المقصود بأهل الفترة
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 22/9/1424هـ
السؤال
نسأل المشايخ الكرام عن أهل الفترة من هم؟ والذين يعبدون غير الله ولم تصلهم رسالة الإسلام ما حكمهم؟
الجواب
الحمد لله، المراد بأهل الفترة الذين يذكرهم العلماء هم الذين نشأوا بين رسالتين، فلم تبلغهم الرسالة الأولى يعني رسالة الرسول السابق، ولم يدركوا الرسول الآخر، مثل: أكثر البشرية قبل بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
فهؤلاء قد ورد أنهم يوم القيامة يمتحنون فيتبين المطيع من العاصي، يتبين من لو جاءه رسول الله عليه الصلاة والسلام لآمن به واتبعه، ومن لو جاءه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكذبه وعصاه، فيظهر الله حقائقهم بما شاء سبحانه وتعالى، ويجزيهم بحسب ذلك، وهو الحكيم العليم العدل الرحيم، والله أعلم.(13/502)
محمد بن عبد الوهاب والدولة العثمانية
المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 13/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
عندما أتكلم مع بعض الناس عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وعن أثرها في إرجاع الناس إلى التوحيد الخالص، الذي هو منهج أهل السنة والجماعة، يعترض البعض بأن الإمام محمد بن عبد الوهاب قد قام على الخليفة العثماني مع من تحالف معهم من أمراء آل سعود وهذا يخالف منهج أهل السنة والجماعة، الرجاء بيان مدى صحة ما قالوا، فإن كان زوراً فما الدليل على بطلان مزاعمهم؟ وفقكم الله.
الجواب
إن الناظر إلى مصنفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - يدرك جلياً أن هذا الإمام مجدد لما اندرس من معالم الدين، وأنه على طريقة أهل السنة والجماعة أتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد قرر الشيخ وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله - انظر مجموعة مؤلفات الشيخ (5/11) .
وأما دعوى الخروج على دولة الخلافة العثمانية فليس الأمر كذلك، فإن نجداًلم تكن تحت سيطرة العثمانيين كما حرر ذلك جمع من العلماء والباحثين المعاصرين كالشيخ ابن باز رحمه الله في محاضرة بعنوان "ندوة تجديد الفكر الإسلامي"، والدكتور صالح العبود في كتابه (عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب) ، والأستاذ أمين سعيد في كتابه (تاريخ الدولة السعودية) ، ونحوهم.(13/503)
هل صحّ خبر تخفيف العذاب عن أبي لهب
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 25/11/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: تحية واحتراماً. وبعد:
قال تعالى في سورة يونس: "حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ"، أظن بأن المقصود في الآية فرعون موسى، ما أفهمه من الآية أن فرعون خشي على نفسه من الموت، سؤالي هل صحيح بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: بأن فرعونه أبا جهل أشد كفراً من فرعون سيدنا موسى؟ وذلك عندما قُتل أبو جهل في معركة ما، لا أدري من الصحابي الذي قام بقتله، ولكن طلب من الصحابي بأن يقتله شخصاً غيره، فسأله الصحابي لماذا؟ فقال له أبو جهل: حتى لا يتحدث التاريخ بأن أبا جهل قتله راعي أغنام، هل هذا صحيح؟ وهل صحيح أن أبا جهل يخفف عنه العذاب كل يوم اثنين، وذلك لأنه فرح عند مولد المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؟. أرجو الشرح والتفصيل والتدقيق. وجزاكم الله ألف خير.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأقول وبالله التوفيق: قصة مقتل أبي جهل وردت في كتب السير وغيرها من كتب السنن، ومن ذلك ما ورد في سنن البيهقي الكبرى ج (9/92) ، الأثر رقم: (116،173) ، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال عن أبي جهل: "هذا فرعون هذه الأمة" وانظر سيرة ابن هشام ج (2/636) ، وفيها أن أبا جهل قال لابن مسعود - رضي الله عنه-: "لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا رويعي الغنم".
وأما ما ذكرتيه في سؤالك من تخفيف العذاب عن أبي جهل كل يوم اثنين، لفرحه بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم- فالمعروف أن هذا كان في حق أبي لهب، فقد جاء في صحيح البخاري حديث رقم: (5101) ج (9/140) ، من طريق عروة بن الزبير أن زينب ابنة أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها قالت: "يا رسول الله، أنكح أختي بنت أبي سفيان....وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن، قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهب، وكان أبو لهب اعتقها، فأرضعت النبي - صلى الله عليه وسلم-، فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حيبة قال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم، غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة".
قال ابن حجر في شرحه لهذا الحديث على قوله: (لم ألق بعدكم غير أني سقيت في هذه) ، ووقع في رواية عبد الرزاق المذكور، وأشار بيده إلى النقرة التي تحت إبهامه، وفي رواية الإسماعيلي المذكورة وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع، انظر فتح الباري (9/145) . ومعنى قوله (شرحيبة) أي شر حالة.(13/504)
وجاء في الاكتفاء بما تضمنه من مغازي المصطفى (2/39) ، أن العباس قال: مكثت حولاً بعد موت أبي لهب لا أراه في نوم، ثم رأيته في شر حال، فقال: ما لقيت بعدكم راحة إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولد يوم الاثنين، فبشرت أبا لهب بمولده ثويبة مولاته، فقالت له: أشعرت أن آمنة ولدت غلاماً لأخيك عبد الله فقال: اذهبي، فأنت حرة، فنفعه ذلك، وهو في النار، وانظر مثله في الروض الأنف (3/99) .
وهنا يجب التنبيه إلى أن هناك من يتعلل بهذا الأثر للاستدلال به على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، وجعله عيداً، كما ذكر ذلك السيوطي في حسن المقصد في عمل المولد دراسة وتحقيق مصطفى عبد الخالق ص65-66، والواقع أنه لا يصح الاحتجاج به على ذلك؛ لأمور منها:
(1) أن السند منقطع بين عروة وثويبة، فقد أورده البخاري معلقاً من كلام عروة، ولهذا قال ابن حجر في الفتح (9/145) ، بأن الخبر مرسل، أرسله عروة، ولم يذكر من حدثه به.
(2) أن الخبر رؤيا منام، والشرع - كما هو معلوم - لا يثبت فيه التكليف بالرؤيا المنامية إلا أن تكن رؤيا نبي من الأنبياء، فرؤيا الأنبياء حق، أو رؤيا بنى عليها النبي - صلى الله عليه وسلم- حكماً كرؤيا الأذان، قال ابن حجر: (وعلى تقدير أن يكون موصولاً فالذي في الخبر رؤيا منام، فلا حجة فيه) .
(3) أن صاحب الرؤيا هو العباس بن عبد المطلب - رضي الله - رآها حال كونه كافراً، ورؤيا الكافر لا يحتج بها إجماعاً. والله الموفق.(13/505)
التسمية بـ"سام" و "سيرين"
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 16/10/1424هـ
السؤال
أرجو أن تفيدوني وتزودوني ببعض المعلومات على هذا الاسم سام SAM مرات عديدة في حياتي أسمع عن هذا الاسم أنه كان لأحد أبناء سيدنا نوح عليه السلام، لكني لم أقرأ ولم أجد شيئاً مكتوباً في قصة ما أو كتاب، فهل هذا صحيح؟ وإن كان كذلك فهل كان من أبنائه الصالحين؟ وهل يمكن ويجوز تسمية المولود بهذا الاسم؟ وكذلك اسم سيرين SIRIN هل هو من أصل عربي؟ وهل يجوز تسميته للمولودة؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، (سام) اسم أحد أبناء نوح عليه السلام اللذين نجوا معه وهم: حام، وسام، ويافث وهم الذين نسلت منهم البشرية، فإن جميع البشرية بعد الطوفان كلهم من ذرية نوح عليه السلام، لقوله تعالى:"وجعلنا ذريته هم الباقين" [الصافات:77] ، وتسمية أبناء نوح عليه السلام إنما عُلم بخبر المؤرخين ليس فيه نص يجب التسليم له، فليس في الكتاب ولا في السنة تسمية أحد من أولاد نوح، لكن هذا يكاد أن يكون إجماعاً بين المؤرخين أن البشرية تعود إلى هؤلاء الثلاثة وأسماؤهم كما ذكر، ولهذا يسمي المؤرخون الأمم المتناسلة من سام يسمونهم الأمم السامية وللمؤرخين أقوال في ذرية هؤلاء، والله أعلم بالغيب وهذا من العلم الذي لا يضر الجهل به، المهم ما أخبر الله به من أن ذرية نوح عليه السلام هم الذين بقوا بعد هلاك قومه، قال سبحانه وتعالى:"ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون*ونجيناه وأهله من الكرب العظيم*وجعلنا ذريته هم الباقين*وتركنا عليه في الآخرين*سلام على نوح في العالمين*إنا كذلك نجزي المحسنين*إنه من عبادنا المؤمنين*ثم أغرقنا الآخرين" [الصافات:75-82] .
فنوح عليه السلام هو أبو البشرية الثاني، والله أعلم.(13/506)
ومما تقدم يُعلم أن (سام) ممن نجا مع أبيه، فهو من أصحاب السفينة وهو من المؤمنين، فإن الذين كفروا بنوح من أهله زوجته وأحد أبنائه ويسميه المؤرخون (كنعان) ، واسمه في التاريخ (كنعان) ، كما قال تعالى:"ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين" [هود:42] إلى قوله سبحانه:"ونادى نوح ربه فقال إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح" [هود:45-46] ، وأما امرأته فذكر الله حالها ومآلها بقوله:"ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين" [التحريم:10] ، ولهذا قال سبحانه:"حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول" [هود:40] وفي الآية الأخرى قال:"إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون" [المؤمنون:27] ، وأما التسمية بـ (سام) فلا بأس بها، وكذلك باسم (سيرين) وسيرين اسم أعجمي، وهو اسم لأحد ممن سبي في جهاد المسلمين للكفار في عهد التابعين، وهو والد محمد بن سيرين وأنس بن سيرين وحفصة بنت سيرين وكلهم من الصالحين، رحمنا الله وإياهم أجمعين، والله أعلم.(13/507)
مصطلح: الأبدال، والأقانيم، والإمبريالية
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 14/2/1425هـ
السؤال
سؤالي: أرجو من فضيلتكم تعريف: الأبدال- الأقانيم- الإمبريالية - الديالكتيك.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
(1) الأبدال: لفظة صوفية، تعني الطبقة الرابعة من الأولياء بعد الأقطاب والأئمة والأوتاد، ويزعمون أن لهم قدرة على ضبط نظام الكون، لذا يتجهون إليهم ويستغيثون بهم، وهذا من الشرك الأكبر، نسأل الله السلامة.
(2) الأقانيم: جمع أقنوم، كلمة سريانية تعني شخصاً، والأقانيم عند النصارى هي الأب والابن والروح القدس، وهي مكونات الإله عندهم، والنصارى مختلفون في تفسير الأقانيم؛ فمنهم من قال إنها ثلاثة أشخاص اجتمعت فأصبحت إلهاً واحداً متعدد الأقانيم كالكاثوليك، ومنهم من قال إنها مراحل تقلب فيها الإله إلى إنسان كالأرثوذوكس، وأقوال عديدة وآراء متضاربة، وغموض في تفسيرها، حتى قيل إن النصارى لا يجتمعون على قول في تفسيرها، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك: "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [المائدة:73] ،وقال سبحانه: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً" [النساء:171] ، والأقانيم مما دخل على النصرانية من الفلسفة اليونانية.
(3) الإمبريالية: مصطلح أطلق على المستعمرين الأوربيين والمستعبدين والمستعلين على غيرهم، وعمم ليشمل الهيمنة الغربية في مقدرات الشعوب الأخرى، وقد استخدم بكثرة من قبل الشيوعيين والاشتراكيين في ذم الغرب.
(4) الديالكتيك: طريقة في الجدل والاستدلال عند الفلاسفة للوصول إلى الحقائق، وتختلف هذه الطريقة بحسب المدارس الفلسفية، فالمدارس المشككة تعتمد على السفسطة (التشكيك) ، وقد استخدمها (هيجل) لتفسير التاريخ القائم على النتائج بين المتناقضات (ردات الأفعال) ، كما استخدمها (ماركس) محاولة للتدليل على نظريته المادية الإلحادية.
واستخدم العلماء المسلمون الجدل للدعوة إلى الله بالحسنى كما أمر سبحانه: "وجادلهم بالتي هي أحسن" [النحل: 125] ، وقوله سبحانه: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" [العنكبوت: 46] ، فالجدل يجب أن يكون له هدف خير، وأن يمارس بآدابه وقواعده المبسوطة في مواضعها.
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(13/508)
كتاب (الحكم العطائية) !
المجيب د. علي بن بخيت الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 9/9/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كل عام وأنتم بخير، شيخنا الفاضل: ما رأيكم بـ (الحِكَم العطائية) ؟ وهل هو صحيح بأنه لو صحَّت الصلاة بغير القرآن لصحت بهذا الحكم؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتَّبع هداه وبعد:
فـ (الحِكَم العطائية) كتيب لتاج الدين أحمد بن محمد بن عطاء الله الإسكندري المتوفى في القاهرة سنة (709) هـ، من كبار المتصوِّفة في عصره، وكان ممن قام على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وتسبب مع جماعة من الصوفية في حبسه ظلماً بمصر سنة (707) هـ، حيث ادعى عليه أشياء لم يثبت منها شيء (البداية والنهاية 14/47) .
وأما الكتاب فهو مؤلف في توحيد الصوفية، وبيان أحوالهم ومسالكهم ...
وقد احتفل به الصوفية بالشرح والتعقيب، وأشهر شروحه: شرح ابن عبَّاد النفزي الرندي، المسمى: غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية.
والكتاب في الجملة يدور على عقائد المتصوفة الفاسدة، وفيه كلام يكاد يصرِّح فيه مؤلفة بما تظافر المتصوفة على تسميتها بالحقيقة، وهي عقيدة وحدة الوجود التي ترى أن كل موجود هو الله، ولا وجود لسواه على الحقيقة، وفيها من الكفر ما هو أكفر من عقائد اليهود والنصارى، كما صرح بذلك علماء أهل السنة والجماعة..
ومن ذلك قوله:" ما حجبك عن الله وجود موجود، ولكن حجبك عنه توهم موجود معه".
وقال شارحه ابن عباد:" تقدم أن لا موجود سوى الله تعالى على التحقيق، وأن وجود ما سواه إنما هو وهم مجرد".
وقوله:" سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور البشرية..".
قال شارحه ابن عباد:" سر الخصوصية هو: حقيقة المعرفة التي اختص بها أهل ولاية الله -تعالى- بحيث لا يبقى معها وجود لغير ولا كون، فمن لطيف حكمة الله تعالى أن ستر ذلك بما أظهره من البشرية التي من لوازمها وجود الغير والكون، ولولا هذا الستر لكان سر الله مبتذلاً غير مضمون".
وفيه -عدا ماتقدم- عبارات هي محل نظر كقوله:" طلبك منه (أي من الله) اتهام له.."
يقوله شارحه:" فطلبه من الله تهمة له؛ إذ لو وثق في إيصال منافعه إليه من غير سؤال لما طلب منه شيئاً..".
فسؤال العبد الله ربه ودعاؤه له مذموم عند هؤلاء الصوفية؛ لأنه بزعمهم صادر عن عدم ثقة بالله، مع أن أنبياء الله ورسله -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- قد سألوا ربهم وطلبوا منه أموراً، والكتاب العزيز مليء بذلك..
وكذلك بعض العبارات التي حملها الشارح على ذم التمتع بالطيبات من الرزق الحلال، وترك الزواج والنسل، والتشنيع على من يأخذ بالأسباب، وغير ذلك مما لا شك أنه على خلاف سنة سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم-.
ومع ذلك فالكتاب لا يخلو من حكم نافعة ووصايا جامعة، ولكن يفسد ذلك أمران:
الأول: اشتماله على عبارات باطلة، وكلمات موهمة..
الثاني: إفساد النافع منه من قبل من تولى شرحه من المتصوفة بإغراقه في لجج خرافات الصوفية، وأحوالهم غير الشرعية..(13/509)
وأما شرح البوطي فلم أطلع عليه، والبوطي كما هو معروف من أشد المتصوفة في هذا العصر تعصباً على الدعوة السلفية، وأكثرهم تمجيداً للصوفية ودعوة لها..
والعبارة المذكورة عبارة منكرة لا يحل التكلم بها، ولا يقولها إلا جاهل، أو أحد من غلاة المتصوفة، وبمثل هذه الكلمة الجائرة التي يفوح منها رائحة الغلو والفساد فضلت هذه الحكم والعبارات على سنة سيد الأنبياء والمرسلين..
فلم يقل أحد مثل ذلك عن حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أوتي جوامع الكلم، أيقال ذلك عن كلام غيره من البشر.. سبحانك هذا بهتان عظيم..
نسأل الله -عز وجل- أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه سميع مجيب..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..(13/510)
آراء ابن تيمية رحمه الله تعالى
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 14/7/1425هـ
السؤال
ما رأي فضيلتكم في آراء ابن تيمية بصفة عامة، وخاصة في حكم صلاة الجماعة؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بين عبد السلام ابن تيمية الحرَّاني من أئمة الهدى، ومن المشهود لهم بالعلم والورع والتقى، نصر الله به الحق، وأعلى به السنة، وقمع به البدعة، وعلى كلٍّ فإن إمامة شيخ الإسلام ابن تيمية من الأمور الواضحة التي لا تحتاج إلى إثبات، وإن كنا لا ندعي العصمة لأحدٍ من البشر بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أن شيخ الإسلام ابن تيمية كان موفقًا في غالب أقواله واجتهاداته، كيف لا وهو ممن جعل الحق هدفه والدليل من الكتاب والسنة قائده، ومن أراد الاطلاع على سيرة هذا الإمام فعليه بكتب السير والتراجم التي تحدثت عن هذا العالم الجليل، ومن أوسعها: كتاب الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية، من تأليف: محمد عزير شمس وعلي بن محمد العمران، حيث جمع مؤلفا هذا الكتاب أغلب ما كُتِب عن شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن أراد الاطلاع على منهج هذا الإمام في فقهه واجتهاده فعليه بالكتب والرسائل المؤلفة في هذا الجانب، ومن أهمها: كتاب منهج ابن تيمية في الفقه، من تأليف: د. سعود بن صالح العطيشان.
أما ما يتعلق بحكم صلاة الجماعة، فقد اختلف أهل العلم في حكمها بعد اتفاقهم على مشروعيتها وفضلها، ويمكن حصر اختلافهم فيها على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها واجبة على الأعيان، وليست شرطًا لصحة الصلاة، ومن تركها بغير عذر فصلاته صحيحة مع الإثم. وقال بهذا القول الحنفية (وسموها سنةً مؤكدة، والسنة المؤكدة عند الحنفية كالواجب، كما قاله الكاساني من علماء الحنفية) والحنابلة، وبعض الشافعية.
القول الثاني: أنها سنة يُستحب فعلها، ولا يعاقب من تركها. وقال بهذا القول المالكية، وبعض الشافعية.
القول الثالث: أنها واجبة على الأعيان، وهي شرط لصحة الصلاة، ومن تركها من غير عذر فصلاته باطلة. وقال بهذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية.
ولكل قول من هذه الأقوال أدلته، والمقام لا يسمح بذكرها وبسطها، إلا أن القول الذي يرجحه المحققون من أهل العلم هو القول الأول، وهو أن صلاة الجماعة واجبة على الرجال وجوبًا عينيًّا، ولا يجوز التخلف عنها إلا لعذر، استدلالاً بقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ سمِع النداءَ فلمْ يأتِ فلا صلاةَ له، إلَّا مِن عُذرٍ» . أخرجه ابن ماجه (793) والدارقطني 1/420 وابن حبان (2046) والحاكم 1/373،بسند صحيح.
وفد سُئل ابن عباس رضي الله عنهما- عن العذر فقال: خوف أو مرض. والأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة كثيرة جدًّا، ومن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى ما كتبه العلماء في كتاب الصلاة من كتب الفقه.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/511)
نسبة كتاب الروح لابن القيم
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 25/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي هو: هل كتاب الروح في الكلام على أرواح الأموات والأحياء بالدلائل من الكتاب والسنة هو لابن القيم? وإذا كان له فما حكم بعض الجزئيات العجيبة فيه?.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
نعم هذا الكتاب هو للإمام ابن القيم -رحمه الله-، وقد أثبت ذلك جمع من العلماء، وقد تم دراسة الكتاب وتحقيقه في رسالة دكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، قام بها د. بسام علي سلامة العموش، وطبع عام 1410هـ، وأثبت أن الكتاب لابن القيم، ودرس بعض المسائل المهمة في الكتاب، كتلقين الميت وسماع الأموات، ووصول ثواب القرب إلى الميت، وعلى كل حال فإن ابن القيم -رحمه الله تعالى- أحد أئمة السنة ومن أرباب المدرسة السلفية، فهو يعتمد على الأدلة من الكتاب والسنة مقدماً لهما على غيرهما معظماً لهما على ما سواهما.
وفي هذا الكتاب ربما اعتمد في بعض المسائل على بعض الآثار والمرويات الضعيفة، وبعض الرؤى والمنامات من باب الاستشهاد والاستئناس بها، وأي كتاب أو مؤلف لا يضيره أن يكون فيه مسألة أو مسائل يخالفها الدليل ما دام صاحبه قد اجتهد في الوصول إلى الحق والعبرة بكثرة الفضائل والكمالات، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث
من ذا الذي ترضى سجاياه كلها *** فكى المرء نبلاً أن تعد معايبه.
وطالب العلم الباحث يقرأ بدراية وانتقاء، فما وجد في هذا الكتاب أو في غيره قضية لا توافق الدليل أو ربما خالفت نصاً أو إجماعاً فليردها ممن كانت، ويستغفر لصاحبها ويحفظ له محله ومكانته من العلم والدين، ولا عصمة إلا لكتاب الله -تعالى-، ورسله المبلغين في بلاغهم. والله الهادي إلى سواء السبيل.(14/1)
تكفير ابن عربي
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 19/1/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يجوز تكفير ابن عربي والقول عنه إنه كافر مشرك؟ علماً أن هناك كفراً صراحاً في كتبه وخاصة كتاب الفصوص، أرجو تبيين الحكم -بارك الله فيكم - جزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأقول -وبالله التوفيق-:
ابن عربي هو أبو بكر محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الأندلسي المعروف بابن عربي والملقب عند الصوفية بالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر، صاحب كتاب الفصوص، والفتوحات المكية، هلك سنة 638هـ عداده في غلاة الصوفية من أهل وحدة الوجود الذين تقوم بدعتهم على القول بالوحدة الذاتية لجميع الأشياء مع تعدد صورها في الظاهر، فالعالم بما فيه إنما هو التجلي الإلهي الدائم الذي كان ولا يزال، فالموجود واحد وهو الله واجب الوجود الأزلي عين المخلوقات، فكل شيء هو الله، واختلاف الموجودات هو اختلاف في الصور والصفات مع توحد في الذات، ومن أخطر ما تصل إليه هذه العقيدة القول بوحدة الأديان وإسقاط التكاليف والقول بعقيدة النور المحمدي والحقيقة المحمدية والإنسان الكامل.
وحقيقة قولهم فيه مضاهاة لقول الدهرية الطبيعية الذين لا يقرون بواجب أبدع الممكن، وهو قول فرعون، ولهذا كانوا معظمين لفرعون، ثم إنهم جعلوا أهل النار يتنعمون في النار كما يتنعم أهل الجنة في الجنة، وكفروا بحقيقة اليوم الآخر ثم ادّعوا أن الولاية أفضل من النبوة وأن خاتم الأولياء - وهو شيء لا حقيقة له - زعموا أنه أفضل من خاتم الأنبياء بل ومن جميع الأنبياء، وأنهم كلهم يستفيدون من مشكاته العلم بالله.
وقد نقل غير واحد من المحققين من العلماء القول بضلال ابن عربي وفساد معتقده وإليك جملة من القول في ذلك:
قال الحافظ الذهبي رحمه الله: (من أمعن النظر في فصوص الحكم أو أمعن التأمل لاح له العجب، فإن الذكي إذا تأمل من تلك الأقوال والنظائر والأشباه فهو أحد رجلين، إما من الاتحادية في الباطن، وإما من المؤمنين بالله الذين يعدون أن هذه النحلة من أكفر الكفر، نسأل الله العفو، وأن يكتب الإيمان في قلوبنا، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فوالله لأن يعيش المسلم جاهلاً خلف البقر لا يعرف من العلم شيئاً سوى سور من القرآن يصلي بها الصلوات ويؤمن بالله وباليوم الآخر خير له بكثير من هذا العرفان وهذه الحقائق ولو قرأ مائة كتاب أو عمل مائة خلوة) ، انظر ميزان الاعتدال للذهبي (3/660) .(14/2)
وقال مفتي المالكية بمصر والشام القاضي شرف الدين عيسى بن مسعود الزوادي المالكي (ت743هـ) شارح صحيح مسلم: وأما ما تضمنه هذا التصنيف من الهذيان والكفر والبهتان فهو كله تلبيس وضلال، وتحريف وتبديل، فمن صدق بذلك واعتقد صحته كان كافراً ملحداً، صادّاً عن سبيل الله، مخالفاً لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ملحداً في آيات الله مبدلاً لكلماته فإن أظهر ذلك وناظر عليه كان كافراً يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وإن أخفى ذلك وأسرّه كان زنديقاً فيقتل متى ظهر عليه، ولا تقبل توبته إن تاب؛ لأن توبته لا تعرف فقد كان قبل أن يظهر عليه يقول بخلاف ما يبطن، فعلم بالظهور عليه خبث باطنه، وهؤلاء قوم يسمون بالباطنية لم يزالوا من قديم الزمان ضلالاً في الأمة، معروفين بالخروج من الملة يقتلون من ظهر عليهم وينفون من الأرض وعادتهم التمصلح والتدين وادعاء التحقيق، وهم على أسوأ طريق، فالحذر كل الحذر منهم فإنهم أعداء الله وشر من اليهود والنصارى؛ لأنهم قوم لا دين لهم يتبعونه ولا رب يعبدونه وواجب على كل من ظهر على أحد منهم أن ينهي أمره إلى ولاة المسلمين؛ ليحكموا فيه بحكم الله تعالى، ويجب على من ولي الأمر إذا سمع بهذا التصنيف البحث عنه وجمع نسخه حيث وجدها وإحراقها، وأدب من اتهم بهذا المذهب أو نسب إليه أو عرف به على قدر قوة التهمة عليه حتى يعرفه الناس ويحذروه) .
وقال ابن خلدون - رحمه الله-: (ومن هؤلاء المتصوفة ابن عربي وابن سبعين وابن برجان وأتباعهم ممن سلك سبيلهم ودان بنحلتهم، ولهم تواليف كثيرة يتداولونها مشحونة بصريح الكفر ومستهجن البدع، وتأويل الظاهر لذلك على أبعد الوجوه وأقبحها مما يستغرب الناظر فيها نسبتها إلى الملة أو عدها في الشريعة، وليس ثناء أحد على هؤلاء حجة ولو بلغ المثني ما عسى أن يبلغ من الفضل لأن الكتاب والسنة أبلغ فضلاً أو شهادة من كل أحد، وأما حكم هذه الكتب المتضمنة لتلك العقائد المضلة وما يوجد من نسخها بأيدي الناس مثل الفصوص، والفتوحات المكية لابن عربي والبد لابن سبعين، وخلع النعلين لابن قسي، وعين اليقين لابن برجان وما أجدر الكثير من شعر ابن الفارض والعفيف التلمساني وأمثالهما أن يلحق بهذه الكتب، وكذا شرح ابن الفرغاني للقصيدة التائية من نظم ابن الفارض، فالحكم في هذه الكتب وأمثالها إذهاب أعيانها متى وجدت بالتحريق بالنار والغسل بالماء حتى ينمحي أثر الكتاب لما في ذلك من المصلحة العامة في الدين بمحو العقائد المختلفة) .
وقال بدر الدين بن جماعة ت733هـ: (وأما إنكاره - يعني ابن عربي - ما ورد في الكتاب والسنة من الوعيد فهو كافر به عند علماء التوحيد، وكذلك قوله في نوح وهود -عليهما السلام- قول لغو باطل مردود) .(14/3)
ونقل السخاوي عن الشيخ سراج الدين أبي حفص عمر بن رسلان البلقيني الشافعي ت805هـ قوله: (لم يكن هذا الفاجر المذكور - يعني ابن عربي- على الكتاب والسنة بل كان مخالفاً ولا يحل اعتقاد عقيدته ولا العمل بما أتى به من الباطل وليس كلامه ومعتقده الفاسد تأويلاً يقتضي موافقة الكتاب والسنة، ومن اعتقد عقد الباطل أو تمسك به فليس على طريق الحق بل هو على طريق الباطل، فيلزم من اعتقد ذلك أو تمسك به أن يتوب إلى الله -تعالى- من كفره وإلحاده وزندقته فإن تاب وإلا ضربت عنقه لزندقته، وقد كتبت على ذلك كراريس بالقاهرة ودمشق وبينت فيها أنه أتى بأنواع من الكفر والإلحاد والزندقة ولم يأت بها غيره فنعوذ بالله من طريقة هذا الشيطان ومن طريقة من اتبعه، وأن يجنبنا ما ابتدعه والحال ما ذكر والله أعلم بالصواب) .
وقال الصفدي في تاريخه: (سمعت أبا الفتح ابن سيد الناس يقول سمعت ابن دقيق العيد يقول: سألت ابن عبد السلام عن ابن عربي فقال: هو شيخ سوء كذاب يقول بقدم العالم ولا يحرِّم فرجاً) .
وممن كشف عواره وألف في بيان كفره وأمثاله الشيخ برهان الدين البقاعي الشافعي المحدث والمفسر والمؤرخ المتوفى سنة 885هـ بدمشق في مصنف له بعنوان: (مصرع التصوف أو تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي) ، انظر منه الصفحات: 150-174.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(14/4)
هل يعد أبو حنيفة من التابعين؟
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 6/11/1424هـ
السؤال
لقد سمعت آراء مختلفة فيما إذا كان الإمام أبو حنيفة روى أي حديث عن صحابي، ومَن مِن الصحابة رآه أبو حنيفة فعلاً يعد تابعياً، فهل روى أبو حنيفة أي أثر مباشر عن الصحابة - رضي الله عنهم-؟ ومن رأى منهم في حياته؟ وهل كان من هؤلاء الصحابة - رضي الله عنهم- من قاتل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ مع رجاء ذكر اسم المعركة أو المبايعة تحت الشجرة، سواء الذي رآه يعتبر تابعياً، أو روى، أو تعلَّم حديثاً منه.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وبعد:
أبو حنيفة هو: النعمان بن ثابت التيمي الكوفي، الإمام، فقيه الملة، عالم العراق، ولد سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة، حيث أدرك زمن أربعة منهم، وهم أنس بن مالك بالبصرة وعبد الله بن أبي أوفى بالكوفة. وسهل بن سعد الساعدي في المدينة، وأبو الطفيل عامر بن وائلة في مكة.
واختلف هل رأى أحداً منهم أم لا؟، فذكر الذهبي نقلاً عن الخطيب في تاريخ بغداد أنه رأى أنس بن مالك لما قدم عليهم الكوفة، قال الذهبي: ولم يثبت له حرف عن أحد منهم - أي من الصحابة رضي الله عنهم-سير أعلام النبلاء (6 /390) ، وادعى بعض أصحاب أبي حنيفة أنه لقي عدداً من الصحابة فيكون تابعياً، ولكن هذا لم يتحقق ثبوته. والراجح أنه لم يلق أحداً من الصحابة، فهو بهذا من أتباع التابعين.
هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(14/5)
مرويّات أبي حنيفة رحمه الله؟!
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 15/11/1424هـ
السؤال
هل كان للإمام أبي حنيفة سلسلة معينة أو سلسلة رواة يأخذ عنها؟ سمعت أنه كان للإمام مالك ما يسمى (سلسلة ذهبية) ، وكانت عبارة عن سلسلة من أدق الرواة، فهل كان للإمام أبي حنيفة سلسلة رواة متميزين بالصدق التام؟ وما هي؟ أرجو تقديم أمثلة.
سمعت أن الإمام استنبط أحكاماً كثيرة من أحاديث الصحابي عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه-، فمن كان من الرواة بين هذا الصحابي - رضي الله عنه- والإمام أبو حنيفة.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وبعد:
للإمام أبي حنيفة - رحمه الله - مرويات حديثية رواها عنه محمد بن الحسن في كتاب الآثار، ويوجد له مرويات أخرى مبثوثة في تصانيف محمد بن الحسن، وأبي يوسف - رحمهما الله -، وقد اعتنى بعض العلماء بجمع حديثه منهم:
(1) محمد بن محمود الخوارزمي المتوفى سنة 665هـ، ذكر ذلك صاحب كشف الظنون، وطبع المسند الذي جمعه بمصر سنة 1326هـ.
(2) الحافظ أبو محمد الحارثي، فقد اعتنى بحديث أبي حنيفة فجمعه في مجلدة ورتبه على شيوخ أبي حنيفة. وخرج المرفوع منه الحافظ أبو بكر بن المقري، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في مقدمة تعجيل المنفعة.
(3) الحسين بن محمد بن خسرو المتوفى سنة 522 هـ، وقال الحافظ الذهبي في ترجمته المحدث العالم جامع مسند أبي حنيفة. سير أعلام النبلاء (19 / 592) ، ولا يعرف للإمام سلسلة إسنادية موصوفة بأصح الأسانيد، كما يوجد للإمام مالك - رحمه الله-
وروايته عن ابن مسعود - رضي الله عنه- هي من طريق حماد بن أبي سليمان، عن النخعي، عن ابن مسعود - رضي الله عنه- وفي بعضها عن النخعي، عن علقمة، عن ابن مسعود- رضي الله عنه-.ورواية النخعي عن ابن مسعود - رضي الله عنه-، وإن كانت مرسلة أي منقطعة، وذلك أن النخعي لا يصح له سماع عن أحدٍ من الصحابة - رضي الله عنهم- إلا أن العلماء صححوا مراسيله عن ابن مسعود- رضي الله عنه-، وقد اعتنى الحسيني بتراجم رجال أبي حنيفة ضمن كتابه: التذكرة برجال العشرة. واعتمد في رجال أبي حنيفة على المسند الذي جمعه ابن خسرو، ثم أفرد الحافظ ابن حجر رجال الأربعة ممن ليس له رواية في تهذيب الكمال في كتابه: تعجيل المنفعة. والأربعة هم: أبو حنيفة، مالك، الشافعي، أحمد بن حنبل. هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(14/6)
صحة قول منسوب لرابعة العدوية
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 23/06/1425هـ
السؤال
قالت رابعة العدوية فيما معناه: (يا رب إذا كنت أسلمت طمعاً في جنتك فاحرمني منها، وإذا كنت أسلمت خوفاً من نارك فأدخلني فيها، وإذا أسلمت طمعاً في رؤية وجهك الكريم فلا تحرمني منه) ، أريد دليلاً من الكتاب على صحة قولها هذا.
الجواب
الحمد لله.
رابعة العدوية عابدة مشهورة، وهي من أعلام الصوفية المتقدمين الذين لديهم اجتهاد في العبادة، مع جهل بحقيقة ما توجبه الشريعة في باب السلوك والسير إلى الله من أحوال القلوب وأعمال الجوارح، وقد أفضى بهم الجهل إلى الغلو والتنطع في العبادة مما انحرفوا به عن الصراط المستقيم، ومن ذلك غلوهم في المحبة، حتى زعموا أنهم لا يعبدون الله خوفاً ولا رجاءً، وإنما يعبدونه بالمحبة، وهذا مخالف لطريق الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام- الذين يدعونه سبحانه وتعالى رغباً ورهباً مع حبهم له سبحانه، وابتغائهم إليه الوسيلة، وتقربهم إليه بمحابه ومسارعتهم في ذلك، كما قال تعالى: "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" [الأنبياء: من الآية90] ، وقال تعالى: "أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً" [الإسراء:57] .
وهذه المقولة المنسوبة لرابعة مقالة منكرة تتضمن الزهد في الجنة والاستخفاف بعذاب النار، وأما رؤية الله فإنها أعلى نعيم الجنة، فمن دخل الجنة فاز بالنظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، قال تعالى: "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ" [يونس: من الآية26] ، فالحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله، ويروى معنى هذه المقولة عن رابعة أو غيرها بلفظ: إني لا أعبده خوفاً من ناره، ولا طمعاً في جنته، بل أعبده حباً له.
ولهذا قال بعض أهل العلم: من عبدَ الله بالخوف وحده فهو حروري، -أي: من الخوارج-، ومن عبده بالرجاء فهو مُرجئ، ومن عبده بالحب فهو زنديق، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد، وأسماء الله وصفاته تقتضي محبته وخوفه ورجاءه، فالله -تعالى- ذو الجمال، والجلال والإكرام، وغافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، وكل اسم من أسمائه الحسنى، وصفة من صفاته، تقتضي عبودية خاصة، فمن كان بأسمائه وصفاته أعلم كان له أعبد، وعلى صراطه أقوم. والله أعلم.(14/7)
البربهاري
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 17/1/1425هـ
السؤال
من هو الإمام البربهاري؟.
الجواب
البربهاري هو: الحسن بن علي بن خلف أبو محمد البربهاري: شيخ الحنابلة في وقته ومتقدمها في الإنكار على أهل البدع والمباينة لهم باليد واللسان، وكان له صيت عند السلطان، وقدم عند الأصحاب، وكان أحد الأئمة العارفين والحفاظ للأصول المتقنين والثقات المؤمنين، صحب جماعة من أصحاب الإمام أحمد منهم المروذي، وصحب سهل التستري، وصنَّف البربهاري مصنفات منها شرح كتاب السنة.
وكانت للبربهاري مجاهدات ومقامات في الدين كثيرة، وكان المخالفون يغيظون قلب السلطان عليه، ففي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة في خلافة القاهر ووزيره ابن مقلة تقدم بالقبض على البربهاري، فاستتر وقبض على جماعة من كبار أصحابه، وحملوا إلى البصرة وعاقب الله -تعالى- ابن مقلة على فعله ذلك بأن أسخط عليه القاهر، وهرب ابن مقلة وعزله القاهر عن وزارته، وطرح في داره النار فقبض عليه القاهر بالله يوم الأربعاء لست من شهر جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وحبس وخلع وسملت عيناه في هذا اليوم حتى سالتا جمعاً فعمى ثم تفضل الله -تعالى- وأعاد البربهاري إلى حشمته وزادت، حتى أنه لما توفي أبو عبد الله بن عرفة المعروف بنفطويه وحضر جنازته أماثل أبناء الدنيا والدين كان المقدم على جماعتهم في الإمامة البربهاري وذلك في صفر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وفي هذه السنة ازدادت حشمة البربهاري، وعلت كلمته وظهر أصحابه وانتشروا في الإنكار على المبتدعة، فاجتاز بالجانب الغربي فعطس فشمته أصحابه فارتفعت ضجتهم حتى سمعها الخليفة وهو في روشنه فسأل عن الحال فأخبر بها فاستهولها ولم تزل المبتدعة ينقلون قلب الراضي على البربهاري فتقدم الراضي إلى بدر الحرسي صاحب الشرطة بالركوب والنداء ببغداد أن لا يجتمع من أصحاب البربهاري نفسان، فاستتر وكان ينزل بالجانب الغربي بباب محول فانتقل إلى الجانب الشرقي مستتراً فتوفي في الاستتار في رجب سنة تسع وعشرين وثلاثمائة.
قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمته للبربهاري: شيخ الحنابلة القدوة الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري الفقيه كان قوالاً للحق، داعية إلى الأثر، لا يخاف في الله لومة لائم، صحب المروذي، وصحب ابن عبد الله التستري، فقيل إن الأشعري لما قدم بغداد جاء إلى أبي محمد البربهاري فجعل يقول: رددت على الجبائي رددت على المجوس وعلى النصارى، فقال أبو محمد: لا أدري ما تقول، ولا نعرف إلا ما قاله الإمام أحمد فخرج وصنف الإبانة فلم يقبل منه.(14/8)
قال أبو الحسين بن الفراء كان للبربهاري مجاهدات ومقامات في الدين وكان المخالفون يغلظون قلب السلطان عليه، ففي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة أرادوا حبسه فاختفى وأخذ كبار أصحابه وحملوا إلى البصرة فعاقب الله الوزير ابن مقلة وأعاد الله البربهاري إلى حشمته وزادت، وكثر أصحابه فبلغنا أنه اجتاز بالجانب الغربي فعطس فشمته أصحابه فارتفعت ضجتهم حتى سمعها الخليفة، فأخبر بالحال فاستهولها، ثم لم تزل المبتدعة توحش قلب الراضي حتى نودي في بغداد لا يجتمع اثنان من أصحاب البربهاري، فاختفى وتوفي مستتراً في رجب سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، فدفن بدار أخت توزون فقيل إنه لما كفن وعنده الخادم صلى عليه وحده فنظرت هي من الروشن فرأت البيت ملآن رجالاً في ثياب بيض يصلون عليه فخافت وطلبت الخادم، فحلف أن لم يفتح وقيل إنه ترك ميراث أبيه تورعاً وكان سبعين ألفاً، في ثلاث وعشرين وثلاثمائة أوقع بأصحاب البربهاري فاستتر وتتبع أصحابه ونهبت منازلهم وعاش سبعاً وسبعين سنة، وكان في آخر عمره قد تزوج بجارية.(14/9)
أقوال للشافعي في التصوف
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 26/1/1425هـ
السؤال
أرجو التكرم بشرح قولي الإمام الشافعي التاليين:
لا يكون أحداً صوفيًّا في الصباح حتى يصبح أخرق في الظهر.
القول الثاني المذكور في ديوانه: كن فقيهًا وصوفيًّا في نفس الوقت.
وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأقول ومن الله أستمد العون والتوفيق:
أما القول الأول فلم أقف عليه منسوباً إلى الإمام الشافعي رحمه الله رغم بحثي عنه.
وأما الثاني فقد وقفت على الديوان المنسوب إليه إعداد وتعليق محمد إبراهيم سليم صـ (46) وفيه هذان البيتان:
فقيهًا وصوفيًّا فكن ليس واحداً *** فإني وحق الله إياك أنصح
فذلك قاسٍ لم يذق قلبه تقى *** وهذا جهول كيف ذو الجهل يصلح
وهذان البيتان في نفسي شيء من صحة نسبتهما إلى الإمام الشافعي - رحمه الله-، إذ ليس كل ما نسب إليه من الشعر ثابتاً عنه، ولما تضمنه البيت الثاني من الغلو في الحكم على الفقهاء فضلاً عن البون الظاهر بين هذين البيتين، وبين ما اشتهر نسبته إلى الإمام الشافعي من شعر رصين جزل الألفاظ عظيم الدلالات، وعلى أي حال فهذان القولان إن ثبتت نسبتهما إليه فمحمولان على أن المراد ذم ما عليه أهل التصوف في الجملة؛ لأن التصوف وإن كان في بداياته زهداً وإيثاراً للعزلة وعدم الاختلاط بالناس طلباً للسلامة في الدين إلا أنه لم يلبث أن حاد عن المنهج الحق الذي دعا إليه الإسلام من الزهد المقترن بالعلم والعمل والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونفع الأمة ونشر الدين، ثم زاد هذا الانحراف عندما اختلط التصوف بالفلسفات الهندية واليونانية والرهبانية النصرانية في العصور المتأخرة.
وقد ظهر في بعض متقدميهم الذين عاصرهم الشافعي أو سبقوه بقليل مجانبة للحق والفقه في الدين من تعذيب النفس بترك الطعام، وتحريم تناول اللحوم، والسياحة في البراري والصحاري، وترك الزواج حتى قال بعضهم: "لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة ويؤي إلى مزابل الكلاب" انظر حلية الأولياء (2/359، 6/194) وسير أعلام النبلاء (8/174) ، وهذا ونحوه مما يحمل الشافعي على الإنكار عليهم لعدم فقههم في الدين، إذ لو فقهوا في الدين ما فعلوا أو دعوا إلى مثل هذا وأمثاله مما يخالف منهج القرآن والسنة وهدي الصحابة - رضي الله عنهم- وسلف الأمة، ومن تأمل الكثير مما يدعونه مقامات وأحوالاً يجد عجباً من المخاريق والشطح والانحراف وعدم البصيرة في الدين يدرك ذلك من كان له أدنى تأمل وبصيرة، نسأل الله أن يعصمنا بطواعيته وطواعية رسوله - صلى الله عليه وسلم-، كما أن الفقيه مطالب بالعمل بمقتضى الفقه في الدين من الزهد والتواضع وحسن الخلق ولين الجانب ورقة القلب والبعد عما ينافي هذه الأخلاق الحميدة ليكون جامعاً بين العلم والعمل، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(14/10)
ابن مسعود والمذهب الحنفي
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 16/05/1425هـ
السؤال
نعيش بإحباط في منطقتنا بأمريكا، فهناك بعض من يتلفظ بالسوء على ابن مسعود - رضي الله عنه- لأجل إظهار ضعف الفقه الحنفي، لأن مدرسة عبد الله بن مسعود هي مدرسة أهل الطرق فماذا نقول لهم عندما يتلفظون بذلك؟ وما هي نصيحتكم لي؛ كي تزيد ثقتي في اتباع المذهب الحنفي بينما الآخرون يهاجمونه؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هم خير الناس بعد الرسل والأنبياء، وبهم نصر الله دينه، وحفظ شرعه، قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- فيما رواه القرطبي في تفسيره (1/60) وغيره: "من كان متأسياً فليتأس بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقهاً علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوا آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم"، ولذلك فإن الواجب على المسلمين محبة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وتوقيرهم، ومعرفة قدرهم، والقيام بحقهم، والترضي عنهم؛ امتثالاً لما اشتملت عليه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، كقوله تعالى: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه" [التوبة: 100] ، وفي الجملة فإن عدالة الصحابة - رضي الله عنهم- ومحبتهم والترضي عنهم مما هو معلوم من الدين بالضرورة.(14/11)
ولذلك حذر أهل العلم من انتقاص الصحابة - رضي الله عنهم- أو سبهم أو الاستهزاء بهم، وعدوا ذلك مخالفة صريحة لمعتقد أهل السنة والجماعة، وجعل العلماء سب الصحابة - رضي الله عنهم- وانتقاص قدرهم قدحاً في الشريعة؛ لأن الشريعة لم تصل إلينا إلا عن طريقهم، فهم كتبة الوحي ونقلة السنة، ومن جملة الصحابة المشهود لهم بالعدالة والفضل: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي- رضي الله عنه- فهو من أكابر الصحابة - رضي الله عنهم- فضلاً وعلماً وعقلاً، ومن السابقين إلى الإسلام، وأول من جهر بالقرآن بمكة المكرمة، ويشهد لفضله أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- قال عنه لما ضحك الصحابة - رضي الله عنهم- من تمايل الريح به: "لهو أثقل عند الله يوم القيامة ميزاناً من أُحد" أخرجه الإمام أحمد (920) ، وابن أبي شيبة (12/114) ، وقال عنه عمر -رضي الله عنه-: "وعاء مليء علماً"، كما كان ابن مسعود - رضي الله عنه- من فقهاء الصحابة - رضي الله عنهم-، ومن المشتهرين منهم باستنباط الأحكام والعمل بالرأي المحمود في المسائل التي لم يرد فيها نص، ولذلك فإن مدرسة عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- في العراق تعد النواة الأولى لمدرسة أهل الرأي التي ينسب مذهب الإمام أبي حنيفة إليها، وغير ذلك مما ثبت لعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- من الفضائل، وبعد هذا كيف يجرؤ أحد على انتقاصه أو التلفظ عليه بسوء إلا من كان زائغ القلب فاسد السيرة والسريرة.
ونصيحتي لك فيما يتعلق باتباع مذهب معين: أن الواجب على المسلم عموماً التمسك بالكتاب والسنة، والعمل بما تقتضيه النصوص الشرعية، والوقوف عند حدودها؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- تعبدنا باتباع ما شرعه هو أو رسوله - صلى الله عليه وسلم-، ولم يتعبدنا باتباع الأشخاص مهما بلغوا في العلم والدين، وإنما جاز للعامي اتباع مذهب معين من المذاهب المعتبرة عند أهل العلم؛ لأنه عاجز عن النظر في الأدلة واستنباط الأحكام منها، ولكن ينبغي أن يكون هذا الاتباع متجرداً عن التعصب للمذهب والموالاة والمعاداة فيه، كما أنه لا يجوز لأحد من الناس أن ينتقص مذاهب الأئمة المعتبرة عند أهل العلم كالمذاهب الأربعة المشهود لها: (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي) ؛ لأن هذه المذاهب اعتبرها العلماء قديماً وحديثاً وشهدوا لأئمتها بالعلم والفضل، ولا يعني هذا أن هذه المذاهب معصومة عن الخطأ أو أن كل ما فيها صحيح وحق، بل فيها الصحيح وغيره، ولكن الذي لا شك فيه أن هؤلاء الأئمة مجتهدون، فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(14/12)
الشيخ محمد بن عبد الوهاب.. والموالد
المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 25/06/1425هـ
السؤال
لماذا جاز للسعودية أن تحتفل بذكر محمد بن عبد الوهاب في مؤتمر أنفقت عليه مئات الآلاف، ولا يجوز لنا أن نحتفل بذكرى مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ ومن أولى بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أم محمد بن عبد الوهاب؟ سؤال يردده بعض أهل العلم في مدينة دمشق. نرجو منكم الإجابة عليه.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ما كان أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلا مجرد مؤتمر علمي أقيم سنة 1400هـ تحت إشراف جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، حيث تضمن هذا المؤتمر جملة من الأبحاث المتعددة فيما يتعلق بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من جهة نشأتها وآثارها، والشبهات التي أثيرت حولها مع الجواب عنها، كما قد طبعت مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد جمعها وترتيبها وتحقيقها.
والفرق بين ذلك المؤتمر العلمي وبين الاحتفال بالمولد النبوي ظاهر جلي، فإن أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب على أنه عبادة بذاته إنما قصد به بيان هذه الدعوة وإنصاف مجددها، كما أن أسبوع الشيخ لا يتكرر ولا يعود، كما هو حال الذين يحتفلون بالمولد النبوي، ويتعاهدون ذلك كل عام، فهذا الأسبوع أقيم منذ ربع قرن وانتهى الأمر.(14/13)
كتاب (شوارق الأنوار)
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 11/10/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو من فضيلتكم إفتائي بكتاب قد أحضرته لي إحدى صديقاتي اسمه: (شوارق الأنوار من أدعية السادة الأخيار) . فقد رأيت في هذا الكتاب ما أرابني به، فقد شككت بأمره؛ فالكتاب كله أدعية، لكنها أدعية طويلة ولأول مرة أقرؤها. إليكم بعض ما جاء من عناوين الأدعية في الفهرس: (الورد اللطيف) للحبيب عبد الله الحداد، (العشرات والمسبعات) حزب النووي، (ورد الإمام علي بن أبي بكر السكران) ، (ورد الإمام أبي بكر بن سالم العلوي) ، (دعاء جامع للإمام الحسين بن الشيخ أبي بكر السالم) ، (صلاة الفاتح) ، (صلاة السرور) . وقد لاحظت أنهم يحددون عدة مرات من القراءة، مثلاً: اقرأ دعاء البسملة (786 مرة) ، وقل: يا الله 66 مرة. وقد ورد في بعض الأدعية دعاؤهم بجاه محمد صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك بجاه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم) . أفتوني جزاكم الله خيرًا، فقد تم نشر هذا الكتاب بنسخ كثيرة.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يا أختي: هذا الكتاب واحد من المؤلفات الصوفية الكثيرة التي لها طرائق متعددة كالرفاعية والأحمدية، والشاذلية، وغيرها، وقد ملؤوا كتبهم هذه بـ:
1- أدعية وأوراد مأثورة مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى أحد الصحابة، رضي الله عنهم، بعضها صحيح وبعضها ضعيف أو موضوع، وهذا قليل في هذه الكتب.
2- أدعية وأوراد مبتكرة منسوبة إلى من يسمون بالأولياء والأقطاب والأوتاد من الصوفية، بل لا يكاد ولي أو صاحب طريقة، إلا وقد اخترع لله ذكرًا ووردًا ألزم به أتباعه ومريديه.
3- تحديد عدد مرات القراءة للآيات أو للأذكار بأرقام طويلة جدًّا أحيانًا تزيد على الألف وكثير منها بالمئات، وهذه كلها بدع ومحدثات ما أنزل الله بها من سلطان.
فأنصحكِ بترك هذه الكتب ومناصحة من يوزعها وينشرها، واستبدلي بذلك الأذكار الشرعية على الطريقة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وتجدين ذلك في صحيح البخاري وصحيح مسلم، وكتب السنن، وكتب الأذكار المصنفة في هذا المجال مثل: كتاب الأذكار للنووي، والكلم الطيب لشيخ الإسلام وصحيحه للألباني، والوابل الصيب لابن القيم، وحصن المسلم، وغيرها مما هو موجود ومؤلف من علماء أهل السنة. وفق الله الجميع لرضاه.(14/14)
خولة بنت الأزور: حقيقة أم أسطورة
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 29/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد قرأت مقالة يحاول فيها الكاتب إثبات أن شخصية الصحابية خولة بنت الأزور، شقيقة الصحابي ضرار بن الأزور- رضي الله عنه- هي شخصية خيالية وليس لها وجود، فقد قال: إن ذكرها جاء في كتاب واحد هو (فتوح الشام) المنسوب للواقدي، وبناء على ذلك نفى الكاتب حقيقة تلك الشخصية، في الحقيقة لم تتضمن المقالة أي مراجع أو توثيقات يعتمد عليها، ولم تذكر من هو القائل، فقد وصلني النص فقط، لذلك رأيت أن أسألكم حول صحة هذا الكلام، وهل شخصية الصحابية خولة بنت الأزور، شقيقة الصحابي ضرار بن الأزور، شخصية حقيقية أم خيالية؟ وجزاكم الله عنا كل الخير.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
خولة بنت الأزور: لا وجود لها في كتب معرفة الصحابة، ولا في كتب التاريخ والتراجم، وإنما ذكرت في كتاب (فتوح الشام) المتداول بين الناس، والمنسوب للواقدي ولا تصح نسبته للواقدي، وهذا أمر معروف عند الباحثين، ثم إن المعروف في حروب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه- رضي الله عنهم- أن المرأة لا تشارك الرجال في القتال، وإنما تقوم بمداواة الجرحى وسقي الغزاة ومساعدتهم، ولم تكن تباشر القتال، ثم إن الصحابي الجليل ضرار بن الأزور -رضي الله عنه- لم يذكر في ترجمته أن له أختاً تسمى خولة، ولو كانت مشهورة معروفة لناسب ذكرها، والذي يظهر أن خولة بنت الأزور شخصية أسطورية، لا وجود لها، والله أعلم. هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(14/15)
هل لورقة بن نوفل صحبة؟
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 05/01/1426هـ
السؤال
هل تصح الصحبة لورقة بن نوفل، وقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا) . وقال الذهبي [في السير ترجمة سعيد بن زيد] : مر ورقة بن نوفل على بلال وهو يعذَّب، يلصق ظهره بالرمضاء وهو يقول: أحد أحد. فقال ورقة: أحد أحد يا بلال، صبرًا يا بلال، لم تعذبونه؟ فوالذي نفسي بيده لئن قتلتموه لأتخذنه حنانًا- يقول: لأتمسحن به- هذا مرسل. وورقة لو أدرك هذا لعد من الصحابة، رضي الله عنهم، وإنما مات الرجل في فترة الوحي بعد النبوة وقبل الرسالة، كما في الصحيح، أرجو إفادتنا بالقول الفصل في صحبة ورقة. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:(14/16)
ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي ابن عم خديجة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ذكره الطبري وابن قانع وابن السكن، وغيرهم في الصحابة، وقال الحافظ العراقي: " ينبغي أن يقال: إن أول من آمن من الرجال ورقة بن نوفل، لحديث الصحيحين في بدء الوحي " [ينظر: تدريب الراوي (2 / 229) ] ، وقد ثبت في الصحيحين [البخاري ح (4) ، ومسلم ح (160) ] من حديث عائشة - رضي الله عنها- قالت: " فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ قَالَ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ "، قال الحافظ ابن كثير: " وقوله: ثم لم ينشب ورقة أن توفي أي توفي بعد هذه القصة بقليل رحمه الله ورضي عنه فإن مثل هذا الذي صدر عنه تصديق بما وجد، وإيمان بما حصل من الوحي ونية صالحة للمستقبل " [ينظر: البداية والنهاية (3/9) ] ، وقال ابن حجر: " فهذا ظاهره أنه أقر بنبوته ولكنه مات قبل أن يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام " وأخرج الإمام أحمد في المسند ح (23231) من حديث عائشة - رضي الله عنها-: أَنَّ خَدِيجَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ فَقَالَ: " قَدْ رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ فَرَأَيْتُ عَلَيْهِ ثِيَابُ بَيَاضٍ فَأَحْسِبُهُ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثِيَابَ بَيَاضٍ "، قال ابن كثير: " وهذا إسناد حسن، لكن رواه الزهري وهشام عن عروة مرسلاً "، وفي زيادات المغازي من رواية يونس بن بكير عن بن إسحاق قال يونس بن بكير عن يونس بن عمرو وهو بن أبي إسحاق السبيعي عن أبيه عن جده عن أبي ميسرة - واسمه عمرو بن شرحبيل - وهو من كبار التابعين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء فقد والله خشيت على نفسي فقالت معاذ الله ما كان الله ليفعل بك فوالله انك لتؤدي الأمانة الحديث فقال له ورقة أبشر ثم أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم وأنك على مثل ناموس موسى وأنك نبي مرسل وانك سوف تؤمر بالجهاد بعد يومك هذا وان يدركني ذلك لأجاهدن(14/17)
معك فلما توفي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدقني، وفي هذا الإسناد انقطاع، ويعتضد بما أخرجه الزبير بن بكار عن عثمان عن الضحاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عروة بن الزبير قال: كان بلال لجارية من بني جمح وكانوا يعذبونه برمضاء مكة يلصقون ظهره بالرمضاء لكي يشرك فيقول: أحد أحد فيمر به ورقة وهو على تلك الحال فيقول أحد أحد يا بلال والله لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا، قال الحافظ ابن حجر: " وهذا مرسل جيد يدل على أن ورقة عاش إلى أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام حتى أسلم بلال ". [الإصابة في تمييز الصحابة (6/607) ] ويمكن أن يسلك مسلكان بين الرواية التي تدل على تأخر ورقة حتى دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، وما جاء في الصحيح أنه توفي قبل ذلك، أحدهما: أن يرجح ما في الصحيح لأن ما في الصحيح أصح، ويقال: يكفي في إيمانه وتصديقه ما جاء في الصحيح كما تقدم عن الحافظين ابن كثير وابن حجر. ثانيهما: أن يقال بالجمع بين ما جاء في الصحيح وما ورد من تأخر ورقة، وذلك أن يقال: قوله وفتر الوحي ليست للترتيب، قال الحافظ ابن حجر: " فلعل الراوي لم يحفظ لورقة ذكراً بعد ذلك في أمر من الأمور فجعل هذه القصة انتهاء أمره بالنسبة إلى علمه لا إلى ما هو الواقع " [ينظر: فتح الباري (1/27) ] ، وقد ألف أبو الحسن برهان الدين إبراهيم البقاعي الشافعي تأليفاً في إيمان ورقة بالنبي وصحبته له، قال البغدادي في خزانة الأدب (3/391) : " ولقد أجاد في جمعه وشدد الإنكار على من أنكر صحبته، وجمع فيه الأخبار التي نقلت عن ورقة - رضي الله عنه - بالتصريح بإيمانه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وسروره بنبوته، والأخبار الشاهدة له بأنه في الجنة ... " ثم قال البغدادي: " وحاصل ما ذكره البقاعي في شأن ورقة بن نوفل: أنه ممن وحد الله في الجاهلية، فخالف قريشاً وسائر العرب في عبادة الأوثان وسائر أنواع الإشراك، وعرف بعقله الصحيح أنهم أخطئوا دين أبيهم إبراهيم الخليل عليه السلام، ووحد الله تعالى واجتهد في تطلب الحنيفية دين إبراهيم ليعرف أحب الوجوه إلى الله تعالى في العبادة، فلم يكتف بما هداه إليه عقله، بل ضرب في الأرض ليأخذ عن علمه عن أهل العلم بكتب الله المنزلة من عنده، الضابطة للأديان، فأداه سؤاله أهل الذكر الذين أمر الله بسؤالهم إلى أن اتبع الدين الذي أوجبه الله في ذلك الزمان، وهو الناسخ لشريعة موسى عليه السلام: دين النصرانية، ولم يتبعهم في التبديل، بل في التوحيد، وصار يبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي بشر به موسى وعيسى عليهما السلام، فلما أخبرته ابنة عمه الصديقة الكبرى خديجة رضوان الله عليها بما رأت وأخبرت به في شأن النبي صلى الله عليه وسلم، من المخايل: بإضلال الغمام ونحوها ترجى أن يكون هو المبشر به، وقال في ذلك أشعاراً يتشوق فيها غاية التشوق إلى إنجاز الأمر الموعود، لينخلع من النصرانية إلى دينه، لأنه كان قال لزيد بن عمرو بن نفيل - لما قال لهم العلماء: إن أحب الدين إلى الله دين هذا المبشر به -: أنا أستمر على نصرانيتي إلى أن يأتي هذا النبي، فلما حقق الله الأمر(14/18)
وأوقع الأرهاصات: بالسلام من الأشجار والأحجار على النبي صلى الله عليه وسلم، وبمناداة إسرافيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم مع الاستتار منه، وخاف النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فاشتد خوفه، فنقل ذلك إلى ورقة - رضي الله عنه -، اشتد سروره بذلك وثبته، وشد قلبه وشجعه، فلما بدا له الأمر بفراغ نوبة إسرافيل وأتاه جبريل عليه السلام وفعل ما أمره الله به شق صدره الشريف، وغسل قلبه وإيداعه الحكمة والرحمة وما شاء الله، وتبدى له جبريل، وأنزل عليه بعض القرآن وأخبره به، قف شعر ورقة وسبح الله وقدسه وعظم سروره بذلك، وشهد أنه الذي أنزل عليه كلام الله، وشهد أنه نبي هذه الأمة، وتمنى أن يعيش إلى أن يجاهد معه، هذا مع ما له بالنبي صلى الله عليه وسلم وزوجه الصديقة خديجة من عظم القرب والإنتساب الموجب للحب، رضي الله عنه وأرضاه. " [ينظر: خزانة الأدب للبغدادي (3/391 - 395) ] .(14/19)
إسلام عبد المطلب
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 14/04/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
سمعت داعية في إحدى القنوات الفضائية يقول عن عبد المطلب جد نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-: إنه رجل مؤمن حنفي، وذلك خلال شرحه لقصة عبد المطلب مع أصحاب الفيل عندما قال: إن للبيت ربًّا يحميه. وقد قال بالضبط: إن هذا هو التوحيد بعينه. سؤالي: هل فعلاً عبد المطلب كما ذُكِر؟ وهل نعتبره مسلمًا يجوز الترحم عليه؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
عبد المطلب جد النبي -صلى الله عليه وسلم- مات قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو من أهل الفترة، ولا يصح أن يعتبر مسلمًا، وأما قوله: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه. فهذا اعتراف بتوحيد الربوبية، وغالب كفار قريش يعترفون بتوحيد الربوبية، ولم يدخلهم ذلك في الإسلام؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاتل كفار قريش مطالبًا إياهم بالإيمان بتوحيد الألوهية، وهو أن يعبد الله وحده، وكذا عمه أبو طالب أدرك الإسلام، وأبى أن يسلم، ومات على ملة عبد المطلب، والدليل على أن كثيرًا من كفار قريش وغيرهم من الكفار كانوا يعترفون بتوحيد الربوبية قول الله جل وعلا: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [العنكبوت:61] . وقوله جل وعلا: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [العنكبوت:63] . والآيات في مثل هذا كثيرة في كتاب الله.
وقد قاتل النبي -صلى الله عليه وسلم- هؤلاء مريدًا منهم أن يخلصوا العبادة لله وحده، فإيمان المرء بتوحيد الربوبية لا يدخله في الإسلام، وإنما يدخله في الإسلام الإيمانُ بتوحيد الربوبية، والإيمان بتوحيد الألوهية، وهو ألا يعبد إلا الله، والإيمان بتوحيد الأسماء والصفات. والله أعلم.(14/20)
الهجوم على المذهب الحنفي
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 29/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
كما تعلمون كان المذهب الحنفي مذهباً شرعياً قوياً، أخذ به أعظم السلاطين كتشريع في دولهم، وما تجرأ أحد أن يتكلم فيه منذ نشأ في سنة 95هـ، لكن الملاحظ منذ نحو عشرين سنة بدأ التهجم على هذا المذهب بأنه قائم على الرأي، ويتهمون الإمام أبا حنيفة بعدم معرفة الحديث النبوي. بماذا تعللون السبب في هذا التهجُّم الشرس الذي ظهر في هذه الأيام؟.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:(14/21)
فإن المذهب الحنفي من المذاهب المعتبرة والمعتمدة عند أهل العلم، وهو أول المذاهب الأربعة من حيث السبق الزمني، ومؤسس هذا المذهب هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت المولود سنة 80هـ، المتوفى سنة 150هـ، وهو إمام من أئمة الإسلام مشهود له بالعلم والتقوى والورع، بلغ في الفقه منزلة عالية، قال عنه الإمام الشافعي: (الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة) ، وما زال علماء هذا المذهب وأئمته يتعاقبون على تقريره ونشره ورفع رايته، وتدريس كتبه ومصنفاته على اختلاف العصور والأزمان إلى يومنا هذا، ومع شهادة العلماء لهذا المذهب وأئمته بالعلم والصلاح، إلا أن بعض أهل العلم قد انتقد هذا المذهب، ونسب إليه عدم الاهتمام بالحديث والاعتماد على الرأي، وهذا الانتقاد لم يكن وليد العصر الحاضر- كما يشير السائل- بل كان من مئات السنين، ومن ذلك ما قاله عياض (ت: 544هـ) في حق الإمام أبي حنيفة: وهو ممن سلم له حسن الاعتبار وتدقيق النظر والقياس، وجودة الفقه والإمامة فيه، لكن ليس له إمامة في الحديث، ولا استقلال بعلمه، ولا يوجد له في أكثر المصنفات الحديثية ذكر، ولا أخرج له أهل الصحيحين منه ولو حرفاً، وأكثر ما ينتقده المنتقدون على الإمام أبي حنيفة عدم أخذه بالحديث واستناده إلى الرأي، بل إن بعضهم نسب إليه أنه كان يرد الأحاديث الصحيحة كما نقله الخطيب البغدادي (ت: 463هـ) ، إلا أن هذه الانتقادات قد تصدى لها بعض الباحثين وبينوا عدم صحتها، وقرروا أن الإمام أبا حنيفة كان يأخذ بالحديث إذا صح عنده، واستدلوا على ذلك بروايات منقولة عن الإمام أبي حنيفة، ومنها قوله عن نفسه: (إذا جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لم نحل عنه إلى غيره، وأخذنا به) ، وقوله عندما سئل عما يلبس المحرم إذا لم يجد الإزار، حيث قيل له: أتخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؟ قال: لعن الله من يخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- به أكرمنا الله، وبه استنقذنا، ومما يدل على أن الإمام أبا حنيفة كان يأخذ بالحديث إذا صح عنده ما قاله تلميذه زفر: (لا تلتفتوا إلى كلام المخالفين، فإن أبا حنيفة وأصحابنا لم يقولوا في مسألة إلا من الكتاب والسنة والأقاويل الصحيحة، ثم قاسوا بعد عليها) ، وما قاله أبو يوسف أكبر أصحاب الإمام أبي حنيفة: (ما رأيت أحداً أعلم بتفسير الحديث ومواضع النكت التي فيه من أبي حنيفة، وكان أبصر بالحديث الصحيح مني) ، وعموماً فإن الإمام أبا حنيفة كغيره من أئمة الإسلام كان يأخذ بالحديث إذا رآه صالحاً للاحتجاج به، ولا يتصور أنه كان يتركه إلى غيره ويعرض عنه، وإذا رأينا أن الإمام أبا حنيفة أو غيره من الأئمة قال قولاً يخالف حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فإننا نعتذر له بأنه لم يطلع على الحديث، أو لم يبلغه أو نحو ذلك، لا سيما وأن السنة لم تدون في عصر الإمام أبي حنيفة كما دونت في عصر من بعده.(14/22)
وأختم الجواب بكلام جميل يتعلق بالموضوع ذكره ابن خلدون، حيث قال وحاشاه - يعني أبا حنيفة- أن يكون جاهلاً بالسنة، وكيف يتصور جهله بها مع إمامته المسلمة في الفقه، وكيف يأخذ عنه جمهور من الأمة؟ وإنما الذي نفاه عياض - يعني المتقدم -: الإمامة والتبرز فيه، حتى يكون مثل مالك وابن حنبل مثلاً، فالقوم أحق الناس بالظن الجميل، والتماس المخارج الصحيحة لهم، والله سبحانه وتعالى أعلم بما في حقائق الأمور. والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(14/23)
هل الخلافة العثمانية شرعية
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 11/08/1425هـ
السؤال
ما رأي العلماء في الخلافة العثمانية؟ وكيف تكون شرعية وهي ليست من قريش؟ ألا تكون قد خالفت كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فأولاً: سلاطين آل عثمان لم يسموا أنفسهم خلفاء، وإنما سموا أنفسهم سلاطين، وهذه التسمية صحيحة.
ثانيًا: يشترط في الإمام أن يكون قرشيًّا في حال اختيار الإمام من أهل الحل والعقد، أما الإمام المتغلب على الحكم بالقوة فلا يشترط فيه القرشية، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "اسْمَعُوا وأَطِيعوا ولَو اسْتُعمِل عَلَيكُم عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ". أخرجه البخاري (7142) ، فالإمام المسلم المتغلب تجب طاعته، ولو لم يكن عربيًّا، فضلاً عن القرشي - كما هو ظاهر هذا الحديث والأحاديث الأخرى. والله تعالى أعلم.(14/24)
ما يقال عن حسن البنا
المجيب د. علي بن عمر با دحدح
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 17/09/1425هـ
السؤال
هل كان الإمام حسن البنا داعية منحرفًا؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن مما ينبغي للمسلم أن يعلمه ويلتزمه تجاه إخوانه المسلمين جملة من الأمور منها:
1- أن يكف عنهم شروره وأذاه، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب:58] . ووصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- المسلم بقوله: "المُسْلِمُ مَن سَلِم المُسْلِمونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ". أخرجه البخاري (10) ومسلم (40) .
2- أن يحسن الظن بهم، ويجتنب الظنون السيئة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [الحجرات:12] . وقال -صلى الله عليه وسلم-:"إيَّاكُم والظَّنَّ فإنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَديثِ". أخرجه البخاري (5144) ومسلم (5263) .
3- أن يحب لهم ما يحب لنفسه، وذلك مقتضى الأخوة؛ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10] . وهو من أسباب كمال الإيمان، كما قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُؤْمِنُ أحَدُكُم حتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ". أخرجه البخاري (13) ومسلم (45) .
4- أن يقدم لهم العون والمساعدة، ويدخل عليهم السرور، ويقوم بأداء حق المسلم على أخيه المسلم، وينتصر لهم إذا ظلموا، ويدافع عنهم إذا اتُّهِموا.
وأما في الحالات التي يبلغ المسلم عن بعض إخوانه شيء من السوء أو التهم بالفساد ونحو ذلك فإن على المسلم- إضافة إلى ما سبق- أن يتبع المنهج الشرعي تجاه ذلك. وهذا موجز من القول في هذا الباب:(14/25)
(أ) التثبت والتحقق، وعدم التساهل والتعجل قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6] . قال الشوكاني: المراد من التبيُّن التعرف والتفحص، ومن التثبت الأناة وعدم العجلة والتبصر في الأمر والخبر الوارد حتى يتضح أمره. وفي حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجْلِ: زَعَمُوا". أخرجه أحمد (17076) وأبو داود (4972) . وكثير من التهم تكون باطلة، وكثير من المثالب لا أساس لها من الصحة، فلا ينبغي أن تقبل الأقاويل والأباطيل دون البينة والدليل، ومن آكد ما ينتبه له معرفة المصدر وتحديد القائل، فكم من تهمة لا يُعرف مُطْلِقُها، وفِريةٍ لا يُكشف مصدرها، وربما إذا عرف القائل وكان من الكفار أو الفجار، أو كان من ذوي الأهواء والخصومات ونحو ذلك، فلا اعتبار لمثل قوله، وأهل العلم بالجرح والتعديل يؤكدون أنه (ليس بمجروح قول إنه ليس لمجروح قول) ، ويبينون أن كلام الأقران في بعضهم البعض يطوى ولا يروى، ويكشفون أن دوافع الذم والنقد إن كانت منافسة وحسدًا، أو مخالفة وبغضًا فإنها لا تقبل على علاتها وبدون نقد وتمحيص، ورحم الله ابن جرير حين قال: لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما دعي به، وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك لزم ترك أكثر محدثي الأمصار.
(ب) أن يلتمس لهم الأعذار استحضارًا لحسن الظن وأن يحمل أقوالهم وأفعالهم على أحسن المحامل، وقد ورد في الحديث الصحيح قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ولا أحدٌ أحَبُّ إليه العُذْرُ مِن اللهِ، ومِن أَجْلِ ذلك بعَث المُبَشِّرين والمنذِرِين". أخرجه البخاري (7416) ومسلم (1499) . ومن سياق شرح الحديث نقل القرطبي ما يلي: إذا كان الله مع كونه أشد غيرة منك- المقصود سعد بن عبادة- يحب الإعذار، ولا يؤاخذ إلا بعد الحجة. ورحم الله أبا قلابة الجرمي حيث قال: إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جَهْدَكَ، فإن لَمْ تَجِدْ لَه عُذْرًا فقُلْ في نفسك: لعلَّ لأخي عُذرًا لا أعلمه. أخرجه أبو نعيم 2/285.
(ج) النصح وحسن التوجيه بالأسلوب الحكيم والطريقة المؤثرة فالدين النصيحة، والخطأ وارد وليس هناك معصوم إلا المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وينبغي أن يكون قصد الناصح إرادة الحق وإيثار الصواب ومحبة المنصوح، والأصل أن تكون النصيحة في السر بين الناصح والمنصوح وإلا صارت فضيحة.
(د) الستر وعدم التشهير والغيبة، لأن الله تعالى قال: ٍ (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النور:19] . قال ابن كثير: هذا تأديب لمن سمع شيئًا من الكلام السيئ، فقام في ذهنه شيء منه فلا يشيعه ويذيعه. وليستحضر المسلم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن سَتَر مًسْلِمًا سَتَرَه اللهُ يومَ القيامةِ". أخرجه البخاري (2442) ومسلم (2580) .(14/26)
(هـ) العدل والإنصاف والتوازن والاعتدال والنظر إلى حال المرء من جميع الجوانب وعدم التركيز على الخطأ القليل وترك الصواب الكثير، والإنسان يوصف بما غلب عليه لا بما ندر من أحواله، وحاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- فعل أمرًا عظيمًا يوم فتح مكة، لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عفا عنه وقال: "لعلَّ اللهَ اطَّلَع على أهلِ بدرٍ فقال: اعمَلُوا ما شِئْتُم فقَد غَفَرتُ لكُم". أخرجه البخاري (3007) ومسلم (2494) . ومن هنا قال ابن القيم: فوقعت تلك السقطة العظيمة مُغتفَرَةً في جنب ماله من الحسنات.
والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه- كما قال ابن رجب- وإنما العبرة بكثرة المحاسن- كما قرر ذلك الذهبي، وزاده إيضاحًا بقوله: ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر ذلك ولا نُضلِّله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم لا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك. ا. هـ
والختام هنا قاعدة جليلة لابن القيم: لو كان كل من أخطأ أو غلط ترك بالجملة وأهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات وتعطلت معالمها.
وبعد ما سبق نأتي على مقصود السائل، لأن الإجابات إنما تفهم في ضوء القواعد الكلية والآداب المرعية، والمقاصد الشرعية لتكون أصلاً يرجع إليه، ونموذجًا يقاس عليه، وقبل ذلك تكون الكليات مُعِينة على رشد العقل، ومذكرة بحسن القصد وموصلة إلى صواب المنهج.
وأما الرجل المسؤول عنه فإنه ولد ونشأ في أسرة متعلمة، وكان والده الشيخ احمد عبد الرحمن من علماء الحديث الأفذاذ- وهو مؤلف كتاب (الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام احمد بن حنبل) - وتلقى علومه في مدارس مصر وتخرج من دار العلوم في القاهرة، كما تتلمذ على الشيخ محمد رشيد رضا وتأثر به، وشارك في إنشاء عدد من الجمعيات التي تدعو إلى الفضيلة والأخلاق وتحارب المنكرات إلى أن أسهم في تأسيس جمعية الشبان المسلمين عام 1927 وخلص منها إلى تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مدينة الإسماعيلية في مارس 1928، وأتبعها لاحقًا بقسم (الأخوات المسلمات) في أبريل 1933. وكان له نشاط كبير في الدعوة إلى الجهاد لتحرير فلسطين، وأرسل أعدادًا كبيرة من الإخوان المسلمين ليشاركوا في تحرير فلسطين فأبلوا بلاء حسنًا
ونحن لم نر الإمام حسن البنا لكن الثقات من الدعاة والعلماء الأجلاء أثنوا عليه خيرًا وشهدوا له بالإمامة والورع والتقوى واعتبره عدد غير قليل منهم مجدد القرن الرابع عشر، رحمه الله تعالى.(14/27)
قال عنه الشيخ أبو الحسن الندوي: (إن كل من عرف الإمام حسن البنا عن كثب لا عن كتب، وعاش متصلاً به، عرف فضل هذه الشخصية التي قفزت إلى الوجود، وفاجأت مصر ثم العالم العربي والإسلامي كله بدعوتها وتربيتها وجهادها وقوتها الفذة التي جمع الله فيها مواهب وطاقات قد تبدو متناقضة في عين كثير من علماء النفس والأخلاق، ومن المؤرخين والناقدين هي: العقل الهائل النير، والفهم المشرق الواسع، والعاطفية القوية الجياشة، والقلب المبارك الفياض، والروح المشبوبة النضرة، واللسان الذرب البليغ، والزهد والقناعة في الحياة الفردية، والحرص وبعد الهمة- دون كلل- في نشر الدعوة والمبدأ، والنفس الولوعة الطموح والهمة السامقة الوثابة، والنظر النافذ البعيد، والإباء والغيرة على الدعوة، والتواضع في كل ما يخص النفس، تواضعًا يكاد يجمع على الشهادة به عارفوه، حتى لكأنه (كما حدثنا كثير منهم) مثل رفيف الضياء: لا ثقل، ولا ظل، ولا غشاوة.
وقد تعاونت هذه الصفات والمواهب في تكوين قيادة دينية اجتماعية، لم يعرف العالم العربي وما وراءه قيادة دينية سياسية أقوى وأعمق تأثيرًا وأكثر إنتاجًا منها منذ قرون، وفي تكوين حركة إسلامية يندر أن تجد حركة أوسع نطاقًا وأعظم نشاطًا وأكبر نفوذًا، وأعظم تغلغلاً في أحشاء المجتمع، وأكثر استحواذًا على النفوس منها.
ولقد تجلت عبقرية الداعي مع كثرة جوانب هذه العبقرية ومجالاتها في ناحيتين خاصتين لا يشاركه فيهما إلا القليل النادر من الدعاة والمربين والزعماء والمصلحين:
أولها- شغفه بدعوته وإيمانه واقتناعه بها وتفانيه فيها وانقطاعه إليها بجميع مواهبه وطاقاته ووسائله، وذلك هو الشرط الأساسي والسمة الرئيسية للدعاة والقادة الذين يجري على أيديهم الخير الكثير.
وثانيها- تأثيره العميق في نفوس أصحابه وتلاميذه ونجاحه المدهش في التربية والإنتاج، فقد كان منشئ جيل، ومربي شعب، وصاحب مدرسة علمية فكرية خلقية، وقد أثر في ميول من اتصل به من المعلمين والعاملين، وفي أذواقهم وفي مناهج تفكيرهم وأساليب بيانهم ولغتهم وخطاباتهم تأثيرًا بقي على مرّ السنين والأحداث، ولا يزال شعارًا وسمة يعرفون بها على اختلاف المكان والزمان) () .(14/28)
وقال عنه محب الدين الخطيب: (إن الأستاذ حسن البنا أمة وحده، وقوة كنت أنشدها في نفس مؤمن فلم أجدها إلا يوم عرفته ... وكنت (ابن صنعة) يوم اكتشفت بيني وبين نفسي حاجة الاسلام إلى هذا الداعية القوي، الصابر المثابر، الذي يعطي الدعوة من ذات نفسه ماهي في حاجة إليه من قوة ومرونة ولين وجلد وصبر وثبات إلى النهاية ... وكثيرًا ما كنت أفكر في هذا الجيش اللجب من الإخوان المسلمين ومالهم من مئات الشُّعَب وكيف استطاع رجل واحد أن يحقق ذلك بعد أن كان أملاً بعيدًا لكل غيور على الإسلام) () . ويقول صاحب مجلة الرسالة الأستاذ أحمد حسن الزيات في حسن البنا: (دعا إلى إصلاح الدين والدنيا، وتهذيب الفرد والمجتمع، وتنظيم السياسة والحكم، فكان أول مصلح ديني فهم الإسلام على حقيقته، وأمضى الإصلاح على وجهه. لم يفهم الإسلام الذي طهر الأرض وحرر الخلق وقرر الحق على أنه عبادة تؤدى، وأذكار تقام، وأوراد تتلى، وإنما فهمه كما فهمه محمد صلى الله عليه وسلم وعمر وخالد: نورًا للبصر والبصيرة، ودستورًا للقضاء والإدارة، وجهادًا للنفس والعدو) .
وقد كتب عنه الكاتب الأمريكي روبرت جاكسون كلمات يقول فيها: (هكذا الشرق لا يستطيع أن يحتفظ طويلاً بالكنز الذي يقع في يده.. إنه رجل لا ضريب له في هذا العصر. لقد مرّ في تاريخ مصر مرور الطيف العابر الذي لا يتكرر. كان لابد أن يموت هذا الرجل- الذي صنع التاريخ وحوّل مجرى الطريق- شهيدًا كما مات عمر وعلي والحسين. كان لابد أن يموت باكرًا، فقد كان غريبًا عن طبيعة المجتمع.. يبدو كأنه الكلمة التي سبقت وقتها، أولم يأت وقتها بعد..
وعلى الرغم من أنني كنت أسمع في القاهرة أن الرجل لم يعمل شيئًا حتى الآن وأنه لم يزد على جمع مجموعات ضخمة من الشباب حوله، غير أن معركة فلسطين، ومعركة التحرير الأخيرة في القناة، قد أثبتتا بوضوح أن الرجل صنع بطولات خارقة قَلَّ أن تجد لها مثيلاً، إلا في تاريخ العهد الأول للدعوة الإسلامية..
وكان الرجل عجيبًا في معاملة خصومه وأنصاره على السواء، كان لا يهاجم خصومه ولا يصارعهم بقدر ما يحاول إقناعهم وكسبهم إلى صفه، وكان يرى أن الصراع بين هيئتين لا يأتي بالنتائج المرجوة، وكان يؤمن بالخصومة الفكرية، ولا يحولها إلى خصومة شخصية..)
ولا يزال الحديث لروبير جاكسون- إذ يقول: (وعاش الرجل كل لحظة من حياته بعد أن عجزت كل وسائل الإغراء في تحويله عن نقاء الفكرة وسلامة الهدف. لم يحن رأسه، ولم يتراجع ولم يتردد أمام المثبطات ولا المهددات.. وكان الرجل قذى في عيون بعض الناس، وحاول الكثيرون أن يفيدوا من القوة التي يسيطر عليها، فقال لهم إن أنصاره ليسوا عصا في يد أحد، وإنهم لله وحده. وحاول البعض أن يضموه إليهم أو يطووه، فكان أصلب عودًا من أن يُخدع أو ينطوي..) .
ويستمر قائلاً: (وأفاد الرجل من تجارب من سبقوه، ومن تاريخ القادة والمفكرين والزعماء.. الذين حملوا لواء دعوة الإسلام، ولم يقنع بأن يكون مثلهم.. ولكنه ذهب آخر الشوط، فأراد أن يستمد من عمر وخالد وأبي بكر.. فأخذ من أبي بكر السماحة، ومن عمر التقشف، ومن خالد عبقرية التنظيم) () .(14/29)
(ولقد كان النهج الذي قبسه (البنا) من القرآن وعززه بالعلم، ونشره بالبيان وأيده بالمعاملة، كان من الجد والصدق والعزيمة بحيث زلزل أقدام المستعمر، وأقض مضاجع الطاغية، وخيب آمال المستغل، فتناصرت قوى الشر على الدعوة العظمى وهي تتجدد في كل مصر، كما تناصرت قوى الشرك عليها، وهي تولد في الحجاز، ولما كان حسن البنا فكرة لا صورة، ومبدأ لا شخصًا، فإن الفكرة الصالحة تنمو نماء النبت، والمبدأ الحق يبقى بقاء الحق) () .
وأما دعوة البنا وفكرته فقد أوضحها في رسائله، ومن أبرزها رسالة التعاليم التي أوضح فيها فهم الإسلام في عشرين أصلاً، وكذلك في مواطن أخرى.
وقد انتقد البنا عددٌ من الكتاب، وجملة الاعتراضات تتركز في ثلاثة جوانب؛ الأول الجانب العقدي؛ اتهم فيه بالتفويض في الأسماء والصفات، وبعدم التحرير في موضوع التوسل، كما اتهم بالتصوف. وانتقد في سياسة الحرص على جمع الناس والترخص في ما قد يكونون عليه من تفريط وتقصير عقدي أو سلوكي. وقد انتقدت سياسته التي عبر عنها بقوله: (نجتمع فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه) . كما انتقدت صور من ممارسات جماعته بعد وفاته، وتعرض بهذه المسائل بتوضيحها وبيان القول فيها عددٌ من الكتّاب من أتباعه ومؤيديه مثل د. عصام البشير في كتابه (أضواء على الأصول العشرين) ، ود. جاسم مهلهل الياسين في كتابه (للدعاة فقط) . كما كتب كثيرون عن شخصيته وعن جماعته ودورها وآثارها. وبالرجوع إلى ما سبق من قواعد فإن البنا رجل يخطئ ويصيب ويؤخذ من قوله ويرد، وفي الوقت نفسه فإن المنصف يرى أن حسناته أكثر بكثير من أخطائه وأن الأثر الذي تركه من بعده نما وترعرع وشمل البلاد الإسلامية كلها تقريبًا وعمّ بها النفع، وحسبه أنه بذل ولم يمنع وعمل ولم يكسل وتحرك ولم يسكن وأقضّ مضاجع الأعداء حتى تآمروا عليه وقتلوه رحمه الله.(14/30)
جلال الدين الرومي
المجيب د. لطف الله بن عبد العظيم خوجه
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 14/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أرجو أن أعرف موقفكم من العالم الشاعر: جلال الدين الرومي، الناس هنا في بريطانيا يقرؤون كتبه المترجمة، لكنني سمعت عنه خيرًا وغير ذلك مما سبب لي حيرة فيه. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
جلال الدين الرومي من أئمة التصوف المتأخرين، وهو من الغلاة، وله المثنوي، كتب شعرًا بالفارسية، تضمن كثيرًا من الأفكار الصوفية الغالية، مثل الحلول، والاتحاد، ووحدة الوجود، وكذا وحدة الأديان. من كلامه: (مسلم أنا، لكني نصراني، وبرهمي، وزرادشتي) . وقد جمع أخباره وأفكاره، وأقواله المؤلف التركي المعاصر: محمد القونوي، في كتاب حمل عنوان: (أخبار جلال الدين الرومي) ، ذكر فيه عنه مستبشعات من الأقوال والأفعال والأفكار فليراجع. والله أعلم.(14/31)
أين دفن عثمان وعلي رضي الله عنهما؟
المجيب د. فوزي محمد ساعاتي
أستاذ التاريخ بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 24/02/1426هـ
السؤال
أين دفن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-؟ ولكم خالص التحايا.
الجواب
دفن عثمان - رضي الله عنه- في حش كوكب (بستان) في شمال شرقي البقيع، وسماها النبي - صلى الله عليه وسلم- بالروحاء، وأدخل بنو أمية حش كوكب في البقيع والغرقد، والبقيع يقع في الجهة الجنوبية الشرقية للمسجد النبوي، وقبر عثمان - رضي الله عنه- الآن في آخر البقيع على بعد (1.35) مترًا من قبور شهداء الحرة.
أما علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- فقد خفي موضوع قبره والله أعلم، ومما قيل أنه دفن بالكوفة عند مسجد الجماعة، وقيل بالكوفة عند قصر الإمارة عند المسجد الجامع ليلاً، وعُمي موضع قبره، وقيل نقله ابنه الحسن إلى المدينة ودفن بالبقيع، وقيل في أثناء نقله نفر فرسه وصار إلى بلاد طئ فدفن بها، وهذه الأخيرة غير موثوق بها.
أما مشهد علي بالنجف إنما كان أيام بني بويه في عهد الدولة العباسية، وأهل المعرفة متفقون أنه ليس بقبر علي -رضي الله عنه- بل قيل هو قبر المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه-.(14/32)
الآثار النبوية
المجيب د. ناصر بن عبد الرحمن الجديع
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/مسائل متفرقة في السيرة والتاريخ والتراجم
التاريخ 5/7/1422
السؤال
أثناء زيارتي لتركيا رأيت في متحف (طوب قابي سراي) في اسطنبول قاعة للأمانات المقدسة، تضم آثاراً نبوية؛ شعرات للرسول صلى الله عليه وسلم، ورسالته للمقوقس، وبردته، وأشياء أخرى، ولم ألاحظ ما يدل على ثبوت ذلك تاريخياً.
فما حقيقة هذه الآثار، وهل يصح أنها نبوية؟
الجواب
ليس هنالك ما يدل على ثبوت صحة نسبة هذه الآثار ونحوها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال صاحب كتاب (الآثار النبوية) المحقق أحمد تيمور باشا ص 78 بعد أن سرد الآثار المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالقسطنطينية (اسطنبول) : (لا يخفى أن بعض هذه الآثار محتمل الصحة، غير أنا لم نر أحداً من الثقات ذكرها بإثبات أو نفي، فالله سبحانه أعلم بها، وبعضها لا يسعنا أن نكتم ما يخامر النفس فيها من الريب ويتنازعها من الشكوك) الخ.
ولا شك في مشروعية التبرك بآثار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته، ولكن الشأن في حقيقة وجود شيء من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم في العصر الحاضر.
وإن مما يضعف هذه الحقيقة ما جاء في صحيح البخاري (3/186) عن عمرو بن الحارث رضي الله عنه أنه قال: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهماً ولا ديناراً، ولا عبداً ولا أمة، ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضاً جعلها صدقة) فهذا يدل على قلّة ما خلَّفه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته من أدواته الخاصة.
وأيضاً فقد ثبت فقدان الكثير من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم على مدى الأيام والقرون؛ بسبب الضياع، أو الحروب، والفتن ونحو ذلك.
ومن الأمثلة على ذلك فقدان البردة في آخر الدولة العباسية، حيث أحرقها التتارعند غزوهم لبغداد سنة 656هـ، وذهاب نعلين ينسبان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في فتنة تيمورلنك بدمشق سنة 803هـ.
ويلاحظ كثرة ادعاء وجود وامتلاك شعرات منسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من البلدان الإسلامية في العصور المتأخرة، حتى قيل إن في القسطنطينية وحدها ثلاثاً وأربعين شعرة سنة 1327هـ، ثم أهدي منها خمس وعشرون، وبقي ثماني عشرة.
ولذا قال مؤلف كتاب (الآثار النبوية) ص82 بعد أن ذكر أخبار التبرك بشعرات الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل أصحابه رضي الله عنهم: (فما صح من الشعرات التي تداولها الناس بعد بذلك فإنما وصل إليهم مما قُسم بين الأصحاب رضي الله عنهم، غير أن الصعوبة في معرفة صحيحها من زائفها) .(14/33)
ومن خلال ما تقدم فإن ما يُدّعى الآن من وجود بعض الآثار النبوية في تركيا أو غيرها سواءً عند بعض الجهات، أو عند بعض الأشخاص موضع شك، يحتاج في إثبات صحة نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى برهان قاطع، يزيل الشك الوارد، ولكن أين ذلك؟ ولاسيما مع مرور أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان على وجود تلك الآثار النبوية، ومع إمكان الكذب في ادعاء نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم للحصول على بعض الأغراض، كما وُضعت الأحاديث ونسبت إليه صلى الله عليه وسلم كذباً وزوراً.
وعلى أي حال فإن التبرك الأسمى والأعلى بالرسول -صلى الله عليه وسلم- هو اتباع ما أثر عنه من قول أو فعل، والإقتداء به، والسير على منهاجه ظاهراً وباطناً.(14/34)
تطور الأحياء (النشوء والارتقاء)
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/مسائل متفرقة في السيرة والتاريخ والتراجم
التاريخ 4/4/1423
السؤال
ما هو رأي الإسلام في تطور الأحياء؟ وهل كل الأحياء نشأت من أصل واحد حقيقة؟ لقد شاهدت شريطاً للعالم/ عبد المجيد الزنداني، وقد عارض فيه تلك الفكرة، ولكنه وافق على تطور الأحياء من حيث الحجم، حيث إن ذلك منصوص عليه في أحاديث كثيرة، وشكراً.
الجواب
الحمد لله الذي خلق الإنسان من عدم، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
من الأمور القطعية في الإسلام أن آدم هو أبو البشر جميعاً، وأنه بداية الجنس البشري الذي يعيش في الأرض، وأمر الخلق وما حدث في أول خلق آدم وحواء مفصل في القرآن الكريم في آيات كثيرة، منها: قوله -تعالى-:"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ" [البقرة:30] إلى قوله -تعالى-:"ولا هم يحزنون" الآيات [البقرة:30-38] ، وقوله -تعالى-:"إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" [آل عمران:59] .
والأديان السماوية كلها على هذا الاعتقاد ولم يخالف فيه أحد، حتى جاء دارون، ووضع ما يسمى نظرية التطور والارتقاء، فأخذ بها الغربيون الذين كانوا في حاجة إلى أي مساندة تقوض سلطان الكنيسة الطاغي، وتحطم هيمنة رجال الدين، وتساند توجههم المادي، ثم اتضح أن هذه النظرية ساقطة علمياً ومنهجياً، ولكنها بقيت ذات تأثير في عقول وقلوب بعض المسلمين الذين تأثروا بالدراسات الغربية مع جهل بدينهم، وهزيمة نفسية أمام ما يسمى الحضارة الغربية، وهم في الوقت ذاته لم يواكبوا تطور المعرفة، فيعلموا أن هذه النظرية قد نقضت عند جملة من كبار العلماء التجريبيين الغربيين، فظن هؤلاء المستلبون أن هذه النظرية لا تخالف الإسلام، وذهبوا يستدلون للنظرية الباطلة بآيات وأحاديث يستلونها من سياقها ويفردونها عن نظائرها، كمن يستدل منهم بقول الله -تعالى-:"وقد خلقكم أطواراً" [نوح:14] ، وحاول بعضهم أن يوجد مسوغاً يلائم به بين النظرية المتهافتة والنصوص الشرعية المناقضة لها، فاحتال ببعض الحيل الخادعة، فقال: آدم أبو الإنسان، أما البشر فقد كانوا من قبل ونشأوا وارتقوا ثم انقرضوا، وكل ذلك من ضعف العلم وضعف النفسية أمام سطوة الآلة الدعائية الغربية والهيمنة بشتى صورها.(14/35)
بدأت فكرة النشوء والارتقاء عندما قدم دارون نظريته سنة (1859) في كتابه (أصل الأنواع) ، فظهرت هذه الفكرة وشاع معها القول بالتولد الذاتي المستقى من فلسفة أرسطو اليونانية، وأضحت هذه الفكرة محوراً لمعتقدات كثير من الغربيين، ليس في الحقل التجريبي فحسب، بل في الفكر والفلسفة والعلوم الإنسانية -أيضاً-، وملخص نظرية دارون: أن أصل الحياة خلية كانت في مستنقع أو بحر قبل ملايين السنين، ثم تطورت هذه الخلية ومرت بمراحل، منها: مرحلة القرد الذي تطور هو بدوره ليكون منه هذا الإنسان، وهذه العملية كلها من فعل الطبيعة، وهو ما عبر عنه دارون بقوله:"الطبيعة تخلق كل شيء ولا حد لقدرتها على الخلق".
وهذه النظرية من الناحية العلمية والعقلية منقوضة، ذلك بأنها افترضت أن الطبيعة ذات إرادة وقدرة شاملة وتحكم ونظام ذاتي، بحيث تنتخب الأفضل والأقوى ثم تزعم النظرية في الوقت نفسه أن الطبيعة تعطي وتحرم بدون خطة مرسومة بل بعشوائية، وترسم النظرية خط التطور ذاته وهو متعرج مضطرب لا يسير على قاعدة منطقية مطردة، وتزعم النظرية -بدون تقديم أي دليل- أن هذه المخلوقات متسلسلة وراثياً ينتج بعضها عن بعض بطريقة التعاقب خلال عملية التطور البطيئة الطويلة، وهذا الأصل لم يتمكنوا من إيجاد أي دليل عليه، وذلك لوجود حلقات مفقودة في سلسلة التطور التي يزعمونها.
وقد بين جليان هكسلي أحد أتباع هذه النظرية نقاط ضعفها والثغرات العلمية فيها.
وكذلك آرثر كيت الدارويني المتعصب الذي أفاد بأن هذه النظرية بدون براهين، وذلك في قوله "إن نظرية النشوء والارتقاء لا زالت بدون براهين وستظل كذلك، والسبب الوحيد في أننا نؤمن بها هو أن البديل الوحيد الممكن لها هو الإيمان بالخلق المباشر، وهذا غير وارد على الإطلاق".
وتزعزعت النظرية بشكل كبير عند علماء الطبيعيات الغربيين بعد ظهور قانون مندل الوراثي، واكتشاف وحدات الوراثة (الجينات) بوصفها الشفرة السرية للخلق، واعتبار أن الكرموزومات تحمل صفات الإنسان الكاملة، وتحفظ الشبه الكامل للنوع، أما التشابه بين الكائنات الحية فهو دليل ضد نظرية دارون؛ لأن هذا التشابه يدل على وحدانية الخالق، ولا يدل على وحدة الأصل، بحيث تفرعت من الأصل كل الأنواع كما يزعم أصحاب نظرية النشوء والارتقاء، والنظرية إضافة إلى ذلك بل قبل ذلك كله هي من الناحية الدينية باطلة مناقضة للإسلام، فالإسلام وكافة الأديان السماوية تؤمن بوجود الله -تعالى- الذي خلق كل شيء وأحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم نفخ فيه الروح، ثم جعله يتناسل من نطفة تنتقل إلى طور العلقة، فطور المضغة إلى أن يكتمل، ثم انتقل من طور الجنين إلى طور الطفل إلى طور الشباب، وهكذا.
والإنسان يبقى إنساناً بشكله وعقله وصفاته منذ خلق الله آدم -عليه السلام-، وإن حصل فيه تقاصر في خلقته وضعف في بنيته.(14/36)
والكائنات الأخرى خلقها الله -تعالى- كل نوع منها مستقل في الخلقة عن الآخر، وإن وجدت في مراحل تاريخية متدرجة أو حصل لها نوع من التغير أو الانتقال من طور إلى طور بسبب التلاقح والتزاوج والتأثير البيئي ونحو ذلك، وكل ذلك بقدر الله وتدبيره، وكلها في أصلها وتدرجها من خلق الله وحده، كما قال -سبحانه-:"ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ" [الأنعام:102] ، وقوله:"قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ" [الرعد:16] ، وقوله -جل وعلا-:"اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ" [الزمر:62] ، وقوله -سبحانه-:"ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ" [غافر:62] .
ملحوظة/ جاء في السؤال: ما رأي الإسلام؟ وهذا تعبير غير صحيح، والصحيح أن يقال ما حكم الإسلام؛ لأن ما يضاف للدين ذاته ليس برأي، إذ الرأي هو العقل أو إعمال العقل، ويصح أن يقال: ما رأي علماء الإسلام في كذا ... ؟(14/37)
الأديان في الجزيرة قبل الإسلام
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/مسائل متفرقة في السيرة والتاريخ والتراجم
التاريخ 15/4/1423
السؤال
الإخوة مشرفو موقع (الإسلام اليوم) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي سؤال أبحث عن الإجابة الشافية له، وأرجو أن أجدها عندكم: ما الأديان التي مرت على الجزيرة العربية وبلاد فارس قبل خمس مئة سنة من ظهور الإسلام؟
الجواب
الأديان التي مرت على الجزيرة العربية وبلاد فارس قبل خمس مئة سنة من ظهور الإسلام:
أما في الجزيرة العربية، ففي الحجاز (مكة وما جاورها) فقد كانت الحنيفية ملة إبراهيم -عليه السلام- وإسماعيل بن إبراهيم -عليه السلام- حتى جاء عمرو بن لحي -عليه من الله ما يستحق- بالصنم هبل، ووضعه في مكة، فعبد الناس الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم -عليه السلام- يتمسكون بها من تعظيم البيت، والطواف به، والحج والعمرة، والوقوف على عرفات والمزدلفة، وهدي البدن، والإهلال بالحج والعمرة، مع إدخالهم فيه ما ليس منه، فكانت كنانة وقريش إذا هلوا قالوا:"لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك" انظر مسلم (1185) ، فيوحدونه بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم، ويجعلون ملكها بيده، ولذلك قال الله عنهم:"وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" [يوسف:106] .
وشمال الجزيرة قد تأثر بالنصرانية، وخيبر وما حولها باليهودية.
وأما بلاد فارس وما جاورها فكانت تدين بالزردشتية (عبادة النار) ، وكانت هناك المانوية والثانوية، وقد يكون للبوذية أثر في شرق وجنوب فارس.
وأما شمال بلاد فارس والعراق وشماله فالصابئة والشمانية من ديانات تلك البلدان، والله أعلم.
وأنصح الأخ السائل بمراجعة كتب التاريخ، مثل: (البداية والنهاية) لابن كثير، و (تاريخ الطبري) ، و (تاريخ ابن خلدون) ، وكتب الملل والنحل، مثل: (الملل والنحل) للشهرستاني، و (الفصل) لابن حزم، فلعله يجد توضيحاً أكثر مما ذكرت.(14/38)
نشأة الخلافة ومستوطنها
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/مسائل متفرقة في السيرة والتاريخ والتراجم
التاريخ 14/2/1423
السؤال
كيف نشأت الخلافة؟ وكيف انتهت؟ وما مهام الخليفة؟
الجواب
نشأت الخلافة الإسلامية بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة وانتقاله إلى الرفيق الأعلى -بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم-، فاجتمع المسلمون من المهاجرين والأنصار الذين كانوا بالمدينة حينذاك، وتشاوروا في سقيفة بني ساعدة، وطرحت عدة آراء ومناقشات حتى كان الاجتماع على اختيار أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- خليفة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم استمرت خلافة النبوة (الخلافة الراشدة) ثلاثين سنة، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق -عليه الصلاة والسلام-، ثم كانت خلافة ملكية في عهد الأمويين ثم العباسيين، وهي في هذه الأثناء بين مدّ وجزر، فأحياناً تضمحل ولا يبقى للخليفة إلا اسمه، وأحياناً تقوى ويشتد عودها، وهكذا إلى أن وصلت إلى الدولة العثمانية وسلاطينها الذين حكموا عدة قرون حتى انتهى حكمهم بإلغاء السلطنة في (نوفمبر 1922م) ، ثم إلغاء الخلافة في عهد السلطان عبد الحميد في (الثالث من مارس 1942م 1361هـ) على يد مصطفى كمال أتاتورك وشرذمته من يهود الدونمة الذين قدموا إلى بلاد المسلمين هرباً من اضطهاد الأسبان لهم، فآواهم المسلمون وأكرموهم فكان جزاؤهم أن حاكوا المؤامرات والدسائس حتى أطاحوا بعرش دولتهم تحقيقاً لأهداف الاستعمار.
أما مهام الخليفة فقد حصرها الفقهاء في كلمة قصيرة بليغة، وهي: "حراسة الدين وسياسة الدنيا به"، وبسط ما يندرج تحت هذه العبارة من مهام يطول، لكن من أراد البسط فعليه أن يرجع إلى كتب الأحكام السلطانية، والولايات الدينية، أو كتب الإمامة العظمى والخلافة الإسلامية.(14/39)
أسانيد الأخبار والآثار
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/مسائل متفرقة في السيرة والتاريخ والتراجم
التاريخ 11/2/1423
السؤال
ما هو الأولى والأفضل في دراسة أسانيد القصص والأخبار التاريخية الواردة في كتب الأدب والتاريخ؟
الجواب
لقد كثرت في الدراسات الحديثة في علم السيرة والتاريخ والتراجم المطالبات بتصفيتها وتنقيتها، وجاءت هذه المطالبات على مناح شتى وتوجهات مختلفة. فكانت أصفى تلك المناحي، وأخلصها نيّة، وأصدقها سريرة، وآمنها على هذه العلوم المطالبة بتطبيق منهج المحدثين عليها، بدراسة أسانيدها وقبول ما قبلته الصنعة الحديثية، ورد ما ردته. وظهرت ثمرات هذه المطالبة في بحوث ومؤلفات عديدة، وكانت جهوداً مباركة، وفيها خير كثير، صوبت كثيراً من الأخطاء العلمية، ونقت بعض أهم المصادر مما كنا في حاجة إلى تنقيته فعلاً. لكن تبقى تلك الجهود جهوداً بشرية، معرضة للخطأ. والخطأ الجزئي فيها أمره يسير، وتداركه هين، لكنه إذا كان منهجيّاً، فإن أمره سيكون فيه خطورة، واستدراك نتائجه صعب.
وهنا أنبه أن المحدثين قد دلت أقوالهم وتصرفاتهم أنهم كانوا يفرقون بين ما يضاف من الأخبار إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وما يضاف إلى غيره، وما يضاف إلى غيره مما له علاقة بالدين وما لا علاقة له بالدين، بل لقد بلغ كمال علمهم إلى درجة التفريق بين ما يضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بعضه عن بعض، فلأحاديث الأحكام والعقائد منهج فيه اختلاف عن منهج التعامل مع أحاديث الفضائل والرقائق ونحوها، بل أحاديث الأحكام نفسها لهم منهج في التعامل مع الحديث الذي يكون أصلاً في بابه، والحديث الذي يعتبر من شواهد الباب، ولهم في جميع ذلك إبداعات تخضع لها العقول، ونفحات إلهام تشهد بأن علمهم علم مؤيد من الباري -سبحانه-.
فمن عيوب بعض الدراسات التي نوهت ببعضها آنفاً أنها كانت بحوثاً من غير المتخصصين في علم الحديث (ولا أقصد بذلك الشهادات والألقاب وإنما أقصد الحقائق) ، فجاءت في بعض الأحيان غير مراعية لتلك الفروق في منهج التعامل التي كان المحدثون يراعونها، فخالفوا بذلك منهج الذين أرادوا تطبيق منهجهم!
ومن أصرح العبارات التي تدل على ذلك المنهج الحديثي، الباب الذي عقده الخطيب البغدادي في كتابه (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/316-320) بعنوان: (ما لا يفتقر كتبه إلى إسناد) وقول الخطيب: (وأما أخبار الصالحين وحكايات الزهاد والمتعبدين، ومواعظ البلغاء، وحكم الأدباء فالأسانيد زينة لها، وليست شرطاً في تأديتها) .
ثم أسند الخطيب إلى يوسف الرازي أنه قال: "إسناد الحكمة وجودها".
وأسند عن ابن المبارك أنه سئل: "نجد المواعظ في الكتب، فننظر فيها؟ قال: لا بأس، وإن وجدت على الحائط موعظة فانظر فيها تتعظ، قيل له: فالفقه؟ قال: لا يستقيم إلا بسماع".(14/40)
ثم أسند الخطيب قصة رجل خرساني كان يجلس عند يزيد بن هارون فيكتب الكلام ولا يكتب الإسناد، فلما لاموه على ذلك قال: "أنا للبيت أريده لا للسوق"، فعلق الخطيب على ذلك بقوله: "إن كان الذي كتبه الخرساني من أخبار الزهد والرقائق وحكايات الترغيب والمواعظ فلا بأس بما فعل، وإن كان من أحاديث الأحكام وله تعلق بالحلال والحرام فقد أخطأ في إسقاط إسناده؛ لأنها هي الطريق إلى تثبته، فكان يلزمه السؤال عن أمره والبحث عن صحته".
وفي هذا السياق أشير إلى قضية مهمة، ربما غفل عنها كثيرون، وهي أن لعلماء كل علم طريقتهم الخاصة في نقد علمهم، وفي الفحص عن صحة منقولهم ومعقولهم. ومن الخطأ الفادح أن نخلط بين معايير النقد المختلفة بين كل علم وآخر؛ لأن ذلك سيؤدي إلى هدم كل تلك العلوم!
وأضرب على ذلك مثلاً:
لو جئنا إلى الشعر الجاهلي وشعر صدر الإسلام، بل عموم دواوين الشعراء، خاصة في عصر الاحتجاج اللغوي، وأردنا أن نطبق عليها منهج المحدثين في نقد السنة هل سنزيد إلا أن نهدم لغة العرب، بأعظم مما أراد أن يهدمها به طه حسين!
ذلك أن لأئمة اللغة معاييرهم الصحيحة الكافية لنقد علمهم، ولهم طرائقهم لفحص المنقول من اللغة، وقد بذلوا في ذلك جهوداً عظيمةً، أدّوا بها الأمانة العظمى الملقاة على عواتقهم، خدمة للغة القرآن والسنة.
وفي هذا المجال أذكّر بضرورة تعظيم أئمة كل علم في علمهم، واحترام تخصصات أصحاب التخصصات، فلا نزاحمهم ما دمنا لسنا من أصحاب ذلك العلم، وخاصة أولئك الأعلام، ومن علماء علوم الإسلام، على اختلاف فنونها.
أقصد من ذلك كلّه أن أبين: أن منهج المحدثين لئن كان هو المنهج الوحيد الذي يصح به نقد المنقول المتعلق بالدين، فإنه لا يلزم أن يصح في نقد بقية العلوم، وإن شابهته من جهة إبراز أسانيد لبعض منقولاته، فليس كل إسناد نراه يعني أنه وسيلة نقد ذلك المنقول بتطبيق منهج المحدثين الذي ينقدون به أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الإسناد كان سمة من سمات علوم الإسلام كلها، فإبرازه لم يكن دائماً لأجل الاعتماد الكلّي عليه في نقد ذلك المنقول.
وبناء على ما سبق ذكر، من أن المحدثين قد فرقوا بين منهج نقد السنة ومنهج نقد الأخبار، فإني أجد هذه مناسبة حسنة للتأكيد على معنى معين يعين على معرفة الصواب في هذه المسألة المنهجية، وهو: أن منهج المحدثين في نقد السنة تميز بشدة الاحتياط والمبالغة في التحرّي والريبة من كل شيء ولولا أن عناية الأمة في تلك الحقبة بالسنة من جهة نقلها وتعلمها وتعليمها وحفظها وكتابتها كانت عناية عظيمة تفوق الوصف، حيث كانت هي همّهم الأكبر وشغلهم الشاغل لكان ذلك المنهج المتشدد المبالغ المرتاب سبباً لإخراج شيء من صحيح السنة منها، لكن تلك العناية البالغة بالنقل وفرت للمحدثين فرصة ذلك التشديد في النقد، دون أن يضيّع ذلك شيئاً من السنة. وتلك حكمة بالغة!(14/41)
ومن هذا الملحظ تعلم أن تطبيق هذا المنهج المتشدّد على غير السنّة فيه جور على ذلك العلم المنتقد به؛ لأن التثبت من صحة المنقول فيه لا يحتاج إلى كل ذلك التشديد في النقد، ولن نجد من عناية الأمة بمنقول ذلك العلم ما يُكوِّن رصيداً كبيراً صالحاً لذلك التشديد دون أن يؤدّي ذلك إلى تضييع بعض الثابت من ذلك المنقول.
وأقصد من ذلك كله بيان أن التخفف من نقد المنقولات من غير السنة لا يعني أننا سنثبت بذلك غير الثابت، ولكن يعني أنّنا سنضع كل منقول في ميزانه الكافي لتمييز ثابته من غير الثابت منه.
ولكي أنزل من هذا التنظير الجاف، إلى التمثيل الحيّ القريب إلى كلّ ذهن؛ أقول: هب أنك سمعت أحد أجلّه العلماء ممن تعظّمهم النفوس تقوىً وعلماً يحكي لك خبراً عن أحد أشهر شيوخ شيوخه وأعلمهم، يتضمن هذا الخبر أمراً غير مستنكر عن علم ذلك الشيخ، ويقول في ذكره لهذا الخبر: سمعت جماعة من شيوخي يحكونه عن ذلك الشيخ، هل ستشك في صحة هذا الخبر، بحجّة الجهالة بحال شيوخ هذا العالم الذي سمعته؟!
وزيادة في التقريب: لو سمعت الشيخ ابن باز -عليه رحمة الله- يقول: سمعت جماعة من شيوخي يقولون: إن العالم الفلاني كان كذا وكذا، هل سنجد في نفوسنا ريبة من ذلك الخبر؟!
فما بالنا لمّا قال ابن عدي -وهو الإمام الفحل-: "سمعت عدّة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري -رحمه الله- قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مئة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها ... " إلى آخر الخبر المشهور، انبرى أحد المعاصرين لنقد هذه القصّة، بحجة الجهالة بحال شيوخ ابن عدي! والحال أن علم البخاري أعظم من هذه القصة، وأن ابن عدي يروي عن جماعة من تلامذة البخاري! ولو أراد ابن عدي -وهو الحافظ المسند- أن يسند هذا الخبر عن بعضهم لفعل، لكنه كان يظن أن مثل هذا السياق: "سمعت عدّة مشايخ يحكون" أقوى ثبوتاً لمثل هذا الخبر من مثل أن يسنده عن واحد أو آحاد منهم؛ لأن منهج نقده غير منهج نقد السنة!
وبعد هذا البيان كلّه، أصل إلى بيان الضابط الذي يمكن من خلاله التشديد في نقد الأخبار والقصص بمنهج المحدثين، أو عدم التشديد والاكتفاء بمناهج نقد أخرى تكفي في مثلها للتوثّق والتحرّي.
فالضابط هو: كل خبر سأبني عليه -مباشرة أو بغير مباشرة- حكماً دينياً، فالأصل فيه أنه لا يقبل إلا بذلك المنهج المتشدّد للمحدثين، الذي ينقدون به السنة ومالا فلا.
وشرح هذا الضابط قد يطول، لكني سأكتفي بأمثلة تبين بعض جوانبه: إذا جئت للسيرة النبوية، أجد أن أخبارها منها ما يمكن أن يستنبط منه حكم شرعي: فهذا من السنة التي تنتقد بذلك المنهج المحتاط لها، ومنها ما لا يستنبط منه حكم شرعي، كتاريخ سريّة من السرايا، وعدد من كان فيها، وتحديد موقعها بدقّة، ونحو ذلك: فهذه لا نطبق عليها منهج المحدثين؛ إلا إن كان بعض ذلك له علاقة غير مباشرة باستنباط حكم، كمعرفة تقدم خبر أو تأخره ليفيدنا ذلك في الناسخ والمنسوخ، أو غير ذلك: فيمكن حينها أن أعود إلى احتياط المحدثين مع السنة في نقدي لهذا الخبر.
وإذا جئت للآثار الموقوفة على الصحابة -رضي الله عنهم-:(14/42)
-فإن منها ما يكون له علاقة بالأحكام كفتواهم وأقضيتهم، فإذا كنت سأعتمد على قول صحابي في مسألة لا نص فيها -على سبيل المثال-: فسأحتاط في نقدها وفق منهج نقد أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا بد من ذلك فيها، أما إذا كانت المسألة فيها نصٌ صحيح، فإن إيراد أقوال الصحابة بعد ذلك يكون استئناساً وتأكيداً لصحة فهمنا لذلك النص، فإن نقدنا ذلك الخبر بالاحتياط المذكور آنفاً فهو حسن، وإن لم نفعل ذلك فالأمر واسع، ولن نضر المسألة العلمية شيئاً، لورود النص فيها.
ومنها ما يكون من باب الأخبار التاريخية: كأخبار الفتوح والغزوات ونحوها، وهذه حكمهما حكم السيرة النبوية، فإذا جئنا لأخبار ما وقع بينهم في الفتنة، فواجب حينها أن تنقد بالاحتياط المذكور لأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يجوز غير ذلك، وذلك اتّساقاً مع الضابط الكلّي الذي وضعناه آنفاً، وليس استثناءً -خارجاً عن القانون-، حيث إن أخبار الفتنة ليست أخباراً مجربةً لا ينبني عليها أحكام على أشخاص، بل هي أخبار إذا ذكرت لا بد أن تترك في النفوس أحكاماً على الأشخاص بالصواب أو الخطأ وربما بالعدالة أو الفسق عند بعض الأقوام، وهؤلاء الأشخاص الذين ستصدر عليهم تلك الأحكام هم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم أجمعين-، وهم من سبق لهم من الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- الثناء والحكم بالعدالة، فلا بد من تمحيص تلك الأخبار، خاصة أنها أيضاً كانت مجالاً رحباً لأصحاب الأهواء وأمراض النفوس من أهل الغلّ والحقد على دين الله -تعالى-، وعلى أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- للتقوّل والافتراء.
على أنه يمكن أن نعامل الأخبار المتعلقة بالفتنة أو ما كان بنحوها بمنهج وسط، وهو أنه إذا ثبت عندنا بالمنهج الحديثي المحتاط أصل خبر من الأخبار أن نتمّم جوانب هذا الخبر بتفاصيل من بقية الأخبار، بشرط أن لا يكون في تفاصيل تلك الأخبار شيء يعارض الحكم الثابت لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من الخيرية والعدالة والفضل، وأن لا يعارض أصل الخبر الثابت أيضاً.
والمثال الواقعي لذلك: أنني كنت من سنوات كثيرة قد درست الأخبار الواردة في قصة خالد بن الوليد -رضي الله عنه- مع مالك بن نويرة في حروب الردّة، وهي قصة شهيرة، نسج عليها الأفّاكون وأذنابهم من المستشرقين قصصاً شنيعة، فوجدت أن أحد الباحثين ردّ القصة بالكلية، وخرج بنتيجة، وهي: أن مالك بن نويرة كان مرتداً كافراً، وأنه قتل بسيف الشرع، مع أن مالك بن نويرة -رضي الله عنه- لم يتخلف أحد عن ذكره في الصحابة، وهذا هو الظاهر من شأنه.
وبعد دراسة أسانيد الخبر، تبين لي أنه لا يصح منها إلا إسناد واحد، أخرجه خليفة ابن خياط في تاريخه (105) ، يقول فيه ابن عمر -رضي الله عنهما-: "قدم أبو قتادة على أبي بكر، فأخبره بمقتل مالك وأصحابه، فجزع من ذلك جزعاً شديداً، فكتب أبو بكر إلى خالد، فقدم عليه، فقال أبو بكر: هل يزيد خالد على أن يكون تأوّل فأخطأ؟ وردّ أبو بكر خالداً، وودى مالك بن نويرة، وردّ السبي والمال".(14/43)
فهذا الخبر على وجازته: أثبت أصل القصّة ووضع كل أمر في نصابه، واعتذر لخالد -رضي الله عنه- ونفى تلك التهمة القبيحة عن مالك بن نويرة بدفع أبي بكر ديته إلى أوليائه.
يبقى أن في بقية الأخبار تفاصيل أخرى لا يمكن أن نفهم الخبر السابق بغير الاطلاع عليها، فما العمل تجاهها؟
فالعمل، هو: أن نأخذ من تلك الأخبار ما يوافق هذا الخبر الثابت من جهة، وما لا يقدح في عدالة الصحابة الثابتة بالنصوص القطعيّة من جهة أخرى؛ لأنها أخبار لا تثبت أسانيدها أولاً، وثانياً: لأن ما عارض تلك الثوابت سيعد منها منكراً، ليس من العدل والإنصاف أن نجعله متساوياً لتلك الثوابت، فضلاً عن أن نعتمده، فنكون قد قدّمنا ما حقه الإبعاد، ونستحق بذلك -عياذاً بالله- أن نعد من أهل الهوى والظلم في الأحكام.
فإذا جئنا لأخبار تاريخية بعد ذلك، مما وقع في القرن الهجري الثاني أو الثالث، فالأصل فيها إمرارها والاستفادة منها دون نقد حديثي محتاط، إلا إذا أراد أحد أن يصدر حكماً دينياً على شخص من الأشخاص له حرمة دينية، وهو أن يكون مسلماً -كبعض الملوك والسلاطين- فإننا لا نقبل ذلك إلا بنقد يثبت بمثله الحكم الديني، هذا إن كان لمثل هذا البحث ثمرة علمية، أما إن لم يكن له ثمرة، أو كان له ثمرة خبيثة؛ فينهى عن مثل هذا البحث، وعن إضاعة الوقت فيه.
وإذا جئنا إلى سير العلماء وأخبارهم، فالضابط الكلي سائر على تراجمهم، فإن ما يرد في تراجمهم إذا كان سيصدر عنه حكم ديني، وضعناه في معياره المحتاط، وأوضح صور هذا الحكم الديني عبارات الجرح والتعديل في رواة السنة، وإن كان بخلاف ذلك، كقصة البخاري السابقة، أو كعبارات في الوعظ والحكمة، أو كذكر مؤلفاتهم، أو وصف مكتباتهم، ونحو ذلك من الأخبار، فهذه لا تنقد بذلك النقد المحتاط، ولكن تنقد لمعايير أخرى، تراعي المعقول وغير المعقول، والثقة بناقل الخبر أي: المصدر ومؤلفه، وغير ذلك من القرائن المحتفّة بكل خبر منها، وللمصلحة الحاصلة من نقده أيضاً.
هذا ملخّص ما ترجح لدي في شأن نقد القصص والأخبار التاريخيّة، والله أعلم.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.(14/44)
جيش من أهل الحجاز هم خيار المؤمنين
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/مسائل متفرقة في السيرة والتاريخ والتراجم
التاريخ 2/7/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ حفظه الله.
جاء بالحديث عن الرسول الكريم -صلى الله علية وسلم- في مواضع الملاحم أن جيشاً سيكون من أهل الحجاز وهم خيار المؤمنين في الأرض آنذاك، السؤال هل يدل هذا الحديث على أن أهل الحجاز هم المخصوصون وهم أفضل المؤمنين، وما هو شأن المؤمنين في غير الحجاز؟ حبذا لو تكلمت عن هذا وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وبعد:
فقد جاء في كتاب الفضائل من دواوين السنة المختلفة فضائل لبعض البلاد ولبعض القبائل، وليست تلك الفضائل محصورة في بلد معين، فقد جاء في الصحيحين وغيرهما في فضل الحجاز أحاديث، وفي فضل الشام وفي فضل اليمن، كما جاء أيضاً في غيرها من البلاد بعض إشارات. والحاصل أن ورود الفضل في بلد ما لا ينفي الفضل عن غيره، لا سيما مع ورود أحاديث في البلاد الأخرى، وينبغي أن تؤخذ هذه الفضائل باعتدال وفقه عام لها، فلا يلزم أن تكون في كل زمان وحال، كما أنها لا تعني قطعاً كل فرد بعينه، وغير ذلك مما ينبغي التنبيه له، ويمكن الرجوع إلى شروح السنة في باب الفضائل ليتفقه المسلم فيه أكثر.(14/45)
هل في هذا ما يقتضي تفضيل عيسى على محمد عليهما الصلاة والسلام؟!
المجيب د. هشام بن إسماعيل الصيني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/مسائل متفرقة في السيرة والتاريخ والتراجم
التاريخ 29/08/1426هـ
السؤال
هناك شبهة يعرضها النصارى حول الحديث الذي في صحيح البخاري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلا وَالشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِينَ يُولَدُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ، إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: وَاقْرَأوا إِنْ شِئْتُمْ: "وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ".
فهل معنى هذا الحديث أن رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- والأنبياء مسهم الشيطان إلا عيسى -عليه السلام-؟ وهل هذا الحديث يثبت أن عيسى -عليه السلام- هو الأفضل بين الأنبياء؟ وإلا فلماذا استثني من بين الأنبياء في هذه الفضيلة؟
فالنصارى يقولون: إن هذا يدل على أنه ليس له أي ذنب، لكن النبي محمداً -صلى الله عليه وسلم- مأمور أن يتوب، كما ورد في قوله تعالى: "فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك".(14/46)
وفي حديث آخر في صحيح البخاري، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ: لَوْ اسْتَشْفَعْنَا عَلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّنَا. فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ. وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ. وَيَقُولُ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ. فَيَأْتُونَهُ، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ. وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ الَّذِي اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا. فَيَأْتُونَهُ، فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ. وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، ائْتُوا مُوسَى الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ. فَيَأْتُونَهُ، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ. فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ. ائْتُوا عِيسَى. فَيَأْتُونَهُ، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ ائْتُوا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَأْتُونِي، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُقَالُ لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَحْمَدُ رَبِّي بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِي، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، ثُمَّ أُخْرِجُهُمْ مِنْ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَقَعُ سَاجِدًا مِثْلَهُ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ، حَتَّى مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ". وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ عِنْدَ هَذَا: أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُود. ُ ويحتج المبشرون النصارى بهذا الحديث ذاكرين بأن عيسى -عليه السلام- هو الوحيد الذي لم يكن له أي ذنب، ويقولون: إنه حتى محمد -صلى الله عليه وسلم- كان عنده ذنوب. وبناء عليه يقولون: إنه إذا كان لنبي الحق في الشفاعة فلن يكون محمداً -صلى الله عليه وسلم- بل المخّلص الذي ليس له ذنوب: المنجّي عيسى -عليه السلام-.
أرجو الرد على هذه الادعاءات.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالجواب عن هذه الشبهات من وجهين:
الوجه الأول:
نقول للنصارى: إذا كنتم تؤمنون بما جاء في شرعنا أنه حجة صحيحة، فإنه يجب عليكم الإيمان بشرعنا والدخول في الإسلام؛ لأن هذا مقتضى الإيمان بحجية شرعنا وما ورد فيه.
وإذا كنتم لا تؤمنون بأنه حجة صحيحة فكيف تحتجون به؟
وأما إذا قلتم: إنه حجة علينا فقط.(14/47)
فالجواب: نحن نؤمن بكل ما ثبت عندنا في الكتاب والسنة الصحيحة، ومما ثبت عندنا أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- هو أحبّ الخلق إلى الله وأفضلهم، وجميع الأنبياء تحت لوائه يوم القيامة، وهو النبي الوحيد الذي يشفع عند الله ليفصل بين العباد، وهذا هو المقام المحمود الذي بسببه يُحمده الخلائق كلهم، وجميع الأنبياء صلوا خلفه يوم الإسراء، بل جميع الأنبياء مأمورون باتباعه إذا بُعث وهم أحياء، ويجب عليهم ترك شريعتهم واتباع شريعة محمد -صلى الله عليهم وسلم- والأدلة على هذا المعنى كثيرة جداً.
الوجه الثاني:
إن اختصاص أي نبي بفضيلة دون غيره لا يعني أنه أفضل من بقية الأنبياء، فقد خص الله -سبحانه وتعالى- بعض الأنبياء ببعض الفضائل، فخصَّ موسى -عليه السلام- بأن كلمه بدون واسطة ملك وموسى في الأرض، وخصّ سليمان -عليه السلام- بجنوده من الجن والطير، وأتاه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وغير ذلك من الخصائص المذكورة للأنبياء، ومن ذلك ما خصّ الله به مريم بنت عمران وعيسى عليه السلام من سلامتهما من مسَّ الشيطان لهما عند الولادة.
وتفرّد الشخص بفضيلة دون غيره لا يعني أنه أفضل من الجميع وإلا لزم أن يكون موسى أفضل الأنبياء بما خصّه الله، وأن يكون سليمان أفضل الأنبياء بما خصّه الله، وهذا تناقض غير مقبول، ولذلك الصواب أن الإنسان تتبيّن منزلته بمجموع فضائله لا بفضيلة واحدة. وهذا حتى في حق عامة الناس، أرأيت لو أن شخصاً في قرية لا يكذب أبداً ولا يُعرف عنه إلا الصدق، وما من أحد في القرية إلا قد وقع منه كذب، لكن هذا الشخص الذي لم يكذب قط، يظلم، ويسرق، ويقتل، وأهل القرية لا يفعلون ذلك أفتكون هذه الفضيلة كافية لجعله خير أهل القرية؟ أم لابد من النظر في مجموع ما للإنسان من فضائل وحسنات؟
وقد ثبت لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من الفضائل ما تفرّد به عن غيره من الأنبياء وقد مرَّ ذكر بعضها. وإن من فضائل محمد -صلى الله عليه وسلم- أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ وذلك لعظم منزلته عند الله.
وما ذُكر في حديث الشفاعة من أن عيسى لم يذكر خطيئة لا يعني عدم وقوع شيء من ذلك منه، بل جاء في بعض طرق الحديث أن عيسى -عليه السلام- يقول: "إني عُبدت من دون الله"، وقع ذلك في رواية الترمذي من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد، وفي رواية أحمد والنسائي من حديث ابن عباس: "إني اُتخذت إلهاً من دون الله"، وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور نحوه، وزاد: "وإن يغفر لي اليوم حسبي" [فتح الباري (11/435) ] .
وهذا يُبيّن سبب اعتذار عيسى -عليه السلام- من الشفاعة. كما أن في الحديث حجة على النصارى المحتجين به، لأن عيسى -عليه السلام- اعتذر عن الشفاعة، وأنه لا يستطيعها بقوله: "لست هناكم، ائتوا محمداً -صلى الله عليه وسلم-". وهذا دليل بيّن واضح على أن عيسى -عليه السلام- يعتقد أن محمدا أفضل منه، ولذلك أشار على الناس بالذهاب إليه. والله أعلم.(14/48)
مؤلف كتاب مدارج السالكين
المجيب د. عبد اللطيف بن إبراهيم الحسين
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/مسائل متفرقة في السيرة والتاريخ والتراجم
التاريخ 6/12/1424هـ
السؤال
سؤالي عن كتاب مدارج السالكين، ما هو ومن مؤلفه؟ وهل هو كتاب للمتصوفة فعلاً؟.
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتاب: (منازل السائرين) لأبي إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي
ت481هـ، فقد قسم - الهروي- طريق سير المؤمن إلى الله -تعالى- إلى مائة منزلة، والهروي - رحمه الله تعالى- من أجل أئمة السلف، وربما وقع في أخطاء بسبب مشربه الصوفي، رغم اتباعه لعقيدة وفقه الإمام أحمد على وجه الإجمال، فقام ابن قيم الجوزية (ت751هـ) برد هذه الأخطاء، وشرحه في كتاب: (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين) ، فأوضح الأوهام، وساق الأدلة الشرعية، وجمع الأقوال المأثورة في كل منزلة، إلا أن ردوده على الهروي وتوضيحاته لبعض الألفاظ الصوفية المشكلة أوقعته في مزلة التكرار للخطاب الصوفي الغامض الذي يعتمد على الذوق والكشف والأنوار القلبية، ومن أحب الإيجاز والابتعاد عن الاستطرادات فيمكنه الرجوع إلى كتاب تهذيب مدارج السالكين لعبد المنعم صالح العلي العزي، وللإفادة أقترح القراءة والإفادة المتقنة في موسوعة نضرة النعيم في أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم-. والله أعلم.(14/49)
معنى السجود الوارد في قصص الأنبياء
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/مسائل متفرقة في السيرة والتاريخ والتراجم
التاريخ 1/1/1425هـ
السؤال
وجدت شيئاً في كتاب قصص الأنبياء لابن كثير، أرجو توضيحاً له عندكم: وقد قيل أيضاً: إن مريم - عليها السلام- ذهبت يوماً وهي حامل إلى خالتها التي أخبرت أنها تحس كما لو كانت حاملاً، فقالت مريم: إنها تخشى أيضاً أن تكون حاملاً، فقالت خالتها: "أرى أن الذي في بطني يسجد لمن في بطنك"، والذي يحيرني أن المسلمين لا يسجدون إلا لله!. أرجو التوضيح -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إن ما وقع عليه السؤال ذكره ابن كثير في قصص الأنبياء، ولفظه: وذكر السدي بإسناده عن الصحابة -رضي الله عنهم- أن مريم - عليها السلام- دخلت يوماً على أختها، فقالت لها أختها: "أشعرت أني حبلى؟ فقالت مريم - عليها السلام-: وشعرت أيضاً أني حبلى؟ فاعتنقتها وقالت لها أم يحي: إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك".
وليس في هذا ما يدل على جواز سجود المخلوق للمخلوق؛ لأمور:
أولاً: أن القصة مما بلغنا من طريق أهل الكتاب، ولم يأت في الكتاب والسنة ما يثبت ذلك، فلا نصدقه ولا نكذبه ما لم يعارض أصلاً في شرعنا فنرده عندئذ.
ثانياً: أن هذه رؤيا رأتها أم يحي، والرؤى لا تثبت بها الأحكام.
ثالثاً: لو صح ما سبق لأمكن حمل لفظ السجود على غير معناه المتبادر، وكلام ابن كثير في بيان معنى السجود واضح جلي، إذ قال بعد إيراده القصة: (ومعنى السجود هاهنا الخضوع والتعظيم، كالسجود عند المواجهة للسلام، كما كان في شرع من قبلنا، وكما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم) .
وقد ذكر تأويل الإمام مالك لرؤيا أم يحي إذ قال مالك: (أرى ذلك لتفضيل عيسى - عليه السلام-؛ لأن الله -تعالى- جعله يُحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص) .
هذا -والله أعلم - إن صحت القصة فهي من قبيل رؤيا يوسف - عليه السلام- حين قال لأبيه: "يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ" [يوسف: من الآية4] . والله -تعالى- أعلم.(14/50)
المؤلفات قبل الموطأ
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/مسائل متفرقة في السيرة والتاريخ والتراجم
التاريخ 24/10/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أرجو التكرم بذكر المصادر الإسلامية المكتوبة (من حديث ومواد فقهية غير القرآن الكريم) متوفرة الآن، وكانت موجودة قبل موطأ الإمام مالك. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(14/51)
كان الصحابة، رضي الله عنهم، يتلقون عن النبي صلى الله عليه وسلم- أقواله وأفعاله، ويتداولونها بينهم حفظًا ورواية، وكان بعض الصحابة، رضي الله عنهم، يكتب في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، ولهذا وجد بعض الصحف المكتوبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: صحيفة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، وفيها فرائض الصدقة، وصحيفة علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وفيها أسنان الإبل، وشيء من الجراحات، وصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، المعروفة بالصحيفة الصادقة، ودرج على ذلك التابعون، فكانوا يعتمدون على الحفظ والتلقي، ودوَّن بعضهم بعض السنة، ولهذا وجد عدد من النسخ أو الصحف الحديثية، ومن أمثلة هذه الصحف: صحيفة أو صحف سعيد بن جبير تلميذ ابن عباس، رضي الله عنهما، وصحيفة مجاهد بن جبر تلميذ ابن عباس، رضي الله عنهما، وصحيفة بشير بن نهيك كتبها عن أبي هريرة، رضي الله عنه، وصحيفة أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدريس المكي تلميذ جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، يروي نسخة عنه وعن غيره أيضًا، وصحيفة هشام بن عروة بن الزبير، وغير ذلك من الصحف الكثيرة التي رويت عن التابعين، والتي كانت هي الأساس الثاني بعد صحائف الصحابة، رضي الله عنهم، لما أُلِّف وصنف بعد ذلك، ثم إنه على رأس المائة الأولى من الهجرة بدأ التدوين الذي اتصف بالشمول، وذلك خوفًا من ضياع السنة، وكان من أوائل من قام بهذا العمل أبو بكر بن محمد بن حزم (ت 120هـ) ، وابن شهاب الزهري (ت 124 هـ) ، ثم إنه في عصر تابعي التابعين بدأ التصنيف في السنة حيث جمع طائفة من أهل العلم كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وكلام الصحابة، رضي الله عنهم، فألف أبو محمد عبد الملك بن جريج (ت 150 هـ) بمكة، ومعمر بن راشد باليمن (ت 153 هـ) ، وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت 156 هـ) بالشام، وسعيد بن أبي عروبة (ت 156 هـ) ، والربيع بن صُبيح (ت 160 هـ) ، وحماد بن سلمة (ت 176 هـ) بالبصرة، ومحمد بن إسحاق (ت 151) ، وسفيان الثوري (ت 161) بالكوفة، والليث بن سعد (ت 175 هـ) بمصر وغيرهم، وهذه المصنفات أغلبها لم يصل إلينا، لكن ما تضمنته من أحاديث وآثار دخلت في المصنفات التي جاءت بعدها مثل مصنف عبد الرزاق الصنعاني (ت 211 هـ) ، ومسند الإمام أحمد (ت 241هـ) ، ومصنف ابن أبي شيبة (ت 235 هـ) ، وغيرها من كتب الحديث، ويعد الموطأ من أوائل المصنفات الحديثية التي وصلت إلينا، وهو نموذج للمصنفات في تلك الفترة حيث جمعت الأحاديث مقرونة بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين، وقد وصل إلينا بعض النسخ والكتب التي كتبت في عصر التابعين ومن بعدهم، وبعضها من موارد الإمام مالك في الموطأ، وهي مازالت مخطوطة، ومنها ما حُقِّق مثل:
- أحاديث الأعمش (ت 148 هـ) برواية وكيع عنه.
- كتاب المناسك لابن أبي عرابة (ت 156 هـ) .
- جزء من سيرة ابن إسحاق (ت 151 هـ) .
-أحاديث ابن جريج (150 هـ) ، جزء منه.
- نسخة ابن طهمان (168 هـ) ، جزء منه.
- نسخة جويرية عن نافع مولى ابن عمر (117 هـ) .
- نسخة عبيد الله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر (117 هـ) .
-نسخة سهيل بن أبي صالح (ت 138 هـ) .(14/52)
- الجزء الأول مما أسند سفيان الثوري (ت 161 هـ) .
- نسخة الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب (ت 128 هـ) .
- نسخة شعيب بن أبي حمزة عن الزهري (ت 124 هـ) .
ينظر: دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، للدكتور: محمد مصطفى الأعظمي (2/471- 483) ، ومعرفة النسخ والصحف الحديثية، تأليف: بكر بن عبد الله أبو زيد، تاريخ التراث العربي تأليف فؤاد سزكين (1/ 117) .
وأما الكتب الفقهية المصنفة قبل الموطأ، فمن المعلوم أن بداية الفقه هو فتاوى الصحابة والتابعين مثل الفقهاء السبعة وغيرهم، وهذه الفتاوى توجد في كتب السنة وكتب التفسير في الغالب، وتضمن الموطأ قدرًا منها، وقد وجد بعض الرسائل والكتب الصغيرة مثل: كتاب الفرائض لزيد بن ثابت، رضي الله عنه، وتفسيره لأبي الزناد (ت 131 هـ) . وينظر ما كتبه فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي (3/ 15- 16) . هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(14/53)
هل للأنبياء قوة بدنية خاصة؟!
المجيب د. رفعت فوزي عبد المطلب
رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/مسائل متفرقة في السيرة والتاريخ والتراجم
التاريخ 14/03/1426هـ
السؤال
هل كان للرسل والأنبياء قوة جسمية خاصة، أم أنهم كانوا أناسًا عاديين؟ جزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
أولاً: اعلم ـ أخي الكريم ـ أن الأنبياء صلوات الله عليهم ـ وإن كانوا بشراً من البشر ـ يأكلون ويشربون، ويصحون ويمرضون، وينكحون النساء، ويمشون في الأسواق، وتعتريهم العوارض التي تمر على البشر من ضعف وشيخوخة وموت.. إلا أنهم يمتازون بخصائص، ويتصفون بأوصاف عظيمة جليلة، هي بالنسبة لهم من ألزم اللوازم، ومن أهم الضروريات، وهذه الصفات هي كما يلي:
1. الصدق.
2. التبليغ.
3. الأمانة.
4. الفطانة.
5. السلامة من العيوب المنفرة.
6. العصمة.
والصفة الخامسة على وجه الخصوص هي من خصائص الأنبياء الكرام، فإنه لا يمكن أن تكون فيهم عيوب خَلْقية أو خُلُقية، تنفر الناس من الاجتماع بهم، أو اتباعهم والسماع لدعوتهم، كما أن الأمراض المنفرة -كالبرص والجذام، والتشويه الجسدي- لا تكون في أحد من الأنبياء.
ثانياً: وردت إشارات قرآنية تدل على قوة الأنبياء البدنية، مثل سيدنا سليمان وسيدنا داود الذي هزم جالوت بجبروته وقوته ما يدل على قوة داود الجسمية، وكما ذكرت إحدى بنات شعيب، وهي تطلب من أبيها استئجار موسى {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} [القصص:26] ، وقوله تعالى في قصة موسى مع الرجل الذي استغاثه من عدوه {فوكزه موسى فقضى عليه} [القصص:15] ، وقوله عن سيدنا إبراهيم في تكسيره للأصنام {فراغ عليهم ضرباً باليمين} [الصافات:93] ، وقوله ـ كذلك ـ عن إبراهيم وإسماعيل {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} [البقرة: 127] مما يدل على قوتهما البدنية ـ عليهما السلام، والأمثلة في ذلك عديدة.
كما وردت أحاديث تدل على بسطة في الجسم وقوة للأنبياء، منها ما أخرج البخاري (6227) ومسلم (2841) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً.
وزاد أحمد (8524) من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً: في سبعة أذرع عرضاً، قال: فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم. فقالوا السلام عليك ورحمة الله، قال: فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن.(14/54)
أما نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد كان أكمل الناس خَلقاً وخُلقاً، وقد اختصه الله تعالى بقوة بدنية من ما كونه ـ عليه الصلاة والسلام ـ رحمة للعالمين، ومن ذلك ما رواه أبو بكر الشافعي بإسناد جيد والخطيب في المؤتلف -كما في الإصابة 6/656- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن يزيد بن ركانة صارع النبي -صلى الله عليه وسلم- فصرعه النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات كل مرة على مائة من الغنم، فلما كان في الثالثة قال: يا محمد ما وضع جنبي في الأرض أحد قبلك، وما كان أحد أبغض إلي منك، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقام عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وردَّ عليه غنمه.
وكذلك ما رواه البخاري في صحيحه (268) قال حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، قال: حدثنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة.
قال: قلت لأنس: أو كان يطيقه! قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين. والله تعالى أعلم.(14/55)
هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم في هيكل سليمان؟
المجيب د. رفعت فوزي عبد المطلب
رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/مسائل متفرقة في السيرة والتاريخ والتراجم
التاريخ 08/07/1426هـ
السؤال
كيف يمكن أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- قد صلى في هيكل سليمان أثناء
الإسراء والمعراج، ومعلوم أن الهيكل دمَّره الإمبراطور تيتوس قبل الميلاد بسبعين سنة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فبنص القرآن الكريم كان الإسراء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، حيث قال الله تعالى: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير". [الإسراء: 1] ، وكذلك ثبتت إمامته ـ عليه الصلاة والسلام ـ الانبياء به، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي. (الحديث) ، وفيه: "فحانت الصلاة فأممتهم" صحيح مسلم (259) (263) (264) ، وما بعده. وزاد المعاد بالهامش (ج3 ص31) .
أما قصة هيكل سليمان وتوابعها فهي أسطورة صهيونية لها أهداف خفية وعلنية، فهناك أدلة عديدة على دحضها وبيان كذبها؛ فاللجنة الدولية التي جاءت إلى القدس سنة 1930م -والتي عرفت بلجنة "شو"، وكانت مهمتها الفصل في ملكية حائط المبكى -قررت أن حق ملكية الحائط وحق التصرف فيه وما جاوره من الأماكن عائد إلى المسلمين، ذلك لأن الحائط نفسه هو ملك للمسلمين؛ لأنه جزء لا يتجزأ من الحرم الشريف، فالهيكل لا أثر له حالياً، فقد هدم تماماً وفقد أثره، ومهما بكى اليهود وقطعوا شعورهم حزناً على هيكل سليمان فلن يجدوه؛ فنصوص التوراة تبين الآتي:
أولاً: أن الأرض التي بني عليها الهيكل أرض عربية، كانت بيدراً لأرونة اليبوسي اشتراها منه داود -عليه السلام- وكما يقول العهد القديم: إن أرونة اليبوسي هذا قد عرض بيدره هبة منه لداود -عليه السلام- ولكن داود أصر على دفع ثمنه، وهنا نلاحظ أن كتّاب العهد القديم يصرون دائما على أن يثبتوا أنهم كانوا يدفعون ثمن الأرض كما هنا، وكما في رواية غارة المكفيلية.
ثانياً: إن تصميم الهيكل على هيئة تصميمات الهياكل العربية، يقول ول ديورانت: إن طراز الهيكل هو الطراز الذي أخذه الفنيقيون عن مصر، وأضافوا إليه ما أخذوه من الآشوريين والبابليين من ضروب التزيين.
ثالثاً: إن المواد الخام المستعملة في بناء الهيكل لم تكن يهودية بل كانت عربية، كما يذكر العهد القديم أن الملك حيرام ملك صور أمد سليمان بخشب الأرز وخشب السرو الذي كان موجوداً في لبنان.
رابعاً: إن الذين قاموا بالإشراف على الهيكل وبنائه هم العرب، فقد جلبهم سليمان -عليه السلام- من حليفه الملك حيرام، إذ كان اليهود لا يعرفون الهندسة والعمارة، وكانوا كذلك يجهلون ألوان الفنون الأخرى لبداوتهم، ولأن موسى -عليه السلام- حرم عليهم التصوير والنحت حتى لا يخلقوا أشياء تناظر ما خلقه الله ثم يعبدونها.(14/56)
ويرى غوستان لوبون أن وصف الهيكل وقصور سليمان مبالغ فيه، وأن هذه الأبنية تمت على كل حال بأيدي الأجانب، ثم يقول: لا ينبغي لنا أن نتحدث عن وجود شيء من فن النحت أو التصوير لدى بني إسرائيل، وقل مثل هذا عن فن البناء عندهم، فانظروا إلى هيكلهم المشهور (هيكل سليمان) -الذي نشر حوله كثير من الأبحاث المملة- تجده بناءً أقيم على الطراز الآشوري المصري من قبل بنائين من الأجانب كما تدل عليه التوراة، ولم تكن قصور ذلك الملك غير نسخ دنيئة عن القصور المصرية أو الآشورية.
