تاسعاً: هذه الشخصيات اختفت عن العيون إلا أن سيرها العطرة المدونة لا تزال بقراءتها تفوح مسكاً وطيباً، وتؤثر في صياغة النفوس واستقامتها على الهدى والصلاح.
عاشراً: القدوة لا تزال مؤثرة وستبقى مؤثرة في النفس الإنسانية، وهي من أقوى الوسائل التربوية تأثيراً في النفس الإنسانية وإيحاء لها لأمرين:
1- لأن النفس الإنسانية مشغوفة بالإعجاب بمن هو أعلى منها كمالاً، ومهيأة للتأثر بشخصيته واستهواء فكره وسلوكه ومحاولة محاكاته.
2- لأنها تمنح الآخرين قناعة بأن التكاليف والفضائل ممكنة التطبيق، وأنها في قدرة الإنسان، وأن لها عائداً عليه في الدنيا والآخرة، ولا ريب أن شاهد الحال أقوى من شاهد المقال.
الحادي عشر: القدوة الصالحة المؤثرة في المجتمعات الإسلامية في الوقت الحاضر قليلة رغم كثرة أهل العلم والتقوى والصلاح، وهذا يعود إلى الأمور التالية:-
1- عدم توافر جميع الصفات التالية في كثير من الأشخاص الذين هم محل للاقتداء:-
أ- الاستعداد الذاتي المتمثل في طهارة القلب وسلامة العقل واستقامة الجوارح؛ ذلك أن الإنسان لا يكون قدوة لغيره إلا إذا كانت نفسه طاهرة من الآثام، مهيأة لفعل الخير، حريصة عليه، وسلوكه مستقيماً لا يعرف عند أحد بباطل ولا كذب، ويدل مظهره عليه. ب- التكامل في الشخصية أو في جانب منها بحيث يكون الشخص محلاً للإعجاب وتقدير الآخرين ورضاهم، مع سلامة في الدين وحسن الخلق.
ت- حب الخير للآخرين والشفقة عليهم والحرص على بذل المعروف وفعله والدعوة إليه، فمن كان على هذه الصفة أحبه الناس وقدروه وتأسوا به، ومن فقد هذه الصفة لم يلتفتوا
إليه.
2- عدم تسديد النقص أو القصور الذي قد يعتري من هم محل للاقتداء كالآباء والمعلمين وأهل العلم في صفة من تلك الصفات مما يصرف الناس عن التأسي بهم، وهذا يرجع إلى عدم
إدراك هؤلاء للواجب، أو عدم تصورهم لأثر القدوة في التربية والإصلاح، أو لضعف شخصي ناتج عن استجابة لضغط المجتمع المشوب، أو لسلبية عندهم نحو المشاركة في تربية
الناشئة وإصلاح أفراد المجتمع.
3- مزاحمة القدوات المزيفة المصطنعة للتلبيس على الناس وإضلالهم عن الهدى وتزيين السوء في أعينهم، وصرفهم عن أهل الخير وخاصة الله، فقد أسهم الإعلام المنحرف والمشوب في صناعة قدوات فاسدة أو تافهة، وسلط عليها الأضواء ومنحها من الألقاب والصفات والمكانة الاجتماعية ما جعلها تستهوي البسطاء من الناس أو ضعاف النفوس والذين في قلوبهم مرض، وتوحي بزخرف القول الذي يزين لهؤلاء تقليدهم ومحاكاتهم، هذا والله أعلم.(12/426)
تدريس المبتعث للقرآن
المجيب أ. د. صالح بن محمد السلطان
أستاذ الفقه بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/صفات الداعي ووظائفه
التاريخ 17/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم شخص مبتعث لأحد رأى زميلاً له مبتعثاً يقرأ القرآن، ويُدرسه في المركز الإسلامي بالمدينة التي نقطن بها فأقسم عليه بأنه آثم في فعلته هذه لأن الدولة (بيت مال المسلمين) قد ابتعثته للدراسة وليس لتدريس القرآن لأولاد المبتعثين, علماً أن هذا الشخص لم يتغيب عن محاضراته من أجل تدريس القرآن، فهو يؤدي ما هو مطلوب منه من مشرفيه؛ بل يأتي تعليم القرآن في وقت فراغه, بينما القائل بتلك المقولة يحتج أن المبتعث لو كان لديه وقت فراغ زائد عن دراسته فعليه أن يصرفه لتحسين لغته الإنجليزية، فهي من الضرورات التي ابتعث من أجلها, نأمل التكرم بالإفادة.
الجواب
هذا الكلام الذي ذكره لك صاحبك غير صحيح، ويدل على جهل قائله؛ بل إن من الفضل والمعروف العمل الذي تقوم به من تدريس القرآن، وأنصحك بالاستمرار في ذلك فإن فيه الأجر العظيم والثواب الجزيل من الله -جل وعلا-، وهو خير لك مما ذكره لك هذا الشخص من تحسين لغتك.(12/427)
أدرس في معهد مختلط
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/صفات الداعي ووظائفه
التاريخ 19/6/1424هـ
السؤال
أنا فتاة مسلمة ومتمسكة بديني ولله الحمد، وأعيش في بلد كافر مع زوجي لغرض بعثة زوجي إلى هذا البلد ولفترة تزيد عن سبع سنوات، ولقد دخلت في أحد المعاهد ويوجد فيه اختلاط، وبدأتُ الدراسة لغرض تعلم اللغة لكي أعلّم بعض إخوتي في الله بعض أمور دينهم في أحد المراكز الإسلامية، علماً أني أذهب وأنا أغطي جميع بدني ووجهي، لا أظهر إلا عينّي، ولا أختلط مع الرجال ولا أتحدث إليهم، ووضحت لكثير منهم بعضاً من الأمور الخاطئة التي تنشر عن الإسلام ومنهم من يستجيب، فنود من فضيلتكم أن تفتوني مأجورين في عملي هذا، وما حكم تعليم أطفال المسلمين المقيمين في بلاد الكفر؟.
الجواب
زادك الله حرصاً على الخير يا أخيّة ونفعك، ونفع بك، إذا كان الحال كما ذكرت من دراستك في هذا المعهد المختلط، وأنت ملتزمة بالحجاب الشرعي وبالحشمة، فلا حرج عليك في ذلك بإذن الله، ما دام أنه لا يترتب على ذلك ضرر في دينك ولا خلقك، وما تقومين به من توضيح بعض الأمور الخاطئة التي تنتشر زوراً وبهتاناً عن الإسلام، وما تقومين به من تعليم أطفال المسلمين في تلك الديار عمل مبرور أرجو أن يثيبك الله عليه أجزل الثواب، وأن ينفع بعملك، وأسأل الله لك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد.(12/428)
يعمل مفتشاً، فهل يشرع له تمزيق كتب النصارى
المجيب عبد الله بن سليمان بن منيع
عضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/صفات الداعي ووظائفه
التاريخ 24/2/1425هـ
السؤال
أعمل في ميناء، وأثناء تفتيشي على النصارى أجد معهم كتيبات تخص دينهم وصور يزعمون أنها لعيسى ومريم، وأقوم بتمزيقها، ويقول المسئولون اتركهم فهذا دينهم، فهل يعتبر هذا منكر أثاب بتغييره أم أن أتركهم وشأنهم؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الإجابة عن سؤال الأخ الكريم فما يتعلق بأنه أحد موظفي الجمارك، وأن بعض الأجانب من أهل الكتاب من النصارى أو اليهود أو غيرهم يأتون لعمل أو لاقتضاء تقتضيه مصلحتهم، أو مصلحة بلادنا في مجيئهم، وهم قد جاءوا بطريقة مشروعة من حيث التأشيرة ونحو ذلك، ثم يكون معهم ما يكون من كتب تتعلق بدينهم أو صور تتعلق بطقوسهم، والذي يعمله الأخ السائل أنه يتصرف بهذه الكتب وهذه الصور بتمزيقها أو نحو ذلك، وقد اعترض عليه بعض المسؤولين على اعتبار أن هذا عمل غير سائغ، ونحو ذلك، ويسأل الأخ الكريم عن هذا: هل يجوز له هذا التصرف أو لا يجوز له؟
والجواب على هذا طالما أنهم على غير ديننا، وهم يحملون كتباً تتعلق بدينهم وما يتعلق بمستنداتهم وأوراقهم، ونحو ذلك، فالذي يظهر لي أن التعرض لهذه الكتب أو لهذه المستندات التي معهم فيما يختصون به في دينهم أنه لا يجوز، فهم قد دخلوا بأمن وثقة، وبأمر مشروع من ولي الأمر، حيث يحملون التأشيرة على دخولهم، وكذلك ما يتعلق بأحوالهم الشخصية لا يجوز لنا أن نتعرض لهم، نعم يمكن أن ندعوهم، يمكن أن نبين لهم ما هم فيه من ضلال ونحو ذلك، لكن كوننا نتعرض لكتبهم ومستنداتهم، ووثائقهم، وأحوالهم الشخصية، وأمورهم التي لا علاقة لها بمجيئهم، وإنما هي محفوظة لديهم في حقائبهم ونحو ذلك، الذي يظهر لي أن هذا غير جائز، وأن تصرف الأخ الكريم - جزاه الله خيراً- وإن كان نتيجة غيرة ونتيجة اجتهاده -نسأل الله تعالى أن يثيبه عليها-، ولكنه اجتهاد في غير محله، وما ذكره إخوانه الذين هم مرجعه في اعتراضهم على تصرفه هو الذي أرى وجاهته، وبالنسبة له فلا ينبغي له أن يتعرض لأمور هؤلاء الخاصة، نعم إذا كان في حقائبهم صور خليعة أو أمور تتنافى مع أخلاق هذه البلاد مما يظن أنه يريد ترويجها ونشرها، فالموقف منها موقف المعترض والمنكر والتصرف بإتلافها، ونحو ذلك، موقف صحيح، أما ما يتعلق بكتبهم ككتب التوراة أو الإنجيل أو نحو ذلك فينبغي عدم التعرض لذلك، وهذا هو الذي أراه. والله المستعان.(12/429)
يدعو لهم أم عليهم؟
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/صفات الداعي ووظائفه
التاريخ 22/7/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال: بعض الشباب يلعنون أصحاب المعاصي في الطريق، وخصوصاً النساء المتبرجات وقد يسمعوهنّ ذلك اللعن, البعض الآخر يدعو للعصاة بالهداية سراً، فأي العملين هو الموافق للكتاب والسنة؟ وجزاكم الله خيراً عنا وعن جميع المسلمين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإني أوجه - أخي السائل حفظه الله- ومن يطلع على جوابي هذا إلى أن الأصل في الدعاة إلى الله أن لهم قلوباً مملوءة بالشفقة والرحمة نحو الآخرين، ومنهم العصاة الذين وقعوا في بعض المخالفات، ولهذا فالدعاء لهم بالهداية سراً وعلانية، وتقديم النصح لهم، والاجتهاد في تبصيرهم بالحق، وبيان ما هم عليه من المنكرات التي توردهم الموارد، هذا هو الأمر الموافق لعموم نصوص الكتاب والسنة، وفيه الاقتداء بسيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم، الذي كان غاية في الرحمة والشفقة بالآخرين، ولقد جاء في صحيح البخاري (6780) عن عمر -رضي الله عنه- أن رجلاً تكرر منه شرب الخمر وجلده على ذلك، فلعنه بعض الصحابة - رضي الله عنهم- فقال صلى الله عليه وسلم-: "لا تلعنوه؛ فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله"، وقال أيضاً: "لعن المؤمن كقتله" رواه البخاري (6653) ، ومسلم (110) ، هذا هو الأصل في الأمر، وأما ما ورد من النصوص التي تفيد جواز لعن أصحاب المعاصي فهي تدل على جواز لعن غير المعينين المعروفين؛ كقوله تعالى: "ألا لعنة الله على الظالمين" [هود: 18] "لعنة الله على الكاذبين" [آل عمران: 61] ، وكقوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله آكل الربا ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه" رواه مسلم (1598) من حديث جابر-رضي الله عنه-، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة، والمستوشمة" رواه البخاري (5942) ، ومسلم (2124) من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما-، ولهذا فإني أحذر من لعن صاحب المعصية بعينه، وأوجه إلى دعوته ونصحه والدعاء له. والله الموفق.(12/430)
انتكس بعد صلاح، فكيف أتعامل معه؟
المجيب محمد بن صالح الدحيم
القاضي في محكمة الليث
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 5/7/1422
السؤال
لي قريب شاب كانت تظهر عليه معالم الصلاح، وكان له صحبة طيبة، وفجأة انتكس الحال، وحلق اللحية، وترك الأخيار، وأبدلهم بغيرهم، ولاأقول: إنهم أشرار، ولكن عيشهم سبهلل. أصبح الولد يهتم بمظهره كثيراً، حاولت بشتى الوسائل أن يرجع إلى الصحبة الصالحة، لكن دون جدوى، ويطول شرح معاناتي معه، علماً أنه محافظ على الصلاة، ولكن بثقل.
ما الطريقة التي أتعامل بها معه، والسبل التي ترده -إن شاء الله- إلى الصحبة، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
كيف تتعامل مع قريبك؟
إليك بعض الخطوات:
1/ حاول أن تعرف أسباب انتكاسته.
2/ تعامل معه على أنه باق على صلاحه.
3/ ادع الله له بالهداية.
4/ أوعز إلى بعض الصالحين بمصاحبته والاتصال به، ولاسيما ممن يحبهم.
5/ حمّله بعض المسؤوليات، وشاوره كثيراً، وسافر معه.(12/431)
السيرة النبوية في فيلم سينمائي؟
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 22/7/1422
السؤال
أكملت إحدى شركات الإنتاج السينمائي العربية فيلماً بالرسوم المتحركة عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيعرض الفيلم الذي يصدر بعنوان " محمد خاتم الأنبياء " في دور السينما ويقولون إن الفيلم سيساعد على تصحيح الأفكار الخاطئة عن الإسلام.
السؤال / هل يجوز استخدام مثل هذه الآلية في مجال الدعوة؟ أفيدونا جزاكم الله خير.
الجواب
صدرت فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برقم / 4923وبتاريخ 11/7/1402هـ برئاسة الشيخ / عبد العزيز بن باز _رحمه الله _ وعضوية الشيخ / عبد الرزاق عفيفي رحمه الله
والشيخ / عبد الله بن غديان والشيخ / عبد الله بن قعود. كما صدر قرار برقم 13عن هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية تمنع أن يقوم ممثلون بتمثيل أدوار الصحابة رضي الله عنهم، ونرى أنها تنطبق من باب الأولى على سؤالك. وإليك خلاصة قرار هيئة كبار العلماء:
1- إن الله سبحانه وتعالى أثنى على الصحابة وبين منزلتهم العالية ومكانتهم الرفيعة وفي إخراج حياة أي واحد منهم على شكل مسرحية أو فيلم سينمائي منافاة لهذا الثناء الذي أثنى الله عليهم به، وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها الله تعالى لهم وأكرمهم بها.
2- أن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعاً للسخرية والاستهزاء به ويتولاه أناس غالباً ليس للصلاح والتقوى والأخلاق الإسلامية مكان في حياتهم العامة، مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة للكسب المادي، وأنه مهما حصل من التحفظ فسيشتمل على الكذب والغيبة، كما يضع تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم بأنفس الناس وضعاً مزرياً، فتتزعزع الثقة بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وتخف الهيبة التي في نفوس المسلمين من المشاهدين وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم والجدل والمناقشة في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
3- ما يقال من وجوه المصلحة وهي إظهار مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، مع التحري للحقيقة، وضبط السيرة وعدم الإخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه رغبة في العبرة والاتعاظ، فهذا مجرد فرض وتقدير، فإن من عرف حال الممثلين وما يهدفون إليه عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين، ورواد التمثيل وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم
4- من القواعد المقررة في الشريعة أن ما كان مفسدة محضة أو راجحة فإنه محرم، وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه فمفسدته راجحة فرعاية للمصلحة وسداً للذريعة وحفاظاً على كرامة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يجب منع ذلك.(12/432)
أخطاء في المساجد الغربية
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 17/1/1425هـ
السؤال
أعيش حالياً في إحدى المدن الغربية، ويوجد لدينا - والحمد لله - مسجدان في هذه المدينة، أحدهما أقرب إلى بيتي من المسجد الآخر، وفيه أشياء تثير غضب أي مسلم غيور على دينه وعلى حرمات الله، من اختلاط بين الرجال والنساء، ودخول النساء الكافرات إلى المسجد بدون حجاب إسلامي، تحدثت مع بعض الإخوة في المسجد، ووجدت أن الكثير منهم ليسوا راضين عن هذا الاختلاط، لكن البعض من يتزعمون الخطابة في هذا المسجد بحكم أنهم قد عاشوا في هذه المدينة أكثر من الآخرين، أو لأنهم ممن يكثرون الجدل - وأحياناً المشاكل- مع الناس تعصباً لآرائهم الباطلة، يسيطرون بآرائهم الخاطئة سؤالي هو: ما الواجب عليّ فعله في هذه الحالة؟ هل أهجر المسجد وأذهب إلى المسجد الآخر الذي لا أظن أن به اختلاطاً؟ لكني رأيت نساء كافرات مع امرأة مسلمة يدخلن المسجد (المسجد الآخر) بدون أي معارضة من إمام المسجد، بل هو الذي أحضرهن إلى المسجد ليتعلموا عن الإسلام، الخيار الآخر لدي هو أن أصلي في مسجد النور طالما أن ليس هناك اختلاط في ذلك الوقت؛ لأن دعاة الاختلاط هؤلاء ليسوا مداومين على الصلاة في المسجد، ولذلك فإن مثل هذه الأشياء لا تحدث إلا من وقت لآخر أو في يوم الأحد الذي تقام فيه مدرسة لتعليم أبناء المسلمين ويصير هناك اختلاط. الحل الثالث وهو الحل الذي أميل إليه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولحديث " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف " ... الحديث هو محاولة تصحيح الوضع شيئاً فشيئاً وقد بدأت فعلاً محاولة فعل هذا، تحدثت مع بعض الإخوة الطيبين في المسجد، ثم ذهبت وتحدثت مع واحد من الذين يدعمون الاختلاط في المسجد، ودخلنا في نقاش قصير، بعد التحدث مع هؤلاء الإخوة ومع هذا الشخص أصبح عندي فكرة جيدة عن الموضوع: الأشخاص المتعصبون لفكرة الاختلاط يحتجون بأشياء مثل: أن النساء في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنّ يصلين خلف الرجال وبدون حاجز بينهم، وهذا ردهم إذا قلنا للنساء أن ينزلن إلى الدور الأسفل الذي هو أصلاً مصمم للنساء. المشكلة -يا شيخي العزيز- أن معظم النساء في المسجد لا يلتزمن بالحجاب الشرعي الصحيح فالبعض منهن يضعن المكياج على وجهوهن، ويلبسن البنطلونات الضيقة وما إلى ذلك، يقولون أيضاً: إن الدور السفلي أحياناً يكون ضيقاً ونظام الصوت والتدفئة هناك فيه مشاكل أحياناً، وأحياناً تحتج النساء بأنهن يردن تعلم الصلاة من الرجال عندما يصلين خلفهم. يقول ذلك الشخص الذي تحدثت معه: إنه ليس من العدل أن نضع حاجزاً بيننا وبينهن فقط؛ لأننا رجال ضعاف وقد يشغلننا في المسجد، كذلك يقول: إنه لا يريد أن تظلم النساء بتضييع حقهن إذا وضعنا الحاجز، وكذلك يتحجج أن علينا ألا ننفر الناس من المسجد بتشددنا، وأنه يجب أن نتساهل في بعض الأمور، خاصة أن البعض من الرجال والنساء حديثو العهد بالإسلام أو بالصلاة
والأسئلة التي لدي هي:(12/433)
(1) هل يجب علي هجر هذا المسجد أم محاولة تصحيح هذه الأخطاء الكبيرة التي أراها؟
الأسئلة الأخرى التي لدي هي على افتراض أن الإجابة على السؤال الأول أنه من الأفضل أن أحاول تصحيح الأمر،
(2) ما حكم وضع الحاجز في المسجد بين النساء والرجال، وهل هو واجب في ظل الظروف المذكورة آنفاً أم أن الأولى أن يصلين في الدور الأسفل؟
(3) أعلم أنه ستكون هناك معارضة من بعض الإخوة والأخوات، فكيف يكون الرد على الأخوات إذا لم يكن وليها موجوداً في المسجد، أو موجوداً ولا يردها، حيث إن البعض منهن قد يرفضن اتباع ما قد يتقرر من وجوب لزومهن الصلاة في الدور الأسفل أو أي أمر من الأمور التي قد تتقرر في المسجد؟
(4) ما حكم النزاع في المسجد إذا حدث هناك شجار ومد بعضهم يده على البعض ظلماً وعدواناً لأنه خالفهم الرأي، وهل يجوز للواحد منا الدفاع عن نفسه داخل المسجد إذا حصل موقف كهذا الذي قد حدث من قبل لبعض الإخوة؟
(5) ما دليل وجوب إلزام المرأة الكافرة الالتزام بالحجاب الشرعي إن أرادت دخول المسجد؟.
(6) ما حكم الكلام بين الرجل والمرأة الأجنبية (المسلمين) بدون حجاب بينهما من حائط أو نحوه في أمور كأمور الدين، أو أمور جدية من أمور الدنيا، وكيف الرد على من يستدل بأن النساء في عهد الصحابة تحدثن معهم في أمور الدنيا؟
(7) ماذا كان يجب علي عندما رأيت بعض الصور تعلق في جدار المسجد من الخارج بجوار الباب، وهي صور فوتوغرافية البعض منها لبعض الإخوة والبعض الآخر للأطفال، وصور أخرى للأخوات. أعلم أن بعض العلماء أباحوا استخدام مثل هذه الصور حتى لغير ضرورة باعتبارها انعكاساً كالمرآة، فقمت فقط بقلب صور النساء (المحجبات كاشفات الوجوه) من باب أن هذا يخالف ما أمرنا به القرآن من غض البصر. هل كان من الأفضل تمزيق هذه الصور وهو الشيء الذي كنت أنوي فعله في البداية، لكني خفت أن يقول البعض إني أخذت صور نسائهم، علماً بأني كنت أنوي أن أعطي الصور لزوجتي التي كانت معي في السيارة لكي تقوم هي بتمزيقها.
(8) ما حكم من قال: إنه يجب علينا ألا نعمم الكلام عندما نسب اليهود ونذكر ما فعلوه عبر التاريخ وصفاتهم المذكورة في القرآن، وقال إنه يجب أن نستخدم كلمات مثل الصهاينة واليهود المتطرفين بدلاً من استخدام كلمة " يهود " بشكل عام، علماً أن هذا الشخص ذكر هذا في خطبة الجمعة، وهل يجوز الرد على مثل هذا أثناء الخطبة؟
الجواب(12/434)
الذي أراه في الحال التي وصفت أن تصبر على ما تراه من أخطاء ولا تهجر هذا المسجد، بل تجتهد في معالجة هذه الأخطاء وتعمل على تصحيحها بقدر الاستطاعة؛ لأنك بذلك تكون قد أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، ولعلك بذلك تكون من المصلحين الذين أثنى الله - تعالى - عليهم، وتتشبه بالرسل والصالحين الذين يقومون بالإصلاح ودفع الفساد، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" رواه أحمد (5002) ، والترمذي (2507) ، وابن ماجة (4032) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- ولا سيما أن جماعة المسجد الذي تذكره ليسوا مُطْبقين على هذه الأخطاء، بل منهم - وعلى رأسهم إمام المسجد - من ينكرها ولا يقرها، وهذا يجعل سعيكم في إصلاح هذه الأخطاء ميسراً إذا سلكتم الطريقة المثلى التي ذكرها الله - تعالى - في كتابه بقوله: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" [النحل: 125] ، ويكون ذلك باستخدام أسلوب الوعظ والتأدب في الخطاب، والبعد عن التشنج والتعصب للرأي، والحرص على أن يكون ذلك في وقت مناسب يرجى فيه أن تلقى قبولاً من الطرف المقابل، ولا تنتظر أن يتم التغيير والإصلاح في يوم وليلة، بل عليك أن تجتهد وتبذل ما تستطيع أنت ومن معك من الأشخاص في محاولة علاج هذه الأمور ولو على سبيل التدرج، ولا تستعجل النتائج، وعليك بالثناء على ما يطاوعونك فيه من تصحيح لبعض الأخطاء؛ حتى تكسب قلوبهم وتقوي المحبة بينكم، وتتوصل بذلك إلى مطاوعتهم لك في إزالة باقي هذه الأخطاء.
وبخصوص ما ذكرته من بقية الأسئلة فالجواب كما يلي:
(2) وضع الحاجز في المسجد بين النساء والرجال هو وسيلة إلى بُعد النساء عن الرجال ويحقق مصلحة في خلوة النساء بأنفسهن وأمنهن من نظر الرجال إليهن، وبخاصة فيما لو احتاجت المرأة إلى نزع غطاء الوجه مثلاً، وهو كذلك يحقق مصلحة في أمن الرجال من أن تقع أبصارهم على النساء، وبخاصة مع انتشار التبرج وتساهل كثير من النساء في الحجاب وهو ليس بواجب إذا التزمت النساء بالحجاب وكنّ في آخر المسجد، وفي الحال التي ذكرها السائل فإنه إذا كان قد أعد للنساء موضع في أسفل المسجد وهو مهيأ لهذا فإن الأوْلى أن يصلين في هذا المكان، فإذا لم يتيسر هذا فإنه يوضع حاجز بين الرجال والنساء، ويصلي النساء في آخر المسجد من وراء الحاجز، وإذا لم يتيسر هذا فيمكن للنساء أن يصلين خلف الرجال في آخر المسجد بعيداً عنهم، مع التأكيد عليهن بالتزام الحجاب الشرعي الكامل وعدم التساهل في ذلك، ولا بأس من وضع امرأة تشرف على تطبيق هذا بين النساء، وعليكم أن تذكّروا النساء أنهن إنما أتين للصلاة في المسجد طاعة لله، فعليهن أن يطعن الله أيضاً في الالتزام بالحجاب، وإذا كانت صلاة المرأة في بيتها خيراً لها من المسجد وهي ملتزمة بالحجاب، فكيف الشأن إذا كانت تتساهل فيه؟ لا ريب أن مكثها في منزلها وصلاتها فيه خير لها وأحفظ لها من الإثم.(12/435)
(3) فيما يتعلق بمخاطبة النساء في هذا الأمر فإنه يوكل إلى القائمين على المسجد من الإمام أو مجلس الأمناء، فهؤلاء كلامهم يكون أبلغ وأوقع في النفس؛ لأنه ينطلق ممن له صلاحية التنظيم في المسجد، ويمكن على سبيل المثال أن يتم ذلك بإلقاء كلمة على النساء في وقت اجتماعهن، أو توضع تعليمات يقرؤها النساء، ومن لا يلتزم منهن بهذه التعليمات فإنها تناصح بالحكمة من قبل النساء المشرفات أو من قبل المسؤولين عن المسجد، ويمكن مخاطبة ولي أمرها إذا اقتضى الأمر ذلك.
(4) لا يجوز الوصول في سبيل سعيكم إلى إصلاح أوضاع المسجد إلى مرحلة الصراع والتعدي بالأيدي، وبخاصة في المسجد الذي بني للذكر والصلاة وتلاوة القرآن، والتعدي على هذا النحو ليس من هدي المصلحين، وهو تصرف صبياني يدل على الحمق والعجلة ولا يأتي بخير، بل هو يقطع صلة المودة وهو مذموم في كل حال، فكيف إذا كان في المسجد؟! والله - تعالى - أرشد إلى أن تكون الدعوة باللين والحكمة فقال - تعالى-: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" [النحل: 125] ، وبخاصة أنكم مغتربون، وأنتم بأمس الحاجة إلى الوحدة والتكاتف بدلاً عن الخصومة والتنافر، ولو فرض أن أحد السفهاء تعدى على أحدكم بشيء من ذلك فعليكم ألا تجاروه في سلوكه، بل تنصرفوا عنه التزاماً بقول الله - تعالى - " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً" [الفرقان: 63] ، ولعل هذا التصرف منكم يخفف من غلواء الشحناء في قلوبهم، فيحمدوا لكم هذا الموقف فيما بعد، مما يزيد في ميلهم إلى دعوتكم، مع التأكيد على أنه لا ينبغي الاستمرار في النزاع والجدال إلى الحد الذي يوصل إلى هذه الحال حرصاً على تقليل الشحناء في النفوس إلى أقل حد ممكن.(12/436)
(5) وأما دخول الكفار إلى المسجد فهو محل خلاف بين العلماء، والذي يترجح في المسألة هو جواز دخولهم للمسجد إذا دعت الحاجة إلى ذلك وبإذن المسلمين، والدليل على ذلك هو ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال له: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد " متفق عليه عند البخاري (462) ، ومسلم (1764) ، ووجه الدلالة أن ثمامة أدخل المسجد وربط بسارية من سواريه وهو مشرك، وما رواه عثمان ابن أبي العاص-رضي الله عنه- أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزلهم المسجد حتى يكون أرق لقلوبهم " رواه ابن خزيمة (601) ، وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: بينما نحن جلوس مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد دخل رجلٌ على جمل، فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟ والنبي -صلى الله عليه وسلم- بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ...." الحديث رواه البخاري (63) ، ومسلم (12) ، وما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -قال: إن اليهود أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في المسجد في أصحابه- رضي الله عنهم-، فقالوا: يا أبا القاسم في رجل وامرأة زنيا منهم " رواه أبو داود (488) . ومن الأغراض التي تسوّغ دخول الكافر للمسجد أن يدخل لغرض نافع كسماع قرآن أو علم، أو يرجى إسلامه وما أشبه ذلك، ولكن يشترط لدخولهم أن يؤمن منهم الضرر، وألا يلوثوا المسجد بنجاسة أو كلام منكر، وإذا كان الداخل امرأة فعليها أن تتستر ولا تتبرج، لأنه إذا كان هذا شرطاً في حق المرأة المسلمة لدخول المسجد فهو في حق الكافرة من باب أولى، ولأن دخولها مع التبرج والسفور يؤدي إلى الضرر بالمصلين وفتنتهم، ومن شروط دخول الكافر للمسجد ألا يتضرر بدخوله أحد من المصلين. كما أن المساجد بيوت الله، وعلى الداخل إليها أن يحترمها بالتزام الأدب واحترام دين الإسلام، وإذا كنا نلزم الكفار في بلاد الإسلام باحترام مشاعر المسلمين بعدم إظهار شعائرهم الكفرية المخالفة للإسلام، فإن أشد ما ينبغي أن يكون هذا الإلزام هو في المساجد التي هي أطهر الأماكن وأحبها إلى الله - تعالى-.
(6) وأما الكلام بين الرجل والمرأة الأجنبية فلا بأس به إذا كان فيما تدعو الحاجة إليه من أمور الدين أو الدنيا، ولم يكن فيه خضوع بالقول من قبل المرأة، مع التزامها بالحجاب الشرعي، ولم يكن هناك خلوة، ولا يشترط أن يكون هناك حاجز من حائط ونحوه، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحادث النساء وكذلك أصحابه-رضي الله عنهم- من بعده -صلى الله عليه وسلم-، وينبغي الحذر من الاسترسال في الحديث الذي لا داعي له؛ لأنه قد يجر إلى مفاسد كثيرة.
(7) ما ذكرت من الصور المعلقة في خارج المسجد فعليك أن تعالج أمرها مع المسؤولين عن المسجد، وتحاول أن تقنعهم بخطأ تعليقها ووضعها في هذا المكان، وبخاصة أن منها صوراً لنساء سافرات، ولا تقم بنفسك بإزالتها إذا كان سيترتب على إزالتها مفسدة أكبر من مصلحة إزالتها، ويستحسن أن تجعل إمام المسجد يتولى هذا الأمر بنفسه؛ لأنه يملك شيئاً من المسؤولية.(12/437)
ذم اليهود باستخدام هذا الاسم مطلقاً عن التقييد لست أرى فيه بأساً، بل هو الوارد في كتاب الله - تعالى - قال الله - تعالى -: " وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا " [المائدة: 64] ، وقال - تعالى-: " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا" [المائدة: 82] ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" رواه البخاري (1330) ، ومسلم (531) من حديث عائشة -رضي الله عنها- ومن المعلوم من حيث الواقع أن اليهود اليوم كلهم متطرفون وضلاّل، فهم يوالون دولة إسرائيل موالاة معنوية وحسية، ويوجهون الإعلام العالمي ضد كل ما هو إسلامي، فهم ليسوا بحاجة إلى أن يقيدوا بوصف التطرف أو العنصرية، ولكن لا ينبغي الرد على صاحب هذا الرأي في أثناء خطبة الجمعة، بل يكون ذلك بعد انقضاء الخطبة والصلاة، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(12/438)
كيف أدعو معلمتي؟
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 22/4/1423
السؤال
ليس لدي سؤال بل فكرة أرجو منكم مساعدتي على تحقيقها، وهي: حث إحدى الأخوات على ارتداء الحجاب، هذه الفكرة كانت تراودني منذ سنوات، لكنني ترددت في المضي فيها؛ لأنها كانت مدرّستي وبصراحة كنت خائفة من ردة فعلها وتغيرها عليَّ وخسارتها؛ لأنني كنت ومازلت أحبها في الله، وهذه الخسارة ستمنعني من الاستمرار فيما أفكر فيه، لست أنا الوحيدة التي كانت تتمنى لها ذلك بل كل الطالبات؛ لأنها كانت طيبة معنا جداً جداً، وتعرف الله جيداً، فكرت بأن أرسل لها إيميلات تتحدث عن الدين الإسلامي، لكن قبل ذلك فكرت بأن أبعث لها رسالة خاصة أشرح لها ما يدور في ذهني وما شجعني عليه رب العالمين، لكن بدون ذكر اسمي أو أي شيء يدل عليَّ، حتى أنني قررت أن أفتح عنواناً جديداً يكون مخصصاً لمراسلتها فقط، وطلبي هو أن تساعدوني في إيجاد الطريقة المناسبة التي أبدأ فيها الموضوع والأسلوب الذي أتبعه دون مضايقتها؛ لأنني أخاف أن يكون أسلوبي منفراً لها، وكذلك أريد منكم بعض عناوين المواقع التي تتحدث عن الحجاب وتشجع على ارتدائه.
الجواب
أختي الكريمة أشكر لك دعواتك للموقع، وأدعوك وزميلاتك إلى الاستفادة من نوافذه المفيدة -بإذن الله تعالى-.
ثم لك الشكر ثانياً لقاء غيرتك الدينية، وهمومك الدعوية تجاه أخواتك المسلمات، فلقد سرتنا كثيراً مشاعرك الطيبة، وحرصك المستمر إزاء مدرستك -هداها الله- إلى الطريق القويم.
أختي في الله، يحسن بك أن تعلمي أن الكثيرات من أخواتنا المسلمات يمتلكن جوانب خيرة، واستعدادات طيبة لقبول الدعوة المخلصة، والكلمة الصادقة، والنصيحة المؤثرة، وأظن معلمتك من هذا الصنف -إن شاء الله تعالى-.
فما عليك -بارك الله في جهودك- إلى أن تبدئي حوارك معها برفق وأناة مستخدمة أكثر من وسيلة، طارقة أكثر من باب وستنجحين -بإذن الله-.
وأقترح أن تعقدي مجلس ذكر، وتستضيفي فيه إحدى الداعيات، ويكون موضوع الدرس عن الحجاب وحكمه وشروطه، وبالطبع ينتظر أن تكون معلمتك إحدى الحاضرات المهمات لدى الجميع.
ومن المفضل كذلك إهداؤها بعض الكتيبات والأشرطة ذات العلاقة بالموضوع، ومن أصغرها حجماً، وأيسرها أسلوباً، وأبغلها تأثيراً -في نظري-، (رسالة الحجاب) لابن عثيمين -رحمه الله-.
ولا مانع من مراسلتها عبر البريد الإلكتروني بأسلوب حسن مهذب، ونقاش هادئ مفيد، ولا أرى مبرراً إلى الكتابة إليها باسم مستعار أو نحوه، بل أحسب مفاتحتها باسمك الصريح أقرب لتحقيق النجاح، والظفر بالمأمول.
كما أن الجلوس معها وجهاً لوجه، ومصارحتها بمشاعرك الفياضة نحوها، وإعجابك الشديد بطيبتها وحسن تعاملها، قبيل الإفصاح لها عن آمالك العريضة بانتشالها من السفور إلى جماعة المؤمنات الملتزمات بالحجاب الشرعي النبيل.
أظن أمراً كهذا سيختصر الزمن، ويوفر بعضاً من الجهود.
وعليك -بارك الله فيك- ألا تلتفتي إلى تخذيل الشيطان، ووسوسته، وتخويفه إياك بقرب خسارة هذه المعلمة، وفقدها فالأقدار بيد الله يصرفها كيف يشاء.
ثم لا بد أن تتحلي بالصبر وطول النفس وأنت تقومين بواجب الدعوة تجاه معلمتك أو غيرها ولا تستعجلي النتائج، فلربما مر وقت طويل دون أن تتحقق آمال الدعاة، فلا ينبغي أن يصرفهم ذلك عن مواصلة المسير.
وقبل ذلك ومعه وبعده الدعاء الحار، والابتهالات الصادقة سيما في أوقات الإجابة، تصبح أحلامناً واقعاً ملموساً -بإذن الله-، والله المستعان وعليه التكلان.(12/439)
الدعوة في المنتديات
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 26/11/1422
السؤال
قمت بزيارة موقع أجنبي وذلك للدعوة وبيان حقيقة الإسلام، ففوجئت بمفاهيم خاطئة عن الإسلام قمت بتصحيحها وبيان حقيقة الإسلام والرد على مزاعمهم، وعندما لا يستطيعون الاستمرار في النقاش يبدؤون في سب الله والإسلام والرسول - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم الله - فأرد عليهم ولكن دون استخدام أسلوب السباب. فهل يجوز لي الاستمرار في دعوتهم أم أتجنب ذلك حتى لا يتمادوا في سب الإسلام؟ علماً أن هذا الموقع يوجد فيه منتدى للنصارى وآخر لليهود، وعندما شعروا بوجود مسلم يحاول الدعوة للإسلام فتحوا منتدى خاصاً بالمسلمين، فاحترمت رغبتهم والتزمت بالمنتدى الإسلامي، ولكنهم يتكالبون عليّ ويبدؤون في السباب.
الجواب
جواباً على سؤالك أقول: إن غيرتك على دينك وحرصك على دعوة الناس إليه أمر طيب وشعور بالمسؤولية، أسأل الله - تعالى - أن يجزل لك المثوبة ويضاعف لك الأجر.
ولا يخفى - أخي الكريم - أن من أول ما يُطلب من الداعية أن يكون عالماً بما يدعو إليه، فقيهاً بما يأمر به، ويتأكد هذا الشرط في مثل هذه المنتديات التي ذكرتها؛ لأن الداعية يواجه أعداداً كثيرة من بيئات مختلفة، وثقافات متباينة وأهواء شتى، فإذا لم يكن الداعية متسلحاً بالعلم مستبطناً الفهم الصحيح لحقائق الدين ومقاصد الشريعة، أوشك أن يكون ضره أقرب من نفعه، ولا سيما أن غالب من ذكرت قد تغشتهم شبه كثيرة عن هذا الدين ربما لبّسوا بها على غير الراسخين في العلم.
وأما ما أشرت إليه في سؤالك من سبهم وشتمهم لهذا الدين، فإن الله - تعالى - قد نهى نبيّه - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين عن الجلوس إلى الذين يخوضون في آيات الله وأمر بالإعراض عنهم حتى ينتهوا عن ذلك، يقول - تعالى -:" وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين" [الأنعام:68] ويقول - تعالى-: " وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم " [النساء:140] فهذا هو الأصل الذي يجب أن يعامل به كل من خاض في آيات الله حتى من المسلمين، ويستثنى من هذا ظهور مصلحة راجحة في الجلوس إليهم كالإنكار عليهم، والجواب عن شبههم، وبيان الحق لهم ودعوتهم إليه، يقول الشيخ ابن سعدي - رحمه الله - في تعليقه على الآية الأولى: هذا النهي والتحريم لمن جلس معهم ولم يستعمل تقوى الله، بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم أو يسكت عنهم وعن الإنكار، فإن استعمل تقوى الله - تعالى - بأن كان يأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم فيترتب على ذلك زواله وتخفيفه فهذا ليس عليه حرج ولا إثم ولهذا قال: " وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون " [الأنعام:69] انتهى كلامه - رحمه الله -.
والمقصود - أخي الكريم - أنك متى آنست من نفسك القدرة على الدعوة إلى الله بعلم وفهم صحيح، وترجح عندك أن المصلحة في الجلوس معهم ومجادلتهم وبيان الحق لهم فلا حرج عليك بل أنت مثاب مأجور إن شاء الله -تعالى -، والله المسؤول أن ينفعك وينفع بك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(12/440)
فقه الواقع..ومراعاة الأولويات
المجيب عبد الله بن فهد السلوم
مدرس بثانوية الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 4/11/1424هـ
السؤال
السؤال هو: إلى أي مدى يؤثر فقه مراتب الأعمال وفقه الواقع في نجاح مسيرة الدعوة إلى الله تعالى؟
الجواب
أما فقه مراتب الأعمال فإنه مهم جداً للدعوة، حتى يعرف الفرد والمجموعة التمييز بين الفرض والواجب، والمستحب، والمحرم، والمكروه، ومعرفة الأصل من الفرع، ومعرفة المجمع عليه عند أهل السنة من المختلف فيه الذي يسوع فيه الاجتهاد ولا يثرب فيه على المخالف، وكذلك معرفة الراجح بدليله من المرجوح، وإدراك فقه الاختلاف ووجوب الرد على المخالف، مع احترام أدب الخلاف وهذا باب يطول، وانظر كتاب (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- وكذلك معرفة الضروريات من الحاجيات من التحسينات والكماليات.
وأما فقه الواقع فكذلك هو مهم جداً بالنسبة للدعوة لمعرفة الواقع؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وتنزيل الأحكام على الواقع المعروف ليس مثل تنزيلها على الواقع الذي لا يعرف، وانظر رسالة الشيخ ناصر العمر (فقه الواقع) ، ومسيرة الدعوة تحتاج إلى فقه للواقع للتعامل معه بإيجابية وحذر واتزان، والله من وراء القصد.(12/441)
حضور مناسبات الفرق المنحرفة
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 2/7/1424هـ
السؤال
أعيش في بلد تختلف فيه المذاهب والطوائف، وسؤالي هو: هل يجوز حضور أفراح ومآتم ودعوات أبناء الطوائف مثل الإغاخانية وغيرهم، إذا كانوا جيراناً أو معارف؟
الجواب
يظهر لي والله أعلم أن هذه الفئات من الفرق الإسلامية أو غير الإسلامية إذا كانوا جيراناً أو معارف من المسلمين، ولا يحدث في اجتماعاتهم وأفراحهم شركيات ومنكرات كبيرة فلا حرج من إجابة دعوتهم، مع قصد دعوتهم للإسلام وترغيبهم فيه، أما إذا كانت اجتماعاتهم فيها شركيات ومنكرات كبيرة، أو كانت اجتماعات بدعية المنشأ كالموالد والأعياد البدعية فلا يجوز حضورها، والله أعلم.(12/442)
دعوة التقارب بين السنة والشيعة
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 4/3/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
ما رأي فضيلتكم بما بدأ يظهر على السطح من الدعوة إلى التقارب بين السنة والشيعة؟ وما أثر ذلك على الأمة؟ وجزاكم الله كل خير.
الجواب
هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل:
(1) دعوة التقريب القائمة والتي بدأت منذ زمن غير مجدية، ويقصد بها تنازل أهل السنة عن المسلمات وأصول الحق الثابتة بالقرآن والسنة لصالح بدع الشيعة، وهذا باطل.
(2) قد يقصد البعض بالتقريب دعوة الشيعة وتقريبهم إلى الحق، وهذا مقصد مشروع، بل مطلوب بالحوار الجاد والمجادلة بالحسنى.
(3) يجب ألا يتصدى للحوار مع الشيعة إلا العلماء وطلاب العلم المتمكنون من ذوي الخبرة بمذهب الشيعة وأصولهم العقدية وشبهاتهم واستدلالاتهم المنحرفة.
وعلى هذا فلا يجوز ما يفعله بعض الشباب من الدخول في هذه المهاترات دون جدارة وعلم، بل بمجرد العاطفة والحماس، وهم بهذا يظهر عجزهم ويخذلون السنة، ويحسب عجزهم على الحق وأهله، والله حسبنا ونعم الوكيل.(12/443)
نصيحة لمن يقتني الدش
المجيب د. علي بن عمر با دحدح
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 18/4/1424هـ
السؤال
ما الواجب عليّ القيام به في حالة أن عدداً من أقاربي يمتلكون الأطباق الفضائية (الدش) ، وقد نصحتهم مراراً وتكراراً ويجيبون بالاطلاع على الأخبار العالمية، فما هو الواجب القيام به مع العلم أن أقاربي أكبر مني سناً؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن مما جد في حياة الناس اليوم أمر القنوات الفضائية وتكاثرها في السنوات الأخيرة بصورة كبيرة، ففي دراسة علمية أعدها اتحاد إذاعات الدول العربية نشرت في ربيع الأول 1423هـ حيث ذكرت هذه الدراسة أن عدد القنوات الفضائية العربية العاملة حتى ذلك التاريخ يربو على (196) قناة حكومية وخاصة، منها (57) قناة متنوعة البرامج، (65) قناة متخصصة على النحو التالي: (13) قناة تخصصت في البرامج التعليمية والثقافية، (12) قناة تخصصت في البرامج الإخبارية والأعمال الدرامية، (12) قناة تقدم كل ما يتعلق بالسينما، (11) قناة تقدم الموسيقى والأغاني، (6) قنوات تهتم ببرامج الأطفال والرياضة، وجاء في الإحصائية أن (78) قناة تبث على نظام البث المفتوح، في حين يصل عدد القنوات التي تعتمد البث المشفر إلى (59) .
ومن فوائد القنوات الفضائية ما توفره من المتابعة الإخبارية الفورية للأحداث في كل وقت، وفي كل مكان، وكذلك ما تقدمه بعض هذه القنوات من برامج شرعية كالدروس واللقاءات مع بعض العلماء، وما تقدمه أيضاً من برامج علمية متنوعة وتاريخية وثقافية وتعليمية دراسية، وغير ذلك من البرامج المفيدة.
ولكن هناك أيضاً سلبيات كبيرة في إدخال هذه القنوات الفضائية على المسلم وعلى أسرته وأبنائه ومن أهم هذه الأضرار:
(1) الاستماع إلى شبهات متعلقة بدين الله تعالى في مجال الاعتقاد أو التشريع أو المنهج الأخلاقي، أو في شخص الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو في نقلة سنته من الصحابة -رضي الله عنهم - وغير ذلك، حيث يتاح المجال في كثير من هذه القنوات لغير المسلمين من اليهود والنصارى، وكذلك للعلمانيين والمبتدعة من رافضة وصوفية وغيرهم، والعقلانيين والمنحرفين والمنتكسين وغير هؤلاء ليقولوا ما شاؤوا.
والتعلق في هذا السياق بالانفتاح ومبدأ ضرورة الحوار، ونحو ذلك مقبول حين يكون الإطار العام الذي تعرض من خلاله الأفكار في دائرة ثوابت الإسلام وأصول السنة.
(2) الدعوة إلى التشبه بالكفرة وأهل الفسق والانحراف من خلال تقديمهم في صورة احتفالية تشف بالانبهار والإعجاب بهم، ووضعهم في موضع القدوات، وإظهارهم لذلك في كثير من البرامج والتغطيات، بل وحتى في الإعلانات الدعائية، ولعل من المعلوم أن كثيراً من برامج هذه القنوات أجنبي المنشأ أصلاً، حتى أوصل بعضهم نسبة الأجنبي من هذه البرامج إلى نسبة 75% من مجمل البرامج.
(3) نشر الحرام وترويجه من العري والتفسخ، والتفنن في تصوير العلاقات المحرمة وهدم قيم الحياء والعفاف والطهر، ولا تكاد تسلم قناة من ذلك.(12/444)
وقد أظهر استطلاع أجرته جريدة المدينة في عددها (14552) من خلال مجموعة كبيرة ممن يقتنون أجهزة استقبال للقنوات أن: 62% منهم يرى أن القنوات الفضائية تعتمد على المرأة بشكل أساسي وذلك لجذب المشاهدين، وقال 89% منهم أن أكثر ما تقدمه هذه القنوات يتعارض مع قيمنا وعاداتنا، وطالب 95% منهم بفرض رقابة على ما تبثه هذه القنوات لخطره.
(4) تقديمها للجريمة والعنف والإجرام في صورة مثيرة ومحفزة للاقتداء، ومغرية للصغار وضعاف العقول بمحاكاتها.
(5) ذهاب الأوقات الثمينة في أمور لا فائدة فيها وقد تكون مضرتها غالبة، والعبد مسؤول عن عمره فيما قضاه.
(6) التأثير على العلاقة بالأسرة من خلال شغل الأوقات المنزلية.
(7) التعويد على السهر وتأخر النوم.
(8) إشاعة الثقافة الاستهلاكية.
(9) الأضرار وخصوصاً على الأطفال؛ كضعف البصر، والانحناء وذلك مع طول الجلوس.
ومما سبق يظهر أن المفاسد أكثر وأكبر، وخاصة على الأسرة من الزوجة والأبناء الذين يعظم تأثرهم بالفضائيات؛ بسبب كثرة وإدمان مشاهدتها، فضلاً عن ما هو مقطوع به من حرمة ما تعرضه أكثر القنوات من كشف العورات وعرض المحرمات.
وأنصح الأخ السائل بما يلي:
(1) تكرار النصيحة لأقاربه مع عرضه للمخاطر والمفاسد المترتبة على هذه القنوات بالأسلوب المناسب، والتركيز على آثارها على الأبناء على وجه الخصوص.
(2) الوعظ والتحذير بالعقوبات الربانية في الدنيا، والعذاب في الآخرة.
(3) العمل على جذبهم، وإشغالهم ببعض الأعمال والأنشطة النافعة؛ ليكون ذلك حلاً عملياً، يضع الحسن موضع القبيح، ويحل الحق مكان الباطل.
(4) محاولة إعطائهم مواد مرئية إسلامية ممتعة وهادفة، وتكون مشاهدتها صارفة عن مشاهدة الباطل.
(5) العمل على التأثير عليهم من خلال إعطائهم أشرطة وكتيبات عن مخاطر الفضائيات.
(6) توجيههم وإعلامهم بالقنوات التي تقدم برامج إسلامية هادفة، ومحاولة التأثير عليهم؛ ليقتصروا في مشاهدتهم عليها، وإن أمكن إقناعهم أو التأثير عليهم بمنع سواها عن طريق التشفير والإلغاء لغيرها.
(7) من باب درء المفسدة الأكبر؛ يتم التركيز على أهمية وضرورة إلغاء بعض القنوات التي فيها أكبر تجاوز وتحلل، كقنوات الأفلام وبعض القنوات الغربية، حتى يكون الشر والضرر أخف وأهون.
(8) الاستعانة بمن له عندهم مكانة، أو له عليهم ولاية؛ لكي يذكرهم ويعظهم، وربما يحذرهم ويزجرهم.
(9) إن كان في هجره لهم تأثير عليهم فربما استخدم الهجر لفترات مناسبة؛ إشعاراً لهم بالإنكار عليهم، وبياناً بعدم الرضا بفعلهم.
(10) الدعاء لهم وسؤال الله أن يصرف عنهم هذه الشرور، وليحذر هو من الانجراف معهم بحجة المخالطة للمناصحة.
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.(12/445)
التعاون الدعوي مع أهل البدع
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 5/8/1424هـ
السؤال
الإخوة الأفاضل:
لدي سؤالان: أرجو التكرم بإجابة شافية عليهما:
(1) هل يجوز التعاون مع من يتهمون بالابتداع، أو مع الشيعة فيما يمكن الاتفاق عليه معهم سواء في الأنشطة الدعوية أو في التعاطي مع قضايا الأمة؟
(2) ما هي الأمور التي يمكن لأهل السنة والجماعة أن يتفقوا فيها مع المبتدعة أو مع الشيعة، سواء في الأمور العقدية أو الفقهية أو غيرهما؟ هل لي أن أحصل على إجابة أكثر من عالم؛ حتى أتمكَّن من المقارنة بين هذه الآراء؟.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أهم وأوكد مسائل التعاون مع الشيعة أو غيرهم هو دعوتهم إلى الحق، ومحاورتهم ومناظرتهم للعودة إلى أصل الإسلام ورسالته، وذلك بتحكيم القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، مع الحرص على هدايتهم والرفق بهم، وإرادة الخير لهم، ولا مانع مع ذلك وبعده من الاتفاق مع عقلائهم الموثوقين منهم على بعض القضايا التي تهم مثلاً أهل البلد الواحد أو المجتمع الواحد كالاتفاق على أمور شرعية: مثل: محاربة الظلم وإنصاف المظلوم وحماية المسلمين من اعتداء غيرهم عليهم، أو على أمور اجتماعية كمحاربة أسباب الفساد ومكافحة الجريمة والمخدرات والعناية بالفقراء، ونحو ذلك.(12/446)
الدعوة بين إعراض العامي ومؤاخذته
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 16/10/1424هـ
السؤال
قرأت في فتوى سابقة في الموقع ما يلي: العامي الذي تربى على عقيدة فاسدة ولم يجد من يصحح له عقيدته فلا مؤاخذة عليه، وإنما المؤاخذة على من أتاه الحق فرده.
فأنا كداعية إذا وجدت في بيئة جاهلة قد تغلبت عليها البدع والشركيات، وأنا أعلم أنني لو دعوتهم فسيردون الحق ويتمسكون بما نشأوا عليه، أفلا يكون من الأرحم لهم (حسب الفتوى السابقة) أن أدعهم على ما هم عليه؛ لكي لا تقع عليهم المؤاخذة؟ الرجاء التوضيح، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
هذه الدعوى لا تصح من وجوه:
أحدها: ربما يكون ما وقع فيه من أخطاء من ضروريات العقيدة التي تضيق فيها دائرة العذر بالجهل، وبالتالي لا يعذر على ما هو عليه.
الثاني: أن هذه الحال لو تحققت في بعضهم فبأي حجة تترك دعوة الأكثرين الذين تنكبوا الصراط المستقيم وأعرضوا عن تحقيق التوحيد.
ثالثاً: أنت واجبك الدعوة إلى الله وتبليغ الدين والقيام بمهمة الرسل الذين دعوا أقوامهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، قال تعالى:"ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" [النحل:36] ، وأنت من أتباعهم إن شاء الله، وقد جاء وصفهم بقوله تعالى:"قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله ... " [يوسف:108] .
رابعاً: أن مهمة البلاغ والإنذار وإقامة الحجة على العباد لا تلزم منها الاستجابة، فواجبك الدعوة وواجبهم القبول والاستجابة وترك أحدهما لواجبه لا يسوغ ترك الواجب للآخر، قال تعالى:"إن عليك إلا البلاغ" [الشورى من الآية:48] ، فعليك أخي بالمبادرة إلى هذا الواجب العظيم مهما قل المعين، والله تعالى نعم المولى ونعم النصير.(12/447)
دعوة الزملاء غير المسلمين
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 06/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ: أنا موظف في شركة كبيرة، ولدي معرفة بكثير من الأشخاص، ومن ديانات وطوائف مختلفة (شيعة، نصارى ... ) ، وتربطني معهم علاقة عمل محترمة وجيدة، وأنا مقبل على الزواج، وسؤالي ما حكم دعوتي لهم لحفل الزواج؟ وهل فيه موالاة لهم؟ وأريد مخرجاً لهذه المشكلة المحرجة بما يتوافق مع الشريعة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بالنسبة لوليمة الزواج، هل يجوز له أن يدعو من يعتبرهم زائغين عن الحق، أو من ليسوا على دين الإسلام؟
الأمر واسع - إن شاء الله- إذا وجدت حاجة وضرورة تدعو إلى دعوة هؤلاء لمثل عدم القطيعة، وعدم البغضاء والتباغض، وجلب المحبة التي من شأنها أن تصلح الحال، وأن تقوم الأمور، والدليل على ذلك ما ذكره ابن هشام وابن سعد وغيرهما من علماء السيرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في عمرة القضية لما انتهت ثلاثة الأيام التي أقام بها في مكة حسب الاتفاق مع قريش أتاه رجال من قريش يستعجلونه في السفر عنهم، ويطلبون منه أن يخرج حسب الاتفاق، (ابن عامر، وابن عبد العزى) فلما جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لهم: "وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم فصنعت لكم طعاماً فحضرتموه" رواه الحاكم في المستدرك (6796) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، وهذا يعتبر دعوة من النبي -صلى الله عليه وسلم- لمشركي قريش للوليمة التي كان يعدها لميمونة - رضي الله عنها-، فهذا أصل إذا وجدت مصلحة ووجدت حاجة أن يتعامل الإنسان مع غير المسلمين تعامله مع المسلمين، أو مع جهات إسلامية قد يكون له رأيه فيها أو موقفه منها.
فأقول: إن الأمر واسع - إن شاء الله- والمستند ما ذكرناه، وهو الرواية الثالثة عن أحمد بجواز التهنئة والتعزية للكفار، وجواز العيادة؛ لأن الإمام أحمد روى روى عنه ثلاث روايات ذكرها في الإنصاف، والرواية الثالثة هي التي اختارها تقي الدين ابن تيمية للمصلحة، وهي التعزية والتهنئة وعيادة المرضى للمصلحة، فالمصلحة إذا قامت فمن شأن ذلك أن يسهل هذه الأمور ويجيز له ويبيح له أن يدعو هؤلاء إلى وليمة النكاح بلا حرج - إن شاء الله-. والله أعلم.(12/448)
كيف أخرج الدش من بيتنا
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 29/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فإذا كان عندنا دش، ولم أستطع إقناع أهلي بالتخلي عنه فما موقفي من هذا الشيء؟ وجزاك الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أما بعد، أختي في الله، لا يخفى عليك ما للدش من الآثار الوخيمة على العقائد، والأخلاق، وأنت - بارك الله فيك - مأمورة بقدر الاستطاعة بمناصحة أهلك - أصلحهم الله - بتجنب هذا البلاء المستطير وإخراجه من البيت، فالكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة تفعل الأعاجيب بإذن الله تعالى، خصوصاً حين يصاحبها طول النفس، والبعد عن اليأس، وأياً ما كان الأمر فاحرصي أنت شخصياً - حرسك الله - على تجنب الجلوس معهم حال نظرهم إلى ما تعرضه الفضائيات، ولا تلتفتي إلى ما قد يظهرونه لك من الامتعاض أو نحوه، فالسلامة لا يعدلها شيء، ورضا الرب تعالى لا مساومة عليه، وفقك الله والسلام عليكم.(12/449)
الكلمات الوعظية بعد الفريضة
المجيب د. أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 8/10/1424هـ
السؤال
ما الحكم في إلقاء الموعظة بعد تسليم الإمام مباشرة؟ وهل ورد ذلك في السنة؟ مع العلم أن ذلك يقطع الخشوع المطلوب للمصلين الذين يكملون الصلاة، خاصة إذا كان صوت الواعظ جهورياً وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بالنسبة للموعظة بعد الصلاة، فإنها تختلف باختلاف الأحوال، فإذا كانت حالة تنبيه صدرت من بعض المصلين، أو تهم عامتهم، فلا بأس أن تنبه عليها على الفور، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فيلقيها على الفور، قبل انصراف المصلين لتعين الفائدة وليعم نفعها الجميع.
وإذا كانت من الدروس اليومية أو الأسبوعية، أو غيرها من المتعارف عليه بين المصلين، فالأفضل للواعظ أو الإمام أن يترك مجالاً للمسبوق أن يتم صلاته، ولأن إتمامها فرض، لأن ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض. فالمستحب إن لم يكن هو المتعين في حق الإمام أو الواعظ، أن يعطي فرصة للمسبوقين أن يتموا صلاتهم، وللمسبحين أن يأتوا بتسبيحاتهم من جهة، ومن جهة أخرى أن يتجنب ما جاء في بعض النصوص من النهي عن التشويش على المصلين، فالأمر يختلف باختلاف الأحوال، والضرورات تقدر بقدرها. لكن تحقيق المصلحة واجتناب ما يفوِّت على المصلين خشوعهم أمر مهم ينبغي أن يلاحظه أئمة المساجد والوعاظ. وبالله التوفيق.(12/450)
الموقف من (شهود يهوه)
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 23/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
نحن نعيش في بلد غربي، وهناك مجموعه تطلق على نفسها (شهود يهوه) يوزعون منشورات دعائية بجميع اللغات من بينها العربية تحتوي على آيات قرآنية غير كاملة في محاولة للتضليل، فأفيدونا جزاكم الله خيراً كيف نتعامل مع هذه الفئة الكافرة التي تثير الشكوك.?
الجواب
الحمد لله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
تتعاملون بتوعية المسلمين وتحذيرهم من الاغترار بما يقول هؤلاء، وبيان أن الصراع بين الحق والباطل سنة كونية، وأن هذا من طبع الكفار، وخاصة أهل الكتاب كما في الآيات الكثيرة من القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون" [الصف: 8] ، وقوله تعالى: "ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق" [البقرة: 109] ، فيقال لهم: إما أن تؤمنوا بالآيات القرآنية كلها وتستدلوا بها كلها، وبما دلت عليه وإلا فلا تحتجوا ببعض دون بعض كما قال الله -تعالى-: "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون" [البقرة: 85] . كما يدعى المسلمون إلى حفظ كتاب الله وتدبر معانيه من خلال كلام أهل العلم من السلف الصالح والعلماء الأخيار في هذا العصر حتى لا يتأثروا بهذه الضلالات، ولا غرابة في عمل هؤلاء وغيرهم وتضليلهم للناس فإن هذا في كل عصر حتى في أيام الأنبياء عليهم السلام، ولكن الغرابة في أن يتأثر المسلم الذي أكرمه الله بهذا الدين، وبحفظ القرآن الكريم إلى قيام الساعة، فلا بد أن ينظر المسلم عمن يأخذ دينه ولا يسمع لما يثيره أهل الغواية والضلال من شبهات أو قلب للحقائق. والله الهادي إلى سواء السبيل.(12/451)
النظرة الشرعية للحوار بين الأديان
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 25/12/1425هـ
السؤال
ما حكم الإسلام في الحوار بين الأديان الذي أقيم في أحد البلدان العربية؟ وكما هو معلوم أن المِلل تحارب الإسلام؟.
الجواب
هذه القضية لم تزل تتكرر منذ قرابة نصف قرن، حين أطلق المجمع الفاتيكاني الثاني المنعقد في الفاتيكان في الفترة 1962-1965 الدعوة للتقارب بين الأديان، وتلته مئات المؤتمرات والملتقيات والندوات تحت اسم (التقارب الإسلامي المسيحي) في حقبة السبعينيات والثمانينيات الميلادية، ثم (الحوار الإسلامي المسيحي) ، وبعد اتفاقية (أوسلو) والسعي للتطبيع مع اليهود سميت (حوار الأديان الإبراهيمية) ، ثم في ظل العولمة وسع المدلول فقيل (حوار الأديان) أو (حوار الحضارات) ليتم إدراج الديانات الوثنية من هندوسية وبوذية وكونفوشية، وغيرها. وأياً كان الأمر فالعبرة بالمضمون، فإن كان المقصود من الحوار امتثال أمر الله تعالى في قوله: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله"، فنحن أسعد الناس بالحوار، بل يجب أن نكون أصحاب المبادرة بالدعوة إليه، كما يدل قوله: "تعالوا" وقد حاور النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في المدينة، وحاور نصارى نجران، وكتب إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام، وكذلك فعل أصحابه من بعده رضي الله عنهم، وسار على هذا النهج القرآني النبوي علماء الأمة في مناظراتهم ومحاجتهم لمخالفيهم بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن. فهذا اللون من الحوار هو حوار الدعوة) الذي جاء به المرسلون وهو وظيفة الأمة، وأما الحوار الذي يتحاشى الدعوة إلى توحيد الله ونبذ الشرك واتخاذ الناس بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله فهو حوار باطل، يتضمن التلبيس على الناس في أمر دينهم فيظن السذج والجهال أن الأديان سواء، وأنه يسوغ لأي أحد أن يتدين بما شاء، وأن جميع الأديان موصلة إلى الله، كما يقول بذلك زنادقة الصوفية، أو أن يشتغل المتحاورون بضروب من المجاملات والمداهنات تحت ستار البحث عن أوجه الاتفاق وإقصاء أوجه الافتراق!! فهذا ما لم يسلكه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ولا أهل الإسلام على مر القرون، ولا ينتج دعوة إلى اعتناق الإسلام، بل إن بعض هؤلاء المتحاورين يعتبر الدعوة الصريحة إلى اعتناق الإسلام في هذه المؤتمرات خيانة لأدب الحوار!! خلاف مضمون الكلمة السواء التي بينتها الآية السابقة.(12/452)
وأما الحوار المتعلق بالمصالح السياسية، والاقتصادية، ونحوها فهذا يلتحق بباب السياسة الشرعية للأمة كتوقيع العقود والاتفاقيات، فهذا تفرضه طبيعة التعايش بين البشر، وتقاطع المصالح، ولا يلتبس بأمر الاعتقاد والدين، والولاء والبراء. ومن المؤسف أن معظم المؤتمرات المعقودة بين ممثلي الأديان لا يسلك المتحدثون باسم المسلمين فيها المسلك النبوي الصريح في الدعوة، بل يشتغلون في أمور جانبية هامشية، وسط تغطيات إعلامية تبرز الهدف المبيت لغير المسلمين من الظهور بمظهر (الزمالة) و (التآخي) مما يفقد دين الله الحق تميزه، وجاذبيته بحشره جنباً إلى جنب مع اليهود والنصارى والذين لا يعلمون. وقد رصدت في كتابي (دعوة التقريب بين الأديان) أكثر من ثلاثمائة مؤتمر على مدى أكثر من أربعة عقود لا تنحى المنحى الشرعي في الحوار والله المستعان.(12/453)
النصح للسلطان بين الإسرار والإعلان
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 05/02/1426هـ
السؤال
هل النصح للسلطان من خلال عريضة أو صحيفة أو أي وسيلة من وسائل الإعلام، أو من خلال برلمان الدولة إذا كان بقصد الإخلاص في النصح ولفت انتباهه للمعروف، وتحذيره من المنكر- خطأٌ، وأنه لابد أن يكون بالسر كما قال صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن ينصح لسلطان فليأخذ بيده فيخلو به ... إلخ" الحديث.. هناك من الناس من يقول إن الجهر للسلطان بالنصح والأمر بالمعروف من سبيل أهل الأهواء. فالمرجو بيان: هل المسألة خاضعة للاجتهاد والعرف السياسي؟ وهل الحديث المذكور حجة في ذلك؟ وما مدى صحة الحديث؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد:
النصيحة بمفهومها الشامل هي الدين، وتتسع مجالاتها فتشمل النصيحة لله، ولكتابه ورسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ووردت أحاديث بالأمر بالنصح لولاة الأمر خاصة، ففي مسند الإمام أحمد (8799) ، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ ... ". وفي المسند (13350) ، من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه، وغيرِه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمُنَاصَحَةُ أُولِي الْأَمْرِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ". قال الحافظ ابن رجب: وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم، وحب اجتماع الأمة عليهم، وكراهة افتراق الأمة عليهم، والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل، والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل. وقال: والنصيحة لأئمة المسلمين معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به، وتنبيههم في رفق ولطف، ومجانبة الوثوب عليهم، والدعاء لهم بالتوفيق. وقال القرطبي: والنصح لأئمة المسلمين: ترك الخروج عليهم، وإرشادُهم إلى الحق، وتنبيههم فيما أغفلوه من أمور المسلمين، ولزوم طاعتهم والقيام بواجب حقهم.
ومن أدب نصيحة ولاة الأمور أن تكون سرًّا مع الرفق واللين؛ لأن هذا أدعى لقبول الحق والانقياد له، وأجدر في درء المفاسد والفتن، وتحقيق المصالح، ففي الصحيحين- البخاري (3267) ومسلم (2989) - من حديث أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لِأُسَامَةَ: لَوْ أَتَيْتَ فُلَانًا فَكَلَّمْتَهُ. قَالَ: إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ، إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لَا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ.(12/454)
والرجل المذكور هو عثمان رضي الله عنه، قال القاضي عياض: مراد أسامة أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام؛ لما يخشى من عاقبة ذلك، بل يتلطف به وينصحه سرًّا فذلك أجدر بالقبول....
وفي المسند (15333) ، من حديث عِيَاضِ بْنِ غَنْم، أنه سمع الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ". قال الحافظ ابن رجب: كان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سرًّا. حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه. وقال الفضيل: المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير. وسئل ابن عباس، رضي الله عنهما، عن أمر السلطان بالمعروف ونهيه عن المنكر؟ فقال: إن كنت فاعلاً ولا بُدّ ففيما بينك وبينه.
وقد يجتهد العالم المتأهل للأمر والنهي في بعض الأحوال فيرى الإنكار على ولاة الأمر علانيةً، وذلك لظهور المصلحة مع أمن الفتنة، أو حدوث مفسدة أكبر، وربما كان ذلك بسبب خشية فوات الأمر، أو من أجل إظهار الحق، فقد يكون خافيًا على الناس، وقد أنكر عدد من الصحابة، رضي الله عنهم- على بعض الأمراء علانية، ومن ذلك: إنكار عبادة بن الصامت على معاوية، رضي الله عنهما، ففي صحيح مسلم (1587) ، من حديث أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ، فَجَاءَ أَبُو الْأَشْعَثِ. قَالَ: قَالُوا: أَبُو الْأَشْعَثِ أَبُو الْأَشْعَثِ. فَجَلَسَ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْ أَخَانَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَالَ: نَعَمْ، غَزَوْنَا غَزَاةً، وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ، فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَهَا فِي أَعْطِيَاتِ النَّاسِ، فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَبَلَغَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، رضي الله عنه، فَقَامَ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى. فَرَدَّ النَّاسُ مَا أَخَذُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَلَا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ! فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَأَعَادَ الْقِصَّةَ، ثُمَّ قَالَ: لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ- أَوْ قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ- مَا أُبَالِي أَلَّا أَصْحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ.(12/455)
ومثل موقف عبادة في الإنكار، ما حصل لأبي سعيد الخدري مع مروان بن الحكم حينما قدم الخطبة على الصلاة يوم العيد، ففي صحيح البخاري (956) ، من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ، وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ، فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ، فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ فَجَبَذَنِي، فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ لَهُ: غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ. فَقَالَ: أَبَا سَعِيدٍ، قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ. فَقُلْتُ: مَا أَعْلَمُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا لَا أَعْلَمُ. فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ. قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث إنكار العلماء على الأمراء إذا صنعوا ما يخالف السنة. وقال: وفي الحديث إنكار العالم على الحاكم ما يغيره من أمر الدين والموعظة بلطف وتدرج.
ومن الأمثلة أيضًا إنكار أبي شريح خويلد بن عمرو الخزاعي على عمرو بن سعيد والي يزيد على المدينة، ففي الصحيحين- البخاري (104) ، ومسلم (1354) ، من حديث أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً ... " الحديث. قال الحافظ ابن حجر: قوله: ائذن لي. فيه حسن التطلف في الإنكار على أمراء الجور ليكون أدعى لقبولهم.(12/456)
ومن الأمثلة أيضًا ما أخرجه البخاري (522) ومسلم (611) ، من حديث ابن شهاب أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا وَهُوَ بِالْعِرَاقِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ..... الحديث. قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث من الفوائد: دخول العلماء على الأمراء وإنكارهم عليهم ما يخالف السنة....
وفي صحيح مسلم (1830) أن عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو- وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ". فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ. فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: َ وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ! إِنَّمَا كَانَتْ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ وَفِي غَيْرِهِمْ، هذا والله أعلم.(12/457)
الهجر مع انتفاء المصلحة
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 24/09/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ، هل الهجر والعقوبة بترك الكلام والمجالسة والمناكحة للمخالفين لمنهج الحق- وهو منهج السلف- يدور مع علل لأجلها شرعت هذه العقوبات والأحكام؛ وبحيث في حالة عدم تحقق هذه العلل ينتفي الحكم، هل هذا صحيح؟ وما العلل التي بموجبها شرعت هذه العقوبات، وعند تخلفها تتخلف هذه العقوبات والأحكام؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فالهجر للمبتدع إنما شرع زجرًا له عن بدعته ولغيره من سلوك طريقه، وهكذا كل العقوبات الشرعية، إنما شرعت لهذه الحكمة، ولذا فقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم- كعب بن مالك ومُرارة بن الربيع وهلال بن أمية، رضي الله عنهم، لما كان في هجرهم زجرًا وتأديبًا، ولم يهجر المنافقين المعتذرين عن جهادهم مع ارتكابهم لذات الفعل؛ وذلك لعدم تحقق الزجر، ولذا فمتى اجتهد الإنسان وغلب على ظنه أنه بهجره لصاحب بدعة أنه يتوب ويتأدب ويتعظ غيره، فإنه يهجره سواء في المجالسة والمصاحبة والمحادثة، أو حتى في الرواية والأخذ عنه، كما قرر ابن تيمية أن عدم رواية الإمام أحمد عن بعض من نسب للبدع كان نوع تأديب لهم، وإذا غلب على ظنه أن هجره لا يجدي فليس الهجر واجبًا في حقه، بل عليه فعل ما يظنه أصوب وأقرب إلى تحقيق المقصود. والله الموفق.(12/458)
هل يتركا الإمامة والأذان؟
المجيب د. لطف الله بن عبد العظيم خوجه
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 07/08/1425هـ
السؤال
لقد منَّ الله علي -وأنا أعمل إمام مسجد- وعلى مؤذني بالهداية من العقيدة الصوفية إلى عقيدة السلف الصالح، وقررنا ترك المسجد؛ لأننا نرغم على فعل بعض البدع الصغيرة كالدعاء الجماعي بعد الصلاة، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم- بعد الأذان، علماً بأنه لا يعمل مثل عملنا إلا المبتدعة، ومن رفض ممارسة البدع رفع أمره إلى المباحث، ويعرض للإجهاد الشديد بعد طرده من عمله، كما أنه أشار علينا بعض أهل العلم بأن نبقى في عملنا مع ما نرغم على فعله من البدع درءاً للمفاسد المترتبة علينا وعلى الدعوة السلفية في بلدنا، لأن من سيوضع في مكاننا من مؤذن أو إمام سيعمل على نشر البدع، وسيعمل على هدم لما حققناه من إبطال لبعض البدع وإحياء بعض السنن، كما أننا نحاول من خلال مكاننا في المسجد نشر العقيدة الصحيحة وإحياء السنة، ولكن بالتدرج والحكمة. نرجوا إفتائنا في التصرف الصحيح، هل نبقى في المسجد أم نتركه؟ كما نرجو وبشدة الإسراع في الجواب؛ لما يترتب على تأخيره من مفاسد لأننا في حالة حرجة، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه، وبعد:
فحال المضطر والمكره ليس كحال الخالي من هذه الأعذار.
فإذا كان ترك المسجد يفضي إلى شر كبير، واضطهاد، يضر بكم وبالدعوة، وتلك البدع صغيرة كما ذكرتم، وليست شركًا، وقصدكم التدرج في الإصلاح بالحكمة، وإحياء السنة، وعلماؤكم البررة، ممن هم أعرف بحالكم، أفتوكم بالصبر، درءًا للمفسدة المترتبة على الدعوة، وما يترتب عليه من تولية الإمامة من يحب نشر البدع..
فكل هذه الأعذار نرجو أن تكون سببًا شرعيًا في بقائكم على إمامتكم للمسجد، مع الجد والحرص على توضيح السنة للناس، برفق، وصبر، وحكمة، وعدم تأخير البيان.. حتى يجعل الله لكم فرجًا.
وإليكم جواب سؤال سابق عن ضابط مجالسة المبتدعة، لعله يكون معينًا لكم:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، وبعد:
فالمبتدع هو من تبنى منهجًا بدعيًا، وليس من وقع في البدعة فحسب، إذ الواقع في البدعة قد يكون متأولاً، أو مخطئا، أو ذاهلا، أو مكرها.. إلى غيرها من الأعذار.. وقد عذر الشارع من وقع في الخطأ مجتهدًا.
فالمتبني منهجًا بدعيًا، هو الذي يصح إطلاق وصف الابتداع عليه، لإصراره، ولأنه يؤسس طريقة مخالفة للهدي النبوي، يبني عليها مخالفات لا تحصى، كمن تبنى المنهج العقلي، وقدمه على النص الشرعي، ومن تبنى المنهج الذوقي والكشفي، وقدمه على النص الشرعي، وكذا من تبنى منهج رد السنة جملة.
إذا علم هذا: فلا بد من التفريق بين قوم وقعوا في أمور مبتدعة، وبين آخرين أصحاب منهج بدعي، فليست مجالسة هؤلاء كهؤلاء.
وبعد هذا التعريف يقال في ضابط المجالسة ما يلي:
المجالسة إما أن تكون لقوم فيهم بدعة، وليسوا مبتدعة، أو قوم مبتدعة، أصحاب منهج بدعي. وفي كلا الحالتين: إما أن تكون المجالسة حال تلبسهم بالبدعة، أو بدون تلبس.. فهذه أربع أحوال:(12/459)
-الحالة الأولى: مجالسة قوم فيهم بدعة، حال تلبس بالبدعة: وهذا لا يجوز إلا بشرط: أن يكون منكرًا عليهم، أو داعيًا، وناصحا لهم، ومعلمًا.. فإن كان مكرهًا، أو مضطرًا، يخشى من مفسدة أكبر حال امتناعه من الجلوس، كما إذا كانوا من أهله، يخشى تقطع الصلات، ويأمل أن يكون في جلوسه خيرًا، ولو لاحقًا، في دعوتهم وإصلاحهم، فلا بأس إن كان الجلوس بهذه النية.
- الحالة الثانية: مجالسة أولئك، حال خلوهم من البدعة، فلا بأس من ذلك، ويكون بنية دعوتهم، وإصلاحهم.
- الحالة الثالثة: مجالسة أصحاب منهج بدعي، حال تلبسهم: وهذا لا يجوز إلا بالشرط السابق، وللإكراه والاضطرار حكمه الخاص، كما تقدم، مع ملاحظة: أن دعوتهم، وإصلاحهم هو مهمة العالم، ومن عنده حظ من الفقه والدراية، ومن ليس عنده شيء من هذا، فيخاف عليه.
- الحالة الرابعة: مجالسة هؤلاء حال خلوهم من البدعة: فلا بأس من ذلك، ويكون بنية دعوتهم، وإصلاحهم، وهذا لأهل العلم والدعوة، أما العامي فيحذر، فإن المتبني منهجًا بدعيًا، هو في حال استعداد للدعوة.
إذن المجالسة المحرمة هي: التي يكون فيها الرضا بالمنكر، أو السكوت مع القدرة على الإنكار، أو المفارقة.
أما المجالسة مع قصد الدعوة، والإصلاح، فهذا خير وبر، وكذا من أكره، أو ترجحت عنده المصلحة الشرعية.
هذا وليعلم أن الإعراض وهجر المبتدعة كليا، إنما يكون في زمن هيمنة سلطان الشريعة والسنة، لأنه حينئذ يفيد في زجره، أما في زمن الضعف. فلا يفيد.(12/460)
التشهير بأهل الضلال
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 26/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
يا شيخ تعرف ما يسببه العلمانيون من أفكارهم الهدامة، وخاصة في الصحف -والحمد لله- رزقني الحكمة والرد عليهم في المنتديات وفضحهم، لكن يا شيخ هل يجوز أن أذكرهم بأسمائهم أو بالتلميح عنهم أم هذا يعتبر غيبة أو عدم ذكر أسمائهم؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا كان الشخص صاحب بدعة أو ضلالة يدعو إليها ويفتن بها، فيجب التحذير منه ودحض شبهاته وفضح مكره وخبثه، والرد على فِكرِه، وليس هذا من الغيبة في شيء، فإن التشهير باسمه صريحاً فيه مصلحة راجحة وفيه درء لمفسدة في الدين عظيمة، لا يتأتى درؤها إلا بهذا، فكان من الواجب أن يُحذِّر منه الناس ليحذروه ويجتنبوا مجالسته ويأمنوا من الاغترار بمفترياته وتلبيساته.
