سبحانه وتعالى نفسه، وعلَّم عباده كيف يحمدونه، فله الحمد وله الشكر كما أمر بذلك بقوله: "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون" [البقرة: 152] . والله أعلم.(16/190)
استلحاق الابن من الزنا
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/11/1426هـ
السؤال
كنت قد واقعت امرأة كافرة في حالة سكر يوم كنت مقيماً في إحدى الدول الغربية، فأنجبت ولداً يدرس الآن بالجامعة، فما موقفي من هذا الابن شرعاً؟ لا سيما وأنني على اتصال به؛ طمعاً في أن يسلم، وقد انقطعت علاقتي بأمه حال ولادته؛ لأنني كنت أجهل حملها وولادتها. أفتوني مأجورين. وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فولد الزنا لا ينسب لوالده بل ينسب لوالدته، فيقال: (فلان ابن فلانة) هذا إن عُرفت والدته، أما إن لم تُعرف فيجعل له اسم يُعرف به، وقد ذكر ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- أن ولد الزنا في الإسلام لا يلحق بالزاني بالإجماع. انظر التمهيد (8/190) ؛ لكونه ثمرة سفاح لا نكاح، فلا توارث بين ولد الزنا والزاني لانتفاء سبب التوارث، فأسباب الميراث ثلاثة: نكاح وولاء ونسب، وولد الزنا لا يمكن إلحاقه بواحد منها. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: لا بأس بوصل الولد وتربيته والإحسان إليه والنفقة عليه ودعوته إلى الإسلام وحثه على ذلك، بل هذا من العبادات التي يؤجر المرء عليها، قال تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" [الممتحنة:8] .
وعليك التوبة من ذلك الذنب الذي وقعت فيه، قال تعالى: "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسناتٍ وكان الله غفوراً رحيماً" [الفرقان:68-70] ، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/191)
متى يؤاخذ الطفل على فعل المعصية؟
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/12/1426هـ
السؤال
متى يكون الطفل آثماً محاسباً على ما يقع فيه من المعاصي؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيكون الطفل محاسبًا على ما يقع فيه من المعاصي إذا بلغ، والبلوغ يتحقق بأحد ثلاثة أمور:
الأول: الاحتلام.
الثاني: نبات الشعر الخشن حول القبل.
الثالث: بلوغ خمس عشرة سنة.
وتزيد الفتاة بأمر رابع وهو الحيض.
فمتى حصل للشاب أو الشابة أحد هذه الأمور فقد بدأ عليه التكليف، ويترتب على ذلك الجزاء يوم القيامة.
وآخرها بلوغ خمس عشرة سنة، فلو بلغ الطفل خمس عشرة سنة ولم يحتلم ولم ينبت ولم تحِضْ الفتاة. فقد بلغ ودخل سن التكليف.
وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم.(16/192)
هل للاستنساخ علاقة بالروح؟
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/03/1427هـ
السؤال
نرجو أن تبينوا لنا: هل للاستنساخ علاقة بالروح؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالاستنساخ هو نقل نواة خلية جسدية تحتوي على ستة وأربعين صبغيا إلى بويضة منزوعة النواة، فتتكون خلية تشمل جميع المعلومات الوراثية، فتبدأ في الانقسام مكونة الخلايا الأولى للجنين، وفي مرحلة معينة من مراحل انقسامها تنقل إلى الرحم لتعلق به، وتستمر في أطوار نموها حتى الولادة، وهذا الأمر جرى تطبيقه في الحيوان، وأمكن استنساخ حيوانات بهذه الطريقة، أما في الإنسان فهو في طور التجارب وتكتنفه صعوبات كثيرة.
وهذا الأمر لا يعني إعادة الأموات إلى الحياة الدنيا مرة ثانية؛ لأن الله -عز وجل- وحده هو القادر على بعث الأموات من القبور يوم القيامة، وهو وحده المنفرد بإيجادهم بعد العدم، كما قال عز وجل: "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" [الحج:6] وقال سبحانه وتعالى: "إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ" [الأنعام:36] .
وبهذا يتبين أن الاستنساخ لا علاقة له بالروح، فحقيقته نقل خلية حية إلى الرحم، وبعد أن تمر بأطوار من النمو والتخلق تنفخ فيها الروح ويكون ذلك بعد مرور أربعة أشهر من وجودها في الرحم. والله أعلم.(16/193)
ما المقصود بـ"سيماهم في وجوههم من أثر السجود"
المجيب عبد الحكيم بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/01/1427هـ
السؤال
هل المساحة السوداء الصغيرة التي نراها على جباه البعض هي نفسها علامة السجود التي في قوله تعالى: "سيماهم في وجوههم من أثر السجود.."؟ أم أن علامة السجود من أثر الوضوء، ولا تُرى إلا يوم القيامة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد سرد ابن الجوزي في زاد المسير أقوال المفسرين في معنى قوله تعالى: "سيماهم في وجوههم من أثر السجود" [الفتح:29] . فقال: وهل هذه العلامة في الدنيا أم في الآخرة؟ فيه قولان: أحدهما في الدنيا: ثم فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها السمت الحسن، قاله ابن عباس في رواية ابن أبي طلحة، وقال في رواية مجاهد: أما إنه ليس بالذي ترون، ولكنه سيما الإسلام وسمته وخشوعه، وكذلك قال مجاهد: ليس بندب التراب في الوجه، ولكنه الخشوع والوقار والتواضع.
والثاني: أنه ندى الطهور وثرى الأرض، قاله سعيد بن جبير، وقال أبو العالية: لأنهم يسجدون على التراب لا على الأثواب، وقال الأوزاعي: بلغني أنه ما حملت جباههم من الأرض.
والثالث: أنه السهوم، فاذا سهم وجه الرجل من الليل أصبح مصفارًّا، قال الحسن البصري: {سيماهم في وجوههم} الصفرة، وقال سعيد بن جبير: أثر السهر، وقال شمر بن عطية: هو تهيج في الوجه من سهر الليل.
والقول الثاني: أنها في الآخرة، ثم فيه قولان:
أحدهما: أن مواضع السجود من وجوههم تكون أشد وجوههم بياضاً يوم القيامة، قاله عطية العوفي، وإلى نحو هذا ذهب الحسن، والزهري، وروى العوفي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة.
والثاني: أنهم يبعثون غرًّا محجلين من أثر الطهور، ذكره الزجاج. انتهى.
ورجَّح ابن جزي: أنه أثر السجود في الدنيا؛ لقوله: "تراهم ركعا سجدا..".
ورجَّح الطبري العموم، فقال: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله -تعالى ذكره- أخبرنا أن سيما هؤلاء القوم -الذين وصف صفتهم- في وجوههم من أثر السجود، ولم يخص ذلك على وقت دون وقت، وإذا كان ذلك كذلك فذلك على كل الأوقات، فكانت سيماهم التي كانوا يعرفون بها في الدنيا أثر الإسلام، وذلك خشوعه وهديه وزهده وسمته وآثار أداء فرائضه وتطوعه، وفي الآخرة ما أخبر أنهم يعرفون به، وذلك الغرة في الوجه والتحجيل في الأيدي والأرجل من أثر الوضوء، وبياض الوجوه من أثر السجود.
وقال ابن القيم في الصواعق (2/606) : ثم أثنى عليهم [أي الصحابة] بكثرة الأعمال مع الإخلاص التام وسعة الرجاء في فضل الله ورحمته بابتغائهم فضله ورضوانه، وبأن آثار ذلك الإخلاص وغيره من أعمالهم الصالحة ظهرت على وجوههم، حتى إن من نظر إليهم بهره حسن سمتهم وهديهم، ومن ثم قال مالك رضي الله تعالى عنه: "بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام قالوا: والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا".(16/194)
وقال ابن كثير: وقال بعضهم: إن للحسنة نورًا في القلب، وضياءً في الوجه، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الناس. وقال أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه: "ما أسرَّ أحد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه".
والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه، فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله تعالى أصلح الله -عز وجل- ظاهره للناس، كما روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "من أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيته" ... فالصحابة -رضي الله عنهم- خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم، فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم ...
وقال السعدي: أي قد أثرت العبادة من كثرتها وحسنها في وجوههم حتى استنارت، لما استنارت بالصلاة بواطنهم استنارت بالجلال ظواهرهم.
وقدبيَّن شيخ الإسلام في الجواب الصحيح (6/486) أن ما يقوم بالقلب من تصديق وحب الله ورسوله وتعظيم لابد أن يظهر على الجوارح، وكذلك بالعكس؛ ولهذا يستدل بانتفاء اللازم الظاهر على انتفاء الملزوم الباطن، كما في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب" ...
وذكر: أن وصف الوجوه بالعلامة موجود في القرآن، كقوله: "سيماهم في وجوههم"، وقوله: "ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم" [محمد:30] ، وقوله: "تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا" [الحج:72] .
وأن معرفة المنافقين بالسيما معلقة بمشيئة الله، وأما معرفتهم بلحن القول فمحققة حيث قال تعالى: "ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول" [محمد:30] ، وقال ف حق المؤمنين: "سيماهم في وجوههم من أثر السجود"، وقال في حق الكافر: "عتل بعد ذلك زنيم" [القلم:13] ، أي: له زنمة من الشر، أي: علامة يعرف بها.
وأن الرجل الصادق البار يظهر على وجهه من نور صدقه وبهجة وجهه سيما يعرف بها، وكذلك الكاذب الفاجر، وكلما طال عمر الإنسان ظهر هذا الأثر فيه، حتى إن الرجل يكون في صغره جميل الوجه، فإذا كان من أهل الفجور مصرًّا على ذلك يظهر عليه في آخر عمره من قبح الوجه ما أثره باطنه وبالعكس ...
وقد يكون الرجل ممن لا يتعمد الكذب، لكن يعتقد اعتقادات باطلة كاذبة في الله أو في رسله أو في دينه أو عباده الصالحين، وتكون له زهادة وعبادة واجتهاد في ذلك، فيؤثر ذلك الكذب الذي ظنه صدقا وتوابعه في باطنه، ويظهر ذلك على وجهه، فيعلوه من القترة والسواد ما يناسب حاله، كما قال بعض السلف: "لو ادهن صاحب البدعة كل يوم بدهان إن سواد البدعة لفي وجهه".
وهذه الأمور تظهر يوم القيامة ظهورًا تامًّا، قال تعالى: "ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون" [الزمر:60-61] .(16/195)
وقال تعالى: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون" [آل عمران:106-107] قال ابن عباس وغيره: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة.
والمقصود أن ما في القلوب من قصد الصدق والمحبة والبر ونحو ذلك قد يظهر على الوجه حتى يعلم ذلك علما ضروريا من أبلغ العلوم الضرورية، وكذلك ما فيها من قصد الكذب والبغض والفجور وغير ذلك.
والإنسان يرافق في سفره من لم يره قط إلا تلك الساعة، فلا يلبث إذا رآه حدة وسمع كلامه أن يعرف هل هو مأمون يطمئن إليه أو ليس كذلك، وقد يشتبه عليه في أول الأمر وربما غلط، لكن العادة الغالبة أنه يتبين ذلك بعد لعامة الناس.
وكذلك الجار يعرف جاره، والمعامل يعرف معامله؛ ولهذا لما شهد عند عمر بن الخاطب رجل فزكاه آخر، قال: هل أنت جاره الأدنى تعرف مساءه وصباحه؟ قال: لا، قال: هل عاملته في الدرهم والدينار اللذين تمتحن بهما أمانات الناس؟ قال: لا، قال: هل رافقته في السفر الذي تنكشف فيه أخلاق الناس؟ قال: لا، قال: فلست تعرفه. وروي أنه قال: لعلك رأيته يركع ركعات في المسجد!، وذلك أن المنافق قد يظهر الصلاة، فمن لم يخبره لا يعرف باطن أمره، كما قيل:
ذئب تراه مصليا *** فإذا مررت به ركع
يدعو وجلّ دعائه *** ما للفريسة لا تقع
وإذا الفريسة خليت *** ذهب التنسك والورع
انتهى كلام ابن تيمية رحمه الله.
وهنا وقفة مع حديثين في معنى هذه الجملة من الآية:
الأول: ورد في تفسير الآية حديث مرفوع أن السيما: هي النور يوم القيامة، ولكنه لفظ ضعيف: رواه الطبراني في المعجم الأوسط (4464) ، وفي المعجم الصغير (619) .
وقال الطبراني في الأوسط: لم يرفع هذا الحديث عن أبي جعفر الرازي إلا روّاد والمسيب، تفرد به محمد بن أبي السري، لا يروى عن أبيّ إلا بهذا الإسناد، وقال في الصغير: لا يروى عن أبيّ إلا بهذا الإسناد تفرد به أبو جعفر الرازي.
وقال ابن القيم في زاد المعاد (1/276) عن أبي جعفر الرازي: صاحب مناكير لا يحتج بما تفرد به أحد من أهل الحديث البتة.
قلت: أبو جعفر الرازي هو عيسى بن عبد الله بن ماهان مختلف فيه أيضا.
ولأبي جعفر نسخة في التفسير إلى أبي بن كعب، فلعل الراوي عنه رفع ما كان موقوفا، وهو المسمى عند المحدثين بسلوك الجادة.
وفي الإسناد أيضا: روّاد بن الجراح أبو عصام العسقلاني، قال البخاري: كان قد اختلط لا يكاد أن يقوم حديثه. فالحديث إذن ضعيف.
الحديث الثاني: أورده ابن ماجه في سننه (1333) عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"، وهو حديث موضوع، كما نقل ابن أبي حاتم في علل الحديث (1/74) عن أبيه: وأن أبا حاتم سأل ابن نمير: فقال: [في راوي الحديث السابق وهو ثابت بن موسى] : الشيخ لا بأس به، والحديث منكر، قال أبي: الحديث موضوع. والله أعلم.(16/196)
هجرها في المضجع من غير نشوز!