فماذا بقي لليهود من الهيكل يتباكون عليه، ويقطعون شعورهم ندماً عليه؟
وخلاصة المسألة أن علاقة اليهود بالهيكل لا تتجاوز علاقة أي عابد بمعبده الذي يتعبد فيه، وأن الهيكل لم يكن لليهود وإنما كان لسليمان وحده، ولما مات سليمان أخذه الوثنيون، فأين اليهود في ذلك الوقت ليدفعوا عن الهيكل وثنية الوثنيين؟(14/57)
الرقائق والأذكار(14/58)
سلّم نفسك لله
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 3/8/1422
السؤال
إذا ارتكب الرجل جريمة الزنا وأراد أن يتوب توبة صادقة، وهو يعيش في بلد غير إسلامي، فكيف يقام عليه الحدّ، هل يمكن أن يأتي إلى عالم من العلماء أو مؤسسة إسلامية ليقام عليه الحدّ، أو يسافر إلى بلد إسلامي ليفعل ذلك، أو لمن يسلّم نفسه؟
الجواب
الأخ / ع. أ. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فإني أسأل الله -عز وجل- أن يغفر ذنبك، ويصلح قلبك، ويستر عيبك، ويهديك بهداه.
ثم اعلم - بارك الله فيك - أن من جنح إلى خطيئة، أو وقع في فاحشة ليس فيها حق إلا لله - عز وجل - فإنه إذا استغفر وتاب وأناب، فقد استعتب رباً رحيماً كريماً هو أرأف به من أمه التي ولدته، وأنه -جل وعزّ- أكرم من أن يرده وقد أقبل عليه، أو يخيبه وقد صدق في رجائه، وليس بينه وبين المغفرة إلا أن يخلص التوبة، وربك يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وعليه أن يستتر بستر الله عليه ولا يفضح نفسه، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: ((من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) أخرجه البخاري (2442) ومسلم (2580) .
فإذا كان المرء يؤجر بالستر على غيره فستره على نفسه كذلك أفضل، والذي يلزمه في ذلك التوبة والإنابة والندم على ما صنع فإن ذلك محو للذنب إن شاء الله.
وأخرج مالك في موطئه مرسلاً (2/825) ، والحاكم في المستدرك (8219) من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام بعد أن رجم الأسلمي فقال: ((اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها، فمن ألمّ فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله -عز وجل-)) قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه.
قال العلماء: إذا تمحّض حق الله فهو أكرم الأكرمين، ورحمته سبقت غضبه، فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة. وقد ورد في ذلك حديث -وإن كان فيه ضعف- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أصاب حدّاً فعُجِّل عقوبته في الدنيا فالله أعدل من أن يثنيّ على عبده العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حدّاً فستره الله عليه، وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود إلى شيء قد عفا عنه) أخرجه الترمذي (2626) وقال: حسن غريب. ويشهد لمعنى هذا الحديث ما أخرجه البخاري (2441) ومسلم (2768) عن ابن عمر قال سمعت رسول الله يقول في النجوى: ((يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه -أي ستره- فيقول عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. فيقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. فيقرّره، ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا، فأنا أغفرها لك اليوم)) .
ولذلك كله فإن على من ابتلي بشيء من هذه الفواحش أن يصدق التوبة، ويعظم في الله الرجاء؛ فإنه أكرم الأكرمين، يفرح بتوبة عبده إذا تاب، فيغفر ذنبه، ويجبر كسره، ويمحو ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر. ولكن لا بدّ مع ذلك من سلوك الطريق الصحيح التي تعين على الاستقامة وصلاح الحال بعد التوبة ومنها:(14/59)
01 الإقبال على الله - عز وجل - جملة وذلك بأداء الفرائض، وأعظمها الصلوات الخمس مع جماعة المسلمين.
02 إشغال النفس بالعمل النافع المفيد الذي يستفرغ الطاقة، ويعمل العقل، ويبعد الأفكار الشهوانية التي يصنعها الفراغ، والنفس لا تقعد فارغة، فإن لم تشغلها بما ينفعك شغلتك بما يضرك.
03 تغيير نمط الحياة والبيئة التي كانت سبباً للوقوع في الفاحشة، ومن أهم ذلك البعد عن رفقاء السوء الذي يُغرون بالفاحشة ويُجرِّئون عليها، واستبدالهم بصحبة أخبار يدلون على الخير، ويعينون عليه. وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قول العالم للرجل الذي قتل مائة نفس ثم تاب: (أخرج من بلدك فإنها أرض سوء، والحق بأرض كذا فإن فيها قوماً صالحين يعبدون الله فاعبد الله معهم) . فأرشده إلى تغيير البيئة بالهجرة من بلده، وتغيير البيئة لا يلزم من هجر البلد دائماً، بل تغيير نمط الحياة وتغيير نوعية العلاقات هو المؤثر الأكبر في ذلك.
04 مجاهدة النفس بكبح جموحها وقر شهواتها وقد قال الله: ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)) . وإنك واجد -بعون الله- من لذة النصر على شهوات النفس ما هو أعظم من نيل تلك الشهوات. ومن أعظم ما يعينك في هذه المجاهدة معرفة عاقبة السوء للمعاصي، وعليك بقراءة كتاب (الجواب الكافي) لابن القيم ففيه ما يبصرك بذلك.
05إعفاف النفس بالحلال الطيب وذلك بالزواج، كما أوصى بذلك نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه اغضّ للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) أخرجه البخاري (5066) ومسلم (1400) .
06 القراءة في كتب الأئمة الربانيين التي تزكي النفوس وتقوي الإيمان، ومنها: (تهذيب مدارج السالكين) وبخاصة فصل التوبة منه، فإنك واجد ثمة كلاماً نورانياً يرفع عن القلب حجب الشهوات، ويصل النفس بخالقها -جل جلاله-.
07 المحافظة على أذكار اليوم والليلة فإنها حصن المسلم وقوته وزاده، ومنعة له من شياطين الجن والإنس، وعليك بكتاب (الوابل الصيب من الكلم الطيب) لابن القيم، فإنك واجد فيه من فوائد الذكر ووظائفه الكثير الطيب المبارك.
08يفيدك جداً قراءة كتب توسع ثقافتك، وترفع همتك، وتشغل وقتك، ومنها في مسألة التوبة كتاب (أريد أن أتوب ولكن) للشيخ محمد المنجد، و (التوبة وظيفة العمر) للشيخ محمد الحمد ونحوها.
وأودعك وأنا أدعو الله لك أن يتولاك بما تولى به الصالحين من عباده، وأن يوفقك لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب الصالحين، وأن يهدينا وإياك سواء السبيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(14/60)
أتوب ولكني أعود
المجيب محمد بن إبراهيم الحمد
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 27/6/1422
السؤال
أنا أؤدي جميع فرائض ربي، التي فرضها عليّ، إلا أني ابتُليت منذ زمن، وحتى الآن بالمعاشرة المحرمة، ولكن لا يصل إلى ما يصل إليه الرجل من زوجته، وكلما أقول -إن شاء الله- لا أرجع لهذا، وأندم على ما فعلت، وأفعل بعض النوافل لكي أُكفر ما فعلت. إلا أنها كثيرة مني هذه الفعلة، وأخاف ألا تقبل مني العبادة. أفيدوني -جزاكم الله خيراً-.
الجواب
لا ريب أن العمل الذي قمت به، مخالفٌ للشرع من عدة وجوه.
أولاً: أنّك خلوت بأولئك النسوة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما خلا رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)) .
ثانياً: أنّك اقتربت من الزنا، والله _ عزّ وجل _ يقول: ((ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشةً وساء سبيلا)) .
ثالثاً: أنّك بهذا الصنيع دخلت في زمرة العادين، والله يقول في وصف المؤمنين: ((والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)) . والذي يجب عليك أيها الأخ، أن تتوب إلى الله _ عز وجل _، وأن تندم على فعلك هذا، وأن تُقلع عنه، وتعزم على عدم العودة إليه. واعلم بأن الله سيعينك، وسيوفقك إذا صدقت في توبتك معه، خصوصاً وأنك تندم على فعلك، وتحافظ على الفرائض، وتقوم بأداء بعض النوافل؛ فهذا دليل على حياة قلبك، وخوفك من ربك. ولا ريب أن المؤمن من سرَّته حسنته، وساءته خطيئته، وإن مما يُعينك على التوبة النَّصوح: أن تُجاهد نفسك، وأن تقوّي إرادتك، وأن تنظر في العواقب، وأن تعلم أن المعصية سبب للشقاء، والضنك، والضيق، وأن تُدرك أن من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه، والعِوض من الله أنواع مختلفة، وأجلُّ ما تعوض به: أن تُرزق محبة الله، وطمأنينة القلب بذكره، وأن تنزل عليك السعادة الحقّة، لا تلك السعادة الوهمية المشوبة بالكدر والأنكاد، والخوف. ومما يُعينك _ أيضاً _ على الإقلاع من هذا الذنب، أن تستحضر بأن الله مُطّلِع عليك، رقيب على كل عمل تقوم به، فهل يرضيك أن يكون ربك أهون الناظرين إليك؟!(14/61)
ثم اعلم بأن الله يمهل ولا يهمل؛ فربما سترك الله؛ لأجل أن تراجع نفسك، وتقلع عن فعلتك؛ فإذا أصررت عليها فربما كشف الله أمرك، وفضحك، وهتك سترك. ومما يُعينك على الاستمرار على التوبة أن تُحافظ على الصلوات، وان تُقيمها على الوجه الأكمل؛ فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. ومما يُعينك _ أيضاً _ أن تُحافظ على الأوراد المأثورة عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ كأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، ونحوها من الأذكار المطلقة والمقيدة. وكذلك أكْثِرْ من قول: (لا حول ولا قوّة إلا بالله) ، فإنها كما قال شيخ الإسلام _ ابن تيمية _: تُكابد بها الأهوال، وتحمل الأثقال، وينال رفيع الأحوال. ومما يُعينك _ أيضاً _ أن تُلازم الدعاء، وتتحرّى مواضع الإجابة. ومما يعينك أن تُصاحب الأخيار، وتجانب الأشرار، وتبتعد عن الفراغ ما استطعت، وتُشغل نفسك بما يعود عليك بالنفع في دينك ودنياك. وعليك _ أخيراً _ أن تجتنب المثيرات، وتبتعد عن مواطن الفتن. أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلى أن يكتب في قلبك الإيمان، ويثبتك على صراطه المستقيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(14/62)
توبة المسرفين
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 13/7/1422
السؤال
إذا أسرف العبد على نفسه بالمعاصي الكبير منها والصغير، ومن ثم تاب إلا أن هناك زلات لاتزال في حياته، وهو غير راضٍ عنها.. فهل يعاقبه الله بأن يفضحه بالذنوب التي تاب منها، ولايستر عليه؟ وهل الشيطان يدخل على الإنسان من هذا الباب؟
الجواب
إن من أجلّ نعم الله على العباد أن فتح لهم باب التوبة على مصراعيه، وأمرهم بها ورغّبهم فيها، ووعدهم عليها قال -جل وعلا- " قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم " وقال: " وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون " وفي صحيح مسلم (2702) من حديث أبي بردة عن الأغر -وكان من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال لابن عمر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة) .
كما أن من نعمة الله على العباد إمهالهم، والصبر عليهم، وعدم معاجلتهم بالعقوبة علّهم يتوبون ويرجعون، ويستدركون بقية أعمارهم بتوبة نصوح وعمل صالح.
فعلى العبد أن يجتهد في التخلص من ذنوبه على الفور والتقلل من سيئاته وخطاياه؛ لأنه لا يدري متى يحال بينه وبين ما يشتهي من التوبة بالموت، ونهاية الأجل، وانقضاء المهلة.
ثم ليثق العبد أنه متى صدق في توبته، وأحسن في رجوعه وعودته إلى ربه أن الله تعالى سيفرح بتوبته، وسيغفر ذنوبه وزلاته مهما عظمت وكبرت برحمة منه وفضل، ومتى تاب العبد وأناب إلى ربه استحب له الإكثار من نوافل العبادات، والمسارعة إلى فعل الطاعات والقربات؛ حتى يضمن رجحان ميزان حسناته، ويعمر صحيفته بما يفرحه ويسعده عند لقاء ربه، ثم ليكن العبد على يقين بأن الله سبحانه وتعالى أجلّ وأكرم من أن يفضح عبده التائب ويخزيه بين العباد حتى وإن ألمّ بذنوب أخر، إذ ليس معصوماً إلا من عصمه الله.
وأما الشيطان فهو حريص كل الحرص على الكيد لابن آدم، والدخول عليه من كل باب سواء قبل التوبة أو بعدها، فقبل التوبة يزيّن له تسويفها، ويقنطه من إمكانية قبولها، وبعد التوبة لا يزال يذكّره بسالف ذنوبه، ويحسن له معاودتها، ويزين له مواقعتها. والخلاص من كيد هذا اللعين يكون بحسن التوكل على الله، وصدق اللجأ إليه -سبحانه- وكثرة الاستعاذة به -جل وعلا- من وسوسة الشيطان ومكره.
ويحسن في هذا المقام التنبيه إلى أهمية مطالعة كتابين عظيمين في هذا الموضوع الخطير وهما: (تلبيس إبليس) لابن الجوزي، و (إغاثة اللهفان) لابن قيم الجوزية؛ فهما -في نظري- من أجود ما كتب في هذا الباب. والله أسأل أن يوفقنا جميعاً إلى توبة نصوح وأن يعيذنا من وسوسة الشياطين ومضلات الفتن.(14/63)
هل تصح التوبة في مرض الموت؟
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 17/8/1424هـ
السؤال
هل تجوز التوبة من إنسان أصابه مرض يؤدي به إلى الموت؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
أخي في الله، الجواب عن سؤالك سيكون من وجهين:
أولهما: ينبغي أن تعلم أن الذي قدَّر المرض هو الله، وأن القادر على شفاء المريض هو الله سبحانه، كما ينبغي أن تكون على يقين بأنه ما من مرض إلا وله دواء عرفه من عرفه، وجهله من جهله، إلا الهرم، وهذا صح فيه أكثر من حديث عن النبي المعصوم - صلى الله عليه وسلم-، ولذا لا يجوز لأحد يؤمن بصحيح خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يصاب باليأس والقنوط من رحمة الله تعالى، فبالدعاء وكثرة التضرع إلى الله - عز وجل- مع تعاطي الرقية الشرعية، يكون الشفاء بحول الله وقوته.
ثانيهما: باب التوبة مفتوح على مصراعيه لكل تائب صادق، وإن كان على فراش الموت، ما لم تبلغ الروح الحلقوم، فلنبادر أخي في الله بالتوبة النصوح، ولنكن على يقين بسعة رحمة الله تعالى، وفرحه بتوبة عبده من أي ذنب كان.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضى والسلام عليك.(14/64)
أريد أن أتوب من ترك الصلاة، ولكن!
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 29/1/1424
السؤال
كنت محافظاً على الصلاة حتى انتهاء مرحلة الثانوية العامة، وما إن انتهيت منذ عام ونصف تقريباً وأنا لا أصلي، بل وأرتكب العديد من المعاصي، مثل شرب الخمر، والحشيش، ولكن كثيراً ما يؤلمني ضميري، ولكن عزيمتي ضعيفة جدا، فكلما أتذكر أن كل الصلوات التي فاتتني يجب أن أقضيها، انتابني شعور رهيب بالكسل، ومخيف من المعاصي، التي ارتكبتها، وإني لأشعر بفضل الله علي في دراستي، وحياتي، رغم معصيتي له -عز وجل-، وهذا ما يجعلني أحتقر نفسي أكثر وأكثر، ولا أدري ماذا أفعل الآن بعد هذه المعاصي، وكيف أكفر عنها، وعن الصلوات التي فاتتني؟.
الجواب
الحمد لله، وبعد..
اعلم وفقك الله لطاعته، أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأن أبواب التوبة مفتوحة بحمد الله، وأن الله تعالى يفرح بتوبة عبده، وقال الله تعالى: "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين".
فما عليك إلا أن تبادر إلى التوبة بصدق وتصميم على الثبات، ومن ثم أبشر بما يسرك بحول الله وإذنه، وأما الصلوات الفائتة فلا يلزمك قضاؤها، لأن تارك الصلاة كافر على الصحيح من أقوال أهل العلم، والكافر لا يطالب بقضاء الفوائت، وفقك الله وأعانك والسلام عليك.(14/65)
التوبة من ترك الصوم والصلاة
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 21/2/1424هـ
السؤال
كنت عاصياً لله عز وجل حيث كنت أفعل جميع ما تتخيل من المعاصي والذنوب والكبائر المهم أنني تبت الآن، سؤالي عن الصلاة وصيام رمضان حيث أني كنت متهاوناً جداً في الصلاة حيث تمر السنتان أو أكثر لا أصلي فيها إلا مرة ومثله كنت لا أصوم من رمضان إلا يوماً أو يومين وبدون صلاة.
فهل علي كفارة؟ مع العلم أنني التزمت بكل الفروض وبالنوافل والحمد لله، كما أسألكم الدعاء لي بالثبات، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
فأبارك لك هذه التوبة وأسأل الله لي ولك الثبات على طاعته.
ثم إذا كان الواقع كما ذكرت من تركك للصلاة والصيام في السنين السابقة فإنه لا يجب عليك قضاء شيء من الصلاة أو الصيام؛ لأنك تعتبر بتوبتك أسلمت لأن تارك الصلاة تهاوناً كافر كما دلت عليه النصوص الصحيحة.
وعليك الآن أن تستقبل أمرك بالإكثار من النوافل والصدقات ما استطعت، وفقك الله لما يحبه ويرضاه.(14/66)
أدعية مأثورة تُعين على الثبات
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 9/9/1422
السؤال
عندي ذنوب كثيرة وأدعو الله كل يوم أن يغفر لي ولكن الدنيا تأخذني ولا أعلم ماذا أفعل، أحاول ولكن أرجع، فإذا تفضلتم أعطوني الدعاء الذي أدعوه ليثبت قلبي على الإيمان وطاعة الرحمن؟
الجواب
إن شعور الإنسان بكثرة ذنوبه، وخوفه منها، ورغبته في التخلص من تبعتها علامة حياة القلب ونبضه بالإيمان، وعلاج مَنْ هذا شأنه سهلٌ وميسر بحمد الله - إذ إنَّ أولى خطوات تصحيح المسار، واستدراك الفائت الاعتراف بوجود الخطأ والشعور بوخز الضمير، والإقبال الذاتي إلى مدارج الصالحين والتائبين.
ومعاودة الوقوع بالذنوب بعد التوبة منها لا تعطي فرصة لليأس ليستولي على النفوس، أو يفسح مجالاً للقنوط يحول بين العبد وتجديد الاستغفار والندم مما حدث وكان.
وحَسَنُُ من السائلة أن تطلب تذكيرها ببعض الأدعية التي تعينها على الثبات ولزوم الاستقامة، إذ إن الدعاء خير وسيلة يُستعان بها في خضم هذا الزمن المتلاطم فتناً ومحناً، كيف وهو سلاح الصفوة المرسلين من الأنبياء وأتباعهم.
ألا إنَّ من أفضل الأدعية في هذا المقام ما ورد في الكتاب العزيز، وما صحّ من سُنة إمام المتوكلين، وسيد الخاشعين المتضرعين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ومن ذلك:
قوله - تعالى -: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) آل عمران: 8 - وقوله: (ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) البقرة: 250.
وصحّ عنه - عليه السلام - من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - " اللهم مصّرف القلوب، صرَّف قلوبنا على طاعتك " أخرجه مسلم (2654) وغيره، وأخرج كذلك من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: " اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون " رواه مسلم (2717) وأمثلة هذه الأدعية لا تحصى كثرة بحمد الله، وصنفت فيها كتب كثيرة وأفردها الأئمة بأبواب مستقلة من الصحاح والسنن ولخصها آخرون في مصنفات مفردة، ومن أفضلها الكلم الطيب لابن تيمية والوابل الصيّب لابن القيم وحصن المسلم للقحطاني من المعاصرين، والله أعلم"(14/67)
توبة مرتكب الحد
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 11/5/1423
السؤال
يقول السائل: إنه قرأ في كتب الشافعية في باب الشهادات ما مفاده:
أن من ارتكب معصية توجب الحد ثم أظهرها أو اشتهر بها بين الناس تتوقف توبته من هذه المعصية على التمكين من نفسه لإقامة هذا الحد، فهل هذا الكلام صحيح؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
الصحيح أن ترك الإقرار أولى؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- عرض للمقِرِّ عنده بالرجوع عن الإقرار، فعرض لماعز -رضي الله عنه- لما أقر بالزنى كما رواه البخاري (12/135) مع اشتهاره عنه -رضي الله عنه-، وكذلك عرَّض للمقر عنده بالسرقة كما رواه أبو داود (4380) ، ولم يرد الأمر بالإقرار ولا الحث عليه في كتاب ولا سنة -فيما أعلم- وإنما ورد الشرع بالستر، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لهزال -الذي أمر ماعزاً بالإقرار-:"يا هزال لو سترته بثوبك لكان خيراً لك" رواه النسائي في (السنن الكبرى 4/306) والحاكم (4/403) ، وصححه، وفي الجملة الندم توبة والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والله - تعالى- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(14/68)
تاب من السرقة ويريد الحج
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 17/2/1425هـ
السؤال
أنا شاب كان ماضيَّ مليء بالمعاصي الكثيرة التي تصل إلى بعض الكبائر والتي أسأل الله أن يتجاوز عنها. ومن ضمن المنكرات التي ارتكبتها أنني كنت أسطو على سائقي اللموزينات وأنهب ما لديهم بعد أن أقوم بضربهم أنا شباب أخرون معي. واستمرت تلك الحالة إلى درجة أنني لا أكاد أحصي تلك الأموال لكثرتها، وكذلك أموال أخرى غيرها. وقد ندمت على ما فات من عمري في تلك الجاهلية. وأريد أن أحج هذا العام من مال يقدمه لي والدي حيث إنني طالب بالمرحلة الثانوية ولا أملك من المال ما أحج به. فهل يمكنني الحج أم عليّ أن أرجع الأموال التي نهبتها إلى أصحابها مع العلم أن منهم من لا أعرفه ولا أعرف مقدار ماله. ومنهم من أعرفه وأعرف مقدار ما أخذته منه ولكني لا أملك من المال شيء. يا شيخ أريد أن أتوب وأقلع عن كل ما كان من أمور لا ترضي الله فماذا أصنع؟
الجواب
أرجو الله أن يوفقك للتوبة النصوح وأن يغفر لنا ولك سيئ الأعمال.
اعلم يا أخي أن التوبة الصادقة تمحو جميع الذنوب والسيئات مهما عظمت، قال تعالى:" قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم " [الزمر:53] وفي الحديث الصحيح " يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي ... يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة" انظر مسند أحمد (21472) ، ومسند الدارمي (2830) ، وصحيح مسلم (2687) ، وجامع الترمذي (3540) وقراب الأرض يعني ملؤها أو ما يقارب ملأها.
وأنت تعلم أن حج الفريضة أحد أركان الإسلام الخمسة ويجب أداء حقوق الآخرين قبل الحج؛ كالأموال التي أخذت منهم بدون حق بسرقة أو اختلاس أو نصب وسائر أنواع الحقوق من ديون أو مظالم. ويجب عليك أن ترد الأموال إلى أصحابها وأن تستسمحهم عن ما حصل منك إن كنت تعرف أهلها. وإن لم تكن تعرفهم فادع لهم بظهر الغيب، وإذا أغناك الله مستقبلاً فادفع هذا المال إليهم. وإن كنت لا تعرفهم فأنفق هذا المال صدقة في سبيل الله على الفقراء والمساكين، وادع لهم بظهر الغيب في صلاتك ودعائك ولا شيء عليك بعد هذا - إن شاء الله - وحجك من مال أبيك جائز ولا شيء فيه، فبادر إلى الحج لعل الله أن يجعله فاتحة خير لك في دينك ودنياك.
وعليك- يا أخي - بالمداومة على الصلاة مع الجماعة، والإكثار من تلاوة القرآن والدعاء في صلاتك وخارجها في ليل ونهار وعليك بالابتعاد عن جلساء السوء أمثال الذين كنت معهم وأوقعوك فيم وقعت فيه وانظر لك رفقاء وزملاء صالحين من أهل الخير والدعوة إلى الله.
أدعو الله لك أن تعود من حجك سالماً معافى وقد خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك. آمين وفق الله الجميع إلى كل خير.(14/69)
هموم تائبة
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 9/11/1422
السؤال
أنا امرأة أفعل المعاصي، لكنني كثيرة التوبة والرجوع إلى الله، حيث إنني على سبيل المثال: كنت أستمع للأغاني، ثم أعود تائبة إلى الله متوعدة نفسي بعدم الرجوع إليها، لكن الشيطان يعود لإغوائي فأعود للاستماع لها، وهكذا تكررت مرات كثيرة حتى جاء يوم، وقالت لي إحدى صديقاتي: إنك امرأة ليست لك شخصية، وكل يوم لك حال! حددي موقفك واستمري عليه، فضاقت نفسي جداً جداً، وبدأت تنتابني التساؤلات:
هل الله لن يقبل توبتي، وأنا أتوب ثم أعود للذنب مرة أخرى، أم أن هذه هي حال المسلم بين ذنب وتوبة؟
ومن هم التوابون الذين يحبهم الله؟
وما النفس اللوامة، ولمَ أقسم الله بها في سورة القيامة؟
وهل يجب علي ألاّ أنهى عن المنكر وأنا على هذه الحال؟
وهل آثم إن لم أنه عن المنكر وأنا أراه؛ لعدم جراءتي على ذلك، وقلة علمي بأمور الدين؟
أجيبوني بأسرع وقت ممكن؛ لحاجتي الماسة لذلك، مستشهدين لي بالأدلة من القرآن والسنة؟
الجواب
الحمد لله، وبعد.
الأخت الكريمة، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد: فقد قرأت رسالتك مراراً، وتوقفت عند قولك: "أجيبوني بأسرع وقت ممكن لحاجتي الماسة لذلك مستشهدين لي بالأدلة من القرآن والسنة " فأحببت أن تكون هذه الجملة هي محور الجواب وركيزته الأساس قبل أن أتناول أسئلتك الخمسة بالرد المفصل، فأقول، وبالله التوفيق.
إن من يظن أن سعادته تتحقق في إشباع غرائزه، وإرضاء نزواته، وتلبية رغبات نفسه الأمارة بالسوء، فهو يعيش وهماً كبيراً، ويطارد سراباً يستحيل أن يظفر منه بقطرة تروي ظمأه إلى السعادة الحقيقية، والبهجة الأبدية.
إن حاجتك الماسة إلى الإجابة على تساؤلاتك فيدل بكل تأكيد أن جميع ما استمعت إليه من أغان، وما شاهدته من أفلام ومسلسلات وبرامج، وكل ما طالعته من صحف ومجلات وغير ذلك لم يشبع حاجتك إلى الاستقرار النفسي والاطمئنان الروحي، وما ذلك إلا بسبب ابتعادك - وللأسف - عن المنهج القويم، والمسلك الآمن الموصل إلى سعادة الدنيا ونعيم الآخرة.
ولحسن الحظ فأشعر أن الله - تعالى - أراد بك خيراً حيث بدأت تتخذين خطوات عملية في تغيير واقعك إلى الأفضل، وتصححين مسارك إلى الاتجاه الصحيح - فحمداً لله أن لطف وستر -.
أختنا الكريمة، أما بخصوص سؤالك الأول فأبشري بأن الله - تعالى - واسع المغفرة يقبل التوبة ويفرح بها، قال الله - تعالى -: " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون " [الشورى:25] ولا يضرك وقوع الذنب منك أكثر من مرة إن لم يكن هناك استهتار أو استخفاف في إحداث التوبة ثم نقضها، إلا أنني أنصحك أن تكوني أكثر جدية مع نفسك، وأمضى حزماً في معالجة دوافع نفسك وكبح جماحها حين تحدثك بمعاودة الذنب مرة أخرى.(14/70)
ومما يعينك في الثبات على التوبة تذكري مراراً الندم عقب الفراغ الكئيب من ممارسة الخطأ، ومعاقرة الذنب، يضاف قبل هذا ومعه وبعده صدق الملجأ إلى الله - عز وجل -، وطلب العون والمدد منه - سبحانه - أن يأخذ بيدك إلى التوبة النصوح.
أما السؤال الثاني: فالتوابون الذين يحبهم الله - تعالى - كما في قوله الكريم: " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " [البقرة:222] فهم الذين يصدقون في توبتهم، ويبادرون إليها، ويتفانون في الحفاظ عليها مهما كانت نوازع النفس ودوافع الهوى، وحتى تكوني منهم أيتها الأخت الفاضلة، ينبغي أن تتمسكي بتوبتك حتى الممات، وأن تحافظي عليها حفاظك على روحك التي بين جنبيك بل أشد، وكم ستشعرين بالبهجة والفخر يوم تكونين واحدة من أولئك المحظوظين الذين شملتهم محبة الله.
فحذار - يرحمك الله - أن تستبدلي الذي هو أدنى بالذي هو خير فتفرطي بمحبة الله من أجل أغنية هابطة أو مشهد خليع!!
وأما السؤال الثالث: فالنفس اللوامة هي التي تلوم صاحبها حين لا ينفعها اللوم، فهي النفس المذمومة، وهذا المعنى نقله ابن الجوزي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، وقيل: هي النفس المؤمنة قاله الحسن البصري - رحمه الله -، وقال: (لا يُرى المؤمن إلا يلوم نفسه على كل حال) .
والأظهر - والله أعلم - صحة القولين كليهما - فإن لوم النفس أحياناً لصاحبها لا ينفع حين يتعذر استدراك الفائت، كما أن المؤمن الحق لا يزال لائماً لنفسه إن عمل خيراً قال: هلاّ زدت، وإن عمل شراً قال: ليتني لم أفعل.
وأما لِمَ أقسم الله بها؟ فذلك - والله أعلم - لبيان فضل النفس التي تلوم صاحبها عند وقوع التقصير منها إما بارتكاب ذنب أو تفويت فضيلة، ولا ريب أن نفساً كهذه جديرة بأن يقسم الرب - تعالى شأنه- بها إذ هي دائمة السعي في البحث عن سعادتها في كنف الله وقربه.
أما السؤال الرابع: فلا ريب أن الكمال أن تأمري بالمعروف وأنت أول الفاعلين له، وأن تنهي عن المنكر وأنت أول المبتعدين عنه، فإن زلت بك القدم وارتكبت مخالفة ما فحذار أن تحجبك مخالفتك تلك عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مبادرة في الوقت نفسه إلى سرعة التخلص من مغبة المخالفة وإعلان التوبة من جديد بالكيفية التي أشرت إليها سلفاً.
وأما السؤال الخامس: فكل من يمتنع عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو قادر على إنكاره بيده، أو بلسانه، أو بقلبه فهو واقع في دائرة الذم، ومعرض نفسه، بل وغيره إلى مغبة تعطيل هذه الفريضة الجليلة، خصوصاً في زمننا هذا الذي كثرت فيه المنكرات، وانتشرت فيه المخالفات، وقلََّ المنكرون لها.
وختاماً أسأل الله - تعالى - أن يوفقك للتوبة النصوح التي لا رجعة بعدها، وأنصحك بأن تكثري من قراءة القرآن، ومطالعة تفسير ابن كثير وابن سعدي، (وإغاثة اللهفان من مصائد الشيطان) لابن القيم و (تلبيس إبليس) لابن الجوزي ونحوها من الكتب المفيدة، كما أدعوك إلى تكوين صحبة طيبة من الزميلات الملتزمات الحريصات على اقتفاء سبيل الصحابيات الكريمات إرضاء لفاطر الأرض والسماوات - سبحانه -.
كما أوصيك بالابتعاد عن مطالعة الفضائيات ونحوها ولو بالتدريج، واستبدال ذلك بتصفح المواقع النافعة عبر الإنترنت لشغل الفراغ بالمفيد، واحرصي- حماك الله - على أداء الفرائض والواجبات، وقراءة كتب السير والوعظ والرقائق علَّ الله أن يُلين لك قلبك ويشرح صدرك، والله يحفظك والسلام.(14/71)
عاهدت ربي ثم نكثت بعهدي
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 25/12/1422
السؤال
أنا شاب ملتزم في ديني قطعت عهداً مع الله ألا أرتكب إثماً بعينه، أغواني الشيطان بعد مدة فنكثت عهدي مع الله، قلبي يكابد ألماً، وحياتي أصبحت إحساساً رهيباً بالذنب، والخوف من غضب الله. أرجوكم كيف يمكنني أن أكفر عن نكثي بعهدي مع الله، أريد التوبة ومغفرة الله، أنا أعرف أن الله غفور رحيم، ولكن أريد أن أفعل أي شيء طلباً للمغفرة، فهل أقوم الليل، أم أتصدق؟ هل أعاقب نفسي بحبسها؟ إن خوفي من الله يدفعني حتى للتضحية بنفسي إن كان ذلك مرضاة لله.
الجواب
الحمد لله وبعد: أخي الكريم لا شك أن الوفاء بالعهود حتم لازم على كل مؤمن بالله واليوم الآخر، ويتأكد الأمر حين يكون العهد مع الله - جل جلاله - قال -سبحانه-: " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ... " [المائدة:10] ، وقال:" وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون " [النحل:91] ، وقال:" ... وبعهد الله أوفوا ... " [الأنعام:152] ، والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة حسبك منها ما قرأت، ومن هنا يحق لنا أن نقول: إن نقضك لعهدك مع الله - تعالى - تصرف لا يليق بأمثالك من الشباب الملتزم الواعد الذي نعلق عليه - بعد الله - آمالنا في بعث نهضة الأمة وإحياء مجدها من جديد، وها أنت ترى - حفظك الله - شؤم المعصية وأثرها الكئيب في أعماق نفسك وظاهر مُحياك، ووخز الضمير الذي يلاحقك آناء الليل وأطراف النهار، أليس كذلك؟؟ إنها إرادة الله وحكمه العادل وقضاؤه النافذ الذي - من خلاله- قضى بالعزة والسعادة لمن أطاعه، والذلة والشقاوة لمن عصاه، ويخطئ من يظن غير ذلك، وكل الذين قبلوا التحدي واختاروا المعصية وتوهموا أن السعادة في محادة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - باءوا بالفشل الذريع، وانقلبوا بالحسرة والندامة، وتجرعوا مرارة الضنك والشقاء، وارتدوا على أدبارهم لم ينالوا خيراً.
ألم يقل الله - تعالى -:" ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى " [طه:124] ؟ بلى والله، وصدق الله.
أخي، كم أنا وأنت والآخرون بحاجة إلى قراءة هذه الأسطر بعناية تامة حتى لا تزل بنا الأقدام مرة بعد مرة مغترين بإمهال الله لنا وستره إيانا، وحتى لا تطغى فرحتنا بباب التوبة المفتوح فننسى هادم اللذات المتربص بنا في كل حين، ودركات جهنم المشرعة الأبواب.
أخي الكريم - حمداً لله - أن هداك إلى الحق، ومنَّ عليك بصدق الرغبة إلى حسن التوبة وتجديد العهد مع الله، وأبشر بما يسُرك إن أنت وفيّت بالعهد ونفّذت الوعد، واحذر من اليأس والقنوط، فربك واسع المغفرة، دائم العفو كثير الهبات يفرح بتوبة عبده ويقبلها، ويتجاوز عن السيئة ويغفرها.(14/72)
واعلم - حرسك الله - أنه يشرع لك مع صدق التوبة الإكثار من الحسنات والمبادرة إلى الواجبات، والمسابقة إلى نوافل العبادات والقربات، وما ذكرته من الصدقة وقيام الليل فأنعم بهما وأكرم من طاعتين عظيمتين، وقربتين جليلتين، فتصدق ما استطعت وابدأ بنفسك وأهلك وذي قرابتكم، وكن من أولئك الذين " ... إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً " [الفرقان:67] ، وأما قيام الليل فخذ منه ما تستطيع، فأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، وأكثر من الدعاء والتضرع بين يدي الله - تعالى - أن يجنبك كيد الشيطان ومكره وهوى النفس وأطماعها حتى لا تزل بك القدم ثانية.
وفقك الله لما يحب ويرضى، وأخذ بنواصينا وناصيتك إلى البر والتقوى، ونتركك في حفظ الله ورعايته آملين أن يتجدد اتصالك بنا على خير، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.(14/73)
الطريق إلى التوبة وتقوية الإيمان
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 18/12/1422
السؤال
أريد أن أتوب وأقوي إيماني، كيف؟
الجواب
إن مما يبعث على التوبة والإنابة إلى الله - تعالى - الأخذ بالأسباب المعينة على ذلك ومن أعظمها
أ- إن أول طريق التوبة شعور المؤمن بذنبه، وإحساسه بتفريطه في جنب الله - تعالى - فهذا الشعور والإحساس هو الباعث الأول على التوبة، كالمريض إذا لم يشعر بمرضه لم يسع ولم يجتهد في طلب الدواء.
ب- معرفة الله - تعالى - بما له من صفات الجلال والجمال، فإن المؤمن كلما ازداد بالله معرفة ازداد له خشية، يقول - تعالى-: " إنما يخشى الله من عبادة العلماء " [فاطر: 28] ولذا فكل ذنب يقع من العبد إنما كان باعثه على الحقيقة الجهل بالله - تعالى -، وهذا معنى قوله -تعالى-: " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب " [النساء:17] .
ج- معرفة شؤم المعصية وعاقبتها على دين المرء ودنياه، فمع ما يترتب على المعاصي من عقوبات في الدنيا والآخرة، فإن المعاصي لا يزال يرقق بعضها بعضاً حتى تجتمع على العبد فتذهب بدنياه وتوبق دينه.
د- البعد عما يدعو إلى المعاصي كالأماكن المزينة لها أو الرفقة الداعية لها.
هـ- حسن الظن بالله - تعالى - وعدم القنوط من رحمته فهو - تعالى - البر الكريم الغفور الرحيم، لا يتعاظمه ذنب ألا يغفره، يقول - تعالى -: " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً " [الزمر:53] .
ثم إذا صح عزمك على التوبة فاعلم أن من شرطها الإقلاع عن الذنب مع الندم على ما كان وعقد العزم على عدم العود إليه، ثم إن كان ذلك الذنب حقاً من حقوق الخلق فيجب التحلل منه ما أمكن ذلك.
وأما تقوية الإيمان فيكون بفعل الأسباب التي تقويه وترك ما يضعفه، ومن أعظم الأسباب التي تقوي الإيمان وتزيده:
01 معرفة الله - تعالى - بأسمائه وصفاته، فله - تعالى - الجلال المطلق والكمال الذي لا يعتريه نقص، ومما يزيد من معرفة الله - تعالى - التأمل في دلائل وآثار أسمائه وصفاته، ومن ذلك التفكير في خلقه، وبديع صنعه، يقول - تعالى -: " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " [فصلت:53] .
02 طاعة الله - تعالى - والمداومة على مرضاته.
03 ومنها الإكثار من ذكر الله - تعالى - وهو من أعظم ما يصل المخلوق بخالقه.
04 قراءة سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والوقوف على أحواله وشمائله - صلى الله عليه وسلم - وكذلك القراءة في أحوال وسير سلف هذه الأمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان.
05 مجالسة أهل التقى وصحبة أهل الصلاح، ممن صفتهم الإعانة على الطاعة والتذكير عند الغفلة، وبقدر ما ينقص من هذه الأسباب يضعف إيمان العبد، والله أعلم.(14/74)
افترى على أخيه المسلم كذباً، فكيف يتوب؟
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 25/11/1424هـ
السؤال
إذا افترى مسلم على أخيه كذباً، وحدَّث بهذا الكذب أشخاصاً آخرين وصدقوا كذبه، ثم أراد أن يتوب فماذا يلزمه كي تكتمل توبته؟.
الجواب
لقد حرم الإسلام الكذب، وجعله من صفات المنافقين كما في الصحيحين البخاري (34) ومسلم (58) من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر".
ويشتد الكذب خطورة حين يترتب عليه إيذاء للآخرين، أو امتهان لهم، أو خوض في أعراضهم، ويزداد الأمر سوء حين يروج الكذب على الآخرين، وينتشر أثر الأكذوبة في أوساط الناس، فتسوء سمعة المكذوب عليه، ويتأذى بذلك أيما إيذاء.
وأنت - يا أخي - قد أخطأت في حقّ أخيك المسلم بافترائك عليه، فعليك الاعتذار منه، وطلب العفو والصفح الجميل إن غلب على ظنك حسن استجابته، وكريم مسامحته، وإلا فأكثر له من الاستغفار، والدعاء بظهر الغيب.
ويلزمك كذلك بيان حقيقة الأمر للأشخاص الآخرين الذين حدثتهم بتلك الأكذوبة حتى تبرأ ذمتك.
وأنصحك بالتوبة النصوح من كل ذنب، وخاصة الكذب، وللتوبة شروط وهي:
1- الإخلاص والصدق لله -تعالى- في التوبة.
2- المبادرة بها الآن قبل فوات الوقت.
3- الإقلاع عن الذنوب إلى غير رجعة.
4- الندم على ما جرى منك من تلك الذنوب.
5- العزم على عدم العودة إليها مستقبلاً.
6- أن ترد الحقوق لأهلها إن كانت الذنوب تتعلق بالناس، ومثاله كذبك على إخوانك المسلمين، أو سبهم، أو أخذ أموالهم، فتعيد الحقوق لأصحابها؛ عسى الله -تعالى- أن يقبلها منك، هذا وأسأل الله لي ولك توبة نصوحاً ولسائر المسلمين والله أعلم.(14/75)
هدّدها بالفضيحة فهل تطاوعه على الزنى؟
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 1/9/1424هـ
السؤال
إذا حدث ووقعت المرأة في خطيئة الزنى (وهي غير متزوجة) ومارستها لعدد من السنين ومع عدة رجال، وكان الدافع العاطفي هو السبب، ثم اهتدت وأرادت التوبة وقامت بها، لكن -للأسف- خافت من تهديد واحد منهم فرضخت لرغبته أكثر من مرة بعد توبتها الأولى، ثم عادت وجددت توبتها، ثم رضخت له مجبرة، وهي في كرب شديد من ذلك، ولا تجد مخرجاً خاصة أنها ذات مركز وتخاف أهلها وسمعتهم. أرجو الإفادة، كما أرجو معرفة الطريق الأمثل للتوبة من هذه الكبيرة الشنعاء، وهل الحج لازم لمحوها؟
الجواب
أعتقد أنه بالإمكان حلّ مشكلتك، والتخلص من هذه المحنة متى ما توفر لديك عامل الخوف من الله -تعالى-، والإصرار الراسخ المتين بوضع حد أبدي ونهائي لابتزاز ذلك المجرم الآثم، من خلال الرفض القاطع والحاسم لمساوماته وتهديداته.
إنّ من الواجب أن تعلمي وتدركي بوضوح أن الزنى كبيرة مخيفة تحرمها الأديان السماوية كلها، وتأباها الفطر السوية، ويغضب لها الرب -جل جلاله-.
ولذا فليس من الجائز شرعاً، أو المقبول عقلاًَ، أو المستساغ ذوقاً أن تظلي ممارسة للفاحشة مع ذلك الوغد اللئيم بحجة الخوف من الأهل، والهيبة من خسارتك لمركزك الاجتماعي، أو شيء من هذا القبيل.
فالله -جل ذكره- أحق أن تخافيه وتهابيه، قال -سبحانه-: "فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين" [آل عمران: 175] ثم لتكوني على يقين بأن الله متى رأى منك صدق التوبة، وحسن التوكل عليه كفاك ما أهمك، وجعل لك من هذه المحنة وغيرها مخرجاً، قال -سبحانه-: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا" [الطلاق: 2] وقال: "أليس الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه" [الإسراء: 36] .
ولتسألي نفسك هذا السؤال: إلى متى ترضخين لتهديد ذلك الوحش البغيض؟ وهل تأمنين أن يتحرك في أحشائك طفل بالحرام -لا سمح الله-؟ عندئذ ستكون الكارثة لا حدود لها والمصيبة فوق الوصف -والعياذ بالله-.
فاتقي الله أيتها المسلمة، وأسلمي أمرك لله، وأحسني التوكل عليه، وأكثري من دعائه والتضرع بين يديه حتى يفرج لك همك، ويريح بالك ويطمئن قلبك، ولا تكترثي بتهديد أحد مهما طغى وتجبَّر وهدَّد وتوعَّد، وثقي بوعد الله وعونه لكِ، وحتى لو قدِّر إصابتك بشيء من الأذى فكوني على يقين بأن ذلك تكفير لذنوبك، ورفع لدرجاتك، وكوني على علم تام بأنه مهما بلغ بك الأذى فلن يعادل لفحة من لفحات جهنم -والعياذ بالله-.(14/76)
وأنصحك بالمواظبة على الصلوات الخمس في وقتها، والإكثار من نوافل العبادات كصلاة الليل والوتر، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وقراءة القرآن بتدبر وخشوع، وكذلك أداء فريضة الحج والعمرة حتى يزداد إيمانك، وتقوى قناعتك بأهمية الاستقامة على الدين القويم، واحرصي على الزواج بمن يتقدم إليك من أهل الخير والعفة والمروءة، مع الحذر التام من الخلوة به قبل الزواج، أو الخروج معه بدعوى التعارف أو نحوه، كما أدعوك بصدق ونصح نابع من القلب أن تلتزمي الحجاب الشرعي، وتتركي الاختلاط بالرجال، وتخلصي من قرينات السوء، وتمتنعي من مشاهدة الأفلام والمجلات الهابطة، وستجدين -بإذن الله- ثمرة هذه النصيحة وأثرها في حياة مستقرة هانئة.
والله أسأل أن يسامحكِ ويغفر لكِ ويفرج همكِ وغمكِ، ويكفيكِ شر الأشرار، وكيد الفجار، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(14/77)
مشاهدة المواقع الجنسية
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 21/5/1423
السؤال
أنا شاب ملتزم، ولكن في يوم ما غلبني الشيطان وشهوتي، ولم أستطع المقاومة، وقمت بفتح مواقع جنسية، وشاهدت ما بها من صور مع علمي التام بحرمة ما أفعله، وعلمي بكافة الأحاديث والآيات الدالة على حرمة ما فعلت، فهل أنا فقدت ديني بما فعلت؟ وهل هناك حد يجب إقامته علي؟ وماذا يجب علي لأكفر عما فعلت، وهناك سؤال مهم جداً أرجو إجابته بوضوح، وهو: هل هناك حديث يفيد بأن من يرى عورة الآخرين من نساء ورجال لا تقبل صلاته أربعين يوماً؟ ولو كان صحيحاً، فهل أقوم بإعادة الصلاة للفروض الخمس بعد انتهاء الأربعين يوماً أم ماذا أفعل؟
الجواب
ترسل إليك فتاوى سابقة -إن شاء الله- تتعلق بهذا الأمر، وأما ما سألت عنه، هل أنت فقدت دينك فكلا يا بني فأنت على دينك - ثبتك الله على الحق - ولو أن كل معصية فعلناها خرجنا بها من الدين لمحقنا وحق علينا الهلاك، ولكن الله -عز وجل- فتح لنا أبواب التوبة، وأكثر لنا العبادات المكفرة "وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات" [هود:114] .
أما سؤالك عن الحد الذي يقام عليك فإن ما فعلته تكفره التوبة والندم، ولا يترتب عليه حد يقام عليك، واستتر بستر الله -عز وجل-.
(1) عليك التوبة والاستغفار.
(2) اشغال وقتك بالأنشطة المفيدة كأنواع من الرياضة، والقراءة النافعة، والأعمال الدعوية وملء وقتك بعمل يعود عليك بالخير في دينك أو دنياك.
(3) الارتباط بصحبة صالحة يدلونك على الخير ويعينونك عليه، والحديث الذي ذكرت غير صحيح وصلاتك صحيحة -إن شاء الله-، والحديث الذي ذكرته ورد في شرب الخمر ولم يرد في النظر إلى العورات.
لكن النظر إلى العورات ذنب يستتبع ذنوباً، ويجر إلى خطايا وآثام أكبر من مجرد النظر، خصوصاً عندما يقع من الشاب العزب الذي لا مصرف لطاقته الجنسية.
واعلم يا بني -وفقك الله- أني أحس من كلماتك مرارة الندم، واستعظام الذنب، وهو شعور نبيل يدل على تقوى وإيمان تغبط عليه، ولذا فإنا نوصيك بتعاهد هذا الخير الذي جعله الله في قلبك، وأن تبقى على توهج إيمانك - زادك الله إيماناً ويقيناًِ وبراً وتقى - والسلام عيكم ورحمة الله وبركاته.(14/78)
التوبة من السرقة
المجيب د. حمد بن حماد الحماد
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 21/10/1423هـ
السؤال
أنا في الماضي كنت أسرق النقود من أناس أعرفهم، وكنت عندما يتركني أبي في المحل التجاري أخون الأمانة وأسرق النقود، واليوم أريد أن أتوب إلى الله، وأريد إرجاع النقود كاملة، وسؤالي هو: هل أستطيع التصدق بها على المساكين إن كنت لا أتذكر كم أخذت؟ وماذا أفعل لو أنني لم أتذكر كل ما أخذته من عند الناس؟
الجواب
إذا كان يمكن بدون حصول ضرر أو مفسدة أن يخبر هؤلاء الذين أخذ من عندهم النقود، ويعتذر منهم، ويطلب منهم مسامحته، أو يعطيهم ما يرضيهم فهو أولى، وعلى العموم ما دام يعرف أصحاب الحق فعليه أن يرده إلى أصحابه بأي طريقة مناسبة توصله إليهم ولا يكفيه أن يتصدق به في هذه الحالة، وعليه أن يجتهد في تقديره إذا لم يستطع معرفة مقداره.(14/79)
التوبة من إسقاط الحمل
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 21/1/1424هـ
السؤال
مشكلتي أنني أعيش منذ سنتين في دوامة، لأنني ارتكبت نوعا ما جريمة؛ وهي أنني كنت مخطوبة ولم تتم الدخلة وحملت قبل الزواج، وقد اضطررت أن اسقط الحمل، وأسقطته قبل أن يتم أربعين يوما، وبعد ذلك تزوجنا ثم حملت، لكن لم ينجح الحمل وسقط الجنين في الشهر الثالث، وبعد بضعة أشهر حملت مرة أخرى، وسقط الجنين في الشهر السادس والنصف، ومند ذلك الوقت تأكدت أن الله عز وجل أراد أن يعاقبني، فلذلك أريد أن أعرف ماذا يجب أن أفعل لكي يتوب عليَّ سبحانه وتعالى؟ إنني جاهزة لأي شيء، المهم أن أنال رضا الله تعالى، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: قبل الإجابة عن السؤال المتعلق بإسقاط الجنين، يجب أن يعلم أن المعتبر في النكاح الصحيح المبيح للمباشرة هو العقد الشرعي ولو لم يتم الدخول (الدخلة) ، هذا ومسألتك مع هذا الخاطب لا تخلو من حالتين:
الحالة الأولى: أن تكون مباشرتك لهذا الخاطب قبل حصول العقد الشرعي، فهذا حرام له حكم الزنا ويترتب عليه آثاره، وإذا كان الأمر كذلك فعلى السائلة إن شاءت أن تتصل بالمفتي الشرعي في بلادها ويبين لها الحكم المترتب على ذلك.
الحالة الثانية: ولعلها المقصودة إن شاء الله في هذا السؤال أن تكون المباشرة بعد العقد الشرعي لكنها قبل الدخول (الدخلة) ، فالزواج هنا زواج شرعي والمباشرة كذلك، ولم يبق سوى الإجابة عن محل السؤال وهو إسقاط الجنين فنقول: القول الراجح من أقوال العلماء في نظري أنه لا يجوز إسقاط الجنين في أي مرحلة أو طور من أطواره، لكن لكون الأمر قد وقع فقد أجاز بعض أهل العلم إسقاطه قبل الأربعين كما هو محل السؤال، فقد جاء في الروض المربع للبهوتي ما نصه (ويباح للمرأة إلقاء النطفة قبل أربعين يوماً بدواء مباح) انتهى وبناءً على هذا فإنه لا يترتب على إسقاطه شيء، وقد ذكر كثير من أهل العلم أنه لا يجب في إسقاطه شيء من الدية ما دام في طور النطفة، لكنني أرى أن الراجح تحريم الإسقاط كما تقدم، وبناء عليه فإن على هذه المرأة التوبة إلى الله والاستغفار وعدم العودة لمثل هذا، وأما ما ذكرته من تكرر الإسقاط فأنصحها مع دعاء الله تعالى أن تراجع علماء الطب؛ أهل الاختصاص فلعل لهذا علاجاً. والله أعلم.(14/80)
توبة من وقع في الكفر
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 23/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من تردد بين الهداية والغواية، وهبطت به سيئاته إلى مستوى شتم الباري - عز وجل - وظل يتنقل بين الالتزام والنكوص، يغوص في الرذيلة إلى أذنيه ثم يتوب، وما يلبث أن ينزغ به شيطانه ثم يعود، فهل ما زال مسلماً؟
وهل وقع في الكفر؟ وهل كفره إعراض أم نفاق؟ وهل تنفعه الشهادتان؟ وهل أضله الله بعد أن قامت عليه الحجة؟ وهل الإنسان مخير في تحصل الهداية؟ وهل لابد للتوبة من توفيق الله - تعالى -؟ وهل الإعراض عن فتاوى مطابقة للسنة والأخذ بغيرها زندقة؟
الجواب
الحمد لله وبعد، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:
أخي في الله - لا شك أنك ارتكبت الكثير من الذنوب الخطيرة، وأخطرها تطاولك على الذات الإلهية وشتمك للرب جل جلاله، وهذا ناقض من نواقض الإسلام بالإجماع، تهون عنده بقية ذنوبك مع فداحتها.
ومع ذلك فإنَّ أبواب التوبة لا زالت مفتوحة بحمد الله، فأسرع قبل فوات الأوان، ولن تسعد بالتوبة أو تحظى ببركتها إلاَّ بالندم الشديد على ما حصل منك تجاه الخالق العظيم الذي أوجدك من عدم، وأسبغ عليك النعم، ولم يعاجلك بالعقوبة فابك على خطيئتك، وقل ربي إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً "وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين"، ثم أقلع عن ذنوبك جميعاً وعاهد ربك بصدق على ألاََّ تعود ثانية، وتذكَّر بأن الفرص قد لا تدوم.
وأما ضعف الصلوات وهجر القرآن والذكر وبغض الصالحين، وحب الصور والشذوذ وغير ذلك، فاتق الله وتخلص من هذه الورطات والسوءات الأخلاقية، واحمد ربك أنك في غني عن الحرام بما رزقك الله من الزوجة العفيفة، وأما الجواب عن أسئلتك الثمانية فهاك الجواب ملخصاً إلا
(1) إنَّ سبّ الذات الإلهية ردة عن الإسلام بالإجماع، فعليك بالتوبة الصادقة لما تقدم، لعل الله يتجاوز عنك برحمته وفضله، وإذا تبت من جميع ذنوبك تخلصت - بإذن الله - من النفاق الاعتقادي والعملي ومن أفتاك - أو قرأت له - بأن النفاق العملي يؤدي إلى النفاق الاعتقادي فقد أصاب بحمد الله.
(2) تقدم الجواب.
(3) نعم، وقعتَ في أنواع غليظة من الكفر، لكن لا تيأس فالتوبة تجب ما قبلها.
(4) لا تنفعك الشهادتان إلا بالإقلاع العاجل عن الذنوب والكفريات، والمبادرة إلى التوبة الصادقة والنصوح وعليك أن تبادر إلى متابعة نبيك محمد - عليه الصلاة والسلام - في كل ما أمر به أو نهى عنه.
(5) دع عنك هذه الوساوس والأفكار وأحسن الظن بربك، واحذر من اليأس وافعل ما ذكرت لك تسعد - بعون الله - في الدنيا والآخرة.
(6) على الإنسان أن يبذل الجهد لسلوك مسلك الهداية، ويفعل الأسباب الموصلة إليها وإلى الاستقامة.
(7) لابد أن تبادر أنت إلى التوبة أولاً، ومع هذا تأكد بأنَّ الله - جلّ وعز - إذا أراد شيئاً هيأ أسبابه، ولعل كتابتك إلينا نعمة ساقها الله إليك تظفر من خلالها باهتمام وعناية إخوة لك في العقيدة الصادقة، متى كنت تّواباً منيباً.
(8) اتباع الرخص وشذوذات الفقهاء ضرب من الزندقة فاحذرها، واتبع الحق بدليله أنى كان، وفقك الله وأعانك وثبت قلبك وأعلى ذكرك، ويسَّر أمرك.(14/81)
التوبة والشعور بعدم الندم
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز المجيدل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 26/10/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اقترفت كثيرا من الذنوب وعاهدت الله أن لا أعود إليها، ولكنني لا أجد في نفسي ندماً شديداً على ما فعلت، فهل هذا مناف لمقتضى التوبة، وهل لا تقبل توبتي, فإن كان كذلك فأرشدوني جزاكم الله خيراً. أخوكم في الله.
الجواب
أخي الكريم محمد سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد: فإن ما أشرت إليه عرض لمرض، فاحرص على التركيز على الأمراض بدل الأعراض، فضعف التدين وقلة الأعمال الصالحة اليومية جعلتك تألف المخالفات ولا تجد ألماً لمقارفتها، ومن ثم لم يكن ندمك شديداً، فاحرص على تغيير نفسك ويومك، وأدخل أعمالاً صالحة في برنامجك اليومي؛ من قراءة للقرآن وحرص على المبادرة إلى الصلوات وعناية بالأذكار الصباحية والمسائية، فلا بد من رفع معدل التدين لديك حتى تقاوم عاديات المعاصي، ويعظم في نفسك أمر ربك، ولديك من الوسائل الاستماع للمحاضرات مباشرة أو بواسطة التسجيل وليكن ذلك مقصوداً لك لا تزجية للوقت، بل اجلس جلسة خاصة للاستماع وحضر قلبك، واحرص على الأشرطة التي موضوعاتها ترقق القلب وتذكر بالرب والدار الآخرة، وأكثر من الدعاء وزيارة القبور والمرضى زادك الله توفيقاً وجعلك للمؤمنين إماماً ووقاك شر نفسك والشيطان.(14/82)
ماذا يجب للتوبة من السرقة
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 11/7/1424هـ
السؤال
سؤالي عن السرقة، فقد كانت عندي هذه العادة السيئة عندما كان عمري اثني عشر عاماً، أريد أن أعرف كفارتها وكيفية التوبة منها إذا كنت تبت من هذه العادة، مع العلم أني قد نسيت كثيراً ممن سرقتهم، وبعضهم قد ترك مكانه، ولا أعلم مكانه الجديد، أرجو الإفادة.
الجواب
فيما بينك وبين الله - عز وجل - الواجب عليك التوبة إلى الله توبة نصوحاً، وفيما بينك وبين العباد الذين سرقت منهم هذه الأشياء الواجب عليك إعادة هذه المسروقات إن كنت تعرفينهم، فتعيدي هذه الأموال إلى أصحابها إذا كنت قادرة على ذلك، أما إذا لم تكوني قادرة على ذلك نظراً لعدم معرفتك بهؤلاء، أو لعدم القدرة على الوصول إليهم فإنك تتصدقي بما سرقت منهم عنهم، تتصدقي بهذه الأموال وتنوين أن تكون عن أصحابها، وإذا وجدت أحداً من هؤلاء بعد التصدق تخبريه بحقيقة الحال، فإن رضي بذلك وإلا فالواجب عليك إعادة هذا المال إليه.(14/83)
إذا كانت الصغائر تكفّر فلِمَ التوبة منها؟
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 14/11/1424هـ
السؤال
عرفت أن اللمم هي صغائر الذنوب، مثل: النظرة، والقبلة، واللمسة، وهذه الذنوب يغفرها الله ما اجتنبت الكبائر، فهل معنى ذلك أنه لا يعاقب العبد على فعل هذه الذنوب - حتى في الدنيا - إذا تاب منها ثم رجع لها مرة أخرى؟ وهكذا يتوب ويرجع ولا يجد العبد أي عقاب من الله على فعل هذه الذنوب؟
الجواب
تضافرت النصوص وتواترت من الكتاب والسنة في الدلالة على كون الأعمال الصالحة مكفرة للذنوب، مطهرة من المعاصي، قال تعالى: "إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ" [النساء: من الآية31] ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط" رواه مسلم (251) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتبت الكبائر" مسلم (233) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، ودلت النصوص أيضاً أن ما يحصل للمسلم من الهموم والأحزان، والمصائب، والأمراض، والبلايا، ونقص الأموال، والأنفس والثمرات، تارة تكون رفعة للدرجات، وتارة تكون عقوبات على المعاصي الظاهرة، قال تعالى: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ" [الشورى:30] .
وعلى كل حال فالتوبة الصادقة المجتمعة لشروطها مع الاستغفار يمنع الله بها العقوبة عن الفرد وعن الأمة، قال تعالى: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" [الأنفال:33] .(14/84)
هل يشترط إقامة الحد لقبول التوبة؟
المجيب عبد العزيز بن أحمد الدريهم
رئيس كتابة العدل بمحافظة المزاحمية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 02/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
لدي سؤال بخصوص الكبائر، شخص قام بعمل كبيرة وحدها (القتل) ، وبعد ذلك تاب عنها، فهل يشترط إقامة الحد عليه لتقبل توبته وليتوب الله عليه؛ كما فعل الصحابي -رضي الله عنه- الذي زنى وطلب من الرسول - صلى الله عليه وسلم- أن يقيم عليه الحد، وما علاقة ذلك بقبول توبته؟.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فإن الخطأ والزلل معرض له كل أحد كما قال عليه الصلاة والسلام: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" أخرجه الترمذي (2499) ، وابن ماجه (4251) . ومن رحمته سبحانه بعباده أنه يقبل التوبة من التائبين إذا تابوا التوبة النصوح الجامعة للشروط، وحقيقة التوبة كما قال العلامة ابن القيم في مدارج السالكين هي: الندم على ما سلف منه في الماضي، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على ألا يعاوده في المستقبل.
كما أن من رحمته أن شرع سبحانه إقامة الحدود كحد الزنا والقذف وشرب المسكر، ونحو ذلك، وقصد بها تطهير عباده وردعهم عن اقتراف هذه الآثام.
أما إذا تاب العبد من المعصية ولو كانت كبيرة قبل القدرة عليه، فإن توبته صحيحة ولا يلزم إقامة الحد عليه، والدليل أن الصحابي - رضي الله عنه- الذي ذكره السائل وهو ماعز - رضي الله عنه- لما جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- طالباً إقامة الحد صرف وجهه عليه السلام عنه عدة مرات، ثم لما أصر وأقيم عليه الحد وهرب من شدة الرجم، قال عليه السلام: "هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه ... ". الحديث أخرجه أبو داود (4419) .
فإذا ستر الله العبد وهو على معصية فلا ينبغي له أن يفضح نفسه وقد تاب. كما أنه ينبغي لمن وقع في شيء من المعاصي الصغيرة أو الكبيرة المسارعة في التوبة قبل نزول الموت والإكثار من الطاعات؛ فإن الحسنات يذهبن السيئات، والتوبة تهدم ما كان قبلها. وفق الله الجميع لمرضاته، والسلام.(14/85)
تاب من الكسب الحرام فهل يلزمه إخراج ما اكتسبه من ذلك؟
المجيب د. سامي بن إبراهيم السويلم
باحث في الاقتصاد الإسلامي
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 3/11/1425هـ
السؤال
أعمل محاسبًا بشركة، وعلمت خلال مدة عملي بأنه حرام؛ لأنني أقوم بإثبات القيود بين الشركة والبنك، حيث إن الشركة تقترض من البنك (سحب على المكشوف - تسهيلات) ولدي مال متوفر من عملي هذا، وأريد أن أعود لبلدي لأبدأ حياتي مع أولادي من جديد بعيدًا عن الربا الذي أقلق راحتي منذ أن علمت بحكم عملي، ولكن ليس لدي أي رأس مال أو مصدر رزق غير هذا المال المتوفر والمدخر من عملي هذا. فماذا أفعل الآن ولدي زوجة و3 بنات؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
يقول الله تعالى: (فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) [البقرة:275] . فمن تعامل بالربا ثم انتهى عن ذلك وتركه لله تعالى فقد أثبت القرآن له ملكية ما قبضه من المال بقوله تعالى: (فَلَهُ مَا سَلَفَ) . أي ما قبضه قبل أن ينتهي عن التعامل بالربا. وهذا ترغيب من الله تعالى- للعبد في التوبة والانتهاء عن العمل المحرم. فلا حرج- إن شاء الله- في أن ينتفع الأخ السائل بماله ولو كان من عمل يشوبه الربا بعد أن انتهى عن هذا العمل وتركه تجنبًا للشبهات ورغبة فيما عند الله. ونسأل الله تعالى- أن يعوض الأخ خيرًا مما ترك، وأن يفتح له من أبواب الحلال ما يغنيه عن الحرام، وأن يوفقه وإيانا وسائر المسلمين إلى ما يحبه الله ويرضاه.(14/86)
هل ينذر لمنع نفسه من المعصية؟
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 03/11/1425هـ
السؤال
أحد الأشخاص لا يستطيع أن يتخلص من معصية ما، يريد أن ينذر لله أنه إن عاد إليها فسيفعل كذا وكذا، فهل يجوز له أن ينذر نذرًا لترك المعصية؟ وهل تنصحه بذلك؟ أحسن الله إليكم ونفع بكم المسلمين، وأسألكم أن تدعو لي الله أن يعينني على ترك المعاصي ما ظهر منها وبطن.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
قول السائل: إنه مدمن على معصية لا يستطيع التخلص منها، هذا كلام خطأ، فالمعصية يمكن للعبد أن يتوب إلى الله عز وجل- منها متى ما وجد في قلبه الإيمان القوي، والصدق مع الله عز وجل، والإرادة الجازمة، والاستعانة برب العالمين، والتوكل عليه في دفع هذه المعصية، فنظرة السائل نظرة تشاؤمية، وفيها شيء من سوء الظن بالله عز وجل، والغالب أن المعصية التي لا يمكن للعبد أن يتخلص منها هي من قبيل الفواحش، إما من قبيل الوقوع في الفاحشة، أو من قبيل الوسائل الموصلة للفاحشة، ولا شك أن الفواحش من أعظم ما عُصي الله عز وجل- به، فالواجب على العبد هو إدمان الدعاء في الثلث الأخير من الليل، وفي أدبار الصلوات المكتوبة، وفي السجود، وأن يستعين بالله عز وجل- في رفع هذه المعصية عنه، ولا أنصح هذا السائل بالنذر؛ لأن الأصل في النذر أنه منهي عنه، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم- نهى عن النذر، وقال: "إنَّه لا يأتي بخيرٍ، وإنَّما يُستخرَجُ به مِن البَخيلِ". صحيح البخاري (6692) وصحيح مسلم (1639) . ويمكن التوبة إلى الله عز وجل- من هذه المعصية دون الحاجة إلى النذر، ولا يمكن أن يتوب العبد إلى الله عز وجل- من هذه المعصية وهو قريب منها، مُواقع لأسبابها ولوسائلها، فقد جاء في الحديث: "مَن سمِع بالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عنه". أخرجه أبو داود (4319) . فإذا كان العبد صادقًا في توبته، فالواجب عليه الابتعاد عن الوسائل والذرائع التي تقوي حب هذه المعصية في قلبه، فإذا كانت المعصية من قبيل الفواحش فالواجب على العبد كف البصر عن النظر إلى النساء، وكذلك الواجب كف البصر عن النظر للفواحش، والغالب أن القلوب لا تتعلق بشيء من الفواحش إلا إذا كانت فارغة من محبة الله عز وجل، وخشيته، وذكره، كما قال القائل:
أتاني هواها قبلَ أنْ أعرفَ الهوى فصادف قلبًا خاليًا فتمكَّنا
فالعبد يشغل نفسه بالطاعات والأعمال الصالحة أيضًا، ويحسن الظن بالله عز وجل، فإذا فعل ذلك كانت له العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة. والله أعلم.(14/87)
غش في الدراسة وتوظف بشهادتها!
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 20/08/1425هـ
السؤال
تخرجت في أحد المعاهد الأهلية، حيث إن هذه المعاهد تجارية فهي ليست خاضعة لأي مراقبة من الجهات المختصة؛ فيحصل فيها الغش وبتغاضي من المدرسين، وقد حصل لي أن غشيت في الامتحانات في جميع المستويات الأربعة؛ فهل إذا توظفت يكون راتبي حرامًا؟ وهل توجد كفارة لذلك؟ علما بأن مواد التخصص -وهي مادتان- تكون في آخر مستوى، وهي لب هذا الدبلوم قد نجحت فيهما، بدون غش ولله الحمد، أما المواد الثانية؛ فهي مواد مكملة أو مساعدة للدبلوم، وليس لها أي علاقة فيما لو توظفت في مجال تخصصي.. أفيدوني جزاكم الله خيرًا.
الجواب
عليك التوبة من الغش، والندم على ما فعلت، والعزم على عدم العود، وأما الشهادة فيجوز لك أن تتوظف بها، ولو كان اجتيازك لبعض المواد قد حصل بالغش، بشرط أن تكون متقنًا لما يوكل إليك من الأعمال خبيرًا بها، وألا يكون للغش السابق أثر في أدائك للعمل، وتقويم هذا إنما يصح من المشرفين عليك في العمل، وأما تقديمك لا رأيك فمحل تهمة.
على أن من الواجب عليك -ولعل أن يكون مما يكفر خطيئتك من الغش- أن تنصح للمسلمين ومجتمعك، فتبلغ المسؤولين بأن المعهد الفلاني- والذي قد درست فيه وتخرجت فيه - يمارس الغش ويخون الأمانة عسى الله أن يكفر عنك وعنا سيئاتنا ويغفر لنا خطايانا. والله أعلم.(14/88)
الاعتماد على الطاعة للعجز عن ترك المعصية
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 21/07/1425هـ
السؤال
شيخي الفاضل: أنا شاب بفضل الله أحافظ على الصلاة في المسجد، وأحفظ من القرآن الكثير، ولكن ابتليت بشيء من الذنوب الصغائر، وأحاول التوبة منها، ولكن أشعر بالضعف أمامها، فهل يجوز الاعتماد على الأعمال الصالحة في حالة العجز عن ترك المعصية، مع الإصرار والدعاء إلى الله بالتوفيق على ترك هذه المعاصي. وجزاك الله خيرًا عن الإسلام والمسلمين.
الجواب
الحمد لله. وبعد:
لا بد من التوبة من الذنوب صغيرها وكبيرها، كثيرها وقليلها، وقد كان سيد ولد آدم أفضل الخلق، أعبد المؤمنين لله وأخوفهم من عذابه، أتقى الخلق وأعلمهم بالله - عز وجل-، وأكرمهم إلى الله يتوب إلى الله في اليوم ويستغفره أكثر من سبعين مرة، انظر ما رواه البخاري (6307) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وفي الرواية الأخرى مائة مرة، انظر ما رواه أحمد (22829) من حديث حذيفة -رضي الله عنه-، والأعمال الصالحة من الصلاة وغيرها ترفع المؤمن عند الله، والصلاة الصحيحة تنهى صاحبها -والحمد لله- عن الفحشاء والمنكر، وتقويه على ترك المعصية، والرغبة إلى الله، والالتجاء إليه في كل حين، ودوام ذكره يدفع المؤمن عن المعاصي، ويرغبه في التوبة والإنابة إلى الله، والأعمال السيئة -وإن كانت من الصغائر- ذنوب محصاة يحاسب عليها العبد مع حسناته فإن رجحت حسناته، على سيئاته كان من الفائزين، وإن رجحت سيئاته على حسناته فقد خسر، وهو تحت مشيئة الله، إن شاء عذَّبه، وإن شاء غفر له إلا الشرك، لكن المؤمن ينبغي له الحرص والابتعاد عن المعاصي وإن كانت صغائر، وإذا وقع في الذنب يستغفر ويتوب، والاستغفار والتوبة عبادة هي في حد ذاتها؛ لما ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم- في الحديث: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء الله بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم" رواه مسلم (2749) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.(14/89)
اشترى جهازاً بقرض ربوي
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 11/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
اقترضت قرضاً ربوياً واشتريت به كمبيوتر، وندمت على هذا الشيء. السؤال: ماذا أفعل بالكمبيوتر، هل أبيعه؟ وإذا بعته، ما حكم فلوسه أو أتخلص منه بتحطيمه؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فعليك بالتوبة والاستغفار، ولا تعود لمثل ذلك، وبادر بالتسديد، وإن استطعت أن تسدّد حالاً وتتخلص من الزيادة التي وضعوها عليك، فهذا هو الواجب عليك، وإن لم تستطع فعليك بالتوبة وكثرة الاستغفار، والعمل الصالح، والندم على ما حصل منك، ولا حرج عليك في استخدام الكمبيوتر وبقائه عندك. وفقك الله لكل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(14/90)
هل يلزم التخلص من أرباح السهم الربوي عند التوبة؟!
المجيب د. سامي بن إبراهيم السويلم
باحث في الاقتصاد الإسلامي
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 09/03/1426هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: لدى والدتي أسهم في البنك الأمريكي، اشترتها وهي لا تعرف بحرمتها، وتود الآن بيعها، فما حكم أرباح هذه الأسهم الناتجة من البيع؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
يجب المبادرة ببيع الأسهم الربوية المشار إليها، وما تجمع من الربح فيرجى أن يكون معفواً عنه بشرط عدم التعامل بأسهم ربوية في المستقبل؛ لقوله تعالى: "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله" [البقرة:275] ، والتصدق بالربح المتحقّق في هذه الحالة فضيلة، لكن الأقرب أنه غير واجب؛ لقوله تعالى: "فله ما سلف"، فعفى عن امتلاك ما سلف من الربا إذا انتهى الشخص عن التعامل به، لكن يجب المبادرة بالبيع بأي سعر كان للتخلص من هذه الأسهم، ولا ينتظر ارتفاع السعر؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في الأَمة الزانية: "بيعوها ولو بضفير" أخرجه البخاري (2154) ومسلم (1704) ، ففيه الأمر بالمبادرة بالبيع ولا يتربص الزيادة، كما قال الشراح، ولا حرج - إن شاء الله- في صرف الربح المتحقق من البيع في المصارف المذكورة في السؤال، والواجب على المسلم أن يتبيَّن ويتثبَّت في الشركات التي يستثمر فيها؛ حتى لا يقع في الحرام. والله الهادي إلى سواء السبيل.(14/91)
ادخرت رواتب عملها في بنك ربوي ثم تابت
المجيب خالد بن إبراهيم الدعيجي
مشرف تربوي في وزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 21/11/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أطلب فتوى من فضيلتكم وجزاكم الله عني خيرًا.
أنا امرأة مطلقة، ولي بنتان، أعيش في بيت والدي ومع والدي وإخوتي، ولا عمل لدي، هذه هي حالتي الاجتماعية. يا شيخ جزاك الله خيرًا، أريد فتوى في هذه المسألة: كنت أعمل في الربا (البنك) حوالي 15 سنة، وبعد أن منَّ الله عليَّ بالهداية خرجت من البنك وتركت هذه الأمور لله؛ فهو خير معين وخير معوِّض، فمن ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه، والموضوع على أربع حالات:
1- كان عندي ذهب وبعته واشتريت به أرضًا، علمًا بأن نقود الذهب من راتبي في البنك. ما حكم هذا المال؟
2- بعت الأرض واشتريت بها سيارة حتى يزيد المبلغ وأشتري منزلًا، والآن بعت السيارة، ما حكم هذا المال؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد:
المال الذي قبضتيه سابقًا جائز ويجب عليك فقط التوبة إلى الله عز وجل. وعليه فالذهب والأرض والسيارة التي عندك وغير ذلك مما تملكتيه بهذا المال لا بأس به عليك بشرط التوبة من العمل السابق في البنك ومن التعامل بالربا.
وكذلك يجوز لك أن تأخذي المستحقات السابقة وذلك لأنك تركت هذا العمل وتبت إلى الله عز وجل. والتوبة تجب ما قبلها، والقاعدة في ذلك أن الأموال التي قبضت بعقود فاسدة إذا تاب الإنسان منها فإنها تكون مباحة بالنسبة له ولا يلزمه التخلص منها.
وإن أرادت الأخت التبرع بشيء من مالها صدقة فرحًا بمنة الله عليها بالتوبة فهذا حسن ولا يلزمها ذلك.
ولها أن تدفع المال لإخوتها سواء كان على سبيل الصدقة أو الزكاة فكل هذا جائز؛ لأنه لا يلزمها الإنفاق عليهم.
والله تعالى أعلم.(14/92)
درجات التوبة من الكسب الحرام
المجيب د. سامي بن إبراهيم السويلم
باحث في الاقتصاد الإسلامي
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 25/02/1426هـ
السؤال
أود أن أسأل عن الفتوى الواردة بعنوان: (تاب من الكسب الحرام فهل يلزمه إخراج ما اكتسبه من ذلك؟) . أليس الله -سبحانه وتعالى- يقول: "وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون"؟ كيف إذن يكون للمرء الحق بأن يستمتع بما كسبه عن طريق الربا، مع أنه زائد عن رأس ماله؟ أرجو منكم الإفادة، والله ولي التوفيق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الأمر بترك الربا في القرآن جاء فيه آيتان، كلتاهما في سورة البقرة:
الأولى قوله جل شأنه: "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله" [البقرة:275] .
الثانية قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون" [البقرة:278] .
وللجمع بين الآيتين وجهان:
الأول: أن قوله تعالى: "فله ما سلف" أي مما قبضه من الربا فيما مضى، وأما قوله تعالى: "فلكم رؤوس أموالكم" أي فيما بقي لكم في ذمم الناس من الديون. ولا إشكال أن المنهي عنه بالنص هو ما بقي من الربا، لصريح قوله تعالى: "وذروا ما بقي من الربا"، فالنهي منصب على ما بقي لا ما سبق. فإذا كان قوله تعالى "فلكم رؤوس أموالكم" يحتمل ما بقي ويحتمل ما بقي وما ما مضى، فالآيات السابقة صريحة في النهي عما بقي، فيحمل المجمل على المبين، والمحتمل على الصريح. فيكون قوله تعالى "فلكم رؤوس أموالكم" أي مما بقي دون ما مضى.
الثاني: أن التوبة درجات وليست درجة واحدة. فأدنى الدرجات هو مجرد الانتهاء عن الذنب وعدم العودة إليه. فهذا يغفر الله به الذنب السابق، كما قال تعالى: "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف" [الأنفال:38] . فمجرد الانتهاء عن الكفر والدخول في الإسلام يجبّ ما سبق من الذنوب، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يجبّ ما قبله" أخرجه مسلم (121) . وإذا كان هذا في الكفر الذي هو أعظم الذنوب، فما دونه من الكبائر من باب أولى.
لكن مجرد الانتهاء لا يضمن لصاحبه عدم المؤاخذة على الذنب السابق إذا عاد إليه مرة أخرى. ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِر". صحيح البخاري (6921) وصحيح مسلم (120) .
وأعلى الدرجات هو التوبة النصوح، التي تتضمن الانتهاء عن الذنب والندم عليه والعزم على ألا يعود إليه مرة أخرى، مع التحلل من المظالم. فمن تاب هذه التوبة ثم وقع في الذنب مرة أخرى فلا يؤاخذ على ما سبق، لتوبته منه.(14/93)
التورع عن ذبائح أهل الكتاب
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/الورع
التاريخ 6/7/1424هـ
السؤال
د. الشريف حمزة الفعر السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أدرس في دولة كافرة وامتنعت مؤخرا عن أكل اللحوم في كل المطاعم الموجودة فيها، وذلك للأسباب التالية: كيف أضمن أن اللحوم قد ذبحت بطريقة أهل الكتاب؟ فصحيح أن الغالب من الناس أنهم نصارى، ولكنهم لا يطبقون تعاليم الله تعالى في كثير من الأمور ومنها طريقة الذبح. فالشركات المخصصة بالذبح شركات تجارية ولا أظنها تهتم بالتسمية على الذبيحة أو بطريقة الذبح الكتابي.
في هذه البلدان يستخدمون نفس الآلات والمكائن والسكاكين وغيرها في فرم وقطع اللحوم التي قطعوا وفرموا بها لحم الخنزير وهذا لا يضيرهم في شيء.
في المطاعم أيضا فالطباخون قد يستخدمون نفس الشواية أو الزيت أو القدور التي طبخوا بها لحم الخنزير في طبخ لحوم البقر والدجاج. فيجب أن ينتبه المسلم لذلك. فالمسألة يجب أن يكون فيها تحر وتدقيق. والأسلم للمسلم أن يجنب نفسه هذه الأمور فأصحاب المحلات والمطاعم ومن يطبخ بها تجار، فهم يستخدمون نفس الزيوت والسكاكين والقدور لطبخ العديد من الوجبات؛ ومنها اللحوم المحرمة كالخنزير. ومثال على ذلك: فعند قطع شرائح اللحم إلى شرائح رقيقة لعمل السندوتشات فإنهم يقطعون لحوم الديك الرومي والبقر ولحم الخنزير بنفس القطاعة وبدون تنظيف. فما رأيكم حفظكم الله وجزاكم الله تعالى كل خير بهذا الأمر؟
الجواب
الأخ الكريم: السلام عليكم ورحمة الله.
لا شك أن الورع حصن حصين في الدين، ولكن أمور الفتوى العامة، لا تبنى على التورع، إذا لم يكن هناك ما يدل على التحريم، ويبقى العمل بالتورع في حق من قويت نفسه على العمل به وله أجره، وما ذكرته من أن الذبح تقوم به شركات تجارية ... إلخ، فهذا لا يغير من الحكم، لكن هل تذبح هذه المواشي بما يقطع الحلقوم والمريء والأوداج أو لا؟ فإن تم ذلك بآلة حادة في بلد كتابي فسم الله وكل، وإن كان الذبح بالصعق الكهربائي ونحوه فهذه لا تجوز، وأما بالنسبة لاستخدام السكاكين، والأواني فيما يحل وما يحرم فإن هذا الأمر كان موجوداً، حتى على عهد نزول الوحي، وقد جاء الحكم الشرعي بحل الأكل في آنية المشركين، وشرب النبي - عليه السلام- من مزادة مشركة انظر ما رواه البخاري (344) ، ومسلم (682) من حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه - وأمر آخر أيضاً هو أن ما يشق الاحتراز عنه من النجاسات معفو عنه، والقدر الذي يكون في السكين ونحوها شيء يسير جداً، فهو معفو عنه إن شاء الله.
أما الزيوت التي تستخدم للقلي فيها فإن كان يغلب على الظن استخدامها في اللحوم المحرمة فإنه لا يجوز أكل اللحوم الحلال التي تقلى في هذه الزيوت، لأنها تشبع بمادة الزيت التي اختطلت بالحرام، ويمكن ترك أكل اللحوم المقلية هذه، والاستعاضة عنها بالمشويات أو المطبوخة من اللحوم المذبوحة، وبالله التوفيق.(14/94)
ترك وظيفة براتب مغرٍ خوفاً من الفتنة
المجيب د. قيس بن محمد آل الشيخ مبارك
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فيصل
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/الورع
التاريخ 10/8/1424هـ
السؤال
أنا شاب صحفي وملتزم بأوامر الله سبحانه وتعالى، ولدي عمل طيب ولكن راتبه قليل, ومؤخراً حصلت على فرصة وظيفة أحسن وبراتب أعلى بكثير، ولكن فيها أشياء لا تريحني بتاتاً. فمثلاً هي صحيفة نسائية ورياضية وأنتم تعلمون ما رسالة هؤلاء، هذا إضافة إلى أن الفتنة كبيرة جداً من الانحلال الخلقي داخل هذه الصحيفة، وأيضا تعمل في هذه الصحيفة زوجة أخي وهي غير متحجبة، وتلبس لباسا غير محتشم، وتدخن السجائر، وهذا أمر لا أتحمل رؤيته بتاتا....أنا رفضت الوظيفة، ومازلت في وظيفتي القديمة رغم راتبها القليل. فهل أنا مخطئ في قراري هذا..
الجواب
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلا أثر في كون الصحيفة رياضية أو نسائية في الحل والحرمة، فالصحيفة إن كانت الغالب على عملها المنكرات فإن العمل فيها محرم، وذلك كالصحف التي شأنها واختصاصها نشر صور الفنانات وأخبارهن، فاحذر أن يراك مولاك حيث نهاك، وأما إن كان عملها مباحاً، غير أنها تقع في بعض المحرمات كما هو حال أغلب الصحف، فالمشهور من أقوال أهل العلم أن العمل فيها غير محرم، ما دام العمل المباح هو الغالب، ثم ليكن يقينك في الله قوياً فإن الرزق بيد الله وحده.(14/95)
المنهج الصحيح تجاه المشتبهات والشبهات
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/الورع
التاريخ 21/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد ناقشت أحد زملائي الشيعة الإمامية في الأمور المذهبية، وقد تجنبت الحديث معه، وفي مرة من المرات أثار لي شبهة عظيمة ما زال أثرها باقياً في نفسي، وهذه الشبهة تتلخص في حديث رزية الخميس الذي رواه ابن عباس - رضي الله عنهما - في البخاري، وقصة تهجم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال عمر - رضي الله عنه - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "دعوه فإنه يهجر"، وقد أثار هذه الشبهة لي عن طريق إرسال رسالة لي، وأنا لم أتثبت الأمر فساعدوني في كشف هذه الشبه. وجزاكم الله خير الجزاء عن الإسلام والمسلمين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فجواباً على السؤال أقول، وبالله التوفيق:
قبل الجواب عن الإشكال الذي ذكره السائل، والذي أوقع في قلبه حرجاً شديداً، ويريد ما يفرج عنه هذا الحرج، فإني أنصح السائل بمنهج صحيح تجاه المشتبهات والشبهات، وهو أن يستحضر في علمه وقلبه المحكمات والأدلة الواضحات القاطعات المشتهرات، ثم ليعرض تلك الشُّبه عليها، فإنه سيجد أن هذه الشبه قد سقطت على جدار حصون المحكمات، وسيراها قد احترقت تحت ضوء شمس الأدلة الباهرات وتصبح تلك الشبه - حتى ولو لم يجد لها جواباً - كحفنة تراب ألقاها عدو حاقد على جدار حصن عظيم، هل تؤثر فيه شيئاً؟! أما أن يجعل المرء قلباً خلواً من تحصينات المحكمات، فإنه سيكون قلبه حينها مستودعاً للمتناقضات، ولن يدوم على عقيدة إلا وقد تحول عنها إلى غيرها، حقاً كانت أو باطلاً، وكأن قلبه حينها قطعة من قطن، تمتص كل ما لامسها، أصفواً كان أو كدراً، وطيباً كان أو خبيثاً.
وبناء على هذا المنهج الشافي، فإني أقدم الجواب بأنه عليك يا أخي أن تتذكر بعض ما جاء في مناقب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجا إلا سلك فجا غير فجك" أخرجه الشيخان البخاري (3683) ، ومسلم (2396) من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-. ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بينما أنا نائم، رأيت الناس يعرضون، وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومر عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره"، قالوا: ماذا أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: "الدين". متفق عليه البخاري (23) ، ومسلم (2390) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-
ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بينما أنا نائم، إذ رأيت قدحاً أتيت به، فيه لبن فشربت منه حتى أني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب". قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: "العلم" متفق عليه البخاري (82) ، ومسلم
(2391) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.(14/96)
ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - "دخلت الجنة، فرأيت فيها داراً أو قصراً، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخل، فذكرت غيرتك" فبكى عمر، وقال: أي رسول الله! أو عليك يُغار. أخرجه الشيخان البخاري (5226) ، ومسلم (2394) من حديث جابر -رضي الله عنه-.
ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد، فإن عمر بن الخطاب منهم" أخرجه البخاري (3469) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وأخرجه مسلم (2398) من حديث عائشة -رضي الله عنها- وانظر فتح الباري (7/50) .
أوليس هو الفاروق؟ أليس هو أحد العشرة المبشرين بالجنة؟ وهذا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يعلن حبه وإجلاله وتعظيمه لعمر - رضي الله عنه -.
فعن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: "وضع عمر بن الخطاب على سريره، فتكنفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه، قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت إليه، فإذا هو علي، فترحم على عمر، وقال: ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقي الله بمثل عمله منك، وأيم الله، إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذاك أني كنت أكَثِّرُ أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر" متفق عليه البخاري (3677) ، ومسلم (2389) .
وقال محمد بن الحنفية (وهو ابن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه) : قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال أبو بكر قلت ثم من؟ قال: ثم عمر" أخرجه البخاري (3671) .
وقال علي بن أبي طالب: "ما نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر" أخرجه الإمام أحمد (834) بإسناد صحيح.
وإني إذ أعرض هذه النصوص لألوم نفسي إذ إني تعرضت لأمر عظيم، قد صنف العلماء فيه كتباً ومصنفات. فمن يجهل مكانة الفاروق في الإسلام؟ ومن ينسى سيرته وعدله وعبادته وزهده ونصره للإسلام والمسلمين؟(14/97)
وما أحسن قول الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى عندما سأله هارون الرشيد: يا مالك، كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: يا أمير المؤمنين، قربهما منه في حياته، كقرب مضجعهما من مضجعه بعد وفاته، فقال هارون: شفيتني يا مالك، شفيتني يا مالك. أخرجه الزبير بن بكار في جمهرة نسب قريش (2/584) ، والآجري في الشريعة (1849) ، وغيرهما بإسناد صحيح، فإذا اطمأن القلب بتلك النصوص والأدلة والشواهد المحكمة الواضحة، فأعرض على قلبك بعدها تلك الشبهة، هل يبقى لها أثر؟ ومع ذلك فقد أجاب العلماء عن ذلك الحديث، وبينوا حقيقته، ومن أحسن الأجوبة: هو أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الطلب، الذي فيه معنى دنو الأجل واقتراب ساعة الوفاة من النبي - صلى الله عليه وسلم - أصابته دهشة وحيرة في ذلك المقام العظيم والمصاب الجسيم، كما أصابه ذلك بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يكذب من يقول بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويتوعده بالقتل، من عظيم حبه وتعلقه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فحملته تلك الحيرة والدهشة، مع علمه بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشر، يعتريه ما يعتري البشر من المرض والحمى وآثارهما، إلى أن يظن أن هذا من النبي - صلى الله عليه وسلم - كلام من أثر مرضه وأثناء غيبوبته من الحمى. وانظر أجوبة أخرى في (المُعْلِم) للمازري (2/234) ، وإكمال المعلم للقاضي عياض (5/379 - 382) ، والمفهم للقرطبي (4/559 - 560) ، وفتح الباري لابن حجر (7/739 - 740) .
ثم إننا لا نشك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أدى الأمانة وبلغ الرسالة على الوجه الأكمل، فلو لم يكن فيما بلغه لأمته كفاية لها، ولو لم يكن ما أراد ذكره وكتابته ساعة وفاته قد سبق منه ما يدل عليه، ولو كانت دلالته فيها شيء من الخفاء، لولا ذلك كله لما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - البلاغ والبيان لمجرد ذلك التنازع الذي حصل بمحضره - صلى الله عليه وسلم - وإلا فقد وقع بين أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وبمحضره اختلافات عدّة أثناء حياته - صلى الله عليه وسلم -، فلم يمنع ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - من البيان والبلاغ، لما كان البلاغ والبيان مما لا غنية للمسلمين عنه من شؤون دينهم.
وعلى هذا، فإن ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - للكتابة بعد استفاقته من غيبوبته، يدل على أن ما أراد كتابته موجود في كتاب الله تعالى وسنته - صلى الله عليه وسلم - ولو على وجه يحتاج إلى اجتهاد واستنباط للوصول إليه.
وبهذا يتبين أنه لم يقع من عمر - رضي الله عنه - أمر يحتاج إلى طول اعتذار، ولا هناك شبهة قوية تقدح في مكانة الفاروق - رضي الله عنه - بل لم يزل - رضي الله عنه- ولا يزال خير هذه الأمة بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - وبعد أبي بكر، كما قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه.
والله أعلم.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه.(14/98)
هل يتفاوت الناس في الإخلاص والورع؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/الورع
التاريخ 28/10/1424هـ
السؤال
هل الإخلاص مراتب (أي يقال مثلاً هذا الرجل أشد إخلاصاً من ذاك) ؟ أم هو مرتبة واحدة؟ وكذلك الورع هل هو مراتب؟
الجواب
الحمد لله، الإخلاص هو أن يقصد العبد بعمله وجه الله وحده لا شريك له، فلا يريد عرضاً من الدنيا ولا مدحاً من الناس، بل يبتغي مرضاة الله وثوابه، قال تعالى:"وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ... " [البينة:5] وقال:"ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" [النساء:114] وقال عن عباده:"إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً" [الإنسان:9] ، وأما الورع فقال العلماء: إنه ترك ما يضر في الآخرة، فيتناول ذلك ترك المحرمات والمشتبهات، وكل أنواع العبادات يتفاوت فيها الناس فالإخلاص يتفاضل، فبعض الناس أكمل إخلاصاً من بعض وأكمل ورعاً، فيتفاوت الناس في الإخلاص قوة وضعفاً، ويتفاوتون كذلك بالنسبة لما يخلصون فيه من الأعمال وما لا يخلصون فيه، وكذلك الورع فقد يكون عند الإنسان ورع في أشياء دون أشياء، فعلى المسلم أن يجتهد أن يكون مخلصاً في جميع أعماله، وأن يكون مجتنباً لكل ما حرم الله مجتنباً للمشتبهات كما قال -صلى الله عليه وسلم-:"إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ... " البخاري (52) ومسلم (1599) ، والله أعلم.(14/99)
الفرق بين الورع والتكلف المذموم!
المجيب د. سليمان بن قاسم العيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/الورع
التاريخ 02/11/1426هـ
السؤال
ما الفرق بين الورع والتكلف المذموم شرعاً؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالورع: هو اجتناب الشبهات خوفاً من الوقوع في المحرمات، وقيل: هو ملازمة الأعمال الجميلة، وقيل: ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس، وأصله قوله -صلى الله عليه وسلم-: " إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" أخرجه البخاري (52) ، ومسلم (1599) . وهو مندوب إليه، ومنه الخروج من خلاف العلماء بحسب الإمكان، فإن اختلف العلماء في فعل هل هو مباح أم حرام فالورع الترك. وإن اختلفوا هل هو مباح أو واجب فالورع الفعل مع اعتقاد الوجوب، وإن اختلفوا هل هو مندوب أو حرام فالورع الترك، وإن اختلفوا هل هو مكروه أو واجب فالورع الفعل.. وعلى هذا المنوال.
وأما إذا اختلفوا بالوجوب والتحريم فلا ورع، أو الندب والكراهة فلا ورع؛ لتساوي الإقدام والإحجام.
أما التكلف فهو تجاوز الحد في الورع، وذلك بترك أمر مباح لم تتطرق إليه شبهة تحريم أو نحوه، وذلك خوفاً من ورود الشبهة فيه، أو حصول الإثم به، أما إذا ترك المباح من غير اعتقاد شبهة أو خوف إثم فهذا من الزهد الممدوح أيضاً، فهناك فرق بين الورع والزهد والتكلف، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم.(14/100)
وبناء على ذلك فالتوبة عن الربا لها مرتبتان: أدناهما مجرد الانتهاء عن الربا، وهي التي وردت في قوله تعالى: "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى"، ولم يقل: تاب. فهذا الانتهاء يغفر به الله ما مضى، كما سبقت الإشارة إليه، لكن هذه المغفرة مشروطة بعدم الوقوع في الربا مرة أخرى. ولهذا قال تعالى في الآية: "وأمره إلى الله" أي والله أعلم: أمره مرهون بعدم رجوعه للربا مرة أخرى. فإن ثبت على الانتهاء ثبتت المغفرة، وإن عاد أخذ بالأول والآخر كما جاء بذلك الحديث.
والمرتبة العليا هي التوبة النصوح، وهذه تتضمن فوق الانتهاء الاقتصار على رأس المال وعدم الاحتفاظ بالزيادة. لكن هذه المرتبة ليست واجبة ولذلك لم يرد الأمر بها، بل اقتصر على التنويه بها في قوله تعالى: "وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم"، لكن لم يأمر بذلك، بل اقتصر على الأمر بترك ما بقي. وعلى ذلك فالاقتصار على رأس المال فضيلة لكنه ليس واجباً إذا تحقق الانتهاء، والحد الأدنى من التوبة الذي أمرت به النصوص صراحة هو ترك ما بقي.
وعلى كلا القولين في الجمع بين الآيتين فإن ما بقي من الربا محرم ولا يجوز أخذه، وأما ما مضى فلا يحرم الاحتفاظ به بعد الانتهاء. وإنما الكلام هل يستحب له التخلص مما زاد عن ذلك.(14/101)
البرق والرعد بشير أم نذير؟
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/الخوف والرجاء
التاريخ 18/1/1423
السؤال
هل البرق والرعد بشير خير أم نذير وتخويف وترهيب؟
الجواب
الواقع أن البرق والرعد آيتان كونيتان دالتان على بديع صنع البارئ - سبحانه-، وعظيم قدرته وتدبيره، ويجوز أن البرق والرعد بشير خير أو نذير شر وعقوبة وتخويف، قال الله - تعالى -: " هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً " [الرعد:12] قال بعض المفسرين: أي تخافونه لما يترتب عليه أحياناً من نزول الصواعق، وحرق المحاصيل، وحدوث الغرق، ونحوه، أو تطمعون بما قد يترتب عليه من نزول الأمطار ونبات الزروع، وخروج الثمار، وعموم البركة.
وعلى كل حال فإن نبينا - عليه السلام - كما صح عنه عند البخاري (3206) ومسلم (899) من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا عصفت الريح قال:" اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به" قالت: وإذا تخيلت السماء، تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سُرِّي عنه، فعرفت ذلك في وجهه، قالت عائشة -رضي الله عنها-: فسألته، فقال:" لعله يا عائشة كما قال قوم عاد:" فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارضٌ ممطرنا" [الأحقاف:24] فالواجب الحذر من أسباب غضب الله بهجرة الذنوب والمعاصي تجنباً لنقمة الله وانتقامه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يتغير حاله ويتلون وجهه حين رؤية الغيوم في زمنه المبارك وبلده الطاهر، فكيف بنا في هذه الأزمان العجيبة وهذه الأحوال المريبة؟! والله المستعان.(14/102)
اكتساب المال بواسطة المواقع والمنتديات
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/الخوف والرجاء
التاريخ 17/5/1424هـ
السؤال
هل اكتساب المال من خلال عمل مواقع ومنتديات في الإنترنت حلال؟ علماً أن هذه المواقع قد تتضمن أغاني وتنجيماً، وقد يكون هذا المكسب من وراء الإعلانات التي تنشر من خلالها.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: فإن الأغاني المتضمنة للموسيقى أو الكلمات الساقطة محرمة، وشر منها التنجيم فإنه محرم باتفاق أهل العلم، وقد يصل إلى الكفر، وعليه فلا تجوز إعانة تلك المواقع بأي شكل من أشكال الإعانة، ليس فقط لأن المال المكتسب محرم، بل لأن هذا العمل لا يجوز، لأنه تعاون على الإثم والعدوان "، وقد قال تعالى: "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة: 2] .
فلا يجوز عمل مواقع تتضمن هذه المنكرات، والساعي فيها شريك في الإثم ما دام الإثم موجودا، فالأمر جد خطير نسأل الله تعالى لإخواننا المسلمين الهداية والتوفيق، وعليك القيام بنصيحة أصحاب تلك المواقع.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/103)
الجمع بين حسن الظن بالله والخوف والرجاء
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/الخوف والرجاء
التاريخ 23/1/1425هـ
السؤال
كيف نوفق بين الحديث القدسي الذي يقول: "أنا عند حسن ظن عبدي بي ... "، وبين: "منزلة الرجاء والخوف..؟ " نرجو الإفادة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالحديث الذي ذكرته خرجه مسلم في صحيحه كتاب: (الجنة وصفة نعيمها) ، باب الأمر بحسن الظن بالله، حديث رقم: (2877) جـ (4/2205) عن جابر - رضي الله عنه- قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته بثلاث يقول: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن".
وفي لفظ آخر عند مسلم برقم: (2675) ، جـ (4/2061) ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني.." الحديث.
قال ابن القيم - رحمه الله- "يعني ما كان في ظنه فأنا فاعله به" انظر الجواب الكافي (1/3) ، ولا تعارض بين حسن الظن بالله وبين منزلة الرجاء، إذ إن حسن الظن بالله رجاء، قال ابن القيم - رحمه الله-: "وحسن الظن هو الرجاء؛ فمن كان رجاؤه جاذباً له على الطاعة زاجراً له عن المعصية فهو رجاء صحيح، ومن كانت بطالته رجاء ورجاؤه بطالة وتفريطاً فهو المغرور" انظر الجواب الكافي (1/24) . والعبد -يا أخي- مطالب بتحقيق الخوف والرجاء إذ هما من ركائز العبودية الصحيحة، والمؤمن حاله بين الخوف والرجاء يرجو رحمة الله ويحسن الظن بربه، ويخشى عذابه واستدراجه، وبذلك يستقيم أمره وتنتظم أحواله، على أنه ينبغي أن يعلم أن الرجاء حادٍ يحدو القلوب إلى الله والرجاء لا يكون رجاءً صحيحاً إلا إذا كان معه عمل، وحسن الظن يكون مع الإحسان فالمحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده ويقبل توبته، وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه، انظر الجواب الكافي (1/3) .
والفرق بين الرجاء والأماني وبين الرجاء والغرور واضح لمن تأمله، قال ابن القيم - رحمه الله-: "والفرق بينه وبين التمني أن التمني يكون مع الكسل، ولا يسلك بصاحبه طريق الجد والاجتهاد، والرجاء يكون مع بذل الجهد وحسن التوكل"، وبَيَّن في موضع آخر الفرق بين حسن الظن والغرور "فحسن الظن إن حمل على العمل وحث عليه وساعده وساق إليه فهو صحيح، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور"، انظر الجواب الكافي (1/24) .
وقال أيضاً: "المؤمن يجمع بين الإحسان مع الخوف وسوء الظن بنفسه، والمغرور حسن الظن بنفسه مع إساءته" انظر مدارج السالكين (2/95) .
فاجمع يا أخي بين الخوف والرجاء، وأحسن ظنك بربك يستقم أمرك وتنتظم حياتك، واعلم أن الخوف والرجاء كما قال بعضهم كجناحي طائر إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه وإن نقص أحدهما وقع فيه النقص وإذا ذهبا صار الطائر في حدّ الموت.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(14/104)
الخوف أم الرجاء..
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/الخوف والرجاء
التاريخ 26/3/1425هـ
السؤال
كيف يجمع الإنسان في قلبه ما بين حسن الظن بالله (خاصة حين يأتي بمعصية) وعدم الأمن من مكر الله (خاصة حين يكرمه الله بحسنة) .وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اعلم - رحمك الله- أن على العبد أن يحسن الظن بربه؛ فإن هذا من الواجبات الدينية؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى" خرجه مسلم (2877) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -، ولنهيه - جل وعلا- ووعيده لمن أساء به الظن قال تعالى: "الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً" [الفتح: من الآية6] ، والمؤمن في الوقت نفسه لا يأمن مكر الله؛ لأن الله -تعالى- يقول: "أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ" [الأعراف:99] ، ومكر الله هو استدراج العصاة بتوالي النعم عليهم مع إصرارهم على المعاصي.
وحاصل الأمر أن على العبد إذا أذنب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يحسن الظن بربه باعتقاده أن الله يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، ولا ييأس من روح الله، وكلما كان العبد حسن الظن بالله حسن الرجاء صادق التوكل عليه، فإن الله لا يخيب أمله، والمؤمن يجمع إحساناً في مخافة وسوء ظن بنفسه، والمغرور حسن الظن بنفسه مع إساءته، وعلى قدر حسن ظنك بربك ورجائك له يكون توكلك عليه، ولذلك فسر بعضهم التوكل بحسن الظن بالله، يقول ابن القيم - رحمه الله -: (والتحقيق أن حسن الظن بالله يدعوه إلى التوكل عليه، إذ لا يتصور التوكل على من ساء ظنك به، ولا التوكل على من لا ترجوه والله أعلم) ، انظر مدارج السالكين (2/121) . ويقول ابن تيمية - رحمه الله-: (وينبغي للمؤمن أن يكون خوفه ورجاؤه واحداً فأيهما غلب هلك صاحبه، ونص عليه الإمام أحمد؛ لأن من غلب خوفه وقع في نوع من اليأس، ومن غلب رجاؤه وقع في نوع من الأمن من مكر الله) ، انظر الفتاوى الكبرى (4/443) ، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/105)
فعل الخير إرضاء لله لا طلباً للثواب
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/الخوف والرجاء
التاريخ 2/1/1425هـ
السؤال
بعض الصوفية يقولون إنهم يفعلون الخير إرضاء لله فقط وليس طلباً للثواب، ويدعون أن الهدف من أعمالهم ليس خوفهم من النار، وليس حباً في الجنة، ثم يدعون أن ذلك هو أسمى الإخلاص، أرجو التكرم بالتعليق على كلامهم، فهذا يتناقض مع وعد الله -سبحانه- بالأجر الكبير، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يحث المسلمين على فعل الخيرات ويذكر الأجر على ذلك. أرجو توضيح الحق في هذه المسألة.
الجواب(14/106)
الحمد لله، لقد أمر الله عباده بما أوحى به إلى رسله، أمرهم أن يعبدوه وأن يطيعوه وأرشدهم سبحانه وتعالى- إلى كل بر، ونهاهم عن كل إثم، ورتب على ذلك الجزاء في الدنيا والآخرة، فوعد المؤمنين بالأجر العظيم والثواب في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: "من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة [النساء:134] ، وتوعد من كفر به - سبحانه وتعالى- وعصى أمره بالعقاب في الدنيا والآخرة، كما أرشد عباده إلى خوفه ورجائه وأثنى على الذين يرجونه ويرغبون إليه، ويرهبون منه، كما قال -سبحانه وتعالى-: "إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهبا وكانوا لنا خاشعين" [الأنبياء:90] ، وقال الله - سبحانه وتعالى- "أولئك الذي يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا" [الإسراء:57] ، وعباد الرحمن الصادقون يعبدونه حباً وإجلالاً وخوفاً ورجاءً، وهذا هو موجب الإيمان بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، فإنه -سبحانه- بر رحيم وغفار للذنوب، وهو مع ذلك شديد العقاب وسريع العقاب قال -سبحانه-: "نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم" [الحجر:49-50]] ، وقال: "اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم" [المائدة:98] ، فأسماؤه وصفاته توجب محبته وإجلاله، وخوفه ورجاءه، وأما ما تدعيه جهلة الصوفية من أنهم يعبدون الله لا خوفاً من ناره، ولا طمعاً في جنته، وإنما يعبدونه حباً له ولذاته فهذا مما لبس به الشيطان عليهم، وأوهمهم أن هذه الطريقة هي أفضل الطرق في عبادة الله، وهذا يلزم منه تنقص الرسل، وتنقص الكمل من أتباعهم، وهذه الدعوى تتضمن احتقار ثواب الله، والاستهانة بعذابه وهذا خلاف ما أراده الله من عباده، فالله إنما أخبر عن الجنة والنار ليرغب إليه المؤمنون بالنجاة من النار، والفوز بالجنة، والخوف والرجاء مقامان من مقامات الإيمان، وقد أثنى الله بهما على رسله وأوليائه، فمن ادعى أنه لا يعبد الله خوفاً ولا رجاءً فقد فاته القيام بهذا الواجب، واجب الخوف والرجاء، وفاته الأجر والثواب والثناء من الله، والصوفية بهذه الدعوى يخالفون موجب الفطرة، والله فطر العباد على محبة ما يلائمهم وكراهة ما يضرهم، ولقد أخبر الله عن عباده بأنهم يضرعون إليه بأن يصرف عنهم عذاب جهنم، وأن يأتيهم ما وعدهم على ألسنة رسله كما قال -تعالى-: "والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما" [الفرقان:65] ، وقال -تعالى-: "ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" [البقرة:201] ومن جملة دعاء الذاكرين المتفكرين أولي الألباب: "ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد" [آل عمران:194] ، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا تشهد أحدكم فليستعذ من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر.." البخاري (1377) ومسلم (588) إلى آخر الدعاء المعروف، والذين يدَّعون أنهم يعبدون الله لا خوفاً ولا رجاءً، يلزمهم ألا يدعوا بشيء من هذه الدعوات فيفوتهم أجر التعبد بذلك، ويحرمون من الآثار المرجوة بهذه الدعوات التي يحب الله من عباده أن يدعوه بها، والحاصل أن هذه الدعوى بدعة في الدين وهي مع ذلك منافية للفطرة، فالواجب عدم الاغترار بها وبأصحابها، وأن الهدى والفلاح باتباع الرسل والسير على الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، وهذا ما أمر الله به عباده، أن يسألوه في كل ركعة من الصلوات: "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" [الفاتحة:6-7] . والله أعلم.(14/107)
بين الاقتصاد في الطاعة والمسارعة إلى الخيرات
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/الخوف والرجاء
التاريخ 17/06/1425هـ
السؤال
لدي سؤالين:
1- بوَّب العلماء في كتبهم باب الاقتصاد في العبادة، وذكروا أدلة وأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مفادها أن يقتصر المسلم في عبادته، فكيف نوفِّق بين هذا، وبين المسارعة في الخيرات، وأيضاً فعل بعض السلف من الصلاة أكثر من 200 ركعة في اليوم؟ وكيف نفهم هذه السنة، أقصد سنة الاقتصاد؟.
2- كيف أكون ربانياً؟ وكيف أكون عالماً ربانياً؟ وهل يشترط -لكي أكون ربانياً- أن أكون عالماً من العلماء؟ أرجو الإرشاد. وأسأل الله العظيم الكريم أن يجزيكم خيراً.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً - صلى الله عليه وسلم- هو دين العدل والاعتدال، والوسطية بين الإفراط والتفريط في كل شرائعه.
وهذه الوسطية تتحقق بالوقوف عند حدود الله "تلك حدود الله فلا تعتدوها" [البقرة:229] ، وهي شرائعه من واجبات ومستحبات ومباحات، وتجاوزها وتعديها يكون بالزيادة عليها، فإن الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، والدين ما شرعه الله، فمن ابتدع في الدين عبادة أو عقيدة، أو حرَّم حلالاً فقد تعدَّى حدود الله، قال الله -تعالى-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ" [المائدة:87-88] .
وقال سبحانه وتعالى في الإنفاق: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً" [الفرقان:67] ، فمن أنفق في غير ما شرع الله وأباح كان من المسرفين، ومن بخل بما أنعم الله عليه بما أوجب كان من المفرطين.
والاقتصاد في العبادة هو التوسُّط فيها؛ وذلك بالوقوف عند ما أمر به رسوله - صلى الله عليه وسلم-، وما سنه الرسول - صلى الله عليه وسلم- في قوله أو فعله، فمن أراد أن يتعبد لله فوق ما سنه الرسول - صلى الله عليه وسلم- لعدم اقتناعه بهديه -صلى الله عليه وسلم- كالذين قالوا ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم- من الصيام والقيام والتفرغ للعبادة، وقالوا: أين نحن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، فقال بعضهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال بعضهم: أقوم ولا أنام الليل، وقال بعضهم: أنا لا أتزوج النساء، فعلم النبي - صلى الله عليه وسلم- بخبرهم، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" رواه البخاري (5063) ، ومسلم (1401) من حديث أنس -رضي الله عنه-.(14/108)
وما جاء عن بعض السلف من مواصلة الصيام على الدوام ومواصلة القيام كان ذلك باجتهاد منهم، وأكثر ما وقع ذلك من بعض العباد، وهو بكل حال خطأ؛ لأنه خلاف هديه عليه الصلاة والسلام، وخلاف ما أرشد إليه -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "يسروا ولا تعسروا" رواه البخاري (6125) ، ومسلم (1734) من حديث أنس-رضي الله عنه-،وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: "سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيءٌ من الدُّلجة، والقصد القصد تبلغوا" رواه البخاري (6463) ، ومسلم (2816) من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-، ومعلوم أن خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم-، والاقتصاد في العبادة هو لزوم هديه عليه الصلاة والسلام المشتمل على التيسير البريء من الإفراط والتفريط.
وأما قولك: كيف أكون عالماً ربانياً؟ فنقول: سل الله من فضله، وخذ بأسباب ذلك حسب استطاعتك، والله - سبحانه وتعالى- يؤتي فضله من يشاء، ولا يوصف بالربانية إلا من كان عالماً، عاملاً معلماً، ومن طلب فضل الله واتقى الله جعل له من أمره يسراً، ولو لم تظفر إلا بالنية الصالحة والعزيمة الصادقة فالله يثيبك على ذلك، ويبلغك من ذلك ما قدر لك، وهو سبحانه وتعالى أعلم حيث يجعل فضله، والله ذو الفضل العظيم. والله أعلم.(14/109)
اتخاذ الأسباب والاعتماد عليها
المجيب د. خالد بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوكل
التاريخ 27/6/1422
السؤال
المسلم مطالب باتخاذ الأسباب في حياته، فما الضابط في اتخاذ هذه الأسباب؟ حيث نشاهد البعض يستميت في بذلها إلى درجة أن يقال: أن هذا الشخص معتمد على السبب وليس على المسبب؛ وهو الله سبحانه.
الجواب
الضابط اتباع ما يأتي:
1- اعتقاد فاعل السبب أن هذا السبب لا يحقق النتيجة إلا بمشيئة الله، الذي إن شاء جعله موصلاً لها، وإن شاء لم يجعله. ولذا فعليه أن يجعل من الأسباب التي يأخذ بها الاستعانة بالله.
2- فعل المباح من الأسباب دون المحرم.
3- ألا يؤدي اجتهاده في الأخذ بالسبب المباح إلى فعل محرم؛ لأن ما أدى إلى محرم فهو محرم.
4- ألا يلوم نفسه إذا لم تحصل النتيجة، بل يرضى ويسلم.
فمن التزم في أخذه بالأسباب هذه الأمور، فهو غير معتمد عليها مهما اجتهد في بذلها، وقد دلنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على هذه الضوابط، بقوله: ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)) ففي هذا أمر بالأخذ بالأسباب، ومنها الاستعانة بالله التي تفيد تعلق القلب به، واعتقاد كون الأمر بيده سبحانه، ثم قال: ((وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان)) أخرجه مسلم (2664) وهذا إشارة إلى التسليم بعد القضاء.(14/110)
طلب الرزق والتوكل
المجيب د. عبد الله بن عمر السحيباني
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوكل
التاريخ 24/3/1423
السؤال
الإلحاح في طلب الرزق وزيادة الدخل الشخصي للمسلم، هل ينافي التوكل والرضا بالقضاء والقدر؟
الجواب
إن السعي في طلب الرزق والحرص عليه، وفعل الأسباب الموصلة إليه لا ينافي القدر؛ لأن الله -تعالى- قدر الأقدار، وأمر بالأسباب وكل ميسر لما خلق له، وقد دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، قال الله -تعالى-: "فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون" [الجمعة:9] ، وقال -سبحانه-: "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" [الملك:15] ، وقال -سبحانه-: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" [البقرة:197] ، وهذه آيات صريحة في الأمر بطلب الرزق والكسب والتجارة المباحة، والاستغناء عن المخلوقين، مع عدم نسيان ذكر الله وما عنده من الأجر العظيم والنعيم المقيم.
وجاء في الحديث الصحيح أنه قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "أرأيت ما يعمل الناس فيه ويكدحون فيما جفت به الأقلام وطويت به الصحف؟ لما قيل له: أفلا نتكل على الكتاب؟ قال: "لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له" البخاري (4949) مسلم (2647) .
قال شيخ الإسلام: وجماع هذا أن الله خلق الأمور بأسباب، فالالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب المأمور بها قدح في الشرع" (انظر قاعدة في الرد على الغزالي في التوكل، تحقيق الشيخ علي الشبل، وهي مفيدة في هذا الباب) .
لكن الذي ينبغي أن يعلمه السائل أن الإلحاح في طلب الرزق أو الحرص الزائد والشره مما يذم عليه المسلم، وربما أفسد عليه دينه جاء في الحديث الصحيح: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه" الترمذي (2376) أحمد (15784) .(14/111)
هل الاهتمام بالصحة مناف للتوكل؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوكل
التاريخ 1/07/1425هـ
السؤال
هل المبالغة في تتبع الأوامر والنصائح الطبية كما يقولون: (درهم وقاية خير من قنطار علاج) مخالف للأمر بالتوكل على الله تعالى؟ حتى أصبح كثير من الناس شغلهم الشاغل هو المحافظة على صحة البدن، حتى أشغلهم ذلك عن المحافظة على صحة الروح؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، وبعد:(14/112)
لقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم-: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله" مسلم (2664) ، وقال الله سبحانه وتعالى: "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" [الأعراف: 31] ، وقال - صلى الله عليه وسلم-: "تداووا يا عباد الله ولا تداووا بحرام" أبو داود (3874) ، والصحة نعمة من نعم الله التي يجب شكرها والاستعانة بها على طاعته سبحانه، فإذا اهتم الإنسان بالمحافظة على صحته، وذلك بتناول الأغذية النافعة، وتجنب أسباب الإصابة بالأمراض وتعاطي أسباب الحمية، وكذلك أسباب الشفاء من الأدواء، ونوى بذلك أن يكون قادراً على القيام بأنواع الطاعات، وقادراً على أداء الواجبات، كان مأجوراً باهتمامه بصحته والمحافظة عليها، وإن أراد بهذا الاهتمام والمحافظة على الصحة مجرد التمتع بذلك والتمتع بما يترتب على الصحة من أنواع اللذات المباحة فلا حرج عليه في هذا، لأن ذلك مما أباحه الله، ولكن لا تنبغي المبالغة بالمحافظة على الصحة، وذلك بالحرص على توفير أنواع الأغذية، وكذلك المبالغة في اتقاء الأدواء، فإن ذلك يورث خوفاً وقلقاً وأوهاماً، فخير الأمور أوسطها، فلا إفراط ولا تفريط، ولا ينبغي للمسلم أن يعرض نفسه لما يضر بصحته، وأقبح ذلك ما حرمه الله على عباده من المطاعم والمشارب، بل وكذلك لا يجوز التداوي بما حرمه الله لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها" رواه البخاري تعليقاً في كتاب الأشربة باب شراب الحلواء والعسل، وصححه ابن حجر، انظر الفتح (85/65) كما لا ينبغي للمسلم أن يفرط بالاهتمام بصحة بدنه، وما يظن أنه محقق لذلك من أنواع الأغذية والأدوية، ووسائل الحمية، ولا ريب أنه ينبغي للمسلم أن يهتم بصحة قلبه وروحه، وذلك بتحصيل العلم النافع والعمل الصالح، وتجنب الأسباب المضعفة للإيمان، والموجبة للتقصير بالواجبات، ونوافل الطاعات، أو المؤدية إلى الوقوع في المحرمات، فإن سلامة الدين يجب أن تكون أهم لدى المسلم من سلامة البدن، لأن الإنسان في هذه الحياة لم يخلق ليأكل ويشرب ويتمتع كالبهائم، وإنما خلقه الله لعبادته، فسعادته موقوفة على القيام بعبوديته الله، ولهذا وصف الله الكفار المعرضين عما خلقوا له بأن حالهم كحال البهائم، قال تعالى: "والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم" [محمد: 12] ، وقال تعالى: "ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون" [الحجر: 3] ، ومن سلامة الدين وأخلاق المؤمنين التوكل على الله في جلب المنافع، ودفع المضار، وتحصيل خيري الدنيا والآخرة، مع فعل الأسباب المشروعة والمباحة من غير اعتماد عليها، إيماناً بأن الأمر كله لله وأن الخير بيده، وأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وأما أهل الإيمان فإنهم يستعينون بنعم الله على طاعته بما أعطاهم الله من الحلال وما يمدهم به من الصحة على الأعمال الصالحة، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون" [البقرة: 172] ، وقال تعالى: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم" [المؤمنون: 51] . نسأل الله أن يستعملنا في طاعته، وأن يوفقنا لشكر نعمه، والاستعانة بها على محابه إنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم.(14/113)
طرق الثبات على التوبة
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/المراقبة والمحاسبة
التاريخ 5/6/1423
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
أرجو منكم أن تعطوني طرقاً للتمسك بالدين (الالتزام) ؛ لأني قد تعبت من الانتكاس فأنا أتوب ثم أرجع وهكذا، فما الحل؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
أخي الكريم، إنني متفهم جداً لمشكلتك، وأقدر حجم معاناتك، لكنني أشعر بتفاؤل كبير بقرب الفرج، وحصول ما تأمله من صدق التوبة وجدية الرجوع إلى الله، ذلك أن بحثك عن حل لمشكلتك هو في حد ذاته نصر كبير يسجل لك على عدوك اللعين إبليس ونفسك الأمارة بالسوء.
وأبشر -حرسك الله- بأن أسباب وطرق الثبات على التوبة كثيرة منها:
1- صدق التضرع إلى الله بأن يعينك على إتمام التوبة والخلاص من كيد الشيطان ووسوسته، وخداع النفس وطمعها.
2- أن تتذكر دائماً مراقبة الله لك، وإحاطته بك وأنه قد يفاجئك بالعقوبة والانتقام.
3- أن تجعل نصب عينيك غصص الموت الذي قد يباغتك في ساعة المعصية، فلا ينفع ندم، ولا تجدي توبة.
4- تذكر وخز الضمير، وحسرة القلب بعد الفراغ من المعصية وأنها تفوق بمراحل لذة الشهوة ومتعة الذنب.
5- تذكر ما أعده الله للصابرين المبتعدين عن حرمات الله من الدرجات العلا والثواب العظيم.
6- تذكر بأن الوسيلة التي ستنال بها المعصية، أعني: عينيك وأذنيك وحواسك وجوارحك هي منحة من الله، فهل من عرفان الجميل أن تستغلها في سخطه؟ والله يقول:"هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" [الرحمن:60] ، وختاماً أدعو الله أن يجنبني وإياك مضلات الفتن، والسلام عليكم.(14/114)
الهدف من الحياة
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/المراقبة والمحاسبة
التاريخ 20/1/1423
السؤال
ما الهدف من الحياة؟
الجواب
لا يخفى على كل إنسان أن لكل شيء في الوجود غاية ووظيفة في الحياة، فالطائرة للنقل الجوي، والسفينة للنقل البحري، والملابس لتغطية الجسد وتزيينه، والساعة لضبط الوقت وهكذا.
والإنسان له دور ووظيفة أعلى وأعظم لأنه أهم المخلوقات في هذه الأرض، وأهميته تنبع من كونه قد أعطي قوى وإمكانيات عظيمة منها السمع والبصر وأجهزة الحس الأخرى التي هي بمثابة لواقط يجمع بها الإنسان المعلومات من حوله، وترسل للعقل -العضو الأهم- والذي يمارس عملية الإدراك والتمييز والاختيار، ومن خلاله يستطيع معرفة غاية وجوده في الحياة، وهذه هي الخطوة الأولى لبناء هدف الحياة في داخل هذا الكائن المتميز.
وعند التأمل في الحياة وما يتعلق بها وما يدور فيها من متغيرات وأحداث نجد أنها تشير بوضوح إلى حكمة في مسارها، وغاية في وجودها وأحداثها، وأن حياة الإنسان بوصفه مخلوقاً متميزاً في حياة لا تسير بعشوائية، بل لا بد أن تكون ذات هدف ويتحدد هذا الهدف من النقطة الأولى، أو من السؤال الأول: "مَنْ الذي أوجدنا في هذه الحياة؟ ولماذا أوجدنا؟ ".
ومن المعروف عقلياً ووجدانياً عند الإنسان ذي العقل الواعي والقلب المستيقظ أن الله -تعالى- هو الخالق، وأنه خلقنا لنكون سعداء بعبادته ولنؤدي واجب الشكر له، ونرتقي إلى درجة المحبة له والتعظيم له، من خلال اتباع منهاجه الذي أرسل به رسله ومنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد -صلوات الله وسلامه عليه-.
هذا هو الهدف الجوهري في الحياة، إذا استطاع الإنسان أن يحققه فيها فإنه سيخرج من دوائر الإهمال والشتات، ويدخل دائرة القصد والوحدة، وبذلك تتمهد له الأهداف العقلية والشعورية والعملية في هذه الحياة، وتنتظم في سلك واحد متجانس غير متشاكس.
أما إذا فقد الإنسان هذا الهدف الأولي وهذا المقصد الجوهري من وجوده فإن حياة التناقض والحسرة والتعب سوف تحيط به من كل جانب.
ولذلك يمكن أن يقال لكل عاقل يريد أن يصل إلى هذه الصورة الرائعة، ويستمتع بصوت الضمير الهادئ، ويستشعر طعم السعادة والطمأنينة: هاهو الطريق يبدأ منك، استخدم قدراتك بطريقة عظيمة، امتلك الحكمة الكافية للتمييز بين ما هو صحيح وما هو خطأ، وامتلك الإرادة الجيدة لتحقيق الرغبة في أداء الأشياء الصحيحة فقط، وامتلك القوة الكافية لتنفيذ الأشياء الصحيحة.
والمبتدأ هو في الإجابة الحقيقية على الأسئلة الكبرى: "من أين جئت؟ ولماذا أنا في الحياة؟ وماذا بعد هذه الحياة"؟
ومن الحقائق المعروفة أنه إذا كان الإنسان لا يدري أين يريد فإن أي طريق سوف يوصل إلى لا شيء، وإذا كان هذا المخلوق المكرم يسير بلا هدف لوجوده وحياته فإنه بذلك يسير على خطة الأمس الكئيب، وفي الغد سوف يصل إلى اليوم الحزين، أما إذا اغتنم الإنسان فرص العقل المدرك، والقلب المستشعر، والروح المتوهجة، والطاقات الهائلة لديه ووجهها لشكر خالقه بالعبادة فإنه بذلك يغتنم نقاط القوة لديه، ليصل إلى الاستقرار والسعادة والسلام الداخلي.(14/115)
البريد الإلكتروني والصور الخليعة
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/المراقبة والمحاسبة
التاريخ 18/4/1424هـ
السؤال
تأتي إليّ في البريد مناظر مخلة وصور خليعة، وحاولت الامتناع، ولكنه الشيطان ... !؛ فأرجو النصيحة، والدعاء، وشكراً وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإنَّ النظرة المحرّمة سهم من سهام إبليس، إذا نفذ إلى القلب بسمومه، فَتَنه، وحرك كوامن الشهوة فيه، فيكون أول من يصلى سعيرها.
فعلى المسلم أن يغض بصره عن الحرام، ولا يتبع النظرة النظرة "يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليس لك الأخرى" رواه أحمد (5/353) ، والترمذي (2777) ، وأبو داود (2149) ، وهو حسن بشواهده.
تبدو لأحدنا النظرةُ إلى الصور الفاتنة صغيرةً من الصغائر، ولمماً يمحوه الاستغفار، وهي كذلك في الشرع؛ لا تعدو أن تكون صغيرة من الصغائر، ولكن من الخطأ أن نقيس خطورة النظرة إلى الصور الفاتنة بهذه الطريقة البسيطة، والتي تقيس خطورتها هكذا مجردةً عن علائقها وآثارها ومآلاتها
إنما تقاس خطورة النظر باعتبار المآل والآثار، فالنظرة قد تستدعي أختها، وهكذا يُستدرج الناظر في هذا المهيع، فيقع في دوامة الإدمان، والإصرار على الصغائر كبيرةٌ. وقد يصل به الأمر إلى عشق الصور وصاحباتها، وقد يقوده هذا إلى مقارفة الفاحشة، والعياذُ بالله.
فاحزمْ الأمر، وخذ العزم، وعاهد نفسك على أن لا تعود لمثلها مرةً أخرى، فهذه الصور المحرمة التي تُرسل إلى بريدك الإلكتروني ينبغي أن تواجهها بالحزم والعزم من البداية، وفي ظني أن كثيراً من مواقع البريد المجاني تمنح المشترك خاصية حجب ما يشاء من العناوين البريدية المزعجة، وكذلك خاصية حذفها، فبادر بحجب هذه العناوين البريدية وحذفِها؛ لأن تركها قد يغريك بالنظر مرة أخرى، ومن ثم تصبح أسيراً للصور الفاتنة، ويصعب عليك الفكاك منها.
يا أخي! كلنا خطّاؤون، ولكن خيرنا من يتوب. فعليك أن تتبع السيئة الحسنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها"، رواه الترمذي (1987) ، من حديث أبي ذر -رضي الله عنه-، وأن تكثر من الاستغفار وفعل الحسنات، فإن الحسنات يُذهبن السيئات.
وفقك الله، وهداك، وثبتك، وحماك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم(14/116)
هل من رجحت حسناته على سيئاته يدخل الجنة من أول وهلة؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/المراقبة والمحاسبة
التاريخ 8/10/1424هـ
السؤال
سمعت أن من طغت حسناته على سيئاته دخل الجنة، ومن طغت سيئاته على حسناته دخل النار، كيف يكون ذلك والمؤمن وإن كانت سيئاته أمثال الجبال يدخل الجنة؟ أرجو التوضيح ... وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، لا يقال: من طغت حسناته على سيئاته، أو سيئاته على حسناته، بل يقال: من رجحت حسناته، أو رجحت سيئاته؛ لأن هذا المعنى يتعلق بوزن الأعمال، كما قال سبحانه: "وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ" [الأعراف:8-9] ، ودلت النصوص على أن من رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة من أول وهلة، وأما من كان له سيئات ترجح على حسناته فإن كان من أهل التوحيد فهو تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه، ثم يخرجه من النار، ويدخله الجنة، ومن لم يكن من أهل التوحيد فإنه لا يعتد له بشيء من الحسنات، فإن سيئة الكفر والشرك تحبط جميع الأعمال كما قال تعالى: "وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [الزمر:65] ، فالمؤمن الموحد إن كانت له ذنوب قد يعذب في النار، ثم يخرج منها، ولا يخلد في النار أحد من أهل التوحيد كما تواترت بذلك السنة، ومهما كانت الذنوب التي دون الشرك عظيمة وكثيرة فإنها لا تبطل حسنة التوحيد ولا توجب الخلود في النار، بل ولا يلزم منها دخول النار، لأنها تحت مشيئة الله، فمن شاء الله أن يغفر له لم يدخل النار ومن شاء أن يعذبه من أهل التوحيد لم يخلده في النار؛ بل يخرجه منها بشفاعة الشافعين من الملائكة والأنبياء والصالحين، وأعظم ذلك شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم- لأمته ويخرج الله أقواماً من أهل التوحيد من النار بمحض رحمته وهو أرحم الراحمين.
وأما من مات على الشرك والكفر فإنه مخلد في النار، كما قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ" [البينة:6] ، فهؤلاء هم أهل النار الذين لا يموتون فيها ولا يحيون، نعوذ بالله من النار ومن حال أهل النار، والله أعلم.(14/117)
المسارعة في الخيرات
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/المراقبة والمحاسبة
التاريخ 10/8/1424هـ
السؤال
لدي عدة الأسئلة وأرجو أن أجد الإجابة عندكم.
(1) في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث وذكر منها صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وهذه الأيام حسب علمي هي الأيام البيض الوسطى في الشهر، وسؤالي إذا أنا كنت ممن يداوم على صيام الاثنين والخميس فهل هذا يكفي عن صيام الأيام البيض؟.
(2) لقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى 12 ركعة غير الفريضة بنى الله له بيتا في الجنة، وورد عنه أيضا أنه قال من قرأ قل هو الله أحد 10 مرات بنى الله له قصراً في الجنة والسؤال هل هناك فرق بين البيت في الجنة والقصر؟
(3) ما هي الأعمال التي يثاب فاعلها ببيوت الجنة أو قصورها أو نخيلها و.... إلخ؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
أما صيام الإثنين والخميس، فهو أكثر أجراً من صيام الأيام البيض، لأن الذي يصوم الاثنين والخميس، فهو يصوم ثمانية أيام في الشهر على الأقل، وهي تحقق الغرض المقصود - والله أعلم -؛ لأن الأحاديث الصحاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - التي جاءت بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يبالي في أي الشهر صام، والتي جاءت في صيامه ليوم الاثنين أقوى من الأحاديث التي جاءت في صيام الأيام البيض، ولكن ذكر العلماء - وأكد صحة ذلك الأطباء - أن صيام الأيام البيض له ميزة من ناحية شرعية وصحية أيضاً:
فأما الشرعية فللأحاديث التي وردت بها؛ ولأن الكسوف غالباً لا يقع إلا فيها، وقد ورد الأمر بمزيد العبادة فيها، فإن اتفق الكسوف مع الصيام تهيأ له - مع الصلاة والصدقة - نوع من العبادة آخر، خلاف من لم يصمها.
وأما الصحية، فلأن هذا الوقت وقت يتهيج فيه الدم، والصوم يضيق مجاري الدم.
بالنسبة للحديثين اللذين ذكرتهما، فبيانهما كما يلي:
أما الحديث الأول: وهو "من قرأ قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات بنى الله له بها قصراً في الجنة".
فهو حديث منكر؛ لأنه من رواية زبان بن فائد، عن سهل بن معاذ، وهي سلسلة منكرة، كما نص على ذلك ابن حبان وغيره.
وأما الحديث الثاني: فهو ثابت في صحيح مسلم (728) : من حديث أم حبيبة - رضي الله عنها- زوج النبي - صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة أو إلا بِنُي له بيت في الجنة".
أما سؤالك عن الأعمال التي يثاب فاعلها ببيت في الجنة ... الخ، فقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة، لكن الذي يثبت منها قليل بالنسبة لما ورد، ومن ذلك حديث عثمان - رضي الله عنه - الذي رواه البخاري (450) ، ومسلم (533) ، واللفظ له: "من بنى مسجداً لله تعالى - قال الراوي: حسبت أنه قال: يبتغي به وجه الله - بنى الله له بيتاً في الجنة".(14/118)
واعلم أخي زادك الله حرصاً - أن الإنسان إذا دخل الجنة، فإنه سيرى نعيماً لم يخطر على قلبه قط، ولم تره عينه من قبل، ولا سمعت به أذنه، فليكن حرصك بارك الله فيك على أي عمل صالح، فكل الأعمال الصالحة تقود إلى الجنة ولابد، وعلى رأسها الفرائض، فإنه ما تقرب العبد إلى ربه بأعظم ولا أحب له منها، وإذا دخلت الجنة، فلن تيأس ولن تحزن ولن تهرم، وما ظنك إذا كنت داخلاً في رحمة أرحم الراحمين سبحانه؟ الأمر لا يوصف.
فاحرص بارك الله فيك على الأعمال الصالحة كلها، وليكن اهتمامك بأوامر الله - عموماً - كبيراً، وبفرائضه أكبر، ولا بأس من البحث عن الفضائل والثواب الخاص الذي ورد في العمل، لكن لا يكن هذا هو همك الأكبر، بحيث إذا لم تجد للعمل الصالح فضلاً خاصاً زهدت في العمل! فإن أي عمل ثبت مشروعيته فهو محبوب لله قطعاً، ويكفي هذا حادياً للمؤمن ودافعاً لكي يعمل هذا العمل، وفقك الله.(14/119)
هل هذا من الرياء؟
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/المراقبة والمحاسبة
التاريخ 23/3/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
إني أفضل ألا يذكر أمام الناس أني أعرف أو عندي شيء من ذلك العلم، ولكن إذا ذكر غيري ولم أذكر أنا أحس بشيء في نفسي، هل هذا رياء؟ وما العلاج -أثابك الله-؟ وجزاك الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
الرياء، هو: عمل الإنسان للأعمال الصالحة من أجل نيل ثناء الناس وإعجابهم غير مخلص لله أو راجٍ ما عنده من الثواب.
ويظهر لي أنك تجاهد نفسك في توخي الإخلاص، وتكره الوقوع في هاوية العجب والرياء وحب الظهور، لكن مع ذلك لا زالت لديك بقية رغبة في الظهور والتصدر وهذه آفة، كثيراً ما يقع في شَرَكِها بعض طلاب العلم، فاحذر من الاستجابة لدواعي النفس ونوازع الهوى، وجاهد نفسك في طلب ما عند الله، وأنصحك بقراءة قصة أويس القرني الواردة في صحيح مسلم (2542) من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وغيرها من قصص السلف في هذا المجال، والله يوفقك، والسلام.(14/120)
هل تذم إطالة البنيان بإطلاق
المجيب د. محمد العروسي عبد القادر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/المراقبة والمحاسبة
التاريخ 29/1/1425هـ
السؤال
هل تطويل البناء مذموم شرعاً؟ قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قد ورد في ذم تطويل البناء صريحاً ما أخرج ابن أبي الدنيا من رواية عمارة بن عامر "إذا رفع الرجل بناء فوق سبعة أذرع نودي يا فاسق إلى أين؟ "، وفي سنده ضعف مع كونه موقوفاً، فهل صحّ في هذا الباب شيء؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن التطاول في البنيان مذموم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان" رواه البخاري في كتاب الفتن رقم: (7121) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
وكذلك ما جاء في حديث جبريل - عليه السلام - في الإيمان، فإن فيه: "وإذا تطاول رعاة الإبل البُهْم في البنيان" رواه البخاري (50) ومسلم (9) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، ولم يقصد بهذا الوصف إلا ذم فاعله، والتطاول يقتضي فعلاً يدور بين اثنين أو أكثر لأن فاعل وتفاعل لا يكون إلا في مشاركة أو انفعال، والحديث يشير إلى أن الناس في آخر الزمان يتباهون بإطالة البنيان ويتفاخرون بها، وما كان مذموماً فهو معاقب عليه سيما إذا صرفت فيه الأموال فإن الله - تبارك وتعالى- سائله عنها؛ كما روى خباب بن الأرت: "كل نفقة يؤجر عليها المرء إلا ما كان في التراب"، وكما جاء في حديث واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه-: "كل بنيان وبال على صاحبه إلا ما كان هكذا" وأشار بكفه. رواه الطبراني في الكبير (22/131) .
وأما سؤال السائل: فهل صح في هذا الباب شيء؟ فإن عنى به قدر الوعيد أو نوعه أو كيفيته فما أشرنا إليه كاف - إن شاء الله - في المقصود، وإن عنى بذلك أن ما تجاوز مقداره سبعة أذرع، أو بيان حد الطول الذي يلحقه الذم فلا أعلم في ذلك حديثاً يثبت. والله أعلم.(14/121)
هل معاقبة النفس عند المعصية بالتصدق بدعة؟!
المجيب د. محمد بن عبد العزيز المبارك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/المراقبة والمحاسبة
التاريخ 27/3/1425هـ
السؤال
نحن أربعة أصدقاء ملتزمون حديثاً، لكن يصيبنا الفتور بسرعة، ونحن نعد من الملتزمين مع ما نراه في أنفسنا من التقصير الشديد، وحيث إنه لا يوجد لدينا الشيخ المربّي (فنحن في صعيد مصر والمشايخ ممنوعون من الذهاب له) اتفقنا على أن نعاقب أنفسنا إذا قصرنا في الطاعات، واتفقنا على ذلك بأن كل تغير في أمر معين نتصدق بمبلغ حددناه، بحيث نجمع المبلغ آخر الأسبوع ونتصدق به، ونعين بعضنا على الطاعات، لكن بعد أيام من هذا الاتفاق هناك من قال لنا إن هذا لا يجوز، وأنه بدعة، حيث لم يثبت عن الصحابة - رضي الله عنهم- أو السلف -رضوان الله عليهم- هذا الأمر، وهو نوع العقاب، وأن هذا يجعلنا نعمل للمال وليس لله -عز وجل-.
أفتونا مأجورين، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لا شك أن الذي حثت عليه النصوص الشرعية في مواطن كثيرة عند اقتراف الذنوب إنما هو التوبة والاستغفار وعمل الصالحات، يقول الله -سبحانه وتعالى-: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون" [آل عمران:135] ، وقال تعالى: "للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار" [آل عمران:15-17] وقال تعالى: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" [الأنفال:33] ، وقال تعالى: "إن الحسنات يذهبن السيئات" [هود:114] . وعن علي -رضي الله عنه- قال: (إني كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني به وإذا حدثني رجل من أصحابه - رضي الله عنهم- استحلفته فإذا حلف لي صدقته، وإنه حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر - رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له ثم قرأ هذه الآية: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون" [آل عمران:135] . أخرجه أحمد (2) والترمذي (406) وأبو داود (1521) وابن ماجة (395) وصححه ابن حبان.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله -تعالى-: "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالى، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي, يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" رواه الترمذي (3540) .(14/122)
وعن أبى سعيد الخدرى -رضي الله عنه- أن رسول الله قال: "إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم, فقال الرب تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني"، أخرجه أحمد (10851) وأبو يعلى في مسنده (1399) والحاكم في المستدرك (7672) وقال: صحيح الإسناد.
وأخرج الإمام أحمد (13081) عن أنس -رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يقول: "والذي نفسي بيده أو قال والذي نفس محمد بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله -عز وجل- لغفر لكم والذي نفس محمد بيده أو والذي نفسي بيده لو لم تخطئوا لجاء الله -عز وجل- بقوم يخطئون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم".
وقال حذيفة -رضي الله عنه-: "كنت رجلا ذرب اللسان على أهلي قلت يا رسول الله قد خشيت أن يدخلني لساني النار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فأين أنت من الاستغفار؟ إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة"؛ رواه أحمد (22829) ، وابن ماجة (3817) .
والنصوص في تقرير هذا أكثر من أن تحصر.
أما ما ذكره السائل من عقوبة المسلم نفسه لمنعها من اقتراف السيئات أو التكفير عنها فلا يظهر المنع منه؛ فإن جنسه وارد عن بعض السلف , لكن بشرط أن يكون بأمر مباح، أو مشروع في الجملة، وغير مطرد في كل الأحوال حتى لا يزهد في ما دعت إليه النصوص السابقة، وذلك لأن بعض الأنفس تحتاج أحيانا إلى تأديب كما يؤدب الصبيان ونحوهم.
ولعل مما يمكن أن يستأنس به في هذا المقام ما يأتي:(14/123)
1- ما جاء في صلح الحديبية عندما ناقش عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - النبي -صلى الله عليه وسلم - عن الصلح، وفيه قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-: فأتيت نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: ألست نبي الله حقا قال: "بلى" قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: "بلى" قلت: فلم نعطي الدنية في دينناإذاً؟ قال: "إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري" قلت: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: "بلى فأخبرتك أنا نأتيه العام" قال قلت: لا قال: "فإنك آتيه ومطوف به" قال: فأتيت أبا بكر - رضي الله عنه - فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام قلت: لا قال: فإنك آتيه ومطوف به قال الزهري: قال عمر - رضي الله عنه -: فعملت لذلك أعمالا ... أخرجه البخاري (2731 -2732) ،، وموطن الشاهد منه قوله رضي الله عنه: (فعملت لذلك أعمالا) ، قال الحافظ ابن حجر:" المراد به الأعمال الصالحة ليكفر عنه ما مضى من التوقف في الامتثال ابتداء، وقد ورد عن عمر - رضي الله عنه - التصريح بمراده بقوله: أعمالا، ففي رواية ابن إسحاق وكان عمر- رضي الله عنه- يقول: (ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به) ، وعند الواقدي من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: عمر- رضي الله عنه- لقد أعتقت بسبب ذلك رقابا وصمت دهرا" فتح الباري (5/346) .
2- ما جاء في صحيح البخاري (6075) وغيره من حديث عائشة -رضي الله عنها- لما خاصمت عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - فنذرت أنها لا تكلمه أبدا، ثم إنه دخل عليها بعد ذلك وطفق يناشدها ويبكي، وطفقت تبكي وتقول: إني نذرت والنذر شديد، فلم يزل بها حتى كلمته، ثم أعتقت عن نذرها ذلك أربعين رقبة، ثم كانت تذكر نذرها ذلك بعدما أعتقت أربعين رقبة فتبكي حتى تبل دموعها خمارها. فهنا رأت عائشة -رضي الله عنها- التكفير بهذا القدر مع أن الواجب في هذه الحال كفارة يمين.
3- ما جاء في الأوسط للطبراني (2/335) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشتغل فأخر المغرب حتى طلع نجمان، فأعتق رقبتين لتأخيره المغرب حتى طلع النجمان.
4- ما جاء في سير أعلام النبلاء (9/223-228) عن ابن أبي حاتم قال حدثنا أبي حدثنا حرملة سمعت ابن وهب يقول نذرت أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما فأجهدني فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنسانا أن أتصدق بدرهم فمن حب الدراهم تركت الغيبة. قال الذهبي هكذا والله كان العلماء، وهذا هو ثمرة العلم النافع "وقد قال الذهبي في أول ترجمته: "عبد الله بن وهب بن مسلم الإمام شيخ الإسلام أبو محمد الفهري مولاهم المصري الحافظ.
فهنا نجد الإمام الذهبي على جلالة قدره لم ينكر هذا الفعل على ابن وهب، مع أنه نص في محل سؤال السائل، بل عده من فضائله وحسناته.(14/124)
5- وفي سير أعلام النبلاء (6/366) : عن ابن عون أن أمه نادته فأجابها فعلا صوته صوتها، فأعتق رقبتين. وقال عنه الذهبي: عبد الله بن عون بن أرطبان الإمام القدوة عالم البصرة أبو عون المزني مولاهم البصري الحافظ.
6- وفي الزهد لعبد الله بن المبارك: عن ابن أبي ربيعة القرشي أنه فاتته الركعتان قبل الفجر فأعتق رقبة.
7-وفي مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي -رحمه الله-: ذكر في باب المحاسبة والمراقبة أن ذلك يتم بالمشارطة، ثم المراقبة، ثم بالمحاسبة، ثم بالمعاقبة، ثم بالمجاهدة، ثم بالمعاتبة، فكانت ست مقامات، وأصلها المحاسبة، ولكن كل حساب يكون بعد مشارطة ومراقبة، ويتبعه عند الخسران المعاتبة والمعاقبة.