لكن من الواجب أيضاً قبل أن يُتخذ معه هذا الطريق أن يُتثبت مما يُنسب إليه؛ فربما كان مزوَّراً عليه أو محرفاً كلامه أو مبتوراً من سياقه، فلا بد من التثبت من نسبة القول إليه، ثم لا بد من التثبت، ثانياً من أن ما يقوله ضلالة من الضلالات تعارض نصاً صريحاً أو تتضمن استهزاءً ولمزاً، ولا بد - ضمانة لذلك- من التأني في قراءة كلامه فقد يستعجل الإنسان القراءة فيسيء الفهم ويحكم بالباطل ويظلم بريئاً، وعليك اجتناب التكفير والسخرية والسب بفاحش القول، وأن تتوجه بجهودك إلى إبطال أقواله وكشف مفترياته ثم التحذير منه تحذيراً عاماً سالماً من التكفير الذي قد لا يكون وصفاً صادقاً عليه فتحور الكلمة على قائلها. والله أعلم.(12/461)
مداهنة أم حكمة؟
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 17/06/1426هـ
السؤال
لي صديق عمه شيخ طريقة صوفية ولدى صديقي الرغبة في أن يكون داعية لله، وهو لا يقتنع بمعتقداتهم ولا يجاريهم في طقوسها، إلا أنه يحتك بهم ويجاملهم، ويحاول تجميع مادة إسلامية من منهج أهل السنة والجماعة، وينشرها من خلال عمه وزاويته؛ لأنه يتردَّد عليها الكثير، وله قريب يحرضه على أن يتركهم نهائياً، وأن عمله الدعوي هذا بالرغم من أن مادته من منهج أهل السنة والجماعة إلا أنه لا يجوز أن ينشر من خلالهم، ولا يجوز التعامل معهم ومجاملتهم حتى وإن سبب ذلك حساسيات مع عمه بالرغم من أن صديقي له قرابة عشرين سنة ولم يتأثر بمنهج الصوفية ولله الحمد، بل خلال هذه الفترة -وبفضل الله- استطاع أن يؤثر في بعضهم من خلال هذا المنهج، وبدون أن يخلق حساسيات ومحاربة له.
وأخيراً: هل يجب على صديقي ترك الاحتكاك بهم والدعوة من خلالهم، علماً أن مَنْ يحاول الدعوة من غير طريقهم سيحارب من الدولة؛ لأنه في بلد -للأسف- تحارب الدعاة من أهل السنة والجماعة.
الجواب
صديقك هذا إن كان يداهن إلى حد يلبس الحق بالباطل، ويرتكب البدع أو يؤيدها دون ضرورة معتبرة شرعاً، فأرى أن يبتعد عن ذلك ويدعه بحكمة.
وإن كان ما يفعله لا يوقعه في شيء من ذلك (وهو الظاهر من السؤال) فعمله مناسب، والمجاملة والمداراة في ذلك -ما دام يحقق مصلحة- لا حرج فيها، ولعل هذا نوع من الحكمة والتسديد والمقاربة كما هي القاعدة التي نص عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "سدِّدوا وقاربوا" أخرجه البخاري (39) ، ومسلم (2818) . والرفق بقوله -صلى الله عليه وسلم-: " ما كان الرفق في شيء إلا زانة ... " أخرجه أحمد (13530) . وفَّق الله الجميع لكل خير.(12/462)
كيف ندعو الكفار وقد لعنهم الله؟!
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 19/09/1426هـ
السؤال
ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: "إن الله لعن الكافرين"، فكيف ندعوهم إلى الإسلام وقد أخبرنا الله باستحالة استجابتهم، حيث أخبر عنهم أنهم لن يهتدوا؟ فلا أرى سبباً لدعوتهم للدخول في الإسلام. فما قولكم فيما ذهبت إليه؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيجب الاستمرار في دعوة غير المسلمين للإسلام إلى أن تقوم الساعة بأمر الله تعالى، فالله تعالى يقول: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" [النحل: 125] ، وقال سبحانه مخاطباً رسوله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين: "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني" [يوسف: 108] ، وقال -صلى الله عليه وسلم- "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم". أخرجه البخاري (2942) ، ومسلم (2406) .
ثم إن الكافر إذا أسلم خرج من الوعيد المذكور واللعن، والخبر في استحالة استجابتهم إنما هو فيمن علم الله أنهم لا يهتدون وماتوا على الكفر، ونحن لا نعلم من هم، ولا يعلم ذلك إلا علاَّم الغيوب سبحانه وتعالى، ولذلك أمرنا ببذل الأسباب في الدعوة للإسلام، والنتائج على الله.
فالكافرون الذين لعنهم الله هم الذين أصرُّوا على الكفر وماتوا على ذلك، أما من كان حياً منهم فيجب علينا دعوته؛ لعل الله أن يهديه وينقذه من اللعنة والعذاب، وقد توافرت النصوص وتواترت على ذلك، ولذا يجب أن نرد النصوص إلى بعضها، ونفسِّر بعضها بالآخر، وبسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة وأئمة الدين الراسخين، وألا نستدل بهذه الطريقة المبْتورة والانتقائية.(12/463)
ضوابط في إنكار المنكر
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 5/7/1422
السؤال
ما الضابط في إنكار المنكر؟
الجواب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل الأعمال الصالحة وأجلها وأحبها قال تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون "
قال شيخ الإسلام في رسالته (الحسبة في الإسلام) طبعة الإفتاء الأولى ص73: " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لايجب على كل أحد بعينه بل هو على الكفاية، كما دل عليه القرآن ولما كان الجهاد من تمام ذلك كان الجهاد ـ أيضاً ـ كذلك فإذا لم يقم به من يقوم بواجبه أثِمَ كلُّ قادر بحسب قدرته؛ إذ هو واجب على كل إنسان بحسب قدرته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيَّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم.
وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضوابط منها:
1ـ أن يكون فقيهاً فيما يأمر به فقيهاً فيما ينهى عنه، أي: عالماً بأنَّ ما يأمر به هو من دين محمد صلى الله عليه وسلم، وأنَّ ما ينهي عنه هو مما نص الله ورسوله عنه.
2ـ أن يكون رفيقاً فيما يأمر به رفيقاً فيما ينهى عنه.
3ـ أن يكون صبوراً حليماً فيما يأمر به وينهى عنه.
قال شيخ الإسلام في رسالته نفسها ص84 " فلا بد من هذه الثلاثة: العلم والرفق والصبر، العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده، وإن كان كلٌ من الثلاثة مستصحباً في هذه الأحوال " ا. هـ.
4ـ ألاّ يترتب على أمره ونهيه منكر أعظم منه.
5ـ أن يكون الإنكار باليد فيمن هم تحت سلطته من نساء وأبناء ونحوهم. وأما عامة الناس فالإنكار باليد للسلطان أو نائبه، والله أعلم.(12/464)
إصلاح ذات البين من غير إذن المتخاصمين
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 24/11/1425هـ
السؤال
هل يجوز لدخيل اقتحام غرفة إصلاح ذات البين دون إذن صاحب الدعوى والتحيز للطرف الآخر؟ وهل يجوز اعتماد بصمة إنسان يقع تحت أزمة قلبية أو نائم أساسًا لإصدار حكم؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فإصلاح ذات البين لا يشترط له إذن الطرفين، بل هو داخل في عموم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو من أنواع النصيحة، ولكن هذا إذا تم وفق الضوابط الشرعية، أما إذا مال الداخل إلى أحد الطرفين ظلمًا فهو بحاجة إلى من يناصحه لخروجه عن الغاية النبيلة، وهي الصلح، إلى الظلم؛ فعن أبي الدرداء، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ؟ ". قَالُوا: بَلَى. قَالَ: "إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ". أخرجه أحمد (27508) ، وأبو داود (4919) ، والترمذي (2509) وصححه.
أما ما يتعلق بحكم الاعتماد على بصمة إنسان نائم أو واقع تحت أزمة قلبية: فالبصمة قرينة قوية على صحة الدعوى، ولكن إذا ثبت عند القاضي أنها تمت في أثناء نوم صاحبها أو وقوعه تحت أزمة قلبية فلن يعتمد عليها أبدًا، وهذا مما لا خلاف فيه، ولكن إذا لم يثبت ذلك فالعبرة بالظاهر، والنبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ فَأَحْسَبُ أَنَّهُ صَادِقٌ فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ يَذَرْهَا". رواه البخاري (2458) ، ومسلم (1713) من حديث أم سلمة، رضي الله عنها،، فحكم القاضي يرفع النزاع في الدنيا ولا يحل حرامًا، قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله تعالى، في شرحه للحديث السابق: (وفيه أن من احتال لأمر باطل بوجه من وجوه الحيل حتى يصير حقًّا في الظاهر، ويحكم له به أنه لا يحل له تناوله في الباطن، ولا يرتفع عنه الإثم بالحكم، وفيه أن المجتهد قد يخطئ، فيرد به على من زعم أن كل مجتهد مصيب، وفيه أن المجتهد إذا أخطأ لا يلحقه إثم، بل يؤجر كما سيأتي، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقضي بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه شيء، وقد عدا في ذلك قوم، وهذا الحديث من أصرح ما يحتج به عليهم، وفيه أنه ربما أداه اجتهاده إلى أمر فيحكم به ويكون في الباطن بخلاف ذلك) ا. هـ، فتح الباري (13/174) . ولو فُتح هذا الباب، وهو باب عدم أهلية المدان في أثناء توقيع المستندات من شيكات وغيرها لضاعت الحقوق؛ إذ كل من ثبت عليه شيء ادّعى أنه وقَّع ذلك تحت تأثير المخدر أو في أثناء التنويم المغناطيسي، أو غير ذلك من الدوافع. وفق الله، تعالى، الجميع لما يحبه ويرضاه. والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(12/465)
مؤاكلة من لا يصلي في الجماعة
المجيب د. عبد الله بن عبد الله بن عبيد الزايد
مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 16/9/1424هـ
السؤال
أخي لا يصلي معنا في المسجد منذ فترة، ولا يستجيب لكل محاولاتنا، ويقول: أنا مريض وقد أصابتني عين وغيره، السؤال هو أنني أريد ما يرضي الله، فهل آكل من طعامه؟ وهل أرسل له طعاما؟ ما هو المأثور عن أهل السنة والجماعة في مثل هذه الحالات؟ ما يجوز ومالا يجوز، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
عليك أخي السائل من صلتك أخيك بما يحتاجه من المباحات إن كنت تستطيع ذلك، ولعل صلتك إياه تشعره بحرصك عليه.
وأما دعوى أن المانع ما يدعيه من عين أو غيرها فتلك من خواطر الشيطان يدفعها الله بالطاعة، وأهم الطاعات بعد التوحيد الصلوات، وصلاة الخمس في المساجد شرعها الله فيها وذكر تحصينها للمصلي بالحديث الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فيدركه فيكبه في نار جنهم". أخرجه مسلم (657) من حديث جندب -رضي الله عنه-.
على كل حال احرص على نصحه دون ملل أو كلل وصلة للرحم التي بينكما، وفي رواية عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عند أبي الشيخ في أخبار أصبهان (3/107) : "من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا تخفروا الله في جواره، حتى يمسي، ومن صلى المغرب فهو في ذمة الله حتى يصبح، فلا تخفروا الله في ذمته".
(كما عليك أخي كذلك بمحاولة ربطه بالصحبة الصالحة التي تأخذه برفق إلى الرغبة في الطاعات، ويبتعد بها عن المعاصي وخواطر الشيطان) .
وصلى الله وسلم على سيدنا وإمامنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.(12/466)
تطبيق حد الرجم في ديار الكفر
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 9/9/1424هـ
السؤال
إذا زنى رجل متزوج بامرأة متزوجة في ديار الكفر، وكان هناك عدداً كافياً من الشهود مستعدين للإدلاء بشهادتهم، ولكن لا يوجد قاض لإصدار الحكم، فهل يطبق عليهما حد الرجم بدون وجود قاضٍ؟ وماذا يجب على المسلمين في هذه المنطقة أن يفعلوا؟ هل يتغيَّر الوضع في حال وجود قاضٍ؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فإقامة الحدود مثل رجم الزاني وقطع يد السارق وجلد شارب الخمر يقيمها من له ولاية كالقاضي؛ لأنها تحتاج لإثبات وحكم بموجبها، ولو لم توكل للقضاة لصار في ذلك فوضى عامة وضرر كبير.
والواجب على المسلمين المقيمين في بلاد غير إسلامية أن يسعوا لدى الحكومات في إقامة قاضٍ يحكم بالشريعة بينهم، فإن أمكن فهذا المطلوب، وإلا فإن الواجب عليهم بذل النصيحة والتذكير والإرشاد لبعضهم، وإن أمكن أن يعاقب بما يردعه من مثل الهجر الجماعي حتى يظهر التوبة مثلاً فهذا حسن أيضاً.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وصلى الله على محمد وآله وصحبه.(12/467)
مواقع الدردشة على الإنترنت
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 14/10/1422
السؤال
هل يجوز الدخول في مواقع الدردشة بما فيها من غيبة وكلام غير لائق في المجتمع الإسلامي؟ أرجو توضيح الحكم الشرعي بذلك، وإذا كان فقط مشاهدة ما يكتب فيها دون المشاركة، فما الحكم؟
الجواب
المسلم مسؤول عن وقته، وإذا لم يقضه في طاعة فيجب صيانته عن المعاصي وحضور مجالس الغيبة سواء كانت بالهاتف أو الإنترنت أو غير ذلك، ومشاهدة ما يكتب للاطلاع لقتل الوقت، فلا يجوز لما فيه من حضور المنكر وإفساد القلب، أمّا إذا كان المشاهد قادراً على الدعوة عبر الدردشة، وإنكار المنكر بعلم وبرفق وحلم؛ فهو في دعوة وعمل صالح.(12/468)
عبارة "لا حياء في الدين"
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 26/1/1424هـ
السؤال
شخص أراد أن يسأل طالب علم فقدم لسؤاله - كالمعتاد عند الناس بقوله: "لا حياء في الدين" فصاح به شخص آخر قائلا: أعوذ بالله، تب إلى الله، وأنكر عليه ذلك بشدة واختلفوا في هذه المسألة وتجادلوا.
السؤال: هل الإنكار على قائل هذه العبارة بهذا الأسلوب يعد في محله؟ أم إنه يحمل على الغالب من مراده ومراد من يتلفظون بهذه العبارة؟ حيث إنهم يريدون" لا حياء في السؤال عن الدين"؟ وبمعنى آخر: هل يحرم التلفظ بهذه العبارة مطلقا؟ أم يجوز مطلقاً؟ أم يكره كراهة تنزيه؟ أم ينظر لقصد قائلها؟ وماذا يجب على طالب العلم إذا سمع أحداً يتلفظ بها؟ أرجو التفصيل الكافي الشافي، سدد الله خطاكم وهداكم للصواب من القول والعمل.
الجواب
الحمد لله، هذا الإنكار ليس في محله، وهذه التقدمة تشعر بأن السؤال مما يستحيا منه، فهو كالاعتذار عن التقدم بهذا السؤال، وقد قدمت أم سليم بسؤالها عن حكم احتلام المرأة بقولها: إن الله لا يستحي من الحق، فلو استعيض عن قول القائل: لا حياء في الدين بما قدمت به أم سليم لكان أولى، ولعل الحامل لهذا المنكر هو أن قول القائل: لا حياء في الدين، لفظ مجمل يحتمل حقاً وباطلاً، ولكن المعلوم من قصد القائل أنه لا يشرع الحياء في معرفة الدين، ولا ينبغي أن يكون مانعاً من السؤال عما يحتاج إليه الإنسان في دينه إذ لا حرج عليه في ذلك، وأما الاحتمال الآخر فهو بعيد، وهو اتهامه أنه يقصد أن الحياء ليس من الدين، فهذا ليس صحيحاً، بل الحياء شعبة من الإيمان، لكن الذي يقدم لسؤاله بقوله: لا حياء في الدين، لا يريد نفي كون الحياء من شعب الإيمان، بل يريد أن الحياء لا يمنع من السؤال عما يستحيا من ذكره إذا كان يتعلق بالدين، فإن المسلم مأمور بمعرفة دينه والسؤال عنه، فيسأل عما يحتاج إليه إما بنفسه أو بغيره؛ إذا كان لا يتيسر له ذلك بسبب الحياء، كما فعل علي - رضي الله عنه - قال: كنت رجلاً مذاءً فكنت أستحي أن أسال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: -عليه الصلاة والسلام-: "توضأ واغسل ذكرك"، رواه البخاري (269) ، ومسلم (303) ، وفي لفظ لمسلم: "توضأ وانضح فرجك" وقالت عائشة - رضي الله عنها -: "نِعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن تتفقهن في الدين" رواه مسلم (332) والخلاصة أنه لا وجه لما كان من الإنكار مع وضوح مقصود السائل، والله أعلم.(12/469)
معنى لا إكراه في الدين
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 30/1/1423
السؤال
أخذ بعض الناس هذه الأيام ينشر قوله تعالى:" لا إكراه في الدين " بين الناس زاعمين أن هذه الآية دليل على عدم صحة القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما تقوم بعض الدول الإسلامية، وأنه ينبغي لهذه الدول أن تكفَّ عن إجبار الناس على الذهاب إلى المسجد وإجبار النساء على لبس الحجاب. هل يصح رأيهم؟ وإلا ما الدليل على خطئهم لنرشدهم إلى الصواب؟
الجواب
الشبه التي ذكرها السائل يتذرع بها بعض الناس داعين لتعطيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحق أن الآية لا دلالة فيها على ما ذكروا؛ إذ جاءت نهياً عن إكراه أحد من الناس على الدخول في الإسلام ابتداءً، وهو معنى:" لا إكراه في الدين" [البقرة:256] والمراد بالدين - هنا- الملة والعقيدة، فإذا دخل المرء في الإيمان وأعلن استسلامه لله - تعالى- جرت عليه أحكام الشريعة، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ هو من مقتضيات الإيمان، ومما فضل الله به هذه الأمة على الأمم قبلها، يقول تعالى:" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" [آل عمران:110] وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تضمنت أشد التحذير من التهاون في هذه الفريضة، حتى إن العقوبة لتعم الأمة بأجمعها إن هي أخلَّت بها، منها ما رواه أحمد في مسنده والترمذي في جامعه -وصححه- من حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:" والذي نفسي بيده لتأمُرنَّ بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتَدْعُنَّه فلا يستجيب لكم" وكذا ما رواه أبو داود في سننه (4339) بسند صحيح من حديث جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:" ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا" فهذه النصوص وغيرها دلالتها ظاهرة على فرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يستوي في ذلك المسلمون جميعاً كل بحسبه. وبالله التوفيق.(12/470)
صديقي على علاقة بفتاة
المجيب د. سليمان بن قاسم العيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 9/2/1423
السؤال
أنا طالب في إحدى الجامعات، ولي صديق عزيز يمتلك الأخلاق الأساسية للشباب المسلم، ولكن عنده مشكلة، وهي أنه على علاقة صداقة مع فتاة، فكيف أساعده من غير تنفير من الدين في حل هذه المشكلة؟
الجواب
أخي السائل -جزاك الله خيراً- على حرصك على دعوة أصدقائك، وأعلم أولاً أن ما ذكرته من الأخلاق الأساسية للشباب لا بد أن تكون موافقة لكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أما ما خالفهما فليس من الأخلاق المحمودة، لا للشباب ولا لغيرهم.
وفيما يتعلق بنصيحة صديقك لا بد أن تبين له أن هذا الأمر محرم شرعاً، فلا يجوز للشاب أن يصادق فتاة أجنبية عنه، وذكره أن هذه الصداقة تجر إلى محرمات كثيرة من النظر، والحديث، والخلوة، والوقوع في الفاحشة -عافانا الله وإياك وجميع المسلمين-.
وذكره أيضاً أنه ربما اتخذ شباب آخرون أخواته، أو قريباته صديقات لهم، فهل يرضى بذلك؟ وإذا كان لا يرضاه لنفسه، فكيف يرضاه لبنات الناس، وعليك أن تكرر النصح له من غير يأس، وتجتهد له بالدعاء، وتذكره بالأحاديث والآيات التي تدل على خطورة هذا الفعل، وفقك الله، وسدد خطاك.(12/471)
مناصحة النساء في الأسواق
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 18/2/1423
السؤال
لدي محل تجاري وتواجهني مشكلة في التعامل مع النساء، هل يجب علي أن أنكر على كل امرأة تدخل محلي إذا كانت كاشفة الوجه، أو متنقبة، أو لابسة عباءة ملفتة للنظر؟ مع العلم أن مثل هذا الأمر يحرجني كثيراً في التعامل مع النساء لا سيما في وجود خلاف في قضية الحجاب.
الجواب
أولاً: -جزاك الله خيراً- على غيرتك على أعراض المسلمين، وحرصك على إبراء ذمتك من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فسددك الله، وزادك حرصاً وتقى، وثبتنا وإياك على دينه القويم.
ثانياً: أما النقاب إذا لم يكن واسعاً فلا ينبغي إنكاره؛ لأنه قد وردت به الرخصة، كما يدل لذلك حديث: "لا تنتقب المرأة المحرمة" أخرجه البخاري (1838) ، ولو كان النقاب محرماً لما خص -عليه الصلاة والسلام- المحرمة بالنهي عنه.
ثالثاً: وأما العباءة الضيقة التي تصف مفاتن المرأة كالعباءة المخصرة، فلم يقل أحد من أهل العلم بجواز لبسها حتى يصح لقائل أن يحتج بمقولة: (لا إنكار في مسائل الخلاف) ؛ لأن من الشروط المتفق عليها بين العلماء أن يكون الحجاب واسعاً لا يصف المفاتن.
وإذا تقرر أن مثل هذه العباءات مما اتفق أهل العلم على تحريمه، وجب الإنكار على من لبسته.
وكذلك الشأن في كل حجاب يكون زينة في نفسه، يجب الإنكار على من لبسته، ولا يسوغ أن يعتذر على الإنكار في هذه الأمثلة بقاعدة (لا إنكار في مسائل الخلاف) ؛ لأن أهل العلم متفقون على اشتراط ألا يكون الحجاب زينة في نفسه، والمقاصد التي راعاها الشرع في فرض الحجاب تدل عليه دلالة ظاهرة، وإن خالف في هذا مخالف عد خلافه شذوذاً لا يتابع عليه ولا يعتد به.
رابعاً: مسألة كشف الوجه الخلاف فيها مشهور، ليس هذا مقام بسطه، ولا النظر في أدلته.
ولكن مخالفة النساء اليوم لم تقتصر على كشف الوجه فحسب، فغالب من تتساهل في كشف وجهها لا يخلو حالها من إبداء الزينة إما في الوجه أو غيره، أو بكشف الشعر، أو العنق ... إلخ وخلاف العلماء إنما هو في الوجه والكفين.
فإذا كان الواقع هو هذا، لم يكن بد من الإنكار عليهن، فليس في مثل هذا خلاف، ولا هو من موارد الاجتهاد.
خامساً: طريقة الإنكار على تلك المتبرجات تقع حسب الوسع، وتُمْليها وتصرفها الجدوى من الإنكار، فإذا كان الإنكار عليهن علانية باللسان لا يجدي شيئاً، وإنما يجلب لك شيئاً من أذيتهن وسلاطة ألسنتهن ونحو ذلك، فجرب طريقة أخرى تؤدي المقصود، وتقيم الحجة، وتبرئ الذمة، وتعتذر بها إلى الله، كإهداء شريط، أو كتاب، أو نحو ذلك، مما يساق فيه الإنكار مساق موعظة تذكرها بالله، وتخوفها عقابه، وتحذرها مغبة المعصية وشؤمها.
إن عاطفة المرأة -أخي- هو خير ما يستجديه الناصح؛ لتقع موعظته موقعها من قلبها، ولذا فمن الحكمة أن يمزج خطاب الموعظة بكلمات الثناء التي لا يظهر فيها كذب ولا تكلف، ولن تعدم في قلبها بقية من إيمان، وخوف من الله -سبحانه-، وحب له ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- تثني بها عليها؛ لتستعطفها لموعظتك.(12/472)
ومن الحكمة في الموعظة والإنكار مجانبة اتهامها بالفسق أو عدم الغيرة، ولو كان حالها كذلك، فإن هذا كما أنه لا ينفع فهو يضر، وربما حملها ذلك إلى أن تأخذها العزة بالإثم، فتعرض عن الاستماع للنصح وقبوله.
سادساً: لا يسعك أبداً أن يخلو قلبك من إنكار تلك المنكرات الظاهرة، مهما اعتادها بصرك، ومهما كثرت المبتليات بها.
ولهذا فاعلم أن من أشد ما يناقض هذا الإنكار القلبي لتلك المنكرات من إبداء الزينة، أو التبرج والسفور والتساهل بمد عينك إليها، أو التحدث إليها في غير ما تقتضيه حاجة الشراء، فضلاً عن المضاحكة، أو الخضوع بالقول.
ولا يسعك إلا غض بصرك عنها، وكف لسانك عن الاسترسال في الحديث معها، وتجنب الخلوة بها.
سابعاً: اعلم أن قاعدة (لا إنكار في مسائل الخلاف) ليست على إطلاقها، فلا يصح أن تحمل ما لا تحتمل، ولا أن تورد في غير مواردها.
والأخذ بهذه القاعدة بإطلاق خلاف لإجماع أئمة السلف، فحدود هذه القاعدة قاصرة على تلك المسائل الاجتهادية التي وقع الخلاف فيها قوياً، ولكل قول فيها حظٌّ من النظر،
أما الخلاف الضعيف الذي ليس له حظٌّ من النظر والاعتبار، ويخالف ظاهر النصوص ومقتضى القياس الصحيح، ولا يعرف له مستند صحيح من كتاب أو سنة، فمثل هذا لا عبرة به ولا ترد عليه هذه القاعدة، بل يجب الإنكار عليه والرد على صاحبه.
ولو أخذنا بهذه القاعدة على العموم لأفضى ذلك إلى سقوط شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما أكثر المسائل التي وقع فيها الخلاف، ولكن العبرة بما وافق الكتاب والسنة.
وأحيلك -للاستزادة في هذا الموضوع- إلى مليء، ومن أحال على مليء فقد أتبع ... إلى كتاب (إعلام الموقعين) لابن القيم (3/332) .
أعاننا الله وإياك على لزوم جادة التقوى، والعمل على ما يحب ويرضى، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(12/473)
مناصحة النساء المتبرجات
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 14/10/1423هـ
السؤال
جارتي تخرج من بيتها كاشفة وجهها وجزءاً من شعرها، فما الأسلوب الذي أتبعه معها لنصحها؟ مع توضيح الأدلة الشرعية التي أستند إليها.
الجواب
لا يجوز للمرأة أن تبدي شيئاً من بدنها ولا من شعرها للرجال الأجانب، والواجب عليها أن تغطي جميع بدنها؛ لقوله -تعالى-: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... " الآية [النور:31] .
فالزينة التي يجوز للمرأة أن تبديها هي التي تعجز عن سترها كالطول والبدانة مع لبسها للملابس الواسعة الساترة غير الشفافة، ولهذا قال: "وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن" [النور:31] ، للآباء والأزواج والإخوة والأبناء ونحوهم من المحارم، وعائشة -رضي الله عنها- تقول واصفة الموقف في حجة الوداع: "كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من فوق رأسها، فإذا جاوزونا كشفناه" رواه أبو داود (1833) ، أحمد (24021) ، وهي أم المؤمنين، وأنصح هذه السائلة أن تقرأ رسالة في الحجاب لفضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-، وكذلك رسالة الشيخ/ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- وغيرهما مما كتب في هذا المجال، وعليها أن تتبع مع صاحبتها وصديقتها وجارتها النصح وأن تظهر لها أنها تريد لها الخير، وتبين لها الحكم الشرعي بدليله، وتخوفها من هذا؛ لأن الله -تعالى- يقول: "وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن" [الأحزاب: 53] فالمرأة إذا أبدت شيئاً من محاسنها تكون عرضة لما لا تحمد عقباه، والله تعالى أعلم.(12/474)
يأمر غيره بما لا يفعل
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 19/5/1424هـ
السؤال
أنصح أحياناً إخواني بأشياء لا أفعلها، ولكن ليس بقصد التفاخر أو الرياء، ولكن يحدث هذا رغماً عني، فشهوتي كثيراً تغلبني فأفعل ذنباً، نصحت غيري بتركه، ويحدث هذا الأمر كثيراً حتى إني أشعر بالنفاق، فما رأيكم؟
الجواب
السلام عليكم، وبعد:
النصح للمسلمين واجب وهو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد ثبت في الصحيح أن جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - قال:"بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة، فلقنني: فيما استطعت والنصح لكل مسلم" البخاري (7204) ، ومسلم (56) ، ولا شك أن الواجب على الناصح أن يكون عاملاً بما ينصح به غيره من فعل الخير أو ترك الشر والمعصية، وقد جاءت نصوص كثيرة تحذر من عاقبة مخالفة الآمر لما يأمر به أو ينهى عنه.
وجاءت أخبار تنبئ بشدة العقاب في ذلك، ولكن هذا لا يعني أن يترك الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر لمخالفة العبد لما يأمر به أو ينهى عنه، ولو فعل الناس ذلك لما وعظ الناس أحد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والواجب على العبد أن يجاهد نفسه في العمل بما يدعو إليه، وإن خانته نفسه فلا يجوز له أن يترك الدعوة والنصح، بل الواجب أن يستمر ولو قصر هو من جهته، لأنه لو ترك الدعوة والنصح لتقصيره ارتكب ذنبين، الأول وقوعه في الذنب الذي يريد أن ينهى عنه مثلاً، والثاني تركه للنصح والدعوة.
فيا أخي بارك الله فيك اجتهد في معالجة تقصيرك، وأكثر الاستعانة بالله على نفسك واصحب الأخيار والدعاة الجادين منهم على وجه الخصوص، وإياك أن تترك النصح للسبب المذكور، بل استمر واجعله حجة عليك لتكون أكثر حرصاً على تطبيق ما تدعو إليه، ونرجو الله لك التوفيق والسداد. والسلام عليكم.(12/475)
مجالسة المقيم على المعصية
المجيب د. خالد بن سعود الحليبي
وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالأحساء
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 15/9/1424هـ
السؤال
أنا موظفة في أحد القطاعات الحكومية وبعض زميلاتي التي أجالسهن عندهن بعض المعاصي الكبيرة مثل نمص الحواجب والتهاون في الصلاة ولبس الملابس الغير محتشمة وقد قمت بمناصحتهن على إستحياء ولم يكن له أي تأثير يذكر عليهن هذا وهن يعلمن حرمة ما يفعلنه هل علي أثم بمجالستهن والأكل معهن وماذا أفعل هل أنا ممن قال الله تعالى فيهم "كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ"
الجواب
الحمد لله، وبعد: إن كنت تعلمين أنك إذا بقيت معهن - خلال العمل فقط - سوف يكون لك تأثير عليهن، بالنصيحة وإهداء الأشرطة النافعة والكتب الموجهة للدعوة، فاستمري على حذر شديد من أن يؤثرن عليك، فليس هناك أحد معصوم من الفتنة من الأحياء وإن كنت تعلمين ألا سبيل إلى ذلك؛ لمانع الحياء الذي تذكرين، أو غيره، فإنه لا يجوز أن يجالس الإنسان أهل المنكر بعد أن يأمرهم وينهاههم، ثم لا يأتمرون ولا يتناهون، فإن جلوسك معهم ربما فهموا منه إقراراك له وربما ضعف تأثيرك عليهم لكونهم يرون أنهم استمروا في معاصيهم، ومع ذلك فلم يغير ذلك من الأمر شيء تجاه صداقتهم معك احرصي على أن تشعريهم أن عدم مجالستك لهم لاستمرارهم على المنكر وحسب، وإلا فإنك لا تكرهينهن لأشخاصهن، وإنما لعملهن فقط.. وأظهري لهن حب الخير لهن، وحرصك عليهن بل صارحيهن بأنك تتألمين كثيراً حين ترينهن على هذه الحال، وأكثري لهن من الدعاء لعل الله أن يكتب هدايتهن على يديك، وفقك الله وسددك وثبتنا وإياك على هداه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله.(12/476)
صداقة المسلم للنصراني
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 30/07/1426هـ
السؤال
ما رأي الشرع في صداقة المسلم للنصراني؟ مع العلم أنها من غير موالاة وليست في معصية الله. كما أني دائمة الحديث عن الإسلام، فتتجاوب وتتأثر صديقتي النصرانية، لكن لا أعتقد أن إسلامها سيكون سهلاً، والله وحده أعلم.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
لا بأس بذلك إن شاء الله، فالله -سبحانه وتعالى- يقول: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) [الممتحنة:8] ، وهذه الآية -كما صححه جمهور العلماء- آية محكمة غير منسوخة، وبالتالي فإن من البر تقديم البر والقسط والإقساط، كل هذا يدل على أنه تجوز الصداقة إذا لم تكن هذه الصداقة في العقيدة، بمعنى أن الإنسان يحبهم من أجل عقيدتهم. أما المعاشرة في الدنيا فالله -سبحانه وتعالى- يقول في بر الوالدين الكافرين: (وصاحبهما في الدنيا معروفا) [لقمان:15] . وفي الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأسماء لما قدمت عليها أمها وهي كافرة، قال لها: "صلي أمك". أخرجه البخاري (2620) ، ومسلم (1003) .
فالعلاقة والصداقة إذا لم تكن من باب العقيدة فإنها ليست من الموالاة التي نهى الله -سبحانه وتعالى- عنها، فالأمر -إن شاء الله- لا بأس به على أن تنوي خيراً، وتحاولي أن تهديها وتساعدهيا على الهداية بالقدوة الحسنة وبالخلق، وذلك -إن شاء الله- من باب الدعوة إلى الإسلام، والله أعلم.(12/477)
ضوابط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
المجيب د. علي بن عمر با دحدح
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 29/10/1424هـ
السؤال
ماذا يمكن للمسلم الغيور على دينه أن يفعل وهو يرى إخوانه يأكلهم الانحراف بمختلف أنواعه، في زمن أصبح فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جريمة تعاقب عليها القوانين، وجزاكم الله خيراً والسلام.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة في الإسلام، بل هي الشعيرة المميزة للأمة المسلمة، كما قال الله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" [آل عمران:110] ، وهي الشعيرة الفارقة بين المؤمنين والمنافقين "المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف" [التوبة:67] وقال:"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" [التوبة:71] وهي شعيرة معدودة في أسباب النجاة من العذاب " فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون" [الأعراف:165] ، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بالأثر الخطير لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: "لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لكم" الترمذي (2169) وأبو داود (4336) وضعفه الألباني، كما أنه أوضح أن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنهم تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال:" فكان أحدهم يرى صاحبه على المنكر فيقول: يا هذا إنه لا يحل لك، ثم لا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم لعنهم، وتلا قول الله عز وجل "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون" الترمذي (3048) وأبو داود (4336) وابن ماجة (4006) وضعفه الألباني.
ومع هذه الأهمية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثره في الأمة فلابد من معرفة جملة من الأمور المهمة.
شروط إنكار المنكر:
وضع الفقهاء عدة شروط لإنكار المنكر متى تم استيفاؤها لزم الإنكار أو التغيير، وأهم هذه الشروط خمسة:
(1) وجود منكر.
(2) أن يكون المنكر موجوداً في الحال.
(3) أن يكون المنكر ظاهراً دون تجسس
(4) أن يكون المنكر معلوماً بغير اجتهاد.
(5) أن يدفع المنكر بأيسر ما يندفع به.
الشرط الأول: وجود منكر:
ونعني به كل معصية حرمتها أو كرهتها الشريعة:
الشرط الثاني: أن يكون المنكر موجوداً في الحال:(12/478)
والمعنى أن يكون مقارف المنكر مباشراً له في الحال أي وقت النهي أو التغيير، فليس هناك نهي على من باشر المنكر وانتهى منه، فذلك أمره إلى السلطات العامة لتوقيع العقاب عليه، وأيضاً ليس هناك نهي على المنكرات المستقبلية، كأن يعرف الناهي بقرينة الحال أن الشخص قد عزم على الشراب في ليلة فليس له إلا وعظه، وإن أنكر عزمه على ذلك لم يجز وعظه؛ لأن في ذلك إساءة ظن بالمسلم.
الشرط الثالث: أن يكون المنكر ظاهراً دون تجسس:
أن يكون المنكر ظاهراً بغير تجسس أو تفتيش، فإذا توقف إظهار المنكر على إيهام لم يجز الإنكار لتحريم التجسس كتاباً وسنة، فالله يقول: "ولا تجسسوا ... " [الحجرات:12] وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية: "إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم" أبو داود (4888) وأحمد (1081) وصححه الألباني، وقوله - صلى الله عليه وسلم -:" يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته" الترمذي (2032) وأبو داود (4880) وقال الألباني: حسن صحيح، ولكن ذلك مقيد بعدم ظهور آثار لذلك المنكر.
الشرط الرابع: أن يكون المنكر معلوماً بغير اجتهاد:
فكل أمر محل اجتهاد لا نهي فيه، وليس للمجتهد أن يتعرض بالردع والزجر على مجتهد آخر في موضع الخلاف.
الشرط الخامس: أن يدفع المنكر بأيسر ما يندفع به:
ويشترط في دفع المنكر أن يدفع بما دفعه وبأيسر ما يدفعه، فلا يجوز أن يدفع المنكر بأقل مما يدفعه ما دام الدافع قادراً على دفعه بالأكثر، ولا يجوز أن يدفع بأكثر مما يدفعه لأن ما زاد على الحاجة يعتبر جريمة، ولكن يجوز دفع المنكر بأقل مما يدفعه في حال عدم القدرة كالدفع بالقلب لمن لا يستطيع الإنكار باليد أو اللسان ... ، وإذا كان المقصود بالأمر بالمعروف إيقاع المعروف والنهي عن المنكر فإذا ارتفع الغرض بالأمر السهل لم يجز العدول عنه إلى الأمر الصعب، وهذا مما يعلم عقلاً وشرعاً.
شروط القائم بالأمر والنهي:
(1) الإسلام. (2) التكليف. (3) العلم. (4) القدرة.
الشرط الأول: الإسلام
وليس على غير المسلم التزام بمثل هذا الواجب؛ لأن معنى إلزامه به هو إلزام بالدعوة إلى غير ما يعتقده ويؤمن به، وذلك يدخل في باب الإكراه المنهي عنه في الإسلام في قوله تعالى "لا إكراه في الدين" [البقرة:256] فضلاً عن أن ذلك معارض من وجهين:1- أن الاحتساب واجب ديني، وثانيهما أنه سلطة وولاية، وليس لغير المسلم ولاية على المسلم.
الشرط الثاني: التكليف:
ويشترط في من يمارس الرقابة أن يكون مكلفاً أي بالغاً عاقلاً لا يحول دون تكليفه حائل، وهذا الشرط شرط للوجوب وليس شرطاً للأداء، أي أن الرقابة باعتبارها واجباً لا يثبت إلا في حق المكلف فقط ويسأل عن تركها، بعكس غير المكلف الذي لا يلزم بأدائها ولا يسأل عن تركها.(12/479)
الشرط الثالث: العلم: ولا يكون العمل صالحاً إن لم يكن بعلم وفقه، كما قال عمر بن عبد العزيز: من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح، ولابد أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عالماً بحكم الشرع فيما يأمر به وينهى عنه.. فإن الحسن ما حسَّنه الشرع والقبيح ما قبحه.
الشرط الرابع:
القدرة: ولها أربع أحوال:
الحالة الأولى: أن يعلم أنه لا ينفع كلامه ويضر به إذا تكلم، فلا تجب عليه الحسبة، بل ربما تحرم في بعض المواضع، ولكن يلزمه عدم حضور مواضع المنكر والاعتزال في بيته، وعدم الخروج إلا لحاجة ملحة أو واجب، وعليه الهجرة إذا أرهق على الفساد وكان قادراً عليها.
الحالة الثانية: يعلم بأن المنكر يزول بقوله وفعله ولا يسبب له مكروهاً، فيجب الإنكار وهذه هي القدرة المطلقة.
الحالة الثالثة: أن يعلم أنه لا يفيد إنكاره لكنه لا يخاف مكروهاً، فلا تجب عليه الحسبة لعدم فائدتها، ولكن تستحب، لإظهار شعائر الإسلام وتذكير الناس بأمر الدين.
الحالة الرابعة: وهو أنه يعلم أنه سيصاب بمكروه ولكن يبطل المنكر بفعله، كأن يريق الخمر من يد الفاسق ولكن يعلم أنه يرجع إليه فيضرب رأسه، فهذا ليس بواجب وليس بحرام بل هو مستحب.
وقد قال الحسن البصري رحمه الله: (إنما يكلم مؤمن يرجى أو جاهل يعلم فأما من وضع سيفه أو سوطه فقال: اتقني اتقني فما لك وله؟) وقد روى ابن لهيعة عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: يا رسول الله وما إذلاله لنفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يقوم به" الترمذي (2254) وابن ماجة (4016) وحسنه الألباني.
قال ابن حجر: (وقال: بعضهم: يجب إنكار المنكر شريطة ألا يلحق بالمنكر بلاء لا قبل له به من قتل ونحوه) .
وقال آخرون: ينكر بقلبه لحديث أم سلمة -رضي الله عنها- مرفوعاً: "يستعمل أمراء بعدي فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع" مسلم (1854) .
وقال: والصواب اعتبار الشرط المذكور ويدل عليه حديث: "لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه" (سبق تخريجه) : ثم فسره بأن يتعرض من البلاء لما لا يطيق، وقال غير الطبري: (يجب الأمر بالمعروف لمن قدر عليه ولم يخف على نفسه ضرراً) .
معيار الموازنة عند كل من ابن قيم الجوزية وابن تيمية:
أ. عند ابن قيم الجوزية: يرى أن الموازنة بين إنكار المنكر ونتيجته تتمثل في أربع حالات.
1. أن يزول المنكر ويخلفه ضده.
2. أن يقل المنكر وإن لم يزل بجملته.
3. أن يخلف المنكر ما هو مثله.
4. أن يخلف المنكر ما هو شر منه.
فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة.
حدود القدرة والاستطاعة:(12/480)
إن أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أوضحت لنا - بلا أدنى شك - حدود الاستطاعة البشرية في الإنكار ... والعبرة هو حديث مسلم (49) الذي رواه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان وفي رواية "وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"، ويكتمل المعنى في هذا الحديث بحديثين آخرين يوضحان حد القدرة التي يقف عندها كل مسلم في إنكاره ... وأولهما قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:"ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم" البخاري (7288) ومسلم (1337) وثانيهما: هو قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:"لا يحل لمؤمن أن يذل نفسه" قالوا: يا رسول الله وما إذلاله لنفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يقوم به؟ (سبق تخريجه) .
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
أ. الإنكار القلبي (المقاومة السلمية) :
قال تعالى: " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار، وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون" [هود:113] .
ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - "سيكون أمراء تعرفون وتنكرون، فمن نابذهم نجا، ومن اعتزلهم سلم، ومن خالطهم هلك" (سبق تخريجه) .
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب بن عجرة: "أعاذك الله يا كعب بن عجرة من إمارة السفهاء"، قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: "أمراء يكونون بعدي، لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردوا علي حوضي" أحمد (14441) والترمذي (614) وإسناده قوي.
ب. الإنكار القولي:
وللإنكار القولي درجات ومراحل منها:
1. التعريف: فقد يقدم المكلف على اقتراف المنكر جهلاً منه بكونه منكراً، حتى إذا وجد من يرده إلى طريق الحق اهتدى، فيلزم التعريف أولاً بأسلوب هادئ رقيق، وينبه الإمام الغزالي إلى آفة خطيرة، وهي أن يدل العالم على مقترف المنكر بعلمه، فيكون هدفه إثبات تفوقه عليه، فإن كان الباعث هذا فهذا منكر أقبح في نفسه من المنكر الذي يعترض عليه.
2. النهي بالوعظ، والنصح والتخويف بالله تعالى، ويكون فيمن يقدم على الأمر وهو عالم بكونه منكراً، أو فيمن أصر عليه بعد أن عرف كونه منكراً، ويباشر المحتسب النصح في هذا المقام من غير عنف ولا غضب.
3. السب والتعنيف بالقول الخشن: ويكون ذلك عند العجز عن منعه باللطف، وظهور مبادئ الإصرار والاستهزاء بالوعظ والنصح، وليس المقصود بالسب أن يرميه بهجر القول والفاحشة، بل يقتصر على السب الخفيف الذي يصدق على واقع الحال، كأن يقول له: يا من لا يتقي الله، يا فاسق يا جاهل ... إلخ، وهنا ينبغي مراعاة ما يلي:
أ. أن لا يقدم على التعنيف إلا عند الضورة والعجز بالطريقة الأولى.
ب. أن لا ينطق إلا بصدق، ولا يسرف في الكلام، بل يقتصر على قدر الحاجة.
4. التهديد والتخويف: وشرط ذلك أن لا يهدده بوعيد لا يجوز له تحقيقه، كقوله: لأنهبن دارك، أو لأسبين زوجتك، وما يجري مجراه فهذا حرام إن قصد فعله، وكذب إن لم يقصد إليه.
ج. الإنكار الفعلي: وهو نوعان:(12/481)
(أ) الإنكار باليد فيما دون استخدام السلاح (ب) الإنكار باليد بالخروج والسلاح.
وأقول للسائل وغيره وأمثاله إن الأمر والنهي دين وشرع وليس مشاعر خاصة ولا حماسة طارئة ولا رد فعل عارض، فلابد من الانضباط الشرعي، ومراعاة المصالح والمفاسد على أساس شرعي، مع اليقين التام والتسليم الكامل بأن ما في الشرع هو المحقق للمصالح الدنيوية والأخروية، وهو الأجدى، والأنفع للفرد والمجتمع، وألخص وصيتي في هذه النقاط:
أ. الإنكار القلبي إنكار تغييري بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"فليغيره" ثم ذكر وسائل التغيير "بقلبه" وفيه فوائد:
* إبقاء جذوة الإيمان متقدة.
* التفريق بين المؤمن والمنافق فكلاهما لم يغير باليد، لكن الأول كاره والثاني راض.
المحاصرة النفسية والعملية لفاعل المنكر؛ حتى لا يجد من يعينه أو يهون عليه المنكر، بل يرى نفسه مهجوراً مذموماً.
ب. الإنكار القولي: وهو جهاد الدعوة ومداه واسع وأثره كبير وفوائده عديدة ووسائله متنوعة والتقصير فيه كبير، ويمكن أن يكون تأثيره كبيراً في تغيير كثير من المنكرات.
ج. الإنكار باليد يمكن ممارسته في دائرة الولاية داخل الأسرة أو داخل العمل الذي يملكه الإنسان ويتصرف فيه، ولكن لابد من مراعاة المراتب والتدرج وكذلك الأسلوب.
أما الإنكار العام فإن كان يؤدي إلى منكرات أكبر أو اضطراب في الأحوال وخلل في الأوضاع وحتى ضرر مؤكد أو غالب على الإنسان فتركه صحيح، وأما الخروج فضرره أكبر وخطره أعظم في الجملة، والبعد عنه والتحذير منه مهم لدفع مفاسده، والله أعلم.(12/482)
الانكار في مسائل الخلاف
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 06/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أرجو الإجابة عن سؤال كثر حوله الجدل وهو: هل الخلاف الفقهي في الفروع يجوز فيه النكير على المخالف وتبديعه وتجريحه؟ أرجو الإجابة مع نقل أقوال أهل السنة في ذلك. والسلام عليكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الإنكار على المخالف في المسائل الشرعية يختلف باختلاف المسائل المُختلف فيها، فإذا كانت المسألة من المسائل المجمع عليها فإن الخلاف فيها لا يجوز؛ لأن الإجماع يجب العمل به والمصير إلى حكمه ولا تجوز مخالفته، بل وذهب بعض أهل العلم إلى تكفير من أنكر حكم الإجماع، كما نقله الزركشي (البحر المحيط6/496) ، وحينئذٍ يكون الإنكار على من خالف حكم الإجماع واجبًا؛ لأن الخلاف فيه لا يسوغ. أما إذا كانت المسألة من المسائل المُختلف فيها بين أهل العلم فإنه لا يُنكر فيها على المخالف؛ لأن الخلاف في هذه المسائل سائغٌ، وسبب كون الخلاف في مسائل الخلاف سائغًا لأن هذه المسائل تكثُر فيها الأدلة وتتعارض أحكامها، وكل فريق من المتخالفين يأخذ بالدليل الأقوى في نظره، وهمهم جميعًا العمل بما دلت عليه الأدلة الشرعية، وإذا كان الحال ما ذُكِرَ فإن من قال بأيٍّ من القولين لم يفعل ما يوجب الإنكار عليه، بل فعل الواجب عليه، وقد شملت القواعد الفقهية هذا الحكم، قال السيوطي: (لا يُنكر المختلف فيه إنما يُنكر المجمع عليه) (الأشباه والنظائر158) . وعمومًا فإن الواجب على المسلم إذا كان عنده علمٌ أن يُنكر على من خالف المسائل المجمع عليها، ويبين له أن الإجماع قد انعقد على حكمها، كما لو قال أحدٌ بعدم وجوب الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج، أو قال بجواز الرِّبا أو الزِّنا أو شرب الخمر، فيجب الإنكار عليه؛ لأن أهل العلم قاطبةً مجمعون على أحكام هذه المسائل.
أما من قال بقولٍ في مسألة خلافية فالواجب مناقشة صاحب هذا القول وبيان الأدلة الدالة على خلاف قوله، فإذا بُينت له الأدلة وكان باحثًا عن الحق فالغالب أنه يرجع إلى مقتضى هذه الأدلة، وذلك كمسألة حلق اللحية، فإذا قال قائل بجواز حلق اللحية فالواجب بيان الأدلة التي يأمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم; بإعفاء اللحية وعدم حلقها، فإذا ذُكِرَت له هذه الأدلة فالغالب رجوعه إلى الحق؛ لصراحة هذه الأدلة ووضوحها ولعدم وجود أدلة تبيح حلق اللحية، ويمكن أن يُقال إن الإنكار مشروعٌ على المخالف في مثل هذه المسألة لصراحة الأدلة فيها ووضوحها.(12/483)
أما إذا كانت الأدلة في المسألة متكافئة أو متعارضة فإنه لا حرج على المختلفين فيها ولا يجوز الإنكار فيها، وذلك كمسألة زكاة الحلي المعد للاستخدام والزينة، فمن أوجبه استدل بعددٍ من الأدلة الدالة على الوجوب، ومن لم يوجبه استدل بعددٍ من الأدلة الدالة على عدم الوجوب، ولأجل هذا فإن الإنكار على المخالف في مثل هذه المسائل لا يُشرع أبدًا؛ لأن الأدلة فيها متكافئة ومتعارضة في نظرنا.
وعلى كلٍّ فإن الواجب على طلبة العلم عمومًا أن يكون هدفهم البحث عن الحق والوصول إليه، وإذا حصل بينهم خلافٌ في شيءٍ من ذلك وكان الخلاف سائغًا يقوم كلٌّ منهم بواجب الأخوة وهو النصح والإرشاد والبيان، ولا يكون هدفه في ذلك الانتصار لنفسه أو لمنهجه أو لمذهبه وما إلى ذلك، وليكن ذلك بلينٍ ورفقٍ؛ فإنه أقرب إلى بيان الحق وقبوله.
أما ما يتعلق بالتبديع والتجريم فهو بابٌ عظيمٌ، والأصل في المسلم البعد عن مثل هذه الأبواب؛ لخطورتها وشدة أثرها على المسلمين عمومًا، إلا إذا اقترف أحدٌ ما يوجب تبديعه وتفسيقه كأن يُنكر شيئًا من الأدلة أو يخالف حكمًا انعقد الإجماع عليه، وليكن الحكم بالتبديع والتجريم لأهل العلم الراسخين دون غيرهم من عامة الناس.
على أنه ينبغي التنبيه إلى أن الذي لا يُنكر عليه في المسائل الخلافية هو العالم الذي يعرف الأحكام وله أهلية النظر في الأدلة، أما العامي إذا تكلم في الأحكام الشرعية المختلف فيها فإنه يُنكر عليه على كل حال، لا لأنه خالف في هذه المسألة، ولكن لأنه تكلم فيما ليس له به علمٌ، ولذلك قال أهل العلم إن فرض العامي سؤال أهل العلم؛ تحقيقًا لقوله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل:43] . والله الموفق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(12/484)
حضور حفل زفاف به منكر
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 28/05/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم حضور حفل زواج أحد الأقارب الذي فيه منكر؟ مع العلم أنه باستطاعتي أن أحضر الحفل وأكون بعيداً (معزولاً) عن المنكر، بحيث لا أسمع المنكر، ولا أراه.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حضور الحفل الذي فيه منكر ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: منكر يستطيع الإنسان أن ينكره، فهذا يجب عليه أن يحضر لأمرين:
الأمر الأول: لإجابة الدعوة.
الأمر الثاني: لإنكار المنكر.
القسم الثاني: ألا يتمكن وألا يستطيع إنكار المنكر، لا بيده، ولا بلسانه، ولا بقلبه، أي: بمفارقة المنكر، فهذا لا يجوز له أن يحضر، اللهم إلا إذا كان قريباً يخشى من قطيعة الرحم فإنه يحضر، ثم بعد ذلك يخرج ردعاً وتعزيراً لهم وتأديباً لهم على منكرهم. والله أعلم.(12/485)
مصافحة المرأة في بلاد الغرب
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 16/7/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
المعمول به في طريقة التعامل في الغرب أن الناس يتصافحون عندما يتقابلون رجالاً ونساءً، ونحن نعلم أن هذا غير جائز في الإسلام، فما هي أفضل طريقة لتبيين ذلك للآخرين؟ كيف نبين أنه لا يجوز مصافحة المرأة؟ وقد يكون هذا أول لقاء لها مع المسلمين، ونريد أن نقدم انطباعاً حسناً عنا دون مخالفة ديننا.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإنه لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقاً؛ لما في ذلك من خطر الفتنة على الرجل والمرأة، وقد صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إني لا أصافح النساء"، وقالت عائشة - رضي الله عنها -: "والله ما مسَّت يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يد امرأة قط، غير أنه بايعهن بالكلام" رواه البخاري (5288) ، ومسلم (1866) ، وإذا كان رسول -صلى الله عليه وسلم- قد امتنع عن هذا العمل، وهو أطهر الخلق وأتقاهم وأخشاهم، فكيف بنا نحن المقصرين المذنبين.
وإذا تعرض المسلم لمثل هذا الأمر فإن الواجب عليه الامتناع من المصافحة، كما ينبغي عليه ألا يشعر بالحرج والضيق في عدم المصافحة إذا مدّت إليه امرأة أجنبية يدها لمصافحته، أو المدرّسة أو الطّالبة التي معه في الدراسة أو الموظّفة معه في العمل أو في الاجتماعات والمنتديات العامة أو في اللقاءات التجارية وما إلى ذلك، وليس في هذا عذر مقبول لمخالفة ما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والواجب على المسلم أن يتغلّب على نفسه وشيطانه، وأن يكون قوياً في دينه، ولا يستحي مما شرعه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، والله لا يستحيي من الحقّ. ويمكن للمسلم أن يعتذر بلباقة، وأن يبيّن السّبب في عدم المصافحة، وأنّه لا يقصد الإهانة ولا الاحتقار، وإنما هو ينفذ أحكام دينه، وهذا سيُكسبه - في الغالب - احترام الآخرين، ولا بأس من استغرابهم في البداية، ومما يساعد على تفادي مثل هذه المواقف المحرجة أن يتجنب الإنسان الاجتماعات التي يحصل فيها مثل هذا الاختلاط، وأن يخبر الناس عموماً بأن دينه يمنع من مثل هذه العادات، أو يخبر تلك المرأة الأجنبية بهذا الأمر بأسلوب حسن؛ لئلا يتعرَّض لمثل هذا مستقبلاً، وأسأل الله لكم الإعانة والتوفيق والسداد. والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(12/486)
واقع الأمة يؤرقني فما العمل؟
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ الصحوة الإسلامية /المستقبل والمبشرات
التاريخ 15/7/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد سئمت الحياة، خاصة بعد أن تظاهر اليهود والنصارى على قتل كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولعل ما يحدث في العراق وفلسطين خير دليل، فلقد سئمنا الشجب والاستنكار والوقوف مكتوفي الأيدي، ما أريده هو هل من طريق إلى تلك البلاد؛ لأني أخشى الذهاب والوقوع في أيدٍ غير أمينة؟ فهل من سبيل، والدال على الخير له أجر فاعله، أم ماذا نفعل؟ ولكم منا جزيل الشكر والامتنان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
نعم، إن الأمة الإسلامية تعيش اليوم في حال من الفرقة والذل والهوان والضيق لا تحسد عليها، لكن مع ذلك لا يجوز اليأس ولا فقدان الأمل؛ فإن الله وعد بأن لا يهلك الأمة بعامة، وألا يستأصل العدو وجودها، وأن الإسلام سيبقى ظاهراً بطائفة السنة والجماعة، "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ... " الحديث رواه مسلم (1920) عن ثوبان -رضي الله عنه-، وقد واجه المسلمون منذ بدايات عهد النبوة وفي بعض فترات التاريخ كما في عهد صلاح الدين، وعهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وابن تيمية ما هو قريب مما نواجه اليوم، فكلما اشتد الخطب قرب الفرج - بإذن الله تعالى-، لكن لا بد من ترسم خطى النبي -صلى الله عليه وسلم- والدعاة المصلحين في الخروج من المحنة، فأول خطوة يجب أن نسعى فيها إلى تحقيق العزة والنصر تحقيق تقوى الله؛ قال تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" [الطلاق: 2] ، "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" [الطلاق: 3] ،وقوله تعالى: "ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا"، وتتحقق تقوى الله بفعل أسبابها، ومنها:
1- الاستمساك بالسنة والاجتماع عليها، وترك البدع والمحدثات والفرقة والأهواء؛ لأنها أول سبب للفشل؛ قال تعالى: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" [الأنفال: 46] ، قوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا".
2- إقامة الفرائض والواجبات وترك الآثام والمعاصي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والرفق.
3- التفقه في دين الله "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" رواه البخاري (71) ، ومسلم (1037) من حديث معاوية -رضي الله عنه- والنفقة على الدين يكون على نهج السلف الصالح.
4- الالتفاف حول العلماء الراسخين الربانيين، ولا يمكن أن يخلو منهم الزمان فهم ورثة الأنبياء.
5- أن يبدأ الفرد بإصلاح نفسه ثم من حوله.
6- التواصي بالحق والتواصي بالصبر.
7- التأني والتشاور والبعد عن الانفعالات والتسرع والحدة والغلو؛ فإنها مهلكة وشتات وضيعة.(12/487)
8- أخذ أصول الإصلاح بالتدرج والأناة والصبر والحلم والمداراة والتسديد والمقاربة "سددوا وقاربوا" رواه البخاري (6464) ، ومسلم (2818) من حديث عائشة-رضي الله عنها-، فإن العدو مستفيد ويقوى بالتصرفات المتسرعة والعنف وتزيد الأمة وهناً بالعنف وضعفاً، واعلم "أن الرفق لا يكون في شيء" إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم (2594) من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
9- الحذر من كل ما يؤدي إلى الفرقة، أو يخل بالأمن بين المسلمين فإن ذلك لا يزيد الأمة إلا شتاتاً ووهناً وفوضى يفقد الناس بها دينهم ودنياهم.
والله ناصر دينه بحوله وقوته، لكن بالعلم والفقه والصبر والجماعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.(12/488)
التشهير بالعلماء
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ الصحوة الإسلامية /المعوقات والأخطار
التاريخ 08/10/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم.
إلى المشايخ العلماء: لقد كثرت فتنة التشهير بين الشباب، فما من عالم أو طالب علم إلا انتقصوه وتكلموا فيه، ثم هم يدعون السلفية, كيف التعامل مع هؤلاء الأدعياء الذين تلبسوا بمرط من السلفية ينسبونه ظلمًا وعدوانًا لها؟ ثم هل هناك تعريف شامل لمعنى السلفية؟ وما رأيكم في منهج الموازنات؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السؤال يشتمل على عدة شعب أو فروع، وقد يكون من المناسب أن نتكلم عن كل واحدة منها:
الشعبة الأولى: هي تشهير الشباب بالعلماء، وهذا كما هو معروف لا يجوز، والعلماء من المؤمنين والعلماء العاملون هم قمة المؤمنين، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا
بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [الأحزاب:58] . فهم مؤمنون لا يجوز إيذاؤهم، ولا يجوز قذفهم، وهو من باب البهتان والإثم العظيم، والإثم المبين، فهذا التشهير في غير محله، وبخاصة إذا كان صادرًا عن صغار السن، قليلي العلم، ضعيفي المعرفة، فحري بهؤلاء ألا يشهروا بالعلماء، وأن يتبعوا العلماء في أقوالهم وأفعالهم؛ حتى يصلوا إلى درجة من العلم والتبصر تسمح لهم بتمييز الطيب من الخبيث، والغث من السمين، والصحيح من السقيم، والتعامل مع هؤلاء هو تبصيرهم، وأن نطلب منهم أن يدرسوا الفقه، أن يتعلموا، أن يتفقهوا؛ لأن الإنسان إذا لم يتفقه فهو أعمى يخبط خبط عشواء، ويخبط في ليلة ظلماء، فالذي أوصي به جميع إخواننا وشبابنا أن يتعلموا؛ لأن العلم لا بديل عنه، فإنك إذا تعلمت عرفت الحق، وكما قال أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه: (اعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال) . حينما قال له رجل: أتظن أن طلحة والزبير، رضي الله عنهما، كانا على باطل؟ قال له: (إنك رجل ملبوس عليك) . فهذا سببه هو الجهل، فعلى الإنسان أن يتعلم الكتاب والسنة، واختلاف العلماء وأقوالهم، ومواضع الخلاف ومواضع الإجماع، وحينئذ سيكون متبصرًا، وبالتالي يستطيع أن يعرف صدق القائل أو كذبه، أو أن كل الأقوال هي أقوال مقبولة، وكثير من الأقوال في الشريعة، وكثير من الاختلاف بين العلماء هو اختلاف حميد كما يقول الشيخ العلامة ابن القيم- رحمه الله تعالى، فالاختلاف سنة من سنن الحياة، يعني لابد أن نوسع صدورهم للاختلاف، ولابد أن نعلمهم الفقه، أن يتفقهوا، فإذا عرفوا الفقه وعرفوا اختلاف العلماء ومواضع الاختلاف ومواضع الإجماع، وأسباب اختلاف العلماء فعسى أن يكونوا على بصيرة، وأن يعالج جهلهم وغلوهم، وتنطعهم في بعض الأحيان.(12/489)
الشعبة الثانية: وهي ما يتعلق بالسلفية، السلفية هي نسبة إلى السلف، وطبعًا لا يوجد تعريف على الأقل بالنسبة لي كامل شامل متفق عليه، ومجمع عليه، بل يمكن أن نقول: إن السلفية توجه فكري، أو مدرسة فكرية عقدية، ترى الالتزام بما كان عليه السلف من عدم التأويل في الصفات، والوقوف مع نصوص القرآن والسنة، مع الاحتراز والابتعاد من البدع، هذه تقريبًا الخطوط العريضة للسلفية دون دخول في تفاصيل قد تؤدي إلى شيء من الأمور المختلف فيها، فالسلفي يتميز بالابتعاد من البدعة، طبعًا بعدم القول بانقسام البدعة إلى حسنة وقبيحة، بل يستقبح كل البدع، وتقول بعدم التأويل فيما ورد في القرآن والسنة من الصفات، طبعًا في أصلها تمنع الخوض، تمرها كما هي، كما جاء عن الإمام أحمد- رحمه الله تعالى- مع تفاوت في هذه المدرسة بين من يتشدقون بالتمسك بالظواهر وبين من يكون دون ذلك، المهم هذه الخطوط العريضة في ذلك.
الشعبة الثالثة: الموازنة أصل في كتاب الله، يقول الله سبحانه وتعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) [البقرة:219] . هذا أصل في التوازن بين المصالح والمفاسد، بين الإثم والنفع، فالتوازن
أصل وبنى العلماء على قاعدة التوازن بين الشرين فيرتكب أخف الشرين، وأخف الضررين، وأخف الحرامين، وأخف المكروهين، كما يقول ابن تيمية في منهجه:
أخف المكروهين أو أخف الضرين إن لم يكن بد من الضرين قُدِّم.(12/490)
فهذه قاعدة شرعية اتفق عليها العلماء، وكذلك شرحها ابن القيم شرحًا طويلاً، وكذلك الشاطبي في الموافقات، وهي قاعدة لا يختلف العلماء في أصلها، ولو اختلفوا في تفاصيلها وفي أمثلتها، ولهذا لابد من معرفة المصالح والمفاسد، وما من مسألة، وما من قضية في هذه الدنيا، أو عمل في هذه الدنيا إلا وفيه مصلحة ومفسدة، كما يقول الشاطبي: لا توجد مصلحة عَرِيَّةٌ عن المفسدة في هذه الدنيا. يعني: المصالح العارية عن المفاسد في الحياة، في حياة الناس، ما يسمى بالعادات والمعاملات، ولا توجد مفسدة عارية عن مصلحة، ولكن العبرة بالغالب من المصلحة أو المفسدة، من الإثم أو النفع، كما جاء في الآية الكريمة، فالموازنات لها قيمتها ولا يكون الفقيه فقيهًا إلا بمعرفة أن المحرمات ليست على وزان واحد، وهي عبارة الشاطبي- يرحمه الله تعالى- والواجبات- أيضًا- ليست على وزان واحد، فقد تترك بعض الواجبات لمصلحة، وقد تترك بعض المحرمات لمصلحة أخرى، وهذا أمثلته كثيرة، عدم الخروج على ولاة الأمور حتى لو اتسموا بالجور والظلم، وهذا مذهب أهل السنة- رحمهم الله تعالى- لماذا؟ لما يؤدي إليه من المفسدة، فلا يمكن أن ننظر إلى مصلحة قد تكون المفسدة في الأمر أرجح من المصلحة، ونعتبر أن هذه المصلحة، هناك ما يسمى بالمصالح الملغاة؛ لأن المصالح إما أن تكون معتبرة وإما أن تكون ملغاة، والاعتبار في المصالح متفاوت، فهناك المناسب المعتبر بالنص، وهذا يسمى بالمناسب المؤثر، وهناك المناسب الملائم، وهناك المناسب المرسل، الذي لم يشهد له الشرع باعتبار ولا إلغاء، فهذه توازنات فيما يسمى بالمناسب، وهو يقوم على المصلحة، وهو الحكم الذي إذا رتب على الوصف نشأت عقبه مصلحة من نوع المصالح التي يهتم الشارع بجلبها، أو درئت من نوع المفاسد التي يهتم الشارع بدرئها، وهو أمر طويل في أصول الفقه، على صاحبه أن يراجع ما كتبه العلماء، وما كتبناه أيضًا في بحث عن المصلحة المرسلة. والله أعلم.(12/491)
جماعة التبليغ ما لها وما عليها
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ الحركات الإسلامية/مناهج الحركات الإسلامية
التاريخ 29/1/1425هـ
السؤال
أريد أن أعرف من فضيلتكم عن جماعة التبليغ والدعوة، حيث إنهم منتشرون بكثرة في الحي الذي أقطن فيه، وأرى أن ما يفعلونه من الخروج في سبيل الله وخلافه شيء جميل، وهل يتبعون منهج أهل السنة والجماعة؟
الجواب
جماعة التبليغ من الجماعات الإسلامية الكبيرة اليوم، ولها جهود في الدعوة واسعة وكبيرة كذلك، وذلك على مستوى العالم كله.
ولجهودها أثر طيب ومشكور في مجالات استصلاح الضالين من المسلمين، ودعوة الكفار إلى الإسلام، والدعوة إلى إصلاح القلوب والأعمال والتربية على الأخلاق الحسنة، والرفق والزهد في الدنيا.
لكنَّ عليها كثيراً من المآخذ في منهج الدعوة، وفيها بعض البدع، فمنهجها فيما يسمى بالخروج والتزام ذلك المنهج وإلزام الأتباع به لا أصل له في الدين.
والتزام ما يسمى عندهم بالأصول الستة لا أصل له في الدين، وعزوفها عن طلب العلم الشرعي وعن التفقه في الدين خلاف السنة.
كما أن الجماعة في أصولها بدع كثيرة في التصوف وفي العقيدة وغيرها، لكنها لا تدعو إلى هذه البدع، ولا تلزم عامة أتباعها بها، وهذا مما يحمد لها.
والجماعة كذلك لا تهتم بالدعوة إلى عقيدة السلف الصالح، ولا إلى تصحيح عقائد المسلمين، ولا تنكر البدع بل تسكت عليها، فهم في ذلك ليسوا على منهج السنة والجماعة.
وعلى هذا فالأولى بالمسلم أن يسلك طريق السنة الصافية، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك، ويعتصم بوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- الناصح الأمين القائل: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين"، الحديث صحيح. رواه الترمذي (2676) ، وأبو داود (4607) ، وابن ماجة (42) .(12/492)
التخصيص بالسلام
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ الحركات الإسلامية/مناهج الحركات الإسلامية
التاريخ 16/12/1423هـ
السؤال
في بلدنا جماعة من أهل السنة يلقون السلام على كل ملتزم بالسنة أما الباقي فلا يسلمون عليه فبماذا تنصحونهم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذا المنهج الذي ذكر عن البعض ناتج عن مفاهيم مغلوطة وهو مظهر من مظاهر النهج المخالف للحق في هذا الباب فتحية الإسلام حق للمسلم مع أخيه المسلم ولو لم يكن موافقاً له، أو كان عاصياً أو مبتدعاً، وما يسلكه هؤلاء الإخوة خطأ مبني على ظنهم بأن المسلم المخالف لا يصح التعامل معه أو إعطاؤه شيئاً من الحقوق الشرعية وهذا خلاف المنهج النبوي الكريم حيث حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على حسن معاملة المسلم بصفة عامة ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم (54) ، ويلاحظ في النص العموم في مخاطبة المؤمنين جميعاً بهذا الخطاب، وإثبات هذا الحق لهم جميعاً ولم يستثن عاصياً أو مبتدعاً، ثم إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - زار غلاماً يهودياً كان يخدمه، ودعاه إلى الإسلام فأسلم في قصة معروفة وردت في صحيح البخاري برقم (679) ص9 في المختصر، فأين المفر؟ وكيف بأخيك المسلم، نسأل الله أن يهدي الجميع لما يحب ويرضى.(12/493)
حزب التحرير
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ الحركات الإسلامية/مناهج الحركات الإسلامية
التاريخ 28/2/1425هـ
السؤال
لدي صديق من حزب التحرير، ما فتئ يحكي لي عن الحزب وميزاته، وأفكاره التي لا نظير لها، وأنهم الحق والباقي هم الباطل، أود أن أعرف هل لدى هذه المنظمة أو الحزب من أخطاء فادحة في العقيدة، أم أنهم بالفعل الأفضل على الإطلاق؟ أرجو الجواب الشافي، خاصة أن الوضع أصبح خطيراً، حيث إنه نشر هذا الفكر الذي طالما شككت بفاعليته ومنهجيته. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
حزب التحرير فرقة عقلانية مفارقة للسنة والجماعة، تقوم كثير من عقائدهم على أصول المعتزلة، ويركز الحزب على الجانب الثقافي والفكري أكثر من الأمور الأخرى، ويتبنى طريق الانقلابات والثورة في تحقيق قيام الدولة الإسلامية ثم الخلافة، وله فتاوى منحرفة وشاذة، مثل: إباحة النظر للصور العارية، وتقبيل المرأة الأجنبية، وإسقاط الصلاة عن رجل القضاء المسلم، وعن سكان القطبين، وتحريم كنز المال، ولو أخرجت زكاته، ونحو ذلك. وتقوم عقيدة الحزب على تقديم العقل على النص والتوسع في الرأي، وكثرة الجدل والإنهماك في السياسة، وإنكار بعض الشخصيات كالدجال وعذاب القبر تبعاً لمنهج المعتزلة العقلاني، وهذا مجمل مذهبهم وليسوا كلهم كذلك. والله أعلم.(12/494)
معيار تقييم الجماعات الإسلامية
المجيب د. سليمان بن قاسم العيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ الحركات الإسلامية/مناهج الحركات الإسلامية
التاريخ 23/7/1425هـ
السؤال
ما هو معيار تقييم الأحزاب الجماعات الدعوية الإسلامية؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإني أسأل الله - سبحانه وتعالى- لي وللسائل كل توفيق وسداد، وأقول وبالله التوفيق: الأصل في الجماعات الدعوية أنها جماعة واحدة تدعو إلى عبادة الله - سبحانه وتعالى- وحده لا شريك له، وهذا هو مسلك الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام-، فكل نبي يدعو قومه قائلاً: "اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"، وتسلك في دعوتها منهج الحكمة تحقيقاً لقوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"، ولكن بعد أن انتشر الإسلام وكثر المسلمون، وتعددت أوطانهم واختلطوا مع غيرهم، ظهرت بعض الجماعات الدعوية بأسماء مختلفة، ويعود الاسم إلى صفتها أو موطنها، أو إلى منهجها، وهذه الأسماء لا حرج فيها إذا لم تكن أسماء تدل على منهج مخالف للشريعة.
أما من حيث النظر إليها وتقويمها، فإن ذلك يقوم على كتاب الله وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم-، حيث جاءت فيهما القواعد والضوابط للدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى-، وهذه الجماعات لا تخلو في مناهجها من الصحيح الموافق للشرع، وغير الصحيح المخالف له، فما وجد في مناهجها صحيحاً قبل وأثني عليهم فيه، وما وجد غير صحيح نوصحوا فيه، وحذروا منه، وبين لهم وجه الصواب فيه.
فعلى سبيل المثال ينظر إلى أهداف تلك الجماعات، فإذا كانت الأهداف متفقة مع الدعوة إلى عبادة الله وحده، وما فيه الخير للبشرية فهذا أمر جيد، أما إذا كانت هناك دعوة إلى شركيات أو بدع، فهذا مردود عليهم أياً كانت الجماعة، ومهما كان اسمها، وكذلك ينظر في منهجها، فإذا كان منطبقاً مع الضوابط الشرعية فهو المقبول، أما إذا خالفها فهو مردود عليهم، كمن تنتهج العنف المسلح للدعوة إلى الله، أو نجد الطرف الآخر المتساهل في الدعوة إلى درجة المشاركة مع المدعوين في معاصيهم بحجة دعوتهم، وكذلك من المعايير النظر إلى رؤساء هذه الجماعات والقائمين عليها، فإذا كانوا من أهل العلم الشرعي والتقوى والصلاح فهذا أمر حسن، أما إذا كانوا من أهل البدع والخرافات والجهل بالعلم الشرعي فذلك دليل على فساد هذه الجماعات، كما ينظر أيضاً إلى دعاة هذه الجماعة، إذا كانوا يعتمدون في دعوتهم على الكتاب والسنة، ومنهج أئمة السلف الصالح- رضي الله عنهم- فهذا أمر حسن، أما إذا كانوا يجاوزون كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- إلى أقوال شيوخهم ورجالهم المخالفة لما ورد به الشرع فهم مخطئون، ودعوتهم دعوة فاسدة. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(12/495)
منهج (روجيه جارودي)
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ الحركات الإسلامية/شخصيات ومواقف من الحركات الإسلامية
التاريخ 24/3/1423
السؤال
ما رأيكم في روجيه جارودي، وما منهجه، وهل تنصحون بقراءة كتبه؟
الجواب
روجيه جارودي فيلسوف فرنسي نشأ في بيئة مسيحية، ثم تحول إلى الماركسية بل أصبح من فلاسفتها، وله كتاب (ماركسية القرن العشرين) ، و (النظرية المادية في المعرفة) ، وغيرها، ثم هداه الله إلى الإسلام ونحسبه حسن النية راغباً في الحق مجاهداً لأجل الوصول إليه، وبعد إعلان إسلامه تخصص في نقد الصهيونية، وأعد دراسة كاملة فضح بها الصهيونية سماها ملف إسرائيل، وبسبب ذلك هوجم وحوكم وحاول الصهاينة تشويه سيرته، ولكنه أصر على موقفه، وظهر في وسائل الإعلام في فرنسا فاضحاً لهم حتى اتهموه بمعاداة السامية وهي تهمة لكل من حاول فضح الصهيونية. هذا هو الوجه المشرق من جارودي.
أما الوجه الآخر فإنه لم يتفقه في الإسلام، بل ثقافته خليط من المذاهب العقلانية المفسرة للقرآن بالأهواء، والمنكرة لكثير من السنة النبوية، وخلط ذلك بفلسفات وآراء المتصوفة. كما أن له نشاطاً في الحوار بين أتباع الديانات باسم الإبراهيمية، وله مقصد حسن، فيها وعليه مؤاخذات كثيرة. ألف بعد إسلامه بعض الكتب، مثل: كتاب (ما يَعِدُ به الإسلام) ، وهو أشهر كتبه بعد ملف إسرائيل، و (الإسلام يسكن مستقبلنا) ، والواجب علينا تجاه جارودي العدل الذي أمر الله به، واتباع الوسطية التي هي دين الإسلام حيث نحب الرجل ونواليه لأجل إسلامه وتفهم البيئة التي نشأ بها، وتقدير إخلاصه وتفانيه وما يتعرض له بسبب محاربة الصهيونية، ومع ذلك فإن ذلك لا يصحح انحرافاته وأخطائه، بل نحذر منها ولا نتبعه فيها، ولا أنصح من حيث العموم بقراءة كتبه إلا للمتخصصين. نسأل الله له مزيداً من الهداية، ونكل أمره إلى الله - سبحانه -، والله أعلم.(12/496)
سيد قطب مرة أخرى
المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ الحركات الإسلامية/شخصيات ومواقف من الحركات الإسلامية
التاريخ 16/2/1423
السؤال
قرأت في أحد المنتديات نقداً للأستاذ سيد قطب -رحمه الله- يتهمه فيها بالطعن في الصحابة وتكفيرهم، وحيث إني من محبي سيد قطب، ومن المكثرين لقراءة كتبه إلا أني لم أعلم ذلك عنه -رحمه الله-، فهل يصح نسبة هذا القول إليه؟ أرجو توضيح الأمر؛ لأنه يسبب لي الحيرة والإشكال.
الجواب
سيد قطب -رحمه الله تعالى- مفكر إسلامي أصيل وأديب كبير، حيث فتح الله عليه بإشراقات رائعة في (ظلال القرآن) ، وألف جملة من المؤلفات الفكرية الرصينة التي تستحق القراءة والانتفاع، وما ذكره السائل من تلك الدعوى العريضة تجاه سيد فتحتاج إلى بينة، بل إن ما قرره سيد في (جيل قرآني فريد) في كتابه النفيس (المعالم) ينقض هذه الدعوى، وإن كان سيد قد ابتلي بمن غلا فيه، إلا أن خصومه وشانئيه قد بالغوا في ذمه والافتراء عليه -فرحمه الله تعالى-، وعند الله تجتمع الخصوم، والمتعين ألا نحكم في مسألة أو على شخص إلا بعلم ودليل وعدل وإنصاف، والله أعلم.(12/497)
تعدد الجماعات الإسلامية
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ الحركات الإسلامية/مسائل متفرقة في الحركات الإسلامية
التاريخ 7/11/1424هـ
السؤال
بالنسبة للجماعات الإسلامية هل هي وحدة السلفية أو أهل السنة والجماعة؟ وأين اسم أهل السنة والجماعة؟ نرى الإخوان والتبليغ لماذا لا تكون واحدة؟ وما الحكمة من تعدادها؟
الجواب
أهل السنة والجماعة هم المتبعون ظاهراًَ وباطناً لما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته -رضي الله عنهم- وسلف هذه الأمة من القرون المفضلة في الاعتقاد والعمل، والمتمسكون بوصية النبي -صلى الله عليه وسلم-:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ" أخرجه أبو داود (4607) والترمذي (2676) من حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه-، ويعلمون كذلك أن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويقدمونهما على قول كل قائل، ولهذا سموا أهل السنة، وعلى هذا الأصل كان اجتماعهم، ولذا سموا الجماعة.