المجيب د. محمد بن عبد العزيز المبارك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/11/1426هـ
السؤال
هل من حقوق الزوجة أن ينام الزوج في الغرفة معها، حيث إن زوجي له غرفة خاصة به، وإذا أرادني طلب حضوري، ويقول: ليس في الإسلام وجوب النوم معك في سرير أو غرفة. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه وبعد:
فقد جاء في المغني لابن قدامة -رحمه الله- في كتاب عشرة النساء (10/220) ما نصه: قال الله تعالى: "وعاشروهن بالمعروف" [النساء:19] . وقال تعالى: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" [البقرة:228] . وقال ابن زيد: يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم، وقال ابن عباس: إني لأحب أن أتزين للمرأة, كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله تعالى يقول: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"، وقال الضحاك في تفسيرها: إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن فعليه أن يحسن صحبتها, ويكف عنها أذاه وينفق عليها من سعته، وقال بعض أهل العلم: التماثل ها هنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف ولا يمطله به, ولا يظهر الكراهة بل ببشر وطلاقة، ولا يتبعه أذى ولا منة؛ لقول الله تعالى: "وعاشروهن بالمعروف" وهذا من المعروف, ويستحب لكل واحد منهما تحسين الخلق مع صاحبه والرفق به واحتمال أذاه؛ لقول الله تعالى: "وبالوالدين إحسانا وبذي القربى" إلى قوله "والصاحب بالجنب" [النساء:36] . قيل: هو كل واحد من الزوجين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم-: "استوصوا بالنساء خيرا" رواه البخاري (3331) ، ومسلم (1468) ، وأخرجه الترمذي (1163) ، وزاد: "فإنهن عوان عندكم". وقال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله" رواه مسلم (1218) . وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقا". متفق عليه [صحيح البخاري (5184) وصحيح مسلم (1468) ] . وقال صلى الله عليه وسلم: "خياركم خياركم لنسائهم" رواه ابن ماجه (1978) .
وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه؛ لقول الله تعالى: "وللرجال عليهن درجة" [البقرة:228] ، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد, لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق" رواه أبو داود (2140) ، وقال: صلى الله عليه وسلم: "إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح" متفق عليه [صحيح البخاري (5194) ، وصحيح مسلم (1436) ] ، وقال صلى الله عليه وسلم لامرأة: "أذات زوج أنت؟ " قالت: نعم. قال: "فكيف أنت له؟ ". قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه. قال: "فانظري أين أنت منه، فإنه جنتك ونارك". رواه أحمد (26806) . وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه, ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقت من نفقة من غير أمره، فإنه يؤدَّى إليه شطره". رواه البخاري (5195) .(16/197)
أختي السائلة: ما تذكرين في سؤالك محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى أن الزوج إذا كانت له زوجة واحدة يلزمه أن يبيت عندها ليلة من أربع، وينفرد إن أراد في الباقي، ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا يتضمن: الاجتماع في المنزل والفراش، كما قال رحمه الله: (وقول أصحابنا: يجب على الرجل المبيت عند امرأته ليلة من أربع، وهذا المبيت يتضمن سنتين: إحداهما المجامعة في المنزل، والثانية في المضجع، وقوله تعالى: "واهجروهن في المضاجع"مع قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يَهْجُر إلا في المضجع" دليل على وجوب المبيت في المضجع، ودليل على أنه لا يهجر المنزل، ونص الإمام أحمد في الذي يصوم النهار ويقوم الليل يدل على وجوب المبيت في المضجع، وكذا ما ذكره في النشوز إذا نشزت هجرها في المضجع دليل على أنه لا يفعله بدون ذلك.
وعلى هذا فيلزم الزوج أن يبيت مع زوجه في فراشها ليلة من أربع، وينفرد في سائر الليالي إن شاء، ويؤيد هذا أن المراد من المبيت ما يحصل من الأنس والسكن في المقام الأول، وهذا إنما يتحقق كماله بلزوم فراشها والنوم بجوارها، قال الله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21] .
ويذهب بعض أهل العلم إلى أن من له زوجة واحدة يستحب أن يبيت عندها ويحصنها، وأن أدنى الدرجات أن لا يخلي أربع ليال عن ليلة، إلا أنه لا يلزمه ذلك ابتداء؛ لأنه حقه فله تركه، كما يرون أن الأولى أن يناما في فراش واحد إذا لم يكن لأحدهما عذر في الانفراد، سيما إذا عرف الزوج حرص زوجه على ذلك.
وإذا تقرر هذا أختي الكريمة فإن زوجك قد يحتج بأن ما يفعله جائز عند بعض أهل العلم، أو أن يستمر على عناده لك، فلا أرى أن الحل ليس في سؤالك عن الحكم حلا وحرمة، بل ينبغي لك أن تبحثي عن الداعي الذي لأجله فعل زوجك هذا، واستشعار أسبابه والعمل على التصحيح ما أمكن بروح المودة والمحبة والخضوع، وتلافي الخطأ والقصور. وفق الله السائلة لما يحبه ويرضاه، وأصلح لها ما بينها وبين زوجها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(16/198)
هل يجوز هذا الدعاء؟
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/11/1426هـ
السؤال
هل يجوز قول: "اللهم انشلنا من أوحال التوحيد، إلى بحور الوحدة"؟ وهذا وارد في دعاء يدرس في بلدي في الدروس الدينية في المنازل والاجتماعات.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا دعاء فاسد المعنى باطل المضمون، ولا يقوله إلا جاهل أو مريض بأهواء التصوف الفلسفي المنحرف؛ ذلك أن وصف التوحيد -الذي هو شعار أمة محمد صلى الله عليه وسلم- بالأوحال، عين الغواية والضلال؛ لأن التوحيد هو أساس الملة وقاعدة الديانة وأصل الأصول، وهو دعوة الأنبياء وطريق المرسلين، ولم يعرف التوحيد عند أمة الإسلام إلا أنه (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ، كما في صحيح مسلم (26) باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، وأورد حديث عثمان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة". وفي صحيح البخاري (7372) كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى، ثم ساق حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: لما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل إلى نحو أهل اليمن، قال له: "إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى".
وفي مستدرك الحاكم (2051) تسمية النبي -صلى الله عليه وسلم- النطق بالشهادتين توحيداً، فعن حميضة بنت ياسر، عن جدتها يسيرة -رضي الله عنها- وكانت إحدى المهاجرات، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، ولا تغفلن فتنسين التوحيد، واعقدن بالأنامل؛ فإنهن مسؤولات ومستنطقات".
وسمى النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته أمة التوحيد، ففي جامع الترمذي (2597) عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يعذب ناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا فيها حمما، ثم تدركهم الرحمة فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنة.
والأدلة من الآثار في هذا كثيرة كلها تدل على عظم كلمة التوحيد ومكانتها عند كل مسلم يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، ولا عبرة بتأويلات أهل الأهواء إذا قالوا مرادنا بالتوحيد كذا وكذا مما هو مخالف للمراد الشرعي.
ثم في الدعاء المذكور قوله: (بحور الوحدة) ، وهذا هو معتقد فلاسفة المتصوفة الذين جعلوا ضلالة وحدة الوجود عين الإيمان واليقين وهي عين الضلال والانحراف؛ حيث تقوم هذه العقيدة على أن الوجود كله عين واحدة هي الله -تعالى- وأنه لا فرق بين رب وعبد، وهذه ضلالة لم يقلها حتى كفار قريش ولا فرعون ولا إبليس، وهي تقتضي أن تكون الأشياء كلها عين الرب تعالى الله، ومهما قالوا في تأويل الوحدة والاتحاد فإن مصيره إلى هذا الاعتقاد الباطل والخطير على عقيدة صاحبه.
نعوذ بالله من الزيغ والضلال.(16/199)
كيف نفهم "لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه"
المجيب د. عبد الله بن وكيل الشيخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/08/1426هـ
السؤال
يقول -صلى الله عليه وسلم - فيما معناه - "لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه". كيف نجمع بين هذا الحديث وبين أن نسعى لمستقبل مشرق يمحو الظلام الذي نعيشه؟
كيف نأمل عز الإسلام مستقبلاً فنخالف هذا الحديث؟!! فلو اعتز الإسلام لكان الزمان الذي اعتز فيه خيراً من الزمان الذي قبله.. والحديث يقول إن الزمان القادم أسوأ من الماضي دائماً!!
كيف نجمع بينهما؟ فأنا حائر جداً، وهناك شبهات كثيرة كهذه الشبهة أخشى أن تتراكم هذه الشبه وأجنح للانحراف الفكري. أفيدونا.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وبعد:
فإنه مما ينبغي التنبه له أن النصوص الشرعية ينبغي فهمها مجتمعة، ولا يصح أن يعزل النص الشرعي عن بقية النصوص فإن ذلك من أعظم ما يوقع في الغلط، وعلى هذا فإن هذا الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه (7068) من حديث الزُّبَيْرِ بنِ عَدِي قال: أتَيْنا أنَسَ بنَ مالِك -رضي الله عنه- فَشَكَوْنا إلَيْهِ ما نَلْقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فقال: اصْبِرُوا فإنهُ "لا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمانٌ إلاَّ والّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ" سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ.
يجب فهمه في ضوء بقية النصوص الشرعية المتحدثة عن شأن الأمة بعده صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت نصوص كثيرة تدل على بقاء الخير في هذه الأمة كما في حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره". أخرجه الترمذي (2869) ، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وفي الباب عن عمار وعبد الله بن عمرو وابن عمر -رضي الله عنهم- والحديث أخرجه أيضاً أبو يعلى في مسنده، والدارقطني في مسند حديث مالك، وأبو الحسن بن القطان في العلل، له وقال: لا نعلم له علة، وله شاهد عن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- أخرجه ابن حبان في صحيحه، وفي لفظ عند الطبراني في "الكبير" من حديث عمار -رضي الله عنه-: "مثل أمتي كالمطر يجعل الله في أوله خيرا وفي آخره خيرا".
وفي الباب أيضاً عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أخرجه البزار بسند حسن، وقال: إنه لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد أحسن من هذا، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عند الطبراني، وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عند الطبراني أيضا، وأشار إليه ابن عبد البر، وقال: إن الحديث حسن. وقول النووي في فتاويه: إنه ضعيف. متعقَّبٌ، إلا أن يريد باعتبار ذاته أو من طريق أبي يعلى التي عزاها له في فتاواه، وإليه يشير قول الحافظ ابن حجر: حديث حسن، له طرق. [ينظر المقاصد الحسنة (1/591) ، كشف الخفاء (2/258) ] .(16/200)
وكما في أحاديث الطائفة المنصورة وبقائها في الأمة إلى قيام الساعة، ومن ذلك حديث معاوية –رضي الله عنه- سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك". أخرجه البخاري (3641) ومسلم (1037) .
وحديث ثوبان –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك". أخرجه مسلم (1920) .
وكذلك أحاديث المهدي التي أخرجها أبو داود وغيره من أئمة الإسلام، وكما في أحاديث نزول المسيح عيسى ابن مريم -صلوات الله وسلامه عليه- وهي أحاديث ثابتة في الصحيح.
وفي ضوء هذه الأحاديث مجتمعة ينبغي أن يفهم حديث أنس –رضي الله عنه- الوارد في السؤال على أحد الوجوه التالية:
الوجه الأول: أن ذلك محمول على الأكثر الأغلب، وعلى ذلك حمله الحسن البصري –رحمه الله- فإنه سئل عن وجود عمر بن عبد العزيز –رحمه الله- بعد الحجاج، فقال: لا بد للناس من تنفيس.
الوجه الثاني: أن المراد بالتفضيل تفضيل مجموع العصر، ومن أمثلة ذلك أن عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة أحياء، وفي عصر عمر بن عبد العزيز وهو أفضل من عهد الحجاج انقرضوا، والزمان الذي فيه الصحابة خير من الزمان الذي بعده، لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "خير الناس قرني". وهو في الصحيحين [البخاري (3651) ، ومسلم (2533) ] . وقوله –صلى الله عليه وسلم-: "أصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون". أخرجه مسلم (2531) .
الوجه الثالث: ما حكاه الحافظ ابن حجر عن الإمام ابن بطال أنه قال: وجدت عن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- التصريح بالمراد وهو أولى بالاتباع، فأخرج يعقوب بن شيبة من طريق الحارث بن حصيرة عن زيد بن وهب قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة، لست أعني رخاء من العيش يصيبه ولا مالا يفيده، ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علما من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء استوى الناس فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فعند ذلك يهلكون، ومن طريق أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود ... إلى قوله: شر منه، قال: فأصابتنا سنة خصب، فقال: ليس ذلك أعني، إنما أعني ذهاب العلماء، ومن طريق الشعبي عن مسروق عنه، قال: لا يأتي عليكم زمان إلا وهو أشر مما كان قبله، أما أني لا أعني أميرا خيرا من أمير، ولا عاما خيرا من عام، ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون، ثم لا تجدون منهم خلفا، ويجيء قوم يفتون برأيهم. وفي لفظ عنه من هذا الوجه: وما ذاك بكثرة الأمطار وقلتها، ولكن بذهاب العلماء، ثم يحدث قوم يفتون في الأمور برأيهم فيثلمون الإسلام ويهدمونه.
الوجه الرابع: ويحتمل أن يكون المراد بالأزمنة المذكورة أزمنة الصحابة بناء على أنهم هم المخاطبون بذلك فيختص بهم.(16/201)
وعلى هذا فإن الواجب على المسلم بذل الجهد في إصلاح ما يستطيع إصلاحه من أحوال نفسه وأسرته ومجتمعه وأمته، وله في ذلك أعظم الأجر من الله؛ لأن نشر الخير في زمن شدة الحاجة إليه أعظم من بذله في وقتٍ الحاجةُ إليه دون ذلك، فقد قال الله تعالى لصحابة نبيه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى) [الحديد:10] . يراجع [فتح الباري (13/21-22) ، عمدة القاري (24/184) ، مرقاة المفاتيح (10/19-20) ] .(16/202)
معنى "ونفخت فيه من روحي"
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/11/1426هـ
السؤال
سؤالي عن قوله تعالى: "ونفخت فيه من روحي"، فقد قال بعضهم: "يتضح من الآية -وخاصة عند ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية- أن روح الله نفخت في آدم، وهذا شرك عظيم. فالله -سبحانه وتعالى- لا يكون جزءاً من أي خلق من خلقه هو مباين لخلقه، فهو الخالق ولا يدخل في المخلوق".