ثم ذكر تحت مقام المعاقبة ما يأتي:" اعلم: أن المريد إذا حاسب نفسه فرأى منها تقصيراً، أو فعلت شيئاً من المعاصي فلا ينبغي أن يمهلها، فإنه يسهل عليه حينئذ مقارفة الذنوب ويعسر عليه فطامها، بل ينبغي أن يعاقبها عقوبة مباحة كما يعاقب أهله وولده. وكما روي عن عمر -رضى الله عنه-: أنه خرج إلى حائط له، ثم رجع وقد صلى الناس العصر، فقال: إنما خرجت إلى حائطي، ورجعت وقد صلى الناس العصر، حائطي صدقة على المساكين. قال الليث: إنما فاتته الجماعة وروينا عنه أنه شغله أمر عن المغرب حتى طلع نجمان، فلما صلاها أعتق رقبتين. وحكى أن تميم الداري -رضى الله عنه- نام ليلة لم يقم يتهجد فيها حتى أصبح، فقام سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع. ومرّ حسان بن سنان بغرفة فقال: متى بنيت هذه؟ ثم أقبل على نفسه فقال: تسألين عما لا يعنيك! لأعاقبنك بصوم سنة، فصامها، فأما العقوبات بغير ذلك مما لا يحل، فيحرم عليه فعله، مثال ذلك: ما حكى أن رجلاً من بنى إسرائيل، وضع يده على فخذ امرأة، فوضعها في النار حتى شلت، وأن آخر حوّل رجله لينزل إلى امرأة، ففكر وقال: ماذا أردت أن أصنع؟ فلما أراد أن يعيد رجله قال: هيهات رجل خرجت إلى معصية الله لا ترجع معي، فتركها حتى تقطعت بالمطر والرياح، وأن آخر نظر إلى امرأة فقلع عينيه، فهذا كله محرم، وإنما كان جائزاً في شريعتهم، وقد سلك نحو ذلك خلق من أهل ملتنا، حملهم على ذلك الجهل بالعلم، كما حكى عن غزوان الزاهد: أنه نظر إلى امرأة، فلطم عينه حتى نفرت والله ولي التوفيق.".(14/125)
غض البصر في بلاد الغرب
المجيب يوسف أبرام
مدير المركز الإسلامي بزيورخ في سويسرا وعضو المجلس الأوروبي للافتاء
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/المراقبة والمحاسبة
التاريخ 9/6/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
كيف يمكن للشاب المسلم غض البصر في بلد مثل كندا? وبخاصة في فصول الدراسة، حيث البنات مع البنين، وغالباً ما تكون الطالبة متبرجة تبرجاً سافراً تبدو معه البطن أو الفخذ، ماذا نفعل في مثل هذه الأوضاع، لاسيما أن إغماض العين طيلة الحصة متعسّر جداً. أرجوكم أرشدوني.
الجواب
أخي الفاضل: أسأل الله أن يقيك موارد السوء.
قضية غض البصر من أكبر مصائب الإقامة في بلاد الغرب، بل في العالم كله، إلا البلاد التي منَّ الله عليها بتطبيق الإسلام، لا يخفى عليك أيها الأخ أن ربنا -سبحانه وتعالى- أمرنا بغض البصر أمام المرأة الأجنبية، قال تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون" [سورة النور:30] .
أما إذا ما ابتلاك الله بالنظرة الأولى الخاطفة فلا إثم عليك -إن شاء الله- وهي التي تسمى بنظرة الفجأة، فعليك حينها أن تصرف نظرك بسرعة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب- رضي الله عنه-: "يا علي: لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة" رواه الترمذي (2777) ، وأبو داود (2149) من حديث بريدة.
اختر مكاناً في الفصل يكون أقل شراً من الصفوف المباشرة للمعلمة، واجعل بصرك متجها دائماً إلى السبورة وليس إلى المعلمة، أما إغماض العين فلم يأمرنا الله به، واعلم أنك كلما صارعت المنكر وسط الفتن والمحن أثابك الله على صبرك أجراً عظيماً؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "العبادة في الهرج كهجرةٍ إلي" رواه مسلم (2948) من حديث معقل بن يسار -رضي الله عنه-.(14/126)
هل هذا من وسوسة الشيطان أم من النفس؟!
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/المراقبة والمحاسبة
التاريخ 03/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أضع بين أيديكم مشكلتي راجيا أن تجيبوني؛ لأنها مشكلة تؤرقني كثيراً حتى أني فكرت أن أضع حداً لحياتي بسببها؛ أنا شاب تبت منذ عدة أسابيع، وأقوم بالفرائض -والحمد لله-، المشكلة هي أنني كل مرة أصلي فيها أو أقرأ القرآن أو أذكر الله أشعر أن نفسي بداخلي تنكر علي ما أفعل، مثلا أقرأ القرآن، وعندما أصل إلى آية مثل: "إن الله عليم خبير"، أحس نفسي تتكلم بداخلي، وتقول: إن الله لا يعلم شيئًا، مثال آخر: عندما أدعو الله، وأقول: اللهم اغفر لي، تقول نفسي بداخلها: لا يهم، سواء أراد الله أن يغفر أم لا، وأمثلة كثيرة من هذا النوع، أستعيذ كثيرًا بالله من الشيطان ظنًا مني أنها وسوسة الشيطان، ولكن لا شيء يتغير، حتى أني أحيانًا أستعيذ بالله من نفسي ولاشيء يتغير أيضًا، فما العمل؟ فكرت أن أترك العبادة؛ لأنه لا يمكنني القيام بشيء أحس أن نفسي تنكره علي، ثم فكرت في الانتحار؛ لأنني لا أقبل أن تجرح نفسي وتنكر على خالقي، فما العمل؟ هل هذا فعلاً من وسواس الشيطان، أم أنني إنسان غير طبيعي ومريض؟ أم أنّ الله غاضب علي؟ ساعدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أولاً: أنصح السائل أن يتقي الله -تعالى- في كل أموره، وأن يشكر ربه الذي فتح عليه بالتوبة والاستقامة.
ثانياً: أن يعلم أن الشيطان عدو له، وأنه توعَّد آدم أن يلعب على ذريته، فقال: "لأحتنكن ذريته إلا قليلاً" [الإسراء: 62] ، كما ذكر الله -تعالى- عنه، وكما حكى الله -تعالى- عنه أنه قال: "لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين" [الأعراف: 17] ، هذه الآيات يجب على الأخ السائل أن يضعها نصب عينيه، وإذا عرض له الشيطان فينفث عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان، ويشغل ذهنه وفكره بذكر الله، والاستغفار والتكبير والتهليل والتحميد والتسبيح، ولا يترك عنده فراغاً يدخل عليه الشيطان منه، ولا يثق فيه؛ لأن الشيطان عدو له، والله -تعالى- حذَّرنا من وساوس الشيطان بقوله تعالى: "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ" [فاطر:6] .(14/127)
ولهذا فإن الشيطان -كما ذكر السائل في سؤاله- يوسوس له، حتى أنه فكر أن ينتحر، وهذا هو المطلب المهم للشيطان؛ لأن الإنسان إذا انتحر انقطع عمله الصالح، وختم له بالخاتمة السيئة، ومآله إلى عذاب النار، ويستحق اللعنة والغضب من الله وله عذاب عظيم، وهذا هو غاية ما يريد الشيطان، فعليك أن تدرك هذا الأمر، وأن تتعامل مع الشيطان معاملة العدو للعدو، ولا تصغِ إليه ولا تثق فيه، وينبغي أن تنظر إلى وساوسه على أنها توجيهات جديدة من إبليس، فلا بد من المدافعة، ولا بد من التصدي لهذا العدو في الاستقامة على الحق، ومجالسة الأخيار، والاشتغال بذكر الله قبل ذلك، واجتهد في الأذكار الشرعية، واجعل لسانك دائماً رطباً بذكر الله، ولا تتح مجالاً للشيطان ينفذ منه إليك بهذه الوساوس، فإن فتح المجال للشيطان يدل على الثقة به، وهو عدو لك كيف تثق به وأنت تعلم أنه عدو. أسأل الله -تعالى- لي وللسائل ولجميع المسلمين أن يعصمنا من كل زلل، وأن يعيذنا من الشيطان وحزبه. والله ولي التوفيق.(14/128)
التهادي في الله بين الرئيس والمرؤوس
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/الحب في الله والبغض في الله
التاريخ 21/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنا موظفة في مدرسة خاصة، وعلاقتي مع المديرة علاقة أخوة في الله، فهل يجوز لي تبادل الهدايا معها؟ علماً أن الرواتب مقدرة من صاحب المدرسة ولا يوجد تقييم خاص.
الجواب
إذا كان الحال كما ذكرت فلا حرج عليك من تقديم هدايا إلى المديرة، والأعمال بالنيات، وفقك الله.(14/129)
درجات الأخوة في الله
المجيب عبد الله بن فهد السلوم
مدرس بثانوية الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/الحب في الله والبغض في الله
التاريخ 3/12/1424هـ
السؤال
لدي عدد من الأخوات في الله جمعني بهن حب الإسلام، إلا أن مستوى علاقتي بهن مختلف، فهناك من كان بيننا عمل دعوي مشترك، وهناك من قدمن لي خدمات ومساعدات، وهناك من جمعتني بهن الغربة، رغم أن الجميع كانت أخوتنا بهن في الله (كما أحسب والله حسيبنا) ، واليوم كثرت المسئوليات، فلا أعرف كيف أؤدي حقوقهن وأريد أن أسأل مَن مِن هؤلاء أولى حتى أرتب على ذلك أدائي لحقوقهن؟ وهل يجتمع المتآخون في الله يوم القيامة وإن اختلفت درجاتهم؟ وهل تعد أخوة في الله إذا انقطعت الأخت عن أختها مدة عامين لظروف حتى ماتت إحداهما وهي لم ترها بعد؟ أعتذر لتعدد الأسئلة، وذلك لأنها حول محور واحد. وجزاكم الله خيراً مع طلبنا منكم الدعاء لنا ولجميع أخواتنا في الله.
الجواب
إلى الأخت الكريمة:- وفقها الله- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
(1) كل من كانت من الأخوات أكثر عليك فضلاً فصلتها أولى، ومن تتيسر صلتها فالأمر من باب الفضائل، ومن لا تتيسر صلتها فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ومن عجزت عن صلتها فلك أجر النية إن شاء الله.
(2) ظاهر النصوص أن المتحابين في الله يجتمعون ولو اختلفت درجاتهم، وهم على مثل منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء انظر ما رواه الترمذي (2390) ، وأبو داود
(3527) من حديث عمر ومعاذ -رضي الله عنهما-والنبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: "أنت مع من أحببت" رواه البخاري (3688) ، ومسلم (2639) من حديث أنس -رضي الله عنه-. والله أعلم.
(3) إذا انقطعت الأخت أو الأخ عن أختها أو أخيه لظروف مانعة حتى مات أحدهما، وهي في نيتها وصلها فهي بنيتها -إن شاء الله- ولها ما نوت؛ لأن فضل الله عظيم.
وختاماً: أسأل الله لك الثبات، وأن تكون الأخوة في الله خالصة لوجهه الكريم، وأن تكوني وجميع الأخوات من أنصار دينه اللهم آمين.(14/130)
حديث ... هل أنشره في الإنترنت؟!
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها
التاريخ 24/7/1422
السؤال
ما صحة هذا الحديث؟ وهل تنصحوني بنشره إذا كان صحيحاً في المنتديات؟
قال - صلى الله عليه وسلم -: " من قال حين يصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شئ قدير " عشر مرات كتب الله بكل واحدة قالها عشر حسنات، وحط الله عنه عشر سيئات، ورفعه الله بها عشر درجات، وكن له كعشر رقاب، وكن له مسلحة من أول النهار إلى آخره ولم يعمل يومئذ يقهرهن"، وحين يمسي له مثل ذلك.
الجواب
السلام عليك ورحمته وبركاته، وبعد، فبين يدي جواب سؤالك، فإني أحمد لك أمرين دلت عليهما مسألتك:
أولهما: حرصك على نشر الخير، ودلالة إخوانك المسلمين عليه، من خلال نشر هذا الحديث في المنتديات التي طفحت بفضول القول ومكرور الكلام.
وثانيهما: تثبتك في عملك، وسؤالك عن صحة الخبر قبل نشره، وخيراً صنعت إذ سألت، وقد أحسن من انتهى إلى ما علم.
زادك الله بصيرة وهدى، وجعلك من مفاتيح الخير ودعاة الحق، ثم إني أختصر لك الجواب اختصاراً في نقاط:
الأولى: هذا الحديث بهذا اللفظ أخرجه أحمد في (المسند 23568) من حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " من قال حين يصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير (عشر مرات) كتب الله له بكل واحدة قالها عشر حسنات، وحط عنه بها عشر سيئات، ورفعه الله بها عشر درجات، وكن له كعشر رقاب، وكنّ له مسلحة من أول النهار إلى آخره، ولم يعمل يومئذ عملاً يقهرهنّ، فإن قال حين يمسي فمثل ذلك " وهو حديث صحيح.
وهو عند البخاري (6404) مختصراً، بمعناه، وفيه " كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل "، وعند مسلم (2693) بمعناه مختصراً، وقال:" كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ".
ثانياً: جاء معنى الحديث عن جمع من الصحابة منهم: أبو هريرة، ومعاذ بن جبل، وأبو أمامة، وعبد الرحمن بن غنم، وأبو عياش، وغيرهم.
وانظرها في (الترغيب والترهيب) ، باب (الترغيب في أذكار يقولها بعد صلاة الصبح) و (سلسلة الأحاديث الصحيحة) رقم (2563) .
ثالثاً: اختلفت الروايات في عدد الرقاب التي تعدل هذا الذكر، قال الحافظ في (الفتح) : " واختلاف هذه الروايات مع اتحاد المخرج يقتضي الترجيح بينها، فالأكثر على ذكر أربعة ".
رابعاً: ظاهر إطلاق الحديث أن الأجر يحصل لمن قال هذا التهليل في اليوم متوالياً أو متفرقاً في مجلس، أو مجالس في أول النهار أو آخره، لكن الأفضل أن يأتي به أول النهار متوالياً، ليكون له حرزاً جميع نهاره، وكذا في أول الليل ليكون له حرزاً في جميع ليله.(14/131)
خامساً: ترتب هذا الثواب العظيم على هذا الذكر دليل على شرفه، وفضله، وعظيم ما احتواه من المعاني، ففيه توحيد الله - جل جلاله - بقوله: (لا إله إلا الله) ، وتأكيد هذا التوحيد بقوله: (لا شريك له) ، وتمجيده - جل وعلا - بقوله: (له الملك) ، وحمده -سبحانه وتعالى - بقوله: (له الحمد) ، والثناء عليه وتعظيمه - سبحانه - بقوله: (وهو على كل شيء قدير) .
فمن قال هذا الذكر فقد وحد ربه، ومجّده، وحمده، وعظّمه، وأثنى عليه، وهو - سبحانه - أهل الثناء والمجد، جل ربنا وتعالى وتقدس.
سادساً: ما ذكر في هذا الحديث من ثواب هذا الذكر ليس حصراً للثواب، وإنما ذكر لبعضه، وللذكر فوائد وثمرات طيبة مباركة من أجلّها: ذكر المولى - جل وتقدس - لعباده الذين يذكرونه: "فاذكروني أذكركم " فهل ثمة شرف لهذا المخلوق الضعيف أعظم من أن يذكره مالك الملك في الملأ الأعلى؟ كما في الحديث القدسي " وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملأ خير منهم ". أخرجه البخاري (7405) .
وارجع - زادك الله توفيقاً وهدى - إلى مقدمة (الوابل الصيّب) للإمام الرباني ابن القيم، فإنه سيوقفك على فوائد مجتناة في فضل الذكر يفصلها لك بِنَفَس العالم المتألّه الذي عرف فوصف، وذاق طعم المناجاة والذكر، فأخبر عنها خبر العارفين.
سابعاً: في هذا الحديث مشهد من مشاهد كرم الله وجوده، وسعة فضله، حيث يعطي هذا العطاء الغامر ثواباً لعمل يسير لا يأخذ من جهدك ووقتك إلا أقل القليل، ولكنه عطاء الكريم الغني، كما أن فيه دلالة على باب من أبواب الخير، وطريق من طرق كسب الثواب، وكان من فضل الله - جل جلاله - أن نوّع طرق الخير ويسرها، حتى يجد كل ما يناسبه ويقدر عليه، وقد بوب النووي ـ رحمه الله ـ في كتابه الماتع (رياض الصالحين) باب في كثرة طرق الخير، وألف الحافظ الدمياطي كتابه الحفيل (المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح) فجمع فيه فأوعى من الأحاديث الدالة على أنواع من أعمال الخير مثاب عليها بعظائم الأجور، وهو لك مفيد إذا رجعت إليه مع التثبت من صحة الأحاديث المذكورة فيه.
جعلنا الله وإياك من المسارعين إلى الخيرات، ورزقنا إخلاص القصد، وصدق القول، وصلاح العمل، والله أعلم.(14/132)
الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة
المجيب د. عبد العزيز بن محمد الحميدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ كتاب الصلاة/صلاة الجمعة
التاريخ 10/8/1422
السؤال
ما حكم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والتعوذ وقول لا حول ولا قوة إلا بالله في الخطبة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
الصلاة على رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام أمرها عظيم وفضلها كبير، وهي من فضائل الأعمال المقربة إلى الله تعالى.
وتكون واجبة في بعض الحالات ومستحبة في حالات أخرى.
أما حالات وجوبها.
1. ففي نهاية كل صلاة في التشهد الأخير يجب الصلاة والسلام على رسول الله بالصيغة الإبراهيمية التي علمها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه ثم بعد ذلك يدعو المصلي بما شاء.
2. عند ذكر اسمه عليه الصلاة والسلام فإذا ذكر وجب على المستمعين الصلاة والسلام عليه، لما دل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -:"رغم أنف امرئ ذكرت عنده ثم لم يصلّ عليّ ".
ولقوله - صلى الله عليه وسلم -:" البخيل من ذكرت عنده ثم لم يصلّ عليّ ".
3. وكذلك في خطبة الجمعة والعيدين على الصحيح من أقوال العلماء وأنها ركن في الخطبة، أما الاستحباب ففي كل وقت، ويتأكد ذلك يوم الجمعة وليلة الجمعة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إن من خير أيامكم يوم الجمعة فأكثروا فيه من الصلاة عليّ فإن من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً "
ومن أراد المزيد في الموضوع فعليه بكتاب " جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام " للإمام ابن قيّم الجوزية - رحمه الله - أما التعوذ وقول لا حول ولا قوة إلا بالله فلا أعلم أنه واجب في الخطبة، ولكن التعوذ يكون عند الغضب وعند تلاوة القرآن، ولا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة فينبغي قولها دائماً، وخصوصاً عند قول المؤذن حي على الصلاة وحي على الفلاح. والله أعلم.(14/133)
ما صحة هذا الذكر؟
المجيب د. محمد بن تركي التركي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/فضائل الذكر وفوائده
التاريخ 1/8/1424هـ
السؤال
هل صحيح أن من قال: "لا إله إلا الله والله أكبر، وسبحان الله وبحمده، أستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هو الأول والآخر والظاهر والباطن يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير"، هل من قال ذلك يحصل على سبعة أشياء؟، وهي:
-يحرس من إبليس.
-يعطى قنطاراً من الأجر.
-يحضره اثنا عشر ألف ملك.
-ترفع له درجه.
-يزوجه الله من الحور العين.
-يكون له من الأجر كمن قرأ القرآن والإنجيل والزبور.
-وله أيضاً الأجر كمن حج أو اعتمر فقبلت منه حجته أو عمرته، فإن مات من ليلته مات شهيداً؟.
الجواب
الحديث الذي أشارت إليه السائلة هو ما ورد عن ابن عمر أن عثمان بن عفان سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قوله -تعالى-: "له مقاليد السماوات والأرض"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما سألني عنها أحد قبلك يا عثمان. تفسيرها: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله وبحمده ... " إلى آخر ما ذكرته السائلة في الحديث.
وهذا الحديث أخرجه أبو يعلى في المسند الكبير (كما في المقصد العلي 3/4226، رقم 1647، وفي المطالب العالية 4/149، رقم 3713) ، وعن أبي يعلى أخرجه ابن السني في (عمل اليوم والليلة، رقم 73) ، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (كما في تفسير ابن كثير 7/112) ، والعقيلي في (الضعفاء 1/118,117، وفي 4/232،231) ، وابن الجوزي في (الموضوعات 1/214، رقم 301) ، والبيهقي في (الأسماء والصفات 1/40) ، وابن المنذر في تفسيره، وابن أبي عاصم، وابن مردويه في تفسيره، وأبو الحسن القطان في المطولات (كما في اللالئ المصنوعة 1/88) .
من طرق عن الأغلب بن تميم، حدثنا مخلد أبو هذيل، عن عبد الرحمن المدني، عن ابن عمر، نحوه.
وقال الإمام النسائي: "لا يعرف هذا من وجه يصح، وما أشبهه بالوضع" (لسان الميزان 6/10) .
وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، وقال: "وهذا الحديث من الموضوعات النادرة التي لا تليق بمنصب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه منزه عن الكلام الركيك والمعنى البعيد".
وقال ابن كثير في تفسيره: "وهو غريب وفيه نكارة شديدة".
وقال الذهبي في (الميزان 4/85) ، في ترجمة مخلد: "هذا موضوع فيما أرى".
وقال السيوطي في (اللالئ 1/87) : "موضوع، الأغلب ليس بشيء، ومخلد منكر الحديث، وشيخه ضعيف".
وللحديث طريق أخرى عن ابن عمر، ومع اختلاف في ألفاظه أوردها السيوطي في اللالئ، وهي شديدة الضعف.
وخلاصة ما تقدم: أن الحديث بهذه الألفاظ لا يثبت، وحكم عليه غير واحد من الأئمة بالوضع.
ولكن فيما ورد في فضل الذكر عموماً، وفي بعض الأذكار خصوصاً أحاديث كثيرة جداً، وكثير منها صحيح، وفيها غنية عن مثل هذه الأحاديث، وهي موجودة في كتب الأذكار والأدعية، والله أعلم.(14/134)
التسبيح عند غروب الشمس
المجيب د. محمد بن سريّع السريّع
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/فضائل الذكر وفوائده
التاريخ 17/10/1423هـ
السؤال
هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسبح عند غروب الشمس؟ أقصد بالتسبيح الذكر وليس صلاة المغرب.
الجواب
ورد الأمر بالتسبيح قبل غروب الشمس في كتاب الله تعالى كقوله تعالى: "وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ" الآية [قّ: 39] وقال: "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال ... "، وقال: "واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا"، وقد حث النبي عليه السلام أمته على كثير من الأذكار في الصباح والمساء يدخل فيه ما كان قبل الغروب، والله أعلم.(14/135)
الأذكار المطلقة
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/فضائل الذكر وفوائده
التاريخ 19/10/1424هـ
السؤال
لقد عودت نفسي على قول بعض الأذكار وتخصيصها في بعض الأماكن والأوقات، فمثلا: أقول "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" عشر مرات عندما أركب السيارة. أقول "أستغفر الله وأتوب أليه" في ذهابي وعودتي من المسجد، أقول "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم "خمسين مرة قبل أن أنام، فهل قيامي بهذا العمل يعتبر ابتداعاً وبدعة في الدين؟ مع أنني أعلم أنه لم يرد في الدين ما يدل على تخصيص هذه الأماكن بهذه الأذكار. وإنما هنالك أذكار خاصة بهذه الأماكن وأقولها أنا في بعض الأحيان. وأفيدكم بأن قيامي بهذا العمل ليس بديلا عن الأذكار الخاصة بهذه الأماكن، وإنما أقولها لكي أذكِّر نفسي وأعودها على كثرة ذكر الله سبحانه وتعالى. ولأنني إن لم أقم بهذا العمل قد يمر علي يوم كامل دون أن أذكر الله.
الجواب
لقد أحسنت في هذه الأعمال الخيرية وفي هذا الذكر، حيث عودت نفسك على ذلك، وهذه من الأذكار الطيبة، جاء في الحديث بأنها هي الباقيات الصالحات، سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر هي الباقيات الصالحات، انظر المسند (11316) والموطأ (489) سواء قلتها عند ركوبك للسيارة، أو عند قيامك من النوم أو في طريقك أو في أي مكان، فإذا عودت نفسك عند ركوب السيارة، أن تأتي بهذه الأذكار فإن لك أجرها، وكذلك أيضاًَ الاستغفار مأمور به في كل الحالات، أن يقول الإنسان استغفر الله وأتوب إليه في ذهابه وفي ركوبه ونزوله، ونحو ذلك. كل هذا من العمل الصالح، لأن الاستغفار مأمور به، قال تعالى: "واستغفره إنه كان توابا" [النصر:3] ، ونحو ذلك، وهكذا أيضاً سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، هما: "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان على الميزان، حبيبتان إلى الرحمن" البخاري (6406) ومسلم (2694) ، فإذا كررها الإنسان خمسين مرة قبل النوم على الفراش، أو أكثر أو أقل، أو في سيره، أو في ركوبه، فكل ذلك من الأعمال الصالحة، ولا يقول قائل إنها بدعة، وقد جاءت الأدلة بشرعيتها وبالإكثار منها، ولو قيل: إنه لم يرد في الدين ما يدل على ذلك؛ أي ما يدل على تخصيص هذه الأماكن نقول: إنها جاءت مطلقة والأحاديث المطلقة يعمل بها في كل الحالات، وقيامك بهذه الأعمال ما دام أنك لا تستثني الأذكار الخاصة بهذه الأماكن وإنما تقولها زيادة ولتذكر نفسك، فأنتعلى خير، ولك أجر على هذه الأعمال إن شاء الله.(14/136)
كيف أعوذ أبنائي
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/فضائل الذكر وفوائده
التاريخ 8/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوذ حفيديه الحسن والحسين من الشيطان؟ عندما كان يقول أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة، هل كان يضع يده اليمنى على رأسيهما ويقول هذا الدعاء؟ ومتى نعوذ أبناءنا به؟ وأين بالضبط؟ جزاكم الله كل خيراً.
الجواب
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين بقوله: "أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة" رواه البخاري (3371) ، وأهل السنن عن ابن عباس - رضي الله عنهما - هذا هو الوارد فحسب، ومن قرأ ورده بنية أن يكون عنه وعن أهله كفاه ذلك.(14/137)
التسمية عند سكب الماء
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/فضائل الذكر وفوائده
التاريخ 9/7/1423هـ
السؤال
هل وردت التسمية عندما يسكب الإنسان ماء حاراً أو عند سقوط طفل أو شيء ما؟ أفيدونا مأجورين.
الجواب
لا أذكر أنه ورد الندب في التسمية في خصوص ما ذُكر، لكن ذكرك لله من الأسباب التي دلت النصوص أنه يطرد الشياطين ويمنع من شرهم، كما شُرعت التسمية عند الاضطجاع وعند دخول المنزل، وعند الخروج، وعند دخول المسجد، وعند الخروج منه، وكذلك عند دخول الخلاء، فأرجو أن ما يفعله الناس في مثل هذه الأحوال التي أُشير إليها في السؤال أرجو أنه حسن؛ لأن صب الماء الحار ولا سيما في بعض المواضع التي يمكن أن تكون مسكناً للجن يخشى أن يكون له أثر انتقامي، فإذا ذكر الإنسان اسم الله فقال: باسم الله، كان ذلك سبباً في طرد ما يخشى من شر الشياطين، وكذلك إذا سقط الإنسان أو سقط الطفل، وذُكر اسم الله عليه رُجي أن يكون سبباً في سلامته من اعتداء بعض الشياطين، فالحاصل أن ذكر اسم الله فيه خير وهو أعظم أسباب السلامة من الشرور الظاهرة والباطنة، والله أعلم.(14/138)
ماذا يقول عند دخول بيته الجديد؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/فضائل الذكر وفوائده
التاريخ 26/7/1424هـ
السؤال
ماذا يفعل من يدخل بيته الجديد لأول مرة؟.
الجواب
يستحب أن يقول: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"، لما روى مسلم في صحيحه (2708) عن خولة بنت حكيم - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك".(14/139)
معنى ذكر الله -تعالى-
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/فضائل الذكر وفوائده
التاريخ 29/06/1425هـ
السؤال
ما المعنى الدقيق لذكر الله -تعالى- وهل لي ببعض الأذكار المفيدة تعينني في مذاكرتي.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فذكر الله -تعالى- يكون بالقلب واللسان والجوارح، فذكره بالقلب تعظيمه وتوقيره وتعليق القلب به ودوام اللجوء إليه والافتقار بين يديه، وما يتعلق بذلك من سائر الأعمال القلبية فهي كلها من ذكر الله.
وذكره بالجوارح يعني فعل الطاعات من الواجبات، والنوافل كالصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والإحسان إلى الناس وصلة الأرحام، وكذا ترك المحرمات والمنهيات.
وذكره باللسان: يشمل النطق بالشهادتين، وكذا قراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، ويشمل أيضاً نشر العلم وقراءته والدعوة إلى الله وقول المعروف والأمر به والنهي عن المنكر، وهناك أذكار مقيدة بأحوال أو أزمان أو أماكن معينة، وأنصحك باقتناء كتاب الأذكار للإمام النووي، وكذا صحيح الكلم الطيب للألباني وغيرها، وستجد فيها بغيتك -إن شاء الله تعالى-.(14/140)
إذا خشي أن يصيب الآخرين بعين
المجيب د. صالح بن عبد العزيز التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/فضائل الذكر وفوائده
التاريخ 06/11/1425هـ
السؤال
ماذا يفعل من يخشى أن يصيب أحدًا بعين؟ وخاصة إذا كان أحيانًا ينسى ذكر الله تعالى؟ وهل هناك ذكر وقائي يذكره المرء كل يوم يقي من العين؟
الجواب
الحمد لله، وبعد:
فمن خشي أن يصيب أحدًا بالعين فإنه يجب عليه ذكر الله على ما يعجبه مما تقع عليه عينه أو يسمع بخبره، لقوله تعالى: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ... ) [الكهف: 39] . ولحديث: "إذَا رأَى أحدُكم مِن نَفْسِهِ أوْ مَالِه أوْ أَخِيه شيئًا يُعْجِبُه فَلْيَدْعُ بالبَرَكَةِ فَإِنَّ العَيْنِ حَقٌّ". أخرجه النسائي في الكبرى (10872) . وكذلك عليه أن يتذكر نعم الله عليه لئلا يستكثر نعم الله على خلقه، أما من يخشى أن يصاب بالعين فإن الأوراد الشرعية سبب من أسباب الوقاية من الأضرار، مثل آية الكرسي والمعوذات، وأن يقول: "أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ مِن شَرِّ مَا خَلَق ... ". ومثل ذلك يتجنب المظاهر اللافتة للانتباه، وألا يعرض نفسه أو ولده على سبيل المغايرة والتفاخر، وأن يقوي إيمانه وتوكله على الله لئلا يكون مهيأً نفسيًّا للإصابة ولو توهمًا. والله أعلم.(14/141)
هل أعدّ الأذكار؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/آداب الذكر
التاريخ 1/6/1422
السؤال
أحرص على الوصول إلى عدد معين في الأذكار، مثلاً: أسبِّح أو أكبّر أو أحوقل..الخ مائة مرة في أوقات متفرقة بأصابعي، فهل تحديد عدد معين في الذكر بدعة؟ حيث قرأت أن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- أنكر على قوم كانوا يذكرون الله سبحانه بالحصى فقال لهم: (هلاَّ عددتم سيئاتكم) . ومن جانب آخر كيف نعرف أننا وصلنا الأعداد المطلوبة في بعض الأحاديث مثل قول: (سبحان الله العظيم) مائة مرة؟
الجواب
يستحب للمسلم الإكثار من ذكر الله تعالى؛ لأن الله عز وجل يقول ((يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبِّحوه بكرة وأصيلاً)) .
والآيات في هذا كثيرة كما أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: ((لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله)) إلا أنه لا يحسن التقيد بعدد معيّن سوى ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيان عدده فيحسن التقيّد به، كالأذكار أدبار الصلاة، وكقول (سبحان الله وبحمده) مائة مرة، وقول (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) في اليوم مائة مرة.
هذه ونحوها يستحب التقيد بالعدد الوارد، ويعدّه المسلم بأصابع يده. أما ما لم يرد تحديد عدده فينبغي للمسلم أن يكثر الذكر ولا يعدّه، لا بحصى، ولا بسبحة، ولا بالأنامل.(14/142)
الذكر الجماعي
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/آداب الذكر
التاريخ 15/8/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد اطلعت على الفتاوى بشأن الذكر الجماعي، وعلمت أنها بدعة، ولكن سؤالي: كيف يكون تفسير حديث البخاري:"يسبحونك ويحمدونك ويسألونك ... "؟ فهذا يدل على جوازه، أجيبونا بارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
هذا الحديث لا يختص بالأذكار التعبدية كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، وإن كان الحديث في هذا أظهر، لكن لا يلزم للاجتماع على الذكر أن يكون الذكر جماعياً بالمعنى المعروف وهو أن يكون بصوت واحد، بل إذا جلس المسلمون في المسجد كل منهم يذكر ربه ويسبحه ويحمده ويكبّره صدق عليهم أنهم اجتمعوا على ذكر الله، كما إذا اجتمع أيضاً بعض المسلمين في بيت من بيوت الله يتدارسون القرآن هذا يقرأ وهذا يستمع، ولا يلزم أن تكون قراءتهم للقرآن بصوت واحد كما يحصل في التعليم، فالحديث المذكور في شأن الملائكة الذين يستمعون الذكر لا يدل على أن أولئك القوم كانوا يسبّحون ويحمدون ويكبرون بصوت واحد، كما يفعله من يفعله من أهل التصوف ومن شاكلهم، ولم ينقل لنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام - رضوان الله عليهم كانوا يؤدون الذكر الجماعي على هذه الصورة، فالواجب اتباع هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهدي صحابته - رضوان الله عليهم - في جميع أمور الدين القولية والعملية والاعتقادية، والله أعلم.(14/143)
الأذكار الجماعية
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/آداب الذكر
التاريخ 2/7/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
ما رأيكم في مشاركتي في جلسة (الأذكار الجماعية) التي يقوم بها الإخوة الدعاة في لياليهم التربوية؟ مع العلم أن مقاطعتها قد تؤثر في وحدة صفنا.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
فإن تلاوة الذكر بصوت واحد من الجماعة لم يكن من هدي سلف الأمة، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجلس في المسجد كثيراً ولم يُنقل أنه كان يذكر الله مع أصحابه فينطق ويرددون، بل ثبت عنه في أحد أسفاره أنهم لما رفعوا أصواتهم بالذكر قال لهم:" اربعوا على أنفسكم إنكم ليس تدعون أصمّ ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريبا وهو معكم". البخاري (2992) ، مسلم (2704) واللفظ له.
فإن كان هؤلاء الذين تجلس معهم يكثر فيهم أمثال هذه البدع فلا حاجة في الجلوس معهم والخير في الانفراد عنهم، وأما إن كانوا يغلب عليهم السنة وقد يخطئون في أشياء يسيرة كمثل ما ذكرت فعليك بمناصحتهم وتعليمهم والبيان لهم بالأسلوب المناسب، وشاركهم فيما كان من السنة ولا تشاركهم فيما ترتاب فيه، وليس في هذا تفريق صف -إن شاء الله-، "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" [الطلاق: 2] وتوكل على الله "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" [الطلاق:3] ، واصدق في مطلوبك ولا يكن لنفسك حظ في ذلك، وسيقبلون منك -بإذن الله-، والسلام.(14/144)
البكاء عند تلاوة القرآن
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/آداب الذكر
التاريخ 21/2/1423
السؤال
هل هناك حديث صحيح يحث على البكاء أو التباكي عند قراءة القرآن؟
الجواب
جاء في الحث على البكاء عند تلاوة القرآن ما رواه سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-، قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا، وتغنوا به فمن لم يتغن به فليس منا" الحديث أخرجه ابن ماجة في سننه (1337) ، والبيهقي في السنن الكبرى (10/231) ، وأبو يعلى في مسنده (689) ، من طريق عبد الرحمن السائب، عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-، بسند ضعيف، لكن قد جاء في الكتاب والسنة ما يدل على أن من شأن تالي القرآن الكريم أن يخشع عند تلاوته ويرق قلبه، فإن الله -تعالى- قد أخبر أن هذا القرآن الكريم لو أنزل على جبل وهو حجر أصم لخشع منه فكيف بابن آدم وهو يعقل معانيه؟ يقول -تعالى-: "لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً" [الحشر:21] ، وقال -جل وعلا-:" وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً* قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً* ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا* ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً" [الإسراء:106-109] وكان من شأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبكي عند تلاوة القرآن الكريم وتسيل دموعه، ففي الحديث الذي أخرجه الشيخان (البخاري (4582) ومسلم (800)) وغيرهما عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قرأ على النبي -صلى الله عليه وسلم-:" فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "حسبك فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان"، وكذا كان حال السلف -رضي الله عنهم- مما يطول الكلام بذكره، والمقصود أن البكاء عند تلاوة القرآن الكريم أمر مشروع، وهو من كمال التدبر والفهم لمعانيه قال أبو حامد الغزالي -رحمه الله-: "البكاء مستحب مع القراءة وعندها"، قال: "وطريقة تحصيله أن يحضر في قلبه الحزن بأن يتأمل تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر الخواص، فليبك على فقد ذلك فإنه من أعظم المصائب"اهـ، والله المسؤول أن يرزقنا قلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً، وبالله التوفيق.(14/145)
دخول الحمام بالكتيبات الدينية
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/آداب الذكر
التاريخ 17/5/1424هـ
السؤال
ظهرت في الأيام الأخيرة كتيبات دينيه إرشادية للجيب؛ أي يسهل حملها في الجيب لصغر حجمها، وفيها آيات قرآنية وأحاديث نبوية، وهي عرضة للدخول بها في الحمامات (دورات المياه) فما قولكم في ذلك؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب
الكتب الدينية التي تحتوي على آي كتاب الله وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينبغي للمسلم أن يصونها عن إدخالها لبيت الخلاء، لما تضمنته من كلام الله وكلام رسوله - عليه الصلاة والسلام -، إلا أن يحتاج لذلك، بأن يخشى عليها من السرقة، ولم يجد من يمسكها حتى يخرج من الخلاء، فلا بأس أن يدخل بها والحالة هذه.(14/146)
صفة التسبيح بالأصابع
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/آداب الذكر
التاريخ 22/08/1425هـ
السؤال
هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسبح على كل إصبع ثلاث مرات أم مرة واحدة بثني الإصبع؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
عليك - أخي- أن تكثر من التسبيح وغيره من الذكر، ولا تعد إلا ما ورد الأمر بعده، وسواء عددت بالإصبع ثلاثاً أو واحدة، فالأفضل أن تعد بالأنامل ويجوز أن تعد بغيرها، وإنما الأنامل أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم للنساء: "واعْقِدْنَ بالأَنَامِلِ فإنَّهُنَّ مَسْتنطقاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ" أخرجه أبو داود (1501) ، والترمذي (3583) . والله أعلم.(14/147)
صفة عقد التسبيح باليد
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن المشعل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/آداب الذكر
التاريخ 11/11/1424هـ
السؤال
كيف يكون العد في التسبيح؟ هل بالنقر على السلاميات أم على رؤوس الأصابع؟.
الجواب
الحمد لله.
جاء في التسبيح بالأنامل حديث يُسَيرة الصحابية المهاجرة - رضي الله عنها-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أمرهن بالتكبير، والتقديس، (وهو التسبيح) ، والتهليل، وأن يعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات" أخرجه أبو داود (1501) ، والترمذي (3583) ، وقال عنه النووي في الأذكار ص (51) ، إسناده حسن. أي تسأل يوم القيامة لتشهد لصاحبها بما اكتسب بهن، ومصداق ذلك قوله -تعالى-: "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون" [النور: 24] .(14/148)
وقت أذكار المساء
المجيب د. أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/آداب الذكر
التاريخ 23/1/1425هـ
السؤال
سؤالي هو: أذكار المساء.. هل تكون بعد العصر، أم بعد المغرب؟ أجيبوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
أذكار المساء تكون بعد المغرب، لأن المساء يبدأ وقته من غروب الشمس، والصباح يبدأ وقته من طلوع الفجر الصادق، يدل له ما أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1772) والفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني في الكبير (10596) ، والحاكم في المستدرك (3594) ، وصححه عن أبي رزين قال: "جاء نافع بن الأزرق إلى ابن عباس - رضي الله عنهما- فقال: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم، فقرأ "فسبحان الله حين تمسون" قال: صلاة المغرب، "وحين تصبحون" قال: صلاة الصبح، و"عشيًّا" صلاة العصر، "وحين تظهرون" [الروم: 17-18] صلاة الظهر، وقرأ: "ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم". انتهى، فهذا تفسير الصحابي -رضي الله عنه-اللغوي للصباح والمساء، ومثله عن مجاهد، فالمساء لا يكون إلا من بعد غروب الشمس، وأذكاره تبدأ من ذلك الوقت، نحو: أمسينا وأمسى الملك لله ... إلخ. وبالله التوفيق.(14/149)
وقت أذكار الصباح والمساء
المجيب د. عبد الله بن محمد الغنيمان
رئيس قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/آداب الذكر
التاريخ 18/12/1424هـ
السؤال
ما هو الوقت المفضل لذكر أذكار الصباح والمساء؟ بالنسبة لأذكار الصباح هل هي بعد صلاة الصبح أم أنها تجوز بعد الشروق؟ وكذلك بالنسبة لأذكار المساء هل تقال بعد العصر أم بعد المغرب؟.
الجواب
الوقت المفضل لأذكار الصباح والمساء بعد صلاة الفجر وقبل غروب الشمس، والوقت واسع لذلك، فالصباح يبدأ بطلوع الفجر الثاني، ويستمر الوقت إلى الضحى، وكذلك المساء يبدأ بعد صلاة الظهر ويستمر إلى صلاة العشاء، وقد أمر الله -تعالى- بذكره في كل وقت وعلى كل حال.(14/150)
اختلاف روايات الأذكار
المجيب د. سمير بن سليمان العمران
مدير عام التربية والتعليم للبنات بالمنطقة الشرقية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/آداب الذكر
التاريخ 2/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
توجد في بعض الأدعية والأذكار روايتان، يكون الاختلاف بينهما لفظة واحدة، مثل ذكر الصباح والمساء، والنوم الذي علمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أبا بكر الصديق- رضي الله عنه- "اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أعوذ بك من شر الشيطان وشِرْكه-بكسر الشين، وإسكان الراء -، وفي رواية أخرى بفتح الشين والراء معاً..) وفي حديث آخر أيضاً علمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أبا بكر الصديق - رضي الله عنه- عندما طلب منه دعاء عقب السلام "اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كبيراً - وفي رواية كثيراً-.....) وفي حديث الاستخارة عندما ذكر راوي الحديث لفظي تخيير عندما قال (..خير لي في ديني ومعاشي، وعاقبه أمري أو عاجل أمري وآجله، سؤالي هو: هل يجوز الجمع بين الروايتين كقولنا من شر الشيطان وشركه- بكسر الشين وإسكان الراء- وشركه بفتح الشين والراء معاً) ،
وكذا في الاستخارة بجمع لفظي التخيير فيستبدل "أو" بـ "و" جمعاً للروايتين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الصواب -والله أعلم- أن تقول إحدى الروايتين فقط في كل مرة؛ لأن الجمع بينهما في دعاء واحد خلاف السنة، وأما أي الروايتين تأخذ فلا يخلو ذلك من أن تكون بنفس الدرجة من حيث الصحة، أو بينهما فرق فإن كان الثاني فيؤخذ الأعلى والأصح؛ لأنه الأقرب لما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وإن كان الأول فينوع بينهما شريطة عدم الجمع بينهما في مرة واحدة كالحال بالنسبة لأدعية افتتاح الصلاة وغيرها.(14/151)
مراعاة العدد في الأذكار
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/آداب الذكر
التاريخ 28/3/1425هـ
السؤال
أيهما أفضل: أن أقول: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) ألف مرة في اليوم، أو أقول: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته) مائه مرة في اليوم؟ وقد ورد في الحديث عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما معناه من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، هل المقصود من قالها مائة مرة في اليوم فقط أو المقصود أن يقولها الإنسان كل يوم صباحاً ومساءاً. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أخي الكريم: أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياك من الذاكرين الله كثيراً، وأن يجعلني وإياك ممن إذا ذكر الله وجلت قلوبهم.
يا محب: في باب الأذكار بعض الضوابط التي يعين الالتزام بها على الانتفاع بها - إن شاء الله- أذكر منها ما يناسب هذا المقام، وهي:
الضابط الأول: أن يراعي المسلم العدد، واللفظ الشرعي الذي جاءت به السنة في كل ذكر؛ لأن ذلك أفضل بالاتفاق، ومن أهل العلم من يرى أن من زاد على العدد، فإنه يقع في محذورين:
الأول: الوقوع في البدعة؛ لأن في ذلك نوع استدراك على صاحب الشرع.
الثاني: أنه يخشى عليه ألا يتحقق له الأجر أو الفائدة المرجوة من ذلك الذكر، قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله- في (الفتح 2/384) عند شرحه ح (844) : "واستنبط من هذا أن مراعاة العدد المخصوص في الأذكار معتبرة" ا. هـ. وقال - أيضاً- في الفتح (11/116)
(6312) : "ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص وأسرار، لا يدخلها القياس، فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به، وهذا اختيار المازري، قال: فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف" ا. هـ.
الضابط الثاني: أن المفاضلة بين الأذكار تحتاج إلى نص يطمئن إليه الإنسان في التفضيل، ومن المتفق عليه بين أهل العلم - فيما أعلم- أن القرآن أفضل الذكر؛ لأنه كلام الله -تعالى-، أما بقية الأذكار فيقع فيها النزاع بين أهل العلم - رحمهم الله تعالى-، وثمة ضوابط أخرى يطول الجواب بذكرها، وفيما مضى كفاية في الإشارة إلى المقصود، إذا تقرر هذا - يا محب- فما سألت عنه: أيهما أفضل: أن أقول: "سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" ألف مرة في اليوم، أم أقول: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته" مائة مرة في اليوم؟ الجواب عنه يستفاد مما مضى، ويمكن تلخيصه في أمور:
الأول: أن تحديد العدد في الذكرين يحتاج إلى دليل، ولا أعلم في الأذكار حديثاً صحيحاً استحب فيه الذكر ألف مرة، وأقصى ما صحت به الآثار هو المائة.
الثاني: المفاضلة بينهما على فرض ثبوت العدد وتحديده تحتاج إلى دليل واضح.(14/152)
الثالث: أن الحديث الأول الذي أشرت إليه، ثبت في صحيح مسلم (3/1685) (2137) من حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه- بلفظ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "أحب الكلام إلى الله أربع: سبحانه الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت".
وثبت - أيضاً- في صحيح مسلم (4/2072) (2695) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- مرفوعاً بلفظ: "لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس".
وأما الذكر الثاني: فقد ثبت في صحيح مسلم (4/2091) (2726) من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- عن جويرية - رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال: "ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ " قالت: نعم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته".
فأنت ترى أن الذكر الأول لم يحدد بعدد، فهو مشروع بإطلاق، وأفضل ما يكون الذكر حينما يتواطأ القلب واللسان على الذكر.
وأما الذكر الثاني: فالنبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات" فلو قلت هذا يكون الذكر أكثر من مرة ثلاث مرار من غير التزام لعدد معين، فقد أصبت - إن شاء الله- بحيث يكون الوقوف في كل مرة من قولك، لهذا الذكر ثلاث مرات.
واعلم أن من أسباب تفضيل هذه الأذكار، كونها اشتملت على صفات الكمال، ونعوت الجلال، لله الكبير المتعال -سبحانه وتعالى -.
وأما الأجر المترتب على قول: "سبحان الله وبحمده مائة مرة، وغفران ذنوبه ولو كانت كزبد البحر فهذا يتحقق بقول الإنسان هذا الذكر مرة واحدة في اليوم مائة مرة ولا يلزم أن يقال صباحاً ومساءاً وهذا نص حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة خطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" رواه البخاري (6405) ومسلم (2691) واللفظ للبخاري والله -تعالى- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(14/153)
هل هذا الدعاء مأثور؟
المجيب سليمان بن عبد الله القصير
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/آداب الذكر
التاريخ 14/07/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد قرأت هذا الدعاء في أحد الكتب، والذي أخبر بأنه دعاء مأثور، ولا أدري ما مدى صحته، يقول الدعاء: (اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك من مظالم كثيرة لعبادك قِبَلي، فأيما عبد من عبادك أو أَمَة من إمائك كانت له قبلي مظلمة ظلمتُها إياه من مال أو بدن أو عرض، علِمتُها أو لم أعلمها، ولم أستطع أن أتحللها، فأسألك أن ترضى عني بما شئت وكيف شئت، ثم تهبها لي من لدنك، إنك واسع المغفرة ولديك الخير كله يا رب) . فما مدى صحة هذا الحديث؟ وهل يجوز الدعاء به؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
بسم لله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالجواب: لم أقف على هذا الحديث بهذا اللفظ، وهناك حديثان لفظهما قريب من لفظ هذا الحديث، أحدهما: ضعيف - وهو الأقرب لفظاً - والثاني: صحيح.
أما الحديث الضعيف فهو ما أخرجه ابن الجوزي في (العلل المتناهية 2/ 845) بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: "كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ دخل غلام فدعا بهذه الدعوات، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: لقد دعوت بدعوات ما دعا بهن أحد إلا استجيب له، وهو أن يقول: إني استغفرت وأسألك التوبة من مظالم كثيرة لعبادك قبلي، اللهم إنا خلق من خلقك، فمن كانت له قبلي مظلمة ظلمتها إياه في ماله، أو بدنه، أو عرضه، أو دمه، قد غاب، أو مات، نسيت أو حفظت عمدًا أو خطأ، قديماً أو حديثاً لا أستطيع أداءها إليه.."، وقال ابن الجوزي عقب هذا الحديث: (فذكر
حديثاً طويلاً. وهذا الحديث ليس بصحيح) .
وأما الحديث الصحيح فهو ما جاء عن أبي هريرة وجابر بن عبد الله - رضي الله عنهم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " اللهم إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه، فإنما أنا بشر، فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة ". أخرجه مسلم ح (2601) .
وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم إنما أنا بشر، فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة") . أخرجه مسلم (2600) .
عن سلمان- رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب، فقال: "أيما رجل من أمتي سببته سبة أو لعنته لعنة في غضبي؛ فإنما أنا من ولد آدم أغضب كما يغضبون وإنما بعثني رحمة للعالمين فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة ". أخرجه أبو داود
(4659) .
وعن عائشة-رضي الله عنها- قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه، يدعو حتى إني لأسأم له مما يرفعهما يدعو: اللهم فإنما أنا بشر، فلا تعذبني بشتم رجل شتمته أو آذيته". أخرجه أحمد (6/ 225) . وفي سنده ضعف. والله -تعالى- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(14/154)
عبارة (لا حول الله)
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/آداب الذكر
التاريخ 04/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أطال الله في عمركم وجزاكم الله خيرًا وأثابكم، سؤالي هو: كثير من الناس يقول الكلمة هذه: (لا حول الله) . أو يقول: (لا حول) . هل يجوز قولها أم لا؟ مع التفصيل إذا أمكن، أفيدونا جزاكم الله ألف خير.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
اللفظ الوارد في الأحاديث: لا حول ولا قوة إلا بالله. وهي كلمة عظيمة مقصودها الاستعانة بالله وبراءة الإنسان من حوله وقوته، فمعناها: لا تَحَوَّلَ مِن حالٍ إلى حال، ولا قوةَ على شيء إلا بالله سبحانه وتعالى. فالعبد لا يقدر على شيء يريد حصوله أو دفعه، ولا يتحول من حال إلى حال، أو من مكان إلى مكان إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وإقداره، ويدل لفضل هذه الكلمة وعظم شأنها قوله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى، رضي الله عنه: "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ- أَوْ قَالَ: عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟ ". فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ". أخرجه البخاري (4205) ومسلم (2704) .
وقول بعض الناس: (لا حَوْلِ الله) أو: (لا حول) . يريد: لا حول ولا قوة إلا بالله. لكنه يختصرها اختصارًا مخلًّا بمقصودها، فينبغي لمن سمعه أن يُعلمه ويرشده ليأتي بهذا الذكر بلفظه الشرعي تامًّا غير منقوص، فهذا القائل نيته صالحة لكنه أخطأ بحذفه لأكثر الجملة، وسببُ ذلك الجهلُ، وقد يقول هذه العبارة: لا حول ولا قوة إلا بالله. من لا يدري عن مقصودها أصلًا، وإنما تجري على لسانه عادة، وعلى كل حال فلا حرج على من جرت على لسانه، لكن ينبغي أن يعُلَّم اللفظ الشرعي ويبين له معناه ليذكر الله به، ويتعبد الله به. والله أعلم.(14/155)
أيهما الأفضل بعد صلاة الفجر التلاوة أم الأذكار؟
المجيب وليد بن إبراهيم العجاجي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/آداب الذكر
التاريخ 09/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم. أيهما أفضل بعد الانصراف من صلاة الفجر الشروع في تلاوة القرآن أم البدء بأذكار الصباح؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، وبعد:
فإن هذه المسألة ونحوها الكلام فيها مبني على أصلين:
الأصل الأول: أن جنس تلاوة القرآن أفضل من جنس الأذكار، كما أن جنس الذكر أفضل من جنس الدعاء، كما في الحديث الذي في مسند أحمد (20126) وصحيح مسلم (2137) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: أربع من أطيب الكلام، وهن من القرآن، لا يضرك بأيهن بدأت، سبحان الله، والحمد لله، ولا اله إلا الله، والله أكبر.
وفى سنن الدارمي (3356) والترمذي (2926) عن أبي سعيد: من شغله قراءة القرآن عن مسألتي وذكري أعطيته أفضل ثواب السائلين.
وكما في الحديث الذي في سنن أبي داود (832) والنسائي (924) في الذي سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-; فقال إني لا أستطيع أن آخذ شيئًا من القرآن، فعلمني شيئا يجزئني من القرآن فقال: قل سبحان الله، والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولهذا كانت القراءة في الصلاة واجبة، فإن الأئمة لا تعدل عنها إلى الذكر إلا عند العجز والبدل دون المبدل منه.
وأيضا فالقراءة تشترط لها الطهارة الكبرى دون الذكر والدعاء، وما لم يشرع إلا على الحال الأكمل فهو أفضل.
الأصل الثاني: وهو أن العمل المفضول قد يقترن به ما يصيره أفضل من ذلك، وهو نوعان:
أحدهما: ما هو مشروع لجميع الناس.
والثاني: ما يختلف باختلاف أحوال الناس.
أما الأول ـ ما هو مشروع لجميع الناس ـ فمثل أن يقترن إما بزمان أو بمكان أو عمل يكون أفضل، مثل ما بعد الفجر والعصر ونحوهما من أوقات النهي عن الصلاة، فإن القراءة والذكر والدعاء أفضل في هذا الزمان، وكذلك الأمكنة التي نهي عن الصلاة فيها كأعطان الإبل والمقبرة، انظر صحيح مسلم (360) وسنن أبي داود (492) ، فالذكر والدعاء فيها أفضل، وكذلك الذكر في حق الجنب أفضل، وكذلك المحدث، فإن القراءة والذكر في حقه أفضل، فإذا كره الأفضل في حال حصول مفسدة كان المفضول هناك أفضل بل هو المشروع، وكذلك حال الركوع والسجود فإنه قد صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-; أنه قال: "نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" أخرجه مسلم (479) .
وما بعد التشهد يكون الدعاء المشروع بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-; وأمره انظر صحيح مسلم (588) ، والدعاء فيه أفضل، بل هو المشروع دون القراءة والذكر، وكذلك الطواف، وبعرفة ومزدلفة وعند رمي الجمار المشروع هناك هو الذكر والدعاء.(14/156)
والنوع الثاني - ما يختلف باختلاف أحوال الناس - كأن يكون العبد عاجزًا عن العمل الأفضل، إما عاجزًا عن أصله، كمن لا يحفظ القرآن، ولا يستطيع حفظه، أو عاجزًا عن فعله على وجه الكمال مع قدرته على فعل المفضول على وجه الكمال، ومن هنا قال من قال: إن الذكر أفضل من القرآن، فإن الواحد من هؤلاء قد يخبر عن حاله، فالواحد من هؤلاء يجد في الذكر من اجتماع قلبه، وقوة إيمانه، واندفاع الوسواس عنه، ومزيد السكينة، والنور، والهدى ما لا يجده في قراءة القرآن، بل إذا قرأ القرآن لا يفهمه أو لا يحضر قلبه وفهمه، ويلعب عليه الوسواس والفكر، كما أن من الناس من يجتمع قلبه في قراءة القرآن وفهمه وتدبره، ما لا يجتمع في الصلاة، بل يكون في الصلاة بخلاف ذلك، وليس كل ما كان أفضل يشرع لكل أحد، بل كل واحد يشرع له أن يفعل ما هو أفضل له، فمن الناس من تكون الصدقة أفضل له من الصيام، وبالعكس، وإن كان جنس الصدقة أفضل، ومن الناس من يكون الحج أفضل له من الجهاد، كالنساء، وكمن يعجز عن الجهاد، وإن كان جنس الجهاد أفضل، ونظائر هذا متعددة.
إذا عرف هذان الأصلان عرف بهما جواب هذه المسألة وغيرها مما يتعلق بقاعدة التفضيل، وبناءً عليه يقال: إن الأذكار المشروعة في أوقات معينة -مثل ما يقال عند جواب المؤذن- أفضل من القراءة في تلك الحال، وكذلك ما سنه النبي -صلى الله عليه وسلم-; فيما يقال عند الصباح والمساء، وإتيان المضجع هو مقدم على غيره، وأما إذا قام من الليل فالقراءة له أفضل إن أطاقها، وإلا فليعمل ما يطيق.
والله أعلم.(14/157)
قراءة أذكار المساء بعد صلاة العصر
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/آداب الذكر
التاريخ 06/10/1426هـ
السؤال
اعتدت أن آتي بأذكار المساء بعد صلاة العصر مباشرة، فهل أصبت السنة أم أن وقتها بعد المغرب؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نعم أصبت السنة؛ لأن الغدو والبكرة ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس، والآصال والعشي ما بين صلاة العصر وغروب الشمس، والله أعلم.(14/158)
الصلاة على أعضاء الرسول صلى الله عليه وسلم
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -
التاريخ 28/7/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
دخلت المسجد يوماً، فكان الشيخ في مقدمة الدرس، يكرر الدعاء بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم بالصلاة على أعضاء جسده - صلى الله عليه وسلم - كيده وعينه ورأسه ولسانه وقدمه وشعره ... و ...
فما الحكم في هذا؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وبعد:
فمما لا شك فيه أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من أفضل الذكر وأجل القربات، كيف وقد أمر الله - تعالى - بذلك في كتابه العزيز انظر: [الأحزاب: 56] ، ووعد هو من صلى عليه صلاة واحدة أن يصلي الله عليه بها عشراً انظر: مسلم (384) .
وأفضل الصيغ وأتمها وأسلمها ما علمناه من النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث كعب بن عجرة - رضي الله عنه - المخرج في الصحيحين انظر: البخاري (3370) ، ومسلم (406) ، والسنن انظر: النسائي (1289) وأبو داود (976) وابن ماجة (904) والبيهقي (2/148) وابن حبان (912) والدارمي (1316) ... ، والمسانيد انظر: أحمد (18104) أبو عوانة (2/212) عبد بن حميد (368) ... ، حيث قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: "اللهم صلِ على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد".
ووردت روايات كثيرة بصيغ متقاربة نحو زيادة: "إبراهيم" إضافة إلى "آل إبراهيم" ومثل: "اللهم صلِ على محمد وأزواجه وذريته " - سبق تخريجه - وكلها صحيحة متقاربة المعنى، وقد بلغ عدد من روى هذه الصيغ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنين وأربعين صحابياً.
ولم يرد فيها تخصيص أعضاء جسده بالصلاة عليها كما في السؤال، فدلَّ ذلك على بدعيتها ونكارتها. نسأل الله أن يهدي جميع المسلمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(14/159)
الحكمة في الصلاة على آل محمد
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -
التاريخ 15/7/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
تساؤلي عن لفظة "وآل محمد" في التشهد، لماذا نصلي عليهم ونسلم بالخصوص؟ وسبب التساؤل هو أن منهم الصالح ومنهم غير ذلك، ولو كان الدعاء للصالحين منهم على الخصوص، لما كان هناك معنى للنسبة، فإن ذلك مشعر بأن السبب هو كونهم من آل البيت. وقد يقال إن الآل هنا مقصود بها كل مسلم، غير أن روايات الحديث الأخرى تأبى ذلك، وكون الآل هم ذرية النبي -صلى الله عليه وسلم- وآل بيته وهو ما مال إليه ابن القيم على ما أذكر. وحيث إن الحب في الله إنما يرتبط بعمل الشخص وقربه من الله، فقد أشكل علي الدعاء لهم لمجرد النسب، وقد فسرت ذلك بأحد أمرين:
الأول: أن ذلك إكرام للنبي - صلى الله عليه وسلم-، فالذي يحبه النبي- صلى الله عليه وسلم- يحبه الله ونحبه نحن لحب النبي - صلى الله عليه وسلم- له.
الثاني: أن ذلك الدعاء مخصوص بالصالحين منهم، بيد أن ربط الدعاء لهم بكونهم من الآل يعكر عليه.
الثالث: وهو ربما لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أراد ألا يهضم حقهم؛ لأنه علم أنهم ستهضم حقوقهم في المستقبل، وهذا ما حدث، فلم يتولوا خلافة عامة منذ البعثة إلى الآن، بل حال الخلفاء مع العلويين وتضييقهم عليهم معروف لخوفهم منهم - أقصد بالعلويين آل البيت-.
فما سبب تخصيصهم بالدعاء؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
في سؤالك جواب، وبالجملة أقول لك إن من إكرامك للرجل إكرامك لأهل بيته، فإن ادعيت محبة رجل وعاديت أهله كنت بذلك متناقضاً، فكيف إذاً بحبك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي ورد الشرع بأن المؤمن لا يؤمن حتى يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحب إليه من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين، ومن لازم هذا الحب أن تحب من أحب وتكره من كره، ولذلك صح من وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أهل بيته قوله فيما رواه مسلم (2408) وغيره من حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي"، وأهل بيته من حرمت الصدقة عليهم وهم: آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، وعليه فإن الدعاء لهم هو إكرام لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومزيد تشريف وتكريم لقربهم وصلتهم بالنسب الشريف وقد صح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- فيما رواه الشيخان البخاري (3353) ، ومسلم (2378) قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" ويمكنك لمزيد الاستزادة مراجعة كتاب جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام لابن القيم والقول البديع في الصلاة والسلام على الحبيب الشفيع للسخاوي والله أعلم.(14/160)
الدعاء(14/161)
أدعية تقوي الإيمان
المجيب عبد الله بن عبد الوهاب بن سردار
خطيب جامع العمودي بالمدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/فضل الدعاء
التاريخ 18/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما هي الأدعية التي تقوي الإيمان وتزيد الحسنات وتقرب العبد إلى ربه؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كل دعاء يدعو به المسلم ربه عز وجل فهو يقوي إيمانه ويزيد من حسناته ويقربه إلى ربه عز وجل لذلك أرشدك إلى كتيب (حصن المسلم) للشيخ: سعيد بن علي القحطاني، وكذلك كتيب (الدعاء) للشيخ نفسه ففيهما خير كثير.
أدعية وأذكار حول قوة الإيمان والثبات على الدين:
(1) "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" [آل عمران: 8] .
(2) "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا" الترمذي (3502) .
(3) "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" النسائي (1303) وأبو داود
(1522) .
(4) "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" الترمذي (2140) وابن ماجة
(3834) .
(5) "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى" مسلم (2721) .
(6) "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري...." مسلم (2720) .
أدعية وأذكار ثوابها حسنات كثيرة وفضائل عظيمة:
(1) (سبحان الله وبحمده) من قالها مئة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر. رواه البخاري (6405) .
(2) (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن. رواه البخاري (6406) ومسلم (2694) .
(3) قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-:"أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة، فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مئة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة" رواه مسلم (2698) .
(4) أحب الكلام إلى الله أربع: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) لا يضرك بأيهن بدأت. رواه مسلم (2137) .
(5) قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"يا عبد الله بن قيس ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت: بلى يا رسول الله. قال: قل لا حول ولا قوة إلا بالله" رواه البخاري
(6409) ومسلم (2704) .
(6) عن جويرية -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال:"ما زلت على الحال التي فارقتك عليها" قالت: نعم. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته" رواه مسلم (2726) .
(7) عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة" رواه الطبراني وهو حديث حسن انظر: صحيح الجامع وزياداته للشيخ الألباني الحديث رقم: (6026) وقد عزاه لمجمع الزوائد (10/210) .
ثبتك الله على الطاعة والاستقامة.
أخي الكريم: أرجو أن أكون قد فهمت سؤالك وإلا فالمعذرة.(14/162)
الدعاء أم الصبر
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/فضل الدعاء
التاريخ 26/11/1423هـ
السؤال
رجل يشكو من شكوى مرضية معينة وبالفحص لدى الأطباء لم يثبت أن لديه مرض عضوي، هل يتوجه إلى الله بالدعاء فقط أم هناك رقى معينة يستعين بها؟ أم يذهب لمن يعالجون بالقرآن؟ أم يذهب لعبد صالح ليدعوا له؟ أم الصدقات قد يكون فيها علاج! وكيف يكون الصبر في هذه الحالات وهل الصبر يتعارض مع الدعاء لله بكشف الضر، وما بال القول: "يا رب إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي".
الجواب
الحمد لله، لقد أمر الله عباده بدعائه قال - سبحانه -: "ادعوا ربكم تضرعاً وخفية" [الأعراف: 55] ، وقال - سبحانه -: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" [غافر: 60] ، وأخبر عن دعوات الأنبياء كإبراهيم، وإسماعيل، ونوح، وأيوب، وذي النون، وزكريا، كلهم أخبر الله عن دعواتهم، فالدعاء من أعظم الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار فإن الخير كله بيده سبحانه، ولا يأتي بالحسنات إلاّ هو، ولا يدفع السيئات إلاّ هو، فهو الذي يدفع السيئات ويكشف السوء، ويكشفه عمن شاء سبحانه، قال - تعالى -: "أمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ"الآية، [النمل: 62] ، فمن ابتلي بمرض فعليه أن يصبر ويحتسب، ولا يتسخط قضاء الله، ولا يجزع بل عليه أن يصبر ويحتسب الأجر من ربه، ولا ينافي ذلك دعاءه، فإن أيوب عليه السلام قد ابتلي ببلاء عظيم وهو الضر، فدعا ربه فاستجاب له، قال - تعالى -: "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ" [الأنبياء:83- 84] ، فالحاصل أن الدعاء لا ينافي الصبر، وهو حبس النفس عن التسخط والجزع، والدعاء توجه إلى الله وتعلق بما عنده وهو يتضمن حسن الظن بالله فإن الداعي ما دعى ربه إلاّ لأنه يؤمن بأنه كريم، رحيم سميع، قدير، غني، وهذه كلها من المعاني التي يجب اعتقادها والإيمان بها، فالداعي متوكل على الله وراج وخائف يدعو ربه تضرعاً وخفية ويدعوه خوفاً وطمعاً وإذا اجتمع للإنسان هذان المقامان الصبر والتوكل كانت المصيبة في حقه نعمة، وفي الحديث: "إذا أرد الله بعبده خيراً عجل له العقوبة في الدنيا" الترمذي (2396) أحمد (16806) وفي الحديث الآخر: "إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم" الترمذي (2396) ابن ماجة (4031) وأحمد (23623) أحمد (16806) وجمع الله بين هذين المقامين في قوله "الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" [النحل:42] ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(14/163)
الدعاء على الظالم
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/فضل الدعاء
التاريخ 25/4/1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو من فضيلتكم أن تدلوني على طريق يريح نفسي وقلبي من الظلم، فقد تعرضت لظلم معنوي شديد، وقد أثر هذا الظلم في نفسي إلى حد بعيد جداً، فهل لي أن أسأل الله أن يريني يوماً في هذا الظالم؟ ليس للشماتة -والعياذ بالله-، ولكن لأعلم أن الله قد اقتص منه، وهل لي أن أدعو بحسبي الله ونعم الوكيل وسوف يرد لي حقي؟ وهل فعلاً أن الجزاء من جنس العمل؟ وما مصدر هذه المقولة "الجزاء من جنس العمل"؟ أفيدوني يرحمكم الله.
الجواب(14/164)
الحمد لله، مما يبتلى به الإنسان في هذه الحياة الظلم، بأن يعتدي عليه بعض الناس بغير حق في نفسه أو ماله أو عرضه، والواجب على المسلم في المصائب كلها أن يصبر ويؤمن بأن ذلك بقدر الله وعليه أن يحاسب نفسه لعل ما وقع عليه من الظلم بسبب ذنوب اقترفها على حد قوله -تعالى-:"وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" [الشورى:30] ، فإن الله قد يسلط على العبد من يؤذيه بسبب ما اقترف من السيئات ويبتليه بالمصائب في ماله ونفسه وغير ذلك، ليكون ذلك تمحيصاً لذنوبه، من صبر كسب، على حد قوله -صلى الله عليه وسلم-:"ما يصيب المسلم من نَصَب ولا وَصَب ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه"، صبره على الظلم من حيث إنه بقدر الله لا يمنع من مطالبته بحقه الذي يوجبه الشرع، كما قال -تعالى-:"ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم" [الشورى:41-42] ، وعليك أيتها السائلة أن تصبري وتحتسبي الأجر من الله على ما وقع عليك من ظلم، وقد يرى الإنسان أحياناً أنه مظلوم من جهة فلان أو فلان وليس بظلوم، فعليه أن يتثبت في هذا الأمر، ولا يدعي الظلم على من لم يظلمه، فإن من الناس من إذا اُدعي عليه بحق وحُوكم في ذلك يرى أنه مظلوم وليس هو بمظلوم، ومن انتصار المظلوم لنفسه أن يدعو على الظالم من غير أن يعتدي، يدعو عليه بأن الله ينصفه منه، يقول: اللهم أنصفني منه، اللهم انصرني عليه، ولا يدعو عليه كما يشاء بأن يفعل الله به كذا وكذا، بأن يهلكه أو يدمره، أن يجعله في جهنم كما يفعل بعض الجهلة، وله أن يقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فبهذا تفويض للأمر إلى الله "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" [الطلاق:3] ، وقال -سبحانه وتعالى-:"الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" [آل عمران:173] ، وأما أن الجزاء من جنس العمل فهذه سنة الله في شرعه وقدره، ولكن هذا لا يقال إنه مطرد في كل شيء، لكن هذا هو الغالب أن الجزاء يكون من جنس العمل كما قال -تعالى-:" ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون" [النمل:50] ، وقال -سبحانه وتعالى-:"وجزاء سيئة سيئة مثلها" [الشورى:40] ، وقال -تعالى-:"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" [البقرة:194] وكذلك في الإحسان من عفا عفا الله عنه، ومن أحسن أحسن الله إليه، قال -تعالى-:"هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" [الرحمن:60] ، وهذه الآيات هي الأصل في هذه المقولة أن الجزاء من جنس العمل وشواهدها كثيرة، والله أعلم.(14/165)
ساعة ميلاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - هل هي ساعة استجابة؟
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/فضل الدعاء
التاريخ 2/9/1424هـ
السؤال
أريد التأكد من مدى صحة الكلام الآتي: ساعة الاستجابة هي الساعة التي ولد فيها النبي - صلى الله علية وسلم -، وهي الساعة التي يجتمع فيها أهل الديوان - والديوان يكون بغار حراء الذي كان يتعبَّد فيه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -وهذه الساعة تكون في الثلث الأخير من الليل، وهي التي وردت فيها الأحاديث الشريفة: "ينزل ربنا كل ليلة عندما يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول من يدعوني فاستجيب له". كتب سيدي أحمد بن المبارك في ص 328 من كتاب (الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز الدباغ) رضي الله تعالى عنه: (من أراد أن يظفر بهذه الساعة فليقرأ عند إرادة النوم: الآيات من 107 إلى آخر سورة الكهف، ويطلب من الله أن يوقظه في الساعة المذكورة فإنه يفيق بإذن الله. من كتاب مفاتيح الخير لترويح القلوب. أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الدعاء عبادة من العبادات التي شرعها الله تعالى، قال تعالى: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" [غافر: 60] ، وقال: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون" [البقرة: 186] ، وشرط له شروطاً يجب تحقيقها لقبوله، وحد له حدوداً لا يجوز تعديها وإلا رد على صاحبه، وقد خصَّ الله تعالى بعض الأمكنة والأزمنة بمزية فضل، فجعل الدعاء فيها أو عندها مظنة الإجابة، وساعات الإجابة أخفاها الله تعالى عن العباد كما أخفى ليلة القدر واسمه الأعظم والساعة التي في يوم الجمعة، والحكمة في ذلك والله أعلم حث العباد على الاجتهاد في الطلب واستيعاب الوقت بالعبادة، بخلاف ما لو تحقق الأمر في شيء من ذلك لكان مقتضيا الاقتصار عليه وإهمال ما عداه.(14/166)
ولم يرد في نصوص الشرع ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في الثلث الأخير من الليل ولا في أوله، وثلث الليل كله فاضل من كل يوم، وإنما كان كذلك لنزول الرب تبارك وتعالى فيه إلى السماء الدنيا وندبه عباده إلى مناجاته ودعائه واستغفاره في ذلك الوقت، وما ورد من تخصيص فهو ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند الترمذي (3570) وغيره أنه بينما هو جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه علي بن أبي طالب فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله تفلت هذا القرآن من صدري فما أجدني أقدر عليه فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "يا أبا الحسن أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينفع بهن من علمته ويثبت ما علمته في صدرك قال: أجل يا رسول الله فعلمني قال: إذا كانت ليلة الجمعة فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فإنها ساعة مشهودة والدعاء فيها مستجاب وهي قول أخي يعقوب لبنيه سوف أستغفر لكم ربي حتى تأتي ليلة الجمعة فإن لم تستطع فقم في وسطها فإن لم تستطع فقم في أولها" الحديث، وهذا يشكل على ما ورد في السؤال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، وما جاء في الحديث خاص بليلة الجمعة.
فتحديد ساعة الإجابة بأنها الساعة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا دليل عليه، بل هو من محدثات الصوفية ومخترعاتهم، وكل ما بني على شيء محدث لا أصل له في الدين فهو باطل.
أما اجتماع أهل الديوان في غار حراء في تلك الساعة!! فأولاً: لا أدري ما المقصود بأهل الديوان؟ أهم أهل واحد من الأقسام الثلاثة الذين وردوا في حديث عائشة رضي الله عنها: "الدواوين عند الله ثلاثة" أحمد (26031) ، والحاكم (4/575) ، والبيهقي في الشعب (7473-7474) ..وضعف الألباني سنده، فهذا ما لا يدرك إلا بالشرع لأنه من الغيب، ولا دليل على ذلك. ولا يدرك بالكشف ولا بالذوق.
اللهم لا تجعلنا ممن قلت فيهم: "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" [الكهف: 103-104] .(14/167)
لماذا الدعاء؟
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/فضل الدعاء
التاريخ 14/9/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: تحية واحتراماً. وبعد:
تأتيني حالات أدعو الله كثيراً وبشدة، بأن يجعل لي من أمري رشدا، وأن يعطيني من فضله، وتارة أخرى أقول: طالما أن الإنسان عمره محسوب، ورزقه مقسوم لا يصله أي كائن من كان، والرزق حتى للمشرك معروف منذ الطفولة، وسواء صبرت أو جزعت فالأمر سيان والرزق آت، فلماذا الدعاء؟ أم الدعاء يعجِّل بالرزق؟ عفواً هذا ليس يأساً ولا قنوطاً مني. ختاماً تقَّبل فائق احترامي وتقديري.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فالذي ينبغي أن يعلم أن الدعاء من أجل ما يتقرَّب به العبد إلى ربه - عز وجل- وقد ورد الأمر به في كثير من نصوص الكتاب والسنة، قال تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" [غافر:60] ، وفي الحديث "الدعاء هو العبادة" خرجه الإمام أحمد (17888) ، والترمذي (3247) ،
وابن ماجة (3828) ، ومن المعلوم أن الدعاء على قسمين: دعاء عبادة، ويشمل جميع ما يتقرب به العبد إلى ربه من أنواع العبادة، ودعاء مسألة يطلب فيه السائل أمراً خاصاً. وكلاهما مطلوب من العبد فعله، ولا يلزم من الإجابة تحقق عين المطلوب، بل قد يحصل له خير مما طلب، ففي الحديث عن جابر - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من عبد مسلم يدعو بدعاء، إلا آتاه الله ما سأل، أو ادخر له في الآخرة خيراً منه، أو كف عنه من السوء مثله ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم" خرجه الترمذي (3381) .(14/168)
وسؤالك هذا يدور حول علاقة الدعاء بالقضاء؟ وهل يرد الدعاء القضاء؟ وهي مسألة أجاب عنها الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله- بقوله: (الدعاء من الأسباب التي يحصل بها المدعو وهو في الواقع يرد القضاء، ولا يرد القضاء إلا الدعاء، يعني له جهتان، فمثلاً: هذا المريض قد يدعو الله تعالى بالشفاء فيشفى، فهنا لولا هذا الدعاء لبقي مريضاً، لكن بالدعاء شُفي، إلا أنا نقول: إن الله سبحانه وتعالى قد قضى بأن هذا المرض يشفى منه المريض بواسطة الدعاء، فهذا هو المكتوب. يظن أنه لولا الدعاء لبقي المرض، ولكنه في الحقيقة لا يرد القضاء، لأن الأصل أن الدعاء مكتوب، وأن الشفاء سيكون بهذا الدعاء، هذا هو القدر الأصلي الذي كتب في الأزل، وهكذا كل شيء مقرون بسبب، فإن هذا السبب جعله تعالى سبباً يحصل به الشيء، وقد كتب ذلك في الأزل قبل أن يحدث، انظر المجموع الثمين من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج 1/157، والحاصل أيتها السائلة أن علم الله السابق بما كان وما سيكون وكتابته مقادير الخلائق أزلاً أمر يجب اعتقاده والتسليم به، لكنه لا يكون حجة للعبد في ترك ما أمر الله وشرع من فعل الأسباب والأخذ بها طاعة لله واستجابة لأمره وطلباً لمرضاته، ومن أهم ما أمر الله به ودعا الناس إلى فعله، وجعله من أهم الأسباب المعينة على تحقيق المطالب الدعاء، فادعي الله وألحي في الدعاء، واخلصي في التوجه إلى الله، ولا تبطئي الإجابة واشغلي نفسك بذكر الله وطاعته وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ولا تشغلي نفسك بسؤال الله عما يفعل ولم يفعل، ربنا كذا وكذا، فإنه - جل وعلا- "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" [الأنبياء:23] والله الموفق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/169)
دعاء قضاء الديون
المجيب سليمان بن عبد الله القصير
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/فضل الدعاء
التاريخ 9/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
سمعت أن هناك دعاء يرد به الله الدَّين عن الإنسان، ما هو هذا الدعاء؟ وهل يشمل رد الديون الخاصة بالناس؟.
الجواب
الدعاء له فضل عظيم على وجه العموم، وهو من أهم أسباب قضاء الحاجات، ومنها الديون التي في الذمة، وقد جاءت أحاديث تبين أنه - صلى الله عليه وسلم- كان يدعو الله أن يقضي عنه دينه، حتى جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه كان يدعو بذلك كل ليلة قبل أن ينام ومن ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد أن ينام يقول: "اللهم رب السماوات ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر" أخرجه مسلم (2713) ، وأبو داود (5501) ، والترمذي (3400) ، وابن ماجة (3873) .
ومن الأدعية التي علمها النبي - صلى الله عليه وسلم- بعض من عليهم دين ما يلي:
(1) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل يقال له أبو أمامة، فقال: "يا أبا أمامة مالي أراك خالياً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله همك، وقضى عنك دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: فقلت ذلك، فأذهب الله همي، وقضى عني ديني"، أخرجه أبو داود (1555) ، وقال: هذا حديث غريب.
(2) وعن علي - رضي الله عنه- أن مكاتباً جاءه فقال: إني عجزت عن كتابتي فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لو كان عليك مثل جبل صبير ديناً أداه الله عنك؟ قال: "قل اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك" أخرجه الترمذي (3563) ، وقال: حسن غريب، وأخرجه البزار (2/185) ، والحاكم (1/721) .
وهذا الحديث ضعيف لكن لا بأس بالعمل به أحياناً، لأن ضعفه ليس شديداً، وهو في باب الأذكار وفضائل الأعمال، وهناك أدعية أخرى ذكرها الحافظ المنذري في كتابه: (الترغيب والترهيب) وغيره، لكن أحاديثها ضعيفة جداً لا تصح فلذا تركت إيرادها مكتفياً بما هو أقوى منها، والله أعلم.
وقد جاءت أحاديث أخرى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- مبينة أنه كان يكثر الاستعاذة من الدين وهذا يشمل:
استعاذته - صلى الله عليه وسلم- قبل أن يستدين حتى لا يضطر إلى الدين، أو يكون استعاذ بعد الاستدانة ويسأل ربه السلامة من غوائل الدين وشره، وأن يعينه الله على قضائه، فلذا ينبغي على المسلم الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم- بالإكثار من الاستعاذة من الدين، ومن الأحاديث التي جاءت في هذا الباب ما يلي:(14/170)
(1) عن عائشة - رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يدعو في الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المغرم؟ قال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعود فأخلف، أخرجه البخاري (2397) ، ومسلم (589) ، وأبو داود (880) ، والنسائي (1308) ، وأحمد (6/88) ، وقوله: المأثم المراد الإثم، والمغرم المراد الغرامة، وهي ما يلزم الشخص أداؤه كالدين.
(2) وعن أنس - رضي الله عنه- قال: كنت أسمع النبي - صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال" أخرجه البخاري (6363) ، والنسائي (5465) ، والترمذي (3484) وضلع الدين: المراد ثقل الدين وشدته، كأن ثقله يصل إلى أضلاعه.
والدين يشمل كل ما في ذمة الإنسان سواء أكان ديناً لله ككفارة ونحوها، أو ديناً لآدمي كسائر الديون، والله أعلم.(14/171)
أدعية الكَرْب
المجيب د. رفعت فوزي عبد المطلب
رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/فضل الدعاء
التاريخ 25/03/1426هـ
السؤال
ما هي أعظم أدعية الكرب التي وردت بعدة صيغ؟ هل أضمنها بدعاء، أم أنها وحدها تكفي كاستغاثة؟ وما هو الأقرب للسنة؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام النبيين محمد الصادق الوعد الأمين، وبعد:
فأهلاً بك ـ أختنا الكريمة ـ ونشكر لك مرورك بموقع "الإسلام اليوم"، سائلين الله -تعالى- لك النفع والفائدة، ثم لتعلمي ـ أيتها الفاضلة ـ أن الدعاء هو من أعظم العبادات، إذ إن الله أمر عباده بدعائه، قال تعالى: ?وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين? [غافر/60] .
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء" رواه البخاري في الأدب المفرد (712) ، والترمذي (3370) ، وابن ماجة (3829) ، وابن حبان (870) ، والحاكم (1/666) وصححه، ووافقه الذهبي.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضل العبادة الدعاء" رواه الحاكم (1/667) ، وصححه، ووافقه الذهبي.
وقد سنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لكل شأن من شئون المسلم ذكراً أو دعاء، ومن ذلك ما ورد من أدعية عند نزول الكرب والهم والضيق بالمسلم، فمن ذلك: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيمُ، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض، ورب العرش الكريم" صحيح البخاري (6346) ، وصحيح مسلم (2730) ، وكان السلف الصالح يسمونه دعاء الكرب.
ومنها: "دعوات المكروب: اللهم رحمتَك أرجو فلا تَكِلْني إلى نفسي طَرْفة عين، وأَصْلِح لي شأني كله، لا إله إلا أنت". رواه أبو داود (5090) ، والحديث حسن.
أما تضمين دعاء الكرب المأثور بدعاء آخر من عندك؛ فالأفضل والأقرب للسنة ـ أختاه ـ الالتزام بما ورد من صحيح رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ـ عليه الصلاة والسلام ـ خير ما دعا ربه وبأحب الدعاء إليه، وقد ورد في ذلك، عن البراء بن عازب قال: قال لي رسول صلى الله عليه وآله: ما تقول يا براء إذا أويت إلى فراشك؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال صلى الله عليه وسلم: إذا أويت إلى فراشك طاهراً، فتوسد يمينك، ثم قل: "اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت".
قال البراء: فقلت كما قال، إلا أني قلت: وبرسولك الذي أرسلت. فوضع يده في صدري، وقال: "ونبيك الذي أرسلت".
ثم قال: "من قالها من ليلته ثم مات، مات على الفطرة".(14/172)
أورده البخاري في صحيحه في مواضع: كتاب الوضوء 1 308 (247) ، وكتاب الدعوات 11 93 و97 و98 (6311،6315،6313) ، وكتاب التوحيد 13 388 (7488) ، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء 4 2081 (2710) ، وأبو داود في السنن، أبواب النوم 4 425 (5046) ؛ وابن ماجه في السنن (3876) ، كتاب الدعاء 2 1275، والترمذي في الجامع، أبواب الدعوات 2 245 (3574) ، والنسائي في الكبرى (10619) واللفظ له، وأحمد في المسند 4 285 (18515) و290 (18561) و292 (18588،18587) و296 (18617) و299 (18651) و300 (18654-18656) و301 -302 (18680) .
وتدور الأدعية حول التوحيد لأنه لا يفرجها إلا الله، فحتى الكافر عندما يكون في ضيق يلجأ إلى الله.
- قال تعالى: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون" [سورة النمل: 62] .
-وقال تعالى: "هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين} [يونس:22] .
- والكرب هو الضيق، وهو من الأشياء التي لا يحبها الإنسان.. والابتلاء يؤدي إلى الضيق، فالابتلاء أعم، وقد يكون مقدمة للكرب، وهو أخص من البلاء.
وأما شروط قبول دعاء المكروب والدعاء عموماً فهي:
1- الإخلاص: قال تعالى: "فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَا?فِرُونَ" [غافر: 14] .
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله". رواه أحمد (2669) ، والترمذي (2516) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7957) .
2- الصبر وعدم الاستعجال، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي". رواه البخاري في الدعوات (6340) ، ومسلم في الذكر والدعاء (2735) .
3- التوبة من المعاصي: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: بالورع عما حرم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح.
4- المطعم والكسب الحلال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس: إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم" [المؤمنون: 51] . وقال: "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" [البقرة: 172] .
ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام! ومشربه حرام! وملبسه حرام! وغذي بالحرام! فأنى يستجاب لذلك؟! " رواه مسلم (1015) والترمذي (2989) .
وقال الإمام ابن رجب -رحمة الله-: فأكل الحلال، وشربه، ولبسه، والتغذي به سبب موجب لإجابة الدعاء.
5- حسن الظن بالله تعالى، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه". أخرجه الترمذي (3479) ، والحاكم (1/670) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (245) .(14/173)
6- حضور القلب، وتدبر معاني ما يقول، لقوله صلى الله عليه وسلم: "واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه".
7- عدم الاعتداء في الدعاء، والاعتداء هو كل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، قال الله تعالى: "فادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" [الأعراف:55] ، فمن ذلك: ألا يشغله الدعاء عن أمر واجب أو فريضة حاضرة، كإكرام ضيف، أو إغاثة ملهوف، أو نصرة مظلوم، أو صلاة، أو غير ذلك.
8- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، فتدعونه فلا يستجاب لكم". رواه الترمذي في الفتن (2169) وحسنه، وأحمد (23301) ، والبغوي في شرح السنة (4514) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7070) . والله تعالى أعلم.(14/174)
لعن الشياطين
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/شروط وآداب الدعاء
التاريخ 3/5/1423
السؤال
هل يجوز لعن الشياطين، كقول الله يلعن إبليسك؟
الجواب
الحمد لله، ليس هذا بمشروع ولا أقول إنه لا يجوز، ليس من الأمور التعبدية التي يتعبد بها بعض الناس فقد يتعبد بلعن إبليس والمشروع هو الاستعاذة بالله من شر الشياطين شياطين الإنس والجن، هذا هو المشروع، "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم" [فصلت:36] ، "وقل ربِّ أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك ربِّ أن يحضرون" [المؤمنون:97-98] ، فإذا آذاه أحد نقول له: استعذ بالله من شيطانه، استعذ بالله من الشيطان، كما قال -عليه الصلاة والسلام- للرجل الذي غضب واشتد غضبه قال -عليه الصلاة والسلام-:"إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قالها أعوذ بالله من الشيطان" البخاري (6115) واللفظ له، مسلم (2610) أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-.(14/175)
رفع اليدين عند الدعاء
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/شروط وآداب الدعاء
التاريخ 23/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
أرجو إرشادي على أي هيئة أجعل يديّ عندما أرفعهما للدعاء، أرجو تقديم حديث صحيح لذلك.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
رفع اليدين في الدعاء سنة، وقد ورد في ذلك ما يقارب من مائة حديث في رفع اليدين عند الدعاء، أما صفة رفع اليدين عند الدعاء، فيجعل بطون اليدين تلقاء وجهه، هذه الصفة الأولى، وورد أيضاً أنه يجعل بطون اليدين تجاه السماء، وقد وردت الصفة الأولى وكذلك الثانية عن النبي - صلى الله عليه وسلم- انظر ما رواه الترمذي (557) ، وأبو داود (1168) من حديث أبي اللحم - رضي الله عنه-، وما رواه مسلم (896) .(14/176)
الدعاء أثناء قراءة القرآن
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/شروط وآداب الدعاء
التاريخ 18/1/1423
السؤال
إذا بدأت قراءة القرآن في الصلاة أو غير الصلاة، وتأثرت ودخلت جو الخشوع والبكاء، فهل يجوز الدعاء في وسط الآيات والقراءة مثلاً عند آيات العذاب والنار اللهم أجرنا من النار، وفي آيات الجنة والرحمة أقول وأنا في وسط الآيات: اللهم إنا نسألك الجنة؟ وهل ذلك في الصلاة وخارج الصلاة ينطبق على حكم واحد؟
الجواب
يجوز للقارئ القرآن أن يدعو أثناء الآيات، فيسأل عند آيات الرحمة، ويستعيذ عند آيات النار خارج الصلاة وفي الصلاة إذا كانت نافلة، أما الفريضة فإن ظاهر السنة عدم فعل ذلك.(14/177)
عبارة "لا أسألك رد القضاء ولكن اللطف فيه"
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/شروط وآداب الدعاء
التاريخ 19/10/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قد وصلني بريد إلكتروني ينهى عن بعض الأقوال والأدعية، أرفق لكم أدناه قولين منها، وأرجو منكم توضيح ما إذا كان النهي صحيحا؟ وجزاكم الله خيراً.
"اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه" سبب النهي: فيه سوء أدب مع الله تعالى لأن فيه نوعاً من التحدي فكأنه يقول" يا رب افعل ما شئت ولكن الطف فيه، وأيضاً فيه منافاة للحديث: "لا يرد القضاء إلا الدعاء".
قول "الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه"
سبب النهي: سوء أدب مع الله يتضمن إعلانا تاماً أنك تكره ما قضى الله، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا أصابه مكروه يقول "الحمد لله رب العالمين على كل حال".
الجواب
الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فأما قول القائل: "اللهم إني لا أسألك رد القدر وإنما أسألك اللطف فيه".
فهذا دعاء لا أصل له، ومعناه غير صحيح، فكل من دعا الله ليدفع عنه مكروهاً - عدواً أو خطراً أو أن يكشف عنه شدة - فإنه يطلب بذلك رد القدر، والله - تعالى - قد أمر عباده بالدعاء، والداعي يطلب جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، ثم إذا دعا العبد وسأل ربه حاجته فالله - تعالى - يفعل ما يشاء وهو الحكيم العليم، والله - تعالى - قد قدر الأسباب والمسببات، وكلها بقدر الله، وجعل هذه الأقدار تتدافع، فالجوع قدر، والعطش قدر، والمرض قدر، وقد جعل الله لرفع هذه الأقدار أسباباً فيدفع قدر الجوع بالأكل، والعطش بالشرب، والمرض بالدواء، وقدر البرد بالثياب والاستدفاء، وما أشبه ذلك، ويفر الإنسان من المكان الذي يخاف فيه، أو لا يجد فيه ما يحتاجه إلى المكان الذي يأمن فيه ويجد فيه ما يحتاجه من المنافع، ولهذا لما رجع عمر - رضي الله عنه - بالمسلمين ولم يدخل بهم الشام لأنه قد حدث فيه الطاعون قيل له: أتفر من قدر الله، قال: نفر من قدر الله إلى قدر الله، فعلى الداعي أن يدعو ربه ويسأله حاجته؛ فيسأله النصر والرزق والشفاء من المرض وحصول الولد وسائر المطالب، ويسأل ربه أن يدفع عنه المكاره، ويسأل مع ذلك ربه أن يلطف به في جميع أحواله، أما قول القائل: إني لا أسألك رد القدر فهذا كلام لا يصح، وليس له اعتبار ولا أصل له في النقل فهو دعاء مبتدع.
وأما قول القائل: "الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه" فكذلك ليس هو من الحمد المشروع، بل الحمد ينبغي أن يكون مطلقاً فيقول: المسلم: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على كل حال، الحمد لله على السراء والضراء.
ثم قوله: إنه تعالى لا يحمد على مكروه سواه ليس بمستقيم، فإن الذي يؤدب ولده بالضرب ونحوه يحمد على ذلك وإن كان الضرب مكروهاً بموجب الجبلة فالولد يحمد والده على تأديبه، وكذلك من يفعل ما يوجب حداً أو تعزيراً إذا أقيم عليه الحد الذي يردعه، فإن الذي يفعل ذلك يحمد وإن كان إقامة الحد والتعزير موجع ومؤلم، ولكن الذي فعل هذا المكروه يحمد على ذلك لأنه محسن ومصلح وفاعل لما أمر به، والحاصل أن كلاً من العبارتين لا ينبغي ذكرها في الدعاء أو الحمد، بل يدعو الإنسان ربه ويحمده بالصيغ الشرعية المأثورة، وعلى الوجه المشروع، والله أعلم.(14/178)
تعليق الدعاء بالمشيئة
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/شروط وآداب الدعاء
التاريخ 17/11/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
سمعنا أيام العيد بعض التهاني ومنها تقبل الله منا ومنكم إن شاء الله، أو غفر الله لنا ولكم إن شاء الله، السؤال: ما حكم قول إن شاء الله في مثل هذا؟ وهل هو داخل في النهي (اللهم اغفر لي إن شئت) أم لا؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فلا شك أن قول:"تقبل الله منا ومنكم" و"غفر الله لنا ولكم" وإن كان ظاهره الخير إلا أن المراد منه الدعاء.
وقد ورد النهي الصريح في تعليق الدعاء بالمشيئة لما ورد في حديث أبي هريرة المخرج في الصحيحين البخاري (6339) ، ومسلم (2679) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له" ولمسلم"وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه".
وفي رواية لأنس عند البخاري (6338) :"إذا دعوتم الله فاعزموا في الدعاء، ولا يقل أحدكم: إن شئت فأعطني، فإن الله لا مستكره له".
لكن ثبت في البخاري أيضاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للأعرابي الذي زاره في مرضه:"لا بأس عليك طهور إن شاء الله" قال الحافظ في الفتح:"وقوله: إن شاء الله، يدل على أن قوله:"دعاء لا خبر" (الفتح 10/111) ، بينما قال الشيخ ابن عثيمين في (المجموع الثمين 1/121) :"لا يظهر أنه ليس من باب الدعاء، وإنما هو من باب الخبر والرجاء ليس دعاء" وعليه فهذه الصيغة "تقبل الله ... " تحتمل أن تكون للرجاء أيضاً.
فالذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنه لا ينبغي تعليق مثل هذه الصيغة بالمشيئة، ولا نخطئ من علقها لأن له وجهاً قوياً خاصة إذا حمل على معنى الرجاء، والله تعالى أعلم.(14/179)
الدعاء.. وسؤال الدنيا
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/شروط وآداب الدعاء
التاريخ 9/8/1424هـ
السؤال
كثيراً ما أدعو، الله أن يرزقني مبلغاً كبيراً من المال، فهل يعتبر ذلك من حب الدنيا وزخرفها؟
الجواب
لماذا لا تدعو بدعاء شرعي، مثل: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" [البقرة: 201] النبي - صلى الله عليه وسلم - رغب في جوامع الدعاء، أما أن يكون همه هو تحصيل المال الكثير، فإن المال الكثير قد يكون سبب شقاء للإنسان، وصرف له عن الطاعة، ولكنك إذا سألت الله تعالى فاسأله خيري الدنيا والآخرة، واسأله العون على طاعة الله، والتوفيق في أمورك، وأن يستعملك في طاعته، واطلب ما يسعدك في الدنيا والآخرة.
أما أن تطلب كذا من المال، ثم إن تحديده بهذه الطريقة قد لا يكون خيراً، ظاهره قد يكون خيراً لكنه قد يكون غير ذلك، والواقع خير شاهد لذلك، فكثير ممن عندهم أموال كثيرة لم تسعدهم ولم يجدوا فيها راحتهم، وإنما صاروا عبيداً لها، النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش" رواه البخاري (2887) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- فالواجب على المسلم أن يجتهد في الدعاء أن يوفقه الله - تعالى - لخير الأمور في الدنيا والآخرة، أسأل الله - جل وعلا - أن يوفق الجميع لما يحب ويرضاه. والله أعلم.(14/180)
رفع اليدين للدعاء بعد الفريضة
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/شروط وآداب الدعاء
التاريخ 6/10/1424هـ
السؤال
ما حكم الشرع في رفع اليدين للدعاء بعد كل صلاة مفروضة؟ وإذا تخلَّف المرء عن صلاة الجماعة لعدم سماعه الأذان، فهل يجب عليه الأذان عند إقامته للصلاة؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالمحفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا انصرف من الصلاة اشتغل بالتسبيح والتكبير والتحميد يذكر كل واحدة منها ثلاثاً وثلاثين مرّة ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ولم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يرفع يديه بالدعاء بعد الفراغ من الصلاة، ولهذا فهذا العمل غير مشروع، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن رفع اليدين بالدعاء بعد الفراغ من الصلاة بدعة، والمأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدَّم هو الاشتغال بالأذكار.
وبالنسبة للشق الثاني من السؤال: إذا كان داخل البلد يجب عليه أداء الفرائض مع جماعة المسلمين في المساجد، فصلاة الجماعة واجبة يأثم إذا تخلَّف بلا عذر في أرجح أقوال أهل العلم في هذه المسألة، وإذا حصل أنه تخلَّف عن صلاة الجماعة ثم أراد أن يصلي فلا حاجة للأذان، نظراً لأن الأذان حصل بأذان المؤذن في المسجد الذي بقربه، أما لو فرض أنه في مكان أشبه ما يكون ببرية ولا يوجد فيه مساجد فإنه حينئذ يؤذن.(14/181)
قول: جزاك الله (ألف) خير
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/شروط وآداب الدعاء
التاريخ 14/5/1424هـ
السؤال
ما حكم قول جزاك الله ألف خير؟ حيث سمعنا أنك عندما تضيف كلمة ألف والتي هي عدد فأنت تحدد مقدار العطاء الذي تدعو المولى أن يرزقه أخاك الذي دعوت له ... ، ولكن عندما تقول جزاك الله خيراً دون تحديد فقد يقابلها من الله خير يهبه المولى - سبحانه وتعالى - لذلك المدعو له، وقد يتعدى الخير ألف خير فلم التحديد؟ وهناك من يقول إن القصد التكثير فقط، ولا يقصد تحديد مقدار العطاء الذي تدعو المولى أن يرزقه أخاك الذي دعوت له ... ، أرجو التوضيح وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بعد حمد الله: الوارد في النصوص قول: جزاك الله خيراً كما في صحيح البخاري (336) ، ومسلم (367) : عن عائشة - رضي الله عنها - أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً فوجدها، فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماءٌُ فصلوا فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله آية التيمم، فقال أسيد بن حضير لعائشة - جزاك الله خيراً، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله ذلك لك وللمسلمين فيه خيراً.
وكما ورد عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: قال حضرت أبي حين أصيب، فأثنوا عليه، وقالوا: جزاك الله خيراً، فقال: راغب وراهب، قالوا: استخلف، فقال: أتحمل أمركم حياً وميتاً؟ لوددت أن حَظِّي منها الكفاف لا عليَّ ولا لي، فإن أستخلف فقد استخلف مَنْ هو خير مني - يعني أبا بكر - رضي الله عنه - وإن أترككم فقد ترككم مَنْ هو خير مني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال عبد الله -رضي الله عنه- فعرفت أنه حين ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مستخلف أخرجه مسلم (1823) .
وفي مسند الحميدي (1160) ومسند عبد بن حميد (1418) والدعاء للطبراني (1929 - 1931) والمعجم الصغير للطبراني (1184) في الحديث الحسن الجيد الغريب عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال الرجل لأخيه: جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء" وعند الترمذي (2035) من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما -: "من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً، فقد أبلغ في الثناء".
قال القاري في المرقاة (6/213) : وفي نسخة - يعني من المشكاة - معروفاً بالنصب أي: أعطي عطاء "فقال لفاعله" أي: بعد عجزه عن إثابته أو مطلقاً جزاك الله خيراً أي: خير الجزاء أو أعطاك خيراً من خيري الدنيا والأخرى، "فقد أبلغ في الثناء" أي: بالغ في أداء شكره وذلك أنه اعترف بالتقصير وأنه ممن عجز عن جزائه وثنائه، ففوض جزاءه إلى الله ليجزيه الجزاء الأوفى. أ. هـ.
وأتى المسور عمر - رضي الله عنهما - فقال يا أمير المؤمنين إني احتكرت طعاماً كثيراً فرأيت سحاباً قد نشأ فكرهته فتأليت أني لا أربح فيه شيئاً فقال عمر -جزاك الله خيراً. انظر الورع للإمام أحمد (ص73) .(14/182)
وفي مسند أبي يعلي (945) عن أسيد بن حضير قال: أتاني أهل بيتين من قومي، فقالوا كلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم لنا أو يعطينا، أو نحو من هذا فكلمته فقال: "نعم أَقْسِمُ لكل أهل بيت منهم شطراً فإن عاد الله علينا عدنا عليهم" قال: قلت: جزاك الله خيراً يا رسول الله قال "وأنتم فجزاكم الله خيراً فإنكم - ما علمتكم- أعِفَّةٌُ صُبُرٌ ".
وأبلغ دعاء للصحابة -رضي الله عنهم - لعمر - رضي الله عنه - لما طعنه أبو لؤلؤة، كما في المعجم الكبير للطبراني (10/266) : عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال لما طعن عمر - رضي الله عنه - قال له ابن عباس - رضي الله عنهما - يا أمير المؤمنين جزاك الله خيراً أبشر قد دعا لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعز الله بك الدين.
فهذا الدعاء الذي ورد في السنة وعلى ألسنة السلف الصالح، وهو أبلغ من قول جزاك الله ألف خير، والتحديد بألف ليس أبلغ، ولا يحدد مقدار الثواب والجزاء في الدعاء بعدد لأن الله يضاعف لمن يشاء إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ولأن هذا التقدير أو التحديد بعدد لم يرد في السنة ولا عند السلف -رحمهم الله- ولأن هذا ليس من التكثير كما يظنه البعض، فعفو الله وخيره وثوابه أكثر، وفضله لا يعد ولا يحصى، والتحديد بعدد فيه تقليل لا تكثير، فلا يبخل المسلم على أخيه وهو يظن أنه قد أراد التكثير، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.(14/183)
قلب اليدين عند الدعاء
المجيب د. محمد العروسي عبد القادر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/شروط وآداب الدعاء
التاريخ 12/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال: ما حكم الذي يدعو ويقلب يديه أي كفيه، بحيث تصبح إلى وجه الأرض؟ نرجو الجواب من الكتاب والسنة يرحمكم الله.
الجواب
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وأما بعد:
فقد روى أبو داود بإسناد حسن عن مالك بن يسار مرفوعاً "إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها" باب الوتر (1481) .
وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الاستسقاء من حديث أنس أنه أشار بظهر كفيه إلى السماء رواه أحمد في المسند (20/25) رقم (12554) ، وقد استنبط من حديث أنس بعض الفقهاء أنه من السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء ويسمى الابتهال ويسمى دعاء الرهبة، فالابتهال أن تمد يديك جميعاً وترفعهما حتى يرى بياض إبطيك وتجعل ظهورهما مما يلي الوجه.
والذي اختاره بعض أهل العلم ومنهم ابن تيمية - رحمه الله أن بطون الكفين إنما صار إلى السماء لشدة الرفع لا قصدا، ولو قصده فخلاف هذه الصفة أكثر وأشهر، والله أعلم.(14/184)
ترتيل الدعاء
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/شروط وآداب الدعاء
التاريخ 26/1/1424هـ
السؤال
هل نجد فتوى عن حكم ترتيل الدعاء في الوتر من أحد العلماء؟ وذلك بأن يكون الدعاء كترتيل قراءة القرآن؟
الجواب
الأصل في الدعاء أداؤه بإخبات وخضوع وتضرع لله عز وجل، وأن يكون العبد في حال انكسار وافتقار؛ يراعي فيها عظمة من يدعو وكمال غناه وفضله عز وجل، وهذه الحال لابد أن تكون بعيدة عن التصنع والتكلف والتلحين والترتيل الذي يتكلفه بعض الناس الآن، ونحن نعلم أن صيغة أداء الدعاء لم تنقل لنا بطريقة توقيفية كما نقل إلينا ترتيل القرآن وتلاوته، ولذلك فإن التزام ما لم يرد الشرع بالإلزام به من التكلف، والأصل أن يؤدي الإنسان دعاءه على الحال التي ذكرت من الخضوع والانكسار، ولمزيد من الفائدة انظر: رسالة دعاء القنوت للشيخ بكر أبو زيد.(14/185)
وضع الأيدي أثناء الدعاء
المجيب محمد بن ناصر السلمي
القاضي في وزارة العدل
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/شروط وآداب الدعاء
التاريخ 19/1/1425هـ
السؤال
ورد في صحيح مسلم عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استسقى، فأشار بظهر كفيه إلى السماء "
قال النووي -رحمه الله-: "قال جماعة من أصحابنا وغيرهم: السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه، ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء احتجوا بهذا الحديث "، فالسؤال هو: هل التفريق بين الكيفيتين وارد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم -؟ وهل المفهوم الصحيح لكيفية الرفع المذكورة في الحديث (وهو.. استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء) هكذا كما ذكره النووي رحمه الله؟ وهل يتأتى التفريق بين الكيفيتين في كل دعاء - فيه السؤال للخير ودفع البلاء - أي يعمل بكل منهما في كل دعاء أو هو خاص بالاستسقاء؟ ما هو الوارد عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الدعاء وكيفيته؟ والله يجزيكم عني خيرا.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
ما ذكره النووي - رحمه الله- عن جماعة من أصحابه من أن السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظاهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء، قد قال به جماعة من الأئمة كمالك وأصحاب الشافعي، وبعض أصحاب أحمد، استدلالاً بظاهر حديث أنس -رضي الله عنه- في صحيح الإمام مسلم (896) ، بل جاء عند أبي داود (1164) ، من حديث عفان بن مسلم، قال حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا ثابت، عن أنس - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يستسقي هكذا يعني: ومد يديه، وجعل بطونهما مما يلي الأرض، حتى رأيت بياض إبطيه.(14/186)
وقد ورد في الباب أحاديث وآثار تدل على هذا المراد إلا أن في أسانيدها مقال، وذكر بعض أصحاب أحمد، كابن حمدان وغيره وجهاً آخر وهو أن دعاء الاستسقاء كغيره، في كونه يجعل بطون كفيه نحو السماء، وهذا هو الظاهر في كلام كثير من أصحاب أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-،وقال: صار كفاه نحو السماء لشدة الرفع، لا قصداً له؛ لأنه إذا رفع رفعاً شديداً صار ظهورهما نحو السماء وهذا قول قوي. وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أن الحكمة في الإشارة بظهر الكفين نحو السماء في الاستسقاء دون غيره التفاؤل بتقلب الحال كما قيل ذلك في تحويل الرداء. والله أعلم. والوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في رفع اليدين في الدعاء، هو أن يرفع الداعي يديه إلى منكبيه، أو نحوهما ضاماً لهما غير مفرقتين باسطاً بطونهما نحو السماء، وظهورها نحو الأرض، وإن شاء قنع بهما وجهه وظهورهما نحو القبلة. والسنة في الاستسقاء وفي حال الشدة والرهبة كحال الجدب، والنازلة بتسلط العدو، ونحو ذلك من مقامات الرهب، أن يبالغ في رفع اليدين حتى ترى عفرة إبطيه، أي بياضهما. وعليه يحمل حديث أنس -رضي الله عنه-: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم- لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء وإنه ليرفع حتى يرى بياض إبطيه" متفق عليه عند البخاري (1031) ، ومسلم (895) من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه-، أي لم يكن يبالغ في الرفع، إلا في مقام الرهب حال الجدب في الاستسقاء، لا أن يريد نفي الرفع في غير هذا الموضع، لتواتر أحاديث الرفع حال المسألة والدعاء في رواية جمع كثير من الصحابة - رضي الله عنهم-.(14/187)
تعليق الدعاء بعد إن شاء الله
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/شروط وآداب الدعاء
التاريخ 08/11/1426هـ
السؤال
أريد توضيحاً في مسألة الدعاء، هل يجوز أن أقول لشخص: الله يغفر لك -إن شاء الله-؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا يجوز الاستثناء في الدعاء، وقول (إن شاء الله) نوع من الاستثناء، وهو مخالف للمراد من الدعاء، فكأن القائل يقول: الله يغفر لك إذا شاء الله أن يغفر لك، وهو بهذا المعنى لا يصبح دعاء بل مجرد إخبار، وإن كان أكثر الناس لا يفطنون لهذا المعنى، ولم يخطر في قلوبهم الاستثناء ولم يريدوه، ولكن الصحيح أن الإنسان يدعو ولا يستثني، أي لا يقول: إن شاء الله. ففي صحيح البخاري، باب ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له، عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني فإنه لا مستكره له". وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا مكره له" (صحيح البخاري ح: 5979، 5980) . والله أعلم.(14/188)
الدعاء الجماعي عند ختم درس التلاوة
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/شروط وآداب الدعاء
التاريخ 13/10/1424هـ
السؤال
هل يجوز الدعاء الجماعي بعد الفراغ من حلقات تعلُّم القرآن؟ البعض يقول الدعاء بعد تلاوة القرآن أو تفسيره من دواعي الإجابة. أرجو بيان الحكم الصحيح في ذلك على ضوء الكتاب والسنة.
الجواب
الدعاء عمل مشروع للإنسان في كل أحواله، وله آداب وكيفيات ينبغي للإنسان أن يلتزم بها؛ لعل الله جل وعلا أن يجيب دعاءه، والدعاء الجماعي الذي ذكره السائل يفهم منه أن الكل يردد بصوت واحد، وهذا لم يكن معروفاً على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإنما كان يدعو الداع ويؤمن من حضره على دعائه، واتخاذ الدعاء بعد الانتهاء من حلقات تعلم القرآن عادة لم يكن معروفاً، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعلِّم أصحابه ولم يرد أنهم كانوا بعد تعليمه إياهم يدعو، ولهذا ورد عن الإمام مالك رحمه الله أنه سُئل في قوم يستمعون لقراءة القرآن، فقال: لا بأس أن يجتمعوا، ويكره الدعاء بعد فراغهم أخذاً من أن هذا لم يكن من عادة النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن كون الإنسان إذا رأى من نفسه نشاطاً على الدعاء، أو رغب في أن يؤمن الحضور على دعائه بمناسبة من المناسبات الدعائية ونحو ذلك فهذا قد يكون حسناً، لكن لا يتَّخذ عادة، والله الموفق.(14/189)
الدعاء بالمحو والكتابة
المجيب محمد بن إبراهيم الحمد
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/شروط وآداب الدعاء
التاريخ 9/1/1425هـ
السؤال
ورد عن عمر -رضي الله عنه- هذا الدعاء:"اللهم، إن كنت كتبتني عندك من الأشقياء، فأسألك بقدرتك أن تمحو ذلك، وتكتبني من السعداء"، اعتقاد أهل السنة (1206-1207) ، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (8/540) ، وابن القيم في شفاء العليل (1/90) ، فهل يجوز مثل هذا الدعاء أن يطلب من الله المحو والكتابة؟.
الجواب
أن القدر قدران:
أحدهما: القدر المثبت، أو المطلق، أو المبرم: وهو ما في أم الكتاب - اللوح المحفوظ- فهذا ثابت لا يتغير، ولا يتبدل.
وثانيهما: القدر المعلق، أو المقيد: وهو ما في كتب الملائكة؛ فهذا هو الذي يقع فيه المحو والإثبات، والزيادة، والنقص.
وهذا معنى قوله -تعالى-: "يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" [الرعد:39] ، ومن هذا الباب - أعني الثاني- قول عمر - رضي الله عنه-: "اللهم، إن كنت كتبتني شقياً فامحني، واكتبني سعيداً؛ فإنك تمحو ما تشاء وتثبت".
ومن هذا الباب قوله - تعالى- عن نوح - عليه السلام-: "أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً" [نوح: 3-4] ، وكذلك عُمْرُ داود - عليه السلام- زاد ستين سنة، فجعله الله مائة بعد أن كان أربعين، وشواهد ذلك كثيرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: (والأجل أجلان: أجل مطلق يعلمه الله، وأجل مقيد، وبهذا يتبيَّن معنى قوله - صلى الله عليه وسلم-: "من سره أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره - فليصل رحمه" رواه البخاري (2067) ، ومسلم (2557) ، عن أنس -رضي الله عنه-.
فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلاً، وقال: (إن وصل رحمه زدته كذا وكذا، والملك لا يعلم أيزداد أم لا لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر، فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر) مجموع الفتاوى (8/517) وقال في موطن آخر عندما سئل عن الرزق هل يزيد وينقص؟! الرزق نوعان أحدهما ما علمه الله أن يرزقه فهذا لا يتغير، والثاني ما كتبه وأعلم به الملائكة هذا يزيد وينقص بحسب الأسباب. مجموع الفتاوى (8/517) قال ابن حجر- رحمه الله -: (كأن يقال للمَلَكِ مثلاً - إن عُمْرَ فلان مائة عامٍ- مثلاً- إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه الإشارة بقوله: "يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" [الرعد:39] ،فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك.
(وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله - تعالى- فلا محو فيه البتة، ويقال له: القضاء المبرم، ويقال للأول: القضاء المعلق) فتح الباري (10/430) .(14/190)
ثم إن الأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدره الله وكتبه، فإذا كان قد تقدم، بأن يرزق العبد بسعيه، واكتسابه ألهمه السعي، والاكتساب، وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب، وما قدره له بغير اكتساب، كموت مورثه يأتيه بغير اكتساب.
فلا مخالفة في ذلك لسبق العلم، بل فيه تقييد المسببات بأسبابها، كما قدر الشبع والروي، بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر، فهل يقول عاقل بأن ربط هذه المسببات بأسبابها يقتضي علم خلاف العلم السابق، أو ينافيه بوجه من الوجوه.
وبهذا يتبين صحة دعاء عمر - رضي الله عنه-، وإذا أردت مزيد بيان لهذه المسألة فارجع إلى تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (ص89) ، وإلى شرح صحيح مسلم للنووي
(16/114) ، وإلى مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (8/540-541) ، وعلى إفادة الخبر بنصه في زيادة العمر، ونقصه للسيوطي، وإلى تنبيه الأفاضل على ما ورد في زيادة العمر ونقصانه من الدلائل للشوكاني، وإلى أقوال المفسرين في قوله - تعالى-: "يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" [الرعد:39] .(14/191)
هل لها الدعاء بغير المأثور؟
المجيب د. صالح بن عبد العزيز التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/شروط وآداب الدعاء
التاريخ 14/7/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا فتاة مسحورة، وسمعت من شيخ دعاء لإبطال السحر، ولكنه ليس مأثوراً عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو نص الدعاء: "اللهم إنك قد أقدرت بعض خلقك على السحر والشر، ولكنك احتفظت لذاتك بإذن الضر، فأعوذ بما احتفظت به مما أقدرت عليه بحق قولك"، "وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله" فهل يجوز لي أن أقول وأكثر من الدعاء في كل صلاة حتى يصرف الله عني ما أنا فيه؟.
الجواب
الحمد لله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ما دام أن هذا الدعاء ليس مأثوراً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن العمل به يسبقه النظر إلى مفرداته، ومنها عبارة: "أعوذ بما احتفظت به"، ونحن مأمورون شرعاً أن نستعيذ بالله أو بأسمائه أو صفاته، ومن ذلك أيضاً قراءة المعوذات، وفي الحديث: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.." رواه مسلم (2708) عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-، وقراءة آية الكرسي، وكل ذلك بقلب موقن بأن الله -تعالى- هو الشافي، فإن الأسباب المشروعة إنما تؤثر إذا أذن الله -تعالى-، أما كلمة "بحق قولك" فإنه لا أحد يوجب على الله حقاً إلا ما أوجبه سبحانه على نفسه، فلا مكره له جل وعلا، وعلى هذا فلا أرى - للأخت السائلة- العمل بهذا الدعاء لا في صلاتها ولا خارجها ولتلجأ إلى الأذكار الواردة ومنها المعوذات. ونسأل الله -تعالى- لها الشفاء. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/192)
تمني الموت خوف الفتنة
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/شروط وآداب الدعاء
التاريخ 25/06/1426هـ
السؤال
هل يجوز أن أدعو بأن ألقى الله شهيدة في سبيل الله عاجلاً غير آجل قبل أن تكثر الفتن؟
الجواب
الحمد لله، وبعد:
الواجب على العبد المؤمن الصبر على البلايا، واحتساب الأجر على الله، ولا يتمنى الموت لضر نزل به، فقد روى البخاري (6351) ومسلم (2680) : "لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي". وفي رواية: "لَا يَتَمنينَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ". أخرجها البخاري (7235) .
وروى الإمام أحمد في المسند (22293) ، عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: جَلَسْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَّرَنَا وَرَقَّقَنَا، فَبَكَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَكْثَرَ الْبُكَاء، َ فَقَالَ: يَا لَيْتَنِي مِتُّ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا سَعْدُ، أَعِنْدِي تَتَمَنَّى الْمَوْتَ؟ ". فَرَدَّدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ: "يَا سَعْدُ، إِنْ كُنْتَ خُلِقْتَ لِلْجَنَّةِ فَمَا طَالَ عُمْرُكَ أَوْ حَسُنَ مِنْ عَمَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ".
وهذا فيما إذا كان الضر النازل به دنيويًّا، وأما إذا كان فتنة في الدين فيجوز سؤال الموت، كما قال الله تعالى، إخبارًا عن السحرة لما أرادهم فرعون على دينهم وتهدَّدهم بالقتل، قالوا: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) [الأعراف: 126] .
وقالت مريم لما أن أجاءها المخاض- وهو الطلق- إلى جذع النخلة: (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا) [مريم: 23] ، لما علمت من أن الناس يقذفونها بالفاحشة؛ لأنها لم تكن ذات زوج، وقد حملت ووضعت، وقد قالوا: (يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا* يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) [مريم: 28، 27] . فجعل الله لها من ذلك الحال فرجًا ومخرجًا، وأنطق الصبي في المهد بأنه عبد الله ورسوله، فكان آية عظيم ومعجزة باهرة- صلوات الله وسلامه عليه. وفي حديث معاذ -رضي الله عنه- الذي رواه الإمام أحمد (22109) والترمذي (3235) في قصة المنام والدعاء الذي فيه: "وإذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ".
وعند الإمام أحمد (23625) ، عن محمود بن لبيد، مرفوعًا، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ: الْمَوْتُ، وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْفِتْنَةِ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ".
فعند حلول الفتن في الدين يجوز سؤال الموت، ولهذا قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في آخر خلافته لما رأى أن الأمور لا تجتمع له، ولا يزداد الأمر إلا شدة، قال: (اللهم خذني إليك، فقد سئمتهم وسئموني) . وقال البخاري -رحمه الله- لما وقعت له تلك الفتنة، وجرى له مع أمير خراسان ما جرى، قال: (اللهم توفني إليك) . وفي الحديث: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ". أخرجه البخاري (7115) ، ومسلم (157) - لما يرى من الفتن والزلازل. والله أعلم. وصلى الله وسلم على محمد.(14/193)
دعوت فلم يستجب لي!
المجيب د. خالد بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/أسباب وأوقات إجابة الدعاء
التاريخ 13/7/1422
السؤال
رجل يدعو لأحد أقربائه، ويتوخى أسباب الإجابة، ثم بعد ذلك يسأل من دعا له عن أحواله حتى يرى هل استجيب دعوته أم لا؟ فإذا علم أنه لم يحصل للمدعو له أي شيء من دعائه له أخذ يستغرب كيف لا يستجاب لي، مع أني عملت بأسباب إجابة الدعاء؟ فما رأي فضيلتكم في ذلك، وكيف نرد عليه. جزاكم الله خيراً.
الجواب
هذا الداعي قد أساء الأدب مع ربه ـ جل وعلا ـ، ثلاث مرات:
الأولى: حين بحث في أحوال من دعا له، لينظر هل استجيبت دعوته له أم لا، فكأنه يمتحن ربه.
الثانية: حين ادعى لنفسه تكميل أسباب إجابة الدعاء، ونسي موانعها التي قد يكون تلبّس بواحد منها، وهذا من العجب، فهو بذلك قد أحسن الظن بنفسه، وأساء الظن بربه عكس ما يجب عليه.
الثالثة: حين استعجل الإجابة، وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " لايزال يستجاب للعبد مالم يَدْعُ بإثم أو قطيعة رحم، مالم يستعجل " قيل: يارسول الله ما الاستعجال؟ قال: " يقول: قد دعوت، وقد دعوت فلم أر يستجب لي، فيستحسر عند ذلك ويَدَعُ الدعاء ". أخرجه بهذا اللفظ مسلم (2735) .
ثم إنّ مما ينبه عليه أن ثمرة الدعاء مضمونة ـ بإذن الله ـ فإذا أتى الداعي بشرائط الإجابة فإنه سيحصل على الخير، وسينال نصيباً وافراً من ثمرات الدعاء ولابد، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ماسأل، أو كفّ عنه من السوء مثله، مالم يدع بإثم أوقطيعة رحم " رواه أحمد (14879) ، والترمذي (3381) ، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع (5678) .
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " ما من مسلم يدعو ليس بإثم ولاقطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدّخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها، قال: إذن نكثر، قال: " الله أكثر ". أخرجه البخاري في الأدب المفرد (710) وقال الألباني: صحيح.
كما ننبهك أيضاً إلى أن لله ـ عزوجل ـ حكماً بالغة في تأخير الإجابة، وهو سبحانه لا يعجل عجلة المخلوق. فمن الحكم في تأخر الإجابة:
1ـ أن تأخر الإجابة من البلاء الذي يحتاج إلى صبر، فتأخر الإجابة من الابتلاء، كما أن سرعة الإجابة من الابتلاء قال تعالى: " ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون" (الأنبياء:35) .
2ـ أن الله ـ عز وجل ـ له الحكمة البالغة، فلا يعطي إلا لحكمة، ولا يمنع إلا لحكمة، وقد ترى في الشيء مصلحة ظاهرة، ولكن الحكمة لاتقتضيه، فقد تخفى الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر، ولكنه يقصد بها المصلحة الآجلة، فلعل هذا من ذاك.
3ـ قد يكون في تحقق المطلوب زيادة في الشر، فربما تحقق للداعي مطلوبه، وأجيب له سؤله، فكان ذلك سبباً في زيادة إثم، أو تأخير عن مرتبة، أو كان ذلك حاملاً على الأشر والبطر، فكان التأخير أو المنع أصلح.(14/194)
4ـ أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه، وهذا سرّ بديع يحسن بالعبد أن يتفطّن له حال دعائه لربه، ذلك أن الله ـ عزّ وجلّ ـ أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، فهو أعلم بمصالح عباده منهم، وأرحم بهم من أنفسهم وآبائهم وأمهاتهم.
5- تأخر الإجابة سبب لتفقّد العبد لنفسه، فقد يكون امتناع الإجابة، أو تأخرها لآفة في الداعي، فربما كان في مطعومه شبهة، أو في قلبه وقت الدعاء غفلة، أو كان متلبساً بذنوب مانعة.
وانظر لزاماً كتاب (الدعاء) للشيخ / محمد بن إبراهيم الحمد، ففيه بسط لما ذكرناه، والله أعلم.(14/195)
هل يجاب دعاء المسلم لأخيه؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/أسباب وأوقات إجابة الدعاء
التاريخ 1/6/1422
السؤال
هل دعاء المسلم لأخيه المسلم -عندما يقضي له حاجة، أو يفعل له خيراً- مستجاب؟ وإذا تصدقت على إنسان ودعا لك بدعاء معين هل يستجاب؟
الجواب
أولاً: الأصل أن دعاء المسلم لأخيه المسلم مستجاب بإذن الله، ما لم يحجبه حاجب من موانع إجابة الدعاء.
ومن الموانع: أكل الحرام -والعياذ بالله-. ويستحبّ لمن صُنع إليه معروف أن يكافئ الصانع، فإن لم يجد فليدعُ له، فقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاء المصنوع إليه معروفاً بمثابة المكافأة للصانع والله أعلم.(14/196)
الدعاء وقت هطول المطر
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/أسباب وأوقات إجابة الدعاء
التاريخ 10/8/1424هـ
السؤال
هل وقت نزول المطر يعتبر موطناً من مواطن استجابة الدعاء، بناءً على حديث الحاكم وابن حبان؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فقد ذكر غير واحد من أهل العلم، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (27/129) :"أن نزول المطر من مواطن إجابة الدعاء؛ استدلالاً بالأحاديث الواردة في ذلك، ومنها: ما أخرجه الحاكم في مستدركه (2/124) عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"ثنتان لا تردان: الدعاء عند النداء أو عند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً، وتحت المطر"، ثم قال الحاكم:"هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"أ. هـ، وللحديث شواهد، منها: ما روي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"اطلبوا إجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول المطر" وقد حسنه الألباني بشواهده في سلسلته الصحيحة (1469) ، والله تعالى أعلم.(14/197)
الدعاء بعد الإقامة
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/أسباب وأوقات إجابة الدعاء
التاريخ 17/10/1423هـ
السؤال
ما مشروعية الدعاء بعد الإقامة؟
الجواب
الدعاء بعد الإقامة لا أصل له ولا أعلم في صحيح السنة ما يدل على مشروعيته، والله أعلم.(14/198)
الذكر عند شراء السيارة
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/أسباب وأوقات إجابة الدعاء
التاريخ 1/07/1425هـ
السؤال
ورد في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشترى بعيراًً يضع يده على ذروة سنامه ثم يقول: "اللهم إني أسألك خيره وخير ما جبلته عليه، وأعوذ بك من شره وشر ما جبلته عليه"، وفي وقتنا الحاضر إذا اشترى المسلم سيارة فماذا يتعين عليه أن يقول من ذكر؟ ً وجزاكم الله خيراً.
الجواب
هذا الذكر الذي رواه أبو داود (2160) ، وابن ماجة (1918) ينسحب على كل مركوبة من سيارة وسفينة وغيرها؛ لأن المعنى واحد في الجميع، غير أنك تقول: وخير ما صنعت لأجله، بدل لفظ: "وخير ما جبلتها عليه".(14/199)
دعاء ابن واسع الذي يخافه الشيطان!
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/أسباب وأوقات إجابة الدعاء
التاريخ 1/9/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل هذا الموضوع صحيح؟ وكيف نعرف أن مثل هذه الأمور صحيحة أم لا؟ موضوع: الشيطان يستغيث من هذا الدعاء! بسم الله الرحمن الرحيم، ورد في الأثر عن الإمام محمد بن واسع أنه كان يدعو الله كل يوم بدعاء خاص، فجاءه شيطان وقال له يا إمام أعاهدك أني لن أوسوس لك أبداً، ولم ولن آتيك ولن آمرك بمعصية، ولكن بشرط أن لا تدعو الله بهذا الدعاء ولا تعلمه لأحد فقال له الإمام كلا، سأعلمه لكل من قابلت وافعل ما شئت. هل تريد معرفة هذا الدعاء؟ كان يدعو فيقول: "اللهم إنك سلطت علينا عدواً عليماً بعيوبنا - يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم -- اللهم آيسه منا كما آيسته من رحمتك، وقنطه منا كما قنطته من عفوك، وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين رحمتك وجنتك". ادعوا بهذا الدعاء، وساعدوا على نشر هذه الرسالة، ولا تنسونا من صالح دعائكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لا أذكر أني وقفت على هذا الدعاء عن محمد بن واسع، وكان من عباد الله الصالحين في عصر التابعين، وهذا الدعاء مفيد في الاستعاذة من الشيطان، فيرجى أن من دعاه يحفظه الله ويعصمه من الشيطان، ويعينه على عدوه حتى يندحر ولا يقدر على إغوائه ولا إفساد دينه، والتجربة ممكنة، فلعل كل من اطلع عليه أن يدعو به حالة صدق وإخلاص ويقين بأهميته وفائدته، والله أعلم.(14/200)
أفضل أوقات الدعاء
المجيب عبد العزيز بن أحمد الدريهم
رئيس كتابة العدل بمحافظة المزاحمية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/أسباب وأوقات إجابة الدعاء
التاريخ 22/04/1426هـ
السؤال
ما هو أفضل الدعاء بعد الصلاة؟ وما هي أفضل أوقات الدعاء؟ وشكراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، أما بعد:
فإن من مواطن إجابة الدعاء دعاء الله دبر الصلاة، والمراد بالدبر هنا آخر الصلاة وقبل السلام منها، وهذا هو اختيار جمع من المحققين، كابن تيمية -رحمه الله-.
ويتخير من الدعاء ما شاء من خيري الدنيا والآخرة، والأولى الدعاء بالأدعية التي جاءت في كتاب الله -تعالى- أو في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنها أدعية جامعة، ومن ذلك الدعاء بقول: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، كما أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذاً بذلك، أخرجه أبو داود (1522) .
وكذلك الاستعاذة بالله من أربع: "من فتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال، وعذاب القبر" صحيح البخاري (833) ، صحيح مسلم (589) .
أما أفضل أوقات الدعاء فهي كثيرة جداً، منها: جوف الليل الآخر، دبر الصلوات المكتوبات، بين الأذان والإقامة، وعند نزول المطر، وآخر ساعة من يوم الجمعة، والمصلي حال سجوده، ودعاء يوم عرفة، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر، ودعوة المضطر، ودعوة المظلوم، ودعاء الوالد على ولده ولولده، والدعاء على الصفاء والمروة، وكذلك الدعاء عند المشعر الحرام، والدعاء عند الاستيقاظ من النوم ليلاً، كل هذه المواطن وغيرها من مواطن إجابة الدعاء إذا كان الداعي مخلصاً لله تعالى، مثنياً عليه، مصلياً على رسوله -صلى الله عليه وسلم- ملماً، حاضر القلب، مكرراً الدعاء، مطيباً مطعمه، جازماً ومستيقناً الإجابة، غير داع بإثم أو قطيعة رحم. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(14/201)
تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/أسباب وأوقات إجابة الدعاء
التاريخ 21/05/1426هـ
السؤال
نحن مأمورون بتحري الساعة المرجوة لإجابة الدعاء في يوم الجمعة بين أن يجلس الإمام إلى انتهاء الصلاة، كما في صحيح مسلم. فكيف يتيسَّر لنا ذلك ومتى؟ فإن الوقت قصير جدًا بين الجلوس والصلاة ثم إن علينا الاستماع للخطبة؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
ثبت أن في الجمعة ساعة يرجى فيها الإجابة، واختلف أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في تعيين هذه الساعة، فمنهم من حدَّدها بوقت معين، ومنهم من جعلها متنقلة في سائر ساعات الجمعة، ومنهم من قال: إنها أخفيت كما أخفيت ليلة القدر، وقد توسَّع في ذكر الخلاف في هذه القضية ابن القيم في زاد المعاد (1/388) ، والحافظ ابن حجر في الفتح (2/421) ، حيث أبلغ الأقوال في هذه المسألة ثلاثة وأربعين قولاً، وقال - بعد سياقه للأقوال -: "وهذه الأقوال ليست كلها متغايرة من كل وجه بل كثير منها يمكن أن يتحد مع غيره".
وقال ابن القيم - بعد ذكره للأقوال-: "وأرجح هذه الأقوال: قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة، وأحدهما أرجح من الآخر".
وهذان القولان هما:
- القول الأول: أنها ما بين جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، وحجة هذا القول ما روى مسلم في صحيحه (853) من حديث أبي بردة بن أبي موسى -رضي الله عنه- أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال له: أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ".
- والقول الثاني: أنها بعد صلاة العصر، وهذا أرجح القولين، وهو قول عبد الله بن سلام، وأبي هريرة، والإمام أحمد، وخلق، وحجة هذا القول: ما رواه أبو داود (1048) ، والنسائي (1389) عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ -يُرِيدُ سَاعَةً- لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ".
وأخرج الحديث الحاكم (1/414) وصحَّحه ووافقه الذهبي، وصحَّحه أيضاً النووي، وحسَّنه ابن حجر.
وأخرج أحمد في مسنده (7688) عن أبي سعيد وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ".
وفي إسناد هذا الحديث محمد بن مسلمة الأنصاري وهو مجهول، لكن يشهد للحديث ما قبله.(14/202)
وروى سعيد بن منصور في سننه -كما في زاد المعاد (1/376) والفتح (2/421) - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن ناساً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اجتمعوا، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة، فتفرقوا، ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة".
ونقل الترمذي عن الإمام أحمد أنه قال: أكثر الأحاديث في الساعة التي ترجى إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر، وترجى بعد زوال الشمس. [جامع الترمذي (2/260) ] .
والحاصل أن القول أنها بعد العصر أرجح، وعلى القول بأنها ما بين أن يجلس الإمام إلى الفراغ من الصلاة فهناك وقت ولو كان قصيراً يمكن للمسلم أن يستغله بالدعاء بأدعية جامعة، ثم إن المستمع للخطبة ودعاء الإمام يحصل له التأمين على دعاء الإمام والمُؤمن على الدعاء مثل الداعي، قال الله -عز وجل- عن موسى وهارون: (قد أجيبت دعوتكما) [يونس:89] .
وتجدر الإشارة إلى أن حديث أبي موسى الذي أخرجه مسلم قد أُعل بالوقف، قال الدارقطني: "الصواب من قول أبي بردة منقطع" [الالتزامات والتتبع (ص234) ] ، قال الحافظ ابن حجر في البلوغ: "ورجَّح الدارقطني أنه من قول أبي بردة"، هذا، والله أعلم.(14/203)
الدعاء في الصلاة بدعاء غير مأثور
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/أسباب وأوقات إجابة الدعاء
التاريخ 28/06/1425هـ
السؤال
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد رسول الله:
هل يجوز للإنسان الدعاء في الصلاة المفروضة بما شاء من الدعاء من خير الدنيا والآخرة، وحتى وإن كان الدعاء غير مأثور أي بلفظ الإنسان؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الفرض على الإنسان والواجب عليه في أثناء صلاته أن يأتي بالأركان والواجبات في صلاته، ومنها الأدعية المشروعة، ومن ذلك الدعاء بعد تكبيرة الإحرام، والدعاء عند الرفع من الركوع، والدعاء في السجود، والدعاء في الجلوس، بين السجدتين، والدعاء بعد التشهد الأخير، فهذه كلها مواطن للدعاء جاءت وثبتت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإذا دعا الإنسان بدعاء ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم من خيري الدنيا والآخرة في سجوده، أو بعد التحيات، فإن هذا لا بأس به، والنبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" رواه مسلم (479) أي: حري أن يجيب الله دعاءكم. والله ولي التوفيق.(14/204)
تقدير آخر ساعة من يوم الجمعة
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/أسباب وأوقات إجابة الدعاء
التاريخ 29/1/1425هـ
السؤال
سمعت أن أقوى الآراء في الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة هي آخر ساعة من اليوم، أي قبل صلاة المغرب، لكنني سمعت أن الساعة الإسلامية التي ورد ذكرها في الحديث تعادل ما بين 15 - 20 دقيقة، ويذكر آخرون أنها تعادل 50 دقيقة من وقتنا. فما هو الصحيح؟ وهل وقت جلوس الإمام بين الخطبتين في صلاة الجمعة مستجاب فيه الدعاء؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فأصح ما ورد في تعيين هذه الساعة حديثان مشهوران:
أحدهما: حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول - يعني في ساعة الجمعة-: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة" أخرجه مسلم في صحيحه (853) .
الثاني: حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة، لا يوجد فيها عبد مسلم يسأل الله شيئاً إلا أتاه إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر" أخرجه أبو داود (1048) ، والنسائي (1389) ، واللفظ له، والحاكم (1032) ، وقال: (هذا حديث صحيح على شرط مسلمٍ ... ولم يخرجاه) أ. هـ، وكذا صحح إسناده النووي في المجموع (4/471) .
وروي نحو هذا الحديث عن أنس -رضي الله عنه-،عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس" أخرجه الترمذي في سننه (489) ، ثم قال: "هذا حديث غريب من هذا الوجه، وقد روي هذا الحديث عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير هذا الوجه، ومحمد ابن بن حميد يُضعَّف، ضعفه بعض أهل العلم من قبل حفظه ... ، ويقال: هو أبو إبراهيم الأنصاري، وهو منكر الحديث، ورأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وغيرهم أن الساعة التي ترجى فيها بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال أحمد: أكثر الأحاديث في الساعة التي ترجى فيها إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر ... " أ. هـ، هذا ما رجحه الإمام أحمد، وغيره.
وقد صوَّب النووي - رحمه الله- في شرح صحيح مسلم (6/140-141) ، القول بما جاء في حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه-، ثم نقل عن الإمام مسلم أنه قال عن هذا الحديث: "هو أجود حديث، وأصحه في بيان ساعة الجمعة" أ. هـ.
وذهب آخرون إلى أن ساعة الإجابة منحصرة في هذين الوقتين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر، وإلى هذا ذهب الإمام ابن القيم في زاد المعاد (1/394) ، ثم قال: "وعلى هذا تتفق الأحاديث كلها، ويكون النبي -صلى الله عليه وسلم- قد حض أمته على الدعاء، والابتهال إلى الله -تعالى- في هاتين الساعتين ... " ا. هـ، وهذا ما رجحه سماحة شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز - رحمه الله -كما في مجموع الفتاوى والرسائل
(12/401-402) .
ومما ينبغي التنبيه عليه هنا، أن هذا الوقت ليس كله وقت إجابة، وإنما ساعة الإجابة في أثنائه، كما صرح بذلك القاضي عياض، فيما حكاه عنه النووي في شرح صحيح مسلم(14/205)
(6/140) ، ويشهد لهذا ما أخرجه البخاري في صحيحه (893) ، ومسلم في صحيحه
(852) ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً ... وفيه: (وأشار بيده يقللها) . هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: (وقال بيده يقللها يزهدها) ، وفي رواية لمسلم (852) ،: "وهي ساعة خفيفة".
على هذا؛ فتحديدها بخمسين دقيقة بعيد جداً، وتحديدها بأقل من هذا تحكم لا دليل عليه، فينبغي تحريها في جميع الوقت الذي أرشد إليه نبينا - صلى الله عليه وسلم-، كما يتحرى المسلم ليلة القدر في ليال العشر من رمضان، عله أن يوافق هذه الساعة فيستجيب الله له، وإلى هذا المعنى أشار الإمام النووي في المجموع (4/471) ، حيث قال: "ويُحتمل أن هذه -يعني ساعة الإجابة يوم الجمعة- متنقلة، تكون في بعض الأيام في وقت، وفي بعضها في وقت، كما هو المختار في ليلة القدر ... " أ. هـ، والله -تعالى- أعلم.(14/206)
أدعية لتفريج الهموم
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/أسباب وأوقات إجابة الدعاء
التاريخ 09/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أود السؤال عن الأدعية التي وردت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم- في حالة الضيق، وطلب الفرج، وتكالب الدنيا على الإنسان، مع ذكر السند الشرعي.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الدعاء هو ملاذ المسلم عندما تشتد الكروب، وتنقطع الأسباب، وتعجز الحيل، يجأر العبد إلى ربه، ويلتجئ إليه، فيفرج همه، ويكشف غمه، ويرحم ضعفه، قال سبحانه وتعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"، وقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته إلى أدعيةٍ يقولونها حينما تشتد بهم الكروب، وتنزل بهم الخطوب، وتضيق عليهم الأمور، ويعرض لهم في هذه الدنيا ما ينغص عيشهم، ويكدر راحتهم من الشدائد والأمور الشاقة، ومن هذه الأدعية ما يأتي:
- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" [أخرجه البخاري ح (6346) ، ومسلم ح (2730) ]
- وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- قال: "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-حِينَ قَالُوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [أخرجه البخاري ح (4563) .]
- وعن أبي بكرة - رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قال: " دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ " [أخرجه أبو داود ح (4426) ] .
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كَانَ إِذَا أَهَمَّهُ الْأَمْرُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ " وَإِذَا اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ قَالَ: " يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ " [أخرجه الترمذي ح (3358) ، وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ] .
وعن أنس بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: " يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ " [أخرجه الترمذي ح (3446) ](14/207)
- وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ - رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ - أَوْ فِي الْكَرْبِ -: أَللَّهُ أَللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا" [أخرجه أبو داود ح (1304) ]
- وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ) فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ. [أخرجه الترمذي ح (3427) ، والحاكم في المستدرك (2/637) ، وقال: صحيح الإسناد، وزاد فيه من طريق آخر: فقال رجل: يا رسول الله هل كانت ليونس خاصة، أم للمؤمنين عامة؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ألا تسمع إلى قوله الله عز وجل: "وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ"]
- وعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-رضي الله عنه- قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي، وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُلْ: إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ، قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي. [أخرجه أبو داود ح (1330) ](14/208)
- وعن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا، قَالَ: فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا فَقَالَ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا " [أخرجه أحمد ح (3528) ] .
- وعن عائشة -رضي الله عنها-، في حديث الإفك، أنها قالت: وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لَكُمْ مَثَلًا إِلَّا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) [أخرجه البخاري ح (2661) ، ومسلم ح (2770) ] .
- وعن أنس -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قال: " اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن سهلاً إذا شئت " [أخرجه ابن حبان في صحيحه ح (974) ]
اسأل الله أن يلهمنا الدعاء، ويوفقنا للإجابة، وأن يجعل لنا وللمسلمين من كل همٍ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل بلاءٍ عافية، هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(14/209)
هل للإنسان أن يسأل لنفسه الوسيلة؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/موانع إجابة الدعاء
التاريخ 14/04/1425هـ
السؤال
ورد في الحديث: "وسلوا لي الوسيلة فإنها لا تصلح إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو" أو كما قال: فهل يجوز أن أسأل لنفسي الوسيلة؟
الجواب
الحمد لله، لا يجوز لأحد أن يسأل الله لنفسه الوسيلة التي عناها النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الحديث الذي رواه مسلم (384) من حديث عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- حيث قال: "ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو "، وهذا الرجاء من النبي - صلى الله عليه وسلم - محقق، فهذه الدرجة وهذه المنزلة ليست إلا لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو مخصوص بالمقام المحمود، وبالوسيلة، ومما جعله الله سبباً في نيله - صلى الله عليه وسلم - الوسيلة والمقام المحمود دعاء المؤمنين له كما أرشدهم إلى ذلك بالدعاء بعد الأذان فقال - صلى الله عليه وسلم -: "من قال حين يسمع النداء: "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة" رواه البخاري (614) من حديث جابر -رضي الله عنه-، إنما الذي للمسلم أن يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار، وإذا سأل الله الفردوس فإن ذلك مما ندب إليه الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن ينبغي لمن سأل الله الجنة أو سأل الله الفردوس وهي أعلى الجنة وأوسط الجنة فينبغي له أن يأخذ بالأسباب التي جعلها الله موصلة بإذنه؛ موصلة إلى تلك الدرجات نسأل الله -سبحانه وتعالى - الجنة ونعوذ به من النار، ونسأله الفردوس الأعلى بفضله وكرمه إنه تعالى جواد كريم بر رحيم، والله أعلم.(14/210)
رفع اليدين للتأمين في الخطبة
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ كتاب الصلاة/صلاة الجمعة
التاريخ 29/4/1422
السؤال
حكم رفع اليدين في التأمين على دعاء الإمام في خطبة الجمعة، أي رفع اليدين للمأموم بالتأمين لأنَّ المشاهد أنَّ كثيراً من الأخوة المصلِّين حينما يدعو خطيب الجمعة في آخر الخطبة لا يرفعون أيديهم، فهل في هذا نصٌّ بارك الله فيكم؟
الجواب
رفع اليدين عند الدعاءِ من أسباب الإجابة، ولكنَّه يُشرع مطلقاً ومقيَّداً، فُيشرع مطلقاً في الدعاء المطلق، ويُشرع مقيَّداً في ما ورد له دليل من أنواع الدعاء المقيَّد، ومعنى ذلك أنَّه لا يُشرع رفع اليدين في كل دعاءٍ مقيَّد كالدعاءِ في آخر الصَّلاة قبل السَّلام أو بعد السَّلام، إذ لم يرد في السنَّة ما يدلُّ على ذلك، وإنَّما يُشرع رفع اليدين فيما دلَّت السنَّة على مشروعيِّة ذلك فيه كالدعاء بعد رمي الجمرة الأولى والثانية، وعلى الصفا والمروة وفي الاستسقاء وغير ذلك ممادلَّت السنَّة على رفع اليدين فيه، وعلى هذا فلا يُشرع للمأمومين أن يرفعوا أيديهم عند دعاء الخطيب على المنبر يوم الجمعة.
وقد أخرج مسلم رحمه الله عن عمارة بن رؤيبة أنَّه رأى بشر بن مروان رافعاً يديه على المنبر فقال: قبَّح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ ما يزيد على أن يقول بيده هكذا: وأشار بأصبعه المسبِّحة. قال النووي: فيه أنَّ السنَّة ألا يرفع اليد في الخطبة.
والله أعلم(14/211)
رفع اليدين والدعاء بعد الفريضة
المجيب أ. د. صالح بن محمد السلطان
أستاذ الفقه بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ كتاب الصلاة/الذكر بعد الصلاة
التاريخ 2/5/1422
السؤال
ما حكم رفع اليدين والدعاء بعد الفريضة؟
الجواب
رفع اليدين والدعاء بعد الفريضة لا أصل له، ولم ينقل عن أحد من الصحابة وإنما المشروع بعد الفريضة الذكر من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، وإذا رأيت من يفعل ذلك فعليك بمناصحته بلطف ورفق فإن الرفق ما كان في شئ إلا زانه.(14/212)
السجود من أجل الدعاء
المجيب أ. د. صالح بن محمد السلطان
أستاذ الفقه بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 2/5/1422
السؤال
هل يجوز السجود من أجل الدعاء فقط دون الصلاة، وذلك تحرياً لأوقات الإجابة مثل قبل دخول الإمام يوم الجمعة بقليل وآخر ساعة من يوم الجمعة، وبين الإقامة والصلاة..وغيرها من الأوقات الفاضلة.