فمن كان محققاً لهذا الأصل عاملاً به متحاكماً إليه عند الاختلاف والتنازع فهو من أهل السنة والجماعة، وإن لم يتسمّ باسم السنة أو السلف؛ ذلك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يجعل الألقاب والأسماء التي اشتهرت بها الطوائف المنتسبة إلى الإسلام سمات تعرف بها، بل جعل أمارتها موافقة الكتاب والسنة وإجماع الخلفاء الراشدين ومن سلف من القرون المفضلة، ومن جعل هذا الأمر هو ميزانه في الحكم على تلك الجماعات عدل في حكمه، وأصاب في قوله، وعلم أن هذه الجماعات درجات متفاوتة، ومنازل مختلفة، فمنهم من هو أحرص على اتباع السنة، ومنهم من دون ذلك، ومنهم من يجتهد في إصابة الحق فيوفق، ومنهم من يجتهد ولا يصيب الحق، وهم في هذا كله لا يخرجون عن مسمى الإسلام، ويشملهم قوله -تعالى-:" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء:48] وقوله -تعالى-:" وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم" [التوبة:102] .
وأما الاختلاف الحاصل بين تلك الجماعات فإنه لا يضر إذا كان ذلك من باب التنوع في العمل والدعوة إلى الله -تعالى-، بشرط أن يكون الرد عند الاختلاف والتنازع بينهم إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وما كان عليه سلف هذه الأمة وخيارها، وعليه فلا بأس من الدخول معهم في منتدياتهم ونحوها؛ لتعلم العلم والانتفاع بما عندهم من خير، والتعاون معهم على البر والتقوى مع تجنب خطئهم، وسؤال أهل العلم إن أشكل عليك شيء من أمرهم.
بقي - أخي الكريم - أن أحذرك من بعض المواقع والمنتديات الموجودة على الشبكة العالمية، ممن تعلن انتسابها إلى الإسلام وهم منه براء، فإن خطرهم عظيم، وتلبيسهم على الناس كبير، والله المسؤول أن يهديك سواء السبيل.(12/498)
أعمل بعض المنكرات فهل أقوم بعملٍ دعويّ
المجيب محمد بن صالح الدحيم
القاضي في محكمة الليث
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/مسائل متفرقة
التاريخ 6/5/1422
السؤال
أنا أحاول إعداد بحث حول الحجاب، والأدلة على فرضيته، وأمور تتعلق بالنساء. والهدف من عملي دعويّ. لي سؤالان:
أولاً: ما الكتب التي تتكلم عن هذا الموضوع؟
ثانياً: أنا أعمل بعض المنكرات فهل يجوز لي أن أمارس هذا العمل الدعوي، وخاصة القضايا المتعلقة بدعوة النساء؟
وهل يقع عليّ الوعيد ((أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون أنفسكم)) ؟ أم هذا الوعيد له تأويل آخر؟ أرجو الاهتمام.
الجواب
من الكتب المفيدة في موضوع الحجاب:
1- الحجاب وأدلته. لمحمد إسماعيل.
2- المرأة في عصر الرسالة. لأبي سنة.
3- الحجاب بين الأفراط والتفريط. لمحمد المتولي.
4- رسالة الحجاب. للشيخ محمد بن عثيمين.
علماً أن هذا الموضوع قد كثر طرقه. فلو تحوّل جهدكم إلى أمر آخر عسى أن يكون أعمّ نفعاً.
جواب السؤال الثاني:
الواجب هو ترك المنكرات. ومما يعين على ذلك فعل الطاعات، بل إن الوقوع في المنكرات كان بسبب ترك الطاعات، فهما ذنبان:
أ - ترك الطاعات ب- فعل المنكرات
والتوبة من الأول مقدمة على التوبة من الثاني، قال تعالى: ((إن الحسنات يذهبن السيئات)) . وعلى هذا ففاعل المنكر يجب عليه فعل الطاعة والدعوة إليها، حتى ولو قصّر فيها.
وفاعل المنكر يجب أن ينكره وإن كان واقعاً فيه. وقد ذم الله بني إسرائيل، ولعنهم لأنهم ((كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه)) .
وعليك أن تأخذ بالأسباب التي تعينك على التوبة من الأمرين ومن أهمها:
1- ذكر الله تعالى كثيراً، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
2- تنظيم الوقت واغتنامه.
3- مصاحبة الصالحين والجلوس إليهم. والقراءة في سير الصالحين.
4- تذكر الدار الآخرة، ومحاسبة النفس.
5- زيادة الهمّ الدعوي.(12/499)
دخلت الإسلام ولم تستطع إظهاره
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/مسائل متفرقة في الدعوة الإسلامية
التاريخ 09/07/1426هـ
السؤال
السلام عليكم
دخلت الإسلام، وتزوجت مسلماً، وعائلتي نصارى متعصبون، وقد أبقيت خبر إسلامي سراً، لكن هذا السر يقلقني، فأنا أعيش مع زوجي في بيت يملكه أهلي، ولا يمكننا الخروج منه نظراً لظروفنا المالية. وأنا الآن في حيرة: كيف أخبر أهلي بإسلامي، وقد حاولت التلميح لهم فرأيت منهم غضباً شديدًا، وهم يكرهون الإسلام. وقد هددوني -تعقيباً على تلميحي بالإسلام- بأنهم سيطردوني من البيت. أرجو إرشادي في أمري، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله، وبعد:
أسأل الله تعالى أن يثبتك على دينك، وأن يجعل لك بعد همك فرجاً ومخرجاً.
ثم عليك أن تكوني حكيمة في التعامل مع أهلك إن كانوا على الصفة التي ذكرت، وأن تحافظي على صلة القرابة التي بينكم، واحرصي على كتمان إيمانك عنهم في هذه المرحلة إن كان ذلك يسبب لك الأذى، وأكثري من الدعاء، واعتصمي بالله -تعالى- فإنه كفيل بكفايتك. وحاولي مع أقرب الناس إليك من أهلك بتسريب بعض الأخبار، كإعجابك بالإسلام ورغبتك في اعتناقه، وتحسسي رد فعل العائلة، إلى أن يفتح الله بينك وبينهم، وهو خير الفاتحين.
ثم عليك بالتفكير أنت وزوجك في حل لما أنتما فيه، إما الهجرة من البلد الذي أنتما فيه، أو بتغيير المدينة التي تعيشان فيها، واستعينا بالله -تعالى- وخذا بالأسباب، والله الموفق والهادي إلى الصواب.(12/500)
استشارات دعوية(12/501)
كيف أقنع النصرانية بالإسلام
المجيب أ. د. بكر بن زكي عوض
أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ استشارات دعوية/أفكار دعوية
التاريخ 6/3/1424هـ
السؤال
أنا أعيش في بريطانيا، ولي جارة بولندية، وعندما تحدثني عن أمور دينها, فأنا أعرف أنها تقول كلاماً غير صحيح عن الله، وعن سيدنا عيسى -عليه السلام-، فأحاول أن أصلح لها المعلومة، ولكنها لا تفهم سوى ما تربت عليه, فلا أدري ماذا أقول لها؟ أو هل أصلح لها أم لا؟ فأنا لا أريد أن تشعر بكره لديننا إذا قلت لها إن ديننا يخالف ما تقول, فما هي الطريقة التي أدخل بها إلى هذه النصرانية المتمسكة بدينها (كاثوليك) حتى أقنعها بديننا؟ وجزاكم الله خيرا.
الجواب
هذه الديانات إلى الإرث أقرب منها إلى الاقتناع، وذلك في غير الإسلام، والدين الإسلامي اقتناع أكثر منه إرثاً، وهو ما يفسر سبب تمسك هذه الكاثوليكية بدينها، وقبل أن تناقشيها في دينها وتعرضي عليها الإسلام عليك بالآتي:
أولاً: العلم التام بدين الإسلام حتى تستطيعي أن تعرضيه عرضاً صحيحاً.
ثانياً: التركيز على أسماء الله وصفاته في الإسلام، وعلى ما ورد بحق عيسى -عليه السلام- وأمه في سورة آل عمران، وسورة مريم بخاصة.
ثالثا: قراءة بعض ما كتبه علماء الأديان حول التثليت والصلب.
رابعاً: اعرضي عليها موقف الإسلام من الرسالات الأخرى، ومنها النصرانية، وأخبريها أن اعتناق الإسلام يوجب الإيمان بموسى وعيسى -عليهما السلام- وبكتابيهما.
خامساً: أخبريها أن عيسى جاء ليكمل رسالة موسى، بالنص الوارد عندهم:"ما جئت لأنقض بل لأكمل"، وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم- جاء ليكمل لا لينقض، إلا ما حرمه الله على بني إسرائيل تأديباً لهم، وقد بشر به المسيح قائلاً: "وأما متى جاء روح القدس تزول عني تلك الوصمة" وقوله: "خير لكم أن أنطلق حتى يأتي المعزي". والله الموفق.(12/502)
كيف أقنع النصراني بالإسلام
المجيب د. سليمان بن قاسم العيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ استشارات دعوية/أفكار دعوية
التاريخ 15/5/1424هـ
السؤال
لقد حاولت أن أدعو رجلاً من الجنسية الإسبانية إلى الإسلام، وكان من ضمن الحوار طلبت منه أن يجاوب مَنْ خلق الشمس؟ ومَنْ المتحكم أثناء الشروق والغروب؟ فقال: الطبيعة التي تتحكم، والبخار المتصاعد أثناء النهار هو الذي يحجب ضوء الشمس ويصبح ليلاً، فقلت له: من خلق الأجنة في الأرحام؟ ومن كتب الأجل والرزق؟ وجعل فيه الداء والدواء؟ كذلك اختلاف الشكل، واللون، واللهجة والبعث بعد الموت، والحساب، والجنة والنار، فقال: أنتم لو خلقتم هناك لكنتم كذلك، فقلت له: هناك من جنسيتك ومن هو مسلم.
هل من الممكن المساعدة على إقناعه؟ وهل من كتب محددة أستطيع أن أهديها له؟ علماً أن ديانته كاثولكية.
الجواب
أخي السائل.. أسأل الله - سبحانه وتعالى - لك التوفيق والسداد في دعوتك، وأذكرك بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النعم" رواه البخاري (3009) ومسلم (2406) من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه-، واعلم أن أجر الدعوة لا يتوقف على استجابة المدعوين، بل الأجر الحاصل -إن شاء الله- حتى ولو لم يستجب أحد، وهناك من الأنبياء المؤيدين بالوحي من لم يستجب له أحد من الناس، كما ورد في حديث "عرضت عليَّ الأمم" رواه البخاري (3410) ومسلم (220) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-. فالذي أوصيك به أن تواصل دعوتك مع هذا وغيره، وأن تنوع معه الحوار، فإذا لم يقتنع بمسألة معينة فافتح معه حواراً آخر.
ثم إذا كان ذلك الرجل يقول بأن الذي خلق الشمس والقمر، ويتحكم بالأشياء هي الطبيعة، فاسأله ما هي الطبيعة؟ صفها لي؟ ثم اسأله أيضاً عن هذه الطبيعة، هل ورد ذكرها في التوراة والإنجيل، وأنها هي الخالقة؟ والحقيقة أنها لم ترد فيهما ولا في غيرهما من الكتب السماوية، واعتقاده أن الطبيعة خالقة -على حد زعمه- هو اعتقاد بأنها شيء عظيم، ولو صح هذا الزعم لذكرت الطبيعة في الكتب السماوية لعظمتها.
ثم إنّ اعتقاد ذلك الشخص المذكور يتفق معك على أن الشمس والقمر وغيرهما لها خالق، وأن هذا الخالق هو المتحكم بهذا الكون، ولكن الرجل ضل عن معرفة هذا الخالق، والاعتقاد الحق أن هذا الخالق هو أعظم من هذا الكون كله، وهو الله - سبحانه وتعالى-.
أما الكتب فإنك لم تذكر لغة هذا المدعو، ولكن أفضل شيء له هو القرآن الكريم المترجم بلغته، فهناك كثير من الكفار الذين أسلموا بعد قراءة ترجمة القرآن الكريم إلى لغاتهم، وهناك أيضاً كتاب اسمه: (حوار مع نصراني) تأليف خالد بن عبد الله القاسم.(12/503)
رسالة في المنتديات
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ استشارات دعوية/أفكار دعوية
التاريخ 24/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
كثرت هذه الرسالة في المنتديات وقمت بالرد عليها وبيان عدم صحة هذا الأسلوب مع الله سبحانه تعالى، لكن الكثير لم يقتنع، فنريد منكم جزاكم الله خيرًا بيان القول الصحيح في هذه الرسالة: (وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى الكثير منا يستعصيه أمر في هذه الدنيا، والكثير منا يبحث عن واسطة إما لوظيفة أو لاجتياز اختبار أو معاملة في إحدى الدوائر الحكومية أو ما شابه ذلك. ويسعدني أن أساعدكم في الحصول على الواسطة لتيسير أمركم. فقط اتصل على هذا الرقم، فهذا الرقم الخاص بالملك. الرقم هو: 222 فقط وبدون مفتاح للدولة وبدون مفتاح للمدينة! هل تريد معرفة كيفية الاتصال؟ إذًا تفضل معي لنبدأ الاتصال معًا! الرقم الأول (2) يعني الساعة (2) بعد منتصف الليل. الرقم الثاني: (2) يعني ركعتين. الرقم الثالث (2) يعني دمعتين.
ومعناها ركعتين الساعة (2) في آخر الليل مع دمعتين. اطلب ملك الملوك.. اطلب الله عز وجل- في هذا الوقت، وبإذن الله ستُيسر أمورك، وسوف تحصل على ما تريد. فالله عز وجل الملك القهار ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ويقول: هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ فوالله لو اجتمع الإنس والجن على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء فلن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. الكثير منا فضل أهل الوساطات على الله عز وجل، وبدأ يبحث عن واسطة قبل أن يلجأ بالدعاء إلى الله. الله عز وجل يقول في كتابه العزيز: "ادعوني أستجب لكم". لا تنسونا من صالح دعائكم، عند اتصالكم. ومن ساهم بنشرها أسأل الله لي ولكم القبول)
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
هذه النشرة وأمثالها يضعها الجهلة بحسن نية أحيانًا، ولكن ذلك لا يعفيهم من مغبة هذه البدعيات، بل ربما كانت هذه النشرات من قبل اتخاذ آيات الله هزوًا فكيف يجعل رب الأرباب الملك الوهاب محلاًّ لهذه الأقوال الركيكة ويعين له رقم هاتف؟ تعالى الله وتقدس عن ذلك علوًا كبيرًا.
وأنا أنصح إخواني الراغبين في نفع الناس ودلالتهم على الخير أن يلجوا البيوت من أبوابها ويتتبعوا منهج أسلافهم في الدعوة والتعليم، وألا يُقدموا على أمر ما إلا بعد التأكد من شرعيته وسلامة طريقته وفي الدعوة بالآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة غنية وكفاية. والله الموفق.(12/504)
الدرس في المسجد قبل الجمعة
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ استشارات دعوية/أفكار دعوية
التاريخ 28/4/1424هـ
السؤال
يحتاج إخواننا الكوسفيون لمن يفقههم في الدين، حيث إنهم يجتمعون بكثرة في صلاة الجمعة، فهل يجوز أن تلقى عليهم كلمة قبل صلاة الجمعة؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فالأصل عدم التحلق قبل خطبة الجمعة، لا لدرس ولا لموعظة؛ حتى تنشط النفوس للإنصات للخطبة، ولذا (نهى - صلى الله عليه وسلم - عن التحلق قبل الجمعة) أخرجه أبو داود (911) ، والترمذي (296) ، والنسائي (707) ، وسنده - إن شاء الله - حسن من أجل عمرو بن شعيب.
ولكن إذا كان عادة الناس عندكم أنهم لا ينتهزون انتظارهم للخطبة في قراءة القرآن والتنفل بالصلاة فلا بأس أن يوظف هذا الاجتماع بإلقاء الدرس عليهم، وتفقيههم في الدين؛ مراعاةً للمصلحة، وانتهازاً لاجتماعهم؛ فقد كان أبو هريرة - رضي الله عنه - يحدث قبل خطبة الجمعة، رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/468) .
ويحمل النهي على ما إذا كان في إلقاء الموعظة والدروس قبل خطبة الجمعة أذية وتشويش على المتنفلين بالصلاة والمشتغلين بقراءة القرآن، ولا شك أن ما قبل خطبة الجمعة وقت يندب فيه الإكثار من التنفل، والاشتغال به أولى من الوعظ، أو الاستماع للموعظة، فإن لم يشغل الناس وقتهم في انتظار خطبة الجمعة بالتنفل وقراءة القرآن، فالأولى أن يشغلوا بما يفقههم في دينهم ويرقق قلوبهم لطاعة الله.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(12/505)
الانضمام لمنظمة العفو الدولية
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ استشارات دعوية/أفكار دعوية
التاريخ 9/3/1424هـ
السؤال
أرغب في الانضمام إلى عضوية منظمة العفو الدولية، غير أني متردد في ذلك بسبب أن المنظمة تعارض عقوبة الإعدام وهي عقوبة شرعية في الإسلام وعقوبات شرعية أخرى كقطع يد السارق، كما أنها تدافع عن الحق في ممارسة سلوكيات تعتبر محرمة في الدين كممارسة الشذوذ الجنسي.
فهل يجوز لي كمسلم الانضمام إلى هذه المنظمة من باب التعاون على الدفاع عن المظلومين؟
الجواب
نعم يجوز لك الدخول في منظمة العفو الدولية - إذا كنت قادراً ومتمكناً من الدفاع لرفع الظلم عن المظلومين مسلمين كانوا أو غير مسلمين، لأن الظلم حرام على الخلق جميعاً وعواقبه عظيمة في الدنيا والآخرة، ومن شدة تحريمه أن الله حرمه على نفسه، مع أنه سبحانه حكم عدل لا يظلم أحداً "وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ" [ق: 29] ، فقال في الحديث القدسي "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا" رواه مسلم (2577) ، وفي الحديث الآخر الذي أوصى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل - رضي الله عنه - لما أرسله إلى اليمن، وكان فيهم أهل كتاب قال له: "واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" رواه البخاري (2448-4347) ، ومسلم (19) .
ولا شك أن منظمة العفو الدولية يشتمل نظامها على مخالفات صريحة لبعض أحكام الشريعة الإسلامية، ولكنها مع هذا منظمة إنسانية انتفع بها كثير من آحاد الناس، والمظلومين مسلمين كانوا أو كفاراً، وعمل المسلم ودخوله في مثل هذه المنظمة قد يتنازعه من الناحية الشرعية لأول وهلة أمران:
(1) مفسدة في الدخول في منظمة في بعض نظامها ما يخالف الشرع.
(2) مصلحة الدخول من أجل رفع الأذى ودفع الظلم عن المظلوم وإعادة الحقوق الشرعية إلى أصحابها، وإذا تعارضت مصلحة ومفسدة قدمت المصلحة على المفسدة، لا سيما إذا كانت المصلحة واقعة والمفسدة مظنونة، فإن المصلحة حينئذ ترفع المفسدة أو تخفف منها، وهذا ما تقرره القواعد الشرعية المبنية على الكتاب والسنة كقاعدة "ارتكاب أخف الضررين"، و"تقديم أدنى المفسدتين دفعا لأعلاهما"، هذا كله لو قيل إن المفسدتين حاصلتان بالفعل، ولعل مرجحات دخولك في هذه المنظمة إذا كنت مؤهلاً قادراً هو أن المسلم مطالب بتحقيق العدل ورفع الظلم عن المظلومين لا سيما المسلمين منهم، فالأقربون أولى بالمعروف، ودخولك في هذه المنظمة هو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإنكار باللسان والقلم أوسط درجات إنكار المنكر كما هو معلوم لكل مسلم، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.(12/506)
يريد أن يسلم، ولم يقتنع ببعض الأحكام الشرعية
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ استشارات دعوية/أفكار دعوية
التاريخ 26/7/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ/ شخص هولندي غير مسلم، درس الإسلام واقتنع بالمبادئ العامة للإسلام وهو مصمم على اعتناقه، لكنه يجد صعوبة في تقبل بعض الأحكام الشرعية الجزئية، بالضبط الأحكام المتعلقة بالحدود الشرعية، مثل قطع يد السارق ورجم الزاني مثلاً، كذلك يصعب عليه تفهُّم أن الزوج يجوز له الشرع أن يضرب زوجته أحياناً فهو يقول إنه في حيرة من أمره، فإذا نطق بالشهادتين فسيكون في رأيه منافقاً لأنه لا يقبل أحكام الحدود، وهذا لا يريده لنفسه، وفي الوقت نفسه فإنه يريد أن يشهر إسلامه في أقرب وقت، شاورني في هذا الأمر، إلا أنني لا أجد نفسي في مستوى الإجابة على هذا السؤال، لهذا قررت أن أضعه بين أيديكم، فأفيدونا حفظكم الله في أسرع وقت ممكن، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
ينبغي أن تشير على هذا الشخص بالمبادرة إلى اعتناق الإسلام حتى ولو وجد في نفسه نوع مضض وكرهاً لبعض المسائل، فإن الكاره ليس كالمكره وهو إذا دخل في الإسلام وصلى ودعا وعمل الصالحات زاد إيمانه، وشرح الله صدره لفهم مقاصد الشريعة، وزال عنه ما يجد من التردد وعدم التقبل إن شاء الله.
وأما قوله أنه لو أشهر إسلامه مع هذا الحرج الذي يجد في صدره فإنه يكون منافقاً، فغير دقيق، إذ المنافق هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وهذا الشخص قد اقتنع بأصول الإسلام، ولكن بحكم حداثته بالكفر لم يتفهم بعض المسائل، ويعزم على مزيد التدبر والنظر الذي سيوصله بإذن الله إلى القناعة والقبول والرضا ولو ترك هكذا، دون إسلام، فربما يسبق إليه الموت فيموت على الكفر الصراح، قبل أن يتحقق مما أشكل عليه، فلأن يموت ناقص الإيمان خير من أن يموت كافراً، والله أعلم.(12/507)
هل أنتخب نائباً كافراً؟
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ استشارات دعوية/مشكلات دعوية
التاريخ 16/1/1424هـ
السؤال
هل يكفر من انتخب نائباً كافراً لأجل مصلحة ما؟
الجواب
إن كان هذا المسلم انتخب ذلك الكافر نائباً عنه في (البرلمان) لما يظنه فيه من قدرة على التمثيل لمن انتخبوه، والدفاع عن حقوقهم فهذا جائز، ومباح لا سيما إذا كان المسلمون أقلية، فنصرة الكافر للمسلم جائزة ولا إثم على المسلم فيها إذا لم يكن في ذلك مساس لأصل عقيدته، فإن الكافر قد تدفعه حميته من نسب، أو قبيلة، أو بلد أو حزب إلى الدفاع عن المسلم لهذه الأسباب، أو غيرها، وقد احتمى نبي الله شعيب - عليه السلام- بقبيلته الكافرة فحمته من الأعداء قال تعالى: "وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ"، وبالمناسبة فقد علق الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله- في تفسيره على هذه الآية تعليقاً لطيفاً أنقله لك: ( ... إن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام لا بأس بالسعي فيها، بل ربما تعين ذلك، لأن الإصلاح مطلوب، على حسب القدرة والإمكان، فعلى هذا لو سعى المسلمون الذين تحت ولاية الكفار وعملوا على جعل الولاية جمهورية، يتمكن فيها الأفراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية لكان أولى من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية، وتحرص على إبادتهم وجعلهم عمالة وخدماً، نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين وهم الحكام فهو متعين، ولكن لعدم إمكان هذه الرتبة؛ فالرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة والله أعلم. أ. هـ. وإن كان انتخاب هذا النائب الكافر يحقق للمسلم مصلحة دنيوية أيضاً فهو جائز إن شاء الله، وإن كان انتخابه محبة لدينه وما هو عليه من الكفر فهذا ردة وخروج عن الإسلام يكفر بها المسلم، أعاذنا الله من ذلك، والله أعلم.(12/508)
نبش القبور البدعية
المجيب د. حسن بن صالح الحميد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ استشارات دعوية/مشكلات دعوية
التاريخ 22/12/1423هـ
السؤال
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد: إخواننا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
س/ إننا كمسلمين في كردستان العراق لدينا أربع جماعات إسلامية ثلاثة جهادية وأخرى إخوانية ولدينا مقرات ومراكز إسلامية مفتوحة في كثير من المدن وتحت سلطة طالباني وبرزاني. وفي بداية العام الحالي انفصل بعض الشباب المتحمس وأعلنوا جماعة باسم خاص، وفي بداية ظهورهم أعلنوا الجهاد ضد سلطة طالباني وبرزاني وانحصروا في منطقة صغيرة. وبعد ثمانية أشهر لم يحققوا أي نصر على الأحزاب العلمانية وبالعكس فأعمالهم تضر أعمالاً ونشاطات وعملية الدعوة الإسلامية الأخرى وفي الشهر المنصرم إنهم قاموا بعمل ضد القبور ونبش لقبور بعض شيوخ نقشبندية ونبش قبورهم هل هذا جائز أم لا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد..(12/509)
فإن تعظيم القبور واتخاذها مزارات والطواف حولها وسؤال الموتى وتقديم القرابين لهما.. وما جرى مجرى ذلك من الأعمال المنكرة، والبدع المحدثة.. هذه الأفعال قديمة في الأمم. وقد حذر منها الأنبياء - نوح فمن بعده عليهم الصلاة والسلام- وهذا أمر معروف فساده لمن سلمت فطرته، وأسلم وجهه وقلبه لخالقه على الحقيقة قال تعالى:"قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" وقد ثبت النهي عن تعظيم القبور واتخاذها مساجد وسؤال الأموات في نصوص كثيرة.. وليس الغرض هو إثبات ذلك. ولكن الغرض هو في فقه التعامل مع هذا المنكر العظيم والشرك الوبيل. وتعلمون وفقكم الله أن المقصد الأعظم من الدعوة وإنكار المنكرات هو إزالتها أو تقليلها قدر الإمكان بحيث يكون حال الناس بعد الإنكار والدعوة أحسن من حالهم قبل ذلك. وحول هذا القصد يدور الحكم وتتنزل مراتب الإنكار من الوجوب المتعين، إلى التحريم والامتناع.. وما بين ذلك، وقد علم بالتجربة والمشاهدة شدة تعلق عامة الجهلة من المسلمين بهذه البدع، واعتقادهم أن ما يفعلونه هو مما يقربهم إلى الله زلفى، تماماً كما كان المشركون يظنون ذلك. وهذا كله بفعل دعاة السوء ممن ينتسب إلى العلم ويدعيه، فهم سنّوا للجهلة هذه الأباطيل وزينوها في أنفسهم، وفعلوها وأفتوا بجوازها بل بمشروعيتها وجعلوا لها الأوراد والأوقات، يتكسبون بذلك ويأكلون أموال الناس بالباطل، ويشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، حتى تلقى الناس عنهم هذا المنكر بالقبول، وجعلوا من علماء السوء حجة لهم وواسطة يخاصمون أهل الحق بهم، يقولون: لو كان هذا الفعل باطلاً أو شركاً لم يفعله فلان وفلان، وهم أعلم منكم وأعرف بالحلال والحرام - يظنون ذلك - والشيطان يوقع على ألسنتهم ويؤزهم لنصرة هذه البدع والدفاع عنها.. وبسبب ذلك اختلط الأمر على عامة المسلمين الذين حيل بينهم وبين معرفة التوحيد الحق فزهدوا فيه وأعرضوا عنه وأقبلوا على الشرك وعظموه وقدّسوا دعاة الباطل ونصروهم، واستوحشوا من دعاة الحق وحاربوهم، وهذا في كثير من بلاد المسلمين، وفي قديم الدهر وحديثه.. ولم يزل دعاة الحق من أهل السنة والجماعة يبينون للناس الحق بالدليل والبرهان، وبالإقناع وبالصبر والمصابرة والحكمة، ولم يعرف عن علماء المسلمين وأهل الفقه والبصيرة منهم أنهم تجاهلوا واقع الناس من الجهل والغوغائية فأقدموا على أعمال تثير عامة الناس كهدم القباب ونبش القبور وهدم المساجد المبنية عليها إلا بتحقق شروط وانتفاء موانع. منها:- أولا:- أن يكون لأهل السنة سلطة وقوة يستطيعون بها التنفيذ، ويمتنعون بها من الأذى، وهذا لا يتحقق غالباً إلا إذا كانوا هم أهل السلطة وبيدهم الحكم، فإن إزالة هذه المنكرات ليس بالأمر الهين، وهو من الإنكار باليد في أمر عام وهذا لا يتيسر عادة إلا في ظل سلطة وقوة.(12/510)
ثانياً:- أن يغلب على الظن أنه لا يترتب على إزالة هذا المنكر - وهو هنا نبش القبور أو هدم القباب - ألا يترتب على إزالته منكر أكبر كالاعتداء على أهل السنة وعلى ممتلكاتهم، ومساجدهم ودعاتهم، واستغلال هذا الفعل واتخاذه ذريعة لإثارة الرأي العام ضدهم وضعفهم بما ينفر العامة منهم، وطردهم، أو مقاتلتهم.. أو نحو ذلك مما يحول بينهم وبين دعوة الناس وبيان الحق لهم وقبولهم والأخذ عنهم، كأن يمنعوا من الخطابة والتدريس والوعظ ... فينقطع الخير الواصل منهم إلى الناس، وينفر الناس منهم، فتخفى معالم الحق وتندرس آثاره، ويعود الناس إلى تعظيم الباطل أضعافاً مضاعفة ويستوحشون من دعاة الحق لسنوات طويلة. ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبادر إلى تكسير الأصنام الموجودة في جوف الكعبة وهو في مكة ولا حين اعتمر بعدما هاجر إلى المدينة، بل تركها حتى دخل فاتحاً منصوراً ذا قوة ومنعة وترك البيت على بناء قريش ولم يعد بناءه على قواعد إبراهيم لأن قومه حديثو عهد بجاهلية ولم يقتل عبد الله بن أبي بن سلول رأس النفاق مع علمه صلى الله عليه وسلم بحاله، وقال:- "لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه" البخاري (3518) ومسلم (2548) . ونهى الله سبحانه المسلمين أن يسبوا آلهة المشركين حتى لا يكون ذلك ذريعة إلى سب الله تعالى، قال تعالى "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم" [الأنعام: 108] . ونوح عليه الصلاة والسلام دعا قومه زمناً طويلاً ولم يعرف عنه ولا عن أحد من أتباعه أنهم أقدموا على تحطيم الآلهة المتبعة ولا قاموا بنبش القبور المعظمة من دون الله، لأنهم كانوا قلة مستضعفين في قومهم. قال سبحانه:- "....وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ... " [نوح: 23-24] .
وقد تعاقب العلماء والمصلحون في هذه الأمة، وكانوا يحذرون من هذه البدع وينالهم بسبب ذلك الأذى، لكن لما كانوا على علم بحال الناس وأن الملوك والسلاطين ليس فيهم من الشجاعة والعلم بفساد هذه المسالك الموجب لطمسها والحيلولة بين الناس وبينها، بل كان كثير من السلاطين يرون أن تثبيت ملكهم وكون العامة إلى جانبهم آثر لديهم من القيام بواجب إزالة هذه المنكرات، إن لم يكونوا هم من جملة من يعظمها. أقول: قد كان العلماء والمصلحون يرون ذلك فيرون من تعارض المفاسد والمصالح ما جعلهم يتوقفون عن الإقدام على إزالة هذه المشاهد لترجح حدوث مفاسد أعظم لو أقدموا على إزالتها.(12/511)
ولا شك أنهم مع توقفهم عن الإزالة وأخطاء معالم هذه المنكرات كانوا أعلم منا بخطورة ما يفعله الناس، ولهم من الحظوة والمنعة أكثر مما لنا في الناس اليوم خاصة في كردستان العراق التي تعمل جهات عديدة على استئصال شأفة الإسلام ودعاته منها، وأن الدعوة إلى الله ما تزال غضة ناشئة، وما يزال الناس في جهل وانحراف في العقائد والسلوك والعبادة ... فالواجب عليكم أن تفقهوا طبيعة هذه المرحلة، وألاّ تغترّوا بهامش الحرية الذي تتمتعون به، أو القوة المحدودة التي كسبتموها فانتم كبش الفداء لأي تغيير قادم، أيا كان وضع كردستان، فلا تستعدوا الناس عليكم، ولا تجعلوا للمتربصين حجة وذريعة لإبعادكم عن المجتمع ومواقع التأثير.
أنتم بحاجة إلى أن تقنعوا عامة الناس بأنكم دعاة حق، وأن لديكم مشروعاً إصلاحياً يحل مشاكل الناس ويخفف معاناتهم اليومية، علموهم أحكام الإسلام بحكمة، اجعلوهم يكرهون الشرك ويوحدون الخالق، ويعبدونه ويصلون له، ثم حدثوهم عن أن غير الله لا ينفع ولا يضر، اذكروا لهم قصة قوم نوح فمن بعدهم، اجعلوهم يكرهون هذه المشاهد وهذه القبور نظرياً أولاً ويهجرونها وهي قائمة، حاولوا أن تكثروا أنصاركم من الموحدين ولا تستعجلوا إثارة الناس ضدكم بمواجهتكم في معتقداتهم الفاسدة، قبل أن تتألفوا قلوبهم فإن هذا من استعجال الثمرة واختزال المراحل الدعوية، وتجاهل الظروف المحيطة، والاستهانة بعواطف الناس، ومواجهة سدنة الباطل والمتربصين بكم قبل أن تستكملوا العدة. وفي هذا خطر عظيم على الدعوة وضعف في الفقه لا نرضاه لكم، ونناشدكم ألا تستعدوا على أهل السنة خصومهم في وقت مبكر، ليتكم تشتغلون بدعوة عامة الناس ممن لا يزورون هذه القبور وهم كثير وتجعلونهم في صفكم، وليتكم تهتمون بحاجات الناس التي تكسبون بها قلوبهم حتى يقبلوا منكم الحق الذي هو الغاية من دعوتكم. فالنصح والدعوة وتصحيح العقائد والعبادات نظرياً مقدم على غيره وهو من إقامة الحجة ومن البلاغ الذي لم تفرغوا منه بعد، ولم توفوه حقه فإن لدى الناس من الشبهات شيء كثير.
والخلاصة أنه لا ينبغي الإقدام على هدم القباب ولا يجوز لكم نبش القبور بحجة إخفاء معالمها وصدّ الناس عنها في هذه الظروف فإن هذا من إزالة المنكر بمنكر أعظم منه، فهو من المصالح الملغاة وبخصوص نبش القبور فإن هذا لا يعرف من فعل المسلمين.(13/1)
اللهم إلا إذا كان القبر أدخل إلى المسجد بعد بنائه، فهذا ينبش ويخرج، لكن وفق ما ذكرنا من تحقق المصالح وانتفاء المفاسد. وما سوى ذالك فالأصل ترك القبور وعدم نبشها. وإذا حصل ونبش قبر من هذه القبور فإن الغرض هو إخفاء معالمه حتى لا يعبد ويعظم فإن كان في إخفائه عن ورثته مصلحة فهذا أولى وإن كان يتوقع حصول مفسدة منهم باعتداء ونحوه بسبب عدم تمكينهم منه فينبغي أن يمكنوا منه بتسليمهم رفاته وعظامه درءاً للمفسدة. وهذا يشهد لما ذكرنا من وجوب الكف عن هذه الأفعال والاشتغال بما لا ينفر الناس حتى يأتي الوقت المناسب لإزالة هذه المنكرات بعد أن يتهيأ الناس نفسياً وعلمياً. ويلتحق بما ذكرنا مسألة تطبيق حكم الشرع في قرية أو محلة لم تستوف الشروط اللازمة لإمكان تطبيق أحكام الشرع بما يكفل مصالح الناس، ويدرأ عنهم المفاسد المتوقعة، وأحكام الشرع التي يتعذر تطبيقها هي: الأحكام التي تحتاج إلى سلطة وقوة في تنفيذها وهي الحدود من القطع والرجم، فإنها تحتاج - كما أسلفنا - إلى قوة ومنعة وإلى سيادة حقيقية على الأرض، وإلى بيعة وحاكم مطاع. وهذه لا تتأتى لأهل قرية في كردستان ونحوها. لكن عليهم أن يجتهدوا في التعاون على فعل الخير ومقاومة الفساد والمنكرات والحفاظ على الأمن بحيث يصبح صاحب المنكر غريباً مبغوضاً لا مكان له بينهم وعليهم أن يتعاونوا في تأمين حاجات الناس من التعليم والصحة وغيرها، وأن يستقلوا بذلك عن العلمانيين الذين يجعلون من تأمين هذه الحاجات وسيلة إلى السيطرة ومحاربة المصلحين. وإن من الغفلة والخطأ أن تتركوا لأهل الباطل قلوب الناس ودنياهم، فلا يرون فيكم سوى وعاظ لا برنامج لديهم ولا طموح، فلا يرون فيكم بديلاً مناسباً، بل اجمعوا للناس بين الدين والدنيا، وهذه فرصتكم، ولا تظهروا لخصومكم أنكم تنزعون نحو الانفصال ولا تقبلون التعايش مع مجتمعكم، بل ادعوا واغلبوا أهل الفساد والباطل بوسائل مكافئة ومحققة للأهداف، ولا تستعجلوا الخطوات فتعاقبوا بعثرات مبكرة ومواجهات لا تخدم مستقبل الدعوة، واعلموا أن أهل الباطل في الداخل والخارج لن يتركوكم وما تريدون، واعتبروا بدول ذات سيادة حوصروا وحوربوا حتى اضطروا إلى التنازل والتراجع فكيف بقرية محصورة وعدد قليل. فاحذروا الحماس واستعجال النتائج، نحن معكم في الطموح والرغبة الصادقة في تحقيق الخير للناس وحكمهم بشرع الله، ونتمنى أن تكون بلاد المسلمين كلها كذلك، ولكن لسنا معكم في هذا التوقيت وهذا التبسيط ونرى أن العاقل من وعظ بغيره واعتبر بمن سبقه.
فيا ليت إخواننا من أهل السنة في كردستان العراق يحققون قدراً أكبر من التعاون والتشاور فيما بينهم، وينظرون إلى العواقب بعين واعية ويغلبون المصالح العامة على الاجتهادات الخاصة، ويحذرون الاستعجال ويستشيرون في الأمور الكبيرة التي تؤثر على مستقبلهم. وفقكم الله وجمع على الحق كلمتكم.،،،(13/2)
العقاب الإيماني
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ استشارات دعوية/مشكلات دعوية
التاريخ 1/11/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نحن جماعة إسلامية تعنى بتربية الشباب، وتستخدم وسائل عديدة لتنمية الجانب الإيماني، فلديها محاضن تربوية وغيرها.
ويشكل علينا يا شيخنا المبارك مسألة العقاب الإيماني ... أي إذا ارتكب أحد الأفراد خطأ فمسؤول المحضن يعاقبه عقاباً إيمانياً ... كمثل قراءة جزء قرآن أو تهجد أو أذكار وغيرها من الأمور الإيمانية، فما حكم ذلك؟ حفظكم الله.
الجواب
أولاً: يجب عليكم أن تحمدوا الله أن جعلكم ممن تعلم القرآن وعلمه فهم خير الناس كما في الحديث النبوي الشريف.
ثانياً: أسال الله لنا ولكم ولكل متعلم لديكم أن يرزقنا العمل بالقرآن الكريم والسنة المطهرة.
ثالثاً: ما تقومون به لإصلاح المخطئ فأرى أن يكون زيادة اهتمام به وإشعار له بذلك لأنه يحتاج إلى زيادة تربية وعناية بحفظ القرآن وإصلاح قلبه بالصلاة والتهجد، وأن لا يسمى ذلك عقاباً لأن مسمى العقاب ثقيل على النفس وفيه نوع تعيير، فيكون العقاب بالقراءة أو الصلاة أو الأذكار غير محبوب للنفس، أما أن يكون إشعاراً له بالاهتمام بالقرآن والذكر والصلاة حتى تتهذب نفسه الأمارة بالسوء فهذا هو المطلوب، والله أعلم.
رابعاً: أوصي إخوتي في هذا العمل المبارك وكل طلاب العلم وأهل الدعوة العمل على الوحدة الإسلامية مهما كانت الظروف فيجب وخاصة في هذه الظروف الحرجة على المسلمين التوحد على منهج واحد وعدم التمييز بمسمى مستقل عن بقية طلاب العلم أو أفراد الدعاة أو جماعتهم وإن اختلفت وجهات النظر فإن العمل على الوحدة فرض واجب على المسلمين جميعهم حتى يكون المسلمون جماعة واحدة. والله الموفق للجميع.(13/3)
الآداب والسلوك والتربية(13/4)
أخذ الأم من مال أبنائها خلسة
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 16/4/1424هـ
السؤال
تقول أخت في الله، ما حكم المرأة التي تأخذ من أولادها بعض النقود وبعض الأمور اللازمة للمنزل خفية عنهم؟ هل يعتبر هذا سرقة؟ فهي تقول لديهم محل للمواد الغذائية في المنزل الذي يقطنون فيه، معها تقول هم ثلاثة يعملون في هدا المحل ويقطنون معها، وغير متزوجين، كل شيء عليها؛ الأكل والغسيل، وعندما تطلب منهم شيئاً أحياناً قليلة جداً يقبلون، ومعظم الوقت يرفضون، وللأمانة تقول زوجي حي، ولكن دخله غير كافٍ، لأن المعيشة صعبة في بلادنا، كما أنها تقول إنها تأخذ بعض الأمور لبناتها، خصوصاً الصغيرة لأنها كثيرة الاشتهاء، وليس لهم غير دخل أبيهم، وهم لا يعطونهم دون النقود، وتطلب الإفادة وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فإنه يجوز للوالد أن يأخذ من مال ولده الشحيح بماله -بغير إذنه- (ولو كان على سبيل الخفية) ، ولكن بشرطين: الأول: تحقق حاجة الوالد إلى هذا المال، بحيث لا يكون عنده من المال ما يكفي لشراء حاجات المنزل الهامة، سواء كانت ضرورية أو حاجية.
والثاني: أن يكون عند الولد مال زائد عن حاجته، وحينئذ يجوز له أن يأخذ من ماله ما يكفيه، ولو بغير إذنه -إذا كان شحيحاً-، ويدل لذلك ما يلي:
أولاً: النصوص الدالة على أن الولد وكسبه لوالده، ومنها: قوله -صلى الله عليه وسلم- لذلك الولد الذي جاء يستدعي والده:"أنت ومالك لأبيك"، رواه ابن ماجة (2292) ، وأحمد (2902) ، من حديث عمرو بن شعيب، وهو حديث قوي بمجموع طرقه، كما قاله الحافظ ابن حجر في الفتح (5/211) .
وكذا قوله -صلى الله عليه وسلم-:"إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه"، رواه الترمذي (1358) ، والنسائي (4449) ، وأبو داود (3528) ، وابن ماجة (2137) وغيرهم، قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/1) :"رواه أحمد والأربعة وابن حبان والبيهقي من رواية عائشة - رضي الله عنها-" قال الترمذي: حسن. وقال أبو حاتم الرازي:"صحيح.." وقد روي هذا الحديث في بعض طرقه ضمن حديث "أنت ومالك لأبيك" (سبق تخريجه) .
ثانياً: حديث عائشة -رضي الله عنها- الوارد في صحيح البخاري (5364) ومسلم (1714) :"أن هند بنت عتبة -امرأة أبي سفيان- دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني، إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك".
فهذا الحديث الصحيح قد استنبط منه أهل العلم، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (30/372) بأن ما كان سبب الاستحقاق فيه ظاهراً لا يحتاج إلى إثبات فإنه يجوز للمستحق أن يأخذ ممن عليه الحق بدون إذنه -إذا لم يستطع أخذ حقه بإذنه- وذلك مثل: استحقاق المرأة النفقة على زوجها، ومثل استحقاق الولد أن ينفق عليه والده، ومثل استحقاق الوالد أن ينفق عليه ولده -إذا كان محتاجاً- ومثل استحقاق الضيف الضيافة على من نزل به، والله تعالى أعلم.(13/5)
الفرق بين عدالة الشاهد، وعدالة الراوي
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 18/7/1424هـ
السؤال
ما الفرق بين عدالة الشاهد وعدالة الراوي؟ وبم تثبت عدالة كل منهما وبخاصة في زمن الفتن والمنكرات المعلنة، وهل شرب الدخان مسقط للعدالة؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد: فالعدالة المطلوبة في الشاهد والراوي شيء واحد وهو الاستقامة واعتدال الأقوال والأفعال، وتعتبر بأمرين: الصلاح في الدين، وذلك بأداء الفرائض واجتناب المحارم، بأن لا يفعل كبيرة ولا يصر على صغيرة، واستعمال المروءة وهو فعل الجميل واجتناب ما يدل على دناءة الهمة.
وتثبت عدالة الشاهد باستفاضة ذلك كأهل الصلاح والدين المشتهرين به، وبشهادة عدلين على ذلك أو أنه مرضي الشهادة، وهذه المسألة مما يحكم فيها القاضي بعلمه اتفاقاً.
وتثبت عدالة الراوي بما تثبت به عدالة الشاهد إضافة إلى الحكم بشهادته، فإذا حكم حاكم عدل بشهادة الراوي، دل على أن هذا الراوي عدل عنده.
وشرب الدخان لا شك معصية من أصر عليها وأكثر من استعمالها فهو ممن ترد شهادته إلا في المجتمعات التي تكثر تعاطيه، حتى لا يكاد يوجد من لا يتعاطاه فمثل هذا تقبل شهادته؛ لأنها لو ردت لتضرر الناس وفاتت حقوقهم، وكذلك إذا شهد على من يتعاطاه لاشتراكهما فيه، والغالب أن مجالس الفساق ونحوهم لا يحضرها غيرهم، إذا لم يكن متهماً بالكذب في لهجته.
وكذلك إذا كان من يتعاطاه يعمل بفتوى من يبيح شرب الدخان، أما في غير ما ذكر فإن شارب الدخان غير مقبول الشهادة، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.(13/6)
تسمية الكفار بـ "محمد"
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 23/7/1423هـ
السؤال
ما حكم مناداة غير المسلمين باسم محمد؟ هذه الظاهرة منتشرة بصورة كبيرة عند الكبار والصغار، أفيدونا - يرحمكم الله -.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
الذي يظهر من السؤال هو أن الشائع لدى كثير من الناس حين ينادي شخصاً لا يعرف اسمه أن يقول: يا محمد ... يا محمد، وكأن هذا من أجل أن اسم محمد كثير في المسلمين، ولأنه اسم محبوب للنفوس.
لكن حين يكون المنادى غير مسلم فلا شك أن الأدب مع اسم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ومقتضى تشريفه ألا نبتذله، لا سيما في مناداة غير المسلم، ولكن لا يظهر لي أن ذلك حرام إذا سلم من الاستهانة بهذا الاسم أو ابتذاله، بدليل أن الكافر له أن يسمي نفسه أو ولده محمداً ونناديه بذلك من غير حرج، والله أعلم.(13/7)
بناء المراحيض لجهة القبلة
المجيب د. عبد العزيز بن أحمد البجادي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 5/1/1425هـ
السؤال
ما حكم جعل اتجاه المرحاض اتجاه القبلة للضرورة؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين.. وبعد:
فقد ثبت النهي عن استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة بحديث أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- في الصحيحين البخاري (394) ومسلم (264) ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط، ولكن شرقوا أو غربوا"، ولكن هذا النهي مخصوص منه ما كان في بنيان في قول كثير من العلماء كالأئمة الأربعة وغيرهم، أما الاستدبار في البنيان فمخصوص بحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- في الصحيحين البخاري (145) ومسلم (266) ، قال:" لقد ارتقيت يوماً على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على لبنتين مستقبلاً بيت المقدس لحاجته". وأما الاستقبال في البنيان فمخصوص بحديث جابر -رضي الله عنه-:"نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يُقبض بعام يستقبلها" رواه الترمذي (9) وأبو داود (13) وابن ماجة (325) وإسناده صحيح، وأما من ضعفه لعنعنة ابن إسحاق فقوله مردود بأن رواية أحمد فيها تصريحه بالحديث. وإنما حُمل الحديثان على ما كان في البينان؛ لأن الظاهر من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يفعل ذلك في بنيان؛ لشدة مبالغته في التستر. وعلى ذلك فالأولى اجتناب استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة سواء كان ذلك في بنيان أو في العراء، مع أن الاستقبال والاستدبار جائزان في البنيان، فمتى بنيت المراحيض على غير القبلة كان ذلك أولى، ومتى بنيته إلى القبلة كان ذلك جائزا، ً ولا سيما حال الضرورة أو الحاجة، والله أعلم.(13/8)
استخدام الدمى لإفراغ الشهوة
المجيب د. خالد بن سعود الحليبي
وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالأحساء
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 12/11/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب أدرس حالياً في الولايات المتحدة وأعاني من الفتن التي أواجهها وعملت ما في استطاعتي لأتزوج ولكن لم استطع لظروف خاصة، سؤالي يا شيخ هنالك بعض الدمى تشبه جسد المرأة وتباع في المحلات هل لي أن أشتري هذه الدمية لأفرغ شهوتي حال ثورانها فوالله الحال مرير يا شيخ وأشهد الله أني لا أريد الزنى وما جربته مطلقاً. أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد فقد قرأت سؤالك، واستمعت إلى شكواك ولا والله - لا ألومك- ولكني أرجو الله - تعالى - أن يعينك على طاعته وأن يثبتك على دينه، أخي الكريم، من يستعفف يعفه الله والحل هو الزواج الشرعي، فإن لم تستطع فعليك بالصوم كما في الحديث الذي تعرفه، وإذا بلغت بك الحال إلى أن تفرغ الشهوة إما بالزنا أو بالعادة السرية، فالأخيرة أولى مع حرمتها في حال عدم الوصول إلى حال الضرورة واحذر من الدمى فإنها طريق إلى الزنا، والعياذ بالله، وليس بعد جريمة الزنا إلا خزي الدنيا بالأمراض والفضائح وخزي الآخرة بالعذاب الشديد. ثبتك الله.(13/9)
الفرق بين الحسد والعين
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 23/1/1423
السؤال
ما الفرق بين الحسد والعين؟
الجواب
الحسد هو: كراهة حصول نعمةٍ لأحد من الخلق في نفسه أو أهله أو ماله، وتمني زوالها عن صاحبها.
أما العين: فهي قوة نفسية تؤثر في الأبدان والنفوس ويقال لصاحبها عائن، وكثيراً ما كان الحسد سبباً لتسلط العائن على صاحب النعمة فيضره بهذه القوة النفسية، قال ابن القيم رحمه الله: (الحسد أصل الإصابة بالعين) وبهذا يظهر أن بينهما عموماً وخصوصاً، فيقال: كل عائن حاسد وليس كل حاسد عائناً، وبالله التوفيق.(13/10)
حكم النثار
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 26/6/1424هـ
السؤال
لقد قرأت مرة أن أفعالاً كانت مكروهة في الجاهلية، وجاءت موافقة للخلق الإسلامي، ومنها (النثار) الذي ينثر بقايا الأكل من يده في الصحن، أو الذي يتكلم ورذاذ فمه يأتي على الطعام، وكذلك والأهم أولئك الذين يمسكون لحاهم (الذقن) ، ويلعبون بها، أو يشمونها، أو يدخلونها في أفواههم، وما يترتب على ذلك معروف، السؤال هو: ما حكم ما تقدم من ذلك في ديننا الكامل؟.
الجواب
لا شك أن ديننا الإسلامي ما ترك خيراً إلا دلنا عليه، ولا شراً إلا حذَّرنا منه، والمتتبع لسنة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يجد الأمر في ذلك واضحاً جلياً، حيث أقر من أمور الجاهلية ما كان حسناً، وأبطل منها ما كان باطلاً، وقد أمر عليه -الصلاة والسلام- بمحاسن العادات ومكارم الأخلاق.
ومن المعلوم أن الشريعة نظمت كل ما يحتاج إليه الناس، في شتى شئون الحياة، سواءٌ أكان ذلك خاصاً بالإنسان، أم مشتركاً بينه وبين غيره من الناس، ومن نظر في أحكامها يجد أنها أمرت بالعدل والإحسان في كل شيء، قال تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" [النحل: 90] ، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إن الله كتب الإحسان على كل شيء " رواه مسلم (1955) من حديث شداد بن أوس -رضي الله عنه-.
أما جواب ما سألت عنه، فهو كالآتي:
النثار الذي كرهه بعض العلماء المقصود منه: ما يُنثر على الناس في العرس من الجوز واللوز ونحوهما، فيلتقطه الناس ويتجاذبونه، وكره بعض العلماء هذا الأمر؛ لأنه يشعر بالدناءة وعدم المروءة في التقاطه، والله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها، وقد يأخذه من غيره أحوج إليه، أو غيره أحب إلى صاحب المال منه.
أما الذي ينثر بقايا الأكل من يده في الصحن، أو الذي يتكلم ويخرج من فمه شيءٌ من الطعام فيسقط على الأكل، فهو مكروه؛ لأن هذا مما يستقذره الناس، ولا يرضونه، والمسلم يجب عليه مراعاة حال رفقائه دائماً، وهو مخالف للآداب الشرعية للطعام، والرسول صلى- الله عليه وسلم- أرشدنا إلى آداب الطعام، ومن ذلك ما رواه عمر بن أبي سلمة -رضي الله عنه- أنه قال: كنت غلاماً في حجر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-:"يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك" متفق عليه عند البخاري (5376) ، ومسلم(13/11)
(2022) فإذا كان الإنسان منهياً أن يأكل من غير المكان الذي يليه، فالنهي عن نثر ما في يده أو ما في فمه في الصحن من باب أولى. أما ما ذكرته من أن بعض الناس يمسكون لحاهم (الذقن) ويلعبون بها، أو يشمونها، أو يدخلونها في أفواههم ونحو ذلك، فهذا من العادات التي اعتاد عليها بعض الناس والأمر في ذلك واسع؛ لأن العادات كما يذكر أهل العلم: الأصل فيها العفو، فلا حرج في شيءٍ من العادات التي لا تخالف النصوص الشرعية، ولكن ينبغي على المسلم أن يظهر بالمظهر اللائق دائماً، ويحرص على ألّا يبدو منه أي تصرف مشين، أو هيئة لا تناسب حال الإنسان المسلم، كما يندب له أن يكون مراعياً لشعور الآخرين، فلا يعمل ما يؤذيهم وإن كان مباحاً.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(13/12)
التنعت بصاحب العظمة والجلالة
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 23/4/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي يتعلق ببعض النعوت كصاحب الجلالة صاحب العظمة أو أسماء الله الحسنى، هل يجوز أن ينعت بها غير الله أجيبونا يرحمكم الله.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لا شك أن الاقتصاد في المدح والوصف للمخلوقين هو الأوفق والأليق، وعبارات التفخيم والتعظيم حادثة على قاموس الأمة المسلمة، مستجلبة من أعاجم الفرس والروم في تعظيمهم لملوكهم، وبالنسبة للسؤال فإن كان لهذا المخلوق الموصوف جلالة تناسبه فلا يظهر بأس في وصفه بجلالة الملك، أو صاحب الجلالة الملكية، ويكون مقيداً، أما الإطلاق هكذا: صاحب الجلالة وصاحب العظمة فهذه جلالة وعظمة مطلقة لا يستحقها المخلوق أياً كان، والشريعة تحمي جناب التوحيد، وتسد الذرائع المفضية إلى تعظيم المخلوق المفضي إلى الشرك، ومن ذلك ما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - لما قيل له: أنت سيدنا فقال: "السيد الله" رواه أبو داود (4806) من حديث عبد الله بن الشخير -رضي الله عنه- وسنده جيد، مع أنه له سيادة - صلى الله عليه وسلم - على أمته، ومثله قوله: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله" أخرجه البخاري (3445) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما-، ووفد على النبي -صلى الله عليه وسلم- ناس فقالوا له: يا خيرنا وابن خيرنا ... فقال: "يا أيها الناس عليكم بتقواكم لا يستهوينكم الشيطان أنا محمد بن عبد الله عبد الله ورسوله والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله -عز وجل-" رواه النسائي في الكبرى (10007) وأحمد (12551) من حديث أنس - رضي الله عنه- بسند صحيح.
فإذا كان هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعصوم المغفور له ما تقدم من ذنبه الذي له نصيب من كل ما ذكر يغلق هذا الباب؛ باب تعظيم المخلوق ورفعه فوق منزلته فكيف بغيره؟! ولهذا يتبين لنا أن عامة الشرك في الأفعال وفي التأله هو من باب التعظيم والغلو في الأشخاص.
وأما أسماء الله الحسنى فلا يجوز أن يوصف أو يسمى بها المخلوق؛ لأن ذلك نوع من الإلحاد في أسماء الله، وهو من أنواع التشبيه، وهو تشبيه المخلوق بالخالق، وخاصة في الأسماء التي لا يصح أن تطلق إلا على الله كالجبار، والحكم، والمتكبر، ونحوها، فلا يجوز إطلاقها على غير الله.
أما مجرد الوصفية دون العَلَمية لمعنى موجود في المخلوق يناسبه، كوصفه بأنه عزيز وحكيم وسميع وبصير ورحيم فأمر جائز؛ وقد جاء في التنزيل "إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً" [الإنسان: 2] ، وقوله تعالى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" [التوبة: 128] .(13/13)
القزع والصلاة
المجيب عبد الله بن فهد السلوم
مدرس بثانوية الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 25/8/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
هل ينقص (القزع) أو غيرها من القصات الغربية من أجر المصلي؟ ثم ما الأسلوب الأمثل - مع الدليل - لمناصحة الشباب في ذلك؟.
الجواب
الأخ الكريم: وفقه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
القزع منهي عنه، ومن فعله فهو آثم، وأجر الصلاة لا ينقص بفعل القزع أو غيره من الذنوب، ولكن الصلاة لو كانت تامة بخشوعها وشروطها وواجباتها وأركانها، لنهت صاحبها عن الفواحش والمنكرات.
أما الأسلوب الأمثل لنصح الشباب عن القصات الغربية، فإنه يكون بغرس روح العزة في قلب المسلم، وتميزه بأخلاقه وسلوكه وفكره واعتقاده، لأن الله يقول:"ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين" ويقول:"ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" وبقدر ما يتمسك العبد بدينه بقدر ما يعظم ربه، ويقوي إيمانه، ويعتز بإسلامه، وإذا كان كذلك فإنه يحقق الولاء والبراء، الولاء للمؤمنين بمحبتهم واتباع سبيلهم ونصرتهم، والبراء من الكفار والمنافقين وبغضهم وجهادهم ومفارقة سبيلهم، وعدم التشبه بهم، فمن قلد الكفار وأعجب بزيهم وأخلاقهم فأين حبه لدينه وولاؤه لله ولرسوله -عليه الصلاة والسلام- وللمؤمنين؟ والله يحفظكم.(13/14)
استئجار عصابات المافيا والانتماء إليها
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 14/4/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: أفدنا جزاك الله خيراً، ما حكم دفع المال للمافيات الذين يحموننا، علماً بأنهم يستعملونها في شراء الخمر وشربه وليس لنا غنى عنهم. وما حكم انتماء المسلم للمافية ومشاركته في أعمالهم من غصب الأموال وإخراجها من الناس بطرق -تعتبر في قوانين روسيا- غير شرعية.
الجواب
دفع المال لمن يحميك أو يدفع عنك الأذى والظلم جائز سواء كان المدفوع له هذا المال - مسلماً أو كافراً، فإن الدخول مع الكفار في عقود إجارة أو معاوضة ونحوها جائز شرعاً، فقد استأجر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر الصديق - في الهجرة من مكة إلى المدينة- (عبد الله بن أريقط) ليدلهم على الطريق ويحميهم من عيون قريش، انظر ما رواه البخاري (2263) ، من حديث عائشة - رضي الله عنها- ولا شيء على المسلم لو استعمل هذا الكافر أو الظالم كعضو (المافيا) المال في الحرام كالمخدرات ونحوها.
أما انتماء المسلم إلى منظمة (المافيا) أو عصاباتها فحرام لا يجوز، لأن في ذلك مشاركة في الظلم والتعدي على الناس وانتهاك حرماتهم وأكل أموالهم بغير حق، والله يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ" [النساء: من الآية29] ، ويقول الله في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجلعته بينكم محرماً فلا تظالموا"، رواه مسلم (2577) ، من حديث أبي ذر - رضي الله عنه- وفي الحديث الصحيح عن
عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه". رواه الترمذي (2416-2417) وغيره.(13/15)
جماع المخطوبة
المجيب محمد بن سليمان المسعود
القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 7/5/1424هـ
السؤال
ممارسة الزنا بعد الخطوبة، أو بصفة أدق بعد قراءة الفاتحة، هل هي كبيرة؟ وما حكمه في الشريعة؟ حيث إنني لا أستطيع الزواج هذا العام، ولا أستطيع الابتعاد عن هذا المرض، مع العلم أنني أصلي جميع الأوقات.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد: فجواباً على ما ذكره السائل فإن ممارسة الزنا والعياذ بالله لا شك أنه محرم وكبيرة من كبائر الذنوب سواء كان ذلك بعد الخطوبة أو قبلها أو أياً كان، وقد ورد في ذلك نصوص كثيرة في كتاب الله - تعالى -، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومما ورد في السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" رواه البخاري (2475) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- ولذلك فأنصحك أخي بالمبادرة بالزواج وإتمام الدخول بكل الوسائل المشروعة؛ لأن في ذلك تحصين لك من هذا المنكر العظيم، وهذا المرض الذي ابتليت به نسأل الله لنا ولك الهداية والصلاح والعصمة من الذنوب والمعاصي والمنكرات كبيرها وصغيرها، وقولك إنك لا تستطيع الزواج هذا العام هذا ليس بعذر في ما ذكرته، فابذل الأسباب المشروعة لإعفاف نفسك بالحلال، ومن يتق الله تعالى يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، وأيضاً قولك إنك تصلي جميع الأوقات فهذا أمر طيب لكن يجب عليك أن تتذكر قوله تعالى: "إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ" [العنكبوت: من الآية45] ، فلتكن هذه الصلاة مانعة لك من هذا المنكر، وتذكر وقوفك بين يدي الله تعالى وسؤاله، وتذكر بما تجيب به ربك ومولاك وقد جعل الله لك في الحلال غنية من الحرام جميعاً، واستعن بربك في تفريج الكرب وتيسير الأمور، فلا فرج ولا تيسير إلا من الله تعالى فهو تعالى نعم المولى ونعم النصير، وهو المستعان وعليه التكلان في جميع الأمور عظيمها وصغيرها.
وأنبه أيضاً على أنه لا يحل لك الخلوة بالمخطوبة ولا التحدث معها في خلوة لأنها أجنبية منك لا تحل لك حتى تعقد عليها العقد الشرعي الصحيح، وقبل ذلك فإتيانها فاحشة من الزنا والله تعالى أسأله أن يهدينا للحق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/16)
هل الفخذ عورة
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 16/7/1424هـ
السؤال
هل الفخذ عورة؟ وإذا كان كذلك فما جوابكم عن كشف الرسول-صلى الله عليه وسلم- فخذه عند أبي بكر وعمر، وأيضاً انكشاف فخذه- صلى الله عليه وسلم- وهو يحفر الخندق.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الفخذ عورة ويدل على ذلك حديث جرهد ومحمد بن جحش وابن عباس - رضي الله عنهم -:"الفخذ عورة" انظر مسند أحمد (2493، 15926، 22494) وسنن أبي داود (4014) وجامع الترمذي (2796) ، وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:"ما تحت السرة إلى الركبة من العورة" أخرجه أحمد (6756) وأبو داود (496) ، والدارقطني (1/230) . فهذه تدل على أن الفخذ عورة، وأما بالنسبة لما حصل من انكشاف فخذ النبي -عليه الصلاة والسلام-فيجاب عنه من وجوه: أولاً: أنه عارض وليس دائماً، وثانياً: أن الذي انكشف هو أوائل الفخذ يعني الركبة، وما بعد الركبة من أوائلها، وثالثاً: فإن العلماء حملوا هذا الانكشاف بالنسبة للشيخ الكبير الذي لا يتعلق بانكشاف فخذه فتنة، فهذه ثلاثة أجوبة عن هذا الحديث.(13/17)
إجهاض جنين الدابة لتلقيحها من فحل أطيب
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 14/10/1424هـ
السؤال
هل يجوز لمالك الدابة أن يسقط حملها طلبا لتلقيحها بفحل أطيب من الفحل الذي لقحت منه الدابة ابتداء بقصد تحسين النتاج؟ وهل يفرق بين ما إذا كان الحمل في بدايته وبعد التخلق؟ علماً أن إسقاط الحمل يكون بإبر طبية بلا ضرر على الدابة - بإذن الله -.
الجواب
بالنسبة لإسقاط الحمل في الحيوان لا يأخذ أحكام إسقاط الجنين بالنسبة للإنسان، لا من ناحية الحكم ولا من ناحية المدة التي يجوز فيها الإسقاط، فالحيوان خلقه الله - عز وجل- لمصلحة الإنسان وأباح له الانتفاع به، فإذا رأى الشخص وجهاً ما في تحقيق هذه المصلحة جاز له فعله، بشرط عدم تعذيب هذا الحيوان، وألا يكون القصد من ذلك هو العبث بهذا الحيوان، ولذا لم يذكر أحد من أهل العلم عدم جواز إسقاط أجنة الحيوانات، فالحكم هو الجواز، وإذا قيل بالجواز فلا ينظر في تحديد مدة الحمل، وهذا بشرط أن يكون القصد من هذا الفعل هو تحصيل مصلحة معتبرة.(13/18)
دلالة حديث تكفير الوضوء الخطايا
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 12/01/1426هـ
السؤال
هناك شخص يقول إنه لو نظر إلى النساء المتبرجات فترة طويلة ثم قام فتوضأ فإن ذنوبه تخرج مع قطر الماء؟ هل هذا صحيح؟ وما معنى حديث تكفير الوضوء للخطايا؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
الوضوء من الأعمال الصالحة التي يكفر الله بها السيئات والذنوب، وقد دل على هذا أحاديث، منها حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ- أَوْ الْمُؤْمِنُ- فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ- أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ- فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ- أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ- فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ- أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ- حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ". أخرجه مسلم (244) . وحديث عثمان بن عفان، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ". أخرجه مسلم (245) . والذي عليه جمهور العلماء أن الأعمال الصالحة مثل: الوضوء والصلاة والصيام والحج والعمرة وغيرها تكفر الصغائر دون الكبائر، لقوله تبارك وتعالى: (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا) [النساء: 31] . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ". أخرجه مسلم (233) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
قال النووي: (معناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فإنها لا تغفر، وليس المراد أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة) . فإن كان لا يغفر شيء من الصغائر، فإن هذا وإن كان محتملًا فسياق الأحاديث يأباه، قال القاضي عياض: (هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تؤت كبيرة هو مذهب أهل السنة، وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى وفضله. والله أعلم) .
ومن العلماء من يرى أن الأعمال الصالحة تكفر الصغائر فقط وبشرط عدم ارتكاب كبيرة لقوله تعالى: (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا) [النساء: 31] .(13/19)
وأما ما ذكره السائل عن الشخص الذي يقول: إنه لو نظر إلى النساء المتبرجات فترة طويلة ثم قام فتوضأ فإن ذنوبه تخرج مع الماء. فهذا الكلام من إيحاءات الشيطان، نسأل الله السلامة والعافية، فالشيطان حريص على إضلال بني آدم وإيقاعهم في المحرمات، ويدخل عليهم من مداخل وطرق كثيرة؛ كما قال سبحانه عن الشيطان: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف: 16، 17] . وقال سبحانه: (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ* إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 168، 169] . والله سبحانه وتعالى أمر عباده بطاعته واجتناب معصيته، وأمرهم بغض البصر وحفظ الفرج، قال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور: 30] . ودعا عباده إلى الاستجابة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال: 24] . وحذر سبحانه الذين لا يستجيبون لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، من أن يحال بينهم وبين قلوبهم؛ بمعنى يعاقبون بسبب ذنوبهم ومعاصيهم وعدم استجابتهم لأوامر الله، فلا يستطيعون الرجوع إلى الطاعة، وقد تخرمهم المنية وهم مقيمون على المعصية، أفلا يخشى من يقول هذا الكلام أن يحال بينه وبين قلبه، وألّا يوفّق لعمل صالح مقبول يكون مكفرًا لذنوبه، ثم إن إطالة النظر في النساء المتبرجات والإصرار على هذا يجعل المعصية كبيرة ويوقع الإنسان في الفتنة التي تجره إلى ما هو أعظم، ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم، أمته من فتنة النساء، فقال صلى الله عليه وسلم: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ". أخرجه البخاري (5096) ، ومسلم (2740) من حديث أسامة بن زيد، رضي الله عنه، وقال أيضًا: "إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ". أخرجه مسلم (2742) من حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه. هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(13/20)
احترام الحروف العربية
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 5/6/1424هـ
السؤال
ذكر بعض الحنفية وبعض المالكية أن الحروف المكتوبة محترمة وسواء كانت بالعربية أو بغيرها، ورتبوا عليه عدم جواز الاستجمار بأي ورقة فيها كتابة عربية أو غير عربية، فهل هذه الفتوى دقيقة.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
ما ذهب إليه بعض الحنفية، وبعض المالكية - كما ذكرت - وكذا بعض الشافعية، ومنهم تقي الدين السبكي في فتاواه (2/563 - 565) لا وجه له من جهة الدليل الشرعي، حيث استندوا في هذا القول إلى تعليلات لا تنهض دليلاً على الحكم بالتحريم، ومن ذلك قولهم إن هذه الحروف ينتظم منها كلام رب العالمين، وكلام سيد المرسلين وكلام الملائكة ... إلخ. وهذا تعليل عليل؛ لأن الحروف ينتظم منها أيضاً كلام شر الخلق كإبليس، والشياطين، والكفار، والمنافقين.. فليس لهذه الحروف حرمة بذاتها، وإنما الحرمة لكلام رب العالمين الذي قال الله تعالى فيه "لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ" [الواقعة:79] ، يعني: القرآن الكريم، ولذا لا يجوز الاستجمار بورق فيه كلام الله تعالى ولا كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه أيضاً من الوحي ولما في ذلك من الامتهان المحرم، والله تعالى أعلم.(13/21)
تحية مدرب ألعاب القوى
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 25/7/1424هـ
السؤال
ما رأي فضيلتكم بمن يقوم بالتحية للمدرب من دون انحناء؟ وذلك بأن يضم يده اليمنى ويضربها في يده اليسرى المفتوحة، علما أن هذه التحية تعطى لكل من يحمل حزاماً أسود، سواء كان كافراً أو مسلماً، ولو كنا في التمرين نقطعه ونقوم له من أجل إعطائه هذه التحية، مع العلم أننا لا نجد من يحسن إعطاءنا مثل هذه اللعبة إلا عنده، وهو يطالبنا بذلك من أجل أنها من لوازم اللعبة؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد فلا أحب لأخي السائل أن يؤدي التحية المذكورة، لأن المصافحة عبادة يؤجر فاعلها، فعن حذيفة - رضي الله عنه - مرفوعاً "إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر" أخرجه الطبراني في الأوسط (245) بسند جيد، وعن البراء - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا" أخرجه أبو داود (5212) والترمذي (2727) وحسنه، فاستبدالها بتحية أخرى غير طيب كما هو ظاهر.
مع أنها مأخوذة من غير المسلمين، فتكون محرمة أو مكروهة، فإن التشبه بالكفار نهي عنه، ومخالفتهم مشروعة سواء قصد الفاعل التشبه بهم أو لم يقصد، فقد نهي المسلم عن ترك بياض الشعر وطول الشارب، وهذه لا تقصد فيها المشابهة، ومع ذلك كانت مشمولة بالنهي عن التشبه بالكفار، وأعمال الكفار المأخوذة من دينهم أو ما اخترعوه من العبادات أو العادات كلها قد نهي المسلم عن مشابهتهم فيها، قال شيخ الإسلام: (ما أحدثوه (يعني الكفار) من العبادات أو العادات أو كليهما فهو أقبح، فإنه لو أحدثه المسلمون لقد كان قبيحاً، فكيف إذا كان مما لم يشرعه نبي قط بل أحدثه الكافرون، فالموافقة فيه ظاهرة القبح) اقتضاء الصراط المستقيم (1/423) . والغالب أن تلك التحية من بقايا الديانات الشرقية الوثنية.
وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم - "من تشبه بقوم فهو منهم" أبو داود (4031) ، وأحمد (2/50) عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - بسند حسن، فالتحذير شديد من التشبه.
ثم في تقديم التحية لغير المسلم وجه كراهة ثالث، فقد سئل الإمام أحمد عن مصافحة أهل الذمة فقال لا يعجبني. (غذاء الألباب 1/ 325) .
ومن جميع ما سبق تبين أن القيام بالتحية المذكورة غير مستحسن ولا مرغوب فيه، ولعل الله تعالى أن ييسر من يعلم هذه الرياضة من غير التحية المذكورة، والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.(13/22)
مشاهدة الأفلام الجنسية مع الزوج
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 13/7/1424هـ
السؤال
هل مشاهدة الأفلام الجنسية حرام، فأنا أشاهدها مع زوجي؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
سأجيب على سؤالك كما لو لم يكن في المسألة أي محذور شرعي. وأبدأ الجواب بسؤالٍ يكشف جوانب من الجواب: لماذا تشاهدانِ هذه الأفلام الجنسية؟!
ولا أحسبُ رضاك بمشاهدة زوجك لتلك الأفلام بحضرتك، ورضاه هو بمشاهدتك لها بحضرته، إلا وله أسبابٌ تستدعي منكما هذا الرضا، وتسوِّغ لكما هذا الاجتماع!
والذي يعنينا الآن قبل الجواب هو استقراء هذه الأسباب وتأملها بعين فاحصة ونظرة عميقة، فقد تكون تلك الأسباب في حقيقتها مشكلاتٍ تتطلب علاجاً يجتث المشكلة من جذورها، لا مُخدِّراً يزول أثره سريعاً كسرعة الاستجابة له!
وأول ما يبدر إلى أذهاننا من هذه الأسباب المحتملة ـ عند إحسان الظن ـ هو ما قد يعانيه الزوجان في علاقتهما الجنسية من الفتور وضعف الرغبة، وقد يكون ضعف الرغبة إنما هو في الطرف الآخر ذاته، لا في ممارسة العملية الجنسية نفسها، وهنا يهرع الزوجان إلى الاستعانة بمؤثراتٍ خارجيةٍ (خارج نطاق العلاقة الزوجية) تُهيِّج لهما الشهوة وتحرِّك فيهما الرغبة، فيجدان أحد هذه المؤثرات في مشاهدة الأفلام الجنسية!
وكما ألمحتُ قبلُ: فإنَّ هذه المشكلة (برود العلاقة الجنسية) أعمقُ بكثير من أن يكون حلها في هذا العلاج الآني ـ إن صح أن يسمى علاجاً ـ الذي قد لا تصبح له جدوى مع مرور الوقت؛ فكثرة المساس تُذهب الإحساس!
فالأجدى أن يلتمس الزوجان أسباب ذلك في طبيعة العلاقة بينهما، وفي طريقتِهما في المعاشرة.
1- فربما تكمن الأسباب في رتابة العلاقة بينهما وجفافها:
إمِّا بسبب إهمال أحدهما التجمل لصاحبه، فلا يبالي أن يظهر له بأي مظهر، ولو بالمظهر الذي يُزهِّد ولا يرغِّب.
وإمّا بسبب طبيعة تعامل الزوج مع زوجه، فبعض الأزواج يظهر أمام زوجته في بِزّته المهابة التي يظهر بها أمام الناس، فتصبح علاقته بها ـ بسبب ذلك ـ كعلاقة الرئيس مع المرؤوس، والمخدوم مع الخادم ... علاقة تغلب عليها شارة العظمة ولغة الاستعلاء، تُلقي في رُوعها الشعور بمهابة الزوج، فلا تكون بين يديه حين يدعوها لحاجته إلا كما يكون المريد بين يدي شيخه، أو كالآلة التي تُطاوِع ولا تملك فعل المبادرة!.
وإما بسبب عدمِ تعاهد الزوجة لما أودع الله فيها من جمال وزينةٍ بالعناية والرعاية، وهذا في النساء كثير، فتحسب إحداهن أن حقوق الزوج لا تزيد على طهي طعامه وغسل ثيابه، لا يحق له أن يسألها حقاً غير هذا.
وإما بسبب انشغال أحدهما أو تشاغله عن صاحبه بأعماله الخاصة، بسبب ما يغلب طبيعته من الأثرة والأنانية، (وهذا في الرجال كثير) ، فلا يلقى زوجته إلا وهو مشغول البال مكدود البدن.
2- وربما يكون السبب هو الجهل بطرق الإثارة ومواطنها، وبرغبات الطرف الآخر، وإهمالُ المقدمات الممهِّدات التي تُهيئ الجو المناسب، والذي يفضي بهما ـ بطبيعته ـ إلى المباشرة ... تدفعهما إليها الرغبة الصادقة، وليس المجاملة الكاذبة.(13/23)
وهكذا تستفحل هذه المشكلة، وتغشى البيتَ في صمت وبطء لا يشعران به، فتضفي عليه جو الرتابة والعلاقة الجافة، ثم تطول بالزوجين هذه الحياة الرتيبة، فيظنان كل الظن أن التغيير لن يتأتَّى إلا بمؤثراتٍ خارجية، وكأنهما قد جُرِّدا من مؤهلات التأثير ومهاراتِ الإغراء.
كلا! ـ أختي الفاضلة ـ إن حل المشكلة يكمن في الداخل.... داخل ذواتكما، ولستما بحاجة إلى استيراده من الخارج.
فليس من العيب إطلاقاً وليس من المحظور على المرأة أن تتعلَّم ما تحتاجه في علاقتها مع زوجها، حتى فيما يخص العلاقة الجنسية الصريحة، فهي لباس له كما هو لباس لها، بل من الأصلح أن تتعلَّم كل ما ينميِّ هذه العلاقة، ولو من خلال تعلم مهارات الإغراء والإثارة؛ فذلك أدنى أن يعينها وزوجها ـ إن شاء الله ـ على إعفاف الفرج وغضّ البصر وصيانة العرض.
وكما أن المرأة بحاجة إلى أن يتفهم الزوج طبيعتها ومشاعرها، فهو أيضاً بحاجة إلى أن تتعرف رغباتِه وحاجاتِه التي ينشدها فيها، ولذا فإن المرأة محتاجة إلى ثقافة جنسية تفتح لها آفاقاً جديدة من صور التفنن في إشباع رغبات الزوج وإشباع رغباتها كذلك، ولكن بالسبل المباحة فحسب، أما الحرام فلم يجعلِ الله فيه شفاءً.
ومن السبل المباحة في هذا الصدد: قراءةُ الكتب التي تُعنى بهذا الشأن بأسلوبها الجادّ، والتي تهدف إلى التثقيف في هذا الجانب دون إثارة الغرائز ونشر صور الرذيلة. والكتابات في هذا كثيرة، وفيها مَغنىً عن السبل المحرمة، فلا ضرورة إذاً لمشاهدة الصور أو الأفلام الجنسية مطلقاً.