فأرجو توضيح معنى الآية الكريمة؛ حتى يزول الإشكال الذي ينتابني.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالمراد: بـ"روحي" أي روح شريفة نسبها لله -عز وجل- نسبة تشريف، كما يقال: (بيت الله) قال تعالى: "أن طهرا بيتي ... " [البقرة:125] ، والله -عز وجل- لا يسكنه؛ لأن الله -عز وجل- أعظم من أن يحيط به شيء من خلقه، وقال تعالى: "هذه ناقة الله لكم آية" [الأعراف:73] على لسان نبيه صالح -عليه السلام- وهكذا في إضافة التشريف.
ولهذا فمن ظن أن المراد روح الله -عز وجل- جزء منه فقد غلط، ومن فهم ذلك فيصحح له.
فإن روح الله -عز وجل- التي هي صفة من صفاته لا تنفك عنه، كما يقال: علم الله وسمع الله، ونحو ذلك، فكل ذلك صفاته -عز وجل- لا تنفك عنه.
ولكن بعض الناس لا يفرق بين النوعين من النسبة والإضافة، فيظن أن ما أضيف إلى الله -عز وجل- هو جزء منه، أو يظن أن كل ما أضيف إلى الله -عز وجل- هو إضافة تشريف.
والصحيح إن الإضافة إضافتان:
1- إضافة صفة إلى موصوف، وهي كل ما لا يقوم بنفسه.
2- وإضافة تشريف، وهو كل ما له قيام بنفسه.
والروح لها قيام بنفسها، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الروح إذا قبض تبعه البصر" أخرجه مسلم (920) . أي يراها الميت وهي تخرج. والله أعلم.(16/203)
هل تَبينُ منه بهذا الطلاق؟
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 06/02/1427هـ
السؤال
أختي متزوجة من رجل متهاون بأمر الله -سبحانه وتعال- ويشرب الخمر، وعند حدوث أي مشكلة مع أولاده أو زوجته يقول لزوجته: أنت طالق، وقد حدث هذا الأمر أكثر من خمس مرات، أي أنه قال لزوجته: أنت طالق أكثر من خمس مرات، وبعد يوم أو يومين تعود الحياة بينهما إلى طبيعتها، وكأن شيئًا لم يحصل، حتى حصول المشكلة الأخيرة بينهما، حيث قال لها أمام شهود: أنت طالق طالق طالق. فهل تعتبر طالقًا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمن طلق زوجته ثلاث تطليقات متفرقات في طهر لم يجامعها فيه وهو في حالة معتبرة شرعاً فقد بانت منه زوجته بينونة كبرى بلا خلاف، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة لا تحليل ثم يطلقها، قال تعالى: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون" [البقرة:229-230] .
أما ما جاء في السؤال، فالواجب على المرأة المذكورة أن لا تمكن الرجل منها؛ لأن الذي يظهر أنها قد بانت منه بينونة كبرى، فإن رغب في مراجعتها -لظنه عدم وقوع الطلاق- فلابد من مراجعة أحد العلماء للنظر في تفاصيل تلك الوقائع، ثم إصدار فتوى عن حكم كل طلقة من تلك الطلقات المتكررة.
وأنصح الجميع بتقوى الله تعالى، وعدم التلاعب بالطلاق فهو من حدود الله تعالى، فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما بال أقوام يلعبون بحدود الله يقول أحدهم: قد طلقتك، قد راجعتك، قد طلقتك" رواه ابن ماجه (2017) ، والبيهقي (7/322) ، وحسنه البوصيري في الزوائد (2/123) .
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً؟ فقام غضبان، فقال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم". حتى قام رجل فقال: يا رسول الله أفلا أقتله!. رواه النسائي (3401) . قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: إسناده جيد. وانظر نيل الأوطار (7/12) . والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/204)
الإقسام على الله في الدعاء
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/01/1427هـ
السؤال
إمام المسجد الذي نصلي فيه يدعو في الوتر، فيقول: "اللهم إنَّا نقسم عليك بك أن تدخلنا الجنة". فما الحكم فيما يقول؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الإقسام على الله -تعالى- أنواع:
أحدها: أن يكون الحامل عليه التصديق واليقين بما أخبر الله به ورسوله، كأن يقول: والله ليدخلن الله المؤمنين الجنة، والكافرين النار. فهذا مشروع.
الثاني: أن يكون الحامل له على ذلك العجب بالنفس، وسوء الظن بالله، والجهل، كالرجل الذي قال: والله لا يغفر الله لفلان! فقال الله عز وجل: "من ذا الذي يَتَأَلَّى عليَّ أن لا أغفر لفلان! فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك" رواه مسلم (2621) . فهذا محرم.
الثالث: أن يكون الحامل له على ذلك ما يجد في قلبه من حسن الظن بالله، وقوة الرجاء، ونقاء السريرة، كما وقع لأنس بن النضر -رضي الله عنه- حين قال: والله لا تُكسر ثنية الرُّبيع! فألقى الله في قلوب أصحاب الحق العفو. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره" رواه البخاري (2703) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره". رواه مسلم (2622) .
فالذي يظهر لي أن مثل هذا الدعاء لا يصدر بصيغة الجمع: (إنا نقسم عليك) ؛ لأن مبناه على قوة الصلة بين عبد معين وربه، وذلك العبد من أهل الله وخاصته، ولهذا أتى بكلمة (رُبَّ) التي تفيد التقليل، لعظم منزلته عند الله، كما قال النووي -رحمه الله- فمن آنس من نفسه قوة يقين ورجاء فليقسم بنفسه، وإلا فليلزم جوامع الدعاء. والله أعلم.(16/205)
إرث المسلم للكافر
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 30/12/1426هـ
السؤال
أنا امرأة مسلمة من أب نصراني، توفي والدي المقيم بفرنسا، وترك ميراثًا، وأرسلوا لي نصيبي من الإرث إلى البلد الذي أقيم به.
فهل يجوز لي أخذ نصيبي من الإرث والتصرف فيه أم هو حرام؟ وإذا كان حرامًا فماذا أفعل بهذا المال، خاصة وأنه قد أرسلوه لي إلى منزلي حيث أقيم؟ وتبعا لوفاة والدي فقد أرسلت إلي شركات تأمين عن الحياة والموت نصيبي من باقي مستحقات بوليصة التأمين إلى مقر إقامتي.
فما حكم هذا المال (التأمين) ؟ وهل يجوز لي التصرف فيه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإرث الكافر من المسلم لا يجوز بإجماع العلماء من السلف والخلف، أما إرث المسلم من الكافر فالمسألة فيها خلاف بين العلماء منذ عهد الصحابة، فقول الجمهور من العلماء أن لا توارث بين المسلم والكافر؛ لحديث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- المتفق عليه: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) . صحيح البخاري (6764) ، وصحيح مسلم (1614) .
وذهب بعض الصحابة -كمعاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- وبعض التابعين -كسعيد بن المسيب والشعبي وإبراهيم النخعي- إلى جواز ذلك، واستدلوا بحديث معاذ -رضي الله عنه- عند أبي داود (2912) ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الإسلام يزيد ولا ينقص"، كما استدلوا بأننا ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا- فكذلك نرثهم ولا يرثوننا.
وأشار لجواز هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.
وإذا كان الأمر كذلك في إرث المسلم للكافر فأميل إلى القول الثاني، فلا بأس بأخذ هذا الإرث، وأنصحك بإخراج بعضه صدقة في سبيل الله، وكذلك ما أتاك من (بوليصة التأمين) فإنه جزء من الإرث وله حكمه. والله أعلم.(16/206)
الحكمة من نهي المعتدة عن الخروج
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/03/1427هـ
السؤال
ما الحكمة في عدم خروج المعتدة من بيتها أثناء عدة الوفاة؟ وهل لها أن تظهر على غير محارمها من الأقارب في فترة العدة، علمًا أنها من القواعد من النساء؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فعن زينب بنت كعب بن عجرة، أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري -رضي الله عنهما- أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة؛ فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه، قالت: فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أرجع إلى أهلي، فإني لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة؟ قالت: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نعم" قالت: فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي فدعيت له فقال: "كيف قلت؟ ". فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي، قالت: فقال: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله". قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً، قالت: فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به. رواه أبو داود (2300) ، والترمذي (1204) ، والنسائي (3529) ، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقد قال الأئمة الأربعة بوجوب ملازمة الحاد من وفاة بيتها، ولا حرج عليها أن تخرج نهاراً لحاجتها، كمراجعة المستشفى أو المدرسة أو السوق ونحو ذلك، ولكن لا تبيت إلا في بيتها، قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: (لا تبيت المتوفى عنها زوجها ولا المبتوتة إلا في بيتها) رواه مالك (1233) ، وابن أبي شيبة (4/153) ، والبيهقي (7/435) ، ولها أن تكلم من شاءت من الرجال من محارمها وكذا من غيرهم إذا دعت الحاجة إلى ذلك، مع التزامها بالستر والحجاب الشرعي وعدم الخلوة.
أما الحكمة من مشروعية لزوم المعتدة من وفاة بَيتها فهي امتثال أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وهذه أعظم الحكم وأعلاهاً، قال تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا" [الأحزاب:36] فهذا من أعظم الحكم وأكملها، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "والكون في بيتها عبادة" ا. هـ زاد المعاد (5/690) .
وقال -رحمه الله تعالى-: "فإن قيل: فهل ملازمة المنزل حق عليها أو حق لها؟ قيل: بل هو حق عليها إذا تركه لها الورثة، ولم يكن عليها فيه ضرر، أو كان المسكن لها، فلو حولها الورثة، أو طلبوا منها الأجرة، لم يلزمها السكن وجاز لها التحول" ا. هـ زاد المعاد (5/687) .
ومع ذلك فقد التمس بعض العلماء حكما منها: "قال الشافعي -رحمه الله- لا إحداد على المطلقة؛ لأنه وجب إظهاراً للتأسف على فوت زوج وَفَى بعهدها إلى الممات، وهذا قد أوحشها بالفراق فلا تتأسف عليه" ا. هـ تبيين الحقائق (3/35) ، العناية شرح البداية (4/336) .(16/207)
وقال السرخسي -رحمه الله تعالى-: "الحداد على المتوفى عنها زوجها لإظهار التأسف على موت الزوج الذي وَفَى لها حتى فرق الموت بينهما، وذلك غير موجود في حق المطلقة؛ لأن الزوج جفاها وآثر غيرها عليها، فإنما تظهر السرور بالتخلص منه دون التأسف" ا. هـ (6/58) .
وقال الهيتمي -رحمه الله تعالى-: "ظهر أن الحكمة في مشروعية الإحداد تنفير الأجانب عن التطلع للمفارقة؛ فوجب في معتدة الوفاة لعدم وجود من يدافع عن النسب، وسن في البائن لوجوده، ولم يشرع في الرجعية لعدم التطلع لها غالباً مع كونها زوجة في كثير من الأحكام" ا. هـ تحفة المحتاج (8/254) .
وقيل: "إنما شرع في حق الميت احتياطاً للأنساب؛ لأنه قد مات ولا محامي له عن نسبه، فجعل الإحداد زاجراً وقائماً مقام المحامي عن الميت، بخلاف المطلق الحي فإنه هو المحامي عن نسبه، والمحتاط له" ا. هـ حاشية العدوي (2/124) . والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/208)
هل يأخذ الظن الغالب حكم اليقين؟!
المجيب د. محمد بن حسين الجيزاني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/11/1426هـ
السؤال
هل المظنة تقوم مقام الحقيقة؟ وما رأيكم بكلام شيخ الإسلام، حيث يقول: (إن المظنة إنما تقام مقام الحقيقة إذا كانت الحكمة خفية، وكانت المظنة تفضي إليها غالباً) ؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا الكلام لابن تيمية يتضح معناه في خمس نقاط:
أولاً: معنى المظنة من الظن، والظن هو الاحتمال الراجح الغالب. ومظنة الشيء: موضعه ومألفه الذي يظن كونه فيه.
ثانياً: متى ينزل الظن بالشيء منزلة القطع به؟
والجواب: أن الظن إذا كان غالباً فإنه ينزل منزلة القطع واليقين، وذلك بشرط أن يتعذر اليقين، ويقابل ذلك: أن الاحتمال إذا كان ضعيفاً فإنه لا يلتفت إليه ولا يؤخذ به.
وقد ورد في هذا المعنى قواعد كثيرة منها: ما قارب الشيء يعطى حكمه، ووجوب العمل بالظن في الأمور الشرعية والعادية، والنادر لا حكم له، واليسير معفو عنه.
ثالثاً: فائدة وثمرة هذه القاعدة أن اليقين عزيز، وتطلبه والتوقف على حصوله أمر شاق، بل قد يكون محالاً، وانتظار اليقين يفضي إلى التوقف وتعطيل الأحكام.
رابعاً: قول ابن تيمية: (إن المظنة تقوم مقام الحقيقة إذا كانت الحكمة خفية) ، لعله يريد بذلك أن المظنة في باب التعبدات لابد من اعتبارها، وذلك لأن التحقيق فيها من تحصيل مقصود الشارع يكون متعذراً بخلاف العادات والمعاملات التي تعرف عللها، ويمكن الاطلاع على الحكمة منها.
خامساً: الأمثلة على ذلك: علامات البلوغ مظنة الرشد الذي هو مناط التكليف، وسكوت البكر مظنة رضاها، ووجوب طلب الماء قبل التيمم لمن غلب على ظنه وجود الماء. فهذه أمثلة لما ظهرت حكمته، أما ما خفيت حكمته، فمثل القول بوجوب الوضوء من مس الذكر ومن مس المرأة، ومن أكل لحم الجزور، فإن هذه الثلاثة مظنة إثارة الشهوة المفضية إلى نقض الوضوء، وهذا ما قصده ابن تيمية في كلامه السابق. والله أعلم.(16/209)
حديث: لا تجتمع أمتي على ضلالة
المجيب د. رفعت فوزي عبد المطلب
رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 06/02/1427هـ
السؤال
هناك حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معناه: "لا تجتمع أمة محمد على ضلالة". ما شرح هذا الحديث، وكيف نطبقه اليوم؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، وبعد:
فحديث: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" قد ورد بروايات عديدة؛ فقد رواه أحمد (25966) والطبراني في الكبير (2171) عن أبي بصرة الغفاري -رضي الله عنه-: "سألت الله -عز وجل- أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها ... ".