الجواب
هذا من البدع؛ لأن السجود إما أن يكون سجود شكر أو سجود تلاوة أو سجوداً في الصلاة، أما السجود من أجل الدعاء فلم يأت في الشرع.
والذي جاء في الحديث"أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء" فهذا لأنه عندما ذكر أفعال الصلاة وجاء للسجود قال: اكثروا فيه من الدعاء.(14/213)
الدعاء بعد صلاة النافلة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 2/5/1422
السؤال
عندما صليت تحية المسجد دعوت الله فإذا واحد من الإخوان قال لي أن الدعاء بعد النافلة ليس له أصل، مع العلم أن الوقت هذا وقت إجابة الدعاء فتبين لي من الحكم أن الدعاء بعد النافلة ليس بدعة وإنما ليس له أصل أرجو الحكم في ذلك وإذا كان جائز فاذكروا لي حديثا وجزاكم الله خيرا.
الجواب
الدعاء من المسلم مستحب في كل الأوقات وذلك أن الله تعالى يقول ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)) . وخاصة في الأوقات الفاضلة التي تتحرى فيها الإجابة أكثر، كالوقت بين الأذان والإقامة، وفي ثلث الليل الآخر، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر وغيرها، من الأوقات الواردة في السنة. إلا أن العلماء رحمهم الله استحبوا الذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفريضة، ولا يشتغل من انتهى من صلاة الفريضة بالدعاء ويترك الذكر الوارد، وأما بعد النافلة فلكونه لم يرد فيه ذكر مخصوص فيستحب الدعاء لما تقدم في الآية الكريمة. والله أعلم.(14/214)
معنى "والشر ليس إليك"
المجيب د. علي بن عبد الله الجمعة
رئيس قسم السنة وعلومها بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 23/5/1424هـ
السؤال
هل يوجد دعاء للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - فيما معناه اللهم الخير بين يديك، والشر ليس إليك، وإن ثبت فما معناه هذا؟ والله يرعاكم ويحفظكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فأقول وبالله التوفيق: إن هذا الدعاء الوارد في سؤال السائل صحيح، وقد أخرجه الإمام مسلم - رحمه الله (771) ، وهو جزء من حديث طويل، ونصه عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال:" وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك" والمعنى الخاص بالجزء الوارد في السؤال وهو كما يلي قال الإمام النووي رحمه الله على الحديث "والخير كله في يديك والشر ليس إليك" قال الخطابي وغيره فيه الإرشاد إلى الأدب في الثناء على الله تعالى ومدحه بأن تضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها على جهة الأدب، وأما قوله والشر ليس إليك فمما يجب تأويله، لأن مذهب أهل الحق أن كل المحدثات فعل الله تعالى وخلقه، سواء خيرها وشرها، وحينئذ يجب تأويله، وفيه خمسة أقوال أحدها: معناه لا يتقرب به إليك، قاله الخليل بن أحمد والنضر بن شعيل وإسحاق بن راهوية، ويحيى بن معين، وأبو بكر بن خزيمة، والأزهري وغيرهم.
والثاني: حكاه الشيخ أبو حامد عن المزني وقاله غيره أيضاً؛ معناه لا يضاف إليك على انفراده، لا يقال يا خالق القردة والخنازير، ويا رب الشر، ونحو هذا، وإن كان خالق كل شيء، ورب كل شيء، وحينئذ يدخل الشر في العموم، والثالث: معناه والشر لا يصعد إليك، إنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح، والرابع: معناه والشر ليس شراً بالنسبة إليك، فإنك خلقته بحكمة بالغة، وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين، والخامس: حكاه الخطابي أنه كقولك فلان إلى بني فلان إذا كان عداده فيهم أو صفوه إليهم، أ. هـ. شرح صحيح مسلم للإمام النووي. كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه رقم الحديث (201 /ص 303 - 304) وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/215)
الدعاء بـ (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 23/10/1425هـ
السؤال
هل هذا الدعاء جائز شرعًا، وهو الاستغاثة برحمة الله، يقول الداعي: (يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث) . حيث إني كثيرًا ما أردد هذا الدعاء، وهل ورد حديث أو أثر بذلك؟
الجواب
الحمد لله، لا شك أن هذا دعاء طيب، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الترمذي (3524) ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: "يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ". ومعناه موجود في الأدعية المأثورة، التوسل إلى الله باسمه الحي القيوم، بل قيل إن هذا هو اسم الله الأعظم، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم- سمع رجلًا يقول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ إِنِّي أَسْأَلُكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: "تَدْرُونَ بِمَا دَعَا؟ ". قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى". أخرجه أبو داود (1495) والنسائي (1300) . وكذلك قول الداعي: برحمتك أستغيث. هذا توسل حق، توسل إلى الله برحمته، فما ذكر هو من أحسن الأدعية وأنفعها، وهو موافق لقوله سبحانه وتعالى: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف:180] . والله أعلم.(14/216)
أدعية مأثورة تُعين على الثبات
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ 9/9/1422
السؤال
عندي ذنوب كثيرة وأدعو الله كل يوم أن يغفر لي ولكن الدنيا تأخذني ولا أعلم ماذا أفعل، أحاول ولكن أرجع، فإذا تفضلتم أعطوني الدعاء الذي أدعوه ليثبت قلبي على الإيمان وطاعة الرحمن؟
الجواب
إن شعور الإنسان بكثرة ذنوبه، وخوفه منها، ورغبته في التخلص من تبعتها علامة حياة القلب ونبضه بالإيمان، وعلاج مَنْ هذا شأنه سهلٌ وميسر بحمد الله - إذ إنَّ أولى خطوات تصحيح المسار، واستدراك الفائت الاعتراف بوجود الخطأ والشعور بوخز الضمير، والإقبال الذاتي إلى مدارج الصالحين والتائبين.
ومعاودة الوقوع بالذنوب بعد التوبة منها لا تعطي فرصة لليأس ليستولي على النفوس، أو يفسح مجالاً للقنوط يحول بين العبد وتجديد الاستغفار والندم مما حدث وكان.
وحَسَنُُ من السائلة أن تطلب تذكيرها ببعض الأدعية التي تعينها على الثبات ولزوم الاستقامة، إذ إن الدعاء خير وسيلة يُستعان بها في خضم هذا الزمن المتلاطم فتناً ومحناً، كيف وهو سلاح الصفوة المرسلين من الأنبياء وأتباعهم.
ألا إنَّ من أفضل الأدعية في هذا المقام ما ورد في الكتاب العزيز، وما صحّ من سُنة إمام المتوكلين، وسيد الخاشعين المتضرعين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ومن ذلك:
قوله - تعالى -: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) آل عمران: 8 - وقوله: (ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) البقرة: 250.
وصحّ عنه - عليه السلام - من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - " اللهم مصّرف القلوب، صرَّف قلوبنا على طاعتك " أخرجه مسلم (2654) وغيره، وأخرج كذلك من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: " اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون " رواه مسلم (2717) وأمثلة هذه الأدعية لا تحصى كثرة بحمد الله، وصنفت فيها كتب كثيرة وأفردها الأئمة بأبواب مستقلة من الصحاح والسنن ولخصها آخرون في مصنفات مفردة، ومن أفضلها الكلم الطيب لابن تيمية والوابل الصيّب لابن القيم وحصن المسلم للقحطاني من المعاصرين، والله أعلم"(14/217)
دعاء دخول شهر رمضان
المجيب د. صالح بن فوزان الفوزان
عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/ كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 29/08/1425هـ
السؤال
هل هناك أدعية مخصصة عند دخول شهر رمضان المبارك من السنة؟ وماذا يجب على المسلم أن يدعو به في تلك الليلة أفيدوني -بارك الله فيكم-؟
الجواب
لا أعلم دعاءً خاصاً يقال عند دخول شهر رمضان، وإنما هو الدعاء العام عن سائر الشهور، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى الهلال في رمضان وفي غيره يقول:" اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام هلال خير ورشد ربي وربك الله " وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول:" الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام ربي وربك الله " هذا الدعاء الوارد عند رؤية الهلال لرمضان ولغيره، أما أن يختص رمضان بأدعية تقال عند دخوله فلا أعلم شيئاً في ذلك، لكن لو دعا المسلم بأن يعينه الله على صوم الشهر وأن يتقبله منه فلا حرج في ذلك، لكن لا يتعين دعاء مخصص. المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ/صالح الفوزان، الجزء الرابع ص (92) فتوى رقم (91) .(14/218)
الدعاء على النصارى
المجيب د. علي بن بخيت الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 15/4/1423
السؤال
هل يجوز الدعاء على مطلق النصارى أم نحدد النصارى الظالمين، أو المحاربين، أو الحاقدين، أو غير ذلك؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين، وبعد:
يجوز الدعاء على مطلق النصارى؛ لقوله -تعالى-:"لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ... " [المائدة:78] .
قال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) بعد هذه الآية (6/187) :"فيه مسألة واحدة: وهي جواز لعن الكافرين ... ".
وقد جاء في الكتاب العزيز: لعن الكافرين والمشركين والدعاء عليهم ...
والذي يستحب هو الدعاء على الكافرين المعتدين والظالمين والمحاربين في القنوت عند النوازل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في (مجموع الفتاوى 8/335) :"والدعاء على جنس الظالمين الكفار مشروع مأمور به، وشرع القنوت والدعاء للمؤمنين، والدعاء على الكافرين".
وقال في موضع آخر (21/154) :"وأما الدعاء على أهل الكتاب ... فهذا منقول عن عمر بن الخطاب أنه كان يدعو به في المكتوبة، وهو موافق لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... ".
وقال في موضع آخر (22/271) :"وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة، وإذا سمى من يدعو لهم من المؤمنين، ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسناً".
وقال في موضع آخر (22/373) :"وكذلك المأثور عن الصحابة مثل: عمر، وعلي، وغيرهما -رضي الله عنهم- هو: القنوت العارض قنوت النوازل، ودعاء عمر فيه، وهو قوله:"اللهم عذب كفرة أهل الكتاب ... إلخ، يقتضي أنه دعا به عند قتاله للنصارى".
وكل هذه النصوص التي أوردناها تبين أن المستحب هو الدعاء على النصارى المحاربين والظالمين والحاقدين الذين يتربصون بالمؤمنين الدوائر، ويعتدون على المؤمنين في أعراضهم وأموالهم ودمائهم وحرماتهم، أو يناصرون غيرهم من الكافرين في ظلم المؤمنين والاعتداء عليهم.
وأما النصارى الذين لم يظلموا المسلمين أو يحاربوهم أو يناصروا عليهم عدوهم إذا ترك المسلم الدعاء عليهم كان ذلك حسناً، خصوصاً إذا كان ذلك في مقام الدعوة تأليفاً لقلوبهم، وطمعاً في إسلامهم، وعلى هذا يحمل الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه (رقم 2599، كتاب: البر والصلة) عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين طلب منه الدعاء على المشركين:"إني لم أبعث لعاناً ولكني بعثت رحمة".
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين.(14/219)
معنى: "لا ينفع ذا الجد منك الجد"
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 17/8/1423هـ
السؤال
ما معنى "لا ينفع ذا الجد منك الجد" وأيضاً "تبارك اسمك وتعالى جدك"؟
الجواب
معنى "لا ينفع ذا الجد منك الجد" البخاري (844) ، ومسلم (471) الجد هو: الغنى، أو الحظ، والمعنى: لا ينفع ذا الغنى عندك غناه، وإنما ينفعه العمل الصالح.
وقيل معناه: لا ينجيه منك حظه من مال، أو ولد، أو سلطان، وإنما ينجيه فضلك ورحمتك.
ومعنى "تبارك اسمك" مسلم (399) البركة: ثبوت الخير الإلهي في الشيء، وإضافة البركة إلى اسم الله إشارة إلى اختصاص أسماء الله بالبركات، "وتعالى جدك" تعالى، أي: تفاعل، من العلو، والجد: العظمة، والمعنى: علت عظمتك كل شيء.(14/220)
هل يترحم على الحي؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 9/11/1422
السؤال
هل يجوز إطلاق لفظ (يرحمه الله) على الحي أم هو مقيد بالموتى؟
الجواب
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه، الدعاء بالرحمة ينفع الحيَّ والميت، ويشرع للمسلم أن يدعو لإخوانه المسلمين بالرحمة والمغفرة وبكل خير للأحياء والأموات، وكل واحد محتاج إلى رحمة الله، لا غنى لأحد عن رحمته - سبحانه وتعالى -، وقد جرت عادة الناس أنهم إذا ذكروا الميت يقولون: رحمه الله، وإذا ذكروا الحيَّ قالوا: حفظه الله، ووفقه الله، وهذا أمر عادي ليس بشرعي، والتوفيق والحفظ هو من رحمته - سبحانه وتعالى - فإذا قال المسلم: وفق الله فلاناً، وحفظ الله فلاناً، فهذا من أنواع الرحمة، والرحمة تشمل هذا وغيره من أنواع الخير والحفظ والإحسان، وهو - سبحانه وتعالى - أرحم الراحمين، ولكن ينبه إلى أنه إذا دُعي بالرحمة بصيغة الفعل: رحمه الله فلا تقيد بالمشيئة فلا يقال: فلان رحمة الله -إن شاء الله-، أما إذا قيل: فلان المرحوم فلا بد من التقييد بالمشيئة، تقول: فلان المرحوم - إن شاء الله -، وتقول: فلان رحمه الله دون تعليق على المشيئة، والله أعلم.(14/221)
الدعاء على الكفار
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 5/6/1423
السؤال
أصدرت جمعية خيرية على أنه يجوز لولي الأمر بأن يمنع خطباء المساجد من الدعاء على النصارى عملاً بالسياسة الشرعية والمصلحة، والدليل عليه قوله -تعالى-:"ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله"الآية، فما حكم هذه الفتوى؟ لأنها سببت لنا في فتنة بين مؤيد ومرجح.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن مسألة الدعاء على النصارى واليهود وغيرهم من الكافرين عندما يكون منهم ظلم وعدوان من المسائل المشروعة، فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا على طوائف وقبائل وأفراد من المشركين وغيرهم انظر: البخاري (2801) ومسلم (675) ، وكان السلف يفعلون ذلك عند مقتضاه، وأما منع ولي الأمر للخطباء من ذلك فإن كان مبنياً على دفع مفسدة ظاهرة فله ذلك ويطاع في ذلك، أما إذا كان لمجرد الهوى والميل ففي ذلك نظر، لكن مع ذلك يجب على الخطباء درء المفاسد والفتن وتوخي الحكمة في هذا الأمر وغيره، وقاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) قاعدة عظيمة ومعتبرة في مثل هذا المقام وغيره، والله الموفق.(14/222)
حكم سؤال الله بجاه النبي-صلى الله عليه وسلم-
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 6/1/1423
السؤال
هل يضير المؤمن أن يتوجه في دعائه إلى الله قائلاً: " بجاه سيدنا محمد اقضِ لي حاجتي يا الله " نظراً لمكانة سيدنا محمد عند الله؟
الجواب
لا يجوز سؤال الله - تعالى - ودعاؤه بجاه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره من باب أولى؛ لأن جاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الله له، ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أعظم الخلق جاهاً وقدراً وفضلاً عند الله - تعالى - لكن لا ننتفع إلا بحبنا له- صلى الله عليه وسلم - وباتباعنا له، وهذا مما يشرع لنا دعاء الله به كأن نقول: اللهم إنا نسألك بحبنا لرسولك أو باتباعنا لرسولك - صلى الله عليه وسلم - ونحو ذلك. أما قدره وجاهه عند الله - وهو ولا شك عظيم- فمن الاعتداء أن ندعو به، والله أعلم.(14/223)
مسائل في الدعاء
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 27/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(1) ما حكم مسح الوجه بعد الدعاء؟.
(2) ما حكم النظر إلى الأعلى عند الدعاء خارج الصلاة وليس أثناءها؟.
(3) ما حكم الدعاء في الأمور الدنيوية أثناء السجود في الصلاة المفروضة كالدعاء بالتوفيق، أو الدعاء بالشفاء من مرض، أو الدعاء بحل مشكلة؟.
(4) هل الوقت الذي يخطب فيه الخطيب يوم الجمعة هو من ساعات الإجابة، فيجوز لي الدعاء وعدم الإنصات للخطبة؟.
ولي طلب أرجو تلبيته، وهو: أن تدعو لي بأن يستجيب لي ربي دعائي.
الجواب
(1) مسح الوجه بعد الدعاء ورد فيه أحاديث، ورجال الجرح والتعديل طعنوا فيها، فهي لا ترتقي إلى درجة العمل بها، ويبقى الأمر على ما هو الأصل فيه وهو عدم المسح؛ لأن الأحاديث الواردة في المسح ليست بصحيحة، ولا ترتقي إلى درجة الاحتجاج بها. انظر مثلاً ما رواه أبو داود (1485) ، وابن ماجة (1181) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- بإسناد ضعيف.
(2) هذا من الأمور الجائزة، ما دام أنه خارج الصلاة، فكونه يرفع بصره أو يصوبه لا يؤثر، لكن في الصلاة المطلوب منه أن يكون نظره إلى موضع سجوده.
(3) هذه لا بأس بها من الأمور الجائزة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:" ... وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم" رواه مسلم (479) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، يعني: حريّ أن يجيب الله -تعالى- دعاءكم؛ لأن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد، والإنسان إذا لم يدع بإثم أو قطيعة رحم فإنه ترجى إجابته إذا لم يعتد في دعائه، والأمثلة التي ذكرها ليس فيها شيء من الاعتداء.(14/224)
(4) أما كونه من الساعات التي ترجى فيها الإجابة فهذا قد ورد أن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد قائم يصلي يسأل الله خيراً إلا أعطاه إياه، وأشار النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده يقللها، رواه البخاري (5295) ، ومسلم (852) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وورد في وقتها أقوال كثيرة، ولكن أرجح الأقوال، قولان: أحدهما: أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، واستدل العلماء لهذا بما ورد في مسلم (853) من حديث أبي بردة بن أبي موسى -رضي الله عنه- أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، قال: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شأن ساعة الجمعة؟ قال: نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة". القول الثاني: أنها بعد العصر، وهذا هو الأرجح عند جماهير العلماء، وحجة هذا القول ما رواه أحمد في مسنده (7631) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله -عز وجل- فيها خيراً إلا أعطاه إياه وهي بعد العصر"، وروى أبو داود (1048) ، والنسائي (1389) عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة لا يوجد فيها عبد مسلم يسأل الله شيئاً إلا أتاه إياه فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر" فالأرجح من هذه الأقوال هو أن ساعة الإجابة هي بعد العصر أو هي آخر ساعة بعد العصر، وعلى كل فالإنسان إذا كان يستمع إلى الخطبة وهو في انتظار الصلاة فلا يجوز له أن يشتغل بغير الخطبة، لا دعاء ولا حركة ولا غيرها؛ لأن الإنصات لخطبة الجمعة واجب، ومن لغا في جمعته في غير الإنصات فلا جمعة له، والنبي -صلى الله عليه وسلم-قال:"إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت" رواه البخاري (934) ، ومسلم (851) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، فيجب على المسلم أن يكون حال خطبة الخطيب مستمعاً ومنصتاً ولا يشتغل بدعاء ولا غيره.(14/225)
هل أقايض الله؟
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 15/3/1423
السؤال
هل من الجائز أن أقايض الله بأن أطلب منه شيئاً ويأخذ بالمقابل مني شيئاً آخر، مثل: الصحة؟
الجواب
اعلمي يا ابنتي أن فضل الله أوسع، وعطاءه وبره أكبر وأكثر، ورحمته وسعت كل شيء، فلا يقايض العبد ربه باستنزال المصائب، وتعجل البلاء، ولكن يستغفر ويعلم أن الله يغفر لكل تائب، ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره، وأنه يقبل دعوة عباده ويأمرهم أن يدعوه "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" [غافر:60] فهذا أمره وهذا وعده، وقوله الحق ووعده الصدق، وليس لله حاجة في تعذيب عباده إذا عبدوه وأخلصوا له:" ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً" [النساء:147] وعليكِ أن تسألي الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
وأذكرك بما رواه مسلم في صحيحه (2688) عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاد رجلاً من المسلمين قد خَفَتَ، فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟ قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" سبحان الله لا تطيقه أولا تستطيعه، أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"، قال: فدعا الله له فشفاه.(14/226)
عبارة: قدَّس الله روحه
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 24/5/1423
السؤال
ما حكم قولنا لمن مات: (قدس الله سره) ، أو (قدس الله روحه) ، وكذلك (طيب الله ثراه) ؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، هذه العبارات متقاربة في المعنى ومقصودها الإحسان إلى الميت، والدعاء له بالطيب والطهارة، وليس شيء من هذه العبارات مأثوراً بالسنة أو عن السلف الأول، لكنها موجودة في كلام العلماء الذين يُؤرخون فيعبرون عن منزلة المترجم له بذكر قولهم: قدس الله روحه، أو قُدس سرّه، والتقديس: التطهير، والتطهير: إزالة الخبث وإزالة السوء، وقولهم: قُدس سرّه، يظهر لي أنها بمعنى قدس الله روحه؛ لأن الروح باعتبار أنها أمر خفي فهي بهذا الاعتبار سرّ، وأما طيب الله ثراه فهي عبارة تجري على ألسنة المتأخرين من الصحفيين والكتّاب كأنهم يعنون طيَّب الله قبره، وإنما يكون القبر طيباً إذا كان صاحبه من الصالحين؛ لأنه حينئذ يكون القبر عليه روضة من رياض الجنة إذيفتح له باب من الجنة فيأتيه من روحها وطيبها، والذين اعتادوا الدعاء بهذا اللفظ لا يقتدى بهم، وهم يدعون بهذا الدعاء لمن يعظمونه، أو يدعون تعظيمه وإن كانوا في الباطن بخلاف ذلك، وأولى من هذا وذاك الدعاء للميت المسلم بالمغفرة والرحمة والعفو والرضوان وسكنى الجنة والنجاة من النار، فهذا ما تضمنته الأدعية المأثورة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما في دعاء الصلاة على الجنازة، والله أعلم.(14/227)
التأمين على دعاء الخطيب
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 10/10/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ما حكم تأمين الناس على دعاء الخطيب في خطبة الجمعة؟ قال لنا أحد الإخوة: ألا نؤمن؟ وما حكم رفع اليدين بالدعاء للناس لا للخطيب؟
الجواب
التأمين على دعاء الخطيب سنة ومطلوب من الإنسان إذا سمع دعاء أن يؤمن عليه، ويقول: آمين، ولا يرفع يديه في خطبة الجمعة عند دعاء الخطيب إلا إذا رفع الخطيب يديه فإن الحضور الذين يستمعون إليه يرفعون أيديهم، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رفع يديه يستسقي ودعا رفع الناس أيديهم، انظر البخاري (1031) ، ومسلم (895) فإذا لم يرفع الإمام يديه في خطبة الجمعة عند الدعاء فإن الناس لا يرفعون أيديهم، لكنهم يؤمنون، وهل يؤمنون سراً أو جهراً؟ الكثير من أهل العلم يقول: إنهم يؤمنون سراً، هذا والله أعلم.(14/228)
الدعاء بـ (يا رب القرآن)
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 28/5/1424هـ
السؤال
ما رأيكم في القول الذي يقوله كثير من المشايخ في الدعاء (يا رب القرآن) ؟ علماً أن رب يقصد به الخالق والقرآن منزل.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فإنه لا يجوز أن يقال: (يا رب القرآن) ؛ لأن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، والمربوب هو المخلوق، والقرآن كلام الله منزل غير مخلوق، أجمع على ذلك أهل السنة والجماعة، بناء على ما ظهر لهم من الأدلة المستفيضة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
إلا أن بعض الناس قد يقول: (ورب المصحف) ، ويعنون بالمصحف ما كتب فيه القرآن؛ وهو الورق والمداد والجلد، وهو بهذا المعنى مربوب لا شك في ذلك، لكنه لا ينبغي أيضاً أن يقال (رب المصحف) ، حتى لا يكون ذريعة للظن بأن المراد بالمصحف ما هو مكتوب فيه؛ وهو القرآن، فيؤدي ذلك إلى القول بخلق القرآن.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(14/229)
الصحيح في أدعية الركوب
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 9/4/1424هـ
السؤال
هل صح في أدعية الركوب شيء؟
الجواب
إن أقوى ما ورد في هذا هو الحديث الذي رواه أحمد (1/97) ، ح (753) ، وغيره، من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن علي بن ربيعة قال: رأيت علياً - رضي الله عنه- أتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: "بسم الله، فلما استوى عليها قال: الحمد لله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ... الحديث..وهو معلول، كما بين ذلك الدارقطني في العلل (4/59-63) ، وخلاصة تعليله: أن أبا إسحاق لم يسمعه من علي بن ربيعة، بل بينه وبين علي رجلان، كما صرح بذلك أبو إسحاق حينما سأله شعبة هل سمعته من علي بن ربيعة؟ قال: لا، بل حدثني يونس بن خباب (صدوق يخطئ) ، عن رجل عنه، وقد بينت رواية أخرى أن هذا الرجل - الراوي عن علي بن ربيعة- هو: شقيق بن عقبة، قال الدارقطني عقب ذكر طرقه (4/62) ،: "فهو من رواية أبي إسحاق مرسلاً"، أي أن إسحاق أرسله، فلم يبين الواسطة بينه وبين علي بن ربيعة، إذا تقرر هذا، فهل يلزم من ضعف الحديث أن لا يقال هذا الدعاء؟ هنا احتمالان:
الاحتمال الأول: إما أن يقال: وإن ضعف الحديث فإن القرآن يدل على مشروعية ذلك، كما في قوله تعالى: "لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ" [الزخرف:13] ، فإن الآية علقت الذكر بمجرد الاستواء على الدابة، وهذا حاصل هنا، ولكن - إذا قيل هذا القول- فالاقتصار على الذكر في الآية أولى، دون بقية ما في الحديث، لعدم ثبوته.
والاحتمال الثاني أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يركب في المدينة كثيراً، ويزور أصحابه، ولم ينقل عنه شيء يعتمد عليه في هذا مع وجود الداعي، ومما يزيد هذا الأمر وضوحاً نقل أصحابه - صلى الله عليه وسلم- قوله لأذكار السفر، كحديث ابن عمر -رضي الله عنه- في صحيح مسلم (1342) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر، كبر ثلاثاً ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين.. الحديث، وهذا هو اختيار شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله-. والخطب في هذا يسير، والغرض من هذا التفصيل هو الحرص على تلمس الأثر والاتباع قدر الإمكان، رزقني الله وإياك حب السنة، والعمل بها ظاهراً وباطناً.(14/230)
دعاء الأم على أبنائها
المجيب د. يوسف بن عبد الله الأحمد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 21/9/1424هـ
السؤال
هل يستجيب الله دعوة الأم على ابنها، إذا كان هو على صواب وهي على خطأ؟
الجواب
دعاء الأم على ابنها أمر في غاية الخطورة، وهو مظنة الإجابة، والواجب على الابن أن يحقق رضاها ما استطاع، حتى لو كان رضاها في غير الصواب، ما دام أنه غير محرم شرعاً، أما إذا كان طلبها منه أمراً محرماً شرعاً فلا يطيعها، وعليه أن يحسن إليها وأن يصحبها بالمعروف، ولا يضره دعاؤها عليه، إذا كان ذلك بسبب طاعته لله بعدم فعل المعصية، وأوصي السائل بتعظيم شأن الأم، وبذل الوسع في برها والإحسان إليها، فعن معاوية بن جاهمة السلمي - رضي الله عنه -:أن جاهمة جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك فقال:" هل لك من أم؟ " قال: نعم. قال:"فألزمها فإن الجنة تحت رجليها" أخرجه النسائي (3104) وهو حديث حسن.(14/231)
أسئلة في صيغ الأدعية
المجيب أ. د. حسين بن خلف الجبوري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 03/05/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: أردت السؤال عن بعض ما يتعلق بالدعاء الوارد من الكتاب والسنة، والمأثور عن السلف، في حال جمعت الأدعية المأثورة في ورقة أو كتاب، وقمت بنشرها لتعميم الفائدة، أرجو من فضيلتكم الإجابة عليها مجتمعة؛ لنتمكن من التصحيح قبل الطباعة.
(1) بالنسبة لما ورد في القرآن الكريم بصيغة الجمع مثل قوله -تعالى-:"ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا"، هل يصح الدعاء به بصيغة المفرد، وكتابته مع غيره من الأدعية بعد تغيير الصيغة؟ أم الواجب إبقاؤها على صيغتها كما ورد في القرآن الكريم؟
(2) ما ورد من الأدعية مخصصاً بمواضيع أو أوقات معينة، هل يصح دمجه مع غيره من الأدعية حال جمعها لمن أراد الدعاء بالأدعية مجتمعة دون الإشارة إلى موضعه؟ أم يلزم إبانة ذلك؟ كدعاء خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- من الطائف، أو أدعية السجود؟
(3) هل يصح للداعي أن يخلل دعاءه بـ (آمين؟) أم هي للسامع فقط، وإن جاز له: أين يكون موضعها من الدعاء؟
(4) هل يصح أن نأخذ بعضاً من الدعاء الواحد وترك بعضه؟ (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار، وفتنة القبر وعذاب القبر، وشر فتنة الغنى، وشر فتنة الفقر) (اللهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والبخل، والهرم، والقسوة، والغفلة، والعيلة، والذلة، والمسكنة وأعوذ بك من الفقر....) (اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك القصد في الغنى والفقر ... ) ، فأحذف، وأسألك القصد في الغنى والفقر "لاحتواء الدعائين الأول والثاني على المعنى، فأكتب جزءاً من الثالث لا كله، منعاً لـ (تكرار المعنى والإطالة) ؛ كونها مجموعة في ورقة أو كتاب واحد. -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فأقول وبالله -تعالى- التوفيق والسداد:
أخي السائل:
(1) إن الأولى كتابة الدعاء كما جاء في القرآن الكريم؛ لأنه أكثر تأثيراً على الداعي والسامع، وأدعى إلى الالتزام بالقرآن الكريم، وأكثر ربطاً للمسلم بكتابه، فإن جاء الدعاء بصيغة الجمع يذكر كما هو، وإن أريد استعماله بصيغة الإفراد، فيجوز ذلك، لكن لا يذكر على أنه آية من كتاب الله -تعالى-.
(2) الأولى أن تذكر الأدعية مخصصة بمواضعها أو أوقاتها أو حالاتها؛ لأن ذلك أدعى للالتزام بمنهج السلف -رضوان الله عليهم- في ذكرهم للدعاء، وحيث ذكروا من الأدعية ما يناسب المكان والزمان والحال.
(3) يصح للداعي أن يخلل دعاءه بـ (آمين) وموضع ذكرها بعد كل فقرة من الدعاء والمتعلق بحال معين.
(4) إذا كان الدعاء مخصصاً لوقت أو مكان، أو حال يذكر كما هو، ولا يُحذف منه شيء؛ لأنه مخصص بهذه الهيئة، وإن لم يكن الدعاء مخصصاً لحالة معينة فيجوز حذف المكرر والجمع بين الأدعية. هذا، والله أعلم بالصواب.(14/232)
الدعاء في الصلاة المفروضة
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 22/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أعلم أن الدعاء لله تعالى جزء من العبادة وأنا أجد سعادة بالغة في الدعاء لله تعالى وأطيل الدعاء منه أدعية نبوية، والسؤال: الإكثار من الدعاء في صلاة الفرض هل هو مستحب أم لا؟ خصوصاً عند الوقوف بعد الركوع وبعد قراءة الصلاة الإبراهيمية، وقبل التشهد، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلا شك أن الدعاء من خير ما يتقرب به العبد إلى مولاه الجليل، والله سبحانه يحب السائلين والمتضرعين، بل والملحين في الدعاء، وقد أمر عباده بدعائه، وحثهم على ذلك وحرضهم عليه "ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين" [الأعراف: 55] "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" [البقرة: 186] "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين"
[غافر: 60] فسمى الدعاء عبادة، وكذلك سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:"الدعاء هو العبادة" الترمذي (2969) وأبو داود (1479) وابن ماجة (3828) وأحمد (18352) .
ودعاؤك بعد التشهد الأخير امتثال لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال:"ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه -أي بعد التشهد-" أخرجه البخاري (835) .
وأذكرك بموطن آخر في الصلاة يتأكد استحباب إطالة الدعاء فيه، ألا وهو السجود، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-:"أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" رواه مسلم (479) .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/233)
ما يقال عند رؤية البرق
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 23/09/1426هـ
السؤال
سمعت بعض الناس يقول عند رؤية البرق عبارة: (عزك يا عزيز الملك) ، فهل في هذا حديث وارد عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأما البرق فلا يوجد فيه حديث ولا أثر يصلح الاعتماد عليه في هذا الباب، ولذا فلا يشرع للإنسان أن يقول في هذا الباب دعاءً خاصاً.
ولا ريب أن البرق آية من آيات الله تعالى، وهي موضع اعتبار وتذكر لعظمة العزيز الجبار، فالمطلوب من العبد تذكر واستحضار عظمة الرب -عز وجل- وقدرته، وكيف جمع لعباده في هذه الآية بين أمرين، وهما الخوف والطمع: فهم يخافون مما يحدث بعده من أمطار مغرقة، وصواعق متلفة، ويرجون في ظهوره مجيء المطر المبارك النافع، الذي تحيى به الأرض. والله أعلم.(14/234)
الدعاء المأثور: "اللهم أرنا الحق حقاً.."
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 17/7/1424هـ
السؤال
نسمع الدعاء التالي كثيراً وهو: "اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه" أرجو إيراد بعض الشرح عليه، وهل هو مسنون أم لا؟ علماً أنه مذكور في كتاب الأذكار للنووي.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد:
هذا دعاء مأثور عن عمر -رضي الله عنه-، ذكره البهوتي في كتابه شرح منتهى الإرادات
(3/497) ، وعزاه إلى عمر رضي الله عنه، وذكره ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى: "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" [البقرة:213] ، قال: وفي الدعاء المأثور: "اللهم أرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، واجعلنا للمتقين إماما " ابن كثير (1/ 444) ، وهذا الدعاء من الأدعية الجامعة النافعة، ومعناه أن العبد يسأل ربه تبارك وتعالى أن يوفقه لمعرفة الحق والصواب في كل ما حصل فيه الاختلاف بين الناس من مسائل العلم، وفي كل ما يستجد من أمور للعبد في حياته ويسأل الله أن يرزقه اتباع الحق والثبات عليه، كما أنه يسأل ربه أن يوفقه لرؤية الباطل باطلاً وضلالاً ويرزقه اجتنابه كما قيل:
عرفت الشرَّ لا *** للشر لكن لتوقيه
ومن لم يعرف الشر *** من الناس يقع فيه
وقد أمر الله عباده أن يسألوه الهداية إلى الصراط المستقيم في كل صلاة "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" [الفاتحة:6] ، وكان النبي - صلي الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يصلي يقول: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل. فاطر السماوات والأرض. عالم الغيب والشهادة. أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدني لما اختلفت فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" أخرجه مسلم (770) ، وفي حديث أبي ذر -رضي الله عنه: "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ... " أخرجه مسلم (2577) . هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(14/235)
بين دعاء المسألة ودعاء الثناء
المجيب محمد بن إبراهيم الحمد
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 2/3/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: ما هو الفرق بين دعاء المسألة ودعاء الثناء؟ وما تعريف كلاً منهما؟ -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد الله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ وبعد:
فإن هناك نوعين من أنواع الدعاء هما؛ دعاء المسألة، ودعاء العبادة، ولعل السائل يريد بدعاء الثناء دعاء العبادة؛ فكل دعاء ورد في الكتاب والسنة فإنه يتناول نوعين اثنين، ويندرج تحتهما، وهذان النوعان هما:
1-دعاء المسألة. 2-دعاء العبادة.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله - في كتابه القواعد الحسان لتفسير القرآن (ص154-155) :
(كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء، والنهي عن دعاء غير الله، والثناء على الداعين - يتناول دعاء المسألة، ودعاء العبادة.
وهذه قاعدة نافعة؛ فإن أكثر الناس إنما يتبادر لهم من لفظ الدعاء والدعوة -دعاء المسألة فقط، ولايظنون دخول جميع العبادات في الدعاء.
وهذا خطأ جرهم إلى ما هو شر منه؛ فإن الآيات صريحة في شموله لدعاء المسألة، ودعاء العبادة) أ. هـ.
تعريف دعاء المسألة: هو أن يطلب الداعي ما ينفعه، وما يكشف ضره.
أو هو ما تضمن مسألة، أو طلباً، كأن يقول الداعي: أعطني، أكرمني، وهكذا ...
وهذا النوع على ثلاثة أضرب:
1-سؤال الله دعائه: كمن يقول: اللهم ارحمني واغفرلي، فهذا من العبادة لله.
2- سؤال غير الله فيما لا يقدر عليه المسؤول: كأن يطلب من ميت أو غائب؛ أن يطعمه، أو ينصره، أو يغيثه، أو يشفي مرضه، فهذا شرك أكبر.
3- سؤال غير الله فيما يقدر عليه المسؤول: كأن يطلب من حي قادر حاضر أن يطعمه، أو يعينه فهذا جائز.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - (وقد مضت السنة أن الحي يطلب منه الدعاء كما يطلب منه سائر ما يقدر عليه. وأما المخلوق الغائب والميت فلا يطلب منه شيء) . [انظر كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة
لابن تيمية، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط: ص165] .
وقال ابن سعدي في (القواعد الحسان ص155) : (ومن هذا قوله سبحانه في قصة موسى عليه السلام:"فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه" [القصص:15] أ. هـ.
تعريف دعاء العبادة: أما دعاء العبادة فهو شامل لجميع القربات الظاهرة والباطنة؛ لأن المتعبد لله طالب بلسان مقاله ولسان حاله ربَّه قبول تلك العبادة، والإثابة عليها؛ فهو العبادة بمعناها الشامل، ومن أعظم ما يدخل فيها ذكر الله، وحمده، والثناء عليه-عز وجل- بما هو أهله.
ولهذا (لو سألت أي عابد مؤمن: ما قَصدُك بصلاتك، وصيامك، وحجك، وأدائك لحقوق الله وحق الخلق؟
-لكان قلب المؤمن ناطقاً قبل أن يجيبك لسانه: بأن قصدي من ذلك رضى ربي، ونيل ثوابه، والسلامة من عقابه؛ ولهذا كانت النية شرطاً لصحة الأعمال وقبولها وإثمارها الثمرة الطيبة في الدنيا والآخرة) . (انظر القواعد الحسان: ص155) .
ولهذا فصرف دعاء العبادة لغير الله يعد شركاً أكبر؛ لأن من يدعو غير الله إنما يتقرب إليه حتى يجيب دعاءه، ويثيبه على فعله.(14/236)
(وهكذا دعاء المسألة إلا فيما يوجه للمخلوق الحي، الحاضر، القادر؛ فليس من العبادة؛ لقصة موسى المذكورة في سورة القصص، وهي قوله -سبحانه-:"فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه" [القصص:15] .
والأدلة على ذلك كثيرة) .
تلازم نوعي الدعاء: من خلال ما مضى يتبين لنا أن نوعي الدعاء متلازمان؛ ذلك أن الله-عز وجل-يدعى لجلب النفع ودفع الضر دعاءَ المسألة، ويدعى خوفاً ورجاءً دعاءَ العبادة؛ فَعُلِم أن النوعين متلازمان؛ فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة. (انظر بدائع الفوائد،3/3) .
أمثلة لتلازمهما:
1-قال تعالى: "وقال ربكم أدعوني أستجب لكم". [غافر:60] أي أستجيب طلبكم، وأتقبل عملكم.
ولهذا قال تعالى: "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" [غافر:60] .
فسمى الله ذلك عبادة؛ وذلك لأن الداعي دعاء المسألة يطلب سؤله بلسان المقال، والعابد يطلب من ربه القبول والثواب، ومغفرة الذنوب بلسان الحال.
2-قال تعالى:"وادعوه مخلصين له الدين ". [الأعراف:29] ، فَوَضْعُ كلمة "الدِّين" موضع كلمة "العبادة"، -وهو كثير في القرآن- يدل على أن الدعاء هو لب الدين، وروح العبادة.
ومعنى الآية هنا: أخلصوا له إذا طلبتم حوائجكم، وأخلصوا له أعمال البر والطاعة.
3-قال تعالى: "وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً" الآية. [يونس:12] .
يدخل في قوله:"دعانا" دعاء المسألة؛ فإنه لا يزال مُلِحَّاً بلسانه، سائلاً دفع ضرورته.
ويدخل فيه دعاء العبادة؛ فإن قلبه في هذه الحال يكون راجياً طامعاً منقطعاً عن غير الله، عالماً أنه لا يكشف ما به من السوء إلا الله، وهذا دعاء عبادة.
4-قال تعالى:"ادعوا ربكم تضرعاً وخفية" [الأعراف: 55] .
فقوله تعالى "ادعو" يدخل فيه الأمران؛ فكما أن من كمال دعاء الطلب كثرة التضرع، والإلحاح، وإظهار الفقر والمسكنة، وإخفاء ذلك، وإخلاصه فكذلك دعاء العبادة؛ فإن العبادة لا تتم، ولا تكمل إلا بالمداومة عليها، ومقارنة الخشوع، والخضوع، وإخفائها، وإخلاصها لله تعالى.
5-قال تعالى: "فلا تدعو مع الله إلهاً آخر" [الشعراء: 213] .
فقوله: "ومن يدعو مع الله إلهاً آخر لا برهان له به" [المؤمنون:117] . وقوله:"فلا تدعو مع الله أحداً ". [الجن: 18] .
يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة؛ فكما أن من طلب غير الله حاجة لا يقدر عليها إلا الله فهو مشرك كافر، فكذلك من عبد مع الله غيره فهو مشرك كافر.
6-قال تعالى:"ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" [الأعراف:180] . يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة؛ أما دعاء المسألة فإنه يسأل الله- تعالى- في كل مطلوب باسم يناسب ذلك المطلوب ويقتضيه، فمن سأل رحمة الله ومغفرته دعاه باسم الغفور الرحيم، ومن سأل الرزق سأله باسم الرزاق، وهكذا....
أما دعاء العبادة فهو التعبد لله تعالى بأسمائه الحسنى، فيفهم أولاً معنى الاسم الكريم، ثم يديم استحضاره بقلبه حتى يمتلىء قلبه منه؛ فالأسماء الدالة على العظمة والكبرياء تملأ القلب تعظيماً وإجلالاً لله تعالى.
والأسماء الدالة على الرحمة، والفضل والإحسان تملأ القلب طمعاً في فضل الله ورجاء رَوْحِه ورحمته.(14/237)
والأسماء الدالة على الود، والحب، والكمال تملأ القلب محبة، ووداً وتألهاً، وإنابة إلى الله -تعالى-.
والأسماء الدالة على سعة علمه، ولطيف خُبره توجب مراقبة الله، والحياء منه، وهكذا....
وهذه الأحوال التي تتصف بها القلوب هي أكمل الأحوال، وأجل الأوصاف، ولا يزال العبد يجاهد نفسه عليها حتى تنجذب نفسه وروحه بدواعيه منقادة راغبة، وبهذه الأعمال القلبية تكمل الأعمال البدنية.
وإذا ذكر الله -عز وجل- وأثني عليه بما هو أهله، فإن ذلك يتضمن إظهار الذل، والمحبة، والسؤال بلسان الحال؛ فكأنه يقول: يا رب اذكرك إجلالاً لك، ومحبة، ورجاءً.
وهكذا يتبين معنى دعاء المسألة، ودعاء العبادة، ومدى التلازم بينهما.(14/238)
وصف الله بـ"ساتر - ستار - ستير"
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 25/5/1425هـ
السؤال
سمعت أنه لا يجوز لنا أن نقول يا ساتر بل يا ستار أو يا ستِّير، ما هو الصحيح؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فقد ورد في سنن أبي داود برقم (4012 ج40/302) عن عطاء عن يعلي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يغتسل بالبراز بلا إزار، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن الله حيي ستيّر يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر" أخرجه النسائي أيضاً، والبيهقي، والإمام أحمد، وغيرهم، وصححه الألباني - رحمه الله-، وقد أورده ابن القيم في نونيته، فقال:
وهو الحيي فليس يفضح غيره*** عند التجاهر منه بالعصيان
لكنه يُلقي عليه ستره *** فهو الستير وصاحب الغفران.
وبما أن الستير قد ورد في حق الله فيدعى بهذا الاسم، وأما غيره من مثل يا ساتر ويا ستار فعلى الرغم من وروده على ألسنة الناس، إلا أني رأيت بعض المتخصصين من المتأخرين لا يرى الدعاء بهما، بل يُقتصر على ما ورد. والله أعلم.(14/239)
تحديد وقت الدعاء
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 10/04/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما حكم تحديد وقت معين للدعاء، مثلًا: بعد الفجر والظهر، الساعة الثانية والنصف، أو أقل أو أكثر، ليس تخصيصًا لهذا الوقت، وأنه لا بد أن يأتي في هذا الوقت- أقصد الدعاء العام - (إلا إذا ثبت دليل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن هذا الوقت فاضل فخصص) ؛ ولكن من باب تنظيم الوقت؛ لأنه في الأوقات الأخرى قد ينشغل الإنسان بشيء آخر. أفتوني مأجورين.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
القاعدة في العبادات المطلقة أنه لا يجوز أن تخصص بزمان أو مكان معين ما دام الشرع لم يرد بذلك، وهذه القاعدة تنطبق على الدعاء، فالدعاء ورد مطلقًا في جميع الأوقات، وقد ورد الشرع بالحث على الدعاء في أوقات معينة، وأنه يرجى فيها إجابة الدعاء، كالثلث الأخير من الليل، والوقت بعد الأذان؛ لحديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذَانِ والإِقَامَةِ" أخرجه أبو داود (521) .
أما ما لم يرد الشرع به فلا يجوز تخصيص ساعة معينة بالدعاء، وإذا كان المقصود من ذلك هو تنظيم الوقت، فالتنظيم يحصل بغير هذه الطريقة سدًّا للذريعة، أو أن الشخص يدعو في هذا الوقت إذا لم يتيسر له غيره، على ألا يلتزم هذا الوقت بصفة دائمة؛ لأنه يخشى عليه أنه إذا حصلت له استجابة في هذا الوقت ظنَّ أن هذا راجع إلى ذات الوقت، فيتحرى الدعاء في هذا الوقت فيما يستقبل، وللشريعة أسرار في سد الذرائع. والله أعلم.(14/240)
ما يقال لمن رزق بمولود
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/مسائل متفرقة
التاريخ 01/07/1426هـ
السؤال
هل هناك ذكر معين يقال لمن رزق مولود ويهنأ به، وثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أو عن السلف الصالح؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
أخبر الله سبحانه وتعالى عن امرأة عمران أنها حين ولدت مريم عليها السلام قالت:
"وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" [آل عمران: 36] ، قال القرطبي: "حَفِظَ اللَّه مَرْيَم وَابْنهَا مِنْ الشيطان بِبَرَكَةِ دَعْوَة أُمّهَا، حَيْثُ قَالَتْ: "إِنِّي أُعِيذُهَا بِك وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم". وَلَمْ يَكُنْ لِمَرْيَم ذُرِّيَّة غَيْر عِيسَى.
ووردت التهنئة بالمولود عن بعض السلف، فقد ورد عن الحسن البصري -رحمه الله- أنه علَّم إنساناً التهنئة، فقال: قل: "بارك الله لك في الموهوب لك، وشكرت الواهب، وبلغ أشده، ورزقت بره ". أخرجه ابن المنذر في الأوسط كما في تحفة المولود ص (19) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/276) .
وكان أيوب -رحمه الله- إذا هنأ رجلاً بمولود قال: " جعله الله مباركاً عليك، وعلى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-". ينظر: وصول الأماني بأصول التهاني، للسيوطي ص (55) .(14/241)
أعمل بعض المنكرات فهل أقوم بعملٍ دعويّ
المجيب محمد بن صالح الدحيم
القاضي في محكمة الليث
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/مسائل متفرقة
التاريخ 6/5/1422
السؤال
أنا أحاول إعداد بحث حول الحجاب، والأدلة على فرضيته، وأمور تتعلق بالنساء. والهدف من عملي دعويّ. لي سؤالان:
أولاً: ما الكتب التي تتكلم عن هذا الموضوع؟
ثانياً: أنا أعمل بعض المنكرات فهل يجوز لي أن أمارس هذا العمل الدعوي، وخاصة القضايا المتعلقة بدعوة النساء؟
وهل يقع عليّ الوعيد ((أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون أنفسكم)) ؟ أم هذا الوعيد له تأويل آخر؟ أرجو الاهتمام.
الجواب
من الكتب المفيدة في موضوع الحجاب:
1- الحجاب وأدلته. لمحمد إسماعيل.
2- المرأة في عصر الرسالة. لأبي سنة.
3- الحجاب بين الأفراط والتفريط. لمحمد المتولي.
4- رسالة الحجاب. للشيخ محمد بن عثيمين.
علماً أن هذا الموضوع قد كثر طرقه. فلو تحوّل جهدكم إلى أمر آخر عسى أن يكون أعمّ نفعاً.
جواب السؤال الثاني:
الواجب هو ترك المنكرات. ومما يعين على ذلك فعل الطاعات، بل إن الوقوع في المنكرات كان بسبب ترك الطاعات، فهما ذنبان:
أ - ترك الطاعات ب- فعل المنكرات
والتوبة من الأول مقدمة على التوبة من الثاني، قال تعالى: ((إن الحسنات يذهبن السيئات)) . وعلى هذا ففاعل المنكر يجب عليه فعل الطاعة والدعوة إليها، حتى ولو قصّر فيها.
وفاعل المنكر يجب أن ينكره وإن كان واقعاً فيه. وقد ذم الله بني إسرائيل، ولعنهم لأنهم ((كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه)) .
وعليك أن تأخذ بالأسباب التي تعينك على التوبة من الأمرين ومن أهمها:
1- ذكر الله تعالى كثيراً، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
2- تنظيم الوقت واغتنامه.
3- مصاحبة الصالحين والجلوس إليهم. والقراءة في سير الصالحين.
4- تذكر الدار الآخرة، ومحاسبة النفس.
5- زيادة الهمّ الدعوي.(14/242)
هذه الأفلام هل نشاهدها
المجيب د. عبد العزيز بن أحمد البجادي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/مسائل متفرقة
التاريخ 7/4/1422
السؤال
ما حكم مشاهدة الأفلام الإباحية في الفضائيات؟
الجواب
وأما مشاهدة الأفلام الإباحية في الفضائيات وفي غيرها فهي أمر محرم، لأن العين تزني وزناها النظر، والنفس تزني وزناها التمني، لحديث أبي هريرة في الصحيحين مرفوعاً: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى ذلك وتشتهي، والفرج يصدق ذلك ويكذبه) والإنسان مسؤول عن عمله في كل جارحة من جوارحه، كما قال تعالى:"إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا" وهذا وشبهه عند العلماء من اللمم الذي يُدْفَع بالحسنات، فمن فعل شيئاً من هذا فعليه التوبة والاستغفار، وعمل الصالحات، قال الله تعالى: "إن الحسنات يذهبن السيئات". وجاء عند الترمذي وأحمد من حديث أبي ذر مرفوعاً: (وأتبع السئية الحسنة تمحوها) ، هذا إذا ألم به المرة والمرتين، وأما إذا أصر عليه فإنه حينئذ وقع في منكر عظيم، ويخشى على صاحبه من سوء العاقبة، والله أعلم. .(14/243)
الاقتصار على الفرائض
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/مسائل متفرقة
التاريخ 18/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل الإنسان المسلم الذي يقوم بجميع الواجبات ويترك جميع المحرمات ويقتصر على ذلك دون أداء أي شيء من النوافل يدخل الفردوس، أم أنه لا يدخل الفردوس إلا بالتزود بالنوافل؟ إن كان هناك حديث عن هذا الموضوع أرجو تزويدي به مع سنده وإخراجه، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
المسلم الذي يقتصر على فعل الواجبات فقط، ويترك جميع المحرمات ولا يؤدي شيئاً من النوافل، هو بهذا على خير كثير -وإن كنت لا أتصور وجوده بهذه الدقة- وهو معنى المقتصد الوارد في قوله -تعالى- في سورة فاطر:" ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير" [فاطر: 32] نص على ذلك غير واحد من السلف -رحمهم الله-، ويمكنك أخي الكريم أن تراجع تفسير ابن كثير عند هذه الآية في سورة فاطر (32) فقد ذكر جملة من الأحاديث التي تدل على هذا المعنى.
وأما سؤالك: هل مثل هذا يدخل الفردوس أم لا؟ فلا يمكن القطع في مثل هذا بجواب معين، فإن علم هذا عند ربي، وليست المسألة -أيها الأخ المبارك- مرتبطة بصور الأعمال وكثرتها، بل من وراء ذلك أمور أخرى، فالإخلاص والقبول من أعظم المؤثرات على قبول العمل والثواب عليه، ولهذا قال تعالى:"ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" [الملك: 2] ولم يقل: أكثركم عملاً، ولذلك قال بعض السلف: كم من عمل صغير عظمته النية، وكم من عمل كبير حقرته النية، وتأمل -أخي- في المرأة البغي التي سقت الكلب ثم دخلت الجنة، وقارن ذلك بالمقاتل الذي قاتل في ميدان المعركة رياءً وسمعة كيف كان مصيره؟
فإن تهيأ مع كثرة العمل حسنه فهذا نور على نور، وعلى العبد أن يكون ذا همة عالية مسابق إلى الخيرات -كما قال تعالى- لعل وعسى.(14/244)
ممحق البركة من المال
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/مسائل متفرقة
التاريخ 26/11/1422
السؤال
ما هي ممحقات بركة المال (الراتب) ؟
الجواب
الحمد لله، وبعد:
(1) فإن ما يمحق بركة المال ومنه المرتب الشهري وخلافه أمور عدة منها:
01 عدم إخراج الزكاة المفروضة من المتوافر من المرتب بعد تمام النصاب ومُضي الحول، وهذه - وللأسف الشديد - آفة خطيرة تورط فيها الكثيرون، حيث لا يُبالي فئام من الناس بقضية المرتبات الشهرية، ويظنونها بمنأى من الزكاة الواجبة بعد تحقق الشروط المعروفة.
02 عدم مراعاة الحقوق الواجبة في هذه الأموال - خلاف الزكاة - كالنفقة على الوالدين - عند احتياجهما -، والنفقة على الزوجة، والأولاد، ونحوهم.
03 عدم إعطاء الأُجراء من عمال ونحوهم حقوقهم وأجورهم، أو تأخيرها والمماطلة في تسليمها.
04 تبذير المال وإنفاقه في غير وجهه المشروع، ويشتد الأمر سوءاً حين يُسخّر المال في الحرام والمنكرات والمعاصي كشراء آلات الطرب والدشوش، أو تبديده في السفر إلى بلاد الكفر أو أماكن العبث والفجور إبّان الإجازات والعطل ونحوها.
05 ومن أعظم ما يمحق المال تعاطي المعاملات المحرمة كالربا والرشوة والغش، أو خلط المال الحلال بأموال محرمة مصدرها الاختلاس، أو السرقة، أو الغصب، أو نحوها.
06 تعاطي الأيمان الفاجرة عند البيع والشراء، أو كتمان عيوب السلعة ونحو ذلك مما درج عليه كثير من المتعاملين في الأسواق، فضلاً عن النجش المحرم في أماكن المزايدات العلنية.
هذه جملة مختصرة مما يذهب ببركة المال وغيرها كثير ترجع في أصلها إلى الظلم والطمع والحرص والبخل نسأل الله العافية والسلامة، والله أعلم.(14/245)
كيف أتخلص من وساوس الشيطان؟
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/مسائل متفرقة
التاريخ 2/1/1423
السؤال
كيف أتخلص من وسوسة الشيطان؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الشيطان يتسلط على المرء بالوسوسة حتى يفسد عليه حياته، ولا سيما عباداته وطاعاته، غير أن الله -تعالى- من رحمته بعباده قد أرشدهم إلى ما يعصمهم من كيده ويمنعه من التسلط عليهم بأمور منها:
أولاً/ التعوذ بالله منه، فإنه -تعالى- خالقه وهو القادر على منعه ورد كيده يقول -تعالى-:" وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله" [الأعراف:200] فيشرع للمرء أن يستعيذ بالله من الشيطان في جميع أحواله، ويتأكد ذلك في بعض الأحوال منها:
1-عند نزول المكان: فيشرع التعوذ من الشيطان ومن كل ما يضر، فعن خولة بنت حكيم-رضي الله عنهما- أنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك" أخرجه مسلم (2708) وغيره، وفي رواية عند مسلم (2709) والترمذي (3966) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-:" من قال ذلك حين يمسي".
2-عند وسوسة الشيطان في الصلاة: ففي الصحيحين -البخاري (608) ومسلم (389) - وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا اذكر كذا، لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى".
3-عند وجود الوساوس الشيطانية التي تثير الشك في النفس: فقد أخرج أبو داود في سننه (5112) وغيره عن ابن عباس-رضي الله عنهما- بسند صحيح قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه يعرض بالشيء لأن يكون حُممة-أي فحماً- أحب إليه من أن يتكلم به. فقال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة".
4-من رأى في المنام شيئاً يكرهه: فقد أخرج البخاري (3292) ومسلم (2261) وغيرهما من حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:" الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات، وليتعوذ بالله من شرها، فإنها لن تضره"
5- عند سماع نهيق الحمار: ففي الصحيحين -البخاري (3303) ومسلم (2729) - وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:" إذا سمعتم صياح الديكة، فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنه رأى شيطاناً".(14/246)
ثانياً/ التحصن بالأوراد الشرعية: ذلك أن ذكر الله -تعالى- حصن حصين من الشيطان لا يستطيع معه أن يخلص لابن آدم ولا أن يضره، يدل على ذلك ما أخرج الترمذي (2863) وغيره من حديث الحرث الأشعري -في خبر طويل وفيه- " كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. والأوراد الشرعية منها المطلق الذي لا يقيد بوقت بل يقال في كل حين، ومنها المقيد بوقت كدعاء دخول المنزل والخروج منه، وكدخول الحمام والخروج منه، وكبدء الأكل والفراغ منه، وكأذكار الصباح والمساء، وكأذكار النوم والاستيقاظ، وكأذكار الصلوات وغيرها.
ثالثاً/ ملازمة طاعة الله -تعالى- والبعد عن معصيته، إذ أعظم ما يتسلط الشيطان على ابن آدم معصية الله، يقول الله -تعالى-:" إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون" ويقول -تعالى-:" إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين" [الحجر:42] .
والله أسأل أن يعصمك من الشيطان وأن يحفظك من كيده، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(14/247)
السور المستحب قراءتها كل ليلة
المجيب د. مساعد بن سليمان الطيار
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/مسائل متفرقة
التاريخ 6/3/1423
السؤال
ما السور المستحب قراءتها كل ليلة، وما فضل كل منها وهل من الشرط أن نقرأها ليلاً أم يجوز قراءتها في النهار؟
الجواب
وردت السور التي تقرأ في الليل على نوعين:
النوع الأول: ما وردت قراءته مطلقة دون تقييدها بوقت معين، ووردت سور بتقييدها بوقت معين أو بعمل مخصوص لا تقرأ إلا فيه، وإليك هذه السور.
أولاً: ورد في النوع الأول سورتا السجدة وتبارك والإخلاص.
1-فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان لا ينام حتى يقرأ سورة السجدة وتبارك، وقد رواه جمع من العلماء منهم أحمد في مسنده، البخاري في الأدب المفرد والنسائي في اليوم والليلة، وغيرهم، وهو حديث صحيح كما أشار إليه صاحب موسوعة فضائل سور وآيات القرآن الشيخ/ محمد بن رزق الطرهوني.
2-عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة، فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال الله الواحد الصمد ثلث القرآن، رواه البخاري (5015) واللفظ له ومسلم (811) وفي هذا إشارة إلى قراءة هذه السورة ثلاث مرات في الليلة.
ثانياً: ورد في النوع الثاني سورة الأعلى والكافرون والإخلاص والفلق والناس، وإليك أحاديثها:
1-أخرج البخاري (5748) في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما "قل هو الله أحد" و"قل أعوذ برب الفلق" و"قل أعوذ برب الناس"، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات.
-وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبيّ بن كعب (21141) ، وعبد الله بن عباس (2720) وعبد الرحمن بن أبزى (15362) ، وعائشة أم المؤمنين (25906) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الوتر بـ"سبح اسم ربك الأعلى"، و"قل يا أيها الكافرون"، و"قل هو الله أحد"، وزادت عائشة في إحدى الروايات عنها سورة المعوذتين.
وقراءة هذه السور مخصوصة بصلاة الشفع والوتر التي لا تكون إلا بالليل.
أما قراءتها بالنهار فإنه يفوِّت الأجر المترتب عليها؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد حددها بالليل، ولو كانت قراءتها بالنهار كقراءتها بالليل لأشار إلى ذلك، والله أعلم.(14/248)
تمييز المصائب التي تكون عقوبة من التي تكون بلاء
المجيب د. محمد بن حسين الجيزاني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/مسائل متفرقة
التاريخ 07/09/1425هـ
السؤال
الإخوة: رعاكم الله.
ما هو الضابط بين ما يكون كفارة للذنب، وما يكون عقوبة من الله - عز وجل-؟ فأنا رجل كلما أقوم بذنب أو معصية تأتيني مصيبة أو ما شابه على قدر الذنب، ولا أدري أتكون كفارة أم عقوبة؟ والله يهدينا وإياكم إلى سواء السبيل.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:
فليس هناك ضابط دقيق بين ما يكون من البلاء كفارة وما يكون عقوبة، وإنما هناك علامات، منها: أن ينظر في حال العبد المبتلى؛ فإن كان من الصالحين كان هذا البلاء في حقه كفارة، وإن كان من الفاجرين كان البلاء في حقه عقوبة، والله أعلم، والمطلوب من العبد المؤمن أن يسيء الظن بنفسه وبعمله، وأن يحسن الظن بربه، وأن يخاف ذنوبه وإساءته، وفي الوقت نفسه يطمع في رحمة ربه؛ فهو بين الخوف والرجاء.
أسأل الله أن يصلح قلوبنا وأن يستر عيوبنا، والله الموفق.(14/249)
معنى الحمد والتسبيح
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/مسائل متفرقة
التاريخ 16/12/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أكتب إليكم عن موضوع أرى نقصاً في فهمه لدى كثير من المسلمين، وهو معنى التسبيح والحمد، فالأغلبية تفهم التسبيح بمعنى التعظيم والإجلال، بينما المعنى الحقيقي هو التنزيه والتقديس عن أي نقص وأي عيب، كذلك بالنسبة للحمد، فالمعنى المعروف هو شكر النعمة، بينما المعنى الحقيقي هو الثناء على الله، فأرجو منكم -ومن موقعكم كداعية- أن تعملوا على التنبيه على هذا النقص وتصحيح فهم الناس لهذه الكلمات التي تقال عشرات المرات في اليوم.
الجواب
الحمد لله، التسبيح هو: أن يقول المسلم: سبحان الله، وألفاظ التسبيح متعددة متنوعة، ومعناه كما ذكر السائل هو: التنزيه عن النقائص والعيوب، فإذا قال العبد: سبحان الله، أي: تنزيهاً لله، عن كل نقص وعيب، عن الشريك والولد والصاحبة وغير ذلك، مما نسبه إليه الجاهلون والمفترون كما قال تعالى: "سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً" [الإسراء: 43] ولكن لا ريب أن التسبيح نوع من التعظيم؛ لأنه مدح في نفي النقائص والعيوب، ولهذا جاء في ألفاظ التسبيح سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
وأما الحمد فهو قول العبد: الحمد لله، وقد حمد الله نفسه وعلم عباده ليحمدوه، وأمرهم بحمده: "وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً" [الإسراء: 111] ، وهو كما قال السائل إن معناه: الثناء على الله لصفات كماله، أي: أنه -تعالى- له الحمد كله؛ لأنه الموصوف بجميع المحامد، فله الحمد على ما له من الأسماء والصفات، وخلق المخلوقات، والشكر نوع من الحمد، وقد قال بعض أهل العلم أن الحمد والشكر معناهما واحد والصواب: أن الشكر يختص بما كان في مقابل نعمة، والحمد أعم من ذلك يكون في مقابل النعمة وغيرها، فله الحمد سبحانه وتعالى على كل حال على السراء والضراء والعطاء والمنع، وله الحمد على كل أقداره وعلى كل شرائعه فله الحمد على خلقه وأمره: "ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين" [الأعراف:54] وعلى هذا فلا يخطأ ولا يعنف على من قال: إن التسبيح تعظيم؛ لأنه نوع منه، أو قال: الحمد شكر؛ لأن الشكر نوع من الحمد. والله أعلم.(14/250)
هل من يسمع الموعظة بواسطة شريط كمن يحضرها؟
المجيب سليمان بن عبد الله القصير
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/مسائل متفرقة
التاريخ 6/2/1425هـ
السؤال
هل من استمع لدرس علمي في شريط أو غيره يدخل في أجر من حضر الدرس؟ أفتونا، مأجورين بإذن الله.
الجواب
بسم لله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإنه بلا شك أن من استمع إلى درس علمي في شريط أو غيره يدخل في أجر من استمع إلى الدرس مباشرة من فم المُلقِي؛ لأن المطلوب هو الاستماع إلى الدرس، أو الموعظة والاستفادة منها، وليس مشاهدة ملْقِيها، كما أنه لو استمع لهذا الدرس عبر مكبر الصوت، وهو في مكان بعيد عن الملقي، أو استمع عن طريق الهاتف، أو نحوه لا فرق في ذلك، لكن يبقى هناك فرق من جهة أخرى تتعلق بحضور الدرس أو الموعظة إذا كان يُلقى في مسجد، أو كان الدرس مع جماعة اجتمعوا لأجل الذكر وطلب العلم، فإذا كان الدرس في مسجد فإن هناك ثواباً يناله الحاضر يتعلق بالمسجد، وهذا ما دلت عليه بعض الأحاديث الصحيحة؛ ومنها حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده" رواه مسلم (2699) وغيره.
فقوله -صلى الله عليه وسلم-: "بيت من بيوت الله" يعني: المساجد، كقوله تعالى: "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ... ". [النور 36-37] .
وحديث أبي واقد الليثي -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة، فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه". أخرجه البخاري (66) ومسلم (2176) .(14/251)
وأما الاجتماع فجاء فيه حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا هلمُّوا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم، ما يقول عبادي؟ قالوا: يقولون: يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيداً وتحميداً، وأكثر لك تسبيحاً، قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلباً، وأعظم فيها رغبة، قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً، وأشد لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم". أخرجه البخاري (6408) ومسلم (2689) .
والدروس العلمية والمواعظ تدخل في هذا الحديث، فإنها تعتبر من ذكر الله -تعالى- وتعظيمه، وبيان شرعه، وحكمة تشريعه.
والله -تعالى- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(14/252)
يدعو على نفسه إذا لاقى ما لا يرضى
المجيب أ. د. أحمد طه ريان
الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/مسائل متفرقة
التاريخ 04/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد أن أعلم ما حكم الشخص الذي عندما يقابل مشكلة أو محنة يدعوا على نفسه؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين وآله وصحبه أجمعين. وبعد:
فالحياة ـ أخي الكريم ـ دار ابتلاء واختبار، وهما ـ أي الابتلاء والاختبار ـ من سنن الله في خلقه، قال تعالى:"ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم" [محمد:31] .، وقال سبحانه:"ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ـ أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون" [البقرة:155-157] ، ولذا فعلى المسلم أن يقابل ما يواجهه في حياته من مشكلات وهموم بالصبر والرضا والتسليم بقضاء الله وقدره، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ" رواه مسلم (2999) .
وعلى المؤمن في حالة الشدة والضيق أن يضرع إلى الله تعالى، وأن يلجأ إليه بالدعاء أن يكشف عنه ما هو فيه من هم، وما يعانيه من مشكلات، فالدعاء هو العبادة، لكن بعض الناس يقع في دعائه بعض الأخطاء التي من أخطرها أن يدعو على نفسه، هذه الأخطاء هي:
أخطاء في الدعاء وما يكره فيه
1- الدعاء على الأهل والمال والنفس، فعن جابر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ "رواه مسلم (3006) في الزهد، وأبو داود (1532) .
قال في عون المعبود: "لا تدعوا" أي دعاء سوء (على أنفسكم) أي بالهلاك، ومثله (ولا تدعوا على أولادكم) أي بالعمى ونحوه، (ولا تدعوا على أموالكم) أي من العبيد والإماء بالموت وغيره، (لا توافقوا) نهي للداعي، وعلة النهي أي لا تدعوا على من ذكر لئلا توافقوا (من الله ساعة نيل) أي عطاء (فيها عطاء فيستجيب لكم) أي لئلا تصادفوا ساعة إجابة ونيل فتستجاب دعوتكم السوء" - عون المعبود (2/274-275) .
2- رفع الصوت بالدعاء، قال ابن مفلح: "يكره رفع الصوت بالدعاء مطلقا، قال المروزي سمعت أبا عبد الله يقول: ينبغي أن يسرَّ دعاءه لقوله تعالى: "وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَ?بْتَغِ بَيْنَ ذ?لِكَ سَبِيلاً" [الإسراء:110] ، قال: هذا الدعاء - الآداب الشرعية (2/272) .
3- الدعاء الجماعي، قال مُهنَّا: سألت أبا عبد الله عن الرجل يجلس إلى القوم، فيدعو هذا ويدعو هذا، ويقولون له: ادع أنت، فقال: لا أدري ما هذا؟ - انظر: الآداب الشرعية (2/102) .(14/253)
4- تكلف السجع فيه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: " فَانْظُرْ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ يَعْنِي لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ" أخرجه البخاري (6337) .
قال الغزالي: (واعلم أنَّ المراد بالسجع هو المتكلف من الكلام، فإن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة، وإلا ففي الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات متوازنة لكنها غير متكلفة ... فليقتصر على المأثور من الدعوات، أو ليلتمس بلسان التضرع والخشوع من غير سجع وتكلف) إحياء علوم الدين (1/555) .
5- اشتماله على توسلات شركية أو بدعية، كالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بذاته الشريفة، أو بغيره من الأنبياء والملائكة والصالحين.
6- الاعتداء فيه، كالدعاء بتعجيل العقوبة، أو الدعاء بالممتنع عادة أو عقلاً أو شرعًا، أو الدعاء في أمر قد فرغ منه، أو الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم.
7- الاستثناء فيه، أي تعليق الدعاء بمشيئة الله تعالى، مثل أن يقول: اللهم اغفر لي إن شئت، لما في ذلك من شائبة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه، ولما في ذلك أيضا من الإشعار بأنَّ لله مكرها له، تعالى الله عن ذلك.(14/254)
هل هذا من المجاهرة بالمعصية؟!
المجيب أمين بن يحيى الوزان
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/مسائل متفرقة
التاريخ 09/09/1426هـ
السؤال
وقعت في ذنب لا يعلمه أحد من الناس غير مَنْ فعلت معه ذلك الذنب، وقد تبت إلى الله؛ ولكنني أشعر أحياناً بالضعف والرغبة في العودة إلى تلك المعصية، فحدثت إحدى صديقاتي عمّا وقعت فيه من معصية؛ لتعينني على التخلص منها، وتعينني على الطاعات، فهل بتحدثي إليها عن ذلك الذنب قد هتكت ما ستر الله علي؟ أفيدونى أفادكم الله.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيظهر من سؤالك أنك تعلمين عظم المجاهرة بالمعصية، وهو ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين".أخرجه البخاري (6069) ، ومسلم (2990) ، حيث إنَّ الله ستر عليك ذنبك، ثم ذهبت وأخبرت به صديقتك، ولكن الإنسان قد يضعف في بعض الأحيان عن مقاومة نفسه ودواعي الشر التي قد تعيده إلى الذنب، فيحتاج إلى من يأخذ بيده ويقف بجانبه، حتى يحميه الله من الوقوع في الذنب مرة أخرى، ولا شك أن المرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه، وأن الذئب يأكل من الغنم القاصية.
وبما أنك قد شرحت لزميلتك فلا حرج عليك الآن، ولو استطعت التورية في الحديث في مرّات قادمة فإن ذلك أحسن، كأن تقولي: هناك امرأة مسكينة وقعت في ذنب كبير، أو تقولي: أعرف امرأة فعلت كذا وكذا ... وينبغي عليك في الاستشارة أن تستعيني بمن تثقين في دينها وعقلها؛ حتى تكون عوناً لك على الطاعة والإقلاع عن المعاصي، والله أعلم بالنيات، ولكل امرئ ما نوى.. أسأل الله لك الخير والسداد، والحمد لله ربِّ العالمين.(14/255)
الإجهاض خوفاً من الفضيحة
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 02/05/1425هـ
السؤال
لي أخ يدرس في إحدى الدول الغربية، المهم أن أخي تلقى اتصالا من زوجته تخبره بأن ابنة خالها حملت سفاحاً، بعد أن تعرضت لعملية اغتصاب من قبل مديرها في العمل، وحملت من جراء هذا الفعل الشنيع (هذا ما قالته البنت الحامل والله أعلم) ، لذلك -وخوفاً من الفضيحة وطلب الستر- طلبت منه زوجته أن ترافق أباها بعد إلحاح منه، والبنت الحامل للسفر لإحدى الدول لإجراء عملية إجهاض، قبل أن تصبح فضيحة، ويصل الخبر إلى أهل البنت الحامل، وربما يؤدي ذلك إلى قتلها.
سؤالي: هل هذه تعتبر جريمة إزهاق روح؟ وهل يعتبر هو مؤاخذ عندما سمح لزوجته بالرضوخ لطلب والديها؟ وهل زوجته تعتبر مؤاخذة في هذا الفعل؟ والقصد كل القصد الستر.
أفيدونا -جزاكم الله خير الجزاء-، ووفقكم لما فيه خير وصالح هذه الأمة.
ملاحظة ... لا أحد يعلم بالموضوع سوى أخي وزوجته وأبي الزوجة والبنت المعنية بالأمر.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فقد صدر من هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية قراراً يبين حكم الإجهاض أورده بنصه لأهميته، "الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فإن مجلس هيئة كبار العلماء يقرر ما يلي:
(1) لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي، وفي حدود ضيقة جداً.
(2) إذا كان الحمل في الطور الأول وفي مدة الأربعين، وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر متوقع جاز إسقاطه، أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقة في تربية الأولاد أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم وتعليمهم، أو من أجل مستقبلهم أو اكتفاءً بما لدى الزوجين من الأولاد فغير جائز.
(3) لا يجوز إسقاط الحمل إذا كان علقة أو مضغة حتى تقرر لجنة طبية موثوقة أن استمراره خطر على سلامة أمه، بأن يخشى عليها الهلاك من استمراره فجاز إسقاطه بعد استنفاذ كافة الوسائل لتلافي تلك الأخطار.
(4) بعد الطور الثالث وبعد إكمال أربعة أشهر للحمل لا يحل إسقاطه حتى يقرر جمع من الأطباء المتخصصين الموثوقين أن بقاء الجنين في بطن أمه يسبب موتها، وذلك بعد استنفاذ كافة الوسائل لإنقاذ حياته، وإنما رخص الإقدام على إسقاطه بهذه الشروط دفعاً لأعظم الضررين، وجلباً لأعظم المصلحتين.
ويوصي المجلس بتقوى الله والتثبت في هذا الأمر، والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. ا. هـ.
أما ما يتعلق بما ذكرته السائلة من خوف الفضيحة فليس مبرراً لإسقاط الحمل إن كان عمره زاد عن أربعين يوماً. وليس الحمل من سفاح عذراً لإباحة الإجهاض في تلك الحالة، وقد ذكر العلماء أن الزانية - ويدخل فيه المغتصبة - التي تسقط جنينها تجمع بين السوءتين: الزنا والقتل، وأن إسقاط الجنين هو من الوأد، قال -تعالى-: "وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت" [التكوير: 8-9] .(14/256)
وقد روى عمران بن حصين - رضي الله عنه-: "أن امرأة من جهينة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم- وهي حبلى من الزنا فقالت: يا نبي الله أصبت حداً فأقمه عليَّ، فدعا نبي الله - صلى الله عليه وسلم- وليها فقال: "أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها" ففعل فأمر بها نبي الله - صلى الله عليه وسلم- فشدت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها، فقال له عمر - رضي الله عنه-: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟ فقال: "لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله -تعالى-"، رواه مسلم (1696) ، ومن هذا الحديث نستفيد أن للجنين حقاً في الحياة، ولو كان ابن زنا، فلو كان لا حرمة له لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- برجمها قبل أن تضع حملها.
ولو أسقطت المرأة جنينها فقد اتفق الفقهاء على أن الواجب في الجناية على جنين الحرة هو غرة؛ لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى بحجر فطرحت جنينها، فقضى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم- بغرة عبد أو وليدة، رواه البخاري (5427) ، ومسلم (1681) ، والغرة عشر دية أمه، أي خمس من الإبل، ونصَّ الشافعية والحنابلة على وجوب الكفارة مع الغرة؛ لأنها إنما تجب حقاً لله -تعالى- لا لحق الآدمي؛ ولأنه نفس مضمونة بالدية، فوجبت فيه الكفارة، انظر: مختصر الخرقي (119) ، فتاوى ابن تيمية (34/159) و (160) أما لو سقط حياً فمات ففيه الدية كاملة والكفارة. ولما تقدم فإنه لا يجوز المشاركة في إسقاط الجنين، وأشير هنا إلى أن هذا الذي وقع للمرأة المذكورة ما هو إلا ثمرة من ثمار الاختلاط المحرم. والله -تعالى- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(14/257)
ممارسة الطبيب للإجهاض لأجل التدرب
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 9/8/1424هـ
السؤال
نحن ندرس الطب في بلد تقر قوانينه الإجهاض، والآن نحن مقبلون على فترة التطبيق في المستشفى، وعندما نطبق في قسم النساء والولادة، نمر على قسم تحديد النسل والعقم، وفيه تجري عمليات الإجهاض، بعضها تكون لها ما يبررها علمياً، كأن تكون هناك تشوهات في الجنين، أو موت الجنين في الرحم، أو ما شابه ذلك من الحالات، وفي حالات أخرى تأتي حسب طلب المريض، والقوانين في هذا البلد لا تمنع الإجهاض في أي فترة كانت إلا في المراحل المتأخرة جدا، هذا إذا كان الجنين لأبوين شرعيين، أما إذا كان غير ذلك فالأمر مجاز فيه على أي مرحلة عمرية وصل إليها الجنين.
على العموم، الطلبة المسلمون عادة لا يمرون على هذا القسم، ولكن أحد الأطباء السابقين أشار علينا أن تعلم كيفية الإجهاض مفيدة، لأنه قد يصادف الطبيب حالات تستوجب منه عمل الإجهاض، فلذا نريد منكم أن تبينوا لنا رأي الشارع الحكيم في هذه المسألة؟ وما حدود موقفنا منها؟ هل نشارك فيها؟ أم نكتفي بمشاهدتها؟ أم لا ندخلها أصلا؟ الرجاء الإسراع في الإجابة؛ نظراً لأن موعد التطبيق في هذا القسم قد اقترب جدا، مشكورين على تعاونكم.
الجواب(14/258)
جاء في حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- في الصحيحين "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات بكتب: رزقه، وعمله، وأجله، وشقي أو سعيد"، فدل الحديث على أن نفخ الروح يجعل الجنين كائناً حياً له حرمته وحقوقه الإنسانية، ولا يجوز الاعتداء عليه، ولو من أقرب الناس إليه، فلو تسببت الأم مثلاً في قتل جنينها بأي سبب لزمتها ديته وكفارة عتق رقبة، فالإجهاض بعد أربعة أشهر (120يوماً) كما في هذا الحديث هو قتل للنفس بغير حق، ويدخل في الوأد المحرم بقوله تعالى: "وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ" (التكوير:8-9) ، وذكر بعض الفقهاء حرمة إسقاط الجنين بعد (80) يوماً، وقالوا: وإن لم تنفخ فيه الروح فقد تم فيه خلق الإنسان؛ أي تميزت هذه المضغة وتشكلت بشكل أعضاء الإنسان من عصب، ولحم، وعظم، وظهرت فيه صورته الجنسية من الذكورة والأنوثة، ونحوها، وهذا القول يتفق مع ما يراه الأطباء في عصرنا، وقد أفتى بعض الفقهاء اليوم بجواز الإجهاض إذا كان بقاء الجنين في بطن أمه خطراً محتماً على حياتها، أو قرر الأطباء المختصون أن الجنين سيتعرض لتشوهات خطيرة تجعل حياته - إن حيي - شقاء وعذاباً له، ولأهله، وذلك لأن الأم أصل في حياة الجنين، والجنين فرع عنها، فلا يضحى بالأصل من أجل الفرع، ولا تؤثر إجازة قوانين البلد للإجهاض على الحكم الشرعي بتحريمه، ولا أرى تشوه الجنين مبرراً للإجهاض بحال، فإن قتل النفس والمشاركة في ذلك حرام، ومهما كان الأمر فيبقى رأي الطب في تشوه الجنين أمراً احتمالياً ظنياً، فكم من طفل ولد مشوهاً فشفي, وكم من مولود قرر الأطباء أن فيه الحمى المنغولية فعافاه الله، ثم إن التشويه الخلقي وانفصام الشخصية ليس معيباً في كل حال، ولا عند كل الناس، فهو أمر نسبي يتفاوت الناس في تقبله والرضاء به.
وتأسيساً على ما سبق لا يجوز لكم تعلم الإجهاض إذا كان الجنين بلغ أربعة أشهر، ويجوز قبل هذه الفترة الزمنية للجنين إن كان ذلك لازماً من لوازم تخصصكم، وإن لم يكن فعليكم الاكتفاء بالمشاهدة عن طريق الصورة التلفزيونية الحية إن أمكن ذلك، وإن لم يمكن فلا بأس عليكم إن شاء الله، على أن يكون الجنين المراد في عملية الإجهاض لم تنفخ فيه الروح، والله أعلم.(14/259)
سرقة الأعضاء والأجنّة
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 21/10/1422
السؤال
رجل دخل المستشفى لعمل استئصال للزائدة الدودية، وبعد فترة اكتشف أن كليته اليمني غير موجودة فعاد إلى الطبيب فأقر بأنه أخذها لزرعها لآخر، فما حكم هذا الطبيب ومعاونيه، وهل تعتبر سرقة أم حرابة، وهل يختلف الأمر إذا كان الأخذ من ميت بدون إذن أوليائه؟ وما الحكم لو كان المأخوذ منه كتابياً أو حربياً وهل يختلف الأمر في الاعتداء على الأجنة؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه، وبعد، إن ما ذكرته عن الطبيب الذي يسرق الأعضاء أو يسرق الأجنة جرمه عظيم لا يكفي فيه حد السرقة إذا ثبت عليه ذلك بل يعاقب بعقوبة التعزير التي إلى الإمام أو نائبه تحديدها على القول الراجح، وقد قال كثير من أهل العلم منهم الإمام مالك وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم أنه لا حد لعقوبة التعزير بل ترجع إلى اجتهاد الإمام، وله أن يصل بالعقوبة إلى القتل، وهي تختلف باختلاف الذنب في كبره وصغره وكثرته وقلته، وما ذكرته عن هذا الطبيب ذنب عظيم، وجرم كبير يستحق في نظري عقوبة القتل تعزيراً، لكن يكون ذلك إلى الإمام ونائبه لا سيما وأن هذا طبيب قد استأمنه الناس على أنفسهم بما فيها أعضاؤهم، هذا وحرمة الميت كحرمة الحي، والكافر المستأمن والمعاهد المسروق منه عضو كالمسلم في هذا والله أعلم.(14/260)
إقامة الحد من غير الإمام
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 27/3/1423
السؤال
ما حكم قتل المرتد من دون إذن الإمام؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد: الأصل أن إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام وإثبات موجبها هو من اختصاص الإمام وله إنابة غيره في ذلك؛ لأن ترك الناس ينفذون الأحكام بأنفسهم يؤدي إلى حصول الفوضى فيعتدي بعض الناس على بعض، ثم يتذرعون بأن المجني عليه ارتكب حداً.
وحتى لو أثبت الفاعل أن المجني عليه قد ارتكب ما يوجب الحد، فإن لولي الأمر أن يعزره على فعله؛ لأنه افتيات عليه فيما هو من اختصاصه.
ومع ذلك فقد يسوغ أحياناً أن يقيم الحد غير الإمام إذا لم يترتب على ذلك مفسدة عامة ولا خاصة وأثبت المنفذ موجب الحد، فإن رجلاً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت له أم ولد تشتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه، فأخذ المعول فوضعها في بطنها واتكأ عليها وقتلها، فلما أصبح ذكر ذلك للنبي، فقال:" ألا اشهدوا أن دمها هدر". (سنن أبي داود 4361) ، (سنن النسائي 7/107) ، و (الحاكم 4/354) ، وصححه ووافقه الذهبي، وقال ابن حجر:" رواته ثقات".
وجندب - رضي الله عنه - قتل ساحراً عند الوليد بن عقبة دون إذنه (البيهقي 8/136) (ابن أبي شيبة 10/135) .
والمرتد لابد أن يستتاب ويدعى للإسلام قبل أن يقتل، وفق الله الجميع لهداه، وصلى الله على محمد.(14/261)
انتقمت من عميل فما الكفارة؟
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 10/5/1423
السؤال
دفعني حسي القومي، وحبي لوطني أن أقوم بضرب شاب برصاصة برجله انتقاماً منه بعد أن تأكدنا أنه عميل للصهيونية، ولا أعرف ما الأذى الذي لحق به جراء ذلك، هل أخطأت؟ وكيف أكفر عن خطئي إذا اعتبرته خطأ.
الجواب
إقامة الحدود والتعازير وعقوبة أهل الجرائم والسوء ونحو ذلك مما يحتاج لإثبات مما يختص به الولاة والقضاة ونحوهم، وليس ذلك موكولاً لآحاد الناس، إذ إسناده إليهم يحدث الفوضى في المجتمع، فيوشك أن يعتدي رجل على خصم له مدعياً أنه عميل أو جاسوس.
ولذا فإن عملك خطأ، وعليك التوبة منه، واستحلال ذلك الشاب مما فعلت به ولو بدفع الدية لما أصابه، أو تمكينه من القصاص إن كان فعلك مما يجري فيه القصاص، وفق الله الجميع لهداه، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.(14/262)
قتل المسلم خطأ في الجهاد
المجيب د. محمد بن صالح الفوزان
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 14/11/1422
السؤال
إذا كنت في جهاد وقتلت نفساً خطأ، فهل علىَّ كفارة؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
الظاهر أنه لا فرق في وجوب الكفارة في قتل النفس بين كونه في جهاد أو غيره، قال في المغني:" وإذا رمى ثلاثة بالمنجنيق، فرجع الحجر فقتل رجلاً، فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث الدية، وعلى كل واحد منهم عتق رقبة مؤمنة في ماله " المغني (12 / 82) ، ونقل ابن حجر في الفتح كلام بعض العلماء عند شرحه لحديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - حينما قتل الرجل بعدما قال: لا إله إلا الله.. الحديث رواه البخاري (4269) ومسلم (96) . قال ابن حجر (وأما كونه لم يلزمه دية ولا كفارة فتوقف فيه الداودي وقال: لعله سكت عنه لعلم السامع أو كان ذلك قبل نزول آية الدية والكفارة. وقال القرطبي: لا يلزم من السكوت عدم الوقوع، لكن فيه بُعد؛ لأن العادة جرت بعدم السكوت عن مثل ذلك إن وقع، قال: فيحتمل أنه لم يجب عليه شيء لأنه كان مأذونا له في أصل القتل، فلا يضمن ما تلف من نفس ولا مال كالخاتن والطبيب، أو لأن المقتول كان من العدو، ولم يكن له ولي من المسلمين يستحق ديته.." هذا هو الحكم، وقد يكون هناك حالة لها نظر واجتهاد خاص حسب كيفية وقوع القتل. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(14/263)
تعدد كفارة القتل الخطأ بتعدد المقتولين
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 26/11/1422
السؤال
إذا قتل الإنسان عدداً كبيراً من الأشخاص خطأً، كأن يكون سائق حافلة مثلاً، هل يلزمه صيام شهرين متتابعين عن كل رقبة إذا لم يجد للعتق سبيلاً وكان الصيام يشق عليه، أما أنا فحصل لي حادث سير، وكنت أقود السيارة فتوفيت زوجتي وكانت معي، وتوفي خمسة آخرون في السيارة المقابلة، فماذا عليّ أفتوني مأجورين، علماً بأنني متسبب في هذا الحادث خطأً؟.
الجواب
إذا تسبب المرء بقتل شخص أو أشخاص خطأ فعليه عن كل نفس كفارة، وهي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع بقيت في ذمته متى ما قدر عليها.(14/264)
تخليد قاتل نفسه في النار
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 26/11/1423هـ
السؤال
شيخنا: ورد في بعض الأحاديث أن قاتل نفسه يخلد في النار، فهل يمكن اعتبار الانتحار كفرا؟ لأنه - حسب علمي - لا يخلد في النار سوى الكافر، أم أن ذكر الخلود في النار كناية على مكوث طويل ثم يصير بعده إلى الجنة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً فيها ... " الحديث - البخاري (5778) ومسلم (109) وهذه كبيرة من كبائر الذنوب والمنهج الحق في هذه الكبيرة وغيرها من الكبائر أن مرتكبها إذا كان من أهل القبلة المؤدين للصلاة المسلم لا يكفر بفعل الكبيرة، ولا يخرج من الإسلام بذلك، ولا يخلد في النار إذا مات موحداً وإن لم يتب، وهو في مشيئة الله وحكمه إن شاء غفر له وعفا عنه بفضله، وإن شاء عذبه في النار بعدله ثم يخرجه منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، وهذا ما دلت عليه نصوص الوعيد من الكتاب والسنة.
وقد بين العلماء أن المراد بالخلود المكث الطويل وليس المكث الدائم، وأن مثل هذه المعصية سبب ولكن قد يوجد مانع يمنع من وقوع الحكم، وأن الوعيد يجوز إخلافه، لأنه انتقال من العدل إلى الكرم، وهذا كرم من الله، والمهم في هذا الباب ملاحظة قواعد مهمة تحدث فيها العلماء كثيراً وهي مبسوطة في كتب العقائد والله أعلم.(14/265)
مصير المنتحر
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 26/10/1423هـ
السؤال
ما حكم من قتل نفسه متعمداً؟ هل يدخل النار لا محالة؟ وإذا كان كذلك فإن هناك من يقتل شخصاً آخر مسلماً بدون حق أو لغضب، ومع ذلك إذا تنازل الأقرباء لا يقتص منه ويكون عليه عتق رقبة، فهل هو في النار؟ وهل يعني دخوله النار أنه يكون مخلداً؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.(14/266)
فقد قال الله سبحانه وتعالى: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً" [النساء:93] ، وثبت في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام - أنه قال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده في نار جهنم يجأبها بطنه خالداً مخلداً فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا، ومن تردى في جبل فإنه يتردى في جهنم خالداً مخلداً فيها" رواه البخاري (5778) ، ومسلم (109) أو كما قال - عليه الصلاة والسلام -، دلت الآية ودل الحديث على عظم تحريم قتل الإنسان نفسه أو قتله لغيره وأن ذلك من كبائر الذنوب، فأما قتل الإنسان نفسه متعمداً فلا يترتب عليه شيء من أحكام الدنيا ولا حق لأحد فيه ولا تجب فيه الكفارة، وهو إذا كان مسلماً موحداً فهو يوم القيامة تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، وإن عذبه فإنه لا يخلد في النار، هذا ما عليه أهل السنة والجماعة، فكل من مات على التوحيد ولم يأت بناقض من نواقض الإسلام فإنه لابد له من دخول الجنة ولو بعد تمحيصه في النار، فإما أن يتجاوز الله عنه دون عذاب، أو يعذبه سبحانه ثم يخرجه من النار برحمته أو بشفاعة الشافعين من أوليائه سبحانه وتعالى، وهذا الحديث عند أهل السنة والجماعة محمول على الوعيد ومقيد بقوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ" الآية، [النساء: 48] ودل على خروجه من النار ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرة من إيمان - أو مثقال خردلة من الإيمان" رواه البخاري (44) ، ومسلم (184) وما في معناه، وأما من يقتل غيره متعمداً فإنه من أهل الوعيد الذي في الآية الكريمة "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً" [النساء:93] ، والكلام في هذا الوعيد كالكلام في الوعيد الذي ورد في الحديث، فالقاتل إذا مات ولم يتب ومات على التوحيد والإسلام فإنه كذلك تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، ثم أخرجه من النار برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ولكن القاتل للنفس التي حرم الله يترتب على فعله مع الوعيد الشديد حقوق فإما القصاص أو الدية، قال العلماء: إن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق؛ حق الله فهذا يسقط بالتوبة فإذا تاب العبد توبة نصوحاً تاب الله عليه، ومن شروط التوبة أن يسلم القاتل نفسه، الثاني من الحقوق حق أولياء المقتول، وهذا الحق يسقط بعفو الأولياء أو أخذهم الدية، وإلا اقتصوا منه بأن يقتلوه بالقتيل، إذا توفرت شروط القصاص فلولي المقتول الأخذ به وإن شاء تنازل إلى الدية أو عفا مجاناً، والحق الثالث حق المقتول وهذا يستوفيه يوم القيامة، فإن كان القاتل قد تاب توبة نصوحاً فالله - سبحانه وتعالى - بفضله يرجى أن يرضي المقتول عن حقه ويكرم عبده التائب، وإلا فإنه يستوفي حقه من حسناته، فيوم القيامة ليس فيه ما تقضى منه الحقوق إلا(14/267)
الحسنات والسيئات، كما جاء في حديث المفلس، وهو الذي يأتي بأعمال صالحة، ويأتي وقد ضرب هذا وشتم هذا وانتهك عرض هذا وأخذ مال هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته ولم يؤد ما عليه أخذ من سيئات المظلومين ثم طرح عليه ثم طرح في النار انظر مسلم (2581) ، والقتل العمد ليس فيه كفارة، وإنما في قتل الخطأ، فقتل العمد أعظم وأكبر من أن تؤثر فيه الكفارة، وإنما تجب فيه الحقوق التي ذكرت، يجب على القاتل التوبة النصوح ويجب عليه تسليم نفسه لأولياء المقتول ثم الله سبحانه وتعالى - يحكم فيه يوم القيامة بعدله، وبهذا نعرف أن المؤمن الموحد لا يخلد في النار مهما كانت ذنوبه، بل هو تحت مشيئة الله وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافاً للخوارج والمعتزلة، فإن الخوارج والمعتزلة يقولون إن من مات مصراً على كبيرة من كبائر الذنوب فإنه لابد أن يدخل النار، وإذا دخلها فإنه لا يخرج منها، بل يكون مخلداً فيها، وهذا قول باطل مخالف للنصوص الصحيحة في خروج الموحدين من النار. والله أعلم.(14/268)
إنزال الجنين مشوه الخلقة
المجيب د. محمد العروسي عبد القادر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 25/1/1423
السؤال
كنت حاملاً في الشهر السابع، وعندها قال لي الأطباء: إن الطفلة ليس لها دماغ ولا أعصاب وستولد مشوهة، وأشار عليَّ الأطباء بأن يتم إنزال الطفلة في الشهر السابع لكي لا أتعرض لعملية قيصرية، وبعد إنزال الطفلة وجدت بالفعل مشوهة (بدون دماغ) وكانت على قيد الحياة ثم ماتت بعد ساعات.
هل عليَّ إثم على موافقتهم على هذا الأمر؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وآله وصحبه وسلم، وبعد:
فالجواب عن سؤال التي أُنزل جنينها في شهرها السابع، إن كان إنزاله لأجل التخلص منه فهذا لا يجوز؛ لأن فيه إعانة على إزهاق روح، وهي جناية على الجنين من جنس القتل؛ لأن موته كان بسبب الاعتداء عليه، فيجب فيها الكفارة: صيام شهرين متتابعين، ويجب فيها دية كاملة.
وإن كان إنزاله مراعاة لمصلحة الأم، ودرءاً لمخاطر العملية، مع وجود حضانة (آلة يوضع فيها الطفل قبل تمام مدته) فعاش فترة ثم مات فهذا فيه غرة (نصف عشر الدية) يتوزعها ورثته ولا ينال الأم من هذه الدية شيء.
وإنما كان فيه غرة (نصف عشر الدية) لأن الجنين نزل ناقص الخلقة، كما لو خرج بعضه دون بعض، فيحتمل أن يكون موته بسبب الجناية (إنزاله قبل وقته) ويحتمل أن يكون بغير جناية، فلا تجب فيه الدية كاملة مع الشك، والله أعلم.(14/269)
ما يجب في القتل الخطأ
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 5/10/1424هـ
السؤال
هل يجب علي الصيام بعد دفع الدية في حادث قتل خطأ؟ مع العلم أن لدي عملية في القلب.
الجواب
القتل الخطأ يترتب عليه أمران:
الأول: الدية
الثاني: الكفارة
ولا يغني أحدهما عن الآخر، بل كلاهما واجب، والكفارة عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، وليس في كفارة القتل الخطأ إطعام على الصحيح من قولي الفقهاء؛ لأن الله لم يذكر -سبحانه- إلا العتق والصيام فقط، فإذا لم يستطع الصيام فيبقى في ذمته.(14/270)
كفارة الإسقاط
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 8/9/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
امرأة في الستين من عمرها، تقول: إنها عندما كانت في العشرينات من عمرها كانت حاملاً وقامت برفع حمل ثقيل - بالرغم من علمها أنه قد يتسبب في إسقاط جنينها وهو ما وقع فعلاً، السؤال هو: ما الذي يجب أن تفعل؟ علماً بأنها مريضة بالضغط والسكر، وحالتها الصحية لا تسمح بالصيام لعدة أيام متتالية، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد فالجواب: أنّ على هذه المرأة التي تسببت بإسقاط حملها حينما قامت برفع حمل ثقيل؛ مع علمها بأن ذلك قد يكون سبباً في الإسقاط، عليها التوبة إلى الله تعالى، وعليها أيضاً دية الجنين، وهي: غرة عبد أو أمة لما روى البخاري في صحيحه (7317) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة: عبد أو أمة، والغرة قيمتها: خمس من الإبل؛ عشر دية أمه، روي ذلك عن عمر وزيد رضي الله عنهما فعلى الأم التي تسببت بإسقاط جنينها دفع تلك الدية التي هي خمس من الإبل (تقارب قيمتها ستة آلاف ريال سعودي) إلى ورثة الجنين - حال الإسقاط - ما عداها، فلا ترث هي منها شيئاً، وقد جاء في منار السبيل في شرح الدليل ما نصه: (وإن شربت الحامل دواءً فألقت جنيناً فعليها غرة لا ترث منها بلا خلاف، قاله: في الشرح انتهى، والله أعلم.(14/271)
أب قتل ابنه خطأ
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 19/10/1423هـ
السؤال
أحد الجيران تسبب في قتل ابنه من غير قصد، حيث كان هذا الابن رحمه الله في خلاف مع أمه وكان يتطاول عليها فتدخل هذا الأب وحاول ضربه، لكن الابن فر هاربا فتناول الأب حجرا وألقاه عليه فسقط الابن ميتا، ثم رجع الأب إلى البيت تاركا ابنه مرميا على الأرض، فحمل إلى المستشفى من طرف الجيران، لكن كانت الفاجعة عند بلوغ الخبر إلى الأب، إذ كاد أن يفقد صوابه لأنه السبب في مقتل ابنه، وهو الآن يسأل عن الحكم الشرعي وكيفية التكفير عن الذنب الذي اقترفه في حق العائلة وابنه الأكبر؟ فما هو الحكم الشرعي؟؟ وشكرا.
الجواب
الحمد لله وحده وبعد: فعلى الأب كفارة قتل الخطأ وهي تحرير رقبة مؤمنة بأن يعتق عبداً مملوكاً، فإن لم يجد فيصوم شهرين متتابعين مع التوبة والاستغفار، قال تعالى: "وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ" الآية، [النساء:92] إلى قوله تعالى "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً" الآية، [النساء: 92] وفق الله الجميع لهداه.(14/272)
اغتصبها زوج أختها ولم تخبر أحداً
المجيب أ. د. محمد بن أحمد الصالح
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 25/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
توجد أخت لديها مشكلة، تقول فيها إنها عندما كانت في المرحلة الابتدائية تعرض لها زوج أختها (اغتصبها) ، ولم تخبر أهلها نظراً لصغر سنها وقلة معرفتها بالحياة, وعندما كبرت اكتشفت الخطأ الفادح من سكوتها، فهل هي آثمة لسكوتها؟ وماذا عليها أن تفعل؟.
الجواب
يتعين على كل رجل وامرأة معرفة ما ينبغي لصيانة العرض، وحماية الشرف، فيمتنع كل منهما عن الخلوة بالآخر، ما دام أن الرجل ليس من محارم المرأة، بمعنى أنه ليس بينهم قرابة نسبية، ولا رضاع، ولا مصاهرة، وزوج الأخت رجل أجنبي لا يحل له أن ينفرد بأخت زوجته، كما لا يباح لها صحبتة أو الانفراد به، فإذا كان زوج الأخت هذا قد اعتدى على أخت زوجته وهي نائمة أو إكراهاً بقوة السلاح، أو التجويع، أو العطش، أو بما يهدد به حياتها فهي معذورة ولا إثم عليها، أما هو فهو معتد آثم، مستحق لأشد العقوبات، وهي ضربه بالحجارة حتى يفارق الحياة، باعتباره زان محصن، قال الله تعالى: "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا" [الإسراء: 32] ، وقد اقترن الزنا بالشرك بالله وبالقتل في الآية 68 من سورة الفرقان قال تعالى: "..ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى أثاما"، فهذا الفعل إذاً في غاية البشاعة والسوء، وإذا كانت الفتاة جاهلة، أو مكرهة فهي معذورة، وإلا فهي آثمة وقد اقترفت خطأ ... ، والله أعلم.(14/273)
كفارة قتل امرأتين خطأ
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 25/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي يتعلق بقتل الخطأ، وهو أن أخي تعرض لحادث وقد كان هو قائد السيارة، ونجم عن الحادث وفاة امرأتين فكيف تكون كفارة قتل الخطأ حينئذ؟ هل تضاعف فتكون عتق رقبتين مؤمنتين؟ فإن لم يجد فصيام أربعة أشهر متتابعة، أم ماذا؟
أفتونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده، وبعد: كفارة قتل الخطأ لا تتداخل، فمن قتل خطأ أكثر من نفس فعليه كفارة بعدد الأنفس، قال تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً" [النساء:92] ، وبالنسبة للصيام فلا يشترط تتابع الكفارات، بل لو صام شهرين متتابعين ثم أفطر ثم شرع في صيام الكفارة الثانية فلا بأس، وأنصح الأخ السائل بمراجعة المحكمة الشرعية أو مفتي البلد الذي يسكن فيه، للتأكد من تعين الكفارة عليه، وذلك بمعرفة نسبة الخطأ، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/274)
لم تذهب إلى المستشفى ومات جنينها
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 3/8/1424هـ
السؤال
كنت حاملاً قبل 24 سنة، وكان زوجي مسافراً، وجاءت الولادة في الشهر الثامن، وقد امتنعت من الذهاب إلى المستشفى؛ لأني لم أستأذن من زوجي، وطلع الجنين أثناء الولادة ميتاً، فهل علي ذنب في ذلك؟ ولكم الشكر.
الجواب
ليس عليك ذنب، وذلك لأنك ما عملت عملاً يكون سبباً في الوفاة، ولم يزل النساء يلدن ولادة طبيعية في بيوتهن منذ أن خلقت الدنيا إلى وقت قريب، ولم يكن هناك شيء يلحق المرأة إذا ولدت في بيتها، أو ولَّدتها إحدى قريباتها أو جيرانها، وخروج الولد ميتاً هذا قضاء الله.(14/275)
ما تحمله العاقلة من الجنايات
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 22/5/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: ماذا تحمل العاقلة من جناية الدم الخطأ أو العمد، في القتل أو ما دون القتل؟
وما الحكم إذا اشترطت العاقلة ألا تحمل جناية الخطأ إلا إذا حمل الفرد جناية العمد معها؟ وفقكم الله وبارك فيكم.
الجواب
اتفق الأئمة الأربعة على أن الدية في قتل الخطأ على عاقلة الجاني، واتفقوا على أنها مؤجلة في ثلاث سنوات، ويرى كثير من العلماء أن شبه العمد تحمله العاقلة، ولا تحمل العاقلة عمداً محضاً ولا عبداً ولا صلحاً ولا اعترافاً لم تصدق به العاقلة ولا ما دون ثلث الدية، فقد روى البيهقي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "لا تحمل العاقلة عمداً ولا صلحاً ولا اعترافاً ولا ماجنى المملوك".
وقال البيهقي في سننه: إن الفقهاء من أهل المدينة قالوا بمثل ذلك، وقد أخرج البيهقي عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - "لا تعقل العاقلة ولا يعمها العقل إلا في ثلث الدية فصاعداً"، وقيل هذا من قول سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار.(14/276)
قتل أخته لزناها
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 7/6/1424هـ
السؤال
امرأة كانت تمارس الزنى والعياذ بالله، فقام أخوها بقتلها، وتم دفنها والجيران يعلمون بكل التفاصيل، فهل هذا الرجل آثم بقتل أخته؟ وماذا كان يجب عليه أن يعمل؟ وماذا يجب عليه أن يعمل الآن؟ وهل موقف الناس السكوت كما عملوا مع هذا؟ وما موقف الدولة إذا علمت؟ المهم ماذا كان يجب على كل الأطراف أن يعملوا؟ وماذا عليهم أن يعملوا الآن؟ أرجو أن توافونا بالتفاصيل، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد: فهذه المسألة فيها تفصيل على النحو التالي:
أولاً: إن كانت أخته بكراً لم يسبق لها الزواج فقتله لها يأخذ حكم قتل العمد الذي قال الله تعالى فيه: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً" [النساء:93] ، ولورثتها المطالبة بالقصاص من قاتلها، وذلك لأن عقوبة الزاني البكر جلده مائة وتغريب عام لا القتل.
ثانياً: إن كانت أخته ثيباً فليس له قتلها؛ لأن إقامة الحدود منوطة بولي الأمر، لكون الأمر يتطلب التحقق من ثبوت الزنا وانتفاء الموانع والشبهات التي يدرأ بها الحد، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: إنا ليلة الجمعة في المسجد إذ جاء رجل من الأنصار فقال لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ والله لأسألن عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما كان من الغد أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه أو سكت سكت على غيظ فقال اللهم افتح وجعل يدعو.. الحديث رواه مسلم رقم (1495) ، إلا العبد والأمة فلسيدهما إقامة الحدود عليهما عدا القتل؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر" رواه البخاري رقم (2119) ، ومسلم (1703) والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(14/277)
الزنا بأم الزوجة، وأثره في فسخ النكاح
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 13/10/1424هـ
السؤال
أود أن أسأل فضيلة الشيخ: هل الزنا مع أم الزوجة (قبل وبعد الزواج) يحرم العلاقة مع الزوجة، علماً بأننا - أنا وزوجتي - نعيش الآن خارج البلاد، وعندنا أولاد. جزاكم الله خيراً. والسلام عليكم.
الجواب
فعلك هذا مع أم زوجتك يعد جريمتين لا جريمة واحدة، ذلك أن زنى المحصن يوجب شرعاً رجمه بالحجارة، ووقوع الزنا مع إحدى المحارم جريمة أخرى توجب القتل حداً، ولو لم يكن محصناً، لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما-: "من وقع على ذات محرم فاقتلوه" رواه الحاكم (8119) والترمذي (1462) وابن ماجة (2564) وغيرهم، فاتق الله في نفسك وفي محرمك، فكما تدين تدان، واعلم أن الذنوب منها ما يعجل فيه العقوبة في الدنيا قبل عذاب الآخرة، فمن تعدى على الحرمات وأعراض الناس كان الجزاء من جنس العمل عاجلاً غير آجل، ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-: "عفوا نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم" رواه الحاكم (7340) وغيره، وقديماً قيل:
لو كنت في النساك مثل الهيثم *** لا تزن بامرأة فذاك محرم
في أهله يزنى بربع الدرهم *** من يزن في قوم بألفي درهم
كان الوفاء في أهل بيتك فاعلم *** إن الزنى دين إذا استقرضته
وأما ما وقع السؤال عنه: هل فعلك هذا يحرم العلاقة مع أهلك، فالراجح أن ما مضى منك لا يحرم أهلك عليك؛ لأن الله تعالى حرم بنت المدخول بها بنكاح وليس بسفاح لقوله تعالى: "وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ" [النساء: من الآية23] ، ولأن الحرام لا يحرم الحلال، وقد روى الدارقطني (3/268) في سننه عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: "سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن رجل زنى بامرأة فأراد أن يتزوجها أو ابنتها قال: "لا يحرم الحرام الحلال إنما يحرم ما كان بنكاح"، وله عن ابن عمر - رضي الله عنهما- نحوه.(14/278)
هل يُقتصُّ من الطفل؟
المجيب ناصر بن محمد آل طالب
القاضي بمحكمة عرعر
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 16/9/1424هـ
السؤال
طفل لم يبلغ الحلم وقتل شخصاً آخر، فهل يُقْتَل؟ وهل يجوز لي شخصياً أن أقتص من قاتل أبي؟ أم لا بد أن تكون هناك حكومة إسلامية؟ وشكراً.
الجواب
من شروط استحقاق القصاص أن يكون القاتل بالغاً عاقلاً، فلا يقتل الصغير والمجنون قصاصاً، وعمد الصبي كخطئه.
بمعنى أن تعمد الصغير للقتل يعتبر شرعاً كخطأ الكبير فيه الدية، وتتحملها العاقلة وهم أقارب القاتل.
أما الشق الثاني من السؤال فلا يخلو الأمر من حالتين:
إما أن يكونوا في بلد منضبط فيه سلطة أياً كانت هذه السلطة، فلا يجوز تجاوز هذه السلطة وتكون المطالبة عن طريقها، وإما أن يكون ذلك في بلد منفلت لا تحكمه سلطة فيجوز حينئذ بشروط، منها ثبوت قتل الشخص المقصود لمورثك، واجتماع أولياء الدم على إرادة القصاص منه، والله أعلم.(14/279)
هل يضمن الطبيب خطأه
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 01/09/1426هـ
السؤال
ما حكم الشرع في رجل يجري إزالة للوز بطريقة شعبية، وكان يزاول هذه المهنة لمدة طويلة، ويجري هذه الجراحة أو العملية للصغار والكبار، ويكتب الله لهم السلامة والعافية بفضله عز وجل، وقدر الله أن مات أحد الأطفال بعد إجراء هذه العملية له، والذي قام بإجرائها على النحو الذي كان يجريها دائما.
وقد طالب والد الطفل بدية طفله الذي توفي إثر النزيف الناتج عن هذه الجراحة، وقد ذهب هذا الرجل ووالد الطفل إلى المحكمة الدستورية (غير الإسلامية) ، وقضت بأن عليه أن يدفع دية رجل كامل، وقد اتصل هذا الرجل بأقاربه ليساعدوه في دفع الدية، فنود أن نعرف حكم الشرع في المسائل التالية:
أولاً: هل يعتبر هذا الحادث قتلاً خطأ أم ماذا؟ وهل يضمن الرجل هذا الطفل؟ وما ديته في هذه الحالة إذا كان يضمنه؟
ثانياً: هل يجوز الاحتكام إلى المحكمة غير الإسلامية (أو المدنية) في حالة وجود محاكم شرعية في المنطقة؟ وماذا يفعل الرجل إذا رفض ذوو الطفل سوى الاحتكام إلى المحاكم غير الشرعية؟ أفتونا مأجورين، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالطبيب الذي لم يحصل على شهادة في الطب من جهة أكاديمية، وإنما تعلم هذا الفن عمن سبقه ممن كان يتقن هذا العمل عن طريق أدوية يصنعها من الأعشاب والنباتات، أو عن طريق كي مناطق معينة من الجسم، أو بطريق أخرى -كما ذكر في السؤال- من الوسائل التي لم تعد تستخدم في الطب الحديث.
فهذا إن كان صاحب خبرة تامّة، ومارس علاج المرضى فشفوا فإنّ حكمه حكم الطبيب النظامي؛ إذ حَدّد الفقهاء حذق الطبيب بأنه الذي يعرف العلة ودواءها، وله مشايخ في هذه الصناعة شهدوا له بالحذق، ولأن الطبيب النظامي لا يوجد في كل مكان، بل ما تزال جهات كثيرة تعاني من نقص في الأطباء، وفي بعض الإحصاءات أن نسبة الأطباء في الأرياف في الدول النامية طبيب واحد لكل عشرين ألف نسمة، بينما هي في المدن طبيب لكل خمسمائة نسمة، ومن هنا يحتاج الكثيرون إلى مراجعة هؤلاء الأطباء الشعبيين.
والدراسات الحديثة تثبت منافع عدة ونتائج طيبة لجملة من الممارسات الطبَّية القديمة، بل أنشأت لهذا الغرض جامعات في عدد من الدول كالهند والصين.
ولكن لا بد أن يكون عمل الطبيب الشعبي هذا لم يخالف فيه الطريقة والأصول الفنية التي يتبعها أمثاله، فإن كان قد قصر أو تعدى فإنه يضمن وإلا فلا.
وضمانه إذا أخطأ يكون بالدية
أما لو مارس العمل المعتاد فأدى ذلك لتلف المريض فلا شيء عليه.
قال ابن رشد: (وأجمعوا على أن الطبيب إذا أخطأ لزمته الدية؛ لأنه في معنى الجاني خطأ، وعن مالك رواية أنه ليس عليه شيء..الخ) [بداية المجتهد (31312) ] .
ويدل له مفهوم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، مرفوعاً: "من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن" أخرجه أبو داود (4586) ، النسائي (4830) ، وابن ماجة (3466) ، والحاكم في المستدرك (4/212) ، وصححه ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.(14/280)
فإذا كان الطبيب المذكور خبيراً ولم يخالف ما يتبع عادة في هذا العمل فليس عليه شيء، وإن كان قد أخطأ أو لم تكن لديه الخبرة الكافية فإنه يضمن دية الطفل المذكور إن كانت وفاته بسبب إجرائه، ومقدار الدية مائة من الإبل أو ما يعادلها مما هو مفصل في كتب الفقه.
والدية الناتجة عن الخطأ تتحملها العاقلة، وهم أقارب الجاني الذكور، فتوزع بينهم على قدر غناهم، لكن أول ما توجه على الجاني وهو يقوم بتحصيلها منهم ولو برفع دعوى عليهم كما عليه المحققون، وللحاكم أن يحكم على العاقلة مباشرة كما هو رأي طائفة كبيرة من الفقهاء، لكن أقارب الجاني يتحملون الدية في الحالين.
والذي يتحمله الإنسان منهم هو ما لا يشق عليه حسب اجتهاد الحاكم، ولا فرق بين كونه قريباً أو بعيداً.
وفي حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى في المرأة التي قتلتها جارتها بالعقل على عصبتها أخرجه البخاري (5758) ، ومسلم (1681) .
وأما الاحتكام إلى المحاكم التي لا تحكم بالشريعة الإسلامية فهو من الكبائر العظيمة، فإن من أصول الإسلام الرضى بالله ورسوله حكما، ً وهو معنى الإسلام، قال تعالى: "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون" [المائدة: 50] ، فلا يجوز التحاكم لها.
وإذا دُعي إنسان لمحكمة غير شرعية فعليه أن يحاول التحاكم إلى الشرع ولو بالصلح، فإن لم يتمكن فإنه يدافع عن نفسه لديها -لكونه مضطراً- وقد قال تعالى: "وقد فَصَّل لكم ما حرّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه" [الأنعام:119] .
وإذا ألزم بشيء لا يلزمه ولم يتمكن من الخلاص منه فله أن يدفع عن نفسه الضرر، لكن لا يجوز لأحد أن يأخذ شيئاً لا يحل له ولو حكمت به المحاكم، فإن حكم الحاكم لا يحلل الحرام. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(14/281)
هل تقدر دية القتيل بالذهب؟
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 21/3/1425هـ
السؤال
حدث حادث سيارة وتوفي على إثره شاب مسلم، ولأن البلد لا يوجد فيه تأمين بل يعمل به بمبدأ العشائر فقد طلب أهل القتيل ما يعادل: 3000 دولار، وقد دفعتها لهم، وقد لاحظت في فتوى أن الدية 4250غم ذهباً، فهل يكفي ما تم؟ أم يجب علي سداد الباقي؟ مع العلم أنه الآن من المستحيل معرفة عنوانهم بعد الحرب، والمبلغ أكبر من أن أجمعه، ولو في عشرين سنة فماذا أفعل؟ أفيدوني بارك الله فيكم.
الجواب
الإجابة عن الشق الأول من السؤال: الأصل في دية المسلم الحر هو الإبل، هذا هو الأصل، ومقدارها مائة من الإبل كما في حديث عمرو بن حزم - رضي الله تعالى عنه-، الذي رواه النسائي (4853) وغيره وأما بالنسبة للذهب والفضة والبقر والغنم، والحلل فهذه ليست من أصول الدية على الصحيح من أقوال أهل العلم، وعلى هذا إذا تراضى أهل المقتول والقاتل على غيرها من الذهب والفضة، أو غيرها من البقر، أو الغنم، أو الحلل، وتصالحوا عليه فإن هذا جائز ولا بأس به، لكن إذا تشاحوا فإنه يرجع إلى الإبل، وما دام أن السائل في بلد مسلم فإنه ينظر إلى حكم المحكمة، فإن كانت المحكمة حكمت فإنه يرجع إليه، وإذا لم تكن المحكمة حكمت شرعاً بشيء فإنه يرجع إلى ما ذكرت، وعلى هذا فعليه إن لم يكن هناك حكم شرعي أن يتصل بهم وأن يتراضى معهم، فإذا لم يكن يعرفهم فإنه يتصدق بما لم يدفعه لهم من الدية.(14/282)
متزوجة حملت من خدنها!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 22/10/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد رأيكم في موضوع خطير يا شيخ حدث لصديق لي، وأريد منك جزاك الله خيراً الإفادة، حيث إنه نادم أشد الندم، صديقي متزوج وتعرَّف على فتاة متزوَّجة، ولكن هناك مشاكل بينها وبين زوجها، المهم طلقها زوجها طلقة واحدة، فتعرَّف عليها هذا الشاب وهي عند أهلها، وهي ليست مرتاحة مع زوجها، لأنه يضربها ولا يريد تطليقها، وأهلها أيضا يرفضون تطليقها من زوجها، لدرجة أنها من كثرة الضرب تذهب إلى المستشفى.
المهم أنها حملت منه وهي عند أهلها، وذهبت إلى زوجها لكي تخفي الفضيحة ورجعت له، فسارت الأمور وولدت الطفل، وطبعاً تسجَّل باسم زوجها. صديقي صار في حالة نفسية سيئة؛ وتألم بسبب الموضوع، والله العظيم حالته يرثى لها. أريد منكم الإفادة فقد تاب إلى الله، ويريد أن يعرف ماذا يفعل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده، وبعد:
فإن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب، قال تعالى:"والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما*يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً* إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً" [الفرقان:68-70] ، وقال تعالى:"ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً" [الإسراء:32] .
وحد الزاني الثيب الرجم بالحجارة حتى يموت، لما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رجلاً من أسلم أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحدثه: أنه قد زنى فشهد على نفسه أربع شهادات، فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجم وكان قد أحصن. رواه البخاري (6429) كما يجب عليه التوبة، والعزم على عدم العود.(14/283)
أما ما يتعلَّق بالحمل فإنه لصاحب الفراش، وهو الزوج ما لم ينفه، لما روته عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه. قالت: فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص وقال: ابن أخي قد عهد إلي فيه، فقام عبد بن زمعة فقال: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فتساوقا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال سعد: يا رسول الله ابن أخي كان قد عهد إلي فيه. فقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"هو لك يا عبد بن زمعة" ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"الولد للفراش وللعاهر الحجر" رواه البخاري رقم (1948) ومسلم (1457) ، أما إن نفاه الزوج وأنكرت الزوجة فيسقط عنها الحد باللعان، فإن لاعنها لم يُنسب إليه الولد، قال تعالى:"والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين*والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين*ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين*والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين" [النور: 6-9] ، هذا إن كان الحمل أثناء استمرار الزوجية أي قبل خروجها من العدة، أما إن كانت حملت بعد خروجها من العدة فلا يجوز نسبة الولد للزوج ولا للزاني بل ينسب لأمه، وقد ذكر ابن عبد البر رحمه الله تعالى أن ولد الزنا في الإسلام لا يلحق بالزاني بالإجماع. انظر (التمهيد 8/19) ، أما ما ذكره الأخ السائل من أن زوج المرأة كان يضربها، ولا يحسن عشرتها فهذا ليس مبرراً للوقوع في الزنا. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(14/284)
حملت وزوجها متوفى، فهل يقام عليها الحد؟
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 27/10/1424هـ
السؤال
امرأة أرملة توفى زوجها منذ سنين، وحدث لها الحمل بالجنين، ولم تعترف وتقر بأنها زنت، ولم يكن هناك أربعة شهود من الرجال يشهدون عليها، ولم يكن هناك الرجل، فهل يقام على هذه المرأة الحد بأن ترجم؛ لأنها زنت وهي ثيب؟ الاحتمال لحدوث الحمل لديها هو الآتي: من المحتمل ومن الممكن أن تكون هذه المرأة الأرملة حدث الحمل لديها من نطفة منوية كانت موجودة أو عالقة في ماء راكد (ماء دائم) مثل حوض الحمام أو بركة للماء دخلتها هذه المرأة الأرملة، وحدث الحمل لديها بهذه النطفة المنوية الموجودة في هذا الماء الراكد، هناك حديث للرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب" رواه مسلم، والحكمة في ذلك حتى لا تبقى هناك نطف منوية داخل هذا الماء الدائم، وإذا استعملت المرأة هذا الماء الدائم قد يحدث لها الحمل بالنطف المنوية المتروكة داخل هذا الماء الراكد الدائم كما في حالة هذه المرأة الأرملة.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فلا ريب أن الزنا من كبائر الذنوب، قال - تعالى -: "وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً" [الإسراء:32] ، كما أن قذف المحصنات من كبائر الذنوب قال - تعالى -: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" [النور:4] ، والزنا لا يثبت عند جمهور العلماء إلا بأحد أمرين:
الأول: إقرار الزاني أو الزانية بالزنا، وأن يكون المقر مختاراً صحيح العقل بالغاً، وأن يقيم على إقراره إلى أن يقام عليه الحد.
الثاني: أن يشهد عليه بالزنا أربعة رجال مسلمين عدول أحرار، وأن لا يرجع أحد منهم عن شهادته حتى إقامة الحد.(14/285)
وقد ذكر جمع من الفقهاء أن المرأة التي لا زوج لها لو حملت وادعت شبهة قبل منها لأن الحدود تدرأ بالشبهات، انظر: الإنصاف (10/119) ، حاشية الروض (7/328) ، كما لابد أن يراعى هنا مدة أكثر الحمل لكون الفقهاء اختلفوا في ذلك فمنهم من يرى أن أكثر مدة الحمل سنتان، ومنهم من يرى أنه أكثر من ذلك، انظر المبدع (6/36) الإنصاف (7/228) ، الروض (3/207) ، إعانة الطالبين (4/41) ، الإقناع للشربيني (2/461) ، روضة الطالبين (8/377) ، الهداية شرح البداية (2/36) ، البحر الرائق (4/170) ، القوانين الفقهية (177) بداية المجتهد (2/70) ، وأشير إلى أن إقامة الحدود منوطة بولي الأمر أو من ينيبه، وليس لغيره أن يقيم الحدود؛ لأن إقامة الحدود لا تتم إلا بعد التحقق من ثبوت الجرم وانتفاء موانعه، وهذا لا يدركه كثير من الناس، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "إنا ليلة الجمعة في المسجد إذ جاء رجل من الأنصار فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم جلدتموه، أو قتل قتلتموه، وإن سكت سكت على غيظ، والله لأسألن عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فلما كان من الغد أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فسأله فقال: "لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم جلدتموه، أو قتل قتلتموه، أو سكت سكت على غيظ، فقال: اللهم افتح وجعل يدعو.. "الحديث رواه مسلم رقم: (1495) ، إلا العبد والأمة فلسيدهما إقامة الحد عليهما عدا القتل؛ لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر" رواه البخاري رقم (2119) ، ومسلم (1703) ، والله - تعالى - أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(14/286)
الزنى بغير المسلمة
المجيب د. راشد بن مفرح الشهري
القاضي بالمحكمة الكبرى بالطائف
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 2/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل الزنا للمرأة الأجنبية الكافرة حرام، وليس عليها رجم مثل المسلمة؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أولاً: الزنا من أكبر الكبائر-والعياذ بالله- والوقوع فيه وقوع في مفسدة عظيمة في الدنيا والآخرة، وهو مفسد للدين والعقل، والروح، مضعف للبدن، مهلك للنفس، مُعود لها على الدناءة والرذيلة.
ثانياً: الزنا حرام في كافة الشرائع السماوية؛ فقد أجمعت على أنه اعتداء على حرمات الله وحدوده، فقد جاء في صحيح البخاري (1329) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمى اليهوديين لما زنيا، وسألهما عن حكم ذلك في التوراة فوجده الرجم، والحديث معروف، وفي النصرانية موافقة لليهودية؛ لقوله -تعالى- عن عيسى - عليه السلام-: "مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ" [الصف: من الآية6] ، وجاء الإسلام بتحريمه، بل تحريم القربان منه، فقال -تعالى-: "وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً" [الإسراء:32] ، وشدد الوعيد فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا سيما حليلة الجار فهي أشد وأنكى وقد أجمعت الأمة على تحريمه، وأنه من أعظم وأشنع، وأكبر الكبائر، والأجنبية غير المسلمة يحرم عليها الزنا؛ لأن الكفار مكلفون بفروع الشريعة، وكلما ازداد الكافر فجوراً وظلماً، ازداد إثماً، والنار درجات، كما أن الجنة درجات، ولكن من ارتكب ضلالات الكفر هانت عنده بقية المعاصي، نسأل الله -تعالى- أن يعافينا وجميع المسلمين من كل سوء ومكروه، وأن يجنبنا الشرور، إنه سميع مجيب. والله أعلم.(14/287)
الأخذ بالثأر من منظور الإسلامي
المجيب سليمان بن عبد الله القصير
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 25/1/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما حكم الإسلام في الأخذ بالثأر؟ كما لو قتل أحد الناس أخي، أو أحرق بيتي، هل يجوز الثأر بقتله، أو حرق بيته؟.
الجواب
بسم لله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لا يجوز في الإسلام أخذ الثأر بهذه الطريقة، وهي أن مَنْ قتل أخاك قتلته، ومن حرق منزلك حرقت منزله.. وهكذا، فلا يجوز للإنسان أن يثأر لنفسه من ظالمه؛ وذلك لأنه لو تُرِك لكل أحد أن يأخذ حقه بنفسه، وأن يثأر من ظالمه لأصبحت البلاد فوضى، وكل شخص يريد الاعتداء على غيره من الممكن أن يتهمه بشيء من هذا ثم يقوم بقتله، أو ضربه ... إلخ، وقد يكون في بعض الأمور والقضايا ملابسات، لا يكشفها إلا التحقيق من قبل أجهزة التحقيق لمعرفة من صاحب الحق من غيره.
لكن الإسلام يجيز للإنسان أن يطلب القصاص من الظالم، وذلك برفع الأمر إلى القاضي، والذي بدوره ينظر في القضية، ويعطي الحق لصاحبه، ويقتص من الظالم، وبهذا أمر الله -تعالى- الولاة والقضاة، فقال -تعالى-: "كتب عليكم القصاص في القتلى ... " [البقرة:178] وقال -تعالى-:"ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" [البقرة:179] ، وقال -تعالى- أيضاً: "ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً" [الأسراء:33] .
وقال -سبحانه-:"وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم ولئن صبرتم لهو خير للصابرين" [النحل:126] ، وهذه الآية مقيدة بأن يكون هذا العقاب تحت نظر القاضي أو الحاكم، كما أنها تدعو المؤمنين للصبر على ظلم الظالم، والصفح عنه، واحتساب الأجر عند الله، فهذا أفضل من الانتقام والمعاقبة. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(14/288)
بنتها ولدت سفاحاً
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 26/10/1425هـ
السؤال
لي بنت تجاوزت 16سنة، لاحظت عليها أمرًا غير طبيعي، وكنت كلما سألتها لا تظهر لي حقيقة ما تخفيه، إلا أنه بعد فترة طويلة علمت أنها حامل- عياذًا بالله- لم أتمالك نفسي، ضربتها وضغطت عليها لمعرفة الحقيقة، حينها قالت بأن رجلاً لا تعرفه أخذها جبرًا عنها وفعل بها الفاحشة، أنا لا أعلم هل ابنتي كانت مطاوعة له أم أنها صادقة في كلامها، وقد ولدت قبل أيام طفلة.
السؤال: ما الحكم الشرعي الذي يطبق على ابنتها الواقعة في الحرام؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:(14/289)
فإن الزنا كبيرة من كبائرة الذنوب؛ قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) [الفرقان:68] . وعقوبة الزاني البكر جلد مائة، وتغريب عام؛ قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور:2] . وجاء التغريب في جملة أحاديث رواها البخاري (2696) ، ومسلم (1698) . وهذا الحكم في حال توفر شروط إقامة الحد، أما إذا تخلف بعضها فإن الحد يدرأ عنها، فالإكراه في حال ثبوته مانع من موانع إقامة الحد، ففي سنن البيهقي 8/236، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي: أُتى عمر، رضي الله عنه، بامرأة جهدها العطش، فمرت على راع فاستقست فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت، فشاور الناس في رجمها، فقال علي، رضي الله عنه: هذه مضطرة، أرى أن نخلي سبيلها. ففعل. أما ما يتعلق بالطفلة فتنسب لأمها، وأشير إلى أن من وقع في شيء من هذه القاذورات فتاب توبة نصوحًا فليستتر بستر الله تعالى، ولا يخبر أحدًا بذلك؛ قال عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بعد أن رجم الأسلمي فقال: "اجْتَنِبُوا هذه القَاذُورَةَ التي نَهَى اللهُ عنها، فمَن أَلَمَّ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ ولْيَتُبْ إلى اللهِ، فإنَّه مَن يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيه كِتَابَ اللهِ عزَّ وجلَّ". أخرجه الحاكم4/272. وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ا. هـ. وقال: عن مسروق، قال: خرج بن مسعود على أهل الدار فقال لهم: مَن جاء منكم مُستفتيًا فلْيجلِسْ حتَّى نُفْتِيَه، ومَن جاء منكم مُخاصِمًا فلْيلْزَمْ خصمَه حتى نقضي بينهما، ومن جاء منكم مُطْلِعَنَا على عورةٍ ستَرها اللهُ فَلْيَستتِرْ بسترِ اللهِ ويُسِرَّها إلى مَن يَملِكُ مَغفرتَها، فإنَّا لا نملك مغفرتَها ونقيمُ عليه حدًّا. أخرجه الطبراني (8906) . ولا أعلم نصًّا من كتاب أو سنة يأمر بالإقرار، أو يحث عليه، بل النصوص أمرت بالستر، كما ذكرنا، وقد عرَّض النبي صلى الله عليه وسلم، لماعز، رضي الله عنه- لما أقر بالزنا- بالرجوع، كما رواه مسلم (1695) . بل تعدى ذلك إلى أمر مَن رأى مَن وقع على كبيرة وتاب منها بستره؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لهزال لما حثَّ ماعزًا على الإقرار: " لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ ". أخرجه أبو داود (4377) والنسائي في الكبرى (7274) .
والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/290)
إجهاض حمل الزنا
المجيب د. إبراهيم بن محمد قاسم رحيم
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 28/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل يجوز عمل إجهاض لامرأة متزوجة حملت بسبب الزنا من غير زوجها؟ -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إن كان الزنا كرهاً (أي حالة اغتصاب) ، وكان الحمل في مراحله الأولى أي قبل مرور أربعة أشهر، وكان وجوده يؤثر على صحة المرأة بأمر معتبر لا يمكن تحمله، ولا توجد رعاية اجتماعية للمرأة وحملها تمكنها من تحمل الأمر فيمكن حسب ما توصل إليه العلماء أن يجهض الحمل، ويتدرج الأمر في الحكم حسب مرحلة الجنين، فيتساهل في الأيام الأولى، ويتشدد في تطبيق قواعد الضرورة في المراحل الثانية والثالثة، (الأربعين الثانية والثالثة) ، أما إذا كان الزنا برضاها فلا يجوز بحال إسقاط الحمل حتى في الأيام الأولى لأدلة ليس هذا مجال بسطها، ومنها قصة الغامدية التي رواها مسلم (1695) من حديث بريدة - رضي الله عنه -؛ ولأنه لا يمكن أن تنال لذتها المحرمة، وتمكن من هذا الأمر الذي أصوله التحريم، ولما يتضمنه القول بالإباحة من فتح باب للجريمة والفساد والانحراف، وقد اتفق على هذا العلماء المعاصرون سواء في المجامع الفقهية أو في هيئة كبار العلماء في المملكة، وهو الحكم الذي يتفق مع قواعد الشريعة. والله الموفق.(14/291)
أرشدتها إلى طبيب يجهض حملها
المجيب د. إبراهيم بن محمد قاسم رحيم
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 04/05/1425هـ
السؤال
امرأة حملت من زنا حتى الشهر السابع، ثم ذهبت إلى امرأة أخرى لكي ترشدها إلى طريق طبيب ليجهض جنينها، وفعلا ذهبت بها إلى طبيب وأجهض الجنين وهي في الشهر السابع، فما الحكم على المرأة الأخرى، هل عليها دية أم كفارة؟ أفيدوني، جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لا شك أن ما أقدمت عليه المرأة إثم عظيم، وجناية على نفس حية لا ذنب لها فيما حصل، والجنين إذا تجاوز مرحلة نفخ الروح فهو فوق اعتبار الضرورة، وعند المالكية أنه يتصور العمد فيه، فيكون على مجهضه القصاص بشروط، وعلى قول الجمهور فالجناية عليه تعتبر شبه عمد، وعليه فتجب دية شبه العمد كدية العمد مغلظة، والمسؤولية في هذه الدية تقع على المرأة الحامل والطبيب المباشر، أما الحامل فلكونها سعت ورضيت وبذلت نفسها في ذلك، والطبيب المباشر لكونه لم يرع حرمة الأنفس وأقدم على إجهاض نفس معصومة، فيشتركان فيه.
وأما المرأة التي دلت، فلا شك أنها تتحمل إثماً عظيماً؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، ولها يد ظاهرة في حصول هذا الإجهاض، لكن القاعدة عند العلماء أن المباشرة تقطع حكم التسبب، فلا تتحمل شيئاً من الدية، أما الكفارة فإنها تجب على المباشر والمتسبب، نظراً لكون الكفارة لا تتجزأ فيتحمل كل من الثلاثة كفارة كاملة، وكون الحمل ناشئاً عن علاقة غير شرعية فينظر فيه؛ في المراحل الأولى، فإن كان ثمرة اغتصاب فقد أجاز العلماء إجهاضه بشروط، وهي أن يثبت الاغتصاب، وألا يمكن تخفيف آثار الأمر على الحامل، وأن يتم إجهاضه بوسيلة تقل بها الأضرار، وتخف فيها المخالفات، وإن كان ثمرة رضا الطرفين فلا يجوز التعرض له بحال. والله أعلم.(14/292)
توبة تفجيري
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 11/08/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليس لي في السياسة شيء البتة، لذلك أرجو أن أجيد التعبير في سؤالي، أظن أن ما حدث في مدينتي الرياض وجدة وغيرهما من المدن السعودية من الإرهابيين، فساد في الأرض، قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ". فضيلة الشيخ: لو أن أحدًا من هؤلاء الإرهابيين قُتل في أثناء تبادل الطلقات النارية بينه وبين قوى الأمن - نصرهم الله- وأصيب بعيار ناري، ومات على الشهادة، ما جزاؤه في هذه الحالة؟ وكيف يَلقى ربه بعد سعيه في الفساد ومقابلته بآخر عبارة: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وهب أن أحدًا من الإرهابيين يريد التوبة الآن وقد أحس بأنه قَتل كثيرًا، ورمّل ويتّم من الأبرياء، ويريد توبة نصوحًا، ويريد الاستسلام، ولكنه يخشى على نفسه من السجن أو من العذاب الذي سيلاقيه، ويريد الأمان، هل تقبل توبته؟ أي أنه لا يريد أن يسجن. أتمنى أن أكون قد عبرت جيدًا. أرجو الشرح والتفصيل والتدقيق، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(14/293)
لا شك أن حوادث التفجير والقتل التي حصلت، وما زالت تحصل، في المملكة بين وقت وآخر هي جريمة نكراء، وفعل شنيع، وعُتُوٌّ وفساد في الأرض كبير، مهما ادعى مرتكبوها من التأويلات والشُّبه الزائفة، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) [البقرة:11-12] . ونظرًا للغلو الذي اتصفوا به جفوا العلماء واجتنبوا الدعاة المصلحين واحتقروهم وقللوا من شأنهم ورموهم بالفسق والجهل والنفاق، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ) [البقرة:13] . وصنف من أولئك قد لا يباشرون التفجير والتخريب وإزهاق الأرواح بأنفسهم, ولكنهم يختلقون المعاذير، ويتأولون النصوص لمباشري حوادث القتل والتفجير، عندما يختلطون بعامة الناس ودَهْمَائهم، (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ* اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ* أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) [البقرة:14-16] . وقد بين الله حكم هذه الفئة الضالة المفسدة في آيات الحرابة في سورة المائدة فقال: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة:33-34] . ومن قتل من هؤلاء الشباب (الإرهابيين) في أثناء متابعة رجال الأمن لهم، فحكمهم في الدنيا قد لقوه من القتل والخزي والعار، أما في الآخرة، كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة، فأمرهم إلى الله سبحانه، يحكم بينهم بالعدل وهو أحكم الصادقين، فيعذبهم بالنار بقدر ذنوبهم، ومنها القتل والإفساد بغير حق، ثم مآلهم إلى الجنة ما داموا قد لقوا الله ولم يشركوا به شيئًا؛ لحديث عتبان في صحيح البخاري (425) وصحيح مسلم (33) : "إنَّ اللهَ قد حرَّم عَلَى النَّارِ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ. يَبْتَغي بِذلكَ وجهَ اللهِ". ومعنى: حرم الله عليه النار. أي الخلود فيها، ومثله حديث أبي ذر، رضي الله عنه، عند مسلم (2687) :قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال اللهُ: وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً". أما إذا قتل رجل الأمن في المواجهة مع هذه الفئة المفسدة في الأرض فهو على خير في الدنيا من الذكر الحسن ويرجى له خير في الآخرة عند ربه - إن شاء الله- وينطبق عليه حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عند أحمد (1652) وأبي داود(14/294)
(4772) وابن ماجه (2580) والترمذي (1421) والنسائي (4095) :"مَن قُتِلَ دُونَ مالِه فهُو شَهِيدٌ، ومَن قُتِل دونَ دِينِه فهُو شَهِيدٌ، ومَن قُتِل دونَ دَمِه فهُو شهيدٌ، ومَن قُتل دونَ أهلِه فهو شهيدٌ". وإذا تاب ذلك الشاب بعد أن قَتَل أو شارك في القتل وإفساد الممتلكات المحترمة، وقتل معصوم الدم فلا تخلو حاله حينئذ من أمرين:
الأول: أن تكون توبته بعد أن تقبض عليه السلطة ممثلة برجال الأمن، فهذا يحكم فيه القضاء بعد أن تجرى عليه أحكام الدنيا في آية الحرابة الأولى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ... ) [المائدة من الآية: 33] . وغالب ما ينطبق على هؤلاء من الآية الحال الأولى منها، وهي القتل والصلب لقتلهم الأنفس البريئة وإفسادهم الأموال المحترمة، ومن ينفذ عليه حكم الله هذا في الدنيا سيلقى ربه يوم القيامة سليمًا معافى؛ لما ثبت عند أحمد (21866) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ الذَّنْبِ، فَهُوَ كَفَّارَتُهُ". وعند البخاري (6801) ومسلم (1709) :" وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ". وفي الحديث الآخر: " مَنْ أَصَابَ حَدًّا فَعُجِّلَ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَى عَبْدِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ أَصَابَ حَدًّا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَفَا عَنْهُ فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ إِلَى شَيْءٍ قَدْ عَفَا عَنْهُ". أخرجه ابن ماجه (2604) والترمذي (2626) .(14/295)
الأمر الثاني: أن يتوب ذلك الشاب مما اقترفه من ذنوب في القتل والإفساد قبل أن تقبض عليه السلطة أو يسلم نفسه لها مختارًا تائبًا، فهذا تنطبق عليه الآية الثانية للحرابة: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة: 34] . فهذا لا يجوز أن يلحق به عقوبة..... من قتل أو سجن أو ضرب، وإنما اختلف العلماء هل يطالب التائب قبل أن يقدر عليه بضمان ما أتلفه من حقوق الناس (الحق الخاص) ، الصحيح أنه لا يضمن، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وعدد من المحققين من العلماء، وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المشركين يوم فتح مكة حين قال: "مَن دخَل دارَ أبي سُفيانَ فهُو آمِنٌ، ومَن أَلْقَى السِّلاحَ فهُو آمِنٌ، ومَن أغلَق عليه بابَه فهُو آمِنٌ ... ". أخرجه مسلم (1780) . ومشركوا مكة حينئذ قد جمعوا بين قتل المسلمين وأخذ أموالهم، فعفا عنهم ولم يضمنهم الأمرين ولا أحدهما، وكذلك فعل علي بن أبي طالب, رضي الله عنه, مع الخوارج الذين قاتلوه - كما ذكره ابن تيمية وابن أبي الدنيا- (كان حارثة بن بدر بن تميم من أهل البصرة قد حارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وأفسد في الأرض، فكلم رجالاً من قريش يكلمون له علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فجاءه سعيد بن قيس الهمداني وقال: يا أمير المؤمنين: ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ فتلا عليه آيتي الحرابة في سورة المائدة، قال سعيد: وإن كان حارثة بن بدر التميمي جاءك تائبًا؟ قال: نعم. فجاء به ربيعة فبايعه وقبل ذلك منه, وكتب له أمانًا.
وجاء رجل إلى أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، بعد أن صلى معه الغداة، ثم قال له: هذا (المسجد) مقام العائذ التائب، أنا فلان بن فلان، كنت ممن حارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وجئت تائبًا من قبل أن يُقدر علي. قال أبو موسى, رضي الله عنه: إن فلانًا ممن حارب الله ورسوله جاء تائبًا قبل أن يُقدر عليه فلا يَعْرِضْ له أحد إلا بخير، فإن يكن صادقًا فسبيلي ذلك، وإن يكن كاذبًا فلعل الله أن يأخذه بذنبه.
وأخيرًا: إن علاج هذه الظواهر في مجتمعنا من قتل وتدمير وإفساد تقع المسؤولية فيه على جميع فئات الشعب السعودي وطبقاته من الحكام والعلماء والدعاة والمربين، وأولياء الأمور، وليست مسؤولية فئة معينة، وإن كانت هذه الفئات تختلف في درجات تحمل هذه المسؤولية.
كما يجب أن يُعلم علم اليقين أن الاعتماد على الحل الأمني وحده لا يكفي، إن لم يزد الأمر استفحالاً، والمشكلة مبناها وأساسها ديني فكري هو التكفير لبعض تلك الفئات المشار إليها في مسؤولية العلاج؛ لمنكرات رأوها فيهم، ولا أظن أن تنتهي حوادث التفجير قبل أن يقضى على دعاوى التكفير وشبهه ومبرراته، ولن يكون ذلك إلا بالحوار الفكري بين الطرفين في جو أمني آمن مثل ما فعل علي ابن أبي طالب، رضي الله عنه، مع الخوارج لما أمنهم وأرسل إليهم عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، فحاورهم بالعقل والدليل فرجع منهم أربعة آلاف يمثلون الثلث من الخارجين عليه.
وفق الله الجميع إلى كل خير، اللهم اهد ضال المسلمين، وارزقنا الأمن والأمان، واكفنا شر الأشرار، آمين.(14/296)
حد قاتل ولده عمداً
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 15/6/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم.
رجل قتل ولده متعمداً، هل يقام عليه حد القاتل؟ إذا كان الجواب نعم، من يكون له حق التنازل؟.
الجواب
الحمد لله وحده. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فمن شروط وجوب القصاص عدم الولادة، فلا يقتل أحد الأبوين بالولد، وهو مذهب جمهور العلماء عدا الإمام مالك - رحمه الله- في صورة ما إذا نحر ولده نحراً؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقتل والد بولده" رواه أحمد (1/49) ، والترمذي (1400) ، وابن ماجة (2662) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- قال ابن عبد البر: (هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق، يستغنى بشهرته وقبوله والعمل به عن الإسناد حتى يكون الإسناد في مثله مع شهرته تكلفاً) .
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: (قتل رجل ابنه عمداً، فرفع إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- فجعل عليه مائة من الإبل، ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين ثنية، وقال: لا يرث القاتل، ولولا أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يقتل والد بولده لقتلتك") رواه أحمد (1/49) ، وقال عليه الصلاة والسلام: "أنت ومالك لأبيك" رواه أبو داود (3530) ، وابن ماجة (2292) قال في المبدع: (8/273) ، فمقتضى هذه الإضافة تمليكه إياه، فإذا لم تثبت حقيقة الملكية تُثبت الإضافة شبهة في إسقاط القصاص؛ ولأنه كان سبباً في إيجاده فلا يكون سبباً في إعدامه) (المغني 8/227) ، كشاف القناع (5/528) ، وأشير إلى أن الوالد لا يرث من مال ولده الذي قتله شيئاً؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يرث القاتل شيئاً" رواه أبو داود (4564) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ورجح بعض أهل العلم وقفه على عمر -رضي الله عنه-. والله -تعالى- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/297)
أعانت على إجهاض فماذا يلزمها للتوبة؟
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 22/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
ممرضة اشتركت أكثر من مرة في عمليات لإجهاض فتيات حملن من الزنى -والعياذ بالله-،وكذلك في عمليات لترقيع بكارة بعض الفتيات ليتمكنَّ من الزواج بلا فضيحة، وكانت تفعل ذلك عن جهل، حيث زعمن لها أنهن تبن مما سبق، وأنهن يردن الستر والزواج بدون فضيحة، ثم علمت أن هذا حرام، وهي تريد التوبة النصوح، فماذا عليها من كفارات؟ وكيف تفعل لتتوب؟ وماذا تفعل إن لم تملك مالاً يكفي الكفارات؟ وكذلك لو تتفضلون بتوجيه كلمة لنصح من تقع في مثل هذا ولو تحت تأثير الإشفاق على الفتيات من الفضيحة، أو من باب الخوف عليهن أن يقتلهن أهلهن إذا علموا بذلك. وجزاكم الله خيراً. والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فالإجهاض إن كان بعد نفخ الروح في الجنين، فهو محرم وهو عند جمع من الصحابة - رضي الله عنهم- بعد مرور أربعة أشهر من الحمل، وعليه اتفق الفقهاء - كما نقله النووي وابن حجر وابن رجب- (جامع العلوم ص 51، فتح الباري 11/490) ، ويدل له ظاهر الرواية المشهورة من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- والذي نصه: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح" صحيح البخاري (3208) ، صحيح مسلم (2643) . ولا فرق في هذا التحريم أن يكون في بقاء الجنين خطراً عليه أو لا، وسواء كان الحمل سفاحاً أو لا، وسواء كان لستر جريمة الزنا أو غير ذلك من الأسباب؛ لأنه قتل للنفس، فلا يجوز بأي حال، قال تعالى: "وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ" [الإسراء: من الآية33] ، ويجب على من فعل ذلك أو شارك فيه أن يتوب إلى الله من ذلك ويستغفره، ويكثر من الأعمال الصالحة الماحية للسيئات، وليس في هذا القتل كفارة؛ لأنه عمد، والعمد لا كفارة فيه.