وأما إهمال الزوجة للتجمّل وتقصيرُها في تبعلها لزوجها فليس قَدَرَاً مسلطاً لا فكاك لها منه، بل هو من صنيعها ونتيجة تقصيرها، ولا يرفعه إلا عزيمةٌ صادقةٌ تسوقها إلى أن تبذل غاية جهدها في إضفاء مسحة الجمال على أخلاقها وفِعالها وجسدها.
وإذا وُجِدَتْ منها هذه العزيمة الصادقة والثقافة الواسعة، فلن تني في اهتمامها في هذا الجانب: بالتطيب، والتزين، وحسن الأدب، واللين في المعاملة، والتفنن في أساليب المداعبة والمزاح، ومخاطبة زوجها بأرق الكلام وأعذبه وأهذبه.... وكل هذه كفيلة ـ ولا شك ـ بطرد السآمة والرتابة عن الحياة الزوجية، وخلقِ جو الحب والمودة الذي ينمي العلاقة ويقوي الصلة.
إن هذا الجمال الذي أودعه الله في جسد المرأة لم يُخلق عبثاً، ولكنه نعمةٌ، فعليها أن ترعاه بالعناية، وأن توظِّفه في إعفاف زوجها وترغيبه فيها، فهو المنفرد من بين سائر الناس بالاستمتاع به، وبيته هو محله، وليس محله محافل النساء.
وأما مشاهدة الأفلام الجنسية بذريعة تهييج الشهوة الكامنة وتنشيط الرغبة الفاترة، أو بذريعة تعلُّم طرق جديدة للمباشرة، فقد تجدي مشاهدتها في هذا الباب بعضَ الجدوى، وقد يجدا فيها شيئاً من الفوائد، ولكنه حتماً سيجلب عليهما، أو على الزوجة على وجه الخصوص مفاسدَ أعظم، قد لا تنكشف آثارها إلا بعد زمان طويل، أو طول تأمل!
والآن أستعرض لك ما يحضرني من مفاسد مشاهدة الأفلام الجنسية:(13/24)
لا يخفى عليك ما لمنتجي هذه الأفلام من العناية الشديدة في انتقاء أجمل النساء لتسويق أفلامهم، فلا تكاد تظهر امرأةٌ في هذه الأفلام إلا وقد مرَّت بمراحل التجميل، زيادةً على ما وهبها الله من الجمال الطبيعي؛ ليضفي ذلك عليها جمالاً فوق جمال.
ومن الطبيعي حينئذ أن تخسر الزوجة الرهان في هذه المقارنة، ليس لأنهن أجمل منها من حيث الجمال الطبيعي، فهذا قد تساميهن فيه الزوجة أو تربو عليهن، ولكن لما يضفيه عليهن براعة التصوير ومسحات التجميل من جمال أخّاذ، فتبدو أمام المشاهد في غاية الفتنة وأشد صور الإغراء.
ومن ثمَّ ينخدع الزوج بهذا الإخراج والتزويق! ويزهد في صاحبته، فلا يأتيها إلا بمؤثرٍ خارجي يسمى (أفلاماً جنسية) ، بل ربما تغشاها وفي خياله صورة امرأةٍ أخرى، فتصبح الزوجة مجرد آلة يُجسدُ فيها خيالَه؛ ليفرغ فيها شهوته إفراغاً مجرداً من مشاعر الحب والعاطفة الصادقة. فإياكِ إياكِ أن تداويه بالتي كانت هي الداء! ولا تعينيه على تسريح طرفه في المتبرجات العاريات، فالمفسدة في هذا تطالكما جميعاً.
هذا هو الجواب كما لو لم يكن للدين أي علاقة بالمسألة! وهذه هي آثار المشاهدة، كما تبدو ظاهرةُ المفسدة.
فكيف إذا كان الشرع قد حسم فيها رأيه، فتحريم النظر إلى العورات وإلى النساء المتبرجات معلوم من دين الإسلام، ومشاهدة هذه الأفلام الجنسية داخل في هذا الباب، فلا شك في حرمته، ولو للتنشيط للوطء، "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ... " الآية [النور: 30، 31] .
ولو كان في هذه المحرمات مصالحُ عاجلة أو آجله لأباحها الشرع، ولكنها مفاسد تنتج مفاسد، وشر يفضي إلى شر، والله لم يجعل شفاء الأمة فيما حرم عليها.
أسأل الله أن يجعلك قرة عين لزوجك، وأن يحببك إليه ويحببه إليك، وأن يرزقك وإياه العفاف والكفاف، ويسعدكما بذرية صالحةٍ.
-وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم-.(13/25)
إلقاء السلام على الكافر
المجيب د. علي بن عمر با دحدح
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 17/11/1423هـ
السؤال
هل يجوز إلقاء السلام على زميلي الكافر في العمل؟ وهل يجوز زيارته؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أولاً: لا بد من معرفة التحية الإسلامية ودلالتها (السلام عليكم) السلام: اسم من أسماء الله الحسنى، بمعنى السلامة، والله جل وعلا هو السلام لأنه سالم من كل عيب ونقص، وله الكمال المطلق من كل وجه، فالسلام سبحانه وتعالى سلمت أفعاله من مخالفة الحكمة، وسلمت صفاته من مشابهة صفات المخلوقين، وسلمت حياته من نقص الموت والسنة والنوم، وسلمت قدرته من قصور التعب والإعياء والعجز، وعلى العموم فهو السالم من كل ما ينافي الكمال بأي وجه من الوجوه.
وقول المسلم (السلام عليكم) له عدة معان متقاربة، فمنها أن السلام إخبار المسلم لأخيه المسلم بأنه سيكون سالماً من كل أذى أو مكروه يناله منه، فهو إعلان للمسالمة والموادعة.
ومنها: أن السلام تذكير بالله السلام الذي سلم من المكروهات، وأمن من المحذورات، وأعطى الخيرات.
ومنها: أن السلام بشارة والمعنى أن المسلمين يبشر بعضهم بعضاً بالسلامة من الشرور وحصول الخير.
ومن المعلوم أن التحية والسلام من خصائص الأمم والشعوب، فلكل أمة تحيتها القولية والفعلية، وهذه تحية المسلمين وهي جزء من هويتهم ومزيتهم التي يتميزون بها عن غيرهم.
وبالنسبة للسلام مع غير المسلمين فهناك حالات:
الأولى: ابتداء المسلم غير المسلمين بالسلام، وهذا ورد النهي عنه في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام" رواه مسلم (2167) .
والثانية: رد السلام إذا كان الابتداء من غير المسلم، وهذا ورد فيه حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- في الصحيحين البخاري (6257) ومسلم (2164) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم، السام عليك فقل: عليك" والمراد بالسام عليك: أي الموت لك، ولذا يكتفي بالجواب بذلك، وفي رواية عائشة قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: السام عليك، ففهمتها فقالت: وعليكم السام واللعنة، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"مهلاً يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله، فقالت: ألم تسمع ما قالوا، فقال لها: قد قلت لهم وعليك" متفق عليه البخاري (2935) ومسلم (2165) .(13/26)
وفي حالة التأكد أن التحية التي قيلت هي السلام عليكم بلا شك فقد قال ابن القيم:"الذي تقتضيه الأدلة الشرعية وقواعد الشريعة أن يقال له: وعليك السلام، فإن هذا من باب العدل والله يأمر بالعدل والإحسان، وقد قال تعالى:"وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها" [النساء:86] فندب إلى الفضل وأوجب العدل ولا ينافي هذا شيئاً من الأحاديث فإنه -صلى الله عليه وسلم- إنما أمر بالاقتصار على قول الراد: وعليكم. بناء على السبب المذكور الذي كانوا يتعمدونه في تحيتهم" فإذا زال السبب وقال الكتابي: السلام عليكم ورحمة الله فالعدل في التحية يقتضي أن يرد عليه نظير سلامه".
وأما الزيارة ففيها تفصيل يمكن إيجازها في هذه الحالات:
الأولى: إن كان المقصود من الزيارة دعوته للإسلام ويرجو استجابته فلا مانع بل يؤجر على ذلك، وقد ثبت عن البخاري في صحيحه (1356) من حديث أنس -رضي الله عنه- أنه قال:"كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فمرض فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فعاده، فقعد عند رأسه فقال له أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له:"أطع أبا القاسم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم-وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار".
الثاني: إن كان هناك سبب معتاد متعارف عليه للزيارة فلا مانع، فإن كان قريبه نصرانياً فله حق القرابة، ويدخل فيها الزيارة وكذا الجار فعموم الأمر بالإحسان إلى الجار تدخل فيه الزيارة، ونحو ذلك من الأسباب المألوفة، ويحسن أن ينوي دائماً أن تكون زيارته دعوة للإسلام ولو غير مباشرة وذلك بإظهار محاسن الإسلام وأخلاق المسلمين وحسن الصلة والتعامل، ويحسن مع ذلك أن تكون الزيارة بقدر الحاجة، وبما لا يقع فيه محرم أو تأثير سلبي برؤية المنكر وعدم الإنكار.
الثالثة: إن كانت الزيارة على سبيل التعظيم له وفيها إظهار منزلة له أرفع من المسلم، وأنه صاحب الفضل والمنة، وكان إلى ذلك خشية الافتتان به والتأثر بأقواله وأفعاله، فهذه الزيارة ممنوعة لمخالفتها القواعد الشرعية التي فيها فضيلة المسلم ورفعة مقامه، وما ورد من النهي عن تهنئتهم في أعيادهم وغير ذلك مما يتضمن الإقرار بالباطل أو الافتتان به.
وبالجملة ما كان فيه مصلحة والمفسدة فيه مأمونة فلا بأس بقدر ما تقع به المصلحة، ويكون فيه إظهار حسن تعامل المسلمين ووفائهم بالحقوق والواجبات الإنسانية ولا يخالطه تعظيم أو ترخص في الخلطة التي تؤدي إلى الوقوع في ارتكاب المحرمات.(13/27)
هل السحاق شذوذ محرم
المجيب د. عبد الرحمن بن علوش المدخلي
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 21/10/1423هـ
السؤال
أحب صديقة لي حباً شديداً وحدث بيني وبينها سحاق ولا أدري ماذا أفعل لنترك هذه العادة؟ وهل نعد شواذ؟ مع العلم أننا نحافظ على صلاتنا وأننا محجبات، ولكننا لا نستطيع التخلي عن هذه العادة فهل هذا حرام؟ وكيف سيعاقبنا الله عز وجل؟ وهل حبنا هذا حرام؟ الرجاء الرد لأنني في حالة شديدة من الخوف من الله عز وجل!
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن ما يسمى بالسحاق من المحرمات وقد عده ابن حجر من الكبائر، فقال: الكبيرة الثانية والستون، مساحقة النساء وهو: أن تفعل المرأة بالمرأة مثل صورة ما يفعل بها الرجل؛ لحديث واثلة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"سحاق النساء بينهن زنا" رواه الطبراني (في الكبير رقم 153 ج: 22، ص: 63) ، وأبو يعلى في مسنده (4/1806) ، وقال الهيثمي (6/256) : رجاله ثقات، وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال:"نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تباشر المرأة المرأة في ثوب واحد.."الحديث، حديث ابن مسعود في البخاري (5241) وليست فيه زيادة في ثوب واحد ولكنها في الترمذي (2793) والحديث عند مسلم (338) من طريق أبي سعيد الخدري وعند أحمد عن طريق جابر (14836) .
وقد اتفق جمهور العلماء على حرمة هذا العمل كابن حزم وابن مفلح وابن تيمية وغيرهم ولم ينص أحد منهم على إباحته، وعليك أختي في الله أن تتوبي إلى الله تعالى لأن هذا العمل محرم، ويعد من الشذوذ، وفقكن الله لما يحب ويرضى، وهذا الحب يظهر والله أعلم أنه ليس حباً من أجل الله تعالى بل حب لشهوة، وعليه فإني أخشى أن تدخلن في قوله تعالى:"الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين" [الزخرف:67] والله أعلم.(13/28)
سماع الغناء
المجيب أ. د. صالح بن محمد السلطان
أستاذ الفقه بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 11/7/1424هـ
السؤال
ما حكم سماع الغناء؟
الجواب
الغناء المسؤول عنه - حرام بالكتاب والسنة الصحيحة، وعليه الأئمة الأربعة وأتباعهم، فأما الكتاب فآيات منها:
(1) قوله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" [لقمان:6-7] .
قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في تفسير لهو الحديث، والله الذي لا إله غيره هو الغناء يرددها ثلاث مرات.
قال الواحدي وغيره: أكثر المفسرين: على أن المراد بلهو الحديث: الغناء.
(2) قوله تبارك وتعالى: "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً" [الإسراء:64] .
قال مجاهد - رحمه الله -: صوته: الغناء والباطل.
(3) قوله سبحانه وتعالى: "وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً" [الفرقان:72] .
قال محمد بن الحنفية: الزور هاهنا الغناء.
وأما السنة فعدة أحاديث منها:
(1) ما رواه البخاري في صحيحه (5590) عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف".
والمعازف جمع معزفة وهي كل آلة طرب ولهو.
وقوله: يستحلون أي يجعلون الحرام حلالاً بفعلهم، وهذا صريح في تحريم المعازف.
(2) ما رواه الترمذي في سننه (1005) والحاكم في المستدرك (6908) والبيهقي في السنن الكبرى (4/69) واللفظ له عن جابر - رضي الله عنه - في قصة موت إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لم أنه عن البكاء وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب مزامير شيطان، وصوت عند مصيبة، خمش وجوه، وشق جيوب، ورنة".
قال الترمذي حديث حسن وصححه ابن القيم وغيره.
وأما ما جاء عن السلف فكثير من ذلك: قول ابن مسعود - رضي الله عنه -: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع.
وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: إني لأبغض الغناء. وسئل عنه الإمام مالك فقال: إنما يفعله الفساق عندنا.
وقال الإمام الشافعي: وصحاب الجارية إذا جمع الناس لسماعها، فهو سفيه ترد شهادته، وقال: هو دياثة، فمن فعل ذلك كان ديوثاً.
وقال الإمام أحمد: الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني، ثم ذكر قول مالك: إنما يفعله الفساق عندنا.
وقال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: الغناء رقية الزنا.(13/29)
هذا كلام الأئمة والسلف في الغناء في وقتهم، فكيف لو رأوا غناء أهل هذا الزمان!! الذي إن لم يتضمن مجوناً وعشقاً تضمن شركاً وكفراً!! وأقل أحواله أن تصاحبه آلات العزف المحرمة وأداؤه من نساء أجنبيات قد كشفن عن عوراتهن وتزين بكل زينة مع تكسر في الحركات وخضوع بالقول وترنم في العبارات، فكيف يجرؤ عاقلاً على إباحته، قال العلام ابن القيم - رحمه الله -: ومن مكايد عدو الله ومصايده - أي الشيطان - سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة، الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية اللواط والزنا، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المنى.
وقال: رحمه الله وأكثر ما يورث عشق الصور، واستحسان الفواحش، وإدمانه يثقل القرآن على القلب، ويكرهه إلى سماعه.
فإذا كان كذلك فلا ريب أن كل غيور يجنب أهله سماع الغناء، كما يجنبهن أسباب الريب، ومن طرق أهله إلى سماع رقية الزنا فهو أعلم بالإثم الذي يستحقه.
وبهذا يعلم حرمة الغناء ولو لم يكن فيه إلا هذه المفاسد لحكم العاقل بتحريمه، فكيف وقد جاءت النصوص بذلك.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، هذا ما تيسَّر نقله ومن طلب الزيادة فعليه بكتاب إغاثة اللهفان لابن القيم.(13/30)
اقتناء الثعابين
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 23/12/1424هـ
السؤال
ما حكم اقتناء الثعابين في مكان محكم الإغلاق (لتجنيب الناس خطرها) لغرض مشاهدة الناس لها ومن ثم الكسب المادي؟ لأنني سمعت أن الثعابين تقتل في الحل والحرم.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بقتل الحيات في أحاديث كثيرة، منها
ما رواه مسلم (1198) عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال:"خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحُدَيَّا "، وما رواه مسلم (1200) وغيره أن رجلاً سأل ابن عمر- رضي الله عنهما-: ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم؟ قال حدثتني إحدى نسوة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور، والفأرة، والعقرب، والحديا، والغراب والحية، قال: وفي الصلاة أيضاً، وما رواه أبو داود (921) والترمذي (390) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- " أمر بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب".
وفي هذه الأحاديث يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتل الحيات، والأصل في الأوامر أنها للوجوب، ولذلك فإنه يجب على كل من رأى هذه الحيات أن يقتلها إن استطاع ذلك، اتقاءً لشرها ودفعاً لضررها عن الناس، إذ لو تركها لربما أصابت إنساناً فألحقت به الأذى، أو تعرضت لحيوان فأهلكته، ونحو ذلك.
وبهذا يتبين المقصود من أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من قتل الحيات، وهو: دفع ضررها وخطرها وأذاها عن الناس. ومن المعلوم أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، ولذلك فإنه يجوز ترك الحيات وإبقاؤها إذا أمن الناس من شرها وأذاها، كما لو كانت محفوظةً في مكان مغلق لا تستطيع الخروج منه، خصوصاً إذا كان تركها لأجل أمر مطلوب، كأن يطلع الطبيب عليها ويتعرف على سمها، ومن ثم يحاول الوصول إلى طريقة علاجه.
وكذلك الأمر بالنسبة لك، فإنه يجوز لك تركها في مكان مغلق؛ ليتمكن الناس من رؤيتها، ويحصل لهم بذلك التفكر في مخلوقات الله -سبحانه وتعالى-، وليتعرفوا على هذا المخلوق العجيب؛ ليحترسوا منه ويأمنوا من شره، فإن الإنسان إذا عرف الأمر على حقيقته أمن من شره. ومما ينبغي التنبيه عليه أنه لا يجوز لك أن تتخذ هذه الحيات من أجل أغراضٍ فاسدة: كأن يكون المقصود من ذلك إلحاق الأذى بالآخرين، أو تخويفهم بها، أو تسليط بعض هذه الثعابين على بعض، ونحو ذلك من الأمور التي لا يقرها ديننا الحنيف والله الموفق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(13/31)
حكم التصفير
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 03/05/1425هـ
السؤال
ما حكم الصفير بالفم؟ وهل يدخل في قوله: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية"؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالصفير موضع خلاف بين العلماء - رحمهم الله تعالى- فمن العلماء من كره الصفير واستدل - كما ذكر السائل - بالآية بقول الله - عز وجل-: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ... " [الأنفال: 35] ، فقالوا: بأن هذه الآية دليل على النهي عن التصفير والتصفيق، وذهب بعض العلماء إلى أن هذا جائز بناء على أنه من قبيل العادات، وإذا كان كذلك فإنه جائز، وخرّجوا الآية على أنها في حال العبادة فقط، والأقرب أن الإنسان لا يصفر، فإنه ورد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قول الله - عز وجل-: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ... " [الأنفال:35] ،قال: (كانت قريش تطوف في البيت عراة تصفر وتصفق، والمكاء: التصفير، والتصدية: التصفيق، وكذلك أيضاً ورد ذلك عن ابن عمر - رضي الله عنهما- ومجاهد ومحمد بن كعب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، والضحاك وقتادة في جمع من السلف، فابن عمر- رضي الله عنهما- كما ذكر ابن جرير قال: المكاء الصفير، والتصدية: التصفيق، وذكر ابن عمر - رضي الله عنهما- أنهم كانوا يضعون خدودهم على الأرض ويصفقون ويصفرون، وكذلك كما أسلفت ورد عن مجاهد ومحمد بن كعب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ... إلخ، فالأقرب لذلك أن الإنسان لا يصفر.(13/32)
حكم تزكية الآخرين
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 19/7/1424هـ
السؤال
ما هي التزكية؟ وهل تجوز تزكية الآخرين؟.
الجواب
تزكية النفوس مسلمة إلى الرسل، وإنما بعثهم الله لهذه التزكية وولاهم إياها، وجعلها على أيديهم دعوة وتعليماً وبياناً وإرشاداً، لا خلقاً ولا إلهاماً، فهم المبعوثون لعلاج نفوس الأمم، قال الله - تعالى -: "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" [الجمعة: 2] ، وقال - تعالى -: "كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون" [البقرة: 151] ، وتزكية النفوس: أصعب من علاج الأبدان وأشد، فمن زكى نفسه بالرياضة والمجاهدة والخلوة التي لم يجيء بها الرسل فهو كالمريض الذي يعالج نفسه برأيه، وأين يقع رأيه من معرفة الطبيب، فالرسل أطباء القلوب، فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم، وعلى أيديهم وبمحض الانقياد والتسليم لهم، والله المستعان.
والمقصود: أن زكاة القلب موقوفة على طهارته، كما أن زكاة البدن موقوفة على استفراغه من أخلاطه الرديئة الفاسدة، قال - تعالى -: "ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم" [النور: 21] ، ذكر ذلك سبحانه عقب تحريم الزنا والقذف ونكاح الزانية، فدل على أن التزكي هو باجتناب ذلك، وكذلك قوله - تعالى - في الاستئذان على أهل البيوت: "وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم" [النور: 28] ، فإنهم إذا أمروا بالرجوع لئلا يطلعوا على عورة لا يحب صاحب المنزل أن يطلع عليها كان ذلك أزكى لهم، كما أن رد البصر وغضه أزكى لصاحبه، وقال-تعالى-: "قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى" [الأعلى:14-15] ، وقال - تعالى - عن موسى - عليه السلام- في خطابه لفرعون: "هل لك إلى أن تزكى" [النازعات:18] .(13/33)
والتوحيد: هو أصل كل زكاة ونماء، فإن التزكي وإن كان أصله النماء والزيادة والبركة، فإنه إنما يحصل بإزالة الشر، فلهذا صار التزكي ينتظم الأمرين جميعاً، فأصل ما تزكو به القلوب والأرواح: هو التوحيد، والتزكية جعل الشيء زكياً، إما في ذاته وإما في الاعتقاد والخبر عنه، كما يقال: عدلته وفسقته، إذا جعلته كذلك في الخارج أو في الاعتقاد والخبر، وعلى هذا فقوله - تعالى-: "فلا تزكوا أنفسكم" [النجم: 32] ، هو على غير معنى قوله - تعالى -: "قد أفلح من زكاها" [الشمس: 9] ، أي لا تخبروا بزكاتها، وتقولوا: نحن زاكون صالحون متقون، ولهذا قال عقب ذلك: "هو أعلم بمن اتقى" [النجم:32] ، وكان اسم زينب برة فقال - صلى الله عليه وسلم -: "تزكي نفسها" فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- زينب" رواه البخاري (6192) ومسلم (2141) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وقال في الحديث الآخر: "الله أعلم بأهل البر منكم"رواه مسلم (2142) ، من حديث زينب بنت أم سلمة - رضي الله عنها -، وكذلك قوله - تعالى - "ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم"؛ أي يعتقدون زكاءها، ويخبرون به كما يزكي المزكي الشاهد، فيقول عن نفسه ما يقول المزكي فيه، ثم قال الله تعالى: "بل الله يزكي من يشاء" [النساء: 49] ، أي: هو الذي يجعله زاكياً، ومثله قوله -تعالى-: "قد أفلح من تزكى" [الأعلى: 14] ، ومنه ما رواه أحمد في مسنده (25757) وغيره من حديث عائشة - رضي الله عنها- أنها فقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - من مضجعه، فلمسته بيدها، فوقعت عليه وهو ساجدٌ، وهو يقول: رب أعط نفسي تقواها زكِّها أنت خير من زكَّاها، أنت وليها ومولاها" وعند مسلم (2722) ، من حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير مَنْ زكَّاها أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها"، فهذا الدعاء كالتفسير لهذه الآية، وأن الله - تعالى - هو الذي يزكي النفوس، فتصير زاكية، فالله هو المزكي، والعبد هو المتزكي، وتزكية الآخرين بالثناء عليهم، أو الإخبار بتقواهم إذا لم يخف عليهم فتنة بإعجاب ونحوه جائزة، والله أعلم.(13/34)
تقبيل الأخت
المجيب د. عبد الرحمن بن علوش المدخلي
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 27/04/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: زوجي يحب أخته بجنون، ويقبلها بجنون، وفي بعض الأحيان ينام معها، هل هذا جائز أم لا؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن تقبيل ذات المحارم من بنات وأخوات جائز إذا أمن على نفسه الشهوة، فقد سئل الإمام أحمد - رحمه الله تعالى- هل يُقبِّل الرجل ذات محرم منه؟ قال: إذا قدم من سفر ولم يخف على نفسه، والأصل في هذا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قدم من الغزو قبَّل فاطمة - رضي الله عنها-، رواه أبو داود والترمذي.
وفي صحيح مسلم من حديث البراء - رضي الله عنه- قال: دخلت مع أبي بكر - رضي الله عنه- على أهله فإذا عائشة - رضي الله عنها- ابنته مضطجعة قد أصابتها حُمى فرأيت أباها يُقبِّل خدها، وقال: كيف أنت يا بنية؟ وقد قَبَّل خالد بن الوليد - رضي الله عنه- أخته، لكن اشترط العلماء لذلك شروطاً:
1- أن يكون للرحمة.
2- ألا يكون على الفم، بل على الجبهة أو الرأس، أو الخد أحياناً.
3- أن يكون لسبب كسفر أو مرض.
4- ألا يخاف على نفسه، فإن خاف على نفسه ترك ذلك.
أما بالنسبة للنوم معها فإن كان على سرير واحد فلا يجوز شرعاً؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "....وفرقوا بينهم في المضاجع"، وأما إن كان في غرفة كل على سرير فهذا جائز؛ لأنه محرم لها، ولا حرج في ذلك. والله أعلم.(13/35)
التعري لأجل الفحص الطبي
المجيب د. أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 21/10/1424هـ
السؤال
لغرض الالتحاق بالخدمة العسكرية يلزم التجرد التام من جميع الملابس لعمل فحص طبي، فهل هذا جائز؟.
الجواب
إذا دعت الضرورة أو الحاجة الملحة إلى التعري، فإن الضرورات تقدر بقدرها، لقوله تعالى: "فمن اضطر غير باع ولا عاد فلا إثم عليه" [البقرة:173] ، لكن يقتصر على الوقت والقدر الذي تدعو إليه الضرورة، فكما يتعرى عند اغتساله وتغوطه للضرورة، أو الحاجة، أو عند إجراء عملية جراحية لهذا الموضع، أي مكان العورة، فإنه يجوز للطبيب أن يجريها وينظر إلى العورة التي في الأصل لا يجوز النظر إليها، ولكن للضرورة أبيح له ذلك، فلعل ما ذكرته من هذا القبيل. وبالله التوفيق.(13/36)
معاملة الشاذ جنسياً
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 28/3/1425هـ
السؤال
ما حكم الإسلام في الشواذ جنسياً؟ وكيف نتعامل معهم إذا علمت أن أحد أقاربي الذكور هو شاذ جنسياً؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فقد أجمع أهل العلم على تحريم الشذوذ الجنسي وهو مذموم في كتاب الله؛ قال -تعالى-: "ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون" [الأعراف:80-81] ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله من عَمِلَ عَمل قوم لوط" انظر ما رواه الترمذي (1456) والنسائي في السنن الكبرى (7337) ، وأحمد في مسنده (1/309) .
وكذلك فإن مباشرة المرأة للمرأة حرام بالإجماع، وقد روى ذم ذلك في سنن البيهقي الكبرى (8/233) ، والشرع نظم الممارسة الجنسية فلم يأذن بممارستها مع غير الزوجة أو ملك اليمين، قال تعالى واصفاً أهل الإيمان: "والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون" [المعارج: 29-31] .
والواجب نحو الشاذ جنسياً أولاً: نصحه وتذكيره؛ فإن الدين النصيحة ببيان الحكم وأثر هذا الفعل على السلوك والنفسية وعواقبه الشرعية والصحية.
ثانياً: منعه من هذه الممارسة بالقوة إن كان تحت الولاية والقدرة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" أخرجه مسلم (49) من حديث أبو سعيد - رضي الله عنه -.
ثالثاً: السعي إلى علاجه من هذا المرض نفسياً أو بدنياً إن أمكن بطريق العمليات الجراحية.
رابعاً: السعي عند ولاة الأمر إلى تنفيذ حكم الشرع فيه إن لم يمكن علاجه ونصحه، فإن ذلك كفارة له في الدنيا وردع له عن فعله وزجر لغيره عن هذه الممارسة.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.(13/37)
حرمة الحشيش أشد أم الخمر؟
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 12/01/1426هـ
السؤال
سؤالي عن مدى تحريم الحشيش، وهل هو أكثر حرمة من الكحول؟ ولماذا؟ وشكرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
الحشيش مسكر، وهو محرم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ". أخرجه مسلم (2003) . ولم يفرق بين مسكر ومسكر، ولا فرق بين أن يكون مأكولًا أو مشروبًا أو جامدًا، وهذا يتناول الحشيشة أيضًا؛ لأنها تسكر آكلها حتى يبقى (سكرانا) ، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنها أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج، حتى يصير في الرجل تخنث ودياثة، وغير ذلك من الفساد، والخمر أخبث من جهة أنها تفضي إلى المخاصمة والمقاتلة، وكلاهما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة. [ (مجموع الفتاوى (28/339) ] . والله أعلم.(13/38)
مصافحة الأجنبيات في بلاد الغرب
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 28/06/1425هـ
السؤال
أنا أعمل في إحدى شركات الاتصالات، وأنا من الشباب الملتزمين -ولله الحمد-، ومرة طُلِب مني السفر للخارج لأخذ دورة متخصصة في مجال عملي، وعند وصولي إلى الدولة الغربية حصلت أمور كثيرة أحصرها فيما يلي، وأود إجابتكم عنها واحدة واحدة مشكورين مأجورين، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الدورة متخصصة جدًا، ولا يوجد لها مثيل في الدول العربية جميعاً، وكذلك سافرت برفقة مجموعة من الزملاء:
1-عند دخولنا المعهد المخصص قابلتنا امرأة كبيرة في السن، واستقبلتنا استقبالاً حاراً، وكل واحد منا تسلم عليه مصافحة وتسأله عن اسمه الخ ... فأنا عملت كما عمل أصحابي، وسلمت عليها محرجاً منها.
2- بعض المحاضرات تقدمها نسوة متبرجات فما العمل؟.
3- عند مقابلتنا لمسؤولات، أو عندما نريد أن نسألهن لا بد أن تضع وجهك ونظرك إلى وجهها، وتتحدث معها، فهل هناك محظور شرعي؟.
4- ونحن في شوارع تلك الدولة نرى نساء شبه عاريات، مع حرصنا الشديد على تجنب ذلك.
سؤالي يا شيخ في هذه الحالة، هل علينا إثم؟ وماذا نعمل؟ أرجو إجابة عن سؤالي من منظور التسامح والرفق في الدين، وكذلك تزويدي بأكثر من رأي لعلمائنا الأجلاء؛ لكي تتم الفائدة.
الجواب
لا يجوز للرجل أن يصافح امرأة أجنبية منه، ولو كانت كبيرة في السن، لعموم النصوص الواردة في تحريم ذلك، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لا أصافح النساء " رواه النسائي (4181) وابن ماجة (2874) ، ولما رواه البخاري (4891) وغيره عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "والله ما مست يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام ".ولما رواه معقل بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لاتحل له " أخرجه الطبراني في الكبير (20/210) والرويائي في مسنده (227/2) ، وقال المنذري: ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح " وحسن الحديث الألباني في غاية المرام [196] والصحيحة [226] .
ويمكن لمن ابتلي بامرأة أجنبية تمد يدها لتصافحه أن يعتذر عن ذلك برفق، ويبين أن سبب امتناعه هو سبب شرعي يلزمه به دينه، وليس القصد منه تنقص المرأة أو الترفع عنها، وغالباً ما يحصل الاقتناع إذا أحسن الشخص تفسير موقفه بالامتناع من المصافحة، وقد يكون هذا الموقف أحيانا وسيلة إلى جذب انتباه الطرف الآخر إلى أحكام الإسلام ومبادئه، وربما أدى به ذلك في النهاية إلى الإسلام.(13/39)
ولكن إذا تيقَّن الإنسان في بعض الحالات أن امتناعه عن المصافحة سيجر عليه مفسدة أكبر، أو يفوت عليه مصلحة أعظم من مفسدة المصافحة، كعدم القبول للعمل أو الدراسة، وهو محتاج إليهما حاجة شديدة، ولا يجد بديلاً عن ذلك، فيرى بعض العلماء أنه لو صافح المرأة في مثل هذه الحال فلا حرج عليه، لأن كثيراً من أحكام المسلمين في بلاد الغرب ينطبق عليها حكم الضرورة أو الحاجة التي تقرب منها، لكن لا يجوز أن يتساهل في هذا الأمر ويجعله قاعدة عامة، بل هو وضع استثنائي، وحالة خاصة تقدر بقدرها، ومثل ذلك يقال في المحاضرات التي تقدمها نسوة متبرجات، والنظر إلى النساء، فهذا لا يجوز، وعلى المسلم أن يختار المحاضرات التي يتولاها الرجال، ويغض بصره عن النظر إلى النساء، مادام ذلك ممكناً، وأما إذا اضطر إلى حضور مثل هذه المحاضرات؛ نظراً لعدم وجود الرجال، ولا يستطيع أن يحصل على هذه الدورة أو الشهادة إلا عبر المرور بهذه المحاضرات، وهذا التخصص مهم يحتاجه المجتمع المسلم ولا يستغني عنه، فعليه إذا حضر هذه المحاضرات أن يقتصر على الحد الأدنى منها، مع الحرص على غض البصر، والبعد عن مجتمع النساء داخل القاعة الدراسية، فيكون جلوسه وحديثه ومشاركته مع الرجال دون النساء. والله أعلم.(13/40)
الشمة السوداء (النشوق)
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 17/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
انتشرت ظاهرة بين المراهقين وهي ظاهرة (النشوق) أو ما يطلق عليه الشمة السوداء، فما الحكم فيها؟ أثابكم الله.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
النشوق أو ما يسمى (بالشمة) إن كان المقصود بها الشمة المعروفة، والتي تؤخذ من نبات التبغ، ويضاف لها بعض المواد، فهي داخلة في حكم التبغ، ومثلها مثل شرب الدخان، بل علها أكثر ضرراً، والحكم في استنشاق التبغ (كالدخان والشمة) أنه محرم؛ لما فيه من الأضرار المؤكدة التي تهلك الجسم وتورثه الأمراض الكثيرة، فيكون ممنوعاً لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ضرر ولا ضرار" صحيح الجامع (2/1250) ، ولقوله -تعالى-: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً" [النساء: 29] . والله أعلم.(13/41)
القات: حكمه وعقوبته
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 8/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما حكم القات الذي يتناوله الناس في شرق أفريقيا وجنوب الجزيرة العربية، هل هو محرم؟ وما هي عقوبة من يفعله؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
القات من أصناف المفترات، وقد ورد النهي عن المسكرات والمفترات في حديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كل مسكر ومفتر" رواه أبو داود وسكت عنه، وصححه الهيثمي في الفتاوى الكبرى (4/229) ، وكذا صححه العراقي والشوكاني. فالقات يؤول في النهاية إلى تفتير الجسم وتخديره، بالإضافة إلى ما يورثه تناول القات من الأضرار اللاحقة بالجسم والعقل والنفس، والمال، والأسرة، والمجتمع، حيث تصرف فيه الأوقات والأموال، وتضيع الواجبات من أجل مجالس القات، ولا ينكر هذا الأمر أحد ممن فيه إنصاف، ومن أجل ما سبق فإن حكم القات هو التحريم لاحتوائه على الأمور السابقة، أما عقوبته فيظهر لي أنها عقوبة تعزيرية تعود إلى تقدير الإمام بما يحقق المصلحة، ويدرأ هذه المفسدة عن المجتمع. والله أعلم.(13/42)
الاستمناء
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 21/07/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
هل روي أن أحد الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الاستمناء، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم- افعل ما شئت؟ أو هل هناك ما يشبه هذا الحديث؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فإنه لم يرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث بهذا اللفظ، ولا بنحوه فيما أعلم، بعد استقراء ما تيسر من كتب السنة، وإنما روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في هذا حديثان ضعيفان، وقد أوردهما ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/633) ، أما الأول فساقه من طريق مسلمة بن جعفر، عن حسان بن حميد، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يجمعهم مع العالمين، يدخلهم النار أول الداخلين إلا أن يتوبوا: الناكح يده ... " الحديث ... ثم قال ابن الجوزي: (هذا حديث لا يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا حسان يعرف، ولا مسلمة) ا. هـ، ثم ساق ابن الجوزي الحديث الآخر من طريق إسماعيل البصري عن أبي جناب الكلبي عن الخلال بن عمير عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "أهلك الله - عز وجل- أمة كانوا يعبثون بذكورهم"، ثم قال ابن الجوزي: (وهذا ليس بشيء، إسماعيل البصري مجهول، وأبو جناب ضعيف) ا. هـ.
وبهذا يتبين لك أنه لم يثبت في هذا الباب شيء على سبيل النص (يعني: بدلالة المنطوق) . أما على سبيل الاستدلال بالمفهوم، فقد استدل المالكية على تحريم الاستمناء بحديث ابن مسعود - رضي الله عنه- قال: (سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء") متفق عليه، قال الحافظ ابن حجر في الفتح
(9/112) : واستدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء؛ لأنه أرشد عند العجز عن التزويج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة، فلو كان الاستمناء مباحاً لأرشد إليه لأنه أسهل، ويعتضد هذا الاستدلال باستدلال الشافعي - رحمه الله - على التحريم بقوله تعالى: "والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون"، حيث استدل على التحريم بأنه - أي الاستمناء- ليس من الوجهين الذين أباحهما الله - عز وجل-،كما صرح به في الأم (5/94-145) ، وهذا القول -وهو التحريم- هو مذهب جمهور أهل العلم، كما حكاه عنهم ابن العربي في أحكام القرآن (3/315) ، حيث قال: (وعامة العلماء على تحريمه، وهو الحق الذي لا ينبغي أن يدان الله إلا به ... ولو قام الدليل على جوازها -يعني عادة الاستمناء- لكان ذو المروءة يعرض عنها لدنائها" ا. هـ.(13/43)
ولما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الاستمناء أجاب في مجموع الفتاوى (34-229) ، بقوله: (أما الاستمناء باليد فهو حرام عند جمهور العلماء، وهو أصح القولين في مذهب أحمد، وكذلك يعزر من فعله) ، وفي القول الآخر: (هو مكروه غير محرم، وأكثرهم لا يبيحونه لخوف العنت، ولا غيره، ونقل عن طائفة من الصحابة - رضي الله عنهم- والتابعين أنهم رخصوا فيه للضرورة، مثل أن يخشى الزنى، فلا يعصم منه إلا به، ومثل أن يخاف إن لم يفعله أن يمرض، وهذا قول أحمد وغيره، وأما بدون الضرورة فلا علمت أحداً رخص فيه، والله أعلم) ا. هـ.
هذا ولا يخفى ما يترتب على هذا العمل القبيح من أضرار نفسية، وعضوية، واجتماعية، حذَّر منها بعض المختصين، ومنهم الدكتور/ أحمد محمد كنعان في كتابه القيم: (الموسوعة(13/44)
واجبنا تجاه إخواننا في أفغانستان
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 2/2/1422
السؤال
: لقد رأينا مما حدث لإخواننا في أفغانستان ما يحزن القلوب المؤمنة، ويعتصرها ألماً، وإننا نسأل؛ ما هو واجبنا تجاههم؟ وما الذي يمكن عمله لنصرتهم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وبعد:
الصبر أمره عظيم وثوابه كبير، وهو خلق الأنبياء والمرسلين وخلق عباد الله المؤمنين الصالحين. بل كل خير في الدنيا والآخرة فهو بالصبر منوط ومتصل. قال تعالى " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " وقال الله تعالى: " ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور " وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" الصبر ضياء ".
وقال الصديق أبو بكر: " الصبر نصف الإيمان ".
فوجب على كل مسلم التحلي والتخلق بالصبر ويتأكد الأمر بالصبر عند نزول المصائب وحلول الكوارث إيماناً بقضاء الله وصبراً على أقداره ورضاً به تعالى وبحكمه، مع انتظار الفرج ورجائه منه جل وعلا.
قال تعالى: " وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ".
أما الشعور بالحزن في القلب من جراء المصيبة والمحنة وبكاء العين فهذا لا حرج فيه، ولا ينافي - بحمد الله - الصبر والرضا، بل هو من آثار رقة قلب المؤمن والرحمة التي في قلبه، وقد حزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبكى عند وفاة ابنه إبراهيم كما في حديث أنس في صحيح البخاري، وقال - صلى الله عليه وسلم -: " إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلاّ ما يرضي الرب ".
وحزن كذلك وبكى لما بلغه قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة وهم قادة جيش المسلمين في غزوة مؤتة، ونعاهم - صلى الله عليه وسلم - على المنبر وهو يبكي وعيناه تذرفان وغير ذلك.
بشرط ألا يجزع المسلم ولا يسيء بربه الظن، وبشرط ألا يصدر منه كلام ينافي التوكل أو يظهر الجزع بالصراخ والعويل ولطم الخدود ونشر الشعور وشق الثياب.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله لا يؤاخذ بحزن القلب ولا بدمع العين ولكن يؤاخذ بهذا وأشار إلى لسانه أو يعفو ".
فرج الله عنا وعن هذه السائلة وعن إخواننا المسلمين في الأفغان وفلسطين وغيرها كل نائبة وجبر مصابنا وستر أحوالنا بمنه وكرمه والحمد لله رب العالمين.(13/45)
مناصرة إخواننا في أفغانستان
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 10/8/1422
السؤال
لقد رأينا مما يحدث لإخواننا في أفغانستان ما يحزن القلوب المؤمنة، ويعتصرها ألماً، وإننا نسأل ما هو واجبنا تجاههم؟ وما الذي يمكن عمله لنصرتهم؟
الجواب
المسلم له حقّ النصرة على إخوانه المسلمين كلٌ بحسب طاقته، والمسلمون في أفغانستان حلّت بهم نازلة عظيمة توجب على إخوانهم المسلمين في كل بقاع الأرض إعانتهم، كل بحسب طاقته، وإنّ من أهم ذلك ما يلي:
1. استشعار الأخوة الإيمانية التي تربط بينهم وبين كل مسلم، فإن هذا الأمر أعظم ما يدفع الإنسان لنصرة إخوانه المسلمين، وبدون وجوده فإنّه لا يتصور منه الاهتمام والسعي للعون، ولا يُرجى منه خير.
2. بذل المستطاع من المال لمساعدتهم في هذه المحنة التي أوذوا فيها وشردوا، وأصبحوا في حاجة كل شيء.
3. تعريف المسلمين على وجه العموم، والمحسنين منهم على وجه الخصوص بقضيّتهم، وحثّهم على البذل والإنفاق لإخوانهم.
4. الابتهال والتضرّع إلى الله آناء الليل، وأطراف النهار، وفي الصلوات أن يزيل كربتهم، ويكشف ما بهم؛ فإن الدعاء سلاح عظيم في كل الأوقات، وعلى الأخصّ في أوقات الكرب والشدّة، وقد وعد الله بإجابة دعاء السائلين الصادقين، ووعْده حقّ، حيث قال - عزّ من قائل -: ((وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)) وقال: ((أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السّوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون)) .
والله في عون العبد ما دام في عون أخيه.(13/46)
السلام على الفاسق ورده عليه
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 10/8/1422
السؤال
هناك بعض الناس تكون نواياهم سيئة، أو فساقاً، أو قد يلقي السلام ليس لقصد السلام بل لمقاصد أخرى، فهل يجب السلام ورد السلام عليهم؟
الجواب
إلقاء السلام من حق المسلم على أخيه حتى لو كان فاسقاً ورده واجب، ولا علاقة للمسلم بما في قلوب المسلمين، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يرد السلام على اليهود مع علمه بيهوديتهم وتحريف سلامهم، فقد كانوا يقولون: [السام عليك] أي الموت، وكان يجيبهم - صلى الله عليه وسلم - بقول: [وعليكم] انظر ما رواه البخاري (2935) ، ومسلم (2165) ولم يزد. وإنشاء السلام من شعائر الإسلام والله أعلم.(13/47)
العلاقات الدولية وحقوق الإنسان
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 29/4/1422
السؤال
ماذا يقدم الإسلام فيما يتعلق بالعلاقات الدولية وحقوق الإنسان، في بعض الأحوال المعينة؟
الجواب
جاء الإسلام بالحث على الأخوة الدينية بين المُسلمين لقول الله تعالى: "فأصحبتم بنعمته إخواناً" ولقوله: "إنما المؤمنون إخوة" فلذلك يجب على المُسلمين أن يتعاونوا فيما بينهم، ويوالي بعضهم بعضاً، ويحصل بينهم التناصر والتعاون على البر والتقوى، وعليهم أداء ما يجب عليهم من الحقوق الإسلامية من بعضهم لبعض، وكذلك أجاز الإسلام عقد المواثيق والمُعاهدات مع الكُفار إذا كان في ذلك مصلحة لقول الله تعالى: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق" وقوله تعالى: "إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق" وقوله تعالى: "وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها" وكل ذلك يدل على أن الإسلام يحرص على الأمن والاطمئنان وإصلاح العلاقات الدولية بين الأمم إذا كان فيه مصلحة، مع وجوب الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله إذا توافرت الشروط وانتفت الموانع، والله أعلم.(13/48)
إنابة الزوجة في التحضير المدرسي
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 27/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا مدرس في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم، وأقوم بعملي داخل المدرسة، إلا أنني لا أقوم بالتحضير للدروس، وزوجتي متخرجة وجالسة في المنزل ولا تعمل، فأترك التحضير لها، فهي التي تقوم به، هل هذا العمل يجوز لي أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. علماً بأني وإياها متفاهمان والحمد لله.
الجواب
إذا كانت زوجتك تملك الكفاءة في ذلك وأنت لا تلقي الدرس إلا بعد استيعابه جيداً والإحاطة به فلا أرى حرجاً في ذلك، لا سيما إذا كنت مضطراً إلى ذلك، لكن إن كان هناك تساهل وتفريط وإجازة لتحضيرها وهو غير كاف وهي لا تملك الأداة الكاملة للقيام بذلك فلا يجوز، ولا ينبغي أن يكون ذلك إلا في حدود الحاجة، هذا إذا كانت قادرة، والله تعالى أعلم.(13/49)
الإضراب عن الطعام
المجيب د. محمد بن إبراهيم الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 10/2/1424هـ
السؤال
ما حكم الإضراب عن الطعام؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فالإضراب عن الطعام إذا كان يضر به بحيث يضعف البدن عن القيام بالواجبات الشرعية، أو يفضي به إلى الهلاك فهو محرم، ولا يحل لعموم قول الله - عز وجل -: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" [البقرة: 195] .
وعموم قوله - عز وجل - "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً" [النساء: 29] ، والله أعلم.(13/50)
حقوق ولد الزنى وأمه على الزاني
المجيب د. عبد الله بن ناصر السلمي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 23/7/1423هـ
السؤال
السلام عليكم. أرجو الإجابة على سؤالي.
لقد كنت على علاقة غير شرعية مع امرأة، فأثمرت تلك العلاقة عن حملها سفاحاً، ثم هددتني بالفضيحة فتزوجت منها مكرهاً، ثم طلقتها بعد أن أنجبت طفلاً ذكراً (سفاحاً مني) ، أما أنا فقد عزمت على التوبة. هل لهذه المرأة وولدها بعد طلاقها حق النفقة؟ وهل للولد حق الميراث؟ أفتوني - وفقكم الله -.
الجواب
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وبعد:
لا شك أن علاقتك مع المرأة ومعاشرتك لها يعد زنا والعياذ بالله، والزنى عقوبته إذا كان الزوج محصناً، - وهو: كل مكلف مسلم وطئ بنكاح صحيح - هو الرجم حتى الموت، وإن كان غير محصن فهو الجلد مائة جلدة، إذا ثبت زناه، والواجب عليك التوبة والابتعاد عن مواقع الريبة، مع المواظبة على العمل الصالح، قال - تعالى -: " وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً" [الفرقان:71] ، وقال - تعالى -:" إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" [آل عمران:89] .
ثم إن زواجك من هذه المرأة بعد زناك بها فيه مخالفة شرعية من وجهين:
الوجه الأول: أنه لا يجوز نكاح الزانية، ولا الزاني إلا بعد التوبة والإقلاع والصلاح، كما قال - تعالى -: " الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ" [النور:3] .
الوجه الثاني: أنه لا يجوز الزواج من الزانية بعد توبتها إلا بعد استبراء رحمها ووضع جنينها؛ لأن الولد لا ينسب إليك، إنما ينسب إلى أمه، ولست أباه في الشرع، وأما المرأة فليس لها نفقة بعد طلاقها إلا إذا كانت حاملاً أو مرضعاً ترضع ولدك، وإذا كان هذا الولد ليس ولدك شرعاً، فلا تجب عليك نفقة، ولكن من باب الإحسان والرفق، والعطف، لك أن تنفق على الولد وتحسن إليه حتى يشب ويترعرع؛ لأنه لا ذنب له، والإثم عليك وعلى أمه، ولا يجوز أن ينسب إليك، والعلم عند الله - تعالى -، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(13/51)
سرق من أبيه، فكيف يتوب؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 24/8/1424هـ
السؤال
قبل فترة أخذت مالاً من والدي من غير علمه، وندمت ندماً شديداً بعد صرفه، فتبت إلى الله ولم أستطع أن أرجعه أو أقابله وأخبره، والآن والدي توفي ولا أعلم ماذا أفعل؟ هل أتصدق عنه بقدر المال؟
الجواب
عليك أن تعيد المبلغ لورثة أبيك، ولا يلزم أن تخبرهم بأنك أخذته من والدك بالخفاء، وإنما ممكن أن تقول سلمني إياه شخص يقول هذا لوالدك، ويقتسمونه على حسب الإرث الشرعي وأنت واحد منهم.(13/52)
الحلف على القطيعة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 14/2/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
لقد سبق مني أن أقسمت بالله العظيم ألا أدخل منزل أحد الأقارب وذلك لشجار ما حصل بيننا وتلفظت باللعن علي إن دخلت منزله، وجرت الأيام بيننا وتم الصلح ودعاني لزيارته في منزله وتناول الطعام معه فما الحكم في ذلك؟ وهل اللعن وجب علي إن دخلت منزله؟ وما الكفارة؟ وأسأل الله لكم التوفيق والسداد، وأن يجعل ذلك في موازين حسناتكم.
الجواب
لا يجوز للمسلم أن يلعن نفسه ولا يلعن من لا يستحق اللعن، وعليك التوبة والاستغفار عن اللعن، ويحسن أن تكفِّر عن يمينك وتدخل دار قريبك وتأكل من طعامه لقوله -صلى الله عليه وسلم-:"إني والله إن شاء الله ما حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها" رواه البخاري (5518) ، ومسلم (1649) .(13/53)
كيف أكفل يتيماً
المجيب محمد بن سليمان المسعود
القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 3/4/1424هـ
السؤال
سؤال عن أحكام كفالة اليتيم. بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: إذا أراد شخص كفالة يتيم يستوجب عليه أن يعيش معه في المنزل أم يكتفي بدفع مبلغ الكفالة لدار الأيتام؟ وهل الكفالة تكون مرة واحدة أو يتم دفع المبلغ حتى بلوغ اليتيم؟ آمل منكم الإفادة العاجلة، جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله -تعالى- وبعد:
لا شك أن فضل كفالة اليتيم جاءت به السنة، وذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً" رواه البخاري (5304) من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه- وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه" رواه مسلم (2631) من حديث أنس - رضي الله عنه-، وهناك أحاديث صحيحة في هذا الموضوع مما يدل على فضل ذلك وأهميته، لأنه من التكافل والمواساة التي أمرت بها الشريعة ودعا إليها نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وكذلك جاءت في كتاب الله -تعالى- قصة أم مريم بنت عمران، مما يدل على فضل كفالة اليتيم. وبالنسبة لما ذكره السائل: هل كفالة اليتيم تستوجب عليه أن يعيش معه في المنزل أم لا؟ أم يكتفي بوضع مبلغ لدار الأيتام، وهل يدفع المبلغ مرة واحدة أم ينتظر حتى يبلغ؟ والجواب على هذه الفقرة: أن كونه يعيش معه في المنزل فإنه لا حرج في ذلك، ولكن ليس بواجب ولا يعتبر شرطاً حتى يتحقق معنى الكفالة، وقد دل على ذلك قوله تعالى: "فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" [البقرة:220] وهذا خير، لكن ما دام أن هناك دوراً خاصة للأيتام تتولى المتابعة والإشراف والقيام بما يلزم لليتيم على الوجه الأكمل، والتربية الشرعية، فلعل هذا يكون أفضل، لما لديهم من القدرات والكفالات والاستعدادات لأجل هذا الأمر، لكن يجب أن تكون دوراً موثوقة سليمة المنهج والطريقة، ولك إن شاء الله -تعالى- أجر الكفالة، وفضل الله واسع، ما دام أنك ساهمت بمالك، وينبغي أن يعلم أن الاستمرار في دفع مبلغ الكفالة حتى بلوغ اليتيم أعظم في الأجر، وكذلك ينبغي بين الفترة والأخرى زيارة اليتيم الذي قمت بكفالته لتتحقق من قيامهم بالواجب تجاه ما أنفقته من مالك إن تيسر لك ذلك، وأسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا وإياك لما فيه رضاه، وأن لا يحرمنا وإياك الأجر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/54)
الامتناع من الاقراض
المجيب د. حمد بن حماد الحماد
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 11/7/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ الكريم، هل يأثم من يملك مبلغاً معيناً من المال، وهو ليس بحاجة له بصورة مباشرة وإنما يدخره لحالات الطوارئ؟ وقد جاءه شخص يعرفه، ويعرف صلاحه، ويعرف أنه بحاجة ماسة لهذه النقود طالباً الدين، ولم يقبل إعطاءه هذا المبلغ، فبماذا تنصح هذا الشخص مستنداً إلى روح الإسلام؟ وبارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
لقد رغَّب الإسلام في القرض الحسن ابتغاء الأجر من الله تعالى، حتى جعل قرض المال مرتين كالصدقة به، لكن لا يجب على من عنده مال زائد عن حاجته أن يقرضه، وإنما يستحب له ذلك.(13/55)
إغاثة العراق بكل طوائفه
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 27/2/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ.. تجري في هذه الأيام حملة واسعة لجمع الصدقات لشعب العراق المنكوب، فما رأي فضيلتكم في التبرع لهم؟ مع أن فيهم طوائف مبتدعة ضالة وأخرى كافرة، والغالب أن التبرعات تصلهم كما تصل أهل السنة؛ فالقائمون على توزيعها لا يفرقون بين أهل السنة وغيرهم.
وقد يكون في التبرع في هذه الحملة تقويةٌ لشوكة الطوائف الضالة وإظهارٌ لها.
أفتونا مأجورين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن الإحسان بابٌ واسع، والصدقة لا ينحصر أجرها في المسلمين، بل في كل كبدٍ رطبةٍ أجرٌ، كما نص على ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله:"في كل كبد رطبة أجر"، وهو يعم كل حيٍّ من إنسان أو حيوان.
كما يدل على ذلك قوله تعالى:"ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً" قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "كان أُسراؤهم يومئذ من المشركين".
وكذلك حديث الرجل الذي وجد كلباً يلهث يأكل الثرى من العطش....فسقاه فشكر الله له رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لهما: "أن بغيِّاً من بغايا بني إسرائيل وجدت كلباً يكاد يقتله العطش فسقته الماء فغفر الله لها، فقالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجراً؟! فقال: "في كل كبدٍ رطبة أجر".
فأي حرجٍ ـ إذاً ـ في دفع الصدقات لشعب العراق الذي نهكته الحرب والفقر والمرض وتتابعت عليه المصائب والكروب ـ ما دامت الصدقة مشروعة حتى للكافر الحربي والسبع الضاري؟
أما التخوف من أن يكون التصدقُ عليهم يقوي شوكةَ الطوائف الضالة والكافرة على أهل السنة، فقد يكون له اعتبارٌ وحظٌ من النظر لو أن أموال الصدقة تؤول إلى أسلحةٍ توزّع عليهم ليتواجهوا.
ولكن أموال الصدقة توؤل عند تفريقها إلى أغذيةٍ أو أدويةٍ وما شابه ذلك، وما علمنا أن مثل هذا يقوي شوكة، إنما يعالج مرضاً، أو يسد جوعةً.
إن أهل السنة في العراق يعيشون في مواجهة عدوان خارجي أمريكي غاشم، وليس من المصلحة في شيء أن نحرِّك كوامن عداوة داخلية أخرى من هذه الطوائف على أهل السنة.
ولا نشك أن المصلحة الشرعية تقتضي المسالمة بين هؤلاء، فلديهم مواجهة مشتركة مع العدو الخارجي.
لقد كنا ولا نزالُ نخاف على إخواننا المسلمين الجوعى الملهوفين تلك الحملات التنصيرية التي تغزوهم متدثِّرةً بدثار الإغاثة مستترةً بستار الإعانات الطبية، ولم نكن نخاف منها هذه البرامج الإغاثية ـ والتي هي نوع من الإحسان في ظاهرها ـ إلا لأنها تستميل قلوب أولئك الجوعى وتؤثر فيهم؛ ولأجل هذا فنحن نعده من أقوى أسلحة هؤلاء في تنصير المسلمين.
فلماذا لا نأخذ بهذا السلاح نفسه ـ سلاح الإغاثة والإحسان ـ لأجل استمالة قلوب تلك الطوائف الضالة للحق، أو ـ على أقل تقدير ـ دفع غوائلهم عن أهل السنة؟!
إن من الأوهام التي غطّت على عقولنا زمناً طويلاً حتى أصبحت وكأنها من القضايا المسلَّمة: أن الرافضي لا يترك مذهبه لمذهب أهل السنة أبداً، وأن هدايته تستعصي على كل حجة، وعلى كل وسيلة.(13/56)
وهذا الوهم صار سدّاً يحجزنا ـ زمناً طويلاً ـ عن التواصل معهم وبذل أي محاولةٍ لدعوتهم إلى مذهب أهل السنة والجماعة، واضطرنا هذا الوهم ـ أيضاً ـ إلى ركوب جادة الإغلاظ والمسابة والاستفزاز في مخاطبتهم. وكم كنا في غنىً عن كل ذلك.
إن باب معاملة الناس بالحسنى والعدل واللين في الخطاب....إلخ هو من أوسع أبواب الدعوة إلى الله، بل هو أوّلها وأولاها، ولكننا جعلناه أضيقها وآخرها ـ إن بقي لنا نَفَسٌ إلى آخرها، وكم نجيد عند المناظرات والمحاجّة لغةَ الاستفزاز والسخرية التي يجيدها كل أحد، والتي كثيراً ما تدفع بالخصم إلى المعاندة والاستكبار.
ومن عباءة هذا الوهم وذلك التخوف من أن تقوى ـ بصدقاتنا ـ شوكةُ الطوائف الضالة على أهل السنة ـ خرجت هذه الشبهة التي حملها السؤال (كيف نتصدق على شعب العراق وفيهم الطوائف الضالة والكافرة؟!) .
والمقصود أنني لا أرى حرجاً في التصدق على شعب العراق، ولو كانت بعض الصدقة تصل إلى غير أهل السنة، بل وإلى غير المسلمين.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/57)
الأكل مع الأيتام
المجيب د. سليمان بن صالح الغيث
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 9/4/1424هـ
السؤال
أختي أم لطفلين يتيمين توفي والدهما، وأصغرهما عمره خمسة أشهر، والآن تعيش معي في بيتين قريبين جداً، ولكننا نختلط في المأكل والمشرب والسكن..، لكن هناك من يحرم علينا أكلهم، حتى الماء الذي نشربه حرموه بحجة أنهم أيتام ولا يجوز أكل ما يأكلون.. ما هو رأي فضيلتكم في ذلك؟ وجزيتم خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد: لا يظهر أن فيما ذكرته السائلة بأس، وليس هذا داخلاً في أكل مال اليتيم، والنهي الوارد عن أكل مال اليتيم إنما يكون في التسلط على ماله واستغلاله وصرفه في غير مصلحته، أو جحده ونحو ذلك.
أما ما ذكرته السائلة فهو مما تعارف الناس عليه؛ إذ لو قيل بحرمة ذلك لتوقف الناس عن زيارة الأيتام في بيوتهم خشية إضاءة مصباح كهربائي أو تشغيل مكيف، بل ربما يعيش الأيتام في عزلة بسبب ذلك، ومعلوم ما في هذا من الحرج، والدين يسر، ولن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه، وما يريد الله ليجعل علينا في الدين من حرج.
لكن أيضاً ينبغي لمن وسع الله في رزقه عند زيارته للأيتام أن يحمل معه ما يتحفهم به، ويلاطفهم به، ويعوضهم شيئاً من الحنان الذي افتقدوه.
كما أؤكد على أن الأعمال بالنيات، فمن كان في نيته من زيارة الأيتام فقط مجرد الأكل من طعامهم وأن هؤلاء أيتام يأكل في بيتهم ما يشاء دون حسيب أو رقيب فهذا يدخل في أكل أموال اليتامى.
أما إن كانت النية من الزيارة هي ملاطفتهم وتأنيسهم وإدخال الفرح والسرور لهم بهذه الزيارة ما أمكن فهذا نسأل الله - جل وعلا - أن يجزيه على أجر نيته، وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(13/58)
يتسمّى بغير اسمه، وينتسب إلى غير أبيه
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 16/9/1424هـ
السؤال
هل يجوز للمرء أن يأخذ جنسية دولة أخرى غير دولته؟ وباسم غير اسمه الأصلي، وإذا كان هذا جائز فهل يعتبر من الانتساب لغير الأب؟ علما أن هذا الشيء لمصلحة فقط ولفترة مؤقتة. والسلام عليكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
أما بالنسبة لمسألة التجنس فقد سبق أن نشر الموقع جوابا للشيخ د. خالد الماجد فلتراجعه.
أما بالنسبة لمسألة التسمي بغير الاسم الحقيقي ففيه تفصيل:
فإذا كان يتسمى لأجل أن يتهرب مما وجب عليه من تبعات التسمي بالاسم الحقيقي فلا يجوز قطعاً؛ فهو تنصل من ملاحقة الدائنين.
أما إذا كان يتسمى بغير اسمه، أو ينتسب إلى غير اسم أبيه (انتساباً إلى اسم صوري لا إلى شخصٍ بعينه) من أجل الخلاص من ظلم يتهدّده فلا بأس في ذلك، لا سيما إذا كان مؤقتاً؛ كما هو شأن بعض المضطهدين في بعض البلاد الإسلامية، فيخرج من بلده مُكرهاً؛ ليستنقذ دينه ونفسه. ولكن هذا مشروط بألا يفضي إلى تضييع حقوق الناس.
وهذا الفعل يباح للحاجة ولضرورة الحال، ولا يدخل في الوعيد الوارد في الانتساب إلى غير الأب، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام" أخرجه البخاري (3508-4326-4327) ، ومسلم (61-63) من حديث أبي بكرة وسعد بن أبي وقاص، وغيرهما -رضي الله عنهم- وفي رواية واثلة بن الأسقع عند البخاري (3509) : "إن من أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه".
قال أبو العباس القرطبي في المفهم 1/254: (أي انتسب لغير أبيه رغبةً عنه مع علمه به، وهذا إنما يفعله أهل الجفاء والجهل والكبر؛ لخسة منصب الأب، ودناءته، فيرى الانتساب إليه عاراً، ونقصاً في حقه، ولا شك أن هذا محرم معلوم التحريم) أهـ.
وقال النووي في شرح مسلم (9/144) : (هذا صريح في غلظ تحريم انتماء الإنسان إلى غير أبيه; لما فيه من كفر النعمة، وتضييع حقوق الإرث والولاء والعقل وغير ذلك, مع ما فيه من قطيعة الرحم والعقوق) أهـ بتصرف يسير.
أما انتسابك أنت لغير أبيك فهو صوري ظاهري تدعو إليه الحاجة، لا يتجاوز أوراق الوثائق النظامية، وليس فيه تضييع لحقوق الإرث، ولا قطيعة رحم، ولا عقوقٌ..
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/59)
الأعضاء الآدمية المقطوعة
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 14/6/1424هـ
السؤال
يحدث أن بعض المرضى يقطع منهم عضو بسبب مرض معين، فما حكم هذا العضو المقطوع؟ علماً أن هذا الأمر شائع في المستشفيات، وبعد فترة تقوم المستشفى بتسليم هذه الأعضاء إلى شركات النفايات الطبية, وتقوم الأخيرة بدفنها؟ فما حكم ذلك؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجميعين، وبعد:
إذا قطع من إنسان حي عضو بسبب مرض معين كالآكلة ونحوها فإن المطلوب هو الاهتمام بذلك العضو، وذلك بدفنه وعدم رميه في النفايات.
وقد ذكرتم أن الشركات الطبية تقوم بدفن تلك الأعضاء، وهذا هو المطلوب فعله بتلك الأعضاء، والله أعلم.(13/60)
قتل الكلاب
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 8/6/1424هـ
السؤال
لنا جار لا يصلي وهو مع ذلك لا يعرف حق الجوار، هذا الجار يتاجر في الكلاب، ويضع بعض هذه الكلاب في الشقة التي هي أمامنا، وهذا يسبب إزعاجاً شديداً ورائحة كريهة، فهل لنا أن نتسبب في قتل هذه الكلاب بإلقاء قطعة من اللحم مسمومة لها ونرتاح من هذا الأذى؟ مع العلم أن هذه الكلاب ليست للصيد ولا للحراسة، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
يجوز ذلك، ولكن قبل هذا احرصوا على إبعاده، أو شكايته لمن يحكم عليه بالفراق والانتقال، وإذا لم يتيسر لكم، فإنه يجوز قتل الكلاب التي يحصل منها إزعاج شديد ورائحة خائسة، وذلك تخلصاً من الأذى، ولأن بيع الكلاب وكذلك تأجيرها حرام، فإن ثمن الكلب خبيث، كما قال صلى الله عليه وسلم. انظر صحيح مسلم (1567) . والله أعلم.(13/61)
دفع الكفارات لشخص واحد
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 10/8/1424هـ
السؤال
كم درهماً تعادل كفارة إطعام مسكين؟ وهل يجوز وضعها في صندوق التبرعات على أن تكون النية هي وضعها على أساس أنها كفارة، لكن من دون توضيح أنها كفارة، هل تبرأ الذمة بذلك؟ وهل يصح مثلاً إعطاء الكفارة إذا كانت أكثر من واحدة (عدة كفارات) نفس الأشخاص في نفس الوقت؟ مثلاً إذا كان على شخص كفارة لتأخره عن صيام قضاء مثلاً خمسة أيام، فإنه يجب عليه إخراج خمس كفارات عن كل يوم، والسؤال هو: هل يجوز إعطاء هذه الكفارات الخمس لشخص واحد فقط في نفس الوقت؟ وجزاكم الله خيراً وشكراً على إجابتكم على سؤالي السابق ...
الجواب
الكفارات يجب أن تعطى كما وردت إذا كانت إطعام مسكين فتكون إطعاماً من قوت البلد تعطى للمسكين، ولا يجوز صرفها نقداً، ولا وضعها في هذه الصناديق (صناديق التبرعات) ، والأولى إذا كانت لعشرة مساكين مثلاً أن تعطى عشرة، ويجوز إذا كانت عن كفارات متعددة أن تعطى لنفس الأشخاص الذين أعطيت لهم الكفارة الأولى في وقت واحد.(13/62)
القول بأن الوقت ليس كله للدين
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 17/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله، بعض المسلمين يقولون: ليس الوقت كاملا للدين، ولكن يجب أن نعطي للدنيا حقها..، والأمر هنا يتعلق بمشاهدة المسلسلات وغير ذلك من اللهو وتضييع الوقت ... الخ، فلإقناع هؤلاء الإخوة: ما هو موقف الإسلام أمام هذه الدعايات؟ أفيدوني جزاكم الله عني خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن دين الإسلام دين الاعتدال دين الوسطية، والمسلم يعلم أنه إنما خلق لعبادة الله تعالى، وليعمر الأرض بطاعة الله، والعبادات منها ما هو واجبات ومنها ما هو تطوع لتكميل ما نقص في أداء الواجبات، وللتقرب لله تعالى وطلب رفعة الدرجة، والواجبات معروفة، وبالنظر إلى ما تستغرقه من الوقت فإنها لا تستغرق وقتاً كثيراً، فانظر مثلاً الصلوات الخمس كم تستغرق من الوقت، والحج كذلك، والصيام، مع أن الإنسان قد يكون في عبادة ويمارس أعمالاً دنيوية، كأن يكون صائماً أو حاجاً ونحو ذلك، وأما التطوع فهو اختياري حث عليه الشرع ولم يلزم به، وأمر بالاقتصاد فيه، بحيث لا يشق العبد على نفسه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لن يَمَلَّ حتى تملُّوا"، وكان يقول: أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل" رواه البخاري (1970) ، ومسلم (782) من حديث عائشة -رضي الله عنها- وقال: -صلى الله عليه وسلم- "ليصل أحدكم نشاطه" رواه البخاري (1150) ومسلم (784) من حديث أنس -رضي الله عنه- وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "دخلت عليَّ خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية وكانت عند عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - قالت فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذاذة هيئتها، فقال لي: يا عائشة ما أبذَّ هيئة خويلة، قالت فقلت: يا رسول الله امرأةٌُ لا زوج لها، يصوم النهار، ويقوم الليل فهي كمن لا زوج لها، فتركت نفسها وأضاعتها، قالت: فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عثمان بن مظعون فجاءه، فقال: يا عثمان أرغبةً عن سنتي؟ فقال: لا والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب قال: فإني أنام وأصلِّي وأصوم وأفطر وأنكح النساء فاتق الله يا عثمان فإن لأهلك عليك حقاً وإن لضيفك عليك حقاً وإن لنفسك عليك حقاً فصم وأفطر وصَلِّ ونم" أخرجه أبو داود (1369) والإمام أحمد في المسند (6/8) ونحو ذلك قاله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- فيما رواه مسلم (1159) .
فإذاً الفرائض لا تستغرق وقتاً كثيراً، والنوافل لا بد من الموازنة فيها، فلا تطغى على بقية الحقوق، ولا تكون بإشقاق على النفس.(13/63)
لكن وقت المسلم كله لله؛ بمعنى أنه يصرفه في مرضاة الله، فلا يستعين بهذه النعمة نعمة الوقت ونعمة العافية ونعمة السمع والبصر وغيرها على معصية الله، بل إن الأعمال التي هي عادات أو طلب رزق تتحول إلى عبادة وقربة بالنية الصالحة، فطلب الرزق الحلال ابتغاء الاستغناء عن الحرام وعمّا ما في أيدي الناس قربة وطاعة، والتزوج اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ورغبة في العفاف قربة وطاعة وهكذا، وبهذا يتحقق قوله تعالى: "قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ " [الأنعام:162-163] .
أما إضاعة الوقت في المسلسلات وفي اللهو الذي يكسل عن الطاعة ويثقلها فليس من الدين ولا من الدنيا، بل الغالب عليه أنه اشتغال بالمعاصي البصرية والسمعية، وهو ليس من إعطاء الدنيا حقها، وسيسأل الإنسان عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه، انظر ما رواه الترمذي (2417) من حديث أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- فواجب على المسلم أن يربي نفسه وأن يطلب معالي الأمور، وإذا أراد الراحة والاستجمام فليكن ذلك بالمباحات، وليستعن بالله ويسأله التوفيق.(13/64)
الشفاعة في القصاص
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 01/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم الشفاعة عند أهل المقتول بعد صدور حكم القصاص في القاتل؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يقول تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَل النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) .
وصح، من حديث أبي موسى، قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، ويَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ" أخرجه مسلم (2627) .
وعلى ذلك، فإن الشفاعة عند أهل المقتول من مقاصد الشرع الحنيف، ومن أعظم القرب عند الله إذ يقع به عتق رقبة مؤمن من القتل، وصون لنفسه من التلف، وعون لأهل المقتول باحتساب الأجر والثواب عند الله بالعفو، وهذا عين تحقيق قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: من الآية2] . والله أعلم.(13/65)
التحية بـ"سلملم"
المجيب أ. د. حسين بن خلف الجبوري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 6/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
عظم الله لكم الأجر والمثوبة، ما رأي فضيلتكم فيمن يقول سلملم؟ وهي كلمة انتشرت في الآونة الأخيرة بين الشباب، (يقصد أنه يختصر السلام عليكم) وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فأقول وبالله تعالى التوفيق والسداد:
الإسلام علمنا آداب السلام وصيغته وكيفيته، فصيغة السلام في الإسلام هي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأما آدابه فهي أن تستعمل هذه الصيغة كما علمنا إياها الرسول - صلى الله عليه وسلم - والذي علمنا إياه هو أن نقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والدليل على ذلك قول الله تعالى: "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها" [النساء:86] ، أما كيفيته فيكون إلقاء السلام بود ورقة ولين، لا بخشونة وجفاء، لذا لا يجوز للمسلم أن يغير في صيغة السلام المشروعة في الإسلام، كأن يقول بدلاً عنها في الصباح صباح الخير وفي المساء مساء الخير وغير ذلك، والله أعلم بالصواب.(13/66)
التوديع بكلمة باي (Bye)
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 03/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أود أن أسأل عن حقيقة معنى كلمة (باي) والتي وردت في أحد المواقع بأن معناها هو: (في حفظ البابا) . الرجاء إرسال الرد بسرعة لتعميم الفائدة على الناس. وجزاكم الله كل خير.
الجواب
الحمد لله وحدة، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
كلمة (باي) تستخدم عند الوداع. وبغض النظر عن أصل اشتقاقها فهي تعني باللغة الإنجليزية (إلى اللقاء) أو نحو ذلك. وهذا هو معناها المعروف والدارج، والذي لأجله تستخدم هذه الكلمة. ولذا لا يمكن القول بتجريم استخدامها وعَدُّه كبيرة من الكبائر، فالأمر يسير والخطب سهل، ولا شك أن الأولى والأحرى بالمسلم ألا يستبدل بتحية الإسلام تحية أخرى، وينبغي للمسلم أن يعود لسانه أن يحيي المسلمين بتحية الإسلام: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) .
وللفائدة، فإن اشتقاق الكلمة الإنجليزية (goodbye) - وهي كلمة تستخدم في الوداع - على النحو التالي:
الأصل القديم لهذه الكلمة عبارة تعني "رافَقَك الله" وهو دعاء مجرد يستخدم إلى يومنا هذا في الوداع: (God be with you) .
وإذا نظرنا إلى النطق القديم لهذه العبارة تظهر لنا المشابهة بينها وبين (goodbye) :
God be wy you
god b'w'y
godbwye
god buy' ye
good-b'wy
ثم تم إبدال كلمة (God) وهي بمعنى "الله" بكلمة (good) وهي بمعنى "الخير"، وتم هذا بطريقة القياس على عبارة أخرى: (good day) وهي بمعنى "صباحُ الخير".
أما كلمة (bye) فإنما هي اختصار لـ (goodbye) . وهي للمخاطبة الشفوية وغير الرسمية فقط.
وأما (bye-bye) فإنما تأتي بطريقة تكرار (bye) . وهي دون (bye) في مستوى الاحترام وغالبا تستخدم مع الأطفال.
فليس في أصل كلمة (goodbye) ولا كلمة (bye-bye) صبغة كنسية أو عقيدة دينية مخصصة.
والله أعلم.(13/67)
يسمع التسليم من المذياع فهل يرد؟
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 17/8/1424هـ
السؤال
هل يرد السلام على الشخص إذا سلَّم وهو في المذياع، أو التلفاز أو في رسالة خطِّية؟.
الجواب
نعم يرد السلام على الإنسان إذا سلَّم في خطاب بواسطة مذياع، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكتب في رسائله محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى فلان ثم يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. انظر ما رواه البخاري (4424) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، فالإنسان إذا أرسل رسالة يبدأ بالسلام، وإذا ردَّ عليه أحد فإنه يرد عليه السلام، وكذا يقال في الإذاعة ونحوها إذا كان مذيعاً أو متحدثاً يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والله ولي التوفيق.(13/68)
الموقف من أعمال السلب والنهب في العراق
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 6/9/1424هـ
السؤال
ما قول السادة العلماء الأجلاء في أعمال السلب والنهب التي وقعت في العراق مؤخرا؟ هل يجوز لأصحاب الممتلكات الدفاع عن ممتلكاتهم وأروحهم أم لا؟ فإن قلتم: نعم. فما قولكم في الحديث الصحيح الذي يأمر بترك المقاتلة حال الفتنة من عدم وجود نظام حاكم وكثرة الهرج والمرج وغير ذلك؟ وهل هذا عام في كل ناهب سواء كان مسلما أولا؟ وإن قلتم: لا. فما قولكم في الحديث الصحيح أيضا: من قتل دون ماله فهو شهيد؟ وكيف نوفق بين الحديثين؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب
حرمة مال المسلم ثابتة في القرآن والسنة، قال تعالى: "وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" [البقرة:188] ، وقال نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا ". أخرجه البخاري (4406) ، ومسلم (1679) من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه-، ومن رعاية الإسلام للمال أنه قدمه الله في أكثر من آية على الأنفس، كقوله تعالى: "فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى" [النساء: من الآية95] ، وقدمه على الأولاد في مواضع كثيرة؛ منها: قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [آل عمران:116] ، وأوجب في السرقة من المال النصاب المقدر لقطع اليد، وما حصل في العراق من نهب للأموال والممتلكات حرام لا يجوز، وعلى صاحب المال أن يحفظ ماله ويدافع عنه، وإن قتل دونه فهو شهيد؛ لحديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما-: "من قتل دون ماله فهو شهيد" أخرجه البخاري (2480) ، ومسلم (141) ، وما جاء في النهي عن المقاتلة في زمن الفتنة فهو محمول عند العلماء على ما إذا كانت المقاتلة بغير تأويل سائغ، ووقوع الظلم على المسلم أو غيره بنهب ماله مسوغ شرعي للدفاع عنه، ولا شك أن أكثر ما وقع من الحروب ولا زال يقع بين المسلمين إنما هو بسبب الأموال والممتلكات بالاعتداء عليها من أحد الطرفين، ومع ذلك سماهم الله مؤمنين وأمر بقتال الطائفة المعتدية: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [الحجرات:9] ، وغير المسلم إذا اعتدي على ماله وجب عليه الدفاع عنه غير أنه إن قتل لا يسمى شهيداً، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.(13/69)
مات وهو عاجز عن قضاء دينه
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 24/12/1424هـ
السؤال
هل من يعجز عن سداد دينه حيث إنه لا يملك المبلغ الذي يسدد به دينه إنما يملك ما يكفيه للعيش هو وأسرته هل يكون رهين دينه بعد موته؟.
إن كان يملك مبلغاً ولكنه بحاجة إلى بيت يأويه هو وأسرته فهل يحق له أن يشتري هذا البيت أم لا يحق له حتى يسدد الدين؟.
هل يحق له إنكار هذا الدين مخافة الضرر من الدائنين حيث إنهم لا يملكون أي دليل ضده ولكنه يقر لهم بالدين أمام الجميع، ولا يكتب لهم ورقة خشية السجن والمحاكمة فهل يحق له ذلك مع أنه يقر بالدَّين ولا ينكره أبدا ويسعى لسداده ولكنه لا يستطيع؟. أرجو الإفادة حيث إن ضرر الدين كبير على النفس، ولكم من الله الأجر، وأسأله -سبحانه- أن يسدد خطاكم، ويجعل ذلك في ميزان حسناتكم.