ورواه ابن أبي عاصم في السنة (82) ، والطبراني (3440) ، عن أبي مالك الأشعري-رضي الله عنه-: "إن الله أجاركم من ثلاث خلال؛ أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعا، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وأن لا تجتمعوا على ضلالة".
ورواه الترمذي (2093) ، والحاكم (1/199-200) ، وأبو نعيم في الحلية (3/37) وأعله اللالكائي في السنة، وابن مندة، ومن طريقه الضياء عن ابن عمر-رضي الله عنهما-: "إن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة أبداً، وإن يد الله مع الجماعة، فاتبعوا السواد الأعظم، فإن من شذ شذ في النار".
ورواه عبد بن حميد (1220) ، وابن ماجه (3940) عن أنس -رضي الله عنه-: "إن أمتي لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم".
ورواه الحاكم (1/201-202) عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لا يَجمَعُ الله أمتي على الضلالة أبدا، ويد الله على الجماعة".
وبالجملة، فالحديث مشهور المتن وله أسانيد كثيرة وشواهد عديدة في المرفوع وغيره.(16/210)
أما فيما يتعلق بشرح هذا الحديث، وهل يطبق على واقع المسلمين اليوم، فقد ذكر الشيخ الألباني -رحمه الله- في معرض كلامه حول هذا الحديث. أن: " ... هذا الحديث يستدل به بعض الخلف على خلاف الحق؛ يستدلون به على الاحتجاج بالأخذ بالأكثرية -بما عليه جماهير الخلف- حينما يأتون بقوله عليه السلام: "لا تجتمع أمتي على ضلالة"، لا يصح تطبيق هذا الحديث على الخلف اليوم على ما بينهم من خلافات جذرية، "لا تجتمع أمتي على ضلالة" لا يمكن تطبيقها على واقع المسلمين اليوم، وهذا أمرٌ يعرفه كل دارس لهذا الواقع السيئ، يُضاف إلى ذلك الأحاديث الصحيحة التي جاءت مبينةً لما وقع فيمن قبلنا من اليهود والنصارى، وفيما سيقع في المسلمين بعد الرسول -عليه الصلاة والسلام- من التفرق، فقال صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: "هي الجماعة" هذه الجماعة: هي جماعة الرسول -عليه الصلاة والسلام- هي التي يمكن القطع بتطبيق الحديث السابق: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" أن المقصود بهذا الحديث هم الصحابة الذين حكم الرسول -عليه الصلاة والسلام- بأنهم هي الفرقة الناجية ومن سلك سبيلهم ونحا نحوهم، وهؤلاء السلف الصالح هم الذين حذَّرنا ربُنا -عز وجل- في القرآن الكريم من مخالفتهم ومن سلوك سبيل غير سبيلهم في قوله عز وجل: ?"وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" [النساء:115] . والله أعلم.(16/211)
هل هذا من بيع ما لا يملك؟
المجيب د. عبد الله بن محمد العمراني
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/02/1427هـ
السؤال
هل يجوز التسويق لبضاعة دون شرائها إلا بعد الحصول على الزبون؛ لأن وضع النقود فيها قد يؤثر على حركة المؤسسة. فهناك بعض الأشخاص يسوِّقون لبضاعة لا يملكونها، وبعد الاتفاق مع الزبون يلجأون للشراء من السوق، ثم يسلمونه بضاعته، فهل هذا النوع من التجارة جائز أم لا؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالجواب على هذه المسألة فيه تفصيل، وذلك أن هذا التسويق والتعاقد يجوز في بعض الحالات، ويحرم في حالات أخرى.
فمن الحالات الجائزة:
1- المفاهمة الأولية دون إبرام عقد، بحيث يحصل على عدد من العملاء يرغبون في شراء السلعة، ثم يقوم بشراء السلع، ومن ثم يقوم ببيعها لهم بالنقد أو التقسيط.
2- التعاقد على وجه السلم (بيع الموصوف في الذمة) ، بحيث يبيع السلعة الموصوفة في الذمة، فيجوز إذا توافرت شروط السلم ومنها: تسليم الثمن كاملاً في مجلس العقد، وأن تكون السلعة مما يمكن ضبط صفاته، وأن تضبط الصفات، وأن تكون بمقدار معلوم وأجل معلوم ... إلخ.
ومن الصور المحرمة: أن يقوم المسوِّق ببيع السلعة للزبون قبل أن يملكها، فيبيعه عيناً معيّنة موصوفة، ثم إذا اتفق معه ذهب ليشتريها.
فهذه الصورة محرمة؛ لأنها تدخل في النهي عن بيع ما لا يملك، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تبع ما ليس عندك". أخرجه أبو داود (3503) ، والترمذي (1232) ، وغيرهما. أي في ملكك، وهذا يكون في بيوع الأعيان لا في بيوع الصفات. والله الموفق.(16/212)
علامة الطهر من الحيض
المجيب البندري بنت عبد العزيز العمر
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/01/1427هـ
السؤال
كيف تعرف المرأة أنها قد طهرت من الحيض؟ وهل للحيض مدَّة معينة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فليس للحيض مدة معينة، لكن الغالب في العادة ستة أيام إلى سبعة، وقد ينقص إلى خمسة، وقد يزيد إلى عشرة أيام فأكثر، لكن على المرأة أن تعمل بالتمييز، فإذا كان لون الدم يميل إلى السواد وكان ثخيناً (غليظًا) ورائحته منتنة فهو حيض، وإن كان أحمر رقيقاً لا رائحة له فهو دم فساد، تصلي وتصوم وجوباً، ويتبع الحيض -غالباً- قبل الطهر صفرة أو كدرة فهذا حيض؛ لأنه تبع له.
- أما الطهر فله علامتان:
الأولى: القصَّة البيضاء، وهي ماء أبيض غير شفاف يدفعه الرحم دلالة على نقائه من دم الحيض، ويكون يسيراً غالباً، وتعرفه النساء.
العلامة الثانية: الجفاف لمن لا ترى القصة البيضاء، وذلك بأن تتمسح بمنديل أبيض، فإذا خرج أبيض نقياً لا أثر فيه من نقط صفراء أو حمرة ونحوها فقد طهرت، إذا كان هذا في عادتها، ولم يخرج بعده شيء من الكدرة والصفرة.
- فإن مضت عادتها ورأت الجفاف، ثم رأت بعد أيام كدرة أو صفرة فلا تعتبر شيئاً، وتصلي وتصوم، لقول أم عطية -رضي الله عنها-: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً) . أخرجه البخاري (326) .(16/213)
التداوي بلَسْع النحل!
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/03/1427هـ
السؤال
ما حكم الشرع في التداوي بلسع النحل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالتداوي بلسع النحل في حكم الحجامة والكيّ، بل الكيّ يزيد عليه في ألمه وفي أثره الظاهر في الجسد، وقد أثبتت التجارب الطبية المعاصرة فائدته في علاج بعض الأمراض، فلا حرج فيه إذا قال الأطباء أهل الخبرة بأنّه ينفع في حالة معيّنة، وبالله التوفيق.(16/214)
الفرق بين الخاص والمقيد
المجيب علي بن عبد العزيز المطرودي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/03/1427هـ
السؤال
ما الفرق بين العام والخاص والمطلق والمقيد؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فبالنسبة للسؤال عن الفرق بين العام والخاص، والمطلق والمقيد، يظهر لي أن السؤال عن الفرق بين العام والمطلق، وبين الخاص والمقيد؛ وذلك لأن الفرق إنما يطلب عند وجود الالتباس والتداخل، وليس هناك التباس بين العام والخاص، ولا بين المطلق والمقيد، وعلى هذا فيكون الجواب بما يأتي:
العام هو: اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له دفعة واحدة.
أما المطلق فهو: اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له على وجه البدل.
فالعام عمومه استغراقي لا يخرج من أفراده شيء إلا بالتخصيص، كلفظ الناس، فهو لفظ عند إطلاقه يشمل كل إنسان لا يخرج منه أحد.
بينما المطلق عمومه بدلي، لا يستغرق جميع الأفراد، بل هو لفرد شائع في جنسه غير محدد.
فإذا كان عند إنسان مائة رقبة من العبيد، وأمره من تجب طاعته بقوله: أعتق الرقاب، فإنه يلزمه أن يعتق جميع الرقاب التي عنده؛ لأن هذا لفظ عام، والعام يستغرق أفراده كلها.
بينما لو قال له: أعتق رقبة، فهنا يلزمه أن يعتق رقبة شائعة من هذه المائة غير محددة؛ لأن هذا لفظ مطلق والمطلق يجري على إطلاقه، أي لا يتحدد برقبة معينة في مثالنا، لكنه لا يستغرق جميع المائة، بل تكفي فيه واحدة غير معينة.
أما الخاص فهو: ما دل على فرد واحد معين، كزيد، محمد، فاطمة، هذا، أنت.
والمقيد هو: المطلق الذي ورد عليه ما يقيده، كقولنا: أعتق رقبة مؤمنة، فرقبة لوحده مطلق، فإذا أضفنا عليه وصف مؤمنة تقيد به، فخرج عن الإطلاق إلى التقييد.
والله تعالى أعلم وأحكم.(16/215)
هل أجاز ابن تيمية الاستعانة بالجن؟
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/05/1427هـ
السؤال
كنت قد أرسلت إليكم سؤالا أسال فيه عن جواز الاستعانة بالجن المسلم في العلاج وجاءني الرد جزاكم الله خيراً لكن كان الهدف من سؤالي هو أن بعض طلبة العلم ذكر أن ابن تيمه أجاز الاستعانة بالجن المسلم في العلاج فهل نسبة هذا القول لابن تيمية صحيحة وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما في مجموع الفتاوى (13/87) "واستخدام الإنس لهم -أي للجن- مثل استخدام الإنس للإنس بشيء:
- منهم من يستخدمهم في المحرمات من الفواحش، والظلم، والشرك، والقول على الله بلا علم. وقد يظنون ذلك من كرامات الصالحين. وإنما هو من أفعال الشياطين.
- ومنهم من يستخدمهم في أمور مباحة؛ إما إحضار ماله، أو دلالة على مكان فيه مال ليس له مالك معصوم، أو دفع من يؤذيه ونحو ذلك؛ فهذا كاستعانة الإنس بعضهم ببعض.
- والنوع الثالث: أن يستعملهم في طاعة الله ورسوله، كما يستعمل الإنس في مثل ذلك في ذلك، فيأمرهم بما أمر الله به ورسوله، وينهاهم عما نهاهم الله عنه ورسوله، كما يأمر الإنس وينهاهم. وهذه حال نبينا صلى الله عليه وسلم، وحال من اتبعه، واقتدى به من أمته وهم أفضل الخلق فإنهم يأمرون الإنس والجن بما أمرهم الله به ورسوله".
إلى أن قال (ص89) : "والذين يستخدمون الجن في المباحات يشبه استخدام سليمان، لكن أعطي ملكاً لا ينبغي لأحد بعده ...
ثم قال عن النبي صلى الله عليه وسلم: "فلم يستخدم الجن أصلاً، لكن دعاهم إلى الإيمان بالله، وقرأ عليهم القرآن، وبلغهم الرسالة، وبايعهم كما فعل بالإنس" أ. هـ رحمه الله (ص89) .
هذا ما وقفت عليه من كلام لابن تيمية رحمه الله تعالى في مسألة الاستخدام أما مسألة الاستمتاع فله فيها كلام طويل في هذا المجلد قبل هذا الموضع فليراجعه من شاء والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(16/216)
تزويج البكر بغير رضاها
المجيب وليد بن علي الحسين
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/05/1427هـ
السؤال
أجمع أغلب الأئمة والفقهاء على إباحة إجبار البكر غير البالغة على الزواج بحجة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "البكر تستأذن" وكان المقصود هنا البالغة لأن الصغيرة لا تعرف الاستئذان، أيضاً لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تزوج عائشة -رضي الله عنها- وهي بنت ست سنين! وقال تعالى "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة".
كيف نضمن أن الصغيرة عندما تبلغ وتكبر سترتاح نفسياً، وتشعر بالقبول لاختيار الولي؟ وفي هذه الحالة أمامها خياران, إما أن تحمل لقب مطلقة في مجتمع لا يرحم, وإما أن تحيا حياة بائسة تعيسة تشجعها على الانحراف بدلاً من أن تصونها؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبي الرحمة، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإنما أجاز الفقهاء تزويج البنت الصغيرة غير البالغة دون إذنها لمصلحتها وليس لمصلحة وليها، فقد علل الفقهاء الجواز بقولهم: "لئلا يفوتها الزوج الكفء"، وهذا ما ترجوه كل عروس، وجواز تزويج الصغيرة لا ينافي حقها في اختيار الزوج؛ لأن الشرع جعل ذلك إلى أبيها الذي ينوب عنها في اختيار الزوج، كما ينوب عنها في التصرف بمالها وغير ذلك من المصالح المتعلقة بها، نظراً لعجزها عن التصرف بنفسها؛ لعدم اكتمال عقلها وقدرتها على الاختيار لصغر سنها، فحتى لا يفوتها الزوج الكفء الذي تقدم لخطبتها أجاز الشارع للأب تزويجها بغير إذنها، لأن الزواج أمر فطري وإذا فاتها الزوج الكفء قد لا يتقدم إليها مرة أخرى، كما هو واقع اليوم من الذين يردون الزوج الكفء بحجة إكمال الدراسة، أو غير ذلك، فيقلُّ بعد ذلك الخُطَّاب وقد لا يتقدم لها بعد ذلك إلا من لا تراه أهلاً للزواج فتضطر لقبوله أو تمكث بلا زواج.