وأما الإجهاض قبل نفخ الروح فقد اختلف فيه أهل العلم ما بين التحريم والإباحة والكراهة، ولا شك أنه أقل من الإجهاض بعد الأربعة أشهر في حكمه وحقيقته، ولا يعتبر قتلاً لآدمي لكنه إفساد وتعرض بشيء له حرمة، يشهد لها أن الشرع جاء بتأخير تنفيذ الحد على الحامل حتى تضع حملها.(14/298)
ولذا صدر قرار هيئة كبار العلماء رقم (140 في 20/6/1407هـ، والمتضمن: لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله، إلا لمبرر شرعي وفي حدود ضيّقة جداً، إن كان الحمل في الطور الأول، وهي مدة الأربعين يوماً، وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر متوقع. أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقة في تربية الأولاد أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم أو تعليمهم، أو من أجل مستقبلهم، أو اكتفاء بما لدى الزوجين من أولاد فغير جائز) انتهى. والحقيقة أن إباحة إجهاض الحمل الناشئ عن الزنا يترتب عليه انتشار الفاحشة وشيوعها وسهولة الوصول إليها، وهو مؤدٍّ إلى تقليص الحياة الزوجية وانتشار الأمراض الفتاكة، لذا فإن على من مارس الإجهاض أن يتوب إلى الله -تعالى- ويستغفره، وهذه كفارة عمله، وأما الدية فإنها تلزم المرأة المجهضة ومن أعانتها معونة فعليه مباشرة عند مطالبة ورثة الجنين وهم عصبة أمه، ومقدارها عشر دية الأم هذا إن سقط الجنين بعد تخلّقه.
وكذلك رتق غشاء البكارة إذا كان تمزقه بسبب زنى الفتاة التي أقيم عليها الحد بموجبه أو تكرر منها هذا الفعل فهذا لا خلاف بين أهل العلم (من المعاصرين) على تحريمه. وهذا العمل يسهل ارتكاب الزنى، ويتضمن الاطلاع على العورات دون موجب ضروري وهو غش للزوج، والغش محرم، ولا يظهر لي أن من زالت بكارتها بسبب الزنى، ولو تابت أنه يجوز رتق بكارتها، وهذا الفعل مع أنه محرم شرعاً فهو ممنوع في التنظيمات الدولية الطبية وعلى من فعله أن يتوب توبة نصوحاً. [ولهاتين المسألتين تفصيل مطول لأنواع كل فعل كتبته في غير هذا الموضع] . والله الموفق.(14/299)
المتزوجة إذا حملت من الزنا
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 18/5/1425هـ
السؤال
امرأة متزوجة، زنت، وحملت من هذا الزنا، وهي في حيرة من أمرها أتقتل الجنين؟ أم تبقيه وتدخل على زوجها ما ليس منه؟ أم تخبر زوجها بما جرى؟ وفي كل الحالات يترتب مفاسد، أرجو من الله المغفرة لها ثم من فضيلتكم الإجابة على استفسارها. -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فلا شك أن الزنا من كبائر الذنوب؛ قال الله -تعالى-: "وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً" [الفرقان:68] ، وعقوبة الزاني الثيب الرجم حتى الموت؛ كما صحت بذلك الأخبار عنه - صلى الله عليه وسلم- فقد رجم ماعزاً، والغامدية -رضي الله عنهما- رواه البخاري
(6438) ، ومسلم (1692) .
وثانياً: ما يتعلق بالحمل فإنه لصاحب الفراش، وهو الزوج ما لم ينفه؛ لما روته عائشة -رضي الله عنها-: كان عتبة بن أبي وقاص، عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه، قالت: فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه- وقال: ابن أخي قد عهد إلي فيه، فقام عبد بن زمعة فقال: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فتساوقا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال سعد -رضي الله عنه-: يا رسول الله، ابن أخي كان قد عهد إلي فيه، فقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هو لك يا عبد بن زمعة"، ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر" رواه البخاري (1948) ، ومسلم (1457) .
والحمل من سفاح ليس عذراً لإباحة الإجهاض خاصة في الطور الثالث، أي بعد إكمال أربعة أشهر، وقد ذكر العلماء أن الزانية التي تُسقط جنينها تجمع بين السوأتين: الزنا والقتل، وأن إسقاط الجنين هو من الوأد، قال -تعالى-: "وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت" [التكوير: 8-9] ، وقد روى عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن امرأة من جهينة أتت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي حبلى من الزنا، فقالت: يا نبي الله: أصبت حداً فأقمه علي، فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- وليها فقال: "أحسن إليها، فإذا وضعت فائتني بها"، ففعل فأمر بها نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فَشُكَّتْ عليها ثيابها، ثم أمر بها، فرجمت، ثم صلى عليها - صلى الله عليه وسلم-، فقال له عمر- رضي الله
عنه-: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت، فقال: "لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله -تعالى-" رواه مسلم (1696) ، ويتبين من هذا الحديث أن للجنين حقاً في الحياة، ولو كان ابن زنا، فلو كان لا حرمة له، لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- برجمها قبل أن تضع حملها.(14/300)
ولو أسقطت المرأة جنينها فقد اتفق الفقهاء على أن الواجب في الجناية على جنين الحرة هو غرة؛ لما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى بحجر، فطرحت جنينها، فقضى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم- بغرة عبد أو وليدة، رواه البخاري (5427) ، ومسلم (1681) ، والغرة عشر دية أمه، أي خمس من الإبل، ونص الشافعية والحنابلة على وجوب الكفارة مع الغرة؛ لأنها إنما تجب حقاً لله -تعالى- لا لحق الآدمي؛ ولأنه نفس مضمونة بالدية، فوجبت فيه الكفارة، انظر: مختصر الخرقي (119) ، فتاوى ابن تيمية (34/159و160) ، أما لو سقط حياً فمات ففيه الدية كاملة والكفارة، أسأل الله -تعالى- أن يحفظ المسلمين والمسلمات من هذه الفاحشة المنكرة، والله -تعالى- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(14/301)
العمل بالقرائن لإثبات حد الزنا
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 02/05/1425هـ
السؤال
في المحكمة الإسلامية، كيف تستطيع المرأة المسلمة أن تدين رجلاً قام باغتصابها؟ هل
لا بد من الشهود، أم تكفي وقائع الجريمة؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فقد أجمع أهل العلم بأن الزنا يثبت بالإقرار، أو بشهادة أربعة رجال عدول، وعلى هذا فمن اغتصب امرأة فإنه يثبت عليه الحد بالإجماع إذا أقر باغتصابه للمرأة وزناه بها، أو شهد عليه بذلك أربعة شهود عدول.
فأما إذا لم يكن إقرار ولا شهود، فقد اختلف أهل العلم هل يثبت الزنا (وغيره من موجبات الحدود) بدلالة القرائن عليه، أو ما يسمى بوقائع الجريمة - كما في السؤال - أم لا؟ خلاف على قولين:
القول الأول: أن الزنا يثبت بالقرائن القوية الدالة على وقوعه، كحمل المرأة التي لا زوج لها ولا سيد، وكإثبات الاغتصاب بوسائل العلم الحديثة، وذلك من خلال فحص مني الرجل وبصماته في المعامل الجنائية، أو من خلال تصوير وقائع الجريمة بآلات التصوير الحديثة ... إلخ، وهذا هو قول الزيلعي وابن الغرس والطرابلسي من الحنفية، وابن فرحون والمازري من المالكية، وابن عبد السلام من الشافعية، وابن تيمية من الحنابلة وغيرهم. القول الثاني: أن الزنا لا يثبت بغير الإقرار والشهود، وهذا هو قول الجصاص وابن نجيم من الحنفية، وغيرهما، وعزا غير واحد من المعاصرين هذا القول للحنفية والشافعية، والقول الأول للمالكية والحنابلة ومنهم: الزحيلي في وسائل الإثبات (2/524-525) ، وقد نصر ابن القيم - رحمه الله- القول الأول في مواضع من كتبه ومنها- إعلام الموقعين (4/374) ، حيث قال: "ولقد حدَّ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- في الزنا بمجرد الحبل، وفي الخمر بالرائحة والقيء، وهذا هو الصواب، فإن دليل القيء والرائحة والحبل على الشرب والزنى أولى من البينة قطعاً، فكيف يظن بالشريعة إلغاء أقوى الدليلين" ا. هـ، وما قاله - رحمه الله- قوي، وله حظ من النظر والأثر، وإن كان ما تطمئن له النفس هو القول الثاني، لا سيما مع إمكان التعزير عند عدم ثبوت الحد وبكل حال، فالقول بجواز القضاء بالقرائن مخصوص بالقرائن القطعية التي تقرب إلى حد اليقين، كما مثل بذلك ابن الغرس فيما حكاه عنه ابن نجيم في البحر الرائق (7/205) ، أنه قال في إثبات القصاص بالقرائن ما نصه: "والحجة - يعني في القضاء - إما البينة أو الإقرار، أو اليمين أو النكول عنه، أو القسامة، أو علم القاضي بما يريد أن يحكم به، أو القرائن الدالة على ما يطلب الحكم به دلالة واضحة، بحيث تصير في حيز المقطوع به، فقد قالوا: لو ظهر إنسان من دار ومعه سكين بيده وهو متلوث بالدماء، سريع الحركة، عليه أثر الخوف، فدخلوا الدار في ذلك الوقت على الفور، فوجدوا بها إنساناً مذبوحاً لذلك الحين، وهو متضمخ بدمائه، ولم يكن في الدار غير ذلك الرجل الذي وجد بتلك الصفة، وهو خارج من الدار، فإنه يؤخذ به، إذ لا يمتري أحد في أنه قاتله ... " ا. هـ.
وعلى هذا فالقرائن الظنية لا يثبت بها الحد على كلا القولين، وكذا القرائن القوية التي لا تنفك عن الاحتمال، ومن ذلك الصور التي يمكن تزويرها أو تركيب بعضها مع بعض، فهذه ونحوها لا يصح أن تكون حجة في إثبات الحد؛ للاحتمال الوارد عليها، وهو شبهة يدرأ بها الحد، وهذا لا ينفي التعزيز إذا قويت التهمة. والله تعالى أعلم.(14/302)
هل على هذا دية؟!
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 04/08/1425هـ
السؤال
كنت في مناقشة مع أحد الإخوة حول قصة سقوط طفل من أحد البيوت وسقوطه على سيارة تقف بجوار المنزل مما نتج عنه وفاة الطفل, ثم قال إن صاحب السيارة تحمل دية الطفل؛ لأنه يعتبر في حكم الضامن, فهل حقاً يعتبر في هذه المسألة ضامناً، بحيث إن وقوف السيارة وقوف طبيعي ليس فيه خطأ, أرجو بيان ذلك, وما هو تعريف الضامن شرعياً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن أهل العلم قسموا أحوال القتل إلى أقسامٍ ثلاثة، لكلٍ منها أحكام تخصه، وهي:
القسم الأول: القتل العمد، وضابطه: أن يقصد إنسانٌ قتل إنسانٍ آخر بما يقتل غالباً كسكين أو خنجر أو سيف أو مسدس، والحكم في هذا النوع من القتل أن أولياء الدم لهم طلب القصاص أو أخذ الدية أو العفو.
القسم الثاني: القتل شبه العمد، وضابطه: أن يقصد إنسانٌ ضرب إنسانٍ آخر بما لا يقتل غالباً فيقتل به كالسوط والعصا، والحكم في هذا النوع من القتل أن أولياء الدم لهم أخذ الدية المغلَّظة أو العفو.
القسم الثالث: القتل الخطأ، وضابطه: أن يفعل الإنسان ما يُباح له فعله، وينتج عنه قتل إنسانٍ آخر، كأن يقصد الإنسان صيداً فيصيب إنساناً لم يقصد إصابته فيقتله، والحكم في هذا النوع من القتل أن أولياء الدم لهم أخذ الدية العادية أو العفو، كما أنه يجب على القاتل الكفارة التي أوجبها الله على من قتل غيره خطأً.
أما إذا كان القتل ناتجاً عن أمرٍ آخر غير الأمور الثلاثة السابقة، فإنه لا يجب للمقتول حقٌ على أحدٍ من الناس، وما ذُكر في السؤال لا يدخل تحت الأقسام الثلاثة السابقة، ولذلك فإن صاحب السيارة لا يجب عليه ما نتج عن سقوط هذا الطفل على سيارته؛ لأنه لم يقصد القتل، ولم يفعل فعلاً نتج عنه القتل، لا سيما وأنه وضع سيارته في مكانها المناسب، ولذلك فإنه لا يجب عليه دفع الدية ولا الكفارة؛ لأنه لم يفعل شيئاً يترتب عليه مثل ذلك. أما الضمان فإنه يُطلق في اصطلاح الفقهاء على معانٍ متعددة، وذلك بحسب الموضع الذي يُذكر الضمان فيه، وهذا هو السبب في اختلاف تعريف الضمان، وأهم هذه الإطلاقات:
1- يطلق على كفالة النفس، وكفالة المال عند جمهور الفقهاء من غير الحنفية, وعنونوا للكفالة في هذا الموضع بالضمان.
2- ويطلق على غرامة المتلفات والغصوب والتعييبات والتغييرات الطارئة.
3- كما يطلق على ضمان المال, والتزامه بعقد وبغير عقد.
4- ويطلق أيضاً على ما يجب بإلزام الشارع, بسبب الاعتداءات: كالديات؛ ضماناً للأنفس, والأروش؛ ضمانا لما دونها, وكضمان قيمة صيد الحرم, وكفارة اليمين, وكفارة الظهار, وكفارة الإفطار عمداً في رمضان ونحو ذلك، وهذا التعريف هو مراد السائل، وبما أن صاحب السيارة لم يعتدِ على أحد، فإنه لا يجب عليه الضمان. والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/303)
هل يقام الحد على الأطفال؟
المجيب نزار بن صالح الشعيبي
القاضي بمحكمة الشقيق
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 10/6/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أرجو إفادتي: هل يقام الحد أو القصاص على الأطفال في سن العاشرة في السعودية؟ مدرستنا مقتنعة بذلك بعد أن قرأت كتاباً يبحث في هذا الأمر، وأريد أن أعرف وأبين لهم هل هذا صحيح أم لا؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحد والقصاص من العقوبات المقدرة في الشريعة الإسلامية، وهي لا تقام إلا على من توفرت فيه موجبات المؤاخذة الجنائية، ومن ذلك أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً؛ وذلك لأن الصبي والمجنون قد رفع عنهما القلم، وقد قال ابن قدامة في (المغني 12/357) ما نصه: (أما البلوغ والعقل فلا خلاف في اعتبارهما في وجوب الحد وصحة الإقرار) ، وقد روى علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل" رواه أبو داود (4403) والترمذي (1423) ، وغيرهما، ولكن إذا لاحظ القاضي أن الطفل لديه بعض الإدراك فلا مانع من تأديبه تأديباً خفيفاً مراعياً صغر سنه، كما يؤدب الأب ابنه إذا لاحظ عليه انحرافاً في السلوك باللوم والتوبيخ أو غيره.
أما إقامة الحدود والقصاص ونحوها على الصبي دون العاشرة فهذا من الكذب والبهتان على القضاء في المملكة، فكيف يقام حد القصاص على طفل لم تكتمل قواه العقلية بعد؟! والله أعلم.(14/304)
هل عليه كفارة قتل الخطأ؟
المجيب سالم بن ناصر الراكان
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 21/08/1425هـ
السؤال
السؤال هو: سيارة بها خمسة أشخاص، يقودها أحدهم، والسائق يحمل جميع المواصفات القانونية لقيادة السيارة، ففي أثناء قيادته للسيارة تعرضت السيارة إلى انزلاق أدى بها إلى الانقلاب، فبسبب هذا الانقلاب توفي شخصان، فبالنسبة للحادث حدث بدون توقع جميع الراكبين، فهل يعتبر السائق قاتلاً خطأ؟ وإذا كان قاتلاً خطأً فهل عليه كفارتان أم واحدة؟ وهل الكفارة هنا يجوز فيها التخيير بين الإطعام والصيام والكسوة وتحرير الرقبة، أم عليه الصيام فقط؟ وإذا كان مخيرا، فما حد الإطعام في قوله من أوسط ما تطعمون أهليكم؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إذا كان الأمر كما ذكرت من أن الحادث بسبب انزلاق لا يمكن تفاديه، ولم يحصل من السائق تقصير ولو بنسبة ضئيلة فإنه لا يعد قاتلاً خطأ، ولكن في الغالب يكون من السائق شيء من التقصير، إما في تفقد الإطارات في السيارة، أو الانشغال بحديث مع زملائه، ونحو ذلك من أنواع التقصير، وإذا كان الأمر كذلك فإنه يعد قاتلاً خطأً، وتجب عليه الكفارة لكل شخص كان هو سبباً في وفاته، علماً بأن كفارة القتل ليس فيها إطعام وإنما هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد انتقل إلى صيام شهرين متتابعين، وليس هناك خيار ثالث. والله أعلم.(14/305)
قتل الرحمة!
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 06/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
ما الحكم في قضية الرضا بقتل النفس؟ حيث يرضى المريض بأن يقتله الطبيب؛ لشدة الألم، أو يقدم الطبيب على هذا؛ ليقينه في موت المريض، وتفادياً لآلامه الشديدة، والقضية أكبر من ذلك. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فالله -تعالى- حرّم قتل النفس المعصومة؛ قال تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً" [النساء: من الآية92] ، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه" متفق عليه عند البخاري (6878) ومسلم (1676) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، ولأن قتل النفس اعتداء على حق الله -تعالى- وليست الحياة حقاً للإنسان؛ لأنه لا يحق له قتل نفسه بالانتحار؛ كما قال تعالى: "وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ" [النساء: من الآية29] ، فقد أمر الله -تعالى- المريض بالصبر على ما أصابه، وجعل ذلك رافعاً لدرجته وموجباً للأجر الكبير؛ قال تعالى: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" [البقرة: من الآية155] ، وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا" [آل عمران: من الآية200] ، وقال تعالى: "أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا" [القصص: من الآية54] ، وقال عليه الصلاة والسلام: "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن، حتى الهم يهمه إلا كفّر الله به عنه من سيئاته" رواه مسلم (2573) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما -.
لذلك كله فإنه لا يجوز للمريض أن يطلب من الطبيب أو غيره قتله، ولو فعل ذلك لكان منتحراً مستحقاً للوعيد، ولا يجوز للطبيب مساعدته في ذلك؛ ولو فعل لكان آثماً بفعله، وكما أن هذا الفعل محرم في الشرع، ولا تبيحه الدوافع التي يظنها الناس أنها إنسانية، فهو كذلك محرم في القوانين الوضعية.
وهذه المسألة قد بحثت من عدد من الفقهاء المعاصرين، وعقدت لها عدة ندوات، ولا فرق فيها بين رفع أجهزة التنفس، أو منع إعطائه العلاج الذي يموت لو أوقف عنه، أو إعطائه دواءً يموت باستعماله، فكله قتل محرم لا يجوز فعله، ولا الإذن به. والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.(14/306)
تحديد دية القتل
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 24/11/1425هـ
السؤال
سماحة الشيخ: ما الحكمة من عدم تحديد الدية عند القتل؟ وبعض الناس قد يطلب 8 مليون ريال، ديةً، وسمعنا ذلك، فهل تفيدونا جزاكم الله، أفيدونا مأجورين.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالجواب: أن الدية محددة في قتل الخطأ وشبه العمد، أما في العمد فيجب القصاص أو الدية إن اختارها ولي المقتول، حيث إنه يخيّر بين القصاص والدية؛ لما جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "مَن قُتِل لَهُ قَتِيلٌ فَهُو بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ؛ إمَّا أنْ يُفْتَدَى، وإمَّا أنْ يُقِيدَ". أخرجه البخاري (2434) ومسلم (1355) . هذا وعفوه مجانًا أفضل؛ لقوله تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [البقرة: 237] . فإن اختار الولي الدية فليس له غيرها، وهي أيضًا محددة، وللولي أيضًا الصلح على أكثر منها، وهنا لا تحديد ولو طلب الولي ما ذكر في السؤال أو أكثر فله ذلك إلا أنه يشرع له ألا يبالغ.
هذا، والحكمة والله أعلم في عدم التحديد هنا أن القتل العمد جريمة عظيمة ترتجف لها القلوب، وتتصدع لها الأفئدة، وينزعج منها أولو العقول، وما كانت لتصدر من مؤمن على مؤمن، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً.....) الآية. ثم قال في الآية التي تليها: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) . الآيتان من سورة [النساء: 92، 93] . فأي وعيد أبلغ من هذا الوعيد، فالقتل العمد ذنب عظيم لا تقوى عليه الكفارة، فهو إزهاق لنفس عمدًا بغير حق جزاؤه القصاص، وهو قتل القاتل جزاءً وفاقًا، فإذا اصطلح أولياء المقتول على مال ولو كثر فهو خير للقاتل من أن تزهق نفسه، فتفوت عليه نفسه وما يملكه. هذا، ومشروعية العفو لأولياء المقتول إلى مال، ولو كثر، رحمة من الله، وتخفيف؛ ولهذا قال الله سبحانه في آيات القصاص: (ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِن رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) [البقرة: 178] . والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.(14/307)
القتل الخطأ
المجيب حمد بن عبد الله الخضيري
القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 27/01/1426هـ
السؤال
صدم ابني الشاب طفلة بجانب السيارة، حيث اندفعت بسرعة عبر الطريق السريع بين مدينتين، وقد أقرّت أم الطفلة بخطئها في ترك ابنتها تعبر الطريق السريع وحدها، وشاء الله تعالى- أن تموت الطفلة بعد يوم من محاولة العلاج بالمستشفى. السؤال:
(1) ما مفهوم القتل الخطأ؟ حيث أقرّ أهل الطفلة بأنهم قد أخطؤوا.
(2) إذا قبل أهل الطفلة بالدية وتم السداد لهم، هل الصيام مطلوب شرعًا؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
القتل الخطأ نوعان:
الأول: ما يقصد فيه الجاني الفعل الذي أدى للجريمة ولا يقصد الجريمة ولكنه مع ذلك يخطئ كمثل الذي يرمي صيدًا فيخطئه فيصيب آدميًّا.
النوع الثاني: ما لا يقصد فيه الجاني الفعل ولا الجريمة ولكن يقع الفعل نتيجة لإهماله أو عدم احتياطه، ولعل هذا النوع هو الأقرب لما حصل لابنك، وأما الكفارة لقتل الخطأ فلا علاقة لها بالدية، فيجب على من قتل خطأ أن يعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين؛ لنص الآية، ولو سلم الدية؛ لأن الكفارة حق لله سبحانه. والله أعلم.(14/308)
دهس طفلة فهل عليه كفارة؟
المجيب راشد بن فهد آل حفيظ
القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 13/09/1425هـ
السؤال
صدم ابني الشاب طفلة بجانب السيارة، حيث اندفعت بسرعة عبر الطريق السريع بين مدينتين، وقد أقرّت أم الطفلة بخطئها في ترك ابنتها تعبر الطريق السريع وحدها، وشاء الله تعالى- أن تموت الطفلة بعد يوم من محاولة العلاج بالمستشفى. السؤال:
(1) ما هو مفهوم القتل الخطأ؟ حيث أقرّ أهل الطفلة بأنهم قد أخطؤوا.
(2) إذا قبل أهل الطفلة بالدية وتم السداد لهم، هل الصيام مطلوب شرعًا؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولاً: إن قتل الخطأ هو: أن يفعل القاتل فعلاً لا يريد به إصابة المقتول فيصيبه فيقتله. ذكره ابن قدامة في المغني (11/464) .
ثانيًا: أنه إن كان الحال ما ذكرت، وهو أن هذه الطفلة هي التي اندفعت ورمت بنفسها أمام ابنك ولم يمكنه تلافيها، ولم يكن منه أي سبب أو تفريط فلا ضمان عليه ولا كفارة، ولا دية على عاقلته.
ثالثًا: إن حصل منه سبب أو تفريط فعليه الكفارة على عاقلته الدية بقدر نسبة الخطأ الذي عليه، والكفارة هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر فيهما إلا بعذر شرعي من سفر أو مرض، أو نحوه، فإن لم يستطع الصيام لكبر أو لمرض لا يرجى برؤه فلا شيء عليه بعد ذلك.
إذًا فالصيام مطلوب إذا لم يجد عتق الرقبة، ولا يسقط عنه إلا إذا كان معذورًا.
رابعًا: أنه يلزم والدة الطفلة الكفارة، ويلزم عاقلتها الدية كاملة إن كان الخطأ عليها كله، أما إن كان الخطأ مشتركًا فعلى عاقلتها من الدية بقدر الخطأ الذي عليها؛ لأنها تتبعض، بخلاف الكفارة فإنها لا تتبعض وتجب كاملة على القاتل خطأً أو شبه عمدٍ، دون القاتل عمدًا. والله أعلم.(14/309)
دية الجنين
المجيب د. إبراهيم بن محمد قاسم رحيم
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 07/09/1425هـ
السؤال
كم قيمة الدية عن إجهاض طفل؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لا يخلو الجنين إما أن ينفصل من بطن أمه ميتًا أو حيًّا ثم يموت، فإن انفصل ميتًا فإن الواجب فيه غرة، سواء كان الجنين قد نفخت فيه الروح ومرت عليه أكثر من أربعة أشهر أم لا، ولكن لا تجب إلا إذا تخلق الجنين؛ لأن النطفة لا يتعلق بها حكم إجماعًا، كما نقل القرطبي- رحمه الله- وكذلك العَلَقة والمضغة التي لم تتخلق، ويعلم التخلُّق بقول ثقات الأطباء بعد معاينة السقط، وأما إذا تجني على الجنين بإجهاض أو جناية وانفصل حيًّا ثم مات بسبب الجناية أو بغيرها، فالواجب فيه دية كاملة، يختلف فيها الذكر عن الأنثى، وتكون كدية الرجل الكبير والمرأة.
وتقدير الغرة كما ورد في الحديث عبد أو أمة، وقدرت بعشر دية أُمِّهِ، ونصف عُشر دية الرجل، وقد اختلف العلماء في أصول الدية هل هي الذهب والفضة، أو الإبل، أو أنها مجموعة أصول، وعلى كلٍّ فيمكن أن يقع اختلاف في تقديرها بناء على هذا الخلاف، ويمكن حسابها بالذهب على أساس أن دية الرجل ألف دينار من الذهب، ووزن الدينار كما توصل إليه بعض الباحثين 4.25 جرام، فيضرب 1000×4.25=4250 جرامًا، تضرب في سعر الذهب الحالي، ولنفرض أنه (42) مثلاً فيكون الناتج 4250×42=187500، وبقسمة هذا الناتج على (20) الذي هو نصف عشر الدية تخرج قيمة الغرة، وبناء على قرار هيئة كبار العلماء في المملكة يجعل الدية في الخطأ مائة ألف، ودية المرأة على النصف فتكون الغرة بالريال السعودي خمسة آلاف ريال قيمة خمسة من الإبل على اعتبار أن الإبل هي الأصل، هذه طرق تقريبية لحساب الغرة. والله الموفق.(14/310)
يريدون القصاص وقانون بلدهم يمنع الإعدام!
المجيب سالم بن ناصر الراكان
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 26/10/1425هـ
السؤال
رجل قتل أخي، وتلقى عقوبة السجن خمس سنوات، لكن أهلي يرفضون ويقولون إن هذا ليس كافيًا، ويريدون قتل هذا القاتل. ما حكم الشرع في ذلك؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
إن الشريعة الإسلامية جعلت لأهل المقتول الخيار بين أن يقتلوا القاتل أو يأخذوا الدية؛ لما في سنن أبي داود (4504) والترمذي (1406) عن أبي شريح الخزاعي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ بَعْدَ اليَوْمَ، فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: إمَّا أنْ يَقْتُلُوا أوْ يَأْخُذُوا العَقْلَ ". والحديث أصله في الصحيحين: البخاري (2434) ومسلم (1355) . لكن من المعلوم أن استيفاء القتل من الولايات العامة المنوطة بالسلطان وولي الأمر؛ لأن في استيفاء الناس القصاص بأنفسهم فسادًا في المجتمعات واضطرابًا في الأمن، فعليهم طلب ذلك من السلطات القضائية المختصة، لكن إذا كان البلد تمنع قوانينه عقوبة الإعدام- كما هو ظاهر السؤال- فالذي أرى لهم طلب الدية أو التعويض والصبر والاحتساب، وعدم الإقدام على قتل القاتل؛ لأن هذا من خصائص ولي الأمر، وربما يترتب على ذلك مفاسد ونتائج خطيرة. والله ولي التوفيق.(14/311)
عقوبة الاغتصاب
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 27/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما هي عقوبة الاغتصاب والاختطاف بالزنى أو القتل؟ وهل الاختطاف يعتبر كالمحارب؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده، وبعد:
فإن الاغتصاب والاختطاف إذا وقعا على جهة المغالبة بالفساد، فيجب على الفاعل حينئذ حد الحرابة، ولو وقع الاغتصاب والاختطاف في المدينة على الأصح من قولي أهل العلم. وكما أن المحاربة تتحقق بإزهاق الأنفس، وسلب الأموال، فهي تتحقق أيضاً بانتهاك الأعراض، وفي هذا يقول القاضي ابن العربي - رحمه الله- في أحكام القرآن (2/95) ما نصه: (ولقد كنت أيام تولية القضاء قد رفع إلي قوم خرجوا محاربين إلى رفقة، فأخذوا منهم امرأة مغالبة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معها فيها، فاحتملوها، ثم جدَّ فيهم الطلب، فأُخذوا، وجيء بهم، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين؟ فقالوا: ليسوا محاربين؛ لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج، فقلت لهم: "إنا لله وإنا إليه راجعون" ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال، وإن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم، ولا يحرب المرء من زوجته وبنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج ... ) ا. هـ.
هذا إذا كان على وجه المكابرة والمجاهرة، أما إن وقع الاغتصاب والاختطاف على وجه الخديعة، ثم وقع القتل، فيجب به حد الغيلة، وهو لا يسقط بعفو أولياء المقتول، كما هو مذهب المالكية، كما في المدونة (4/653) ، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (28/316) . وإن وقع الاغتصاب أو الاختطاف على وجه الخفية، فإنه مع وجوب حد الزنا أو القصاص، يجوز أن يعزره الإمام بما يصل إلى حد القتل على الأصح من قولي أهل العلم. والله -تعالى- أعلم.(14/312)
الإجهاض لأجل مرض الجنين
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 19/07/1426هـ
السؤال
أنا وزوجتي نحمل مرضاً وراثياً يسمى (الثلاسيميا) ، ولدينا بنت مصابة بهذا المرض، وتحتاج نقل دم كل عشرين يوماً مدى الحياة، ونحن نعاني من مرضها أشد المعاناة، حيث إنها تبلغ من العمر أربع سنوات، زوجتي الآن حامل، ومدة الحمل أقل من مائة وعشرين يوماً، والطفل مصاب بهذا المرض، وقرر الأطباء أنه مصاب بنسبة (100%) كما أثبتت التحاليل. فما حكم إسقاط الجنين والحال كذلك؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فقد اختلف العلماء في إسقاط الجنين قبل تمام الأربعة أشهر من الحمل باعتباره لم تنفخ فيه الروح، والصحيح -إن شاء الله تعالى- أن مثل حالتك -أخي السائل- أنه لا يجوز إسقاط الحمل؛ لأن الحمل محترم حتى قبل نفخ الروح فيه. بدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخَّر تنفيذ حد الزنا في المرأة الزانية لكونها حاملاً، كما في صحيح مسلم (1695) . ولم يسألها في أي دور من أدوار الحمل كانت، والقاعدة أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال تنزل منزلة العموم في المقام.
كما أن ولادة الجنين مصاباً بمرض مع كل ما يلحق الأبوين من عناء لذلك ومشقة فهو يعني بقاءه حياً، وإمكان استمرار حياته -غالبًا- رغم وجود المرض.
لذلك كله فإني لا أرى جواز إسقاط الجنين المذكور، وأوصي أبوية بالصبر واحتساب الأجر، والله أعلم وأحكم.(14/313)
نامت على طفلها فمات!
المجيب إبراهيم بن مهنا المهنا
مدير قسم التوعية الإسلامية بجهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني بجدة
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 05/11/1426هـ
السؤال
امرأة نامت على طفلها، وقتلته خطأ، فماذا عليها؟ علماً أننا أخبرناها أن هذا قتل خطأ، وعليها صيام شهرين، ولكنها لم تصم وماتت، فهل يجوز أن يصوم عنها ابنها؟ أو نقسم الأيام بين أولادها، أو نطعم عنها، وما مقدار الإطعام؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا كان الطفل قد نامت عليه بالخطأ ومات، فعليها الكفارة, وهي عتق رقبة مؤمنة, فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين, وما دامت قد توفيت فإن كانت لها تركة، فإنه يكفر عنها من تركتها بأن يشترى منها رقبة وتعتق إن أمكن, فإن لم يمكن تحصيل الرقبة فإنه يستحب لك أو أحد أقاربها أن يصوم عنها شهرين متتابعين, لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه: "قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه". صحيح البخاري (1952) ، وصحيح مسلم (1147) . والولي في الحديث هو القريب.
وإذا لم يمكن أن يصوم عنها أحد فإنه يطعم عنها ستين مسكيناً، لكل مسكين نصف صاع من بر أو تمر أو زبيب أو غيرها من طعام البلد كالأرز أو نحوه، وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الفتوى رقم (16059) المجلد (21) صفحه (416) ، الطبعة الأولى 1424 هـ.(14/314)
قتل المريض لإنهاء معاناته!
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 10/07/1426هـ
السؤال
قرأت في أحد المواقع كلاماً عن القتل الرحيم (أو الموت السهل) . فما هو، وما حكمه في الإسلام؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
القتل الرحيم أو قتل الشفقة هو أن يعمد الطبيب إلى إنهاء حياة المريض الميؤوس من شفائه كالمصاب بمرض السرطان أو نقص المناعة، إذا زاد الألم على المريض، وذلك رغبة في إنهاء عذابه.
إما بإعطائه دواء ينهي حياته، أو بنزع جهاز لا يعيش بدونه، كأجهزة التنفس والإنعاش، أو بإيقاف علاج لا يعيش بدونه.
فيرى بعض الأطباء أن الدافع لهذا القتل: دافع إنساني بقصد إنهاء عذاب المريض ومعاناته، وربما معاناة أهله وذويه أيضاً.
وهذا الفعل محرم في الشرع مهما كانت الدوافع، ومتى تعّمد الطبيب أو غيره إنهاء حياة مريض ولو لسببٍ (إنساني) فإنه قاتل، سواء كان موقفه سلبياً بالامتناع عن إعطائه دواء لا يعيش بغيره، أو إيجابياً بأن أعطاه ما ينهي حياته. وهو في كل هذا آثم إثم القاتل العامد، ومهما كان له من مبررات فإن فعله محرم غير جائز.
وذلك لأن الشريعة الإسلامية أباحت للطبيب أن يباشر جسم المريض ويعالجه لأجل جلب المصالح، ودفعاً للمفاسد المتوقع حصولها، وأعظم المفاسد ارتكاب المحرمات الشرعيّة.
وكذلك ليس للمريض الحق في أن يأذن لأحد أن يجري على جسمه فعلاً حرّمه الله، وذلك لأن جسد الإنسان إنّما هو ملك لله تعالى، كما قال تعالى: "لله ملك السموات والأرض وما فيهن". (المائدة: 120) ولا يحق لأحد أن يتصّرف في مملوك بما يحرمه مالكه.
قال ابن حزم: (فحرام على كل من أمر بمعصية أن يأتمر بها فإن فعل فهو فاسق عاص لله -تعالى- وليس له بذلك عذر، وكذلك الآمر في نفسه بما لم يبح الله تعالى له، فهو عاص لله تعالى فاسق) المحلى (10/471) .
وقال ابن القيّم: (لا يجوز الإقدام على قطع عضو لم يأمر الله ورسوله بقطعه. ولا أوجب قطعه، كما لو أذن له في قطع أذنه، أو أصبعه، فإنّه لا يجوز له ذلك ولا يسقط الإثم عنه بالإذن) . تحفة المودود (ص136) .
وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز لأحد أن يقتل نفسه، ولا أن يقتل غيره بغير سبب شرعي، وليس لأحد كذلك أن يقطع عضواً من أعضائه.
قال ابن حزم: (اتفقوا على أنه لا يحل لأحد أن يقتل نفسه، ولا يقطع عضواً من أعضائه ولا أن يؤلم نفسه..) مراتب الإجماع (ص157) .
والقتل محرم قال تعالى: " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً" (الفرقان: 68-69) .
والصبر على الآلام التي تصيب الإنسان واجب عليه، ومتى طلب إنهاء حياته فهو كالمنتحر يشترك مع الطبيب في الإثم.
وحتى في القوانين الوضعية في الدول التي تحكم بها فإن قتل الشفقة يعتبر فعلاً محرماً ولم تأذن في أن يجريه الطبيب سواء بطلب المريض أو ذويه.(14/315)
ولا شك أن هذا الفعل محرم، ولا أظن أن في مثل هذه القضايا متّسعاً للخلاف بين أهل الفتوى، فهو قتل محرم شرعاً، والألم ليس عذراً في قتل النفس، فقد جاء في الحديث عن جندب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كان برجل جراح، فقتل نفسه، فقال الله عز وجل: "بدرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة" البخاري (1364) ؛ مسلم (113)
وقال تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" (النساء:29) وتكاد تكون هذه الآية نصا في الموضوع؛ لما فيها من تعليل النهي عن قتل النفس برحمة الله بعباده، وقال: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق" (الأنعام: 151) .
وفي بعض روايات الحديث المتقدم في صحيح مسلم: "أن رجلاً ممن كان قبلكم فخرجت به قرحة فلما آذته انتزع سهماً من كنانته فنكأها فلم يرقأ الدم حتى مات. قال ربكم: "قد حرمت عليه الجنة".
وثبت في الحديث أيضاً أن رجلاً قاتل مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فجرح جرحاً شديداً، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه فتحامل عليه فقتل نفسه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- هو في النار، صحيح البخاري (6606) ؛ مسلم (112) .
وأما فتوى سماحة مفتي الديار المصرّية في هذه المسألة فلا أعرفها ولا أدري عنها، والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.(14/316)
تحمل الأقارب لدية القتل
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 05/11/1426هـ
السؤال
هل يجب على عائلة القاتل أن تشارك في دفع دية المقتول؟ على الرغم من أن القرابة بينهم بعيدة، علماً أن الدية تحتاج إلى مبالغ طائلة لا يقدرون عليها.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا قتل إنسان آخر خطأ فإن عليه ديته تتحملها عاقلته، وهم أقاربه الذكور من عصباته، بتحمل كل واحد منهم بحسب استطاعته، ويفرض ذلك القاضي عند الاختلاف، وتكون مقسّطة ثلاث سنوات يدفعون كل سنة قسطاً منها.
والفقير لا يكّلف بشيء منها، فإن كان أقاربه كلهم فقراء فليس عليهم شيء، ومثل القتل الخطأ شبه العمد.
والدية حددها الشرع في القتل الخطأ، وشبه العمد، وهي مائة بعير أو مائتا بقرة أو ألفا شاة، أو ما يساويها؛ لما رواه أبو داود (4542) عن جابر -رضي الله عنه-.
وليس لأولياء المقتول إلا هذه الدية التي حددها الشرع.
أما القتل العمد فإنه يوجب القصاص أصلاً، ويمكن لأولياء المقتول أن يصطلحوا مع القاتل على التنازل عن القصاص مقابل عوض مالي، لكن هذا العوض يتحمله القاتل، ولا يجب على عاقلته تحمّل شيء منه إلا برغبتها واختيارها، والله الموفق والهادي.(14/317)
حملت زوجته من سفاح، فهل يقيم عليها الحد؟
المجيب محمد بن سليمان المسعود
القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 17/8/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
إذا كنت في بلد لا تطبق الشريعة الإسلامية، وحدث اعتداء على حد من حدود الله سبحانه وتعالى؟ مثل زنا الزوجة وبيان حملها من غير زوجها، فهل على زوجها أو أهلها تطبيق حد الرجم أو قتلها؟ أم ماذا؟ وماذا نجيب من قال بتوقيف الحدود في زمن السلطان عبد الحميد؟ أرجو التفصيل قدر الإمكان. وجزاكم الله كل الخير عنّّا.
حفظك الله.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
حيال ما ذكره السائل إذا كان في بلد لا تطبق الشريعة الإسلامية، وأنه هل له أن يقيم الحدود أو حد الرجم أو ماذا؟
أقول: كما هو معلوم أن هذه الحدود يجب إنفاذها كما أمر الله تعالى، أما من يتولى إنفاذها فإن ذلك إلى ولي أمر المسلمين، وهذا كما دلت عليه النصوص من الأمر بطاعة ولي الأمر، ولأن إنفاذ الحدود دون الرجوع إلى الحاكم أو ولي الأمر يفضي إلى مفاسد عظيمة، وينشأ عنها من سفك الدماء وغير ذلك، ولأن إقامتها يتطلب معرفة شروط ذلك، ومن ينطبق عليه الحكم الشرعي، وهذا يتطلب وجود الحاكم الشرعي - العالم بذلك، وأما كون السائل يقيم في بلد لا تطبق الشريعة، ومعناه أنه لا يوجد الحاكم الشرعي، وحصل ما حصل من زنا الزوجة، فإن عليه أن يفارقها "عن الجماع" حتى تضع حملها، وإن شاء بعد ذلك فارقها بالطلاق، أو أن تبقى في عصمته، وذلك بعد أن تتوب التوبة النصوح، أما الولد فلا ينسب إلى الزوج؛ وذلك ما دام أن هذا الحمل حمل سفاح - عياذاً بالله من ذلك.
وعقوبتها وأمرها إلى الله تعالى، ولكن له أن يعاقبها بالهجر وغير ذلك من العقوبات التي يحصل بها ردعها وتأديبها، وعليه أيضاً بذل الأسباب لحفظ زوجته من الوقوع في مثل هذا المنكر والذنب العظيم، وأسأل الله عز وجل أن يصلح حالهما، والله هو الموفق وصلى الله على نبينا محمد.(14/318)
التعامل مع المحامين في بلاد الكفار
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 30/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل يجوز الذهاب إلى المحامي من أجل مقاضاة شخص أو شركة في بلاد كفر، مثل: بريطانيا؟ وبارك الله فيكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالأصل أنه لا يجوز للمسلم أن يتحاكم لغير حكم الله قال تعالى:"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" [النساء:65] .
والحكم بغير ما أنزل الله كفر وظلم وفسق، وقد اتفق أهل العلم على أنه يحرم التحاكم إلى قاضٍ غير مسلم وإلى حكم غير الإسلام.
هذا هو الأصل فإن كان المسلم في بلد كافر أو بلد يحكم بقوانين وضعية فإن عليه أن يتحاكم مع خصمه إلى حاكم يختار أنه من أهل الإسلام بأن ينتخب المسلمون بينهم من يصلح للقضاء ويحرصون على تعيينه، أو ينهون مشاكلهم بطريق التحكيم.
فإن اضطر المسلم لأن يتحاكم إليهم جاز للضرورة فالحاجة تنزل منزلة الضرورة والضرورات تبيح المحظورات، قال تعالى:"وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه" [الأنعام:119] .
وإذا جاز له أن يتحاكم إليهم جاز له أن ينيب عنه محامياً أو وكيلاً، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.(14/319)
رفع ولاية العاضل
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 2/1/1425هـ
السؤال
أحب فتاة وتحبني، ربطتنا علاقة لها أكثر من عشر سنوات، نريد الزواج، وأبوها يرفض لمشاكل بينه وبين بعض عائلتي، مما نتجت عنه قطيعة بينه وبين معظم أهل بيتي، قررنا الزواج عن طريق القاضي. ما حكم ذلك؟ وهل فيه عقوق لوالدها إذا تزوجتها عن طريق القاضي؟
الجواب
الحمد لله وحده وبعد:
فقد جاء في السؤال ارتباط علاقة حب منذ سنوات بين السائل وفتاة، ومعلوم أن الإسلام في تنظيمه لعلاقات أفراده حَرَّم خلوة الرجل بالمرأة كما قال - عليه الصلاة والسلام-:" لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" متفق عليه البخاري (5233) ومسلم (1341) .
وحرّم الاستمتاع بالمرأة الأجنبية بالكلام أو النظر كما قال - تعالى-: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم " [سورة النور:30] ، وبعد هذا التنبيه، فإنه إذا تقدم للمرأة رجل كفء لها وأراد الزواج منها بمهر مثلها، ورغبت هي أيضاً في الزواج منه باقتناع تام فإنه يجب على وليها تزويجها منه، فإن منعها فهو عاضل لها، فتنتقل بموجبه الولاية عنه؛ لأنه حق واجب عليه امتنع من أدائه.
فلا حرج عليكما في التقدم للقاضي ليتم عقد النكاح بينكما عن طريقه، وليس هذا من العقوق، ولكني أحب للسائل أن لا يبدأ حياته الزوجية بدعوى قضائية، وليحاول استرضاء والد الفتاة وإقناعه عن طريق بعض معارفه ومن يستحي منهم؛ ليكون ذلك أدعى لدوام الوفاق والبعد عن التنافر، والله الموفق.(14/320)
العمل في المحاماة في بلد غير مسلم
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 20/1/1423
السؤال
أخبرني بعض الإخوة أنه يجوز العمل كمحامٍ في بلد غير مسلم، طالما أننا لا نخالف الشريعة الإسلامية، ما هو الرأي السديد في هذه المسألة؟
الجواب
الأصل في عمل المحامي أنه وكيل يسعى لإثبات حق موكله، ودفع الظلم عنه، وإذا توخّى المحامي الحق، والتزم بعدم مخالفة الشرع فعمله صحيح، وهو مأجور عليه بحسب قصده الخير، حتى ولو كان في بلد غير إسلامي.
أما إذا قصد بعمله إبطال حقّ، أو نصرة باطل، فعمله حرام، وكسبه حرام حتى ولو كان في بلاد المسلمين، وبالله التوفيق.(14/321)
العمل في نظام قضائي يخالف الشريعة
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 2/2/1423
السؤال
هل يجوز العمل بمهنة في القضاء إذا كانت القوانين المطبقة في النظام القضائي ليست كلها مطابقة للشريعة الإسلامية؟ والمهنة هي وكيل نيابة أرجو سرعة الإجابة الواضحة والاستشهاد بالقرآن والسنة.
الجواب
إذا كانت القوانين القضائية المذكورة في السؤال مخالفة لشرع الله كتغيير حدود الزنا والسرقة، وكجعل التشريع حقّاً لغير الله من مجالس وبرلمانات، وكتحليل لبعض ما حرم الله ونحو ذلك مما يخالف الشرع، فلا يجوز العمل في المهن القضائية فيه، سواءٌ كان قاضياً أو مدعياً عاماً مطالباً بتنفيذ هذه القوانين.
إذ هذا العمل أولاً مخالفة لشرع الله -تعالى- وخروج عن أمره قال -تعالى-: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول" (النساء:59) ، وقال: "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا" (النور:51) ، وقال: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" [الحشر:7] .
وثانياً معارضة لحق الله -تعالى- في التشريع والحكم بين عباده، قال -تعالى-: "إن الحكم إلا لله" [يوسف:40] ، وقال: "أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً" [الأنعام:114] ، ووصف الله -تعالى- نفسه بأنه أحكم الحاكمين، وقال: "والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب" [الرعد:41] .
وقد رتب الله -تعالى- على التحاكم إلى غير شرعه والحكم بغير ما أنزل وعيداً شديداً فقال: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم" [النساء:65] ، وقال: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" [المائدة:44] .
وهذه المسألة أوضح من أن يستدل عليها فهي من أصول الدين وقواعده العظيمة، ومعنى الإسلام: الخضوع لأمر الله والاستسلام له.
وكل من عرف أن لا إله إلا الله فلا بد له أن ينقاد لحكم الله ويسلّم لأمره الذي جاء من عنده على يد رسوله، فالله -تعالى- هو رب الناس وإلههم، فكما أنه الخالق فهو سبحانه الآمر الذي يجب عليهم طاعة أمره كما قال -تعالى-: "ألا له الخلق والأمر" [الأعراف:54] .
ومهنة وكيل النيابة إن كانت تتضمن تطبيقاً لقانون يخالف الشرع أو حكماً به وعملاً وتداعياً إليه فهي محرمة لما مر من الأدلة، وفق الله المسلمين لتطبيق شرع رب العالمين.(14/322)
شهادة الكافر على المسلم
المجيب عبد الله بن سعد الكليب
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 24/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل يجوز لغير المسلم أن يشهد على مسلم في محكمة شرعية؟.
الجواب
بسم الله والصلاة والسلام على رسوله وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فلا تقبل شهادة الكافر على المسلم إلا أهل الكتاب في الوصية في السفر إذا لم يوجد غيرهم وحضر الموصي الموت، فتقبل شهادتهم. وهذا منقول عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وهو مذهب الإمام أحمد، وهو الراجح، لعموم قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" [الطلاق:2] ، والكافر ليس بذي عدل، وقوله تعالى: "واستشهدوا شهيدين من رجالكم" إلى قوله: "ممن ترضون من الشهداء" [البقرة: 282] ، والكافر ليس من رجالنا ولا ممن نرضاه، ولأن الفاسق لا تقبل شهادته فالكافر أولى، واستثني من عموم هذه الأدلة حالة الوصية في السفر وعدم وجود غيرهم لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت" [المائدة: 106] ، وذهب الجمهور إلى عدم قبول شهادة الكافر على المسلم مطلقا، ولكن الراجح - كما تقدم _ القول الأول.(14/323)
الحكم بالتأويل
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 4/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما رأيكم في الحكم بالتأويل من دون بينة ولا دليل؟ كأن يؤول سلوك شخص أو ما يفعله، مثال شخص مر بسوق للذهب قبض عليه والتهمة (مرورك من قرب هذا السوق لم يكن إلا لسرقة الذهب) ، حكم عليه بقطع يده بدون إقرار منه، ولا ارتكاب للسرقة، هل يجوز هذا الحكم؟ وهل يوجد في الشريعة الإسلامية (القرآن الكريم وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-) ما يسمى الحكم بالتأويل، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر" بدون سابقة، وأين نحن من علي -رضى الله عنه- عندما جلس على ركبتيه أمام القاضي هو واليهودي ليضرب أروع الأمثلة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فقد أوضح أهل العلم طرق القضاء التي يعتمدها القاضي في حكمه، والقضايا التي تعرض على القضاء نوعان: حدود وغيرها، فأما الحدود فإنها لا تقام على أحد إلا ببينة قاطعة تثبت ارتكابه لموجب الحد، إذ الحدود تدرأ بالشبهات، فكلما وجدت شبهة فإنها تمنع إقامة الحد، وبناء على ما تقدم يتضح أن المثال المذكور في السؤال غير سائغ. والنوع الثاني: ما سوى الحدود، والحكم فيها مبني على غلبة الظن بصدق أحد الطرفين، وقرائن الأحوال تعرف بقواعد شرعية مقررة عند أهل العلم. ومن القرائن ودلائل الأحوال المحيطة بالقضية ما هو أقوى من أي بينة، ومثال هذا أن تقع جريمة سرقة في وقت لا يوجد بجوار الموضع إلا شخص واحد تدل الأمارات على تخفيه، أو أن له سوابق في السرقة أو نحو ذلك، فهذا كاف لوجوب عقابه بما هو دون الحد، وهذا العقاب تعزير له لتوجه التهمة إليه، ووجود الاحتمال بأنه هو من ارتكب الجريمة، ولأنه لم يربأ بنفسه عن مواطن الشبهات، أو أدخل نفسه فيها، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.(14/324)
الإثبات بالبينات المعاصرة
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 7/6/1424هـ
السؤال
أنا طالب جامعي تخصصي شريعة وقانون، وأبحث عن موضوع جعلته مذكرة تخرجي وعنوانه: أدلة الإثبات بين الشريعة والقانون.
وتلقيت إشكاليات وإبهامات أرجو من الله ثم منكم أن تمنوا علي بما منَّه الله عليكم به من العلم، وأن تفيدوني في أقرب وقت ممكن، والأسئلة كالآتي:
(1) ما حكم الإثبات بالتسجيلات الصوتية في القضاء؟
(2) ما حكم الإثبات بالبصمات الوراثية؟
(3) ما حكم الإثبات بالتصوير الفوتوغرافي؟
(4) ما حكم الإثبات بالكلب البوليسي؟
وكل هذه القرائن هل يجوز الإثبات بها قضاءً؟ أريد مادة علمية، وقبل ردكم على طلبي تقبلوا كل التقدير الأخوي.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإجابة ما استشكله السائل تتضح في النقاط التالية:
أولاً: اختلف أهل العلم في البينة التي يستند عليها القاضي في حكمه، هل هي محصورة بالشهادة واليمين والإقرار، أو هي أعم من ذلك، والصواب أن البينة لكل ما يبين الحق ويظهره، وهذا اختيار ابن القيم، قال: - رحمه الله -: "البينة اسم لكل ما بين الحق ويظهره، ومن خصها بالشاهدين أو الشاهد لم يوف مسماها حقه، ولم تأت البينة قط في القرآن مراداً بها الشاهدان، وإنما أتت مراداً بها الحجة والدليل والبرهان، كذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "البينة على المدعي" رواه الترمذي (1341) وغيره المراد به أن عليه ما يصحح دعواه ليحكم له) الطرق الحكمية ص 12.
ثانياً: الدعاوى المعروضة على القضاء ليست نوعاً واحداً، وكل نوع منها يختلف في إثباته عن غيره.
والحدود لا تقام إلا بعد ثبوت موجبها ببينة قاطعة لا يتطرق لها الشك، ومن القواعد المقررة أن الحدود تدرأ بالشبهات.
والتعزيرات يكفي فيها وجود تهمة قوية متجهة على المحكوم عليه، كالاتهام بحد دفعه وجود الشبهة.
وأما الحقوق المالية إذا حصلت فيها خصومة فإنها أوسع مجالاً، فيكفي رجحان أحد جانبي الخصومة في الاعتضاد باليمين لاستحقاق المدعى به أو نفيه.
قال ابن القيم (اليمين تشرع من جهة أقوى المتداعيين، فأي الخصمين ترجح جانبه جعلت اليمين من جهته) إعلام الموقعين.
ثانياً: استعمال البينات المعاصرة المستجدة في القضايا المتعلقة بالحقوق المالية لابد منه، لما في إهمالها من تضييع للحقوق، قال ابن القيم (الشارع لا يهمل بينة ولا يرد حقاً قد ظهر بدليله أبداً، ولا يقف ظهور الحق على أمر معين ... ولما ظن هذا من ظنه ضيعوا طريق الحكم، فضاع كثير من الحقوق لتوقف ثبوتها عندهم على طريق معين، وصار الظالم الفاجر ممكناً من ظلمه وفجوره، فضاعت حقوق كثيرة لله ولعباده، وحينئذ أخرج الله أمر حكم العالمين عن أيديهم ... ) إعلام الموقعين (1/91) .
رابعاً: القرائن وهي الاستدلال بالأمور المعروفة الحاصلة في القضايا على أمور مجهولة مقبولة معتبرة لترجيح جانب أحد طرفي الخصومة، إذا كان احتمال الخطأ والتزوير فيها ضعيفاً، وأما ما كثر الخطأ فيها واحتمال التزوير فهي غير معتبرة، وما بينهما بحسبه.(14/325)
خامساً: بالنسبة للأمثلة التي أوردها الأخ السائل فإنه صدرت بخصوص البصمة الوراثية فتوى المجمع الفقهي الإسلامي بمكة في دورته السادسة عشرة، وتضمنت أن لا مانع شرعاً من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي، واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص، ولا يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، لكن يعتمد عليها في حالات التنازع على مجهول النسب، وضياع الأطفال والمواليد في المستشفيات ... الخ.
أما كلاب الشرطة فهي إذا استعرفت على شيء كان ذلك مجرد قرينة يمكن الاستناد إليها لتعزيز أدلة أخرى، دون أن تكون دليلاً قائماً بذاته.
وكذلك الحال في التسجيلات الصوتية إذا تمت مضاهاتها بالبصمة الصوتية. وثبتت نسبتها إلى من نسبت إليه فإنها إن تمت من جهة لا يتطرق الشك إليها، وإلا فلا يعتمد عليها لإمكان التدليس والتصوير، فإن تم من جهة رسمية لا يتطرق الشك في احتمال تزويرها أو تغييرها وأمكن القطع بمطابقتها لمن نسبت إليه فهي قرينة كذلك، وإلا فإنه يصعب التعويل عليها لإمكان إحداث التغيير وتعديل الشكل والملامح كما هو واقع.
وفق الله الجميع لهداه، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.(14/326)
سقوط الدعوى
المجيب نزار بن صالح الشعيبي
القاضي بمحكمة الشقيق
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 30/6/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
ما حكم التقادم في الإسلام؟ أرجو منكم بيان الأدلة؟ وشكراً، والسلام عليكم.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد: فالمراد بالتقادم هو سقوط حق المطالبة بمضي مدة من الزمان قد تكون محددة من قبل الحاكم أولا.
وقد تحدث الفقهاء حول هذه المسألة في أبواب القضاء، وذلك في معرض حديثهم عن شروط صحة الدعوى، فقالوا إن من شروط صحة الدعوى أن تنفك عما يكذبها عرفاً وعادة، وضربوا مثلاً على اختلال هذا الشرط بمسألة التقادم، قال ابن فرحون في تبصرة الحكام (1/110) "ما تشهد العادة بكذبه كدعوى الحاضر الأجنبي ملك دار بيد رجل وهو يراه يهدم ويبني ويؤجر مع طول الزمان من غير مانع يمنعه من الطلب من توقع رهبة أو رغبة وهو مع ذلك لا يعارض ولا يدعي أن له فيها حق وليس بينهما شركة ثم قام يدعي أنها له ويريد أن يقيم البينة على دعواه فهذا لا تسمع دعواه أصلاً فضلاً عن بينته لتكذيب العرف إياه " أ. هـ. وبنحوه قال ابن القيم في الطرق الحكمية وقال:
لأن كل دعوى يكذبها العرف وتنفيها العادة فإنها مرفوضة غير مسموعة، قال الله تعالى: "وأمر بالعرف" [الأعراف: 199] أ. هـ الطرق الحكمية (79) ، والدليل على هذه المسألة كما قال ابن القيم هو ما جاء في الشرع من أن العرف معتبر بشروطه، فالقاعدة الشرعية تقول: "العادة محكمة" وهي إحدى القواعد الخمس الكبرى في الفقه الإسلامي.
ونظراً لأن العادة جارية بأن الإنسان لا يسكت عن حقه مدة طويلة بدون وجود مانع حسي أو معنوي فإن مطالبته بهذا الحق بعد مضي هذه الفترة الطويلة دليل قوي على كذب دعواه، ولكن إعمال التقادم له شروط منها:
(1) أن يعلم المدعي تسلط المدعى عليه على المال المدعى به، أو يغلب على ظن القاضي علم المدعي بذلك.
(2) ألا يوجد مانع للمدعي من المطالبة - طيلة هذه الفترة، كخوف من سلطان أو وجود قرابة ونحو ذلك.
(3) أن يمضي على الحق الذي لم يطالب به مدة طويلة، بحيث يغلب على الظن كذبه في دعواه، وهذه المدة حددها بعضهم بعشر سنوات، وبعضهم بخمس عشرة سنة، والصحيح مرجعها إلى اجتهاد القاضي حسب ملابسات كل قضية.
وهل من صلاحية الحاكم تحديد هذه المدة؟
الجواب: المسألة تحتاج إلى بحث وتأمل، والذي يظهر بأن مجلة الأحكام العدلية قد أخذت بجواز التحديد سياسة شرعية فقد نصت المادة (1660) من المجلة على أنه "لا تسمع الدعاوى غير العائدة لأصل الوقف أو للعموم كالدين والوديعة والعقار والملك والميراث والمقاطعة في العقارات الموقوفة، أو التصرف بالإجارتين والتولية المشروطة والغلة بعد تركها خمس عشرة سنة.
كما ذكرت مجلة الأحكام العدلية تفصيلات أخرى حول التقادم. راجع درر الحاكم المادة (1660، 1661، 1662، 1663) ، والله أعلم.(14/327)
السرقة من السارق
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 17/5/1424هـ
السؤال
أنا أعمل في مجال الكمبيوتر، ويوجد شخص نصب علي وأخذ منى مبلغ ستة آلاف جنيه، ومضى وقت طويل على ذلك (قرابة سنتين ونصف) وطالبته بالمبلغ ولكن كان يتهرب منى بشتى الطرق، ولكن بلا فائدة، ولا يوجد سوى طريقة واحدة لأسترد بها نقودي ألا وهي النصب عليه، فهل لو نصبت عليه لأسترد نقودي حلال أم حرام؟ والله المستعان.
الجواب
هذه المسألة يسميها العلماء مسألة الظفر، إذا كان للإنسان حق عند شخص ثم يتمكن من شيء من ماله، فهل له أن يأخذ حقه أم لا بد أن يرفع للقاضي؟ والعلماء جوزوا أن يأخذ حقه في ثلاث حالات:
الحالة الأولى: الزوجة تأخذ حقها من النفقة من مال زوجها إذا لم ينفق، (امتنع من الإنفاق) .
الحالة الثانية: القريب يأخذ حقه من مال قريبه إذا كانت النفقة تجب عليه وامتنع من الإنفاق.
الحالة الثالثة: الضيف يأخذ حقه من مضيفه إذا امتنع من حق الضيافة، يأخذ بقدر الضيافة.
أما ما عدا ذلك فإن العلماء لم يجوزوا ذلك لأجل ألا يؤدي ذلك إلى الفوضى.
ويشترط أن يرفع هذا الأمر إلى القاضي لكي يأخذ حقه منه، والله أعلم.(14/328)
يعمل قاضياً في محكمة غير شرعية
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 29/1/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا قاض، وفي بلادنا القانون على الأساس العلماني، وعندما أحكم لأحد الناس بحكم أعلم أنني منصف له على أساس القانون ومجحف بحقه شرعاً، ما حكم الشرع تجاهي فهل أنا ظالم أم ماذا؟.
الجواب
الحمد لله وحده وبعد:
فالحكم بما يخالف الشرع وبغير ما أمر الله - تعالى - حرام مطلقاً، قال تعالى: "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا" [النور:51] ، والحكم والتشريع حق خالص لله ليس لأحد سواه قال تعالى: "إن الحكم إلا لله" [يوسف:40] ، وقال: "أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا" [الأنعام:114] ، وقد رتب الله تعالى على من حكم بغير ما شرعه وعيداً عظيماً فقال: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيا شجر بينهم" [النساء:65] ، وقال: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" [المائدة:44] وهذا الأمر من أصول الدين فإن معنى الإسلام هو التسليم التام لحكم الله وأمره، ولذا فإن من عمل في سلك القضاء وحكم بما يخالف الشرع فقد أخطأ وأساء وعرض نفسه للعقوبة وهو ظالم لا شك.
والذي أنصح به أخي السائل الكريم أن يحكم بشرع الله ولو غضب من غضب، وليتذكر أن من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، وإلا فليترك عمله هذا والله كفيل له بالخير ومعوض له عما تركه لوجهه، وفق الله المسلمين لتطبيق الشرع والحكم به وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه.(14/329)
من ضوابط المحاماة
المجيب نزار بن صالح الشعيبي
القاضي بمحكمة الشقيق
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 20/10/1426هـ
السؤال
هل يجوز الدفاع عن المتهم، وما هو المعيار الذي يعتمده المحا مي في تحديد أتعابه حتى لا يكون ممن يأكل أموال الناس بالباطل؟ خاصة أنه ملزم بإيجار المكتب، ودفع الضرائب، والاشتراكات في الضمان الاجتماعي وفي نقابة المحامين.
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فأما الشق الأول من السؤال، والذي تسأل فيه عن جواز الدفاع عن المتهم، فالجواب عن ذلك أن نقول: إن المتهم له أحوال متعددة، فيها ما يعود للمتهم، وفيها ما يعود للتهمة نفسها، وإليك بيان أحوال ذلك في التفصيل الآتي:
الأول: أن يعلم من حال المتهم أنه بريء من التهمة الموجهة إليه، فلا شك في جواز الدفاع عنه مطلقاً بكافة الوسائل. ويجوز تلقينه الحجج الموجبة لإسقاط التهمة أو تخفيفها عنه؛ لأن ذلك من دفع الظلم عنه، وهو الواجب شرعاً على كل مستطيع.
الثاني: أن تكون التهمة الموجهة إليه من حقوق الله تعالى الخالصة، وليس فيها اعتداء على أحد من المخلوقين، أو فيها اعتداء على الآخرين إلا أن صاحبه تنازل، والمتهم ليس مشهوراً بالإفساد، وليس من أصحاب السوابق، ولا يجاهر بفسقه، وضرره قاصر على نفسه، والجريمة لا تخل بالأمن العام، وليس فيها ترويع للآمنين، فهنا يستحب الستر عليه قبل وصول أمره للسلطان، ويجوز الدفاع عنه بعد ذلك، بل يشرع أن يلقن حجته ولو من القاضي، ويتأكد ذلك إذا ظهرت عليه علامات التوبة والندم.
مثال ذلك مَنْ وُجِد قد شرب خمراً في مكان بعيد عن الأنظار وهو غير معروف بالفساد أو الإفساد ولم يحصل منه اعتداء على أحد.
الثالث: أن يكون مرتكب الجريمة من المشهورين بالفسق أو الإفساد، أو يكون من أصحاب السوابق المتعددة ولا يتوب بعد كل مرة، أو المجاهرين بفسادهم وجرائمهم، فهنا لا يجوز الدفاع عنه، ويكره الستر عليه، ويجب رفع أمره إلى السلطان ليكف عن جرائمه وشره على نفسه وغيره، إلا إذا غلب على الظن أنه لم يرتكب هذه الجريمة بعينها المرفوعة عليه فيأخذ حكم الحال الأول.
الرابع: أن يتعلق بالجريمة حق لأحد المخلوقين كجرائم الاعتداء على النفس أو ما دونها، وأولياء الدم أو المجني عليه ما زالوا يطالبون بحقهم، أو تكون الجريمة فيها إخلال بالأمن العام وترويع الآمنين، كالقتل غيلة، وجرائم السطو المسلح والاغتصاب والخطف والعمليات الإرهابية، فهنا يحرم الدفاع عنه أو تلقينه حجته لإيقاع أقصى العقوبات عليه مما لم يتحقق من براءته من هذه التهمة.
أما ما يخص الشق الثاني من السؤال فالأصل في ذلك ما يتفق عليه الطرفان ما لم يحصل منه تغرير فاحش بالموكل، بأن يعقد معه بنسبة تزيد كثيراً عن المتعارف عليه لدى سائر المحامين، والموكل يجهل ذلك. والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.(14/330)
تنازل الشريك فرفض أبناؤه
المجيب أ. د. ياسين بن ناصر الخطيب
أستاذ بقسم القضاء في جامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 12/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
تعاقد رجلان على شراكة في ميدان التجارة, وبعد مدة مرض أحدهما, فتنازل لصاحبه عن نصيبه من المال، وذلك للمودة التي كانت بينهما, ولكن أبناء هذا الرجل -يعني الذي تنازل- رفضوا هذا التنازل باعتبار أن المال حقٌ لهم, وادعوا أن الأب لم يتنازل, السؤال: ما حكم هذا المال؟ وهل يرد إلى شريكه المال باعتباره حقًا للأبناء؟ أم يمسكه باعتبار أن شريكه تنازل له عنه؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإذا كان الورثة ينكرون هذا التنازل فلا بد من إثباته بطريق من طرق الإثبات، إما بالشهادة، وإما بكتابة، أو غير ذلك، فإذا ثبت التنازل فلا بد من معرفة هذا المرض، فإن كان هذا المرض مرض وفاة، وكان الشريك غير وارث مع الورثة، فهذا التنازل وصية، فإن كان مال التنازل بمقدار ثلث التركة أو أقل نفذ، وإن كان أكثر من الثلث فينفذ قدر الثلث فقط، والباقي يتوقف على إجازة الورثة بعد موت المورث، فإن أجازوه نفذ وإلا فلا، وإن كان هذا الشريك وارثاً فلا يصح هذا التنازل، ويكون المال تركة، وإن كان هذا المرض عاديًّا لا يؤدي إلى الوفاة، والرجل الذي تنازل عن مال الشركة بقواه العقلية الكاملة، فالتنازل صحيح والمال كله للشريك. والله أعلم.(14/331)
كيف أرفَع العقوبة على المخالفين؟
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 25/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب أعمل ضابط ملازم في الشرطة ويحصل من بعض الشرطة الذي أنا مسؤول عنهم مخالفات فكيف السبيل إلى محاكمتهم مع عدم الظلم؟ علماً بأن نوع المخالفات غياب, هروب, تجاوز حد الرخصة، الكذب. ولا يوجد لدي محاكمات خاصة ولكن أملك الصلاحية بذلك وهي خصم وسجن وحجز إداري, تأنيب, تنبيه, توبيخ ,وأمر خدمة. كيف أوفق بين المخالفة والعقوبة من غير ظلم بشكل يؤدي إلى الانضباط
وتعديل المعوج؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قبل المحاكمة ينبغي لك مناصحة المخطئ وتوجيهه بالأسلوب اللين والمناسب لقوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" [النحل: 125] مستصحباً دائماً الرفق واللين في معاملاتك مع كل الناس، وعاملهم بما تحب أن يعاملوك به، متذكراً حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به" رواه مسلم (1828) عن عائشة-رضي الله عنها-. وإذا لم ينفع النصح والتوجيه فلك أن تحاكمهم بالعدل والإنصاف بينهم وأن تتأول خطأ المخطئ التأول الحسن. يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لأحد عماله في الآفاق: "إنك إن تخطئ في العفو خير من أن تخطئ في العقوبة"، وليس عليك بعد ذلك -إذا لم تر بداً من العقوبة- أن توقع بعد المحاكمة العقوبة المناسبة بادئاً بالأخف ثم التي تليها وهكذا. لأنك إن فعلت ذلك صلح جندك ومن تحت ولايتك واستقامت أمورك وأمورهم إن شاء الله. والله أعلم.(14/332)
شهادة الكافر على المسلم
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 15/7/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل تصح شهادة الكافر على المسلم، وكيف يكون الحال إذا كان المسلم قد تعدَّى على الكافر؟ وماذا إذا كان المسلم يمارس الغش والكذب ويؤذي أو يبهت الكافر؟ ألا يجوز للكافر الترافع في القضية؟ ألا ينصف بموجب الشرع؟.
الجواب
الحمد لله وحده. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فقد ذهب جمهور العلماء إلى عدم قبول شهادة غير المسلم على المسلم في الجملة، واختلفوا في مسائل منها: شهادة غير المسلم على المسلم في السفر: فذهب الحنابلة والظاهرية إلى قبولها؛ انظر المغني (14/170) ، المحرر (2/317) ، زاد المعاد (3/148) ، المحلى (9/409) ، وذهب الجمهور إلى عدم قبولها؛ انظر: المدونة (5/156) ، أحكام القرآن للشافعي (2/146) ، الذخيرة (10/224) ، تفسير ابن أبي حاتم (4/1230) ، الناسخ لابن النحاس (2/304) ، تفسير ابن كثير (3/211) ، تفسير ابن جرير (5/107) ، شرح مشكل الآثار (11/470) ، فتح الباري (5/483) ، الصاوي على الجلالين (2/245) ، شرح أدب القاضي للصدر الشهيد (4/254) ، تفسير الرازي (12/96) ، الفروق (4/86) ، تفسير القرطبي (6/350) ، أحكام القرآن للكيا (3/120) ، تفسير ابن عطية (2/251) ، تفسير البغوي (2/74) ، تفسير الماوردي (2/77) ، البحر المحيط لأبي حيان (4/393) ، الكشاف
(1/650) تفسير البقاعي (6/330) تفسير الخازن (2/87) .
واستدل من أجازها بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ" [المائدة:106] ، وقد قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: "أو آخران من غيركم من أهل الكتاب" رواه ابن أبي حاتم في التفسير (4/1229) ، رقم: (6934) ، وابن جرير في التفسير (5/106و 114) وانظر: معاني القرآن لابن النحاس (2/376) .(14/333)
وعن عامر قال: "شهد رجلان من أهل دقوقاء على وصية مسلم، فاستحلفهما أبو موسى بعد العصر؛ بالله: ما اشترينا به ثمناً قليلاً، ولا كتمنا شهادة الله إنا إذاً لمن الآثمين، ثم قال: إن هذه القضية ما قضي بها منذ مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليوم. رواه ابن أبي شيبة (4/495) ، وعبد الرزاق (8/360) ، وأبو داود رقم: (3605) ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/462) ، والبيهقي (3/278) ، والحاكم (2/314) ، قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال الحافظ ابن حجر عن إسناد أبي داود (رجاله ثقات) ا. هـ، فتح الباري (5/483) ، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: "كان تميم الداري - قبل أن يسلم- وعدي بن بداء يختلفان إلى مكة بالتجارة، فخرج معهما رجل من بني سهم، فتوفي بأرض ليس فيها مسلم، فأوصى إليهما، فدفعا تركته إلى أهله، وحبسا جاما من فضة مخوَّصاً بالذهب، ففقده أولياؤه، فأتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحلفهما: ما كتمنا، ولا أضعنا، ثم عرف الجام بمكة، فقالوا: اشتريناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي، فحلفا بالله: إن هذا لجام السهمي، ولشهادتنا أحق من شهادتهما، وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين، فأخذ الجام، وفيهما نزلت هذه الآية" أخرجه البخاري مختصراً معلقاً في الوصايا باب قول الله - عز وجل-: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" الآية رقم: (2780) (5/480) ، والترمذي رقم (3060) ، وأبو داود رقم (3606) ، وابن النحاس في الناسخ والمنسوخ (2/308) ، وصح عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أنه قال في هذه الآية: "هذا لمن مات وعنده المسلمون، فأمر الله أن يشهد في وصيته عدلين من المسلمين، ثم قال تعالى: "أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ" [المائدة: من الآية106] ، فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين فأمر الله - عز وجل- أن يشهد رجلين من غير المسلمين، فإن ارتيب بشهادتهما استحلفا بعد الصلاة بالله: لا نشتري بشهادتنا ثمناً"رواه ابن جرير في تفسيره
(5/110) ، وابن النحاس في الناسخ (2/302) ، رقم: (459) ، قال الحافظ ابن حجر عن إسناد الطبري (رجاله ثقات) ا. هـ، فتح الباري (5/483) ، وهذا أيضاً هو مذهب ابن مسعود وسعيد بن المسيب وشريح وعبيدة السلماني والنخعي وسعيد بن جبير، وغيرهم، وهو الصواب، وقد أفاض العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى- في تقرير ذلك في كتابه النافع (الطرق الحكمية) (153) ، وأجاب فيه عن حجج المخالفين.
وكذلك من المسائل: أن المالكية قالوا: تجوز شهادة الطبيب الكافر حتى على المسلم للحاجة؛ انظر: المنتقى (5/213) ، الذخيرة (10/240) ، تبصرة الحكام (1/247و 2/12) ، التاج والإكليل (6/116) .
والحنفية يجيزون شهادة الكفار في كل شيء بعضهم على بعض، وهو رواية عن الإمام أحمد؛ انظر: مختصر اختلاف العلماء (3/340) ، المبسوط (16/140) ، البحر الرائق
(7/158) ، منحة الخالق (7/158) ، رؤوس المسائل (529) ، فتح القدير (7/416) ، شرح أدب القاضي للحسام الشهيد (614) .(14/334)
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى-: قال شيخنا - رحمه الله-: (وقول الإمام أحمد في قبول شهادتهم في هذا الموضع: هو ضرورة يقتضي هذا التعليل قبولها في كل ضرورة حضراً وسفراً) انظر: الطرق الحكمية (160) ، الاختيارات (359) ، الجامع للخلال
(1/216) النكت على المحرر (2/277) .
وأشير إلى أنه لا يجوز للمسلم أن يتعدى على حقوق الآخرين ولو كانوا غير مسلمين، كما يحرم عليه الكذب والغش في المعاملة؛ قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" [التوبة:119] ، وقال عليه الصلاة والسلام: "من غش فليس منَّا" رواه مسلم (102) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-.
وغير المسلمين لا نضيع حقوقهم في بلاد المسلمين، بل حقهم محفوظ؛ فهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- يتخاصم هو ويهودي أمام القاضي شريح ويُحكم لليهودي، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" رواه أحمد (3/153) ، والشهاب (2/97) من حديث أنس - رضي الله عنه-، وقال عليه الصلاة والسلام: "ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة" رواه أبو داود (3052) عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم-.
وأخيراً حفظ الحقوق ليست مقتصرة على الشهادة فقط؛ بل الشهادة طريق من طرق الحكم؛ قال ابن القيم - رحمه الله تعالى-: (فطرق الحكم شيء، وطرق حفظ الحقوق شيء آخر، وليس بينهما تلازم، فتحفظ الحقوق بما لا يحكم به الحاكم مما يعلم صاحب الحق أنه يُحفظ به، ويحكم الحاكم بما لا يحفظ به صاحب الحق حقه، ولا خطر على باله: من نكول، ورد يمين، وغير ذلك) الطرق الحكمية (116) ، لذا ينبغي على الجميع خاصة في هذا الزمان أن يجتهدوا في حفظ حقهم بالوسائل المتيسرة.
والله- تعالى- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/335)
وقعتُ في الفاحشة فهل أُسَلّمُ نفسي للقضاء؟
المجيب سليمان بن إبراهيم الأصقه
رئيس المحكمة العامة بمحافظة بلقرن
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 09/08/1426هـ
السؤال
تزوج والدي من فتاة شابة كثيرة الغزل، ومنذ أن تزوجها وأنا أخاف منها، وأحاول الابتعاد عنها، وذات مرة سافر والدي، وأوصاني بأن أقضي حوائج البيتين، وفي أحد الأيام وأنا جالس معها فوجئت بمصارحتها لي بمحبتها لي، حقيقة أنا لا أعلم ما حدث لي بعد ذلك، فبدأنا بالقبلات وانتهينا بالفاحشة، ثم واقعتها أكثر من مرة، ثم أنجبت ولداً شبيها بي أظن أنه مني، رغم إنكار أمه لذلك، وعندما استيقظت من هذه الغفلة لم أصدق ما حدث وكأني أحلم، فهل لي من توبة، أم أسلم نفسي للقضاء؟ علماً أني أتعذب ليلاً ونهاراً، ولا أصدق ما جرى، خصوصاً أني كنت أكره الزنى وأنهى عنه.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نعم لقد وقعت في ذنب كبير وجريمة عظيمة وفعلة شنيعة، حين زنيت وهتكت ما حرم الله عليك, ومما زاد جريمتك حرمة وفظاعة أنك وقعت على امرأة لا تحل لك إلى الأبد، وهي زوجة أبيك، قال تعالى: "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً" [النساء:22] .
ولذا فإن الصحيح أن فاعل ذلك يقتل مطلقاً، سواء كان محصناً أو غير محصن، وقد وصف الله -تعالى- هذه الجريمة في الآية بأنها فاحشة وأنها مقت، وهي البغض المقرون بالاستحقار؛ لأن فاعل ذلك في غاية الخزي والخسارة، وأنها ساء سبيلاً. فلا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.
ومن أعظم الذنوب وأقبحها أن يضع الرجل نطفة في فرج لا يحل له.
والله إن المرء ليخاف أن تحل بنا العقوبة العاجلة من الله تعالى بسبب هذه الأفعال البشعة، ففي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله من أن يزني عبده أو تزني أمته" أخرجه البخاري (1044) ومسلم (901) .
وحُق لك يا أخي أن تندم وتمقت نفسك وتتألم مما فعلت، والواجب عليك الآن هو التوبة النصوح من هذا الذنب العظيم، ولا تيأس من روح الله ولا تقنط من رحمة الله، فإنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، قال تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم" [الزمر:53] . وقال تعالى: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً" [النساء: 110] .
فالله -سبحانه وتعالى- يريد من عباده التوبة ويحب لهم ذلك ويفرح بتوبة عبده ويحبه، فبادر أخي بالتوبة النصوح المستوفية لشروطها من الندم على ما مضى، والإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العود إليه، وليس من شرط توبتك أن تسلم نفسك للقضاء، بل استتر بستر الله تعالى وأكثر من الصالحات وابتعد عن أسباب الفتنة.(14/336)
وإنها لمناسبة لبيان خطر الخلوة المحرمة وعظم الفتنة بالنساء التي ما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- بعده فتنة أضر منها على الرجال. أخرجه البخاري (5096) ، ومسلم (2740) من حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- ودليل كونك لا يجب عليك أن تسلم نفسك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أقر عنده ماعز الأسلمي بالزنا أعرض عنه ورده، وقال له: "ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه" أربع مرات، أخرجه البخاري (5271) ، ومسلم (1695) واللفظ له.
وفي رواية في الموطأ، في باب ما جاء في الرجم (2) أنه جاء لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- قبل مجيئه للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن الآخر زنى، فقال له أبو بكر وكذلك قال له عمر -رضي الله عنهما-: "تب إلى الله واستتر بستر الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده" وفي السنن الكبرى للبيهقي (8/330) عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال بعد أن رجم الأسلمي: "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها فمن أَلَمَّ فليستتر بستر الله -عز وجل- فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله".
وأما ما أنجبته فليس لك ولو كان يشبهك؛ لأن المرأة زوجة لأبيك، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" أخرجه البخاري (6817) ، ومسلم (1457) من حديث عائشة -رضي الله عنها- والعاهر هو الزاني ليس له إلا الرمي بالحجارة لأنه معتد وظالم"، وإذا كان ولد الزنى ينسب لأمه ولو لم تكن ذات زوج، ولا ينسب للزاني، فكيف بالمرأة التي هي فراش الزوج، فينبغي لك أن تعرض عن هذا، وتقبل على نفسك وتتوب توبةً نصوحاً. أسأل الله -تعالى- أن يعافيك ويتوب عليك، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(14/337)
لماذا تكون الملاعنة عند اتهام الزوجة بالزنا دون الزوج؟!
المجيب ناصر بن محمد آل طالب
القاضي بمحكمة عرعر
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 26/12/1425هـ
السؤال
عندي سؤال عن الملاعنة بين الزوجين.
فالرجل الذي يرى زوجته ترتكب فاحشة الزنى يقسم أربع مرات أنه شاهدها والخامسة تحل عليه لعنة الله إن كان كاذبا. لكن على فرض أن رجلا ملَّ من زوجته لأي سبب كان، ولنفترض أنه يتهمها بالزنى كذبا عليها. فيقسم أربع مرات بذلك. وبعد ذلك تصبح الزوجة أمام خيارين: الاعتراف الكاذب بالزنى وتواجه العقاب المحدد، أو تحلف هي أربع مرات وتطلق تلقائيا من زوجها وتلغى كافة حقوقها لديه. وهذا تهديد للزوجة بإمكانية حرمانها من حقوقها والتخلي عنها بدون دليل إدانة أو تعويض. ثم هل للزوجة حق مماثل إذا وجدت زوجها يزني؟ هل يجوز لها أن تقسم أربع مرات عليه بذلك؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ما افترضته - أخي الكريم- بعيد الوقوع؛ لأن الإقدام على الملاعنة عسير على النفس حتى على غير المتدين، إلا أن يدرأ عن نفسه حد زنى المحصن، وهو الرجم فتصور أن يقدم عليه الإنسان كاذباً، أما أن يقدم عليه الرجل وهو كاذب لأجل بعض الحقوق الدنيوية اليسيرة كنفقة أو مؤخر صداق، فهو بعيد الوقوع، وإن وقع فليس بظاهره، ثم من قال إن المرأة وحدها تغرم بسبب الملاعنة، بل الرجل يغرم، فإنه يخسر المهر الذي قدمه للمرأة، كما أن الولد الحاصل بينهما ينفى نسبه عن الملاعن إذا لاعن عليه، فالرجل غارم أيضاً، بالإضافة لما يلحقه في عرضه من نسبه، وربما يلحق عائلته، مما يجعل فكره أن الزوج يقدم بسهولة على الملاعنة لأجل التخلص من حقوق الزوجة ضعيف. وليس للزوجة أن تقسم أربع مرات إذا رأت زوجا يزني؛ لأن الملاعنة أصلاً إنما شرعت لأجل نفي الولد، وهذا أمر غير متصور في زنى الزوج. والله أعلم.(14/338)
العلم(14/339)
يقعون في أعراض طلبة العلم
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/فضائل العلم وأهله
التاريخ 27/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
نحن مجموعة شباب، ولنا جلسة دعوية أسبوعية، وبحكمي أحد المشرفين على هذه الجلسة فإني أعاني بعض المشاكل من قبل الشباب، ولعل أبرزها اغتياب العلماء، وأنهم يكتمون العلم خوفاً من السلطان، بل إن أحدهم لعن أحد العلماء متأولا قول الله: "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات ... " الآية.. ونتج من هذا كثرة المراء والجدل فيما بينهم حتى أصبح الوضع مزرياً للغاية. أرجو منكم توجيهي لما ترونه أصلح في هذا الأمر، خاصة وأنه أصبح منتشراً بين الشباب المستقيمين. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لا شك أن العلماء الربانيين العاملين لهم أعظم مكانة وأعلى مرتبة في ميزان الشريعة، ونصوص الوحيين الشريفين، قال تعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"، وقال تعالى: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"، وما ذلك إلا لفضل العلم وبالغ أثر العلماء في الأمة تعليماً وتوجيهاً وإرشاداً، ولا ريب أن اغتياب هؤلاء العلماء وتنقصهم، وتحقيرهم من أخطر الذنوب، وأكبر الرزايا، فإذا كان اغتياب آحاد الناس كبيرة من الكبائر فهي أكبر من ذلك بكثير إذا كانت في حق عالمٍ عاملٍ معظمٍ لله، والعلماء ليسوا معصومين، بل يصيبون ويخطئون، ويحفظون وينسون، ولا ينبغي تضخيم أخطائهم واستغلالها في التحقير والتهوين من شأنهم، بل يُلتمس لهم العذر ما أمكن سيما مع الاجتهاد والتحري، وعلى العلماء أن يتقوا الله ويراقبوه في فتاواهم وآرائهم، وأطروحاتهم، وتوجيهاتهم، طاعة لله أولاً، وصوناً لأعراضهم من الهمز واللمز ثانياً. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(14/340)
البرنامج التعليمي لطالب العلم
المجيب د. سليمان بن قاسم العيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ العلم/الطريقة المثلى لطلب العلم
التاريخ 6/4/1423
السؤال
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبعد:
اتفقت فيما بيني وبين إخواني أن ندرس مادة علمية كل أربعة أشهر، بحيث نصبح محيطين بهذه المادة، أو من الراسخين فيها، فهل هذا الأمر صواب؟ وهل لديكم خطة لتنفيذه؟ ولكن أرجو عند النصح بالخطة أن يكون لكل المواد الشرعية بالتفصيل، وكذلك مواد الأدوات، وخاصة النحو والأصول، حيث نوينا أن نبدأ بهما، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أخي السائل إن ما عزمت عليه من الاتفاق بينك وبين إخوانك إنما هو من دلائل الخير لكم، واعلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد قال:"من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" البخاري (71) ومسلم (1037) ، وما ذكرته في سبيل التفقه في الدين، فأسأل الله -سبحانه وتعالى- لك ولإخوانك التوفيق والسداد، وفيما يتعلق بالكيفية فاعلم أنه لا حاجة لتحديد كل مادة علمية بأربعة أشهر، بل يمكن الجمع في المدة الواحدة بين نوعين أو ثلاثة من العلوم، وإذا رأيتم أنكم أخذتم القدر الكافي من نوع من العلوم تنتقلون إلى نوع آخر، ومن المهم في هذه المرحلة (مرحلة البداية في الطلب) : أن يكون طلبكم على يد شيخ ممن يوثق بعلمه وعمله؛ لأنه من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه، وأما من حيث نوعية العلوم فلا بد من الاهتمام بكتاب الله -سبحانه وتعالى- قراءة وتفسيراً وحفظاً ومراجعة، فليكن من قبيل الاتفاق بينك وبين إخوانك الاتفاق على حفظ القرآن ومراجعته والقراءة في تفسيره، وأما الكتاب الذي أوصيكم بالقراءة فيه في هذا الجانب هو كتاب (تفسير ابن كثير) -رحمه الله-، ويكون مع هذا القراءة في شيء من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وينصح بالبداية في (مختصر صحيح مسلم) مع الرجوع إلى شروح بعض الأحاديث من (شرح النووي على صحيح مسلم) ، وفي العقيدة يمكنكم القراءة في كتاب (الإيمان من صحيح البخاري) أو من (صحيح مسلم) ، وكذلك كتاب (التوحيد من صحيح البخاري) ، أو في (العقيدة الطحاوية) للإمام الطحاوي -رحمه الله-، وفي الفقه يمكنكم القراءة في (بلوغ المرام من أدلة الأحكام) لابن حجر العسقلاني، أو في (العدة شرح العمدة) لابن قدامة، أو في (فقه السنة) للسيد سابق، وفي السيرة يمكنكم القراءة في (السيرة النبوية) لأبي الحسن الندوي.
وفي الختام أسأل الله -سبحانه وتعالى- لكم العلم النافع والعمل الصالح.(14/341)
ليس عندنا علماء فكيف أطلب العلم؟
المجيب عبد الله بن عبد الوهاب بن سردار
خطيب جامع العمودي بالمدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/ العلم/الطريقة المثلى لطلب العلم
التاريخ 7/5/1423
السؤال
أردت أن أطلب العلم, وقرأت أن العلم لا يطلب إلا عند المشايخ، لكن لا يوجد في منطقتنا أي شيخ أستطيع أن أطلب عنده، فما الحل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ابني السائل حفظك الله ورعاك، كم سرني حرصك على طلب العلم في الصغر، وأنا أشد على يديك وأدعوك لبذل الجهد المضاعف والصبر على مواصلة طلب العلم، وأذكرك بالإخلاص والحذر من الرياء، كما أحذرك من الإعجاب بالنفس، جعلك الله من الصالحين العالمين العاملين.
الجواب: لا شك أن أخذ العلم من أفواه المشايخ هو أساس تعلم العلوم، والطالب في أول أمره ينبغي أن يجالس العلماء ويأخذ عنهم حتى يتم أخذ أصول العلم، فهل تستطيع أن ترحل في طلب العلم إلى بلدة قريبة لمدة مناسبة تدرس فيها أصول العلم على يدي شيخ معروف وموثوق بعلمه، ثم تعود إلى بلدك فتواصل التعلم عن طريق قراءة الكتب مع مراجعة المشايخ كلما تيسر ذلك؟ فإن لم تستطع ذلك فعليك بما يلي:
1- احصل على أشرطة دروس العلماء والمشايخ، وتابع معهم واحفظ العلم وافهمه.
2- كن على تواصل دائم مع المشايخ عن طريق الاتصال الهاتفي أو البريد الإلكتروني وكن على صلة بمواقع الإنترنت التي فيها دروس علمية للعلماء والمشايخ المعروفين.
3- عليك بقراءة الكتب، لكن ابدأ بالكتب المختصرة والسهلة والأساسية بعد أن تستشير عالماً أو طالب علم قدير، والله أعلم.(14/342)
ماذا أقرأ؟
المجيب د. خالد بن سعود الحليبي
وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالأحساء
التصنيف الفهرسة/ العلم/الطريقة المثلى لطلب العلم
التاريخ 15/11/1423هـ
السؤال
أنا طالب جامعي - ولله الحمد- مَنَّ الله عليّ بمنة الالتزام ولكني غالباً ما أكون مشغولاً جداً في مذاكرتي حيث أن مجال عملي يتطلب ذلك، أرجو أن تخبروني بأسماء الكتب التي لا بد لي من قراءتها والأشياء التي لا بد من معرفتها لكي أنجو من عذاب يوم القيامة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فإن ما يجب عليك شرعاً معرفته هو عقيدتك وفقه نفسك، فاقرأ القرآن الكريم، وتدبر معانيه عن طريق التفاسير الموثوقة مثل تفسير ابن كثير وابن سعدي، واقرأ في العقيدة مثل شرح لمعة الاعتقاد للشيخ محمد بن عثيمين واقرأ في فقه الأحكام ما يتصل بالصلاة والزكاة والحج وسائر العبادات التي تتعامل معها وتتصل بوضعك الشخصي وعليك في هذا بكتب الفتاوى للمشايخ المعتبرين فهي أيسر من غيرها. وأنسب لوضعك ما دمت مشغولاً كما تقول، وعليك بكتب الفقه الميسرة دون أن أحدد لك شيئاً منها ثم اقرأ في كتب الوعظ فإنها ترقق القلوب، وتعين على الثبات على الهداية بإذن الله. ثبتنا الله وإياك وصلى الله على سيدنا محمد.(14/343)
منهج في طلب العلم
المجيب د. خالد بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/الطريقة المثلى لطلب العلم
التاريخ 16/1/1423
السؤال
يا شيخ أريد أن أطلب العلم، وبدأت أنتهي من حفظ كتاب الله فبماذا تنصحونني؟
الجواب
بما أنك توشك أن تحفظ المصدر الأول للعلم فأنصحك أن تحفظ ما أمكنك من المصدر الثاني وهو الحديث الشريف، فإن كل حافظ إمام؛ لأن أكثر علم الشريعة -العقيدة والعبادة وقسماً كبيراً من المعاملة- ينال بالحفظ، وليكن أول ما تبدأ به الصحيحان -إن أطقت-؛ فإنهما أصح الكتب بعد القرآن الكريم، ثم إن استطعت فاجمع إليهما الأحاديث الصحيحة عند غيرهما، خاصة المسند والكتب الأربعة، كما وفق إلى ذلك بعض طلبة العلم في هذا العصر، وإن ضعفت عن ذلك فاحفظ أحاديث الأحكام، كعمدة الأحكام لعبد الغني المقدسي، ثم بلوغ المرام لابن حجر، وفيهما علم كثير، وخير عميم، واغتنم فراغك وصغر سنك في الحفظ، فإنك ربما لا تستطيع الحفظ بعد ذلك.
واعلم بأن مجرد الحفظ لا يؤهلك للفتيا، ولا للتصدر، حتى تدرس الأصول، والفروع، وتعرف في كل مسألة تفتي فيها خلاف أهل العلم، وتتمكن من الموازنة بين الأقوال، وتعرف الناسخ والمنسوخ، ولن يعسر عليك ذلك، إن صبرت، ولم تعجل، والله أعلم.(14/344)
التعليم الإسلامي، تخصص أم ضوابط؟
المجيب د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/الطريقة المثلى لطلب العلم
التاريخ 8/3/1425هـ
السؤال
ما هو التعريف المحدد للتعليم الإسلامي، عندما نتكلم عن تعليم الأطفال في مدرسة إسلامية؟ ما هي العناصر الأساسية التي ينبغي تواجدها؟ وكيف ترتبط بالجودة الأكاديمية؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليم الإسلامي يمكن أن يقصد به أحد المفاهيم التالية:
1- التعليم الديني الذي يتعلم الفرد من خلاله المعارف الدينية أي العلوم الشرعية بدءاً بالقرآن الكريم، وتعلم أحكام العبادات من الطهارة والصلاة والزكاة، والصوم، والحج، وغير ذلك من أحكام الطعام والشراب، واللباس والعلاقات الأسرية، والمعاملات، والجنايات، والمواريث، ونحوها من خلال القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وما كتبه علماء الإسلام، فهذا هو التعليم الديني والشرعي، وقد يقصد بالتعليم الإسلامي:
2- التعليم العام الذي يلتزم فيه المتعلم والمعلم، والمدرسة، والمنهج، بضوابط الإسلام، فهو تعليم عام يتعلم فيه الطالب ما يهمه من علوم كالقراءة والرياضيات، والعلوم الأخرى، ويكون للدين فيه نصيب بمقررات خاصة تعلم الضروري من أحكام الدين وآدابه، ولا يكون في مقررات هذا التعليم ما يناقض أصلاً من أصول الإسلام يدرس على سبيل الإقرار به كحقيقة، أو كسلوك محبب، ومثاله: ألا تتضمن دروس الأحياء القول بأن الطبيعة هي الخالق أو أن تتضمن دروس السلوك تحبيذ الأكل بالشمال أو تحبيذ العلاقة بين الجنسين قبل الزواج. هذه بضع التصورات المبدئية، ويمكنك زيارة موقع المربي؛ لمزيد من الفائدة (ww.almurappi) . والله أعلم.(14/345)
ما الذي يجب على المرأة تعلمه
المجيب عبد العزيز بن أحمد الدريهم
رئيس كتابة العدل بمحافظة المزاحمية
التصنيف الفهرسة/ العلم/الطريقة المثلى لطلب العلم
التاريخ 30/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما هي العلوم الشرعية التي يجب على المرأة أن تتعلمها؟ وما هي العلوم الشرعية المستحبة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فإن كل أمر جاء به الشارع الحكيم حثًا على تعلم العلم هو عام للذكور والإناث، ومن ذلك ما أخرجه ابن ماجة (224) بسند حسن: "طلب العلم فريضة على كل مسلم".
إلا أن المرأة قد تختص بأمور يجب عليها تعلمها بحكم طبيعتها التي تخالف فيها الرجل.
وعلى هذا فنقول: يجب على كل مسلم مكلف أن يتعلم الأمور الضرورية التي لا يمكن له أن يعبد ربه إلا بعد معرفتها.
ومن ذلك أحكام الطهارة والصلاة، وأحكام الزكاة لمن كان عنده مال وأحكام الصيام، والحج لمن أراد الحج، وهكذا.
وتختص المرأة بوجوب معرفة أحكام الحيض والنفاس.
أما العلوم المستحب تعلمها فإن الاشتغال بالقرآن تعلماً وتدبراً وحفظاً، ومعرفة سنة الحبيب - صلى الله عليه وسلم- من أفضل الأعمال.
فيقرأ المسلم في تفسير القرآن مثلاً تفسير ابن كثير أو تفسير ابن سعدي، أو فتح القدير للشوكاني، وفي الحديث كتاب النووي رياض الصالحين وشرحه للعلامة ابن عثيمين، وبلوغ المرام وشرحه، والأربعين النووية وشرحها، ويقرأ في كتب الإمام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة, وكذا كتب ابن عثيمين والعلامة ابن باز والشيخ الفوزان، ويقرأ في الأخلاق والسلوك كتب العلامة ابن القيم، ثم إن هناك العديد من الكتب التي بينت طرق طلب العلم والكتب المفيدة يحسن الرجوع إليها. والله أعلم.(14/346)
التقويم السنوي لأداء المعلم
المجيب فيصل بن عبد الله الحميقاني
المدرس بمدارس رياض الصالحين
التصنيف الفهرسة/ العلم/صفات وآداب العالم والمتعلم
التاريخ 22/6/1424هـ
السؤال
نحن المدرسين يكون تقييمنا السنوي لأداء العمل مقترن بنتائج الطلبة مع إحساسنا ببذل مجهود عال، ولكن لأن الطالب لا يبذل جهداً مقنعاً فتأتي النتائج مخيبة للآمال، فهل شرعا نحن نجازى على عطائنا وبذلنا أم على نتائج الطلبة؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
لا شك أن الله تعالى لا يضيع عمل عامل، صغر العمل أو كبر، فهو سبحانه، صاحب العدل المطلق الذي لا ظلم فيه بوجه، وعليه فإنك يا أخي مجزي عند الله بما تبذله لا بما يظهر من نتائج، لكن هذا عند الله لأنه يعلم عملك وجهدك الذي تبذله.
لكن البشر لهم تقييم آخر، قد لا ينصف أحياناً، فكيف لمديرك وهو بشر أن يعلم جهدك كله، وما تبذله من وقت وربما مال، هذه هي طبيعة البشر، لا سيما في ظل أنظمة قد لا تعطي صاحب الحق حقه كاملاً، وعليه لا تجزع ولا تحزن يا أخي، فأنت مطلوب منك أداء ما ترى أنه أداء للواجب الذي عليك، وما زدت من عندك فهو خير لك عند الله، ثم إني أوصيك يا معلم الناس الخير أن تكون نيتك خالصة لوجه الله، فإن النية تعظم العمل الصغير، وتحقر العظيم، وأنت على ثغر عظيم، فالله الله أن يؤتى المسلمون من قبلك.(14/347)
طلب العلم لأجل الشهادة
المجيب أ. د. حسين بن خلف الجبوري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العلم/صفات وآداب العالم والمتعلم
التاريخ 30/3/1425هـ
السؤال
ما جواب السادة العلماء في أن يطلب الشخص في طلبه العلم إجازة أو شهادة ليصل إلى أغراضه فأيهما خير في أن يطلبها أم يتركها؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فأقول وبالله تعالى التوفيق والسداد:
طلب العلم الشرعي من الأمور التي حث عليها الإسلام وشدد على المسلمين في طلبها ورغبهم في ذلك، حيث جعل درجة طالب العلم بدرجة المجاهد الشهيد، إن كانت نية طالب العلم لله عز وجل، حيث يطلب العلم خدمة لدين الله تعالى وللمسلمين، وأن تكون هذه خالصة لله تعالى ليترتب عليها الأجر والثواب الدائم المستمر طيلة حياته وربما من بعده، إن ترك كتباً وغيرها مما يستفيد منه الناس من بعد وفاته.
ومن طلب العلم للحصول على الشهادة أو أمر الرزق، أو غير ذلك من الأمور الدنيوية فله أن يغير نيته بأن يكون طلبه لله عز وجل، فعندها يتحقق له الجمع بين الأمور الدنيوية والأخروية، هذا والله أعلم بالصواب.(14/348)
نقل الواجبات المدرسية من الزملاء
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/صفات وآداب العالم والمتعلم
التاريخ 20/12/1422
السؤال
بالنسبة للواجبات المدرسية إذا نقلتها من آخر تعد سرقة لجهد بعض الطلاب وتكون حراماً؟
الجواب
الحمد لله، وبعد: فمن المعلوم أن الواجبات المدرسية هي لربط الطالب بالمادة العلمية، وتعويده على الجدّ والاستذكار، وتمييز الحريصين من الطلبة عن غيرهم، ولا شك أن نقل تلك الواجبات من كراسات بعض الطلاب، وإيهام مدرس المادة بأن ما نقلته هو جهدك الشخصي، وانتاجك الذاتي كذب وغش، وقد صحَّ عنه - عليه السلام - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال:" ... ومن غشنا فليس منا " أخرجه مسلم (101) وغيره.
فأوصيك أيها الأخ المبارك أن تعتمد على نفسك بعد الله - تعالى -، وأن تعوّد نفسك على أداء واجباتك بجهدك الذاتي، وأن تجعل الصدق نصب عينيك في سائر أمورك الحياتية، كما أنصحك ونفسي بأن نحرص على أدائنا للواجبات الدينية الشرعية، وعلى رأسها الصلاة مع الجماعة، كحرصنا أو أشد على الواجبات المدرسية، والله يحفظك ويرعاك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(14/349)
الغياب عن المحاضرات
المجيب د. حسين بن عبد الله العبيدي
رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/صفات وآداب العالم والمتعلم
التاريخ 06/08/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نرجو من فضيلتكم أن تبينوا الحكم في ما يلي للأهمية: نحن طلاب الجامعات، لدينا معدل غياب لكل مادة، بحيث يمكننا الغياب دون أن يستطيع أحد أن يحاسبنا، وتبعًا لذلك فإننا قد نحضر للجامعات، ولكننا لا ندخل المحاضرات لأي سبب كان، فهل هناك حكم شرعي في ذلك؟ مع العلم أننا إذا لم نحضر لمرض، فيمكننا إحضار تقرير طبي يثبت ذلك، فلا يحتسب لنا الغياب، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فالأصل في المسلم بعامة والطالب بخاصة الجد في الطلب، والتحصيل العلمي، واستغلال مرحلة الطلب في تحصيل العلم، وأن يكون الطالب متأدباً بآداب طالب العلم، ومنها الحرص على التحصيل والاستفادة المثلى من الأساتذة وقت الدراسة، وبناء على ذلك فلا ينبغي للطالب أن يفرط في أي لحظة من لحظات تحصيله العلمي، وأن يكون جاداً في الطلب، وكون الجامعات أعطت الطلاب نسبة للغياب فينبغي للطالب أن يجعلها للأمور الضرورية، فما معنى أن يحضر الطالب للكلية، ولا يدخل القاعة؟! إن هذا ضرب من العبث والإخلال بأنظمة الدراسة وسيرها، فلا ينبغي له أن يفعله. وبالله التوفيق.(14/350)
هل يكمل الدراسة بالجامعة المختلطة؟
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العلم/صفات وآداب العالم والمتعلم
التاريخ 10/1/1425هـ
السؤال
أنا طالب أنهيت المرحلة الثانوية، فأرسلني الوالد خارج البلاد لأجل الدراسة، فأولاً: اكتشفت أنَّ الجامعة بها اختلاط، ثم هم لا يقبلون إلا من قد أخذ سنة إجازة في البيت، فقال لي الوالد: أدخل معهد لتتقوى في اللغة الإنجليزية، فَبَحَث عن أفضل معهد في المدينة ثم أدخلني فيه، ثم تفاجأت بأنه مختلط، وأن النساء لا يلتزمن بالحجاب الإسلامي البتة داخل المعهد، فترى كامل زينتهن ليس جميعهن، ولكن أغلبهن، فما رأي الشرع في أن أكمل الدراسة في المعهد وفي الجامعة أيضاً؟.
الجواب
يبدو لي أنك في بلدٍ يعيش حياة الاختلاط في أكثر شئونه في السوق، والعمل، والمدرسة، فهو شر لا بد منه، فعليك أن تتقي الله، وتغض بصرك عن محارم الله، وعدم الحديث مع النساء إلا في حاجة ماسة؛ فإن المرأة كلها عورة، اللهم إن كان ثمة مدارس أو جامعات ليس فيها اختلاط، فيتعين عليك والحالة هذه الدراسة فيها حتى لا تتعرض للفتنة فضلاً عن أن تقع فيها.(14/351)
طاعة مدرس القرآن
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز المجيدل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ العلم/صفات وآداب العالم والمتعلم
التاريخ 24/11/1423هـ
السؤال
ما حكم طاعة مدرس حلقة القرآن فيما يأمر به سواء داخل المدينة أو في السفر؟ مع توضيح الأدلة النقلية والعقلية، وفقكم الله لمرضاته وأجزل لكم الأجر.
الجواب
الأخ العزيز السلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد: فإن أي تجمع بشري يقوم على أُسسٍ الغرض منها تحصيل منفعة للطرفين أو لأحدهما، وحيث إن تعليم القرآن من أجلّ القربات وأعلى الغايات فمدرس القرآن يسعى جهده لحفظ طلابه مما قد يتنافى مع القرآن وما يأمر به، فالقصد والغاية التي يسعى إليها المعلم ليس فرض السيطرة على الطالب ولا سلب حريته وإنما حفظه مما قد يضره وهو لا يشعر، وأنت عليم بأن هذه الأوامر من المدرس هي من باب رعاية المربي لمن تحت يده، والواجب في الشرع مدرك هو طاعة الله سبحانه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وولاة الأمر من العلماء والأمراء ما لم يأمروا بما يخالف الشرع، والأمير الذي ينصبه الجماعة في السفر محدود الزمان، والقصد ضبط أمور المسافرين، والوالدان ممن تجب طاعتهم في غير معصية وحقهم واجب وحتم سدد الله الخطى وبصر بالهدى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(14/352)
تلقيب العالم بالوالد
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/صفات وآداب العالم والمتعلم
التاريخ 10/11/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اشتهر في الوقت الحالي إطلاق لقب والد على علماء الدين الإسلامي كبار السن والعلم والمقام، فهل إطلاق هذا اللفظ يجوز؟ مع ملاحظة الآتي: أن النصارى يطلقون لفظ البابا على علمائهم الكبار في العلم والمقام.
لم يرد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو الصحابة أو التابعين أو السلف إطلاق لفظ الوالد الأب على العلماء.
لو كان لأحد أن يلقب بالوالد، لما كان أحد أحق بها من رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الذي قال ربنا فيه: "ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين".
الجواب
الحمد لله، لا نعلم أن أحداً من العلماء قد صار لفظ الوالد لقباً له، لكن جرت العادة في بعض المجتمعات أن يعبروا عن كبير السن بالوالد سواء كان عالماً أو غير عالم، فيذكر هذا اللفظ في مخاطبته يقال: يا والدي أو يا والد أو في الخبر عنه. فلم يصل الأمر إلى أن يكون فيه شبه من المصطلح النصراني، فالنصارى يجعلون ذلك لقباً لكبير أهل ملتهم، وأما قولك إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع علو قدره وفضله وعظيم حقه على أمته ليس أباً استدلالاً بقوله تعالى:"ما كان محمد أبا أحد من رجالكم" [الأحزاب: 40] فالأبوة المنفية هي أبوة النسب، وأما الأبوة أبوة المنزلة والاحترام فهي ثابتة له -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في بعض القراءات "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أبٌ لهم" [الأحزاب: 6] ، فهذه الأبوة والأمومة أبوة منزلة واحترام وإكرام، ولقد قال -صلى الله عليه وسلم-:"إنما أنا لكم بمنزلة الوالد" أبو داود (8) وهو فوق ذلك -صلى الله عليه وسلم- فحقه على أمته أعظم من حق الوالدين وجميع الناس كما قال -صلى الله عليه وسلم-:"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" البخاري (14) ، ومسلم (44) والله أعلم.(14/353)
دراسة المسلمة في الكليات الطبية الغربية المختلطة
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/صفات وآداب العالم والمتعلم
التاريخ 03/07/1426هـ
السؤال
أنا طالبة مقيمة في كندا مع والدي، وبعض الناس نصحوني أن أكمل دراستي، وأدخل طب أسنان، ويقولون: إن فيها خدمة لنساء المسلمين، أما أنا فإنني لا أحب الاختلاط والحديث مع الرجال الأجانب، وأعلم أن الحياء وعدم الاختلاط بالرجال من أخلاق وصفات المرأة المسلمة، فهل يحل لي أن أختلط مع الرجال من أجل مراعاة مصلحة عامة وهي استغناء المريضات عن التكشف للأطباء الرجال؟ ثم إن بعض الناس يقولون لي: إن طب الأسنان لا يوجد في دراسته اختلاط كما يوجد في الطب البشري، وأنا فعلاً محتارة، لأنني عندما كنت أحضر شهادة في علوم الأحياء والكيمياء في الجامعة كان عدد الطالبات 70-80% وعدد الطلاب 20-30% فقط، فهل عدم دخولي كلية طب الأسنان فيه نوع من الغلو في الدين والتشدد المنهي عنه؟ أرجو نصحي وإفادتي، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن عدم دخولك كلية طب الأسنان ليس من الغلو في الدين في شيء بل هو ورع تؤجر عليه المرأة، ولكن لا يعني أنه هو الفعل الأَوْلى، والأصلح، وفي تقديري أن المسألة لا يمكن أن يكون لها حكم واحد في كل وقائعها وصورها وأحوالها، فالأمر يختلف اعتباراً باختلاف تديّن المرأة واختلاف طبيعة الاختلاط ودرجته، واختلاف البلدان ونُظُمها، فبعض الكليات يكون الاختلاط فيها بمقدار يسير منضبط مراقب أشبه ما يكون بالاختلاط في الطرق والأماكن العامة، فيكون الاختلاط فيها أهون بكثير من كليات أخرى.
وبعض البلدان لديها من الأنظمة والعقوبات الصارمة ما يزجر الشباب عن التعرض للنساء وابتزازهن ومضايقتهن، على عكس بعض البلدان الأخرى التي تتساهل في تطبيق العقوبات، فلا ينزجر الشباب عن مضايقة النساء.
لست أريد بهذه المقارنة أن أهون من شأن الاختلاط المحرم، لكني أريد أن أبين أن المسألة ليس فيها حكم قاطع مضطرد في جميع الأحوال. فهذه السائلة تعيش في كندا مع أهلها، وتريد أن تنفع بنات جنسها في مجال لا تزال الحاجة فيه ماسة إلى من تقوم بأمره من النساء الثقات المأمونات.
وظاهرٌ من سؤالك -أختي السائلة- أنك متدينة محافظة متحرّزة من مخالطة الرجال ومحادثتهم قدر الإمكان، فلا عليك من بأس -إن شاء الله- أن تلتحقي بتلك الكلية، على أن تكون نيتك سد ثغر بلدك الذي ما زالت النساء فيه بحاجة إلى متخصصات ثقات مأمونات تغنيهن عن التكشف للأطباء الرجال، وعليك أن تحرصي أشد الحرص على الابتعاد عن الجلوس بمقربة من الرجال، أو الترخص بالحديث معهم في غير حاجة فضلاً عن التساهل بتوثيق العلاقة بأحدهم، أو الخلوة برجل لا يحل لك، وأن تشعري مع هذا كله أن دراستك في تلك الكلية حالة خاصة اقتضتها الحاجة ومراعاة المصلحة الراجحة، وإلا ففيها بعض المفاسد عسى الله أن يعينك على درئها والتحرز منها، وفقك الله لكل خير.(14/354)
حدود أسئلة المتعلم
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/صفات وآداب العالم والمتعلم
التاريخ 26/7/1424هـ
السؤال
قال تعالى: "لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ" متى يجب عليَّ السؤال ومتى يكون الأفضل أن لا أسأل؟.
الجواب
الحمد لله وبعد:
أخي في الله، سلام الله عليك ورحمته وبركاته وبعد: يجب عليك -بارك الله فيك- أن تسأل عما ينفعك في دينك من الفرائض والواجبات، كأن تسأل عن كيفية الصلاة وشروطها وواجباتها، ومبطلاتها، وتسأل عن أحكام الصيام أو الحج والعمرة، أو عن شروط الزكاة إذا كنت من أهل الوجوب وغير ذلك من الواجبات.
وأما المنع الوارد في الآية التي ذكرتها فهذا خاص بالسؤال عما لا ينفع سيما إبان نزول الوحي آنذاك، وكذا السؤال على سبيل التعنت، كمن يسأل لم الظهر أربع ركعات، ولم المغرب ثلاثاً؟.
أو من يسأل لم تقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة؟ ونحوها مما لا طائل من ورائه. وفقك الله لما يحب ويرضى والسلام عليك.(14/355)
إذا قدم عالِم على بلد آخر فهل يفتيهم من مذهبهم
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/صفات وآداب العالم والمتعلم
التاريخ 27/10/1424هـ
السؤال
كيف يتصرف العالم إذا قدم على مجتمع يختلف عنه في المذهب؟ والبلد الذي قدم إليها العالم مليئة بالعلماء، ومذهب أهل البلد ومذهب العالم معروفان على مستوى العالم الإسلامي، ما هو التصرف السليم لهذا العالم؟
(1) هل يقلد أهل البلد؟
(2) هل يصر على مذهبه؟
(3) هل يتنازل عن مذهبه؟
(4) هل يتجاهل مذهب أهل البلد وهو يؤمهم في صلاتهم؟
(5) هل يعرض مذهبه على المجتمع ويفتح معه صراعاً مذهبياً؟
(6) هل يعتذر عن المبادرات الخيرية بحجة اختلاف مذهبه؟
(7) هل يجامل أهل البلد إذا كان يخشى رد فعلهم؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالجواب: أنه إذا كان العالم مجتهداً فعليه أن يتبع ما صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه هو وحده الذي أمرنا باتباعه وطاعته وهو - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، هذا ولا يلزم هذا العالم المجتهد اتباع مذهب معين، بل عليه أن يتبع الدليل، ويعمل به، ويبين لمن يُعلمهم أو يؤمهم في الصلاة أن الذي فعله هو ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أمرنا باتباعه.
هذا وأئمة المذاهب - رحمهم الله - كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد كل منهم يقول: إذا صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو مذهبي، واضربوا بقولي الحائط وبعضهم ينهى عن تقليده ويقول: خذوا من حيث أخذنا.
أما إذا كان العالم مقلداً غير مجتهد فعليه أن يتبع من الأئمة ما يرى أنَّ الصواب معه، أو أنه أقرب إلى الأخذ بالسنة، ويبين لمن يعلمهم أو يؤمهم وجهة نظره في كونه اختار هذا المذهب دون غيره، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.(14/356)
الدروس الخصوصية
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العلم/صفات وآداب العالم والمتعلم
التاريخ 01/05/1426هـ
السؤال
هل الدروس الخصوصية للطالب الضعيف علميًّا، وباختيار الطالب للمعلم، سواء كان بفصله في المدرسة أو من مدرسة أخرى، ودون أي ضغط عليه حرام شرعاً؟ وما حكم المال الذي أكتسب من هذا العمل؟ أرجو الإفادة، وجزاكم الله عنا خيراً.
الجواب
يجب على المعلم والموظف أن يتقيا الله في عملهما، ويقطعا كل سبيل يؤدي بهما إلى الحرام، وما تفعله من تدريس بعض طلبتك، أو طلبة من مدرستك هو أحد السبل التي توقعك في الحرام، لأن نجاح هذا الطالب في الامتحان معناه جدارتك بالتدريس، وسبيل إلى الدعاية إلى مزيد من الدروس الخصوصية التي تسعى لأجلها، وعلى هذا ستجد نفسك منساقاً إلى التركيز على الدروس التي تكون منها أسئلة الامتحان، وقد يدفع بك الشيطان في لحظة ضعف إلى إعانة الطالب في قاعة الامتحان وربما في التصحيح، وأما تدريس الطلبة من غير مدرستك فأرجو ألا بأس به، إذ هو أجر على عمل تؤديه لا شبهة عليك فيه.(14/357)
الدراسة في قسم الآثار
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العلم/آفات المتعلمين
التاريخ 17/11/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم. ما حكم الدراسة في قسم الآثار بما يحتوي ذلك من اختلاط بين الجنسين بل والسفر مع البعض, وكذلك ما فيها من نبش للقبور ودعم للسياحة التي تجلب الفساد والسلام عليكم ورحمة الله.
الجواب
إذا أمكن للدارس أن يتجه إلى تخصص آخر فهو الأولى. وإن لم واستطاع أن يدرس ويحافظ على دينه فلا بأس؛ لأن الحاجة قائمة أن يكون في كل تخصص أناس صالحون لعلهم يصلحون على المدى البعيد مسيرة هذه الأقسام والله المستعان.(14/358)
تعامل المعلّمة مع الفتيات المراهقات
المجيب عادل بن عبد الله بن أحمد العبد القادر
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/آفات المتعلمين
التاريخ 7/11/1424هـ
السؤال
أنا مُدِّرسة بالمرحلة الثانوية، أشكو من عدم القدرة على التعامل مع الطالبات، على الرغم من خبرتي الكبيرة في التعليم، وعدم جذب الانتباه والسيطرة عليهن، وأستخدم العنف فقط لحل المشاكل التربوية وشقاوتهن أحياناً، وأشعر بفجوة بيني وبينهن. أرجو إفادتي بالأساليب التربوية الصحيحة للتعامل مع الفتيات في هذه السن، ولكم الشكر والتقدير على هذا الباب وغيره وأعانكم الله.
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فاعلمي أنك على ثغرة هامة جداً، فأنت على وظيفة الأنبياء والرسل، وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: ذُكِر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلان أحدهما عابد والآخر عالم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم" ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير" رواه الترمذي (2685) وغيره، فاحتسبي، وتحمّلي تؤجري، أما عن مسألتك فجوابي من شقين:
الأول: لا بد من أسباب للعنف والشدَّة والغلظة، فإن كانت عائلية خاصة، فاتركيها في البيت، ولا تأخذيها إلى المدرسة، وعيشي في المدرسة جوها العلمي الجميل، وإن كانت الغلظة طبعاً فيك فلتتخلصي منها بقدر ما يعينك الله، واستعيني بعد الله بالمختصين، فلن يصلح معلماًً إلا من كان حكيماً حليماً عالماً!! وخصوصاً في هذا الزمن.
الثاني: أختي الفاضلة: لسد الفجوة وجذب الانتباه أرجو اتباع الآتي:
(1) اضرعي إلى الله، وسليه الإعانة والسداد في قدر تدريسك وتعليمك، فالتوفيق بيد الله -تعالى-.
(2) عليك بالابتسامة المنضبطة ولو تصنعاً بدايةً، حتى تألفيها فتكون عادتك المطردة.
(3) التحضير الجيد للدرس يعطي المعلمة ثقة في نفسها، وإقبالاً من طالباتها، وتنتهي براحة نفسية وجودة في العطاء فتنبهي.
(4) دوماً وأبداً استخدمي مبدأ المكافأة للتحفيز، ولنظرة العقاب أثر دون رفيع.
(5) طالبة الثانوية تتعرض غالباً لمستجدات، وقد تعاني من مشاكل ورغبات، فلو قربت منها لكنت أماً حنوناً وصدراً رحباً، تفزع إليك بعد الله، فانزلي لتقربي إلى مستواها، قربيها، وامسحي رأسها، وابتسمي في وجهها، فستجدين نفسك أمها التي تفصح ولا تثق إلا بك.
(6) أختي المعلمة: أنت على ثغرة فاجتهدي على إصلاح من تحت يدك، من طالبات قد لا يصل العلماء ولا الدعاة إليهن، وأنت توجيههن، فصلاحهن صلاح الأمة، فهن زوجات المستقبل وأمهات رجاله، فما أجمل الشريط النافع، والكتيب الهادف، والنشرة المؤثرة! ولك أجر الدعوة ومثل ثواب الهداية. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(14/359)
تساؤلات حول كتاب الطب الوقائي من القرآن والسنة
المجيب د. محمد بن إبراهيم دودح
باحث علمي في هيئة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة
التصنيف الفهرسة/ العلم/آفات المتعلمين
التاريخ 02/05/1425هـ
السؤال
ما صحة ما نقله الدكتور عبد الباسط محمد السيد في كتابه (حول الإعجاز العلمي في الطب النبوي) ، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان: يفطر على العسل مخلط مع الماء، ثم في وقت الضحى كان يأكل سبع تمرات مع اللبن، وفي الظهر كسرة خبز شعير مع الخل، وبعد العصر جزرا مع عود من البقدونس، وكان عشاؤه اللبن الرائب مع كسرة الشعير، وكان ينهى عن إدخال طعام في طعام، وكان يأكل الثريد مرة كل شهر، وكان يقول سيد الطعام الثريد، وكان يمشي بعد العشاء مقدار البقرة وآل عمران (أرجو ذكر المراجع لتثبيتها في بحثي) .
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد:
كتاب الدكتور عبد الباسط محمد السيد اسمه "الطب الوقائي من القرآن والسنة", وقد صدرت منه الطبعة الأولى عام 1423هـ-2002م, دار ألفا مصر: alfa_eg@hotmail.com, ولم تقم أي جهة مسئولة مثل هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة برابطة العالم الإسلامي بتحقيقه, وقد وردت فيه أمور تستدعي التوقف, مثل قوله (ص59) : "لقد أخذ كيث مور عينات من نطفة لم تبلغ 42 ليلة وحاول معرفة جنسها؛ ذكر أم أنثى, واستخدم كل وسائل التكبير والأشعة المتاحة فلم يستطع أبداً تحديد جنس النطفة, وظل يراقب النطفة طوال 42 ليلة حيث ظهر كروموزوم جنس الجنين في اللحظات الأخيرة.. وعندئذ نطق بالشهادتين وأشهر إسلامه", وهذا الأسلوب الدعائي في هيئة رواية غير منسوبة لأحد ينبذه التحقيق العلمي, خاصة أن هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة هي التي قامت بنفسها بمحاورة أستاذ الأجنة الكندي، وتعرف حقيقة ما حدث من وقائع, وهل يعذر الكاتب عدم تخصصه في الطب ليقرر ظهور كروموزوم جنسي في اللحظات الأخيرة بعد 42 ليلة, خاصة مع توفر من يفيده بيقين بأن حوامل الخصائص الوراثية (الكروموزومات) لا تظهر فجأة بعد 42 ليلة، وإنما توجد جميعا داخل الخلية البشرية الأولى؟ , ولكن هذا مصير من يعدل عن التحقيق العلمي مهما كان غرضه, ومن ذلك قوله (ص61) : "عملية انتخاب طبيعي للحيوان المنوي وللبويضة الأقوى والأصلح", وهي ليست إلا بويضة واحدة, وقوله (62) : "وقد أثبت كيث مور أن كل السوائل في جسم الإنسان علق, فلو أخذ قليل من الدم ثم ترك ساكناً فإن كرات الدم الحمراء والبيضاء تترسب.. أي أن الدم علق", هكذا! , وقوله (ص 65) : "أما عن ترائب المرأة أي عظام صدرها فقد أثبت العالم كيث مور أن هذه العظام تصل للمبيض الذي تنتج فيه البويضات, وهنا خر العالم الكندي ساجدا لله", ويقع المبيض في تجويف الحوض وليس له أي علاقة تشريحية بعظام الصدر, وهو أيضا يأتي بروايات لا ينسبها لأي كتاب من أمهات كتب الحديث، ولا يورد تحقيقها (مثلما في ص59و64) , ولكنه لم يورد رواية السائل في كتابه، ولم أجدها في كتب الحديث, وفي الجملة لم يُنسج الكتاب على طريقة المختصين في التحقيق، وإنما كمرئيات شخصية، والأولى أن يعود السائل إلى المختصين في علم الحديث, والله أعلم.(14/360)
الدراسة في الجامعات الغربية المختلطة
المجيب د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ العلم/آفات المتعلمين
التاريخ 1/3/1425هـ
السؤال
أنا مبتعث للدراسة بالولايات المتحدة، ويوجد معنا بعض الطالبات، فكيف التعامل معهن؟ أفتونا مأجورين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأوصيك وأنت على تلك الحال بعدة أمور:
الأول: تقوى الله تعالى، وأن تتذكر أن الله معك حيثما كنت يراك ويراقبك ويعلم سرك وعلنك، وما أخفيت في صدرك، فاحذر من أن تهون نفسك عليك المعصية نظراً للبعد عن الأهل والأوطان، وتذكر دوماً قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " رواه البخاري (4777) ومسلم (9) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، فاحرص على أن تكون من أهل هذه المرتبة.
الثاني: عليك بغض البصر، وأن تعلم أن جواز بقائك في مقاعد الدراسة للحاجة وللمصلحة المرجوة من ذلك، لا يسوغ لك بأي حال من الأحوال أن تقلب ناظريك في من حولك من النساء، فإن المسلم مأمور بغض البصر عن المرأة الأجنبية، قال تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم " [النور:30] .
الثالث: يحرم عليك مصافحة أو مس المرأة الأجنبية، سواء أكان ذلك بشهوة أو بغير شهوة، فإن رسولنا صلى الله عليه وسلم - وهو أزكى البشرية وأطهرهم - لما بايع النساء عام الفتح امتنع من مصافحتهن مع أن الحاجة تقتضي ذلك، قالت عائشة رضي الله عنها: "والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط، ما بايعهن إلا كلاماً " رواه البخاري (2713) من حديث المسور بن مخرمة - رضي الله عنه-.
الرابع: احرص قدر الإمكان على أن يكون مكانك بعيداً عن أولئك الطالبات، وأن تختار المكان المتوسط بين الطلاب في القاعة، وإذا كان هناك أي نشاط داخل القاعة فليكن قرينك من الطلاب.
الخامس: احرص على تجنب محادثة الطالبات؛ لأن محادثة المرأة الأجنبية وإن كان في الأصل مباحاً إذا أمنت الفتنة ولم تخضع المرأة في كلامها، إلا أنه في مثل حالتك قد يتعذر الالتزام بالقيود الشرعية في ذلك، فإذ اضطررت للكلام مع امرأة أجنبية فعليك بالالتزام بالضوابط الشرعية الأخرى من غض البصر، وعدم الخلوة، وعدم الاسترسال في الكلام فوق ما تقتضيه الحاجة.
وأخيراً تذكر أن المسوغ لجواز بقائك في هذه القاعات الدراسية مع ما فيها من المحاذير الشرعية هو الحاجة لتعلم هذه العلوم التي قد لا تتوفر في بلاد المسلمين، أو قد لا تكون بنفس الكفاءة، مع ما يرجى من دراستك من نفع للإسلام والمسلمين، فليكن في نيتك أن تتعلم هذا العلم لتنفع به بلاد المسلمين، واحرص على أن تكون دراستك بالقدر الذي يتحقق به ذلك المقصود، فإن الحاجة - كما يقول أهل العلم - تقدر بقدرها، نسأل الله أن يحفظنا وإياك وجميع المسلمين، والله أعلم.(14/361)
هل هذا من التعلم لمماراة السفهاء؟!
المجيب خالد بن عبد العزيز السيف
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ العلم/آفات المتعلمين
التاريخ 21/10/1426هـ
السؤال
قبل سنوات كان لي اتصال بالنصارى، وبدون شك أثاروا لي شبهات، ومن باب الحمية درست كيفية الرد عليهم، وأصبح لي باع كبير في هذا المجال، وأريد أن أقوي معرفتي بهذا المجال من باب سد هذه الثغرة -والحمد لله- صلتي بالدعاة والعلماء عندنا طيبة، وبإمكاني أن أدرس عليهم، أريد أن أسأل عن حكم طلب العلم لهذا الغرض، هل يدخل في باب تعلمه لمماراة السفهاء؟ وهل عندكم نصائح توجهونها لي؟ بارك الله فيكم.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمن حق العلم الدعوة إليه والصبر على الأذى فيه، وأفضل ما يدعى إليه الإسلام؛ فهو الدين الحق الذي ختم الله به الأديان، والذي ارتضاه لأمة نهاية الزمان.
والدعوة إلى الإسلام من أفضل الأعمال، وهل كان الأنبياء المرسلون إلا دعاة ومبلغين عن الله، وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في غزوة خيبر التي كانت ضد اليهود، كما عند البخاري (2942) ، ومسلم (2406) : "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم". مع أن المقام مقام قتال، إلا أن الدعوة لهذا الدين مطلوبة حتى في هذا الظرف.
ولكن من المهم في هذا الباب التفريق بين المجادلة والدعوة، فليس كل من تمارس عليه الدعوة يصلح للمجادلة، فالمجادلة أمرها أضيق، ولا يلجأ إليها إلا في ظروف خاصة وفي ضوابط خاصة، وأما الدعوة فأمرها أوسع، وهي المطلوبة في الأعم الأغلب، ومن الملاحظ أن غالب الذين دخلوا الإسلام دخلوا عن طريق الدعوة، ولم يدخلوا عن طريق المجادلة.
وينبغي التفريق بين دعوة العامي وبين دعوة العالم، ويبن دعوة الباحث عن الحق، وبين دعوة المكابر فيه، وبين دعوة المنصّر وبين دعوة غيره من عموم النصارى، وبين دعوة زميل العمل والجار، وبين دعوة البعيد الذي لا تربطك به صلة، فهذه أمور من الأحسن مراعاتها، ولكل مقام ما يناسبه من الكلام والتفصيل.
جانب آخر مهم في الدعوة في صفوف النصارى، وهو معرفة حال المدعو أولاً، والانطلاق في دعوته من هذه المعرفة، فمثلاً لو كان المدعو معروفاً بتعظيم الكتاب المقدس فليس من المناسب الابتداء به في إثبات التحريف والطعن في مصداقيته، فهذا مدعاة للنفور من الداعي وما يدعو إليه، فأسلوب التشكيك وخلخلة المعتقد مما يسبب -حسب التجربة- النفرة والإعراض، ويبعث إلى المجادلة والتعصب، وقد أمرنا الله بالمجادلة بالتي هي أحسن، فقال تعالى: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" [العنكبوت:46] ، وقال تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم" [الأنعام:108] .
ومن الجوانب المهم ذكرها أو الانطلاق منها تذكير المدعو بالمصير المحتوم بعد الموت، وخصوصاً أن أهل الكتاب يؤمنون به، وأن على المدعو التفكير بجدية في هذا الموضوع، وهل استعد لما بعد الموت من الاستمساك بالحق، ثم ينطلق الداعية في هذا الجانب سواء بتقرير ما يدرك بالعقل، أو ما يدرك بالنص من آيات القرآن الكريم.(14/362)
ومن الجوانب المهمة في طرق الدعوة إجادة عرض أدلة نبوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعجزاته الدالة على صدقه، والانطلاق منها على ثبوت نبوته بطرق سهلة من دون التجريح في معتقدات المدعو.
ولا يعني ذلك إهمال نظرة النصارى إلى الإسلام وتصورهم المغلوط عنه، إضافة إلى الشبه التي يتوارثونها من قديم الزمان في الطعن في القرآن أو نبوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والداعية في هذا الجانب ينبغي أن يستعد لأسئلة النصارى المحتملة أثناء الدعوة، فيكون قد أعد العدة لذلك، وهذه الشبهات معروفة متداولة، سواء منها ما يتعلق بالعقيدة أو بالشريعة، كمسائل فقه المرأة أو الحدود أو الرق أو مسائل الجهاد وغيرها.
وأعود لأؤكد ألا يلجأ الداعية إلى المجادلة إلا في الحالات القصوى لرد مكابر أو درء فساد منصّر، أو تبيين تهافت داعية من دعاة النصارى لخلخلة مصداقيته أوسمعته.
أما جانب الدعوة فالأمر فيها يختلف، حيث يصاحبها اللين والإحسان والرفق.
وفي هذا المجال أنصح بقراءة كتاب (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) لابن تيمية، فقد جمع هذه الكتاب أهم ما يحتاج إليه الداعية، سواء في إثبات نبوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو الرد على شبهات النصارى، أو نقد معتقدات النصارى، وكل ذلك بأسلوب عقلي محكم يستفيد الداعية من ذلك إذا اطلع عليه، ودوَّن أفكار الكتاب الأساسية ونقاطه الرئيسة.(14/363)
الحيوانات ممّ خلقت؟
المجيب د. عبد الله السبتي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 24/7/1422
السؤال
إذا كان الإنسان مخلوق من طين، والجن مخلوق من نار، والملائكة مخلوقة من النور، إذن الحيوان مِمَّ خلق؟
الجواب
جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه (2996) : ((خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم)) يعني الوصف الذي جاء في القرآن وفي سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
وأما الحيوان فلم يرد في الشرع شيء يبين خلقه من أي شيء كان -حسب علمي-، وحينئذ فلا يقال بتعيين مادة معينة خلقت منها الحيوانات، بل علم ذلك عند الله -سبحانه-. علماً أنه لا يترتب على العلم بذلك فائدة، ولا على الجهل به مضرة، وما لا فائدة فيه فمن الغبن تتبعه، والأولى الإعراض عنه، والله أعلم.(14/364)
لا يزال السؤال يدور، هل الأرض تدور؟
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 1/6/1422
السؤال
هل الأرض تدور حول الشمس، أم أن الشمس هي التي تدور حول الأرض؟
فقد قرأت أن ظاهر الأدلة يقول: إن الشمس هي التي تدور حول الأرض. وهذا يُعارض ما يقوله العلم الحديث.
وأنا أعلم وأؤمن أنه لا يتعارض نصٌّ صريح مع عقلٍ صحيح، ولكن ليطمئنّ قلبي.
الجواب
لاشك أن النصوص تذكر قرار الأرض وجريان الشمس، وهذا ليس فقط ظاهر النصوص، بل هو ظاهر المحسوس المدرك لكل الناس، فكل البشر على الأرض يدركون ثبات الأرض وحركة الشمس، وأنا وأنت منهم، والله -عز وجل- خاطب الناس في القرآن بما يدركونه ويحسونه، وذكر ذلك في مساق الامتنان عليهم بنعمته وتذكيرهم بعظمته -جل جلاله-.
وخطاب القرآن خطاب عام للأجيال المتعاقبة، وليس خطاباً خاصاً لفئة من الناس في عصر من العصور؛ ولذا خاطبهم بما يشتركون جميعاً في إدراكه والإحساس به.
وأما ما ذكرت من كلام علماء الفلك فهو لا يعارض هذا؛ لأن علماء الفلك يصفون حقيقة الوضع الفلكي بعيداً عن المدرك المحسّ للناس، فحركة الأجرام في الفلك الواسع تدرك بحسابات رياضية خاصة، أو مراصد فلكية معينة. وهذا أمر خاص لم يتنزّل القرآن لبيانه؛ إذ إن كتاب الله-عزّ وجلّ- كتاب هداية وإرشاد للعباد، وليس كتاب فلك أو طب أو تشريح. وكل ما ورد فيه مما يتعلق بهذه العلوم فإنما ذكر لأمر يتعلق بالهداية والإرشاد الشرعي.
فهي مسوقة -كما سبق- لبيان عظمة الخالق -جل جلاله-، ومنته على عباده، واستحقاقه جل وعز أن يعبد وحده، وتأمل قول الله تعالى: ((يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للناس والحج)) . فانظر كيف لفتت الآية السائلين عن الأمر الفلكي الذي سألوا عنه إلى الأمر الشرعي الذي هم معنيّون به.
وإذا نظرنا إلى الآيات بهذه النظرة فإننا لن نجد أنفسنا في يوم من الأيام أمام شبهة تعارض بين نصوص الكتاب وكشوف العلم. والخلط في هذا الأمر يدخلك في مخاضة من الكلام قلّما تخرج منها بما يهديك في دينك، أو ينفعك في دنياك.
ومن المعلوم أن الرجوع في كل فنّ إلى أهله، وفي كل علم إلى المختصين به، ومن تكلّم في غير فنّه أتى بالعجائب. وأما محاولة عسف النصوص ليتلاقى ظاهرها مع اكتشافات العلم فهذا من التكلّف الذي لم نؤمر به ((وما أنا من المتكلفين)) .
واذكّرك وأنت على ذكر -إن شاء الله- بالاهتمام بالأنفع والأجدى من مسائل العلم، وتناول ما يهمّك بشكل مباشر قبل غيره.
وقدِّم الأهم ّ إنّ العلم جمّ
والعمر ضيفٌ زار أو طيفٌ ألمّ
وفقك الله، وسدّدك، وزادك إيماناً ويقيناً.(14/365)
أرغب في طلب العلم ولكن. . .!
المجيب د. عبد الله بن وكيل الشيخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/استشارات دعوية
التاريخ 9/4/1422
السؤال
أحاول أن اطلب العلم ولكن كلما بدأت لا أكمل الطريق واتقاعس عن الطلب، وأحاول مرة أخرى ولكن سرعان ما تتثبط همتي، مع العلم أن أصدقائي كلهم يطلبون العلم ومنهم المجتهد، ومنهم من هو في مثل حالتي، ومنهم من يأخذه الوقت في اللعب المباح، وأسأل كيف أطلب العلم على الطريقة الصحيحة، وألحق بطلبة العلم مع العلم أن البلد الذي أنا فيه ليس فيه علماء إنما طلبة علم فقط فهل تنصحوني بالأشرطة السمعية للدروس العلمية؟
الجواب
ينبغي أن يلتزم طالب العلم بشيء ثابت مما تميل إليه نفسه وتكون رغبته فيه قوية كالفقه مثلاً أو العقيدة أو السنّة ونحو ذلك. وليكن لك في زملاؤك وأصدقائك خير قدوة في طلب العلم وأوجد في نفسك روح المنافسة الشريفة في طلبه. فإن كان زملائك الذين ذكرت طلبة علم وبينكم تقارب في السن، أنصحكم بالانتقال إلى طور المدارسة للعلم وتدوين ما أشكل وسؤال أهل العلم عنه.
أما الأشرطة السمعية فهي من أفضل المصادر في تلقي العلم بشرط أن يُقرن بينها وبين الكتاب المشروح، ويسجل ويذيل على الكتاب ما كان من فوائد حتى يتحقق طلبه العلم من ذلك الكتاب ويحصل الانتفاع به.
أما فتور العزيمة فيمكنك أن تستعين بعد الله بالقراءة - في كتب سير العلماء - حتى يحدوك ذلك للجد في الطلب، كسير أعلام النبلاء وطبقات الحنابلة فإنها تقوي عزيمتك، والله أسأل لنا ولك التوفيق والسداد.(14/366)
جوائز مسابقات حفظ القرآن
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 21/1/1424هـ
السؤال
عندي مجموعة من الأولاد أحفظهم جزءاً من القرآن وبعد أن ختموا هذا الجزء أحببت أن أعمل لهم مسابقة فجمعت من كل ولد مبلغ عشرين فرنك والذي يفوز بالترتيب الأول يأخذ النصيب الأكبر من المبلغ، هل يجوز هذا العمل شرعاً؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
هذه المسابقة نوع من القمار؛ لأن العوض ـ أي الجائزة ـ مأخوذة من جميع المشتركين، وكل واحد منهم قد دفع عوضاً وهو بين احتمالين لا ثالث لهما: إما أن يغنم أكثر مما دفعه من العوض، وإما أن يغرم ما دفعه، وهذا هو حقيقة القمار الذي كان الناس يفعلونه في الجاهلية، فنزل القرآن بتحريمه.
وخروجاً من هذه الصورة المحرمة: فلتكن الجوائز من مالك أنت، أو من مال غيرك ولو من أحد المتسابقين، لا أن تكون من جميعهم.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/367)
تلقي العلم عن طريق الإنترنت
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 7/1/1424هـ
السؤال
هل الإنترنت والكمبيوتر من وسائل تلقي العلم؟ هل الجرائد والمجلات والصحف من وسائل تلقي العلم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
العلم يتلقى بكل طريق صحيح من نظر وتأمل وتدبر وتجربة وتلق من الشيوخ بالسمع وبالنظر في الكتب والصحف والمجلات وعن طريق المساجد والجامعات والمدارس والإنترنت والأشرطة السمعية والبصرية بل حتى بالإحساس، وقد قال سبحانه وتعالى: "وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبصار وَالأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" [النحل:78] .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة" رواه مسلم (2699) . فوسائل تلقي العلم ليست توقيفية باتفاق أهل العلم، بل كل وسيلة يتلقى فيها العلم ينطبق عليها حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - السالف، ومثلها جميع الوسائل لا يحتاج معها إلى نص بمشروعيتها إذ الأصل المشروعية والحظر هو الذي يحتاج معه إلى دليل، ومثال ذلك وسائل الجهاد ووسائل الحج إلى مكة، ووسائل حساب الزكاة وقسم الميراث، بل العبرة بما يوصل إلى المقصود ولم يكن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مدارس ولا جامعات فضلا عن الوسائل الحديثة من مطبوعات ومسموعات ومرئيات، وقد استفاد العلماء وطلبة العلم على مدار العصور من كل وسيلة حديثة، بل إن العلم الشرعي هو أحق العلوم ببثه والاستفادة منه بأي وسيلة وطريقة.
وفق الله السائل لما يحبه ويرضاه.(14/368)
معنى (انفرد به الإمام أحمد)
المجيب د. سليمان بن صالح الغيث
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 19/9/1422
السؤال
ما معنى انفرد به الإمام أحمد؟
الجواب
معنى: انفرد به الإمام أحمد، أي: أنه لم يتفق بهذا القول مع أي من المذاهب الثلاثة الأخرى مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي - عليهم رحمة الله - لا في مذهبهم ولا في قول مشهور في تلك المذاهب.
وعدم اتفاقه مع هذه المذاهب بهذا القول ليس معناه أنه لم يتفق ويوافق أحداً من العلماء غير أصحاب المذاهب، بل قد يوافق على قوله هذا جمع كثير من علماء الأمة قبله وبعده، بل إن الإمام - رحمه الله - ينبّه على ألا يقول الشخص قولاً لم يسبقه إليه أحد، فقد ورد عنه أنه قال: " لا تقل قولاً ليس لك فيه إمام " ولهذا يبعد أن يوجد له قول لم يوافقه فيه أحد العلماء قبله من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم، وبالله التوفيق.(14/369)
تصرف المعلمة في درجات الطالبات
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 18/12/1422
السؤال
مما قررته الرئاسة العامة لتعليم البنات تدريس مادة المطالعة للصف الأول الثانوي على أساس أنها مادة تقويمية لا يوجد لها امتحان، والخمسون درجة تكسبها الطالبة من خلال مهاراتها داخل الصف خلال النصف الدراسي، بالإضافة إلى (10) درجات خصصت لعمل بحث في أي موضوع ترغبه الطالبة. معلمة ألغت المطالبة بهذا البحث واستبدلته بحفظ سورة الملك. ما رأيك يا شيخ؟ هل هذا العمل يجوز وتؤجر عليه المعلمة أم أنه يعد عصياناً لولي الأمر؟
الجواب
إذا كان حفظ هذه السورة يحقق المعنى الذي يحققه البحث المطالبة به الطالبة، من حيث المعاني التربوية والأهداف التعليمية التي من أجلها وضعت هذه المادة وأهدافها، فهذا لا بأس به، لأن أي مادة من المواد يكون لها هدف ويكون لها مقاصد، فإذا تدخلت المعلمة في هذه الجزئية، وطالبت الطالبات بدلاً من البحث بحفظ سورة من القرآن، أو حفظ سورة الملك كما جاء في سؤال السائلة، إذا كان المعنى التربوي المقصود يحقق المعنى ولا يختلف فهذا لا بأس به؛ لأن المقصود هو تحصيل الطالبة لشيء من المعلومات والمهارات خلال دراسة أي فن من الفنون، أما إذا كان لا يحقق المطلوب فإن هذه المعلمة أنصحها بأن تطالبهم بالبحث، وزيادة على البحث تطالبهم أيضاً بحفظ سورة الملك، أو غيرها من السور التي ترى أنها مناسبة لمثل حالهم.(14/370)
تلقي العلم عن طريق الإنترنت
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 29/12/1422
السؤال
ما توجيهكم للشباب الذين أصبح مصدر التلقي للعلم الشرعي وغيره عندهم، هو: الإنترنت تاركاً المصادر الأصلية؟
الجواب
الإنترنت وغيرها من وسائل الاتصال ونقل المعلومات فيها فوائد كثيرة، وفيها سلبيات لا تخفى، فهي رافد من روافد العلم والمعرفة، وإن كانت لا تغني عن الرجوع إلى المصادر الأصلية، ولا عن مشافهة العلماء، ولا حرج على الشباب وغير الشباب من الإفادة مما فيها من خير حتى في العلوم الشرعية والفكرية، مع الاهتمام والعناية بالأخذ عمن يوثق بالإفادة منه، وذلك يحصل بالمعرفة وبالتحري، وبالله التوفيق.(14/371)
دراسة الحقوق والعمل في المحاماة
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 24/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
تحية طيبة أما بعد: في الحقيقة أنا طالب في كلية الحقوق.. والسؤال هو هل في دراسة هذا التخصص ما هو حرام؟؟
وهل الاشتغال في الوظائف التي في مجال دراسة الحقوق أيضا حرام (كالمحامي مثلا) ؟ أفيدونا جزاكم الله عنا خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
فهذا السؤال يتكون من شقين:
الأول: ما حكم الدراسة في كليات الحقوق؟ .