الجواب
ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" رواه أحمد (9387) والترمذي (1078) وابن ماجة (2413) والدارمي (2591) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وصحح إسناده الألباني، وهذا يدل على عظم شأن الدين وضرورة أدائه إلى صاحبه، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم- في أول الأمر يترك الصلاة على من مات وعليه دين حتى يؤدى عنه، فلما توافرت لديه الأموال أخذ يقضي عن الناس ديونهم، ويصلي عليهم، ولهذا يجب على المسلم أن يقوم بسداد ديون غرمائه إذا كان يقدر على ذلك، ولا تجوز له المماطلة أو إنكار الدين الثابت عليه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "مطل الغني ظلم" متفق عليه، عند البخاري (2287) ، ومسلم (1564) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- ويمكن للحاكم أن يعاتبه على امتناعه بالحبس والتعزير، قال - صلى الله عليه وسلم-: "لي الواجد ظلم يُحِل عِرضه وعقوبته" رواه أحمد (18962) وأبو داود (3628) وغيرهما من حديث الشريد بن سويد -رضي الله عنه-، وعرضه شكواه، وعقوبته: حبسه، فالمماطل يستحق العقوبة بالحبس والتعزير وإن أصرّ على المماطلة فإن للحاكم أن يبيع ماله ويسدد ديونه.
وللحاكم أن يحجر عليه إذا كانت لديه أموال لا تكفي لسداد ديونه، ويترك له ما يحتاج إليه من مسكن ومؤونة ونحو ذلك؛ لأن هذه من الأمور التي يحتاجها الإنسان، ولا يستغني عنها.
وأما إذا كان لا يقدر على وفاء شيء من دينه فإنه معسر فلا يطالب به، ويجب انظاره وإمهاله؛ لقول الله -تعالى-: "وإن كان ذو عسرة فنظرةٌ إلى ميسرة" [البقرة: 280] ، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لغرماء الذي كثر دينه: "خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك"رواه مسلم (1556) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، ولكن عليه أن يجتهد في سداد هذه الديون حالما يقدر على ذلك بلا تهاون، ويمكنه أن يصطلح مع غرمائه أن يسقطوا عنه بعض هذه الديون إذا كان لا يقدر على سدادها كلها؛ حتى تبرأ ذمته منها. والله أعلم.(13/70)
كيفية النطق بالشهادة للدخول في الإسلام
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 7/10/1424هـ
السؤال
السلام عليكم. ما هي طريقة النطق بالشهادة لغير المسلم الذي ينوي الدخول في الإسلام؟ هل يحتاج ذلك لتواجد شهود؟ ووجود أحد العلماء؟ وهل يختلف الحال بين الذكور والإناث؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يتلفظ من أراد الدخول في الإسلام بالشهادتين باللغة العربية بعد تعريفه بمعناهما، ولا يشترط وجود أحد العلماء، ولا وجود شهود لثبوت الإسلام، لكن يحسن إعلان ذلك ليحصل العلم من قبل إخوانه المسلمين، كما ينبغي أن يسأل أهل العلم عما يحتاج إلى معرفته بعد اعتناقه الإسلام، ولا يختلف الحال بين الذكور والإناث في هذه المسألة والله أعلم.(13/71)
متى تجوز السرقة؟
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 17/1/1425هـ
السؤال
متى تجوز السرقة؟ وهل يطبق الحد في وقت الجوع، وعند الاضطرار؟ وهل يجوز سرقة مال الأخ، والأخت، والأب، والأم؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فقد حرم الله -تعالى- السرقة، ورتب عليها عقوبة شديدة، قال -تعالى-: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم" [المائدة: 38] ؛ وذلك ليأمن الإنسان على ماله من التعدي، فإنه لا يحل مال مسلم إلا بطيب نفس منه، وكل مال يؤخذ بغير رضا صاحبه فهو حرام، ولكن الشرع جعل عقوبة السرقة خاصة بنوع من أنواع أخذ المال بغير حق، واشترط لقطع اليد شروطاً مفصلة في كتب الفقه.
ولا فرق في السرقة بين القريب والبعيد، ومن شروط قطع اليد في السرقة ألا يكون السارق مضطراً إلى المال المسروق كالجائع الذي لا يجد ما يأكله مثلاً، ومن شروط القطع ألا يكون للسارق شبهة كسرقة الإنسان من مال أبيه، لكن يجوز للإنسان أن يأخذ حقاً له ثابتاً ثبوتاً ظاهراً ممن هو عليه على وجه التخفي، ولا يكون هذا سرقة؛ لأنه أخذ حقاً له، ولم يأخذ حقاً لغيره، مثل أخذ المرأة نفقتها الشرعية من زوجها الشحيح، وقد قالت امرأة أبي سفيان: إنه رجل شحيح، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" متفق عليه عند البخاري (5364) ، ومسلم (1714) من حديث عائشة -رضي الله عنها- والله الموفق.(13/72)
هل يستغفر للقاتل؟
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 25/04/1425هـ
السؤال
لدي صديق قُتل في مشاجرة، وسمعنا حديث: "القاتل والمقتول في النار", سؤالي: هل هذا الحديث ينطبق على صديقي هذا أم لا؟ وهل يجوز لي أن استغفر له؟ أرجو منكم التفصيل، وشرح الحديث المذكور. -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار"، قالوا: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه" رواه البخاري (31) ، وهذا الحديث من أحاديث الوعيد، وقد نص العلماء على أن أحاديث الوعيد تُمر كما جاءت قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى- (أول مسألة تنازعت فيها الأمة من مسائل الأصول الكبار وهي مسألة الوعيد) الفتاوى (3/230) ، وقال - رحمه الله-: (وأحاديث الوعيد يذكر فيها السبب، وقد يتخلف موجبه لموانع تدفع ذلك إما بتوبة مقبولة، وإما بحسنات ماحية، وإما بمصائب مكفرة، وإما بشفاعة شفيع مطاع، وإما بفضل الله ورحمته، ومغفرته؛ فإنه لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وما يحصل للمؤمن في الدنيا والبرزخ والقيامة من الألم التي هي عذاب، فإن ذلك يكفر الله به خطاياه)
(24/375) .
وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى- بعد ذكره أقوال الفرق في نصوص الوعيد: (والصواب ... أن هذه الأفعال سبب لما علق عليها من الوعيد، والسبب قد يتخلف عن مسببه لفوات شرط أو وجود مانع، والموانع متعددة منها ما هو متفق عليه بين الأمة كالتوبة النصوح، ومنها الحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، وما يلحق العبد بعد موته من ثواب تسبب إلى تحصيله، أو دعاء، أو استغفار له، أو صدقة عنه، ومنها شفاعةٌ - بإذن الله- فيها لمن أراد أن يشفع فيه، ومنها رحمة تدركه من أرحم الراحمين يترك بها حقه قِبَلَهُ، ويعفو عنه) الصواعق المرسلة (3/691) .
أما معنى الحديث فقد قال الخطابي - رحمه الله تعالى-: (هذا الوعيد لمن قاتل على عداوة دنيوية أو طلب ملكاً مثلاً، فأما من قاتل أهل البغي أو دفع الصائل فَقُتِل فلا يدخل في هذا الوعيد؛ لأنه مأذون له في القتال شرعاً) فتح الباري (12/197) ، وقال القرطبي - رحمه الله تعالى-: (فبيِّن هذا الحديث أن القتال إذا كان على جهل من طلب الدنيا، أو اتباع هوى فهو الذي أريد بقوله القاتل والمقتول في النار) انظر: فتح الباري (13/34) ، وقال النووي - رحمه الله تعالى-: (وهو إذا التقى المسلمان بسيفيهما في المقاتلة المحرمة كالقتال عصبيةً ونحو ذلك فالقاتل والمقتول في النار) شرح مسلم (11/174) .(13/73)
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى-: (قال العلماء: معنى كونهما في النار أنهما يستحقان ذلك، ولكن أمرهما إلى الله -تعالى- إن شاء عاقبهما ثم أخرجهما من النار كسائر الموحدين، وإن شاء عفا عنهما، فلم يعاقبهما أصلاً، وقيل: هو محمول على من استحل ذلك ولا حجة فيه للخوارج، ومن قال من المعتزلة بأن أهل المعاصي مخلدون في النار؛ لأنه لا يلزم من قوله (فهما في النار) استمرار بقائهما فيها) الفتح (13/32) ، وأهل السنة والجماعة يعتقدون أنه لا يخلد في النار أحد من أهل التوحيد؛ لأدلة كثيرة منها قوله -تعالى-: "إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً" [النساء:48] .
ويجوز لك أن تستغفر لصاحبك، وتدعو له بالمغفرة؛ لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما- قال: "ما زلنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من نبينا - صلى الله عليه وسلم- يقول: " إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ" [النساء:49] ، وأنه قال: "إني ادخرت دعوتي شفاعة لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة" قال: فأمسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا، ونطقنا به، ورجوناه" رواه أبو يعلى (5813) ، وابن أبي عاصم في السنة (830) ، والطبراني في الأوسط (5942) ، والبيهقي في الاعتقاد (1/108) ، وصححه السيوطي في الدر المنثور (2/557) ، والله -تعالى- أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/74)
كانت شيعيةً فتسنّنتْ، فهل تخفي ذلك؟
المجيب د. علي بن بخيت الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 29/2/1425هـ
السؤال
كنت قبل فترة بسيطة أحمل مذهب الضلال (شيعية) ولكن -الحمد لله- قد هُديت بفضل منه ورضوان إلى الدين القويم فالحمد لله على نعمة الإسلام، وأصبحت أحمل مذهب أهل السنة والجماعة، وأحب أن أوجه إليك سؤالاً: هل يجوز أن أخفي مذهبي خوفاً على والديَّ، وخصوصاً أنهما يعانيان من المرض؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فنحمد الله - عز وجل- على أن هداك - أيتها السائلة- ونسأله سبحانه أن يثبتك على الحق المبين.
وبخصوص السؤال فإن السائلة مأمورة ببر والديها والإحسان إليهما حتى لو كانا مشركين يأمرانها بالشرك، ويجاهدانها على ذلك؛ قال تعالى: "وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً" [لقمان: من الآية15] ، كما أنها مأمورة أيضاً بنصيحة والديها والتلطف والتأدب في النصيحة خصوصاً إذا قام والداها أو أحدهما بعمل شركي كالاستغاثة بعلي أو بالحسين - رضي الله عنهما- أو قول قبيح منكر، كسب الشيخين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما-، فلتجتهد مأجورة في التلطف في بيان الحق لوالديها، وليس بالضرورة أن تعلن لهما أنها تركت مذهبها، المهم أنها تأمر وتنصح وتبين، وتجتهد في نصيحة والديها، ولتعلم هذه السائلة أن الرحمة الحقيقية تقتضي رحمة والديها من أن يموتا على ضلاله. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(13/75)
الوساطة في الإسلام
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 18/12/1424هـ
السؤال
ما حكم الوساطة في الإسلام؟ علماً بأني في الثانوية العامة، ويمكن أن أحصل على الواسطة من خلال سفارة الدولة التي أنتمي لها، وذلك لعدد معين من الطلبة حسب المعدلات المرتفعة، أي أني لن أحصل على هذه الواسطة إلا ببذل مجهود في الدراسة..وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن السعي في قضاء حاجات الناس الدينية والدنيوية أمر مطلوب شرعاً، وقد ثبت الترغيب فيه والحث عليه في أدلة عديدة، منها: قوله -تعالى-: "من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها" [النساء: 85] ، وقوله - صلى الله عليه وسلم-: "اشفعوا تؤجروا" رواه البخاري (1432) ، ومسلم (2585) من حديث أبي موسى -رضي الله عنه- وقوله - صلى الله عليه وسلم-: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" رواه البخاري
(2442) ، ومسلم (2580) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- وغير ذلك من النصوص الدالة على مشروعية مساعدة الناس في تلبية حاجاتهم وطلباتهم المشروعة، وتنقسم الشفاعة إلى قسمين: محمودة، ومذمومة فالشفاعة المحمودة هي: مساعدة الإنسان في الحصول على حقه الشرعي من غير أن يصاحب ذلك ظلم لغيره من الناس، كأن يكون لشخص ما حق عند غيره من الناس فتساعده من أجل الحصول على حقه، ولا يترتب على ذلك إضرار بأحد من الناس، وهذه الشفاعة مطلوبة شرعاً ويثاب عليها فاعلها، وهي من التعاون على البر والتقوى المأمور به في قوله -تعالى-: "وتعاونوا على البر والتقوى" [المائدة: 2] ، أما الشفاعة المذمومة فهي: مساعدة الإنسان في الحصول على شيء ليس له الحق فيه، كأن تساعد إنساناً في الحصول على وظيفة أو مال، وهو غير مستحق لهذه الوظيفة أو هذا المال، أو مساعدة الإنسان في تقديمه على من هو أحق منه، كأن يتقدم اثنان لوظيفة أو دراسة أو نحوهما وأحدهما أفضل وأحق من الآخر، فتساعد المفضول وتقدمه على الفاضل، فهذه الشفاعة شفاعة سيئة مذمومة لا يجوز القيام بها، لأنها إعانة على الباطل، والله يقول: "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة: 2] ، ويمكنك أن تعرف حكم الوساطة التي تسأل عنها من خلال عرضها على القسمين السابقين، فإن كانت عبارة عن مساعدتك في الحصول على حق من حقوقك المشروعة، ولا يترتب على ذلك إضرار بأحد من الناس فهي من القسم الأول، وهي جائزة ومشروعة، وإن كانت من قبيل تقديمك على من هو أفضل منك وأحق منك بهذه المنحة فهي من القسم الثاني، وهي محرمة وممنوعة، والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(13/76)
سحب الجنسية بسبب الزواج من الأجنبي
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 23/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تقوم بعض الدول بسحب جواز وجنسية الفتاة وإسقاط حقوقها كالمواطنة حين تتزوج شاباً مسلماً يختلف عن جنسيتها، بحجة أن المرأة تتبع الرجل. فما حكم الإسلام في ذلك؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
منح الجنسية أو إسقاطها بين الحكومات وشعوبها اصطلاح حادث وجديد على المسلمين فجنسية كل المسلمين واحدة هي الإسلام لا غير مهما اختلفت لغاتهم، وتعددت أجناسهم كما قال الشاعر:
أبي الإسلام لا أب لي سواه...... إذا افتخروا بقيس أو تميم
وإذا كان الزواج شرعياً قد توفرت فيه أركان العقد وشروطه فلا يجوز لأحد إبطاله كائناً من كان، فاختلاف الجنسية اليوم بين الزوجين لا يبطل العقد، كما أن اتحاد الجنسية بينهما لا يعتبر شرطاً في النكاح، نعم يجوز لولي الأمر في الدولة منع رعيته التزوج من غير بنات البلد من أجل المصلحة، وخوفاً من العنوسة التي تنتج البطالة بين الشباب والشابات، ولا تجوز مخالفته ابتداء لا غير، وهذا المنع من باب السياسة الشرعية العامة فقط، وإن جاز لولي الأمر هذا فإنه لا يجوز له بحال من الأحوال إبطال العقد بعد تمامه ولا معاقبة فاعله لأنه لم يرتكب منكراً في الشرع، وإسقاط الجنسية اليوم على مثل هذا الفعل حرام لا يجوز، حيث هذا أعظم عقوبة يمكن إنزالها بأحد أفراد الشعب، أما كون المرأة تتبع زوجا فتنتسب إليه بدل أبيها وأسرتها، فهذه عادة أجنبية قبيحة تخالف الشرع والعقل، قال تعالى: "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله"، وفي الحديث: "ليس من رجلٍ ادعى -انتسب - لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادَّعى قوماً ليس فيهم، فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري (3508) ، ومسلم (61) من حديث أبي ذر -رضي الله عنه-، وهذا التقليد الغربي المقيت جاءنا من النصارى حيث ينتسبون إلى أمهاتهم دون آبائهم تأسياً واتباعاً بزعمهم لنبي الله عيسى عليه السلام حيث ينسب إلى أمه، ولكنه هو وأولئك جهلوا أن عيسى ليس له أب حتى ينسب إليه؛ لأن الله خلقه بكلمة منه. فهو مخلوق من أم بلا أب. والله أعلم.(13/77)
هل لصاحب الحق استخلاص حقه بهذه الطريقة؟
المجيب د. سامي بن إبراهيم السويلم
باحث في الاقتصاد الإسلامي
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 03/10/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم. وبعد:
شاب يعمل في إحدى الدول، وهي دولة غنية، ولم يتقاض راتبه من الدولة لمدة 17 شهرًا، وأمه كانت تعمل في الدولة وتتقاضى مرتبًا وماتت، فأصبح يأخذ مرتبًا من صندوق الضمان الاجتماعي، وفي عام 2001 تزوجت أخته التي كانت السبب في استحقاق المعاش من الضمان الاجتماعي، ولكنه لم يبلغ الضمان بهذا، وأصبح يزوِّر ورقة تدل على أن أخته لم تتزوج كي يصبح المرتب الضماني مستمرًّا، فهل يجوز له هذا أم لا؟ علما بأن والد هذا الشاب قامت الدولة بأخذ مشروعه الذي يقدر بـ 280 ألف دينار بدون أي وجه حق ظلمًا وبهتانًا ولم تعطه أي تعويض فيه، وكذلك أخذت من جدي عمارة ثلاث طوابق تقدر بـ150 ألف دينار بقانون البيت لساكنه، وقدمت تعويضًا بـ56 ألف دينار، ولم يكن أبي أو جدي موافقين على التعويض، وفرض عليهم فرضًا، فهل أخذي لهذا الراتب من الضمان الذي يقدر بـ240 دينارًا حلال أم حرام؟ وإذا كان حرامًا ماذا أفعل في الأموال السابقة التي أخذتها من الضمان الاجتماعي؟ والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ثبت في الصحيحين: البخاري (3603) ومسلم (1843) ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَها". قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: "تُؤَدُّونَ الحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ، وتَسْألُونَ اللهَ الذي لَكُمْ". فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم- أنه سيكون من الولاة والحكام من يظلم ويأكل الناس بغير حق، ومع ذلك أمرهم النبي عليه السلام- بأداء الحقوق التي عليهم، وأن يسألوا الله الحقوق التي أخذت منهم. وهذا صريح في أنه لا يجوز للمسلم أن يقابل ظلم الولاة بظلم آخر، ولا يقابل استئثارهم بأثرة منه. قال الطيبي: لا تكافئوا استئثارهم باستئثاركم، بل وفروا إليهم حقهم من السمع والطاعة وحقوق الدين، وسلوا الله من فضله أن يوصل إليكم حقكم.
فلا يجوز للسائل أن يأخذ مالاً بغير حق، كما لا يجوز له أن يزوِّر؛ لأن هذا من الكذب والتدليس المحرم شرعًا.
وأما ما قبضه سابقًا فإن كان يستطيع رده دون أن يصيبه ضرر أو أذى فيجب عليه رده، وإلا تصدَّق بقدر ما أخذ إن كان مقتدرًا. وإذا كان فقيرًا محتاجًا فيصبر حتى يفتح الله عليه ليتصدق بقدر ما أخذ بغير حق. وفي جميع الأحوال يجب عليه التوبة والندم والاستغفار مما مضى. والله الهادي إلى سواء السبيل.(13/78)
هل يدعو لجميع المسلمين بالجنة؟!
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 28/3/1425هـ
السؤال
شخص يدعو الله تعالى بأن يدخل جميع المسلمين الجنة، فهل هناك غلو في دعائه؛ لأن من المسلمين من يدخل النار يعذب فيها بقدر ذنوبه، وهل هناك فرق بين الدعاء للمسلمين والمؤمنين؟.
الجواب
كل من مات على الإسلام أي لم يأت بناقض اعتقادي قولي أو عملي فهو من أهل الجنة وإن دخل النار بسبب الكبائر التي مات ولم يتب منها ولم تنفعه موانع إنفاذ الوعيد، وعلى ذلك فالدعاء بالجنة لكل المسلمين صحيح، وليس من الغلو أو الاعتداء في الدعاء، والأفضل الدعاء والاستغفار لهم؛ لقوله ابن عباس - رضي الله عنهما -: " لا تصلوا صلاة على أحد إلا على النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن يُدْعَى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار" رواه إسماعيل بن إسحاق في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وصححه الألباني - رحمه الله -
وإذا أطلق لفظ المسلمين والمسلمات فيشمل المؤمنين والمؤمنات، أما إذا جاء في الدعاء أو غيره لفظ المسلمين والمؤمنين فإن المراد بالمسلمين أولئك الذين أتوا بأعمال الإسلام الظاهرة كالصلاة والصيام، وإن كان إيمانهم القلبي فيه ضعف، أما المؤمن فهو الذي جمع بين حسن العمل الظاهر وصدق العمل الباطن عمل القلب؛ كما قال الله -تعالى-: "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ" [الحجرات: من الآية14] ، فعندما نقول المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، فإن المراد جميع طبقات أهل الملة من السابقين المقربين والمقتصدين والظالمين أنفسهم. والله أعلم.(13/79)
الانتساب لغير الأب
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 20/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أبي يدعى باسم والده الذي تربى معه، ولا يطلق عليه اسم والده الحقيقي، حاولت إقناعه وذلك بكتابة اسم والده الحقيقي، لكن رفض بحجة أنه لم يعرفه! حيث مات وهو صغير، ما حكم الشرع فيها؟ وهل يحق لي أي وسيلة ضغط عليه؟ لينتسب إلى اسم والده الحقيقي؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لا يجوز للمسلم أن ينسب نفسه لغير والده الحقيقي؛ قال تعالى: "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله"، وقد جاء الوعيد الشديد في السنة على الانتساب إلى غير الوالد، كما رواه الدارمي وغير بسنده، عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيما رجل ادعى إلى غير والده أو مواليه الذين أعتقوه فإن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين إلى يوم القيامة، لا يقبل منه صرف ولا عدل"، وعليه فالانتساب إلى غير الوالد كبيرة من كبائر الذنوب التي تغمس صاحبها في جهنم- والعياذ بالله-. والله أعلم.(13/80)
زوجته متبناة من عائلة أخرى
المجيب أ. د. ياسين بن ناصر الخطيب
أستاذ بقسم القضاء في جامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 07/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
سؤالي هو أن زوجتي متبناة من عائلة أخرى، ربوها أحسن تربية وعلموها، وأخبروها بعائلتها الحقيقية منذ الصغر، وهي تذهب عندهم إلى يومنا هذا، وأنا كنت أعلم بالخبر حين ذهاب العائلة لخطبتها فهمتهم ماذا أقصد، فما هو وضعي في هذه الحالة؟ وما قول الشرع في هذا؟ أي أن الفتاة أخذتها عائلة أخرى، وغيرت لها اسمها وتبنتها. وجزاكم الله كل خير، والسلام عليكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
التبني حرام، وقد كان موجودًا في الجاهلية وحرمه الإسلام، أما وضعك الآن فإذا كان تغيير الاسم فقط من فاطمة إلى عائشة - مثلاً- فهذا لا يضر، وإن كان تغير معه اسم الوالد والوالدة ولقب العائلة، فهذا لا يجوز، ولا بد من إرجاع اسم أبيها الأول واسم أمها الأول، واسم العائلة أو لقب العائلة الأول، قال تعالى: "ادعوهم لآبائهم"، ومن نعم الله -تعالى- عليك أنك تعلم أهلها الأولين، والسبب في هذا هو لأنها لا ترث عائلتها الثانية، ولا يصح أن تختلط بالذكور من عائلتها الثانية، فلا أبوها الذي تبناها أبوها، ولا إخوانها من هذا التبني إخوانها، فهي أجنبية عن عائلتها الثانية بكل ما تحمله هذه الكلمة من أحكام، وهي بنت عائلتها الأولى، أولادهم إخوانها، وأبوهم أبوها، وأمهم أمها، وهكذا.. وترث من عائلتها الأولى ... إلخ، والأفضل أن تزورهم بين الحين والحين ردًا للجميل، أما وضعك أنت كزوج فوضعك معها وضع سليم لا غبار عليه، ما دام قد جرى حسب الشريعة الإسلامية. وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم.(13/81)
التبني والجالية المسلمة في بريطانيا
المجيب سليمان بن عبد الله القصير
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 07/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
تواجه جاليتنا الإسلامية في بريطانيا مشكلة بخصوص التبني، حيث تقوم بعض الهيئات غير الإسلامية بإحضار أطفال مسلمين للتبني من ذكور وإناث، ويعرضون على جاليتنا تبني هؤلاء الأطفال، لكن الجالية محتارة، كيف تواجه مشكلة المحرمية، حيث سينشأ الطفل عند العائلة المسلمة مع أطفالهم، وعندما يبلغ الطفل يكون بين أفراد عائلة غير محارم له أو لها إن كانت أنثى، وفي نفس الوقت يحرص المسلمون على مساعدة هؤلاء الأطفال لكي يحفظوا لهم دينهم، ولكن في نفس الوقت يريدون أن يحفظوا أهاليهم من المشقة القائمة عندما يسكن بينهم غير محرم لهم. كيف تنصحوننا بمواجهة هذا الأمر؟ علمًا بأن الجالية المسلمة لم تطلب أصلاً إحضار هؤلاء الأطفال، وإذا لم يتبناهم المسلمون فسوف يتبناهم الكفار.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد، وبالله التوفيق:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الواجب على كل مسلم أن يقوم بحق الأخوة الدينية تجاه إخوانه المسلمين، والأدلة على هذا كثيرة ولا تخفى عليكم، ومن أهم ما يجب على المسلم تجاه إخوانه المسلمين أن يقوم بالمحافظة على صغارهم مما يضرهم في دينهم أو دنياهم، وهذا الأمر متأكد الوجوب؛ فلا يمكن أن يقال إنه يسع أحدًا من المسلمين أن يترك الأيتام ونحوهم من اللقطاء من المسلمين لغيرهم من أهل الأديان الأخرى بأية حجة وهو يقدر على القيام برعايتهم.
ولو قُدِّر أن مشكلة المحرمية لا يمكن علاجها فإن الواجب رعاية هؤلاء الأطفال وحفظهم حتى يبلغوا الحلم، فإنه لا يُتْمَ بعد احتلام. وإذا بلغوا وأصبحوا كبارًا سقط الوجوب عليكم، إذا كانوا ممن يستطيع تصريف أموره بعد البلوغ واستغنى عن معونتكم.
وأما المشكلة المذكورة، وهي المحرمية، فهذه ليست مما يسوغ أبدًا أن يترك هؤلاء الأطفال ليعتني بهم غير المسلمين.
علمًا أن الإسلام لا يحرِّم أن يقيم رجل أو امرأة غير محرم لأهل البيت في بيتهم للحاجة، وإنما المحرَّم الخلوة، أما إذا كان لا يحصل خلوة، وقد أمنت الفتنة فلا حرج، وهذا الأمر معروف في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حيث آخى بين المهاجرين والأنصار، فكان المهاجرون يقيمون في بيوت الأنصار وهم ليسوا من محارمهم للحاجة. ولما طُلقت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها اشتكت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا أقارب لها في المدينة؛ فأمرها أن تجلس عند ابن أم مكتوم، وقال: " اعْتَدِّي عِنْدَ ابنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فإنَّهُ رجلٌ أعمَى، فإذا وضَعتِ ثيابَك فلا يَراكِ ". أخرجه مسلم (1480) . مع أن ابن أم مكتوم ليس محرمًا لها.
ويمكن تلافي مشكلة المحرمية بعد البلوغ بأن يجعل بيت للذكور وبيت للإناث تحت إشراف الجمعيات الإسلامية عندكم - إذا كانت الأنظمة الحكومية تسمح بهذا- ويجعل هذا البيت تحت إشراف ثقات، ويكملوا عملية التربية، ولا يترك هؤلاء الشباب فرصة لمن يجرهم لما يضرهم في دينهم ودنياهم.
وهناك مخرج شرعي آخر لذلك قد يتيسر في بعض الأحوال، وهو الإرضاع في الحولين فإذا أرضعت المرأة هذا الطفل المراد رعايته صار ابنا لها من الرضاعة، وأخًا لبناتها وزالت مشكلة المحرمية. والله أعلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.(13/82)
التجسس على الجار لإنقاذ سمعة العمارة
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 09/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
السؤال: رجل يسكن هو وأخوه وزوج أخته بعمارة واحدة، وسكن معهم اثنان آخران، ومن بين هذين الساكنين الجديدين رجل طيب في سلوكه، محافظ على صلاة الجماعة، ولكن المشكلة تكمن في زوجته، حيث إنها-والعياذ بالله- سيئة السمعة، وعندما اكتشف هذا الرجل وضع هذه الزوجة قام بمراقبتها وذلك بسحب أسلاك من تلفونهم الخاص، واستمع إلى مكالماتها، المشبوهة وسجل عليها شريطين، السؤال بارك الله فيكم: ما حكم فعلته تلك؟ وماذا يفعل؟ خاصة أنه خائف-كما قال- على سمعته وأقاربه في هذه العمارة. جزاكم الله خيرًا ونفع بكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فما قمت به من تسجيل صوتي لجارتك أمر محرَّم شرعًا؛ لما في عملك هذا من التجسس المنهي عنه، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا) [الحجرات: 12] ، وعن ابن عباس،
رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن اسْتَمَعَ إلى حديثِ قومٍ، وهم له كارِهون أوْ يَفِرُّونَ مِنه، صُبَّ في أُذُنِهِ الآنُكُ يومَ القِيَامَةِ". رواه البخاري (7042) . خاصة أنه ليس من رجال الحسبة الموكول بهم حفظ الأعراض وغيرها، وكان الواجب عليك نصح المرأة المذكورة بالوسيلة المناسبة، كزيارة أهلك أو إحدى الداعيات لها لبيان خطأ ما تعمله وتحريمه، ولو فتحنا هذا الباب- أعني تجسس الناس بعضهم على بعض- لفسدت الدنيا ولحق الخراب كثيرًا من البيوت، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن سَتَر مُسلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يومَ القيامةِ". رواه البخاري (2442) ، ومسلم (2580) . وأخيرًا يجب عليك إتلاف تلك الأشرطة التي سجلتها، أو تسليمها للمرأة المذكورة بطريقة ما، دون إخبار أحد من أقاربها بمحتواها، لعلها بعد سماعها أن تراجع نفسها، فإن تحسنت حالها فالحمد لله، وإن لم تتحسن وخفتم تعدي ضررها إلى سكان العمارة أو الحي فلا بأس بإبلاغ رجال الحسبة؛ لمعالجة الحال وفق الضوابط الشرعية. وفقك الله تعالى- لكل خير. والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/83)
كفالة الأيتام
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 27/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم
توفيت ابنتي بعد مرض، وغيرت وفاتها حياتي فصرت أشعر بالعطف أكثر على المحتاجين والأيتام. لذلك قمت برعاية بنت صغيرة وأحضرتها معي إلى البيت، لكن والدي ووالد زوجي استنكروا فعلي واحتجوا علي بقولهم: لو كانت رعاية اليتيم بهذه البساطة والشرف فلماذا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم أو الصالحون من الأمة؟ وقالا: لماذا لا نرى العلماء يفعلونه؟ فقمت بإعادة البنت إلى مكانها. أرجو منكم أن تخبروني على أنني لم أكن مخطئة. وأنا أفكر بفتح مدرسة لمساعدة الفقراء وتقديم الطعام للناس.
فهل ما قمت به من رعاية تلك البنت اليتيمة عمل غير صحيح كما يقولون؟ أرجو التوضيح.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فما قمت به من رعاية تلك البنت اليتيمة عمل صحيح سليم، وإذا كنت تريدين بذلك وجه الله فلك أجر عظيم، قال الله تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى: 9] . وقال سبحانه: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) [الإنسان: 8] . وذكر الله تعالى اليتيم في كتابه العزيز في ثلاثة وعشرين موضعًا؛ يدعو إلى رعايتهم ويحذر مَن تُسوِّلُ له نفسه أن يتعدى على أموالهم أو يأكل شيئًا من حقوقهم، وكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية، فعن سهل بن سعد، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذَا". وأشار بالسبابة والوسطى. رواه البخاري (5304) . قال بعض العلماء: (حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم، في الجنة، ولا منزلة أفضل من ذلك في الآخرة) . وقال الحافظ بن حجر: (فيه إشارة إلى أن بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم، وكافل اليتيم، قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى، ويكفي في إثبات قرب المنزلة أنه ليس بين السبابة والوسطى إصبع أخرى) انتهى كلامه. وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ والمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللهِ". رواه البخاري (5353) ومسلم (2982) . ومن ذكرتِ صفتها مسكينة. وعنه رضي الله عنه: أن رجلًا شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قسوة قلبه فقال: "امْسَحْ رَأْسَ اليَتِيمِ وأَطْعَمَ المِسْكِينِ". رواه أحمد (9018) - ورجاله رجال الصحيح.
وأما فعله صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك أنه كفل أولاد أبي سلمة- انظر سنن النسائي (3254) - وكذلك كان يفعل الصحابة، رضي الله عنهم، ومِن بعدهم علماء الأمة، وليس كل ما يفعله العلماء يعلنونه ويظهرونه. وفقك الله وسددك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(13/84)
فضائح على الإنترنت
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/أدب الخلاف
التاريخ 13/7/1422
السؤال
كان هناك شخص مسلم.. يشهد ألا إله إلا الله، ويصلي، ويصوم، ويقوم بجميع فرائض الدين، إلا أنه يقوم بسب أعضاء الهيئة، لبعض تصرفاتهم، المتشددة نوعاً ما -هدى الله الجميع-
فقام أحد الشباب في الإنترنت باختراق جهاز هذا الشخص، وقام بفضحه، وإظهار صوره، وبريده الخاص، واسمه، وموقع منزله، عبر الإنترنت، ووضع لذلك موقعاً خاصاً. فهل يجوز عمل المخترق في فضح هذا الشخص؟؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب
كلا الرجلين لا يجوز له ذلك، فلا يجوز للرجل المسلم أن يتعرّض أعضاء الهيئة أو يصفهم بصفات هم منها بريئون؛ لأنهم يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويدعون إلى الله جلّ وعلا بالحكمة والموعظة الحسنة. فالواجب على المسلم أن يتعاون معهم، وأن يحترم أقوالهم؛ لأنهم يدعون المسلم إلى ما ينفعه، ويحذّرونه عما يضره، فالواجب التعاون معهم.
ثم إن الأخ الآخر الذي سمَّع بهذا وفضحه لا يجوز له ذلك، بل يجب عليه أن يناصحه سرّاً، لحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) أخرجه البخاري (2442) ، ومسلم (2580) . وقد ورد في الأثر: ((المؤمن ينصح ويستر والمنافق يفضح)) فلا يجوز للمسلم أن يفضح أخاه المسلم.
فعليه أن يستحلّ من صاحبه، ويدعو له، وينشر محاسنه في الأماكن التي ذكر فيها مساوئه، ويتوب إلى الله -جل وعلا- ويندم على ما فرط منه، والله -جل وعلا- يتوب على من تاب، والله أعلم.(13/85)
بدع أم احتفالات؟
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/أدب الخلاف
التاريخ 26/6/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ: نحن جماعة من المسلمين نقيم في أوربا وفي الدنمارك تحديداً، ولا توجد عندنا مساجد تتسع لكل المسلمين، بل توجد -لدينا- أماكن نقيم فيها الصلوات الخمس والجمعة، أما صلاة العيد فيقوم أحد المساجد باستئجار قاعة كبيرة تتسع لأكبر عدد من المصلين، إضافة إلى مكان مخصص للأطفال فيه ألعاب، لكن المكان مختلط بين الرجال والنساء، وسؤالي هو: نحن مجموعة أخرى عندنا مصلى نقيم فيه الصلوات الخمس والجمعة، وكذلك نعلم الأطفال اللغة العربية والتربية الإسلامية، لا نصلي فيه صلاة العيد حرصاً منا على وحدة المسلمين وتكثير سوادهم في هذه الشعيرة، لكننا نقيم فيه - بعد العيد بأيام- احتفالاً للأطفال بمناسبة العيد، حتى نذكرهم أكثر بأعيادنا ونقوم بإجراء مسابقات ترفيهية من بينها قراءة القرآن والنشيد الإسلامي بدون آلات عزف، والمشكلة التي نواجهها من بعض الإخوة الذين نظن فيهم الخير والغيرة على السنة الصحيحة أنهم ينكرون علينا ذلك، بحجة أن هذه بدع لا يجوز لنا فعلها، وقد بينا لهم، لكنهم يصرون على ذلك، ويريدون فتوى من علماء الجزيرة خاصة، فنرجو الرد السريع علينا؛ لما يترتب على ذلك من أمور يعود خيرها على أطفال المسلمين خاصة، وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب
أخي الكريم: أحسن الله إليك كما أحسنت صنعاً في جهودك، أنت ومن معك من الإخوة في سبيل تحقيق النية، وتأليف القلوب على الإسلام والخير.
ما ذكرته من الأعمال لا أرى فيها مانعاً، بل هي أعمال مرغوبة، والتوسعة في المباحات على الأطفال والنساء خاصة في الأعياد أمر معروف عند أهل العلم، والأحاديث في ذلك كثيرة، بعضها في الصحيحين البخاري (950) ، ومسلم (892) كحديث غناء الحبشة ولعبهم في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم- بالدرق والحراب، وسماع عائشة -رضي الله عنها- لغناء الجاريتين يوم العيد (انظر التخريج السابق) وغيرها من الأحاديث، فإذا كان هذا اللهو المباح مرخصاً فيه في ذلك العهد النبوي، وفي ذلك الجو الإيماني العابق بأنفاس النبوة، فما المانع منه في مثل الحال التي أنتم فيها؟(13/86)
وبالنسبة لإنكار أولئك الإخوة - وفقهم الله للخير- يمكن أن يسألوا عنه: ما سببه؟ وما دليلهم عليه؟ ويقال ينبغي لمن أراد أن يصف الحكم على العمل بالبدعة أن يستوعب جميع ملابسات الموضوع من حيث الزمان والمكان والحال والفاعل وغير ذلك، وأن يكون هذا الحكم صادراً ممن عرف عنه العلم، لأنني لاحظت من خلال كثير من الأسئلة التي ترد من البلاد الغربية الاعتراض بهذا الأمر (التبديع) على أمور لا تستحق ذلك عند أهل العلم، مع أنني أعلم أن الدافع لأولئك الغيرة على السنة، ولكن ذلك لا يكفي، بل لا بد مع الغيرة والعاطفة الإيمانية من علم وبصيرة نافذة، ليكون الحكم أقرب إلى الصواب. والحكم بالتبديع ليس بالأمر الهين، فليتق الله من يطلقه، والحكم على الشيء بأنه بدعة أمر يجب التأني فيه والتحقق منه وعدم العجلة، فكم زلت في هذا الباب أقدام، وترتب على ذلك من تمزيق صفوف المسلمين بعد أن كانت مجتمعة.
إذا تقرر هذا أيها المحب فإنه يقال لأولئك الإخوة: المسلم اللبيب يدرك أن اجتماع الصف ووحدة كلمة المسلمين من المقاصد العظيمة، والواجبات الكبيرة، وفي الشرع يقول سبحانه: "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ" [الشورى: من الآية13] ، وليس من الحكمة ولا من الشرع في شيء أن يقدم المسنون على الواجب، أو تتفرق الكلمة لأجل مسألة محتملة، يقول شيخ الإسلام بن تيمية- رحمه الله - كما في مجموع الفتاوى (22/407) لما تكلم عن مسألة الجهر بالبسملة في الصلاة: (واستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات، لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا، كما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم- تغيير بناء البيت لما في إبقائه من تأليف القلوب، وكما أنكر ابن مسعود على عثمان -رضي الله عنهما- إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متماً، وقال: "الخلاف شر") أ. هـ.
وقال في موضع آخر (22/437) : (ويسوغ أيضاً أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب واجتماع الكلمة خوفاً من التنفير عما يصلح ... ) ثم ذكر المثالين السابقين في هدم الكعبة، وقصة ابن مسعود -رضي الله عنه-.
فأوصي الإخوة جميعاً أن يتعاهدوا هذا الأصل، وأن يسدوا باب التفرق، وأن لا يدعوا فرصة للفرقة التي قد تقع أسبابها أحياناً من بعض الغيورين، المعظمين للسنة، بحجة الاتباع، مع أن الحرص على جمع الكلمة ومنع أسباب الخلاف ما أمكن ذلك من أعظم آثار الاتباع، بل هذا من أصول الدين ومخالفة دين المشركين وأوصي أحبتي الكرام بوصية الله تعالى حيث يقول: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" [آل عمران: 103] ، كما أوصي إخواني بضرورة الرجوع إلى أهل العلم إذا أشكل عليهم شيء، خاصة وأنكم في بلاد يرصد فيها الكفار كل ما يصدر عنكم، وما أعظم الرزية.(13/87)
أيها الإخوة إذا شمت أعداؤنا بنا بسبب التفرق الذي قد يحدثه حماس لم يضبط بزمام العلم الشرعي!! وقد قال الله تعالى في ذكر دعاء إبراهيم وقومه: "رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" [الممتحنة:5] ، ومن صور كون المؤمنين فتنة للكفار: أن يتفرقوا ويتشتتوا فيقول بعض الكفار: لو كان هؤلاء المسلمون على حق لما تفرقوا، فيفتن بذلك بعضهم ولربما لم يقدم على الإسلام بسبب ما يراه من التفرق.
وقد أحسنتم كل الإحسان إذ عرضتم هذا الحال لمعرفة ما ينبغي حيال مثل هذه الأمور التي قد يتهاون البعض بها، مع أن آثارها قد تكون وخيمة.
أسأل الله تعالى أن يكون هذا الجواب صواباً، وأن يحقق الغرض منه، وأن يجمع كلمة المسلمين جميعاً في كل مكان على الحق، وأن يرزقنا الفقه في دينه، والبصيرة فيه، - وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه-.(13/88)
ضوابط التعامل مع المخالف
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/أدب الخلاف
التاريخ 6/4/1423
السؤال
ما الضوابط في التعامل مع المخالف، وخاصة إذا كان الخلاف في العقيدة والمنهج أو أحدهما، وكيف نبني علاقتنا في مثل هذه الأمور مع مثل هؤلاء الناس، علماً أني أعيش في بلد طلاب العلم فيه قليلون؟
الجواب
ضوابط التعامل مع المخالف في العقيدة
أولاً: مقدمات مهمة:
1-العقيدة التي يجب على كل مسلم أن يعتقدها ولا يجوز له مخالفتها هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وتسمى عقيدة الفرقة الناجية، وهي ما كان عليها نبينا -عليه السلام- وأصحابه الكرام، ودرج عليها أصحاب القرون المفضلة، ولا تزال إلى اليوم -بحمد الله- واضحة المعالم، بينة المسائل، محررة الأصول، معلومة الحدود، وقد كتب في بيانها وضبطها وشرحها عشرات المؤلفات -ولله الحمد والمنة-.
2-ومن رحمته -تعالى- ورأفته بعباده أن السلف -رضوان الله عليهم- قد أجمعوا على تلك العقيدة، ولم يحدث بينهم نزاع، في أي من مسائلها بله أصل من أصولها وقواعدها، اللهم إلا جزئيات ملحقة يسع الخلاف فيها، كمسألة رؤية نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- لربه في الدنيا ونحوها مما ساغ فيه الاجتهاد، ومن تمام النعمة اتفاق السلف على منهج العقيدة أيضاً تلقياً وأداء ودعوة إليها.
3-أن العقيدة توقيفية مصدرها الكتاب الشريف، والسنة الصحيحة وإجماع السلف الصالح، قال الزهري -رحمه الله-: من الله الرسالة وعلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- البلاغ وعلينا التسليم (صحيح البخاري- كتاب التوحيد 46) .
4-أن فهم العقيدة إنما يكون بفهم السلف الصالح، ووفق ما اعتقدوه وتعلموه من نبيهم -عليه السلام-، سيما مع سعة علومهم، وفرط ذكائهم وقوة إيمانهم، وحسن مقصدهم، وتمام عدلهم -رضي الله عنهم-.
5-لا ينبغي لطالب الحق أن يتلقى عقيدته مما هب ودب من الكتب والمصنفات، سيما كتب المقالات والفرق؛ لأن بعض أصحاب هذه المقالات قد أسسوها على أسس فلسفية ومنطقية ولم يؤسسوها على الأدلة الشرعية، ولكن الواجب تعلم العقيدة على علماء أهل السنة الراسخين، والاستفادة من تراث السلف ومصنفاتهم، كالإيمان لابن مندة، ولابن أبي شيبة، والإبانة الكبرى والصغرى لابن بطة، وأصول الاعتقاد للالكائي، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرها كثير -بحمد الله-.
ثانياً: الاختلاف والتفرق:
1-أمر الله -تعالى بالوحدة والائتلاف، والاعتصام بالكتاب والسنة، وذم وعاب التفرق والاختلاف، ونهى عنه وحذر منه، فقال: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" [آل عمران:103] ، وقال: "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات" [آل عمران:105] .
2-يجب التسليم لقضاء الله وقدره بأن الاختلاف والافتراق سيقع في الأمة لا محالة، فقد أخبر المعصوم -عليه السلام- بذلك فقال: "تفرق اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة" (رواه الترمذي (2641) وغيره وقال حسن صحيح) وفي لفظ:"كلها في النار إلا واحدة" وجاء الحديث بألفاظ وطرق متعددة.(13/89)
وهذا لا ينافي الأمر بالوحدة والاتفاق؛ لأن الخبر بل الأخبار الكثيرة جاءت في الصحيحين وغيرهما بأنه لا تزال طائفة من الأمة ظاهرة على الحق، لا يضرها من خذلها ولا من خالفها إلى قيام الساعة.
3-ليس كل خلاف موجب للفرقة والتنازع، فالاختلاف اليسير فيما يسع فيه الاجتهاد أمر مقبول، بل قد حصل بين السلف شيء يسير من هذا سبق ذكره، وإنما الحذر من الاختلاف في الأصول والكليات (يراجع الاعتصام للشاطبي) .
4-أن الاختلاف قد يدّعى مع كونه لا حقيقة له بالفعل، وإنما بسبب سوء فهم المسألة من قبل طرفين متنازعين، فيظن أحدهما أن عبارة السلف في تعريف الإيمان مثلاً أنه: قول وعمل، تخالف قول صاحبه أن الإيمان: قول وعمل واتباع للسنة مثلاً، كما نقل عن سهل ابن عبد الله التستري، فيتنازع الاثنان في مسألة لا خلاف فيها أصلاً.
5-ليس كل من خالف السلف في مسألة أو مسألتين من مسائل العقيدة يخرج بالكلية من زمرة السلف، ويرمى بالبدع، فقد خالف إمام الأئمة ابن خزيمة وأبو ثور وغيرهما في مسألة الصورة، فبُيّن خطؤهما بهدوء بلا قسوة، وبعدل بلا جور، ولم يُخرجا من أهل السنة والجماعة بسبب زلة أو زلتين.
6-لزوم الحذر من الوقوع في الخلاف بسبب الهوى والجهل والظلم، إذ كثير من الخلافات تنشأ نتيجة هذه الأمور الثلاثة والله المستعان.
ثالثاً: ضوابط في معاملة المخالف:
1-العدل: قال الله: "وإذا قلتم فاعدلوا" [الأنعام:152] ، وقال: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" [النساء:58] ، فلا نتجاوز الحدود، ونهضم الحقوق، ونلغي الحسنات بسبب خلاف يسير، يمكن تجاوزه بل إصلاحه بشيء من الصبر والحكمة.
2-المناصحة والرفق: قال -عليه السلام-: "الدين النصيحة قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" (رواه مسلم (55) من حديث تميم الداري -رضي الله عنه-) .
فمن وجدناه مخالفاً في مسألة ما وتحققنا مخالفته فيها بذلنا له النصيحة في قالب من الرفق واللين، والرحمة والشفقة، بعيداً عن التشنج والانفعال والغلظة والقسوة.
3-الدعاء له بإخلاص: قال الله -تعالى-: "اهدنا الصراط المستقيم" [الفاتحة:6] ، وقال:" ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" [آل عمران:8] وهو دعاء بصيغة الجمع في الآيتين، وفيه إشارة إلى مفهوم الجسد الواحد.
فلو أن كل من خالفنا طلبنا من الله له الهداية، وصدقنا في دعائنا له لقلت بواعث الخلاف والفرقة.
4-البعد عن التبديع والتفسيق: ليس كل خلاف يستدعي وصم صاحبه بأنه مبتدع، ومفارق للجماعة، كما أنه ليس كل من نصر مذهب إحدى الفرق في بعض المسائل يجعل منهم وينسب إليهم، فابن حجر قال بقول الأشاعرة في جملة من الصفات وكذا فعل النووي ومع ذلك لا يعدان أشعريين، وإن زعمه البعض.
5-يجب التفريق بين المخالف والمتعصب وطالب الحق، فهناك من يخالف حمية وهوى وعصبية، وتقليداً وآخر يخالف اجتهاداً أو غفلة أو سوء فهم أو ملبساً عليه، فالأول يهجر إن غلظت بدعته واستعصت استجابته والآخر يحفظ حقه في الوصل ودوام النصح حتى يراجع الحق.(13/90)
6-يجب التفريق بين المخالفة والبدعة المغلظة، وغيرها، فهناك بدع كبرى كالتجهم والرفض ونحوها، فيعامل أصحابها بما يناسب حالهم، وتبين معتقداتهم حتى تحذر وشخوص معتنقيها حتى تهجر، وخصوصاً مع خاصتهم وكبرائهم، وأما العامة فلا بأس من دعوتهم إلى الإسلام وإقناعهم به لمن قوي على الدعوة، وعرف ما يدعو إليه وما يحذر منه.
7-الاختلاف في مناهج الدعوة والإصلاح قد تقع من أصحاب العقيدة الواحدة، لا ينبغي أن يكون الاختلاف في وسائل الدعوة وطرائقها المتنوعة مستنداً للتبديع والتفسيق والتصنيف والافتراء، طالما أن العقيدة واحدة والدعوة إليها هدف، والبراءة من مخالفتها مطلب، والخلاف في الوسائل محل اجتهاد ونظر.
8-الرد إلى الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- قال الله: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" ولفظة "شيء" [النساء:59] نكرة في سياق الشرط فتعمّ كل شيء، والله أعلم وصلى الله وسلم على رسوله وآله وصحبه.(13/91)
أيها الوهابيون البازيون
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/أدب الخلاف
التاريخ 15/6/1424هـ
السؤال
ما رأيكم بفتاوى ابن باز أكبر علماء السعودية، حيث أفتى بجواز الاستعانة بالكفار، وأفتى بأن الأرض منبسطة وليست كروية، وأفتى أيضا بأن الأمريكان كذابون لم يصلوا القمر، وأفتى بجلد الشعراوي ثمانين جلدة لأنه منافق، وأفتى بأن التصوير حرام إلا في الباسبورت (جواز السفر) ، وأعتقد أنكم لم تردوا على هذه الأسئلة، وهو من عاداتكم شطب ما لا يلائم السلفية الإرهابية في الحركة الوهابية التي جلبت علينا الويلات والمصائب، واليوم نشرت الصحف أن عريساً سعودياً طلق عروسه؛ لأن شقيقها أخذ لهما صورة. وأنا أتحداكم أن تردوا.
الجواب
نشكرك على مبادرتك بالاتصال بنا، ونعلم أختي - بارك الله فيك- أن ما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا، وأن بيننا من المشترك الذي نؤمن به ما يجعلنا نحسن الظن ببعضنا، ونتهادى النصح فيما نختلف فيه، يجمعنا أختي الإيمان بالله رباً ومعبوداً، والإيمان برسوله - صلى الله عليه وسلم- ومحبته، وتعظيم سنته واتباعه صلوات الله وسلامه عليه، أما ما ذكرت في السؤال فإني أجيب بالتفصيل، ولا أحسبك بحاجة إلى التحدي، فما عندنا لا نخفيه ولا نستحي منه.
(1) أفتى الشيخ ابن باز -رحمه الله- بجواز الاستعانة بالكفار، ووافقه على هذا الرأي جميع أعضاء هيئة كبار العلماء وعلماء آخرون من داخل المملكة وخارجها، وهو اجتهاد يؤجر عليه أجرين إن أصاب، وأجراً إن أخطأ.
(2) رأيه في الأرض أنها منبسطة لا نعرف أنه قال بهذا القول، ولا يوجد في شيء من كتاباته، ولعلك تقصدين رأيه بأن الأرض ثابتة لا تتحرك، وهذا رأيه واجتهاده الذي نعتقد أنه مخطئ فيه، ولكننا نحب الشيخ ونعظمه إماماً ربانياً وليس عالماً فلكياً.
(3) وأما أنه أفتى بجلد الشيخ الشعراوي، فإني أذكرك الله بنسبة هذا القول إليه ووصفه بهذا الوصف، وتذكري أختي - بارك الله فيك- عظيم الذنب بنسبه الافتراء إلى إمام رباني أفضى إلى ربه، فإن هذا من الافتراء والبهتان، وقد قال تعالى: "وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ" [الممتحنة: من الآية12] ، والشيخ عرف واشتهر بعفة لسانه وإمساكه عن الوقيعة في الناس، وبعده كل البعد عن وصفهم بهذه الأوصاف. ولو سألتك إثبات ذلك فإنك ستجدين ألا مستند صحيح لهذا.
(4) أما فتواه بتحريم التصوير الفوتغرافي فهي فتوى في مسألة خلافية، يوافقه عليها كثيرون ويخالفه آخرون، ولا زال العلماء قديماً وحديثاً يختلفون في هذا وأشباهه، ولا يثرب بعضهم على بعض.
أختي الكريمة: من الخطأ الكبير اختصار حياة الإمام ابن باز ومواقفه في مثل ما ذكرت، وعلمه وعطاؤه أوسع من ذلك ففتاواه تجاوزت العشرين مجلداً، فيها من النفع والخير الكثير الطيب المبارك، فهل من الإنصاف والعدل إهمال ذلك كله، والتعامي عنه واختصار رأينا في الشيخ بمثل ما ذكرت؟!.(13/92)
أختي الكريمة ينبغي ألا نحصر أنفسنا في تقييم الأشخاص والفرق، وفي نقد فلان وفلان، فيسعنا إحسان الظن ما وسعنا ذلك، وحمل الناس على أحسن المحامل ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ثم الانطلاق إلى الاهتمام بقضايانا العامة الكبرى، وأهمها تعبيد الناس لرب العالمين الذي خلقنا ورزقنا واستخلفنا في الأرض، ثم إليه منقلبنا ومعادنا جل ربنا وتقدَّس، ومتابعة ومحبة الرسول العظيم الذي لولاه لكنا فحماً في جهنم، فنتبعه ما استطعنا ونحبه من كل قلوبنا، فإن المرء مع من أحب، ونسعى إلى إصلاح حياة الناس ووجدانهم، وأن نجعل من أنفسنا رسلاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- إليهم.
(5) وما ذكرت أن عريساً طلق زوجته؛ لأن أخاه أخذ لهما صورة فوتغرافية فهي واقعة - إن صحت ولا أظنها تصح- محصورة في من فعلها، ولا يمكن أن يعم خطؤه على غيره، ولو سألنا عن فعله لقلنا له: إن فعلك خطأ كبير، ولقلنا أمسك عليك زوجك واتق الله.
داعياً الله - عز وجل- أن يوفقنا وإياك للخير، ويهدينا فيمن هدى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(13/93)
الفرق بين المراء والجدال
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/أدب الحوار
التاريخ 10/1/1425هـ
السؤال
ما معنى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا....." وما هو الفرق بين المراء والجدال؟ وكيف نعرف بأن الشخص يماري أو يجادل؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
روى أبو داود عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال
"أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسَّن خُلُقَه " رواه أبو داود، في كتاب: الأدب، باب: في حسن الخلق، رقم الحديث: (4800) .
هذا الحديث من جوامع الكلم الذي أوتيه النبي -صلى الله عليه وسلم -، وقد اشتمل هذا الحديث - على إيجازه واختصاره - على أصول الأدب، وجوامع حسن الخلق، وكيفية التعامل مع الناس، وقرن فيه النبي صلى الله عليه وسلم الجزاء والأجر لمن عمل بما جاء فيه، حيث تكفّل نبينا -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث بثلاثة بيوت في الجنة:
البيت الأول: في ربض الجنة، أي: أسفل الجنة، لمن ترك المراء وإن كان على حق.
البيت الثاني: في وسط الجنة، لمن ترك الكذب في كل موضع لا يجوز فيه، وإن كان مازحاً، وهذا الأمر مما يخالف فيه كثيرٌ من الناس حيث يسمحون لأنفسهم بالكذب، ويعللون ذلك بأنهم مازحون.
البيت الثالث: في أعلى الجنة، لمن حسَّن خُلُقَه، أي سعى في تحسين أخلاقه، وابتعد عن كل ما يدنسها ويفسدها، وترك جميع ما يخالف فطرة الله التي فطر الناس عليها.
ومكان الشاهد في هذا الحديث ما يتعلق بالمراء، فقد رغّب النبي -صلى الله عليه وسلم- في تركه ورتب على ذلك الأجر العظيم، كما نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث أخرى، ومنها:
ما رواه أحمد (8630) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح، ويترك المراء وإن كان صادقا".
وما رواه الترمذي (1995) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"لا تمار أخاك ".
وفي هذه الأحاديث ونحوها يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من جميع الأمور التي لا تناسب المسلم ولا يصلح أن تكون من أخلاقه، ومن تلك الأخلاق غير المرضية: المراء، والمقصود به في اللغة: استخراج غضب المجادل، من قولهم: مريت الشاة، إذا استخرجت لبنها، وحقيقة المراء المنهي عنه: طعن الإنسان في كلام غيره؛ لإظهار خلله واضطرابه، لغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مزيته عليه. وإن كان المماري على حق، فإنه لا يجوز له أن يسلك هذا السبيل؛ لأنه لا يقصد من ورائه إلا تحقير غيره والانتصار عليه.(13/94)
أما الجدال فهو من الجدل، والجدل في اللغة: اللدد في الخصومة والقدرة عليها، وحقيقة الجدل في الاصطلاح الشرعي: فتل الخصم ورده بالكلام عن قصده الباطل. وهو مأمور به على وجه الإنصاف وإظهار الحق، قال ابن الجوزي في كتابه الإيضاح:
اعلم - وفقنا الله وإياك - أن معرفة هذا العلم لا يستغني عنها ناظر، ولا يتمشى بدونها كلام مناظر؛ لأن به تتبين صحة الدليل من فساده، تحريراً وتقريراً، ولو ترك هذا العلم لأدى إلى الخبط وعدم الضبط.
وقد تكلم العلماء عن الجدل والمجادلة كثيراً، وألفوا فيها المؤلفات، وبينوا أهدافها ومقاصدها، ورسموا آدابها وأخلاقها، ومن ذلك ما قاله ابن الجوزي في كتابه الإيضاح: أول ما تجب البداءة به: (حسن القصد في إظهار الحق طلبا لما عند الله تعالى، فإن آنس من نفسه الحيد عن الغرض الصحيح فليكفّها بجهده، فإن ملكها، وإلا فليترك المناظرة في ذلك المجلس، وليتق السباب والمنافرة فإنهما يضعان القدر، ويكسبان الوزر، وإن زل خصمه فليوقفه على زلله، غير مخجل له بالتشنيع عليه، فإن أصر أمسك، إلا أن يكون ذلك الزلل مما يحاذر استقراره عند السامعين، فينبههم على الصواب فيه بألطف الوجوه جمعا بين المصلحتين) أ. هـ.
وهذا النوع من المجادلة مأمور به، ومن الأدلة عليه قوله تعالى:" وجادلهم بالتي هي أحسن" [النحل: 125] ، وقوله: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" [العنكبوت: 46] ، وقوله:"قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" [البقرة: 111] ، وقد فعله الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كابن عباس - رضي الله عنهما- لما جادل الخوارج والحرورية، ورجع منهم خلق كثير، وفعله السلف أيضا كعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، فإنه جادل الخوارج أيضاً.
وأما الجدال الذي يكون على وجه الغلبة والخصومة والانتصار للنفس ونحو ذلك فهو منهي عنه، وعليه تحمل الأدلة التي تنهى عن الجدال، كقوله -صلى الله عليه وسلم - الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجة:" ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل"، ثم تلا قوله تعالى"ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون" أخرجه الترمذي (3253) ، وابن ماجة (48) من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-.
وهذا النوع من الجدال هو الجدال بالباطل فيكون كالمراء، وكلاهما محرم وبهذا يتضح الفرق بين المراء والجدال، وأن المراء منهي عنه ومذموم على كل حال؛ لأنه لا يقصد منه تبيين الحق، وإنما يقصد به الانتصار على الآخرين وتحقيرهم وإذلالهم.
أما الجدال فله حالتان: الأولى: الجدال المحمود، وهو الذي يكون لتبيين الحق وإظهاره، ودحض الباطل وإسقاطه، وهو الذي أمرت به الأدلة الشرعية، وفعله العلماء قديماً وحديثاً.
الثانية: الجدال المذموم، وهو الذي يقصد به الغلبة
والانتصار للنفس ونحو ذلك وهو الذي تحمل عليه الأدلة الشرعية الناهية عن الجدال، ويكون الجدال هنا كالمراء، وكلاهما محرم.
ويمكن للإنسان أن يعرف أن الشخص يماري أو يجادل من خلال طريقته في الكلام، وموقفه مما يُعرض عليه من الأدلة والحجج.(13/95)
فالذي يجادل من أجل بيان الحق يقبل الأدلة الصحيحة ويعمل بمقتضاها إلا إذا كان عنده ما يعارضها مما هو أقوى منها، ولذلك فإنك تجد كثيراً ممن يجادلون بالحق يرجعون عن أقوالهم إذا تبين لهم خطؤها ويأخذون بقول الآخرين؛ لأن هدفهم الوصول إلى الحق لا الانتصار للنفس.
أما الذي يماري فتجده يصر على رأيه من غير دليل، ولا يقبل من الأدلة إلا ما يوافق رأيه، ولذا فإنه يتكلف في رد الأدلة وتأويلها وصرفها عن دلالاتها ونحو ذلك مما يدل على أنه لا يريد الحق، وإنما يقصد الانتصار لنفسه وتحقير غيره.
والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(13/96)
الانحناء للمخلوق
المجيب د. أنيس بن أحمد طاهر
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/آداب المعاملة
التاريخ 9/9/1424هـ
السؤال
أرجو عرض الأحاديث التي وردت في الانحناء للمخلوق، وما هي الحكمة منها؟.
الجواب
بالنسبة للانحناء منه ما هو سجود، هذا فيما رواه الإمام أحمد (12203) في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما سجد له بعير ذات يوم فقال الصحابة - رضي الله عنهم -: يا رسول الله، نحن أولى بالسجود من هذه الدابة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها"، وبالنسبة للانحناء فقد ورد فيه حديث صحيح آخر صححه الشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله - وهو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سئل: عن الرجل يلقى الرجل أيقبله؟ قال: لا، أينحني له؟ قال: لا، قال يصافحه، قال: "نعم" انظر الترمذي مع أحكام الألباني (2728) ، فورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: أنه نهى عن الانحناء (أن ينحني الرجل) ، وعليه فلا يجوز للإنسان أن ينحني أمام مخلوق، اللهم إلا ذلك الانحناء الذي هو عن ضرورة لوالد ليقيمه، أو ليقبله ويقبل رأسه، وهذا ليس من الانحناء المنهي عنه، وإنما هو انحناء ضرورة ليقبله باعتبار أنه مثلاً قد يكون مريضاً أو شيخاً كبيراً لا يستطيع المُسلِّم أن يساويه في الوقوف فيساويه في الجلوس، فليس في الحقيقة هذا انحناء، وإنما هو مساواة في الهيئة التي يكون عليها الجالس إذا كان رجلاً كبيراً، نعم وإلا الأصل في الانحناء أنه منهي عنه، وما هو أبلغ من الانحناء كالركوع والسجود فالنهي عنه من باب أولى، والله أعلم.(13/97)
علاقة الطالب بأساتذته
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/آداب المعاملة
التاريخ 23/10/1422
السؤال
أنا طالب جامعي وأبي له علاقة مع كثير من الدكاترة، ويرسلني أحياناً لهم، ويسألني: هل ذهبت للدكتور فلان؟ وكما يقال في المثل الجامعي "الجامعة علاقات"، علماً أن كثيراً من الطلاب يفعلون ذلك، وقد يؤدي ذلك إلى أن يزيد الدكتور في درجاتي، علماً أنني مجتهد في مذاكرتي.
الجواب
ينبغي أن تكون علاقة الطالب بأساتذته متينة، وكلما استطاع الطالب أن يزيد من قوتها كلما أفاد منها علماً وأدباً، والأصل في أساتذة الجامعة الفضل والخير، وإذا وجد من بعضهم قصور فهذا خلاف الأصل، وعليك أن تحرص على طاعة والدك فتتصل بأساتذتك وتقوي علاقتك بهم على وجه الإفادة، لا على وجه الرغبة في زيادة الدرجات، وفقك الله.(13/98)
من أحكام التقبيل بين الناس
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/آداب المعاملة
التاريخ 16/1/1423
السؤال
ما حكم التقبيل في الإسلام، مثل: تقبيل الرجل للرجل، أو المرأة للمرأة، وبين الأصدقاء والأقارب؟ الرجاء أن يكون الجواب مع الأدلة والبراهين في كل الأحوال، ثم رأي المفتي.
الجواب
تقبيل الرجل للرجل والمرأة للمرأة بلا شهوة جائز في أصله، إذا كان في الرأس أو الخد، أما في الفم فلا لاحتمال إثارة الشهوة، وأحسن من التقبيل المعانقة لخلوها من القُبَل، ولأنها كانت فعل السلف، وكذا المصافحة باليد فإنها تضفي جواً من الود بين المتصافحين دون حدوث إثارة غير محمودة، سيما بين المُردان، والجميلات من النساء.
قال ابن مفلح في (الآداب الشرعية) :" وتباح المعانقة، وتقبيل اليد والرأس تديناً، وإكراماً، واحتراماً مع أمن الشهوة"، وقال مهنا بن يحيى:" رأيت أبا عبد الله (يعني أحمد ابن حنبل) يُقَّبلُ وجهُهُ ورأسُه وخدُه ولا يقول شيئاً، ورأيته لا يمتنع من ذلك ولا يكرهه".
وقال إسحاق بن إبراهيم:" إن أبا عبد الله احتج في المعانقة بحديث أبي ذر -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- عانقه، انظر ما رواه أبو داود (5214) وأحمد (21444-21476) قال: وسألته عن الرجل يلقى الرجل يعانقه؟ قال: نعم فعله أبو الدرداء -رضي الله عنه-".
وأما مصافحة الرجال للنساء الأجنبيات فحرام لا يجوز، قالت عائشة -رضي الله عنها- كما في الصحيحين البخاري (2713) ومسلم (1866) :" كان -عليه السلام- يأخذ البيعة من النساء كلاماً، وما مست يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يد امرأة قط"، يعني: يد امرأة أجنبية ليست محرماً له، وقد حرّم المصافحة أئمة الإسلام الأعلام كالإمام أحمد، وابن تيمية، وغيرهما ممّن لا يحُصون عدداً.
وأما تقبيل النساء الأجنبيات ومعانقتهن فحرام من باب أولى، ولا أظن أحداً يبيحه أو يجادل فيه.
وأما تقبيل ذوات المحارم فلا بأس به مع أمن الفتنة في الرأس واليد أما الفم فلا؛ لأنه محل المتعة والشهوة، وفي -صحيح البخاري- (3918) من حديث البراء -رضي الله عنه- قبّل أبو بكر -رضي الله عنه- عائشة -رضي الله عنها- ابنته حين كانت مضطجعة قد أصابتها الحمى، والله أعلم. أما في الفم فلا، منعه شيخنا العلامة ابن باز -رحمه الله- وغيره من أهل العلم.(13/99)
مصافحة المرأة الأجنبية
المجيب
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/آداب المعاملة
التاريخ 16/2/1423
السؤال
ما حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية وخاصة زوجة الأخ، أخت الزوجة، بنت العم والخال مع الدليل؟ وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه،
وبعد: فالمصافحة: مفاعلة من وضع صفح الكف في صفح كف آخر، وصفح الكف بطنها، ومصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عنه محرمة مطلقاً، سواء كانت ذات رحم، كبنت العم، وبنت الخال، ونحوهما، أو كانت قريبة من غير ذي الأرحام، كزوجة الأخ، وأخت الزوجة، أو كانت بعيدة كسائر النساء، هذا قول الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة السلف، وإنما خالف أبو حنيفة وأحمد في العجوز التي انقطع إرب الرجال منها، وقد دل على تحريم مصافحة الأجنبية حديث معقل بن يسار مرفوعاً:" لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"، وهذا حديث أخرجه الروياني (1283) والطبراني في الكبير (20/211) من حديث شداد بن سعيد، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن معقل -رضي الله عنه-، وهذا إسناد صحيح، قال ابن تيمية بعد ذكره تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية -:" والمس كالنظر، وأولى".
فإن قيل: جاء عند البخاري (4892) عن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا: (أن لا يشركن بالله شيئاً) ، ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة يدها فقالت: أسعدتني فلانة فأريد أن أجزيها"، وهذا دال على أن المبايعة كانت بالمصافحة، وإلا لما صح التعبير بقبض اليد.
فالجواب: أن قبض اليد محتمل للقبض الحسي، وللقبض المعنوي، كأن يكون كناية عن التأخر عن قبول البيعة حتى ترد الإسعاد لصاحبتها، وإنما يجب الجزم بهذا الاحتمال الثاني لحديث عائشة -رضي الله عنها- في الصحيحين (البخاري (4891) ومسلم (1866)) قالت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول الله -تعالى-: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك - إلى قوله- غفور رحيم) فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" قد بايعتك " كلاماً، ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما يبايعهن إلا بقوله: قد بايعتك على ذلك"، ولحديث مالك في الموطأ عن محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت:" أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نسوة بايعنه على الإسلام، إلى أن قالت: فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، هلم نبايعك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم:" إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة"، وأخرجه الترمذي (1597) والنسائي (4181) وابن ماجة (2874) وأحمد (27006) من هذه الطريق، وإسناده صحيح.
فإن قيل: ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصافح النساء في المبايعة من وراء ثوب، فقد جاء عند أحمد في مسنده (27572) عن أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع نساء المسلمين للبيعة فقالت له أسماء ألا تحسر لنا عن يدك يا رسول الله، فقال: " إني لست أصافح النساء ".
فالجواب: أن الراوي عن أسماء هو شهر بن حوشب، وهو كثير الإرسال والأوهام، فحاله لا تحتمل المخالفة، والله أعلم.(13/100)
هل وصف العالم بفضيلة الشيخ يعد من التزكية
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/آداب المعاملة
التاريخ 18/8/1424هـ
السؤال
يقول أحد الإخوة: إن تسمية طالب العلم أو العالم بـ فضيلة الشيخ أو العالم الرباني وغير ذلك من الأوصاف هي تزكية لا تجوز، حتى لو كانت من قبيل إبداء الاحترام والتقدير، وأنها لم تكن موجودة بين الصحابة - رضي الله عنهم -، بل كانوا في مجالسهم ومراسلاتهم يتنادون بأسمائهم من غير ألقاب أو أوصاف، ما هو تعليقكم على هذا الكلام؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فهذه الأوصاف المذكورة يجوز أن تطلق على سبيل التقدير، ولكن بشروط:
الأول: أن تطلق هذه الأوصاف - المشار إليها في السؤال على من هو أهل لذلك؛ فلا يطلق لفظ الشيخ على طالب العلم المبتدئ، ولا يطلق وصف العالم على طالب العلم العادي ... وهكذا، وبذلك يتحقق الصدق في إطلاق تلك الأوصاف، ويحصل الوثوق بها عند الإطلاق.
الثاني: أن لا تكون سبباً في فتنة الموصوف بها، وإلا فيجب سد هذه الذريعة، درءاً لذلك.
فإذا تحقق الشرطان، فلا أرى مانعاً من إطلاق تلك الأوصاف أو الألقاب، لأنه ما تعارف الناس عليه، وجرت عليه العادة منذ القدم من غير نكير، وهذا أمر له اعتباره عند الشارع، لا سيما وأن بعض هذه الأوصاف، كلفظ الشيخ - أصبحت لكثرة إطلاقها أشبه بالألقاب منها بالأوصاف، على أنه ينبغي العدول عند إطلاقها ما أمكن إذا كان في معرض التزكية والمدح، والله تعالى أعلم.(13/101)
رد السلام على غير المسْلِمِ
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/آداب المعاملة
التاريخ 5/5/1424هـ
السؤال
ما هو حكم الشرع في رد السلام على غير المسلم؟
هل هو حرام؟ هل نرد عليه بتحية الإسلام؟ هل نرد عليه كما قال، حتى لو كان غير السلام عليكم، مثل صباح الخير.. الخ؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
السلام سنة ورده واجب، فإذا كان الرد على مسلم فكما قال تعالى: "وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً" [النساء:86] ، وإن كان على كافر وجب أن يقول: وعليكم، لحديث عروة بن الزبير - رضي الله عنه- أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي - صلى الله عليه وسلم- قالت: دخل رهطٌُ من اليهود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقالوا: السام عليكم، قالت عائشة -رضي الله عنها-: ففهمتها، فقلت: وعليكم السام واللعنة، قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "مهلاً يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله" فقلت يا رسول الله، أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "قد قلت: وعليكم" رواه البخاري (6024) ، ومسلم (2165) .
وأما غير ذلك من التحيات المتداولة فلا بأس بالرد بها، ولكن لا يبدؤهم بها، بل يرد عليهم بما قالوا، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" رواه مسلم (2167) .(13/102)
قتل الحيوان رحمة به
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/آداب المعاملة
التاريخ 26/11/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ العزيز: توجد مشكلة تتمثل في أن دابة (أتان) كانت على وشك الوضع، وكسرت إحدى أرجلها، ولما ذهبنا بها إلى الطبيب البيطري أمر بإعطائها حقنة للقضاء عليها رحمة بها، إلا أن العائلة رأت الإبقاء عليها، وحاولوا أن يعالجوها بالطرق البدائية، وعبثا حاولوا، فلقد وضعت (الدابة) وليدها ليموت بعد أيام نظرا لسوء حالة الأم العاجزة عن الحركة، حيث إننا نتعاون في تحريكها وإعطائها الطعام والشراب فهي لا تقوى على الوقوف بمفردها بل بالمساعدة، والآن يا شيخي العزيز هل من الحلال إعطاؤها هذه الحقنة لتستريح ونستريح؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قتل هذه الدابة إذا كانت مريضة لا ينتفع بها، ولا يرجى برؤها، موضع خلاف بين أهل العلم، والراجح - إن شاء الله - أنه لا بأس بقتلها في هذه الحالة إذا كانت مملوكة لقاتلها، لأنها ستكون عبئاً عليه ما دامت في هذه الحال، وسوف يلزم بالإنفاق عليها، فيكون ذلك إضاعة للمال؛ لأنه ينفق على شيء لا يستفيد منه، وذكر بعض الفقهاء علة أخرى وهو كون هذا القتل إراحة لها من العذاب الذي هي فيه، انظر الفروق للقرافي، الفرق التاسع والثلاثون 38ص100 ولقاءات الباب المفتوح لابن عثيمين المجلد2 اللقاء الرابع والعشرون ص83 مكتب دار البصيرة، الإسكندرية.
أما إذا لم تكن هذه الدابة المريضة تحت مسؤولية الإنسان، وليست له عليها ولاية، بأن تكون في البر مثلاً، فليتركها حتى يقضي الله فيها بأمره. والله أعلم (لقاءات الباب المفتوح (2/83) .(13/103)
بداءة اليهود والنصارى بالسلام
المجيب نزار بن صالح الشعيبي
القاضي بمحكمة الشقيق
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/آداب المعاملة
التاريخ 08/03/1426هـ
السؤال
ما حكم بداءة اليهود والنصارى بالسلام، وهل تجوز عيادتهم؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فقد اختلف العلماء في حكم بداءة اليهود والنصارى بالسلام على ثلاثة أقوال:
القول الأول: الجواز، وهو قول جمع من السلف، روي ذلك عن ابن مسعود وأبي أمامة، وابن عباس، وابن عيينة، واختاره القرطبي، وهو قول لبعض الشافعية، وذلك لعموم الأدلة الدالة على استحباب إفشاء السلام.
وروي عن الأوزاعي أنه قال: (إن سلَّمت فقد سلّم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون من قبلك) .
واستدلوا أيضاً بعموم جواز برهم في قوله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم" الآية ... [الممتحنة:8]
وقيّد بعضهم الجواز بما إذا كانت لك حاجة عند الكافر، وقد روي ذلك عن علقمة النخعي، وبه أوَّل القرطبي النهي، وحملوا النهي في الحديث على ما كان مشهوراً من حال اليهود من استبدال لفظ السلام بالسام، فإن غيَّر أهل الكتاب أسلوب ردهم، واستبدال اللفظ الطيب بالخبيث، فلا حرج إذاً؛ إذ الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً.
القول الثاني: يكره ولا يحرم، وهو قول لبعض الشافعية.
والقول الثالث: التحريم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام" رواه مسلم (2167) . وهذا صريح في النهي.
وأيضاً فإن السلام تحية خاصة بالمسلمين، والسلام اسم من أسماء الله تعالى، وهذا دعاء له كما ثبت في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقولوا السلام على الله؛ فإن الله هو السلام" صحيح البخاري (835) وصحيح مسلم (402) . وهي تحية أهل الجنة، فلا يجوز صرفها لغيرهم، وهذا هو قول جمهور أهل العلم، وهو ترجيح الحافظ ابن حجر وهو الراجح.
وكل ما تقدم من خلاف هو في تحيتنا لهم بلفظ (السلام) ، أما إن كانت بعبارة أخرى (كصباح الخير، ومرحباً) ، ونحو ذلك، فلا أرى أن النهي يتناوله؛ لأن النهي من أجل اختصاص هذه التحية بالمسلمين، إلا إذا كان هذا الكافر حربياً، فلا تجوز بحال من الأحوال، وقد نقل ابن مفلح عن الشيخ تقي الدين أنه قال: (إن خاطبه بكلام غير السلام مما يؤنسه به فلا بأس بذلك) . [الآداب الشرعية لابن مفلح (1/468) ] .
وكذا قالوا: أكرمك الله، ويعني به الإسلام.
وأما عيادتهم فهي جائزة ما لم يكن هذا الكافر حربيا، خصوصاً إذا كان يطمع في هدايته وإسلامه، فالنبي - صلى الله عليه وسلم- عاد غلاماً يهودياً كان يخدمه. أخرجه البخاري (1356) . [راجع ما تقدم في أحكام أهل الذمة لابن القيم (1/413) ، والآداب الشرعية لابن مفلح (1/468) ، وفقه الأقليات المسلمة لخالد عبد القادر (572) ] .(13/104)
قال الشوكاني - رحمه الله تعالى- في تعليقه على هذا الحديث ما نصه: (وفي الحديث دليل على جواز زيارة أهل الذمة إذا كان الزائر يرجو بذلك حصول مصلحة دينية كإسلام المريض، قال المنذري: قيل يعاد المشرك ليدعى إلى الإسلام إذا رجي إجابته، ألا ترى أن اليهودي أسلم حين عرض عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- الإسلام، فأما إذا لم يطمع في الإسلام ولا يرجو إجابته، فلا ينبغي عيادته، وهكذا قال ابن بطال: (إنها إنما تشرع عيادة المشرك إذا رجي أن يجيب إلى دخول الإسلام، فأما إذا لم يطمع في ذلك فلا، قال الحافظ - أي ابن حجر- والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف المقاصد، فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى، قال الماوردي: عيادة الذمي جائزة، والقربة موقوفة على نوع حرمة تقترن لها من جواز عيادة أو قرابة) ا. هـ كلام الشوكاني. [نيل الأوطار جزء 8 (ص: 389) طبعة دار الحديث] . والله أعلم.(13/105)
هل للمعانقة أصل؟
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/آداب المعاملة
التاريخ 28/2/1425هـ
السؤال
ما سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كيفية السلام والتهنئة بالعيد؟ هل كان يصافح بيده أم كان يعانق؟ وهل في المعانقة بين الإخوان بأس؟ -بارك الله فيكم، ونفع بكم الإسلام-.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
السنة في السلام المصافحة؛ لما رواه الترمذي (2728) وغيره من حديث أنس - رضي الله عنه- أن رجلاً سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: الرجل يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال - صلى الله عليه وسلم-: لا، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا، قال: أفياخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم"، فإن كان قادماً من سفر اعتنقه كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع زيد بن حارثة - رضي الله عنه- لما قدم المدينة، أتى النبي - صلى الله عليه وسلم- في بيته، فقام إليه واعتنقه وقبله" رواه الترمذي (2732) من حديث عائشة - رضي الله عنها- بسند ضعيف، فإن جرت عادة الناس على المعانقة في يوم العيد، فلا بأس إذ الأمر في هذا واسع، وله في الشريعة أصل، كما أن في دفع المعانق قطيعة ومجافاة.