فالجواز مقيد بمصلحتها، ولهذا ذكر الفقهاء أنه لا يجوز للأب أن يزوجها بغير الكفء لعدم مصلحتها في ذلك، فإن زوجها بغير كفء فالنكاح باطل؛ لأنه عقد لها عقداً لاحظ لها فيه، كما لو أهدى مالها أو تصدق به، فإن ذلك لا يصح، ولأنه نائب عنها شرعاً فلا يصح تصرفه لها شرعاً بما لا حظ لها فيه، ولأن نظر الأب منوط بالمصلحة وهذا مخالف لها.
وعلى هذا فإن كان تزويج الأب لابنته الصغيرة لا يفضي إلى مصلحة، كما لو زوجها طمعاً في المال فإن ذلك لا يصح؛ لأنه لم ينظر في عقد النكاح إلى مصلحتها.
كما قد قيد الفقهاء أيضاً جواز تزويج البنت الصغيرة بالأب فقط، نظراً لشدة شفقته وحرصه على مصلحة موليته، وغير الأب لا يقوم مقامه في ذلك، فلم يجيزوا له تزويج الصغيرة.(16/217)
وجواز تزويج الصغيرة لا ينافي الآية، لأن اختيار الأب مبني على النظر إلى مصلحتها وما يؤول إليه هذا الزواج في المستقبل من تحقيق مقاصد النكاح، وحصول السكن، والألفة، والمودة بينهما، فيوافق على تزويجها إن رأى مصلحتها في ذلك، ولا تسلم البنت إلى الزوج إلا بعد بلوغها وقدرتها جسمياً، ومن الخطأ أن يحكم على تزويج الصغيرة ابتداءً بالفشل إذ لا يعلم ما يؤول إليه الزواج في المستقبل إلا الله -عز وجل- وكل زواج محتمل للفشل ووقوع الطلاق، حتى في الزواج المبني على اختيار الزوجة وقبولها، وإنما على الزوجين فعل الأسباب والتوكل على الله -سبحانه وتعالى- ودعاءه بالتوفيق، فحصول المودة بين الزوجين يعود إليه سبحانه وتعالى، ولا يعيب المرأة وقوع الطلاق، لأنه لا يلجأ إليه إلا إذا خاف الزوجان ألا يقيما حدود الله تعالى ولم يستطع أحدهما معاشرة الآخر بالمعروف، ففيه رحمة بهما.
ومن الخطأ اعتقاد كون زواج الصغيرة يعارض تعليمها، فللزوجة أن تشترط على زوجها مواصلة تعليمها، وهذا عائد إلى الاتفاق بين الزوجين، وكثيراً ما يكون الزواج من الأسباب التي تعين البنت على التفوق في دراستها لاستقرارها.
وقد يقع من بعض الأولياء اليوم إغفال مصلحة البنت وتزويجها لأجل مصالحهم وتتضرر البنت من الزواج، فهذا تقصير من الولي، فيمنع من التصرف الذي يضر بموليته.
والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.(16/218)
حنث في يمينه لمصلحة العمل!
المجيب د. عبد العزيز بن صالح الشاوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/02/1427هـ
السؤال
أنا كثير الحلف وقد غضبت مرة من مديري، وأقسمت ألا أعمل طوال أيام الأسبوع من غير راحة أسبوعية؛ وذلك لصعوبة الاستمرار في العمل بهذا الشكل. حيث إن وضعاً كهذا ضار بالصحة العامة للإنسان. ولكني وتقديرًا لظروف العمل والنقص الحاصل في عدد الموظفين تراجعت عن قسمي، وعدت لتنفيذ تعليمات المدير. فما كفَّارة أيماني؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيجب حفظ الأيمان وعدم الاستهانة بها؛ فشأنها عظيم، ويجوز القسم على الأمر المهم شرعاً. فلا يجوز التساهل باليمين ولا الاحتيال للتخلص من حكمه.
ويسن الحنث في اليمين إذا كان خيراً، كمن حلف على فعل مكروه، أو ترك مندوب، فيفعل الذي هو خير، ويكفِّر عن يمينه، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليأتها وليكفر عن يمينه". انظر صحيح البخاري (6680) ، وصحيح مسلم (1649-1651) .
ويباح نقض اليمين، كما إذا حلف على فعل مباح، أو حلف على تركه، ويكفِّر عن يمينه.
وكفارة اليمين: يخير من لزمته بين:
1- إطعام عشرة مساكين نصف صاع من قوت البلد لكل واحد؛ من بر، أو تمر، أو أرز ونحوها، وإن غدى المساكين العشرة أو عشاهم جاز.
2- كسوة عشرة مساكين ما يجزئ في الصلاة.
3- عتق رقبة مؤمنة.
وهو مخير في هذه الثلاثة السابقة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام، ولا يجوز الصيام إلا عند العجز عن الثلاثة السابقة، والله الموفق.(16/219)
إهداء المصحف للكافر!
المجيب د. عبد الله بن عمر السحيباني
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/03/1427هـ
السؤال
هل يجوز إهداء المصحف لليهودي أو النصراني؟ وما الحكم إذا تم هذا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإهداء المصحف للكافر اليهودي أو النصراني أو غيرهما لا يجوز، لما في ذلك من امتهان القرآن الكريم، سواء كان طاهراً أو غير طاهر، وقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. وفي زيادة عند مسلم: "مخافة أن يناله العدو" صحيح البخاري (2990) ، وصحيح مسلم (1869) . وقد نص الفقهاء على المنع من تمليك القرآن للكافر ببيع أو غيره ومثله الإعارة.
لكن أجاز الفقهاء أن يُكتب للكافر شيء من القرآن لدعوته إلى الإسلام والوعظ به؛ والحجة في ذلك كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بعض الكفار بمثل ذلك، كما يجوز أن تُهدى للكافر ترجمة معاني القرآن أو تفسيره؛ لمصلحة دعوته إلى دين الإسلام. والله أعلم.(16/220)
هل الاستقطاع الشهري من العمل الدائم؟
المجيب د. عبد الله بن عمر السحيباني
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 21/03/1427هـ
السؤال
ما أجر من تاب أو اعتنق الإسلام على يد مسلم؟ وما أجر تربية الأطفال وتعويدهم الصلاة؟ وهل اشتراك الاستقطاع الشهري من الراتب -ولوكان قليلاً- لمكتب الجاليات يعد من العمل الدائم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد دلّت نصوص كثيرة من القرآن والسنة على عظيم أجر المصلحين والدعاة إلى الله سبحانه، وقد يكفي في هذا المقام ذكر حديث واحد عن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم هو قوله: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً" أخرجه مسلم (2674) .
والدلالة على الهدى لها وسائل وطرق تختلف باختلاف الزمان والمكان، ومن وسائل نشر الهدى والدلالة عليه في هذا الزمن مكاتب الدعوة وتوعية الجاليات، فالمشاركة مع تلك المكاتب بالنفس أو المال كله داخل في هذا السبيل.
ومن خير العمل: العملُ الدائمُ الذي أشار إليه السائل بالاستقطاع الشهري، فإنه وإن كان قليلاً ففيه خير كثير، فقليل يدوم خير من كثير يزول، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قلّ.
وأما أجر تربية الأولاد فهو النفع العظيم في الدنيا والآخرة، فإن الأولاد إذا صلحوا نفعوا أنفسهم ووالديهم وأمتهم، بل إن الوالد ينتفع بصلاح ولده حيًّا وميتا. قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" أخرجه مسلم (1631) . مع أن الحرص على تربية الولد وصلاحه واجب على الوالد تجاه ولده لا يعذر في التفريط فيه، أسأل الله أن يصلح نيتنا وذرياتنا والمسلمين.(16/221)
أين يقع سد يأجوج؟!
المجيب د. فوزي محمد ساعاتي
أستاذ التاريخ بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/03/1427هـ
السؤال
قرأت عن ردم وسد ذي القرنين اللذين ردم وسدَّ بهما على أمم يأجوج ومأجوج، وعلمت أنه مما يلي أرمينيا وأذربيجان، أي في جبال القوقاز التي تقع بين بحر قزوين شرقاً، والبحر الأسود غرباً، فهل ما قرأتُه صحيحٌ؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فتبين الآيات القرآنية التي تصف قصة ذي القرنين بأنه اتجه إلى بلاد مطلع الشمس، ثم إلى بلاد ما بين السدين، حيث إن بلاد بين السدين هي بلاد الصين.
ومطلع الشمس المتمثل اليوم بجمهورية (كير يباتي) والجزر التي حولها في المحيط الهادي؛ ففيها الشمس تطلع وتغرب، ولكنها لا تشرق مصداقاً لقوله تعالى: "حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ" [الكهف:90] .
إن القوم الذين طلبوا من ذي القرنين بناء السد لهم، هم صينيون، وأن الردم على الأرجح في منطقة (خيان) وبالذات في مدينة (جنج جو) في الجزء الأوسط من الصين، والردم الذي بناه ذو القرنين كان أول ردم في الصين في عهد ملوك أسرة شانغ في الفترة (1300-1150 ق. م) ، والدليل على ذلك أن نطق عبارة يأجوج ومأجوج باللغة العربية تتطابق تماماً مع نطق هذه العبارة الصينية وفقاً للهجة سكان وسط وشمال الصين، وأن يأجوج ومأجوج هي عبارة باللغة الصينية.
أما بنو "مأجوج" أي سكان قارة الخيل، فإن سكان (منغوليا) يأتون على رأس قائمة هؤلاء الناس، وهم نفس القوم الذين يطلق عليهم اسم شعب الخيل (HOAS PELE) .
أما النطاق الجغرافي، فإن كثيراً من الشعوب التي تقع ضمن النطاق الجغرافي في الشعوب التي تسكن بجورجيا، أرمينينا، تركمنستان طاجكستان، قيرقيزيا، كازاخستان هي ضمن الشعوب الماجوجية، وأخيراً فإن عبارة "يأجوج ومأجوج" تعني سكان قارة آسيا، وسكان قارة الخيل. والله أعلم.(16/222)
تقييد الحركة المبطلة للصلاة بثلاث!
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/2/1427هـ
السؤال
علمت أن كثرة الحركة تبطل الصلاة، وأن ثلاث حركات تبطلها، فإذا احتجت حاجة ماسة للحركة فهل أستطيع عمل أكثر من ثلاث حركات؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالسنة للمؤمن أن يخشع في صلاته، ويقبل على ربه بقلبه وبدنه، ويطمئن طمأنينة كاملة، ويترك العبث والحركة، وقد أثنى الله على الخاشعين في صلاتهم فقال: "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون" [المؤمنون:1-2] ، وعلَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسيء في صلاته كيف يصلي، بعد أن حكم على صلاته بالبطلان ثلاث مرات. صحيح البخاري (757) ، صحيح مسلم (397) .
والحركة في الصلاة إن كانت ضرورية -كحكة أو طرد ذباب، أو أي أمر لا يتم خشوع المصلي إلا به -فلا بأس بها، وتحديد الحركة المبطلة للصلاة بثلاث لا دليل عليه يعتمد، بل هو قول لبعض أهل العلم، والحركة غير الضرورية تكره في الصلاة مثل العبث بالأنف، واللحية، والملابس. وإبطالها للصلاة مقيد بضابط دقيق عند بعض أهل العلم، وهو أن تكون كثيرة عرفًا ومتوالية، وأما القليلة عرفًا فلا تبطل الصلاة، وكذا الكثيرة غير المتوالية، ودليل ذلك ما ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم فتح الباب لعائشة وهو يصلي، كما في سنن أبي داود (922) ، وجامع الترمذي (601) ، وغيرهما -وما ثبت- أنه حمل أُمامة بنت ابنته زينب وهو يصلي، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها، كما في صحيح البخاري (516) ، وصحيح مسلم (543) . وفقك الله للخشوع في صلاتك، ويسر ذلك لك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/223)
ورث مالاً ربوياً
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/12/1426هـ
السؤال
توفي والدي وعمري خمس سنوات، وقد ورثت عنه بعض الأموال، ولكن المجلس الحسبي (ممثل الحكومة) لا يقبل أن تكون الأموال خارج البنوك، فظلت هكذا حتى أصبح عمري 21 سنة، ولما استلمت الأموال أخرجت زكاتها عن الوقت السابق كله، وظلت الأموال معي حتى صار عمري 25 سنة، فقمت بشراء شقة وتزوجت وأقمت بها، وفي الحقيقة أنا التزمت منذ حوالي سنتين فقط، وعلمت أن فائدة البنوك هي الربا الحرام، فماذا أفعل حتى أطهر المال؟ هل أخرج الفوائد من حين ما ورثت الأموال أم من حين ما استلمت الأموال، أم ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فكل مال مشبوه لا بركة فيه، وأنت أحسنت في تصرفك حيث سألت عن طهارة المال، ووصيتي لك إن كنت تعرف الفوائد فأخرجها كلها بنية التخلص منها، والله يعوضك خيراً إن شاء الله.
وإن كنت لا تعرفها تحديداً فتخلص من بعض الأموال، وانو بذلك طهارة أموالك، لكن لا تضر نفسك، فإن كانت الأموال موجودة عندك فتخلص منها وإلا يكفيك التوبة والاستغفار والله يعفو عنا وعنك.
والربا من أشنع الذنوب وأعظمها؛ لما يترتب عليه من المفاسد، ولذا عدَّهُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أكبر الكبائر ومن الموبقات، قال الله عز جل وعلا: "وأحل الله البيع وحرم الربا" [البقرة: 275] ، ولعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: "هم سواء" صحيح مسلم (1597، 1598) . رزقنا الله وإياك طيب المطعم، وجنبنا وإياك الحرام والمشتبه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(16/224)
هل هذا رياء؟!
المجيب د. يوسف بن عبد العزيز العقل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 06/01/1427هـ
السؤال
أصلي -والحمد لله- في المسجد، ولكن دائما أحب أن يراني المصلون، بل وأتعمد أن أقابلهم؛ لكي يعلموا أنني صليت معهم، والغاية التي في نفسي أن يذكروني بالخير، لكن بدأت أحس أن هذا العمل رياء، وأن صلاتي غير مقبولة، مع أنني أصلي وأخلص صلاتي لله وحده، وأحب أن أُذكر بالخير.