الثاني: ما حكم العمل في المحاماة؟ .
جواب الشق الأول:
إذا استخدمت مواد كليات الحقوق في التعاون على الخير، والوصول إلى الحق ودفع الظلم كان ذلك خيرًا، بل وطاعة لله سبحانه يُثاب الإنسان عليها، وإن استخدمت في غير ذلك كانت إما عبثًا وإما فسادًا، والحق هو ما قرره الشرع في مصادره المعروفة، والظلم ما سوى ذلك، كما أن دراستها لو كانت للمقارنة بينها وبين الشرع ليتبين الحق من الباطل، فذلك مشروع وجائز، كما لو تعلّم الإنسان الشر من أجل البعد عنه، وقد قيل:
عرفتُ الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
وأنبه الدارسين للقوانين بوجه عام إلى قول الله - سبحانه-: "وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا" [سورة النساء: 107] ، وقوله- تعالى-: "هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهمُْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً" [النساء: 109] ، وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه أبو داود (3597) "ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه" وفي رواية: "من أعان على خصومة بظلم، أو يعين على ظلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع" رواها ابن ماجة (2320) ، والطبراني في الأوسط (2921) ، وكلتا الروايتين من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما- بإسناد جيد، وقول الله -سبحانه-: "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" [المائدة: 44] وفي آية أخرى "فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" وفي آية أخرى "فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" [المائدة: 45-46] . والله أعلم.
جواب الشق الثاني:(14/372)
إن كانت المحاماة من أجل حماية الشر والدفاع عنه فلا شك أنها محرمة؛ لأنها حينئذٍ وقوع فيما نهى الله عنه في قوله -تعالى-: "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة: 2] . وإن كانت المحاماة لحماية الخير والذود عنه فإنها حماية محمودة، وحينئذٍ تكون مأموراً بها في قوله -تعالى-: "وتعاونوا على البر والتقوى" [المائدة: 2] . وعلى هذا فإن من أعد نفسه لذلك يجب عليه قبل أن يدخل في القضية المعينة أن ينظر في هذه القضية ويدرسها، فإن كان الحق مع طالب المحاماة دخل في المحاماة وانتصر للحق ونصر صاحبه، وإن كان الحق في غير جانب من طلب المحاماة فإنه لا يدخل فيها؛ لأن المسلم لا يجوز له الدفاع عن الباطل والشر، وقد يقال إنه يدخل في المحاماة أيضاً، لكن المحاماة تكون عكس ما يريد الطالب، بمعنى أنه يحامي عن هذا الطالب حتى لا يدخل فيما حرم الله عليه، وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قال: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: "تحجزه، أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره"، رواه البخاري (6952) من حديث أنس - رضي الله عنه- فإذا علم أن طالب المحاماة ليس له حق في دعواه فإن الواجب أن ينصحه وأن يحذره وأن يخوفه من الدخول في هذه القضية وأن يبين له وجه بطلان دعواه حتى يدعها مقتنعاً بها. وإذا دخل المحامي في قضية يرى أن الحق فيها لطالب المحاماة ثم تبين له خلاف ذلك فإنه يحرم عليه الاستمرار فيها؛ لأن في ذلك معاونة على الإثم والعدوان. والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/373)
الواجب من العلم الشرعي
المجيب د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 24/3/1423
السؤال
هل العلم والتعلم واجبان على كل مسلم ومسلمة وما مدى صحة القول "العلم قبل العمل"؟
الجواب
لا شك في وجوب الحد الأدنى من العلم الشرعي، وهو ما يستطيع به المسلم عبادة ربه على الوجه المشروع، وإلا فكيف يعرف المسلم حقائق الإيمان التي تجب عليه مثل أركان الإيمان الستة؟ وكيف يعرف أركان الإسلام؟ وكيف يعرف أحكام الوضوء والصلاة والصيام والحج التي لا يتم إسلامه إلا بها؟ كل ذلك لا يمكن حصوله إلا بالعلم.
وليس المطلوب من المسلم من تفاصيل العلم غير الضروري إلا ما احتاج إليه، مثل أن تعرض له مسألة فيسأل عنها، كأن يصاب بكسر فتجبر قدمه وساقه، فهذه الحالة إذا لم تقع له، لا يجب عليه معرفة حكمها، لكن إذا وقعت له وجب عليه معرفة الحكم فيسأل أهل العلم كما أمره الله، قال -تعالى-:"فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" [النحل: 43] .(14/374)
هل في تعليم الفيزياء أجر؟
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 1/3/1423
السؤال
أنا رجل مسلم أعيش في إحدى الدول الغربية، وأنا -ولله الحمد- من الفيزيائيين المتفوقين في هذه الدولة، ولكن هناك سؤال يؤرقني ويقض مضجعي ويبكيني، وهو: هل سأستفيد في الدار الآخرة من إفناء عمري في تعلم وتعليم علم الفيزياء النووية؟ علماً أن علم الفيزياء له دور أساسي في إقامة الحضارات ومحوها، وهل سيكون لي حظ يوم القيامة بعملي هذا، أم سأكون من المحرومين؟ كما أنني ألقي المحاضرات للطلاب بالمجان، فهل أنا مأجور على ذلك؟
الجواب
نعم لك أجر عظيم -إن شاء الله- على تعلمك وتعليمك الفيزياء للآخرين إذا أخلصت النية لله رب العالمين، وتعلم العلوم منه ما هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة ومنه ما هو فرض كفائي إذا قام به من يكفي من المسلمين سقط الإثم عن باقي الأمة، والعمل الذي هو فرض عين ما يتوقف عليه صحة اعتقاد الإنسان وأداء شعائر دينه كالعلم بأركان الإسلام وأركان الإيمان والعمل بمقتضاها، ففي الصلاة مثلاً يجب تعلم فروض الوضوء، ونواقضه، وأركان الصلاة وواجباتها، دون معرفة السنن والنوافل والآداب، ويجب على المسلم إذا اشتغل بالتجارة أن يعرف أحكام البيع والشراء الأساسية دون التفاصيل الجزئية لأحكامه، فمن الضروري فيه أن يجتنب الربا والغش والتدليس، حتى العلوم التجريبية من طب، وهندسة، وكيمياء، وفيزياء، وزراعة، ومحاسبة، واقتصاد ... إلخ، قد يكون تعلمها وتعليمها فرض عين أو فرض كفاية.
تكون فرض عين على أشخاص أو نخبة متخصصين بأعيانهم لا يوجد غيرهم في المجتمع والأمة بحاجة ماسة إلى علمهم، وقد يكون فرض كفاية على الأمة إذا تصدى لهذا العلم من يكفي حاجة المسلمين فيسقط الإثم في التقصير في طلبه عن العامة لقيام فئة به نيابة عنهم.
وعلم الفيزياء في هذا العصر من أهم علوم الحياة وأخطرها -كما هو مسطور في السؤال-، فإذا علّمت أيها السائل مسلماً وأنت تريد بذلك وجه الله فلك أجره وأجر من علم وعمل بعلمه من المسلمين إلى يوم القيامة؛ لأنك حينئذٍ دللته على الخير فيما ينفعه في دينه ودنياه، والدال على الخير كفاعله، وسيبارك الله لك في علمك وعملك، فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وتعلم هذا العلم وتعليمه لأفراد المسلمين أو عامتهم لإعداد العدة للعدو المأمور بها:" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم" [الأنفال:60] .
أراه داخلاً في الآية وفي الحديث الصحيح الذي يرويه أصحاب السنن عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:" إن الله -عز وجل- يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به ومنبله" رواه أبو داود (2513) والنسائي (3146) وأصله عند مسلم (1919) من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- وانظر (مصابيح السنة للبغوي: 2925) ، فالصانع في الحديث يقابله المعلم، والمتعلم يقابله الرامي، والدال على هذا العلم والمساعد عليه بأي نوع من المساعدة هو المنبل.
والخلاصة في الجواب: أن أجرك مضاعف -إن شاء الله- مرتين الأولى: لتخصصك وتفوقك في هذا الفن -الفيزياء-لا سيما إذا علمته للمسلمين، والثانية: لما تقوم به من تدريس وتعليم لإخوانك من تفسير القرآن وبيان أحكام الدين، فهنيئاً لك يا أخي ما أنت عليه، فعض على ذلك بالنواجذ، وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه، وثبتنا على الحق حيثما كنا، آمين.(14/375)
الهندسة النفسية
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 16/4/1424هـ
السؤال
ظهر في السنين الأخيرة علم يعرف بـ (الهندسة النفسية) ويطلق عليه أيضاً البرمجة اللغوية العصبية فما الحكم الشرعي لتعلم هذا العلم؟ أفيدونا أثابكم الله..
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فعلم البرمجة اللغوية العصبية NLP هو علم يطور مهارات الإنسان وأداءه في مختلف مجالات الحياة، ويساعده على فهم الآخرين بصورة أفضل، وعلى كيفية التعامل معهم والتأثير فيهم.
ويمكن الإفادة منه في مجال: التربية والتعليم، الصحة النفسية، الإدارة والأعمال، التدريب واكتساب المهارات، الدعوة والإرشاد، علاج الخوف والوهم، حل المشكلات، العلاقات العامة والخاصة ... إلخ.
وقد قرأتُ عن هذه البرمجة نبذةً مختصرة، تشكلت في ذهني صورة واضحة عنها، وسألت بعض من تعلمها فلم أجد فيها ما يعارض الشريعة في حكم من أحكامها ...
بل وجدت هذا العلم مما يحتاجه بعض الدعاة والمعلمين والتربويين في مجال عملهم.
إن جهلنا لعلم من العلوم لا يسوغ لنا أن نذمه ونحذر منه ونحقِّر من شأنه، وكل ما في الامر أن نسأل عن حكمه متى ما أحسسنا بشُبهة تحتف به.
إن كون الشيء جديداً علينا لا يعني أنه سيئ، ولا كون الشيء قديماً معتاداً يعني أنه الأفضل والأسلم.
فأقدمْ على تعلم هذا العلم، وأفد منه، ووظِّفْه في الدعوة إلى الله.
وفقك الله لكل خير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم(14/376)
هل الفلسفة حرام أم حلال؟
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 26/1/1425هـ
السؤال
هل الفلسفة حرام أم حلال كمهنة؟ وهل الرسم بالكمبيوتر- أي الملتميديا- حرام أم لا؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الحكم على الفلسفة عائد إلى معنى المصطلح، حيث إن المصطلح قد يفهم منه أنها الفلسفة اليونانية والتي تجعل العقل مصدراً لكل شيء، وهو الحاكم على كل شيء، والفلسفة مصطلح إغريقي بمعنى محبة الحكمة، وربما يفهم من الفلسفة ما تبناه بعض الفلاسفة المنتسبين للإسلام كابن سينا والفارابي، ومحاولة توفيقهم بين الفلسفة اليونانية والوحي المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم-؛ فكانت نتيجة هذا التوفيق إنكار حشر الأجساد وإنكار خلق الله للعالم، وإنكار علم الله للجزئيات، وغير ذلك مما هو مناقض لصريح القرآن في مئات النصوص، واتهام ابن سينا للأنبياء بالكذب والتخييل على الناس، وتفضيل الفارابي الفلاسفة على الأنبياء، وأنهم أكثر علماً.
فمصطلح الفلسفة مخالف للشريعة الإسلامية ومباين لها، وقد يطلق مصطلح الفلسفة على العلوم الإنسانية واستخدام العقل في العلوم، والإسلام يحث على استخدام العقل في كل ما من شأنه مصلحة الإنسان من عمارة الكون والسعي في الأرض؛ بل وتدبر آيات الله -تعالى- في الآفاق والأنفس، وتدبر كتاب الله - تعالى- لزيادة الإيمان واليقين.
فإذا كانت الفلسفة دارسة العلوم الإنسانية بما لا يعارض الوحي الإلهي فهو مأمور به، وما أكثر الآيات القرآنية الحاثة على التعقل والتدبر والتفكر "أفلا يعقلون" [يس:68] ، "لعلهم يتذكرون" [البقرة:221] ، "أفلا يتدبرون" [النساء:82] .
أما الرسم بالكمبيوتر باستخدام الوسائط المتعددة؛ فإذا كان الرسم لا يتعلق بذوات الأرواح فلا بأس، وأما إذا كان يتعلق بذوات الأرواح ففيه خلاف مشهور بين أهل العلم، فمنهم من منعه، وهو قول الأكثر؛ لدخوله تحت عموم النصوص كقوله - عليه الصلاة والسلام-: "أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصورون" رواه البخاري (5950) ، ومسلم (2109) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.
ومنهم من أجازه إذا كان يحقق أهدافاً دعوية وتعليمية مع تقوى الله قدر الاستطاعة من عدم وضع التفاصيل أو قطع الرأس، والله أعلى وأعلم. وفَّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(14/377)
كروية السماء
المجيب د. عبد العزيز بن عمر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 8/10/1424هـ
السؤال
وددت أن أسأل عن السماء الدنيا (أو السماوات السبع) هل هي كروية؟ وهل يوجد نص شرعي يدل على ذلك أم أنه في علم الغيب؟ لأنه لو نظرنا إلى الأرض فإنها كروية، وأنه إذا قلت إن السماء فوقي في أي بقعة على الأرض فإنه يدل على أن السماء كروية، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فأسأل الله تعالى أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه، وقد كنت أتمنى أن يكون سؤاله عن أمر من أمور الدين المهمة التي فيها نفع له ولغيره في الدنيا والآخرة، وعموماً السؤال هذا لابد له من جواب فنقول وبالله التوفيق:(14/378)
السماء كروية نعم، وقد دلَّت على هذا عدة آيات من القرآن الكريم ليست صريحة لكنها محتملة للمعنى، وذكر أئمة الإسلام ذلك في أكثر من مكان على أن السماء كروية ومحيطة بالأرض من كل جانب كما قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -: ( ... وإنما نفى ذلك جزماً بغير مثل ... نفى بعض الجهال أن تكون الأفلاك مستديرة، فمنهم من ينفي ذلك جزماً ومنهم من ينفي الجزم به على كل أحد وكلاهما جهل، فمن أين له نفي ذلك أو نفي العلم به عن جميع الخلق؟ ولا دليل له على ذلك إلا ما قد يفهمه بفهمه الناقص هذا، وقد ثبت بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة أن الأفلاك مستديرة قال الله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ" [فصلت:37] ، وقال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" [الأنبياء:33] ، قال تعالى: "لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" [يّس:40] ، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في فلكة مثل فلكة المغزل، وهكذا هو في لسان العرب الفلك الشيء المستدير، ومنه يقال تفلك ثدي الجارية إذا استدار قال تعالى: " يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ" [الزمر:5] ، والتكوير هو التدوير ومنه قيل كار العمامة وكورها إذا أدارها، ومنه قيل للكرة كرة وهي الجسم المستدير، ولهذا يقال للأفلاك كروية الشكل؛ لأن أصل الكرة كورة تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا وكورت الكارة إذا دورتها ومنه الحديث: "إن الشمس والقمر يكوران يوم القيامة" انظر: (الفتاوى 25/193) وقال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى - كما في تفسيره: (فالسماء الدنيا محيطة بجميع الأرض وما حولها من الماء والهواء من جميع نواحيها وجهاتها وأرجائها مرتفعة عليها من كل جانب على السواء، وبعد ما بينها وبين الأرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام ... ) انظر: تفسير القرآن العظيم (2/500) وفي روح المعاني للإمام الألوسي رحمه الله تعالى: (وكون السماء كروية لا تقبل الخرق والالتئام مما لا يتم له دليل عندنا، وظاهر كلام أهل الهيئة الجديدة جواز الخرق والالتئام على الأفلاك (روح المعاني 8/118) ، كما ذكر ذلك كل من الإمام ابن حزم كما في الإحكام (2/216) وفي كشف الظنون للإمام حاجي خليفة (1/510) وفي حاشية السندي (3/142) ومفتاح دار السعادة للإمام ابن القيم (2/212) ، وغيرهم ذكروا الكثير من الكلام الواضح في كروية السماء، وإحاطتها بالأرض من كل ناحية، والله تعالى أعلم وأحكم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.(14/379)
تعليم الأطفال تغسيل الموتى
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 8/9/1424هـ
السؤال
هناك من يشكك في عدم منفعة تعليم الأطفال عذاب القبر ونعيمه ويرى أن ذلك سيرعبهم ويخوفهم وأنه من الأولى أن تقوم وزارة التربية والتعليم بمنع إقامة الحلقات التي يتم فيها مثل ذلك. ويرى كذلك أن أخذ الطلبة والطالبات الصغار وتعليمهم عملياً كيفية تغسيل الموتى ليس نافعاً لهم من الناحية النفسية، بل إن ذلك سيعقدهم ويرهبهم. فما الرد الشافي على مثل ذلك؟ وجزاكم الله كل خير وسدد خطاكم.
الجواب
نشكر لك مراسلتك لنا على موقع الإسلام اليوم ونرجو أن تجد النفع والفائدة، أما عن جواب سؤالك فأقول وبالله التوفيق الحديث للأطفال عن القبر ونعيمه وعذابه في تصوري أنه نافع ومفيد إذا كان من غير تفصيل دقيق ويراعى فيه عمر الطفل فليس الأطفال في عمر واحد ولا عقليتهم واحدة ثم إذا كان العرض في ذلك عن طريق قصة مشوقة يكون أحسن وأفضل أما أن يقال إنه غير مفيد البتة ففي رأيي أنه غير صواب وقد تناقل صغار الصحابة - رضي الله عنهم - أحاديث حول هذا الأمر، ولم يكن فيه ضرر ولا حرج، وإنما الذي ينبغي مراعاته ما أسلفت طريقة العرض والسن المناسب وعدم الإكثار منه ومثل هذا تغسيل الميت والله أعلم(14/380)
مراجع أثر العبادة على العمل
المجيب د. عبد اللطيف بن إبراهيم الحسين
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 26/6/1424هـ
السؤال
أرجو إفادتي عن مراجع في أثر العبادة على العمل.
الجواب
هذه بعض المراجع، التي تفيد وتعين في موضوع (أثر العبادة على العمل) :
- إحياء علوم الدين للغزالي.
- العبودية لابن تيمية.
- مدارج السالكين لابن القيم.
- العبادة في الإسلام د. القرضاوي.
- ظاهرة ضعف الإيمان لمحمد المنجد.(14/381)
دراسة علوم الحاسب
المجيب د. محمد بن صالح الفوزان
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 27/5/1424هـ
السؤال
كنت أدرس (الكمبيوتر) قبل أشهر، ولكنني تركته بعد أن التزمت بالحجاب والصلاة والدين الإسلامي الصحيح - إن شاء الله -، فسؤالي هو: هل هذه الدراسة حرام؟ فكل من حولي يقولون: لماذا تركت دراستك؟ فهو علم والعلم ليس حراماً، فما رأيكم وجزاكم الله خيراً؟.
الجواب
دراسة الكمبيوتر أو غيره من العلوم النافعة جائز، بل يحرص عليه إذا كان فيه خدمة للإسلام والمسلمين، وإنما المحظور فيما يصاحب هذه الدراسة من اختلاط بالرجال أو خلوة بهم فهذا حرام.(14/382)
تعلم العلم الشرعي ابتغاء الدنيا
المجيب عبد الله بن عبد العزيز الدريس
مدير إدارة التوعية بجهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 23/10/1424هـ
السؤال
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظكم من كل سوء، لدي سؤال أرجو أن تجيبوني عليه: أدرس في الجامعة وأسأل الله دائماً أن تكون نيتي خالصة لوجهه -عز وجل-، إلا أنني دائماً ما أجد في نفسي أنني أتعلم من أجل الدنيا، ومن أجل أن أعتمد على نفسي في المستقبل ومن أجل و....، وهذا مما يؤلمني، لأنني لا أريد علماً لا أبتغي به وجه الله.
أنقذوني بارك الله فيكم، أريد أن أسلك طريق العلم الخالص لوجه الله، حتى يسهل الله لي طريق الجنة.
الجواب
جميل جداً أن يخالط هذا الشعور قلبك، إذ إن الحياة كلها تنقلب حين ننطلق في كل أعمالنا من منطلق الإخلاص وابتغاء رضوان الله تعالى.
وأود أن تعلمي أختي الكريمة أن العلوم على نوعين:
النوع الأول: العلوم الأخروية، وهي علوم الشريعة كالتفسير والفقه والحديث وغيرها، وهذه العلوم لا يجوز تعلمها إلا إذا كانت النية خالصة لوجه الله تعالى، لا لأجل الدنيا أو الوظيفة أو المدح والثناء والجاه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" رواه أبو داود (3664) وابن ماجة (252) بإسناد صحيح.
فلا بد أن يكون الدافع لتعلم هذه العلوم طلب رضا الله وثوابه، ثم لا مانع بعد ذلك من أن يستفيد منها في أمور الدنيا كالوظيفة وغير ذلك.
النوع الثاني: العلوم الدنيوية مثل الطب والهندسة والعلوم الاجتماعية والإنسانية، فهذه إن طلبها الإنسان لأجل الدنيا فلا إثم عليه، ولكنه يحرم نفسه الأجر والثواب، وإن حسن نيته بأنه سيخدم -مثلاً- أمته بهذه العلوم، ويكفي المسلمين الاستعانة بغيرهم فلا شك أنه مأجور على هذه النية الطيبة.
وأنت أختي الكريمة إذا كنت تجاهدين نفسك على هذه النية الطيبة فأرجو أن يأجرك الله تعالى عليها، ولكن لا تعارض بينها وبين أن ترجي من شهادتك نفعاً دنيوياً، فالحج هو عبادة عظيمة وركن من أركان الإسلام، قال الله عز وجل فيه:"ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم" [البقرة: 198] أي لا حرج على الحاج أن يتكسب بالحلال في موسم الحج بالبيع والشراء وغيرها إذا لم تشغله عن العبادة، وهكذا يجمع الإسلام بين الدين والدنيا في انسجام تام لا يطغى فيه جانب على آخر، ثبتك الله على طاعته، ووفقك لمرضاته.(14/383)
الموعظة بعد العصر
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 20/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي: كثير من أئمة المساجد يقرؤون من أحد كتب الحديث بعد صلاة العصر، ما عدا الجمعة. ما الأسباب؟. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فما ذكرته أخي العزيز مما يدخل في الموعظة وتعليم العلم، وتوقيته بدبر صلاة العصر ليس لاعتقاد فضيلة مخصوصة فيه، بل لأنه أنسب الأوقات للتذكير لفراغ المصلين بعد غدائهم وقبل أن يسعوا إلى أعمالهم وتجارتهم.
وأما ترك التذكير يوم الجمعة فاستغناءً بخطبة الجمعة، ولا ينبغي جمع موعظتين في يوم واحد، فقد كان - صلى الله عليه وسلم- يتخول أصحابه بالموعظة مخافة السآمة عليهم انظر: البخاري (68) ، ومسلم (2821) .
وفقك الله لكل خير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/384)
نشرة الأحوال الجوية وعلم الغيب!
المجيب أ. د. حسين بن خلف الجبوري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 21/2/1425هـ
السؤال
ما حكم التنبؤ بالأحوال الجوية، هل يدخل ذلك في علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده، وبعد:
فأقول وبالله تعالى التوفيق والسداد:
أخي السائل الكريم: إن معرفة الأحوال الجوية ليست من علم الغيب، إنما هي علم يتم معرفته من خلال الأخذ بالأسباب والوسائل الموصلة إليه، وذلك من خلال دراسة طبقات الهواء والحرارة والرياح، وكيفية هبوبها واتجاهاتها، ومعرفة الرطوبة كثرة وقلة، وغير ذلك من الأمور الأخرى المتعلقة بهذا العلم، وبهذه الوسائل مجتمعة يتوصل إلى معرفة الأحوال لجوية. هذا والله أعلم بالصواب.(14/385)
دراسة الضرائب والمحاسبة
المجيب د. عبد الله بن محمد السعيدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 8/3/1425هـ
السؤال
ما حكم دراسة الضرائب والمحاسبة والعمل في الوظائف الخاصة بهما؟ علما بأن المحاسبة تخوض كثيرا في الفوائد الربوية والنسب الجبائية، أرجو الرد على هذا السؤال المقلق، وأتمنى أن تنشروا الفتوى في موقعكم كذلك للاطلاع عليها في حال عدم وصول البريد - جزاك الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
الدراسة إذا كانت من خلال برنامج لا يمكن للطالب إلا دراسته كله، وكان الطالب بحاجة إلى الدراسة، فلا مانع من ذلك على ما في بعض المقررات المسؤول عنها كلها من إشكالات تغتفر للحاجة والمصلحة، ولأن تلك المقررات ليست كل مفرداتها مشكلة، فثم قدر كبير فيها ليس مشكلاً.
وأما العمل: فالوظيفة في المحاسبة إذا لم يكن موضوعها أموالاً محرمة، كالفوائد الربوية، والضرائب، فلا مانع منها. والله أعلم.(14/386)
تعلم علم المنطق
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 5/1/1425هـ
السؤال
سمعت أحد الزملاء يتحدث عن علم المنطق وأنه ممنوع تدريسه في السعودية لأسباب سياسية، وبحثت عن الموضوع في الإنترنت فوجدت تعاريف كثيرة فلم أستطع تميز الصحيح منها، أرجو الإجابة عليه لأهميته، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
علم المنطق منه ما هو صحيح وهو الذي يعتمد على الاستقراء العقلي الصحيح والاستقراء العلمي الثابت.
ومنه ما يدخل في باب التخرصات والأوهام والظنون.
ولا أعرف أن تعلم علم المنطق ممنوع في السعودية بل هو مقرر في الأقسام المختصة بالجامعات السعودية.
علماً بأن المنطق الاستقرائي داخل في كثير من المقررات التي تدرس في مدارس وجامعات السعودية، ضمن الرياضيات، والعلوم التطبيقية ولا يلزم إفراده باسم المنطق.
وحكاية أنه ممنوع تدريسه في السعودية لأسباب سياسية، لا صحة لها فيما أعلم، بل لعلها من أوهام بعض الموسوسين.(14/387)
مختصرات الكتب
المجيب وليد بن إبراهيم العجاجي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 23/2/1425هـ
السؤال
ماذا نعني بقولنا (مختصر) ، مثل: (مختصر منهاج السنة) ، هل يعني أن كثير من مواد الكتاب محذوفة، أو أن هناك أجزاء غير مهمة في الكتاب، وهل إذا أردت أن أشتري الكتاب أشتري مختصره أو الكتاب الأصلي.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فسؤالك..... من شقين:
الأول: ما المراد بقولنا: مختصر؟
الثاني: هل أشتري مختصر الكتاب أو الكتاب بدون اختصار؟.
أما الجواب عن الشق الأول: فتعلم أن من عادة أهل العلم - يا أخي- في التأليف أن يبحثوا المسألة بتوسع في مواطن، ويقتصروا على الجوانب المهمة في مواطن أخرى، فتجدهم مثلاً في حالة التوسع يذكرون المسألة وأقوال أهل العلم فيها - إن وجدت- وأدلة كل قول، وما يرد على كل دليل من اعتراضات، وما يمكن أن يجاب به عنها، والآثار المترتبة على الخلاف في المسألة، وقد تكون المسألة محل وفاق فيجمع ما يمكن جمعه لها من أدلة وبراهين، ونحو ذلك، وفي مواطن الاختصار يقتصرون على ذلك القول الراجح، وأهم وأبرز أدلته، ولذا يرى بعض أهل العلم تقسيم مؤلفات أهل العلم إلى قسمين رئيسين هما: المطولات والمختصرات، وهذا بالنظر إلى نوعية المؤلف، والعالم - صاحب المؤلف- يجتهد في بيان ما يحتاجه أهل زمانه، وطلابه في الحلقة، فهم في بداية الطلب يحتاجون للمختصرات أشد من حاجتهم للمطولات؛ لسهولتها، وتيسير ضبطها، ثم بعد الترقي في طلب العلم يحتاجون إلى معرفة الأقوال الأخرى وأدلتها، وما يرد عليها من مناقشة.
كما ينبه هنا على أن أصل الكتاب ومختصره قد يكون من مؤلف واحد، والغالب هنا أن يبدأ المؤلف بالمختصر ثم يشرحه؛ لما يرى من الحاجة إلى البيان والإيضاح، مثل: كتاب بداية المبتدي في فقه الحنفية للمرغناني, وشرحها نفس المؤلف في الهداية، وقد يكون أصل الكتاب من مؤلف، ومختصره مؤلف آخر- وهذا كثير- مثاله: المقنع لابن قدامة في فقه الحنابلة، اختصره الحجاوي في زاد المستقنع.
كما ينبه أيضاً على أن كل صاحب مختصر له طريقته الخاصة في الاختصار، فمنهم من يختصر في ذكر الأقوال فيكتفي بأشهرها، ومنهم من يختصر في ذكر الأدلة، فيكتفي بأقواها عنده، وإن كانت عند غيره هناك ما هو أوقى منها.
وأما الجواب عن الشق الثاني: وهو ماذا أشتري الكتاب أو مختصره؟
فالجواب: بأن هذا راجع إلى الجانب العلمي لديك، فإن كنت مبتدئاً فالأفضل في حقك المختصرات، وإن كنت متقدماً فالأفضل لك المطولات. والله أعلم.(14/388)
تحقيق مخطوطات في الفقه الحنفي
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 18/5/1425هـ
السؤال
أنا طالب في مرحلة الماجستير، ووجدت مخطوطا ًفي الفقه الحنفي بعنوان (أحكام الجنائز) ، وأرغب في تحقيقه في رسالة الماجستير؛ وذلك لعدم وجود كتب قديمة مستقلة في أحكام الجنائز؛ وأيضاً الكتاب مستوفٍ للموضوع، ومدعم بالأدلة من الكتاب والسنة؛ وأيضاً ذكر المؤلف بدع الجنائز وبطلانها، ولكن أنكر عليَّ بعضُ طلاب العلم تحقيقي لمخطوط في المذهب الحنفي، فما رأيكم في ذلك؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فما زال أهل العلم يستفيد بعضهم من بعض، ويسأل بعضهم بعضاً عمّا أشكل عليهم، وما أرادوا معرفة حكمه أو وجهه، بغض النظر عن مذهب كلٍ منهم، وإذا نظرنا في كتب تراجم وسير العلماء نجد أن كثيراً من أهل العلم قد تتلمذوا على علماء من مذاهب أخرى، ومنهم الإمام أبو الفداء إسماعيل بن كثير الشافعي، فإنه قد تتلمذ على شيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي، وأخذ عنه كثيراً من العلوم، ولم يمنعه من ذلك اختلاف المذهب، وهذا شأن كثير من العلماء على ممر القرون؛ لأن العلماء من كافة المذاهب ممن عُرف عنهم العلم والورع لا يقصدون من خلال فتاويهم وأحكامهم إلا الوصول إلى الحق والعمل به، ولذلك فإن اختلاف المذهب ليس سبباً في عدم الأخذ والتلقي، وهذا الأمر من تمام الوحدة بين أتباع هذا الدين، ولذلك فإن علماء المذاهب الإسلامية المختلفة كل منهم يستفيد من الآخر، ويكمله، ويسدده.
والمذهب الحنفي من المذاهب المعتبرة عند أهل العلم، ومؤسس هذا المذهب الإمام أبو حنيفة الثابت بن النعمان (ت:150هـ) من الأئمة المشهود لهم بسعة العلم، ودقة الفهم، وحسن السيرة، بل إن العلماء متفقون على تزكيته في العلم وعلو قدمه فيه، وإن كان بعض أهل العلم قد نقموا منه أشياء، فإنها لا تلغي فضائله؛ لأنه من جملة البشر الذين لا ينفكون عن الأخطاء، وحسبه أنه مجتهد، وفعله دائر بين الأجرين إن أصاب، أو الأجر إن أخطأ.
ولعل من أنكر عليك هذا الفعل إنما أنكره من أجل ما ذاع عند بعض من ينتسب إلى العلم من انتقاص المذهب الحنفي وتزهيد الناس فيه، وغالب ما يستند إليه من انتقصه: أن هذا المذهب معتمد على الرأي، ولذلك سميت مدرسة الحنفية بمدرسة أهل الرأي، والرأي قد ذمته الشريعة ونهت عنه. ولكن هذا الانتقاد لا يسلم على كل حال؛ لأن الرأي نوعان: محمود ومذموم، والرأي الذي يذمه الشرع وينهى عنه، ويحذر منه العلماء إنما هو الرأي المذموم الذي لا يستند إلى شيءٍ من الأدلة الشرعية، أما الرأي الذي يكون دائراً في نطاق الأدلة الشرعية ولا يخالف شيئاً منها فإن الشريعة لا تنهى عنه، بل إنها قد تأمر به عند الحاجة إليه، وطالب العلم يستطيع التفريق بين نوعي الرأي، فيقبل ما كان محموداً، ويرد ما كان خلاف ذلك.
ولذلك فإني لا أوافق من أنكر عليك هذا الفعل، وأنصحك بعدم الامتناع عن تحقيق هذا الكتاب؛ لأجل كلامهم، ولكن انظر في المخطوط، فإن رأيت أن له أهميةً تستدعي دراسته وتحقيقه فأقدم عليه، وأسأل الله لك التوفيق والإعانة.
وأحيلك على جواب لي- في هذا الموقع- عن سؤال له تعلق بما سألت عنه، وهو سؤال:
(ما سبب انتقاص بعض طلبة العلم للمذهب الحنفي؟) والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(14/389)
مشاهدة الأفلام الأجنبية لتحسين اللغة
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 23/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
فضيلة الشيخ: أنا طالب في جامعة غير عربية، تدرِّ س باللغة الإنجليزية، وأنا الآن في مرحلة الإعداد للجامعة، سؤالي فضيلة الشيخ: ما حكم الأخذ بنصائح المدرسين بمشاهدة الأفلام الأجنبية لتطوير اللغة؟ وحقيقة هذه طريقة مفيدة وجزاكم الله عني خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه؛ أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يؤخذ العلم من كل وسيلة مباحة نافعة، وما ذكره السائل فإن كانت البرامج المترجمة نافعة وتفيده في تعلم اللغة فعليه انتقاء البرامج الخالية من المحاذير الشرعية، ولا يخفى على السائل ما تتضمنه كثير من الأفلام الأجنبية من مشاهد محرمة مما يخل بالأخلاق ولا يطلب من المرء أن يتعلم اللغة بما يضره في دينه، وسبل ووسائل تعلم اللغة كثيرة بحمد الله تعالى فيترك ما فيه مضرة إلى غيرها.
وفق الله الجميع لكل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(14/390)
الغزالي. . والتصوف
المجيب د. لطف الله بن عبد العظيم خوجه
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 16/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
قرأت في إحدى فتاواكم إشارة لكتاب من تأليف الإمام أبو حامد الغزالي، أليس هذا الإمام من الصوفية؟ قرأت أنه صوفي، وإذا كان كذلك، فكيف نقرأ كتبه؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
القاعدة: أن كل من أتى بصواب فيؤخذ منه، ولو كان فيه مخالفة، سواء للسنة، أو للإسلام، فكفر الكافر لا يمنع الإفادة منه، فكيف بالمسلم المتلبس ببعض الأخطاء أو البدع؟ والإمام الغزالي لديه ما لديه، مما هو مخالف للسنة، ولديه كذلك أمور وافق فيها السنة، فإذا قرأنا له نأخذ ما وافق، وندع ما خالف، فالقارئ إذا كانت لديه القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، باعتبار ميزان الشريعة، فلا خوف عليه من قراءة الكتب التي فيها أخطاء وبدع، أما إذا لم تكن لديه القدرة على التمييز، لقلة العلم بالشريعة، فالأولى في حقه أن يؤخر القراءة في تلك الكتب حتى يرسخ. والله أعلم.(14/391)
تدريس مواد نظام التأمين والضرائب
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 10/04/1426هـ
السؤال
هل يصح تدريس المواد المتعلقة بالضرائب والتأمينات والتقنيات البنكية في الجامعة؟ علماً أنني في السنة الثانية ماجستير اقتصاد، بمعنى هل القيام بوظيفة التدريس في الجامعة حرام في هذه التخصصات؟ وما هي المواد التي يحرم تدريسها للطلبة، والتي هي حلال، خاصة أن الأمر التبس علي، وكل فقيه يرى شيئاً معيناً. أرجو إعطائي الدليل الشرعي، والسلام عليكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن التعليم من أسمى الوظائف التي يمارسها المرء في حياته، خاصة إذا تعلّق الأمر بعلوم الشرع، أو ما يخدم الأمة في حاضرها ومستقبلها، ولا شك أن بعض العلوم لا يجوز تدريسها، كعلم السحر والشعوذة، وتعليم ما لا يعود على الناس إلا بالشر.
أما المسائل الخلافية بين العلماء كالتأمين وفرض الضرائب على السلع، فليس ذلك بالشيء المتفق على تحريمه، بل من التأمين ما هو جائز في قول جمهور علماء هذا العصر، ومن الضرائب ما هو كذلك، وتقنيات البنوك وسائل قد تستعمل في الخير وقد تستعمل في الشر، ككل الوسائل الأخرى ... فلا حرج من تدريس هذه العلوم، شريطة ألا يسكت الإنسان على الباطل الذي فيها، بل يبيّن ما فيها من حق وما فيها من باطل، ويعمل على إصلاح المناهج التي يدرسها بما يخدم مصلحة الأمة ولا يتعارض مع الشرع. والله أعلم.(14/392)
هل الإعجاز العلمي من العلم؟
المجيب د. محمد بن إبراهيم دودح
باحث علمي في هيئة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 25/03/1426هـ
السؤال
الحمد لله، والصلاة والسلام على حبيبنا محمد وآله وصحبه، ومن والاه إلى يوم الدين. هل يوجد دليل على مشروعية الاشتغال بمسألة الإعجاز العلمي في القرآن، أو السنة النبوية الصحيحة؟ وهل نجد مثالاً في عهد (خير القرون) على ذلك؟ لأن الموضوع بين الذين يؤيدونه بشكل مطلق، والذين ينفونه بشكل مطلق أيضا ضاع عليهم الاحتكام إلى الشرع كما أمر بذلك العزيز الحكيم. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لقد كان الرسل - عليهم السلام - قبل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- يبعثون إلى أقوامهم خاصة ولأزمنة محدودة, وقد أيدهم الله -تعالى- ببينات حسية تستمر محافظة على تأثيرها وقوة إقناعها مدة الزمن المحدد لكل رسول, فإذا حرَّف الناس الدين جدده الله ببعث رسول آخر مؤيدا ببينة جديدة, ولما ختمت النبوة بمحمد - صلى الله عليه وسلم- وجعلت للناس كافة أيدها الله ببينة كبرى باقية هي القرآن الكريم, وقد ضمن الله حفظه من التحريف وتطالع الأجيال منه كل حين وجوها من الإعجاز تشهد بصدق رسالة التوحيد. ولا تتجلى وجوه الإعجاز في القرآن إلا بدراسته وتفسيره, وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم- يتجنبون الجدل في القرآن، ويتحرجون عن تأويل ما لم يفسره النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- وإذا اجتهد السلف صرحوا غالبا بعبارة العدول (والله أعلم بمراده) .
قال ابن كثير: سأل رجل ابن عباس - رضي الله عنهما- عن "يوم كان مقداره ألف سنة" فقال له ابن عباس - رضي الله عنهما-: فما "يوم كان مقداره خمسين ألف سنة"؟ , فقال له الرجل: إنما سألتك لتحدثني. فقال ابن عباس - رضي الله عنهما-: هما يومان ذكرهما الله في كتابه، الله أعلم بهما. فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم.
وعن سعيد بن المسيب أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: إنا لا نقول في القرآن شيئاً.. كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن.
وعن مسروق قال: اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله.
فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به, فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فلا حرج عليه، ولهذا رويت عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير, ولا منافاة لأنهم تكلموا فيما علموه وسكتوا عما جهلوه, وهذا هو الواجب على كل أحد، فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه لقوله تعالى: "لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَه" [آل عمران 187] ، ولِمَا جاء في الحديث: "من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار".(14/393)
وعن عائشة - رضي الله عنها- قالت: "ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يفسر شيئا من القرآن إلا آيات تعد علمهن إياه جبريل عليه السلام".. فإن من القرآن ما استأثر الله -تعالى- بعلمه، ومنه ما يعلمه العلماء، ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها، ومنه ما لا يعذر أحد في جهله كما صرح بذلك ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: التفسير على أربعة: أوجه وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله".
إن القرآن الكريم هو المعجزة الباقية لخاتم النبيين محمد -صلى الله عليه وسلم-, والمتحدى بلفظه ومعناه, ولهذا لا خلاف عند المحققين أن بيان وجوه الإعجاز فيه، وإن كان فرض كفاية على الأمة فهو فرض عين على القادرين, وقد اشتغلوا بدراسته خاصة في مجال البلاغة، وأفردوا له الكثير من المصنفات، واعتمدوا مصطلح "إعجاز القرآن", وليس مصطلح (الإعجاز العلمي في القرآن الكريم) الذي شاع اليوم إلا امتداداً لجهود أعلام الأمة في ذلك المجال, غير أنه يختص بتقديم (البينة العلمية) على أن القرآن الكريم هو كلام الله؛ لأنه يستحيل أن يعلم بشر زمن التنزيل بما أخبر به القرآن، وجاءت الكشوف العلمية بعد أكثر من عشرة قرون لتعترف بصدقه، وتقر به جميعاً رغم تعدد مجالاته ووفرته.
وقد أكثر السيوطي من ذكر تصانيف الإعجاز للسابقين عليه؛ منها: (إعجاز القرآن للخطابي، وللرماني ولابن سراقة، وللقاضي أبي بكر الباقلاني، ولعبد القاهر الجرجاني، وللإمام فخر الدين، ولابن أبي الإصبع واسمه البرهان وللزملكاني واسمه البرهان أيضا ومختصره له واسمه المجيد، ومجاز القرآن لابن عبد السلام والإيجاز في المجاز لابن القيم، ونهاية التأميل في أسرار التنزيل للزملكاني.. وبدائع القرآن لابن أبي الإصبع.. وأسرار التنزيل للشرف البارزي.. ومناسبات ترتيب السور لأبي جعفر بن الزبير، وفواصل الآيات للطوفي، والمثل السائر لابن الأثير.
قال ابن كثير: (ومن تدبر القرآن وجد فيه من وجوه الإعجاز فنونا ظاهرة وخفية من حيث اللفظ ومن جهة المعنى، قال الله تعالى: "الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير" فأحكمت ألفاظه وفصلت معانيه أو بالعكس، فكل من لفظه ومعناه فصيح لا يحاذى ولا يدانى، فكله حق وصدق وعدل وهدى ليس فيه مجازفة ولا كذب ولا افتراء.. في غاية نهايات البلاغة، وكلما تكرر حلا وعلا لا يخلق عن كثرة الرد ولا يمل منه العلماء، ولهذا ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله قال: "ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة" لفظ مسلم؛ وقوله وإنما كان الذي أوتيه وحيا أي الذي اختصصت به من بينهم هذا القرآن المعجز للبشر أن يعارضوه.
وقال السيوطي: (لا ترى شيئاً من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظماً أحسن تأليفاً وأشد تلاؤماً وتشاكلاً من نظمه, وأما معانيه فكل ذي لب يشهد له بالتقدم في أبوابه والترقي إلى أعلى درجاته.(14/394)
وقال الخطابى: (وقلت في إعجاز القرآن وجها آخر ذهب عنه الناس، فلا يكاد يعرفه إلا الشاذ في آحادهم وهو صنيعه بالقلوب وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما ولا منثورا إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال ومن الروعة والمهابة في حال أخرى ما يخلص منه إليه, قال الله تعالى: "لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله", وقال تعالى: "الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم" الآية.
قلت: ولهذا أسلم جبير بن مطعم لما سمع قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم- للطور حتى انتهى إلى قوله "إن عذاب ربك لواقع", قال: خشيت أن يدركني العذاب، وفي لفظ: كاد قلبي يطير فأسلم, وفي أثر آخر أن عمر - رضي الله عنه- لما سمع سورة طه أسلم، وغير ذلك.
وقول أهل التحقيق إن الإعجاز وقع بجميع ما سبق من الأقوال لا بكل واحد عن انفراده فإنه جمع كله، فلا معنى لنسبته إلى واحد منها بمفرده مع اشتماله على الجميع، بل وغير ذلك مما لم يسبق.
وقال القرطبي: (.. ومنها الإخبار عن المغيبات في المستقبل التي لا يطلع عليها إلا بالوحي. وقال ابن كثير: (يقول تعالى مقسماً لخلقه بما يشاهدونه من آياته في مخلوقاته الدالة على كماله في أسمائه وصفاته، وما غاب عنهم مما لا يشاهدونه من المغيبات عنهم أن القرآن كلامه ووحيه وتنزيله على عبده ورسوله الذي اصطفاه لتبليغ الرسالة وأداء الأمانة، فقال تعالى: "فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم".. ولهذا قال تعالى: "تنزيل من رب العالمين"؛ لأن الله -عز وجل- مقرر له ما يبلغه عنه، ومؤيد له بالمعجزات الباهرات والدلالات القاطعات، ولهذا قال: "وإنه لحق اليقين" أي الخبر الصادق الحق الذي لا مرية فيه ولا شك ولا ريب.
وقد ادخر القرآن الكريم كثيراً من الآيات للأجيال في عبارات معلومة الألفاظ، لكن الكيفيات والحقائق لا تتجلى إلا حينا بعد حين, يقول تعالى: "إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ" [ص: 87 - 88] , وقد فسر الطبري معنى الحين بقوله: (فلا قول فيه أصح من أن يطلق كما أطلقه الله من غير حصر ذلك على وقت دون وقت.
فلكل نبأ في القرآن زمن يتحقق فيه، فإذا تجلى الحدث ماثلاً للعيان أشرقت المعاني وتطابقت دلالات الألفاظ والتراكيب مع الحقائق, وهكذا تتجدد معجزة القرآن على طول الزمان, يقول العلي القدير: "وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" [الأنعام 66و67] .
ونقل ابن كثير عن ابن عباس - رضي الله عنهما- تفسيره للمستقر بقوله: (لكل نبأ حقيقة، أي لكل خبر وقوع ولو بعد حين) .
وقد تردد هذا الوعد كثيراً في القرآن الكريم بأساليب متعددة، كما في قوله تعالى: "ثم إن علينا بيانه" [القيامة: 19] , وقوله: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" [فصلت: 53] , وقوله: "وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها" [النمل 93] .(14/395)
قال ابن حجر: (ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة وخرقه للعادة في أسلوبه وفي بلاغته وإخباره بالمغيبات، فلا يمر عصر من العصور إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه.
وقال الرافعي: (والكلام في وجوه إعجاز القرآن واجب شرعاً، وهو من فروض الكفاية، وقد تكلم فيه المفسرون والمتكلمون، فإن كان ذلك قد وفى بحاجة (تلك) الأزمنة فهو لا يفي بحاجة هذا الزمان؛ إذ هي داعية إلى قول أجمع وبيان أوسع وبرهان أنصع، في أسلوب أجذب للقلب وأخلب للب وأصغى للأسماع وأدنى إلى الإقناع.
وقال محمد رشيد رضا: (ومن دلائل إعجاز القرآن أنه يبين الحقائق التي لم يكن يعرفها أحد من المخاطبين بها في زمن تنزيله بعبارة لا يتحيرون في فهمها والاستفادة منها مجملة، وإن كان فهم ما وراءها من التفصيل الذي يعلمه ولا يعلمونه يتوقف على ترقي البشر في العلوم والفنون الخاصة بذلك.
وقال جوهري: (أما قولك كيف عميت هذه الحقائق على كثير من أسلافنا؟ , فاعلم أن الله هو الذي قال: "سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ" وقال: "وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا".
إن الله لا يخلق الأمور إلا في أوقاتها المناسبة، وهذا الزمان هو أنسب الأزمنة.
والمدار على الفهم والفهم في كل زمان بحسبه، وهذا زمان انكشاف بعض الحقائق.
وفي قوله تعالى: "سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ" [الأنبياء: 37] قال ابن عاشور: (وعد بأنهم سيرون آيات الله في نصر الدين, وهي كما قال الرازي: أدلة التوحيد وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم- ولذلك قال سبحانه "فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ". أي أنها ستأتي لا محالة في وقتها, واستعجال المنكرين يعني كما قال الجوهري: استبعاد ماجاء في هذه الآيات من الأمور العلمية التي أوضحها علماء العصر الحاضر، فهم يستبعدونها طبعاً؛ لأنهم لا يعقلونها، فقال الله -تعالى- لا تستبعدوا أيها الناس "سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ" فإذا لم تفهمها أمم سابقة فسيعرفها من بعدهم، فقد ادخرنا هذه الأمور لأمم ستأتي لتكون لهم آية علمية على صدقك فتكون الآيات دائما متجددة) .(14/396)
وقد رافق الوعد في القرآن بتجلي دلائل التوحيد فيض من التفصيلات العلمية مع دعوة صريحة للنظر في الكون، واستجوابه عن عجائب القدرة وبديع الصنع ودلائل الوحدة، والنظم المقدرة وبينات القصد منذ بَدء الخلق، مما يؤكد تناوله لنفس موضوعات العلوم الطبيعية اليوم, لأن الله تعالى لا يأمر بالتطلع والتأمل والنظر إلا إلى ما يمكن أن يبلغه علم المخاطبين أو يدركه النظر, وذلك كقوله تعالى: "قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" [يونس: 101] , وقوله: "أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا" [ق:6] , وقوله: "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ" [العنكبوت: 20] , وهذه النصوص الكريمة تؤكد أن العلم بخلق الله طريق إلى معرفة الله, وهذا العلم أيضا تأهيل لإدراك صدق ما كشفه القرآن الكريم من أسرار الخلق بينة على التنزيل وصدق الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم-، ولعل هذا يفسر ربط القرآن الكريم بين أدلة صدق حديثه وبين الأمر إلى التطلع في الكون وإدراك خفايا الخلق, كما قال تعالى: "أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ" [الأعراف: 185] .
لقد جعلت البشرية اليوم العلم بخلق الله سبيلا إلى معرفة الحق فإذا بها على موعد مع المعجزة الخالدة، وإذا ببينات الوحي والتوحيد في القرآن الكريم تتفجر في عصر العلم, وهكذا تسطع بين أيدينا اليوم بينة الوحي المنزل على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم-بما نزل فيه من علم إلهي بين أسرار الكائنات.
إن العلم بخلق الله سبيل إلى معرفة الله، وطريق لبيان إعجازه في كشف خفايا الخلق، والتي جاءت الكشوف العلمية بعد قرون لتعترف بصدقها وتقر بها جميعا بينة على التوحيد وصدق نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم-، يقول العلي القدير: "لَكِنْ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ" [النساء: 166] .
قال ابن كثير: (أي فيه علمه من البينات والهدى، وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل.
ومثله قوله تعالى: "فاعلموا أنما أنزل بعلم الله" [هود: 14] , وقوله تعالى: "وبالحق أنزلناه وبالحق نزل" [الإسراء: 105] : أي متضمنا للحق، متضمناً علم الله.
قال الألوسي: (أي متلبسا بعلمه المحيط الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.(14/397)
حضور المحاضرات بنية البحث عن زوجة!
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 24/08/1426هـ
السؤال
يصعب علينا ببلاد الغرب البحث عن زوج أو زوجة، والفرصة الوحيدة لرؤية الخاطب لمن يريد خطبتها هي المؤتمرات العامة، ودروس المعاهد الشرعية والمخيمات الدعوية، أو حتى الانضمام إلى المؤسسات الدعوية!
فهل حضور هذه النشاطات التي هي في الأصل عبادات؛ لتعلقها بالعلم والأمر بالمعروف، بنية البحث عن زوجة فيه قدح في الإخلاص؟ أم لا حرج في ذلك لكون الزواج عبادة إن كان بنية صالحة؟
وهل قوله -صلى الله عليه وسلم- (أو امرأة ينكحها) يفيد ذم الفاعل أم الحديث على ظاهره، أي أنه يفيد مجرد انتفاء الأجر؟ أفتوني مأجورين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا شك أن الذي يحضر لأجل الإفادة من المحاضرات ونيته خالصة لذلك -من دون سائر المطلوبات والمرغوبات- خير وأعظم أجراً ممن يحضر ونيته البحث عن فتاة ينكحها، لكن لا يعني هذا أنه آثم، ولا أنه داخل في وعيد مَنْ يطلب الدنيا بشيء من أمور الآخرة، لأن طلب الزوجة الصالحة أمر مشروع ولو في هذه المواطن والتجمعات؛ لأنها مظنة لحضور الفتاة الصالحة.
ويظهر لي أن الذم الوارد في الحديث: "ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" [صحيح البخاري (1) ، وصحيح مسلم (1907) ] ، لا ينطبق على الحال الذي ذكره السائل، فبينهما فرق مؤثر، فالمذموم في الحديث هو أن يهاجر الإنسان طمعاً في امرأة مخصوصة معينة، المرغِّب له فيها أمور أخرى غير دينها، ربما لنسبها أو لجمالها.
أما الذي يحضر هذه المحاضرات فإنما يلتمس امرأة صالحة عفيفة متدينة يلتمسها في مظان وجودها، لكن لا يمنع أن يجمع مع هذه النية نية صالحة في طلب العلم والإفادة من الدروس والمحاضرات والحرص على الإنصات والمتابعة والتبكير إليها. والله أعلم.(14/398)
المنح الدراسية في الغرب
المجيب محمد محمد سالم عبد الودود
عضو اللجنة العلمية بالموقع
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 08/08/1426هـ
السؤال
أكملت مرحلة الماجستير في الدراسات الشرعية من إحدى الجامعات في بلدي، وحصلت على منحة دراسية في الولايات المتحدة الأمريكية (ابتعاث) ؛ للحصول على الدكتوراه في تخصص القانون، وأنا في أشد الحيرة بين الذهاب وعدمه للدراسة في تلك البلاد، مع حاجة بلدي لمن يخدمه في هذا المجال، فأرجو أن ترشدوني ماذا أفعل؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أخي الكريم:
أما وقد منَّ الله عليك ببناء أساس شرعي لشخصيتك ومعارفك وفكرك، فعليك أن تبادر إلى هذه الدراسة القانونية، ولتكن نيتك هي أن تُطَوِّعَ هذا العلم لخدمة الإسلام والمسلمين، ولا حرج -بعد ذلك- فيما تحصل عليه من نفع مادي أو دنيوي؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: "ولا تنس نصيبك من الدنيا" [القصص:77] . ويقول: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله ... " [الحج:27-28] .
والأمة بحاجة إلى قانونيين مؤصلين شرعياً بحيث يكون القانون مردوداً إلى الشريعة، وليس كل ما في القانون يخالف الشرع، كما أن من المهم وجود متخصص شرعي يفهم مقاصد الشريعة وأصولها، ويفهم فلسفة التشريعات القانونية ومصادرها.
ولذا فهذا العمل في مجمله -مع النية الصالحة- عمل نافع لك ولإخوانك المسلمين.
وأما من يخشى على نفسه ودينه من الانهيار أو الانتكاس، فعليه أن لا يعرض نفسه للفتنة، ولا يجعل دينه في مهب الإعصار.
وفقني الله وإياك لما يحب ويرضى.(14/399)
العادات(14/400)
الأظافر الصناعية
المجيب أ. د. صالح بن محمد السلطان
أستاذ الفقه بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 27/6/1422
السؤال
هل يجوز تركيب الأظافر الصناعيّة؟
الجواب
تركيب الأظافر من الأمور المستحدثة، والتي لم تكن معروفة عند المسلمين، بل جاءتهم من الكفار، والشارع قد جعل تقليم الأظافر من خصال الفطرة؛ وذلك لما في إطالتها من التشبه بسباع البهائم، فإن تركيب الأظافر فيه مخالفة لهذه الفطرة، فاحرصي على أن تكوني ملتزمة بتعاليم الإسلام وآدابه.
وقد أجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ بالفتوى رقم (20840) على سؤال شبيه بسؤالك:
لا يجوز استخدام الأظافر الصناعية، والرموش المستعارة، والعدسات الملوّنة؛ لما فيها من الضرر على محالهَّا من الجسم، ولما فيها -أيضاً- من الغش والخداع وتغيير خلق الله.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(14/401)
حلق اللحية
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 1/6/1422
السؤال
ما حكم حلق اللحية؟
الجواب
أجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- عن سؤال كسؤالك بالتالي:
حلق اللحية حرام؛ لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة، والأخبار، ولعموم النصوص الناهية عن التشبه بالكفار. فمن ذلك حديث ابن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خالفوا المشركين وفروا اللحية وأحفوا الشوارب)) . وفي رواية ((أحفوا الشوارب وأعفوا اللحية)) .
وإعفاء اللحية تركها على حالها، وتوفيرها: إبقاؤها وافرة من دون أن تُحلق، أو تنتف، أو يقص منها شيئٌ.(14/402)
قلم الفضة
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 29/4/1422
السؤال
لقد أهدي إلي عند نجاحي في الثانوية في هذا الصيف قلم ثمين ووجدت أنه مكتوب عليه أن الفضة تدخل في صنعه فهل يجوز وضعه في الجيب؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد ...
فاستعمال الذهب والفضة لا يخلوا من أمور ثلاثة:
الأول: استعمال الذهب والفضة في الأكل والشرب فهذا محرم لحديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) . رواه البخاري ومسلم.
الثاني: استعمال الذهب والفضة في اللبس والتحلي، وهذا له أحكام خاصة تتعلق بالرجل والمرأة.
الثالث: استعمال الذهب والفضة فيما عدا القسمين السابقين كاستعمالهما في الكتابة، أو الطهارة كأن يتوضأ من إناء ذهب أو فضة أو يكتب بقلم ذهب أو تستعمل لحفظ الأشياء ونحو ذلك فهذا جائز في أظهر قولي العلماء، لحديث حذيفة المتقدم، فتخصص النبي صلى الله عليه وسلم الأكل والشرب دليل عل أن ماعداهما جائز ولوروده عن أم سلمة ري الله عنها. رواه البخاري.
وبالله التوفيق.(14/403)
قص شعر الحاجب
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /زينة المرأة
التاريخ 22/7/1422
السؤال
ما حكم قصِّ شعر الحواجب وليس نتفها؛ وذلك لكثافة الحواجب؟
الجواب
لا يجوز أخذ شيء من الحواجب، لا بقصًّ ولا نتفٍ ولا حفٍّ؛ لأن هذا من النّمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فَعَلتْه، فهو من الكبائر.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة (الجزء السابع عشر صـ 132) .(14/404)
ساعة: أجزاؤها الداخلية من الذهب الخالص
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 7/9/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ.. هذه أسئلة تطرح علينا في منتدياتنا، حيث إنني مشرف على بعض هذه المنتديات، رجاء الإجابة عليها حفظكم الله؛ حتى يتم تبيينها للسائلين قبل أن يبحثوا عن الإجابات في غير مصادرها الموثوقة. السؤال هو: أمتلك ساعة من الماركات الشهيرة والغالية الثمن، وقد فتحتها ووجدت أن كل عدتها الداخلية من الذهب الخالص، وأنا أعلم أن الذهب محرَّم علينا -نحن الذكور-، مع العلم أن الساعة من الخارج لا ذهب بها على الإطلاق، فما هو رأي الدين في هذا الأمر؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالجواب: أنه لا يجوز للرجال لبس خواتم الذهب، ولا ساعات الذهب، ولا الساعات التي فيها ذهب؛ لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، كما أنني أرى أنه لا يجوز للرجال استعمال الساعات التي فيها ذهب، ولو كان الذهب داخلياً؛ لعموم النهي، فقد جاء في الصحيحين البخاري (5864) ، ومسلم (2089) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن خاتم الذهب.
وفي الصحيحين أيضاً البخاري (5876) ، ومسلم (2091) من حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اصطنع خاتماً من ذهب، وجعل فصَّه في بطن كفه إذا لبسه فاصطنع الناس خواتم من ذهب، فرقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال: "إني كنت اصطنعته وإني لا ألبسه" فنبذه فنبذ الناس. والله أعلم.(14/405)
قص المرأة شعرها إلى الكتفين
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 4/9/1422
السؤال
ما حكم قص الشعر للمرأة بقصد الزينة إلى الكتف مع الدليل؟
الجواب
يجوز للمرأة قص شعرها إلى الكتف أو ما فوقه بقصد الزينة، أو بقصد تخفيفه حتى لا تحتاج إلى كثرة التسريح والعناية، والدليل العام على ذلك أن هذا من أمور العادات والأصل فيها الإباحة ما لم يرد دليل خاص يدل على التحريم، على أنه قد ورد دليل خاص يدل على الإباحة، وهو ما أخرجه مسلم في صحيحه (320) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال:" كان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة " والوفرة: هي الشعر إذا لم يجاوز الأذنين، فإن جاوزها دون الكتفين فهو الجمّة، فإن ألم بالكتفين فهو اللمّة، فالوفرة أقل من الجمة ومن اللمة.
وقد كانت زينة النساء عند العرب السالفين تطويل الشعور واتخاذ الذوائب، فلما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - قصر أزواجه شعورهن لاستغنائهن عن التزين، وللتخفف من مؤونة العناية بالرأس، قال القاضي عياض: " فيه دليل على جواز تخفيف النساء لشعورهن واتخاذهن الجمم " أ. هـ، والله أعلم.(14/406)
حكم الباروكة
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 22/3/1423
السؤال
تقدمت للعمل في إحدى الشركات التي تقوم على وضع شعر مستعار جزئي كان أو كلي حسب حالة المتقدم للعلاج من الصلع وتثبيتها بمادة صمغيه معينة، علماً أن هذا الشعر لا تتم زراعته كما يحدث في معظم الأحيان، أي: أنه ليس شعراً طبيعياً قابلاً للنمو، بل شعراً مستعاراً يبقى على رأس الشخص مدة شهر ونصف، ثم يقومون بعد هذه المدة بعمل صيانة لهذه الباروكة من قبل نفس الشركة التي قامت بتثبيته. السؤال: هل هذه الباروكة حكمها في الوضوء هو نفس الحكم للمسح على العمامة؟ علماً أن الماء لا يصل للبشرة أسفلها نهائياً رغم أنه يمكن الاستحمام بهذه الباروكة، وهل عملي بهذه الجهة يدخل فيه شيء من الحرام من باب قول الرسول-صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله الواصلة والمستوصلة"؟ مع العلم أن طبيعة عملي هي تنسيق المواعيد للزبائن وإقناعهم بالمجيء إلينا، بالإضافة إلى أنه يرتب بعض المواعيد النسائية سراً، حيث يتم التأكد من عدم وجود مواعيد للرجال في هذا الوقت، ظناً من بعض المتقدمين أن الاستشاري هو طبيب علماً أنه حلاق لا أكثر.
الجواب
هذه الباروكة لا يخلو استعمالها من أحوال:
الأول: أن يستر بها عيب خلقي وجد عند المرأة كأن تكون قرعاء أو لا شعر لها أصلاً فلا بأس باستعمالها حينئذٍ لستر هذا العيب، فقد أذن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعرفجة بن سعد لما قطع أنفه يوم الكلاب أن يتخذ أنفاً من ذهب (حديث حسن رواه أبو داود 4232) ، ولكن لا تكن هذه الباروكة من شعر الآدميين.
الثاني: أن يكون القصد من الباروكة التجمل وزيادة الحسن وتكون من شعر آدمي، فهذا حكمه التحريم؛ لأن الباروكة هنا داخلة في الوصل، وإن لم تكن وصلاً فهي تظهر شعر المرأة على وجه أطول من حقيقته فتشبه الوصل، وقد لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الواصلة والمستوصلة، البخاري (5933) ومسلم (2122) .
الثالث: أن تكون الباروكة من غير شعر الآدمي فينظر للعلة التي حرم وصل الشعر لأجلها،(14/407)
وقد ذهب الحنفية إلى أن العلة هي التدليس باستعمال جزء من الآدمي وهو الشعر، وهذا لا يحل لكرامة الآدمي، وذهب المالكية إلى أن العلة هي التدليس بتغيير خلق الله بتطويل الشعر القصير أو تغييره إن لم يكن غزيراً، وذلك للآية الكريمة: "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله"، [النساء:119] ، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن علة تحريم الوصل هي التدليس والغش لما روى معاوية -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماه الزور: يعني الواصلة بالشعر رواه البخاري (5938) ، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الغش بقوله: "من غشنا فليس منا"، رواه مسلم (101) . وأيضاً استدلوا بما رواه البخاري (5935) ومسلم (2122) عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- أن امرأة جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني أنكحت ابنتي ثم أصابها شكوى فتمرّق رأسها وزوجها يستحثني بها أفأصل شعرها؟ فسب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الواصلة والمستوصلة، فقالوا: منع الرسول -صلى الله عليه وسلم- الوصل لما فيه من التدليس والغش وإخفاء العيب الذي حصل في الزوجة، وما ذهب إليه الشافعية والحنابلة هو الأرجح -إن شاء الله- وبناء عليه فيكون الحكم في الباروكة التي ليست من شعر الآدمي كما يلي:
1- إذا كان شعر الباروكة يشبه الشعر الطبيعي حتى لا يفرق بينه وبينه فيحرم هذا النوع؛ لأن التدليس حاصل، وسواء كان هذا شعراً، أو صوفاً، أو خيوطاً صناعية، أو غير ذلك.
2- إذا كان شعر الباروكة لا يشبه الشعر الطبيعي، بل يعرف الناظر له للوهلة الأولى أنه غير طبيعي فلا يحرم الاستعمال حينئذ لعدم التدليس، لكن لا تستعمل فيه مادة نجسة، ولا يكون القصد فيه التشبه بالرجال، ولا التشبه بأهل الكفر أو الفجور.
فإذا كانت الباروكة مما يحل استعماله من الحالات السابقة، فهل يحل لها أن تمسح عليها؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم بناء على خلافهم في مسح المرأة على الخمار، والراجح -والله أعلم- الجواز قياساً على عمامة الرجل، خاصة إذا كان هناك مشقة في النزع.
3-أما إذا لم تكن الباروكة مما يحل استعماله فلا يحل المسح عليها، وبقي أمر آخر تجدر الإشارة إليه، وهو أن السائل ذكر أن هذه الباروكة تثبت بمادة صمغية لمدة طويلة (شهر ونصف) ، وهذا يعنى أنه لم يراعِ انتهاء مدة المسح كالخف، وهي - أي: المدة معتبرة على القول الصحيح في المسح على العمامة ويقاس عليها الباروكة -، وبالتالي فلا يصح تثبيتها هذه المدة الطويلة، وبالنسبة لعمل الأخ السائل في هذه المؤسسة فينظر إلى نوع ما تمارسه من عمل هذه الباروكات، فإن كان محرماً- بحسب البيان السابق- فأرى أن يبحث له عن عمل آخر حتى لا يكون معيناً على المعصية. بقي أمر أخير، وهو: أنه يجب أن يبين للزبائن أن صاحب المحل أو العامل فيه حلاّق وليس استشارياً، وإلا كان ذلك داخلاً في معنى الغش أو التدليس. والله أعلم.(14/408)
ارتداء الرجل حلقة الفضة
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 4/4/1423
السؤال
تعودت ارتداء سلسلة ذهبية، ولما علمت بأن الذهب محرم للرجال خلعتها واستبدلتها بسلسلة فضية، فهل هذا الأمر يوافق صحيح الدين؟
الجواب
نعم يحرم لبس الذهب على الذكور، فلا يجوز للرجل أن يلبس خاتماً ولا ساعة ولا قلادة من ذهب؛ لما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال في الذهب والحرير:"هما حلال لإناث أمتي حرام على ذكورها" أحمد (19503) والنسائي (5148) ، ولما رأى على رجل خاتم ذهب قال:" يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده" مسلم (2090) فألقى الرجل خاتمه، ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه اتخذ خاتماً من فضة، فخاتم الفضة لا بأس به، وكذلك الساعة مثلاً، ولكن يحرم على الرجل كذلك التشبه بالنساء، فلا يجوز للرجل أن يلبس خواتم من فضة، فإن لبس الخواتم على عدد من الأصابع هو من شأن النساء، وكذلك القلادة، فيحرم عليك أن تلبس سلسلة ولو من فضة؛ لما في ذلك من التشبه بالنساء، فإن التحلي بالقلائد والخواتم والقروط بالآذان من زينة النساء، وفي الحديث الصحيح:"لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، ولعن الله المتشبهات من النساء بالرجال" البخاري (5885) فعليك أيها الأخ أن تطَّرح هذه السلسلة وإن كانت من فضة، وتعتز برجولتك وتحمد الله على نعمه الدينية والدنيوية، والله -تعالى- حكيم عليم في شرعه وفي كل أفعاله، إنه -تعالى- حكيم عليم وصلى الله على نبينا محمد.(14/409)
إطالة الشعر
المجيب عبد الله بن عبد الوهاب بن سردار
خطيب جامع العمودي بالمدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 11/7/1423هـ
السؤال
ما حكم إطالة الشعر؟ وهل هو سنة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
العمل يكون مستحباً مسنوناً إذا تحقق فيه شرطان:
الأول: أن تكون النية في العمل خالصة لله لا تشوبها أي شائبة.
الثاني: أن يكون العمل صواباً ورد به الدليل.
فهل إطالة الشعر أمر ورد به الدليل؟
الجواب: نعم، فقد قال أنس -رضي الله عنه-:"كان شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- يضرب منكبيه" رواه البخاري (5901) ، ومسلم (2337) واللفظ له -رحمه الله-، ثم نسأل سؤالاً آخر: ما نية الذي يريد تطويل شعره؟ وما مقصده؟
فإن كانت نيته اتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- والله يعلم ذلك منه- فقد تحقق فيه الشرطان، وأصبح عمله مسنوناً مستحباً ويؤجر عليه -إن شاء الله تعالى-.
وأما إن لم يقصد اتباع السنة بل قصد شيئاً من السوء، كأن يكون قد نوى تشبهاً ببعض الكافرين أو الفاجرين فعمله ليس مسنوناً بل هو عمل محرم شرعاً، وإن نوى التشبه بالنساء فعمله محرم أيضاً، وكذلك لو نوى تحسين صورته لجلب أعين النساء واستمالة قلوبهن فعمله محرم أيضاً.
وهناك حالة قد لا ينوي صاحبها اتباع السنة ولا ينوي شيئاً من السوء فيكون عمله مباحاً لا يثاب عليه ولا يأثم عليه.
وقبل أن أختم أذكر بالتنبيهات التالية:
الأول: لا ينبغي أن يكون المسلم حريصاً على السنن التي توافق هواه فقط دون غيرها من السنن، بل ينبغي الحرص على كل السنن.
الثاني: إذا كان المسلم في مكان تمنع أنظمته من تطويل الشعر فليلتزم بذلك ولا يخالف، مثل بعض الجهات العسكرية ومثل مدارس الطلاب.
الثالث: إذا كان تطويل شعر الأولاد يزيدهم حسناً ويسبب لهم الإيذاء من أهل السوء الذين يتتبعون الفتيان فالأحسن أن يمنعوا من تطويل الشعر إلى أن يبلغوا مبالغ الرجال.
الرابع: ينبغي على من ترك شعره طويلاً أن ينضبط بالضوابط الشرعية الأخرى مثل: تحريم القزع، واستحباب إكرام الشعر بتنظيفه وتطييبه، وغير ذلك من الضوابط.
أسأل الله أن يجعلك من الصالحين وأن يجمل خَلقك وخُلقك.(14/410)
الطيور المحنطة
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 9/11/1422
السؤال
ما حكم وضع الطيور المحنطة في البيت؟
الجواب
لا حرج في ذلك - إن شاء الله -، فإنه يجوز وضع الطيور الحية في البيوت، لما ثبت في قصة أبي عمير أخي أنس بن مالك - رضي الله عنه - وأن النبي - عليه الصلاة والسلام - زارهم في بيتهم وسأله عن نغير - طائر - له، وقال: "يا أبا عمير ما فعل النغير؟ " (البخاري 6129، ومسلم 2150) والطائر المحنط ليس مستقذراً ولا منتناً، فلا مانع من اتخاذه للتعليم أو للزينة ونحوها.(14/411)
لبس الباروكة للرجال
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 6/1/1423
السؤال
هل لبس الباروكة للرجل الأصلع جائز؟ وهل المسح على الباروكة في الوضوء جائز؟ ومن اعتمر وهو لابس الباروكة ماذا عليه أن يفعل؟
الجواب
وصل الشعر محرم على النساء لقوله - عليه السلام-:" لعن الله الواصلة والمستوصلة " أخرجه البخاري (5934) ومسلم (2123) واللفظ للبخاري، والنساء بحاجة إلى الزينة، ومع ذلك حرم عليهن وصل الشعور، وتحريم ذلك على الرجال من باب أولى، وحرمته على الرجل أغلظ وآكد، وعلى ذلك فليس له المسح عليها في الوضوء؛ لأن استبقاءها محرم، ومن اعتمر وهو لابس الباروكة فإنه يكون قد ارتكب محرماً وهو وصل الشعر والتشبه بالنساء، وعليه التوبة والاستغفار، كما أنه ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام وهو تغطية الرأس، وعليه الفدية شاة يذبحها ويوزعها على فقراء الحرم، أو إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام.(14/412)
الصبغة وأثرها على الوضوء
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 25/2/1423
السؤال
ما حكم الصبغة وبخاصة الميش، هل تمنع الوضوء؟
الجواب
أولاً: حكم الصبغة صبغة الشعر إذا كان صبغاً للشعر الذي أصابه الشيب، أي: البياض بالحناء، أو الحناء والكتم، فإن هذا من السنة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رأى شعر أبي قحافة والد أبي بكر -رضي الله عنهما-، قال: "غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد" رواه مسلم (2102) من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، والصبغ بالسواد الخالص الساحن لا يجوز، ومن باب أولى الصبغات التي يقصد بها محاكاة الغربيين وتقليدهم في أصباغ ليست من مألوف أهل الإسلام، كمن يصبغ شعره بألوان متعددة، أو يكون يصبغ شعره بصبغة غير مزينة ومقبول التجمل بها عند أصحاب الأذواق السليمة.
وأما ما سأل عنه، هل تمنع الوضوء أم لا؟ فنقول: إن الصبغة في العادة لا تشكل طبقة على الجسم المصبوغ، وإنما هي لون فقط، وحينئذٍ لا تؤثر على الوضوء ولا تمنع وصول الماء إلى البشرة، أو الشعر، والله أعلم.(14/413)
تقويم الأسنان وإزالة تشويهاتها
المجيب أ. د. حسين بن خلف الجبوري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 7/2/1423
السؤال
ما حكم من يضع تقويماً أو تلبيساً للأسنان التي بها فرجة مشوهة للشكل، حيث إني متزوجة ونحن في زمن كثير الفتن.
الجواب
إن تقويم الأسنان هو إعادة أمر إلى ما كان عليه، فالله -سبحانه وتعالى- خلق الإنسان في أحسن تقويم، كما أن تقويم الأسنان قد يصل إلى درجة الضرورة الصحية للإنسان لتمكين الأسنان من القيام بعملها على أكمل وجه، كما أن إزالة التشوهات الخلقية لا بأس لرجل كان أو امرأة، والله أعلم.(14/414)
الصبغ بالسواد للشاب
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 9/2/1423
السؤال
ما حكم الصبغ بالأسود للشاب الذي يظهر الشيب في رأسه؟ (على اعتبار أنه شاب فليس هناك تدليس) .
الجواب
لا يجوز ذلك؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- لمّا جيء له بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً: "غيّروا هذا بشيء، واجتنبوا السواد" رواه مسلم (2102) .(14/415)
تطيب الرجل بطيب النساء
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 11/2/1423
السؤال
في هذه الأيام تعددت أنواع العطور وتميزت رائحتها، فصار هناك أنواع خاصة بالنساء من يشم رائحتها يعلم بأنها عطور نسائية، وهناك عطور خاصة بالرجال كذلك، فإذا تعطر الرجل بطيب النساء، هل يدخل تحت الحديث الذي لعن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيه الرجال المتشبهين بالنساء؟ وماذا عن الحديث في (سنن النسائي) عن غسل يوم الجمعة إلى أن قال: " ... ثم يمس من الطيب ما قدر عليه ولو من طيب أهله"؟
الجواب
فرّق النبي -صلى الله عليه وسلم- بين طيب الرجل وطيب المرأة، فأخبر "أن طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه" رواه الترمذي (2787) والنسائي (5117) وأبو داود (2174) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وفي هذا العصر ميّزت عطور النساء عن عطور الرجال حتى صارت معروفة برائحتها عند كثير من الناس، ولم يتقيدوا بما جاء في الحديث، وفي الرواية الواردة في مس الطيب يوم الجمعة وبلفظ: "ولو من طيب المرأة" رواه مسلم (846) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- ما يدل على أنه يكره استعماله للرجل فإباحته للرجل لأجل عدم غيره، كما قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-، وبهذا يعرف أن استعمال طيب المرأة لا يُدخل الرجل تحت الوعيد المذكور في المتشبهين من الرجال بالنساء؛ لأنه لو كان كذلك لم يأذن فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ولكن الأعمال بالنيات، فلو تطيّب من طيب المرأة تأنثاً فإنه يخشى أن يلحقه الوعيد، والأولى بالرجل أن يتخذ لنفسه طيباً، وأن يجتنب طيب النساء ما استطاع، والله أعلم.(14/416)
عملية تجميل الأنف
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 23/2/1423
السؤال
ما حكم إجراء عميلة تجميلية للأنف وتصغيره؟ حيث أعاني من كبر حجم أنفي، وأنا لا أقصد بذلك سوى التجمل لزوجي.
الجواب
هذا النوع من الجراحة الذي يراد إجراؤه لا يصح شرعاً، وذلك لما يلي:
1-لقوله -تعالى-: "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله" [النساء:119]
ووجه الدلالة من هذه الآية: أنها وردت في سياق الذم، ووردت ضمن بيان المحرمات التي سوّل الشيطان فعلها لعصاة بني آدم، ومن ذلك تغيير خلق الله، فهذه المرأة التي خلقها الله على هذه الصورة وتريد تغييرها إلى صورة أخرى أحسن منها داخلة في معنى تغيير خلق الله، على حسب الأهواء والرغبات، فتكون بذلك داخلة في المعنى المذموم شرعاً.
2-ما رواه البخاري (4886) ومسلم (2125) من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلِّجات للحسن المغيرات خلق الله".
3-ووجه الدلالة أن اللعن لا يكون إلا لمن ارتكب محرماً، وقد علل التحريم في الحديث بأنه لتغيير الخلقة وطلب الحسن، ومسألتنا فيها هذا المعنى، فإن فيها تغييراً للخلقة بقصد الزيادة في الحسن فيكون محرماً.
4-وقياساً على تحريم الوشم والنمص بجامع تغيير الخلقة في كلٍ، وذلك لطلب الحسن والجمال.
5-ولوجود بعض المحاذير الشرعية كالتخدير العام أو الموضعي، والأصل في التخدير التحريم إلا إذا أذن به الشرع، وكذلك قيام الرجال بجراحة النساء أو العكس، وكذا اللمس المحظور، وهذا لا يحل إلا فيما أذن فيه الشارع الحكيم، وليست مسألتنا من هذا المأذون فيه.
6-أن هذه الجراحة للأنف لا تخلو من المضاعفات التي تنشأ عنها، وحتى في حالة القيام بها ونجاحها فإن ذلك يستلزم تغطية الموضع الذي تمت فيه الجراحة بجبيرة، أو غطاء، أو لفافة طبية قد تستمر أياماً ولا يغسل ما تحتها عند الوضوء والغسل الواجبين، وهذا غير مأذون شرعاً.
والخلاصة: أنه يحرم على الطبيب والطالب لهذه الجراحة الإقدام عليها.
وما تتعلل به هذه الأخت من كبر الأنف أو قبحه غير مبيحٍ لهذا الفعل، وغير كافٍ في الترخيص فيه، وليس الحل التام هو في الجراحة التجميلية كما يصرح به الأطباء أنفسهم، بل القضية نفسية، يكون حلّها بالرضا بما قسمه الله من الصورة والجمال، وترك الوساوس والأوهام، مع التأكيد على أن قيمة الإنسان ليست في صورته وشكله الظاهري، بل هي فيما تحمله نفسه من التزام لشرع الله وتحلٍ بالآداب والأخلاق الكريمة، والله أعلم.
وأدل السائلة وبقية القراء على بعض المراجع في الجراحات التجميلية عموماً، ومنها:
-أحكام الجراحة، للدكتور/ محمد المختار الشنقيطي، مكتبة الصديق-الطائف-.
-أحكام جراحة التجميل للدكتور/ محمد عثمان شبير، مكتبة الفلاح-الكويت-.
-المسائل الطبية المستجدة في ضوء الشريعة الإسلامية، للدكتور/ محمد عبد الجواد النتشة، من إصدارات مجلة الحكمة-بريطانيا-.(14/417)
خضاب الشعر بالسواد
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 5/11/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
لدي سؤال كثيراً ما احترت في إيجاد الإجابة عليه وذلك لاختلاف الفتوى بين أهل العلم فما بين مجيز وما بين مانع منه ومحرم له ألا وهو صبغ اللحية بالسواد سواء للشاب أو لرجل غير مدلس أو كان فيه تدليس، والبعض من العلماء يقول: لا يوجد حديث صحيح صريح في التحريم والبعض يقول عبارة:"وجنبوه السواد" إدراج، والبعض يقول التحريم من تشدد المذهب، والبعض يرخص للشباب دون الكبار وتعددت الفتاوى -كما هي الحال في حكم التصوير حتى وجدت الجواب الشافي بإذن الله على هذا الموقع المميز حقيقة وفق الله الجميع- أرجو من فضيلتكم الجواب الشافي عن هذا السؤال وهو الصبغ بالسود عموماً، والله يحفظنا وإياكم وجميع المسلمين، ولكم جزيل الشكر.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالجواب: أن ما ذكره السائل من وجود خلاف بين أهل العلم في مسألة خضاب الشعر بالسواد صحيح، لكن القول الراجح -في نظري- هو التحريم؛ لورود الدليل الصحيح في ذلك فقد روى مسلم في صحيحه في كتاب اللباس (6/155) عن جابر قال: أُتي بأبي قحافة وجاء يوم الفتح أو عام الفتح ورأسه ولحيته مثل الثغام أو الثغامة بياضاً فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد" فقوله -صلى الله عليه وسلم-:"واجتنبوا السواد" صريح في النهي والأصل في النهي التحريم، وهذا القول قول جماعة من أهل العلم منهم الشافعي -رحمه الله- واختاره الإمام النووي، فقد قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (14/80) ما نصه:"ومذهبنا استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة ويحرم خضابه بالسواد على الأصح وقيل يكره كراهة تنزيه والمختار التحريم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-:"واجتنبوا السواد" هذا مذهبنا" وقال القاضي:"اختلف السلف من الصحابة والتابعين في الخضاب وفي جنسه ... " فذكر عن القاضي الخلاف في الخضاب ثم الخلاف في جنسه فقال -أي القاضي:"ثم اختلف هؤلاء فكان أكثرهم يخضب بالصفرة منهم ابن عمر وأبو هريرة وآخرون وروى ذلك عن علي. وخضب جماعة بالحناء والكتم وبعضهم بالزعفران وخضب جماعة بالسواد وروى ذلك عن عثمان والحسن والحسين ابني علي وعقبة بن عامر وابن سيرين وأبي بردة وآخرين". انتهى محل الغرض منه.
هذا وتقدم أن القول المختار هو القول بالتحريم، والله أعلم.(14/418)
لبس الرجال للألماس
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 11/1/1425هـ
السؤال
ما حكم لبس الألماس للرجال؟ كساعة أو غيرها؟
الجواب
الوارد تحريم لبس الذهب للرجال واستعمال الذهب والفضة إلا لضرورة، كسن وأنف وما أبيح من آلات الحرب، انظر ما رواه الترمذي (1770) ، والنسائي (5161) ، وأبو داود (4232) من حديث عرفجة بن أسعد -رضي الله عنه- وما أبيح من التختم بالفضة، وأما الألماس ونحوه من الأحجار الغالية فلا حرج فيها.(14/419)
الرسم بالحناء
المجيب د. عبد الله بن عمر السحيباني
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 27/3/1424هـ
السؤال
سؤالي حول عمل الرسومات على الجسم ليس باستخدام الوشم، وإنما بأصباغ أو استخدام الحنة كصبغ للزوجة وشرعية ذلك في الإسلام؟.
الجواب
الأصل في الزينة هو الإباحة والجواز ما لم يرد دليل على المنع، والأصباغ التي تتزين بها المرأة لزوجها داخلة في هذا، وقد ذكر بعض أهل العلم استحباب الخضاب للمرأة في كفيها وقدميها خاصة، وهل سائر البدن حكمه كذلك؟ الذي يظهر أنه لا فرق ما دام القصد هو التزين للزوج، لكن ينبغي أن يعلم أن هذه الأصباغ وإن كان الأصل فيها الإباحة، إلا أنه قد يقترن بها بعض المحاذير مما يخرجها عن دائرة الإباحة والجواز إلى المنع، فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: أن يترتب على التزين بتلك الرسومات أو الأصباغ كشف للعورة، أو تكون تلك الرسومات أو الأصباغ تعني مشابهة الكافرات أو الفاسقات، أو تشتمل تلك الرسومات على صور لأشخاص أو حيوانات، أو يكون التزين بتلك الأصباغ أو الرسومات يؤدي إلى شهرة بين مجتمع المرأة، أو نحو ذلك من المحرمات، فإن اشتملت على شيء من ذلك كانت حراماً منهياً عنها. والله أعلم.(14/420)
جلوس الرجال على الحرير
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 3/4/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ هل يجوز للمرأة أن تضع فرشاً للمنزل من حرير؟ ويكون زوجها أو أقاربها من الرجال يجلسون على هذا الحرير؟ وجزاكم الله خيرا.
الجواب
لا يجوز أن يلبس الرجال الحرير إلا لضرورة، كما لا يجوز لهم أن يجلسوا على الحرير، لحديث حذيفة ابن اليمان - رضي الله عنه- قال: "نهانا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه". رواه البخاري (5837) ، ولحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" متفق عليه عند البخاري (5833) ، ومسلم (2069) .(14/421)
حَلْقُ ما بين الحاجبين
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 6/11/1424هـ
السؤال
سألني زميل لي بأنه أجرى عملية جراحية في أنفه، ويتطلب الأمر حلاقة الشعر الذي بين حاجبيه كالشعر الذي يوجد في بعض الناس، ويقول: إنه بعد العملية أصبح الشعر أطول مما كان عليه، فهل يجوز أن يخفف منه أو يحلقه؟ أفيدونا.... جزاكم الله خيراً.
الجواب
الشعر الذي يوجد بين الحاجبين إذا طال بعد العملية وتأذى منه الإنسان فلا بأس بإزالة المؤذي منه، ولا أرى حلقه؛ لعدم الحاجة إلى ذلك، ولأن بقاء هذا الشعر بعد إزالة المؤذي لا ضرر فيه على الإنسان، والأصل أن شعر الحاجبين يبقى على خلقته المعتادة، لكن ما حصل به الأذى فيجوز إزالته؛ لأن ذلك من باب العلاج. والله أعلم.(14/422)
حلق شعر القفا
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 18/03/1426هـ
السؤال
هل يجوز حلق شعر القفا، أي الشعر الذي ينبت على العنق؟ وما هي المصادر والمراجع في هذه المسألة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
شعر العنق الذي يعتبر من شعر الرأس، فإن الإنسان إذا حلق رأسه فإنه يعمم شعر رأسه بالحلق، وأما ما ينبت على الرقبة، فإن هذا ليس من شعر الرأس، وليس فيه أمر ولا نهي، وليس فيه استحباب ولا كراهة، فإذا كان يؤذي الإنسان إذا نبت على رقبته شعر فيزيله، وإذا كان لا يؤذيه فلو تركه فلا شيء عليه، ويراجع السائل المصادر والمراجع في هذه المسألة في كتب الفقه، وخاصة في كتاب سنن الفطرة، وما شابهها من المسائل، سواء في كتب الفقه أو كتب الحديث. والله ولي التوفيق.(14/423)
صبغ اللحية بالأصباغ الحديثة
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 2/9/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم استخدام أصباغ الشعر الحديثة والمخصصة لصبغ اللحية، علماً بأنني أستخدم للصبغ اللون البني الفاتح، وقد سبق لي استخدام الحنا والكتم، ولكن ذلك يتطلب وقتاً طويلاً، أما الأصباغ الحديثة فإنها لا تستغرق أكثر من 10 دقائق؟ أرجو إفادتي بالحكم، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
جاء في صحيح مسلم (2102) من حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتى بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - وكانت لحيته ورأسه كالثغامة بياضاً قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد" فدل هذا النص على جواز تغيير الشعر بأي لون باستثناء السواد، فلا يجوز تغيير اللون بالسواد وما عداه يجوز. فإذا كان اللون الموجود في هذه الأصباغ الحديثة من غير اللون الأسود، كالبني ونحوه فيجوز استخدامه وما عدا ذلك كاللون الأسود فلا يجوز.(14/424)
الصلاة بالفانيلة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 19/10/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي هو: هل تجوز الصلاة بالفانيلة الداخلية، بحيث يكون الكتف يكون ظاهراً، وذلك مع مراعاة أن الجزء السفلي من الجسم يكون مستوراً تماماً. أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
تصح الصلاة بذلك -إن شاء الله-، ولكن كلما استكملت لباسك الساتر يكون أفضل؛ لقوله تعالى:"يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد" [الأعراف:31] ولعل ذلك باستكمال ستر العورة، ويحتمل أن يكون المراد بالزينة ما فوق ذلك من اللباس النظيف الحسن، والظهور بالمظهر اللائق.(14/425)
اكتحال الرجال
المجيب نزار بن صالح الشعيبي
القاضي بمحكمة الشقيق
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 18/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما حكم استعمال الاثمد (كحل النبي) خارج المنزل مع عدم وجود سبب إلا للزينة؟ مع العلم أن بالإمكان استعماله في البيت، ويمكن أن يجلي البصر في البيت وللتزين به سواء كان من الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها. أفيدونا أثابكم الله.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فالاكتحال إما أن يكون للرجل أو للمرأة، فإذا كان للمرأة فهو جائز؛ لأنه من عادات النساء قديماً وحديثاً، والأصل في العادات الإباحة ما لم يرد بذلك نهي، وقد نهي الاكتحال للنساء في بعض الأحوال فقط، ومن ذلك إذا كانت بحضرة رجال أجانب؛ لأنه من الزينة التي نهيت بإبدائها للأجانب، قال تعالى: "ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخواهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن" [النور: 31] ، كما أنها منهية عن الاكتحال في عدة الوفاة خاصة على الراجح من كلام أهل العلم.
أما الاكتحال للرجال فإن الأصل فيه الجواز لكونه من جملة العادات، وبعض الفقهاء استحبه خصوصاً إذا كان بقصد التزيين لأحد الزوجين، وبعضهم كرهه إذا كان فيه تشبه بالنساء، وقد يصل إلى التحريم إذا كان يثير تعجب الناس واستنكارهم حتى يشار إليه بالبنان، وهو ما يطلق عليه الفقهاء مصطلح الشهرة، أو إذا كان بقصد التكبر، وقد جاء الحث عليه في بعض الأحاديث، ولكن في سندها مقال. والله تعالى أعلم.(14/426)
إزالة ما يشوه من الحاجب الكثيف
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 22/1/1425هـ
السؤال
أحياناً يكون لبعض النساء حاجب عين كبير مشوه، فإذا قلنا يجوز لها إزالة ما يشوه خلقتها، ويعيدها إلى الشكل الطبيعي؛ فما الضابط في الحاجب الذي يخرجها من حديث: "لعن الله النامصة والمتنمصة"، هل نقول لها: لا يجوز الأخذ منه سدّاً للذريعة؟ أم نقول لها: لا بأس ما دام شكله مشوهًّا؟.
الجواب
إذا كان الحاجب كثيفاً وكبيراً بشكل غير معتاد في الناس، ويعد مشوهًّا عندهم؛ فيجوز الأخذ منه في هذه الحالة حتى يعود منظره كحواجب عامة الناس، لأن الأخذ منه في هذه الحالة إنما هو من باب دفع الأذية وإزالة الضرر، وهو إرجاع له إلى وضعه الطبيعي. أما إذا كان الحاجب غير جميل عند صاحبته، هي تريد ترقيقه أو تحسينه فقط؛ فهذا داخل في النمص المنهي عنه شرعاً. والله أعلم.(14/427)
ثقب الأنف من أجل الزينة
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 08/05/1425هـ
السؤال
ما حكم ثقب الأنف.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لم توضح السائلة الغرض من ثقب الأنف، لكن إن كان الغرض من هذا الثقب التحسين والتجميل، وذلك بوضع حلية فيه، ونحو ذلك، فيظهر أن الأولى تركه؛ لما فيه من المثلة وتشويه الخلقة، لكن لو كانت المرأة في بلدة يعد تحلية الأنف فيها زينة وتجملاً فلا بأس بهذا الثقب للأنف لتعليق الحلية عليه، وممن أشار إلى هذا الحكم بعض فقهاء الحنفية، كما في (حاشية ابن عابدين (5/270) ، وبه أفتى الشيخ ابن عثيمين كما في مجموع فتاواه ورسائله (4/137) . والله أعلم.(14/428)
تختم الرجل بالبلاتين
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 11/6/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ: ما حكم لبس خاتم مصنوع من البلاتين للرجال؟ -جزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يجوز ذلك ما دام ليس بذهب، فقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرجال عن التختم بالذهب.(14/429)
تعليق الوشاح الذهبي للرجال
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 11/1/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
رشح أحد التجار لنيل إحدى الجوائز الدولية من إحدى المؤسسات المتخصصة، وأثناء الحفل سيتم تعليق الوسام أو الوشاح الذهبي في رقبة الشخص المعني لفترة مؤقتة، فهل يجوز تعليق الوشاح أو الوسام؟ مع العلم أنه مصنوع من الذهب. وجزاكم الله خيرا.
الجواب
الحمد لله.
لا يجوز لمن استحق هذه الجائزة أن يوافق على تعليق الوشاح أو الوسام الذهبي في رقبته وذلك لأمرين:
أولاً: أن تعليقه في رقبته ولو دقيقة واحدة يعد بذلك لابساً للذهب، وقد حرم الله لبس الذهب على ذكور هذه الأمة فلا يجوز للمسلم أن يلبس الذهب لا في يده ولا في رقبته ولا في أي موضع من بدنه.
وثانياً: إن تعليق الوشاح أو الوسام في هذه المناسبة هو من تقاليد الكفار، فقبول المسلم تعليق ذلك في رقبته تشبه بهم في عوائدهم، وعلى المسلم أن يربأ بنفسه عن ذلك ويعتز بما أكرمه الله به من الإسلام وخصائص الإسلام، وعليه أن يتجنب من الأحوال والأعمال ما يقربه من الكفار، ومجاراة الكفار في عوائدهم تدل على ضعف الولاء للإسلام والاعتزاز به، واللائق بالمسلم أن يكون داعياً إلى الله ومحافظاً على شرائع الإسلام ومعتزاً بكونه مسلماً كما قال تعالى: ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين" والله أعلم.(14/430)
آلة الحلاقة المطلية بالذهب للنساء
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 28/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
سؤالي هو: هل يجوز استخدام آلة حلاقة الشعر غير المرغوب فيه (الساق، الذراع،..) للنساء، والتي تحتوي على أسنان من الذهب أو مطلية بالذهب. مثل (إمجوي؟) .وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فقد ثبت في صحيحي البخاري (5110) ، ومسلم (2067) ، عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تلبسوا الحرير، ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا، ولنا في الآخرة" هذا لفظ البخاري.
وفي صحيح البخاري (5634) ، ومسلم (2065) ، أيضاً أن أم سلمة - رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم".(14/431)
ولهذا فقد أجمع العلماء على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، كما حكاه النووي في شرح صحيح مسلم (14/29) ، وغيره، ثم اختلفوا في جواز استعمال الآنية منهما أو من أحدهما في غير الأكل والشرب من سائر وجوه الاستعمال، والجمهور على التحريم أيضًا، كما في فتح الباري (10/97) ، وحكاه النووي إجماعاً، حيث قال: "الإجماع منعقد على تحريم استعمال إناء الذهب وإناء الفضة في الأكل والشرب والطهارة، والأكل بمعلقة من أحدهما، والتجمر بمجمرة منهما، وجميع وجوه الاستعمال، ومنها: المكحلة، والميل، ... ويستوي في التحريم الرجل والمرأة بلا خلاف ... " ا. هـ، وقد تعقب الشوكاني النووي في حكاية هذا الإجماع، ورجح القول بجواز استعمالهما في غير الأكل والشرب، كما في نيل الأوطار (1/116) ، والأظهر هو التحريم، كما ذهب إليه ابن القيم في إعلام الموقعين (1/207) ، حيث قال: (وهذا التحريم لا يختص بالأكل والشرب، بل يعم سائر وجوه الانتفاع، فلا يحل له أن يغتسل بها، ولا يتوضأ بها، ولا يدهن فيها، ولا يتكحل منها، وهذا أمر لا يشك فيه عالم، ومن ذلك نهي النبي - صلى الله عليه وسلم- المحرم عن لبس القميص، والسراويل، والعمامة، والخفين، ولا يختص ذلك بهذه الأشياء فقط، بل يتعدى النهي إلى الجباب.. والقبعة، والطاقية، والكوفية ... ) ا. هـ. هذا بالنسبة لاستعمال الآنية المتخذة من الذهب أو الفضة، أما الآنية المموهة أو المطلية بهما أو بأحدهما فالراجح أنها محرمة أيضاً؛ لأنه يشملها اسم الذهب والفضة، ويطلق عليها أنها مطلية بذهب وفضة أو بأحدهما، والفرق بين الخالص والمطلي أن الخالص من الذهب - مثلاً- هو ذهب صافٍ نقي من الشوائب الأخرى، أو فيه شوائب ولكنها قليلة مقارنة بالشوائب كالنحاس ونحوه، أما المطلي بالذهب فهو أقل منه نقاوة بكثير، ولكنه يحتوي على قدر من الذهب وإن كان قليلاً، ونقاوة الذهب (كما في الموسوعة العلمية للذهب والمجوهرات (1/16-103-104) تقاس بالقيراط، فإذا كان الذهب نقياً فإنه يكون كامل القراريط، وهو ما يسمى بعيار (24) قيراط، ودرجة النقاوة هنا تصل إلى (999) من (1000) وهي أعلى درجة في النقاوة، والدرجة التي تليها ما يسمى بعيار (22) قيراط، ودرجة النقاوة هنا تصل إلى (917) من (1000) ، وهكذا.. حتى يصل العيار إلى (10) قيراط، ودرجة النقاوة هنا تصل إلى (416) من (1000) ، وهذا القدر من الذهب وما كان أقل هو الذي يطلى به كثير من الآلات والأدوات لتبدو وكأنها مصنوعة بكاملها من الذهب، ويكون ذلك بلا شك بأقل كلفة من صنعها من الذهب الخالص، وعلى هذا فلا فرق بين المطلي وغيره، وإن كان الخالص أشد حرمة، لاشتراكهما في الاسم، والعلة التي لأجلها ثبت التحريم.(14/432)
وقد اختلف العلماء في تحديد العلة من التحريم، وأرجحها ما صوبه العلامة ابن القيم في زاد المعاد (4/351) ، حيث قال: (فالصواب أن العلة - والله أعلم- ما يُكسب استعمالها- أي: آنية الذهب والفضة القلبَ من الهيئة، والحالة المنافية للعبودية منافاةً ظاهرة، ولهذا علّل النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها للكفار في الدنيا، إذ ليس لهم نصيب من العبودية التي ينالون بها في الآخرة نعيمها، فلا يصلح استعمالها لعبيد الله في الدنيا، وإنما يستعملها من خرج عن عبوديته، ورضي بالدنيا وعاجلها من الآخرة) ا. هـ.
ولهذه العلة وغيرها، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى تحريم استعمال سائر الآلات والأدوات المتخذة من الذهب أو الفضة، قياساً على الآنية المتخذة منهما أو من أحدهما؛ لعدم الفرق بينهما في المعنى، وعلى هذا فيحرم المطلي منها بالذهب أو بالفضة، كأدوات الحلاقة التي أشار إليها - السائل-، وقد وضحت عدم الفرق بين الخالص والمخلوط أو المطلي فيما تقدم، علماً بأن بعض أهل العلم رجح جواز استعمال اليسير من الذهب والفضة عند الحاجة، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في الاختيارات (ص6) حيث قال: (ويباح الاكتحال بميل الذهب والفضة؛ لأنها حاجة ويباحان لها) ا. هـ، وربما كانت الحاجة هنا أنه لا يصدأ، بخلاف غيره من المعادن، ومعلوم أن من خواص الذهب أنه مقاوم للصدأ، وربما لم يكن في ذلك العصر ما يقوم مقامه كأداة للكحل، فاقتضت الحاجة جوازه. والله -تعالى- أعلم.(14/433)
نتف الشيب
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 29/04/1426هـ
السؤال
ما حكم نتف الشيب، علمًا أني ما زلت في العشرين من عمري؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ورد النهي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، عن نتف الشيب، ففي السنن من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، نهى عن نتف الشيب، وقال: "إِنَّهُ نُورُ المُسْلِمِ". أخرجه الترمذي (2821) .
وفي رواية عند ابن ماجه (3721) : "إِنَّهُ نورُ المُؤْمِنِ".
وفي صحيح مسلم (2102) من حديث جابر، رضي الله عنه، أن أبا أبي بكر، وهو أبو قحافة، رضي الله عنهما، أُتي به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "غَيِّرُوا هَذا بِشَيْءٍ واجْتَنِبُوا السَّوَادَ". فالشيب يغير بلون آخر غير لون السواد، ولا ينتف. والله أعلم.(14/434)
حكم الوشم للرجال
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 01/04/1426هـ
السؤال
ما حكم الوشم للرجال؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الوشم من الأمور الشرعية التي ورد النص الشرعي بلعن فاعلها، فتكون محرمة كما في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه-: "لعن الله الواشمات والمستوشمات" رواه البخاري (5931) ، ومسلم (2125) ، والتحريم يستوي فيه الرجال والنساء، كما صرح بذلك الإمام النووي وغيره (انظر: شرح صحيح مسلم: (14/106) ، والمجموع (3/140) كلاهما نشر دار الفكر - بيروت-، ونيل الأوطار للشوكاني (7/285) ، نشر: مكتبة الكليات الأزهرية) . والله أعلم.(14/435)
الكحل للرجال
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 11/06/1426هـ
السؤال
ما حكم الكحل للرجال؟ وهل ما نقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خاص بنوع معين؟.جزاكم الله خيراً، ونفع بكم.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يسن الكحل للرجال، وأفضل ما يكتحل به الإثمد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر -رضي الله عنه-: "عليكم بالإثمد عند النوم، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر". أخرجه ابن ماجة (3496) ، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن خير أكحالكم الإثمد يجلو البصر وينبت الشعر" أخرجه أبو داود (3878) والترمذي (1757) ، والنسائي (5113) ،والإمام أحمد في المسند (2047) ، والأفضل ثلاثاً ثلاثاً عند النوم، والله أعلم.(14/436)
هل هذا عذر لحلق اللحية؟!
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 18/05/1426هـ
السؤال
أنا أطيل لحيتي، لكنها تنمو بصورة غير كاملة، فلا يوجد شيء منها على الخدين، وهناك شعرات هنا وهناك بصورة غير منتظمة على جانِبَيْ الوجه. لكن من ناحية الشارب والذقن فتنمو اللحية بصفة عادية.
أنا أحبّ اتباع السنة وإطالة لحيتي، لكن مظهري يبدو غير لائق الآن أمام الناس.
فهل يجوز لي حلق لحيتي بسبب التشوُّه الحاصل، وإن لم يحلّ لي ذلك، فماذا يجوز لي أن أفعل لتحسين المنظر؟.
الجواب
لا يجوز لك حلق اللحية بدعوى أن مظهرها غير لائق أمام الناس، فإعفاؤها واجب؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-" جزوا الشوارب وأرخوا اللحى "، أخرجه مسلم (260) ، وجاء الحديث بروايات وألفاظ عدّة، كقوله: " أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى" أخرجه مسلم (259) ، "وفروا" أخرجه البخاري (5892) ، "أعفوا" أخرجه البخاري (5893) ، ومسلم (259) ، "خالفوا المشركين" أخرجه البخاري (5892) ، ومسلم (259) ".
وهذه التأكيدات تحرِّم الحلق ولا شك.
ثم إن خلق الله ليس فيه تشويه، بل فيه كمال الجمال والحسن، وخفَّة الشعر وقلَّته تزينه عند الناس. والله أعلم.(14/437)
هل تختّم أحد من الصحابة بالذهب؟
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 25/10/1426هـ
السؤال
ذكر في "فقه السنة" كتاب اللباس، باب الذهب: أن بعض الصحابة لبسوا خواتم من الذهب بعد موت النبي -عليه السلام- دون أن ينكر عليهم أحد، ويستدل البعض بهذا على جواز لبسه، وأن النهى المذكور في الأحاديث إنما هو للكراهية فقط. فما رأيكم في ذلك الكلام؟
الجواب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فالحال ما ذكره السائل الكريم نقلا عن كتاب "فقه السنة" للشيخ سيد سابق -رحمه الله-، وهذا المنقول عن بعض الصحابة قد أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (25154) ، من طريق محمد بن إسماعيل، قال: حدثني من رأى طلحة بن عبيد الله -وذكر ستة أو سبعة- يلبس خواتيم الذهب.
وسنده ضعيف؛ إذ فيه راوٍلم يُسمّ فهو مجهول، فلا يصح الاستدلال به.
وعلى فرض ثبوته فإنه لا يصح أن تُعارض به السنن الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن الله تعبدنا بما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قولاً وفعلاً، وقد ثبتت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث جاء النهي فيها صريحاً عن التختم بالذهب، منها:
ما أخرجه البخاري (6235) ، ومسلم (2066) ، عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبع، بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار المقسم، ونهى عن الشرب في الفضة، ونهانا عن تختم الذهب، وعن ركوب المياثر، وعن لبس الحرير والديباج والقَسِّي والإستبرق.
وعند مسلم (2078) ، وغيره من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لبس القَسِّي والمعصفر وعن تختم الذهب وعن قراءة القرآن في الركوع.
وله أيضا (2090) ، من حديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه، وقال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده". فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول -صلى الله عليه وسلم-.
وقد أخرج أحمد (750) ، وغيره بسند حسن، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ ذهباً بيمينه وحريراً بشماله ثم رفع بهما يديه، فقال: "هذان حرام على ذكور أمتي".
وأخرج أيضا (16872) ، عن معاوية -رضي الله عنه- قال على المنبر بمكة: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن لبس الذهب والحرير.(14/438)
فهذه الأحاديث الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة على من عارضها بقوله أو فعله، ولا يصح أن يُحتج عليها أو تُعارض بقول أحد أو فعله، وإنما يلتمس العذر لمن خالفها من أهل العلم، كأن يكون نهي النبي -صلى الله عليه وسلم-لم يبلغهم، أو بلغهم فتأولوه على غير وجهه، وفي الصحيحين البخاري (7352) ، ومسلم (1716) من حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر".
وقد حكى الإجماع على حرمة التختم بالذهب القاضي عياض والإمام النووي -رحمهما الله- هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(14/439)
تركيب الفصوص بين الأسنان!
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ العادات/الزينة
التاريخ 26/10/1426هـ
السؤال
بعض الأخوات يضعن فصاً بين الأسنان الأمامية، علماً أن أقل سعر للفص الواحد 150 ريالاً، ومن يقوم بتركيبه طبيب رجل. فما الحكم في ذلك؟
الجواب
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فوضع فص بين الأسنان، أو على الأسنان على هيئة نجمة أو غيرها للنساء ليس من الحاجة، ولا لدفع عيب، بل من باب الزينة التي يترتب عليها محاذير كالإسراف، والتكشف للرجال، وربما كان من التشبه بنساء الكفار، فالأقرب عندي المنع من ذلك، والله أعلم.(14/440)
إسبال الثياب والخيلاء
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 15/5/1422
السؤال
قرأت كلاماً للنووي، فهمت منه أن الإسبال إذا كان لغير خيلاء فهو مكروه وليس محرماً، فما ردكم على هذا الكلام؟
الجواب
إسبال الثياب على نوعين، أحدهما: أن يكون خيلاء وفخراً، فهذا من كبائر الذنوب وعقوبته عظيمة. ففي الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) . وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)) قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات. قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: ((المسبل، والمنّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)) .
فهذا النوع هو الإسبال المقرون بالخيلاء، وفيه هذا الوعيد الشديد أن الله لا ينظر إلى فاعله، ولا يكلمه، ولا يزكيه يوم القيامة وله عذاب أليم. وهذا العموم في حديث أبي ذر -رضي الله عنه- مخصص بحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- فيكون الوعيد فيه على من فعل ذلك خيلاء، لاتحاد العمل والعقوبة في الحديثين.
النوع الثاني من الإسبال: أن يكون لغير الخيلاء فهذا حرام، ويخشى أن يكون من الكبائر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعّد فيه بالنار. ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار)) . ولا يمكن أن يكون هذا الحديث مخصصاً بحديث ابن عمر -رضي الله عنهما-؛ لأن العقوبة مختلفة، ويدل لذلك حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أزرة المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج، أو قال: لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، وما كان أسفل من ذلك فهو في النار، ومن جر إزاره بطراً لم ينظر الله إليه)) . رواه مالك، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه. ففرّق النبي صلى الله عليه وسلم بين من جرَّ ثوبه خيلاء، ومن كان إزاره أسفل من كعبيه.
لكن إن كان السروال ينزل عن الكعبين بدون قصد، وهو يتعاهده ويرفعه فلا حرج، ففي حديث ابن عمر السابق أن أبا بكر رضي الله عنه قال: يا رسول الله: إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لست ممن يصنعه خيلاء)) . رواه البخاري.(14/441)
لبس المرأة للبنطال
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /لباس المرأة وحجابها وعورتها
التاريخ 15/5/1422
السؤال
ما حكم لبس بنطلون الـ (جينز) وملابس الـ (تي شيرت) للمرأة والفتيات، وما يجسّد العورة وإن كان بين النساء؟ فإن ذلك قد أدى إلى ظهور الفتن، وإثارة الغرائز.
الجواب
لا يجوز للمرأة لبس ما يصف جسمها لضيقه، أو رقّته؛ لما في ذلك من الفتنة للرجال، والقدوة السيئة للنساء ا. هـ.
وينبّه على أن بنطلون (الجينز) ، و (التي شيرت) من ملابس الإثارة والإغراء، لأنها تحدد حجم الأعضاء، وتستر ما فيها من عيوب؛ ولذا لا يجوز للمرأة لبسها إلا على سبيل الإغراء والإرضاء لزوجها فقط. وليس لها أن تبدو بها أمام الرجال أو النساء، لما في ذلك التبرج والفتنة، وهتك الحياء. والله أعلم.(14/442)
تطويل البنطال لآخر الكعبين
المجيب سامي بن محمد الخليل
مدير مركز الدعوة والإرشاد بعنيزة
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 6/12/1424هـ
السؤال
عرفت أن الإسبال للرجال لا يجوز مطلقاً، سواءٌ أكان بنية الخيلاء والكبر أو غير ذلك، ولكن سؤالي هو: أنه عند تقصير البنطال إلى أعلى الكعبين يكون شكله غير مقبول وقد انتقدت كثيراً, فهل لي أن أقصره إلى حد الكعبين من الأسفل (أي إلى آخر الكعب) بحيث لا يتجاوزه. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
يجوز لك أن تطيل البنطال إلى الكعب بحيث لا يتجاوزه لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار"رواه البخاري (5787) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- فما دام ليس أسفل الكعبين فلا حرج.
وقولنا بجواز ذلك لا يعني أن يكون المسلم خجولاً ضعيفاً في تطبيق السنة، بل ينبغي له أن يكون فخوراً معتزاً بتطبيق السنة، داعياً إليها بالحكمة واللين، والحجة القوية المقنعة التي تبين أن في السنة والشرع خيري الدنيا والآخرة، فبادر أخي الكريم إلى الدعوة إلى الله ولا تستجب إلى ضغط المجتمع حولك، فالمؤمن قوي بالله -تعالى-. وفقك الله وسدَّد خطاك.(14/443)
وصول الثوب إلى منتصف الكعبين
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 18/3/1424هـ
السؤال
لدي يا شيخ استفسار أرجو أن تجيبني عليه.
إذا كان الثوب يصل إلى منتصف الكعبين هل هذا يعتبر إسبالاً؟ حيث إن ما فهمت من حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام-:"ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار" أن ما جاوز الكعبين هو المحرم.
وجزاك الله خيراً.
الجواب
النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار" رواه البخاري (5787) ، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-، ومعنى هذا أن الذي يكون على منتصف الكعب لا يعتبر إسبالاً، وإزرة المؤمن من منتصف الساق إلى الكعبين، فهذا العمل الذي يعمله الإنسان لا يرفعه عن منتصف الساقين، ولا يرسله أسفل من الكعبين وما بينهما فمباح إن شاء الله.(14/444)
ربطة العنق الحريرية
المجيب أ. د. حسين بن خلف الجبوري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 22/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل يجوز للرجل أن يرتدي ربطة عنق من الحرير، إنني أعلم أن لبس الحرير لا يجوز للرجال ولكن الذي ورد في ذهني أن ربطة العنق لا تلبس على الجسم، أرجو التكرم بالإجابة بالتفصيل والدليل.
وشكراً لكم.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فأقول وبالله التوفيق والسداد:
لا يجوز للرجل أن يرتدي ربطة العنق إن كانت من الحرير لأن الحرير محرم لبسه على الرجال سواء أكان موطن اللبس على الجسم مباشرة أم في العنق أم على الرأس لأن كل هذا يُعد لباساً ولا فرق في ذلك بين عضو وعضو والله أعلم بالصواب.(14/445)
ألبسة تحمل عبارات غير شرعية
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 9/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
أهديت إلى إحدى بناتي الصغيرات بعض الأشياء ومنها مرقة (قطعة قماش يلبسها الطفل أثناء الأكل) ، ولكني وجدت على بعضها كلمة (LITTL ANGLE) وهي تعني الملك الصغير (من الملائكة) ، وكذلك موجود على بعضها أشباه نجوم أشك في أنها صليب، فما حكم ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أما جملة (المَلك الصغير) ففيها مخالفة شرعية ظاهرة، وعليك بطمس كلمة الملكَ أو تحريفها.
وأما ما تشك أنه قد يبدو على شكل صليب فلا يجب عليك طمسه إلا إذا كان شكل الصليب فيه ظاهراً واضحاً، ودع عنك الوسوسة والتكلف في استخراج الصلبان من الخطوط المتقاطعة والأشكال الهندسية، فلن ينتهي بك الأمر إذا أقمت على هذا التكلف عند حد.
أصلح الله ذريتك وجعلهم قرة عين لك ولزوجك، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/446)
الإسبال
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 1/4/1423
السؤال
اطلعت على كثير من أقوال أهل العلم في مسألة الإسبال (أي: إسبال الثياب) فمن محرم لإسبالها تحت الكعبين، ومن يفتي بكراهيته، ومن مفصل بأن الإسبال بقصد التكبر والخيلاء هو المحرم والذي يعاقب عليه الإنسان، والذي لا تتخلله الكبرياء لا بأس به، وعلمت أن هناك مستنداً من أقوال السلف الصالح في هذه المسألة، وهو ما ذكره الإمام ابن حجر في (فتح الباري) فما الصحيح في هذه الأقوال؟
وهل يجوز الإنكار على المسبل بغير قصد الخيلاء؟ مع العلم أنه مستند على بعض أقوال العلماء.
الجواب
إسبال الإزار للخيلاء محرم وهو من الكبائر؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن الله "لا ينظر يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء" متفق عليه البخاري (3665) ومسلم (2085) .
أما الإسبال لغير الخيلاء فهو أيضاً محرم، ومما نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد أخرج البخاري (5787) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال:" ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار" فهذا يدل على منع الإسبال ولو لم يكن خيلاء، أما من قال هو محمول على إسباله خيلاء فليس بصحيح لما يلي:
1-جاء في حديث أبي أمامة الذي أخرجه الطبراني (8/232) أن عمرو بن زرارة -رضي الله عنه- أسبل إزاره، وعلل ذلك -رضي الله عنه- بأنه أحمش الساقين، ومع ذلك قال له -صلى الله عليه وسلم-:" يا عمرو إن الله لا يحب المسبل" فهذا نهي منه -صلى الله عليه وسلم- مع أن عمراً لم يسبل للخيلاء.
2-ما أخرجه النسائي (5329) والترمذي (1783) وصححه من حديث حذيفة أن النبي -صلى الله عليه وسلم-أخذ بعضلة ساقه -أي: ساق حذيفة- وقال:" هذا موضع الإزار، فإن أبيت فأسفل، فإن أبيت فلا حق للإزار في الكعبين". قال السندي:" والظاهر أن هذا هو التحديد وإن لم يكن هناك خيلاء. نعم إذا انضم إليه الخيلاء اشتد الأمر وبدونه الأمر أخف"ا. هـ. وما ذكره من أن هذا هو ظاهر الحديث قوي وواضح، وقوله: إن الإسبال بدون الخيلاء أخف صحيح؛ لأن الوعيد على الخيلاء أشد، لكن يبقى أن الكل محرم كما بينته لك.
3- ذكر بعض العلماء أن الإسبال يستلزم الخيلاء ولو لم يقصد اللابس الخيلاء، وممن ذهب إلى هذا ابن العربي وهذا ليس ببعيد عن الصواب؛ لما تحدثه هذه الهيئة من اللباس في نفس اللابس من الزهو والتعالي، وهذا إنما هو فيمن يقصد الإسبال مع علمه بالنهي، أما من يسترخي إزاره أحياناً بدون قصد مع تعاهده إياه بالرفع فلا يستلزم مثل هذا الخيلاء، والله أعلم.(14/447)
لون الزي الخارجي للمرأة
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 12/6/1423هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل يجوز للمرأة أن تخرج في ثياب بيضاء (الخمار والعباءة) أم يشترط الألوان الداكنة؟ أرجو أن تشفعوا الإجابة بالأدلة وأقوال أهل العلم المتقدمين إن أمكن، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الأصل أن تخرج المرأة متحجبة حجاباً شرعياً سابغاً فضفاضاً لا يصف بدنها ولا يجسده، ولا يكون زينة في ذاته أو مُطيباً.
وأما اللون فلا يشترط لون محدد، لكن لا بد أن تبتعد عن الألوان الجذابة الفاتنة، مع الالتزام بمراعاة العرف السائد في البلد، إذ إن القاعدة الأصولية الشهيرة تنص على أن العادة محكمة، والعادة يقصد بها العرف، فمثلاً جرت عادة النساء في المملكة العربية السعودية أن يلبسن العباءات ذات اللون الأسود، فلا ينبغي أن تخرج امرأة بعباءة ذات لون مباين للأسود بدعوى أن الشارع لم ينص على السواد وجوباً.
وأدلة وجوب الحجاب بالشروط التي ذكرتها في مطلع الجواب كثيرة في الكتاب والسنة وكلام أهل العلم، وهاك طرفاً منها: قال الله -تعالى-:"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً" [الأحزاب:59] .
وقال:"وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب" [الأحزاب:53] ، وقال:"ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى" [الأحزاب:33] ، وقال:"وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ" [النور:60] .
وعند أحمد (9727) وأبي داود (4174) وابن خزيمة في صحيحه (3/92) عن أبي هريرة أنه لقي امرأة متطيبة فقال:" يا أمة الجبار أين تريدين؟ قالت: المسجد، قال: وله تطيبتِ؟ قالت: نعم، قال: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"أيما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد لم تقبل لها صلاة حتى تغتسل".
ومن السنة ما أخرجه البخاري (1838) وأبو داود (1823) والترمذي (833) والنسائي (2673) وأحمد (6003) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه السلام- قال:"لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين" فدل أن غير المحرمة يجوز لها الانتقاب، وأن ذلك عادة لبعضهن وهو نقاب بقدر العين للحاجة.
ومن الأدلة ما جاء في الصحيحين البخاري (988) ومسلم (892) من حديث عائشة أنها كانت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسترها بردائه.
وأما الآثار عن السلف فكثيرة منها ما رواه الحاكم (2/104) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نتمشط قبل ذلك في الإحرام.(14/448)
وفي قصة الإفك التي رواها الشيخان في صحيحهما البخاري (2637) ومسلم (2770) وأصحاب السنن أبو داود (785) والترمذي (3180) ، قالت عائشة: حين أقبل إليها صفوان بن المعطل -رضي الله عنه- فخمرتُ وجهي.
وأنصح السائل بقراءة (رسالة الحجاب) للشيخ: محمد بن عثيمين، وكتاب "الصارم المشهور على أهل التبرج والسفور" للشيخ: حمود بن عبد الله التويجري -رحمهما الله-، وعودة الحجاب للشيخ محمد إسماعيل المقدم ففيها فوائد كثيرة، وأدلة غزيرة ومباحث مهمة، ومسائل محررة ومنها استفدت في تلخيص هذا الجواب، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(14/449)
هل في السراويل إسبال؟
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 21/5/1423
السؤال
بخصوص موضوع إسبال الإزار هناك تساؤل يراودني، فمجموع نصوص الإسبال ذكرت لفظة (الإزار) و (الإزرة) وهو معروف، وهو: ما يلف من الثياب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الإزار إلى نصف الساق أو إلى الكعبين, لا خير في أسفل من ذلك" رواه أحمد وهو مخرج في (صحيح الجامع) ، وغير ذلك من الروايات التي تجمع على حرمة إسبال الإزار سواء لمجرد الإسبال أو بقصد الخيلاء فيعظم الذنب، لكن هناك حديث صحيح عند أبي داود والنسائي وابن ماجة، وصححه الألباني-رحمهم الله جميعاً- في (المشكاة) , قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" الإسبال في الإزار والقميص والعمامة, من جر منها شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"، ففي هذا الحديث خص الرسول -صلى الله عليه وسلم- اللباس الذي يدخل في حكم الإسبال المنهي عنه, ولم يذكر السراويل مع وجودها عندهم، وورود ذكرها في أحاديث أخرى، مثل: أحاديث اللباس المحرم المشهورة، فهل تخرج السراويل والبنطلون تبعاً لها من هذا الحكم؟
الجواب
الذي يظهر دخول السراويل ونحوها في الأحاديث الواردة في الإسبال، وكون السراويل لم تذكر في الحديث المذكور في السؤال لا يدل على خروجها، فإن ما في الحديث إنما هو كالأمثلة -والله أعلم- وليس مراداً فيها الحصر، ولعل عدم ذكره لقلة من يلبسه، وعلى كل حال فإن عمومات الأدلة وعلة التحريم فيها تشمل كل ما يكون إسبالاً في كل ما يلبس -والله أعلم-.(14/450)
هل في لبس القبعة محذور؟
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 16/2/1423
السؤال
مدرستنا تنوي إقامة حفل تخرج (ابتدائية) ، وفي نيتهم أن يلبسوا الطلبة قبعات كالقبعات التي تلبس عند التخرج في بلاد الغرب الكافر، فهل في هذا محذور شرعي؟ وما توجيهكم للإخوة المسؤولين في مدرستنا في مثل هذه القضايا؟ ملحوظة: أعلم أن عندكم ضغط شديد، ولكن لخشية إقامة الحفل قبل صدور الفتوى. أرجو الإجابة في أسرع وقت ممكن.
الجواب
لبس الطلاب للقبعات والألبسة التي تشابه ما يلبسه الكفار في حفلات التخرج يظهر لي عدم جوازه، وذلك لوجود أصل ديني نصراني لهذا اللباس، فهو مأخوذ من لباس الرهبان والقسس، وقد أشار إلى هذا الأصل الديني بعض كبار الأساتذة الأمريكيين المتخصصين في علم الديانات في بعض الجامعات الأمريكية، وأشار إليه الدكتور/ علي جواد الطاهر، في كتابه (منهج البحث الأدبي صـ37-38) ، والدكتور/ بكر أبو زيد، في كتابه (التعالم صـ67) ، كما أن في هذا اللباس تشبهاً بالكفار، فهو ما زال عرفاً مختصاً بالكفار يفعلونه في حفلات التخرج، ولم ينتشر بين المسلمين، بحيث يزول هذا الاختصاص، وقد نهينا عن التشبه بالكفار، ولهذا فعلى القائمين على المدارس والجامعات في بلاد المسلمين أن يبتعدوا عن تقليد الكفار والتشبه بهم، وليعلموا أن الطلاب أمانة في رقابهم فلا يجوز لهم أن يوقعوهم في أمور محرمة، بل الواجب أن يسعوا في تربيتهم وتعوديهم على الالتزام بأحكام الشريعة وآدابها، والبعد عن كل ما ينافي ذلك، ويمكن لهم في خصوص هذه المسألة أن يلبسوا الطلاب في حفل التخرج ألبسة إسلامية، كالمشلح ونحوه، بحيث يقوم بالغرض دون أن يتضمن ذلك محذوراً شرعيا، والله أعلم.(14/451)
لبس الحرير الطبيعي والصناعي
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 9/3/1424هـ
السؤال
هل هناك فرق بين الحرير الطبيعي والصناعي في تحريم لبسهما على الرجال؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
المحرم لبسه على الرجال هو الحرير الطبيعي، وهو ما نسجته دودة القز المعروفة، وأما ما يسمى بالحرير الصناعي فليس داخلاً في التحريم وقوفاً عند ورود النص، فلا يحرم غيره إلا بدليل شرعي، ثم إن الحرير الطبيعي لا يضاهيه غيره من صناعي أو غيره في الليونة والنعومة، ولذلك كان الحرير الطبيعي بأسعار مضاعفة عن غيره.(14/452)
لبس الحرير من الثياب
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 27/10/1424هـ
السؤال
ما حقيقة الحرير الذي يعلن عن وجوده في ثياب الناس اليوم؟ وهل يدخل فيه النهي؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
لبس الحرير محرم على الذكور؛ لما رواه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تلبسوا الحرير. فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" متفق عليه البخاري (5426) ومسلم (2067) ، ويباح للرجل من الحرير قدر الإصبعين أو الثلاث أو الأربع إذا كان تابعاً لغيره؛ لما جاء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع" انظر صحيح البخاري (5828) وصحيح مسلم (2069) .
والحكم بالتحريم يخص الحرير ولا يتعداه إلى غيره من الأقمشة التي ليست حريراً وإن كانت ناعمة الملمس.(14/453)
لبس وتفصيل الجنز
المجيب د. عبد الله بن عمر السحيباني
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 25/6/1424هـ
السؤال
ما حكم لبس وتفصيل قماش الجنز سواء للرجال أو للنساء أو للأطفال؟
الجواب
لبس قماش الجنز أو تفصيله جائز لا بأس به، ذلك أن الأصل في جميع الألبسة هو الحل والإباحة، إلا ما ورد الشرع بتحريمه والنهي عنه، وقماش الجنز أصل مادته من القطن، وقد كان يستخدم في أول ظهوره للعمال في المصانع والمناجم، نظراً لقوته ورخص ثمنه، ثم أصبح يصنع بكثرة في الأزياء والملابس الرجالية والنسائية.
وهذا النوع من القماش وإن كان الأصل فيه الجواز والإباحة إلا أنه قد يشتمل على بعض المحاذير الشرعية فيحرم لأجل ذلك، لا لذات القماش ومن ذلك على سبيل المثال أن يكون في هذا اللباس تشبه للرجل بالمرأة أو العكس، وذلك بأن يلبس الرجل ما يصلح للمرأة أو تلبس المرأة ما يصلح للرجل، وهذا راجع إلى الغالب في الاستعمال، لا مجرد ما يختاره الرجل أو المرأة، وما يشتهيانه ويعتادانه من دون ضابط شرعي، ولذا يحرم على المرأة لبس البنطال أو غيره مما يلبسه الرجال غالباً، ولأن المرأة مأمورة بالاستتار والاحتجاب، وهذا اللباس يبدي مقاطع جسم المرأة وحجم أعضائها وإن كان كثيفاً، وهذا النوع من اللباس وهو الضيق أحد المعاني المقصودة بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن مثل أسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ... ) الحديث رواه مسلم، وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - كاسيات عاريات "بأن تكتسي المرأة ما لا يسترها فهي كاسية وهي عارية في الحقيقة، مثل من تلبس الثوب الرقيق أو الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها، وقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث "الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل" رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، ومن المحاذير في ذلك أيضاً أن يكون في تفصيل قماش الجنز أو هيئته تشبه بأهل الكفر أو الفسوق، وهذا عام أيضاً للرجال والنساء، وإن كان وقوعه في حق النساء أكثر وأوضح، فيحرم ذلك للنهي عن التشبه بالكفار، ولأن في التشبه موالاة للمتشبه به وتعظيماً له، وقد يجر التشبه في الظاهر إلى التأثر بالمعتقدات أو الأفكار في الباطن، ولذا يروى عن ابن مسعود - رضي الله عنه - "لا يشبه الزي الزي حتى تشبه القلوب القلوب"، والحقيقة أن التشبه بالكفار من النساء أو الشباب أو غيرهم نوع من الهزيمة النفسية، والشعور بالنقص والضعف والتبعية، يقول ابن خلدون في مقدمته (147) : (المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه، ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال فيمن غلبها) ، ومن المحاذير الشرعية في هذا النوع من الأقمشة وفي غيره أيضاً: أن يفصل على هيئة لا تستر الستر المأمور به شرعاً، وذلك بأن يكون اللباس مفصلاً تفصيلاً يبدي مقاطع الجسم وحدود العورة لضيقه وإحاطته بالجسم، فهذا أيضاً محرم، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة أيضاً، وإن كان في حق المرأة أقبح وأشنع.
أما الأطفال الصغار من الذكور أو الإناث وخاصة من بلغ منهم سن التمييز، فإنه يحل لهم ما يحل للكبار ويحرم عليهم ما يحرم على الكبار من الألبسة، وعلى الولي التبعة والمسؤولية في ذلك، لأن الولي إذا كان يأمر الصبي بالصلاة وهو ابن سبع سنين، ويضربه عليها إذا بلغ عشراً، فكيف يحل له أن يلبسه المحرمات أو يمكنه منها.(14/454)
الثياب الضيقة للرجال
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 23/8/1424هـ
السؤال
ما هو حكم تضييق الثياب للرجال؟ مع العلم أنه تشبه بالنساء، وما حكم التضييق للرجال والنساء؟ ولماذا قيل تشبه بالنساء
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فالمسألة فيها تفصيل: فاللباس الضيق على غير العورة لا حرج فيه على الرجل، اللهم إلا إذا كان فيه تشبه بالكفار، بحيث يشتهر عند الناس أن هذا اللباس لا يلبسه إلا الكفار، وأنه من خصائص لبسهم.
فقد لبس النبي -صلى الله عليه وسلم- جبة ضيقة الكمين، كما في حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عليه جبة شامية ضيقة الكمين فذهب يخرج يده من كمها فضاقت عليه فأخرج يده من أسفلها ... " الحديث رواه مسلم (274) .
أما ما يواري العورة ففيه تفصيل:
فما يلي حقويه (معقد الإزار والسروال) لا بد أن يكون فيه شيء من التحجيم لجزء من العورة، ولكن لا حرج -بشرط ألا يجاوز مقدار الحاجة-؛ لأن الإزار أو السروال أو البنطال لا يستمسك على الحقو إلا بذلك، فالحاجة تقتضيه.
وما جاوز موضع الحاجة فلا يجوز أن يكون ضيقاً يحجِّم العورة.
ولا يعتبر ساتراً للعورة بالمعنى الشرعي؛ لأن ما يستر العورة يجب أن يكون واسعاً لا يصف (إلا ما تقتضيه الحاجة، وقد سبق ذكره) ، صفيقاً لا يشف ما تحته.
ونحن نربأ بالشاب العاقل ذي المروءة والحياء أن يخرج للناس بهذه البناطيل الضيقة، التي لا تليق بالرجل السوي الخلوق الحيي.
وأما النساء فحكم لبسها للضيق عند النساء هو كحكم لبس الرجل له عند الرجال بالتفصيل السابق.
فالبنطال الضيق (كالسترتش ونحوه) لا يجوز للمرأة أن تلبسه عند النساء، ويخشى على من لبسته أن يحق عليها قوله -صلى الله عليه وسلم-:"صنفان من أهل النار لم أرهما ... ونساء كاسيات عارياتٌ، مميلاتٌ مائلاتٌ رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" رواه مسلم (2128) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، ومعنى كاسيات عاريات: أي كاسيات في الصورة، عاريات في الحقيقة؛ لأنهن يلبسن ملابس تصف (تحجم) الجسد، فتبدو عوراتهن موصوفة بارزة، بحيث يحجم لباسهن الأفخاذ والأرداف، وهذا يناقض المقصود من اللبس.
فعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: كساني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبطية كثيفة كانت مما أهداها دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"مالك لم تلبس القبطية؟ " قلت: يا رسول الله، كسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"مرها فلتجعل تحتها غلالة إني أخاف أن تصف حجم عظامها" أخرجه أحمد (5/205) وحسنه الألباني في (جلباب المرأة) برقم (131) .
كما لا يجوز للمرأة أن تلبس الضيق عند أحد من محارمها سوى زوجها فحسب.
لقد رأينا تساهل النساء في لباسهن عند محارمهن -غير الزوج- أفضى بكثير منهن إلى نزع جلباب الحياء والجرأة في التبرج والسفور والتساهل في الحشمة والحجاب.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/455)
النوم عارياً
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 29/4/1423
السؤال
هل يوجد نهي من النوم بدون ملابس، ولو كان من الزوجة؟
ملاحظة: لا أقصد أثناء الجماع، إنما النوم اليومي، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
العورة يجب سترها في كل الأحوال إلا عند الحاجة كحالة الاغتسال أو الجماع أو قضاء الحاجة ونحوها، أما بدون حاجة فيجب ستر العورة؛ لما رواه بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال:"احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك"، قال: فالرجل يكون مع الرجل؟ قال:"إن استطعت ألا يراها أحد فافعل"، قال: فإن كان أحدنا خالياً، قال: فالله أحق أن يستحيا منه" رواه الترمذي (2769) وغيره.
بناءً على ما سبق لا يجوز لك أن تنام بدون ملابس تستر عورتك، سواء كان هذا النوم مع زوجتك أو بدونها، إنما يجوز كشف العورة عند الحاجة فقط، والله -سبحانه وتعالى- أعلم.(14/456)
الزي الإسلامي للرجل
المجيب د. أحمد بن محمد أبا بطين - رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 3/11/1423هـ
السؤال
ما هو الزي الإسلامي للرجل كما أمر به رسول الله عليه الصلاة والسلام؟
الجواب
الزي الإسلامي للرجل يشترط فيه ما يلي:
(1) أن يكون ساتراً يظهر منه التقوى.
(2) أن يكون واسعاً بالقدر الذي لا يكشف عورة.
(3) ألا يكون ضيقاً بحيث تبدو منه تفاصيل الجسم.
(4) أن يكون فوق الكعبين، وأن يجتنب الإسراف والشهرة.
(5) أن لا يتشبه بالكفار في لباسهم بمعنى أن يحرص المسلم على الابتعاد عن التشبه بالكفار في لباسهم.
(6) أن لا يشبه لباس المرأة.
(7) أن يجتنب ما ورد فيه النهي كالحرير وجلود السباع.
(8) أن يجتنب ما كان نجساً من جلود وغيرها.(14/457)
لبس الأحمر والأصفر
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 28/10/1424هـ
السؤال
ما حكم لبس اللباس الأحمر أو الأصفر؟ وعلى القول بعدم جوازه، فهل يلحق باللباس أنواع أخرى كالسيارة والدابة ونحوها؟
الجواب
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يجب أن يتميز الرجال عن النساء في اللباس، ولا يجوز تشبه الرجال بالنساء ولا النساء بالرجال، وأظهر ما يتميزون به هو اللباس، ولباس الرجال هو البياض؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم" الترمذي (994) والنسائي (1896) وأبو داود (3878) وابن ماجة (3567) وحيث إن الأغلب على النساء لبس الأحمر والأصفر، فلذلك لا يلبسه الرجال، فقد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المياثر الحمر، انظر: البخاري (5175) ومسلم (2066) وأنه رأى على عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- ثوبين معصفرين (أي مطليان بالعصفر وهو قريب من الصفرة) فأنكر عليه وقال: "احرقهما" الحديث في مسلم (2077) ، وهذا يختص بلباس الرجال، فأما السيارات فيجوز سترها داخلاً أو خارجاً بما تيسر من الستائر، وكذا الدابة إذا احتاجت إلى غلال فيجوز من أي نوع، والله أعلم.(14/458)
لبس الرجال للأحمر
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 20/05/1426هـ
السؤال
ما حكم لبس الرجال للأحمر؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فلبس الرجال للأحمر مما اختلف فيه أهل العلم - رحمهم الله- فمنهم من كرهه، ومنهم من حرَّمه، وابن القيم - رحمه الله- ذهب إلى أن ما ورد من لبس النبي - صلى الله عليه وسلم- للأحمر أنه ليس أحمر خالصاً، وإنما هو معلَّم بالحمرة، أو هو أحمر معلَّم، لما ورد - في صحيح البخاري (3551) ، وصحيح مسلم (2337) - من لبس النبي - صلى الله عليه وسلم- الحلة الحمراء، وأنها ليست حمراء خالصة، إنما هي حلة معلَّمة.
فالذين قالوا بالكراهة استدلوا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لبس حلة حمراء، وأيضاً بحديث أبي جحيفة -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في قبة حمراء من أدم. صحيح البخاري (376) ، وصحيح مسلم (503) .
والذين قالوا بهذا جمعوا بين هذا وما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من النهي عن لبس المعصفر، فإن الأحمر أبلغ حمرة من المعصفر، فقالوا: يجمع بين هذه الأحاديث وبين النهي عن لبس المعصفر في حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما- في صحيح مسلم (2077) ، بأن يقال بالكراهة، وابن القيم - رحمه الله - كما أسلفت قال: إنه يجمع بينهما بأن الذي ورد النهي عنه هو الحمرة الخالصة، وأما الحمرة المعلمة التي ليست خالصة فلا بأس بها.
والخلاصة: أن الحمرة المعلَّمة التي ليست خالصة لا بأس بها، وأما الحمرة الخالصة سواء كانت في اللباس أو في المراكب التي يجلس عليها فهي محل النهي؛ لما تقدم ولأن النبي- صلى الله عليه وسلم- نهى عن الجلوس على المياثر الحمر -صحيح البخاري (5849) ، وصحيح مسلم (2066) -، فقالوا: بأن هذه الأحاديث محمولة على الشيء الخالص، فإذا كان خالصاً فإنه ينهى عنه، وهذا النهي يظهر- والله أعلم- أنه للكراهة، وليس للتحريم.(14/459)
استخدام اليد اليسرى في كل شيء
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العادات/مسائل متفرقة
التاريخ 14/5/1424هـ
السؤال
أنا متزوج منذ عشر سنوات، وزوجتي تستعمل يدها اليسرى في كل الأمور، طبخ وأكل و.... فهل من حرج في ذلك؟ مع العلم أنها حاولت مراراً أن تستخدم يدها اليمنى، ولكنها لا تستطيع ليس لعيب فيها، ولكنها هكذا تعودت. أفيدوني ولكم جزيل الشكر.
الجواب
استعمال اليد اليسرى إنما هو في الخبائث كالاستنجاء ونحوه، واليمين للطيبات كالسلام والأكل، ونحوها، ولا يجوز للإنسان أن يأكل بيده اليسرى، فإن فعل فقد حرم عليه ذلك ويعتبر آثماً، فقد روى مسلم (2021) من حديث سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- أن رجلاً أكل عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشماله، فقال: "كل بيمينك" قال: لا أستطيع، قال: "لا استطعت" ما منعه إلا الكبر، يقول الراوي: فما رفعها إلى فيه. أي لم يستطع أن يوصلها إلى فيه، حتى مات، وقال عمر بن أبي سلمة -رضي الله عنهما-: كنت غلاماً في حجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك" فما زالت تلك طعمتي بعدُ. رواه البخاري (5376) ومسلم (2022) ، فالأكل إنما يكون باليد اليمنى، ولا يجوز لهذه المرأة ولا لغيرها أن تأكل بيدها اليسرى إلا إذا كانت مقطوعة اليمنى، أو بها عيب لا تستطيع أن تستعملها في الأكل، وأما غيره من الاستخدامات، كاستعمال يدها اليسرى في عملها في المطبخ، أو في المنزل، ونحو ذلك، فلا بأس بهذا، وكونها تحاول أن تستخدم يدها اليمنى لكنها لا تستطيع ليس لعيب فيها هذا غلط وخطأ، فالواجب على المسلم أن يتعود على عادات أهل الإسلام، ولا يهمل هذا الأمر، ونسأل الله الهداية للجميع.(14/460)
حكم التصفيق
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/ العادات/مسائل متفرقة
التاريخ 11/3/1424هـ
السؤال
ما حكم التصفيق؟ هل يمكن التكرم بإعطائي رأي ابن عثيمين -رحمه الله- في المسألة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
سئل فضيلة الشيخ: محمد بن عثيمين -رحمه الله- عن سؤال مشابه لسؤالك فإليك السؤال والجواب:
سـ/ ما قول فضيلة الشيخ في اعتراض بعض المدرسين على التصفيق داخل الفصول من قبل الطلبة لتشجيع زملائهم، بحجة أن هذا ليس من فعل المسلمين ولا يجوز؟
جـ/ إن من يرى أن هذا الأمر لا يجوز فعليه بالدليل قبل كل شيء حتى نعرف الحكم الشرعي، وإذا كان لديه دليل مقتنع به فإنه لا يجوز أن يمكن الطلاب منه، وأما من يرى أن ذلك لا بأس به وأن هناك مصلحة في تشجيع الطلاب وتنبيههم فعليه ألا ينكر عليهم، والذي يفعله الكفار هو أنهم يجعلون المكاء والتصدية بدلاً من الصلاة والدعاء، ولا يفعلونها عند العجب من الشيء أو استحسانه حتى يقال: إن الإنسان المسلم لو صفق عند التعجب من شيء أو استحسانه لكان بذلك مشابهاً للكفار، إنما يقول الله عز وجل:"وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" [الأنفال: 35] ، فالمكاء التصفير والتصدية هي التصفيق فهم يجعلون هذا عبادة.
[سلسلة كتاب الدعوة، الفتاوى لفضيلة الشيخ: محمد بن عثيمين -رحمه الله- (3/164) ] .(14/461)
التهنئة بذكرى الميلاد
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العادات/مسائل متفرقة
التاريخ 26/6/1424هـ
السؤال
لدي منتدى عربي في شبكة الإنترنت، وأنا صاحب المنتدى، وحيث إنه في المنتدى أقسام إسلامية -والحمد لله- يشرف عليها مجموعة من الإخوة الصالحين ولله الحمد، والمنتدى فيه عبارة أو ميزة موجودة بأسفل الصفحة الأولى هي (اليوم يوافق تاريخ ميلاد فلان) ، وفي هذا اليوم الذي هو يوم ذكرى ميلاد العضو تنزل عبارة عند مشاركات العضو ألا وهي: (عمر مديد يا فلان) ، وهي لتذكير الشخص بتاريخ ميلاده، ولكن هناك مجموعة من الإخوان في المنتدى جزاهم الله خيراً أنكروا عليّ ذلك، واعتبروها من أعياد الميلاد، علماً أنها ليس فيها كلمة عيد ميلاد ولا تهنئة، ولكنها تذكير بتاريخ الميلاد، وتمني العمر المديد للعضو، ما هو الرأي الشرعي في ذلك؟ أفتوني مأجورين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
الأظهر -والله أعلم- أن مجرد التذكير بيوم ميلاد أحد الأعضاء لا يدخل في بدع الأعياد، فمجرد حساب أيام العمر وتذكر يوم الميلاد كل عام لا يضفي بدعة عيد على أعياد الإسلام، كيف وقد قال الله -في معرض المن والتذكير بنعمته-:"هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب" [يونس: 5] ، "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب" [الإسراء: 12] .
كذلك تذكير المرء بما يوافق يوم ميلاده من العام الجديد لا يعدو أن يكون مجرد تذكير، ليس إلا!.
أفلا يحسن مع التذكير أن يُدعى له ببركة العمر، ويذكر بوجوب المبادرة بالتوبة ومحاسبة النفس، وانتهاز بقية العمر في طاعة الله، والتحذير من التسويف، والاعتبار بسرعة مضي الأعوام ... إلخ.
وهذا الصنيع بمجرده -والذي هو مجرد تذكير ودعوة- لا يمكن أن يطلق عليه اسم العيد، بل لا أرى فرقاً بين التذكير والتهنئة ببداية عام هجري جديد، والتذكير والتهنئة بيوم الميلاد، أليست هي تذكيراً باكتمال عام وبداية عام جديد في عمر الإنسان؟
فإن قلت ببدعية الثانية لزمك القول ببدعية الأولى؛ إذ لا فرق.
وإن قيل إن الأول ورد ما يدل على مشروعيته من فعل السلف -إن كان قد ورد فعلاً- فالثانية تقاس عليها؛ لأنها بمعناها تماماً.
غير أنه ينبغي ألا يتجاوز الأمر إلى الاحتفال بيوم الميلاد فيصبح عيداً يحاكي عيدي الإسلام، ويكون تشبهاً بالكفار.
وإذ تُشكرون -أيها المشرفون على المنتدى- على حرصكم على السؤال عما يشكل عليكم، فإني أرجو أن يكون لديكم ما يضارع هذا الحرص على صيانة منتداكم من أن يكون مرتعاً ومنبتاً للشائعات، ومجالاً سابلاً للنهش في أعراض المسلمين، والوقيعة في الأبرياء، ورميهم بالكفر أو الزندقة أو الفجور، وغير ذلك من ألفاظ البذاءة والسباب، وإذكاء نار النعرات والعصبيات ... إلخ.
وإني لأذكركم بحرمة المسلم عند الله، فإن حرمته عند الله لأعظم من حرمة الكعبة!(14/462)
كما أحذركم خطر نشر الشائعات والتهم المفتراة، فإن سكوتكم عما قد يُنشر في منتدياتكم من هذه المنكرات العظيمة يعد ضرباً من الإعانة على الإثم والعدوان، وهي -بلا شك- منكر لا يجوز السكوت عليه فكيف بنشره!.