أما التهنئة بالعيد بقوله: تقبل الله منا ومنك، أو عيد مبارك، أو تقبل الله صيامك وقيامك، أو ما أشبه ذلك، فلا بأس؛ لأن هذا ورد من فعل بعض صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس فيه محذور، ورواه ابن حجر، بإسناد حسن، عن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك، وروي نحوه عن أبي إمامة الباهلي-رضي الله عنه-، قال أحمد: إسناد حديث أبي إمامة - رضي الله عنه- إسناد جيد انظر السنن الكبرى للبيهقي (3/319) والمغنى لابن قدامة (3/295) .
وروى عن الإمام مالك قوله: (لم نزل نعرف ذلك بالمدينة) ، وقال أحمد: (لا ابتدئ به أحداً، وإن قاله أحد رددته عليه) .
ولله در ابن يتمية حيث يقول: (وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأموراً بها، ولا هو أيضاً مما نهي عنه، فمن فعله فله قدوة، ومن تركه فله قدوة) . والله أعلم.(13/106)
كيفية المعانقة الواردة في السنة
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/آداب المعاملة
التاريخ 23/06/1425هـ
السؤال
ما المراد بالمعانقة الواردة في السنة النبوية؟ وهل هي المعمول بها الآن بإلصاق الخد بالخد المعمول بها عندنا في نجد؟ أرجو التوضيح المفصل الشافي والكافي في هذه المسالة.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فالمعانقة جعل اليد على العنق مع الضم إلى النفس، فإذا ضم شخص آخر إليه، ووضع يده على عنقه فقد عانقه، وهذا -بحمد الله- ظاهر من أصل كلمة المعانقة، ولا شك أن المعانقة يمكن أن تتم بعدة أشكال، ولم أقف على إيضاح ما المستعمل منها في العصر النبوي، وهذا الأمر -وهو صفة المعانقة- ليس من الكيفيات التعبدية التي لا يجوز تغييرها أو الإحداث فيها، بل هي كيفية تؤخذ من أعراف الناس وعاداتهم، فكل ما تضمن معنى المعانقة من الاقتراب والالتصاق المتضمن لتأكيد التحية، والإشعار بزيادة المودة فهي مندرجة في المعانقة يحصل بها المقصود، ولا يظهر لي أن زيادة الاعتناء بما لم يعتن الشرع بتحديد كيفيته من العلم النافع، إذ لو كان كذلك لبينته السنة القولية وحثت عليه. والله -تعالى- أعلم.(13/107)
هل تكفي التوبة من تعذيب الحيوان؟
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/آداب المعاملة
التاريخ 18/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
سؤالي عن تعذيب الحيوانات، فكما أعرف أن الحقوق بين العبد وخالقه تغفر بالتوبة، ولكن الحقوق بين العبد والعبد لابد لها من التوبة، مع ترجيع الحقوق إلى أصحابها، فماذا عن تعذيب الحيوانات، مثلا يضرب الحيوان لسبب ما أكثر من مرة، فكيف يستغفر الإنسان؟ وهل تكفي التوبة؟ أم أن هذه الحيوانات سوف تنتقم ممن آذاها يوم القيامة؟ وبهذا لا يكون لتعذيبها كفارة، وهل من فعل هذا وتاب يكون مثله مثل التي دخلت النار بسبب قطة؟. أرجو أن تردوا علي الرد الشافي، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
تعذيب الحيوان هذا محرم ولا يجوز؛ ويدل له قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض" رواه البخاري (2365) ، ومسلم (2242) من حديث عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-، وعن شداد بن أوس - رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عله وسلم- قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته"رواه مسلم (1955) ، وتعذيبها من حقوق الله - عز وجل- فإن تاب الإنسان وأناب فإن الله -عز وجل- يتوب عليه ويبدل سيئاته حسنات، وإن مات على ذلك ولم يتب إلى الله - عز وجل-، فإن الله - عز وجل- هو الذي يعاقبه يوم القيامة أو يعفو عنه، فهو تحت مشيئة الله؛ لأن هذا حق من حقوق الله. والله أعلم.(13/108)
استخدام المسلم للعنف
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/آداب المعاملة
التاريخ 09/08/1425هـ
السؤال
متى يجوز للمسلم استعمال العنف.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
العنف ليس مطلوباً ولا مرغوباً في الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" رواه البخاري (10) ، ومسلم (40) من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمِنَهُ الناسُ على دمائهم وأموالهم" رواه النسائي (4995) ، والترمذي (2627) وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، فثقافة الإسلام هي ثقافة سلام وليست ثقافة عنف واعتداء على الآخرين، ومع ذلك فإن العنف قد يستعمل، ففي حالة الاعتداء على الشخص يمكنه أن يرد، فالله سبحانه -وتعالى- يقول: "وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" [الشورى:41-43] ، فيجوز في حدود رد الظلم، لكن مع ذلك فإن الصابر الذي يصبر على أذى الآخر ولا يرد عليه وصفه الله -سبحانه وتعالى- بأن ذلك من عزم الأمور.
فالعنف ليس أصلاً في هذا الدين، والأصل أن دعوة الدين هي دعوة بالحسنى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" [النحل:125] .
وهنا أمر آخر أريد أن أنبه عليه وهو أن أسأل السائل العنف مع من؟ وضد من؟ وفي أي سياق؟ هذه أمور في غاية الأهمية، أي الموازنة بين المصالح والمفاسد عند استعمال العنف ضرورة، فكم من عنف أدى إلى عنف أشد، وبالتالي يتشكل العنف إلى مالا نهاية له، ويكون الإثم على هذا العنف، والإثم بدون أن يلغي عن الآخرين شيئاً، والآخرون أيضاً لهم نصيبهم ولهم قسطهم وبخاصة العنف الموجه إلى الحاكم لا يجوز، فقد جاء في صحيح مسلم (1847) أن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع"، لأن هذا العنف من شأنه أن يؤدي إلى عنف وإلى فوضى، وبالتالي..
فالعنف إذًا قد يجوز في حالات محددة ومنضبطة في الإسلام، ولكنه ليس أصلاً في الإسلام، بل إن ثقافة التسامح هي الأصل.(13/109)
رحمة سليمان عليه الصلاة والسلام- بالحيوان وفعله بالخيل
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/آداب المعاملة
التاريخ 22/11/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم ... وبعد. جاء في الآية الكريمة: (فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) [سورة ص:33] . في تفسير هذه الآية، وفي أصح الروايات أنه بدأ يضرب أعناقها وأرجلها بالسيف. وفي خطاب سليمان للهدهد عندما لم يجده: (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ... ) إلى آخر الآية [النمل:21] .
سؤالي: لماذا لم يكن سليمان رحيمًا بالحيوانات، كما أُمرنا في الإسلام؟ هل من توضيح جزاكم الله خيرًا؟
الجواب
ذبح الحيوان بمجرده لا يدل على القسوة ولا ينافي خلق الرحمة، ولو كان كذلك لما جاز ذبح ما يؤكل لحمه من الحيوان، ولا قتل ما يؤذي منها.
إنما الذي ينافي الرحمة حقًّا هو الإساءة في القتل، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ كتَب الإحسانَ على كلِّ شَيْءٍ، فإِذَا قتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةْ، وإِذَا ذَبَحْتُمْ فأَحسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ولْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ". أخرجه مسلم (1955) . فمن القسوة وعدم الرحمة الذبح بشفرة غير حادة لا تقطع، ونبينا سليمان عليه، وعلى محمد، الصلاة والسلام حينما طفق يقتل الجياد -على القول المرجوح بأن المراد بالطفق والمسح بالسوق والأعناق هو قتلها- لم يقتلها تعزيرًا لها، وإنما لأن حبه لها وانشغاله بها ألهاه عن ذكر الله، وذبح الحيوان المأكول جائز إذا كان سيؤكل، فالحقيقة أنه إنما أراد معاقبة نفسه وردها عن اللهو وكل ما يشغل عن ذكر الله، وليس في الآية ما يدل على أنه قطّع سوقها (جمع ساق) ، فلعل المراد بمسحه لسوقها أنه عرقبها ليسهل عليه ذبحها، فحبسها بالعرقبة عن النفار ثم ذبحها، وتصدق بلحمها على الفقراء، والراجح أن معنى الآية على ظاهرها، وهو أنه جعل يمسح سوقها وأعناقها بيده حبًّا لها وإكرامًا، كما هو تفسير ابن عباس واختاره ابن جرير الطبري في تفسيره. فلا يكون في الآية أي شبهة.
وأما فعله مع الهدهد بأن يعذبه عذابًا شديدًا أو يذبحه أو يأتيه بعذر لغيابه، فلأن النبي سليمان عليه الصلاة والسلام قد سُخِّر له خَدَمَةً الطيرُ والجنُّ، فكان يأمرها فتطيعه، فلما لم يجد الهدهد عند تفقده للطير رأى في تغيّبه مخالفة لأمره، فكان سائغًا أن يعذبه على مخالفته، فهو قد أوتي منطق الطير وصارت تفهم أمره ويفهم خطابها، فهو تعذيب متوعد على مخالفته لأمره المفهوم وليس تعذيبًا لمن لا يفهم الخطاب، ففعله معه كفعل أي أمير مع من يخالف أمره من أتباعه، ومعاقبة المذنب ليس فيها ما ينافي الرحمة، بل في الآية نفسها ما يدل على رحمته وعدله حتى مع الحيوان حين قال: (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) [النمل:21] . فعلَّق تعذيبه وقتله على عدم عذره في غيابه، وجعل إتيانه بعذر مبين صحيح مانعًا عن تعذيبه وقتله (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) [النمل:21] . والله أعلم.(13/110)
هل صح النهي عن المعانقة؟
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/آداب المعاملة
التاريخ 26/10/1426هـ
السؤال
هل الحديث الذي ينهى فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن التزام الصديق وتقبيله يدل على التحريم، أم هناك تفسير آخر؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
فالحديث المشار إليه في السؤال أخرجه أحمد (13044) ، والترمذي (2728) ، وابن ماجه (3702) ، والبيهقي في السنن (7/100) ، من طرق عن حنظلة بن عبد الله السدوسي، قال: حدثنا أَنَسِ بْنِ مَالِك، ٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: "لَا" قَالَ: أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: "لَا" قَالَ: أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ".
وإسناد هذا الحديث ضعيف؛ لضعف حنظلة بن عبد الرحمن السدوسي، قال الإمام أحمد: كان حنظلة السدوسي ضعيف الحديث يروي عن أنس بن مالك أحاديث مناكير، روى: "أينحني بعضنا لبعض". ينظر: الجرح والتعديل (3/241) .
والمصافحة ثبتت مشروعيتها في أحاديث أخرى، منها ما أخرجه البخاري (6263) من طريق قتادة، قال: قلت لأنس -رضي الله عنه-: أكانت المصافحة في أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم.
وفي حديث كعب بن مالك -رضي الله عنه- عند البخاري (4418) ، قال: "دخلت المسجد فإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام إلي َّطلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني"، وبوب عليه البخاري بقوله: "باب المصافحة" [ينظر البخاري مع الفتح (11/54) ] .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد (967) بسند صحيح من طريق حميد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: لما جاء أهل اليمن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد أقبل أهل اليمن وهم أرق قلوباً منكم؛ فهم أول من جاء بالمصافحة".
وأخرج الترمذي (2651) من حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلمَين يلتقيان فيتصافحان إلا غُفر لهما قبل أن يفترقا".
قال ابن بطال: "المصافحة حسنة عند عامة العلماء، وقد استحبها مالك بعد كراهته، وقال النووي: "المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي" ينظر فتح الباري (11/55) .
أما المعانقة فقد ورد فيها أحاديث، قال الحافظ ابن حجر: " قد ورد في المعانقة حديث أبي ذر، أخرجه أحمد وأبو داود من طريق رجل من عنزة لم يسم، قال: قلت لأبي ذر: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيته قط إلا صافحني، وبعث إلي ذات يوم فلم أكن في أهلي، فلما جئت أخبرت أنه أرسل إلي، فأتيته وهو على سريره فالتزمني فكانت أجود، وأجود، ورجاله ثقات إلا هذا الرجل المبهم.
وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث أنس: كانوا إذا تلاقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا" انتهى.(13/111)
والتقبيل ورد فيه أحاديث، قال الحافظ: "قد جمع الحافظ أبو بكر بن المقرئ جزءاً في تقبيل اليد أورد فيه أحاديث كثيرة وآثارا، فمن جيدها حديث الزارع العبدي، وكان في وفد عبد القيس، قال: فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي -صلى الله عليه وسلم- ورجله" أخرجه أبو داود، ومن حديث مزيدة العصري مثله، ومن حديث أسامة بن شريك قال: قمنا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقبلنا يده، وسنده قوي، ومن حديث جابر أن عمر قام إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقبل يده، ومن حديث بريدة في قصة الأعرابي والشجرة، فقال: يا رسول الله ائذن لي أن أقبل رأسك ورجليك، فأذن له.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد من رواية عبد الرحمن بن رزين، قال: "أخرج لنا سلمة بن الأكوع كفاً له ضخمة كأنها كف بعير، فقمنا إليها فقبلناها".
وعن ثابت أنه قبل يد أنس، وأخرج أيضا أن علياً قبل يد العباس ورجله، وأخرجه ابن المقرئ، وأخرج من طريق أبي مالك الأشجعي، قال: قلت لابن أبي أوفى: ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فناولنيها، فقبلتها.
قال النووي: تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه أو صيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يكره، بل يستحب، فإن كان لغناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا فمكروه شديد الكراهة.
وقال أبو سعيد المتولي: لا يجوز"ينظر: فتح الباري (11/57) .
وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/257) : "وتباح المعانقة وتقبيل اليد والرأس تديناً وإكراماً واحتراماًً مع أمن الشهوة، وظاهر هذا عدم إباحته لأمر الدنيا، والكراهة أولى، قال المروذي: سألت أبا عبد الله عن قبلة اليد، فقال: إن كان على طريق التدين فلا بأس، قد قبل أبو عبيدة يد عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- وإن كان على طريق الدنيا فلا، إلا رجلاً يخاف سيفه أو سوطه، هذا والله أعلم.(13/112)
الاجتماع في العبادة
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/أدب الصديق
التاريخ 4/3/1424هـ
السؤال
رأيت أنا وبعض الإخوة أن نتعاون في صيام الست من شوال، فقررنا أن نصوم كل اثنين وخميس على أن نفطر كل مرة في بيت أحدنا بالتناوب، فلما سمع هذا الأمر بعض الإخوة أنكر هذا الأمر واعتبره بدعة، وأنه لم يرد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا الصحابة فعلوا هذا الأمر -صيام الست من شوال والإفطار جماعة-، وطالبنا بالدليل على جواز هذا الأمر.
أرجو أن توضح لنا الصحيح في هذه المسألة، ولكم منا جزيل الشكر، ومن الله الأجر والثواب.
الجواب
أخي الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فهنيئاً لكم توفيق الله لكم لهذه النوافل العظيمة التي وعد النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها بالثواب العظيم، ومنها صيام الست من شوال، خاصة وأنتم في بلاد الكفر، فتقبل الله منا ومنكم، وثبتنا وإياكم على دينه.
يا محب: أما قول من يذكر -ممن ينتمي كما يدعي إلى التيار السلفي- من بدعية صيام ست من شوال فأين هو من قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي أيوب -رضي الله عنه- الذي رواه مسلم (1164) في صحيحه:"من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر"؟ وجمهور أهل العلم على استحباب صيامها، ولم ينكره إلا مالك -رحمه الله- وتبعه على ذلك أتباعه، والسنة -إذا صحت عن المعصوم -صلى الله عليه وسلم- مقدمة على قول كل أحد مهما كانت منزلته في العلم.
وصوم الست من شوال ثبت من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- القولية لا العملية، ويكفي -عند أهل العلم- لثبوت السنة أن يصح بها القول أو العمل أو الإقرار منه -صلى الله عليه وسلم-.
أما كون الاجتماع على ذلك بدعة، فإن الواجب عليكم دائماً -في هذه المسألة وغيرها- أن تسألوا من يبدع عن دليله على أن ما ذكره بدعة.
ومع هذا يقال إن في السنة ما يدل على جواز الاجتماع في العبادة، فقد روى الترمذي (807) وصححه من حديث زيد بن خالد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"من فطر صائماً فله مثل أجره"، ومعلوم أن تفطير هذا الصائم سيترتب عليه الاجتماع به، فدل هذا على مشروعية التفطير للصائمين، وما ترتب على المشروع فهو مشروع.
وسبحان الله كم هي الفوائد التي تترتب على الاجتماع مع الإخوة في الله وعلى طاعة من الطاعات، وخصوصاً في بلاد الكفر، التي يحتاج -بل يضطر- الإنسان إلى من يكون عوناً له على الطاعة؟!
ثم يقال لهذا الأخ -هداه الله ووفقه للصواب- إن التبديع ليس بالأمر الهين، والحكم على الشيء بأنه بدعة أمر يجب التأني فيه، والتحقق منه وعدم العجلة، فكم زلت في هذا الباب أقدام، وكم ترتب على ذلك من تمزيق لصفوف المسلمين بعد أن كانت مجتمعة.
وبخصوص مسألتنا هذه، فإنه يمكن مطالبة هذا الأخ (المبدع) بالدليل على أن الصحابة -رضي الله عنهم- أو بعض السلف ما كانوا يجتمعون على أمثال هذه المناسبات، ويقال له: هل استوعبت كتب السنن والآثار؟! واطلعت على ما فيها لتجزم بهذا الحكم الشديد؟!.(13/113)
الذبح للضيف
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/أدب الضيافة
التاريخ 10/3/1423
السؤال
إذا أتى شخص من مكان بعيد إلى قرية فذبحوا له-مع ذكر اسم الله عليها-في مكان معين أو في نفس الطريق الذي يسلكه هذا الشخص, فما حكم الذبيحة؟ مع ذكر سبب الحكم.
الجواب
إذا كان هذا الذبح على اسم الله -تعالى- ومن أجل إكرام القادم، وتقديم الطعام له ولغيره فلا بأس، حتى وإن كان الذبح بمكان معين، وليس تعيينه يرمز إلى مقصد من المقاصد الممنوعة، أما إن كان هناك اعتقاد في الطريق أو في مكان آخر، فيلزم بيان ذلك لينظر في حلّه من حرمته، فقد روى ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه- قال: نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، فقال: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم" رواه أبو داود (3313) ، وإسناده على شرط الشيخين (البخاري ومسلم) -رحمهما الله جميعاً-، ففهم من هذا أنه إذا كان الذبح في مكان يرمز إلى اعتقاد جاهلي فإنه لا يجوز الذبح في هذا المكان.(13/114)
الوقوف للمسؤولين
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/أدب الضيافة
التاريخ 20/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي يا فضيلة الشيخ هو: ما حكم إجبار حراس الأمن على الوقوف لبعض أصحاب المناصب بالدوائر الحكومية؟ وجزاكم الله ألف خير، ورحم الله والديكما.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
جاء في الحديث عند أحمد (16830) وأبي داود (5229 والترمذي (2755) : "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرجلُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ". فالنهي منصب على رضا ومحبة من يقام أو يوقف له، وليس على القائم والواقف إذا كان يكره ذلك في نفسه.
كما أنه ليس على الآمر للحارس بالوقوف شيء إذا كان يراه إكرامًا وتقديرًا للزائر والعميل، حتى إنها أصبحت كالعادة المألوفة في كثير من المجتمعات، لا يستحضر فيه الحارس والبواب والآمر معنى العبادة والتقديس، وإنما قد يوجد عند بعض ضعاف النفوس من الكبراء والعسكريين من أصحاب المناصب والمقامات، وهؤلاء هم المعنيون بالحديث النبوي لا غير.
والخلاصة: لا شيء على الحارس والبواب ونحوهما إذا قاما أو وقفا لأحد، والأولى عدمه، وإن كان المرء مكرهًا أو مجبرًا فلا شيء عليه أصلًا. والحمد لله. وفق الله الجميع إلى كل خير.(13/115)
القيام للداخل
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/أدب الضيافة
التاريخ 10/10/1426هـ
السؤال
ما حكم من يقوم حين يدخل عليه مسؤول معين، كالقاضي مثلاً في دار القضاء، هل يعتبر شركاً؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
كلا، ليس ذلك من قبيل الشرك، إلا أن يكون قام له قيام عبادة، كقيامه لله في الصلاة (وقوموا لله قانتين) [البقرة:238] ، وهذا بعيد جداً، وإنما يفعل الناس ذلك من باب الإكرام والإجلال، ومع هذا فلا ينبغي أن يقوم لأحد -كائناً من كان- إلا أن يعرض سبب كالتهنئة، والقدوم من سفر، وإظهار الفضل أمام الأعداء كقول النبي -صلى الله عليه وسلم- للأنصار: "قوموا إلى سيدكم". أخرجه البخاري (3043) ، ومسلم (1768) . وذلك حين قدم للحكم في يهود بني قريظة، وليس على سبيل الدوام.
وينبغي للقاضي وغيره أن ينهوا الناس عن هذا القيام، ويحرم أن يحب أحد أن يتمثل الناس له قياماً، لورود النهي عن ذلك. انظر مسند أحمد (16830) ، وسنن أبي داود (5229) ، وجامع الترمذي (2754، 2755) . والله أعلم.(13/116)
أدب الحديث(13/117)
قول الرجل لأخيه: "أمانة"
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الصدق في الحديث
التاريخ 5/4/1424هـ
السؤال
ما حكم قول الإنسان لأخيه (أمانة) ؟
الجواب
الحمد لله، قول الرجل لأخيه: (أمانة) يعني: كن صادقاً في خبرك لا تكذب علي، فأنا أأتمنك فيما تخبرني به، وعلى هذا فلا بأس في ذلك، ولكن إذا أراد منه أن يقسم بالأمانة، يعني: قل لي بالأمانة، فإن هذا لا يجوز، فقد جاء عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ليس منا من حلف بالأمانة ... " أبوداود (3253) ، وأحمد (22980) ، واللفظ له من حديث بريدة - رضي الله عنه-، فعلى هذا ينبغي اجتناب هذا اللفظ الذي يوهم هذا القسم بالأمانة.(13/118)
تأليف القصص ليس كذباً
المجيب د. عبد الله بن وكيل الشيخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الكذب
التاريخ 22/7/1422
السؤال
ما حكم تأليف القصص القصيرة الهادفة والتي تكون أحداثها غير حقيقية؟ هل تعتبر من الكذب. .؟ وجزاكم الله خيراً
الجواب
لا يعتبر تأليف القصص الهادفة من الكذب وإن كان فيها أحداث غير حقيقية، بل هي من ضرب الأمثال.(13/119)
رسالة الذهبي ـ المزعومة ـ إلى ابن تيمية هل تصح؟!
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الكذب
التاريخ 19/11/1424هـ
السؤال
احتج أحد الضالِّين، الذين يتهمون شيخ الإسلام ابن تيمية بالضلال، برسالة أرسلها إليه الإمام الذهبي وينصحه فيها بالعودة عن ضلالته, فأرجو أن تبينوا لنا الحقيقة حول هذه الرسالة، وقد أوردت الرسالة المعنية هنا، وجزاكم الله كل خير(13/120)
-والصلاة والسلام- على نبيّنا الكريم، قال الذهبي في رسالته لابن تيمية: رسالة الذهبي إلى ابن تيمية: الحمد لله على ذلتي، يا رب ارحمني، وأقلني عثرتي، واحفظ عليّ إيماني، واحزناه على قلة حزني، وأسفاه على السنة وذهاب أهلها، واشوقاه إلى إخوان مؤمنين يعاونوني على البكاء، واحزناه على فقد أناس كانوا مصابيح العلم وأهل التقوى وكنوز الخيرات، آه على وجود درهم حلال وأخ مؤنس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وتباً لمن شغلته عيوب الناس عن عيبه، إلى كم ترى القذاة في عين أخيك وتنسى الجذع في عينك؟ إلى كم تمدح نفسك وشقاشقك وعباراتك وتذم العلماء وتتبع عورات الناس؟ مع علمك بنهي الرسول -صلى الله عليه وسلم-: لا تذكروا موتاكم إلا بخير، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا. بل أعرف أنك تقول لي لتنصر نفسك: إنما الوقيعة في هؤلاء الذين ما شموا رائحة الإسلام، ولا عرفوا ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم- وهو جهاد، بلى والله عرفوا خيراً كثيراً مما إذا عمل به العبد فقد فاز، وجهلوا شيئاً كثيراً مما لا يعنيهم، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، يا رجل! بالله عليك كفّ عنّا، فإنك محجاج عليم اللسان لا تقر ولا تنام، إياكم والغلوطات في الدين، كره نبيك -صلى الله عليه وسلم- المسائل وعابها، ونهى عن كثرة السؤال وقال: إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان، وكثرة الكلام بغير زلل تقسي القلب إذا كان في الحلال والحرام، فكيف إذا كان في عبارات اليونسية والفلاسفة وتلك الكفريات التي تعمي القلوب، والله قد صرنا ضحكة في الوجود، فإلى كم تنبش دقائق الكفريات الفلسفية؟ لنرد عليها بعقولنا، يا رجل! قد بلعتَ سموم الفلاسفة تصنيفاتهم مرات، وكثرة استعمال السموم يدمن عليها الجسم، وتكمن والله في البدن، واشوقاه إلى مجلس فيه تلاوة بتدبر وخشية بتذكر وصمت بتفكر، واهاً لمجلس يذكر فيه الأبرار فعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة، بل عند ذكر الصالحين يذكرون بالازدراء واللعنة، كان سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقين فواخيتهما، بالله خلونا من ذكر بدعة الخميس وأكل الحبوب، وجدوا في ذكر بدع كنا نعدها من أساس الضلال، قد صارت هي محض السنة وأساس التوحيد، ومن لم يعرفها فهو كافر أو حمار، ومن لم يكفر فهو أكفر من فرعون، وتعد النصارى مثلنا، والله في القلوب شكوك، إن سلم لك إيمانك بالشهادتين فأنت سعيد، يا خيبة من اتبعك فإنه معرض للزندقة والإنحلال، لا سيما إذا كان قليل العلم والدين باطولياً شهوانيا، لكنه ينفعك ويجاهد عنك بيده ولسانه، وفي الباطن عدو لك بحاله وقلبه، فهل معظم أتباعك إلا قعيد مربوط خفيف العقل، أو عامي كذاب اليد والذهن، أو غريب واجم قوي المكر؟ أو ناشف صالح عديم الفهم؟ فإن لم تصدقني ففتشهم وزنهم بالعدل، يا مسلم أقدم حمار شهوتك لمدح نفسك، إلى كم تصادقها وتعادي الأخيار؟ إلى كم تصادقها وتزدري الأبرار؟ إلى كم تعظمها وتصغّر العباد؟ إلى متى تخاللها وتمقت الزهاد؟ إلى متى تمدح كلامك بكيفية لا تمدح والله بها أحاديث الصحيحين؟ يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك، بل في كل وقت تغير عليها بالتضعيف والإهدار، أو بالتأويل والإنكار، أما آن لك أن ترعوي؟ أما حان أن تتوب وتنيب؟(13/121)
أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل؟ بلى -والله- ما أذكر أنك تذكر الموت، بل تزدري بمن يذكر الموت، فما أظنك تقبل عليّ قولي، ولا تصغي إلى وعظي، بل لك همة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات، وتقطع لي أذناب الكلام، ولا تزال تنتصر حتى أقول ليته سكت، فإذا كان هذا حالك عندي وأنا الشفوق المحب الواد، فكيف حالك عند أعدائك؟ وأعداؤك -والله- فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء، كما أن أولياءك فيهم فجرة وكذبة وجهلة وبطلة وعور وبقر، قد رضيت منك بأن تسبني علانية، وتنتفع بمقالتي سرا، فرحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي، فإني كثير العيوب، غزير الذنوب، الويل لي إن أنا لا أتوب، وافضيحتي من علاّم الغيوب، ودوائي عفو الله ومسامحته وتوفيقه وهدايته، والحمد لله رب العالمين، -وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين-.
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وبعد:
فهذه الرسالة لا تحتاج إلى كبير عناء في بيان كذب صاحبها واختلاقها على الإمام الذهبي، - رحمه الله تعالى- وهو بريء منها ومن أسلوبها براءة الذئب من دم يوسف - عليه السلام- وظاهر من أسلوبها أنها من اختلاق مبتدع جاهل معاصر، شرق بالحجج والبيانات التي أوردها شيخ الإسلام ابن تيمية في تفنيد بدعه، فلم يجد لها جواباً، فلجأ إلى اختلاق هذه الرسالة على أحد تلاميذ شيخ الإسلام الخاصين الذين علا صيتهم ونفع الله بعلومهم، وما الذهبي إلا حسنة من حسنات شيخه ابن تيمية - رحمة الله على الجميع-، وهذه إشارات إلى بعض الوجوه الدالة على كذب مدعي هذه الرسالة:
أولاً: أن الرسالة بلا زمام ولا خطام، فأين ذكرها الذهبي؟ وهذه كتبه المطبوعة تطفح بالمدح والثناء على شيخه، وأين كتبها الذهبي؟ ومتى كتبها؟ ومن ذكرها من العلماء الذين ترجموا للذهبي؟ ومن هو ناسخها؟ وما تاريخ نسخها؟ وأين مخطوطاتها؟ وهذه كلها من بدهيات إثبات الكتب والرسائل إلى أصحابها.
ثانياً: الأسلوب السوقي العامي السخيف الذي كتبت به الرسالة، والذي يدل على جهل صاحبه وامتلاء قلبه حقداً وحسداً لابن تيمية، وإلا فهل من أسلوب الذهبي ذاك الإمام الجهبذ الذي أعطاه الله ذلك البيان والأسلوب الراقي، فهل من أسلوبه مثل هذه العبارات التي ذكرها هذا المفتري؟ كقوله: (بالله خلونا من بدعة الخميس) وكقوله: (إلى كم تمدح نفسك وشقاشقك!!) وقوله: (يا رجل بالله عليك كف عنك هذا والله قد صرنا ضحكة في الوجود) و (إذا كان قليل العلم والدين باطولياً!!) ، إلخ.. هذا الغثاء.
ثالثاً: ثبت عن الإمام الذهبي - رحمه الله- أنه رثى شيخ الإسلام - بعد وفاته- بمرثية قال فيها:
يا موت خذ من أردت أو فدع *** محوت رسم العلوم والورع
أخذت شيخ الإسلام وانفصمت *** عرى التقى واشتفى أولو البدع
إلخ ... القصيدة في العقود الدرية ص 423، فأيهما أسبق هذه الرسالة المزعومة أو هذه المرثية!
رابعاً: أيضاً تحتوي الرسالة على أخطاء علمية وافتراءات على شيخ الإسلام يعرفها من قرأ له، فكيف بمن تتلمذ على يديه؟ ومنها على سبيل المثال قوله: (بلى والله ما أذكر أنك تذكر الموت، بل تزدري بمن يذكر بالموت..) ، وغيرها كثير، - وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين-.(13/122)
الكذب لفعل الخير
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الكذب
التاريخ 18/12/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هناك أخت لنا في العمل لا تنجب وتريد أن تكفل يتيماً ولكن هناك شرط أساسي في الموافقة على ذلك وهو أن يكون الراتب الشهري ما يوازي 2000 جنيه، فهل يجوز لها أن تقوم بعمل شهادة، ولكن ليست حقيقية بأنها تأخذ 2000 جنيه حتى تنجح في أن تكفل يتيماً وإذا نفع ذلك هل من إثم عليها؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الكذب من كبائر الذنوب التي حذرت منها الشريعة وهو رذيلة مجمع على قبحها وليس لهذه الأخت التي ذكرت من حاجة إلى الكذب، حتى ولو قصدت كفالة اليتيم والوسائل لها حكم المقاصد في الشريعة فما دام أنها قصدت أمراً مشروعاً بكفالتها لليتيم فإنه يتعين عليها أن تسلك طريقاً مشروعاً لذلك وليس الكذب هنا مشروعاً فيجب عليها ألا تفعل وهناك أبواب كثيرة لفعل الخير وهناك جمعيات كثيرة صالحة تعمل على كفالة اليتامى تستطيع أن تقدم لها ما يتيسر عندها من غير حاجة إلى الكذب.(13/123)
حكم التمثيل
المجيب د. عبد العزيز بن محمد الحميدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 6/9/1422
السؤال
ما حكم التمثيل بالمسرح في المجال الدراسي (نشاط) ، سواء بالمدرسة، أو في الكلية، أو في الجامعة، مع العلم أنه بالضوابط الشرعية، والهدف منه طرق المشاكل الطلابية وأعضاء التدريس مع الطلاب، أو قضايا اجتماعية؟ أرجو أن يكتب اسم المفتي على سؤالي.
الجواب
التمثيل فيه محذور جعل بعض العلماء يتوقف في جوازه، وهو أنه من قبيل الكذب، ولكن إجراء بعض المشاهد التعبيرية لإيصال فكرة ما إلى أذهان المشاهدين لا يدخل عندي في باب الكذب، بل هو من باب المحاكاة لتصوير قصة حصلت، أو تقريب فكرة معنوية بطريقة حسية، والمحاكاة من هذا الباب جائزة، بل قد فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - لتصوير أمر، أو قصة حصلت للسامعين له والناظرين إليه.
في (صحيح البخاري) عن عبد الله بن مسعود، قال: كأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " (4/214) .
وفي (صحيح البخاري) أيضاً: عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال كانت امرأة ترضع ابناً لها من بني إسرائيل، فمرًّ بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها، وأقبل على الراكب، وقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه، قال أبو هريرة كأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يمص إصبعه. (4/202) .
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) عند هذا الموضع (كتاب أحاديث الأنبياء) باب قول الله: "واذكر في الكتاب مريم ... " [مريم: 16] . فيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل " هكذا قال، وكأنه يفتي جواباً على هذا السؤال.
ولكن لا ينبغي التساهل في هذا ليصبح التمثيل هدفاً بحد ذاته، أو لغرض المتعة واللعب فقط، فهذا لا يفعله المسلم، والله أعلم.(13/124)
ابتعثت لتخصص ودرست غيره
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الكذب
التاريخ 4/4/1423
السؤال
السفارة السعودية بأمريكا لا تتكفل مالياً بالطلبة إلا في تخصصات معينة مثل: الكمبيوتر والمحاسبة....إلخ.
منحتني السفارة بعثة دراسية منذ 3سنوات -ولله الحمد- وأنا أدرس الآن على حسابهم، وقد أبلغتهم أن تخصصي "كمبيوتر" وهو في الواقع "تسويق"، علماً بأنني سوف أتخرج بمشيئة الله هذا الصيف، وأنا أدرس في أمريكا منذ 6سنوات.
هل من واجبي إخبارهم بشيء، علماً بأن بعض المسؤولين يقولون: "افعل ما بدا لك ولكن لا تخبرنا"؟
الجواب
الكذب وإخفاء الحقيقة أمر غير محمود، ولا تقبله الشريعة، وعلى كل حال فإن كان اشتراط السفارة لتخصصات معينة من باب الإلزام بحيث لا يقبل ممن يدرس إلا الالتحاق بهذا التخصص، ولو التحق بغيره سقط حقّه في البعثة، فإن من حقهم عليك أن تخبرهم بالحال، أما إن كان هذا من باب التفضيل، وليس من باب الإلزام، فلا حرج عليك.
وعلى كل حال فأقترح عليك أن تقابل المسؤول المختص وتشرح له حقيقة الحال، فإن كان لك مخرج فسيخبرك، وفقك الله وزادك حرصاً على الخير.(13/125)
كفارة شهادة الزور
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الكذب
التاريخ 7/4/1424هـ
السؤال
امرأة شهدت زوراً بأن أهل زوجها متوفون، وقد مات زوجها في حياة أبويه، حتى تضمن حق أولادها في ميراث جدهم، وهي نادمة على ذلك، فما كفارتها؟
الجواب
قد حذر الشرع من شهادة الزور ونهى عنها، قال -تعالى-: "واجتنبوا قول الزور"، [الحج:30] .
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقول الزور" متفق عليه البخاري (6273) ومسلم (87) .
والواجب على من شهد زوراً أن يتوب إلى الله -تعالى-، ويرجع إليه من فعله، وأن يستكثر من الصالحات، كما قال -تعالى-: "إن الحسنات يذهبن السيئات"، (هود:114)
ثم عليه أن يذهب لمن أبطل حقه أو أنقصه بشهادته ليتحلل منه أو يرضيه، فإن كان قد مات فورثته، وفي بعض البلاد العربية يجعل لأبناء الابن وصية واجبة من مال جدهم إذا توفي والدهم في حياته.
فإن كان هذا المراد بالسؤال، فعليها التحلل من ورثة جد أولاد السائلة، وإرضائهم أو إعادة ما أخذ منهم بسبب الشهادة المذكورة.
وفقنا الله للتوبة النصوح، ورزقنا وإياها براءة الذمة.(13/126)
وصف الشخص نفسه بالولاية
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الكذب
التاريخ 19/5/1423
السؤال
ما الحكم فيمن قال عن نفسه: إنه من الأولياء؟
الجواب
لا يجوز ولا ينبغي للإنسان أن يزعم أنه من الأولياء؛ لأن في هذا تزكية لنفسه، والله -تعالى- يقول:"ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى" [النجم:32] ، وقال -تعالى-:" ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا" [النساء:49] .
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه مسلم:" لا تزكوا أنفسكم إن الله أعلم بأهل البر منكم" مسلم (2142) .
وعلى الإنسان أن يسأل الله ويرجوه أن يوفقه إلى طاعته، وأن يعمل العمل ويحسّنه بالإخلاص لله والمتابعة لرسوله -صلى الله عليه وسلم- قدر ما يستطيع، ومع ذلك يخشى أن يكون قصر فيه ويسأل الله القبول، والله أعلم.(13/127)
معنى "إن جاءكم فاسق بنبأ"
المجيب سلمان بن عبد الله المهيني
القاضي بوزارة العدل
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الكذب
التاريخ 1/6/1424هـ
السؤال
يقول الحق -تبارك وتعالى-:"يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين". سؤالي: الفسق الذي نعت به ناقل النبأ هل هو نتيجة نقله النبأ، أم أنه معروف بالفسق أصلاً؟ أرجو الإفاضة في الإجابة لحاجة المجتمع لبيان خطورة نقل الأخبار والإشاعة التي لا شك تؤثر تأثيراً كبيراً على المجتمع أفراداً وجماعات.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
والذي يظهر أن المراد من الآية لا يعني أن كل من نقل نبأً يعتبر فاسقا، ً وإنما يراد بها التثبت عند سماع الخبر قبل القطع بصدقه مادام أن ناقله مجهول الحال أو كان فاسقاً. قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- والله -سبحانه- لم يأمر برد خبر الفاسق فلا يجوز رده مطلقا بل يتثبت فيه حتى يتبين هل هو صادق أو كاذب، فإن كان صادقاً قبل قوله وعمل به وفسقه عليه، وإن كان كاذبا رد خبره ولم يلتفت إليه. ولرد خبر الفاسق وشهادته مأخذان، أحدهما: عدم الوثوق به إذ تحمله قلة مبالاته بدينه ونقصان وقار الله في قلبه على تعمد الكذب. الثاني: هجره على إعلانه بفسقه ومجاهرته به فقبول شهادته إبطال لهذا الغرض المطلوب شرعا، فإذا علم صدق لهجة الفاسق وأنه من أصدق الناس وإن كان فسقه بغير الكذب فلا وجه لرد شهادته، وقد استأجر النبي -صلى الله عليه وسلم- هاديا يدله على طريق المدينة وهو مشرك على دين قومه، ولكن لما وثق بقوله أمنه ودفع إليه راحلته وقبل دلالته" ا. هـ كلامه -رحمه الله- الطرق الحكمية صـ (256) .
وأما الإشاعة فلاشك في سوئها وخطرها على المجتمع الإسلامي فمن ذلك:
(1) اتهام البريء بما ليس فيه.
(2) تلوث الذمم والألسنة نتيجة الخوض في أمور بلا تروٍ وتثبت.
(3) انعدام أو تقلّص الثقة المتبادلة بين الناقل والمنقول له.
(4) شماتة المجتمع وبالذات على المحسوبين على الإسلام خاصة إذا كان منشأ الإشاعة
ومصدرها من العاملين في حقل الدعوة وبشكل عام من شباب الصحوة.
تلك وغيرها من الأمور توجب على العبد الحرص على البعد عن الإشاعة والأخبار الكاذبة وليتذكر قوله -صلى الله عليه وسلم-:" كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع" رواه مسلم (5) .
قال المناوي -رحمه الله تعالى-:"أي إذا لم يتثبت لأنه يسمع عادة الصدق والكذب
فإذا حدث بكل ما سمع لا محالة يكذب، والكذب الإخبار عن الشيء على غير ما هو عليه وإن لم يتعمد، لكن التعمد شرط الإثم" نسأل الله البعد عن كل خلق ذميم والله
أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.(13/128)
الكذب لأخذ المال من دولة حربية
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الكذب
التاريخ 25/12/1424هـ
السؤال
أخ مسلم يعيش في دولة كافرة، هذه الدولة الكافرة هي في حالة حرب مع المسلمين منذ فترة، والقتل بينها وبين المسلمين واقع كل يوم تقريباً، وهذا الأخ حاصل على جنسية تلك البلاد، ويمكن لهذا الأخ الحصول على مساعدات مالية من تلك الدولة إذا قال إنه لا يعمل، علماً أنه يعمل لحسابه الخاص ولا تعرف الدولة ذلك،
قبل أن تبدأ الحرب بين الدولة الكافرة والمسلمين، كان الشيخ ابن باز -رحمه الله- قد أفتى بعدم جواز أخذ مثل هذا المبلغ؛ لأن فيه كذباً وغشاً، ولكن هل بعد أن صارت هذه الدولة الكافرة حربية تحارب المسلمين فهل يتغير الحكم أم لا؟ وإذا كان أخذه لهذا المال بالكذب على الدولة الكافرة الحربية جائزاً، هل عليه توزيع الخمس على الفقراء المسلمين (يعني هل المال يعتبر فيئاً) ؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الكذب حرام لا يجوز مع المسلم أو الكافر على السواء، وهو رذيلة وفسق، فكيف إذا انضم إليه الغش والظلم، والله يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" [المائدة:8] ،(13/129)
إن كانت تلك الدولة الكافرة أعلنت الحرب العسكرية على المسلمين، وقام أهل البلاد الإسلامية بالدفاع عن أنفسهم وبلادهم عسكرياً، سواء كان هذا الجهاد من المسلمين للدولة الكافرة جهاد طلب أو دفع، فما أخذه المسلم من الكافر حال القتال فهو غنيمة لا يجوز التصرف فيه إلا بعد قسمته من ولي الأمر، أما مجرد كفر الدولة وحربها للمسلمين سياسياً أو اقتصادياً ونحوه لا يجعل رعاياها حربيين؛ لأن الغنيمة لا تكون إلا في حرب (قتال) في سبيل الله مع كفار حربيين وجهاً لوجه، سواء كان الجهاد للدفع أو الطلب، ولا يعتبر هذا المال المكتسب بالكذب غنيمة ولا فيئاً، ولا يجوز أخذه، وإن أخذ لزم رده إلى صاحبه، وإن تعذر ذلك تصدق به على الفقراء والمحتاجين بنية التخلص منه لا للتقرب به إلى الله، فإن الله طيب لا يقبل من الكسب إلا ما كان طيباً، وإذا كانت الغنيمة من حرب شرعية مع الكفار فلا يؤخذ منها شيء إلا بعد قسمتها على المجاهدين وبإذن الإمام، وما أخذ قبل هذا فهو غلول قليلاً كان أو كثيراً "ما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة" [آل عمران: 161] ، وحديث صاحب الشملة التي أخذت من الغنيمة قبل القسمة وقاتل حتى قتل، وأثنى عليه الصحابة -رضي الله عنهم- خيراً، فأنكر عليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم- قائلاً: "كلا والذي نفس محمد بيده إن الشملة لتلتهب عليه ناراً أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم" قال: ففزع الناس، فجاء رجلٌ بشراكٍ، أو شراكين، فقال: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصبت يوم خيبر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "شراك أو شراكان من نار" رواه البخاري (4234) ، ومسلم (115) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، إذا كان هذا فيمن قاتل وقتل في سبيل الله لما أخذ من الغنيمة - ولو كان له حق فيها- ولكن قبل قسمتها فكيف بما دون ذلك مما ذكر في السؤال. والله أعلم.(13/130)
كذبة أبريل
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الكذب
التاريخ 15/02/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاءني أخ بخبر أدخل الفرح والغبطة في قلبي، ولكن سرعان ما نفى ذلك، وعندما سألته لم الكذب؟ قال لي: إنها كذبة أبريل! وفي اليوم الثاني أتاني آخر وزرع الرعب في قلبي بخبر كادت أعصابي أن تنهار، ولكن يدعي بأنها كذبة أبريل!.
سؤالي فضيلة الشيخ: هل تجوز مثل هذه الكذبة، دخول فرح كان أو حزن؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فالكذب - وهو الإخبار بخلاف الحقيقة محرم، عن ابن مسعود - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقاً، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذَّاباً" متفق عليه عند البخاري (6134) ، ومسلم (2607) .
وروى مالك في الموطأ (1862) عن صفوان بن سليم قال: قلنا يا رسول الله: أيكون المؤمن جباناً؟ قال: "نعم"، قيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: "نعم"، قيل: أيكون المؤمن كذَّاباً؟ قال: "لا".
وهو من خصال المنافقين، وعليه الوعيد الشديد، عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلُّوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه،، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى"، فلما سئل عن ذلك، قيل: "إنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق" أخرجه البخاري (7047) .
والكذب محرم ولو على الصغار؛ عن عبد الله بن عامر- رضي الله عنه- قال: دعتني أمي يوماً ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- قاعد في بيتنا، فقالت: تعال أعطيك، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "وما أردت أن تعطيه؟ " قالت: أعطيه تمراً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة" رواه أبو داود في سننه (4991) .
ولا يستثنى من ذلك حال المزاح؛ بل الكذب فيه محرم أيضاً؛ عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً" رواه أبو داود (4800) بسند صحيح.
ولم يستثنى من هذا الحكم إلا الكذب للإصلاح بين اثنين، أو حال الحرب، أو في حديث الرجل لزوجته والمرأة زوجها؛ انظر ما رواه البخاري (2692) ، ومسلم (2605) من حديث أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط - رضي الله عنها-.
وكذبة إبريل عادة رذيلة لدى بعض الشعوب إذا دخل شهر أبريل - وهو الشهر الرابع من السنة الشمسية- اخترع كل إنسان كذبة بهذه المناسبة، وربما حرص على أن تبلغ الآفاق.
ولا شك أن هذا مضاد لأخلاقيات المسلمين وأوامر الشرع لهم، ومن كذب فقد وقع في الإثم، فعلى المسلم أن يحذر من الكذب ويطهر لسانه منه.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم.(13/131)
هل شعر الرسول -صلى الله عليه وسلم- محفوظ
المجيب د. فوزي محمد ساعاتي
أستاذ التاريخ بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الكذب
التاريخ 21/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
يوجد في بلدنا متحف فيه معروضات من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقلنسوته، مع أشياء أخرى، حيث يقصدها الناس باعتقاد عظيم، ويقومون بأعمال بدعية هناك فما حكم ذلك؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- وقلنسوته مع أشياء أخرى، كل ما ذُكر غير صحيح، وسمعت بأن في تركيا يوجد شعر النبي-صلى الله عليه وسلم-، وكما نعرف بأن الدولة العثمانية حمت المدينة ومكة من الغزو الاستعماري، فقيل بأنه كانت في الحجرة متعلقات نقلت إلى تركيا- وهو ما يروى أن الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه- كانت عنده شعرات من شعر الرسول - صلى الله عليه وسلم- فطلب أن تدفن معه، أما ما يشاع عن وجود متعلقات بالرسول - صلى الله عليه وسلم- فلا صحة لها، أما ما يقوم به العوام من أعمال بدعية، فهؤلاء يجب توعيتهم وإفهامهم خطأ ما يقومون به بالتي هي أحسن، فمما روي في الكتب أن أحد الأشخاص توضأ ولم يحسن ذلك، فكيف تم إعلامه بخطأ ما قام به؟ وذلك حينما قام إليه لإعلامه شخصان ادعى كل منهما بأنهما لا يحسنان الوضوء، وطلبا منه أن يحكم بينهما، فلما توضأ كل منهما أمامه علم أنه هو المعني، فهكذا يكون تعليم هؤلاء العوام، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قدوة حسنة، حينما جاء أعرابي فبال في المسجد، فزجره الصحابة - رضي الله عنهم- ولكنه صلى الله عليه وسلم بعد أن انتهى من بوله، استدعاه وأعلمه بأن هذا المكان ليس مخصصاً لما فعله، وأعلمه بمكان ما للذهاب إليه، فهذا صلى الله عليه وسلم معلمنا يجب أن نقتدي به، ونفهِّم من يسيء الفهم بما يقنعه دون أن نسبب له الضرر أو الإهانة. والله أعلم.(13/132)
الحلف على الكذب درءًا للفتنة!
المجيب د. محمد بن إبراهيم الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الكذب
التاريخ 08/10/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل يجوز لي أن أحلف بالله كاذبًا لمنع حدوث فتنة وعنف جسدي بين جماعتين مسلمتين؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن الكذب محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، أما الكذب لأجل الإصلاح بين المسلمين فقد جاء فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لَيْسَ الكذَّابُ الذي يُصلِحُ بين النَّاسِ فَينْمِي خيرًا أو يقولُ خيرًا". أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس، حديث رقم: (2692) من فتح الباري، ومسلم في كتاب البر والصلة، باب تحريم الكذب منه. قال ابن شهاب: ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذبًا إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها.
حكى النووي- رحمه الله- عن القاضي- من الشافعية- الإجماع على جواز الكذب في هذه الصور، واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها؛ ما هو؟ فقالت طائفة: هو على إطلاقه. وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة، وقالوا: الكذب المذموم ما فيه مضرة. واحتجوا بقول إبراهيم صلى الله عليه وسلم: (قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) [الأنبياء:63] . وقوله: (إِنِّي سَقِيمٌ) [الصافات:89] وقوله: إنها أختي.
وقول منادي يوسف-صلى الله على نبينا وعليه: (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) [يوسف:70] . وقال آخرون، منهم الطبري: لا يجوز الكذب في شيء أصلاً. قالوا: وما جاء من الإباحة في هذا فالمراد به التورية واستعمال المعاريض، لا صريح الكذب، مثل أن يعد زوجته أن يحسن إليها ويكسوها كذا، وينوي إن قدر الله ذلك، وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه، وإذا سعى في الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلامًا جميلاً ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك وورّى.....إلخ، وأجابوا عن قصة إبراهيم ويوسف- عليهما الصلاة والسلام- وما جاء من هذا، على المعاريض. ينظر شرح النووي على صحيح مسلم (16/157،158) ، وفتح الباري (5/369) .
واختلفت الرواية عن الإمام أحمد- رحمه الله- هل إباحة الكذب في هذه الثلاثة على التورية أو مطلقًا؟ على روايتين: إحداهما أنه على الإطلاق. وهي ظاهر كلام الأصحاب، لأن التعريض جائز في غير هذه الثلاثة بلا حاجة للاستثناء، فلا وجه إذًا لاستثناء هذه الثلاثة واختصاص التصريح بها، والثانية أن المراد التورية وليس الكذب الصريح. ينظر في هذا: الآداب الشرعية لابن مفلح (1/25) .
والذي يظهر لي أنه إن أمكنه استخدام المعاريض وترك الكذب الصريح فهو الأولى خروجًا من الخلاف، ولو حلف على ذلك لم يكن به بأس؛ لأنه ليس بكذب محض وإنما جاء بكلام هو في نفسه صدق لكون الكلام يحتمله.
وإن تعذر وكذب لأجل الإصلاح فالإصلاح بين المسلمين مصلحة شرعية لعموم قوله تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا.....) الآية [الحجرات:9] . لكن هل يحلف على الكذب الصريح الذي فهمته من كلام العلماء أنه لا يحلف. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/133)
النكت المضحكة
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/السخرية
التاريخ 8/4/1423
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في مرة من المرات كنت أحمل معي في الكلية ورقة تحمل نكتاً وطرائف، وكنت أقرؤها على زميلاتي، ففاجأتني زميلة لي أن هذه النكت حرام، ولا يجوز أن أساهم في نشرها، وقالت لي: أن هناك فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله واسكنه فسيح جناته- تقول: إن النكت حرام. سؤالي هو: هل قراءة هذه النكت حرام حتى ولو كانت تخلو من المحظورات الشرعية، مثل: التنابز بالألقاب، والكلام الفاحش، وما إلى ذلك؟ وهل من يساهم في نشرها وقراءتها آثم؟ وجزاكم الله خيراً، وأحسن الله إليكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأقول، وبالله التوفيق:
الضحك من صفات الإنسان، والإسلام بوصفه دين الفطرة لا يصادر نزوع الإنسان الفطري إلى الضحك، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يضحك ويُمازح أصحابه غير أن ذلك لم يكن ديدنه وعادته في كل حين، وما ذكرتِ في سؤالكِ عن النكت وكأنك تريدين بها المضحكات، إذ لم أقف في (لسان العرب) لابن منظور، ولا في (القاموس المحيط) للفيروز آبادي على أن من معاني النكت: المضحكات، كما هو شائع في عرف الناس اليوم، وإن جاء في (المعجم الوسيط لمجمع اللغة 2/950) أنها تأتي بمعنى: الفكرة اللطيفة المؤثرة في النفس.
وعلى أي حال فالمزاح والمضحكات مما يأنس به الناس ينبغي أن يقيد بقيود وآداب لا بد من مراعاتها، ومن أهمها:
1- ألاّ تتعلق بأمر من أمور الدين، أو تشتمل على تحقير لإنسان، أو استهزاء به وسخرية، والآيات في هذا المعنى كثيرة وواضحة الدلالة.
2- ألا يكون الكذب والاختلاق أداة لإضحاك الناس، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له ويل له" أخرجه أبو داود (4990) والترمذي (2315) واللفظ له.
3- ألا يترتب على ذلك ترويع وفزع لمسلم.
4- ألا يهزل في موضع الجد، ولا يضحك في موضع يستوجب البكاء، فلكل شيء أوانه، ولكل أمر مكانه، ولكل مقام مقال.
5- أن يكون ذلك في حدود الاعتدال الذي تقبله الفطر السليمة والعقول الرشيدة.
ولهذا تجد من العلماء من يحذر من تناقل المضحكات والولع بها لما تنطوي عليه من المحاذير الآنفة الذكر، وفي اشتغال المسلم بما ينفعه في دينه ودنياه غُنية عن الاشتغال باللهو، والله من وراء القصد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/134)
هل في هذا لمز للصحابة؟
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/السخرية
التاريخ 18/5/1425هـ
السؤال
ما رأي الشرع في مقولة رجل: (أسرتنا تتصف بخصال حميدة، ولو عشنا في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- لكنا أفضل من الصحابة - رضي الله عنهم-؟) ، وله قول آخر: (أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- كان متشدداً أو متزمتاً) ،نريد منكم الإجابة؛ حتى يطلع عليها ويراجع نفسه فيما قال.- جزاكم الله خيراً-.
الجواب(13/135)
يقول الله -تعالى- في محكم التنزيل: "فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى" [النجم:32] ، وانظر - رحمك الله- فيمن قُتِل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في ساحة الحرب دفاعاً عن الدين، ومع ذلك حين قال عنه صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: فلان شهيد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "كلا إني رأيته في النار في بردة غَلَّها" رواه مسلم (114) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه، وتأمل -أخي- في قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم"،وفي رواية: "يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق" رواه البخاري (6477) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وكان صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم الذين ورد الثناء عليهم في مواضع عدة من الكتاب والسنة، وشهد الرسول - صلى الله عليه وسلم- لجملة منهم بالجنة، ومع ذلك يخشون على أنفسهم من النفاق، فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وهو من العشرة المبشرين بالجنة، وأجمعت الأمة على أنه أفضل الأمة بعد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه- ومع ذلك يسأل أبا حذيفة -رضي الله عنه- صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هل عدني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المنافقين؟ " ولذلك كانت عقيدة السلف الصالح أن المؤمن يجب عليه في الحياة أن يكون بين جانبي الرجاء والخوف، فلا يرجح جانباً على جانب كما قال -تعالى-: "يدعوننا رغباً ورهباً" [الأنبياء:90] ، وقال: "ادعوا ربكم تضرعاً وخيفة" [الأعراف:55] ، تماماً كجناحي الطائر، فإذا حضرته الوفاة هناك يغلب جانب الرجاء، وعلى ذلك نقول لهذا الشخص اتق الله في نفسك فلا تزكها، ولا تشهد لها بالحسنى والطاعة، واعلم أن كلمة منك لا تلقي لها بالاً تهوي بها في جهنم، ولا تتأل على الله؛ لأنك لو كنت في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لصرت كذا، فقد كان في عصره المشركون والمنافقون، وما نفعهم وجود الرسول - صلى الله عليه وسلم- بين أظهرهم، بل أقول لك: لو علم الله فيك خيراً لصحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لاختارك، وحيث لم يكن لم يخترك، فاتق الله، وأدب نفسك بأدب القرآن والسنة، واسأل ربك كثيراً في سجودك أن يثبت قلبك على الإيمان فأنت من حينك على خطر، وأما قولك في صحابة - رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخشى عليك زيغ القلب، وعذاب جهنم - والعياذ بالله-، وقد صح في البخاري (3673) ومسلم (2540) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تسبوا أصحابي؛ فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه" واعلم أن الشيطان لا يزال بك حتى يوصلك إلى درجة الاستهزاء بهم، والسخرية منهم، وهنا تخرج من دينك، وتكفر بملتك، كما حصل للمنافقين الذين قالوا في إحدى المغازي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رأينا أكبر بطوناً، ولا أجبن عند اللقاء مثل هؤلاء، يقصدون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته - رضي الله عنهم- فأنزل الحق - سبحانه- في محكم التنزيل: "قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم" [التوبة:65] .(13/136)
والده يسب العلماء فماذا يفعل
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/السب والفحش
التاريخ 1/8/1424هـ
السؤال
إن أبي لا يحب العلماء ويسبهم دائماً، ويتهمهم بأكل الأموال وغير ذلك من الألفاظ التي تحرقني، ويلمز الشباب الصالحين ويبغضهم، وحاولت عدة مرات أن أبين له لكن دون جدوى. هل أكون آثماً إذا نافحت عنهم بأسلوب أبين فيه تقصيره؟ وهل أنا آثم إذا قمت من المجلس إذا تكلم بمثل هذا الكلام؟.
الجواب
لا شك أن ما ذكرته من فعل والدك -هداه الله- أمر لا يجوز، فإن الله قد حرَّم الاستطالة في أعراض المسلمين فكيف بأهل العلم فيهم؟ وما ذكرته من مناصحته وبيان خطئه بالحجة والإقناع، فاعلم أن مثل هذا يقع من عوام الناس ولا سيما بعض كبار السن، ولذا فإني لا أنصحك بالقيام من مجلسه ولا التغليظ في مخاطبته، ولا تنس أن حق الوالد عظيم فاحذر أن يستجرك الشيطان إلى عقوقه، ثم اعلم أن من المنتسبين إلى العلم وأهله فئة يصدق فيهم ما ذكره والدك، وهم بحمد الله قليل، وفيهم وفي أمثالهم نزل قول الله تعالى: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين) غير أن هذا لا يجيز الوقيعة في أهل العلم كلهم، ولا في أهل الصلاة والاستقامة، بل يخص كل امرئ بجريرته وذنبه.
والمقصود أخي الكريم أن تأخذ في مناصحة والدك سبيل الرفق واللين، وأن ترشده إلى آثار أهل العلم والصلاح على عباد الله وعظيم نفعهم للخلق، إذ يكفي من فضلهم أنهم هم الهداة إلى الحق وإلى دين الله تعالى، وبهم يعرف ما يحبه الله فيؤتى وما يبغضه فيتجنب. وبالله التوفيق.(13/137)
سرعة الغضب وكثرة اللعن
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/السب والفحش
التاريخ 11/12/1422
السؤال
أنا شخص أصبت بحالة من الاكتئاب في السنوات الخمس الماضية - والحمد لله - بدأ بالزوال بعد معالجة ذلك بالأدوية والرقية الشرعية فخف ذلك الأمر، لكن فيه بقية، ونتيجة لذلك أصبحت سريع الغضب من أشياء بديهية، وحينما أغضب أجد نفسي ألعن لعناً شديداً لمن تسبب في إغضابي، ويكون ذلك اللعن خفياً يعني بيني وبين نفسي من دون أن يسمعه أحد، وقد حاولت ولا زلت أجتهد في الابتعاد عن اللعن بقدر ما أستطيع، ولكن أحياناً أجد ذلك يخرج من غير إرادة، هل في ذلك اللعن إثم إذا كان غير مسموع، وإنما هو داخلي؟
الجواب
الحمد لله، وبعد:
فيا أيها الأخ الكريم أرجو أن يكون ما أُصبت به كفارة لذنوبك وسيئاتك، فقد صحَّ عنه - عليه السلام - من حديث أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما - أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ما يصيب المؤمن من وصب، ولا نصب، ولا سقم، ولا حزن، حتى الهم يهمه إلا كُفَّر به من سيئاته " أخرجه مسلم (2573) ، وفيه كذلك (2574) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قوله - عليه السلام -: " قاربوا وسددوا، ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة يُنكبها أو الشوكة يُشاكها "، وعند مسلم كذلك (2572) من حديث عائشة - رضي الله عنها - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ما من مسلم يُشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة". فاحمد الله على قضائه وقدره، واشكره على ما منّ به عليك من الشفاء واقتراب الفرج، وداوم على الرقية الشرعية، والأوراد القرآنية، والأدعية النبوية، وادع الله - تعالى - دوماً أن يفرَّج همك، ويشفي صدرك، ويزيل سقمك فإنه قريب مجيب.(13/138)
وأما بخصوص ما سألت عنه من سرعة الغضب وكثرة اللعن، فاعلم أن الغضب من الشيطان وعلاجه سهل -بحمد الله- فدونك ما في البخاري (3282) ومسلم (2610) من حديث سليمان بن صُرد - رضي الله عنه - قال: استبّ رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل أحدهما يغضب ويحمّر وجهه، فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " الحديث ... فينبغي لك أن تُروض نفسك على الحلم والأناة وتجتنب الانفعال والغضب بالإكثار من الدعاء ومداومة الذكر والاستعاذة من الشيطان، وأما اللعن فلا ريب أنه من عظائم الذنوب وكبارها، ففي الصحيح من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال -عليه الصلاة والسلام-: " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " متفق عليه عند البخاري (48) ومسلم (64) ، وكونك تخفض صوتك باللعن وتخفيه بحيث تسمع نفسك فقط ولا تسمع الآخرين، فهذا لا يعفيك من تبعة هذا الإثم العظيم، وأما إن كان اللعن لا يتجاوز حديث النفس ولم يترتب عليه لفظ أو فعل، فهذا داخل في نطاق العفو الذي وردت فيه الآيات الثلاث الأخيرة من سورة البقرة وفق ما جاء في تفسيرها على لسان النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - انظر ما رواه مسلم (125) ، وكذا ما رواه ابن ماجة (2043) والبيهقي في السنن الكبرى (7/356) من قوله - عليه السلام -: " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " قال النووي: حديث حسن، قلت: وله شواهد تدل على صحته.
والمقصود أنه ينبغي لك أن تجتهد في الابتعاد عن اللعن وتحذر أسبابه، وتسأل الله العافية كل حين علّه - تعالى - أن يعافيك ويعيذك، وينزل الطمأنينة قلبك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(13/139)
هل هذا القول مخرج من الملة؟
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/السب والفحش
التاريخ 6/9/1424هـ
السؤال
أحد أقاربي حصل معه هذا الموقف، ويسأل عن الحكم، وماذا يفعل: بينما كان ينظر إلى التلفاز ومعه زوجه وأبناؤه، جاء الحديث عن مسائل الخلع، فبدأت تتحدث الزوجة في أن الرجل كيف يكون من حقه أن يطلق المرأة متى شاء، والمرأة لا يجوز لها أن تطلب الطلاق إلا إذا دفعت مالاً؟ فحاول الابن أن يبلغها بأن الرجل محاسب على إيقاع الطلاق بغير عذر، فقالت: لا، هذا ظلم من الإسلام لحقوق المرأة. فقال لها ابنها: إن هذا القول كفر، فأبت وأصرت عليه، فثنى زوجها فأصرت، فغادر المجلس غاضباً يرتعد مما سمع.
والسؤال: ما هو حكم هذه المرأة، وكيف يتعامل معها أبناؤها وزوجها؟ علماً بأنه لم يطلقها، وهل تعد كلمتها هذه خروجاً عن الملة؟ وإذا كانت كذلك، فهل لرجوعها شروط؟ وهل لزوجها أن يراجعها؟ وكيف يكون ذلك؟ علماً أن هذه المرأة مصلية، محافظة على صلاتها، بل وبعض النوافل كقراءة القرآن.
الجواب
ما دام أن هذه المرأة على الحال التي تذكر، فإن هذا يدل على أنها لم تقصد تنقص الشارع، ولا وصف الإسلام بالظلم، ولكنه كلام تطلقه دون معرفة بمدى معناه، ولذا فلا أرى أنها بهذا خرجت عن الملة، ويستمر زوجها وأبناؤها معها على حال حسنة، وكان على أبنائها إفهامها بأن المرأة مصانة الحق، وأن الله قد جعل لها مخرجاً، فالرجل إذا أراد الطلاق ليس له أن يسترد شيئاً من مهره، بل كل ما دفعه هو للمرأة، وعليه أيضاً دفع متعة الطلاق، وهو مبلغ مال يعطى للمرأة عند طلاقها جبراً لمصابها، وهو غير مؤخر الصداق، أما إذا كان الرجل قائماً بحقوقه ولكن المرأة كرهته، فإنها ترد عليه مهره الذي دفعه لها؛ لأن طلب الفصل جاء من قبلها، وهذا الرجل لا ذنب له في أن هذه المرأة لم تحبه فترد عليه مهره ليتزوج بأخرى، وسيجعل الله لكل منهما فرجاً ومخرجاً، وعليكم الدعوة بالحسنى والمجادلة بالتي هي أحسن، وفق الله الجميع للخير.(13/140)
"الوهابية" والاستهزاء
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/السب والفحش
التاريخ 6/9/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ, كما تعرف أن هناك من أهل البدع والضلال من يقول لنا "وهابي" أو "وهابية", ويحاولون تفرقتنا بقولهم إنه يوجد مذهب اسمه وهابي, وطبعا لا يوجد فرق بين الوهابي والسني. وأيضا كما تعلم أن كلمة "وهابية" جاءت من أحد أسماء وصفات الله سبحانه وتعالى "الوهاب". ألا تظن أن هؤلاء الناس يستهزئون باسم الله (الوهاب) ؟! فهم يستعملون هذا الاسم على وجه التشنيع والتحقير ولا يحترمون هذا الاسم الكريم الذي هو من صفات الله عز وجل. فأرجو منك أن تكتب لي حكم من يقول "وهابي", أو حكم من يستهزئ بأي من أسماء الله تعالى. وهل هناك أحاديث تدل على تحريم الاستهزاء بأسماء الله سبحانه؟ وإذا وجدت أرجو كتابتها..بارك الله فيكم وجزاكم الله كل خير..
الجواب
الحمد لله، وبعد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أخي في الله "الوهابية" هو لفظ أطلقه البعض - هداهم الله - على كل من استجاب لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - إمام الدعوة في البلاد النجدية المتوفى سنة 1206هـ.
ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - كما تفضلت ليس بينها وبين مذهب أهل السنة والجماعة أي فرق أو اختلاف بحمد الله، وما هي إلا تجديد وإحياء لدعوة سلفنا الصالح وفق كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ومن ظن أن الوهابية مذهب جديد مخالف لمذهب السلف فقد وهم وأخطأ، وهذه كتب الشيخ ومؤلفاته متوافرة وموجودة لا تحيد عن مذهب السلف قيد أنملة، لكن خصوم الشيخ - غفر الله لنا ولهم - اخترعوا هذا المصطلح أعني "الوهابية" وألقوه على أنصار الدعوة والمستجيبين لها.
وقد اغتر بكلام هؤلاء الخصوم وتشويههم لدعوة الشيخ - رحمه الله - كثير من العامة والسذج إلى يومنا هذا، الأمر الذي يستدعي تضافر الجهود لإيضاح حقيقة الأمر ودفع الإلباس ورفعه. وقد وهمت أخي في الله حين ظننت "الوهابية" نسبة إلى اسم الله "الوهاب".
وأما حكم من يستهزئ بأسماء الله فقد ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام - عياذاً بالله - من ذلك، فإن الله يقول: "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ" [التوبة:65-66] .(13/141)
عبارة: (فلان فسقان)
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/السب والفحش
التاريخ 29/8/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
انتشر بين بعض الناس قول (فلان فسقان) ؛ لأنه أسرف في بعض الأمور، فهل يكون معناها الفسق والعياذ بالله؟.
الجواب
الحمد لله، هذه كلمة عامية يطلقها بعض الناس على من ترفَّع عن بعض المطاعم والمشارب التي لا يشتهيها طلباً لما هو أفضل، وكأنها تساوي شبعان، ولا شك أن الوصف بالفسق لمن ترك ما لا يشتهيه لا عن تكبر من قبيح القول، فلا حرج على الإنسان أن يختار من الطعام والشراب وسائر المباحات ما يلائمه ويلذ له دون احتقار لنعم الله، والرديء مما يحتاجه الناس من المطاعم والمشارب والملابس لا يجوز تعمد التصدق به، كما قال تعالى: "وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ" [البقرة: من الآية267] . فإذا كان الأمر كذلك فلا يذم من رغبت نفسه عن لبس الرديء أو أكل الرديء، بل من وسع الله عليه وأنعم عليه بالرزق الوفير فينبغي أن يظهر أثر نعمة الله عليه إظهاراً لأثر نعمته سبحانه وتعالى كما جاء في الحديث: "إن الله يحب إذا أنعم على عبده نعمة أن يرى أثر نعمته عليه"، وعلى كل حال هذه كلمة عامية تتضمن الوصف بالفسق لمن لا يجوز وصفه به؛ لأن الوصف بالفسق إنما يستحقه من أظهر شيئاً من معاصي الله من كبائر الذنوب أو صغائرها مع الاستخفاف بها والإدمان لها، وأما إذا أريد بهذه الكلمة خلاف المعنى الشرعي وهو الفسق في الدين وهو الخروج عن طاعة الله، وإنما أريد التعبير عن أنه في نعمة وأنه شبعان فهذا اصطلاح عامي، ومع ذلك فينبغي تجنب هذه الكلمة لما فيها من الإيهام والذم لما لا يوجب ذماً ولا عقاباً، وقد قال سبحانه وتعالى: "بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [الحجرات: من الآية11] .(13/142)
وأما ما ورد في السؤال من وصف من أسرف في بعض الأمور بأنه "فسقان" أي: فاسق، فالإسراف إن أريد به التوسع في المباحات من المطاعم والمشارب والملابس والمراكب، فهذا التوسع لا يوجب الوصف بالفسق ما دام أنه لم يؤد إلى فعل محرم أو ترك واجب فهذا لا يسمى في الشرع إسرافاً، بل الإسراف الذي نهى الله عنه قريب من معناه التبذير وهو تجاوز حدود ما أباح الله إلى ما حرم، في الأكل والشرب واللباس والإنفاق بل الواجب على المسلم التوسط في ذلك، كما قال تعالى: "َكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" [الأعراف: من الآية31] ، وقال تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً" [الفرقان:67] ، وقال: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً" [الإسراء:26] . فإنفاق المال في الحرام إسراف وتبذير وإن كان قليلاً، ولا إسراف في الخير وفيما أباح الله، وعلى هذا فالإسراف الذي نهى الله عنه وأخير أنه لا يحب أهله لا شك أنه خروج عن طاعة الله فيستحق من وقع منه أن يوصف بالفسق لأنه عاص لله، بل الواجب على المسلم أن يتقي الله في كسب المال وفي إنفاقه وفي طريقة الانتفاع به؛ ليكون من الذين أثنى الله عليهم بقوله: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً" [الفرقان:67] . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، والله أعلم.(13/143)
أحاديث النهي عن الشتم
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/السب والفحش
التاريخ 14/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل هناك أحاديث أو أقوال من الصحابة -رضي الله عنهم- تنهى عن الشتم باستخدام ألفاظ نابية؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وأله وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ورد في النهي عن الشتم والسباب أحاديث كثيرة، ومن ذلك ما يأتي:
1- أخرج البخاري (48) ، ومسلم (64) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ "قَوْله: (سِبَاب) هُوَ بِكَسْرِ السِّين وَتَخْفِيف الْمُوَحَّدَة, وَهُوَ مَصْدَر يُقَال: سَبَّ يَسُبّ سَبًّا وَسِبَابًا، والسِّبَاب أَشَدّ مِنْ السَّبّ, وَهُوَ أَنْ يَقُول الرَّجُل مَا فِي الرجل وَمَا لَيْسَ فِيهِ يُرِيد بِذَلِكَ عَيْبه.
قَوْله: (فُسُوق) : الْفِسْق فِي اللُّغَة الْخُرُوج, وَفِي الشَّرْع: الْخُرُوج عَنْ طَاعَة اللَّه وَرَسُوله, وَهُوَ فِي عُرْف الشَّرْع أَشَدّ مِنْ الْعِصْيَان, قَالَ اللَّه تَعَالَى "وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْر وَالْفُسُوق وَالْعِصْيَان", فَفِي الْحَدِيث تَعْظِيم حَقّ الْمُسْلِم وَالْحُكْم عَلَى مَنْ سَبَّهُ بِغَيْرِ حَقّ بِالْفِسْقِ.
2- وفي الصحيحين البخاري (30) ، ومسلم (1661) من حديث الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ - رضي الله عنه - فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ........ " قَوْله: (سَابَبْت) فِي رِوَايَة " شَاتَمْت " وَفِي أخرى " كَانَ بَيْنِي وَبَيْن رَجُل كَلَام " وَزَادَ مُسْلِم " مِنْ إِخْوَانِي " وَقِيلَ: إِنَّ الرَّجُل الْمَذْكُور هُوَ بِلَال الْمُؤَذِّن مَوْلَى أَبِي بَكْر رضي الله عنهما, وَمَعْنَى "سَابَبْت" وَقَعَ بَيْنِي وَبَيْنه سِبَاب بِالتَّخْفِيفِ قَوْله: (فَعَيَّرْته بِأُمِّهِ) أَيْ: نَسَبْته إِلَى الْعَار , وفِي رواية: " وَكَانَتْ أُمّه أَعْجَمِيَّة فَنِلْت مِنْهَا " وَفِي رِوَايَة أخرى: " قُلْت لَهُ يَا اِبْن السَّوْدَاء "قَولَه: " إِنَّك اِمْرُؤٌ فِيك جَاهِلِيَّة" أَيْ: خَصْلَة مِنْ خِصَال الْجَاهِلِيَّة.
3- وأخرج البخاري (6031) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبَّابًا وَلَا فَحَّاشًا وَلَا لَعَّانًا ... "(13/144)
4- وأخرج الترمذي (1900) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ "قَوْلُهُ: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ) أَيْ الْكَامِلُ (بِالطَّعَّانِ) أَيْ عَيَّابًا النَّاسَ (وَلَا الْفَاحِشِ) أَيْ فَاعِلِ الْفُحْشِ أَوْ قَائِلِهِ، ويدخل في ذلك الشتم القبيح الذي يقبح ذكره (وَلَا الْبَذِيِّ) : وَهُوَ الَّذِي لَا حَيَاء لَهُ.
5- وأخرجه مسلم (2581) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَتَدْرُونَ من الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَزَكَاتِهِ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيَقْعُدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ".
6- ما أخرجه مسلم (2587) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ "قَوْله: "الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُوم" مَعْنَاهُ أَنَّ إِثْم السِّبَاب الْوَاقِع مِنْ اِثْنَيْنِ مُخْتَصّ بِالْبَادِئِ مِنْهُمَا كُلّه إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَز الثَّانِي قَدْر الِانْتِصَار , فَيَقُول لِلْبَادِئِ أَكْثَر مِمَّا قَالَ لَهُ.
7- وأخرج الإمام أحمد (17572) من حديث أَبُي جَبِيرَةَ بْنُ الضَّحَّاكِ قَالَ: فِينَا نَزَلَتْ فِي بَنِي سَلِمَةَ "وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ" [الحجرات:11] قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ مِنَّا رَجُلٌ إِلَّا وَلَهُ اسْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَكَانَ إِذَا دُعِيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِاسْمٍ مِنْ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَغْضَبُ مِنْ هَذَا قَالَ فَنَزَلَتْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ورجال إسناد الإمام أحمد ثقات، لكن اختلف في أبي جبيرة بن الضحاك هل له صحبة، أوليس له صحبة. ووردت آثار في النهي عن السب والشتم والتنابز بالألقاب ومن ذلك ما يأتي:
1- أخرج ابن جرير في تفسيره (29295) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - "وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ" [الحجرات:11] قال: التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب منها وراجع الحق فنهى الله أن يعير بما سلف من عمله.(13/145)
2- وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه "وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ" قال: أن يقول إذا كان الرجل يهودياً فأسلم يا يهودي يا نصراني يا مجوسي ويقول للرجل المسلم يا فاسق.
3- أخرج ابن المنذر عن عطاء في قوله تعالى: "وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ" [الحجرات:11] قال: أن يسميه بغير اسم الإسلام، يا خنزير، يا حمار، يا كلب.
4- وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة "وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ" قال: لا تقل لأخيك المسلم يا فاسق يا منافق. [ينظر: الدر المنثور (7/564) ]
هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ...(13/146)
كيف تثبت براءتها من الزنى؟
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/السب والفحش
التاريخ 24/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا امرأة متزوجة ولدي ثلاثة أطفال، وأقيم في دولة عربية، قبل مدة من الزمن اقتحم أحد الجيران بيتي، وأغلق الباب خلفه، وزوجي غير موجود، وكنت أصرخ عليه للخروج، وفي ذلك الوقت جاء زوجي وأساء الظن بي بأنني وقعت في فاحشة الزنا مع ذلك الرجل، وزوجي كل يوم بدون استثناء يضربني بشدة ويتهمني بالزنى. وأنا بريئة.