فهل هذا فيه رياء؟ وكيف الخلاص منه؛ لأنني أصبحت أوسوس كثيراً وأشك في صحة صلاتي؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وآله وصحبه، وبعد:
فإنه لا شك أن من شرط قبول العبادة الإخلاص لله تعالى قصداً وعملاً، وعدم الإشراك به، يقول تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" [البينة:5] . وقال تعالى: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا" [الكهف:110] . وقال الله تعالى في الحديث القدسي: "من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" صحيح مسلم (2985) . وقال -صلى الله عليه وسلم-: " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر". قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: "الرياء". أخرجه أحمد (23630) ، وغيره.
وأما بخصوص حالتك، فكونك تحرص على نظر الناس إليك وعلمهم بصلاتك فهذا أمر خطير، وقد يكون من باب الرياء، فعليك مجاهدة نفسك، ويمكن أن تصلي في المساجد الأخرى، وبالأخص التي لا تُعرَف فيها.
واعلم -يا أخي- أن الناس مهما رأوك وعلموا بك فلن ينفعوك شيئاً، لا في الدنيا ولا في الآخرة، فهم عباد مثلك لا يملكون لأنفسهم فضلاً عنك نفعاً ولا ضراً.
وأما إن كان مقصودك هو وجه الله تعالى، وإنما تفرح إذا ذكرت بخير أو أثني عليك فهذا لا يدخل في باب الرياء -إن شاء الله- طالما أن العمل من أصله ومقصوده لله تعالى، وقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عمن يسمع ثناء الناس عليه، فقال: "تلك عاجل بشرى المؤمن". صحيح مسلم (2642) .
فعليك يا أخي التنبه لدواخل القلب وحيل الشيطان، وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.(16/225)
شبهات حول التعدد والتسرِّي
المجيب محمد محمد سالم عبد الودود
عضو اللجنة العلمية بالموقع
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/11/1426هـ
السؤال
كيف أستطيع أن أدافع عن قضية تعدد الزوجات في الإسلام؟ وهل يجوز جماع الجواري، وما علة ذلك؟ وما حكم السبايا في الإسلام؟ رجاءً أفيدونا؛ لأننا نتعرض لسخرية في هذا المجال، ولا نجد رداً؛ لأننا ليس لنا علم.
الجواب
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله، وبعد:
فهذه الأمور التي تسأل عنها كانت موجودة في كل مجتمعات العالم قبل الإسلام، ولكنها تمارس بهمجية لا حدود لها.
فلما جاء الإسلام وضع ضوابط شرعية لما قد تكون فيه مصلحة أوْ لا يسبب ضرراً للبشرية على الأقل، ومن ذلك:
1- تعدد الزوجات وما يتبعه من حقوق وواجبات، فلم يكن لعدد الزوجات حد معين، كما لم يكن للطلاق عدد معين، ولم تكن للزوجة حقوق واضحة المعالم.
فلما جاء الإسلام حدد عدد الزوجات في أربع كحد أقصى (لغير النبي صلى الله عليه وسلم) ، وفرض على الزوج القسم بينهن بالتساوي، كما فرض لهن عليه النفقة والسكنى ونظّم أحكام الطلاق، ووضع له ضوابط محددة، وكان موقفه منه معتدلاً؛ فلم يمنعه لتكون الحياة الزوجية الفاشلة قدراً لا مفر منه، ولم يتركه بدون تحديد ليكون سيفاً على رقبة الزوجة.
ولعل من أبرز وجوه حكمة الله -سبحانه وتعالى- في إباحة تعدد الزوجات للرجل الواحد، ومَنْعِ تعدد الأزواج للمرأة الواحدة؛ أن تعدد الزوجات قد تكون له مساهمة كبيرة في النمو السكاني؛ لأن الرجل الواحد يُفترض أنه يُنزِل عشرينَ مليونَ حيوانٍ منوي - على الأقل - في المعاشرة الجنسية الواحدة، مما قد يكفي لحصول الحمل عند آلاف النساء.
بينما لا يمكن للمرأة أن تحمل إلا من لقاءٍ جنسي واحدٍ خلال الدورة الشهرية.
ومِن ثَمَّ فإن تعدد الزوجات بالنسبة للرجل الواحد قد يعطي نتيجة إيجابية، بينما تعدد الأزواج بالنسبة للمرأة الواحدة لا يسبب إلا اختلاط الأنساب والأمراض، في حين أنه من المستحيل أن يزيد من قدرتها على الإنجاب. فسبحان من أذن في التعدد عندما ترجى منه الفائدة، ومَنَعَهُ عندما تخشى منه المضرة!؟
كما أن خصوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- بجواز الزواج بأكثرَ من أربع نسوة فيها حِكَم بليغة، من أبرزها: نقلُ الأحكام الشرعيةِ العمليةِ التي تمارس داخل البيوت، ولا يمكن الوصول إلى حقيقتها ومشاهدة أغلبها إلا من قِبَل الزوجات؛ ولهذا نجد أن أحكاما كثيرة نُقلت إلينا عن طريق التكامل بين روايات أمهات المؤمنين- كعائشة وميمونة وأم سلمة وغيرهن -رضي الله عن الجميع.
ومن ذلك: أحكام المعاشرة الزوجية كالجماع، والاغتسال، ومباشرة الحائض، وتلاوة القرآن في حجرها، والنوم معها في لحاف واحد.
إضافة إلى نوافل البيوت، مثل قيام الليل (من حيث الوقت، العدد، الكيفية) وغيرها.
2- فيما يخص جماع الجواري: كان من المعروف -قبل الإسلام- أن الجواري غير مشمولات بالرعاية الاجتماعية، وأن الممارسة الجنسية معهن مفتوحة لكل أحد، وحتى أن بعض الأسياد كان يفرض عليهن البِغاء من أجل تحصيل المال.(16/226)
أما الإسلام فقد ضبط جماع الجواري (الممارسة الجنسية) بضوابط شرعية حاسمة، فلم يسمح به إلا في إطار نكاح أو ملك يمين عندما كان موجوداً.
وأعطى في هذه الحالة أحكاماً خاصة للجارية التي يجامعها سيدها، كما هو معروف في كتابات العلماء عن (أمهات الأولاد) ومن ذلك:
أ - عدم السماح للسيد بجماعها إذا كانت متزوجة من غيره، أو محرماً له، أو سبق أن جامعها أبوه أو ولده.
ب - أن خدمتها تكون في إطار محدود، داخل البيت.
ج - أنها تصبح حرة بعد موته تلقائياً إذا ولدت منه.
ومعنى هذا أن جماع الجواري كان يعطي لهن - في حكم الإسلام - ميزات خاصة، مما قد يجعل كل واحدة منهن تحلم بذلك.
3- وأما السبايا فإنهن قد يدخلن في حكم الجواري إذا قرر القائد الإسلامي ذلك.
لكن الجديد الذي جاء به الإسلام في هذا المجال هو: إزالة ما كان في الموضوع من تسيب؛ فلم يسمح بجماع المَسْبِيَة إلا بعد أمرين:
أ - حصول القسمة واستقرارها في حظ شخص محدد.
ب - التأكد من براءة رحمها من الحمل.
وهذان الأمران في غاية الأهمية فيما يخص المحافظة على طهارة المجتمع، وعدم اختلاط الأنساب أو تناقل الأمراض.
وأين هذا مما يوجد الآن من إرسال الجنود الذين يشعرون بنشوة الانتصار في المجتمعات المهزومة، مع إطلاق الحرية الحيوانية الهمجية لهم في العربدة والاغتصاب، وما يتبع ذلك من انتشار للرذيلة والأمراض، واختلاط الأنساب والجهل بها، بل وعدم الاهتمام بها، وما يتبع ذلك من ميلاد جيل من أبناء الخزي والعار والهزيمة والسفاح بلا نسب ولا هُويَّة.
وفي الأخير فأني أشكرك على تواصلك معنا، وأنتظر منك المزيد.
لكن ما أرجوه منك هو: أن تتعرف أكثر على الإسلام حتى تخرج من دائرة الدفاع عن قضاياه وأحكامه إلى دائرة تقديمها كحلول للبشرية، وهو أمر سهل بالنسبة لك إن شاء الله، والله يوفقك.(16/227)
أفضل شروح (بلوغ المرام)
المجيب د. عبد الله بن محمد الحكمي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/03/1427هـ
السؤال
أريد أن أبدأ بحفظ بلوغ المرام، مع مطالعة لشرح الأحاديث -بإذن الله وتوفيقه- فما هو الشرح المميز الذي تنصحوني به؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد حظي كتاب (بلوغ المرام) بشروح نفيسة، وحواش عدة، وأوسع شروحه -فيما أعلم- شرح القاضي العلامة حسين المغربي، والذي سماه (البدر التمام شرح بلوغ المرام) ، وهو شرح نفيس أطال فيه النفس في تخريج الأحاديث والكلام على عللها، وشرح الأحاديث شرحاً استوفى فيه الكلام على فقهها، مع ذكر أقوال أهل العلم المشهورة في كل مسألة، فهو على اسمه بدر تمام.
وهناك شروح أخرى كـ (سبل السلام) للصنعاني، وهو اختصار لشرح المغربي (البدر التمام) مع زيادات نافعة مهمة.
ومن شروحه الفقهية النافعة شرح "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" للعلامة الفقيه الشيخ عبد الله البسام رحمه الله تعالى.
وأما تخريج الأحاديث فمن أوسع الكتب التي اهتمت بتخريج أحاديث البلوغ كتاب (خلاصة الكلام بتخريج بلوغ المرام) ، للشيخ ضيف الله الشلاحي.
أسأل الله أن يوفقنا جميعاً إلى العلم النافع والعمل الصالح، وصلوات الله وسلامه على خير خلقه وعلى آله وصحبه.(16/228)
من هم يأجوج ومأجوج
المجيب د. فوزي محمد ساعاتي
أستاذ التاريخ بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/04/1427هـ
السؤال
من هم يأجوج ومأجوج؟، وأين هم؟، وكيف يفسدون؟، وأين سد ذي الْقَرْنَيْنِ؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فاعتقاد اليهود والنصارى أن يأجوج ومأجوج تمثل قوة عظمى ستجتاح (وفقاً للنبوة الإنجيلية) إسرائيل وتدمرها في آخر الزمان، وهي تمثل المقدمة والعلامة لظهور المسيح، أما في التراث الإسلامي فإن يأجوج ومأجوج يمثلان شعبين شماليين أسطوريين حبسهما الاسكندر الأكبر خلف سور عظيم وأنهما سوف يظهران قبل يوم القيامة.
وفي مقاطع إنجيلية وفي أسفار مسيحية ويهودية أن "جوج" مقيد بقوة عدوانية أخرى هي: "مأجوج"، بينما جاء في مواضع أخرى بأن "مأجوج" هو في الحقيقة مكان منشأ وأصل "جوج"، ومن القصص الشائعة في أوروبا أن الاسكندر قد طرد "جوج ومأجوج" واثنتين وعشرين أمة شريرة بعيداً نحو الشمال في اتجاه سواحل المحيط الشمالي في شبه جزيرة فيما وراء بحر قزوين، بواسطة سور من الحديد، فعالم الجغرافيا المسلم الإدريسي (1099-1166م) تحدث عن بعثة كانت مهمتها تحديد موقع السور، أو السد الذي حجز تلك القوى الوثنية.
أما القرآن فهو يشير بكل وضوح إلى ما كان يتمتع به ذو القرنين من علم وفير في أصول وأحكام الدين وإلى وحدانية الله وربوبيته.
وقال بعض العلماء: إن يأجوج ومأجوج من نسل يافث أبي الترك، وإنهم سموا تركا لأنهم تركوا من وراء السد. وهما قبيلتان من بني آدم في خلقهم تشويه، منهم مفرط في الطول ومنهم مفرط في القصر، قوم مفسدون بالقتل والسلب والنهب.
وجاء في مسند الإمام أحمد (21299) " ... يأجوج ومأجوج عراض الوجوه، صغار العيون، شهب الشعاف، من كل حدب ينسلون، كأن وجوههم المجان المطرقة". فيه عن الصفات الجسمية لهؤلاء: والشهب: البياض. والشعاف: أعلى شعر الرأس. والمجان المطرقة: يعني التراس التي طُورق بعضها على بعض. وأن ذا القرنين دخل بلاد الصين حيث مدينة "جنج جو" (ZHENG ZHOU) هي المدينة التي بُني فيها الردم.
ويقطن يأجوج ومأجوج شمال، وشمال شرق، وشمال غرب الحدود الصينية. صفاتهم: عراض الوجوه (المسطحة) نسبياً، والجسم قصير ممتلئ مع أطراف قصيرة، ورؤوسهم قصيرة، ووجوههم بيضاء أو مدورة، وقامتهم قصيرة.(16/229)
رد السلام على المرأة!
المجيب عبد الرحمن بن إبراهيم العثمان
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/03/1427هـ
السؤال
هل رد التحية إذا كانت من النساء الأجنبيات واجب؟ وهل الأمر بالرد عام في قوله تعالى: "وإذا حيِّيتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا".
نرجو أن توضحوا لنا، حيث تلقي علينا بعض الأخوات السلام، ونتحرج من الرد كثيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فرد تحية المسلمة واجب؛ لقوله تعالى: "وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا" [النساء:86] ، مع مراعاة حسن الرد، وعدم الخضوع فيه أو المصانعة مع من تخضع فيه.
وأما التسليم على النساء ابتداء فهو جائز إلا الشابات منهن مخافة الفتنة من مكالمتهن بنزغة شيطان أو خائنة عين، فإن أمنت الفتنة فلا بأس؛ لما رواه أبو داود (5204) ، وابن ماجه (3701) عن أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها- قالت: مرَّ علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- في نسوة فسلم علينا.
وأخرج البخاري (6248) عن سهل بن سعد، قال: كنا نفرح يوم الجمعة، قلت: ولم؟ قال: كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة - نخل بالمدينة - فتأخذ من أصول السلق فتطرحه في قدر وتكركر - أي تطحن - حبات من شعير، فإذا صلينا الجمعة انصرفنا ونسلم عليها فتقدمه إلينا فنفرح من أجله. وبالله التوفيق.(16/230)
هل تساوي دية العضو دية النفس؟
المجيب د. قيس بن محمد آل الشيخ مبارك
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فيصل
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/05/1427هـ
السؤال
هل دية العضو الواحد في جسم الإنسان تساوي دية النفس؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فدية العضو الوحيد من نوعه في الجسم تساوي دية النفس، والأصل في ذلك حديث عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه، أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في العقول [الديات] : "إن في النفس مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أُوعِبَ جدعا مائة من الإبل". ينظر الموطأ (1338) ، وسنن النسائي (4857) ، وسنن البيهقي (8/81) . وهذا مجمع عليه في النفس، وأما الأعضاء فتُجبر بالدِّية تارة، وتجبر بمالٍ مقدَّرٍ تارة أخرى على تفصيل طويل محلُّهُ كتب الفقه.