ومثل هذا السكوت هو بلا شك أعظم نكراً من مسألة التذكير والتهنئة بيوم الميلاد -على فرض بدعيتها-.
أسأل الله أن يوفقكم لمرضاته، ويستعملكم في طاعته، ويجعلكم مباركين أينما كنتم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/463)
انحناء الرياضي أمام المدرب
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العادات/مسائل متفرقة
التاريخ 9/1/1424هـ
السؤال
ما حكم الانحناءة التي يقوم بها الرياضي كتحية أمام المدرب أو الخصم؟ علماً أن لدي طفلين ملتحقين بأحد أندية الكاراتيه، وعمرهما ثمان وست سنوات، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الانحناءة فيها خضوع وذل ومسكنة وتعظيم لمن ينحني له، وعمل وعادة من عادات الأعاجم في تعظيم أصحابهم، والخضوع لهم من الغربيين وغيرهم، وليست من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد جعل الكلام في التحية بدلاً من الانحناء الذي لا ينبغي إلا لله.(14/464)
العرضة بالطبل أو الدف
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ العادات/مسائل متفرقة
التاريخ 11/1/1425هـ
السؤال
ما حكم العرضة إذا كان فيها طبل أو دف؟ وهل هناك فتوى لهيئة كبار العلماء فيها؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
لا بد من الإجابة عن هذا السؤال، وهو: هل هناك فرق بين الطبل والدف؟
الذي ظهر لي بعد البحث -ومن النظر في كلام أهل اللغة وأهل العلم من شراح الحديث وغيرهم- أن الدف المعروف عند العرب الذي جاءت الرخصة به في الأحاديث: هو ما كان يشبه الغربال (المنخل) ، إلا أنه لا خروق فيه، وطوله إلى أربعة أشبار، انظر: (فتح الباري) لابن رجب (8/426) ، و (نيل الأوطار 6/188) ، و (فتاوى ابن إبراهيم 10/215) ، و (فتاوى منار الإسلام) لشيخنا ابن عثيمين (3/836) ، وكذلك اللقاء المفتوح جـ (12) سؤال (262) ، واللقاء الشهري جـ (11) سؤال (234) ، و (القاموس المحيط 1047-1325) ، و (لسان العرب 9/104-107، 11/398) مادة: طبل، و (المعجم الوسيط 1/289) ، مادة (دفف) ، و (المصباح المنير) للفيومي (75) .
ووقع في كلام الإمام أحمد -رحمه الله- ما يدل على التفريق بين الطبل والدف.
فقد نقل ابن مفلح -رحمه الله- في (الفروع 5/311-312) ما نصه، قال:"ونقل حنبل: لا بأس بالصوت والدف فيه -أي في العرس- وأنه قال: أكره الطبل، وهو الكوبة، نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونقل ابن منصور: الطبل ليس فيه رخصة".
وكثير من الفقهاء حينما تكلموا عن (الطبل) فرقوا بين طبل الحرب وغيره؛ لأن الحاجة داعية إلى طبل الحرب، بخلاف غيره، ومن فروع ذلك مسألة: ضمان الدف والطبل -كما سيأتي-.
قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني في كتابه (السير الكبير 4/1459) :" لا بأس بالطبول التي يضرب بها في الحرب لاجتماع الناس؛ لأن هذه ليست بلهو، وإنما المكروه طبول اللهو، بمنزلة الدفوف لا بأس بضربها في إعلان النكاح، وإن كره ذلك للهو".
وفي الفروع لابن مفلح في الموضع السابق:"وفي عيون المسائل وغيرها في من أتلف آلة لهو: الدف مندوب إليه في النكاح؛ لأمر الشارع، بخلاف العود والطبل فإنه لا يباح استعماله والتلهي به بحال"، وينظر (الإنصاف) للمرداوي مع (المقنع 21/353-355) .
إذا تبين حكم الطبل، فيبقى الكلام في الدف للرجال:
فالعلماء مختلفون في حكمه للرجال، على قولين:
(1) الجواز، وبعضهم يقول: مع الكراهة.
(2) (المنع) التحريم، وهذا القول هو ظاهر اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما في (الفتاوى 11/565، 22/154) ، بل نسب ابن رجب -رحمه الله- في (فتح الباري 8/434) القول بالتحريم إلى جمهور العلماء، وعللوا ذلك بأمرين:
الأول: أنه من التشبه بالنساء.
الثاني: أن الذي كان يضرب بالدفوف على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- النساء أو من تشبه بهم من المخنثين، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفي المخنثين.
وأرجو ألا يخلط الأخ السائل بين حكم ضرب الرجال للدف، وبين سماع الرجال لضرب الدف، فبين المسألتين فرق؛ لأن سماع الرجال لضرب الدف أمره واسع.(14/465)
يقول الإمام مالك: إذا دعي إلى وليمة فوجد فيها دفاً، فلا أرى أن يرجع (فتح الباري 8/437) لابن رجب.
بل قرر ابن تيمية -رحمه الله- أن الرجال في عهد الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يسمعون غناء الإماء في العرسات كما في (الفتاوى 29/552) .
وقال ابن رجب في (فتح الباري 8/434) :"فكذلك الغناء يرخص فيه للنساء في أيام السرور، وإن سمع ذلك الرجال تبعاً" ا. هـ، والله أعلم.
وأما سؤال الأخ: هل هناك فتوى لهيئة كبار العلماء، فيمكنك مراجعة الفتاوى المطبوعة، أو مراسلة الأمانة العامة للهيئة لمعرفة الجواب.(14/466)
حكم التهنئة بالعام الهجري
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ العادات/مسائل متفرقة
التاريخ 28/12/1424هـ
السؤال
ما حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد؟
الجواب
الأصل في التهاني -والله أعلم- أنها من باب العادات، ولكن الأولى هنا -أعني في التهنئة بالعام الجديد- ألاّ يبدأ بها الإنسان؛ لأن هذا ليس من السنة، وليست الغبطة بكثرة السنين، بل الغبطة بما أمضاه العبد منها في طاعة مولاه، فكثرة السنين خير لمن أمضاه في طاعة ربه، شر لمن أمضاها في معصية الله والتمرد على طاعته، وشر الناس من طال عمره وساء عمله -كما يقول شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- في ديوان خطبه ص (702) -.
ولكن لو هُنِّئ الإنسان، فلا ينبغي له أن ينكر، بل ينبغي أن يجعل الرد بالدعاء، كأن يقول: جعل الله هذا العام عام عز ونصر للأمة الإسلامية، ونحو هذه الدعوات الطيبة والله تعالى أعلم.(14/467)
صورة المصافحة الصحيحة
المجيب د. عبد الله بن سعاف اللحياني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العادات/مسائل متفرقة
التاريخ 6/1/1423
السؤال
إن العادة المنتشرة في المجتمع في المصافحة " المصافحة باليد " حيث إن الإمام البخاري عقد باباً مستقلاً عن الأخذ باليدين. فما التطبيق بينهما؟ وما الطريقة المسنونة؟ وما حكم المصافحة باليد؟
الجواب
عقد الإمام البخاري في صحيحه (5/2311) ، باباً سماه باب المصافحة وذكر فيه حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه-:" دخلت المسجد فإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني". وحديث قتادة: قلت لأنس: أكانت المصافحة في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم.
أما الباب الذي عقده البخاري بعده:" باب الأخذ باليدين". فهذا في أكثر النسخ للجامع الصحيح وفي بعضها باب الأخذ باليد. وذكر فيه أن حماد بن زيد صافح ابن المبارك بيديه.
والأمر في هذا واسع - إن شاء الله -، ولم يذكر البخاري في هذا الباب حديثاً مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.(14/468)
مصافحة الأجنبيات
المجيب عبد الله بن عبد الوهاب بن سردار
خطيب جامع العمودي بالمدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/ العادات/مسائل متفرقة
التاريخ 15/11/1423هـ
السؤال
السلام عليكم.
من المعلوم حرمة مصافحة النساء الأجنبيات، ولكن في العيد وعندما نذهب إلى أقاربنا يخرج لنا بنات ونساء أعمامنا وأخوالنا ويقومون بتقديم أيديهم للمصافحة فما العمل في مثل هذا الموقف؟ وهل يجوز عدم صلة الرحم لهذا السبب؟ علماً بأنني أستحي عندما يمدون أيديهن فأسلم عليهن رغم أنني كاره لذلك أشد الكره. أفيدوني أفادكم الله وأحسن إليكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أخي الكريم: جعلك الله تقياً وحفظك أينما كنت.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يصافح النساء، ويدل على ذلك ما جاء في قول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-:"والله ما مسَّت يد رسول الله يد امرأة إلا امرأة يملكها" رواه البخاري (7214) .
وقال -صلى الله عليه وسلم-:"إني لا أصافح النساء" رواه الإمام مالك (1893) وغيره.
ومنع النبي -صلى الله عليه وسلم- من لمس المرأة الأجنبية وحذر منه فقال:"لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" رواه الطبراني (20/210) وهو صحيح.
فإذا كان الأمر كذلك فالواجب على المسلم الحذر من الوقوع في المعصية خوفاً من عقاب الله عز وجل وحذراً من الفتنة التي قد تحصل بسبب المصافحة.
وأنصحك بما يلي:
(1) قبل الأعياد والمناسبات والزيارات: انشر في العائلة الحكم الشرعي من خلال نشر الفتاوى أو المطويات ليتعلم الناس الحكم الشرعي وليمتنع النساء من مصافحتك حين تزور أقرباءك فيقل إحراجك في تلك الزيارات.
(2) عليك أن تنشر في العائلة أيضاً قبل الأعياد والمناسبات والزيارات أنك لا تريد مصافحة النساء لأن الأمر محرم وهذا سيقلل من إحراجك أيضاً.
(3) كن في كل الأحوال لطيفاً هيناً ليناً حسن المعاملة حتى تكون مقبولاً وتكون نصيحتك مقبولة، وإذا وجدت من الأقرباء جفوة أو إساءة فاصبر ولا ترد عليهم بإساءة.
(4) ولو كلمت أمك أو أختك وأقنعتهم بالحكم الشرعي ليعينوك على إفهام النساء الأخريات فهو خير.
(5) قلل من الزيارات التي تسبب الوقوع في هذه المعصية ولكن لا تقطعها.
(6) اجتهد في صلة الرحم بالوسائل الأخرى مثل الاتصال الهاتفي، ومثل لقاء أخوالك وأعمامك خارج البيوت، مع تقديم الخدمة لهم وتقديم الهدية ولو كانت يسيرة، حتى تكون واصلاً للرحم، وحتى يقل الضغط عليك.
أما خالاتك وعماتك فزرهن حين يكن وحدهن إذا تيسر ذلك، وصلهن بالاتصال الهاتفي والهدايا وحاول إقناعهن إما بشكل مباشر منك أو بواسطة أمك وأختك أو غيرهما، والله الموفق. أعانك الله وثبتك.(14/469)
التوديع بالشهادتين
المجيب د. محمد بن حسين الجيزاني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/ العادات/مسائل متفرقة
التاريخ 7/6/1424هـ
السؤال
جرت عادة بعض الإخوة عند توديع بعضهم بعضا، أو ختام محادثة هاتفية أن يقول أحدهم لا إله إلا الله، فيرد عليه الآخر بقول محمد رسول الله عليه السلام. فما حكم هذه العادة أو التحية كما يسمونها الآن؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فقد ورد في التوديع والمفارقة من الأذكار ما يأتي:
(1) دعاء ختم المجلس أو كفارة المجلس "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك" رواه أبو داود (4859) من حديث أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- وهو حديث حسن.
(2) قول السلام عليكم لما ورد في الحديث أن الأولى ليست بأحق من الآخرة فيما رواه الترمذي (2706) وأبو داود (5208) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- فهذا القول يشرع عند اللقاء وعند المفارقة.
(3) ما ورد عن بعض السلف من آثار في كونهم إذا افترقوا بعد اجتماع كانوا كثيراً ما يقرؤون سورة العصر، لكن لا بد من النظر في ثبوت ذلك وصحته.
(4) ما يقوله المسافر لأصحابه: "أستودع الله دينكم، وأمانتكم، وخواتيم أعمالكم" رواه أبو داود (2601) من حديث عبد الله الخطمي -رضي الله عنه- وهذا قد ورد في أحاديث حسنة.
ومسألة الترحيب بالإخوان عند لقائهم والتلطف معهم بالتحية الحسنة والسؤال عن الحال والأهل والمال، ومثله حسن التوديع بالكلام الحسن والقول الطيب والدعاء الصادق، كل هذا مما عرف عند الأمم، وكان للعرف فيه آثار وأشعار وأمثال.
وجاء هذا الدين بتقرير هذا الأصل، وتحقيق هذا المقصد، لكن أرشد المسلمين إلى تحية عظيمة؛ ألا وهي تحية أهل الجنة السلام عليكم، كما وجههم إلى دعاء يقال لمن كثر لغطه وهو كفارة المجلس.
وما زاد على ذلك فالأمر فيه واسع مهما كان محققاً لمقصود الشارع من حفظ حق الأخوة، وصيانة حبل المودة بين المسلمين، وزيادة التآلف بينهم، مع اجتناب لسيئ القول وقبيح الكلام، وبناء على هذا فإن ختم المكالمة الهاتفية بقول أحدهم لا إله إلا الله ويرد عليه الآخر محمد رسول الله، ليس فيه ما يؤكد مقصود الشارع من ترسيخ مبدأ المؤاخاة والمحبة بين المسلمين، أما إن صار عادة وطريقة فإنه يدخل تحت معنى الابتداع، والله الموفق.(14/470)
الاحتفال باليوم الوطني
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/ العادات/مسائل متفرقة
التاريخ 16/12/1424هـ
السؤال
أصحاب الفضيلة المشايخ: سؤالي يا أصحاب الفضيلة عن اليوم الوطني، هل يجوز حضور الحفل؟ وإذا ألزمنا به كأعضاء سفارة ماذا علينا فعله؟ وهل يجوز لنا الحضور بنية إلقاء كلمة ذكر أو محاضرة نذكر فيها بطاعة الله ورسوله -عليه السلام-؟ أرجو إعطائي نصيحة ألقيها في هذا اليوم، أرجو الرد بأسرع وقت لأن اليوم الوطني قرب وأنا محتارة ولا أعرف ماذا أقول لزوجة السفير إذا دعتني؟.
الجواب(14/471)
اليوم الوطني ليس عيداً، والأعياد التي لا يجوز إحداثها هي الأعياد الدينية وليست التجمعات التي يتجمع الناس بها لسبب أو لآخر، قد يحتفلون بالزواج وقد يحتفلون بالولادة، وقد يحتفلون بأي شيء فهذا ليس من الأعياد الدينية، لهذا يجب أن نزيل هذا الوهم، وهذه الشبهة التي يتعلق بها كثير من الناس، فيدخلون على الناس حرجاً وشغباً في دينهم، بحيث يصبح المتدين أو الملتزم في حرج يشعر وكأنه يأتي كبيرة ويأتي منكراً، هذا ليس بمنكر، فالأصل في الأشياء الإباحة، فلا حرج عليك أن تحضري فقد أجاز الحنابلة - رحمهم الله تعالى- العتيرة وهي ذبيحة كان أهل الجاهلية يعملونها في رجب كرهها المالكية باعتبار أنها كانت فعل الجاهلية ولكن الحنابلة أجازوها؛ لأنه لا يوجد نص يمنع من ذلك. أهل الجاهلية كانوا في رجب يذبحون ذبيحة اسمها الرجبية، واسمها العتيرة، فبعض العلماء يرى أن هذا باق على أصل الجواز، فإذا اجتمع الناس وذبحوا ذبيحة في رجب أو في شعبان أو في أي زمن فهذا لا مانع منه أن يحتفل الناس أو يفرحوا بحدث زوال الاستعمار في بلد مثلاً، هذا ما يسمى باليوم الوطني غالباً عندنا في أفريقيا، أو في البلاد التي كانت مستعمرة، فالأمر إن شاء الله لا حرج فيه، أما إذا كان ينبغي لك أن تلقي محاضرة فهذا شيء حسن إذا كانت المناسبة تسمح بإلقاء محاضرة أو خطبة تذكير ونحو ذلك فهذا لا بأس به، أما أن نتشبث: بأن أبدلنا الله عيدين، هذه أعياد كانت للأنصار وكانت أعياد جاهلية وأصنام، فالنبي - صلى الله عليه وسلم- ذكر أن أعياد الإسلام الدينية عيدان عيد الفطر وعيد الأضحى، وهذا لا يفهم منه أنه يمنع أن يتجمع الناس في تجمع حتى ولو كان كرهه المرء ورأى أنه إذا لم يكن هناك منكر فلا داعي إلى التشويش على الناس، وإثارة بعض الفتن والخصومات في أمور ليست ممنوعة، نصاً من كتاب أوسنة، ولا إجماعاً للعلماء ولا اتفاقاً داخل المذاهب، لأن التيسير في مثل هذه الأمور التي لا حرج فيها قطعاً، والأقوال التي تقول تحرج لا تستند إلى قاطع وهي أقوال ضعيفة، فلا مانع من أن نفسح للناس المجال وأن نيسر لهم، فاليسر أصل من أصول هذا الدين "، وما جعل عليكم في الدين من حرج" [الحج: 78] ، "يريد الله أن يخفف عنكم" [النساء: 28] ، "فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا" [الشرح: 5-6] ، "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا" رواه البخاري (69) ، ومسلم (1734] من حديث أنس -رضي الله عنه-، فالأصل في هذا الدين اليسر نكررها مرة أخرى، والاجتهادات الأخرى للعلماء اجتهادات محترمة، لكنها ليست نصوصاً من الشارع. والسلام عليكم.(14/472)
الهيئة المستحبة عند النوم
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ العادات/مسائل متفرقة
التاريخ 22/04/1426هـ
السؤال
ما هو الوضع الصحيح لاتجاه الرأس عند النوم؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
لم يرد - حسب علمي - نصٌ يحدد جهة الرأس عند النوم، لكن ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يتوسد يده اليمنى، وينام على شقه الأيمن، فعَنْ سُهَيْلٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأْمُرُنَا إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ، أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ اْلأَيْمَنِ، ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الأرض وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَاْلإنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ. اللَّهُمَّ أَنْتَ اْلأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ اْلآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ. اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ". وَكَانَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-. أخرجه مسلم (2713) .
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ اْلأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَ إِلَيْكَ. اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ". قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِي ِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمَّا بَلَغْتُ: "اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ"، قُلْتُ: "وَرَسُولِكَ". قَالَ: "لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ". أخرجه البخاري (247) ، ومسلم (2710) .
وعَنْ أم المؤمنين حَفْصَةَ -رضي الله عنها-، زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْقُدَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ"، ثَلاَثَ مِرَارٍ. أخرجه أبو داود (5045) .(14/473)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-َ قَالَ: "إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ، فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ، وَلْيُسَمِّ اللَّهَ، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا خَلَفَهُ بَعْدَهُ عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ اْلأَيْمَنِ، وَلْيَقُلْ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبِّي، بِكَ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ". أخرجه البخاري (6320) ، ومسلم (2714) ، واللفظ له.
ويؤخذ من هذه الأحاديث أن السنة أن ينام الإنسان على شقه الأيمن، ويضع يده تحت خده، ويقول ما ورد من الأذكار في هذه الأحاديث.
والنوم على الشق الأيمن له فوائد صحية، قال الحافظ ابن القيم: "وأنفع النوم: أن ينام على الشق الأيمن، ليستقر الطعام بهذه الهيئة في المعدة استقراراً حسناً، فإن المعدة أميل إلى الجانب الأيسر قليلا ... وكثرة النوم على الجانب الأيسر مضر بالقلب، بسبب ميل الأعضاء إليه، فتنصب إليه المواد. " [ينظر: زاد المعاد (4/166) ] ، وقد ثبت علمياً أن النوم على الجانب الأيمن يمنع ضغط الكبد على المعدة، ويساعد على تفريغ محتوياتها، كما يسهل عمل القلب؛ إذ يمنع ضغط المعدة والحجاب الحاجز عليه، أما النوم على الجانب الأيسر فإنه يزيد العبء على القلب؛ نتيجة لوضع المعدة والكبد على القلب في هذا الاضطجاع، وكذلك على الرئة اليمنى ...
أما النوم على الصدر فله ضرره؛ إذ إن النائم لابد أن يلوي عنقه إلى أحد الجانبين حتى يتنفس، أما النوم على الظهر فإنه يجعل الأحشاء ترفع الحجاب الحاجز، وهذا بدوره يضغط على القفص الصدري، فيحس النائم بالضيق، ولربما قام من نومه متضايقاً " [دراسة لظاهرة النوم: أجراها د: عبد القادر الميلادي، مجلة منار الإسلام سبتمبر 1982، وينظر: الإعجاز العلمي في الإسلام ص (111) ، لمحمد كامل عبد الصمد] ، هذا والله أعلم.(14/474)
حب الوطن ورفع العلم الوطني
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ العادات/مسائل متفرقة
التاريخ 26/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال: ما رأي الشرع في حب الوطن ورفع علم البلد، كالأرزة والنجمة والسيف؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. أما بعد..
حب الإنسان لوطنه وشوقه له أمر فطري جبلت عليه النفوس، فلا يكون لذاته محموداً ولا مذموماً، فإن كان مدعاة للخير كالدفاع عنه ضد عدوه الذي يفسد دينه فنعما هو.
وإن كان حبه لوطنه مدعاة للعبودية له والتضحية بالدين في سبيله فإنه مذموم بلا شك.
عن عبد الله بن عدي -رضي الله عنه- قال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- واقفاً على الحزورة (وهو موضع بمكة) ، فقال: والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أُخْرِجت منك لما خرجت"، أخرجه الترمذي (3925) وابن ماجة
(3108) وقال:"أُحد جبل يحبنا ونحبه"، رواه البخاري (4422) ، ومسلم (1392) من حديث أبي حميد -رضي الله-. فليس له أن يحمله حبه على أن يقعد به عن الجهاد، أو إصلاح ما يراه في وطنه، ولا أن يكون حبه سبباً للفرقة بين المسلمين، وكذلك رفع علم البلد أو شعاره، لا مانع منه ما دام بلداً مسلماً وليس في شعاره محذور، ولم يكن في رفعه تفريق للمسلمين وإثارة للبغضاء بينهم، والله ولي التوفيق.(14/475)
استعمال الزَّلفة والزير في العَرْضَات
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ العادات/مسائل متفرقة
التاريخ 01/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم (العرضات؟) علماً أنها تحتوي على محاورات بين الشعراء يذكر كل منهم مساوئ الآخر ومساوئ قبيلته، ويشعر بكل ما يساعد على التغلب على الآخر، ويصاحبهم ما يسمى بالزير، وترديد الحاضرين مع الرقص والصفير، لذا آمل إفتائي بهذا. ولك الشكر الجزيل.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالآلة المسماة بالزير وكذلك (الزَّلفة) والمستعملة في العرضات في جنوب البلاد السعودية، هي عبارة عن طبل مغلق من جهتيه، واستعماله والسماع له محرَّم؛ لما روى البخاري في صحيحه (5590) عن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف".
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله حرم عليَّ- أو حرّم- الخمر والميسر والكوبة" أخرجه أبو داود (3696) ، وأحمد (2476) ، بسند صححه أحمد شاكر والألباني، والكوبة هي الطبل.
وللحديث شواهد عن عبد الله بن عمرو وقيس بن سعد -رضي الله عنهم- أخرجه أحمد (15481،6478) وأبو داود (3685) .
والشّعر المتضمن للهجاء المقذع والسباب -مثل بعض ما يدور في المحاورات المذكورة كما بلغني- حرام بلا شك؛ لأن السب محرم بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سباب المسلم فسوق" متفق عليه البخاري (48) ، ومسلم (64) .
والله -تعالى- أمر المؤمنين بقول الأحسن "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم" [الإسراء:53] ، وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابذوا بالألقاب" [الحجرات: 11] .
وما يقع في المحاورات المذكورة من سخرية الشاعر بالآخر وسبه وسب قبيلته وترفعه على غيره مما يوحش النفوس ويثير العداوات، وهذا كله محرم.
أما إن لم تتضمن العرضه طبلاً أو ما شابهه، وليس فيها سباب ولا شتائم فالأصل فيها الإباحة، وقد لعب الحبشة بالحراب بحضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولم ينكر عليهم، انظر صحيح البخاري (455) ، ومسلم (892) ، والشعر كسائر الكلام. والله الموفق.(14/476)
أعالج حبّ الشباب بالتقشير وعمليات الليزر فما الحكم
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 1/6/1422
السؤال
إنني أعاني من آثار لحبِّ الشباب على وجهي، وأريد العلاج إما بالتقشير وإما بعمليات ليزر، سؤالي عن حكم ذلك، مع العلم أنني أقوم بذلك لإزالة الآثار. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
مادام أنها تُستعمل علاجاً، فلا حرج، والحمد لله.(14/477)
زراعة الأعضاء
المجيب د. محمد بن إبراهيم الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 4/11/1424هـ
السؤال
هل يجوز تغيير الأعضاء في الجسم أم لا؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فهل يجوز تغيير الأنثيين (الخصيتين) ؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد: فموضوع زراعة الأعضاء من الموضوعات التي استجدت في حياة الناس مع تقدم الطب، ولم تكن معروفة لدى الفقهاء السابقين بالشكل الذي نراه اليوم أو نسمعه، ولكن لا يعني ذلك أنه لا يوجد لها حكم في الشرع؛ لأن شريعتنا بقواعدها وأصولها تستطيع بحمد الله جل وعلا أن توجد الحكم الشرعي لكل ما يستجد في حياة الناس، فهي الشريعة الصالحة لكل زمان ومكان، ولذا فقد تولى أهل العلم في زماننا هذه المسألة بالبحث والدراسة، ومن أولئك الذين عنوا بدراسة هذا الموضوع المجامع الفقهية، ومنها مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، فقد درس الموضوع في دورته الثامنة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 28 ربيع الآخر 1405 هـ إلى يوم الاثنين 7 جمادى الأولى 1405 هـ الموافق 9 1 - 28 يناير 1985 م، وقد نظر في موضوع أخذ بعض أعضاء الإنسان وزرعها في إنسان آخر مضطر إلى ذلك العضو، لتعويضه عن مثيله المعطل فيه، مما توصل إليه الطب الحديث، وأنجزت فيه إنجازات عظيمة الأهمية بالوسائل الحديثة، وذلك بناء على الطلب المقدم إلى المجمع الفقهي من مكتب رابطة العالم الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية.
واستعرض المجمع الدراسة التي قدمها فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام في هذا الموضوع، وما جاء فيها من اختلاف الفقهاء المعاصرين في جواز نقل الأعضاء وزرعها، واستدلال كل فريق منهم على رأيه بالأدلة الشرعية التي رآها.
وبعد المناقشة المستفيضة بين أعضاء مجلس المجمع، رأى المجلس أن استدلالات القائلين بالجواز هي الراجحة، ولذلك انتهى المجلس إلى القرار الآتي:
أولاً: إن أخذ عضو من جسم إنسان حي، وزرعه في جسم إنسان آخر مضطر إليه لإنقاذ حياته، أو لاستعادة وظيفة من وظائف أعضائه الأساسية هو عمل جائز لا يتنافى مع الكرامة الإنسانية بالنسبة للمأخوذ منه، كما أن فيه مصلحة كبيرة وإعانة خيرة للمزروع فيه، وهو عمل مشروع وحميد إذا توافرت فيه الشرائط التالية:
1 - أن لا يضر أخذ العضو من المتبرع به ضرراً يخل بحياته العادية؛ لأن القاعدة الشرعية أن الضرر لا يزال بضرر مثله ولا بأشد منه؛ ولأن التبرع حينئذ يكون من قبيل الإلقاء بالنفس إلى الهلكة، وهو أمر غير جائز شرعاً.
2 - أن يكون إعطاء العضو طوعاً من المتبرع دون إكراه.
3 - أن يكون زرع العضو هو الوسيلة الطبية الوحيدة الممكنة لمعالجة المريض المضطر.
4 - أن يكون نجاح كل من عمليتي النزع والزرع محققاً في العادة أو غالباً.
ثانياً: تعتبر جائزة شرعا بطريق الأولوية الحالات التالية:
1 - أخذ العضو من إنسان ميت لإنقاذ إنسان آخر مضطر إليه، بشرط أن يكون المأخوذ منه مكلفاً، وقد أذن بذلك حالة حياته.(14/478)
2 - أن يؤخذ العضو من حيوان مأكول ومذكى مطلقا، أو غيره عند الضرورة لزرعه في إنسان مضطر إليه.
3 - أخذ جزء من جسم الإنسان لزرعه أو الترقيع به في جسمه نفسه، كأخذ قطعة من جلده أو عظمه لترقيع ناحية أخرى من جسمه بها عند الحاجة إلى ذلك.
4 - وضع قطعة صناعية من معادن أو مواد أخرى في جسم الإنسان لعلاج حالة مرضية فيه، كالمفاصل وصمام القلب وغيرهما. فكل هذه الحالات الأربع يرى المجلس جوازها شرعا بالشروط السابقة.
وأما زرع الخصيتين ونحوهما من الغدد التناسلية، والتي تنقل الصفات الوراثية، فقد قرر المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان 1410هـ الموافق 14-20 آزار (مارس) 1990م، بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من 23 - 26 ربيع الأول 1410 هـ الموافق 23-26/10/1990م، بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، قرر ما يلي:
أولاً: زرع الغدد التناسلية: بما أن الخصية والمبيض يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية (الشفرة الوراثية) للمنقول منه، حتى بعد زرعهما في متلقٍّ جديد، فإن زرعهما محرم شرعاً. وقد وضع المجمع الفقهي عدداً من الضوابط في قضية زرع الأعضاء في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 صفر 1408هـ الموافق6-11 شباط (فبراير) 1988م، وهي:
أولاً: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد من أنَّ النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود، أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب، أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسياً أو عضوياً.
ثانياً: يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائياً، كالدم والجلد، ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.
ثالثاً: تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.
رابعاً: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر.
خامساً: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها كنقل قرنية العين كلتيهما، أما إن كان النقل يعطل جزءاً من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة.
سادساً: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك. بشرط أن يأذن الميت قبل موته أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي أمر المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.
سابعاً: وينبغي ملاحظة: أنَّ الاتفاق على جواز نقل العضو - في الحالات التي تم بيانها - مشروط بألاَّ يتم ذلك بواسطة بيع العضو. إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما.
أما بذل المال من المستفيد، ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريماً، فمحل اجتهاد ونظر.
ثامناً: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة، مما يدخل في أصل الموضوع، فهو محل بحث ونظر، ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة، على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/479)
اقتناء هيكل عظمي للتعلُّم
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 8/1/1425هـ
السؤال
أنا حالياً أدرس الطب، ويفيدني جداً اقتناء هيكل عظمي لأتعلم عليه، يستطيع أحد معارفي توفير هيكل لي، ولكن المشكلة هي أن هذا الهيكل طبيعي، أي لجثة قد تحللت وأخذ عظمها، فهل يجوز لي اقتناؤه؟ علماً بأنه يتوفر هياكل اصطناعية، لكنها ليست بمقدار الفائدة التي أجنيها من الطبيعي -أي أنه لا يظهر عليه جميع الأجزاء والتراكيب الدقيقة المطلوبة- أفيدوني بأسرع وقت ممكن جزاكم الله خيراً.
الجواب
لا بأس باقتناء الهيكل الطبيعي للجثة عند وجود الحاجة لطلاب الطب؛ لأن حذق الطب - وهو أمر مطلوب- لا يتحقق في الغالب -كما قيل- إلا بالتطبيق على جثة حقيقية، ولكن يجب أن يقتصر في هذه الجثة على القدر المطلوب، وألا تكون الجثة لمسلم؛ لأن في جثث غير المسلمين غنية عن جثته، ولتأكد حرمته حياً وميتاً، ويجب كذلك دفن أشلاء الجثة بعد الانتهاء منها. والله أعلم.(14/480)
أقراص منع الدورة الشهرية
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 2/12/1423هـ
السؤال
سألتني زميلة في العمل وهي مقبلة على الذهاب إلى العمرة في شهر رمضان، عن نيتها أخذ أقراص تمنع عنها نزول دم الحيض في وقته المعتاد، ذلك أن فترة حيضها توافق العشر الأواخر من شهر رمضان مما سيفوت عليها - حسب قولها - فرصة التعبد وقيام الليل في المسجد الحرام، ما قول الشرع في هذا الأمر؟ خصوصا وأنه أخذ يعرف انتشارا واسعا بين النساء، حسب قولها، حتى بالنسبة للصيام في شهر رمضان المبارك - جزاكم الله عن الإسلام وعنا كل خير -.
الجواب
المرأة إذا أخذت شيئاً من موانع الحيض فامتنع الحيض بالكلية وجبت عليها الصلاة والصيام، وصح ذلك منها، أما إن نزل منها دم ولو يسيراً في وقت الحيض فلا تصح الصلاة ولا الصيام.(14/481)
ضمان الخطأ الطبي
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 28/1/1424هـ
السؤال
أنا أعمل طبيباً بوحدة العناية المركزة، وقد توفي أحد المرضى بالوحدة لسبب أشك أنه خطأ علمي مني، فهل علي من كفارة؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا كنت قد تسببت في إزهاق روح هذا المريض بأي نوع من أنواع التسبب فإن عليك الدية والكفارة، وإذا أمكنك التحقق من ذلك فإنك تفعل، فإن كان شكاً منك تشعر به ولا دليل عليه ولم يثبت عندك يقيناً فلا شيء عليك إن شاء الله، والقاعدة الفقهية في ذلك (إن اليقين لا يزول بالشك) واليقين هنا هو براءتك من إزهاق روحه والشك هو مسئوليتك عن هذا الإزهاق، وكذلك يدل لهذا قاعدة (كل مشكوك فيه اجعله كالعدم) ، وهي في معنى القاعدة السابقة، والله أعلم.(14/482)
هل الدواء يعجل الشفاء؟
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 30/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل للمرض زمن محدد سواء تداوى الإنسان أم لا؟ بمعنى هل الدواء يعجل الشفاء؟ أرجو الإجابة مع الأدلة الشرعية.
الجواب
الله عز وجل قدَّر المرض على الإنسان وشرع التداوي، وجعل الدواء سبباً للشفاء من الأمراض، فالتداوي أخذ بالسبب المشروع، فيكون مندوباً إليه -في غالب أحوال التداوي-.
فمن تداوى فقد فعل الأمر المشروع في قوله -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري (5678) كتاب الطب:"ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء".
فالذي يتداوى يكون قد بذل سبباً يؤدي بإذن الله إلى الشفاء، ومن ترك التداوي فقد يهلكه المرض، وكل ذلك قد علمه الله عز وجل من الإنسان قبل أن يولد ولكن الحث الشرعي على التداوي إنما هو من باب الأخذ بالأسباب المشروعة، والله أعلم.(14/483)
تغيير التوصيف الطبي
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 26/1/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
نحن -المسلمين- في الغربة نعاني من مشكلة كبيرة، وهي طهارة أطفالنا، فنحن كغيرنا من المواطنين نشارك في التأمين الصحي الإجباري والذي بطبيعة الحال يشمل الزوجة والأطفال ويندرج تحت هذا التأمين جميع العمليات ما عدا عمليات التجميل، ولكنهم لاعتبارات دينية لا يعترفون بعمليات الطهارة للأطفال ويعتبرونها عمليات تجميل، لذلك نضطر لدفع مبالغ كبيرة لإجراء هذه العملية على حسابنا الخاص، بالرغم من أنّا ندفع الاشتراك الشهري بالتأمين الإجباري وقد عرض علي أحد الأطباء المسلمين إجراء هذه الجراحة مع تغيير التوصيف الطبي لها حتى تندرج تحت العمليات الجراحية التي يدفعها التأمين الصحي، فأرجو منكم فتوى في مدى صحة هذا العمل شرعاً؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فالأظهر لي ـ والله أعلم ـ أنه يجوز لكم إجراء عمليات الختان مع تغيير التوصيف الطبي لها؛ لكي تدخل في غطاء التأمين الصحي الإجباري، وذلك لأن كثيراً من أقساط التأمين التي تدفعونها تذهب بلا مقابل؛ لتبتلعها شركات التأمين، وتزيد من أرباحها المتضخمة.
ولهذا تُباح مثل هذه الحيلة لاستيفاء تلك الأموال التي ذهبت عليكم سدى، ولكن بشرط ألا تزيد قيمة ما تقدّم لكم من عمليات وخدمات طبية على مقدار القسط السنوي الذي تقدمونه للتأمين.
فمثلاً إذا كان رب الأسرة قد دفع في السنة 1000 يورو للتأمين الصحي لأسرته، ثم انقضتْ السنة وقد بلغ مجموع قيمة الخدمات والعمليات الطبية له ولأسرته 500 يورو، فإنه يكون قد بقي له 500 يورو يستحقها على شركة التأمين، وله حينئذٍ أن يستوفيها ولو بهذه الحيل، من عمليات ختانٍ أو غيرها، ولو بتغيير توصيفها، بشرط ألا تزيد قيمة هذه العمليات عن الثمن المتبقي وهو 500 يورو، لأنه لا يستحق إلا ما يقابل هذه الألف.
فإن زادت على قدر هذا الثمن المتبقي فيجب عليه أن يتخلص من هذه الزيادة بأن يُخرج من ماله قدر هذا الزائد ويصرفه في مصالح المسلمين.
فمثلاً: لو كان المتبقي من قيمة التأمين هو 500 يورو وقيمة عملية الختان تبلغ 700 يورو
فإنه يجب عليه أن يُخرج من ماله ما يقابل هذه الزيادة، وهي 200 يورو، وينفقها في مصالح المسلمين بنية التخلص منها؛ لأنه لم يدفع للتأمين إلا 1000 يورو، ذهب منها 500 في الخدمات والكشوف الطبية، وذهبت ال500 الأخرى في عملية الختان التي قد كلفت شركة التأمين 700 يورو. فبقي 200 يورو دفعتها عنه الشركة، فإذا أخذها كان من أكل أموال الناس بالباطل، فوجب عليه أن يتخلَّص منها.
وإنما نقول: يخرج من ماله بقدر المائتين لصالح المسلمين، ولا يردها لشركة التأمين؛ لأن الشركة قد أكلت أضعافها من أموال الناس بالباطل، ولأن فيها إعانة لها على المحرم وتقوية للكفار.
والله أعلم، -وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم-.(14/484)
العلاج بالتنويم المغناطيسي
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 21/10/1422
السؤال
ما رأيكم في العلاج بالتنويم المغناطيسي؟ وما رأيكم في قول من يعالج به: إنه بالإمكان تغيير الصفات الذميمة في الشخص، مثل: الكذب، وحب الشهوة، وإحلال الفضائل مكانها بشرط رغبة المعالج في ذلك، بعد تقدير الله.
الجواب
نقول وبالله التوفيق: ما يسمى بالتنويم المغناطيسي يطلق على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: وهو الشائع المنتشر ويفعله السحرة باستخدام الجن، وهذا النوع محرم؛ لأن إتيان السحرة حرام، والساحر كافر بنص القرآن الكريم " وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر " [البقرة: 102] . حيث لا يمكّن الجن الساحر من السحر إلا بعد أن يشرك بالله - تعالى -، ومن ذلك الذبح لغير الله، أو إهانةالمصحف الشريف، أو الاستهزاء بآيات الله -تعالى-، أو السجود للشياطين، وغير ذلك من الكفر البواح.
ولا يتصور من هذا الساحر الكافر أن يدل على الفضائل، أو يخلص أحداً من الصفات الذميمة، إذ إن السحر ضار غير نافع كما قال - سبحانه -:" ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم " [البقرة: 102] . وقال - سبحانه -: " ولا يفلح الساحر حيث أتى " [طه:69] .
والسحر من السبع الموبقات التي حذر منها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح، وهو أشد من الزنى وشرب الخمر. وإني أنصح كل مسلم بتجنب السحرة والمشعوذين والكهنة والعرافين، وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: " من أتى كاهناً أو عرَّافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " أخرجه الإمام أحمد في المسند (9536) وقال - عليه الصلاة والسلام -: " من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " أخرجه مسلم في صحيحه (2230)
الضرب الثاني: نوع من الدجل والاتفاق مع بعض الحاضرين لا سيما في أماكن الجمهور لأكل أموال الناس بالباطل ولفت الانتباه.
والضرب الثالث: طب نفسي وهو عن طريق الإيحاء والتأثير على المريض وتطويعه إلى ما يراد له، وهذا ما يسأل عنه السائل، وهو علم صحيح ولكنه محدود التأثير.
والمغيّر فعلاً لتلك الصفات السيئة والمنشئ للصفات الحميدة هو الإيمان بالله - تعالى -، والعمل الصالح، ودعاء الله - عز وجل -، والالتجاء إليه، وهو مسبب الأسباب، وهو قريب من عباده " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " [البقرة: 186] .
وكما هو معلوم أن من أكبر أسباب الهداية والفلاح والتخلص من الأخلاق الذميمة قوة العزيمة، ومجاهدة النفس، والصبر، وغير ذلك من الأسباب الشرعية المعلومة. والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/485)
قتل الرحمة
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 13/9/1422
السؤال
أود معرفة الحكم الشرعي في مسألة قتل الرحمة؟
الجواب
السؤال محتمل: فإن كان عن صفة قتل الرحمة فالإسلام يأمر بالإحسان في قتل ما يجوز قتله من الناس والدواب على أحسن الوجوه وأسهلها من غير زيادة في التعذيب؛ لما رواه مسلم في صحيحه (1955) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْله، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته".
أما إذا كان السؤال عن قتل الرحمة للمريض الميؤوس من شفائه بدعوى الرحمة به، وإنهاء تألمه وما يعانيه، والمسمى بقتل الشفقة أو الرحمة، فهذا مما لا يجوز؛ لأن الصبر على الألم مطلوب شرعاً، فلا يجوز للمريض إنهاء حياته بنفسه؛ لأنه والحالة هذه يعتبر منتحراً قاتلاً لنفسه، والله -تبارك وتعالى- يقول: " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً، ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً " الآية [سورة النساء29،30] . كما لا يجوز أن يطلب من الطبيب فعل ذلك به.
أما إذا قرر الأطباء موت المريض دماغياً، وبعض الأعضاء كالقلب لا يزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة، فهذا قرر مجمع الفقه الإسلامي جواز رفع الأجهزة عنه، قالوا: ولا يعد هذا تعجيلاً بموته؛ لأنه في عداد الموتى، وإكمالاً للفائدة أسوق ما ذكره البهوتي في (كشاف القناع 5 /495) قال: "ولا يجوز قتل البهيمة ولا ذبحها للإراحة؛ لأنها ما دامت حية، وذبحها إتلاف لها، وقد نهي عن إتلاف المال كالآدمي المتألم بالأمراض الصعبة، أو المصلوب بنحو حديد؛ لأنه معصوم ما دام حياً". انتهى. قلت: ومقصوده أنه لا يجوز ذبح الحيوان إذا كان مما لا يؤكل لحمه لإراحته، أقول أيضاً: حتى ما يؤكل لحمه إذا كان لحمه غير صالح كشاة مريضة يريد ذبحها للإراحة لا لأجل أكل لحمها لعدم صلاحية أكله، بل يترك حتى يموت، ومثل ذلك الآدمي، وقتل الآدمي المريض بالأمراض الصعبة كالسرطان في آخر مراحله، بل يترك حتى يموت. والله أعلم.(14/486)
استعمال علاج يثبّت الجنين
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 16/9/1424هـ
السؤال
أنا امرأة حامل في الشهر الأول، واتضح عن طريق التصوير الصوتي أن لدي كيساً هرمونياً فوق أحد المبايض، فوصفت لي الطبيبة نوعاً من العلاج المثبت للجنين؛ لئلا يتقلص الرحم بسبب هذا الكيس فيحصل الإسقاط، ولو لم آخذ العلاج فيحتمل تمام الحمل ويحتمل سقوطه. السؤال: هل يجوز لي ترك هذا العلاج؟ مع العلم أن هذا الكيس قد يزول من نفسه بلا علاج، والعلاج الموصوف ليس علاجاً للكيس وإنما مثبت للحمل.
الجواب
أرى أن تأخذ علاج هذا الكيس الدهني طالما كان الأمل في حصول السلامة به كبيراً، ولا يترك إلا إذا كان في تناوله ضرر عليك، أما هل تكون المرأة ضامنة لهذا الجنين وآثمة لو مات بعد نفخ الروح فيه؟ فلا يظهر لي ذلك؛ لأن التداوي من الأمور المظنون حصول الشفاء بها مندوب على الصحيح من أقوال أهل العلم، والله أعلم.(14/487)
عملية التجميل للمولود بمتلازمة داون
المجيب أ. د. محمد بن أحمد الصالح
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 17/3/1423
السؤال
الرجاء إفادتي بشأن جواز عمليات التجميل للأطفال المولودين بمتلازمة داون، علماً أن الحاجة لإجراء مثل هذه العمليات ليست احتجاجاً على خلق الله، ولكن هؤلاء الأطفال في بلادنا العربية يعاملون معاملة المتخلف عقلياً، مع أنه أثبت علمياً أنهم مؤهلون للعيش والمشاركة في المجتمع، ولكن نظراً لبعض الصفات الشكلية التي تميزهم يحكم عليهم قبل التعرف على قدراتهم، وينعكس هذا على نفسية الطفل، وبالتالي يحد من اكتسابه واندماجه مع المجتمع المحيط، أفيدوني أفادكم الله، إذا أجريت لطفلي هذه العملية لتعود عليه بالنفع في حياته دون أن أكون معترضة على إرادة الله.
الجواب
لقد كرّم الله الإنسان فخلقه في أحسن تقويم، قال -تعالى-:"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" [سورة التين:4] ، وقال -تعالى-: "يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك" [الانفطار:6] ، وفي الحديث: "اللهم حسنت خَلْقِي فحسن خُلقُي" رواه ابن حبان (959) ومسند أبي يعلى (5075) والطيالسي (374) .
وهذا الإنسان متى طرأ عليه ما يشوه خلقه بحريق أو حادث سيارة أو أي تشوه خلقي فله أن يزيل هذا التشوه، ويبذل قصارى جهده في التجمل والتجميل، وليس في هذا محظور شرعاً، وإنما المحظور أن يكون في التجميل تدليس وغش وخداع وتضليل.
وعليه فلك أيتها الأخت الحق في إجراء عملية أو عمليات تجميل حتى يزول ما في الطفل من وضع يسبب له أذى عضوياً أو نفسياً، كتب الله له الشفاء.(14/488)
التداوي بدم الحيوان
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 1/4/1423
السؤال
ما حكم التداوي بدم الحيوان؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
الجواب: أن دم الحيوان نجس ويحرم أكله وإن كان متحصلاً من حيوان مذكى يحل أكله، قال -تعالى-:"قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" [الأنعام:145] ، وفي الحديث:"تداوو عباد الله ولا تداووا بحرام ... " أبو داود (3874) ، لكن للضرورة يجوز أكله، أو نقله، أو التداوي به، فإذا توقف شفاء المريض أو الجريح وإنقاذ حياته على نقل الدم من آخر أو العلاج به ولا يوجد من المباح ما يقوم مقامه في شفائه أو إنقاذ حياته جاز ذلك.
وقد جاء في الفتاوى الهندية:"أنه يجوز شرب الدم والبول وأكل الميتة للتداوي إذا أخبره طبيب مسلم أن شفاءه فيه"، والله أعلم.(14/489)
ضوابط جراحة التجميل
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 18/4/1423
السؤال
أرجو أن تفيدنا في معرفة الضوابط الشرعية للجراحة التجميلية؟ وجزاكم الله عنا كل خير.
الجواب
تنقسم جراحة التجميل قسمين: القسم الأول: الجراحة التي يحتاج إليها الإنسان لوجود عيوب خلقية ولد بها الإنسان كالتصاق أصابع اليدين أو الرجلين، أو عيوب ناشئة عن الآفات المرضية التي تصيب الجسم كعيوب صيوان الأذن الناشئة عن مرض الزهري أو السل.
ويلحق بهذا القسم العيوب الطارئة على الجسم كالتشوهات الناشئة عن الحروق والحوادث، فهذه العيوب التي تصيب الجسم يتضرر بها الإنسان حساً ومعنى، وإصلاحها إنما هو من باب العلاج وليس فيه تغيير لخلق الله ولا تطلب زيادة الحسن، وإنما جاء الحسن تبعاً، وبالتالي فليس هناك حرج شرعي في إجراء العمليات الجراحية لإزالة هذه العيوب.
القسم الثاني: الجراحة التجميلية التي يقصد بها تحسين المظهر وتحقيق صورة أجمل وأحسن، ومن ذلك ما يسمى بعمليات تجديد الشباب، فيبدو المسن بعدها وكأنه في ريعان الشباب، ومن صور هذا القسم:
1-عمليات تجميل الأنف بتصغيره أو تغيير شكله عموماً.
2-تجميل الثديين بتصغيرهما إن كانا كبيرين، ونحو ذلك.
3-شد تجاعيد الوجه ليظهر صاحبه وكأنه أصغر بكثير من سنه الحقيقي.
والجراحة في هذا القسم مشتملة على تغيير خلقة الله، والعبث بها حسب أهواء الناس وشهواتهم، وبالتالي فيكون داخلاً في عموم قوله -سبحانه وتعالى- حكاية عن إبليس "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله" [النساء: 119] .
وكذلك فإن فاعله داخل في اللعن الوارد في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلعن المتنمصات، والمتفلجات للحسن اللاتي يغيرن خلق الله" رواه البخاري (5939) ومسلم (2125) .
والأدلة على حرمة هذا القسم قد ذُكرت في إجابة سابقة في هذا الموقع بعنوان (عملية تجميل الأنف)(14/490)
رفع الأجهزة عن المتوفى دماغياً
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 26/6/1423هـ
السؤال
ما حكم رفع الأجهزة التي توضع على المريض المتوفى دماغياً مما يؤدي في الغالب إلى وفاته؟ وهل هناك فتوى صادرة بذلك عن مجمع فقهي تجتمع فيه هيئة طبية مع هيئة شرعية بحيث تستوفى فيه جميع الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع المهم الذي يحتاج إلى دراسة؟
الجواب
نعم، هناك فتاوى صادرة من المجامع الفقهية تبين حكم رفع الأجهزة عن المرضى المتوفين دماغياً، ومن ذلك الفتوى الصادرة من المجلس الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة في 24/2/1408هـ ومفادها أن المجلس قد نظر في موضوع تقرير حصول الوفاة، بالعلامات الطبية القاطعة، وفي جواز رفع أجهزة الإنعاش عن المريض الموضوعة عليه في حالة العناية المركزة، واستعرض المجلس الآراء، والبيانات الطبية المقدمة شفهياً وخطياً من وزارة الصحة في المملكة العربية السعودية، ومن الأطباء الاختصاصيين، واطلع المجلس كذلك على قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، المنعقد في مدينة عمان العاصمة الأردنية رقم (5) في3/7/1986م، وبعد المداولة في هذا الموضوع من جميع جوانبه وملابساته، انتهى المجلس إلى القرار التالي:
المريض الذي ركبت على جسمه أجهزة الإنعاش يجوز رفعها إذا تعطلت جميع وظائف دماغه نهائياً، وقررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء، أن التعطل لا رجعة فيه، وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان آلياً، بفعل الأجهزة المركبة، لكن لا يحكم بموته شرعاً إلا إذا توقف التنفس والقلب، توقفاً تاماً بعد رفع هذه الأجهزة. أ. هـ.
وكان المؤتمر الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي قد أصدر قراره رقم 17 (5/3)
ومفاده: أن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة الأردن من 8-13 صفر 1407هـ /11-16 تشرين الأول (أكتوبر) 1986م، بعد التداول في سائر النواحي التي أثيرت حول موضوع أجهزة الإنعاش واستماعه إلى شرح مستفيض من الأطباء المختصين، قرر ما يلي: يعد شرعاً أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعا للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:
1) إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً وحكم الأطباء بأن هذه التوقف لا رجعة فيه.
2) إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل.
وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلا، لا يزال يعمل آليا بفعل الأجهزة المركبة. أ. هـ.
والفارق بين القرارين السابقين -كما يلاحظ- أن القرار الأول لا يحكم بموت المريض حتى يتوقف قلبه وتنفسه نهائياً بعد رفع الأجهزة، بينما ير ى القرار الثاني أن يعد المريض ميتاً شرعاً بتعطل جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً حتى وإن كان قلبه ينبض بفعل أجهزة الإنعاش، والله أعلم.(14/491)
جراحة تكبير الصدر
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 15/2/1425هـ
السؤال
أنا سيدة ملتزمة ومحجبة، عندي مشكلة أحرج منها كثيراً، وهي صغر حجم صدري، لدرجة أنه لا يوجد أي فرق بين حجم صدري وصدر زوجي، لذا أحرج حتى من تغيير ملابسي أمامه، أو أمام أي إنسان آخر، مع أني متزوجة منذ ست سنوات، فهل يوجد إثم إن أجريت جراحة تكبير الثدي؟ علماً أني لا أريد ذلك طلباً للحسن، ولكن لأشعر أني مثل باقي النساء؟. أفتوني، -جزاكم الله عن المسلمين كل خير-.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا كان الأمر كما ذكرته صاحبة السؤال من أن حجم ثديها صغير يوقعها في الحرج وهو غير طبيعي فلا حرج - إن شاء الله- من إجراء جراحة تكبير الثدي ليصبح كأثداء باقي النساء، بشرط ألا يكون في هذه الجراحة ضرر عليها في العاجل أو الآجل، والمعتبر قوله في هذه الحالة هو الطبيب الثقة، وإنما جازت هذه الجراحة في هذه الحالة؛ لأنها من باب العلاج، وفيها دفع للأذى، والضرر اللاحق بهذه المرأة من جراء صغر الثدي. والله أعلم.(14/492)
الطب النبوي لابن القيم
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 15/2/1425هـ
السؤال
ماذا تقولون في قراءة كتاب الطب النبوي لابن القيم الجوزية؟ لأنني سمعت أن معالجة الأمراض بالتمائم غير جائزة، لكن الكتاب المذكور يجيزها، إلى أي حد أصدق كتاب الطب النبوي؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن كتاب الطب النبوي لابن القيم من الكتب المفيدة في بابه، وقد جمع فيه أشياء وفوائد يندر وجودها في غيره. وابن القيم توسع في كتابه المذكور في تعداد الأدوية النبوية، ولم يلتزم في ذلك بما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإنما توسع في هذا الباب على اعتبار أنه ليس من الأحكام الشرعية، وليس كل ما فيه من العلاجات يسوغ الأخذ به، بل يؤخذ منه ويترك، ويسأل أهل الاختصاص عن ذلك. أما ما ذكره مما له علاقة بالرقية الشرعية فلا حرج في الأخذ به - إن شاء الله تعالى -؛ لأنها إن لم تنفع صاحبها لأمر قدره الله - تعالى - فلن تضره.
وقد اطلعت على الإشكال موضع السؤال فيما يتعلق بإباحة ابن القيم تعليق التمائم، والكلام ليس على إطلاقه؛ فكلامه - رحمه الله تعالى - ينصب على كتابة شيء من القرآن للتداوي به أو تعليقه، وهذه مسألة اختلف فيها العلماء - رحمهم الله تعالى -، ولم يعتن - رحمه الله - ببيان الحكم الشرعي هنا، وقد بسطه في غير ما موضع من كتبه، لعل أجمعها ما ذكره في زاد المعاد. ولم يتحدث - رحمه الله - عن التمائم الشركية في الكتاب المشار إليه، وإنما ذكر رأي بعض السلف في التداوي بالقرآن كتابة وتعليقاً. والتمائم وهو ما يسمى عند البعض بالحجاب أو الحرز أو الجامعة، وهو شيء يعلق بالعنق أو يربط بأي عضو من أعضاء الشخص؛ فإن كان من غير القرآن فهو محرم، بل شرك؛ لما رواه الإمام أحمد في مسنده (19498) ، وابن ماجة (3531) عن عمران بن حصين -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً في يده حلقة من صفر، فقال: "ما هذا؟ " قال: هذه من الواهنة، فقال: "انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا. وما رواه أحمد (16951) عن عقبة بن عامر عنه صلى الله عليه وسلم قال: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له" وفي رواية لأحمد (16969) "من تعلق تميمة فقد أشرك" وما رواه أحمد (3604) وأبو داود (3883) عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك". وإن كان ما علقه من آيات القرآن فالصحيح من قولي العلماء أنه ممنوع أيضاً؛ لثلاثة أمور:
الأول: عموم أحاديث النهي عن تعليق التمائم ولا مخصص لها.
الثاني: سد الذريعة فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك.
الثالث: أن ما علق من ذلك يكون عرضة للامتهان بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء والجماع ونحو ذلك.(14/493)
الاستشفاء بالقرآن
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 7/11/1422هـ
السؤال
عن الشفاء بالقرآن، فهل هو شفاء لمرض القلوب كالشرك، والنفاق، وغيرها، أم هو شفاء لأمراض عضوية كالصداع، وألم المفاصل؟ بل إني سمعت أن من يقرأ القرآن الكريم لا يصاب بسرطان.
الجواب
الحمد لله، قال - تعالى -:" وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً " [الإسراء: 82] وقال - سبحانه وتعالى -: " يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين " [يونس: 57] فأخبر الله - سبحانه وتعالى - أن القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين، ولا ريب أن المقصود الأول هو شفاء ما في الصدور من أمراض الجهل والشرك والكفر والنفاق والأخلاق الرديئة كالحسد والغش، ولكنه مع ذلك شفاء للأمراض العضوية كالصداع وسائر الأوجاع التي تعرض للبدن كما دلت على ذلك سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إذ قيد الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " لا رقية إلا من عين أو حُمَة " رواه البخاري (5705) ومسلم (220) وقوله للذي رقى اللديغ بسورة الفاتحة: " وما أدراك أنها رقية " رواه البخاري (2276) ومسلم (2201) وقال - صلى الله عليه وسلم -: " لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً " رواه مسلم (2200) وأبو داود (3886) واللفظ له.
والرقى تكون بالقرآن وبالأدعية المشروعة، وأما القول بأن من يقرأ القرآن لا يصيبه السرطان فهذا لا نجزم بنفيه ولا إثباته، لكن يرجى أن تكون الرقية بالقرآن سبباً للشفاء من السرطان فلا نقول إن ذلك حتمي، بل السرطان مرض من الأمراض التي تعرض للإنسان من صالح وطالح فالعوارض الطبيعية تعرض لسائر الناس من المؤمنين والكفار، ولكنها تكون للمسلم كفارة لذنوبه وسبباً في تعريضه للأجر بقدره، فأمر المؤمن كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن، كما أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم (2999) . والله أعلم.(14/494)
علاج المصاب بمرض الشهوة
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 26/11/1422
السؤال
أخرت الزواج إلى أن ناهزت الخامسة والثلاثين، حيث كنت في ضياع وتخبط في الحياة من تناول مسكرات بسبب الإصابة بمرض الاكتئاب النفسي المزمن الذي لا يوجد له علاج، وبعد أن هداني الله للالتزام قررت الزواج فتزوجت وأنا الآن مصاب بمرض الشهوة أو ما يسمونه الشبق الجنسي، وعاجز عن الزواج بأخرى وأعيش في وهم دائم وسعير لا ينطفئ لدرجة تمني الموت أحياناً، والاستفتاء هو: هل هذا المرض الذي مقته الله في كتابه بقوله: " فيطمع الذي في قلبه مرض "؟ هل يجوز لي الاحتساب واعتباره من البلاء أم هو من الأمراض التي تدل على فساد صاحبها وخبث نفسه وقلة دينه؟
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
فأهنئك أولاً بتوفيق الله لك حيث نزعت مما كنت فيه من ضياع وتخبط، فإن نعمة الهداية هي أعظم نعم الله على العبد، فهنيئاً لك نعيم الهداية الذي وفقك الله إليه.
ثم أهنئك بزواجك، وأسأل الله - عز وجل - أن يبارك لك في زوجتك وأن يبارك لها فيك وأن يجعلها معونة على طاعته، وأن يوفقكم جميعاً لما يحبه ويرضاه، وقد أحسنت في إقدامك على هذه الخطوة المباركة وهي الزواج، فإنه من أعظم العون على الاستقامة.
وأما ما ذكرته مما تتصوره مرضاً فإن علاجه هو الزواج بأخرى، فإن لم تستطع فعليك بمراجعة الأطباء في صرف بعض المهدئات لحالتك، مع الاستعانة بالصوم والتعبد وإشغال الوقت بالأعمال المهمة التي تستنزف طاقتك وتوسيع علاقتك بالأخيار والصالحين والمشاركة في الأعمال الاجتماعية والإغاثية والدعوية.
وعليك أن تعلم أن هذا الذي تعانيه ليس هو المذكور في قوله -تعالى-:" فيطمع الذي في قلبه مرض " [الأحزاب: 32] فإن المرض المذكور هنا هو مرض النفاق أو الفسق وابتغاء فعل الفاحشة، كما ذكر ذلك الطبري في تفسير هذه الآية، كما أن ما أحسست به ليس من الأمراض التي تدل على فساد صاحبها وخبث نفسه وقلة دينه كما ذكرت، ولكنها أمراض جسدية تعرض للناس صالحهم وطالحهم، ولكن يختلف تعامل كلٍ منهم مع هذا المرض بحسب التزامه بدين الله - عز وجل-.
وفقك الله وبارك فيك.(14/495)
هل هذه رقية شرعية؟
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 15/12/1422
السؤال
أود السؤال عن موضوع لم يحير عائلة، بل عائلات الحي، وهو عن الطب الروحي. تعرفنا على رجل قد درس الدكتوراه في الشريعة، ويقول: إنه يعالج الأرواح ويطردها، وذلك بذكر الله - عز وجل -، واستخدام البخور، وغذاء ملكات النحل. أنا لا أشك فيه، ولكن لست مقتنعة بهذه الأحاديث.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد: فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتداوي بالمباح والمشروع، فقال: " إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام " رواه أبو داود (3874) من حديث أبي الدرداء-رضي الله عنه-، وأكد النهي عن التداوي بغير المباح، وأنه لا شفاء فيه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " رواه البخاري تعليقاً كتاب الأشربة، باب: شراب الحلواء والعسل، ورواه الحاكم (8310) انظر الفتح (1/339) و (10/78) ، ويشمل ذلك التداوي من الأمراض النفسية والجسدية، والأدوية على نوعين: أدوية شرعية: وهي ما ورد التداوي بها في كتاب الله - عز وجل- أو في سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ومنها: الرقى الشرعية بالقرآن الكريم، أو بما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الرقية به، ومنها: بعض الأدوية كالعسل والحبة السوداء والكمأة ونحوها، ومنها: الحمية، والحجامة، وغيرها.
والنوع الآخر: الأدوية الطبيعية، وهي ما ثبت بعلم الطب والتجارب نفعه -بإذن الله-، ومنها: الأدوية الكيميائية والأعشاب ونحوها.
وكثير من الدجاجلة والمشعوذين يظهرون الصلاح، وقد يذكرون الله - تعالى -، ويقرؤون بعض الآيات، ويزعمون أنهم يعالجون بالرقية الشرعية، وهم في الحقيقة يستعينون بالجن والشياطين، لذلك يجب الحذر الشديد من الذهاب إلى هؤلاء والتداوي عندهم، وألا يتداوى الإنسان إلا عند من عرفت حقيقته بسلامة المعتقد والبعد عن مواطن الريبة.
وما ذكرته السائلة عن هذا المعالج لا يكفي في الجزم ببيان حاله، ولا يكفي في سلامة علاجه أنه يحمل شهادة الدكتوراه في الشريعة، أما العلاج بذكر الله فلا شك أن القرآن شفاء للناس، لكن ليس كل ذكر يعد علاجاً، بل بعضها أذكار بدعية لا يجوز الذكر بها فضلاً عن التداوي بها، وما ذكرته من أنه يعالج بغذاء ملكات النحل، فهذا مما يتداوى به خاصة من الأمراض العضوية (الجسدية) .
أما استخدام البخور فهذا لا نعلمه علاجاً شرعياً ولا طبيعياً -والله أعلم-، بل هو معروف عن الدجاجلة والمشعوذين الذي يزعمون أنهم يستحضرون الأرواح، ويستعينون بالجن في ذلك.
والذي أنصح به الأخت السائلة أن تبتعد عن هذا المعالج، وعليها أن توصي هذه المريضة بأن ترقي نفسها بالقرآن الكريم، وأن تلتزم الأوراد الشرعية، ولا بأس إن وجد أحد العلماء القراء المعروفين بالصلاح وسلامة العقيدة (وليس بالشهادة!) أن يقرأ عليها ويرقيها الرقية الشرعية. أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيها وسائر مرضى المسلمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(14/496)
حكم التداوي
المجيب أ. د. حسين بن خلف الجبوري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 2/2/1423
السؤال
ما حكم ترك التداوي من الأمراض بالدواء والذهاب إلى الأطباء؟ وما صحة حديث المرأة التي كانت تصرع فطلبت من الرسول -صلى الله عليه وسلم- الدعاء فقال لها: اصبري ولك الجنة؟ فهل في ترك التداوي بالدعاء والرقية فضل مثل دعاء أيوب -عليه السلام-؟
الجواب
لقد أباح الرسول -صلى الله عليه وسلم- التداوي من الأمراض، إذ جاء عن أسامة بن شريك قال: "جاء أعرابي فقال يا رسول الله أنتداوى؟ قال: نعم، فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله" رواه أحمد (18456) وفي لفظ" قالت الأعراب: يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: نعم يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو قال دواء إلا داء واحداً، قالوا يا رسول الله: وما هو؟ قال: الهرم"، رواه ابن ماجه (3436) وأبو داود (3855) والترمذي (2038) واللفظ له وصححه.
وهناك أحاديث كثيرة في هذا المعنى، فالتداوي من الأمراض من الأمور المباحة، بل قد يكون واجباً على المسلم في كثير من الحالات، إذ المرض يضعف الجسم ويستنفذ القوة بينما المطلوب من المسلم أن يكون قوياً ليتمكن من أداء العبادات وغيرها من الواجبات الأخرى.
أما حديث المرأة التي كانت تصرع فهو حديث صحيح رواه البخاري (5652) ومسلم (2576) وغيرهما من أصحاب السنن، أما ترك التداوي واللجوء إلى الدعاء والرقية وعلى أن ذلك أفضل فأقول: الفضل هذا أمر نسبي يختلف من شخص إلى آخر ومن مرض إلى آخر، ولكني أقول: التداوي مطلوب شرعاً في كثير من الأمراض، ومن أراد أن يصبر وهو قادر على ذلك فهذا جائز وله أجر الصبر والتحمل، ومن أراد اللجوء إلى الدعاء بدلاً من التداوي فله ذلك بشرطين:
الأول: صدق القصد عند المريض.
الثاني: من جهة المداوي وهو توجه قلبه إلى الله، والتوكل عليه حق التوكل.(14/497)
حكم تناول الأدوية التي تحتوي على نسبة من الكحول
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 13/1/1423
السؤال
ما حكم تناول علاج للسعال يحتوي الكحول، علماً أن معظم علاج السعال يحتوي الكحول؟
الجواب
يجوز شرب علاج السعال وإن كان فيه نسبة من الكحول المحرمة في الأصل، لاسيما أن نسبتها ليست كبيرة، وعامة الأدوية تدخل الكحول في تركيباتها، واستخدام مثل هذا الشراب جائز من باب الضرورة الشرعية المعتبرة، والأحاديث الناهية عن شرب الخمر (الكحول) إنما جاءت لتحريمها لذات الشرب بغرض الإسكار لا لغرض العلاج، وقد أفتى بجواز مثل هذه الحالة جمع غفير من العلماء، وعدد من المجامع العلمية الفقهية، وفق الله الجميع إلى كل خير.(14/498)
عمليات التجميل
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 8/3/1423
السؤال
ما حكم عمليات التجميل للنساء، مثل: إزالة ترهلات البطن أو الصدر، خاصة عقب تكرار الولادة للمرأة؟
الجواب
يظهر لي أنه لا مانع من عمليات التجميل لإزالة العيوب إذا لم يحصل من تلك العمليات ضرر، ولقد أذن النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن قطعت أنفه في إحدى الغزوات أن يتخذ أنفاً من ذهب، فما كان لإزالة عيب فلا بأس به، مثل أن يكون في الأنف اعوجاج فيعدل، أو إزالة بقعة سواد مثلاً، أو مثل ما ذكر في السؤال، ونحو ذلك، أما لغير إزالة العيب كالوشم والنمص مثلاً فغير جائز.(14/499)
نقل قرنية الميت للحي
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 13/5/1424هـ
السؤال
يوجد أخ تضرر في عينيه ضرراً بالغاً، ولا حل له إلا نقل قرنية من ميت، فهل يجوز له؟
جزاكم الله خيراً، وبارك فيكم.
الجواب
لا بأس بنقل القرنية من الميت إلى الحي على أرجح قولي العلماء، إذا كان الحي مضطراً إليها كما هو وارد في السؤال، بشرط أن يغلب على الظن نجاح عملية زرعها، ما لم يمنع أولياؤه ذلك، بقاء على قاعدة تحقيق أعلى المصلحتين وارتكاب أخف الضررين، وإيثار مصلحة الحي على الميت، فإنه يرجى للحي الإبصار بعد عدمه، ولا يفوت على الميت الذي أخذت قرنية عينه شيء، فإن عينه إلى الدمار والتحول إلى رفات، وإلى الحكم السابق أشار قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في الدورة الثالثة عشرة بتاريخ 25/10/1398هـ والله أعلم.(14/500)
هل الحجامة سنة؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 3/8/1424هـ
السؤال
ما حكم الحجامة؟ وهل نستطيع القول بأنها سنة؟ بدليل فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لها، أليس بعض أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نستطيع حملها على السنية؟.
الجواب
الحجامة جائزة، ولا نقول إنها سنة، وإنما نقول: إنها علاج نبوي لمن احتاج إليها.(14/501)
استعمال الحبوب المنشطة جنسياً
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 8/6/1424هـ
السؤال
هل يجوز استعمال الحبوب المنشطة في الممارسة الجنسية؟ وهل هناك أضرار فيها؟ مثلا هل هي مثل الدخان تدخل في الآية "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"؟ أرجو التوضيح والتفصيل، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن حكم تناول هذه الحبوب المنشطة يتوقف على رأي الأطباء، فإذا ثبت لديهم ضررها فلا يجوز تناولها؛ لقوله تعالى: "وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" [البقرة: من الآية195] ، وإلا فلا بأس بأكلها.
وغير الطبيب لا يعتد بقوله في إثبات ضررها أو عدمه، لأن المسألة مسألة طبية صرفة، لا تعرف إلا بأدوات الطب، اللهم إلا إذا كان ضررها بيناً جلياً ملموساً للناس عامة.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(14/502)
التداوي أم الرقية أم الصبر؟
المجيب د. علي بن عبد الله الجمعة
رئيس قسم السنة وعلومها بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 25/3/1424هـ
السؤال
أعمل طبيباً، أصبت بدوخة منذ ثلاث سنوات مستمرة معي، أجريت فحوصات طبية فلم أجد سبباً، قال لي صديق يعالج بالقرآن إنه مس من الشيطان، علماً أنني أحفظ القرآن حفظاً جيداً، وأحفظه لغيري، تزيد علي الدوخة في صلوات الجماعة، علماً بأنني أحافظ على الصلوات الخمس بالمسجد، وأحب أن أسأل:
هل الدعاء وحده يكفي؟ وهل يتعارض مع الصبر والرضا بقضاء الله؟
كيف أرقي نفسي أم أجعل غيري يرقيني.
كيف أكون فعلاً من الصابرين الذين يوفون أجورهم بغير حساب؟
ألا ترد قراءتي للقرآن كيد أي شيطان عني؟ أم هو ابتلاء من الله وعلي الصبر؟
هل ترك التداوي فيه مخالفة شرعية؟ (علماً أنني أجريت كثيراً من الفحوصات ولم أجد شيئاً، وأفكر في ترك المتابعة الطبية بعد أن سئمت منها) .
هل كتمان الأمر وقصر الشكوى على الله فقط فيها مخالفة شرعية؟
هذه الدوخة تزيد عندي عند فعل الطاعات فماذا أفعل؟
هل التداوي أفضل أم تركه والصبر أفضل؟
هل المعاصي التي نرتكبها أحياناً تكون سببا؟
هل هناك كتب تنصحني بقراءتها في هذا الأمر؟.
الجواب
بسم الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
يذكر السائل أنه تصيبه دوخة عند الصلاة، وعندما يمارس الطاعات، مع أنه حافظ للقرآن، ويحفظه لغيره، فعولج كثيراً عند الأطباء ولم يحصل على نتيجة، وأنه قيل له إن بك مساً، فجوابنا ما يلي:(14/503)
إن تلبس الجن بالإنس حق لامرية فيه، وقد ذكر في الكتاب والسنة، ومن ذلك قول الله تعال: "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ" [البقرة: من الآية275] ، ويقرأ على المصاب القرآن فيخرج الجني بإذن الله، وإخراجه يحتاج إلى قارئ مخلص لله، مستعين به، ثابت الجنان، ذي شخصية قوية، وللإنسان أن يقرأ على نفسه فينفث في يديه ثم يمررهما على جميع جسده، أو يقرأ عليه غيره، كما رقى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند مسلم في صحيحه (2185، 2186) ، من حديث أبي سعيد وعائشة - رضي الله عنهما- وكره بعضهم أن يطلب المصاب القراءة من غيره، لما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب "الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتون، وعلى ربهم يتوكلون"رواه البخاري (5705) ، ومسلم (220) ، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- وكما يرفع البلاء بالقرآن، يرفع أيضاً بالدعاء، واللجوء إلى الله عز وجل والتضرع إليه، والرغبة إليه، والإلحاح عليه بقلب حاضر مقبل على ربه جل وعلا، محسن الظن به، مع انتفاء الموانع، وتحين أوقات الإجابة، ووجود أسبابها، فإنه حري أن يرفع البلاء بذلك بإذن الله، والتداوي بالعلاجات الطبية والدعاء لكشف الضر ورفع البلاء لا يتعارضان مع الصبر والرضا بالقضاء والقدر، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بالتداوي بقوله - صلى الله عليه وسلم - "تداووا عباد الله، فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء" رواه أبو داود (3855) ، وابن ماجة (3436) من حديث أسامة بن شريك - رضي الله عنه-، وأمرنا ربنا جل وعلا بدعائه والتضرع إليه، ودعاؤنا له عبادة له، لأن في الدعاء إظهار الحاجة، والافتقار إليه جل وعلا، قال تعالى: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" [غافر: 60] ، وهو الذي أمرنا بالصبر، ووعدنا بالجزاء عليه، قال تعالى: "وبشر الصابرين الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" [البقرة: 155-156] ، فالصبر هنا الموعود عليه الجزاء هو حبس النفس عن الجزع والتسخط، والرضا بالقضاء والقدر، مع فعل الأسباب الرافعة للبلاء أو المخففة منه، إذ إن كل ذلك بقضاء وقدر، وبهذا يكون المسلم من الصابرين الذين يوفون أجورهم بغير حساب، ويذكر السائل أنه عند قراءته للقرآن يحصل لديه تشويش وقلق يؤثر على مزاجه، فلا يرتاح لقراءة القرآن، نقول له: عليك أن تستعين بالله عز وجل وتكثر من قراءة القرآن، ولا تلتفت إلى وساس الشيطان وكيده، وعليك الصبر والاحتساب، فإن ذلك من الابتلاء، ويبتلى المرء على قدر إيمانه، وأكثر من الذكر فإن الشيطان ينخنس حتى يكون كالذباب، ثم اعلم يا أخي شفاك الله أنك مأجور، ويبتلى المرء على قدر إيمانه، ويسأل السائل ويقول: هل التداوي شرعي فأقول: إن التداوي شرعي، حيث أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به لقوله - صلى الله عليه وسلم - "تداووا عباد الله"، وقال - صلى(14/504)
الله عليه وسلم - "ما أنزل الله داءًَ إلا قد أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله" رواه أحمد (3578) ، وابن ماجة (3436) ، من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه-، والتداوي لا ينافي التوكل، فالتداوي فعل سبب لا يلزم تحقق المسبب، ولا يعلق عليه جزماً حصول الشفاء، والتداوي أفضل من ترك التداوي لأن الشفاء تحصل به الصحة والعافية، ويستطيع المصاب أن يقوم بوظائفه الشرعية، بخلاف ما إذا كان مريضاً، ويسأل السائل هل كتمان البلاء أفضل أو إعلانه أفضل؟ فالجواب: أن الذي يملك الضر والنفع هو الله عز وجل، ولكن يختلف الأمر باختلاف الدوافع، فإن كان رفع الشكوى تشكياً وتحسراً وعدم صبر فهو محرم ولا يجوز، لأن عرض الأمر على من لا يقدر على رفعه تحسر وظلم، ولأنه طلب للشفاء ورفع البلاء ممن لا يملكه ولا يقدر عليه، بالإضافة إلى أنه لوم لله على قضائه وقدره، وإن كان رفع الشكوى وعرض أوصاف المرض لطلب العلاج أو على الطبيب فهذا لا بأس به، حيث لا يتم التعرف على نوع المرض الذي يحدد به نوعية العلاج إلا بذلك، والواجب عليك يا أخي: أن تتضرع بالصبر وتتحلى به، فإنه حلية المؤمن، وإن عرض لك شيء يضايقك عند فعل الطاعات فإن ذلك من الشيطان فاستعذ بالله منه، والجأ إلى ربك، واعلم يا أخي أن كل ما أصابنا مما يكدر علينا حياتنا في أنفسنا أو أموالنا أو أولادنا أو أزواجنا أو صديقنا إنما هو بسبب ذنوبنا، وما كسبته أيدينا، قال تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" [الشورى: 30] ، وأنا أنصحك بقراءة الكتب التي تخص بالصبر والاحتساب، فمثلاً: الاستقامة لابن تيمية (2/271) ، تكاليف القلب السليم / لمحمد العلي، الروح/ لابن القيم، زاد المريض والمبتلي لزهير الزميلي، الصبر الجميل لسليم الهلالي، صيد الخاطر لابن الجوزي، عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن القيم الجوزية، غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب للسفاريني، مدارج السالكين لابن القيم، وموارد الظمآن لدروس الزمان لعبد العزيز السلمان، وغير ذلك من الكتب، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.(14/505)
مرور الصحيح على أماكن الوباء
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 11/4/1424هـ
السؤال
أنا في أمريكا، أريد أن أعود إلى الإمارات، ولكن يجب علي أن أمر بمدينة هونج كونج، فهل يحرم علي ذلك بسبب المرض المنتشر في هونج كونج؟ وهل يعتبر هذا المرض وباء في نظر الشرع؟.
الجواب
من خرج من أرض انتشر فيها وباء لغير الفرار بل لعارض كالتجارة أو العمل المعتاد، أو لكونه ماراً بها؛ فلا بأس (إذا أمِنَ من نقل العدوى بحمله للمرض) ، حيث جاء في حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - مرفوعاً: "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فراراً" متفق عليه عند البخاري (5728) ، ومسلم (2218) .
فالمنهي عنه الخروج عنها فراراً من المرض، أما دخول الأرض المصابة بالوباء؛ فالأصل المنع منه إلا للحاجة، كمن لم يستطع السفر إلا بالمرور بتلك الأرض وكان محتاجاً للانتقال.
والطاعون كل مرض عام ينتشر في جهة من الأرض، ولذا فإن الظاهر أن المرض المسؤول عنه نوع من الطاعون، والله أعلم.(14/506)
التداوي بدم "الضب"
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 12/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم الشرع في التداوي للعلاج من الأمراض السرطانية بدم حيوان صحراوي اسمه في بلادنا الضب، وهو نوع من الزواحف، حيث يتم ذبحه وأخذ دمه وخلطه بالعصير وشربه، حيث إنه قد تم تجريبه من العديد من الناس، وفعلا قد شفوا بمشيئة الله، مع العلم أن الله قد حرم علينا الدم والميتة ولحم الخنزير، فما الحكم في ذلك؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: أنني لا أرى جواز التداوي بالدم المسفوح بشربه أو أكله، ذلك أن دم الحيوان نجس يحرم أكله حتى وإن كان متحصلاً من حيوان مذكى يحل أكله، لقوله تعالى: "قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" [الأنعام:145] ، والحكمة من تحريم أكل الدم المسفوح والله أعلم أنه يحمل الفضلات وعوامل خطيرة ومواد أخرى قد تسبب للإنسان ضرراً بالغاً، هذا وقد روى مسلم (1984) ، وغيره عن وائل الحضرمي أن طارق بن سويد - رضي الله عنه - سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر؟ فنهاه أو كره أن يصنعها فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: "إنه ليس بدواء، ولكنه داء "، وعن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/5) وابن حبان في صحيحه (1391) ، هذا وليعلم أن شرب الدم المسفوح يختلف حكمه عن نقل الدم.(14/507)
التداوي بدم الضب
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 07/04/1425هـ
السؤال
ما حكم العلاج بدم الضب؟ وذلك بوضعه على موضع المرض وليس بالشرب؟ وشكراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، وبعد:
فإن الضب إذا ذكي وخرج منه الدم، فإنه إما أن يكون مسفوحاً وهو ما سال عند الذبح أو غير مسفوح. فإن كان الدم غير مسفوح وهو الدم الباقي في العروق، فهو طاهر يجوز طبخه مع اللحم وأكله؛ كالكبد والطحال، وكذا التداوي به من باب أولى. أما المسفوح فإنه يحرم أكله وشربه، لأنه نجس، وقد قال تعالى: "قل لا أجد في ما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس.." [الأنعام:145] ، فأما التداوي به في غير الأكل والشرب، كوضعه على موضع المرض في ظاهر البدن، فإنه جائز على الصحيح، وقيده شيخ الإسلام ابن تيمة - رحمه الله- بالحاجة كما في مجموع الفتاوى (24/270) ، ومن ذلك التداوي به، حيث قال: (وأما التداوي بأكل لحم أو شحم الخنزير فلا يجوز. وأما التداوي بالتلطخ به، ثم يغسله بعد ذلك، فهذا ينبني على جواز مباشرة النجاسة في غير الصلاة، وفيه نزاع مشهور، والصحيح أنه يجوز للحاجة، كما يجوز استنجاء الرجل بيده، وإزالة النجاسة بيده، وما أبيح للحاجة جاز التداوي به كما يجوز التداوي بلبس الحرير على أصح القولين ... ) اهـ. والله أعلم.(14/508)
هل أصبر وأحتسب أم أدعو وأتداوى؟
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 22/10/1425هـ
السؤال
أنا مريض بمرض يهدد حياتي ومستقبلي؛ لأنه مرض يهدد وظائف ونشاط الدماغ، ويستنزف طاقتي الفكرية، فهل أصبر عليه وأحتسب، لما في ذلك من الأجر العظيم، أم أتعالج؟ فقد أغراني حديث المرأة التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم- وهي تصرع، فقال صلى الله عليه وسلم: "أتصبرين ولك الجنة؟ " ففضلت الصبر.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فأسأل الله تعالى- العظيم أن يشفيك ويعافيك، إنه سميع مجيب.
ونصيحتي لك أيها الأخ المبتلى أن تسعى في بذل الأسباب الروحية والمادية من أجل صحتك وعافيتك، فاحرص على الرقية بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية، وابذل قصارى جهدك في المعالجة عند طبيب ماهر، وليكن تعلقك قويًّا بالله عز وجل، فهو مسبب الأسباب وبيده الشفاء، وأَلِحَّ بالدعاء على ربك الرحيم الودود، فإنه مجيب لمن أدام قرع الباب، ولا تتأخر في معالجة نفسك، فقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم- أمته بالتداوي عند الحاجة، فقال: "يا عبادَ اللهِ تَدَاوَوْا، ولا تَدَاوَوْا بحرامٍ؛ فإنَّ اللهَ لم يُنْزِلْ داءً إلاَّ أنزَل له دَوَاءً". أخرجه أبو داود (3855) ، والترمذي (2038) ، وابن ماجة (3436) . وقال الترمذي في سننه (4/383) : هذا حديث حسن صحيح. ا. هـ، وقال عليه الصلاة والسلام: "الشِّفاءُ في ثلاثةٍ: في شَرْبَةِ عَسَلٍ....". الحديث رواه البخاري (5680) من حديث ابن عباس، رضي الله عنهما. واحتجم صلى الله عليه وسلم وقال: "إنَّ أفضلَ مَا تَدَاوَيْتُم بِهِ الحجَامَةُ". رواه البخاري (5696) ومسلم (1577) ، من حديث أنس، رضي الله عنه. وفي الحديث الآخر، عنه، صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الكَمْأَةُ مِن المَنِّ، ومَاؤها شفاءٌ للعينِ". رواه البخاري (4478) ، ومسلم (2049) ، عن سعيد بن زيد، رضي الله عنه، ورقى النبي صلى الله عليه وسلم- نفسه، ورقى أصحابه، رضي الله عنهم، وأمرهم بالرقية. انظر ما رواه البخاري (5016) ومسلم (2192) ، من حديث عائشة، رضي الله عنها، وكان يعوِّذ الحسن والحسين، رضي الله عنهما، ويسترقي لهما. انظر ما رواه البخاري (3371) ، من حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، وأمر عامر بن ربيعة بالاغتسال لسهيل بن حنيف من العين. انظر ما رواه ابن ماجة (3509) وأحمد (15550) ، عن أسعد بن حنيف، رضي الله عنه، وقد شكا عثمان بن أبي العاص الثقفي، رضي الله عنه، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضَعْ يَدَكَ علَى الذي تَأْلَمُهُ مِن جَسَدِكَ، وقُلْ: بِاسْمِ اللهِ. ثلاثًا، وقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ باللهِ وقُدْرتِهِ مِن شَرِّ مَا أَجِدُ وأُحَاذِرُ". رواه مسلم (2202) . وعند الترمذي (2080) وغيره قال له- صلى الله عليه وسلم: "امْسَحْ بيمينِك سبعَ مرَّاتٍ وقُلْ: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللهِ وقُدرتِهِ وسُلْطانِه مِن شَرِّ مَا أَجِدُ". قال عثمان بن أبي العاص، رضي الله عنه: ففعلت فأذهب الله ما كان بي، فلم أَزَلْ آمُرُ به أهلي وغيرهم.(14/509)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِن عَبْدٍ يقولُ في صباحِ كلِّ يومٍ ومساءِ كلِّ ليلةٍ: باسمِ اللهِ الذي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ، وهُو السميعُ العليمُ. ثلاثَ مراتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شيءٌ". رواه الترمذي (3388) وابن ماجة (3869) ، عن عثمان بن عفان، رضي الله عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن تَصَبَّحْ بِسَبْعِ تمراتٍ عَجْوةٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذلك اليومَ سُمٌّ ولا سِحْرٌ". رواه البخاري (5445) ومسلم (2047) ، من حديث سعد بن أبي وقاص. وكوَى النبي صلى الله عليه وسلم- سعد بن معاذ، رضي الله عنه. انظر ما رواه مسلم (2208) ، من حديث جابر، رضي الله عنه ... إلخ. كما ورد في السنة من نحو هذا ... وأما الحديث الذي أشار إليه السائل: "إنْ شِئْتِ صَبَرتِ ولكِ الجنَّةُ ... ". فقد رواه البخاري (5652) ومسلم (2576) ، وهو دليل، كما قال الشوكاني في النيل (9/93) ، على أن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة - لمن احتسب ذلك- وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة، ولم يضعف عن التزام الشدة ... ولكن لا أنصح لمن هو في مثل حالك أن يأخذ بجانب الشدة؛ لأمور، منها:
أولاً: لأن مرضك- كما ذكرت- يهدد وظائف رئيسية في بدنك، وربما أفضى ذلك كما تقول إلى تهديد حياتك، وهذا بخلاف المرض الذي لا يؤدي إلى شيء من ذلك، كما في حديث المرأة التي تصرع، مع ما فيه من شدة وألم- أعاذنا الله منه.
ثانيًا: أن تلك المرأة الصحابية الجليلة، رضي الله عنها، قد ضمن لها النبي صلى الله عليه وسلم- الجنة بصبرها على ذلك المرض، وأيُّنا يضمن ذلك لنفسه، ونحن المقصرون المذنبون؟!(14/510)
ثالثًا: أن المسلم المعافى ربما عمل في حال الصحة، من البر والخير والمعروف، وتحصيل العلم النافع، ونحو ذلك من الأعمال المتعدية، ربما عمل في هذه الحال ما لا يمكن أن يقوم به في حال المرض، لاسيما وأنه ربما لا يصبر على معاناة المرض، وربما حمله ذلك على التسخُّط والجزَع، فيقع فيما لا تحمد عقباه، ونظير هذا: التصدق بجميع المال، فإنه لا يستحب إلا لمن يصبر على الضيق والفقر، ولهذا قبِل النبي صلى الله عليه وسلم- صدقة أبي بكر، رضي الله عنه، حين جاء بماله كله. انظر ما رواه الترمذي (3675) وأبو داود (1678) ، من حديث عمر، رضي الله عنه، ولما جاءه رجل بمثل البيضة من الذهب، وقال: يا رسول الله، خُذْ هذه مني صدقةً، فواللهِ ما أصبَح لي مالٌ غيرها. أعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه من الشق الثاني فأعرض عنه، ثم جاءه من قبل وجهه، فأخذها منه، فحذفه بها حذفةً، لو أصابه عقره، أو أوجعه، ثم قال عليه الصلاة والسلام: "يَأْتِي أحدُكُمْ إلى جميعِ مَا يَمْلِكُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، ثم يَقْعُدُ يَتَكَفَّفُ النَّاسُ! ". ثم قال: "إنَّمَا الصدقةُ عَن ظَهْرِ غِنًى". أخرجه ابن حبان في صحيحه (8/165) . ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم- لكعب بن مالك، رضي الله عنه، حين قال له: إنَّ مِن توبتي أنْ أَنخَلِعَ مِن مالي. فقال له عليه الصلاة والسلام: "أَمْسِكْ عليكَ بعضَ مالِكَ فهُو خَيْرٌ لَكَ". متفق عليه عند البخاري (2758) ومسلم (2769) . قال في عمدة القاري (8/294) : وإنما منع النبي صلى الله عليه وسلم- كعبًا، رضي الله عنه، عن صرف كل ماله، ولم يمنع أبا بكر، رضي الله عنه، عن ذلك؛ لأنه كان شديد الصبر، قوي التوكل، وكعب لم يكن مثله. اهـ. فعليك يا أخي الكريم- برخصة الله لك، واستعن بالله، وفضل الله واسع، والله ذو الفضل العظيم. والله أعلم.(14/511)
التداوي بحليب المرأة
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 25/7/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: هل يجوز التداوي بحليب المرأة شرباً، لأني قرأت بعض الكتب تتحدث عن فائدته خاصة لعلاج القرحة والسل، وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب
إذا كان المقصود بالسؤال حليب المرأة (أي واحدة النساء) جاز شربه للتداوي، لأن الأصل في المطعوم والمشروب الإباحة، إلا ما دل الدليل على خلاف ذلك.
لكن إن كان الشارب لهذا اللبن دون الحولين فهذا الشرب يعد رضاعاً شرعياً ينشر الحرمة ويكون المرتضع ابناً لهذه المرأة ولزوجها الذي جاء منه اللبن وأولادها وأولادهم إخوة لهذا المرتضع لحديث: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" رواه البخاري (2645) ، ومسلم (1447) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أما إذا كان عُمْر الشارب لهذا الحليب فوق الحولين فلا ينشر الحرمة ولا يكون رضاعاً معتبراً، وهذا على قول أكثر أهل العلم؛ لقوله تعالى: "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ" [البقرة: من الآية233] ، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام"، رواه الترمذي (1152) وقال: حديث حسن صحيح.
وذهب ابن تيمية - رحمه الله - إلى أنه ينشر الحرمة بعد الحولين إذا كان هناك حاجة بأن يكون هذا المرتضع قد تربى في البيت من صغره، ويشق الاحتجاب منه كما في صحيح مسلم (1453) عن عائشة - رضي الله عنها - أن سالماً مولى أبي حذيفة - رضي الله عنهما - كان مع أبي حذيفة وأهله في بيتهم، فأتت سهيلة بنت سهيل - رضي الله عنها - النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن سالماً قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقل ما عقلوا وإنه يدخل علينا، وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة - رضي الله عنه - من ذلك شيئاً، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - "أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة" فرجعت، فقالت: إني قد أرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة - رضي الله عنه - والقول الأول أرجح.
ويشترط أن يكون الرضاع خمس رضعات، فإن رضع الطفل أقل من الخمس فلا يكون رضاعاً محرماً؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهنَّ فيما يقرأ من القرآن " رواه مسلم (1452) ، والله أعلم.(15/1)
بيع الكلى وشراؤها
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 25/1/1425هـ
السؤال
أعرف شخصاً مسلماً يعرف الله، أصابه الله بفشل كلوي، وقد سبق وأن أخذ من أخيه كلية، ولكن فشلت وأقر الأطباء أنه لا بد وأن يزرع أخرى لكي يعيش، علماً بأنه يُجري غسيلاً في كل يومين مرة، ولا أحد من أقربائه يستطيع، وهو يسأل هل جائز شرعاً أن يشتري كلية أو لا؟ أرجو الإفادة. جزاك الله كل خير.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، وبعد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإنه لا حرج في نقل عضو إنسان إلى إنسان آخر مع الضرورة أو الحاجة الشديدة إلى ذلك، كما في نقل الكلية من إنسان حي إلى إنسان مصاب بفشل كلوي، وهذا الجواز مقيد بشروط أربعة:
أولاً: ألا يضر أخذ العضو من المتبرع به ضرراً يخل بحياته العادية.
ثانياً: أن يكون إعطاء العضو طوعاً من المتبرع دون إكراه، مع كونه كامل الأهلية.
ثالثاً: أن يكون زرع العضو هو الوسيلة الطبية الوحيدة الممكنة لمعالجة المريض، كما هو الحال في زرع الكلية، فإنه لا يوجد وسيلة أخرى سوى ما يسمى: بغسيل الكلى، وهو علاج مؤقت وليس بدائم، مع ما فيه من مشقة، وكلفة على المريض.
رابعاً: أن يكون نجاح كل من عمليتي النزع، والزرع محققاً في العادة أو غالباً.
فإذا توفرت هذه الشروط الأربعة جاز نقل العضو وزراعته، وبهذا صدر القرار من المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثامنة بمكة المكرمة لعام 1405هـ دون الإشارة إلى قيد الأهلية، وهو قيد لازم هنا.
هذا بالنسبة للنقل بطريق التبرع، أما بالنسبة للنقل بطريق البيع فهو محرم على البائع قطعاً؛ لأن أعضاء الإنسان ليست ملكاً له، فلا يجوز أن تكون خاضعة للبيع بأية حال من الأحوال.
وأما المشتري المضطر، فهو محل نظر، والأظهر أنه يجوز له ذلك، لا سيما إذا كان البائع كافراً، والله -تعالى- أعلم.(15/2)
علاج العشق
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 2/7/1424هـ
السؤال
ما أهم الأمور المساعدة للعلاج من داء العشق والتعلق؟
الجواب
أشكر السائل -أولاً- على اهتمامه وسؤاله عما ينفعه، وحرصه على معالجة ذنوبه وأخطائه، وأبشره بما أعده الله -تعالى - للتائبين الباحثين عما يرضيه - جل وعلا-، وأما بخصوص السؤال فأنصح أخي الكريم بما يلي:
(1) أن يحرص غاية الحرص على حفظ فرجه وغض بصره عما لا يحل له والأخذ بالأسباب المعينة على ذلك وأولاها النكاح الشرعي؛ ليستغني به عن فضول النظر، ويُعف نفسه عن التعلق بالصور والذوات المحرمة.
(2) البعد عن مواطن الفتنة وأماكن الاختلاط والتبرج والسفور؛ حتى لا تقع عينه على ما لا يحل، فتتعلق نفسه بذات أو صورة تظل هاجساً ينتابه كل حين، وطيفاً يعاوده ساعات الليل والنهار حتى تتمكن من سويداء قلبه فيشقى بها الدهر كله، وتنغص عليه طعامه وشرابه، وتسهر ليله وتلهب نهاره، وكان بالإمكان تجاوز هذه المحنة كلها بأطر النفس على مجانبة أسباب عطبها وتلفها.
(3) الاشتغال بما ينفعه من قراءة القرآن ومطالعة كتب التفسير والحديث والعناية بالرقائق ومصنفات الوعظ والإرشاد؛ حتى يستعلي على شهوات النفس ويترفع عن الدنايا والقبائح.
(4) الاهتمام بمطالعة أخبار السلف وكتب السير؛ ليتعرف على طريقة القوم وسننهم في الحياة وزهدهم في دنياهم، واستهجانهم لسفاسف الأمور وطلبهم للمعالي وحرصهم على نفع أمتهم وجهادهم بالنفس والمال والعلم لإعزاز دين الله ونصرة كتابه وسنة نبيه - عليه السلام -.
(5) الاشتغال بحب البارئ - جل وعلا - بمحبة دينه وشريعته والعمل بأمره بكل شغف وإخلاص واجتناب نهيه لك بكل طواعية وانقياد، فإن طاعة الله أمراً ونهياً رأس الأمر كله وبها تُنال ولاية الله، ويفوز العبد بحب الله إياه ولا يتحقق شيء مما ذكر إلا إذا كان على طريقة الرسول المجتبى، والنبي المصطفى - عليه أفضل صلاة وأزكى سلام - قال الله - تعالى-: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"
[آل عمران: 31] وهذا الأمر الأخير وإن حدد في الترتيب خامساً إلا أنه في الأهمية أولاً فتنبّه.
هذا بعض ما تيسر في علاج داء العشق والتعلق، وأوصي السائل بمطالعة كتاب الجواب الكافي " الداء والدواء " لابن قيم الجوزية ففيه من فرائد الفوائد ودُرر المواعظ في هذا الموضوع خاصة ما لا غنى لطالب الحق عنه. والله أعلم.(15/3)
وصايا نبوية منامية لفك السحر!
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 12/9/1426هـ
السؤال
ما صحة ما انتشر بين الناس حول كون أحد المشايخ رأى في المنام أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصاه بنشر علاج معين للسحر والعين؟ علماً بأن هذا العلاج يباع في الأسواق، فهل يجوز استعماله لفك السحر والعين أو ما شابه ذلك؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالمنامات لا يؤخذ منها حكم، وقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما نقله عنه الصحابة -رضوان الله عليهم- بعلاج السحر والعين، وفي ذلك كفاية.
ويُخشى أن يكون بعض ما يدعى أنه علاج ضرباً من أعمال الشعوذة أو السحر. فأرى عدم استعماله، والاكتفاء بما ورد في النصوص الشرعية من العلاج للسحر والعين. والله أعلم.(15/4)
زراعة الشعر
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 22/6/1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يجوز زراعة الشعر للرجل؟ وما حكم من زرع دون معرفة الإثم إذا كان ذلك محرماً؟ ولكم جزيل الشكر، والسلام عليكم.
الجواب
سئل فضيلة الشيخ: محمد بن عثيمين -رحمه الله- عن سؤال مشابه لسؤالك، فإليك السؤال والجواب:
سـ/ في أمريكا تتم زراعة شعر المصاب بالصلع، وذلك بأخذ شعر من خلف الرأس وزرعه في المكان المصاب، فهل يجوز ذلك؟
جـ/ نعم يجوز؛ لأن هذا من باب ردّ ما خلق الله -عز وجل-، ومن باب إزالة العيب وليس هو من باب التجميل أو الزيادة على ما خلق الله -عز وجل-، فلا يكون من باب تغيير خلق الله، بل هو من رد ما نقص وإزالة العيب ولا يخفى ما في قصة الثلاثة النفر الذي كان أحدهم أقرعاً وأخبر أنه يحب أن يرد الله -عز وجل- عليه شعره فمسحه الملك فرد الله عليه شعره فأعطي شعراً حسناً، انظر: البخاري (3464) ومسلم (2964) .
[سلسلة كتاب الدعوة، فتاوى ابن عثيمين -رحمه الله- الجزء الأول صـ (74-75) ] .(15/5)
إزالة آثار البهاق بالمكياج
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 10/7/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنا فتاة مبتلاة بمرض البهاق الذي شوَّه مناطق كثيرة من بدني، وقد كنت استخدم بعض المكياج والكريمات؛ لإخفاء المناطق الظاهرة؛ وذلك لعدم احتمالي لنظرات الناس لي؛ لشدة حساسيتي من هذا الموضوع؛ ولما يسببه ذلك لي من ضغوط نفسيه هائلة انعكست على حياتي الاجتماعية، فأصبحت كثيرة الانطواء، حتى عن أهلي، خاصة عندما كبرت وأصبحت في سن الزواج 22 سنة.
والآن سمعت خبراً أعاد لي شيئاً من الأمل، وهو وجود مكياج يخفي آثار البهاق من مناطق المواجهة الظاهرة، ويبقى لفترات طويلة تصل إلى سنوات ثم يزول بعد ذلك وتعيد وضعه مرة أخرى.
وسؤالي: هل هذا المكياج محرَّم ويعتبر مثل الوشم، خاصة أنه يقال لابد من استعمال أجهزة خاصة لإدخاله في الجلد؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا حرج إن شاء الله في استخدام هذا المكياج؛ لأنه من باب العلاج والدواء المندوب إلى فعله شرعاً في العموم، وليس من باب تغيير الخلقة التي خلق الله الإنسان عليها، بل هو محاولة لإرجاع لون الجلد إلى ما كان عليه في الأصل، أو قريباً من ذلك.
ويفارق هذا المكياج الوشم، فإن الوشم فيه تغيير لخلق الله تعالى، بإضافة شيء يبقى في الجسم عن طريق الوخز بالإبر، والتعذيب للجسم بلا حاجة ولا ضرورة، وليس الأمر كذلك فيما ورد في السؤال، والله أعلم.(15/6)
زراعة الأسنان
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 6/12/1424هـ
السؤال
أنا طالب في كلية طب الأسنان، وكنت أفكر في اختيار مجال التخصص، ويعجبني زراعة الأسنان، ولكن ما رأي الشرع في زراعة الأسنان؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
زراعة الأسنان لغرض علاجي جائزة، بناءً على مشروعية التداوي عموما، ً كما في حديث: "تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له دواءً غير داءٍ واحدٍ: الهرم" رواه أبو داود (3855) ، والترمذي (2038) ، وابن ماجة (3436) ، من حديث أسامة بن شريك -رضي الله عنه- وانظر صحيح الجامع، للألباني (1/565) . لكن لا يزرع للرجل سناً من ذهب أو فضة، ولا يغلف السن بهما، أو بأحدهما إلا للضرورة، لعموم النصوص التي تنهى الرجال عن استعمال الذهب والفضة إلا ما دل على جوازه كخاتم الفضة، وتضبيب الإناء بهما، وكذلك ما سبق من اتخاذ السن من الذهب والفضة للضرورة، وكذلك يتجنب المسلم في هذه المجال (الوشر) ، وهو تحديد المرأة الكبيرة لأسنانها وترقيقها لتبدو كالشابة. وكذلك مما ينهى عنه من التفليج، وهو مباعدة ما بين الأسنان طلباً للحسن لعموم النهي عنه. والله أعلم.(15/7)
تجميد الحيوانات المنوية
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 18/5/1425هـ
السؤال
لدي قريب يعاني من العقم، ولا يوجد لديه حيوانات منوية في المني، فقال له الطبيب سوف نأخذ عينة من الخصية فإذا كان هناك حيوانات منوية سنجمدها، ثم تأتي بزوجتك لنعمل لها عملية تلقيح مجهري، السؤال: ما حكم عملية التجميد للحيوانات المنوية في هذه الحالة شرعاً؟ الرجاء الرد في أقرب وقت وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
الذي يظهر بالنسبة لتجميد الحيوانات المنوية والاحتفاظ بها إلى حين رجوع الزوجين لإجراء عملية التلقيح أن هذا لا يجوز؛ لأن هذه النطف لا يؤمن أن تختلط بغيرها إما على سبيل الخطأ وإما على سبيل العمد، وقد دلت الدراسات العلمية على أن هذا المحذور واقع لا محالة، فقد وقع في بعض المراكز التي تجري عمليات التلقيح اختلاط لهذه النطف بغيرها. أما إذا كان إجراء عملية التلقيح مباشرة بعد أخذ المني من الزوج أو بعد أخذ الحيوانات المنوية مباشرة من الزوج فهذا جائز إذا كان يتم إجراء هذه العملية تحت أيدي العدول من الأطباء وضمن إجراءات تضمن عدم اختلاط هذه النطف بغيرها.(15/8)
إزالة لحمية الأنف بالليزر
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 18/6/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ أثابكم الله، هل تعتبر عملية إزالة اللحمية من الأنف - بالليزر لعلاج الشخير - من الكي الذي نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟
الجواب
الليزر كما فهمته من بعض الأطباء يستخدم كمشرط دقيق يزيل الأجزاء المراد إزالتها، وفي نفس الوقت هو يحسم الدم النازل من الجرح، فلا ينزل من الدم إلا القليل، ولا يشعر المريض غالباً بألمه عند التخدير، فيفارق الكي بالنار في جوانب، ويوافقه في جانب حسم الدم، وما دام كذلك فلا بأس باستخدام الليزر علاجاً في الحالة المذكورة في السؤال طالما تعين ذلك علاجاً، بل لو لم يوجد من العلاجات إلا الكي جاز على الصحيح؛ لما ورد في صحيح مسلم - كتاب السلام (2208) عن جابر - رضي الله عنه - قال: "رمي سعد بن معاذ في أكحله قال: فحسمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده بمشقص ثم ورمت فحسمه الثانية " والحسم: الكي كما قاله ابن القيم (زاد المعاد 4/63) .
وفي البخاري (5719) قال أنس - رضي الله عنه - "كُويت من ذات الجنب ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي وشهدني أبو طلحة وأنس بن النضر وزيد بن ثابت وأبو طلحة كواني" - رضي الله عنهم -.
قال ابن القيم في زاد المعاد (4/65 -66) "تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع:
أحدها: فعله، والثاني: عدم محبته له، الثالث: الثناء على من تركه، والرابع: النهي عنه، ولا تعارض بينها بحمد الله تعالى، فإن فعله يدل على جوازه، وعدم محبته له لا يدل على المنع منه، وأما الثناء على تاركه، فيدل على أن تركه أولى وأفضل، وأما النهي عنه، فعلى سبيل الاختيار والكراهة، أو عن النوع الذي لا يحتاج إليه، بل يفعل خوفاً من حدوث الداء، والله أعلم. أ. هـ.(15/9)
إجراء التجارب على الحيوانات
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 26/10/1424هـ
السؤال
أنا طالبة في كلية العلوم، ونقوم ببعض الأبحاث الجينية، حيث نحقن فأراً بفيروس أو بكتيريا لنتعرف على مقاومته لذلك، وعند نهاية العملية نقتل الفأر، فهل يجوز لنا إجراء مثل هذه الأبحاث على الحيوانات من فصائل أعلى مثل الجرذان والأرانب وغيرها
الجواب
إذا كان الغرض من إجراء التجارب على هذه الحيوانات تحقيق مصالح وفوائد لا تتحقق إلا بذلك فهذا جائز؛ لأن الحيوان مسخر لمصلحة الإنسان، بل كل ما في الكون بما في ذلك الحيوان مسخر لمصالح الإنسان.
أما إذا كان الغرض من إجراء هذه التجارب هو العبث وعدم تحقيق أي مصلحة فهذا حرام؛ لأن في ذلك تعذيباً للحيوان، والأصل في تعذيب الحيوان الحرمة.(15/10)
استخدام المخدرات لتسكين الآلام
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 16/12/1424هـ
السؤال
والدي في مرحلة متقدمة من مرض سرطان الرئة، ولديه العديد من الأورام الثانوية، وعمره 88سنة، وحسب الأطباء لا يرجى له شفاء، آلامه شديدة لم يعد يمكن تحملها، السؤال: لتخفيف آلامه أعطيت له أدوية من نوع المسكنات القوية أو المخدرات كالمورفين التي لم يعد يخفف عنه الألم سواها، فما حكم استعمال هذه الأدوية في هذه الحالة، آخذين بعين الاعتبار الأعراض الجانبية لهذه الأدوية التي تتسبب في أضرار أخرى، كالتأثير على الجهاز التنفسي وقد تؤدي إلى الهلاك؟.
الجواب
إذا كانت هذه المواد المخففة للآلام تحتوي على مخدرات أو مسكرات فلا يحل استعمالها لحديث: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم"، أخرجه البخاري في الطب (10/68) / معلقاً وصححه ابن حجر في الفتح (10/79) ، وكذلك إن كانت هذه المواد المخففة للآلام تتسبب في أعراض تؤدي إلى استعجال الهلاك فلا يحل تناولها أيضاً، لأن ذلك من قبيل المسارعة إلى إزهاق النفس، وهو محرم شرعاً.
لكن لو كانت هذه المسكنات لها أعراض جانبية معتادة عند الأطباء كشأن بقية العلاجات، ولا تؤدي إلى استعجال الوفاة، ولا تحتوي على مواد مخدرة، فأرجو ألا يكون بذلك بأس، وقبل ذلك وبعده، ينبغي أن يوصى المريض بالصبر والاحتساب، فله بذلك الأجر العظيم. والله أعلم.(15/11)
عمليات فصل التوائم
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 26/7/1424هـ
السؤال
أسألك بخصوص الملتصقتين بالرأس، واللتين حاول الأطباء فصلهما، وقد كانوا يعرفون أنهما ستموتان، فهل تكون مثل هذه العمليات الجراحية جائزة من الناحية الشرعية؟
الجواب
إجراء العمليات الجراحية يشترط له من ضمن ما يشترط أن يغلب على الظن نجاح هذه العملية، فإن غلب على الظن فشلها، وبالتالي هلاك المريض فلا يحل إجراؤها، حتى لو أذن المريض، لأن الطبيب يتسبب في قتل المريض، بل ربما باشر قتله، فيكون قاتلاً في هذه الحالة.
فلا يحل إجراء مثل هذه العمليات التي تكون على هذا النحو، فالنفس المعصومة محترمة، ويحرم الاعتداء عليها، ويمنع كل تصرف فيها يغلب على الظن أنه يلحق الهلاك أو الضرر بها، والله أعلم.(15/12)
النظر إلى صور العورات لطلاب علم التشريح
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 28/10/1424هـ
السؤال
في بعض كتب الطب وخاصة كتب علم التشريح صور شنيعة، ما هو حكم الشرع في النظر لتلك الصور في سبيل العلم؟
الجواب
الإنسان الذي يريد أن يتعلم الطب محتاج إلى أن يعرف الطب على الوجه الحقيقي؛ لكي يستطيع أن يمارسه لينفع به الناس، وكونه يطلع على شيء من الصور التي تفيده في تعلمه، فلا بأس بذلك، لكن هذا مشروط بألا يترتب على ذلك مفاسد، فلا تكون الصور من الصور التي تغري الإنسان، أو أنها تجعله ينظر إليها نظر شهوة.
وإنما تكون من الصور التي يتعلم من خلالها أجزاء المرض وأماكن وجوده في أي جزء من جسم الإنسان، لأن الطبيب يجوز له أن يكشف عن العورة المغلظة على الطبيعة، إذا احتاج الأمر إلى اطلاعه على هذه الأشياء، فيكون نظر الطبيب أو المتعلم في هذه الصور نظر تعلم لا نظر استمتاع وشهوة.(15/13)
ترقيع البكارة للستر على الذنب!
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 27/10/1426هـ
السؤال
هل يجوز للفتاة -بعد توبتها- إجراء عملية إعادة غشاء البكارة للزواج من مسلم ملتزم؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا يجوز للفتاة -التي فقدت بكارتها بسبب معصية وقعت فيها- أن تقوم بعملية رتق للبكارة؛ لأن فيه غشّاً للزوج، وكشفاً للعورة بلا حاجة، ولأنّ استمراءه يؤدي إلى انتشار هذا العمل مما يسبب فقد الثقة.
والحل الشرعي لمثل هذه الفتاة أن تخبر خاطبها بأنها ثيّب نتيجة إكراه مثلاً أو زواج غير موثّق أو نحو ذلك، مع التورية في كلامها وعدم التصريح بالكذب، ولا يجوز لها أن تخبره بحقيقة فعلها للمعصية؛ لأن الواجب على الإنسان أن يستر نفسه، ولا يذيع مقالة السوء عن نفسه.
مع أن هذه المسألة مما اختلف في حكمها أهل العلم. والله الموفق والهادي.(15/14)
المتاجرة في بيع "الفياجرا"
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 10/05/1425هـ
السؤال
ما حكم المتاجرة في بيع الفياجرا؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الفياجرا: أحد الأدوية المنشطة للجنس، إلا أن لها أضراراً جانبية يتحدث عنها الأطباء كثيراً، فإذا كان الشخص إنما يصرف هذا العلاج بوصفة طبية من قبل طبيب يتحمل مسؤولية صرف هذا العلاج فيجوز بيع هذا الدواء وشراؤه.
أما إذا كان يبيع هذا الدواء لمن يشاء، مع تضمنه للخطورة المذكورة، فلا أرى جواز بيعه في هذه الحالة، ولعل الجهة الرسمية (وزارة الصحة) قد وضعت من الضوابط في بيع هذه الأدوية ما يفي بالغرض. والله أعلم.(15/15)
خطأ الطبيب
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 15/05/1425هـ
السؤال
أخطأ طبيب العيون فأصاب العين بآلة يستعملها؛ حيث أدخلها في جزء من العين لم يكن له إدخالها فيه، وتم إصلاح الجرح الناتج وإكمال الجراحة، وتحسن إبصار المريضة عما كان قبل الجراحة، والمريضة لم تعلم بذلك التلف؛ فهل على الطبيب أن يفشي على نفسه؟ وهل عليه أن يدفع تعويضا؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
خطأ الطبيب إذا لم يكن فيه تفريط منه، وإهمال فينتفي عنه التأثيم؛ لعموم حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه" رواه ابن ماجة والبيهقي والحاكم، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، لكن إذا ترتب على خطأ الطبيب ضرر المريض بسبب خطأ منه وجب تقدير ذلك الضرر وتعويضه، إلا أن يتنازل المريض عن حقه؛ لأن حقوق الخلق عظيمة عند الله، بل حرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمة الكعبة؛ كما ورد من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- رواه ابن ماجة وغيره، وإلى هذا المعنى أشار ابن السعدي في منظومته في القواعد الفقهية بقوله:
والخطأ الإكراه والنسيان *** أسقطه معبودنا الرحمن
لكن مع الإكراه يثبت البدل*** وينتفي التأثيم عنه والزلل.
والله أعلم.(15/16)
أساور تخفيفِ الشحنات الكهربائية!
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 7/2/1425هـ
السؤال
لي قريب مصاب بزيادة الشحنات الكهربائية بالدماغ, مما أدى إلى إصابته بإغماء يشبه إلى حد ما حالات الصرع، ولكنه - كما يقول الطبيب - ليس صرعاً، وكان عمره آنذاك 12سنة تقريباً، وذهب به أهله إلى طبيب شعبي لعلاجه فوضع له أساور من حديد لوقف النوبات، وفعلاً توقفت ولم تعد إليه, استمرت الأساور في يده إلى 16 سنة من عمره، ثم أخرجها بسبب خجله من سؤال الطلاب في المدرسة عنها، ولم تعاوده النوبات حتى بعد إخراجها.
والآن وهو في 25 سنة من عمره عادت له النوبات، فأراد أهله إعادة الأساور إليه مرة ثانية بحجة أنها تمنع النوبات، لكني شككت في هذا الموضوع وخفت منه, لأني تذكرت (حديث الخيط الذي كان يضعه الرجل في يديه من الوهانة فقيل له أنزعه فإنه لا يزيدك إلا وهنا) ، مع العلم أن الطبيب الآن قيل له عن هذه الأساور، وقال ضعوها له؛ لأنها تخفف الشحنات الكهربائية عن الدماغ.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن ما وقع عليه السؤال مشهور التداوي به في كثير من المجتمعات التي يتعاطى أهلها الطب الشعبي، حيث يضع من يصاب بنوبات صرع قطعة من حديد في يده، أو في مكان آخر حتى يفيق من غيبوبته، ويوصف لبعض المرضى كعلاج وقائي، وكثير من الناس لا يعرفون تفسير ما يحدث فيظنونه شعوذة ويتحاشون التداوي به.
وقد سألت عنه بعض الأطباء منذ زمن فأجابوا بأن هذا العمل نافع - بإذن الله - مع بعض أنواع الصرع، وأن الطب الحديث يستخدم هذا العلاج بطرق كثيرة منها: زرع بعض القطع المعدنية في الأسنان، أو في مواضع معينة من بدن الإنسان؛ لامتصاص الشحنات الكهربائية التي تسبب للإنسان فقداناً للوعي.
فإذا كان المريض منتفعاً بهذا العمل بعد سؤال أهل الاختصاص الموثوق بهم فلا حرج إن شاء الله في اتخاذ قطعة من حديد أو معدن آخر توضع في مكان من جسده حسب ما يقوله العارف الثقة. ويحسن أن يكون في مكان غير بارز حتى لا يساء فيه الظن، أما حديث عمران بن الحصين - رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى في عضد رجل حلقة فقال: "ما هذه الحلقة"؟ قال: "هذه من الواهنة"، فقال - صلى الله عليه وسلم-: "أما إنها لا تزيدك إلا وهناً انبذها عنك فإنك إن مت وهي عليك وكلت إليها، والحديث رواه أحمد (19498) وابن ماجة (3531) وله ألفاظ مختلفة.
فقد اختلف العلماء في رفعه ووقفه وصحته وضعفه، وعلى التسليم بصحته ورفعه فقد اختلفوا في معنى الواهنة واتفقوا على علة النهي، ومن العلماء من يرى أن الواهنة من الوهن وهو الضعف فيتخذ الإنسان هذه الحلقة أو الخرزة لتقيه من ذلك ومنهم من يرى أن الواهنة عند العرب قديماً عرق يأخذ في المنكب أو العضد أو اليد وهي تصيب الرجال دون النساء فيعلقون عليها جنساً من الخرز يقال له خرز الواهنة تعصمهم من الألم.
واتفق العلماء على أن علة النهي هي أنها عند العرب تتخذ بمثابة التمائم التي ورد النهي عن تعليقها، انظر في ذلك: غريب الحديث للخطابي (2/445) ، وغريب الحديث للحربي (2/1056) ، وغريب الحديث لابن الجوزي (2/486) .(15/17)
هل من تغيير خلق الله تقويم الأسنان؟!
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 15/08/1425هـ
السؤال
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل من تغيير خلق الله تقويم الأسنان غير المنظمة، والتي يكون فيها بروز يشوِّه؟! أفتونا مأجورين.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا كان تعديل الأسنان المذكور في السؤال ناتجًا عن خلل فيها أو تزاحم أو عدم انتظام أو تقدّم بعضها حتى خرجت عن الوضع الطبيعي فقُصد بهذه العملية إرجاع الأسنان للوضع الطبيعي، فلا حرج في ذلك- إن شاء الله-؛ لأن هذا من باب العلاج وإرجاع الأمر إلى ما كان عليه في الأصل، أما إذا كانت الأسنان بوضع طبيعي، لكن تطلب الشخص التحسين الزائد بتصغير الأسنان وبَردها وتفليجها لإيجاد الفجوات بينها طلبًا للتحسين فهذا ممنوع لحديث ابن مسعود، رضي الله عنه: "لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ والمُسْتَوْشِمَاتِ، والنَّامِصَاتِ والمُتَنَمِّصَاتِ، والمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقِ اللهِ". أخرجه البخاري (4886) ومسلم (2125) .(15/18)
الامتناع عن الفحص لتشخيص العقم
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 05/04/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ: هل يجوز للزوج الذي لم يرزقه الله بالبنين أن يمتنع عن إجراء الكشوفات والتحاليل لمعرفة السبب واقتناعه بما قسم الله له؟ أم أنه سيحاسب على امتناعه للكشف هو وزوجته؛ لعله أن يكون هناك علاج؟ وإذا كشف فأخبر بأنه سيكون قادراً على الإنجاب بعد عملية جراحية فهل يجوز له شرعاً الامتناع عن إجراء العملية الجراحية؟ أم أنه سيحاسب على امتناعه؟ وأخيراً في حالة رضا الزوج بما قسم له في حالة عدم الإنجاب، ويحب زوجته ولا يريد الاستغناء عنها، ولا الزواج بأخرى، هل سيحاسب الزوج على عدم قيامه بالزواج بأخرى سواء كان يعلم بأن العيب في عدم الإنجاب منه أولا؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإنه لا ينبغي للزوج أن يمتنع من إجراء الكشوفات والتحاليل لمعرفة سبب التأخر في إنجاب الزوجة؛ لأنه قد يتبين بذلك السبب في عدم الإنجاب، فيمكن علاجه، ولا شك أن يتأكد في حقه التداوي إذا كان التأخر بسببه؛ لأن التناسل حق للزوجين جميعاً، ولا يملك أحدهما إسقاطه، ولا تعارض بين التداوي وبين الرضا بما قدَّر الله، بل كلاهما من قدر الله، وإذا لم يمكن العلاج إلا عن طريق إجراء عملية جراحية، فإنه يبادر إلى إجراء هذه العملية إذا لم يكن هناك طريق أخف من الجراحة، ولم يترتب على إجرائها مفسدة أعظم من المصلحة المتوخاة من إجرائها، مع غلبة ظن الطبيب الجراح بنجاح العملية، فهذه قيود ثلاثة لا بد منها هنا، فإذا توفرت هذه الضوابط، وكانت الزوجة راغبة في الإنجاب، ولم يرد الزوج أن يفارق امرأته بإحسان، فإنه يجب عليه أن يبادر بالعلاج؛ تحصيلاً لحقها من الولد، ولقول نبينا - صلى الله عليه وسلم-: "تداووا؛ فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواءً، غير داء واحد؛ الهرم" رواه أبو داود (1973) والترمذي (1962) ، وغيرهما، وهو حديث صحيح.(15/19)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى (18/12) (فإن الناس قد تنازعوا في التداوي، هل هو مباح؟ أو مستحب؟ أو واجب؟ والتحقيق أن منه ما هو محرم، ومنه ما هو مكروه، ومنه ما هو مباح، ومنه ما هو مستحب، وقد يكون منه ما هو واجب، وهو ما يعلم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره، كما يجب أكل الميتة عند الضرورة، فإنه واجب عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء ... ) ا. هـ، هذا في أصل التداوي، فأما إذا تعلق به حق لغيره، كعلاج العقم فإنه يتأكد من هذا الباب، وإذا كان هذا في باب المحافظة على النفس، فكذا في باب المحافظة على النسل، وكلاهما من المقاصد الضرورية الخمسة التي أمر الشارع بالمحافظة عليها وجوداً وعدماً، قال الدكتور/ يوسف العالم في كتابه المقاصد العامة (ص405) تعليقاً على قول أبي حامد الغزالي: (الولد هو الأصل المقصود، وله وضع النكاح) ، ما نصه: المقصود الأصلي من النكاح هو النسل، إيجاداً أو بقاءًا، وأن أعضاء التناسل ما هي إلا آلات خلقها الله لتكون أسباباً لمسببات، ووسيلة إلى تحقيق المقصود الأصلي..، ويؤكد هذا قول الجاحظ: (جعل الله عشق النساء داعية للجماع، ولذة الجماع سبيلاً للنسل، والرقة على الولد عوناً في التربية والحضانة) ، ويؤكد هذا - أيضاً - ما تقدم من آيات وأحاديث تحث على الزواج وترغب فيه، وفي الزواج بالولود على وجه الخصوص) ا. هـ، فإذا لم يكن العيب - في عدم الإنجاب - من الزوج، فإنه لا يلزمه أن يتزوج بأخرى، ولكن يندب له ذلك تحصيلاً للذرية والعقب، ولكن بشرط أن يكون قادراً على العدل وعلى النفقة، على حد سواء. والله -تعالى- أعلم.(15/20)
الولادة القيصرية دون الحاجة الطبية
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 15/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعمل في إحدى المستشفيات، ونواجه في بعض الأحيان طلب بعض الحوامل رغبتهن في الولادة بعملية قيصرية رغم عدم وجود مسببات طبية تدعو لذلك. وسؤالي: هل تحقيق رغبة المريضة يتعارض مع الأعراف والأخلاقيات الطبية أم لا؟ شاكرًا لكم خدماتكم الجليلة التي تقدمونها من خلال موقعكم الرائع.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأعراف الطبية، والأخلاق الطبية لا بد أن السائل يعرفها، لكننا نجيب عن الحكم الشرعي، وهو أن إجراء عملية فيها تعريض لمن تُجرى له العملية لمخاطر وأضرار لا يجوز، لقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ". أخرجه أحمد (2865) ، وابن ماجه (2341) ، وكون الطبيب -وهو مؤتمن على مهنته وعلى علاجه- يعرض هذه المرأة لإجراء عملية قيصرية من دون حاجة لها يعتبر نوعًا من الخيانة في عمله، فلا يجوز له إجراء مثل هذه العمليات التي لا حاجة لها، ويعتبر محاسبًا على ما ينتج عن عمله بسبب إجراء هذه العملية لو أنه أخل أو قصر، أو غير ذلك، فالواجب عليه الامتناع عن إجراء مثل هذه العمليات إلا من حاجة تستدعي ذلك، وليس في حل أن يستجيب لمن تطلب مثل هذه العملية، وهي ليست محتاجة لإجرائها. والله ولي التوفيق.(15/21)
أسئلة في الحجامة
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 19/04/1425هـ
السؤال
أعاني من الصداع، وقد نصحني بعض الإخوة بالحجامة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يحتجم بسبب الصداع، وقد روى لي الإخوة بعض الأحاديث التي لا أعلم صحتها كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "نعم العادة الحجامة" وقوله -صلى الله عليه وسلم-:"ما مررت بملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا يا محمد: أوص أمتك بالحجامة"، وفي رواية: "مر أمتك بالحجامة".
والخلاصة:
(1) ما صحة هذه الأحاديث؟.
(2) ما أفضل وقت للحجامة؟ وهل ورد فيه سنة معينة؟.
(4) ما هو أفضل مكان في الجسم للحجامة؟ أرجو تحديد المكان بدقة فمثلا لو كان في الرأس ففي أي جزء من الرأس؟. وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وبعد:
ورد في الحجامة أحاديث كثيرة تضمنت ذكر منافعها ودواعيها، وأوقاتها، ففي صحيح البخاري (5680) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنا أنهى أمتي عن الكي"، وفي الصحيحين البخاري (5696) ، ومسلم (1577) عن حميد الطويل عن أنس - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حجمه أبو طيبة فأمر له بصاعين من طعام، وكلم مواليه فخففوا عنه من ضريبته وقال: "خير ما تداويتم به الحجامة"، وفي جامع الترمذي (2053) : من طريق عباد بن منصور قال: سمعت عكرمة قال ابن عباس - رضي الله عنهما- قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم-: "نعم العبد الحجام يهذب بالدم، ويخف الصلب، ويجلو البصر"، وقال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حيث عرج به ما مر على ملأ من الملائكة إلا قالوا: "عليك بالحجامة" (نفس الحديث السابق) وقال: "إن خير ما تحتجمون فيه يوم سبع عشرة، ويوم تسع عشرة، ويوم إحدى وعشرين، وقال إن خير ما تداويتم به السعوط واللدود والحجامة، والمشي"، قال الترمذي (2053) : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عباد بن منصور، وفي سنن ابن ماجة (3479) من حديث جبارة بن المغلس - وهو ضعيف- عن كثير بن سليم قال سمعت أنس بن مالك - رضي الله عنه- يقول: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "ما مررت ليلة أسري بي بملأ إلا قالوا يا محمد مر أمتك بالحجامة"، وأما وقتها فقال صاحب القانون: ويؤمر باستعمال الحجامة لا في أول الشهر؛ لأن الأخلاط لا تكون قد تحركت وهاجت، ولا في آخره؛ لأنها تكون قد نقصت بل في وسط الشهر، حين تكون الأخلاط هائجة بالغة في تزايدها لتزايد النور في جرم القمر وقال ابن القيم: (وتستحب في وسط الشهر، وبعد وسطه وبالجملة في الربع الثالث من أرباع الشهر لأن الدم في أول الشهر لم يكن بعد قد هاج وتبيغ وفي آخره يكون قد سكن، وأما في وسطه وبعيده فيكون في نهاية التزيد) وأما أماكن الحجامة من البدن فقد تحدث عنها الأطباء المتقدمون، وفصلوا فيها ومن ذلك:(15/22)
(1) الحجامة في الأخدعين، والكاهل، وورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم- احتجم في الأخدعين والكاهل، أخرجه الترمذي (2051) وحسنه، وأبو داود (3860) وابن ماجة (3483) ، وصححه الحاكم في المستدرك (7552) ، قال أهل الطب: الحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق، والحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس والوجه كالأذنين، والعينين، والأسنان، والأنف، والحلق.
(2) الحجامة في الرأس، ففي صحيح البخاري (1836) من حديث عبد الله بن بحينة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- احتجم - بلحى جمل من طريق مكة- وهو محرم في وسط رأسه قال الأطباء: (الحجامة في وسط الرأس نافعة جداً) ، وفي صحيح البخاري (5701) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به، والشقيقة: وجع يأخذ في أحد جانبي الرأس أو في مقدمه، وبوب عليه البخاري: باب الحجامة من الشقيقة والصداع (فتح الباري10/153) .
وثبت في الأبحاث الطبية الحديثة منافع الحجامة، وفوائدها، ويوجد في هذه الدراسات تحديد دقيق لأماكن الحجامة بحسب دواعي الاستعمال، وهي متوفرة عند من يقوم بالحجامة.
ينظر الطب النبوي لعبد الملك بن حبيب الأندلسي الألبيري (ص48-55) ، زاد المعاد (4/50-62) ، فتح الباري (10/ 149-154) ، الطب من الكتاب والسنة لموفق الدين عبد الله البغدادي.
وأما الحديثان المسؤول عنهما في السؤال؛ فحديث: "نعم العادة الحجامة"، فذكره الديلمي في الفردوس (4/256) بدون إسناد، والمتقي في كنز العمال ح (28147) ، وعزاه له، وقد ساق الحافظ في زهر الفردوس (4/115) إسناده، (16/10) ، وفيه من لم أقف على ترجمته، والظاهر أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
وأما حديث: "ما مررت ليلة أسري بي ... " فقد سبق ذكره في أثناء الجواب، وهو عند ابن ماجة من حديث أنس - رضي الله عنه- وفي إسناده جبارة بن المغلس، وهو ضعيف، وأخرجه الترمذي من حديث ابن عباس -رضي الله عنه- وفي إسناده عباد بن منصور، وهو ضعيف وأخرجه أيضاً من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه- وهو من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ولم يسمع من أبيه كل ما رواه عنه، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، ولعل الحديث بمجموع شواهده حسنٌ. والله أعلم.
هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(15/23)
برد الأسنان بعد تقويمها
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 03/05/1425هـ
السؤال
قمت بعمل تقويم للأسنان، وبعد الانتهاء منه وجدت أن إحدى أسناني الأمامية أطول بقليل من الأخرى، فهل يجوز لي بردها من الأسفل؟.وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يجوز برد الأسنان في هذه الحالة، وهو من باب العلاج المشروع، إذ إن طول الأسنان الأمامية فيه تشويه لهذه الأسنان، فيجوز له برد الأسنان الأمامية لتكون جميع الأسنان مثل الخلقة الطبيعية التي خلق الله الإنسان عليها.
وليس ذلك - فيما يظهر لي- من باب تغيير الخلقة الأصلية، ولا من باب التحسين والتزين المنهي عنه شرعاً في هذا الموضع. والله أعلم.(15/24)
علاج الكلاب
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 06/08/1425هـ
السؤال
أنا طبيبة بيطرية، السؤال هو: هل علاج الكلاب بأنواعها للحراسة أو للتربية بالمنزل حلال أم حرام؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
يجوز علاج الكلاب بأنواعها ما عدا الكلب العقور، بل يشرع دفع الضرر عن هذه الكلاب، ما عدا العقور منها، ويستدل لهذا بما رواه أبو هريرة، رضي الله عنه، قال: "بَيْنَما رجلٌ يمشِي، فاشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَنَزَل بئرًا فشرِب مِنها، ثم خرَج، فإذا هو بكلبٍ يَلْهَثُ، يأكُلُ الثَّّرَى مِن العطشِ، فقال: لقَدْ بلَغ هذا مِثلَ الذي بلَغ بي، فمَلأ خُفَّهُ، ثم أَمْسَكَهُ بفِيهِ، ثم رَقِيَ، فسقَى الكلبَ، فشَكَر اللهُ له فغَفَر له". قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرًا؟ قال: "في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ". أخرجه البخاري (2363) ، ومسلم (2244) . والله أعلم.(15/25)
هرمون النمو لزيادة الطول
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 22/08/1425هـ
السؤال
هل يجوز استخدام هرمون النمو لزيادة طول الشخص؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الذي يظهر لي أن ذلك جائز بشرطين:
الأول: أن يكون هناك حاجة لأخذ هذا الهرمون كأن يكون الشخص قصيراً قصراً بائناً وغير طبيعي؛ لأنه حينئذ بمثابة العلاج.
الثاني: ألا يترتب على أخذ هذا الهرمون ضرر في العاجل أو الآجل، والمرجع في هذا هو الطبيب المختص الثقة؛ لأن الضرر ممنوع بكل حال كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا ضرر ولا ضرار" أخرجه أحمد (2865) ، وابن ماجة (2341) . والله أعلم.(15/26)
التلقيح الخارجي
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 29/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
يوجد في الغرب الآن لعلاج العقم عند الزوجين عملية زراعة النطفة المندمجة من الزوجين في رحم امرأة أخرى, هذا محرم إسلاميًا. هل حكمه كالزنا؟ والطفل الناتج من هذه العملية يعتبر ابنًا لأي المرأتين، صاحبة النطفة أم التي حملت به؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فإنه لا يحل إجراء (تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متطوعة بحملها) كما جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي المنعقد عام 1407هـ، لما يترتب على ذلك من اختلاط الأنساب، وضياع الأمومة، وغير ذلك من المحاذير الشرعية. كما جاء في نص القرار رقم (16) .
ولكن هذا الصنيع لا يعد زنًا، يوجب الحد. لأن الزنا هو الوطء في فرج محرم بأدنى ما يحصل به الوطء، وهو تغييب الحشفة. وإذا كان هذا العمل محرمًا شرعاً، انتفت الحاجة إلى المسألة الأخيرة. والله أعلم.(15/27)
القدر وتغير معدل العمر بالتقدم الطبي
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 04/01/1426هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: يثير بعض المشككين تغيّر عمر الإنسان بتغيّر التقدم الطبي والأوضاع الاقتصادية التي تعيشها المجتمعات الإنسانية. كيف يمكن الرد على هؤلاء؟ بارك الله فيكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نعم قد يجعل الله -تعالى- التقدم العلمي والرعاية الصحية والوقائية وحسن التغذية ونحو ذلك من أسباب ارتفاع معدّل الأعمار لبني الإنسان، وذلك كله لا يخرج عن قدر الله، والله - سبحانه وتعالى- حين قدّر الأعمار كان تقديره مبني على علمه السابق بكل ذلك، وليس في ذلك أي مجال للتشكيك إذا عُلمت مراتب القدر، وعلاقة الأقدار والأعمار والأرزاق بالأسباب، فالله تعالى بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وكتب مقادير كل شيء وهو سبحانه بكل شيء محيط، وخالق كل شيء، الأسباب ومسبباتها، فهو سبحانه الذي وفق البشر للتقدم الطبي ويسر لهم أسباب النمو الاقتصادي، وقدّر ما يترتب على ذلك.(15/28)
إجراء التجارب على الحيوانات
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 07/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا طالبة في كلية الصيدلة، وعندنا في الكلية نقوم بإجراء تجارب على الحيوانات، فإننا نقوم بإعطاء الضفدعة أو الفأر حُقناً، وهي تتألم كثيراً، وأحيانا نأخذ منها بعض الأعضاء وهي مازالت حية، وأنا أعرف أنه يكره قتل الضفادع، وقد قال النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "وإذا قتلتم فاحسنوا القِتلة"، ولكن هذه هي مناهج الكلية. فهل نحن نأثم على ذلك؟.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قتل الضفدع، مع أنّ السائل عن ذلك كان طبيبًا يريد جعلها في دواء، مسند أحمد (15757) ، مستدرك الحاكم (3/504) بسند صحيح، وكذا أبو داود (3871) ، والنسائي (4355) .
وإذا نهى النبي - عليه الصلاة والسلام- عن قتل الضفدع، فلا يسوغ لنا قتله، خاصة ويمكن الاستعاضة عن ذلك بغير الضفدع، كالفأر مثلاً.
وأما الفأر فلا إشكال في جواز قتله، بل أمر النبي - صلى الله عليه ولسم- بقتله في الحل والحرم. متفق عليه، البخاري (3314) ، ومسلم (1198) ، فلا مانع من التمرن على التشريح باستعمال الفأر مثلاً.
ويرد على هذا إشكال مذكور في السؤال، وهو التألم الحاصل له مع أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- بإحسان القتلة، أخرجه مسلم (1955) .
والجواب: أن هذا التألم المنافي لإحسان القتل يسوغ تفويته استجلاباً لمصلحة التمرّن على العمل الطبي الذي يتضمن رعاية حق الإنسان والرفق به، ودفع الأمراض ورفعها عنه، وهذه مصالح يسوغ لأجلها تفويت الإحسان. وهذا كتفويت الإحسان في القتل لتحصيل مصلحة المماثلة في القصاص، كما أخرج البخاري (2413) ، ومسلم (1672) في قصة الجارية التي رضّ اليهودي رأسها بين حجرين، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- برض رأسه بين حجرين، فالشرع يشهد بتفويت مصلحة الإحسان المأمور بها تحصيلاً لمصلحة تخدم النوع الإنساني، على أنه إذا أمكن تخديره قبل العمل المذكور، سواء كان تشريحاً أو غيره فهو أولى، وكذلك يمكن عمل التجارب على غير الفأر من الحيوانات التي يجوز أكلها إذا احتيج لذلك كالأرانب مثلاً، وذلك على النحو المذكور سالفاً. والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.(15/29)
التنويم المغناطيسي في العلاج الطبي
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 29/07/1426هـ
السؤال
ما حكم التنويم المغناطيسي في العلاج الطبّي؟ علماً أن دراسة التنويم المغناطيسي جزء من المنهج الدراسي في الطب.
وقد قرأتُ فتوى أنه حرام؛ على أساس أنه يتعلق بالجن، وقرأت أيضاً عن هذا العلاج كثيراً، وكله يتركّز على أمور نفسية لا علاقة لها بالجن والسحر.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
يمكن إيجازه فيما يلي:
(1) أن المسمى الصحيح لهذا التنويم هو (التنويم الإيحائي) .
(2) أن بعض الفتاوى التي صدرت في حكم التنويم المغناطيسي إنما كانت بناءً على ممارسات غير صحيحة، وغير داخلة في مسمى التنويم الإيحائي (المغناطيسي) ، فالإخبار بالغيبيات واستعمال الجن ينكرها من يمارس هذا النوع من أطباء ومختصين.
(3) أن التنويم الإيحائي (المغناطيسي) مجال علمي معروف، ومهمته العلاجية معروفة، وله قواعد وأسس، وتحقق به إنجازات طبية معروفة.
(4) أن التنويم الإيحائي يراد منه إقناع المريض بالعلاج الذي كان يرفضه في أحواله الاعتيادية، وكذلك يُراد من هذا التنويم تشكيل قناعة جديدة إيجابية لدى المريض حتى يتجاوز قناعاته السلبية.
(5) أن هناك ممارسات اختلطت بالتنويم الإيحائي (المغناطيسي) عند الأداء، وهذه الممارسات احتوت على أمور محرمة، فبدا للناس منها أن هذا التنويم محرم، والحرمة إنما جاءت من الممارسات لا من التنويم كما يحصل في (السيرك) من استعمال السحر والشعوذة.
(6) أن التنويم الإيحائي باعتباره نوعاً من المعالجة يمكن أن يستخدم في الخير ويمكن أن يستخدم في الشر، فالإقناع بفكرة ما يعتمد على مشروعية هذه الفكرة أو عدم مشروعيتها، فإن كانت الفكرة حسنة جازت المعالجة وإلا فلا. والله أعلم(15/30)
التهجين بين البهائم
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الطب والصحة
التاريخ 04/11/1426هـ
السؤال
ما الحكم في التهجين بين الفصائل المختلفة من البهائم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا كان المقصود بالتهجين أن نأخذ سلالة من الماشية (البقر- غنم- إبل) ونحو ذلك من نوع معين -مثل النوع البلدي-، ونجعلها تحمل من نوع آخر كالنوع الأجنبي -هولندي أو فرنسي- وهنا تعطينا سلالة أخرى هي وسط بين البلدي والأجنبي، هذا هو التهجين بمعناه العام، فهذا لا محذور فيه شرعاً، فالأصل فيه الجواز؛ لأنه لا يعدو أن يكون اختلاط نوع بنوع آخر.
أما إن كان المقصود بالتهجين -الاستنساخ- وهو أخذ خلية من جسم الكائن الحي التي بها عدد زوجي من الكروموزمات التي تحتوي على جميع الأوامر اللازمة للحياة، ومنها الجينات المسؤولة عن النمو الجيني، ويتم تنشيط الخلية المراد تكاثرها، بحيث تعمل الجينات المسؤولة عن النمو الجيني، وهو ما يؤدي إلى نشاط التكاثر، وينتج عن ذلك جين طبق الأصل من الأب أو الأم حسب مصدر الخلية، فهذا النوع من التهجين عبث، وهو تلاعب بالسلالات، واعتداء على الفطرة، ومتابعة للشيطان، قال الله تعالى: "فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله" [الروم:30] ، وقال تعالى: ولأضلنَّهم ولأُمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً" [النساء:119] .
وفقنا الله لاتباع هداه، وجنبنا سبل الشيطان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(15/31)
هل تقع الرؤيا على أول تأويل لها؟
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/تعبير الرؤى
التاريخ 1/6/1422
السؤال
هل صحيح أن الرؤيا على جناح طائر، تقع على أول تأويل لها؟
الجواب
الأحاديث الواردة في هذا المعنى كحديث أنس، وعائشة، وأبي رزين العقيلي-رضي الله عنهم- أحاديث لا تخلو من مقال من حيث الإسناد.
وهي من حيث المتن أيضاً مخالفة لما دلّ عليه حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- المتفق عليه في قصة الرجل الذي ذكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- رؤيا، ثم طلب أبوبكر-رضي الله عنه- من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعبرها، فذكر أبو بكر تعبيره، ثم سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل أصبت أم أخطأت؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً)) .
فلو كانت الرؤيا تقع لأول عابر لم يقل له النبي- صلى الله عليه وسلم-: ((وأخطأت بعضاً)) .
ولا يعني هذا أنها لا تقع لأول عابر، بل قد تقع ولكن هذا ليس دائماً، ولهذا بوّب البخاري -رحمه الله- على حديث ابن عباس المشار إليه بقوله: (باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب) والله أعلم. انظر فتح الباري 12/431.(15/32)
دفع بلاء الحرب بسورة الأنعام
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/تعبير الرؤى
التاريخ 20/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ.. تراسل الناس في هذه الأيام رسالةً هذا نصها: (رؤيا صالحة تدعو سكان الخليج لقراءة سورة الأنعام هذه الليلة أنشرها) فهل ترون -فضيلة الشيخ- استحباب قراءتها وحث الناس على ذلك استناداً إلى هذه الرؤيا التي نحسبها صالحةً إن شاء الله؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن مصادر التشريع التي تُتلقى منها الأحكام التكليفية الخمسة (الوجوب والاستحباب والإباحة والكراهة والتحريم) معروفةٌ محصورةٌ منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم، بعضها متفقٌ عليه، وبعضها مختلف فيه، ليست منها الرؤى والأحلام بإجماع أهل السنة والجماعة.
وإذا كنا لا نملك الحق في إلغاء شيءٍ من مصادر التشريع، فليس لنا ـ أيضاً ـ أن نزيد فيها مصدراً جديداً يشترع لنا أحكاماً جديدة في الدين، وهذا بابٌ خطير يُفضي بنا إلى صورٍ لا تتناهى من البدع والضلالات!
والقول باستحباب قراءة سورة الأنعام في مثل هذه المحنة التي تعصف بالأمة هو حكمٌ شرعيٌ لا يثبت إلاّ بدليلٍ شرعيٍ (ولا بد أن يكون من تلك المصادر التشريعية المعروفة المحصورة) ، وإلا أصبح تقوَّلاً على الله بغير علم، وتشريعاً في الدين لم يأذن به الله.
فمن قال باستحباب قراءة سورة الأنعام، أو استحباب شيء من الأقوال أو الأفعال استناداً إلى رؤيا فقد زاد في مصادر التشريع من حيث لا يشعر، وأحدث في دين الله ما ليس منه، وفتح على الأمة باباً إلى الخرافات والضلالات.
وتلقي الأحكام الشرعية من المنامات والرؤى إنما هو عملُ من لا خلاق لهم في الآخرة من المبتدعة، كالصوفية وأشباههم الذين يترسمون الطريق ويتعبدون الله بإيحاءات المنامات والرؤى، فضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل.
ولذا فمهما كانت الرؤيا صالحةً، ومهما كان صاحبها صالحاً، فهذا كله لا يرفعها إلى مقامات التشريع تستصدر منها الأحكام.
وقد حكى النووي (شرح صحيح مسلم 1/115) عن القاضي عياض في الاحتجاج بما يراه النائم في منامه قولَه: "إنه لا يبطل بسببه ـ أي المنام ـ سنة ثبتت، ولا يثبت به سنة لم تثبت, وهذا بإجماع العلماء". ثم قال النووي: "وكذا قال غيره من أصحابنا وغيرهم. فنقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع"أهـ
وقال رحمه الله (المجموع 6/292) : "لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان, ولم ير الناس الهلال, فرأى إنسان النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال له: الليلة أول رمضان لم يصح الصوم بهذا المنام، لا لصاحب المنام ولا لغيره" أهـ.