كيف أستطيع إثبات براءتي؟ أرجو تقديم التوجيه الشرعي لمثل هذا الأمر.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فقذف المحصنات من كبائر الذنوب؛ قال تعالى: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" [النور:4] ، وقال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [النور:23] ، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اجتنبوا السبع الموبقات" قيل يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" رواه البخاري (2615) ، ومسلم (89) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-، وبناء على ذلك فإنه لا يحل القذف إلا بعد ثبوت الزنا، ولا يثبت إلا بإقرار المقذوف، أو أن يشهد عليه أربعة رجال مسلمين عدول، لذا فعلى الزوج أن يتقي الله -تعالى- ولا يقذف زوجته حتى يتحقق وقوع الزنا منها، فإن تحقق ذلك جاز له قذفها، فإن قذفها ثم لاعنها سقط الحد عنه، وإن لم يلاعنها جُلد حد القذف وهو المذكور في الآية الكريمة أعلاه، ولا يحل له تكرار ضرب زوجته على أمر لم يثبت عنده، فإن ثبت زناها فإقامة الحد منوط بالجهة المختصة- وهي المحكمة الشرعية- لا بالزوج، وللزوجة في حال تكرار الزوج ضربها وشتمها التقدم إلى المحكمة الشرعية للنظر في ذلك. والله -تعالى- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/147)
هل التظلم من الغيبة؟
المجيب د. محمد العروسي عبد القادر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الغيبة والنميمة
التاريخ 29/12/1423هـ
السؤال
هل يعتبر الإسلام التحدث عمَّا فعله شخص ظلمني غيبة؟ وهل أعاقب عليها؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على عبدك ونبيك محمد وعلى آله ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فمن ابتلي بمن يؤذيه أو أوذي وظلم من بعض الناس، فالأولى أن يصبر ولا يشكوه لأحد من الخلق، وشكواه لغير الله لن تعود عليه بنفع وهو مناف للصبر الذي يؤجر عليه المرء، فإن الشكوى إلى مخلوق كالاستنجاد بالغريق، هذا مع أن المشكو إليه يتأذى بالشكوى، وأما إذا كانت الشكوى لمن ينصفك كإمام وحاكم فليس ما تقوله فيه إن كان بحق غيبة أو ظلم، والله أعلم.(13/148)
التوبة من الغيبة
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الغيبة والنميمة
التاريخ 8/6/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اغتبت أناساً كثيرين كلما غضبت من أحد ذهبت واشتكيت، وأنا الآن نادمة وأريد التوبة، وقد سمعت أنني لكي أتوب من الغيبة يجب أن أستسمح من الذين اغتبتهم، وهذه مشكلة، فعلاقتي بأكثرهم جيدة وكثيرون نسيت من هم، فما العمل؟ أريد أن أتطهر من هذا الذنب، وأريد نصيحتكم عندما أغضب وأريد أن أفضفض، فماذا أعمل حتى لا أقع في الغيبة ثانية؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
أختي السائلة، وعليكِ السلام ورحمة الله وبركاته، أشكرك -بارك الله فيكِ- على إحساسك بالندم، ورغبتك الجادة في التوبة، والتخلص من تبعة اغتيابك للآخرين.
فلا ريب أن الغيبة من قبائح الذنوب، وآفات اللسان، ومن العدوان والظلم المبين، فإن استطعت أن تعتذري لمن اغتبتيهم من الناس خاصة إذا كان بلغهم خبر غيبتك لهم.
وإن غلب على ظنك أن مصارحة أولئك بحقيقة الأمر سيؤدي إلى الهيجان والغضب والقطيعة والهجر فاكتفي بالدعاء لهم والثناء عليهم بما يستحقون خصوصاً أمام الناس الذين اغتبتيهم عندهم، ومن نسيتهِ منهم فادعي لهم دعاء عاماً، وأكثري مع هذا وذاك من الاستغفار والعمل الصالح، وألحي على الله -تعالى- أن يقبل توبتك، ويغسل حوبتك.
وأما نصيحتي لك في حالة الغضب فهي أن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم كما في صحيح البخاري (3282) وصحيح مسلم (2610) من حديث سليمان بن صُرد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلين يستبان وقد غضب أحدهما حتى احمرت عيناه وانتفخت أوداجه، فقال:"إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ذا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" الحديث.
وكذلك عودي نفسك على الصبر وكتم الغيظ، قال الله في معرض حديثه عن صفات أهل الجنة:"الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" [آل عمران:134] .
وتذكري ما جاء في الحديث الصحيح الذي خرجه مسلم (2881) وغيره من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -عليه السلام-:"أتدرون من المفلس؟ " قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال:"إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار".
أتحبين أن يتقاسم الآخرون حسناتك في وقت أنت بأمس الحاجة إليها؟!
فاتقي الله، واحذري من الغيبة فالتنفيس عمّا في الصدر لا يكون على حساب أعراض الآخرين، وفقك الله وأعانك وحفظك من كل سوء، والسلام عليكِ.(13/149)
هل الغيبة من الكبائر، وما علاجها؟
المجيب د. محمد بن سريّع السريّع
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الغيبة والنميمة
التاريخ 20/1/1423
السؤال
أريد أن أعرف هل تنحصر كبائر الذنوب في ما ذكره الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث السبع الموبقات أم يشمل غيرها؟ وإن كان نعم، فمثل ماذا؟ وهل الغيبة من كبائر الذنوب؟ أنا أعاني من هذا الداء - للأسف- حتى حين أحاول الابتعاد عنه، من حولي لا يعينونني على ذلك -كما تعرفون - هو داء منتشر بين معشر النساء، ماذا تنصحونني؟
الجواب
كبائر الذنوب لا تنحصر في السبع الموبقات المذكورة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " اجتنبوا السبع الموبقات " بل تشمل غيرها كما جاء في صحيح البخاري (6675) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس، وفي الصحيحين (البخاري (5976) ومسلم (87)) واللفظ للبخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا: بلى يا رسول الله، قال: " الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئاً فجلس، فقال: " ألا وقول الزور وشهادة الزور ألا وقول الزور وشهادة الزور" فما يزال يقولها حتى قلت: لا يسكت، وعنه - صلى الله عليه وسلم -:" إن من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق ... " رواه أبو داود (4877) .
وأما الغيبة فإنها من كبائر الذنوب بل قد قال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن) إنه لا خلاف في أن الغيبة من الكبائر، فكبائر الذنوب هي كل معصية فيها حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة من عذاب، أو غضب، أو نحو ذلك، وأما النصيحة لمن بلي بهذا الداء فهي كالتالي:
أولاً: تذكر عظم هذا الذنب ومغبته في الدنيا والآخرة.
ثانياً: أن يستحضر العبد عند نطقه بكلمة لا ترضي الله مراقبة الله - تعالى - له، وأن يتذكر أن عليه ملائكة يكتبون ما يلفظ من قول، وأن على كل امرئ حافظين كرام كاتبين فليستح منهم.
ثالثاً: البعد عن مجالس السوء، وليصحب المؤمن من يعينه على طاعة الله، ومن يذكره بالله رؤيته.
رابعاً: إن الاشتغال بالنافع المفيد، وملء المجالس بالخير والهدى من طلب العلم الشرعي والدعوة إلى الله.
خامساً: تعويد اللسان الصمت عن كل مالا ينفع وليجعل المؤمن كلامه ذكراً، وصمته فكراً، والله - تعالى - أعلم.(13/150)
تعليق العمل على المشيئة
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الغيبة والنميمة
التاريخ 14/10/1423هـ
السؤال
ما حكم قوله: "إن شاء الله" وهو ينوي عدم القيام بالعمل؟
الجواب
الأولى تركه؛ لأن السامع غالباً يعد ذلك وعداً، وينسب إلى صاحبه الكذب إن لم يفعل، فينبغي للمسلم أن يحفظ عرضه من غيبة الناس له، وطوبى لمن كف الغيبة عن نفسه.(13/151)
الغيبة والرسم الكاريكاتيري
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الغيبة والنميمة
التاريخ 14/5/1424هـ
السؤال
هل الرسم الكاريكاتيري لأشخاص معروفين، أو برامج التقليد التلفزيونية المضحكة تعتبر من الغيبة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: الاستهزاء بالآخرين سواء بحضرتهم أو في غيبتهم لا يجوز إلا برضاهم، وهو داخل في قول المولى -سبحانه-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [الحجرات:11] وفي قوله تعالى: "ولا يغتب بعضكم بعضاً" [الحجرات: 12] ، إذا كان في غيبته.
هذا هو الأصل، أما انتقاد جهات عامة أو أشخاص يمثلونها فهذا يقدر بالمصلحة العامة، أما انتقادهم في ذواتهم فلا يجوز.
أما الفسقة فلا بأس بانتقادهم بما يحذر منهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام في صحبة رجل: "بئس أخو العشيرة". رواه البخاري (6032) ، ومسلم (2591) من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
أما الاستهزاء المحض الذي يغلب عليه التشهير ولإضحاك القوم فهذا لا يجوز ولا يليق بالمؤمنين. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(13/152)
اتهام العلماء وتجريحهم
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الغيبة والنميمة
التاريخ 3/9/1424هـ
السؤال
لقد كثر الكلام حول بعض الأحكام الشرعية، وكثر الكتاب الذين لا يتورعون عن التشكيك في ذمة العلماء الأحياء أو الأموات؟ فأتمنى منكم أن توضحوا الحكم الشرعي في من يقول هذا الكلام، وما هي مفاسده؟ وقد يدعى البعض أنه ينكر على الشيخ وأنه أخطأ في فتواه وأنه يحابي ولي الأمر في ذلك. ولكن لكل عالم سقطات ولا أحد ينكر ذلك. ولكن هل يجوز ذلك الفعل؟ وهل يستباح الكلام في المشايخ بسبب ذلك؟
الجواب
الحمد لله، وبعد:
حرم الإسلام الغيبة وحذر منها، فقال الله تعالى: "وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ" [الحجرات: من الآية12] .
ويتأكد التحريم ويشتد الإثم حين تكون الغيبة في حق العلماء وأهل الفضل.
والعلماء ليسوا معصومين ولا مقدسين فهم يصيبون ويخطئون، ويقولون حقاً وباطلاً.
والواجب أخذ الصواب والحق من أقوالهم ورد الخطأ والباطل منها دون خوض في النيات أو تتبع وتشهير للزلات.
بيان خطأ العالم لا شيء فيه إذا كان على سبيل النصيحة للأمة وبيان الحق لها.
وما زال العلماء قديماً وحديثاً يرد بعضهم على بعض ويبين بعضهم خطأ بعض دون نكير، طالما بقي الأمر في دائرة النصح وإظهار الحق وإشهاره.
وما عدا ذلك فممنوع شرعاً، وعواقبه على الفرد والجماعة كثيرة ومتعددة والله المستعان.
وفق الله الجميع لكل خير وحفظ لنا علماءنا العاملين ووقاهم كل سوء.(13/153)
مجالس الغيبة
المجيب عيسى بن عبد الله المطرودي
القاضي بالمحكمة الكبرى في حائل
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الغيبة والنميمة
التاريخ 12/1/1425هـ
السؤال
أجلس مع أناس لا هم لهم إلا السب والشتم، ويخصون الصالحين والمجاهدين، ما حكم جلوسي معهم؟ بحيث أني أنكر عليهم ولا يستجيبون ويردون (أنت لا تحكم مجالسنا وغير آبهين بالإنكار) وهل يجوز هجرهم؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين:
فإن حكم الغيبة كبيرة من كبائر الذنوب، ويجب علينا إنكارها وفق الاستطاعة تمشياً مع حديث النبي - صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم (49) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
فلا بد أن ندرك أن التغيير بالقلب يقتضي بغض المنكر وفاعل المنكر ومغادرة المكان الذي فيه المنكر.
ثم إنني أوصي السائل بأن يكون التغيير بالحكمة والموعظة الحسنة، ولعل من الأشياء التي تغير هذا المنكر وأمثاله أن ينظر الراغب في تغيير المنكر إلى اهتمام الحضور في هذا المجلس، ثم يعطيهم ما يهتمون به مما أباح الله عز وجل.
فإذا كان اهتمام الحضور بالشعر مثلاً أو بمعرفة الفصول السنوية فيتعرف على الفصول السنوية ويعطيهم شيئاً منها حتى يأخذهم من الاهتمام الذي يهتمون به، ثم تتحول بهم تدريجياً إلى الأشياء النافعة، وبهذه الطريقة تستطيع بإذن الله -عز وجل- إنكار هذا المنكر.(13/154)
الغيبة والاستهزاء
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الغيبة والنميمة
التاريخ 17/7/1424هـ
السؤال
ما حكم من يستهزئ بشخص معين في طريقة كلامه؟ وما نصيحتكم له؟ ولكم جزيل الشكر، والسلام.
الجواب
الاستهزاء بالأشخاص عمل محرم، وإذا كان الإنسان فيه تلك العيوب فهذا يعتبر غيبة، وإذا لم تكن فيه فإنها تعتبر بهتاناً، والله - تعالى - يقول: "ويل لكل همزة لمزة" ويقول - جل وعلا -: "ولا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ" [الحجرات: من الآية12] ، فالغيبة من كبائر الذنوب، والاستهزاء بالناس هو ضرب من ضروب الغيبة، والواجب على الإنسان أن يستحي من الله وأن يصون لسانه عن الاستهزاء بالناس، ولما قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها - للنبي - صلى الله عليه وسلم -: حسبك من صفية، تعني أنها قصيرة، قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمُزِج" أخرجه احمد والترمذي وأبو داود. وهي ما قالت إلا أنها قصيرة، فكيف بمن يتطاول بالكلام على غيره بأمور أكبر من هذا؟ فنسأل الله الهداية للجميع.(13/155)
الاغتياب من أجل الاتعاظ!
المجيب د. حسين بن عبد الله العبيدي
رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الغيبة والنميمة
التاريخ 18/05/1426هـ
السؤال
هل علي إثم لو أني نصحت أحد أقاربي بألاَّ يقترف ذنبًا، وضربت له مثالا لأحد المعروفين لنا أنه وقع في نفس هذا الذنب، فقصَّر في حقوق الله وحقوق أهله، وما قصدت إلا أن يتَّعظ بهذا المثل، فهل هذه غيبة وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب
لا يجوز ذكر الإنسان بما يكره، إلا إذا قصد الإنسان التحذير من ذلك الإنسان المتَّصف بهذه الصفة، لكن يمكن ضرب المثال بالعموم فيمن يتَّصف بمعصية الله -تعالى- من الأمم السالفة والحاضرة، ويذكر بعقوبة من عصى الله -تعالى- ولم يتب من ذلك، وتحذير الإنسان من الوقوع في الذنب، فقد يختم له بذلك، وبالله التوفيق.(13/156)
لا بأس بهذه العبارات
المجيب د. ناصر بن عبد الرحمن الجديع
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 24/7/1422
السؤال
عندما تطلب من أحد أن يعطيك حاجة، فإنه يرد عليك أحياناً فيقول على سبيل التيئيس والتعجيز: (نجوم السماء أقرب لك) وقد يعوض عنها فيقول: (اطلب الله) أو: (اطلب ربك) حتى صارت هاتان العبارتان تأتيان على سبيل التيئيس، والله -جل جلاله- أقرب، وأفضل، وأجزل، وأسرع من سئل، فماحكم هذا العمل علما أنه دارج على ألسنة الكثير؟
الجواب
العبارة الأولى: (نجوم السماء أقرب لك) تدل على المبالغة في عدم تحقيق الحاجة، وهي تقال على سبيل التيئيس والتعجيز كما ذكرت، ولا أرى فيها بأساً.
وأما عبارة: (اطلب الله) أو: (اطلب ربك) فلعل المراد بذلك التنبيه على عدم تحقيق المطلوب، وأن على المخاطب أن يبتعد عن هذا الشخص المسؤول، ويسعى في أرض الله تعالى، وليس المراد الأمر بدعاء الله -تعالى- حقيقة. وبناء على ذلك فلا يظهر في ذلك بأس.
وقد تقال هذه العبارة عندما يطلب سائل شيئاً من المال كناية عن عدم إعطائه، وأن عليه أن يسأل ربه -تبارك وتعالى- الذي بيده كل شيء، ولا شيء في هذه الإجابة، بل تُعدّ من باب التلطّف والأدب، بدل الرد المجرد، والله -تعالى- أعلم.(13/157)
في ذمة الله هل تقال عن المتوفى
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 2/5/1422
السؤال
هل يجوز أن يقال للمتوفى فلان في ذمة الله؟ وما معنى في ذمة الله؟
الجواب
هذا التعبير في حق المتوفى لا أعلم له أصلاً فلا ينبغي استعماله وإنما ورد في حق من عمل بعض الصالحات كصلاة الفجر في جماعة ففي صحيح مسلم عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من صلى الصبح فهو في ذمة الله) ومعنى في ذمة الله هنا الضمان وقيل الأمان. والله أعلم(13/158)
ألفاظ شائعة بين العوام
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 18/1/1425هـ
السؤال
أود أن أسأل فضيلتكم عن ألفاظ شائعة بين العوام، ومن الأمثلة على هذه الألفاظ:
(1) شرف الله - وشرف الله (2) حل عن ربي
(3) يسعد الله
(4) الله فوق وفلان تحت
(5) الله يظلم اللي ظلمني (6) هو الله داري عنك؟.
(7) لو يحط أيده بيد ربنا ما يفعل كذا وكذا.
(8) فلان الله ما بيطيقه.
(9) لو ينزل ربنا ما يفعل كذا وكذا.
(14) يلعن اليوم اللي خلقت فيه.
(21) الله بيعطي الرزقة للي ما بيستاهلها.
(22) الله ما بيسمع من ساكت (.
(24) لا حول الله يا رب.
(25) وغير ذلك الكثير من الألفاظ -والله المستعان-.
ومن الأخطاء أيضاً أنه لا يجوز شتم إبليس أو الشيطان الرجيم؛ لأنه يتعاظم بذلك، وإنما يجب التعوذ منه كما أخبرنا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-. نرجو إرسال الجواب في أسرع وقت ممكن, وأن ترسلوا أيضاً حديثاً نبوياً شريفاً بالنسبة لشتم إبليس أو الشيطان بشكل عام, -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فأود بادئ ذي بدء أن أنبه إلى أمور مهمة:
أولها: أن تعلم - بارك الله فيك - أن من الضروري التثبت عند إطلاق الأحكام والأوصاف الشرعية على الأشخاص، وذلك لأن الكفر والفسق أحكام شرعية ليست من الأحكام التي يستقل بها العقل، فالكافر من جعله الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- كافراً، والفاسق من جعله الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- فاسقاً، كما أن المؤمن والمسلم من جعله الله ورسوله مؤمناً ومسلماً، والعدل من جعله الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- عدلاً، والمعصوم الدم من جعله الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- معصوم الدم، ولهذا ينبغي التنبه إلى خطورة الحكم على معين بكفر أو فسق أو نحوها من غير تثبت، كما نبه على ذلك العلماء، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في غير موضع، ومنها ما ذكره من ذلك في كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (5/92) .
وثانياً: أن يعلم أن الحكم المعلق بالوصف لا ينطبق على الشخص إلا إذا توفرت شروط انطباقه وانتفت موانعه، وثمرة هذا أن تعلم أن كثيراً ممن تندرج على ألسنتهم عبارات مخالفة لا ينطبق على أشخاصهم الحكم المترتب على القول أو الفعل؛ لعدم توفر شروط انطباقه عليهم، أو لوجود موانع، وهؤلاء في الغالب إنما يحتاجون إلى دعوة وتبصير، وبيان للمحاذير المترتبة على أقوالهم وأفعالهم بحكمة؛ إذ الغرض هو هداية الناس واستصلاحهم، ودلالاتهم على الخير وبيان الحق؛ حتى لا يقعوا في شيء من المحاذير والمخالفات.(13/159)
وثالثاً: هناك بعض الألفاظ التي وردت في سؤالك يتوقف الحكم فيها على معرفة مراد القائل؛ ليحكم عليها بما يناسبها، ومن الألفاظ التي أوردتها قول القائل: (الله فوق وفلان تحت) ، وذكرت أن ذلك شرك أكبر، وهنا يقال: إن كان مراد القائل: إثبات الفوقية لله بذاته وقدره وقهره فما المحظور في ذلك؟ إذ أن ذلك هو الثابت الذي نصت عليه الأدلة الشرعية والعقلية، ومن المعلوم أن سائر المخلوقات تحت الله ودونه ذاتاً وقدراً، وقولك إن ذلك شرك أكبر غير صحيح.
ورابعاً: أنصح لك يا أخي باقتناء كتاب: (معجم المناهي اللفظية) لفضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد -حفظه الله- فقد أورد فيه نحواً من ألف وخمسمائة لفظ مبينة بأحكامها وما قيل فيها، وهو نافع جيداً في بابه.
وأما الحديث الذي سألت عن لفظه المتضمن نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شتم إبليس فهو حديث خرجه أبو داود في سننه كتاب الأدب باب رقم (85) ، حديث
(4982) جـ (5/260) ، بسنده عن رجل قال: كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- فعثرت دابته فقلت: تعس الشيطان فقال: "لا تقل تعس الشيطان؛ فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت، ويقول: بقوتي، ولكن قل: بسم الله، فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب" وخرجه الإمام أحمد في مسنده جـ (5/79-71-365) قال ابن القيم - رحمه الله- بعد أن أورده وفي حديث آخر: "إن العبد إذا لعن الشيطان يقول: إنك لتلعن ملعناً"، ثم قال: "ومثل هذا قول القائل: أخزى الله الشيطان، وقبَّح الله الشيطان فإن ذلك كله يفرحه ويقول: علم ابن آدم أني نلته بقوتي، وذلك مما يعينه على إغوائه، ولا يفيده شيئاً، فأرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- من مسه شيء من الشيطان أن يذكر الله - تعالى- ويذكر اسمه، ويستعيذ بالله منه؛ فإن ذلك أنفع له، وأغيظ للشيطان) انظر زاد المعاد جـ (2/355-356) . والله الموفق.(13/160)
حكم هذه العبارات
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 23/11/1422
السؤال
السؤال: ما حكم قول:
1- حرام عليك تفعل هذا.
2- ثالث الحرمين الشريفين.
3- ما تستاهل هذا.
الجواب
الحمد لله، هذه كلمات تجري على ألسنة كثير من الناس، يقول أحدهم منكراً على غيره: حرام عليك هذا الفعل حرام عليك، أو هذا القول حرام عليك، فإذا كان هذا الفعل أو القول حراماً في الدين؛ يعني ممَّا حرَّمه الله ورسوله، فإنكاره حقّ ووصفه بالتحريم حقّ، وإن لم يكن ممَّا حرّم الله ورسوله، فلا يجوز إطلاق التحريم عليه فالذين يقولون مثل هذا، تارة يقولونه فيما هو حرام حقيقة وقد يطلقونه على ما ليس بحرام، بل مكروه أو غير لائق فإن قصدوا التحريم الشرعي فهذا لا يجوز وهو من القول على الله بغير علم، يقول -تعالى-:" ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ... الآية" [النحل: 116] ، وإن لم يريدوا أنه حرام في الشرع، إنما يريدون بذلك أن هذا ممَّا لا يصلح ولا يليق فهذا من الخطأ في التعبير والأولى اجتنابه؛ لأن فيه لبساً، والألفاظ الموهمة ينبغي تجنبها حتى لا يقع المسلم في المحذور وهو لا يشعر، وليحصل الالتزام بالمصطلحات الشرعيَّة فلا تطلق على غيرها، ولا يشبّه بها ما سواها، ممَّا يؤدي إلى الاشتباه، والله أعلم.
وأمَّا قول القائل: ثالث الحرمين الشريفين، يريد به المسجد الأقصى، فهذا تعبير فيه خطأ، وهو يوهم أن المسجد الأقصى حرم، فتكون المساجد المحرَّمة ثلاثة وليس كذلك، فما ثمَّ إلا حرمان مكة والمدينة، كما أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-:" بأن الله حرَّم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة " (انظر البخاري 1834، ومسام1353) ، وأخبر: بأن ابراهيم -عليه السلام - حرَّم مكة وأنه - صلى الله عليه وسلم- حرَّم المدينة (انظر البخاري 2129، ومسلم 1360) ، ومعنى تحريمها أي: أن الله حرَّم فيهما مالا يحرم في غيرهما، كقطع الشجر، وقتل الصيد، وأمَّا المسجد الأقصى فليس فيه تحريم خاص، لكنه من المساجد الثلاثة المفضلة التي قال فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم-:" لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم-، ومسجد الأقصى" (البخاري 1189 ومسلم 1397 واللفظ للبخاري) ، فليتنبه إلى الفرق بين هذه المساجد، فللمسجد الحرام ومسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- خصوصيَّة ليست لغيرهما من المساجد، والله أعلم.(13/161)
وأمَّا قول القائل: ما تستاهل هذا، أو فلان ما يستاهل، يقال في الخير والشر بأن يقال لمن أعطاه الله حظاً من مال وأهل وولد وغير ذلك، فلان ما يستاهل ذلك، أو من ابتلى بمرض أو مصيبة فلان ما يستاهل ما ابتلي به، فإطلاق هذه العبارة على هذا الوجه اعتراض على تدبير الله وتقديره الحكيم، وعلى هذا فيحرم إطلاق هذه الكلمة؛ لاشتمالها على هذا المعنى المنكر، فإنه يجب على العبد أن يرضى بقضائه -سبحانه وتعالى- ويؤمن بأن الله حكيم عليم بتدبيره لأمر عباده، فإنه يعطي ويمنع لحكمة بالغة وعلم تام، فيجب الإيمان بحكمته وعدله، واطراح الاعتراض على أقداره فإن هذا من وساوس الشيطان، نسأل الله أن يعيذنا من شر الشيطان ومكره، إنه -سبحانه وتعالى- هو العاصم من شرِّ هذا العدو المبين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.(13/162)
حكم كتابة وقراءة واستماع شعر الغزل
المجيب د. عبد الله بن وكيل الشيخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 9/1/1423
السؤال
ما حكم كتابة وقراءة والاستماع إلى شعر الغزل؟
الجواب
مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - شيئاً من الشعر نظراً إلى ما اشتمل عليه من الخير والصدق فقال - صلى الله عليه وسلم -:" إن من الشعر حكمة " رواه البخاري (6145) من حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه- واستمع - صلى الله عليه وسلم - إلى الشعر وأذن به في المسجد، وكان يضع لحسان بن ثابت -رضي الله عنه- منبراً يقوم عليه فيهجو المشركين كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة، انظر ما رواه مسلم (2490) والترمذي (2846) وأبو داود (5015) من حديث عائشة -رضي الله عنها- والشعر كالكلام حسنه كحسنه وقبيحه كقبيحه كما قال ابن قدامة -رحمه الله - أما شعر الغزل فإنه يذم في حالين:
الأولى: أن يكون في امرأة بعينها بالإفراط في وصفها وكشف أمرها في الناس، وهذا محرم لما فيه من الأذية للمؤمنة بغير حق، حيث يتداول الناس الشعر فيها، وقد قال الله - تعالى -:" والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً". [الأحزاب:58] .
الثانية: ألا يكون في امرأة بعينها ولكنه من الشعر الفاضح المسرف في ذكر أجزاء البدن وتقاطيع الجسم، مما يثير الغرائز ويحرك الشهوات وهذا محرم لما فيه من الإفضاء إلى الفحش والرذيلة وسوقه السفهاء إلى المحرمات الظاهرة من مطالعة النساء وشهوة الزنا ونحو ذلك. وفي نظم هذا الشعر إشاعة للفحشاء والمنكر، وقد قال الله - تعالى -:" إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ". [النور:19] .
وهذا الحكم في حق ناظم هذا النوع من الشعر وقارئه والمستمع إليه، ولا يستثنى من ذلك إلا ما تدعو إليه الحاجة كما في بعض أشعار المغازي التي تدعو الحاجة إلى روايتها، وفيها بعض الأشعار التي ينطبق عليها الوصف الماضي. وللتوسع في هذا البحث يراجع (المغني لابن قدامة 14/162) وما بعدها، الالتزام الإسلامي في الشعر للدكتور ناصر بن عبد الرحمن الخنين (ص 105 - 151) وهو بحث ماتع مفيد) .(13/163)
عبارة: (فتح الله عليك)
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 19/6/1424هـ
السؤال
أسمع كثيراً من فئة من الملتزمين عبارة (فتح الله عليك) ، أو (استطعت إنجاز هذا العمل بفتح من الله) و (اسألي الله الفتح) ، ما معنى ذلك، وهل له أصل شرعي؟ بارك الله فيكم.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
فالمسلم الصادق إذا عبد الله بما شرع فتح الله عليه أنوار الهداية في مدة قريبة، فالمهتدون من مشايخ العباد والزهاد يوصون باتباع العلم المشروع.
وقد فتح الله - سبحانه وتعالى - من أبواب فضله ونعمته وخزائن جوده ورحمته، ما لم يكن بالبال ولا يدور في الخيال، وهذه يعرف بعضها بالذوق من له نصيب من معرفة الله وتوحيده وحقائق الإيمان، وما هو مطلوب الأولين والآخرين من العلم والإيمان.
ويفتح الله على طالب العلم والداعي إلى الحق من حيث لا يحتسب فيحمد الله تعالى.
وإذا تبين معنى آية تبين معاني نظائرها، وقال قد فتح الله علي في هذه المرة من معاني القرآن ومن أصول العلم بأشياء كان كثير من العلماء يتمنونها.
ويقال: قد فتح الله من أبواب الخير والرحمة والهداية والبركة ما لم يكن يخطر بالبال ولا يدور في الخيال، وعلى هذا يجوز أن يدعو المسلم لأخيه - خاصة إذا فعل المشروع والحسن - دعاءً وشكراً له على حسن فعله أو فهمه أو نحو ذلك، والدعاء للمسلم بمثل المعاني السابقة أمر طيب، وهو مثل قولك في آخر سؤالك: بارك الله فيكم. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(13/164)
استخدام كلمة (تعميد)
المجيب د. عبد الله بن عبد الله بن عبيد الزايد
مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 21/9/1424هـ
السؤال
هل يجوز استخدام كلمة تعميد في الخطابات، مع أن لها مدلولاً نصرانياً وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الألفاظ لا تعطى آحادها المدلول الواحد الشامل، ولكن بحسب ما تدل عليه من المعنى، ولذا فلا حرج في استعمالها السائد بين أهل المتاجرات والتمويل ونحوهم، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم.(13/165)
التحدث في دورة المياه
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 15/8/1424هـ
السؤال
ما حكم التحدث في دورة المياه؟.
الجواب
التحدث في دورات المياه ليس من الآداب الإسلامية، وكرهه النبي - صلى الله عليه وسلم - ونهى عنه، انظر ما رواه أو داود (15) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- وإذا كان الكلام مشتملاً على ذكر الله - تعالى - فإنه يصير محرماً، لأن ذكر الله - تعالى لا يجوز أن يكون في دورات المياه ونحوها تنزيها لله - جل وعلا -، والله ولي التوفيق.(13/166)
هل تجوز هذه العبارة (نفسي فداك) ؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 28/09/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ.. يطلق بعض الناس كلمات قد تقدح في عقيدته، مثل قولهم: وقتي فداك، وروحي فداك، ومثل هذه الكلمات. وقد سمعت الشيخ أحد المشايخ ينهى عن ذلك. وهذا جهل بالعقيدة، فلا يكون الإنسان فداء إلا لله ورسوله في حياته، أو كما قال -رحمه الله- أرجو الإفادة، وبارك الله فيكم، علمًا أن أكثر من يقول هذه الكلمات هم الأزواج، وربما تكون عن حسن نية ومحبة للزوج.
الجواب
الحمد لله، قول الرجل: نفسي فداك، أو وقتي فداؤك. هو كقول الرجل: فداك أبي وأمي. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم- لبعض أصحابه، رضي الله عنهم: "فداك أبي وأمي". وهذه من عبارات التعبير عن التقدير، والحب، والتشجيع على فعل ما يرضاه المفديُّ ويعجبه، فإن كان التشجيع على فعل مرضي لله كان هذا حسنًا، وإن كان على فعل محرم، كان هذا التشجيع حرامًا، وإن كان على أمر عادي، ليس له أهمية، وليس فيه كبير مصلحة، فلا ينبغي المبالغة في المدح والتشجيع، فمثل هذه العبارة: فداك نفسي، فداك أبي وأمي. لا يليق إلا أن تكون تشجيعًا على الأعمال المجيدة المرضية النافعة لا على الأعمال التافهة، فضلاً عن الأعمال القبيحة، أو المنكرة، وللناس في هذا مشارب ومذاهب، فينبغي للمسلم أن يكون معينًا على أفعال الخير ناهيًا عما لا خير فيه، نَعَمْ النفس لا تبذل إلا لله سبحانه وتعالى- جهادًا في سبيله، وقد أثنى الله سبحانه وتعالى- في كتابه على المجاهدين في سبيله الذين باعوا أموالهم وأنفسهم لله: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ
وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:111] . والله أعلم.(13/167)
حكم هذه العبارات ...
المجيب د. محمد بن سليمان الفوزان
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 10/9/1424هـ
السؤال
ما حكم قول هذه الألفاظ: (شاءت الصدفة أن ألتقيك) . (هذا فلان الغني عن التعريف) . (فلان يوارى في مثواه الأخير) . (إن هذا الطعام سيئ الطعم) . مع بيان الدلي
الجواب
هذه العبارات في المقاصد منها عدة احتمالات، والحكم فيها على التالي:
(شاءت الصدفة أن ألتقي بك) :
الأولى تركها؛ إذ نسبة المشيئة إلى الصدفة نسبة في غير موضعها إذ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فهذا الكون جميعه لا يتحرك إلا بمشيئة الله وإرادته، كما أن هناك فرقاً بين هذه العبارة وقول المرء: قابلتك مصادفة يريد من غير موعد ولا تحرٍ.
(هذا فلان الغني عن التعريف) :
الذي يظهر لي أنه لا شيء فيها إلا في حالتين: الأولى أن تقال بحضرة المعرّف به، ويخشى عليه الاغترار بذلك. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحثى في وجوه المداحين التراب فيما رواه مسلم (3002) من حديث المقداد بن عمرو -رضي الله عنه-. وقال - صلى الله عليه وسلم- لآخر: "ويلك قطعت عنق صاحبك" رواه البخاري (2662) ، ومسلم (3000) من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه-.
والحالة الثانية إذا قيلت في حق من ليس بذاك، ممن يحتاج إلى التعريف، إلا عند شرذمة من الناس فهذا من الكذب.
(فلان يوارى في مثواه الأخير) :
هذه العبارة الأولى تجنبها إذ القبر ليس هو المثوى الأخير، ففيه وبعده من الأهوال ما الله به عليم، أما إن كان غالب من يقولها يريد عمن قيلت عنه أنها تمت أيام دنياه فهذا صحيح.
(هذا الطعام سيئ الطعم) :
إن قيل ذلك على سبيل الإخبار فهذا لا شيء فيه، وإن قيل على سبيل العيب والتنقّص، وازدراء النعم فهذا لا ينبغي؛ فما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط، كما في الحديث الذي رواه البخاري (3563) ، ومسلم (2064) عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.(13/168)
ما مشروعية الوصف بملتزم
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 19/5/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أريد أن أسأل عن بعض التسميات المنتشرة في كثير من المجتمعات، هل لها من أصل وهل تنصحون بها؟
وهي أمثال: فلان ملتزم وفلان غير ملتزم، فهل لها أصل في الكتاب والسنة.. الذي أعلم أن التسميات التي أقرها الله في كتابه أو رسوله -صلى الله عليه وسلم- في سنته هي المعروفة - المؤمن والفاسق والمسلم والمنافق والكافر - وغيرها مما لا يحضرني الآن.
أريد أن أبين يا فضيلة الشيخ أن أمثال هذه التسميات جنت على كثير من الناس، حيث إن بعضهم تجدهم يحجمون عن الدعوة إلى الله، وعن عمل بعض الأعمال الصالحة بحجة أنه غير ملتزم، والبعض الآخر لربما استحى أن ينكر منكرا - وهو من الواجب على كل مسلم - بحجة أنه غير (مطوع) ، واعذرني على تجاوزي، ولكن هذا هو الواقع وللأسف..!
أرجو بيان أصل مثل هذه الكلمات، وهل تنصحون بإطلاقها على عمومها؟ ثم هل لنا نحن أن نحكم على الناس بالاستقامة؟ وهل الشكل الخارجي - الثوب، اللحية - تكفي لإطلاق حكم عام على الشخص؟ .. ولكم خالص تقديري وفائق احترامي.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
ما تسأل عنه جدير أن يسأل عنه، لتصحيح ما شاع بين الناس من تقسيمات غير فاحصة، وتسميات لم ترد في الشرع، اعتمد -وللأسف الشديد- على ما يبدو من الشعائر الظاهرة كاللحية وتشمير الثياب ونحو ذلك.
ولا أعلم أن الشرع قد جاء بهذه التسميات (ملتزم، غير ملتزم) ولا أنه صنّف الناس تعويلاً على بعض الشعائر الظاهرة كاللحية والثوب القصير، إنما الذي جاء في الشرع هو الوصف بمؤمن، كافر، صالح، فاسق، فكل من ظهر للناس عدالته، وعفته، ولم يعرف عنه إصرار على معصية فهو صالح، ومن عرف عنه تساهل في أداء حقوق الناس، أو إصرار على معصية، أو غلب شره على خيره فهو فاسق، ولو رئي عليه بعض الشعائر الظاهرة كإرخاء اللحية أو تقصير الثياب.
والمهم هو أن نؤلف بين المسلمين لا أن نبحث عما يفرقهم، فثم قاعدة مشتركة بين الصالح؛ ومن هو دونه تجمعهم جميعاً؛ ألا وهي قاعدة التوحيد والإيمان وهي متحققة في المسلمين الموحدين، ولابد أن نثني على ما في الإنسان من خير وإن ظهر عليه بعض التقصير لكي نشعره بأن له دوراً في خدمة الإسلام، والدفاع عن قضاياه، والدعوة إليه ونصرته فهو مؤهل لذلك بقدرما فيه من الخير والصلاح.
أما التقسيمات فمؤداها أن تظل فئة واسعة من الناس خارج حدود العمل لهذا الدين، منهمكة في قضاياها الشخصية لا يعنيها غيرها؛ لأنهم شعروا أو أشعروا أنهم ليسوا أهلاً للدعوة، وليس لهم من الأمر شيء، إنما الأمر مسؤولية من يطلق عليهم وصف (الملتزمين) . والله أعلم.(13/169)
عبارة: "أنا واثق بنفسي" هل تنافي التوكل؟!
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 30/1/1425هـ
السؤال
ما حكم قول: أنا واثق بنفسي؟ خصوصا أنه ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وهل تدخل العبارة تحت عدم التوكل على الله؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إن كان الأمر يرجع إلى اطمئنان الإنسان لما يملكه من خبرات وقدرات علمية، أو إدارية، أو مهنية، وبسبب خبرته، وطول دربته بحيث يملك مثلاً الجرأة في التحدث، أو القيام بعمل معين يتقنه، فهذه ونظائرها لا يظهر فيها بأس.
أما الممنوع فهو تزكية الإنسان نفسه واعتقاد ثقته بإيمانه وعمله، وأنه آمِنٌ وواثق من الفتنة، أو زيغ القلب؛ فهذه المعاني وأمثالها لا تتفق والأدلة الشرعية الدالة على المنع من التزكية "فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى" [النجم:32] ، وحال النبي -صلى الله عليه وسلم-ودعاؤه بالثبات حيث كان أكثر دعائه صلى الله عليه وسلم "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" رواه الترمذي (2140) ، وابن ماجة (3834) من حديث أنس - رضي الله عنه - وعلى هذا سار السلف في اتهام النفس، والحط عليها والإزراء بها خوفاً من التعاظم والعجب والغرور. والله أعلم.(13/170)
المدح المذموم والمشروع
المجيب سليمان بن عبد الله القصير
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 3/2/1425هـ
السؤال
قرأت في كتاب: أن مدح الأصدقاء بما فيهم من صفات جميلة من أهم أسباب زيادة المحبة بينهم ثم سمعت عن أحاديث للنبي - صلى الله عليه وسلم- تنهى عن مدح الشخص أمامه وربما حتى من خلفه؟ فما هو المدح المحرم وما الأدلة الواردة؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
الجواب: مدح الإنسان لأخيه المسلم له أربعة أحوال:
الحال الأول: أن يمدحه بما فيه من خير، ويكون في مدحه تشجيع له على التمسك بما يتصف به من خير وخلق حسن.
الحال الثاني: أن يمدحه بما فيه من خير ليبين فضله على الناس.
فهذان الحالان يجوز فيهما المدح؛ ويدل عليهما مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر - رضي الله عنه - في أحاديث متعددة، ومنها ما رواه البخاري (1897) ، ومسلم (1027) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر - رضي الله عنه -: "أرجو أن تكون منهم" أي من الذين يدعون من جميع أبوب الجنة. وروى البخاري (6085) ومسلم (2397) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر - رضي الله عنه -: " ما لقيك الشيطان سالكاً فجَّاً إلا سلك فجاً غير فجِّك ".
الحال الثالثة: أن يمدحه بما فيه لكن يخشى أن الممدوح يغتر بنفسه ويزهو ويترفع على غيره.
الحال الرابعة: أن يمدح غيره ويغلو في إطرائه ويصفه بما لا يستحق، فهذان الحالان محرمان لما فيهما من الضرر على الممدوح، في الحال الرابعة زيادة على ذلك أنه كذب وخداع. ويدل على التحريم حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ويلك قطعت عنق صاحبك قطعت عنق صاحبك مرارا، ثم قال: من كان منكم مادحا أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا، أحسبه كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه " رواه البخاري (2662) ومسلم (3000) .
وحديث همام بن الحارث أن رجلا جعل يمدح عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، فعمد المقداد - رضي الله عنه - فجثا على ركبتيه فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان - رضي الله عنه -: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيتم المدَّاحين فاحثوا في وجوههم التراب " رواه مسلم (3002) .
وقوله:" المدَّاحين" صيغة مبالغة من المدح، أي من يكثر من المدح ويبالغ فيه، أو يكون ممن يمدح دائما وبلا حاجة.
والله أعلم، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(13/171)
عبارة (علشان خاطر ربنا)
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 02/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
هذا القول هل يجوز: (علشان خاطر ربنا؟) وما حكم قائله؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإنه لا يجوز أن تضاف بعض الكلمات إلى الله -تعالى-، وهي توهم معنى فاسداً، أو فيها سوء أدب مع الله - عز وجل-، وهذه العبارة المذكورة أعلاه هي من العبارات العامية الدارجة، والتي يصح أن تطلق على المخلوق لا على الخالق، وإن كان المتلفظ بها أراد معنى صحيحاً؛ تأدباً مع الله، وهنا ينبغي أن يقول المسلم بدلاً عن هذه العبارة: عمل هذا الأمر لله -تعالى-، أو نحو ذلك، وموقف المسلم تجاه من يتكلم بمثل تلك العبارات أن ينبه أخاه إلى هذا الخطأ، وأن يرشده إلى العبارات المناسبة بأسلوب حسن. والله -تعالى أعلم.(13/172)
عبارة: "السلام على من اتبع الهدى"
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 19/04/1425هـ
السؤال
كتبت في أحد المنتديات مقالاً وفي آخره عبارة (السلام على من اتبع الهدى) فأثار البعض زوبعة واتهموني باتهامهم بغير الإسلام، وأنا يشهد ربي أنني لم أقصد شيئاً من ذلك.
فسؤالي: هل في مقولتي شيء من الخطأ أو المحرم؟ وإذا كان كذلك فماذا علي أن أفعل؟ أفيدونني بدليلٍ -جزاكم الله خيراً- أحاج به لنفسي عند إخواني. وجزاكم الله عني وعن المسلمين خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالسلام على الناس بصيغة: السلام على من اتبع الهدى، لا تقال إلا في حق الكفار، أو إذا اجتمع في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والكفار، أما المسلم فلا يسلم عليه بقول: السلام على من اتبع الهدى، لأن المسلم من المتبعين للهدى بإسلامه، وهذه الصيغة ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يستعملها إلا في حق الكفار، أو إذا مرّ بمجلس فيه أخلاط من المسلمين واليهود والمشركين، وعلى كل حال إذا وقع هذا من شخص فإنه يعلّم ويرشد إلى الصيغة الصحيحة في السلام على المسلمين، ولا ينبغي أن تُحمّل الأمور أكثر مما تحتمل كما ذكر هذا السائل.(13/173)
عبارة (باسم الشعب)
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 23/10/1425هـ
السؤال
ما حكم تصدير العقود الرسمية بعبارة (باسم الشعب) ؟ حيث إن القانون في بلادنا يتطلب إصدار الأحكام والعقود الرسمية، وافتتاح جلسات المحاكم، وإصدار الصيغ التنفيذية للأحكام والسندات التنفيذية باسم الشعب.
أولاً: استبعاد أي معنى للتبرك بمثل هذه العبارة مما يقصد من تسمية الله تعالى- عند ابتداء الأمور ذات البال.
ثانيًا: إن من المعاني التي قصدها القانون بمثل هذه العبارة هي إعلان أن مُصدر هذه الأحكام أو العقود هو مخوَّل من قبل صاحب السلطة (الملك أو الشعب حسب النظام) بإصدارها.
فهل تجوز مثل هذه العبارة؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فشكر الله للسائل حرصه واجتهاده، وتحريه ومحاولته الوصول للصواب، وقول الإنسان باسم الله معناه يتضح بمعرفة متعلق الجار والمجرور، فقد يكون باسم الله أذبح أو آكل، أو أحكم، وكذلك إذا قال: باسم الشعب أو باسم الطلاب. فالمعنى: أتكلم باسمهم وأطلب باسمهم. يعني نيابةً عنهم، وعليه فإن كان الفعل مما يجوز أن يتولاه من يتكلم باسمه، فالأمر في هذا واسع، وإن كان مما لا يجوز لغير الله، كالحكم (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ) [الأنعام:57] . (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة:44] . فهذا لا يقال فيه: باسم الشعب.
كما لا يقال: باسم الشعب تحكم بالإلزام. إذ الحكم حق محض لله، وأما أن الحاكم يحكم بمذهب معين فهو يحكم بما يعتقده حكمًا لله في القضية وإن خالفه غيره، ولا يحكم باسمه هو، وكذلك الإنزال على حكمه يعني اجتهاده في حكم الله، بهذا يتضح المعنى والمراد، مع أني أحب للمسلم أن يربأ عن التشبه بمن يتمتم بالشعارات التي قد لا تصدق دائمًا. والله الموفق.(13/174)
هل هذه العادة بدعة؟
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 12/01/1426هـ
السؤال
رأيت كثيراً بعض الناس يقول عقب الصلاة الفريضة: "تقبل الله". فيجيب الآخر: "منا ومنكم صالح الأعمال". هل هذه العادة سنة؟ هل ورد حديث يقول فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا بعد الصلوات الخمس؟ إذا كانت الإجابة: نعم، الرجاء أرسلوا لي هذا الحديث لو سمحتم. إذا كانت الإجابة: لا، أليس هذا الفعل يعتبر بدعة لقوله عليه الصلاة والسلام: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"؟ علماً بأني رجل هندي أعمل في السعودية. لم أر هذه العادة عندنا في الهند. أفيدوني أفادكم الله.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
هذه اللفظة - تقبَّل الله- ليست سنة وليست بدعة، بل إذا قالها المسلم لأخيه لا على سبيل التعبد المستمر، بمعنى ألا يستمر بعد كل صلاة فلا حرج، ولكن الممنوع أن يداوم عليها؛ لأنه لا ينبغي التعبد لله إلا بما شرعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لقوله عليه الصلاة والسلام: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" أخرجه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" أخرجه أبو داود (4607) ، والترمذي (2676) ، وابن ماجه (42) .
فهنا - يا أخي الكريم- فرق بين قولها دعوة للشخص مرة أو مرتين أو ثلاثاً، لكن ليس مستمراً بعد كل صلاة، فهذا دعاء عادي لا حرج فيه؛ لأن الأصل في الدعاء المشروعية، وبين أن يحافظ عليها الشخص بعد كل صلاة ويدعو بها تعبداً لله وكأنها جزء مما يقال بعد كل صلاة، وهذا هو الممنوع، وينبغي أن تعلم - بارك الله فيك- أن بعض الأمور التي يفعلها الناس هنا مثل التحية بعد الصلاة أن ذلك من قبيل العادات وليس من قبيل العبادات، زادك الله حرصاً، ووفقك الله للهدى والصواب، ورزقنا وإياك العلم النافع، والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(13/175)
نظم الشعر
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 11/03/1426هـ
السؤال
أنا أحب كتابة الأغاني كهواية لنفسي وليس أكثر، فما الحكم في ذلك؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ما تقصده هو كتابة الشعر، والشعر كبقية الكلام، ولا يختلف عن النثر، فحسنه حسن، وسيئه سيئ، وإذا خلا من فاحش القول ومنكر الكلام، وانضبط بضوابط الشرع، فلا بأس، بشرط ألا يكون مضيعاً لوقت الإنسان، صاداً عن ذكر الله وعن الصلاة، والله يقول عن الشعراء: "والشعراء يتبعهم الغاوون ... " [الشعراء:224] ، ثم قال: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا" [الشعراء:227] ، فاستثنى من تحققت فيهم هذه الصفات، ومنها من ذكر الله كثيراً، عمل الصالحات، فاحذر أن يلهيك نظم الشعر عن ذكر الله وطاعته. والله أعلم.(13/176)
زوجها يمنعها من الرد على الهاتف
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/مسائل متفرقة في أدب الحديث
التاريخ 12/06/1426هـ
السؤال
زوجي غيور جداً، وفي بعض الأحيان يبالغ كثيراً، فيمنعني من الرد على الهاتف إلا إذا كان هو المتّصل. فهل هو على صواب؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
هذه غيرة مفرطة، فإجابة المرأة على الهاتف ليست محرمة في ذاتها، إلا إذا خضعت المرأة في حديثها بالقول، ثم كيف يعلم أن المتصل رجل وليس امرأة؟! أليس في منعه إياك من الرد فتنة له حين يكون المتصل امرأة؟
ما موقفه إذا ردَّ هو على الهاتف فحادثته امرأة؟ ألا يخشى أن تثور غيرتك عليه كما ثارت غيرته عليك؟!
فينبغي لزوجك أن يعلم أن النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كن يحادثن الرجال عند الحاجة، وكن يحادثن النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة من حوله يسمعونهن، ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يأمرهن ألا يحادثنه إلا سراً حيث لا يسمعهن أحد. فلو كان مجرد سماع الرجال لصوت المرأة حراماً لكان النبي - صلى الله عليه وسلم- ينهى النساء أن يسألنه بحضرة أحد من غير محارمهن.
فلما لم يصح في ذلك نهي دل ذلك على أن رد المرأة على المتصل ليس بحرام، مالم تتعدَّ المرأةُ حدود الشرع بمضاحكة أو خضوع بالقول. والله أعلم.(13/177)
حكم العادة السرية للضرورة
المجيب د. عبد العزيز بن أحمد البجادي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/هموم الشباب
التاريخ 27/3/1422
السؤال
أنا طالب في كلية الطب، وفي بلادنا لا توجد كليات غير مختلطة. فبحكم دراستي، وبرغم غض البصر، إلا أن الشاب منا يرى المتبرجات المتزينات بغير قصد ولا إرادة، ثم إن هذه الصور تتراكم في الذهن وأدفعها قدر الإمكان، لكني أحياناً أجد فوراناً للشهوة حتى ربما استمر معي الأمر يومان أو ثلاثة يصحب ذلك تغير في المزاج، وضيق.
وإذا كان الاستمناء محرماً، وهذا ما أدين الله به، فهل يجوز في هذه الحالة من باب الضرورة؟
وأفيدكم يا شيخ أني راجعت التفاسير وعلمت أن المفسرين يقولون في قوله تعالى ((فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)) أن الاستمناء من هذا. فأنا يا شيخ في حيرة، ولا أدري ماذا أفعل، وأسألك يا شيخ أن ترشدني أيضاً للمصادر التي ذكرت هذه المسألة بتوسع. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الاستمناء كثر السؤال عنه في هذا الزمن الذي كثر فيه داعي الفساد، وتنوعت فيه وسائل الإغراء، فوجب التفصيل فيه. ذلك أن مريده إما أن يكون أراده لضرورة، وإما أن يكون لغير ضرورة، فإن كان لضرورة كما لو خاف الزنا، أو خاف مرضاً إن لم يفعله فهو مباح له بإجماع الأئمة، لأنه أخف المفسدتين. ونقلت طائفةٌ إجماع العلماء عليه، إلا أن بعضهم يشترط عدم قدرته على الزواج أو التسرّي.
وإن كان أراده لحاجة، كما لو أراده للتلذّذ؛ فقد قال بتحريمه جماهير العلماء، أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأصحابهم، وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وأجازه في الرواية الأخرى مع الكراهية. والتجويز منقول عن ابن عمر وابن عباس، والحسن، ومجاهد وعمرو بن دينار، وبه قال ابن حزم.
وقد تمسك من قال بتحريمه بخمسة أمور:
أحدها: قول الله تعالى: ((والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)) ، فإن الله أباح أولاً الزوجة والأمة، ثم حرم ما عداها بقوله: ((فمن ابتغى وراء ذلك)) .
والجواب: أن الله تعالى ذكر المباح وهو الزواج والتسري، وذكر المحرم من جنس ما أباحه هنا، (وهو النساء بلا زواج أو تسرٍّ) .
وهذا التفسير وإن لم يغلب على الظن عند تأمل هذه الآيات، فهو تفسير محتمل، وحينئذ فالتفسير الأول واحد من احتمالين، فلا يكون قاطعاً.
الثاني: حديث عبد الله بن مسعود في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)) ، فلو كان الاستمناء جائزاً لأرشد إليه العاجز عن الزواج، لأنه أسهل من الصوم.
والجواب: أنه لا يلزم الإرشاد إليه لما فيه من الوضاعة.(13/178)
الثالث: حديث أنس مرفوعاً: ((ملعون من نكح يده)) وفي لفظ: ((سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيمة ولا يجمعهم مع العالمين، ويدخلهم النار أول الداخلين إلا أن يتوبوا: الناكح يده..)) .
والجواب: أن هذا حديث أخرجه الحسن بن عرفة في جزئه، ومن طريق ابن الجوزي، من طريق مسلمة بن جعفر، عن حسان بن حميد، عن أنس مرفوعاً. ومسلمة وشيخه مجهولان. وأخرجه أبو الشيخ وغيره من طرق عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً، والإفريقي ضعيف عند أهل الحديث.
الرابع: حديث أبي سعيد مرفوعاً: ((أهلك الله عز وجل أمة كانوا يعبثون بذكورهم)) .
والجواب: أن هذا حديث أخرجه ابن الجوزي في (العلل المتناهية) بإسناد فيه مجاهيل، فلا حجة فيه.
الخامس: أن المستمني يُعد فاعلاً بنفسه، ولهذا لجأ بعض من جوّزه إلى تقييده بأن يكون بشيء منفصل عن اليدين، كالقماش والعجين ونحو ذلك، حتى لا يكون من فعل هذا ناكحاً نفسه.
الجواب: أن هذا تعليل مروي عن ابن عمر، وليس عليه دليل، بل الدليل والحس على خلافه، فإنه لا يسمى في الشرع ولا في اللغة نكاحاً، وقد أجمع العلماء على أن من فعل مثل ذلك بيد أجنبية أنه لا حدّ عليه. والمروي عن ابن عمر إن صح فإنما أراد به التنفير.
فعُلم بذلك أنه ليس في المسألة دليل يمكن الاعتماد عليه في التحريم، إلا أنه عمل لا تقبله النفوس الكريمة، ولا يقدم عليه امرؤ ذو مروءة وشيمة. قال القرطبي: لو قام الدليل على جوازه كان ذو المروءة يعرض عنه لدناءته، وقال ابن حزم - وهو يرى الإباحة مطلقاً -: وليس في الأدلة ما يحرم تعمد الإنزال، فقد قال تعالى: ((وقد فصّل لكم ما حرم عليكم)) . وليس هذا مما فصل، فهو حلال، إلا أننا نكرهه، لأنه ليس من مكارم الأخلاق ولا من الفضائل، والله تعالى أعلم.(13/179)
فعلت العادة السرية وأنا صائم
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/هموم الشباب
التاريخ 17/09/1425هـ
السؤال
فعلت العادة السرية في نهار رمضان ناسياً أني صائم. فلما انتهيت تذكّرت أني صائم، فماذا عليّ؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
يحرم على المسلم استعمال العادة السرية في رمضان وفي غيره؛ لقوله تعالى: "والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون". والذي يعمل العادة السرية ابتغى وراء ذلك فهو عادٍ، وإذا فعلها المرء في أي وقت فإن عليه التوبة، وذلك بالإقلاع والندم على ما فرط منه، والعزم على أن لا يعود. والله تعالى يتوب على من تاب.
وإذا كان فعله هذا في نهار رمضان وهو صائم فعليه مع التوبة قضاء ذلك اليوم، ولا يلزمه سوى ذلك، فلا يلزمه كفارة لهذا الفعل؛ لأن الكفارة تلزم بالجماع الذي يحصل به إيلاج.(13/180)
أضرار العادة السرية ووسائل علاجها
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز المجيدل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/هموم الشباب
التاريخ 7/2/1423
السؤال
أنا شاب أبلغ من العمر تسع عشرة سنة، وكنت أمارس العادة السرية منذ أن بلغت، ولم أكن أعلم بحرمتها ولا مضارها إلا منذ زمن قريب، وبعد ذلك حاولت التخلص منها بشتى الوسائل، ولكن دون جدوى، فكرت في الزواج، ولكن حالتي المادية لم تسمح بذلك فأنا أمتلك القوة الجسمية أما المالية فلا. بدأت أبحث عن المواقع الإباحية في الإنترنت، وكلما خرجت منها أو استخدمت العادة السرية بكيت ودعوت الله بالمغفرة، ولكن سرعان ما أرجع إليها في اليوم التالي، مستواي الدراسي انخفض وآثار العادة بدأت تظهر علىَّ، وأملي فيك كبير بعد الله أن تخلصني من هذه المشكلة -وجزاك الله خيراً.
الجواب
أخي الكريم قرأت رسالتك، وآلمني ما أصابك، واعتصر قلبي وأنا أقرأ حزنك من وقع الكلمات -أعانك الله وربط على قلبك-، وقد أدركت معاناتك، وإليك الجواب:
أولاً: أن تعلم أن ما أصابك من الذنوب هو مقدر عليك، ولعل ذلك بسبب تقصيرك في أمر ربك، وذلك أن تكون عقوبات لذنوب سبقت أو لتقصير في حمل النفس على الطاعات.
ثانياً: أنت على خير -إن شاء الله- في محاولاتك، وحزنك، وتألمك على ما حصل منك، وهذا يدل على إيمانك ورجائك لما عند الله، وخوفك من عقابه.
ثالثاً: أنت قادر وتملك جميع الوسائل لإصلاح نفسك، وإياك أن تعتقد أن محاولاتك السابقة الفاشلة أفقدتك القدرة، فإن الشيطان يريد منك أن تصل إلى مرحلة اليأس من صلاح حالك، وعند ذلك تفرح عدوك على نفسك.
رابعاً: منهج التغيير أنت وصلت إلى هذا المنحدر بالتدرج، فالصعود إلى القمة سيكون بالتدرج أيضاً، أغمض عينيك واسترخِ في مكان خالٍ، وقل في قرارة نفسك أنا قادر على إصلاح نفسي، أنا رجل، ولدي القدرة على النجاح (عشرين مرة) يستوطن في عقلك الباطن قدرة تخرج عقدة الفشل، وغير حالك ونظامك في جميع ساعات الاستيقاظ، ابتعد عن الإنترنت، وقل:"سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِيْ الْجَاهِلِيْنَ" [القصص:55] ارتبط بعمل يشغل وقت فراغك سواء في أمر دين أو دنيا، صارح نفسك، وخاطب عقلك كم مرة فعلت هذه الفعلة، وكانت البداية شهوة فأصبحت عادة مالكة لك تقوم بها بلا لذة، فأصبحت عبداً لها، فهل يفعل العاقل ما يضره ولا ينفعه؟ كنت تمارسها وأنت ثائر تغالبك الشهوة، واليوم عادة تسيرك فتمارسها فتدفعك إلى مثلها، وهكذا تدور في حلقة مفرغة، تذكر اللذَّات الماضيات، هل تسعدك الآن أم تشقيك؟ فهل من العقل والحكمة أن يفعل ما يندم المسلم عليه في الدنيا قبل الآخرة، فالصبر عن الشهوة أيسر من الحزن ومعالجة التوبة.(13/181)
أخي أراك تسكب الزيت على النار، وتقول: لماذا تشتعل هذه النار، كيف تقوم باستدعاء المواقف والصور من خيالك وأرشيف عقلك وتتلذذ بذلك فيعظم سلطان الشهوة ويثور بركان الرغبة لهذه الفعلة -سبحان الله- ما هكذا يكون العلاج إذا مر بخاطرك مشهد يؤثر عليك فاقطع حبل الخيال، وقم واخرج من المكان، واعمل ما يصرفك كأن تتصل بالهاتف أو تخرج بالسيارة، وأما مشاهدتك للصور عبر الإنترنت فهذا يحتاج إلى استئصال، غض بصرك عن النظر إلى من تحب، ولا تغشى المواقف التي تستثار فيها شهوتك كالأسواق، وأمام المدارس، أو في مدرستك، أو في المناسبات، احرص على قراءة القرآن، وطول المكث في المسجد، والمبادرة إلى الصلاة، وكثرة زيارة المقابر وتشييع الموتى، وحاول أن تربط نفسك بالصالحين من عباد الله الذين تجد في أخلاقهم حُسْناً، أكثر من ذكر الله في خلوتك، وصل على محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأكثر من ذلك.
وهناك وسائل خاصة جداً:
لا تأوِ إلى الفراش إلا إذا غلبك النوم، لا تنم وحدك، ولا تجلس في الحمام إلا بقدر الحاجة، وادخل وأنت خائف، فإذا خرجت وسلمت فافرح، واحمد ربك، ولا تلبس من السراويل ما فيه فتحة من الأمام، ولا تنم إلا على طهارة وعلى جنبك الأيمن، ولا تنم على بطنك، والبس من السراويل ما هو واسع، وإياك والضيق والقصير، وابتعد عن جميع الكتب والمجلات والصور والمحالّ التي تذكر بما فيك، وإياك والتحدث للآخرين عن عملك، واستتر يستر الله عليك.
وإني أختم رسالتي إليك بآية من كتاب الله، وحديث من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال الله -تعالى-: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِيْنَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوْا مِنْ رَحْمَةِ اللَهْ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيْعَاَ" [الزمر:53] ، بل يبدلها لك حسنات -إن صدقت توبتك-، "وَالَّذِينَ لا يَدْعُوْنَ مَعَ اللهِ إِلهاً آَخَرَ وَلا يَقْتُلُوْنَ النَّفْسَ الَّتِيْ حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحقِّ ولا يَزْنُونَ ومَنْ يَفْعَل ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً" إلى قوله "إلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وعَمِلَ عَمَلاً صَالحِاً فَأُولئِكَ يُبِدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِم حَسَنَاتٍ وكَانَ اللهُ غفُوْرَاً رَحِيْماً" [الفرقان:68-70] .
وأما الحديث فهو بشرى لك ما دمت تجاهد نفسك.
ولفظه: "أذنب عبد ذنباً، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي ربِ اغفر لي ذنبي، فقال الله -سبحانه-: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي ربِ اغفر لي ذنبي، فقال الله: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت، فقد غفرت لك" أخرجه مسلم (2758) .
والله أسأل أن يحفظك من نفسك والشيطان، ويقر عينك بالاستقامة على الصراط المستقيم.
ملاحظة: في حكم استعمال العادة السرية خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنها مباحة، وقال آخرون: إنها مكروهة، وقال جمع: إنها محرمة، والراجح أنها مكروهة وعند الاضطرار إليها، فهي في حكم المباح، لكن الإدمان عليها له عواقب سيئة جداً.(13/182)
المختبر يسمع بداية الإجابة
المجيب د. عبد الله بن عبد الله بن عبيد الزايد
مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/هموم الشباب
التاريخ 18/4/1424هـ
السؤال
في بعض الاختبارات يكون الطالب عارفاً للمعلومة بجميع تفاصيلها، ولكنه لا يتذكرها إلا إذا سمع بداية الجواب، فهل إذا سمع أحد الطلبة يعطي لآخر الإجابة، وبذلك يكون قد تذكر بداية الجواب، وبه يستطيع أن يكمله؛ فهل يكتب الجواب أم يترك السؤال دون إجابة، علماً أنه يعرفه ولكنه نسي مقدمته؟ والجواب يجب أن يكون متكاملاً بتفاصيله وإلا كانت الإجابة خاطئة، فالسؤال مترابط بعضه مع بعض. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد: فالجواب: طالما لم يكن لك سبب في أخذ المدخل إلى جوابك، وأن ما سمعته لا يعدو أن يكون جملة بسيطة مثلا، وأن السائل على علم بها لكنه نسي هذه الجملة، طالما الأمر كذلك؛ لا أرى من حرج من هذه الاستفادة من التذكير بها على نحو السؤال والله أعلم. وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.(13/183)
استلام وإرسال الصور الخليعة
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/هموم الشباب
التاريخ 15/10/1423
السؤال
1) ما هو الحكم الشرعي في استلام وإرسال الصور الخليعة أو المواضيع الساقطة؟
2) هل يجوز إعادة إرسال البريد المستلم إلى غيرك من الشباب من غير قراءته؟
3) ما هو حكم نشر ونقل عناوين لمواقع مفيدة ولكنها تحتوي في نفس الوقت على عناوين لمواقع إباحية؟ وما هو الضابط في نشر العناوين؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
(1) لا يجوز استلام وإرسال الصور الخليعة أو المواضيع الساقطة، وكذلك جميع المواضيع المشتملة على أمور محرمة من شبهات وشهوات، ومن فعل ذلك فهو شريك في الإثم وقد قال -سبحانه-:"ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة:2] .
(2) إعادة إرسال البريد في الأصل جائز إذ الأصل حسن الظن بالآخرين ولا يضر إذا كان البعض يستخدمه استخداماً سيئاً، إلا إذا علم أن الأغلب هو كذلك، أما قراءته فلا تجوز إلا بإذن صاحبه، والأصل في البريد الخصوصية وقراءته والحال كذلك هي من قبيل التجسس المنهي عنه في قوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا" [الحجرات: 12] .
(3) الضابط في كل ذلك هو غلبة المصالح على المفاسد فإذا تم ذلك وتعينت المصلحة وكانت المفسدة مظنونة أو أقل تُحُمِّلت المفسدة الدنيا لأجل المصلحة العليا، فيكون الأمر مباحاً، فإذا كانت الدلالة على المواقع الخيرة هي الأصل فإن ذلك داخل في قوله -عليه السلام-:"الدال على الخير كفاعله" رواه الإمام أحمد (22360) ، والترمذي (2670) ، وتحمل الضرر اليسير لأجل النفع الكثير، إذا لم يمكن فصلهما، أما في حال غلبة المفسدة فلا يجوز وهو من الدلالة على الضلالة الداخل في قوله -عليه السلام-:"ومن دل على ضلالة كان عليه إثم من تبعها" مسلم (2674) أما إذا اشتبه الأمر فالأولى تركه لأن منع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(13/184)
ما يستفيد منه الميت من عمل الحي
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 16/3/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي: ما هو الشيء الذي أقوله أو أعمله، ويستفيد منه والدي المتوفى -رحمه الله-؟ أرجو منكم إرسال أمثلة عن بعض تلك الأمور.
ولكم جزيل الشكر.
الجواب
أهم شيء يعمله الإنسان، أو يقوله هو: الدعاء له، "رب اغفر لي ولوالدي" [نوح: 28] ، "رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" [الإسراء: 24] ، وما شابه ذلك من الأدعية، وأما العمل فما ورد فيه الدليل هو الحج والعمرة، والصدقة، وصلة الرحم التي توصل عن طريقهما، وإكرام صديقهما، هذه هي الأعمال التي يقوم بها الولد براً بوالده أو والدته، والله أعلم.(13/185)
حقوق المحرم من الرضاعة
المجيب د. علي بن عبد الله الجمعة
رئيس قسم السنة وعلومها بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 26/1/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
هل زيارة المحرم من الرضاع واجبة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فأقول وبالله التوفيق:
ليست زيارة المحرم من الرضاع واجبة بل هي مستحبة، كغيره من الأقارب غير الرحم، أما إن كان المرضع من ذوي الرحم فصلته وزيارته واجبة، لكونه من ذوي الأرحام حيث جاء التأكيد على صلة الرحم والذم على قطيعتها قال تعالى:"والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل" [الرعد: 21] ، وقال تعالى:"وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض" [الأحزاب: 6] ، وكما جاء في الحديث:"إن الله قال للرحم لما عاذت به أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك" البخاري (4832) ، ومسلم (2554) ، وقال الله تعالى في ذم القطيعة: "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم" [محمد: 21] ، أما إذا كان المرضع ليس من ذوي المحارم فزيارته مستحبة، وكذا صلته وبره بما له على الرضيع من الفضل والإنعام إذا كان متبرعاً، أما إذا كانت الظئر وزوجها يأخذان أجراً مقابل إرضاعهما فنعمتهما وفضلهما أقل، ولكن تثبت لهما بذلك المحرمية إذا كان الرضاع في الحولين وبلغ خمس رضعات، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/186)
تمنع أبناءها من زيارة إخوانهم
المجيب هتلان بن علي الهتلان
القاضي بالمحكمة المستعجلة بالخبر
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 27/3/1425هـ
السؤال
أنا امرأة متزوجة من 21 سنة، وزوجي لديه زوجة أخرى من بلد آخر، ولدي أبناء، وكذلك زوجته الثانية، ولكن مع الأسف أن أولادي لا يلتقون بإخوانهم من أبيهم؛ وذلك بسبب أن زوجة أبيهم تمنع أولادها من زيارتنا، وكذلك لا يريد أبنائي زيارتهم، في السابق كان أولادي يذهبون بين الحين والآخر.
مع العلم أنها هي أيضا لا تزور أهل زوجي ومنقطعة عن جميع الناس. ودائما تظن أن الجميع يريد أن يؤذيها، مع أننا -والله العالم- عندما كانوا يأتون لزيارتنا سابقا كنا نكرمهم ونهديهم الهدايا ونعاملهم أحسن معاملة.
فهل يجوز لها منع الإخوان من رؤية بعضهم؟ وهل يأثم زوجي بالرضوخ لها؟ وهل يعتبر هذا قطع رحم؟ مع العلم أن أولادي بعضهم أكبر من أولادها. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(13/187)
فإن صلة الرحم واجبة، - كما دلت على ذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية-؛ قال الله -تعالى-: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ" [محمد:22] ، وفي الصحيحين البخاري (4832) ، ومسلم (2554) ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إن الله - عز وجل- خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة؟ قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك" ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقرؤا إن شئتم: " فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" [محمد:22-24] ، وفي الصحيحين البخاري (5984) ومسلم (2556) عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يدخل الجنة قاطع"، قال ابن أبي عمر: قال سفيان: يعني قاطع رحم، فالواجب عليك وعلى الزوجة الثانية أن تسعيا بما يعين أولادكما على صلة بعضهم لبعض، وألا يتهاجروا أو يتدابروا أو يتقاطعوا، فمهما طال الزمان أو قصر فهم إخوة من الأب، كما أنه يجب على الزوج أن يأمر أولاده بأن يصل بعضهم بعضا، ويسلم بعضهم على بعض، ويتصاحبوا ويتزاوروا ولا يتقاطعوا، فإن حصل من بعضهم ذلك فهو منكر يجب على الأب أن يغيره ما استطاع وبحسب طاقته، وألا يسكت عليه ولا يقره، بل ينصح أولاده، ويأمرهم بالصلة ويحملهم على ذلك، كما أنه لا يجوز للزوجة الثانية أن تمنع أولادها من زيارة أولادك والاختلاط بهم، ولكن لعل في ذهنها شيء أو في قلبها عليك شيء، ولعلك تذهبينه بإهدائها والإحسان إليها والتودد لها، فإن الهدية تذهب غل الصدور، وتزيل وحشة القلوب، وتقرب النفوس، وتزيد المحبة، وتعظم الألفة؛ كما أخبر بذلك الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم- حين قال: "تهادوا تحابوا" رواه مالك (1685) والبخاري في الأدب المفرد (463) .
وفقك الله وزوجك وذريتكما لكل خير، وجمع قلوبكم على طاعته ومرضاته؛ إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(13/188)
هل أصل أقاربي وعندهم القنوات الفضائية؟
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 9/11/1422
السؤال
مشكلتي أن معظم أقاربي لديهم الدش، وأنا أخاف على أبنائي، وأخاف على علاقتي بأهلي، والزيارات عادة تكون طويلة، فكيف العمل؟ هل أمتنع عن زيارتهم حيث المناصحة لم تنفع؟
الجواب
عليك أن تزور أقاربك وتصل رحمك وتنصحهم عما يشاهدونه من قنوات لتلتزم بآداب الإسلام وأخلاقه، وتكون زيارتك ليست في الأوقات التي يكون فيها أقاربك يطالعون هذه الدشوش، ويعرّضون أهلك أو أولادك لمطالعتها، فتزورهم في الأوقات التي لا يكون فيها مثل عرض تلك الأفلام والقنوات التي لا تتفق مع أحكام الإسلام، واحرص على نصيحتهم ودعوتهم إلى الخير.(13/189)
صلة الرحم غير المحارم
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 24/1/1424هـ
السؤال
كيف تكون صلة الرحم بين الرجل وبنات عمه، حيث أنه ليس محرماً لهن؟
الجواب
نعم ابن العم، وابن الخال ليسا من المحارم وإن كانا من أولي الأرحام ومن الأقارب، ويعتبران أقارب للإنسان ويجتمع الإنسان مع قريبه برحم من الأجداد، وصلة الرحم لا تستدعي أن الإنسان يختلط ويخلو بمن ليست من محارمه كبنت العم، فإنها وإن كان بينها وبينه رحم وتجب صلتها؛ إلا أن هذا لا يبيح له أن يخلو بها، أو أن ينظر إلى شيء من بدنها فإنها أجنبية منه من حيث العورة لكن يصل رحمه بمثل هؤلاء النساء بالإحسان إليهن وبزيارة بناته وزوجته لهن، وإذا كان عنده هدايا أو أشياء ونحوها أو مناسبات فإنه يدعوهن لحضور مناسباته في منزله للاجتماع مع نسائه، لا أن يجتمع هو معهن، ولا بأس أن يسلم عليهن من وراء حجاب من دون اختلاط بهن، أو أن يُسلّم بالهاتف أو غيره للاطمئنان على صحتهن ونحو ذلك.(13/190)
صلة زوجة الأخ
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 19/6/1424هـ
السؤال
هل زوجة الأخ تعتبر من الرحم؟ أي هل هي من صلة الرحم التي يجب عليّ أن أصلها، حيث إنه حدثت مشكلة بيني وبين زوجة أخي، وأنا الآن لا أكلمها هل هذا يعني أني قاطع رحم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
نقول: زوجة الأخ ليست من ذوات الأرحام، فذوو الأرحام الذين تجتمع أنت وإياهم برحم واحدة من أب، أو أم أو جد، أو جدة، لكن أولادها هم أولاد أخيك، فهم من ذوي رحمك، وأما زوجة أخيك فليست من ذوي الأرحام.
وأحب أن أنبه في هذه المناسبة أن الإنسان ينبغي له أن يبتعد عن الخلوة بزوجة الأخ، وأخت الزوجة ونحوهم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو، والحمو هو: قريب الزوج-، قال:"الحمو الموت" رواه البخاري (5232) ، ومسلم (2172) ، من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- فينبغي للإنسان أن ينتبه لهذا، فلا يكون حديثه مع زوجة أخيه، أو يخلو بها أو شيء من هذا، ليس له الحق في شيء من ذلك، ولا يجوز له، أما إذا كان حديثاً من وراء حجاب بالهاتف أو من وراء حائل أو بحضور محرمها بدون ابتذال وكلام يحتاج إليه لتوضيح أمر، أو كلام ونحوه من دون خضوع من المرأة بالقول ونحوه فلا بأس، والله أعلم.(13/191)
بر الوالدين بتسمية الأحفاد عليهما
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 22/5/1424هـ
السؤال
هل تسمية المولود أو المولودة باسم الأب أو الأم خاصة وأنهما قد توفاهما الله إلى رحمته (يعتبر براً بالوالدين) ؟
الجواب
هذا لم يرد فيه شيء في الشرع ولا في السنة النبوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن لا شك أن كون الإنسان يسمي باسم والده أو والدته قد يكون ذلك أدعى إلى أن يتذكر والديه وأن يقوم بالدعاء لهما، فإن كانت تترتب عليه هذه المصلحة فالأولى أن يسمي باسميهما، والله أعلم.(13/192)
تسمية الأولاد وبر الوالدين
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 15/5/1424هـ
السؤال
هل من بر الوالدين أن يسمي الابن ولده على اسمهما؟ وهل يعتبر عصيانا لهما أن لا يمتثل لطلبهما؟
الجواب
الوالد والوالدة يجب برهما، ومن البر بهما أن يستجيب الولد لمطالبهما في غير معصية الله.
فإذا كان الوالد يرغب أن يسمي ابنك باسمه فهذا من البر به، لأنك أطعته وجبرت خاطره وطيبت نفسه، وكذلك الوالدة إذا كانت ترغب في تسمية البنت باسمها فاستجبت لطلبها فهذا من البر بها والإحسان، والله ولي التوفيق.(13/193)
صلة الأصدقاء الطيبين
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 11/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم، هل يدخل في صلة الرحم صلة الأصدقاء الطيبين؟ حيث إنهم من أهل القرآن والصلاح، وقد انشغلت عنهم، فهل يأثم تارك صحبتهم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
صلة الأصدقاء الطيبين لا تدخل في صلة الرحم، وإنما تدخل في باب الحب في الله والبغض في الله، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله" أخرجه الطيالسي (783) ، وأحمد (18524) ، وغيرهما من حديث البراء -رضي الله عنه-. بأن تحب المرء لأنه مطيع لله وتكره الآخر لأنه عاص لله، وصلة أصدقاء الوالدين بعد موتهما من باب بر الوالدين، بل من أبر البر كما روى عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخرجه مسلم (2552) وغيره.(13/194)
صلة الأم المخطئة
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 5/7/1424هـ
السؤال
والدتي يا شيخ تركتنا منذ ثلاث أو أربع سنوات، وذهبت إلى منزل أهلها، في منطقة تبعد عن مدينتنا أكثر من 800كيلو، ورغم محاولات والدي الجادة لإرجاعها لكنها رفضت بشدة، وبعد عدة محاولات وافقت أن ترجع إلى البيت بعد مدة دامت أكثر من سنتين، وجلست تختلق المشاكل في البيت حتى عجز والدي عن تحمُّل ذلك وحصل الطلاق بعد رجوعها إلى البيت لمدة شهرين، ولم نجد منها أي بر منذ ولادتنا، ونحن خمسة أولاد وبنات، ونحن نذهب إليها ولا نجد استقبال الأم لأبنائها، ولا نجد أي سؤال منها، فما الواجب علينا فعله؟ وهل يكفى مكالمتها هاتفياً فقط أم يجب زيارتها؟ مع العلم أنها الآن في المدينة التي نسكن فيها، نريد جواباً شافياً وبأسرع وقت. جعل الله ذلك في موازين حسناتك.