وقد قَوَّمَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه المائة من الإبل على أهل الذهب بألف دينار، وذلك بحضرة الصحابة رضوان الله عليهم، وهو ما أخذ به الإمام مالك رحمه الله.
والتقدير هنا من الأمور التَّعبُّديَّة التي لم يوقف على معناها.
قال العز بن عبد السلام -رحمه الله- (أما النفوس فإنها خارجة عن قيام جبر الأموال والمنافع والأوصاف إذا لا تجبر بأمثالها ولا تختلف جوابرها باختلاف الأوصاف في الحسن والقبح والفضائل والرذائل) .
وقال: (وأما أعضاء بني آدم فإنها تجبر بالديَّة تارةً وبمقدر ينسب إلى الديَّة تارةً) .
ثم قال: (الغالبُ على جنايات الأناس التعبد الذي لا يُوقف على معناه) .(16/231)
دفع (الشرط) لوالد الزوجة هل له أصل؟!
المجيب د. أنور بن صالح أبو زيد
عضو هيئة التدريس بجامعة ذمار في اليمن
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/04/1427هـ
السؤال
هناك عادة متبعة في اليمن تسمى "الشرط"، وهو مبلغ يقوم العريس بدفعه إلى والد الزوجة ما يساوي عشرين ألف دولار تقريباً إضافةً على المهر الذي يقدم للمرأة.
فما هو الحكم الشرعي في هذا الشرط؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الذي يظهر من عرف الناس في اليمن أنهم يسمون المقدم من المهر شرطا، والمؤخر يسمونه مهرا، ولا مشاحة في الاصطلاح، حيث إن الواقع أن هذا المقدم المسمى شرطا لا يأخذه أبو الزوجة لنفسه بل لأجل أن يجهز ابنته، ويكسوها، ويصنع لها حفلا، وربما زاد من عنده أحيانا، ولو فرضنا أنه يأخذ شيئا لنفسه، فهذا ربما يحصل ويختلف من ناحية لأخرى في القلة والكثرة، ولكنه لا يأخذ ذلك إلا بعد أن يجهز ابنته.
وفي هذه الصورة يجوز ذلك إذا كان ولي البنت هو أباها، أو سَمَحَتْ به، وطابت به، بشرط ألا يكون هذا سببا لصد الأزواج عن ابنته.
فالذي يظهر والعلم عند الله أن هذه العادة لا حرج فيها من حيث الأصل، لكن يبقى النقاش في المغالاة في الشرط الذي ربما كان مانعا لطالبي الزواج من التقدم للخطبة، والله أعلم.(16/232)
هل هذا من نسبة الولد إلى غير أبيه؟
المجيب د. محمد بن عبد الله المحيميد
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/05/1427هـ
السؤال
إذا أراد شخص أن يكفل يتيماً، ولا ينسبه إلى اسمه؛ لأن هذا محرم في الإسلام. ولكن ما الحكم إذا ناداه بابني مثلاً، فإذا سأل أحد المعيل: مَنْ هذا الطفل؟ فأجابه أنه ابني! فما حكم الإسلام؟
الجواب
الحمد ل، له والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ومن والاه، وبعد:
فكما ذكر السائل -وفقه الله- لا يجوز نسبة الشخص إلى غير أبيه قال الله عز وجل: "ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِن لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ" [الأحزاب:5] . فيجب أن يضاف إلى والده في الأوراق الرسمية، وعند إثبات الحقوق، وفي كل أمر جدي، غير أن هذا لا يمنع الرجل أن يقول لغير ابنه -يتيماً أو غير يتيم-: يا بني. ونحو ذلك، إذا كان ذلك على سبيل التكريم، أو التحبيب، أو المداعبة؛ قال ابن كثير-رحمه الله تعالى- عند تفسير الآية المذكورة: (فأما دعوة الغير ابناً على سبيل التكريم والتحبيب، فليس مما نهي عنه في هذه الآية، بدليل ما رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا الترمذي، من حديث سفيان الثوري، عن سلمة بن كُهَيْل، عن الحسن العُرَني، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أغيلمة بني عبد المطلب، على حُمُرَات لنا من جَمْع، فجعل يَلْطَخ أفخاذنا ويقول: "أُبَيْنِيَّ! لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس". قال أبو عبيد وغيره: " أُبَيْنِيَّ" تصغير بني.
وهذا ظاهر الدلالة، فإن هذا كان في حجة الوداع سنة عشر، وقوله: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ) في شأن زيد بن حارثة، وقد قتل في يوم مؤتة سنة ثمان، وأيضا ففي صحيح مسلم من حديث أبي عَوَانة الوضاح بن عبد الله اليَشْكُري، عن الجَعْد أبي عثمان البصري، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بُني". ورواه أبو داود والترمذي) إهـ تفسير ابن كثير (6/377) . وفق الله الجميع للصواب, وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.(16/233)
اتيان الزوجة مع الشك في الطهر
المجيب سالم بن ناصر الراكان
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/05/1427هـ
السؤال
تزعم زوجتي أن الحيض يأتيها 15 يوم من الشهر القمري, وأشك أنها تدرك الفرق بين الحيض وبين الصفرة والكدرة ما بعد الحيض, ولقد جامعتها وهي تقول: إنها في الحيض. ولكن بعد ذهاب دم الحيض وأنا أعتقد أنها في طهر ولكنها لا تعرف الفرق, هل هناك كفارة لما فعلت وأنا لم أجامعها إلا بعد انتهاء دم الحيض, وأنا محتار جدًّا، الرجاء النصيحة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، وبعد:
فالراجح من أقوال العلماء في تحديد مدة الحيض أنه لا حد لأكثره ولا لأقله، فلو استمر دم الحيض خمسة عشر يوماً، فإنه يعد حيضاً، إذا كانت المرأة مميزة لدم الحيض من الاستحاضة، وتعرف الفروق بينهما في اللون والرائحة، وعلى أية حال فمن أتى زوجته وهي حائض ظانًّا أنها طاهر، فلا شيء عليه لقوله عز وجل: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" [البقرة:286] . وأما من أتاها عالماً بحيضها، فهو آثم، وعليه التوبة والاستغفار، ولا كفارة عليه على الصحيح، وأما الحديث الذي عند أبي داود (264) ، والترمذي (137) وغيرهما عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض: "يتصدق بدينار أو بنصف دينار" ففي إسناده ضعف. والحمد لله رب العالمين.(16/234)
ضرب الزوجة ليس حقًا مطلقًا!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/05/1427هـ
السؤال
هل يصحّ كما يبدو أنّ هناك آيةً قرآنيّةً تُبيح للرجل ضربَ زوجته؟ وإذا كان الجواب إيجابيًّا, ألا يكون في ذلك حثّ على العنف الزوجي؟ وشكرا مقدّما.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء:34] . وهذه الآية آية محكمة غير منسوخة، ولكن كثيرا من الناس لم يفهم المراد منها، فعمل بفهمه الخاطئ، وتعدى على المرأة، وظن أن هذا من الدين، وإذا رجعنا للمنهج الإسلامي في تعامل الزوجين تبين لنا جليا أنه لا يحث على ما يظنه البعض "لعنف الزوجي"، بل يحث على الألفة، والمحبة، والعشرة بالمعروف، وذلك في آيات، وأحاديث نبوية كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولا: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء:19] .
قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: "وجماع المعروف بين الزوجين كف المكروه، وإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه، لا بإظهار الكراهية في تأديته، فأيهما مطل بتأخيره فمطل الغني ظلم" ا. هـ أحكام القرآن للشافعي (1/204) ، الأم (5/89) .
وقال الطبري -رحمه الله تعالى-: "يعني جل ثناؤه بقوله (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ) : وخالقوا أيها الرجالُ نساءَكم وصاحبوهن (بِالمَعْرُوفِ) يعني بما أمرتم به من المصاحبة، وذلك إمساكهن بأداء حقوقهن التي فرض الله جل ثناؤه لهن عليكم إليهن، أو تسريح منكم لهن بإحسان" ا. هـ تفسير الطبري (4/312) .
وقال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: "وقال بعض أهل العلم: التماثل هاهنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف، ولا يمطله به ولا يظهر الكراهة، بل ببشر وطلاقة، ولا يتبعه أذى ولا منة، لقول الله تعالى: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ" وهذا من المعروف ويستحب لكل واحد منهما تحسين الخلق مع صاحبه، والرفق به، واحتمال أذاه، لقول الله تعالى: "وبالوالدين إحسانا وبذي القربى" ... إلى قوله: "والصاحب بالجنب" قيل: هو كل واحد من الزوجين" ا. هـ المغني (7/223) .(16/235)
وقال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وقوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ) أي: طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم، بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ" [البقرة:228] . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- يتودد إليها بذلك، قالت: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني، فقال: "هذه بتلك". ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء، وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب:21] ". ا. هـ تفسير ابن كثير (1/467) ، وانظر زاد المعاد (1/150) .
وقال الذهبي –رحمه الله تعالى-: "وإذا كانت المرأة مأمورة بطاعة زوجها وبطلب رضاه، فالزوج أيضا مأمور بالإحسان إليها، واللطف بها، والصبر على ما يبدو منها من سوء خلق وغيره، وإيصالها حقها من النفقة، والكسوة، والعشرة الجميلة، لقول الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ) " ا. هـ الكبائر (1/178) .
ثانيا: قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الرُّوم:21] . قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "فلا ألفة بين روحين أعظم مما بين الزوجين" ا. هـ تفسير ابن كثير (2/275) .
ثالثا: قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة:228] . قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إني لأحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تزين لي، لأن الله عز وجل يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ) وما أحب أن أستوفي جميع حق لي عليها، لأن الله عز وجل يقول: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) . رواه ابن أبي شيبة (4/196) وابن جرير (2/453) والبيهقي (7/295) وانظر الدر المنثور (1/661) .
رابعا: عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كان يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يُؤْذِ جَارَهُ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ من ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ في الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لم يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا". رواه البخاري (4890) ومسلم (1468) .(16/236)
قال النووي -رحمه الله تعالى-: "فيه الحث على الرفق بالنساء، والإحسان إليهن، والصبر على عوج أخلاقهن، واحتمال ضعف عقولهن، وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأنه لا مطمع في استقامتهن" ا. هـ مرقاة المفاتيح (6/356) .
وقال المناوي -رحمه الله تعالى-: "وفيه ندب المداراة، لاستمالة النفوس، وتألف القلوب، وسياسة النساء بأخذ العفو عنهن، والصبر عليهن، وأن من رام تقويمهن فاته النفع بهن، مع أنه لا غنى له عن امرأة يسكن إليها" ا. هـ فيض القدير (2/388) .
خامسا: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مؤمنه، إن كَرِهَ منها خُلُقًا رضي منها آخَرَ". رواه مسلم (1469) .
قال الحافظ النووي -رحمه الله تعالى-: "أي ينبغي أن لا يبغضها، لأنه إن وجد فيها خُلقا يُكره، وجد فيها خُلقا مرضيا، بأن تكون شرسة الخلق، لكنها دينة، أو جميلة، أو عفيفة، أو رفيقة به، أو نحو ذلك " ا. هـ شرح صحيح مسلم (10/ 58) ، الديباج للسيوطي (4/80) .
سادسا: قال النبي صلى الله عليه وسلم -في حجة الوداع- "اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَن لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِن فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ". رواه مسلم (1218) من حديث جابر -رضي الله عنه-.
وعن عَمْرِو بن الْأَحْوَصِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ شهد حجة الوداع مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر ووعظ، فذكر في الحديث قِصَّةً فقال: "ألا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ، ليس تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شيئا غير ذلك، إلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِن فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، ألا إِنَّ لَكُمْ على نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ على نِسَائِكُمْ، فلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ من تَكْرَهُونَ، ولا يَأْذَنَّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، ألا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ في كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ". رواه ابن أبي شيبة (2/56) والنسائي في الكبرى (9169) وابن ماجه (1851) والترمذي (1163) ، وقال: حسن صحيح.
سابعا: عن عبد اللَّهِ بن زَمْعَةَ -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَا يَجْلِد أحدكم امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا في آخِرِ الْيَوْمِ". رواه البخاري (4908) .(16/237)
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "وفي سياقه استبعاد وقوع الأمرين من العاقل، أن يبالغ في ضرب امرأته، ثم يجامعها من بقية يومه أو ليلته، والمجامعة أو المضاجعة إنما تستحسن مع ميل النفس، والرغبة في العشرة، والمجلود غالبا ينفر ممن جلده، فوقعت الإشارة إلى ذم ذلك، وأنه إن كان ولا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير، بحيث لا يحصل منه النفور التام فلا يفرط في الضرب، ولا يفرط في التأديب ... ولأن ضرب المرأة إنما أبيح من أجل عصيانها زوجها، فيما يجب من حقه عليها" ا. هـ فتح الباري (9/303) عمدة القاري (20/192) .
ثامنا: عن إياس بن أبي ذباب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تضربوا إماء الله". قال فذئر -أي نشز- النساء، وساءت أخلاقهن على أزواجهن، فقال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: ذئر النساء، وساءت أخلاقهن على أزواجهن منذ نهيت عن ضربهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فاضربوا" فضرب الناس نساءهم تلك الليلة، فأتى نساء كثير يشتكين الضرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين أصبح: "لقد طاف بآل محمد الليلة سبعون امرأة كلهن يشتكين الضرب، وأيم الله لا تجدون أولئك خياركم". رواه النسائي في الكبرى (9167) ، وصححه ابن حبان (4189) .