إن الرؤيا الصالحة حقٌّ، بيد أنها لا تزيد عن أن تكون مبشرةً كما شهدت بهذا أحاديث كثيرة مشهورة، والرؤيا الصالحة جزء من ست وأربعين جزءاً من النبوة.(15/33)
أو تكون منذرةً تُوقظ صاحبها من غفلته، وتهديه إلى التوبة، ويشبه هذا ما وقع لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه رأى في المنام كأن ملكين أخذاه فذهبا به إلى النار. يقول -رضي الله عنه-: فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول أعوذ بالله من النار. قال: فلقينا ملك آخر، فقال لي: لم ترع. فقصصتها على حفصة. فقصتها حفصة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال:"نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل" فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً. متفق عليه
وقد يقع من المنامات ما يكشف للإنسان شيئاً من الحاضر المحجوب، مما يكون موجوداً في الواقع لكنه محجوب عن نظر الإنسان وعقله، كما يقع لبعضهم أنه يرى في منامه ما يذكره بأمرٍ قد ذهل عنه أو ينبهه إلى شيء قد نسيه، أو دلالته على موضع شيءٍ أضاعه، وكما وقع لبعض علماء السلف ـ أنسيت اسمه ـ أنه استعصى عليه حديثٌ طلبه في مظانه حتى أعياه الطلب فلم يجده، فرأى في منامه رجلاً ينبهه إلى موضع ذاك الحديث في كتب السنن.
هذه هي دلالات الرؤيا التي يصح أن يستأنس بها، أمَّا أن تكون مصدراً تتلقى منه الأحكام الشريعة، فنحرم شيئاً أو نبيحه أو نستحبه لأجل رؤيا فهذا لا يجوز، "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله".
والمقصود: أن تعمد قراءة سورة الأنعام في هذه الأيام من أجل هذه الرؤيا ـ التي يزعمونها صالحة ـ بدعةٌ ضلالة، واستحباب ذلك ركوبٌ لجادّة المبتدعة.
وعلى المرء أن يتقي الله عز وجل، وألا يكون مطيةً لنشر الشائعات والخرافات. وعليه إذا ورده شيء من هذه الرسائل التي لا يَعرِف لها أصلاً ولم يسمع بمثلها ـ عليه أن يتريّث، وألا يسارع في نشرها وبثّها حتى يسأل عنها أهل العلم.
وكفى بالمرء إثماً أن يُحدِّث بكل ما سمع.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(15/34)
رؤية الرسول - صلى الله عليه وسلم-
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/تعبير الرؤى
التاريخ 4/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رؤية الرسول - عليه الصلاة والسلام - حق, فهل الذي لا يرى الرسول الكريم - عليه الصلاة والسلام - ليس إنساناً مؤمناً يستحق رؤيته صلى الله عليه وسلم؟ وما هي حقيقة الأمر؟ وهل توجد صلاة أو دعاء معين يجعلنا نرى الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إن رؤية الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المنام ليست من العمل المكتسب، وإنما هي هبة من الله تعالى، وليس عيباً في الإنسان ألا يرى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المنام، وإنما العيب هو مخالفته للرسول - صلى الله عليه وسلم -، والواجب على المكلف أن يجتهد في حسن المتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيتبع أوامره، ويجتنب نواهيه، ويؤمن بما جاء به من الأخبار، فإن هذا من مقتضى الشهادة للرسول - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة، وأما رؤيته - صلى الله عليه وسلم - في المنام فهذا ليس من الأعمال المكتسبة وإنما هي من الإلهامات، ولا يقدح في إيمان الإنسان ألا يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فعلى السائل وغيره أن يجتهد في حسن المتابعة كما جاء في قوله - تعالى - "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" [آل عمران:31] ، وقوله: - جل وعلا - "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" [الحشر: من الآية7] ، ونسأل الله تعالى التوفيق للجميع.(15/35)
الجديد(15/36)
كيف نجمع بين هذين الحديثين؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/6/1422
السؤال
لماذا نهى النبي -عليه السلام- عن تعليق الدعاء بالمشيئة، وورد عنه قول: ((لا بأس طهور -إن شاء الله-)) ؟
الجواب
ورد النهي عن تعليق الدعاء بالمشيئة في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، ارحمني إن شئت، ارزقني إن شئت، وليعزم مسألته، إنه يفعل ما يشاء، لا مكره له)) أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه (7477) . ولمسلم: (( ... وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه)) (2678) .
وهذا على إطلاقه، فإنّ تعليق الدعاء بالمشيئة يدلّ على ضعف في العزم، أو أن الداعي يخشى أن يُكره المدعوّ، والله سبحانه وتعالى لا مكره له، كما في الحديث.
وأما الحديث الذي أخرجه البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- دخل على أعرابي يعوده، قال: وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل على مريض يعوده قال: ((لا بأس طهور إن شاء الله ... الحديث)) (3616) فهذا الأسلوب أسلوب خبر، والخبر في مثل هذا يحسن تعليقه على المشيئة، مثال ذلك أن تقول: فلان رحمه الله، أو اللهم ارحمه، فلا يصح أن تُقيّد ذلك بالمشيئة. بخلاف ما إذا قلت: فلان مرحوم، أو فلان في الجنّة، فإنه لابدّ من التقييد بالمشيئة؛ لأن الأوّل دعاء، والثاني خبر، ولا يملك الإنسان الإخبار عن الغيب، فإن أخبر عن ما يرجوه وجب تقييد ذلك بالمشيئة والله أعلم.(15/37)
حجز مكان في المسجد
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/6/1422
السؤال
ما حكم حجز مكان في المسجد للصلاة؟
الجواب
إذا كان المرء داخل المسجد فلا حرج عليه أن يحجز مكاناً في الصف الأول، أو الصفوف المتقدمة. أو كان في المكان وخرج لحاجة كالوضوء فله أن يحجز المكان.
وأما إن حجز المكان وخرج لحاجة من حوائج الدنيا، أو لوقت طويل، أو للنوم فلا يجوز له حجز المكان؛ لأن غيره أحقّ به منه.(15/38)
المسبوق بالصلاة هل يدخل مع المتمّ؟
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن المشعل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/7/1422
السؤال
إذا دخل من فاتته الصلاة، ووجد شخص يتمّ ما فاته هل يجوز لمن فاتته الصلاة أن يدخل مع المتم؟ أم أنه ينتظر لدخول أحد فاتته الصلاة؟ أم يصلي أم ماذا؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
أجاب عن هذا السؤال بعينه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- بما نصه:
(إذا جاء المسبوق المسجد، وقد صلى الناس، ووجد مسبوقاً يصلي شرع له أن يصلي معه، ويكون عن يمين المسبوق حرصاً على فضل الجماعة، ولا حرج في ذلك في أصح قولي العلماء) . (مجموع الفتاوى 1/455) .
وفي موضع آخر قال: (يجوز الائتمام بمن دخل المسجد وقد سلم الإمام، بمن أدرك بعض الصلاة مع الإمام وقام يقضي ما بقي من صلاته) المرجع السابق 1/444.(15/39)
زكاة الأرض التجارية
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/6/1422
السؤال
ما الحكم في الأراضي التي تشترى من أجل التجارة، وقد تبقى في ذمة المشترى عدة سنين؟ هل تزكى كلما حال عليها الحول، أم تزكى عند بيعها عن سنة واحدة؟ وما مقدار الزكاة فيها؟
الجواب
ما دام اشتراها للتجارة، ونيته مستمرة على هذا، فتزكى كلما حال عليها الحول، وإن عدل عن التجارة، ونوى بها البناء للسكن، أو التأجير فلا زكاة فيها حينئذٍ.
ومقدار الزكاة فيه كزكاة عروض التجارة، ربع العشر مما تساويه عند تمام الحول.(15/40)
المسبوق في صلاة الجنازة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 5/7/1422
السؤال
كيف أقضي صلاة المسبوق لصلاة الجنازة؟ خاصة إذا دخلت مع الإمام ولاأعلم في أي تكبيرة؟
الجواب
إذا دخلت مع الإمام وقد فاتت بعض التكبيرات، فكبّر واقرأ الفاتحة، فإذا كبَّر الإمام التكبيرة الأخرى فكبّر وصلَّ على النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا سلّم الإمام وأنت لم تقضِ صلاتك، فلا يخلو إن كانت الجنازة باقية على الأرض فأكمل صلاتك على صفتها الصحيحة الكاملة، وأما إذا كنت تخشى أن ترفع الجنازة ولا يبقى بين يديك شيء فتابع تكميل التكبيرات الأربع، ثم سلّم تسليمة واحدة على يمينك.(15/41)
تداهمني خواطر الرياء
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز المجيدل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 5/7/1422
السؤال
في هذه الآونة كثر عند الشباب الوسواس والجواب عن الوضوء وغيرها واضح، ولكن هنا إشكال لم أجد من أجاب عليه! أن بعض الشباب يرى أنه يرائي في الدعوة إلى الله، ويحاول أن يطرد الشيطان، ولكنه يقول إني ألعب على نفسي في طرده ومازال الشيطان يوسوس له أنه مراءٍ، حتى إنه حاول ترك العمل، كيف يتخلص هذا الشاب من مشكلته؟
الجواب
لاشك في أن إخلاص العمل من شروط القبول، قال - تعالى-: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولايشرك بعبادة ربه أحداً "، وقال سبحانه: " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " وفي الصحيح يقول - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه -عزّ وجل-: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه "، والنصوص في الوحيين كثيرة في هذا المعنى، فحرص المسلم على النجاة من هذا المفسد العظيم الرياء والسمعة من المجاهدة المشروعة، قال - تعالى-: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " وهذا الشعور إن كان عارضاً خاطراً فهو لايضر، وإن كان مسيطراً على شعور الإنسان، فهو عرض لمرض، ذلك أن الشيطان -حفظنا الله منه- يشم قلب الإنسان، ويدرك وجهة ضعفه فيه فيأتيه منه، فتأثيره يعرض للإنسان في عباداته بصلاته وزكاته وحجه، وتارة بما يجب لتلك الأركان من الشروط كالوضوء والقبلة ونحوها، أو مفطرات الصيام، أو بلوغ النصاب ودوران الحول للزكاة وهكذا.
وقد يترقى الشيطان درجة في نفس المؤمن فيأتيه بمفسد لأصل عمل من أعمال البر، بأن يخوفه من الشرك الأصغر (الرياء) ، وبأنه يُسمع في عباداته، ويتظاهر بطاعاته، والحَلُّ في هذه الحالة أن يدرك المسلم أن هذا مكرٌ من عدوه ولون من ألوان حربه، ولو كان مرائياً أو منافقاً لما أيقظه الشيطان، وكيف يدعوه لترك أمر هو من أعظم ما يجهز به على المؤمنين، بل الشيطان سيجعله يستمر في هذا العمل، وذلك النفاق.
وقد حرص السلف على أن لايترك المسلم العمل خوفاً من الرياء بل قد اختلف العلماء في العبادة التي بدأها المسلم مخلصاً ثم ورد عليه الرياء في وسطها وهو يدافع ذلك الوارد هل يجازي عليها باعتبار البداية أو يسقط أجرها باعتبار النهاية والخاتمة والجمهور على الأول كما حكاه ابن جرير، وإذا عَظٌم الله في نفس العابد، فهو يضع الناس في موضعهم الصحيح فشدة مراقبة العبد لربه وكمال علمه واطلاعه من أعظم ما يوعظ به المسلم، ولذا لاتخلو ورقة من المصحف من ذكر علمه -سبحانه-، واطلاعه. وذَكَر أهل العلم أن هذا أعظم واعظ في القرآن.
كما أن الشعور العارض الغير مستقر لايفسد العمل ويسمى الخواطر، وهذا من عمل الشيطان قال ـ تعالى ـ في وصف المؤمنين: ((وإذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)) فهو يمسهم ولكنهم يتذكرون.(15/42)
ـ وأما فرح المسلم بمدح إخوانه له على عمل صالح عمله فانتفعوا به هم أو غيرهم فهو لايضره، فقد جاء في (صحيح مسلم) من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: " قيل لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال: تلك عاجل بشرى المؤمن " (صحيح مسلم 2642) .(15/43)
زكاة مساهمات الأراضي
المجيب د. سعود بن محمد البشر
عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 5/7/1422
السؤال
ساهمت في قطعة أرض، واستمرت المساهمة أكثر من خمس سنوات ولم تصفى لمشاكل بها، ونظراً لحاجتي الماسة للمال بعتها بخسارة، وأنا مديون الآن، علماً أني لم أخرج زكاتها طوال تلك السنوات، فهل يجب علي إخراج الزكاة عنها الآن؟ مع العلم أني لازلت مديوناً.
الجواب
هذه المساهمة التي فيها مشاكل هي بمثابة المال الذي عند مليئ مماطل، فتزكى إذا قبضت لسنة واحدة هي سنة القبض، وإن زكيت لكل ما مضى من السنوات فهو أحوط، وأبرأ للذمة.(15/44)
صلاة المنفرد خلف الصف
المجيب
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/8/1422
السؤال
هل يجوز أن يتراجع أحد المصلين في جماعة ليصطف بجانب شخص منفرد بالخلف؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
تجوز الحركة التي لمصلحة الصلاة ولا تفسدها، فقد كان الرسول-صلى الله عليه وسلم- يفتح الباب لعائشة وهو يصلي النافلة.
لكن هل يحتاج إلى تلك الحركة المسؤول عنها لا شك أن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح لكن إذا عجز عن المصافة لاكتمل الصفوف أمامه فليس له أن يجذب رجلاً من أمامه ليصافه بل عليه البحث عن فرجة فإن لم يتمكن فإن بعض أهل العلم يرى أنه يتقدم ليصف عن يمين الإمام، ويرى آخرون أنه يصف خلف الصف وحده؛ لأن مصافته لغيره واجبة تسقط بالعجز كغيرها من الواجبات، وهذا أيسر وأسهل فلا يشوش على المأمومين وخاصة إذا كانت الصفوف كثيرة والله أعلم.(15/45)
من أتبع من العلماء؟
المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/8/1422
السؤال
أنا إنسان قلق أقف على مفترق طرق الحيرة تقلقني حيث أجد نفسي في مأزق كامن في كوني مأموراً بسؤال أهل الذكر واتباعهم وهم ففي نظري ونظر البعض في طرفين:
علماء وضعتهم حكوماتهم ودولهم بشكل رسمي للفتيا، وعلى الطرف الآخر من يقف مناهضاً يكفرهم ويكفر حكوماتهم ويصف فتواهم وكلامهم بأنه يتمشى مع رغبات الدولة بعيداً عن كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وكل من الطرفين يورد أدلة يحيرني ولا أدري الحق مع من منهم، وأني سائلكم أن تنقذوني وتوضحوا لي الحق فأنا في انتظار جوابكم.
الجواب
ينبغي عدم التعجل في تكفير الأشخاص أو المؤسسات والحذر من ذلك، والتحرّز من الانزلاق في التكفير دون علم أو تثبت، فالكفر حكم شرعي متلقى عن صاحب الشريعة، والتكفير حق الله تعالى، فلا بد من مراعاة ضوابط التكفير وموانعه، والالتفات إلى عوارض الأهلية، ومن ذلك التفريق بين التكفير المطلق وتكفير المعين ومراعاة العذر بالجهل، وتحقق قيام الحجة، ومانع التأول في التكفير، واعتبار المقاصد في باب التكفير.
وكما نحذر من الغلو والإفراط، ففي المقابل نحذر من مسلك التبرير والتهوين، فلا يغلق باب الردة فيحكم بإسلام من ظهر كفره بالحجة والبرهان، فإن كان إخراج رجل من الإسلام من الأمور العظام، فكذا العكس.
وما أورده السائل من نقد لبعض أهل العلم فنوصي السائل بتقدير أهل العلم والانتفاع بعلومهم، وإن احتيج إلى الكلام فيهم فلا يكون ذلك إلا بعلم وعدل، وأن يحذر من التقول والتخرص، أو الظلم والتعدي، لا سيما وأن لحوم العلماء مسمومة، وأن يُعنى باتباع الحق والدليل، وألا يتبع العالم في زلته، وكما قال معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: " واحذروا زيغة الحكيم " وعلى السائل أن يتجنب هذا التهويل الذي عرض له، وذلك بأن يلجأ إلى ربه وينكسر بين يديه، ويسأله أن يهديه لما اختلف من الحق بإذنه. وأن يشتغل بما ينفعه من العلم النافع والعمل الصالح والله أعلم.(15/46)
أفضلية ميامن الصفوف
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/8/1422
السؤال
هل ورد حديث عن النبي r يبين فضل يمين الصف في الصلاة عن يساره؟
الجواب
أخرج الإمام مسلم (رقم 709) ؛ وأبو داوود (رقم 615) ، والنسائي (رقم 822) ، وابن ماجة (رقم 1006) ، وابن خزيمة في صحيحه (رقم 1563 - 1565) ، من حديث البراء بن عازب، قال: "كُنّا إذا صًلّينا خلفَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحببنا أن نكون عن يمينه، يُقبل علينا بوجهه ".
وقد بّوب عليه ابن خزيمة بقوله: "استحباب قيام المأموم في ميمنة الصفّ"
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنّف (1/341) من طريق ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن عَمرو، قال: "خير المسجد المقام، ثم ميامن المسجد".
وأخرجه الفاكهي في أخبار مكة (رقم 1027) ، من هذا الوجه، بلفظ " خير المسجد خلف المقام، وعن يمين الإمام".
وإسناده صحيح، إذا كان عطاء بن أبي رباح سمع من عبد الله بن عَمرو، وظاهر تصحيح ابن خزيمة وابن حبّان والحاكم لعطاء عن عبد الله بن عَمرو أنه قد سمع منه.
وهذان الحديثان وإن كان ظاهرهما الوقف، لكنهما مثالان صحيحان للموقوف الذي له حكم الرفع:
أمّا الأول: لأنه فعلٌ بمحضر النبي صلى الله عليه وسلم وأقرّهم عليه.
وأمّا الثاني: فلأنه فضيلةٌ لا تُقال بالاجتهاد، ولا يظهر أنها من الإسرائيليّات. لذلك فهما كافيان لبيان فضيلة ميامن الصفوف على مياسرها.
وهناك حديث آخر لكنه ضعيف، وهو حديث عائشة مرفوعاً: "إن الله وملائكته يُصَلون على الذين يُصَلّون على ميامن الصفوف". انظره في تمام المنّة للألباني (288) والله أعلم.(15/47)
هل أدخل في الصلاة الحاضرة بنية الفائتة
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن المشعل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/8/1422
السؤال
آتي من العمل مرهقاً وغالباً ما أنام عن صلاة العصر، ولا أستيقظ إلا مع أذان المغرب فأسرع لإدراك الجماعة. فهل أصلي معهم المغرب ثم أقضي العصر بعدها أم ماذا أفعل؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
أولاً، اعلم أن عملك هذا - وهو تأخير الصلاة عن وقتها عملٌ منكر عظيم وتستتاب عليه ولا يقبل من مسلم، لكن من ترك الصلاة لعذر ثم دخل المسجد فوجدهم يصلون الصلاة الحاضرة فقد أفتى كل من الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين - رحمهما الله تعالى - بأنك تدخل مع الجماعة بنية الصلاة الفائتة ثم تصلي الصلاة الحاضرة بعدها ليحصل الترتيب. وعلى هذا فأنت تصلى معهم المغرب بنية العصر وتأتي بركعة رابعة بعد سلام الإمام - والله أعلم.(15/48)
هل يزاد في صلاة المغرب رابعة لتصير شفعاً للمتطوع؟
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن المشعل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/8/1422
السؤال
لم أدرك صلاة الجماعة لصلاة المغرب، فطلبت من أحد الذين فرغوا من صلاة المغرب للصلاة معي لتكون له نافلة ولي فرضاً، فهل يسلم معي أم يتم الركعة الرابعة؟ أفيدوني مأجورين، والله يحفظكم.
الجواب
إذا تطوع أحد المصلين بالصلاة معك فإنه يؤجر على ذلك إن شاء الله تعالى لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي فاتته الصلاة: "من يتصدق على هذا؟ " أخرجه أبو داوود والترمذي وصححه جمع، والراجح من أقوال أهل العلم أن هذا عام في كل الصلوات المفروضة ومنها المغرب فلا يزاد فيها لتصير شفعاً بل تعاد على هيئتها والعلم عند الله تعالى.(15/49)
تعزية النصارى
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 1/6/1422
السؤال
هل يجوز تقديم التعزية للنصارى وكيف يكون في حالة الإيجاب؟
الجواب
نعم يجوز تعزيتهم عند الوفاة، وعيادتهم عند المرض، ومواساتهم عند المصيبة. فعن أنس -رضي الله عنه- قال: ((كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فمرض، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: ((أسلم)) ، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- فأسلم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنقذه من النار)) . أخرجه البخاري (1356) .
وعنه -رضي الله عنه- أن يهودياً دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خبز شعير، وإهالة سنخة فأجابه. أخرجه أحمد (13201) بسند صحيح.
وينبّه على أن المسلم إذا فعل ذلك فعليه أن ينوي بذلك دعوتهم، وتأليف قلوبهم على الإسلام، ويدعوهم بالطريقة المناسبة في الوقت المناسب.
كما ينبّه أيضاً على أنه في حالة التعزية لا يدعى لميّتهم بالمغفرة وبالرحمة أو الجنة، لقوله تعالى: ((ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أُولي قربى)) وإنما يدعى لهم بما يناسب حالهم بحثهم على الصبر، ومواساتهم، وتذكيرهم بأن هذه سنّة الله في خلقه. والله أعلم.(15/50)
تأجير جزء من المسجد
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/5/1422
السؤال
لدينا مسجد ذو مساحة كبيرة، وملحق به مكتبة ليس لها مدخل إلا من داخل المصلى. وقد اقترح بعض الإخوة أن تؤجر هذه المكتبة على بعض المؤسسات الخيرية التي تقيم دورات إدارية ومهارية وشرعية بمقابل يعود لصالح المسجد، لكنني أخشى أن يكون هذا العمل من البيع في المسجد، فما الحكم مأجورين؟
الجواب
إذا كان هذا المسجد داخل المملكة، فلا يصح التصرف في أي جزء من أجزائه إلا بعد مراجعة إدارة الأوقاف والمساجد في بلده؛ لأنها هي الجهة التي جعل لها ولي الأمر رعاية المساجد، والنظر فيما يخصها.
وأما إذا كان هذا المسجد خارج المملكة فلا يجوز التصرف بتأجير أي جزء من أجزائه، لأنه جعل وقفاً لما خصص له والله أعلم.(15/51)
رش الماء على قبر الميت؟
المجيب د. عبد العزيز بن أحمد البجادي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/4/1422
السؤال
أرى بعض الأخوة المسلمين عند زيارة القبور يقومون برش الماء على قبر الميت. فما أصل وحكم ذلك العمل في الإسلام؟.وجزاكم الله خيراً.
الجواب
استحب طائفة من العلماء أن يرش القبر عقب الدفن، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي, وأحمد، وهو المقرر عند جل أصحابهم، تمسكاً بحديث جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رش الماء على قبر إبراهيم ابنه، وحديث جابر أن بلالاً رش على قبر النبي صلى الله عليه وسلم الماء رشاً، وسائر العلماء على أن هذا غير مشروع، لأن الحديثين أخرجهما البيهقي بإسنادين ضعيفين، فإن الأول مرسل، والآخر فيه الواققدي، وهو ضعيف، وفقكم الله إلى سبيل الرشاد.(15/52)
زكاة الأرض
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/4/1422
السؤال
امرأة اشترت قطعتي أرض ولم تنو بها التجارة، هل عليها زكاة؟
الجواب
لا زكاة فيها حتى تُباع، فإذا باعتها أخرجت زكاة سنة واحدة، فإن عمرتها فلا زكاة فيها، وإن أجَّرتها فالزكاة في أُجرتها إذا حال عليها الحول.(15/53)
قراءة الفاتحة على روح الميِّت
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/4/1422
السؤال
هناك عادة منتشرة بين الناس ألا وهي قراءة الفاتحة على روح الميِّت، يُرجى بيان الحكم الشرعي في هذه العادة وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
اختلف أهل العلم في إهداء القراءة للميِّت، وذهب أكثرهم إلى الجواز قياساً على الصدقة.
وذهب جمع من أهل العلم إلى أنَّه لا تُهدى القراءة، ولا يصل ثوابها، وذلك أنَّ أمر الثواب غيب لا يقطع به الإنسان لنفسه، ولا يملك الإنسان التصرُّف فيه، وإنَّما المشروع فعل العبادة عن الغير كالصدقة عنه، فيقتصر فيه على ما ورد، ولم يرد عن الرَّسول ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ ولا عن أحدٍ من أصحابه القراءة عن الميِّت، لا أمراً ولا إذناً، وهذا القول أظهر.
وليس لسورة الفاتحة خصوصيَّة في هذا الحكم. فلم يفرِّق المجيزون ولا المانعون بين الفاتحة وغيرها، فتخصيص الفاتحة بذلك لا أصل له، والمعروف أنَّ الَّذين يستحبون قراءة الفاتحة على روح الميت من العامة أو من غيرهم يخُّصون ذلك ببعض الأحوال والمناسبات، مثل قراءتها عند دفنه، أو عند الإحداد المبتدع، أو عند العزاء، وهذا كله بدع، كالَّذين يقفون قياماً حداداً على ميِّت ويقرؤون الفاتحة. وينبغي أن يُعلم أن استئجار من يقرأ القرآن ويهدي ثوابه حرام على المستأجِر والمستأجَر باتفاق أهل العلم، لأن من يقرأ القرآن بالأجرة لا ثواب له، فيجب الحذر من هذه العادة القبيحة المنكرة. أهـ.
والله أعلم(15/54)
الجماعة الثانية في المسجد. .
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/7/1422
السؤال
تحدث الإمام في المسجد ونهى عن إقامة الجماعة الثانية في المسجد وبين إن ذلك مما يفرق بين المسلمين فما حكم ذلك؟ وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
نعم، نقول إذا قصدت الجماعة المتأخرة التخلف عن الإمام الراتب لتصلي بعده فهذا لا يجوز، لأن في هذا تفريقاً لجماعة المسلمين، وأما إذا لم تقصد الجماعة المتخلفة التأخر عن الإمام وإنما فاتت عنها الجماعة لعذر شرعي كالنوم أو شغل يبيح ذلك فلا بأس بإقامة جماعة أخرى بعد الجماعة الأولى، والدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرجل الذي دخل المسجد بعد الصلاة من يتصدق على هذا؟ أي يصلي معه. لكن لا يجوز إقامة جماعتين في وقت واحد والله أعلم.(15/55)
سماع الميت ما يجرى حوله
المجيب د. عبد الله بن محمد الغنيمان
رئيس قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/7/1422
السؤال
إذا توفي شخص هل يشعر بالذي يجري حوله من أهله عند وجوده عندهم في البيت قبل غسله ودفنه وتكفينه، وهل الميت يسمع كل ما يدور بجانبه؟
الجواب
الميت لا يدري ما يدور عنده ولا يشعر بما يفعله أهله، إنما إذا وضع في قبره ردت إليه روحه كما جاء في الحديث، ثم جاء سؤال الملكين له.
وبعد ذلك تكون الروح لها صلة بالبدن، لكن هذه الصلة ليست كاتصالها بالبدن في الدنيا؛ لأن تعلقات الروح بالبدن تختلف حسب الأطوار التي للإنسان، فتعلقها ببدنه وهو في بطن أمه غير تعلقها به وهو في الحياة الدنيا وبعد خروجه من بطن أمه وكذلك تعلقها به قبل موته غير تعلقها به بعد موته، وكذلك بعد البعث فهو أكمل وأتم بحيث لا تقبل المفارقة، فعلى هذا فشعوره بمن يزوره على هذا المعنى.(15/56)
بناء دورات المياه أسفل المسجد
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/04/1425هـ
السؤال
ظهرت في بعض المناطق من بلادنا ظاهرة في بناء المساجد، وهي أنه يُبنى المسجد من دورين أو أكثر، ويخصص الدور الأرضي منه -أعزكم الله - لدورات المياه،
أفتونا -جزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأحسن والأفضل أن تخرج دورات المياه خارج المسجد، وأن تكون منعزلة عن المصلى، فإن لم يتيسر ذلك إما لشح النفقة أو العقار، أو غير ذلك، فلا بأس أن تكون دورات المياه في الدور الأول، والمصلى يكون في الدور الثاني، والصلاة على النجاسة إذا كان هناك حائل لا بأس به؛ لأن المصلي إنما صلى على أرض طاهرة، وفي حديث جابر - رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" رواه البخاري (438) ، ومسلم (521) ، وحديث أبي سعيد- رضي الله عنه- أن النبي - عليه الصلاة والسلام- قال: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" رواه الترمذي (317) ، وأبو داود (492) ، وابن ماجة (745) ، وهذا ليس صلاة بالمقبرة، وليس في الحمام، وما ورد من النهي من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما- من الصلاة على سبعة مواضع ذكر منها الحمام، فإن هذا لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم-، والصواب في ذلك صحته، وأن هذا جائز ولا بأس به، ولكن -كما أسلفت- إن وضعت دورات المياه خارج المسجد فهذا أحسن وأولى. والله أعلم.(15/57)
لبس الأصفر من الثياب
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/04/1427هـ
السؤال
قرأت حديثاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصبغ لحيته بالصفار، وكان يصبغ ملابسه وعمامته بالصفار، لكن هناك حديث آخر يحرم على الرجل لبس الصفار. فهل لبس الأصفر من الملابس حلال، أم لا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد جاءت أحاديث بنهي الرجال عنه، منها ما في صحيح مسلم (2077) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليّ ثوبين معصفرين، فقال: "إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها".
وما في صحيح مسلم (2078) أيضاً عن علي رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهاه عن لبس المعصفر.
والعصفر نبت بأرض العرب كما في معاجم اللغة.
وقد اختلف في اللون الذي يتركه العصفر على الثياب، هل هو الصفرة، أم الحمرة؟
وعلى كل تقدير فإن النبي صلي الله عليه وسلم ثبت عنه لبس الأصفر، ولبس الأحمر.
فأما لبس الأصفر، فمنه ما في الصحيحين البخاري (166) ومسلم (1187) عن ابن عمر -رضي الله عنهما- وقد سئل عن جملة مما يفعله، ومنها صبغه بالصفرة، فقال: وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصبغ بها، فأنا أحب أن أصبغ بها.
وفي المسند (5717) عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يصبغ ثيابه ويدهن بالزعفران، فسئل عن ذلك، فقال: (إني رأيته أحب الأصباغ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدهن به ويصبغ به ثيابه) . وأخرجه أبو داود (4210) بنحوه.
وأما لبس الأحمر، فمنه ما في الصحيحين البخاري (2376) ومسلم (503) عن أبي جحيفة رضي الله عنه، أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج في حلة حمراء مشمراً. وكذلك ما في الصحيحين البخاري (3551) ومسلم (2337) عن البراء -رضي الله عنه- قال: رأيته في حلة حمراء.
وقد اختلف العلماء في الجمع بين أحاديث النهي، وأحاديث الإباحة، وأقرب الأوجه في ذلك ما ذكره الترمذي (2807) -رحمه الله- لما روى حديثاً في النهي عن لبس الأحمر -وهو حديث ضعيف - قال: معناه عند أهل الحديث أنه كره المعصفر، ورأوا أن ما صبغ بالحمرة من مدر أو غيره فلا بأس به إذا لم يكن معصفراً ا. هـ.
وعلى هذا فلا بأس -إن شاء الله- بلبس ما لونه أصفر، وكذلك ما كان لونه أحمر، وإن كان ابن القيم -رحمه الله- حمل ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من لبسه الأحمر على المخطط دون الأحمر القاني (الخالص) ، فإذا اجتنب الأحمر الخالص فهذا حسن.
وإذا علم أن ما كان لونه أحمر أو أصفر، إنما هو بمادة العصفر فليجتنبه، كما دل عليه الحديث السابق، ولعل العلة مشابهة الكفار، لكونهم يصبغون بالعصفر.
وإن كان هذا في الواقع نادراً فيما يظهر، حيث صارت الأصباغ في الأعم الأغلب من المواد البترولية والكيميائية.
وعلى كل حال فما علم أنه ليس مصبوغاً بالعصفر، أو لم يعلم حاله، فالأصل فيه الإباحة.
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(15/58)
الأناشيد المصحوبة بمؤثرات صوتية!
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/04/1427هـ
السؤال
قد كثر في الآونة الأخيرة إصدار بعض الأناشيد المسماة (أناشيد إسلامية) تؤدى بأداء يشبه أداء الأغاني المحرمة، وتكون مصحوبة ببعض المؤثرات الصوتية المشابهة للموسيقى! وتتضمن كلمات غير هادفة. فما حكم أدائها، إصدارها، وسماعها؟ وما الضوابط المعتبرة في الإنشاد؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن هذا اللون من الأناشيد الموصوفة في السؤال أعلاه، لا يصح أن يسمى: (أناشيد إسلامية) بل هي أقرب إلى أن تلحق بالسماع المحرم، ومشابهة الصوفية. فلا يجوز أداؤها على النحو المذكور، ولا سماعها، ولا تداولها.
وأما الضوابط التي تجب مراعاتها في الإنشاد المباح:
أولاً: ألا يعتقد المنشد أن فعله هذا عبادة، فإنه لا يتعبد لله إلا بما شرع. وغاية ما يقال، إذا سلم من المحاذير، أنه مباح.
ثانياً: أن يكون الحامل له عليه طرد السآمة والملل، واستجلاب النشاط، كما يصنع الحرفيون في البناء، والحفر، أو المسافرون لقطع مراحل الطريق، وما شابه ذلك. ولا يكون ديدناً للإنسان يهدر فيه وقته، ويدمن عليه.
ثالثاً: ألا يكون مقصوداً لذاته؛ تنشأ له الفرق وتعقد له الاحتفالات، ويجتمع له الناس.
رابعاً: أن يخلو من آلات الطرب الوترية، والهوائية، وما في حكمها، فإن العبرة بالمخرّجات المسموعة، بقطع النظر عن طريقة إخراجها.
خامساً: ألا يشابه لحون الفساق، وأداء المتميعين؛ بإصدار التأوهات، والهمهمات، وما يسمونه (الموَّالات) ، والأصوات الناعمة التي قد تثير الغرائز والشهوات.
سادساً: أن يخلو من الكلمات الفارغة، والمعاني الفاسدة، والهزل المذموم، والكذب، وأن يكون مثيراً للحماس والنشاط، أو الموعظة الصالحة.
وإني لأدعو إخواني من الشباب، وغيرهم، إلى أن يشغلوا أوقاتهم بالنافع المفيد. وأن يأخذوا أنفسهم بالجد والحزم، ولا بأس بالترويح المباح، كما أدعو أصحاب التسجيلات إلى أن يعتنوا بإخراج المواد الإعلامية، والتربوية، المثمرة. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.(15/59)
حبس الحيوان المؤذي حتى الموت!
المجيب أ. د. ياسين بن ناصر الخطيب
أستاذ بقسم القضاء في جامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/05/1427هـ
السؤال
ما حكم امرأة حبست أرنباً في جحر حتى مات لأنه تسبب في إتلاف مزرعتها؟ وماذا يقول الشرع في امرأة أسقطت صغار العصفور من الشجرة من غير قصد منها -فخافت أن يعاقبوها لأجل هذا الأمر- فقامت برميهم في حفرة؟ لكن لا نعلم ماتوا أم لا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا كان هذا الأرنب يتلف المزروعات فلا بأس بذبحه وأكله، لكن لا ينبغي حبسه حتى الموت لأن في هذا تعذيباً للحيوان، وقد نهى عنه الشرع، كما في حديث نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تصبر البهائم أي تحبس حتى تموت. صحيح البخاري (5513) ، وصحيح مسلم (1956) .
ومعلوم أن كل مؤذ يجوز التخلص منه، بقتله، أو خنقه، هذا كله إذا لم تكن القضية في مكة المكرمة أو الحرم كله، وإلا فعليها فدية وهي ذبح شاة صغيرة في حرم مكة المكرمة، توزع على الفقراء. والله أعلم.
الجواب الثاني:
الحمد لله، لا ينبغي إيذاء صغار الطيور لأن ذلك مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ففي سنن أبي داود (2675) ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر؛ فانطلق لحاجته، فرأينا حمَّرة معها فرخان؛ فأخذنا فرخيها؛ فجاءت الحمرة، فجعلت تفرش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من فجع هذه بولدها! ردوا ولدها إليها". ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: "من حرّق هذه؟ ". قلنا: نحن. قال: "إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار". والله أعلم.
هذا كله إذا لم تكن القضية في مكة المكرمة أو الحرم كله، وإلا فعليها فدية وهو دفع قيمة هذه الطيور للفقراء في حرم مكة المكرمة. والله أعلم.(15/60)
حق المدير في الإذن للموظفين بالخروج!
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/04/1427هـ
السؤال
أنا موظف أعمل في دائرة حكومية، حيث إن الدوام من الساعة (7,30-3،30) ، إلا أن مدير الدائرة يسمح لنا بالخروج من العمل قبل الوقت المحدد بحوالي ساعة إلا ربع، علماً أنه لا يترتب على ذلك أي تأخير في سير العمل، هل خروجنا من العمل في هذه الحالة جائز أم لا؟ وهل له الحق في ذلك؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الجواب عن هذا السؤال يختلف باختلاف الأحوال كما يلي:
1- إن كان للمدير صلاحية في هذا التصرف من قبل من هو فوقه فلا حرج عليكم.
2- إن كان ثم عُرف أو عادة متبعة في التساهل بمثل هذا الوقت في جميع الجهات التي تشبه عملكم، فأرجو ألا يكون بذلك بأس.
3- إن كنتم تعلمون أن المدير لا صلاحية له في ذلك، وقد نص عقد العمل على استيفاء الزمن المحدد لكم، فلا أرى لكم رخصة في خروجكم قبل الموعد المحدد، حتى وإن كان ذلك لا يؤثر على سير العمل، ذلك أنكم من قبيل الأُجَرَاءِ الخاصين كما يعبر الفقهاء، وهم الأجراء المتعلقون بالزمن وليس بالعمل.
4- إن كنتم لا تعلمون الحال فقد يقال حينئذ: إن المسؤولية تقع على المدير وحده، فما دام قد أذن لكم فهو المسؤول عنكم وتسقط عنكم التبعة. والله أعلم.(15/61)
من أين كان كَسْب النبي صلى الله عليه وسلم
المجيب علي بن سالم بن سعيد بكيّر
عضو مجلس الشورى بالجمهورية اليمنية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 08/05/1427هـ
السؤال
يقول صلى الله عليه وسلم "ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم، وأنا كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط". ويقول أيضاً "أن نبي الله داوود كان يأكل من عمل يده" ونعلم أنه -صلى الله عليه وسلم- قد أكل من عمل يده كما هو معلوم يوم كان راعياً.. ولكن كان هذا قبل البعثة.. فمن أين كان كسبه صلى الله عليه وسلم بعد هجرته للمدينة؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمن المعلوم الثابت في السنن الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رعى الغنم في صغره، كما في صحيح البخاري (2262) وخرج إلى الشام في تجارة السيدة خديجة رضي الله عنها. -مضاربة - ثم لما شرع الله الجهاد بالمدينة كان يأكل مما أحل الله له من الغنائم التي لم تبح لأحد من قبله، ومما أفاء الله عليه من أموال الكفار التي أبيحت له دون غيره، كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقومٍ فهو منهم". أخرجه البخاري معلقاً في كتاب الجهاد، ووصله أحمد (5409) ، وغيره. وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير.(15/62)
هل الذبيح إسحق أم إسماعيل؟!
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/04/1427هـ
السؤال
أناظر نصرانيا عبر البريد الإلكتروني حول الذبيح أهو سيدنا إِسحق أم سيدنا إسماعيل عليهما السلام؟ أرجو الإفادة بخصوص هذا وجزيتم خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
فالصحيح من أقوال العلماء أن الذبيح هو: إسماعيل عليه السلام، وهذا القول هو الذي دل عليه الكتاب والسنة، وهو الذي تدل عليه التوراة الموجودة عند أهل الكتاب، قال الله سبحانه وتعالى في سورة الصافات عن إبراهيم عليه السلام: (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) . [الصافات:99-113] .
فيُستدل بهذه الآيات الكريمة على أن الذبيح إسماعيل عليه السلام من وجوه:
1- أن الله سبحانه وتعالى ذكر عن خليله إبراهيم عليه السلام، أنه لما هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهب له ولداً صالحاً، فبشره الله تعالى بغلام حليم، وهو إسماعيل لأنه أول من ولد له، وهو بكره، ثم لما بلغ معه السعي أي أصبح يطيق أن يفعل ما يفعله أبوه، أُري إبراهيم في المنام أن يذبحه، ولما ذكر الله سبحانه وتعالى قصة إسماعيل، ذكر بعد ذلك البشارة بإسحاق، فقال سبحانه وتعالى: (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) ، فيُستفاد أن المبشر به الأول هو: إسماعيل، غير المبشر به الثاني وهو: إسحاق، فهما بشارتان: بشارة بالذبيح وهو إسماعيل، وبشارة بإسحاق عليهما السلام.
2- أن قصة الذبيح لم تذكر في القرآن إلا في هذا الموضع، وفي المواضع الأخرى من القرآن ذِكْرُ البشارة بإسحاق كما في سورة هود، قال سبحانه وتعالى: (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) [هود:71] . وقد أخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أن المبشر به إسحاق، ولم يكن بسؤال من إبراهيم، بل قالت امرأته: إنها عجوز وأنه شيخ، وأن من رواء إسحاق يعقوب، فكيف تقع البشارة بإسحاق، وأنه سيولد له يعقوب، ثم يؤمر بذبح إسحاق، وهو صغير قبل أن يولد له، وهذا لا يكون لأنه يناقض البشارة المتقدمة.(15/63)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "ومما يدل على أن الذبيح ليس هو إسحاق أن الله تعالى قال: (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) ، فكيف يأمر بعد ذلك بذبحه؟، والبشارة بيعقوب تقتضي أن إسحاق يعيش ويولد له يعقوب، ولا خلاف بين الناس أن قصة الذبيح كانت قبل ولادة يعقوب، بل يعقوب إنما ولد بعد موت إبراهيم عليه السلام، وقصة الذبيح كانت في حياة إبراهيم عليه السلام بلا ريب" [مجموع الفتاوى (4/335) ] .
3- أن الله سبحانه وتعالى وصف إسماعيل بأنه حليم في مواضع من القرآن، ووصفه
بالحلم في قصة الذبح، وأما إسحاق فوصف بأنه عليم، ووَصف الذبيح بالحلم مُناسب
للصبر في قصة الذبح، وقد جاء وصف إسماعيل بالصبر في قوله: (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الأنبياء:85] ، وقال الذبيح: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) .
4- أن البشارة بإسحاق كانت معجزة، حيث بُشر به إبراهيم وامرأته كبيرة، ولهذا
قالت: (أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) [هود:72] ، وقال إبراهيم: (أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) [الحجر:54] ، فكانت البشارة مشتركة بينه وبين امرأته، وأما البشارة بإسماعيل فكانت لإبراهيم، ثم إن هاجر ولدت إسماعيل فغارت سارة، فذهب إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة، وهناك أمر بالذبح، كما دلت على هذا الآثار، وفي الحديث حين دخل الرسول صلى الله عليه وسلم الكعبة وصلى فيها أنه قال: "إِنِّي كُنْتُ رَأَيْتُ قَرْنَيْ الْكَبْشِ حين دَخَلْتُ الْبَيْتَ فَنَسِيتُ أَنْ آمُرَكَ أَنْ تُخَمِّرَهُمَا فَخَمِّرْهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ شَيْءٌ يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ ". أخرجه الإمام أحمد (22710) .
والمقصود بقرني الكبش المذكور في الحديث، الكبش الذي فُدي به الذبيح، قال ابن كثير -رحمه الله-: "وهذا وحده دليلٌ على أن الذبيح إسماعيل، لأنه كان هو المقيم بمكة، وإسحاق لا نعلم أنه قدمها في حال صغره، والله أعلم" [البداية والنهاية (1/366) ] .
فهذه الأدلة تدل على أن الذبيح هو إسماعيل، وقد جاء في التوراة ما يدل على أن الذبيح هو إسماعيل ففيها: "اذبح ابنك وحيدك"، وفي نسخة: "بكرك"، وإسماعيل هو الذي كان وحيده، قال ابن تيمية: "لكن أهل الكتاب حرفوا فزادوا إسحاق، فتلقى ذلك عنهم من تلقاه، وشاع عند بعض المسلمين أنه إسحاق، وأصله من تحريف أهل الكتاب" [مجموع الفتاوى (4/332) ] .
وقال ابن كثير: "لفظة" إسحاق" هاهنا مقحمة مكذوبة مفتراة، لأنه ليس هو الوحيد، ولا البكر، وإنما الوحيد البكر إسماعيل" [البداية والنهاية (1/366) ] . والله أعلم.(15/64)
السلام على المنشغل بتلاوة القرآن
المجيب أ. د. ياسين بن ناصر الخطيب
أستاذ بقسم القضاء في جامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/05/1427هـ
السؤال
عند دخول المسجد ما هو الأصح: هل ترفع صوتك بالسلام على أهل المسجد؟ أم تؤدي تحية المسجد ثم تسلم على من يليك من اليمين، والشمال فقط؟ وهل تجوز مقاطعة من يقرأ القرآن بالسلام؟ وهل يجب على من يقرأ أن يرد السلام على من سلم عليه؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا دخل الإنسان المسجد والناس مشغولون في صلاتهم، أو تلاوة القرآن الكريم أو الذكر، فإن استطاع أن يسلم بحيث لا يؤذي أحداً فلا بأس. جاء في المجموع (4/609) ، قال النووي: إن سلم في حالة لا يشرع فيها السلام لم يستحق جواباً، فمن تلك الأحوال أنه يكره السلام على مشتغل ببولـ أو جماع، ونحوهما ولا يستحق جوابًا، ويكره جوابه، ومن ذلك من كان نائماً، أو ناعساً، أو في حمام، واتفقوا [على] أنه لا يسلم على من في الحمام وغيره ممن هو مشتغل بما لا يؤثر السلام عليه في حاله. وأما المشتغل بالأكل فقال بعض العلماء: لا يسلم عليه، وقال إمام الحرمين: هذا محمول على ما إذا كانت اللقمة في فيه، وكان يمضي زمان في المضغ والابتلاع، ويعسر الجواب في الحال، قال: فأما إن سلم بعد الابتلاع، وقبل وضع لقمة أخرى فلا يتوجه المنع، أما المصلي، قال الغزالي: لا يسلم عليه، وقال الجمهور: لا منع من السلام عليه، لكن لا يستحق جواباً لا في الحال ولا بعد الفراغ من الصلاة؛ لا باللفظ ولا بالإشارة، والصحيح أنه لا يجب الرد مطلقاً، فإن رد في الصلاة فقال: وعليكم السلام بطلت، إن علم تحريمه، وإلا فلا، في الأصح، وأما المشتغل بقراءةٍ فالمختار أنه يسلم عليه، ويجب الرد باللفظ، ولو رد السلام في حال الأذان، والإقامة، والأكل لم يكره، وفي الجماع والبول كره. انتهى باختصار. والله أعلم.(15/65)
وجوب مساعدة الفلسطينيين في حصارهم
المجيب محمد الحسن الدَّدَوْ
الداعية الإسلامي المعروف
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/04/1427هـ
السؤال
فضيلة الشيخ تعلمون ما يعيشه الفلسطينيون من حصار وجوع وقلة الأدوية، فهل يجوز دفع زكاتنا لهم؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن من الواجب على المسلمين عموما مساعدة المسلمين المحاصرين في فلسطين ماديا ومعنويا، فذلك حق لهم سيطالبون به يوم القيامة من لم يؤده اليوم.
وهم أولى من غيرهم الآن بصرف الزكوات الواجبة إليهم من جميع بلدان العالم؛ لحاجتهم الماسة، فالأطفال والنساء والمرضى والضعفة الآن يتعرضون لحصار جائر ليس له أي مستند يمنعهم من الغذاء والدواء وغير ذلك من لوازم الحياة، وقد قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10] .
وقال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة: من الآية71] .
وقال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:92]
وقال تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون:52]
وقال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَان) [المائدة: من الآية2]
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا" صحيح البخاري (2266) ، ومسلم (4684) .
وصح على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ". صحيح مسلم (4685) .
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَن كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَن فَرَّجَ عَن مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِن كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". صحيح البخاري (2262) ، ومسلم (4677) .(15/66)
هل الغاية عبادة الله أم دخول الجنة
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/04/1427هـ
السؤال
هل عبادة الله سبحانه وسيلة أم هدف؟ هل نقول: إن هدفنا هو عبادة الله وتحقيق ذلك يكون بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. أم نقول: مثلاً إن الهدف هو دخول الجنة، ويكون ذلك بعبادة الله. وكيف نفهم هذا من خلال قوله سبحانه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فعبادة الله تبارك وتعالى هي غاية خلق الخلق، وهي الغاية من الوجود الإنساني، فلأجلها خلق الله الخلق، وأنزل الكتب وأرسل الرسل. ومع ذلك فهي وسيلة لرضى الله والنعيم المقيم الأخروي الأبدي. ويمكن أن يكون الشيء الواحد غاية باعتبار، ووسيلة باعتبار آخر، كما يكون الشيء سبباً باعتبار ونتيجة باعتبار آخر. قال تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات:56] ، قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له؛ فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب. وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم. فهو خالقهم ورازقهم". انتهى.
والأعمال الصالحة سبب لدخول أهل الجنة الجنة -بعد توفيق الله- كما أن المعاصي والكفر سبب دخول العصاة للنار. قال تعالى: "وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" [الزخرف:72] ، وقال تعالى: "الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" [النحل:32] . فالعمل الصالح لا بدّ من وجوده لدخول الجنة كما قرر ذلك أهل السنة والجماعة.
لا يشكل عليك ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لن يدخل أحدا عمله الجنة". قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "لا، ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا، ولا يتمنين أحدكم الموت، إما محسنا فلعله أن يزداد خيراً، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب". صحيح البخاري (5673) ، وصحيح مسلم (2816) .
فالجواب أن يقال -في الجمع بين الآية والحديث-: إن الآية المقصود بها إثبات أنّ الأعمال سبب لدخول الجنة، فالباء الموجودة في قوله تعالى: "بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" هي باء السببية، فتفيد أن دخولهم الجنة كان بسبب الأعمال الصالحة.
وأما الحديث المتفق على صحته، فالباء المنفية المقصود بها، باء العوض، فليست الأعمال الصالحة عوضاً لدخول الجنة، بل هي من جملة الأسباب لدخول الجنة.(15/67)
وتوضيح ذلك: أن ترى بعض الناس يجتهد في الأعمال الصالحة، ومع ذلك يكون ممن استحقّ العذاب؛ لأن الله لم يتقبل منه عمله ولا سعيه؛ لكونه إما لم يخلص عمله لوجه الله تبارك وتعالى، أو فعل أمراً لم يفعله رسول الله كما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ". رواه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) .
فأفاد هذا الحديث أنه ليس كل من عمل عملا صالحاً فإن عمله يكون مقبولاً، فلا بدّ من تحقق الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله عليه الصلاة والسلام. وقد قرر هذا المعنى ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "مفتاح دار السعادة" (1/8) فقال: (الباء المقتضية للدخول غير الباء التي نفي معها الدخول، فالمقتضية هي باء السببية الدالة على أن الأعمال سبب للدخول مقتضية له كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها، والباء التي نفى بها الدخول هي باء المعاوضة والمقابلة التي في نحو قولهم: اشتريت هذا بهذا. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد، وأنه لولا تغمد الله سبحانه لعبده برحمته لما أدخله الجنة فليس عمل العبد وإن تناهى) .
أخي رعاك الله في الختام أريد أن أنبهك إلى أنه قد روج بعض الجهلة المضلين، أن أهم شيء هو اكتساب رضى الله عز وجل، ويكون ذلك بحسن الأخلاق وحسن معاملة الناس. ولا يضر ترك الصلاة والزكاة، ومولاة الكفار ... إلى آخر ذلك من الموبقات، بحجة أن الله ليس محتاجا إلى عملنا فهو الغني سبحانه. فلا شك أن هذا الكلام ضلال مبين.
صحيح أن الله غني عنا ولا يحتاج لعبادتنا، ففي صحيح مسلم (2577) عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى، أنه قال: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ... "
أخي رعاك الله تأمل الحديث، تجد أن الله أخبر عن نفسه أنه غني عنا لكننا نحن من نحتاج إليه وإلى عبادته. فلو قال شخص: إن الله لا يحتاج إلى عبادتنا فلذلك لا نعبده! فقد أخطأ. صحيح أن الله لا يحتاج إلى عبادتنا، لكن نحن نحتاج إلى عبادة الله، وإلا حَشَرَنا الله مع الكافرين، والمنافقين، وأدخلنا الجحيم.
وأما قول الآخر: أهم شيء الأخلاق وبعد ذلك لا يضر. نقول له: نعم، الأخلاق مهمة جدا في الإسلام ورغب فيها كثيرا، لكن لو كان صاحب الخلق لا يصلي فكيف يكون حاله؟ فالله عز وجل يأمره بالصلاة لكنه يأنف ويتكبر ولا يصلي! فهذا كافر. وأيضا صاحب الخلق الحسن لو وضع خلقه مع الكفار لدرجة تصل إلى التولي. فهذا حكمه أنه متول للكفار يستحق على ذلك العقاب.(15/68)
نسأل الله لنا ولكم ولكافة المسلمين العلم النافع والعمل الصالح المتقبل الخالص لوجهه الكريم.(15/69)
لماذا النساء هن الأقل في الجنة؟!
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/04/1427هـ
السؤال
ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أقل ساكني الجنة النساء".
والكثيرون يسألون عن هذا الحديث، كيف يكون هذا منصفا للنساء؟ ألا يجب أن يكون عدد الرجال والنساء متساويا في الجنة؟
وكونهن قليل في الجنة هل يعني أن الرجال سيطغون في عددهم في الجنة؟ فأرجو توضيح هذه المسألة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
صح من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء فقال: "يا معشر النساء تصدقن؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار". فقُلْنَ: وبم ذلك يا رسول الله؟ قال: "تكثرن اللعن، وتكفرن العشير ... ". الحديث رواه الشيخان البخاري (1462) ، ومسلم (80) . وروى مسلم (2738) وغيره من حديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أقل ساكني الجنة النساء".
والعلة في ذلك جاءت مفسرة في حديث أبي سعيد المتقدم: "أنهن يكثرن اللعن ويكفرن العشير". وفي كتاب الأخبار للالكائي قالوا: يا رسول الله ألسن أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا؟ قال: "بلا، ولكن إذا أعطين لن يشكرن وإذا ابتلين لن يصبرن".
يقول القرطبي -رحمه الله-: إنما كان النساء أقل ساكني الجنة لما يغلب عليهن من الهوى والميل إلى عاجل زينة الحياة الدنيا، ونقصان عقلوهن، وضعفهن عن عمل الآخرة والتأهب لها، لميلهن إلى الدنيا والتزين بها، وأكثرهن معرضات عن الآخرة، سريعات الانصياع لراغبيهن من المعرضين عن الدين، عسيرات الاستجابة لمن يدعوهن إلى الآخرة وأعمالها. اهـ.
قلت: وكون أكثر أهل الجنة الرجال، لا يعني أن النساء قليلات معدودات، ولكن الغالب منهن أن يكن بهذه الصفات فيقعن في النار، وإلا ففي الجنة الكثير والكثير مما لا يعد ولا يحصى من المؤمنات، قياسه حديث عمران -رضي الله عنه-: "اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء". أخرجه البخاري (3241) ، ومسلم (2738) . وهذا لا يعني أن الأغنياء في النار، ولكن أن الغالب فيهم عدم الصدق وقلة الأمانة وضبط النفس، فكانوا أقل نسبة من عدد الفقراء.
وقوله أيضاً: "إن أقل ساكني الجنة النساء". كما ذكر ذلك مفسرو الحديث، أي في أول الأمر قبل خروج عاصياتهن من النار، فلا دلالة فيه أيضاً على أن نساء الدنيا أقل من الرجال في الجنة، فقلتهن -إذًا- باعتبار أول الأمر، وقبل مرورهن بالتمحيص والتطهير من عذاب الآخرة الذي يمر به جميع العصاة سواء من الأغنياء العصاة، أو من النساء العاصيات، أو غيرهم من المسلمين العصاة.(15/70)
الحكمة من عِدة المتوفى عنها زوجها!
المجيب عبد العزيز بن إبراهيم الشبل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 02/05/1427هـ
السؤال
ما هي الحكمة من عدة المتوفى زوجها بعدم الخروج من بيتها، وهل لها أن تظهر على غير محارمها من الأقارب في فترة العدة؟ مع العلم أنها من القواعد من النساء؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- المتوفى عنها زوجها أن تمكث في بيتها، ومن ذلك ما قاله للفريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري -رضي الله عنهما-: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله". رواه مالك (1081) ، وأبو داود (2300) ، والترمذي (1204) ، وغيرهما. صححه جمع من العلماء منهم: ابن القيم في زاد المعاد (5/680) .
والواجب على المسلم أن يؤمن بكل ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا مانع من تلمس الحكمة في ذلك، لكي يزداد إيمان المسلم بدينه، ويعلم عظم نعمة الله عليه بهذا الدين، والناس يتفاوتون في معرفة الحِكَم الشرعية، فقد يفتح لشخص ما لا يفتح لغيره، ولعل من حكم مشروعية الحداد، ما يلي:
1. تعظيم حق الزوج وإظهار الحزن عليه، والأسف على فقد بيت الزوجية الذي يحصل فيه من المصالح الشيء الكثير.
2. مراعاة نفسية المرأة، فالمرأة أشد حزناً على الميت من الرجل، لهذا فالشارع الحكيم لما نهى عن لطم الخدود، وشق الجيوب، والنياحة، شرع للمرأة ما يكون مخففاً لحزنها على زوجها -بل وعلى غير زوجها ثلاثة أيام- فتظهر الحزن بالطريقة التي شرعها الله.
3. كما أن في الحداد قطعاً لتطلع المرأة إلى النكاح في مدة العدة، فلا يجوز لها أن تتزوج في مدة العدة، وقطعاً لتطلع الرجال إلى خطبة هذه المرأة، فلا يجوز لأحد أن يخطبها في العدة فضلاً عن الزواج بها.
وأما جواب الشق الآخر من السؤال: فإن للمرأة أن تكلم غير محارمها في زمن العدة، بشرط الأخذ بالضوابط الشرعية التي أمر الله بها "ولا تخضعن بالقول" [الأحزاب:32] ، "وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب" [الأحزاب:53] .
وأما ظهورها إلى غير محارمها داخل بيتها فإنه جائز بشرطين: التزام الحجاب الشرعي، وعدم الخلوة، والمرأة إذا كانت من القواعد من النساء جاء التوجيه لها في قوله تعالى: (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن) [النور:60] .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(15/71)
مشاركة المسلم في شعائر دفن الكفار
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/10/1424هـ
السؤال
كنت هندوسية وأسلمت، وما زال والداي على الشرك، وأخشى أن يموتا قبلي، حيث يجب علي آنذاك أن أشارك في بعض الشعائر والصلوات على دين الهندوس، وإذا لم أفعل ذلك سيغضب مني إخوتي وأخواتي وجميع أقاربي غضباً شديداً، أنا أعلم أن ذلك مخالف للإسلام، وأنا لا أرغب أن أفعله، ولكن موقفاً مثل هذا سيضعني في وضع حرج للغاية. أرجو تزويدي بنصيحة نافعة وحازمة، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
نحمد الله تعالى أن هداك للإسلام، دين الحق والهدى، هذا وما ذكرتيه في سؤالك من خوفك من موت والديك قبلك، ومن ثم يلزمك المشاركة في بعض الشعائر والصلوات المخالفة لدين الإسلام، فنقول لك ينبغي أن لا يقع في ذهنك هذا الشيء، فالأعمار بيد الله فقد تموتي قبلهما هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ننصحك بدعوة والديك وأقاربك وغيرهم إلى الإسلام وبيان محاسنه، عسى الله أن يهديهم إليه.
هذا وعلى فرض وقوع ما ذكرت عليك أن تجتنبي ما حرم الله تعالى من الشعائر والصلوات التي على دين الهندوس، وتبيني لهم أن دين الإسلام يحرم تلك الشعائر، وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإن شاء الله سيعذرونك ويرضون عنك، ففي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من التمس رضا الله بسخط الناس - رضي الله عنه- وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس" رواه ابن حبان في صحيحه (276) وصححه ابن حجر.
لذا لا أرى لك أن تفعلي ما يسخط الله لإرضاء خلق الله, وعليك أن تفعلي ما ذكرته لك آنفاً. والله أعلم.(15/72)
هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأكل
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 9/9/1424هـ
السؤال
في صحيح البخاري المجلد (7/297) ذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأكل خبزاً رقيقاً ولحماً مشوياً، فهل يمنع مثل هذا الطعام؟ وهناك أيضاً حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأكل طعاماً متتالياً مرتين طوال حياته، فهل يكون اتباع مثل ذلك سنة أو مباحاً أو مندوباً؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد: أود قبل الإجابة عن الحديثين المستفسر عنهما أن أذكر شيئاً من هدي النبي صلي
الله عليه وسلم في الطعام فمن ذلك:
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل من الطيبات ما تيسَّر له، فلم يكن يرد موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً، فكان عليه الصلاة والسلام يأكل الحلوى والعسل ويحبهما، ففي صحيح البخاري (5431) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى والعسل. "
وكان يأكل اللحم المطبوخ، والمشوي، كما جاء في أحاديث كثيرة منها: -(15/73)
ما جاء في صحيح البخاري (208) من حديث عمرو بن أمية – رضي الله عنه - أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحتز – أي يقطع – من كتف شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين التى يحتز بها...... الحديث. وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: " أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بلحم، فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة...." البخاري (3340) ، ومسلم (194) الحديث. وفي صحيح البخاري (2618) من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى شاة فصنعت له وأمر بسواد البطن يشوى.... الحديث وأكل الحيس، وهو ما يتخذ من التمر والأقط والسمن، وقد يجعل مكان الأقط الفتيت أو الدقيق , ففي صحيح البخاري (5425) من حديث أنس رضي الله عنه، في قصه بنائه صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي ٍ ".... حتى إذا كنا بالصهباء صنع حيساً في نطع، ثم أرسلني فدعوت رجالا ً فأكلوا..... " الحديث. وأكل الثريد، وهو أن يثرد الخبز بمرق اللحم، وقد يكون معه اللحم. ففي صحيح البخاري (5420) من حديث أنس رضي الله عنه، قال: دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم على غلام له خياط، فقدم إليه قصعة فيها ثريد ... " الحديث. وأكل الدباء، وهو اليقطين (القرع) ، ففي الصحيحين البخاري (2092) ، ومسلم (2041) من حديث أنس رضي الله عنه قال: " قرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزاً من شعير. ومرقاً فيه دباء وقديد. قال أنس: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حولي الصفحة ... " الحديث. وربما جمع بين لونين من الطعام، ففي الصحيحين البخاري (5440) ، ومسلم (2043) من حديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء" قال النووي: (في هذا الحديث جواز أكل الشيئين من الفاكهة وغيرها معاً وجواز أكل طعامين معاً، ويؤخذ منه جواز التوسع في المطاعم، ولا خلاف بين العلماء في جواز ذلك، وما نقل عن السلف من خلاف هذا محمول على الكراهة منعاً لاعتياد التوسع والترفه والإكثار لغير مصلحة دينية) .
2- وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه لا يعيب طعاما ً قط، ففي الصحيحين البخاري (3563) ، ومسلم (2064) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: " ما عاب النبي صلى الله عيه وسلم طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه. "ولما قدم له الضب وعافه ... لم يحرمه وأكل على مائدته، ففي صحيح البخاري (5391) من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما - قال: "أن أم حفيد بنت الحارث أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضباً، وكان قلما يقدم يده لطعام حتى يسمى له، فأهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قدمتن له، هو الضب يا رسول الله، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عن الضب، فقال خالد بن الوليد: أحرم الضب يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه قال خالد: فاحتززته فأكلته، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم - ينظر إلي. "(15/74)
3- وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يجد طعاماً صبر حتى إنه يعرف في صوته الجوع، وربما ربط على بطنه الحجر من شدة الجوع، ويرى الهلال والهلال ولا يوقد في بيته نار. ففي صحيح مسلم (2978) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت عمر – رضي الله عنه - يذكر ما أصاب الناس من الدنيا، فقال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي، ما يجد دقلا ً يملأ به بطنه. وفي الصحيحين البخاري (2567) ، ومسلم (2972) من حديث عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تقول: والله يا ابن أختي – تعني عروة – إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قال: قلت: يا خالة فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقينا " الحديث.
4- حث النبي صلى الله عليه وسلم على القصد والاعتدال في الطعام والشراب، ففي حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه، وثلث لنفسه " أخرجه أحمد (16735) ، والترمذي (2380) وقال حديث حسن صحيح. ويؤخذ من الحديث الحض على التقلل من الأكل، وقد كان العقلاء في الجاهلية والإسلام يتمدحون بقلة الأكل ويذمون بكثرة الأكل. وكان النبي صلى الله عليه وسلم موصوفاً بقلة الأكل. قال القاضي عياض: (هذا ما لا يدفع من سيرته، وهذا الذي أمر به وحض عليه....) . هذه لمحة موجزة عن هديه صلى الله عليه وسلم في طعامه، ويجاب عن الحديثين المستفسر عنهما في السؤال بما يأتي: -
أما حديث عائشة – رضي الله عنها -: "ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعاً حتى قبض" البخاري (5374) ، ومسلم (2970) الشبع المنفي في هذا الحديث مقيد بقيدين هما:
1- الشبع المتوالي بمعنى أنهم لا يشبعون الأيام المذكورة متوالية، ولهذا يأخذ من الحديث جواز الشبع في الجملة.
2- قيد الشبع بالطعام المذكور، وهو البر، وعند مسلم (2970) "ما شبع من خبز الشعير يومين متتاليين "(15/75)
وقد أخبرت عائشة رضي الله عنها بشبعهم من التمر، ففي صحيح البخاري (5383) : "توفي النبي صلى الله عليه وسلم حين شبعنا من الأسودين التمر والماء"، ولعل عدم شبعهم من البر أو الشعير بسبب قلته عندهم أو أنهم قد يجدون ويؤثرون على أنفسهم. أو يتركون ذلك كراهة الشبع وكثرة الأكل. وحديث أنس - رضي الله عنه -: "ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزاً مرققاً، ولا شاة مسموطة، حتى لقي الله" البخاري (5385) الخبز المرقق: الترقيق هو التلين، والمرقق من الخبز ما كان ملينا محسنا موسعا، وهذا النوع من الخبز لم يكن موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الصفة، وحين وجد في عهد الصحابة رضي الله عنهم رأوا أنه من التوسع في العيش، فعن قتادة، قال: كنا عند أنس - رضي الله عنه - وعنده خباز له...... فذكر الحديث. وعند الطبراني (1/673) من طريق راشد بن أبي راشد قال: " كان لأنس غلام يخبز له الحواري ويعجنه بالسمن "، والحواري: الخالص الذي ينخل مرة بعد مرة. وعن أبي حازم أنه سأل سهلا هل رأيتم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم النقي؟ - أي خبز الدقيق الحواري، وهو النظيف الأبيض - قال: لا، قال: فهل كنتم تنخلون الشعير؟ قال: لا، ولكن كنا ننفخه وفي لفظ آخر: هل كانت لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مناخل؟ ، قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مناخل من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله. أخرجه البخاري (5413) والشاة المسموطة: المسموط الذي أزيل شعره بالماء المسخن، وشوى بجلده أو يطبخ، ويصنع ذلك في الصغير السن الطري، وقد ذكر العلماء أن طبخ الشاة على هذه الصفة من صنيع أهل الترف.
وأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لاتباع هديه في طعامه، وفي سائر أحواله، فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسل(15/76)
قوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) هل يشمل السنة؟
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
سمعت أن الآية (9) من السورة رقم (15) ، تتحدث عن حفظ القرآن والسنة، بعض الناس - ومنهم حزب التحرير - يقولون إن المقصود بكلمة "ذكر" هو القرآن فقط دون السنة، وليس هناك حماية إلهية للسنة، وقد بحثت في تفسير ابن كثير بالإنجليزية فلم أجد أي إشارة للسنة، أرجو التكريم بالإيضاح، هل تتضمن الآية المذكورة إشارة للسنة؟ ومَن مِن العلماء قال بذلك؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد:
الآية المشار إليها في السؤال في سورة الحجر وهي قوله تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"، والذكر هو القرآن، والمعنى: أن الله سبحانه نزل القرآن وحفظه من أن يزاد فيه أو ينقص أو يحصل فيه تغيير أو تبديل، كقوله عز وجل: "وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" [فصلت:42] ، وقوله تعالى: "لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ" [القيامة:16- 18]
قال ابن جرير: " يقول تعالى ذكره: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ" وهو القرآن "وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" قال: وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل ما ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه" تفسير ابن جرير (14/ 7) ، وبهذا يتضح من دلالة الآية أن الله سبحانه تكفَّل بحفظ القرآن، وهذا يستلزم منه حفظ السنة التي هي بيان للقرآن كما قال سبحانه: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" [النحل:44] ؛(15/77)
لأن المقصود حفظ الشريعة والدين، ولا يتحقق هذا على وجه الكمال والتمام إلا بحفظ السنة التي هي بيان للقرآن، وقد دل على هذا قوله سبحانه: " إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرآنه ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ" [القيامة: 18-19] ، أي بيان القرآن وإيضاحه علينا، ويستلزم من ذلك حفظ هذا البيان، وهو السنة. وقد حفظ الله السنة في صدور الصحابة- رضي الله عنهم- والتابعيين حتى بلغوها للأمة وكتبت ودونت في المصنفات، والمسانيد والمعاجم، وهيأ الله -سبحانه وتعالى- لهذه السنة جهابذة العلماء الذين بذلوا جهوداً عظيمة في حفظها من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وابتكروا وسائل وطرقاً تضمنت أصولاً وقواعد عرفت بعلوم الحديث، وهي في غاية الإتقان والإحكام يحصل من خلالها تمييز الصحيح من الضعيف والمحفوظ من المنكر والشاذ، وإيضاح الأوهام والأخطاء التي توجد في الأسانيد والمتون، ومن أمعن النظر في تراجم أئمة الحديث، وتدبر ما آتاهم الله من قوة الحفظ وسداد الفهم والتفاني في خدمة السنة وحياطتها والذب عنها أدرك أن ذلك ثمرة حفظه تعالى لدينه وشريعته، ولكن لما كان القرآن معجزاً بألفاظه ومعانيه ومتعبداً بتلاوته جعل الله حفظه إليه ونُقل نقلاً متواتراً، وأما السنة فلم يقصد التعبد ولا الإعجاز بألفاظها فحفظها الله- سبحانه وتعالى- بتهيئة أولئك الأئمة الذين بذلوا جهوداً عظيمة في حفظها والذب عنها، يقول ابن تيمية: (فإن الدين محفوظ بحفظ الله له ولما كانت ألفاظ القرآن محفوظة منقولة بالتواتر لم يطمع أحد في إبطال شيء منه ولا في زيادة شيء فيه بخلاف الكتب التي قبله قال تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" [الحجر: 9] بخلاف كثير من الحديث طمع الشيطان في تحريف كثير منه وتغيير ألفاظه بالزيادة والنقصان والكذب في متونه وإسناده فأقام الله له من يحفظه ويحميه، وينفي عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فبينوا ما أدخل أهل الكذب فيه وأهل التحريف في معانيه) الرد على البكري (1/ 171) ، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- أيضاً: (قال تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"(15/78)
[الحجر: 9] ، فما في تفسير القرآن أو نقل الحديث أو تفسيره من غلط فإن الله يقيم له من الأمة من يبينه ويذكر الدليل على غلط الغالط وكذب الكاذب، فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة إذ كانوا في آخر الأمم فلا نبي بعدهم ولا كتاب بعد كتابهم، وكانت الأمم قبلهم إذا بدَّلوا وغيروا بعث الله نبياً يبين لهم ويأمرهم وينهاهم ولم يكن بعد محمد -صلى الله عليه وسلم- نبي، وقد ضمن الله أن يحفظ ما أنزله من الذكر، وأن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، بل أقام الله لهذه الأمة في كل عصر من يحفظ به دينه من أهل العلم والقرآن) الجواب الصحيح (3 / 39) ومن العلماء من فسر الذكر في الآية: بالكتاب والسنة، يقول ابن تيمية: (قال تعالى: "وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ" [الزخرف:36] ، وذكر الرحمن الذي أنزله هو الكتاب والسنة اللذان قال الله فيهما: "وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" [البقرة: من الآية231] ، وقال تعالى: "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ" [آل عمران: من الآية164] ، وهو الذكر الذي قال الله فيه: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" [الحجر: 9] ، [الفتاوى الكبرى (2 / 274) ] . هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(15/79)
دفن الميت من غير إذن الورثة
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 6/11/1424هـ
السؤال
جدي رحمه الله ذهب حاجاً إلى بيت الله -عز وجل-، ولكنه توفي هناك، حيث صدمته سيارة هو ومن معه فمات، وكان ذلك قبل ثلاثين عاماً ثم دفن، وقد تم تبليغ أهله بطريقة رسمية وعندهم أوراق تثبت ذلك من قبل المملكة.
السؤال: هل يجوز دفنه بدون أخذ الإذن من أهله وما يترتب على ذلك إذا كان لا يجوز؟ أبناؤه وزوجته موجودون وهم يطالبون بديته، فكيف السبيل إلى الحصول على الدية، حيث إنني أسكن خارج المملكة ولا أعرف كيف أتصرف في قضية مثل هذه، أين أتجه؟ هل لمحكمة مكة أم ماذا أفعل؟ كم مقدار الدية؟ هل هو بمقدارها في ذاك الزمن أم مقدارها حالياً؟ علماً بأنني عندي رقم سجل الحادثة في مكة في وزارة الصحة، وهل يحق لي ويثبت لي حق بعد كل هذه المدة؟ علماً أنني أتكلم بلسان أبنائه وهو جدي - وشكراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يغفر لجدك ويتجاوز عنه، وأن يحله دار كرامته ومستقر رحمته، إنه سميع مجيب، أما جواب ما سألت عنه فهو كالتالي:
أولاً: إذا مات الإنسان في بلد غير بلده، وتعذَّر الاتصال بورثته، فإنه يجوز تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه من غير إذن ورثته؛ لأن الإسراع في تجهيز الميت والصلاة عليه حق من حقوق الميت، ولا يجوز تأخيره إلا لعذر شرعي، ثم إن إخبار ورثته وانتظار حضورهم - إن لم يتعذر- يحتاج إلى وقت طويل، وربما أدى إلى الإضرار ببدن الميت ومن حوله من الناس، ثم إن كثيراً ممن يقدم إلى مكة المكرمة من غير أهلها يموتون فيها، ولو أخرنا تجهيز هؤلاء الموتى إلى حين حضور ورثتهم لأدى ذلك إلى كثير من المشقة والحرج مما لا يخفى على أحد.
ثانياً: إذا مات الإنسان بسبب الاعتداء عليه فإن لورثته المطالبة بالدية الشرعية المقدَّرة في الأدلة الشرعية، وهذا الحق ثابت للورثة دون غيرهم من أقارب الميت، ولذلك فإنه ليس لغير الورثة المطالبة بها، إلا إن وكل الورثة من يقوم عنهم بالمطالبة بها فيجوز حينئذ، ويكون الوكيل نائباً عنهم في المطالبة بها، وحق الورثة في المطالبة بالدية من الحقوق التي لا تبطل بمرور الوقت، فمتى طالب بها الورثة استحقوها، ووجب على المعتدي دفعها.
ثالثاً: إذا قرر الورثة المطالبة بالدية، فإن عليهم التوجه إلى المحكمة الشرعية في مكة المكرمة؛ لأن القاضي هو الذي يتولى النظر في الجنايات والاعتداءات، وهو الذي يبين هل يجب على المتسبب في القتل الدية أو لا، ويحدد مقدارها وصفاتها حال ثبوتها؛ لأن هناك بعض حالات الوفاة لا تجب فيها الدية، والذي يفصل في هذا الأمر هو القاضي الشرعي.(15/80)
رابعاً: حدد الرسول - صلى الله عليه وسلم- مقدار الدية، فجعل دية الحر المسلم مائة من الإبل، كما جاء في الأحاديث الصحيحة، ومنها ما رواه أبو داود (4543) عن جابر - رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فرض الدية على أهل الإبل مائة من الإبل"، وكما جاء في كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الذي كتبه إلى أهل اليمن، وفيه: "إن في النفس مائة من الإبل" رواه النسائي (4857) من حديث أبي بكر بن حزم عن أبيه عن جده، ولذلك فإن مقدار دية الرجل الحر المسلم يعادل مائة من الإبل، ولكن لما قلَّ التعامل بالإبل فإن مقدار دية الرجل الحر المسلم مائة من الإبل، ولا شك أن أثمان الإبل تختلف من وقت إلى وقت، ولكن القاضي يجتهد في تحديد قيمتها بالنقد المتداول حتى يسهل أداؤها واستلامها. والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(15/81)
ما جاء في (لمعة الاعتقاد) من تفويض الإمام أحمد للمعنى!
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/1/1425هـ
السؤال
هل يمكن الدعوة إلى الجهاد قبل تصحيح العقيدة أم لا؟ بدليل أن صلاح الدين كان أشعريًّا. جاء في (لمعة الاعتقاد) أن أحمد بن حنبل فوَّض المعنى. هل هذا مذهب أهل السنة؟.
الجواب
الجهاد أصل من أصول الدين وهو منوط بولاة المسلمين وأهل الحل والعقد فيهم، وما كان منه جهاد دفاع إذا هجم على بلد من بلاد المسلمين عدو فلا ينتظر في جهاده تصحيح العقيدة. أما الجهاد الاختياري (الطلب) فيقرره أهل الحل والعقد من الولاة والعلماء إذا توافرت شروطه، وكانت الأمة على أهبة الاستعداد المعنوي والمادي، والراية يجب أن تكون صحيحة العقيدة، ومن القوة التي أمر الله بها في قوله -تعالى-: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" [الأنفال:60] ، القوة المعنوية، والتي لا تكون إلا بتصحيح العقيدة، وعليه: فإنه لا تستقيم الدعوة للجهاد قبل تصحيح الاعتقاد، أما صلاح الدين فكانت رايته راية سنة لا بدعة، وانتسابه للأشاعرة لا يعني أن الراية كانت بدعية فيما يظهر لي، كما أن جهاده كان جهاد دفاع، أما ما جاء في (لمعة الاعتقاد) من أن الإمام أحمد فوَّض المعنى؛ فإن المقصود به تفويض الكيفية؛ لأن عبارة (تفويض المعنى) تحتمل أمرين: أولهما: تفويض الحقيقة؛ وهذا مذهب المفوضة المبتدعة، ولا يقصده الإمام أحمد ولا غيره من أئمة السلف. وثانيهما: تفويض الكيفية؛ وهذا حق، فإن كيفية أسماء الله - تعالى- وصفاته غير معلومة للخلق، أما حقائق صفات الله - تعالى- فهي ثابتة كما جاءت بها النصوص الصحيحة. والله أعلم.(15/82)
هل يرى المؤمن في القبر أهل الجنة؟
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 1/2/1425هـ
السؤال
إذا مات الإنسان وكان من أهل الجنة، فهل يرى وهو في حياة البرزخ أصحاب الجنة مثل الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة المبشرين بالجنة، وأهله من أهل الجنة؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد جاءت الآثار بتلاقي أرواح المؤمنين المنعمة المرسلة، وأنها تتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا، وليس بالشيء المقطوع به، وأصرح ما ورد في ذلك حديث أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: "إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقتها أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير من أهل الدنيا، فيقولون: آَنْظِروا صاحبكم يستريح؛ فإنه كان في كرب شديد، ثم يسألونه ما فعل فلان؟ وفلانة هل تزوجت؟ فإذا سألوه عن الرجل قد مات قبله، فيقول: هيهات، قد مات ذاك قبلي، فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذُهِب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم، وبئست المربية" انظر ما رواه النسائي (1833) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، والحديث مختلف في رفعه ووقفه، وصحته وضعفه، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (2758) والضعيفة (864) وأكثر ما يدل عليه أن الأرواح المتعارفة في الدنيا تتلاقى بعد الممات، ويسأل بعضها بعضاً، ولم يرد شيء في أن أصحاب الجنة في مجملهم يتلاقون ويتزاورون، وإن لم يعرف بعضهم بعضاً في الدنيا، وقد تكلم على هذه المسألة القرطبي في (التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة) ، وابن القيم في كتاب (الروح) ، ولابن تيمية في مجموع الفتاوى في أولى (ج 24) كلام مختصر مفيد في المسألة. والله أعلم.(15/83)
قول (سيدنا) للرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/04/1425هـ
السؤال
كلما ذكرت الرسول -عليه الصلاة والسلام- خارج الصلاة لا يمكنني أن أذكره بدون كلمة (سيدي) أو (سيدنا) محمد، وكذلك إذا ذكرت الصحابة وخصوصا الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم-، وقد نصحني أصدقائي وأخبرني بأن هذا من البدعة، وأنا أشعر بعدم التأدب إذا ذكرت الصحابة بدون لقب، وكذلك الحبيب -عليه الصلاة والسلام- أفيدونا جزاكم الله خيراً؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن مما لاشك فيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو سيد ولد آدم، وهو خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، وأن صحابته - رضوان الله عليهم- أفضل من اتبع الأنبياء، وهم أبر الناس برسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأشدهم حباً له، وأكثرهم حرصاً على اتباعه واقتفاء آثاره، ومع ذلك لم ينقل لنا أنهم كانوا يخاطبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بكلمة: سيدي أو سيدنا، بل حين قدم وفد بني عامر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: أنت سيدنا، فقال: "السيد الله تبارك وتعالى" فقالوا وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً، فقال: "قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان" رواه أبو داود (4806) ، وأحمد (15876) من حديث عبد الله بن الشخير -رضي الله عنه-، فأنكر عليهم قولهم حين رأى منهم التكلف في ذلك وهو الحريص - صلى الله عليه وسلم-: على سد جميع الأبواب التي قد توقع أمته في الشرك حتى قال - صلى الله عليه وسلم- "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: "عبد الله ورسوله" رواه البخاري (3445) من حديث عمر -رضي الله عنه-، وقال للأعرابي الذي ارتجف حين قيل له هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم- وأجلسه ثم كان مما قاله له: "إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد" رواه ابن ماجة
(3312) من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.(15/84)
فالأولى ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما كان يذكره به أصحابه - رضي الله عنهم- ومن اعتاد لسانه ذلك فلا حرج عليه إن شاء الله كما قال تعالى: "وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين" [آل عمران:39] يدل على أن غير الله -تعالى- يجوز أن يسمى بهذا الاسم؛ لأن الله -تعالى- سمى يحي سيداً، والسيد هو الذي تجب طاعته، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال للأنصار حين أقبل سعد بن معاذ - رضي الله عنه- للحكم بينه وبين بني قريظة "قوموا إلى سيدكم"رواه البخاري (3043) ، ومسلم (1768) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه، وقال - صلى الله عليه وسلم- للحسن - رضي الله عنه- "إن ابني هذا سيد" رواه البخاري (2704) من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-، وقال لبني سلمة:" من سيدكم يابني سلمة" قالوا الجد بن قيس على بخل فيه قال: "وأي داء أدوى من البخل، ولكن سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح" انظر الأدب المفرد (ص92) فهذا كله يدل على أن من تجب طاعته يجوز أن يسمى سيداً، وليس السيد هو المالك فحسب لأنه لو كان كذلك لجاز أن يقال سيد الدابة وسيد الثوب كما يقال سيد العبد, فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل السادة من بني آدم ولكنه رآهم متكلفين لهذا القول فأنكره عليهم كما قال: "أبغضكم وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة إلي الثرثارون والمتشدقون المتفيهقون"رواه الترمذي
(2018) من حديث جابر -رضي الله عنه-، فكره لهم تكلف الكلام على وجه التصنع، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن يك سيداً فقد أسخطتم ربكم -عز وجل-" رواه أبو داود (4977) من حديث بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه-، فنهى أن يسمى المنافق سيداً لأنه لا تجب طاعته.(15/85)
الاقتراض للحج والعمرة
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/11/1425هـ
السؤال
هل يجوز للمسلم أن يستدين (يستقرض) أجور السفر لأداء الحج أو العمرة إن لم يملك أجورها؟ هذا وجزاكم الله خير جزاء.
الجواب
الأصل جواز القرض؛ لأنه ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استقرض للحاجة، كما في الصحيحين البخاري (2386) ، ومسلم (1603) من حديث عائشة -رضي الله عنها-، لكن من شروط وجوب الحج: أن يكون قادراً بماله وبدنه، ولا يلزم المسلم أن يقترض حتى يحج، فإن لم يكن مالكاً للنفقة - نفقة الحج- فإن الحج لا يجب عليه، ولا يلزم المسلم في هذه الحالة أن يستقرض حتى يحج؛ لقول الله - عز وجل-: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا" [آل عمران: 97] فقيَّد الله وجوب الحج بالاستطاعة، والاستطاعة فسرها النبي- صلى الله عليه وسلم-: "بأن يملك زاداً وراحلة" انظر ما رواه الترمذي (813) ، وابن ماجة (2896-2897) من حديث ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهم-، أي: أن يكون مالكاً للنفقة نفقة الذهاب والرجوع.(15/86)
الاستدلال بتفضيل صلاة الجماعة على عدم وجوبها
المجيب سامي بن محمد الخليل
مدير مركز الدعوة والإرشاد بعنيزة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 5/7/1424هـ
السؤال
سؤالي عن وجوب صلاة الجماعة، وكيف نفسر حديث الرسول الكريم القائل "صلاة الجماعة خير من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة"؟ فطالما أن هنالك أفضلية لأمرين فذلك يعني أن كليهما صحيح، وبالتأكيد ليس مقصودا الشخص الذي لديه عذر، فذلك معذور أصلا، ً أما الصلاة للمفرد في بيته مثلاً وحسب الحديث فتعدل درجة واحدة، وصلاة الجماعة أفضل منها بزيادة ست وعشرين درجة، هذا فهمي للحديث أريد تفسير أهل العلم، وجزاكم الله عنا كل خير.
الجواب
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وبعد:
المراد بهذا الحديث بيان فضل وثواب صلاة الجماعة، وليس المقصود هو حكم صلاة الجماعة، وهو أسلوب مستعمل في القرآن والسنة، ومن ذلك قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" [الجمعة:9] ، فقال (ذلكم خير لكم) ومع ذلك لم يقل أحد إن صلاة الجمعة غير واجبة.
وقد بين - صلى الله عليه وسلم- حكم صلاة الجماعة في أحاديث أخرى منها: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم ... " الحديث رواه البخاري (644) ، ومسلم (651) .(15/87)
تأثير الصلاة على المصلين
المجيب د. عبد الله بن فهد الحيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 6/3/1424هـ
السؤال
يوجد في مجتمعنا من يأتي الفواحش أو يأخذ الرشوة، ويصلي وهو يعتقد أن لا علاقة بين الصلاة وما سواها، فهل هذا الاعتقاد في محله؟
الجواب
هذا الاعتقاد في غير محله، فإن العبادة في الإسلام تستلزم عمل الإنسان بكل ما أمر به، وترك كل ما نهي عنه، وقد أمر الله تعالى المؤمنين بالعمل بجميع شرائع الدين في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة" [البقرة: 208] .
ثم إن إقامة الصلاة بإتمام أركانها، وشروطها وواجباتها والخشوع فيها ينهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال تعالى: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" [العنكبوت: 45] .(15/88)
عبارة "الله يخونك إذا خنتني"
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/3/1424هـ
السؤال
ما حكم قول:"الله يخونك إذا خنتني" وذلك إذا كان بين الشخصين اتفاق على شيء، وأطلق هذه الكلمة على سبيل التخويف من الخيانة؟
الجواب
الحمد لله، هذا القول قبيح، فإنه يتضمن نسبة الخيانة إلى الله، وهو من عبارات الجهال الذين يشتقون من كل فعل ينكرونه على بعض الناس، يشتقون منه فعلاً يضيفونه إلى الله في دعائهم عليه، كما يقولون: أتلفه الله كما أتلف كذا، وأهانه الله كما أهانني، وقد يقول بعضهم: الله يعتدي عليك كما اعتديت عليَّ، ومن هذا قوله: الله يخونك كما خنتني، أو يقولون كلمة عامة: الله يخون من خان، فالحاصل أن إضافة الخيانة إلى الله حرام، فإن الخيانة قبيحة، والله سبحانه وتعالى منزه عن كل قبيح، منزه عن العيوب والنقائص في ذاته وصفاته وأفعاله، والله أعلم.(15/89)
موقع المأموم الواحد مع الإمام
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 2/3/1424هـ
السؤال
كيف يصلي المأموم خلف الإمام إذا كان فرداً واحداً؟ هل يكون على خط واحد أم يبتعد عنه قليلاً؟
الجواب
المأموم مع الإمام إذا كان فرداً واحداً فإنه يكون عن يمين الإمام، لما روى جابر، وابن عباس - رضي الله عنهم- قالا: "قام النبي - صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل فقمت ووقفت عن يساره فأخذ بذؤابتي فأدارني عن يمينه" متفق عليه البخاري (5919) ، ومسلم (763) ، فحينئذ فلا يقف خلفه ولا عن يساره، وإنما يكون عن يمينه محاذياً له ولا يبتعد عنه، وإذا كانوا جماعة فإنهم يكونون وراءه، وإذا كانت امرأة واحدة فإنها تكون خلفه أيضاً وهي وحدها، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم: "أخروهن من حيث أخرهن الله" المعجم الكبير (9/295) ، و (9484) قال محققه صححه الحافظ في الفتح (1/400) ، ولما روى أنس - رضي الله عنه- "أن رسول الله - صلى الله عليه وسل- صلى به وبأمه أو خالته قال أنس: فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا"، رواه مسلم (660) ، والله أعلم.(15/90)
الصلاة عن يسار الإمام
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 25/6/1424هـ
السؤال
ما مدى صحة الصلاة عن يسار الإمام؟ حيث لم أجد مكاناً خلف الإمام، ولم أجد أيضاً عن يمينه فوقفت عن يساره، وصليت معهم الجماعة فما صحة ذلك؟. جزاكم الله خير.
الجواب
الإنسان إذا كان شخصاً واحداً مع الإمام فإنه يصلي عن يمين الإمام، فإذا كانوا أكثر من واحد فإنهم يكونون خلفه، ولا يصلي عن يساره إذا كان هناك فرصة في مكان عن يمين الإمام أو خلفه، فإذا لم يجد الإنسان مكاناً خلف الإمام، وكان على يمين الإمام أناس يصلون فصلى عن يساره فلا بأس بهذا للحاجة، أما إذا كان يمين الإمام ليس فيه أحد فلا يصلي عن يساره، والله أعلم.(15/91)
الصلاة على الحرير
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/7/1424هـ
السؤال
هل تجوز الصلاة على الحرير؟.
الجواب
لا يجوز للرجال لبس الحرير، ولا افتراشه في الصلاة وغيرها، لما روى أبو موسى - رضي الله عنه- أن رسول - صلى الله عليه وسلم- قال:"حرام لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وحل لإناثهم" أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح، وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "لا تلبسوا الحرير فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" متفق عليه، وقال في المغني - رحمه الله -: (ولا نعلم في تحريم لبس ذلك على الرجال اختلافاً إلا لعارض أو عذر) ، قال ابن عبد البر: (هذا إجماع، فإن صلى فيه فالحكم فيه كالصلاة في ثوب مغصوب على ما بُيِّن) ، والافتراش كاللبس في التحريم، لما روى البخاري - رحمه الله- عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: نهانا النبي - صلى الله عليه وسلم- أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وأن نلبس الحرير، والديباج، وأن نجلس عليه.(15/92)
إقامة صلاة العيد في الصحراء
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نفيدكم أننا مجتمع مسلم يصل تعداده إلى سبعمئة مصلٍ نعيش في إحدى المدن الصغيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويوجد في هذه المدينة مسجدان أحدهما أكبر من الآخر.
وقد رأى بعض الإخوة - حرصاً على تطبيق السنة - أن تقام صلاة العيد في الخلاء، إلا أن إدارتي المسجدين اختلفتا فيما هو الأولى، هل هو في إقامة صلاة العيد في صالة كبيرة تتوفر فيها جميع المرافق الضرورية لصلاة العيد وهي متيسرة، وذلك لتعذر الصلاة في مكان مكشوف لبرودة الجو واحتمالية هطول المطر، فالبلد بارد وكثير المطر، أم إقامة الصلاة في المسجد الكبير؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
صلاة العيد في الفضاء (الصحراء) المكشوف سنة فعلها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأداؤها في المسجد جائز بإجماع العلماء، وإذا كان يلحق المصلين ضرر من أدائها في الفضاء كشدة البرد والثلوج والمطر، فأداؤها في المسجد متعين لازم؛ دفعاً للحرج والضيق والمشقة، قال تعالى:"وما جعل عليكم في الدين من حرج" [الحج: 78] ، وقال:"يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" [البقرة: 185] ، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:"بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا ... " البخاري (69) ، ومسلم (1732) ، واعلموا أن السنة يمكن تطبيقها في حال وزمان، ولا يمكن تطبيقها في حال وزمان آخرين، بخلاف الواجب وهو عين الصلاة ففي كل حال وزمان، والله أعلم.(15/93)
الصلاة على المنتحر والترحم عليه
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد..
توفي أحد الأشخاص ممن أعرف، وقالوا إنه توفي منتحراً، فقد استأجر غرفة في فندق وكتب ورقة يخبر أنه لم يتسبب أحد في قتله، وأنه تخرج من الجامعة ولم يجد عملاً ففعل ذلك للتخلص من همومه ومشاكله، فما حكم هذا التصرف؟ ومن علم بذلك هل يجوز له الصلاة عليه والترحم عليه، وبعضهم يجهل ملابسات هذا العمل فهل يصلي ويترحم عليه؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله - وعلى آله وصحبه-، وبعد: كل من مات على الإسلام فإنه يصلى عليه، لأن المقصود بالصلاة هو الشفاعة له والدعاء له بالمغفرة والرحمة والنجاة من النار، وكل مسلم من أهل الشفاعة له والاستغفار له، وإنما تحرم الصلاة على الكفار والمشركين، كما قال تعالى: "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى" [التوبة: 113] ، وكذلك من علم نفاقه لا تجوز الصلاة عليه، لأنه سبحانه نهى نبيه أن يصلي على المنافقين فقال: "وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ" [التوبة: 84] ، والمسلم إذا قتل نفسه أو كان معروفاً بارتكاب بعض الكبائر فإن ذلك لا يخرجه عن الإسلام ولا يحرمه من دعوة المسلمين، ولكن ينبغي لأهل العلم وأهل الخير المعروفين أن يتركوا الصلاة على أمثال هؤلاء تنفيراً من أفعالهم وزجراً عنها، وقد أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم- برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه رواه مسلم (978) ، ولكنه لم ينه عن الصلاة عليه، فترك الصلاة زجراً عن فعله المنكر، ولم ينه عن الصلاة عليه لأنه مسلم، كما كان يقول لمن مات وعليه دين ولم يخلف له وفاء، يقول لأهله صلوا على صاحبكم زجراً عن تحمل الديون التي لا وفاء لها، وذلك في أول الأمر قبل أن يكون عند النبي - صلى الله عليه وسلم- ما يقضي به الدين عن من مات من المسلمين الذين لم يخلفوا لدينهم وفاء فكان يقول بعد أن فتح الله عليه الفتوح" أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك ديناً فعلي قضاؤه ومن ترك مالاً فلورثته" رواه البخاري (2298) ، ومسلم (1619) ، والله أعلم.(15/94)
الاقتداء بالمسبوق في الصلاة
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 5/2/1424هـ
السؤال
هل يجوز الاقتداء في الصلاة برجل كان مقتدياً بالإمام، وذلك بعد أن أنهى الإمام صلاته. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد..
يجوز شرعاً الاقتداء في الصلاة برجلٍ كان مقتدياً بالإمام، بمعنى: أنه إذا دخل المسبوق في الصلاة مع الإمام، وقد فاته ركعتان مثلاً ثم جاء مسبوق آخر بعد سلام الإمام، فإنه يجوز له أن يأتم بالمسبوق الأول، لعموم أدلة فضل الجماعة، ولما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه لما رأى رجلاً دخل المسجد بعد انتهاء الصلاة قال:"ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه" أبو داود (574) ، وأحمد (11613) ، وحسنه الترمذي وصححه الألباني، ولكن هذا الجواز مقيد بشرط، وهو أن ينوي المسبوق الأول الإمامة بالمسبوق الثاني، وذلك حتى يتحقق الائتمام، والله تعالى أعلم.(15/95)
الصلاة في مسجد قبلته إلى قبر
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 22/9/1424هـ
السؤال
هل تجوز الصلاة في مسجد أمامه قبر باتجاه القبلة على بعد متر واحد من حائط المسجد؟ علماً بأنه في الجانب الأيسر ونصف الضريح يأتي في جهة القبلة، وفي حالة عدم جواز الصلاة فماذا عن الصلاة السابقة؟ حيث إني أصلي فيه منذ عشر سنوات، مع العلم أن الضريح قبل المسجد، ويقال إن المسجد تم بناؤه بعد الضريح، من أجل الضريح.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالجواب: أنه لا يجوز بناء المساجد على القبور، وإذا تم بناء مسجد على قبر أو قبور وجب هدمه ولا تجوز الصلاة فيه، هذا إذا تم بناؤه بعد القبر، أما إذا كان بناء المسجد أولاً فينبش القبر وينقل إلى المقابر، فالأول من المساجد أو القبور هو الأحق بالمكان.
أما صلاة من صلى في هذا المسجد مدة من الزمن، وهو جاهل بالحكم ولم يقصد الصلاة من أجل الضريح فأرى والعلم عند الله صحة صلاته، وعليه في المستقبل أن يتجنب الصلاة في مساجد فيها قبور.
هذا وبخصوص المسجد الذي ذكره السائل من أن القبر أمام المسجد باتجاه الجانب الأيسر، وأن نصفه خارج قبلة المسجد، وبينه وبين المسجد مقدار متر؛ أي أنه خارج المسجد، أقول لو أن المسجد المذكور اقتطع منه من الجهة اليسرى التي أمامها جزء من القبر، وعزل القبر وصار خارجاً عن المسجد من أي جهة من جهاته وبينه وبين المسجد طريق لزال المحذور في نظري، وصحت الصلاة في هذا المسجد هذه وجهة نظر، والله أعلم.(15/96)
الأمر بقتل الحيات
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/3/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: كيف يمكن الجمع بين حديث (اقتلوا الأسودين في الصلاة..الحديث) ، والأمر بالتحريج على الحية؟ ونفع الله بكم الإسلام والمسلمين.
الجواب
ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمر بقتل الحيات في أحاديث كثيرة، منها ما
يأتي:
(1) ما رواه مسلم (1198) وغيره عن عائشة - رضي الله عنها- عن النبي عليه -الصلاة والسلام- أنه قال: " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحديا ".
(2) ما رواه مسلم (1200) وغيره أن رجلاً سأل ابن عمر: - رضي الله عنهما- ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم؟ قال: حدثتني إحدى نسوة النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور، والفأرة، والعقرب، والحُدَيَّا، والغراب، والحية، قال: وفي الصلاة أيضاً.
(3) ما رواه أبو داود (921) ، والترمذي (390) ، والنسائي (1203) ، وابن ماجة (1245) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- " أمر بقتل الأسودين في الصلاة: الحية، والعقرب "، إلى غير ذلك من الأحاديث التي تدل على مشروعية قتل الحيات مطلقاً، من غير ذكر للتحريج، وفي مقابل هذه الأحاديث التي تأمر بقتل الحيات من غير ذكر للتحريج وردت بعض الأحاديث التي تنهى عن قتل الحيات، ومنها:
(1) ما أخرجه البخاري -رحمه الله- برقم (3310-3311) عن ابن أبي مليكة: أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يقتل الحيات، ثم نهى، قال: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- هدم حائطاً له، فوجد فيه سلخ حيةٍ، فقال: "انظروا أين هو؟ " فنظروا، فقال: "اقتلوه"، فكنت أقتلها لذلك، فلقيت أبا لبابة، فأخبرني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:" لا تقتلوا الجِنَّانَ إلا كل أبتر ذي طُفْيَتينِ، فإنه يسقط الولد، ويذهب البصر، فاقتلوه"، والأبتر: قصير الذنب من الحيات، وقال بعض العلماء هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها، وذو الطفيتين: بضم الطاء وإسكان الفاء: الحية التي على ظهرها خطان أبيضان..(15/97)
(2) ما أخرجه البخاري (3312-3313) عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما- أنه كان يقتل الحيات فحدثه أبو لبابة" أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن قتل جِنَّان البيوت، فأمسك عنها " وجنَّان البيوت: الحيات التي تعيش في البيوت، كما قد وردت بعض الأحاديث التي تأمر بقتل الحيات بعد التحريج عليها، ومن ذلك ما رواه مسلم (2236) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: "إن لهذه البيوت عَوَامِر، فإذا رأيتم شيئاً منها فحرِّجوا عليها ثلاثاً، فإن ذهب، وإلا فاقتلوه"، وقوله: "فحرِّجوا عليها": أي قولوا لها: أنت في حرج وضيق إن عدت إلينا، فلا تلومينا إن ضيقنا عليك بالتتبع والطرد والقتل، ويقول ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أنشدكن العهد الذي أَخَذَ عليكن نوحٌُ أنشدكن العهد الذي أخذ عليكن سليمان أن لا تؤذونا، فإن عُدْن فاقتلوهن" رواه أبو داود (5260) ، والترمذي (1485) من حديث أبي ليلى - رضي الله عنه- بإسناد قال عنه الألباني: ضعيف، ومعنى قوله: "ثلاثاً": يحتمل أن يقول لها ذلك ثلاث مرات أو يمهلها ثلاثة أيام، وإذا نظرنا إلى ما سبق من الأحاديث بمفرداتها، يتبين أنها دلت على أحكام ثلاثة:
الأول: مشروعية قتل الحيات مطلقاً.
الثاني: النهي عن قتل حيات البيوت.
الثالث: مشروعية قتل حيات البيوت بعد التحريج عليه ثلاثاً.
ولذلك فإن العلماء اختلفوا في حكم قتل الحيات بناءً على هذه الأحاديث المذكورة ونحوها، وليس المجال مناسباً لذكر أقوالهم واجتهاداتهم في المسألة، ولكن نذكر ما يرجحه المحققون من أهل العلم، وهو كالتالي:
أنه يجوز قتل الحيات التي لا تكون في البيوت كالتي في البراري ونحوها - مطلقاً - من غير تحريج ولا إنذار؛ لعموم الأحاديث الدالة على مشروعية قتلها مطلقاً كما سبق ذكره،
أما الحيات التي تكون في البيوت وهي المسماة بجنَّان البيوت أو عوامر البيوت فلا يجوز قتلها إلا بعد التحريج عليها ثلاثاً كما سبق في صفة التحريج، إلا الأبتر ذا الطفيتين فإنه يقتل على كل حال سواءً أكان في البيوت أم في غيرها.
والله أعلم، -وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين -.(15/98)
صلاة الأطفال خلف الإمام
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا إمام لأحد المساجد الكبيرة، ويحضر إلى هذا المسجد الكثير من الأطفال ما بين الثامنة إلى الثانية عشرة، ويحرص هؤلاء الأطفال على الجلوس والصلاة خلف الإمام، ويبكرون في الحضور إلى المسجد للمسابقة على الصف الأول، وقد اشتكى الكثير من الآباء وكبار السن من وجود هؤلاء الصبية خلف الإمام في الصلاة، ويحتجون بالحديث المعروف: "ليلني أولو الأحلام والنهى " ويطالبون بإرجاعهم إلى الصف الثاني وتقديم الكبار عليهم، فأردت استفتاءكم في ذلك، هل آمرهم بالتأخر عن الصف الأول؟ مع ذلك الحرص منهم، مما يجعلني أخشى أن يتركوا الصلاة، أو يبغضوا أولئك الرجال الذين يأمرونهم بالتأخر، أو يشجعهم ذلك على التأخر وعدم التعلق بالمسجد، أرجو منكم الإجابة عن سؤالي هذا عاجلاً؛ لأن الجميع ينتظرون فتوى شافية في ذلك، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا سبق الطفل المميز إلى مكان في المسجد في الصف الأول، أو خلف الإمام فهو أحق بهذا المكان من غيره، فلا يصح بحال إبعاده عنه لعموم حديث: "من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له" رواه الطبراني في المعجم الكبير (1/280) من حديث أسمر بن مضرس -رضي الله عنه- وأما من يحتج على إبعاد الصغار بحديث: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى" رواه مسلم (432) من حديث أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه-فليس في هذا الحديث حجة كما يظن، لأن الحديث يتضمن الحث على مسارعة أولي الأحلام والنهى على المبادرة إلى بيوت الله عند سماع النداء والتبكير إلى الصلاة، لا أن نحفظ لهم الأماكن حتى يصلوا، ولو كان الأمر كما قال السائل لقال النبي - صلى الله عليه وسلم- لا يليني منكم إلا أولو الأحلام والنهى، لأن هذا يفيد اختصاص هذا المكان وحصره بأولي الأحلام والنهى، وهذا غير ما في تأخير الأطفال عن هذه الأماكن من كسر نفوسهم، وعدم تشجيعهم، ووقوع العبث منهم باجتماعهم سواء في صف واحد، والله تعالى أعلم.(15/99)
فتح البيت للتعزية
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل يجوز فتح بيت (مٌعَرَّشْ) لتعزية أهل الميت؟ وهل له أصل من السنة أم لا؟ والسلام عليكم.
الجواب
سئل سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- عن سؤال مشابه لسؤالك، فإليك السؤال والجواب:
سـ/ ما رأي سماحتكم فيمن يجلس بالمنزل لاستقبال المعزين؟ مع العلم أن كثيراً من المعزين لا يتمكنون من القيام بالعزاء إلا في المنزل.
جـ/ لا أعلم بأساً في حق من نزلت به مصيبة بموت قريبه، أو زوجته، ونحو ذلك أن يستقبل المعزين في بيته في الوقت المناسب؛ لأن التعزية سنة، واستقبال المعزين مما يعينهم على أداء السنة، وإذا أكرمهم بالقهوة، أو الشاي، أو الطيب، فكل ذلك حسن.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله -
(13/373) ] .(15/100)
أحرم بالحج ولم يستطع إكماله
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/11/1423هـ
السؤال
ما حكم من أحرم من الميقات للحج أو العمرة ثم حبسه حابس عن الطواف والسعي؟
الجواب
الذي أحرم بالحج أو العمرة ثم حبسه حابس عن الطواف والسعي يبقى على إحرامه إذا كان يرجو زوال هذا الحابس قريباً، كأن يكون المانع سيلاً، أو عدواً يمكن التفاوض معه في الدخول وأداء الطواف والسعي، ولا يعجل في التحليل، كما حدث للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه (حيث مكثوا مدة) يوم الحديبية للمفاوضة مع أهل مكة لعلهم يسمحون لهم بالدخول لأداء العمرة بدون قتال، فلما لم يتيسر ذلك وصمموا على المنع إلا بالحرب، وتم الصلح بينه وبينهم على أن يرجع للمدينة ويعتمر في العام القادم، نحر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه هديهم وحلقوا وتحللوا، وهذا هو المشروع للمحصر، يتمهل، فإن تيسر فك الحصار استمر على إحرامه وأدى مناسكه، وإن لم يتيسر ذلك وشق عليه المقام تحلل من هذه العمرة أو الحج إن كان حاجاً، ولا شيء عليه سوى التحلل بإهراق دم يجزئ في الأضحية، ثم الحلق أو التقصير كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يوم الحديبية، وبذلك يتحلل، كما قال جل وعلا: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله" [البقرة: 196] ، فالحق يكون بعد الذبح ويقوم مقامه التقصير، فينحر أولاً، ثم يحلق أو يقصر، ثم يتحلل ويعود إلى بلاده، فمن لم يجد هدياً صام عشرة أيام ثم يحلق أو يقصر ثم يحل.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى (18/8 -9) ] .(15/101)
دفن المسلم في مقابر النصارى
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/3/1424هـ
السؤال
سؤالي هو أني أعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد توفي ابن أخي بالأمس، ويبلغ من العمر ستة أشهر، ويوجد في الولاية التي أعيش فيها مقبرة للمسلمين، وهي عبارة عن جزء من مقبرة للنصارى تبعد عنا مسافة الساعة والنصف، ولكننا لم نتمكن من الاتصال بالإخوة المسئولين عن هذه المقبرة، رغم محاولاتنا وحدوث بعض المشاكل التي حالت بيننا وبين الذهاب هناك، فقمنا بدفنه في مقبرة للنصارى في نفس المدينة التي نعيش بها، وهي مقبرة ملك للدولة، لكن القبر تم شراؤه؛ لكي لا يتم إزاحة رفات ابن أخي في المستقبل، وبهذا ضمنا أن قبره لن يمس إن شاء الله، وتم دفنه على ما سن به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسؤالي بارك الله فيكم هل يجوز لنا فعل ذلك أي قبره في مقبرة للنصارى؟ مع العلم أن هناك عدداً من المسلمين ممن دفنوا في نفس المقبرة، وإذا كان غير جائز هل نستطيع نقله في المستقبل إلى المقبرة الإسلامية؟ مع العلم أنها عبارة عن جزء من مقبرة للنصارى أيضاًً.
بارك الله فيكم أفيدونا وجزاكم الله عنا كل خير.
الجواب
الأصل أن يقبر المسلم في مقبرة للمسلمين ولا يقبر الكفار مع المسلمين، وبما أنكم حاولتم دفن ميتكم في مقبرة المسلمين ولم تستطيعوا، فلا حرج عليكم -إن شاء الله- في دفن الميت في مقبرة النصارى؛ لأن الله -تعالى- لا يكلف نفساً إلا وسعها، هذا فيما يخصكم، أما ما يخص الميت فقد انتقل إلى دار البرزخ، التي هي مقدمة الحياة الآخرة وليس للميت إلا ما عمل، فلا ينتفع الميت الكافر أو العاصي بجواره للميت التقي وكذلك العكس، وميتكم صغير لم يبلغ الحلم فهو ملحق بأبويه يشفع لهما يوم القيامة عند الله بدليل قوله -تعالى-:" والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء"، ولا يجوز نقل الميت من قبره إلى مكان آخر، إلا إذا خيف عليه، كأن يلحق بقبره ضرر حسي أو أذى ظاهر مثل أن تصل إليه المجاري النجسة، أو يكون طريقاً للناس في ذهابهم وإيابهم ونحوه، وأما غير هذا فلا يجوز، والمقبرة للنصارى إذا حجز جزء منها لا يدفن فيه إلا المسلمون، فالدفن في هذا الجزء جائز؛ لأنه أصبح مقبرة خاصة للمسلمين، ولو لم يتم تسويرها، وإذا لم يخصص للمسلمين جزء من هذه المقبرة فسبقت الإجابة عنه، والله أعلم.(15/102)
زكاة الزروع
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
باب الزكاة، لقد فهمت بأن إخراج الزكاة في الأشياء المحصودة هو الخمس فيما سقت العيون الأرضية، بينما العشر فيما سقت السماء، أرجو منكم استفساراً أكثر في هذه المسألة، بالاعتبار أن حقولنا في بلدنا تنتج فيها أكثر المزرعة التي سقت من العيون الأرضية، مما تنتج المزرعة التي سقت السماء، جزاكم الله خيراً.
الجواب
لا، هذا ليس بصحيح، الصحيح أن الزرع الذي تكلف عليه صاحبه في جلب الماء إليه، واستخراجه من الآبار، أو من غيرها بواسطة الآلات من النواضح سواء كانت حيوانات، أو غيرها، من الآلات، فهذا زكاته نصف العشر، وما سقي من مياه العيون، والأمطار، ولم يتكلف صاحبه جلب الماء إليه فهذا الواجب فيه زكاة هو العشر.(15/103)
انقطاع الصف في الصلاة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 27/6/1424هـ
السؤال
ما حكم الصلاة بدون إكمال الصف، حيث إن الصف مقطوع؟
الجواب
الصلاة صحيحة، والأفضل إكمال الصف الأول فالأول، والتراص في الصفوف.(15/104)
النياحة على الشهداء
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
النياحة فعل منهي عنه في ديننا الحنيف، وكذلك لطم الخدود وشق الجيوب، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم-:"ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب"، ولكنه قال أيضاً الرسول لأم الصحابي الجليل سعد بن معاذ -رضي الله عنه- عندما رآها تنوح على وفاة ابنها سعد (كل نائحة تكذب إلا نائحة سعد بن معاذ) .
السؤال هو: بعد رؤيتي لأمهات الفلسطينيين الشهداء الأجلاء وهم ينوحون ويلطمون الخدود انتابتني حيرة من أمري، هل هناك استثناءات في النياحة؟ مثلما استثنى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أم سعد بن معاذ -رضي الله عنهم-؟ وهل تنطبق على الفلسطينيين؟
ولكم جزيل الشكر على ما تقدموه خدمةً لصرح هذا الدين الحنيف. والسلام عليكم.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد..
أولاً: النياحة هي: رفع الصوت بالندب على الميت، أو شق الثياب، أو لطم الخدود، أو حلق الشعر لذلك.
ثانياً: النياحة محرمة بالنصوص الشرعية الثابتة، العامة للرجال والنساء، ومن ذلك: ما جاء في الصحيحين، البخاري (1294) ، ومسلم (103) عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية"، وفي الصحيحين البخاري (1296) ، ومسلم (104) عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه بريء من الصالقة، والحالقة، والشاقة، والصالقة هي: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة هي: التي تحلق شعرها لذلك، والشاقة هي: التي تشق ثوبها لذلك أيضاً، وأخرج مسلم في صحيحه
(67) عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت" وقال -عليه الصلاة والسلام- "النائحة:" إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جراب" مسلم (934) ، بل إنه ثبت في الصحيحين البخاري (1288) ، ومسلم (927) "أن الميت ليعذّب، يعني يتأذى، حين ينوح عليه"، وعلى هذا فالنياحة من كبائر الذنوب، وهي محرمة عند جمهور أهل العلم، بل حكاه النووي إجماعاً، كما في شرح صحيح مسلم (6/236) فأما الحديث المشار إليه في السؤال كل نائحة تكذب إلا نائحة سعد بن معاذ وهو في طبقات بن سعد الكبرى (3/428) بإسناده، وذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (1/287) لكن بلفظ (كل باكية تكذب إلا أم سعد وذكر المحقق في هامش السير إسناد ابن سعد، ثم قال: وإسناده حسن. أ. هـ. وكذا صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3/148) . هذا الحديث - على القول بصحته قد أجاب عنه أهل العلم: بأنه خاص بأم سعد؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم- له أن يخص بعض أصحابه بما شاء، كما خص شهادة خزيمة بشهادة رجلين، وكما في ترخيصه في إرضاع سالم وهو كبير وهكذا، هذا ما أجاب به المناوي في فيض القدير (5/35) وغيره، ومما ينبغي الإشارة إليه: أن الشارع حرم النياحة لحكم كثيرة، منها أن النائحة تأمر، بلسان حالها، بالجزع وقد نهى الله عنه، وتنهى عن الصبر وقد أمر الله به، وتفتن الحي وتؤذي الميت، وتزيد من حزن القريب، ومن فرح العدو..إلخ..(15/105)
ولذا فقد رخص الشارع في حزن القلب، ودمع العين، وفي البكاء الذي تمليه الطبيعة الإنسانية، فما لا يمكن دفعه ولا يقوى المصاب على دفعه، بشرط أن لا يبلغ الحدّ المنهي عنه. وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذّب بهذا، وأشار إلى لسانه، أو يرحم" البخاري (1304) ، ومسلم (924) ، بل إنه - صلى الله عليه وسلم- بكى حين رفع إليه صبي، ونفسه تقعقع، أي تضطرب عند الاحتضار، وفاضت عيناه، فقيل له: ما هذا يا رسول الله؟ فقال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) متفق عليه البخاري
(1284) ، ومسلم (923) .
وبناء على ما تقدم، فإن أخواتنا المجاهدات في فلسطين كغيرهن من المسلمات في هذا الحكم، بل إن أولادهن الذين يقتلون من أجل الجهاد في سبيل الله يعتبرون شهداء، وهؤلاء أحق بالفرح منهم بالحزن، ولذا أصبحنا، ولله الحمد نسمع عن بعض الأمهات هناك ينهين عن تعزيتهن بأولادهن، ورأينا منهن من مشاهد الصبر والاعتزاز ما تتطاول القامات زهواً به، وهؤلاء المسلمات الفاضلات يذكرننا بأخت (عبد الله بن عمرو بن حرام) لما بكت على أخيها حين قتل يوم أحد، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "م تبكي - أو لاتبكي- فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع" رواه البخاري (1244) ، ومسلم (2471) ، وهذا لفظ البخاري، وحسب أم الشهيد- الذي مات في سبيل الله- قول الله عز وجل "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ" (آل عمران: من الآية170) . والله تعالى أعلم.(15/106)
مرّت بالميقات وهي حائض
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 2/12/1423هـ
السؤال
كنت ذاهبة للعمرة ومررت بالميقات وأنا حائض فلم أحرم وبقيت في مكة، حتى طهرت فأحرمت من مكة فهل هذا جائز أم ماذا أفعل وما الذي يجب عليّ؟
الجواب
هذا العمل ليس بجائز والمرأة التي تريد العمرة لا يجوز لها مجاوزة الميقات إلا بإحرام حتى لو كانت حائضاً فإنها تحرم وهي حائض وينعقد إحرامها ويصح. والدليل على ذلك أن أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر - رضي الله عنه- ولدت والنبي - صلى الله عليه وسلم - نازل في ذي الحليفة يريد حجة الوداع فأرسلت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- كيف أصنع؟ قال: (اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي) ودم الحيض كدم النفاس، فنقول للمرأة الحائض إذا مرت بالميقات وهي تريد العمرة أو الحج نقول لها اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي، والاستثفار معناه: أنها تشد على فرجها خرقة وتربطها ثم تحرم سواء بالحج أو بالعمرة ولكنها إذا أحرمت ووصلت إلى مكة لا تأتي إلى البيت ولا تطوف به حتى تطهر ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم- لعائشة حين حاضت في أثناء العمرة، قال لها: (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي في البيت حتى تطهري) ، هذه رواية البخاري ومسلم وفي صحيح البخاري أيضاً ذكرت عائشة (أنها لما طهرت طافت بالبيت وبالصفا والمروة) فدل هذا على أن المرأة إذا أحرمت بالحج أو العمرة وهي حائض أو أتاها الحيض قبل الطواف فإنها لا تطوف ولا تسعى حتى تطهر وتغتسل، أما لو طافت وهي طاهر وبعد أن انتهت من الطواف جاءها الحيض فإنها تستمر وتسعى ولو كان عليها الحيض وتقص من رأسها وتنهي عمرتها لأن السعي بين الصفا والمروة لا يشترط له الطهارة.
[كتاب الدعوة فضيلة الشيخ ابن العثيمين (3/77- 78) ](15/107)
هَمَّ بالزنى ولم يفعل فهل يأثم؟
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/02/1427هـ
السؤال
هممت بفتاة، ونويت أن أزني بها، لكن حدث مانع ولم أزن بها، فهل أنا آثم؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإذا كان المانع من عنده، بحيث إنه خاف الله، وترك هذا الفعل خوفاً من الله فهو على أجر وثواب، ويرجى أن يكون ممن وعدوا بأن يكونوا من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فإن أحدهم: "رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله". صحيح البخاري (1423) ، وصحيح مسلم (1031) .
وأما إذا كان المانع أنه لم يحصل له وهو ما يزال راغباً في تحصيله، لكن منع من ذلك لموانع أخرى ليست من عنده، فإن هذا يأثم على نيته، وإثمه ليس كإثم من وقع منه الزنى، وإنما يأثم على رغبته في فعل هذه الجريمة، ولا يكون عليه من العقاب مثل عقاب من فعل الجريمة، فإن من فعل هذه الجريمة يحد حدّ الزنى، وأما من هَمَّ بها ولم يستطع فعل ما أراد -لعوائق حالت دون ذلك- فإنه يعزر بما يراه الحاكم رادعاً له ولأمثاله. وبالله التوفيق.(15/108)
الصلاة على الميت بعد دفنه
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/8/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
هل يجوز الصلاة على الميت بعد دفنه بفترة كالشهر أو الشهرين أو أكثر؟ وهل يجوز الصلاة عليه مرتين؟
الجواب
بالنسبة للصلاة على الميت بعد دفنه، يجوز ذلك لمن لم يصل على الميت كمن يكون غائباً إذا قدم وأخبر بموت هذا الميت فيجوز له أن يصلي على القبر، لأنه ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على ميت بعدما دفن، كما في البخاري (857) ، ومسلم (954) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - وقد قيد أهل العلم مدّة الصلاة على القبر إلى شهر، لأن أقصى ما ورد هو الشهر، كما في سنن الترمذي (1038) من حديث سعيد بن المسيب أن أم سعد -رضي الله عنها- ماتت وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - غائباً فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر، فأقصى مدة يصلى على الميت فيها هو شهر، وما زاد على الشهر فإنه لا يصلى عليه، والميت لا يصلى عليه مرة ثانية إذا كان قد صُلِّي عليه.(15/109)
آداب زيارة المسجد النبوي
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 10/11/1423هـ
السؤال
ما هو حكم زيارة مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ وما هي آدابها؟
الجواب
تسن زيارة مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الحج أو بعده؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام"، رواه مسلم، وعن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا" أخرجه أحمد، وابن خزيمة، وابن حبان، وعن جابر - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه" أخرجه أحمد، وابن ماجة والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
فإذا وصل الزائر إلى المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى عند دخوله، ويقول: "بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك" كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد، وليس لدخول مسجده صلى الله عيه وسلم ذكر مخصوص، ثم يصلي ركعتين فيدعو الله فيهما بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، وإن صلاهما في الروضة الشريفة فهو أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" ثم بعد الصلاة يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فيقف تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم بأدب وخفض صوت، ثم يسلم عليه، - عليه الصلاة والسلام - قائلاً "السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته"، لما في سنن أبي دواد بإسناد حسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما من أحد يسلم عليّ إلا ردّ الله عليّ روحي حتى أردّ عليه السلام"، وإن قال الزائر في سلامه: "السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين وإمام المتقين، أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده" فلا بأس بذلك، لأن هذا كله من أوصافه صلى الله عليه وسلم، ويصلى عليه- عليه الصلاة السلام - ويدعو له، لما قد تقرر في الشريعة من شرعية الجمع بين الصلاة والسلام عليه، عملاً بقوله تعالى:"إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً" ثم يسلم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويدعو لهما، ويرتضى عنهما.(15/110)
وكان ابن عمر رضى الله عنهما إذا سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، لا يزيد غالباً على قوله: (السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه) ثم ينصرف.
وهذه الزيارة إنما تشرع في حق الرجال خاصة، أما النساء فليس لهن زيارة شيء من القبور، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن زوارات القبور من النساء والمتخذين عليها المساجد والسرج.
وأما قصد المدينة للصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والدعاء فيه، ونحو ذلك مما يشرع في سائر المساجد، فهو مشروع في حق الجميع، لما تقدم من الأحاديث في ذلك.
ويسن للزائر أن يصلي الصلوات الخمس في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يكثر فيه من الذكر والدعاء. وصلاة النافلة، اغتناماً لما في ذلك من الأجر الجزيل.
ويستحب أن يكثر من صلاة النافلة في الروضة الشريفة، لما سبق من الحديث الصحيح في فضلها، وهو قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة".
أما صلاة الفريضة فينبغي للزائر وغيره أن يتقدم إليها، ويحافظ على الصف الأول مهما استطاع، وإن كان في الزيادة القبلية؛ لما جاء في الأحاديث الصحيحة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من الحث والترغيب في الصف الأول، مثل قوله – صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا" متفق عليه، ومثل قوله – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه: "تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال الرجل يتأخر عن الصلاة حتى يؤخره الله" أخرجه مسلم، وأخرج أبو داود، عن عائشة – رضي الله عنها – بسند حسن، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "لا يزال الرجل يتأخر عن الصف المقدم حتى يؤخره الله في النار"، وثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال لأصحابه: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها!؟ " قالوا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها!؟ قال: "يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف" رواه مسلم.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي تعم مسجده – صلى الله عليه وسلم – وغيره قبل الزيادة وبعدها، وقد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه كان يحث أصحابه على ميامن الصفوف، ومعلوم أن يمين الصف في مسجده الأول خارج الروضة، فعلم بذلك أن العناية بالصفوف الأول وميامن الصفوف مقدمة على العناية بالروضة الشريفة، وأن المحافظة عليهما أولى من المحافظة على الصلاة في الروضة، وهذا بين واضح لمن تأمل الأحاديث الواردة في هذا الباب، والله الموفق.
ولا يجوز لأحد أن يتمسح بالحجرة أو يقبلها أو يطوف بها؛ لأن ذلك لم ينقل عن السلف الصالح، بل هو بدعة منكرة.
ولا يجوز لأحد أن يسأل الرسول – صلى الله عليه وسلم – قضاء حاجة، أو تفريج كربة، أو شفاء مريض، ونحو ذلك؛ لأن ذلك كله لا يطلب إلا من الله سبحانه، وطلبه من الأموات شرك بالله وعبادة لغيره، ودين الإسلام مبني على أصلين:
أحدهما: ألا يعبد إلا الله وحده.
والثاني: ألا يعبد إلا بما شرعه الله والرسول – صلى الله عليه وسلم -.
وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.(15/111)
وهكذا لا يجوز لأحد أن يطلب من الرسول – صلى الله عليه وسلم – الشفاعة؛ لأنها ملك الله سبحانه، فلا تطلب إلا منه، كما قال تعالى: "قل لله الشفاعة جميعاً".
فتقول: "اللهم شفع في نبيك، اللهم شفع في ملائكتك، وعبادك المؤمنين، اللهم شفع في أفراطي"، ونحو ذلك، وأما الأموات فلا يطلب منهم شيء، لا الشفاعة ولا غيرها، سواء كانوا أنبياء أو غير أنبياء؛ لأن ذلك لم يشرع ولأن الميت قد انقطع عمله إلا مما استثناه الشارع.
وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
وإنما جاز طلب الشفاعة من النبي – صلى الله عليه وسلم – في حياته ويوم القيامة؛ لقدرته على ذلك، فإنه يستطيع أن يتقدم فيسأل ربه للطالب، أما في الدنيا فمعلوم، وليس ذلك خاصاً به، بل هو عام له ولغيره، فيجوز للمسلم أن يقول لأخيه: اشفع لي إلى ربي في كذا وكذا، بمعنى: أدع الله لي، ويجوز للمقول له ذلك أن يسأل الله ويشفع لأخيه إذا كان ذلك المطلوب مما أباح الله طلبه.
وأما يوم القيامة فليس لأحد أن يشفع إلا بعد إذن الله سبحانه، كما قال الله تعالى: "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه".
وأما حالة الموت فهي حالة خاصة لا يجوز إلحاقها بحال الإنسان قبل الموت ولا بحاله بعد البعث والنشور، لا نقطاع عمل الميت وارتهانه بكسبه إلا ما استثناه الشارع، وليس طلب الشفاعة من الأموات مما استثناه الشارع، فلا يجوز إلحاقه بذلك، لا شك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد وفاته حي حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء، ولكنها ليست من جنس حياته قبل الموت، ولا من جنس حياته يوم القيامة، بل حياة لا يعلم حقيقتها وكيفيتها إلا الله سبحانه، ولهذا تقدم في الحديث الشريف قوله عليه الصلاة والسلام: "ما من أحد يسلم علي إلا ردَّ الله علي روحي حتى أرد عليه السلام".
فدل ذلك على أنه ميت، وعلى أن روحه قد فارقت جسده، لكنها ترد عليه عند السلام، والنصوص الدالة على موته – صلى الله عليه وسلم – من القرآن والسنة معلومة، وهو أمر متفق عليه بين أهل العلم، ولكن ذلك لا يمنع حياته البرزخية، كما أن موت الشهداء لم يمنع حياتهم البرزخية المذكورة في قوله تعالى: " وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" [آل عمران:169] .
وإنما بسطنا الكلام في هذه المسألة، لدعاء الحاجة إليه بسبب كثرة من يشبه في هذا الباب، ويدعو إلى الشرك وعبادة الأموات من دون الله، فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين السلام من كل ما يخالف شرعه، والله أعلم.(15/112)
وأما ما يفعله بعض الزوار من رفع الصوت عند قبره – صلى الله عليه وسلم -، وطول القيام هناك فهو خلاف مشروع؛ لأن الله سبحانه نهى الأمة عن رفع أصواتهم فوق صوت النبي – صلى الله عليه وسلم -، وعن الجهر له بالقول كجهر بعضهم لبعض، وحثهم على غض الصوت عنده في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ" [الحجرات:2-3] .
ولأن طول القيام عند قبره – صلى الله عليه وسلم -، والإكثار من تكرار السلام يفضي إلى الزحام وكثرة الضجيج وارتفاع الأصوات عند قبره – صلى الله عليه وسلم -، وذلك يخالف ما شرعه الله للمسلمين في هذه الآيات المحكمات، وهو - صلى الله عليه وسلم – محترم حياً وميتاً، فلا ينبغي للمؤمن أن يفعل عند قبره ما يخالف الأدب الشرعي.
وهكذا ما يفعله بعض الزوار وغيرهم من تحري الدعاء عند قبره مستقبلاً للقبر رافعاً يديه يدعو، فهذا كله خلاف ما عليه السلف الصالح من أصحاب رسول الله وأتباعهم بإحسان، بل هو من البدع المحدثات، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" أخرجه أبو داود، والنسائي بإسناد حسن، وقال – صلى الله عليه وسلم -: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" أخرجه البخاري، ومسلم، وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
ورأى علي بن الحسين زين العابدين – رضي الله عنهما – رجلاً يدعو عند قبر النبي – صلى الله عليه وسلم -، فنهاه عن ذلك، وقال: ألا أحدثك حديثاً سمعته من أبي، عن جدي، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم"، أخرجه الحافظ محمد بن عبد الواحد المقدسي في كتابه: (الأحاديث المختارة) .
وهكذا ما يفعله بعض الزوار عند السلام عليه صلى الله عليه وسلم – من وضع يمينه على شماله فوق صدره أو تحته كهيئة المصلي فهذه الهيئة لا تجوز عند السلام عليه – صلى الله عليه وسلم، ولا عند السلام على غيره من الملوك والزعماء وغيرهم، لأنها هيئة ذل وخضوع وعبادة لا تصلح إلا لله، كما حكى ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح عن العلماء، والأمر في ذلك جلي واضح لمن تأمل المقام وكان هدفه اتباع هدي السلف الصالح.
وأما من غلب عليه التعصب والهوى والتقليد الأعمى وسوء الظن بالدعاة إلا هدي السلف الصالح فأمره إلى الله، ونسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق لإيثار الحق على ما سواه إنه سبحانه خير مسئول.(15/113)
وكذا ما يفعله بعض الناس من استقبال القبر الشريف من بعيد وتحريك شفتيه بالسلام أو الدعاء فكل هذا من جنس ما قبله من المحدثات، ولا ينبغي للمسلم أن يحدث في دينه ما لم يأذن به الله، وهو بهذا العمل أقرب إلى الجفاء منه إلى الموالاة والصفاء، وقد أنكر الإمام مالك رحمه الله هذا العمل وأشباهه، وقال: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها".
ومعلوم أن الذي أصلح أول هذه الأمة هو السير على منهاج النبي - صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين وصحابته المرضيين وأتباعهم بإحسان، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا تمسكهم بذلك، وسيرهم عليه.
وفق الله المسلمين لما فيه نجاتهم وسعادتهم وعزهم في الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - (16/99-111) ] .(15/114)
دفنت ولم يُصلَّ عليها، فما العمل
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/8/1424هـ
السؤال
توفيت ابنة صديق لها من العمر شهران ودفنها ولم يصلِّ عليها، ماذا يفعل؟
الجواب
لا يجوز له ذلك بل يحرم عليه دفنها بدون أن يصلي عليها؛ لأن تجهيز الميت والصلاة عليه صغيراً كان أو كبيراً من فروض الكفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإلا أثم كل من علم بذلك ولم يقم به، وإذا كان الوقت قريباً فعليه نبشها والقيام بما يجب من تغسيل وتكفين والصلاة عليها ودفنها في مقابر المسلمين، وإذا كان قد مضى وقت طويل وقد دفنها في المقبرة أو في فلاة من الأرض فعليه الصلاة عليها في قبرها مع عدد من المسلمين.(15/115)
الصلاة في مدرسة بها مقبرة
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 5/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا مدرس في مدرسة إسلامية وكنت أصلي بها دائماً ثم جاءني صديقي وأخبرني أن الصلاة لا تجوز في هذه المدرسة لأنه قال لي إن في ساحة المدرسة توجد مقبرة وهي صحيح مقبرة مع أني أدرس في الدور الثاني منها، والمكان الذي نصلي فيه والقبر يكون خلفنا حين نصلي هل تجوز لنا الصلاة فيه أو لا؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالجواب: هو أنني أرى أن ما ذكره زميلك من عدم جواز الصلاة في المدرسة التي فيها قبور هو الصواب ولو كانت القبور خلفكم ما لم يكن هناك طريق متصل من جهتي المدرسة إلى الشارع يفصل بين مبنى المدرسة وساحتها بحيث تكون الساحة التي فيها القبور منفصلة تماماً عن المبنى، وقد روى مسلم (529) في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" وفي رواية أنه قال:"وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك".
هذا وعلى السائل أن يرجع إلى صحيح مسلم بشرح النووي حيث ترجم النووي -رحمه الله- بهذه الترجمة (باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد) ، والله أعلم.(15/116)
(التثويب) في الأذان الأول أم الثاني
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
يؤلمني ما يجري من النزاع والمجادلة في بعض المجتمعات بالنسبة لقول "الصلاة خير من النوم" في أذان الفجر، بعضنا يرى أن موضعها الأذان الأول، وبعضهم يرى أن موضعها في النداء الثاني، سبب هذا النزاع ضرراً بيننا حتى أصبح لا يصلي بعضنا خلف بعض، ما هو حقيقة موضع هذا القول في نداء صلاة الفجر؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
المسائل الاجتهادية التي يقوم كل قول منها على دليل لا يجوز أن تكون مصدر خلاف ونزاع بين الإخوة وبين المسلمين فإن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- كانوا يختلفون ومع ذلك كانت قلوبهم كقلب رجل واحد يختلفون بمثل هذه الأمور الاجتهادية ولكل منهم دليل، ومع ذلك فإنه يصلي بعضهم خلف بعض ويحب بعضهم بعضاً ويوالي بعضهم بعضاً ولا يشنؤه ولا يبغضه، ومثل هذا لا يكون سبباً في التفرقة بينهم -رضي الله تعالى عنهم- وأنصح الإخوة أن يقتدوا بالسلف وأن يعذر بعضهم بعضاً في مثل هذه المسائل التي يجتهد فيها العلماء ويكون لكل منهم دليل قائم، فما دام أنه يتعبد الله -عز وجل- بالدليل وليس بالهوى ولا بالعصبية فعليك أن تعذره وأن تحسن الظن به وأن ترجع أنت وإياه إلى الكتاب والسنة كما قال الله -عز وجل-:"فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" [النساء: 59] ، وعلينا أن نقرأ في فقه الخلاف وأن نسترشد به وأن ننظر إلى خلاف السلف -رحمهم الله-، وأما بالنسبة لهذه المسألة الفرعية فالصواب من أقوال أهل العلم -رحمهم الله- أن موضع التثويب بقول: الصلاة خير من النوم، إنما هو في الأذان الثاني وهذا هو الذي يدل له الأثر والنظر، أما الأثر فحديث أنس -رضي الله تعالى عنه- انظر القرطبي (6/228) ، وصحيح ابن خزيمة (1/202) ، الحديث رقم (386) ، والأحاديث المختارة (7/160) ، وكذلك حديث نعيم بن النحاس -رضي الله تعالى عنه- وأما النظر فإن قول: الصلاة خير من النوم إنما يتوجه إذا كان في النداء الثاني دون الأول، لأن النداء الثاني إنما يكون عند طلوع الفجر ودخول وقت صلاة الفجر، فكان من المناسب أن يرغب في أداء هذا الفرض وأن يقوم الإنسان ويؤدي ما أوجب الله عليه، وأما ما ورد فيما يستدل به من قال إنها في النداء الأول بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"إذا أذنت الأول فقل الصلاة خير من النوم ... "إلى آخر الحديث انظر: النسائي (633) ، وأصله في مسلم (379) ، فالجواب عن هذا بأن يقال: إن المراد بقوله: إذا أذنت الأول أن المراد هو الأذان الثاني، وإنما سمى هذا الأذان الثاني الذي عند طلوع الفجر سماه أولاً بالنظر إلى الإقامة، فإن الإقامة تسمى أذاناً كما في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عبد الله بن المغفل:"بين كل أذانين صلاة" البخاري (624) ، ومسلم (838) ، والله أعلم.(15/117)
القصائد البوصيرية والبغدادية
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 2/1/1424هـ
السؤال
ما حكم القصائد البوصيرية لحسن البوصيري والقصائد البغدادية في مدح الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟ والسلام عليكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فالمعروف والمشهور من هذه القصائد هي قصيدة البردة للبوصيري التي تقرأ عادة في الموالد، وهذه القصيدة تحتوي على أبيات فيها غلو بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأبيات شركية، ومنها:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
ومنها:
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
ونحوها من الأبيات الشركية التي لا يجوز قراءتها فضلاً عن التقرب إلى الله بها، إلا من أراد أن يتقرب إلى الله تعالى ببيان بطلانها وما فيها من شرك وضلال.
نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(15/118)
صوم يوم الشك
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 29/8/1425هـ
السؤال
مازال الناس يختلفون في أمر صوم رمضان؛ فبعضهم يصوم لرؤية الهلال ويفطر لرؤيته؛ أخذاً بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له" وبعضهم يصوم قبل رؤيته، ويوافق صومهم يوم طلوع هلال رمضان، والحال أن ذلك خلاف ظاهر الحديث وقد أشكل علينا الأمر، فأفتونا مأجورين.
الجواب
من صام يوم الثلاثين من شعبان دون ثبوت الرؤية الشرعية ووافق صومه ذلك اليوم أول دخول رمضان فلا يجزئه؛ لكونه لم يبن صومه على أساس شرعي، ولأنه يوم الشك، وقد دلت السنة الصحيحة على تحريم صومه، وعليه قضاؤه، قال ابن قدامة رحمه الله في ذلك: وعن أحمد رواية ثالثة: لا يجب ولا يجزئه عن رمضان إن صامه، وهو قول أكثر أهل العلم؛ منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي ومن تبعهم؛ لما روى أبو هريرة -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين" رواه البخاري، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين" رواه مسلم، وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صوم يوم الشك متفق عليه، وهذا يوم شك؛ ولأن الأصل بقاء شعبان فلا ينتقل عنه بالشك (انتهى) المغني.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10/117-118](15/119)
الاحتجاج بالقرآن فقط
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 20/9/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد آية من القرآن الكريم توضح تحريم زواج المرأة المسلمة من أهل الكتاب، غير الآية الموجودة عن تحريم الزواج من المشرك في سورة البقرة، ولا أريد حديثاً شريفاً عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لأن صديقتي لا تصدق سوى القرآن، وشكراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده وبعد: فقد ذكرت الأخت السائلة أن صديقتها لا تصدق سوى القرآن ولا تريد حديثاً من السنة، لذا كان لزاماً بيان منزلة السنة ووجوب التأدب مع سنته - صلى الله عليه وسلم - والعمل بها:(15/120)
فأقول مستعيناً بالله تعالى إن الآيات الدالة على وجوب اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - وطاعته والتحذير من مخالفته كثيرة؛ منها: قول الله تعالى: "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ" [المائدة:92] ، وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ" [النساء:59] وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ"الآية، [لأنفال: 24] ، وقوله تعالى: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" الآية، [الحشر:7] وقوله تعالى: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" الآية، [النور:63] ، قال ابن كثير: أي عن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأفعاله فما وافقها قبل وما خالفها فهو مردود على قائله وفاعله كائنا من كان، وقال عند تفسير [أن تصيبهم فتنة] أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة، تفسير ابن كثير (5/130) وقوله تعالى: "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً" [النساء:65] ، وقوله تعالى: "وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً" الآية، [النساء: 113] والحكمة: السنة. وقوله تعالى: "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ" [آل عمران:164] ، والحكمة السنة، وقوله تعالى: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" [آل عمران:31] ، قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية بأنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشريعة المحمدية والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله. ا. هـ. من تفسير ابن كثير (2/29) ، وقوله تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" [الأحزاب:21] قال الترمذي: الأسوة الحسنة في الرسول - صلى الله عليه وسلم - الاقتداء به، والاتباع لسنته، وترك مخالفته في قوله أو فعله، وقال تعالى: "مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ" الآية، [النساء:80] .
ومن السنة:(15/121)
قوله - صلى الله عليه وسلم-: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله) رواه أبو داود (4604) وإسناده صحيح، قال الأوزاعي عن حسان بن عطية - رحمه الله تعالى-: كان جبريل ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل بالقرآن. سنن الدارمي (1/153) .
تعذر العمل بالقرآن وحده في جملة من الأحكام:
كبيان كيفية الصلاة وعدد ركعاتها وأوقاتها وبيان نصاب الزكاة في قوله تعالى: "وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ"الآية، [البقرة: 43] وبيان ما المراد بالحج والعمرة وشروطهما في قوله تعالى: "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ" الآية، [البقرة: 196] ، وبيان ما هي السرقة الموجبة للقطع وما نصابها وما هو موضع القطع في قوله تعالى: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ"الآية [المائدة: 38] .
وأخيراً فإن حجية السنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مما علم من الدين بالضرورة لتظاهر الأدلة على ذلك وهو مرتبط بأصول العقيدة وهي الترجمة الحقيقية للإيمان برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولم يقع في ذلك نزاع بين المسلمين ممن يعتد بهم لأن الأمر من المسلمات الأساسية والبديهية، قال الإمام الشافعي: (لم أسمع أحداً نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله - عز وجل - اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتسليم لحكمه، بأن الله - عز وجل - لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول أحد بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن ما سواهما تبع لهما، وأن فرض الله علينا وعلى من بعدنا ومن قبلنا في قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحد".
قال الحافظ ابن حزم: "لما بينا أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع نظرنا فوجدنا فيه إيجاب طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووجدناه - عز وجل - يقول فيه واصفاً لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: "وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى" [النجم: 3-4] فصح لنا بذلك أن الوحي ينقسم من الله عز وجل إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلى قسمين: القرآن والسنة.
فلا يسع مسلماً أن يرجع عند التنازع إلى غير الله والسنة أو يرفض حكمهما، فإن فعل بعد قيام الحجة عليه فهو فاسق، وأما إن كان مستحلاً للخروج عن أمرهما فهو كافر بالإجماع. أ. هـ.(15/122)
وقال أيوب السختياني: "إذا حدثت الرجل بالسنة فقال: دعنا من هذا، وأنبئنا عن القرآن فاعلم أنه ضال مضل" وقال الإمام الشاطبي: (إن الاقتصار على القرآن رأي أقوام لا خلاق لهم خارجون من السنة ... ) ، وقال الإمام السيوطي (إن من أنكر كون حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول حجة كفر، وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى، أو من شاء من فرق الكفرة"، وقال الإمام الشوكاني: (إن ثبوت حجة السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلا من لاحظ له في دين الإسلام) . وبعد بيان ذلك هل يسوغ لمسلم أن يقول أنا لا أريد حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لذا على الأخت السائلة أن تبلغ صاحبتها بذلك، فإن قبلت فالحمد لله وإن لم تقبل فلتهجرها، لأنه لا خير في صحبة من رد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ" الآية [الأحزاب: 36] والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(15/123)
مشي النساء خلف الجنازة
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 26/1/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
ما حكم سير النساء خلف الجنازة؟ وهل الحديث الذي ذكر فيه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال إن المرأة التي تتبع الجنازة لا تشم رائحة الجنة" صحيح؟ وهل تجب كفارة أو توبة على المرأة التي سارت خلف الجنازة؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالجواب عن السؤال الأول وهو حكم سير النساء خلف الجنازة أنه محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من كرهه مستدلين بما جاء في الصحيحين البخاري (5341) ، ومسلم
(938) ، عن أم عطية قالت: لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، وفيه "ونهانا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا" قالوا: فقوله -صلى الله عليه وسلم- "ولم يعزم علينا" يدل على أن النهي للتنزيه لا للتحريم، ومن العلماء من حرم ذلك وهو الراجح في نظري مستدلين بما رواه ابن ماجة (1578) ، والبيهقي (4/77) ، عن علي -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا نسوة جلوس، فقال: ما يجلسكن؟ قلن: ننتظر الجنازة ... الحديث: وفيه قوله -صلى الله عليه وسلم-:"فارجعن مأزورات غير مأجورات" قال بعض أهل العلم: فهذا الحديث دليل على أن نهي النساء عن اتباع الجنائز في حديث أم عطية (المتقدم) نهي تحريم لا نهي تنزيه، هذا وقد رأى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- نساء في جنازة فطردهن وحصبهن بالحجارة، وقال ابن القيم -رحمه الله-:"اتباع الجنازة للنساء وزر، لا أجر لهن فيه؛ إذ لا مصلحة لهن ولا للميت في اتباعهن لها بل فيه مفسدة للحي والميت" انتهى.
أما الجواب عن السؤال الثاني وهو حديث المرأة التي تتبع الجنازة أنها "لا تشم رائحة الجنة" فلم أقف عليه بهذا اللفظ وإنما روى أبو داود (3123) ، وغيره في باب التعزية حديثاً آخر وهو طويل وفيه "أن الرسول -صلى الله عليه وسلم لما فرغ هو وبعض أصحابه من دفن جنازة وحاذى بابه، فإذا امرأة مقبلة، فإذا هي فاطمة -عليها السلام- فقال ما أخرجك فقالت: أتيت يا رسول الله أهل هذا البيت فعزيتهم بميتهم فقال -صلى الله عليه وسلم- فلعلك بلغت معهم الكدى (يعني المقابر) قالت: معاذ الله وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر قال: لو بلغت معهم الكدى فذكر تشديداً في ذلك، وقد جاء في غير رواية أبي داود لو بلغت معهم الكدى ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك. قال أبو داود عن الحديث قال المنذري: أخرجه النسائي (1880) ، وفيه مقال: انتهى، قلت: وضعفه الألباني والحديث رواه أيضاً أحمد (6574) في مسنده وابن حبان في صحيحه (3177) والحاكم في المستدرك (1/374) .
أما الجواب عن السؤال الثالث فالجواب عنه أنه لا كفارة لمن فعلت ذلك لا سيما مع الجهل وعليها أن تتوب عما فعلت وتندم على ما وقع منها وتعزم على ألا تعود، -والله أعلم-.(15/124)