قال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-: "فجعل لهم الضرب، وجعل لهم العفو، وأخبر أن الخيار ترك الضرب" ا. هـ الأم (5/112) .
وقال الحافظ ابن حجر –رحمه الله تعالى-: "فيه دلالة على أن ضربهن مباح في الجملة، ومحل ذلك أن يضربها تأديبا إذا رأى منها ما يكره، فيما يجب عليها فيه طاعته، فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل، ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل، لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية، إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله" ا. هـ فتح الباري (9/304) ، وانظر عون المعبود (6/128) .
تاسعا: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما ضَرَبَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل. رواه مسلم (2328) .
قال النووي -رحمه الله تعالى-: "فيه أن ضرب الزوجة، والخادم، والدابة وإن كان مباحا للأدب، فتركه أفضل " ا. هـ شرح صحيح مسلم (15/84) .
وقال القاري -رحمه الله تعالى-: "خصا بالذكر اهتماماً بشأنهما، ولكثرة وقوع ضرب هذين، والاحتياج إليه، وضربهما وإن جاز بشرطه، فالأولى تركه، قالوا بخلاف الولد، فإن الأولى تأديبه، ويوجه بأن ضربه لمصلحة تعود إليه، فلم يندب العفو، بخلاف ضرب هذين فإنه لحظ النفس-غالباً- فندب العفو عنهما مخالفة لهواها، وكظماً لغيظها" ا. هـ مرقاة المفاتيح (10/488) ، وانظر كشاف القناع (5/209) .
عاشرا: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". رواه ابن حبان (4177) . والبيهقي (7/468) .(16/238)
قال المناوي -رحمه الله تعالى-: "ولهذا كان على الغاية القصوى من حسن الخلق معهن، وكان يداعبهن ويباسطهن ... "وأنا خيركم لأهلي" أي برا ونفعا لهم، ديناً ودنيا، أي فتابعوني، ما آمركم بشيء إلا وأنا أفعله" ا. هـ فيض القدير (3/496) .
الحادي عشر: عن جَابِرٍ -رضي الله عنه- قال: نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه. رواه مسلم (2116) .
قال النَّوَوِيّ -رحمه الله تعالى-: "وأما الضرب في الوجه، فمنهي عنه في كل الحيوان المحترم، من الآدمي، والحمير، والخيل، والإبل، والبغال، والغنم، وغيرها، لكنه في الآدمي أشد، لأنه مجمع المحاسن، مع أنه لطيف لأنه يظهر فيه أثر الضرب، وربما شانه وربما آذى بعض الحواس" ا. هـ شرح النووي على صحيح مسلم (14/97) ، وانظر عمدة القاري (21/140) ، التيسر بشرح الجامع الصغير (2/470) ، نيل الأوطار (8/250) ،عون المعبود (7/167) .
وعن معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه- قال: كانت لي جارية ترعى غنمًا لي قبل أحد والجوانية فاطلعت ذات يوم، فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي، قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها قال: "ائْتِنِي بها". فأتيته بها فقال لها: "أَيْنَ الله؟ " قالت: في السماء قال: "مَنْ أَنَا؟ ". قالت: أنت رسول اللَّه. قال: "أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ". رواه مسلم (537) .
الثاني عشر: عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وكان بيده سواك، فدعا وصيفة له أو لها، حتى استبان الغضب في وجهه، وخرجت أم سلمة إلى الحجرات، فوجدت الوصيفة وهي تلعب ببهمة، فقالت: ألا أراك تلعبين بهذه البهمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك، فقالت: لا والذي بعثك بالحق ما سمعتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا خشية القود، لأوجعتك بهذا السواك". رواه أبو يعلى (6944) والبخاري في الأدب (184) ، وقال المنذري: "رواه أبو يعلي بأسانيد أحدها جيد" ا. هـ الترغيب والترهيب (3/153) ن وضعيف الترغيب والترهيب (2/98) ، رقم (1379) . وقال الهيثمي: "وإسناده جيد عند أبي يعلى والطبراني" ا. هـ مجمع الزوائد (10/353) .
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن ضرب سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة". رواه البزار والطبراني في الأوسط (1445) وإسنادهما حسن. مجمع الزوائد (10/353) .
وبعد هذه الجولة في تلك الآيات والأحاديث المباركة، وما هي إلا فيض من غيض يتبين معنى الآية ويظهر لنا ما يلي:
أولا: وجوب معاشرة كل واحد من الزوجين الآخر بالمعروف.(16/239)
ثانيا: أن القوامة بيد الرجل، ومما يدخل في القوامة تقويم سلوك الزوجة، متى أساءت أو نشزت بترفعها عليه، أو غلظتها معه، أو معصيته بما يجب عليها له، فيُقوِّمها بالنصح أولا، وذلك بتذكيرها بحرمة النشوز، ووجوب طاعتها له في غير معصية، مع ذكر الأدلة على ذلك، كحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عليها، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حتى تُصْبِحَ". رواه البخاري (3065) .
فإن لم يُجْدِ ذلك هجر فراشها أو الحديث معها في البيت، ولا يتعدى ذلك خارج البيت، لحديث حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أَن تُطْعِمَهَا إذ طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إذا اكْتَسَيْتَ، أو اكْتَسَبْتَ ولا تَضْرِب الْوَجْهَ، ولا تُقَبِّحْ، ولا تَهْجُرْ إلا في الْبَيْتِ" رواه أحمد (20036) وأبو داود (2142) والنسائي في الكبرى (11431) ، وحسنه النووي في رياض الصالحين (277) .
ومدة الهجر لا تزيد على ثلاثة أيام لحديث أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَن يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ". رواه البخاري (5718) ومسلم (2559) .
فإن لم ينفع ذلك معها، جاز له ضربها ضربا غير مبرح بسواك، أو بمنديل ملفوف، لا بسوط، ولا بعصى، أو نحوه -والسواك كما لا يخفى دقيق، وقصير، طوله غالبا طول القلم– (كشاف القناع 5/210) عن عطاء قال: قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: السواك، وشبهه يضربها به. رواه ابن جرير (5/68) ، وانظر الدر المنثور (2/523)
ويحرم عليه ضرب الوجه والمقاتل (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء:34] قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وقوله تعالى: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا) أي إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله له منها، فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها، وقوله (إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن " ا. هـ تفسير ابن كثير (1/493) .
فإن تلف من الزوجة شيء بسبب الضرب، ضمن ما وقع منه لتبين أنه إتلاف لا إصلاح. شرح زيد بن رسلان (1/259) .
ثالثا: يحرم على الزوج ضرب زوجته ظلما بلا سبب، ولو كان الضرب يسيرا، فالظلم ظلمات يوم القيامة، قال ابن جرير -رحمه الله تعالى-: "إنه غير جائز لأحد ضرب أحد من الناس ولا أذاه إلا بالحق، لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب:58] سواء كان المضروب امرأة وضاربها زوجها، أو كان مملوكا، أو مملوكة، وضاربه مولاه، أو كان صغيرا وضاربه والده، أو وصي والده وصاه عليه " ا. هـ تهذيب الآثار مسند عمر بن الخطاب (1/418) .(16/240)
وقال تعالى: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [البقرة:231] ، فقد نهى الزوج عن الإضرار بمطلقته فكيف بزوجته.
رابعا: أن يقصد الزوج من ذلك تأديبها، وتقويمها، لا التشفي والانتقام منها.
خامسا: أنه لا يحل له ضربها أكثر من عشر ضربات بحال من الأحوال، لحديث أبي بردة الأنصاري -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ، إلا في حَدٍّ من حُدُودِ اللَّهِ" رواه البخاري (6458) ومسلم (1708) .
سادسا: أن التأديب متى ما كان في الحدود المشروعة آتى أُكُله، ولا يصح تسميته "عنفا أسريا"، أما لو تجاوز الحدود الشرعية فهو محرم شرعا، وسمِّه ما شئت بعد ذلك "عنفا أسريا"، أو غير ذلك.
سابعا: أن الترفع عن الضرب أفضل وأكمل، إبقاءً للمودة. الفروع (5/258) ، المبدع (7/215) ، كشاف القناع (5/210) .
حتى مع وجود الداعي له، لحال النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ما ضرب خادما، ولا امرأة. قال شريح -رحمه الله تعالى-:
رأيت رجالا يضربون نساءهم *** فشلَّت يميني حين أضرب زينبا
وزينب شمس والنساء كواكب *** إذا طلعت لم تبق منهن كوكبا
تاريخ دمشق (23/52) ، سير أعلام النبلاء (4/106) ، الطبقات الكبرى (6/143) .
ثامنا: أنه لا يحل للرجل أن يضرب زوجته إن استدعى الأمر ذلك أمام أطفالها، أو غيرهم، لكون ذلك زيادة في التأديب، لم يأذن بها الشارع، وتنجم عن ذلك أمور لا تحمد عقباها.
تاسعا: أرى أنه لا يحل للرجل أن يضرب زوجته في حال الغضب، ولو مع وجود ما يستدعي ضربها، لكونه والحال هذه سيتجاوز الحد المأذون به.
فإن امتثل الزوج ذلك فإنه لا يسأل عن ضربه زوجته، ويحمل عليه حديث عمر -رضي الله عنه-إن صح- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته" رواه أبو داود (2147) والنسائي في الكبرى (9168) وابن ماجه (1986) ، وهو حديث ضعيف، قال ابن المديني -رحمه الله تعالى-: "فإن إسناده مجهول رواه رجل من أهل الكوفة يقال له داود بن عبد الله الأودي، لا أعلم أحدا روى عنه شيئا غير عبد الرحمن المسلي، وهو عندي أبو وبرة المسلي" ا. هـ العلل لابن المديني (1/93) .
أما إذا تعسف الزوج وتجاوز حده في التأديب، فإنه يقتص منه لزوجته، بلا خلاف أعلمه.
ومع الأسف فإن العنف الأسري ليس قاصرا على الزوج بل امتد ليصدر من الزوجة ضد زوجها، وليس بالقليل، فقد سمعت المحامي الكويتي خالد العبد الجليل يقول: إن دراسة في الكويت تثبت أن عشرين في المائة من الزوجات يضربن أزواجهن ضربا مبرحا!!
وهذا غيض من فيض، وإلا فالموضوع بحاجة إلى تحرير وإيضاح، وتفصيل، ومناقشة الشبه التي يطرحها بعض المغرضين.(16/241)
وأخيرا: يجب على المسلم التأدب مع كلام الله تعالى، فلا يليق بمسلم أن يعترض على حكم من الأحكام التي أذن الله تعالى بها، وهو الحكيم العليم بمثل هذه الشبه الباردة، وبمثل هذا الكلام الذي يتكلم به كثير ممن لا خلاق لهم، بل الواجب على كل مسلم ومسلمة التسليم المطلق لما جاء عن الله تعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب:36] وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65] . والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(16/242)
خيارات الأسهم في البورصات العالمية!
المجيب د. سامي بن إبراهيم السويلم
باحث في الاقتصاد الإسلامي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/12/1426هـ
السؤال
ما حكم شراء أسهم الخيار في البورصة العالمية، حيث إنني من المضاربين فيها، وأتحرى موافقة الشرع في ذلك، وسهم الخيار يعطي المضارب عند شرائه لهذا السهم أن يبيع السهم بعد مدة بالسعر الذي اشترى به حتى لو نزل السعر؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فخيارات الأسهم المتداولة في الأسواق العالمية، سواء كانت خيارات شراء (call options) أو خيارات بيع (put options) هي من عقود الغرر المنهي عنها شرعاً، وبذلك صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة عام (1992م) برقم (63) .
والذي جعل هذه العقود من الغرر: أن وظيفتها مرهونة بتغير السعر، بحيث لا تسمح بربح كلا طرفي العقد، ففي خيار الشراء يدفع المشتري مبلغاً معيناً (premium) ، بحيث يكون له الحق في شراء السهم، أو الأسهم بسعر ثابت طوال مدة الخيار، فإذا ارتفع سعر السوق لهذه الأسهم عند الأجل، نفذ المشتري البيع فيربح الفرق بين سعر السوق وسعر التنفيذ (strike price) ، وكذلك الحال بالنسبة لخيار البيع، حيث يدفع مالك الأسهم مبلغاً محدداً مقابل أن يكون له الحق في بيع الأسهم بسعر ثابت طوال مدة العقد، فإذا هبط سعر السوق عند الأجل نفذ المالك البيع فيربح الفرق بين سعر السوق وسعر التنفيذ، وبطبيعة الحال فإن هذا الربح بعينه يمثل خسارة للطرف الآخر، إذ لو كان اتجاه تغير السعر معلوماً مسبقاً لما تم العقد؛ لأنه سيمثل خسارة محققة لأحدهما.
فالاختيارات من أدوات المجازفة على الأسعار، وهي من ضمن العقود التي جعلت الاقتصادي الفرنسي موريس آليه يصف البورصات العالمية بأنها "كازينوهات قمار ضخمة"، وذلك أن حقيقة القمار هي أن يربح أحد الطرفين على حساب الآخر، وهذا بالضبط ما يحصل في عقود الاختيارات في الأسواق الدولية.
وهذا بخلاف عمليات البيع والشراء العادية للأسهم (التي لا تنطوي على محظور شرعي) ؛ لأن عقد البيع عقد فوري ينتهي بمجرد إبرام الصفقة، فيكون لكل طرف كامل الحرية في التصرف بعد التعاقد، دون أي التزام من أحد الطرفين للآخر، أما عقد الاختيار فهو عقد مؤجل يلتزم فيه أحد الطرفين للآخر بتحمل مخاطر السعر مدة الخيار، فحقيقة العقد أن مُصدر الخيار يقدم التزاماً أو ضماناً للطرف الآخر بتنفيذ العقد عند السعر المتفق عليه، فهو عقد معاوضة على ضمان السعر، ولذلك يعد الاختيار من عقود التأمين في واقع الأمر، ولذلك يستخدم للتأمين على المحافظ الاستثمارية (portfolio insurance) ، ومعلوم أن عقد التأمين (التجاري) عقد غرر باتفاق المجامع الفقهية، والعلة واحدة في الأمرين، والعلم عند الله -تعالى-.(16/243)