الجواب
إن أمكم قد حملتكم في بطنها تسعة أشهر، كل واحد منكم بقي في بطنها تسعة أشهر، وهي تحملكم في داخل أحشائها تتحمل ما ينالها من آلام ثم جاء الطلق ولسان حالها يقول: ياليتني مت قبل هذا، وعندما خرجتم من بطنها ثم تحملت أذاكم وأوساخكم وقامت بنظافتكم وتغذيتكم والحنان عليكم، وبعد أن وصلتم إلى هذا السن صرتم تسألون: هل يكفي مكالمتها؟
هذا نوع من قطيعة الرحم، وحق الأم حق عظيم، فالوالدان كلاهما لهما حق عظيم، والأم أولى بالبر من الأب، فالواجب عليكم أن تحسنوا إليها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين" رواه البخاري في الأدب المفرد (2) والترمذي (1899) والحاكم في المستدرك (7331) والبيهقي في الجامع لشعب الإيمان (7445) واللفظ له من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما- وقال عليه الصلاة والسلام: " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات" رواه البخاري (2408) ، ومسلم (593) من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يدخل الجنة قاطع" يعني: قاطع رحم. والحديث رواه البخاري (5984) ، ومسلم (2556) من جبير بن مطعم - رضي الله عنه -.(13/195)
والله تعالى يقول: "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمي أبصارهم" [محمد: 22 - 23] ، فالواجب عليكم أن تحسنوا إلى أمكم بكل ما تستطيعون من الزيارة وتقديم الهدايا، والتلطف معها بالكلام، وحسن الأدب، ولا تملوا ولو كانت هي لا تسأل عن حالكم ولا تلقي لكم بالاً، فقد أدت دورها وبقي دوركم أنتم، فقوموا بما يجب عليكم واستحوا من الله حق الحياء، والله - تعالى - يقول: "أن اشكر لي ولوالديك" [لقمان:14] ويقول: "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً" [الإسراء:24] فلا بد أن تتأدبوا مع أمكم ومع أبيكم وأن تكونوا ممن يرد الإحسان بالإحسان، ولن تجزوا أمكم حقها مهما عملتم لكن من أحسن فإن الله - جل وعلا - يحفظ له حقه ورحمة الله واسعة، والله تعالى يقول: "وبالوالدين إحسانا" [البقرة:83] بلا حد ولا حجز، فالإحسان مستمر بكل أنواعه نسأل الله - تعالى - للجميع الهداية والصلاح والفلاح.(13/196)
أنشأ موقعاً على الأنترنت لأهل قريته، ويطلب التوجيه
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 9/8/1424هـ
السؤال
بماذا تنصحون من افتتح موقعا على الشبكة لأهل قريته؛ للتواصل بينهم والتشاور في الصالح العام.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن إنشاء مثل هذه المواقع لأجل التواصل هو مما أمر الله به وجعله من سيما المؤمنين كما قال سبحانه: "والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل" [الرعد: 21] .
كما أن فيها إعانة لصلة الأرحام، وقد قال- صلى الله عليه وسلم -: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه" رواه البخاري (6138) ، ومسلم (47) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- كما أن فيها بذل المعروف والتعاون على البر والتقوى والدلالة على الخير والتحذير من الشر، والأقربون هم أولى الناس بذلك، وقد قال سبحانه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - "وأنذر عشيرتك الأقربين" [الشعراء: 214] وقال عليه الصلاة والسلام: "الأقربون أولى بالمعروف".
فإذا أسست هذه المواقع لهذه الأهداف الخيرية، وقصد بها وجه الله تعالى فلا شك أنه عمل صالح يتقرب به إلى الله تعالى، فمن خلال هذا المنبر الإعلامي يتواصل أهل القرية الواحدة والأسرة الواحدة، وتحصل معرفة بعضهم ببعض، فتحصل التهاني والتعازي والصلاة على الموتى والدعاء لهم، وكذلك معرفة المرضى وزيارتهم، وكذلك اجتماعات الأسرة والقرية، كما يحصل الحث على إعانة المحتاجين ونصيحة الغافلين والتسابق إلى الخيرات.
وإني أهيب بالإخوة الخيرين الذين أنعم الله عليهم بالقدرة على إنشاء تلك المواقع أن يأخذوا بزمام المبادرة، وقد قال عليه الصلاة والسلام "ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة".
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(13/197)
تساؤل حول الصندوق التعاوني للقبيلة
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 10/05/1425هـ
السؤال
نحن أبناء قبيلة تضم حوالي ثلاثة آلاف عائلة، اجتمعنا لإنشاء صندوق للتكافل الاجتماعي، حيث تدفع كل عائلة سنوياً مبلغاً محدداً من المال، حتى تستفيد من خدمات الصندوق، والتي منها دفع نصف دية القتل الخطأ، والتعويض على حرائق البيوت، وإعانة مرضى الفشل الكلوي، والأفراح الجماعية، ونحو ذلك، إلا أن هناك بعض البنود الخاصة تحتاج إلى رأي الشارع فيها، وهي أنه في حالة أخذ العائلة المشتركة في الصندوق للدية من قبيلة أخرى فإن للصندوق أن يخصم نسبة خمسة وعشرين في المائة منها لصالح الصندوق؛ حتى يتمكن من تأدية نصف الدية إذا طلبت من القبيلة؛ لأنها ستعامل بالمثل من القبائل الأخرى.
وكذلك الحكم في التعويضات التي تأخذها العائلة من القبائل الأخرى. ثم إن هذا الصندوق يستفيد منه المنتسبون إليه دون غيرهم، فهل هذا جائز أم لا؟ أفتونا مأجورين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
كل تحالف على خير وبر وتقوى وتكافل اجتماعي فإن الإسلام يؤيده ويحث عليه، وفي هذا ومثله يقول الحق -سبحانه وتعالى-:"وتعاونوا على البر والتقوى" [المائدة: 2] ، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حلف الفضول الذي وقع بين بني هاشم وتيم وزهرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ للمظلوم من الظالم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"شهدت حلفاً في دار جدعان بنو هاشم وزهرة وتيم وأنا فيهم ولو دعيت فيه لأجبت، وما أحب أن لي به حُمر النعم" رواه الطحاوي في مشكل الآثار (5216) ، والبيهقي في السنن الكبرى (12251) .
بيد أن هناك بنداً يحتاج إلى نظرٍ وتفصيلٍ، وهو خصم نسبة خمسة وعشرين في المائة من الديات والتعويضات التي تأخذها العائلة من القبائل الأخرى، وخلاصة ذلك أن الدية تدخل في حكم الإرث، فإن كان الورثة قُصّر، أو فيهم من هو من القُصّر لم يحز الأخذ من حقهم، وإن كانوا راشدين فلا بأس والحالة هذه، وكذلك يدخل في الحكم التعويضات إذا كان لها حكم الإرث.(13/198)
هل يسدد الدين عن جده؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 1/07/1425هـ
السؤال
السؤال هو أن جدي توفي -عليه رحمة الله-، وترك ابنين وبنتين هما عماتي، وكان عليه ديون لبنك التنمية في بلدنا، وتم تقسيم الدين على الأولاد، منهم والدي، فهل أسدد الدين عن جدي -بارك الله فيك-، خاصة وأن صاحب الدين موقوف. جزاك الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
لا يجب على الأولاد من بنين وبنات تسديد دين والدهم، إلا إذا ترك مالاً، فلا يجوز لهم أن يقتسموا منه شيئاً حتى يسددوا الدين، وإذا تبرع الأولاد أو الأحفاد -وأنت منهم- بتسديد الدين فذاك من البر بالمُتوَّفى،، ويشكرون عليه، وسواء سددوه جماعياً بالتساوي بينهم، أو بالتفاوت، أو سدده واحد منهم كما إذا سددته وحدك. والله أعلم.(13/199)
هل يحجرون على والدهم؟
المجيب هتلان بن علي الهتلان
القاضي بالمحكمة المستعجلة بالخبر
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 26/3/1425هـ
السؤال
أعيش أنا وإخوتي ووالدتي مع أبينا، وهو شخصية ظالمة, دكتاتوري في جميع تصرفاته, يصر على اختلاق المشاكل معنا دائما، ولا يكتفي بذلك فقط، ولكنه يعمد إلى الفضائح ولا يراعي مشاعرنا، ويصر على إقحام الناس في هذه المشاكل، ومن يحضر ويشاهد مشاكلنا التي يصل فيها إلى الضرب المبرح يقسم على أنه شخص مختل، ولكنهم يخافون مواجهته وإخباره بذلك، مع العلم أننا نحن أبناءه -ولله الحمد- كل من يرانا أو يصاحبنا يحبنا، وقد وصلنا رغم ذلك لمراتب جيدة جداً في دراستنا، فأنا أدرس الطب، وأخي الكبير طبيب، والآخر مهندس، ولكن كل هذا لا يعجبه.
سؤالي: هل يحق لنا بأن نرفع عليه قضية حجر أو سفه, خصوصا أنه مؤخراً سبب لنا الكثير من الفضائح والألم النفسي أمام الناس، ويوجد الكثير من الشهود على تصرفاته المشينة معنا، والتي دائما تكون من غير سبب معروف، وإذا كان يصح لنا أن نرفع عليه قضية لمن يجب أن نذهب؟! وماذا علينا أن نفعل؟ أفيدوني وأنقذوني، وجزاكم الله كل الخير.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن الواجب على الأولاد أن يبروا آباءهم وأمهاتهم، وأن يحسنوا إليهما، ويبذلوا المعروف لهما، فإن حق الوالدين على أولادهما كبير كما لا يخفى، قال تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) [الأحقاف: من الآية15] ، وقال أيضاً: "وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" [لقمان:14-15] ، فهذا في حالة ما لو أرادا من أولادهما الشرك بالله، وجاهداهم على ذلك، فإنهم لا يطيعونهما، ولكن يجب عليهم في هذه الحالة أن يصاحبوهما في الدنيا معروفاً، فكيف لو أصاب الولد من والديه أذى بدنياً أو نفسياً أو اجتماعياً، وليس بديني، فالصبر عليه أولى، ومصاحبة الوالدين معه معروف أوجب، فإن الوالدين هما سبب وجود الولد، ورضا الله من رضا الوالدين ...(13/200)
فاحذر -يا أخي أنت وإخوانك- من عقوق والدكم، ولا يسوغ لك أن تصف أباك بهذه الأوصاف السيئة، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس وقال: ألا وشهادة الزور ... " الحديث رواه البخاري (5976) ومسلم (87) من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-، بل إن الله حرم أن يقول الولد لأحد والديه كلمة "أُفٍّ"، فكيف أن يقول أو يفعل بهما أو بأحدهما أعظم من ذلك، قال عز وجل: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً" [الإسراء:24-25] ، هذا هو أدب القرآن، وهذه تربية الإسلام، وتلك حقوق الوالدين فارعها حق رعايتها، وقم بأدائها حق قيام؛ تجد خيراً تفوز به في الدنيا والآخرة، وإن كان ما ذكره السائل عن والديه صحيحاً فقد يكون سبب تصرفات الأب المذكورة هو الأولاد، فقد تكون معاملتكم لوالدكم سيئة، أو أنكم تقصرون في حقه، أو لا تعطونه ما يحتاج من نفقة، أو لا تحسنون معاملته، أو لا تحترمونه وتجلونه وتقدرونه، ولذلك أصبح يعاملكم تلك المعاملة القاسية لسوء صنيعكم به، ولهذا فإني أنصحك - أيها الأخ السائل وفقك الله- أن تحسن لوالدك، وتقابل إساءته لك - إن صدرت منه- بالإحسان، والدعاء له بالمغفرة، والعفو والرحمة، ولا تنس أن تهديه بين الفينة والأخرى؛ فالهدية تقرب القلوب، وتذهب الشحناء، وتزيل البغضاء من النفوس، وقم بخدمته وقضاء حوائجه بطيب نفس وطلاقة وجه، وقبِّل رأسه، وقدمه في المجلس ولا تتقدم عليه في دخول أو خروج، أو أكل أو شرب، وشاوره فيما تقدم عليه من أمورك الخاصة، وسوف تجد محبة والدك لك - إن شاء الله- ولإخوتك، وتذهب تلك السلوكيات التي تتضايق أنت وإخوانك منها.
أما إن كانت تصرفات والدك لا تصدر من العقلاء بمعنى أنها تصرفات ناقصي العقل أو فاقديه، فيجب عليك أنت وإخوتك الذهاب بوالدكم لإحدى المستشفيات النفسية أو المصحات العقلية لعلاجه ... وبناء على ما يتقرر لدى الأطباء المختصين يمكن اتخاذ ما يلزم من قبلكم حيال طلب الحجر عليه أم لا ... علماً بأن طلب الحجر على أبيكم من اختصاص المحكمة الشرعية.
وفقك الله وإخوتك لبر والديكم ورزقكم الصبر والاحتساب، وهداكم صراطه المستقيم، وتاب علينا وعليكم إنه هو التواب الرحيم، والله أعلم، وصل الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(13/201)
ذوو الأرحام الذين تجب صلتهم
المجيب راشد بن فهد آل حفيظ
القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 25/5/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من المعلوم في ديننا أهمية صلة الرحم، فمن هم أقاربي الذين يجب عليَّ صلتهم بالتفصيل؟ هل يشمل ذلك العمات والخالات وأولادهن، وإلى أي مدى؟ وهل يلزم أولادي ما يلزمني تجاه أقاربي؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالجواب: أن القريب الذي تجب صلته هو كل قريب وإن بعد، ولكن كلما كان أقرب كانت صلته أوجب وآكد. هذا أولاً.
ثانياً: أن وجوب الصلة كغيره من الواجبات مشروط بالاستطاعة، قال تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن: 16] وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم" رواه البخاري (7288) ، ومسلم (1337) .
ثالثاً: أن صلة الأرحام يرجع فيها إلى العرف، وإلى ما اتبعه الناس في ذلك، فكل ما اعتبر صلة في العرف فهو من الصلة الواجبة، وهي تختلف من شخص لآخر حسب القرب والبعد.
وقد قلنا: إن المرجع فيها إلى العرف، لأنها لم تبين في الكتاب والسنة، فلم يبين جنسها، ولا نوعها، ولا مقدارها، ولم تحد بشيء معين، لكن قد ثبت في السنة أن الإحسان إلى صديقي الوالدين بعد موتهما من برهما، ونحو ذلك، وهذا رابعاً.
خامساً: أن من العلماء من حد القريب الذي تجب صلته بكل قريب يلتقي مع الشخص في الجد الرابع، سواء كان من جهة أبيه أو أمه. وعلى كل فالواجب على الإنسان الصلة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً بكل ما يسمى صلة، إذا كان مما أباحه الله. والله أعلم.(13/202)
الانحناء للوالدين
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 11/6/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
ماذا تقولون في الانحناء أمام الوالدين للمس أقدامهما بقصد طلب البركة منهما؟ هل يعتبر هذا من الشرك؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
لا شك أن هذا العمل فيه جملة من المحرمات:
الأول: طلب البركة، والبركة لا تطلب إلا من الله -عز وجل- ووضع اليد على الوالدين ليس سبباً لجلب البركة، والبركة إنما تطلب من الله -عز وجل-.
الثاني: كذلك في التحية لا يجوز الانحناء في دين الإسلام، فجاء في سنن الترمذي (2728) من حديث أنس - رضي الله عنه- أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "الرجل منا يلقى أخاه أينحني له؟ قال: لا، قال: فيقبله ويلزمه؟ قال: لا، قال: أيصافحه ويأخذ بيده؟ قال: نعم". هذه التحية في دين الإسلام وهي المصافحة والأخذ باليد، وماعدا ذلك فلا يجوز كالانحناء وغيره.
الثالث: أن في هذا الأمر تذللاً على هذا الصفة لا يجوز إلا أن يكون لله -عز وجل-.(13/203)
هل الحزن والألم ينافي الصبر؟
المجيب د. عبد العزيز بن محمد الحميدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الصبر
التاريخ 10/8/1422
السؤال
إذا كان الإنسان يعيش في محنة وهو راضٍ بما كتب الله له وينتظر الفرج، إلا أنه يحس بالألم أحياناً أو الحزن وقد تذرف عيناه الدموع، خاصة وأن من كان سبباً في هذه المحنة يعيش معه في نفس المكان إلا أنه يعامله معاملة حسنة ولا يصدر منه ما يسيء لهذا الإنسان لا بكلام ولا بتصرف.
السؤال: هل يعتبر هذا الإنسان صابراً، وهل ما يحس به من ألم أو حزن يتنافى مع الصبر؟ وجزاكم الله خيراً وأحسن إليكم.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وبعد:
الصبر أمره عظيم وثوابه كبير، وهو خلق الأنبياء والمرسلين وخلق عباد الله المؤمنين الصالحين. بل كل خير في الدنيا والآخرة فهو بالصبر منوط ومتصل. قال تعالى " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " وقال الله تعالى: " ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور "
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" الصبر ضياء ".
وقال الصديق أبو بكر: " الصبر نصف الإيمان ".
فوجب على كل مسلم التحلي والتخلق بالصبر ويتأكد الأمر بالصبر عند نزول المصائب وحلول الكوارث إيماناً بقضاء الله وصبراً على أقداره ورضاً به تعالى وبحكمه، مع انتظار الفرج ورجائه منه جل وعلا.
قال تعالى: " وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ".
أما الشعور بالحزن في القلب من جراء المصيبة والمحنة وبكاء العين فهذا لا حرج فيه، ولا ينافي - بحمد الله - الصبر والرضا، بل هو من آثار رقة قلب المؤمن والرحمة التي في قلبه، وقد حزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبكى عند وفاة ابنه إبراهيم كما في حديث أنس في صحيح البخاري، وقال - صلى الله عليه وسلم -: " إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلاّ ما يرضي الرب ".
وحزن كذلك وبكى لما بلغه قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة وهم قادة جيش المسلمين في غزوة مؤتة، ونعاهم - صلى الله عليه وسلم - على المنبر وهو يبكي وعيناه تذرفان وغير ذلك.
بشرط ألا يجزع المسلم ولا يسيء بربه الظن، وبشرط ألا يصدر منه كلام ينافي التوكل أو يظهر الجزع بالصراخ والعويل ولطم الخدود ونشر الشعور وشق الثياب.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله لا يؤاخذ بحزن القلب ولا بدمع العين ولكن يؤاخذ بهذا وأشار إلى لسانه أو يعفو ".
فرج الله عنا وعن هذه السائلة وعن إخواننا المسلمين في الأفغان وفلسطين وغيرها كل نائبة وجبر مصابنا وستر أحوالنا بمنه وكرمه والحمد لله رب العالمين.(13/204)
دعاء رفع البلاء
المجيب د. محمد بن تركي التركي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الصبر
التاريخ 28/11/1422
السؤال
في حال وقوع الظلم أو الابتلاء بمصيبة ماذا يفعل الإنسان؟ بمعنى ما هي الأحاديث الصحيحة حول ماذا يفعل المسلم عند وقوع الظلم عليه من حاكم أو سلطة، وهو غير قادر على رد الظلم غير اللجوء إلى الله - جل جلاله - وكذلك ما الأدعية المعروفة في ذلك؟
الجواب
قبل الإجابة عن السؤال أذكر أخي السائل بأمرين:
01 أن ما يقع للإنسان في هذه الدنيا من مصائب وظلم ونحو ذلك مما ورد في السؤال، أقول قد يكون بسبب من الإنسان نفسه، كما قال الله - عز وجل -:" وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفُ عن كثير " [الشورى:30] ، ويقول أحد السلف: إني لأجد أثر الذنب في خُلق امرأتي ودابتي. فعلى الإنسان أن يراجع نفسه وأفعاله، فقد تكون هذه المصيبة تذكيراً وواعظاً له.
02 أن الابتلاء بظلم أو مصيبة قد أصاب الأنبياء والصالحين وخير الخلق، وكان هذا رفعة لهم في الدنيا والآخرة، كما جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا أحب الله قوماً ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع " أخرجه الإمام أحمد [23623] بإسناد صحيح. وعلى الإنسان الذي لم يرَ في حياته شيئاً من الابتلاء أن يراجع نفسه ويحذر عسى ألا يكون ذلك استدراجاً، فما من أحد إلا وقد ابتلي على قدر إيمانه، كما ورد في الحديث عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهما - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أي الناس أشد بلاء؟ قال: " الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" أخرجه الترمذي (2398) والنسائي في السنن الكبرى (7439) ،وصححه الترمذي وابن حبان في صحيحه (2901.2900) والحاكم في المستدرك (128.127) .
أما الإجابة عن سؤاله ماذا يفعل الإنسان حال وقوع الظلم أو الابتلاء بمصيبة؟ فقد بيّن الله - عز وجل - ذلك في قوله -تعالى-: " الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون".
يقول سعيد بن جبير: ما أعطي أحد ما أعطيت هذه الأمة، ثم ذكر الآية السابقة وقال: ولو أعطيها أحدٌ لأُعطيها يعقوب، ألم تسمع إلى قوله: " يا أسفى على يوسف ". وعلى الإنسان أن يصبر ويحاول أن يصبّر نفسه ومن حوله وألا يجزع، ويتذكر ما أعد الله -عز وجل - للصابرين كما قال - تعالى-:" إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" ونحوها من الآيات.(13/205)
وأما الأحاديث التي يسأل عنها مما جاء في الصبر فهي كثيرة جداً. فمن ذلك ما ورد في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:" عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ". وفي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر ". وفي الصحيحين أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه ".
وعليه أن يتذكر الحديث الصحيح عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله -تعالى-:" إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها ". قالت أم سلمة: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة! ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم" - أخرجه مسلم.
وأما ما ذكره من وقوع الظلم عليه من حاكم أو سلطة فالجواب عليه داخل في ما تقدم ذكره، وهو نوع من المصائب التي عرضت لخير الناس وأفضلهم من الأنبياء والصالحين كما هو معلوم، فعليه أن يلجأ إلى الله - عز وجل - في دفع ما قد وقع به، وأن يسأله أن يكون ذلك خيراً له في الدنيا والآخرة، وليتذكر قول الله - عز وجل-:" وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً "، والله أعلم.(13/206)
هل الشكوى تنافي الصبر؟
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الصبر
التاريخ 18/2/1423
السؤال
منذ حوالي 20 سنة وأنا أصاب بابتلاءات متتالية، بعضها خفيف وبعضها قوي -والحمد لله على كل حال- وأنا راضية بقضاء الله وقدره، وأرغب في أن أحصل على أجر الصبر كاملاً ولا أريد التحدث عما يصيبني، ولكن أنا أعيش في مجتمع يكثر فيه الحسد، ولقد أصبت بالعين أكثر من مرة، فهل يجوز في هذه الحالة أن أتحدث عن معاناتي حتى لا يعتقد الناس أنني لا أعاني من شيء؟ خاصة أن معاناتي لا تبين للناس، ومن جهة أخرى حتى يعذرونني لو قصرت معهم أحياناً.
الجواب
أقول: إن الإنسان إذا ابتلي ببعض المصائب فإن هذا يرجى له الخير، والإنسان لا يصاب بمصيبة فيحتسب إلا كان له بذلك أجر، وتكفير لذنوبه، وتطهير له، وإعلاء لمنزلته عند الله -تبارك وتعالى-، فالله -سبحانه وتعالى- يقول: "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون" [البقرة: 155-156-157] ، ولا ينافي الصبر الإخبار عما يعانيه الإنسان من غير تشك، إنما الممنوع هو الشكوى بجزع وتسخط، وأما كون الإنسان يخبر عن حاله بأنه يحس بألم كذا على سبيل الإخبار لا على سبيل الشكوى فهذا لا شيء فيه كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:" إني أوعك كما يوعك رجلان منكم" أخرجه البخاري (5648) ومسلم (2571) ، ومن ناحية أخرى أنها تقول لو قصرت معهم في زيارة حتى يزوروها، فأقول: هذا متعين، تخبر عن المانع لها، وسبب عدم ذهابها إليهم، ونحو ذلك من الأمور، نسأل الله لنا ولها ولجميع المسلمين العافية من كل سوء.(13/207)
أعياه مهر الثانية
المجيب د. أحمد بن محمد أبا بطين - رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الصبر
التاريخ 19/10/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شيخنا الفاضل: أنا شاب متزوج وعندي طفل وأرغب في الزواج من امرأة ثانية، ولكن مشكلتي عدم وجود المهر، علما بأني أستطيع أن أقترض من البنك، لكني أخاف الله، ولا أريد أن يكون زواجي من مال فيه ربا ... ، ولا بد لي من الزواج، أرشدوني إلى الطريق الصحيح، وادعو الله لي أن يرزقني بالمال الحلال لأتزوج، جزاكم الله خيرا.
الجواب
أسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك وييسر أمرك.
ومادام الأمر كذلك وعندك زوجة فاصبر حتى تجمع شيئاً من المال يكفيك للمهر الجديد أو ابحث عن من يقرضك قرضاً حسناً بلا فوائد.
واعلم أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. واعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة على الله عونهم - المجاهد في سبيل الله، والمكاتب يريد الأداء، والناكح يريد العفاف" والله يتولاك بعونه.(13/208)
هل له أن يصلي الصلاة النصرانية؛ لُيخفَّف عنه مدة السجن
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الصبر
التاريخ 23/3/1425هـ
السؤال
شيخنا الفاضل: -أثابكم الله- نحن مجموعة من الأسرى المسلمين في أمريكا، هناك نظام في السجن يحدد مدة السجن بحد أدنى وحد أعلى مثل من 10 -20 سنة من 15 - 30 سنة وهكذا، والذي يريد أن ينال الحد الأدنى لا بد أن يوافق على الانخراط في برامج السجن الإصلاحية ومنها الحديث عن تجربة الشخص السابقة بالتفصيل، والتي قادته لدخول السجن مثل المخدرات أو الكحول ... إلخ، ثم يؤدي الجميع صلاة جماعية نصرانية ويطلبون من كل شخص أن ينوي الصلاة لربه، ولكن الجميع ينطقون نفس الكلمات الذي يرفض هذا البرنامج يتأخر خروجه من السجن إلى الحد الأقصى للمحكومية، نرجو جواباً توضيحياً مفصلاً، ماذا نفعل لحماية مصلحتنا والمحافظة على ديننا؟ أرجو التكرم بتوضيح كل مسألة على حدة، وإثم الصلاة الجماعية مع الكفار ولكي يصبح الأمر واضحاً تماماً لنا.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله، وبعد:
فندعو الله أن يفرج أسركم، ويعظم أجركم، ويثبتكم على الحق وجميع إخوانكم المأسورين والمضطهدين، وعن سؤالكم أقول:
1- إن كان بكم قوة، ولديكم عزيمة تقدرون بها على تحمل الشدائد، ورغبتم ذلك، فاثبتوا ولا تستجيبوا لمطالب أعدائكم، وإن ضوعفت عليكم مدة السجن، وسيضاعف الله لكم الأجر، وربما يسر الله لكم الفرج من حيث لم تحتسبوا أو تلقوا ربكم على أطيب حال وأحسن خاتمة، ولكم من سلف الأمة من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والدعاة المصلحين أسوة وقدوة؛ كما حصل لرسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من مسيلمة الكذاب عندما سأله مسيلمة: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، وقال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: أشهد أنك كذاب، فقتله وقطعه إرباً إربا، وما حصل لبلال بن رباح - رضي الله عنه- مع المشركين وقد أصرّ على أن يسمعهم ما يكرهون: "أحد.. أحد.."، وما حصل لعبد الله بن حذافة - رضي الله عنه- مع ملك الروم، وما حصل للإمام أحمد بن حنبل مع الخليفة المأمون والواثق، وما حصل لسيد قطب مع جمال عبد الناصر.(13/209)
2- وإن كنتم أو أحدكم لا تجدون في أنفسكم قوة وجلداً وتحملاً فقد جعل الله لكم رخصة تخرجون بها مما أنتم فيه، وهذه الحال أقل من سابقتها إلا أن الله أجازها في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم" [النحل:106] نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر - رضي الله عنه- لما فتنه المشركون وعذبوه، ولم يتركوه حتى سمعوا منه ما يرضيهم في ذات الرسول - صلى الله عليه وسلم- (فجاء عمار شاكياً للرسول - صلى الله عليه وسلم- حاله، فقال له صلى الله عليه وسلم: "كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان، فقال له: إن عادوا فعد") ، وعلى هذا أجمع العلماء، فمن تلفظ بكلمة الكفر مكرهاً لا يكفر؛ لأن الإكراه قرينة ظاهرة على أن كفره تقية ومصانعة محمودة يدفع بها الأذى عن نفسه، وهذه رخصة من الله لعباده رفقاً ورحمة بمن لا يقوى على الأخذ بالعزيمة والصبر على البلاء، وجمهور العلماء يجيز للمكره قول الكفر بلسانه أو فعله كالسجود للصنم، وقال بعض العلماء: إن فعل الكفر لا يجوز بالإكراه مطلقاً وإنما يجوز بالتلفظ باللسان فقط، وقول الجمهور أظهر وأرجح؛ لأن الآية لم تتعرض لغير حق الله تعالى، وهو حق محض، - أعني قول الشرك وفعله مكرهاً- وحقوق الله مبنية على التسامح عكس حقوق العباد حيث هي مبنية على المشاحة، وإذا كان الإكراه موجباً للرخصة في إظهار الكفر القولي أو العملي فما دونه من المعاصي أولى كشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، ونحوهما، أما الإكراه على ذكر السوابق إن كانت محرمة فبالإمكان أن تذكر بنية أن الإنسان قد تاب منها، ومثلها الصلاة الجماعية على الطريقة النصرانية فليست بأعظم من النطق بكلمة الكفر أو السجود للصنم ما دام القلب مطمئناً بالإيمان، وكونهم يطلبون من كل شخص في هذه الصلاة الجماعية النصرانية أن ينوي الصلاة لربه، هذا أخف مما سبق.
والخلاصة: يجوز لكم الأخذ بالرخصة التي رخص الله لكم بشرط أساسي وهو أن يكون القلب مطمئناً بالإيمان بخلاف ما تنطق به الجوارح، على أني أظن أنكم لو طالبتم إدارة السجن بأن تحتسب لكم الصلاة التي تصلونها وهي الصلوات الخمس المفروضة وبينتم لهم أنكم على دين يعظم الصلاة لله وأن هذه الصلاة لها صفتها وأثرها وأنها هي الصلاة الحقيقية التي تعتقدونها فإني أرجو أن يستجيبوا لكم ويتحقق لكم بذلك خير الدنيا والآخرة. ثبتكم الله وأعانكم، وفرج كربتكم. آمين.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.(13/210)
شيخ قبيلتنا ظالم فماذا أعمل
المجيب د. عبد الله بن عبد الله بن عبيد الزايد
مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الصبر
التاريخ 8/6/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا رجل مسلم من قبيلة مسلمة تقيم في تشاد، ونحن أهل هذه القبيلة نعاني من مشكلة وهي أن شيخ هذه القبيلة رجل ظالم يتحكم بأمور القبيلة كيفما يشاء، ولا يطيع أحداً، ونحن بعيدون عن سيطرة الحكومة التشادية، حيث إن لقبيلتنا حكماً مستقلاً تقريباً، ونحن -المتعلمون في هذه القبيلة- حاولنا نصح هذا الشيخ، ولكن لم نفلح، فما العمل مع هذا الشيخ، حيث إنه يقوم أحياناً بأخذ أموال البعض غصباً؟ أفيدونا، وشكراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا كان خروجك عن طاعة شيخ القبيلة قد يُحدث من الفوضى ما يفوق ضرر حكم شيخ القبيلة فلا تفعل؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والأولى لك أن تحسن علاقتك مع هذا الشيخ حتى تستطيع التأثير فيه فتصده عما يفعل، فلعل الله أن يهديه بك فتهدي به القبيلة. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(13/211)
يستعين بالربا على الزواج لكيلا يزني
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الصبر
التاريخ 22/04/1426هـ
السؤال
بلغ بي الكبت مبلغه، وإني على وشك الزنا العاجل؛ لأني لم أصبر أطيق يومًا واحدًا، وليس لي القدرة المادية على الزواج، فهل يحل لي الربا، وإلا أسقط في الفاحشة؟ وشكرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لا يحل لك الربا ولا الزنا، وعليك بالصبر؛ فما خُلقتَ إلا لتبتلى وتُمتحن، والدنيا دار بلاء وامتحان؛ (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك: 2] . وهي حرث للآخرة، فلا تفسد آجلًا دائمًا بعاجلٍ زائلٍ، واتق الله ربك، ولا تنهزم لوسوسة الشيطان، ولا تتبع الهوى، واحرص على اجتناب مواطن الفتنة، ولك أن تسأل الزكاة لأجل الزواج إنْ كنت فقيرًا، وإياك أن تطلب الحرام لتنال به الحلال؛ فالله يقول: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا) - أي لا يجدون ما يدفعونه من مهر ليتزوجوا- (حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) [النور:33] . فإذا خشيت الوقوع في الزنا قريبًا، فقد رخص لك أهل العلم أن تستمني ارتكابًا للمفسدة الصغرى لدرء مفسدةٍ كبرى. والله أعلم.(13/212)
استشارات نفسية وتربوية(13/213)
مللت الحياة..فما الحل؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز المجيدل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ استشارات نفسية وتربوية/اكتئاب
التاريخ 7/5/1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لا يوجد شيء يشدّني في هذه الحياة، لا مال ولا زواج ولا أي شيء، حتى مللت كل شيء، فما الحل قبل أن يفوتني كل شيء؟ والسلام.
الجواب
الأخ الكريم سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبارك فيك، وشرح قلبك، وأنار فؤادك بما يسعدك.
قرأت شكواك، فقلت في نفسي كيف يبلغ اليأس في مسلم تلك الدرجة؟ أخي إن الحزن والكبد جزء من سمات هذه الحياة فلن تجد إلا مكتئباً وحزيناً، ولكن تحمُّل النفوس له مختلف ودرجاته متفاوتة فنظرتك للحياة تحتاج إلى تغيير، فأكثر من تذكر ما جرى لك مما يفرح ويسر وكثِّر من تخيله فسوف يحدث لك توازن في عقلك الباطن الذي حفظ مواقف كثيرة سلبية، ثم هل من كان بلا زوجة ومال هل فقد الحياة؟ وأن يكون ناجحاً موفقاً، إن حصول ما يأمل الإنسان نجاح، ولكن هل هناك نجاح بلا خطة عمل وألم وتذكر لما سوف تكون عليه الحياة.
أخي العزيز إن سعادة الإنسان ليس فيما يملك، لكن في شعوره بما يملك، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-:"ليس الغنى بكثرة العرض، لكن الغنى غنى النفس" البخاري (6446) ومسلم (1051) ، نعم، أيها المبارك إن كثرة العرض غنى، فإن لم يجتمع معه شعور بالغنى وتلذذ به فليس صاحبه بالغني، فصار شعور المرء هو مصدر سعادته أو قلقه وعذابه، واعلم أن السعادة تكون من داخل النفس فتنعكس على الخارج وليس العكس، فلا تعول على الأشياء التي لم تحصل عليها وتظن أنها سوف تسعدك، أيها المتلهف على الطمأنينة تأكد أن فراغ النفس من العمل والبدن من الطاقة مؤلم للشعور فاشغل نفسك وبدنك بما ينفعك، وإياك والفراغ السلبي الباعث على الشعور المهلك، وقلل من خلوتك بنفسك مدة حتى تستقر، واستعن بالله -سبحانه- وأدم ذكره، والقيام بأعظم حقوقه وهي عبادته وأداء فرائضه الواجبة والنافلة، وبعد ذلك شارك في تفريج هم ونصرة مظلوم ورعاية يتيم ومساعدة محتاج، ولو كنت محتاجاً، فإن أثر الإحسان على النفس عظيم فكن واسطة خير بين الأغنياء والفقراء، وقم بزيارة للمرضى وأخرى للسجناء، فتتذكر كم هي نعم الله عليك، وفقك الله لطمأنينة النفس وراحة البال، وأعطاك فوق ما تتمناه من خير الدنيا والآخرة، وكن مقتنياً لبعض الكتب حول موضوعك علها أن تسعفك، ولك التحية وعليك السلام.(13/214)
الوسوسة في الطهارة
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ استشارات نفسية وتربوية/وساوس قهرية
التاريخ 26/12/1425هـ
السؤال
لي أختان أكبر منى سنًّا، ولهما تصرفات مزعجة بعض الشيء، حيث يبالغان في أمر النظافة، فمثلاً إذا توضآ يقومان بغسل أقدامهما جيدًا بالصابون، ويرتديان أردية خاصة يقومان بغسلها أيضًا بالصابون والماء الساخن، ولا ينزعانها إلا عند موضع الصلاة الذي هو أيضًا موضع خاص، كما أنهما حين تجلسان معنا على الفرش ثم ينزعاه عندما يذهبا إلى فراشهما الخاص، كل هذا لأن أبي يذهب إلى المسجد يصلي ويقول بأن الفئران تجرى بالمسجد، وأيضًا لأن حذاءه يأتي فيه بعض تراب الشارع، حيث إن الطرق عندنا غير مرصوفة، ويمشي على السجاد دون غسل قدمه كما أنهما ليس لديهما ثقة في أي شيء، فإذا خرجت أمي من الحمام، وهى امرأة كبيرة، ولم تصل قدمها إلى الحذاء الخاص بالحمام ولامست البلاط المجاور للحذاء تقوم الدنيا ولا تقعد، وغير ذلك مما يطول شرحه، فما نصيحتكم لهما ولأمثالهما من الموسوسين؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:(13/215)
فما تقوم به الأختان الكريمتان اللتان هما أكبر سنّاً منك، هو من التنطع المذموم الذي جاءت النصوص الشرعية بالتحذير منه، ومن مغبة الوقوع في شركه، ومنها قول نبينا - صلى الله عليه ونسلم-: "هلك المتنطعون هلك المتنطعون، هلك المتنطعون" أخرجه مسلم في صحيحه (2670) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه-، قال النووي في شرح صحيح مسلم (16/220) ، تعليقاً على هذا الحديث: "أي: المتعمقون، الغالون، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم" ا. هـ، ولا شك أن ما تقوم به هاتان الأختان هو من التنطع في الأفعال، وهو من الوسواس الذي ابتُلى به كثير من الناس، ومما قيل في تفسير التنطع الوارد في الحديث المتقدم ما ذكره المناوي في فيض القدير (6/355) ، حيث قال: "الغالون في عبادتهم، بحيث تخرج عن قوانين الشريعة، ويسترسل مع الشيطان في الوسوسة" ا. هـ. فالمبالغة في التنظف والتحرز من النجاسة على هذا النحو الذي تقومان به في البيت من الوسواس المذموم، ولو كانت الوسوسة فضيلة لما ادخرها الله عن رسوله - صلى الله عليه وسلم- وصحابته - رضي الله عنهم-، وهم خير الخلق وأفضلهم، ولذا قال العلامة ابن القيم في إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1/136) ، ما نصه: "ولو أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الموسوسين لمقتهم ولو أدركهم عمر - رضي الله عنه- لضربهم وأدبهم ولو أدركهم الصحابة- رضي الله عنهم- لبدعوهم". ثم ذكر ابن القيم - رحمه الله- بعضاً من هدى النبي - صلى الله عليه وسلم- وصحابته - رضي الله عنهم- فيما يتعلق بالتحرز من النجاسة والنظافة من الأقذار، خلافاً لما عليه المتشددون وأهل الوسوسة، فقال في إغاثة اللهفان (1/144-159) : "ومن ذلك أشياء سهَّل فيها المبعوث بالحنيفية السمحة، فشدد فيها هؤلاء، فمن ذلك المشي حافياً في الطرقات، ثم يصلي ولا يغسل رجليه، فقد روى أبو داود في سننه عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَنَا طَرِيقًا إِلَى الْمَسْجِدِ مُنْتِنَةً - من النتن أي ذات نجاسة- فَكَيْفَ نَفْعَلُ إِذَا مُطِرْنَا؟ قَالَ: أَلَيْسَ بَعْدَه طَرِيقٌ هِيَ أَطْيَبُ - أي أطهر- مِنْهَا؟ ". قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: "فَهَذِهِ بِهَذِهِ". وقال حفص: أقبلت مع عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- عامدين إلى المسجد فلما انتهينا عدلت إلى المطهرة لأغسل قدمي من شيء أصابها، فقال عبد الله - رضي الله عنه-: لا تفعل، فإنك تطأ الموطيء الرديء - يعني النجس- ثم تطأ بعده الموطئ الطيب- يعني الطاهر - أو قال: النظيف، فيكون ذلك طهوراً، فدخلنا المسجد جميعاً فصلينا"، وقال أبو الشعثاء: "كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يمشي بمنى في الفروث والدماء اليابسة حافياً، ثم يدخل المسجد فيصلي فيه، ولا يغسل قدميه"، ا. هـ، ثم ذكر ابن القيم مثالاً آخر فقال: "ومن ذلك أن الخف والحذاء إذا أصابت النجاسة أسفله أجزأ دلكه بالأرض، وجازت الصلاة فيه - يعني في الحذاء- بالسنة الثابتة؛ لما روى أبو هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور". وفي لفظ: "إذا وطئ الأذى بخفيه فطهورهما التراب"، رواهما أبو(13/216)
داود. ثم ذكر ابن القيم مثالاً آخر فقال: "وكذلك ذيل المرأة على الصحيح، وقالت امرأة لأم سلمة - رضي الله عنها- إني أطيل ذيلي - يعني ذيل العباءة أو الثوب- وأمشي في المكان القذر، فقالت- رضي الله عنها- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يطهره ما بعده" رواه أحمد وأبو داود، وقد رخص النبي - عليه الصلاة والسلام- للمرأة أن ترخي ذيلها ذراعاً. ومعلوم أنه يصيبه القذر، ولم يأمرها بغسل ذلك، بل أفتاهن بأنه تطهره الأرض"، ثم ذكر مثالاً آخر فقال: "ومن ذلك أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الصلاة حيث كان، وفي أي مكان اتفق، سوى ما نهى عنه من المقبرة والحمام، وأعطان الإبل، فصح عنه - عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فحيثما أدركت رجلاً من أمتي الصلاة فليصل". وكان - عليه الصلاة والسلام- يصلي في مرابض الغنم، وأمر بذلك، ولم يشترط حائلاً - يعني سترة بين المصلي وبين الأرض ... "، فأين هذا الهدي من فعل من لا يصلي إلا على سجادة تفرش فوق البساط، فوق الحصير، ويضع عليها المنديل، ولا يمشي على الحصير ولا على البساط، بل يمشي عليها نقراً كالعصفور، فما أحق هؤلاء بقول ابن مسعود - رضي الله عنه-: "لأنتم أهدى من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- أو أنتم على شعبة ضلالة! ". وقد صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- على حصير قد اسود من طول ما لبس، فنضحه بالماء، وصلى عليه، ولم يفرش فوقه سجادة ولا منديل، وكان يسجد على التراب تارة، وعلى الحصى تارة، وفي الطين تارة، حتى يرى أثره على جبهته وأنفه، وقال ابن عمر - رضي الله عنهما-: " كَانَتْ الْكِلَابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ وتَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، ولَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ" رواه البخاري ... ثم ذكر - رحمه الله - مثالاً آخر فقال: "ومن ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي وهو حامل أمامة بنت ابنته زينب -رضي الله عنها-، فإذا ركع وضعها، وإذا قام حملها"متفق عليه، وهو دليل على جواز الصلاة في ثياب المربية، والمرضع، والحائض، والصبي ما لم يتحقق نجاستها" ا. هـ، هذا غيض من فيض، مما ذكره الإمام ابن القيم في كتابه القيم إغاثة اللهفان، وهو -كاسمه- يغيث اللهفان عن مصائد الشيطان وحبائله. وبكل حال، فعلى الأخت السائلة أن تناصح أختيها الكريمتين بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن توضح لهما بأن الله - عز وجل- غني عن هذا التشديد الذي ما أنزل الله به من سلطان، وبأن الدين - ولله الحمد- يسر، لا عسر فيه ولا حرج، لا في باب الطهارة وإزالة النجاسة، ولا في غيره من الأبواب، وهذا واضح جلي للعامة فضلاً عن خاصة أهل العلم، ولكن عدو الله - إبليس- لم يزل ولا يزال يوسوس على كل بحسبه، فإذا لم يستطع أن يوقع الرجل أو المرأة في الشرك أو في المعاصي الظاهرة، فإنه يفسد عليه عمله الصالح بالغلو فيه أو في كثرة الشكوك، ونحو ذلك، كما قال بعض السلف: "ما أمر الله - تعالى- بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وتقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي بأيهما ظفر" قال ابن القيم في الإغاثة (1/116) : "وقد اقتطع أكثر الناس إلا أقل القليل في هذين الواديين؛ وادي التقصير، ووادي المجاوزة والتعدي، والقليل منهم جداً الثابت على الصراط الذي كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وأصحابه - رضي الله عنهم- فقوم قصَّر بهم عن الإتيان بواجبات الطهارة، وقوم تجاوز بهم إلى مجاوزة الحد بالوسواس.." ا. هـ، فاللهم، اجعلنا من أقل القليل ممن هديتهم - بفضلك - إلى صراطك المستقيم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(13/217)
وساوس تفتنه في دينه
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ استشارات نفسية وتربوية/وساوس قهرية
التاريخ 5/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا شاب عائد لله -تعالى- بعد طول غياب، وقد انتصرت على شيطاني في كثير من المواقف, فلقد حججت البيت، واعتمرت أكثر من مرة, أحافظ على صلواتي في المسجد, إلا أن الشيطان ما زال له مدخل علي، فكثيراً ما توسوس لي نفسي أنه ما من ذنب يستحق العذاب الخالد في النار، ولا حتى الشرك بالله ليس أكبر الذنوب، فما ذنب الشخص الذي ولد وأبواه كافران فجاء كافراً؟ أو الولد الذي ولد لأبوين لا يأمرانه بالصلاة، فما ذنبه بأن لا يصلي؟ وأن المشركين إنما أشركوا لقلة عقولهم، فهل هذا الذنب يستحق الخلود في النار؟ وأنه من الإجحاف أن نقول: إن من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، ونحن نعلم أن كثيراً من الكفار لا يستطيعون أن يفعلوا من الآثام كما يفعله أهل لا إله إلا الله، وإذا كان المسلمون فقط هم أهل الجنة, فإن عددهم قليل، هذه مداخل الشيطان إليَّ. أنجدوني قبل أن أفتن في ديني -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
أسأل الله أن يثبتك على الحق، وأن يعصمك من الشيطان الرجيم، وأوصيك بكثرة الاستعاذة من شره فإنه: "ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون" [النحل: 98-99] .
أولاً: اعلم أخي -وفقك الله- علم اليقين أن الله -تعالى- حكمٌ عدلٌ" لا يظلم الناس شيئاً" [يونس من الآية: 44] ، "إن الله لا يظلم مثقال ذرة" [النساء من الآية: 40] ، "وما ربك بظلام للعبيد" [فصلت: 46] فلا يمكن أن يعذب أحداً في النار أو يخلده فيها إلا وهو مستحق لذلك، حيث قامت عليه الحجة التي قال الله -تعالى- عنها: "لئلا يكون للناس على الله حجةٌ بعد الرسل" [النساء: 165] ، فالولد الذي أبواه كافران ونشأ على نشأتهما هو في أحكام الدنيا من جملة الكافرين، أما هل هو مستحق للعذاب فيخلد أم لا؟ فهذا مما لا يعمله إلا الله -تعالى-؛ لأن ذلك متوقف على بلوغه دين الإسلام أو عدمه، وتمكنه من الإسلام أو عدمه، وهكذا في غيره مما هو في الدنيا له حكمٌ واعتبارٌ، وأما في الآخرة فحكمه لا يعلمه إلا الله، فلربما أسلم في اللحظات الأخيرة، أو ربما لم تبلغه الحجة الرسالية، وينبغي أن تدرك أنه لا تلازم بين الحكم الدنيوي بالكفر مثلاً وبين القطع بالخلود في النار في حق الشخص المعين، أما من حيث الحكم العام فإننا نقول: سائر المشركين هم كفار بالله -تعالى- وجميع الكفار مخلدون في نار جهنم، هذا من حيث الحكم العام، أما من حيث الحكم الخاص فمتى علمنا أنه بلغه دين الإسلام ولم يسلم ومات على غير الإسلام فلا مانع من الحكم عليه بالنار، ومن لم نعلم ذلك عنه فلا نقطع له بالنار، وما جاء في بعض الأحاديث مما يفيد الحكم عليه أو تبشيره بالنار، فمحمول على أنه قد علم عنهم بلوغهم الرسالة وإعراضهم عنها، ثم إن الذي أخبر بذلك هو من لا ينطق عن الهوى، حيث أخبره ربه بذلك، وليس لأحد بعد انقطاع الوحي معرفة ذلك إلا بإقرار المرء بنفسه بإسلام أو كفر.(13/218)
فاعلم- بارك الله فيك- أن الله لا يعذب أحداً حتى تبلغه الرسالة، وتقوم عليه الحجة، قال -تعالى-: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" [الإسراء من الآية: 15] ، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين البخاري (7416) ، ومسلم (1499) من حديث المغيرة - رضي الله عنه-: "ليس أحد أحب إليه العذر من الله -تعالى-، ومن أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين"، وفي لفظ لمسلم: " ... من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل" رواه مسلم (2760) من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.
أما الجزء الأخير من السؤال: وهو أن من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن كان مسرفاً في المعاصي: فلتعلم - بارك الله فيك- أن الذي عليه إجماع أهل السنة أنهم لا يقطعون لمسلم معين بأنه في الجنة إلا من شهد له الرسول - صلى الله عليه وسلم- بذلك.
ثانياً: أن مجرد لفظة الشهادة بدون عمل واعتقاد لا يكفي، ولهذا لم تنفع المنافقين، وهم يقولونها عند النبي - صلى الله عليه وسلم- بألسنتهم، وكلمة الشهادتين قد قيدت بقيود وشروط من أتى بها وكان عارفاً بمعناها عاملاً بما دلت عليه صار من أهل الجنة، وهذه الذنوب والمعاصي التي يقترفها أهل الإسلام إن لم يتوبوا منها في الدنيا فهم في الآخرة إلى الله إن شاء غفر لهم، وإن شاء عذبهم في النار على قدر ذنوبهم؛ لأنهم مستحقون للعذاب ثم يخرجون منها بعد ذلك ...
وأهل الجنة هم المسلمون من أتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن سائر أتباع الرسل والأنبياء، ممن آمنوا بهم واتبعوهم في زمن نبوتهم وبقاء رسالتهم، والجنة والنار كلاهما سيمتلئان يوم القيامة كما في الصحيح أن الله -تعالى- يقول: " ... ولكليكما علي ملؤها"، أخرجه مسلم (2847) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-. والله أعلم.(13/219)
تكثر الاستغفار وتشعر بعدم القبول
المجيب د. هشام بن محمد البناني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ استشارات نفسية وتربوية/وساوس قهرية
التاريخ 21/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
فضيلة الشيخ: أنا أستغفر الله كثيراً وأتوب إليه من الذنوب والمعاصي، ودائما يأتيني شعور أن الله لن يغفر لي، ولن يوفقني في حياتي، خصوصاً مع تكرار الذنب، ماذا أفعل كي يرضى الله عني ويغفر لي؟ وكيف أعرف أن الله قبل توبتي؟. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت السائلة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فإن هذا الذي يأتيكِ من الشعور بأن الله لن يغفر لكِ، إنما هو من وساوس الشيطان لكي يجعلكِ تكفين عن الاستغفار والتوبة، فلا تلتفتي إليه، واستمري في الاستغفار والتوبة، واعلمي أن الله - تبارك وتعالى- يغفر للعبد ما دام العبد يستغفره مهما بلغت ذنوبه كثرة، ما دام العبد صادقاً في الندم على ما فعل من ذنوب، راجياً عفو ربه، مقبلاً عليه غير معرض عنه، وتعلمين أن الله قد قبل توبتك بأن يوفقك لمزيد من التوبة والاستغفار والعمل الصالح، وسوف تزول تلك الوساوس بعد فترة، وسرعة زوالها منوطة بمدى ثقتك بالله - عز وجل- فكلما كانت ثقتك أكبر زالت تلك الوساوس أسرع. والله يعصمنا وإياكم من وساس الشياطين، إنه سميع مجيب، والحكم لله رب العالمين.(13/220)
العدل في النفقة بين الأولاد
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ استشارات نفسية وتربوية/قلق
التاريخ 2/3/1424هـ
السؤال
لي أخ من عدة إخوة أنا أصغرهم، وشاء أخي أن يتزوج ورغب إلى الوالد بذلك وهو في المرحلة الجامعية وهذه السنة الرابعة له، ووالدي متكفل بنفقته وعياله الثلاثة، وهو -ولله الحمد- قادر ومستطيع، ولكنني سمعت منه مرة قوله: أين أذهب من الله؟ وماذا أقول له إذا سألني عن نفقتي على فلان لم أعدل بينه وبين إخوته؟ مع العلم أن إخوتي بعضهم درس في الخارج -أمريكا- وعاشوا معيشة أغلب الشباب، وكان الوالد ينفق عليهم، مع العلم أن أخي أحرز أعلى نسبة نجاح في الثانوية من بين إخوته، فهل قلق الوالد هذا في محله؟ وما الذي ينبغي عليه فعله؛ لتلافي الظلم والتمييز إن كان محقاً؟
الجواب
تزويج الأب لابنه ونفقته عليه بعد ذلك هو وأولاده يعد من باب النفقة لا من باب العطية، والنفقة لا تجب فيها المساواة بل يعطى كل واحد من الأبناء حسب حاجته، وإن كان ما يعطى لهذا السبب أكثر من الآخرين وبناءً على ذلك إذا كان أبوك زوَّج أخاك في المرحلة الجامعية وأنفق عليه - لأن الابن لا يستطيع أن ينفق على نفسه - فلا حرج في ذلك ولا يعد من الإخلال بالعدل كما أنه أنفق على أخيك الذي درس في الخارج وهكذا ينفق على كل واحد من الأبناء حسب حاجته، والله ولي التوفيق.(13/221)
رغبتُ عن الزواج، فهل علي إثم؟!
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ استشارات نفسية وتربوية/أخرى
التاريخ 22/1/1425هـ
السؤال
بعيداً عن منافع النكاح؛ فقد كرهت الزواج وقررت عدم الزواج حتى أقضي نحبي فهل أصبح منافقاً، إذ يقول تعالى "ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم"، والزواج مما شرع الله؟ وهل يحبط عملي وأخرج من الملة، إذ يقول رسولنا عليه الصلاة والسلام ما معناه: الزواج من سنتي "ومن رغب عن سنتي فليس مني"، علماً بأنه لا عذر لي في ذلك سوى المقت؟ أرجو فقط أن يجاب عن سؤالي. وجزاكم الله خيراً ...
الجواب
الحمد لله، وحده، وبعد: فجواباً على السؤال، أقول:
الذي يظهر من سؤال السائل الكريم أنه لم يكره الزواج تديناً ورهبانية، ولا كرهه لكونه سنة نبوية أو لكونه من الدين الحنيف، وإنما كره الإقدام عليه لواقع اجتماعي معين، يعيشه في بيته أو في مجتمعه، وهذا الواقع المر - كما يبدو - كان سبباً في ردة فعل غاضبة، جعلته يتخذ هذا القرار، وهو عدم الزواج مدى الحياة، ولو فوت منافع النكاح كما أشار إليه - وهذا التصرف كما يظهر، لا يعد نفاقاً ما دام أن القلب مطمئن بالإيمان، وما دام أنه يحب الله ورسوله -عليه الصلاة والسلام-، وما جاء عن الله ورسوله -عليه الصلاة والسلام-.
وأما الآية الكريمة: "ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله ... " [محمد: 9] ، فقد جاءت في ذم الكفار الذين يبغضون ما أنزل الله تعالى، وهكذا كل من أبغض كتاب الله أو ما جاء به كتاب الله - عز وجل فهو كافر ولو ادعى الإيمان، كما قرر ذلك غير واحد من أهل العلم، لهذه الآية الكريمة وغيرها. وذلك بشرط أن تتوفر شروط التكفير، وتنتفي موانعه.
ولذا لا ينبغي للسائل أن يقول أبغض الزواج وأمقته، وإنما يقول: لا أريد الزواج أو أكره الإقدام عليه، تأدباً في اللفظ؛ لأن هذا هو مراد السائل كما يبدو، ولأن المؤمن يحب كل ما جاء عن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولو فرط في بعض ذلك.
وأما الحديث المشهور المشار إليه في السؤال ".. ومن رغب عن سنتي فليس مني" رواه أحمد (22963) فالمراد بقوله: "فليس مني" يعني: ليس على طريقتي، كحال هذا السائل الذي قرر ترك هذه السنة المحمدية، فهو مخالف لطريقة محمد - صلى الله عليه وسلم - وسنته، كما صرح بهذا المعنى الحافظ ابن حجر في الفتح (9/106) ثم أشار إلى أن هذا الحديث يحتمل معنى آخر، وهو أن الرغبة عن هذه السنة إذا كانت من باب الإعراض والتنطع المفضي إلى ترجيح وتفضيل غيرها عليها؛ فإن المعنى يكون لهذا الحديث "فليس مني" أي: ليس على ملتي؛ ولذا فلا أرى أن هذه النصوص تتناول حال السائل لأنه لا يريد الزواج لعدم مناسبته لنفسيته وظروفه - فيما يُظن - وليس لأمر آخر، وهذا ليس من كارهية ما جاء به الدين ولا من الرغبة في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
بقي أن أنصح الأخ السائل بمحاولة معالجة وضعه وذلك بمراجعة طبيب نفسي إن كان السبب نفسيًّا أو طبيب مختص إن كان السبب عضويًّا، وعدم تفويت هذه السنة النبوية وما فيها من منافع كبيرة اقتضتها حكمة الله الذي شرعها لعباده وجعلها من آياته، وفعلها وحض عليها رسله وأنبياؤه. والله تعالى أعلم.(13/222)
هل القلم مرفوع عن الممسوس
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ استشارات نفسية وتربوية/أخرى
التاريخ 13/08/1425هـ
السؤال
هل الممسوس مجنون؟ وهل إذا كان الممسوس مجنونًا يرفع عنه القلم، فلا يعاقب ولو كانت الجناية قتلاً؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فليس كل ممسوس مجنونا، وإنما يكون الممسوس مجنونا إذا كان ذلك يغلب على عقله، فلا يعي معه ما يأتي وما يذر، سواء كان مسًّا مطبقًا أو متقطعًا، ففي هذه الحالة يرفع عنه القلم ما دام لا يعقل، فإذا عاد إليه عقله ترتبت عليه الأحكام.
أما تصرفاته حال جنونه فتختلف، إذ منها ما هو حق لله تعالى، ومنها ما هو حق للآدمي، ومنها ما هو مشترك، فحقوق الله تعالى عفو، وأما حقوق الآدميين فإن كانت جناية فلا يقضى عليه بالقود، ولكن يقضى عليه في ماله إن كان له مال، أو على عاقلته، أو في بيت المال، حتى لا تهدر دماء المسلمين. والمسألة فيها تفاصيل كثيرة يرجع فيها إلى كتب الفروع.
والخلاصة: أن الممسوس مسّا مطبقا أو متقطعا إذا ارتكب جناية حال جنونه لم يقد منه، لأنه لا قصد له، فلا يتصور منه التعمد، ويتعلق الحكم بماله أو عاقلته. والله أعلم.(13/223)
هل المنكر والفاحشة والذنب بمعنى واحد؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 2/7/1422
السؤال
هل تجد اختلافاً من حيث المعنى بين هذه الكلمات (المنكر، الفاحشة، الذنب، الإثم) ؟
الجواب
هذه الكلمات كلها تدلّ على الأمر المنهي عنه، أي: كل ما نهى الله عنه ورسوله، فهو إثم، وهو منكر، وهو ذنب. وهذه الكلمات متواردة على معنى واحد، وهو الأمر المنهي عنه؛ ولذا تعبّر معاجم اللغة وقواميسها عن هذه الكلمات بعضها ببعض، فبمراجعتك للسان العرب ونحوه تجد تفسير الإثم بالذنب، والذنب بالإثم، والمنكر ضد المعروف، ولكن الفاحشة أخصّ من ذلك، فتطلق في اللغة على ما جاوز قدره، أما من الذنوب فالفاحشة تختصّ بما كان كبيرة، وما كان مستفحشاً في العقول والفِطَرْ، فهي أخصّ من بقية هذه الأسماء فكل فاحشة ذنب، ومنكر، وإثم، وليس كل منكر فاحشة.
فالنظرة إلى ما لا يحلّ هي ذنب، ومنكر، وإثم، ولا تُسمى فاحشة. والزنا فاحشة، ومنكر، وذنب، وأما المنكر، والذنب، والإثم فكلها متلازمة، وكلها تُطلق على الشيء الواحد، فكل منكر هو إثم وذنب، وبالعكس، إلا أنّ لكل منهنّ دلالة، فالذنب يُسمى منكراً، لأنه مما تُنكره العقول، والفِطَرْ المستقيمة، وينكره الشرع والعقل، ويُسمى العمل المنهي عنه ذنباً، لأنه يدلّ على تأخره، وأنه عمل مؤخر كالذنب للبهيمة، فهو لفظ يدلّ على الانحطاط والتأخر. والإثم يدلّ على أنه مذموم ومكروه عند الله، قد جمع الله بين أنواعٍ من ذلك في آيةٍ واحدة، وهي قوله تعالى: ((قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تُشركوا بالله ما لم يُنزّل به سُلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)) .(13/224)
متى يجب غض البصر؟
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 13/7/1422
السؤال
أريد التفصيل في مسألة غضَّ البصر، ومتى يكون واجباً، ومتى يكون مباحاً؟
الجواب
يجب على المسلم والمسلمة أن يغضَّا من أبصارهما؛ امتثالاً لقوله تعالى: ((قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ... الآية)) وقوله ((وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن.. الآية)) ويجب غضّ البصر من الرجل عن كل امرأة أجنبية عنه، فلا يباح له النظر إلاّ لنسائه وذوات محارمه، ولكن يعفى عن نظر الفجاءة للأجنبية، لحديث جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري)) أخرجه مسلم (2159) .
وكذلك المرأة لا يحل لها النظر إلى الرجال الأجانب بشهوة بالإجماع، وفي نظرها لهم بغير شهوة خلاف مشهور، والصواب: إباحته، والله أعلم.(13/225)
النوم على البطن
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 1/6/1422
السؤال
ما حكم النوم على البطن؟ أي هل نأثم إذا نمنا على بطوننا؟ وماذا علينا إذا كنا لا نستطيع النوم إلا على بطوننا؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
ورد في الباب عدة أحاديث عن جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم- وأجود ما وقفت عليه ثلاثة أحاديث.
الأول: حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- وقد أخرجه ابن ماجة (3725) ، والبخاري في الأدب المفرد (1188) من طريق الوليد بن جميل، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة. والوليد بن جميل لم يوثقه كبير أحد، وفي روايته عن القاسم ضعف، فقد قال أبو حاتم الرازي عنه: ((شيخ يروي عن القاسم أحاديث منكرة)) كما في (الجرح) 9/ترجمة 7. والقاسم بن عبد الرحمن ليس بالقوي أيضاً، كما يتبين من ترجمته في تهذيب الكمال للمزي 23/383.
الثاني: حديث طخفة بن قيس الغفاري، أخرجه أحمد في مواضع منها 3/9، 430 وأبو داود رقم 5040 وابن ماجة رقم 3724 وغيرهم، وفي الحديث اختلاف على يحيى بن أبي كثير، وهو طويل عريض كما قال المزي في تهذيبه 13/375 وخلاصة القول فيه: أنه ضعيف الإسناد لاضطرابه، ولجهالة ابن طخفة الغفاري الذي اختلف في اسمه كثيراً.
الثالث: حديث الشريد بن سويد -رضي الله عنه- أخرجه أحمد 4/388 من طريق ابن جريج، قال أخبرني إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، أنه سمعه يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ... الحديث.
والحديث مرسل الإسناد، فعمرو بن الشريد تابعي كما في التقريب (5049) .
وخلاصة القول: إن الأحاديث الواردة في الباب لا تخلو من ضعف، وأحسنها مرسل عمرو بن الشريد، فإن رواته ثقات عن آخرهم.
ولحال هذه الأحاديث فلا يمكن القول بثبوت تحريم هذه الهيئة في الاضطجاع، ولكن إذا كان الإنسان بمرأى من الناس فينبغي مراعاة العرف الذي له اعتباره في مثل هذه الأمور والله أعلم.(13/226)
الأكل بالأصابع الخمس!
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 07/06/1426هـ
السؤال
بالنسبة لسنن الطعام فكلنا يعلم أن الأكل باليد من السنة، وقد جاءت صفة ذلك في السنة بأنه بثلاث أصابع، وقرر ابن القيم -رحمه الله- أن هذا هو أشرف ما يكون، وقال: "فإن المتكبر يأكل بإصبع واحدة، والجشع الحريص يأكل بالخمس ويدفع بالراحة". الزاد (1/148) ، فبعض الناس في بلدي يأكل بأصابعه كلها، بل بيده كلها، وكثيراً ما ينكر على غيره الأكل بالملعقة، ويقول: السنة الأكل باليد. وهو لا يعلم أن المراد باليد ليس كما يفعل هو، فطريقته مشمئزة، حيث إنه يأخذ ما يريد أكله بيده كلها، ثم يضغط عليه بجميع أصابعه ويده، ثم يلقفه إلى فمه، وأكثره يقع على الأرض ولا يأكله، وعليه فقد ترك سنة أخرى، وبعضهم يضع باقي ما تعلَّق بيده في الصحن مرة أخرى! فهل من نصيحة لهؤلاء، أم أنا المخطئ في فهمي للسنة؟ أرشدونا مأجورين. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد ثبت من حديث كعب بن مالك- رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يأكل بثلاث أصابع. أخرجه مسلم (2032) ، وغيره.
وهديه أكمل هدي، وسنته خير سنة، ولكن الأمر لا يعدو عن كونه سنة من أخذ بها فهو أفضل، ومن لم يأخذ بها فلا حرج ولا تثريب.
فمن شاء أن يأكل بالملعقة فلا حرج، بشرط أن يأكل بيمينه، وكذا من شاء أن يأكل بخمس، والأمر في ذلك واسع.
وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يأكل بخمس، رواه سعيد بن منصور في سننه.
قال ابن حجر (فتح الباري9/491) : "فيجمع بينه وبين الحديث كعب باختلاف الحال" اهـ.
وتطبيق السنة بالأكل بالثلاث قد لا يتأتى في أكل بعض الأطعمة، إذ طبيعتها قد تحوج الإنسان إلى أن يأكل بخمسه - كما في الأرز مثلاً- وقد يحاول أن يأكل بالثلاث- عملاً بالسنة - فيشق عليه، فلا ينبغي التثريب عليه حينئذ، فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك، ولا يلزم من الأكل بالخمس تكبير اللقمة، ولا أن يكون دليلاً على الشره وسوء الأدب، خاصة إذا علمنا أنه قد روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه كان يفعله أحياناً.
قال القاضي عياض- كما نقله عنه ابن حجر في فتح الباري (9/491) -: "فإن اضطر إلى ذلك - أي إلى الأكل بأكثر من الثلاث- لخفة الطعام وعدم تلفيفه بالثلاث، فيدعمه بالرابعة أو الخامسة" اهـ.
وأما ردُّ الآكل بعض اللقمة من فيه إلى صحفة الطعام، وتكبيره للقمة بحيث يضطر إلى أن يفغر فاه بطريقة قبيحة تثير الاشمئزاز، ويتساقط بعض اللقمة على السفرة، لتكون طعاماً للشيطان، فلا شك أنه مخالف لآداب الأكل، وفيه بعد عن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن السبب لا يرجع إلى كونه يأكل بخمسة، بل إلى كونه لم يُعوَّد آداب الأكل منذ صغره، ولم يُعلَّم هدي النبي - صلى الله عليه وسلم- في أكله. وفقك الله لكل خير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/227)
التهنئة بالعام الهجري
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 28/12/1424هـ
السؤال
ما حكم المباركة بمناسبة العام الهجري؟ بذكر: (كل عام وأنت بخير، كل سنة وأنتم طيبون، أو غيرها من العبارات) .
أفتونا مأجورين. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد..
فلا يظهر المنع من إيراد هذه الألفاظ على سبيل الدعاء، وتكون من باب الدعاء، إذا نصب فيها لفظ "كل"، وقد ذكر الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه (معجم المناهى اللفظية) ص (459) أن رفع "كل" في كل عام وأنتم بخير" لحن لا يتأدَّى به المعنى المراد من إنشاء الدعاء للمخاطب، وإنما يتأدى به الدعاء إذا فُتحت اللام من "كل"، ولذا فعلى الداعي به عدم اللحن- والله أعلم- انتهى.
وذكر الشيخ: ابن عثيمين - رحمه الله - في المجموع الثمين (2/226) : أن قول "كل عام وأنتم بخير" جائز إذا قُصِدَ به الدعاء بالخير، - وصلى الله علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم-.(13/228)
الجزع والنواح والندب
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 25/12/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
ما تعريف الجزع؟ وهل يعذب الميت بذلك؟
هل البكاء دون صوت عال يعتبر من الجزع؟ مع العلم أن البكاء كان بسبب ألم الفراق أو ألم لعدم التمكن من رؤية الميت قبل وفاته ولم يكن اعتراضاً على قضاء الله.
ما هو تعريف النواح والندب؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الجزع: هو عدم الصبر على البلاء.
الميت يعذب ببكاء أهله معناه أحد أمرين:
الأول: أنه يتألم عندما يسمعهم ينوحون ويندبونه لأنه معصية لله عز وجل والتألم نوع من العذاب.
الثاني: أنه يعذب إذا كان أمرهم بذلك أو عرف منهم ذلك ولم ينههم في حياته فيكون العذاب بسبب أمره أو رضاه.
وأما إذا لم يرض ولم يأمر فإنه لا عذاب عليه كما قال تعالى:"أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى" [النجم: 36-38] .
أما البكاء العادي فليس من الجزع، والنوح: هو رفع الصوت بالبكاء، والندب: أن يعدد محاسن الميت.(13/229)
صديقي يشرب الخمر
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 21/10/1422
السؤال
سافرت برفقة صديق إلى بلد أوروبي وكان يذهب للبار ليشرب الخمر ويقوم في الصباح ويصلي الصباح فقلت له: يا أخي إن حد علمي أن الله لا يقبل الدعاء من شارب الخمر حتى تمر 45 يوماً وهي الفترة التي يذهب بها الخمر من دم الإنسان، هذا ما كنت اعتقد إني سمعته من إحدى الإذاعات ولكن صديقي بعد فترة قال لي: إنه سأل أهل العلم وقالوا له: إن هذا الكلام لا صحة له، أرجو منكم إفادتي عن هذا الموضوع؛ لأبلغ بها صديقي هذا.
الجواب
الحديث الذي تشير إليه هو ما أخرجه الترمذي (1862) وغيره عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً " وقال الترمذي: " هذا حديث حسن "، وقد روى معناه عن عبد الله بن عمر وابن عباس -رضي الله عنهم- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، واعلم - بارك الله فيك - أن معنى عدم القبول في هذا الحديث وما أشبهه عدم الثواب، لمقارفة هذه المعصية، فالصلاة المقبولة يحصل لصاحبها الثواب وتبرأ ذمته، ومع نفي القبول تبرأ ذمته بمعنى أنه لا يجب عليه إعادتها، ولكن لا يثاب عليها الثواب المضاعف كما بين ذلك العلماء في شرح الحديث، وبهذا يتبين لك أن شارب الخمر مطالب بأداء الصلاة، ويجب عليه أداؤها في أوقاتها، فإذا أداها برئت ذمته ولكن يحرم من الثواب الذي يكتب لغيره ممن لم يشرب الخمر، وحال من شرب الخمر وصلى خير ممن يشرب الخمر ولا يصلي، ولعل صلاته أن تنهاه عن هذا المنكر، وأنصحك بأن تحرص على نصح صديقك وتحذيره من هذا المنكر وتذكر له الأحاديث الواردة في التحذير من شرب الخمر،- وسأرسلها لك مع هذا الجواب- وأن تحثه على أداء الصلاة ولا تنهاه عنها، وأن تجتهد بربطه برفقة صالحة يعينونه على الخير "ولئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم". والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(13/230)
هواية التفحيط بالسيارات
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 4/1/1423
السؤال
ما حكم النظر إلى التفحيط عَرَضاً أو عمداً، وهل ينكر على من ينظر إليهم أم لا؟
الجواب
الحمد لله وبعد:
فقبل الجواب عن حكم النظر إلى (التفحيط) يحسن الكلام عن حكم التفحيط نفسه، فأقول وبالله التوفيق: لست أشك طرفة عين أنّ (التفحيط) هواية محرمة، وممارسة سيئة منكرة وذلك للأسباب التالية:
1 - أنّ ممارسة (التفحيط) ممارسة خطرة تعرّض صاحبها إلى هلاك محقق، فقد يفقد حياته - وهذا كثيراً ما يحدث - وقد يصاب بإصابات شديدة تلازمه مدى الحياة كالشلل أو فقد بعض الأطراف، أو حدوث بعض العاهات المستديمة - نسأل الله العافية -.
2 - في التفحيط إيذاء وإزعاج للآخرين وتعريض حياتهم للخطر، إذ من المعلوم أنّ بعض هواة (التفحيط) لا تحلو لهم هوايتهم تلك إلا في الأحياء السكنية المأهولة، والشوارع المطروقة لينالوا أكبر عدد من المشاهدين والمعجبين.
ولا ريب أنّ إيذاء الناس أمر محرم كما قال الله: " والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً" [الأحزاب:58] .
وحتى لو كان (التفحيط) في الأماكن الخالية خارج نطاق البنيان فسيظل الأمر محرماً لبقاء عامل الإيذاء قائماً، ذلك أن أولئك الممارسين (للتفحيط) سيستدرجون أبناء المسلمين ومراهقيهم إلى أماكنهم، وتشجيعهم على ممارسة هذه الهوايات السخيفة، وفي هذا أعظم الإفساد لهم، وأكبر الأذية لأهليهم.
3 - لا يماري عاقل أنّ في (التفحيط) إتلافاً للسيارة وتدميراً لها وتبذيراً للمال الذي دفع لشرائها، وقد قال الله: " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " [الإسراء:27] .
وهذه السيارات نعمٌ من -الله تعالى- سخرها لعباده لقضاء حوائجهم عليها، فكيف يليق بالمسلم أن يكفر بنعمة الله ويسخرها في تصرفات طائشة، وممارسات منحرفة تدل على بطره وأشره والعياذ بالله؟
وإذا عرفنا حكم (التفحيط) بان لنا حكم النظر إليه فأقول والله الموفق:
لا ريب كذلك أنّ النظر إلى (التفحيط) أو غيره من المنكرات والمحرمات على سبيل الاستمتاع به والتلذذ بمطالعته حرام لا مرية فيه، إذ إنّ في ذلك إعجاباً بالمنكر وإقراراً لوجوده ورضاً به والعياذ بالله، ونبينا -عليه الصلاة والسلام- علّمنا إنكار المنكر إذا رأيناه لا متابعته ومطالعته والتلذذ بمشاهدته، فقال -عليه السلام- في الحديث الصحيح: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ... "رواه مسلم (49) وغيره من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
وقد امتدح الله -تعالى- المعرضين عن المنكرات فقال -سبحانه-:" والذين هم عن اللغو معرضون " [المؤمنون:3] ، وقال: " وإذا مرّوا باللغو مرّوا كراماً " [الفرقان:72] ، وقال:" وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين " [القصص:55] .
وأخيراً فقول السائل هل ينكر على من ينظر إليهم؟ فأقول: نعم، وهذا واضح من خلال ما تقدم، والله المسؤول أن يصلح شباب المسلمين ويوفقهم إلى معرفة حقيقة دورهم في هذه الحياة فيترفعوا عن سفاسف الأمور، ويضطلعوا بمسؤولياتهم تجاه دينهم وأمتهم والله أعلم.(13/231)
السنة عند التثاؤب
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 6/1/1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، وضع اليد على الفم والاستعاذة من الشيطان بدعة أم سنة؟ وما الدليل؟ وجزاكم الله خير.
الجواب
أما وضع اليد على الفم عند التثاؤب فقد أمر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديث صحيح أخرجه مسلم (2995) في لفظ البخاري (3289) " فليرده ما استطاع".
أما الاستعاذة فلم تذكر في الأحاديث الصحيحة فيما أعلم، فالسنة ألا تقال بل تترك.(13/232)
كيف أكون ملتزماً؟
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 30/1/1423
السؤال
يا شيخ أود الالتزام، كيف ذلك؟
الجواب
أخي الكريم، الحمد لله الذي تفضل عليك، وأحسن إليك حين جعلك تفكر في الالتزام والعودة إليه -سبحانه-.
وأبشر بالسعادة الحقيقية، والحياة الهانئة في كنف الله ورعايته، أبشر بالسعادة التي طالما بحثت عنها، هاهي تقترب منك فاقترب منها وعجل وأسرع قبل فوات الأوان.
إن الالتزام -بارك الله في عمرك- سهل ميسور، وليس معضلة شائكة، أو ضريبة باهظة.
إن الالتزام يعني باختصار مفيد، حياة هانئة، وسعادة دائمة، وراحة تامة، الالتزام نفس مطمئنة، وبال مستقر، وضمير آمن.
وسترى أخي الكريم أن الالتزام لن يكلفك سوى أدائك واجبات ميسورة من محافظة على الصلوات مع الجماعة، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وإحسان الخلق.
وهو كذلك كف للأذى، وبعد عن الحرام من الظلم والبغي والعدوان واجتناب للفواحش ابتداء من النظر المحرم، ومروراً بالاختلاط الآثم، وانتهاءً بما تعلم -وقانا الله وإياك مضلات الفتن-.
فبادر أخي وأسرع واقتنص هذه الفرصة، واغتنم هذا الإقبال الذي تجده من نفسك قبل فوات الأوان، وكن معنا على اتصال دائم.
اجتهد -بارك الله فيك- في إرضاء الرب -جل وعلا-، والمحافظة على الصلوات، وبر الوالدين، وترك الغناء والموسيقى، واستبدال ذلك بحفظ القرآن على قدر استطاعتك، ومطالعة الكتب النافعة والأشرطة الإسلامية المفيدة، وبذلك تسعد حياتك، ويهنأ بالك، ويرتاح ضميرك، وفقك الله وأعانك والسلام.(13/233)
النظر المحرم
المجيب د. عبد الله بن عمر السحيباني
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 14/2/1423
السؤال
يذكر أهل العلم النظر المحرم كمثال عند ذكر الذنوب الصغائر التي يكفرها الوضوء، والصلوات الخمس، والصيام، وغيرها من الأعمال، كما ورد في (تفسير ابن كثير) في معنى اللمم، وذكره أيضاً الإمام ابن القيم في (مدارج السالكين) عند الكلام عن أنواع الذنوب وأقسامها. والسؤال: هل النظر المحرم سواء في الحكم؟ بمعنى: هل النظر إلى امرأة في السوق وغيره من الأماكن العامة كالنظر إلى الصور العارية والخليعة في التلفاز والإنترنت؟ وإذا كان الحكم يختلف، فهل النظر إلى الصور الخليعة والعارية من الكبائر؟
الجواب
إن الله -سبحانه وتعالى- جعل العين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته، وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب شهوته، فالنظرة تزرع في القلب الشهوة، لذلك أمر الله -سبحانه وتعالى- بغض الأبصار قبل حفظ الفروج، فقال -تعالى-: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون" [النور:30] ، "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ... " الآية [النور:31] .
فالنظر هو الباب الأكبر للقلب، والنظر المحرم بريد الزنا، ورائد الفجور، وداعية الفساد.
وكنت إذا أرسلت طرفك رائداً ... لقلبك يوماً أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر
وغض البصر وحفظه من أعظم الأدوية لعلاج أمراض القلب، وفيه حسم لمادة المرض قبل حصوله، فإن النظر سهم مسموم من سهام إبليس، ومن أطلق لحظاته دامت حسراته.
كل الحوادث مبداها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها ... فتك السهام بلا قوس ولا وتر
فحفظ البصر وغضه واجب على المسلم بصريح أمر القرآن، والتساهل في غض البصر وإطلاق العنان للنظر المحرم لا يجوز "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً" [الإسراء:36] ، وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- كلاماً جميلاً مفيداً في فوائد غض البصر في (الجواب الشافي وفي روضة المحبين) ، كما ذكر جماعة من المفسرين فوائد أخرى (راجعها عند تفسير آية النور المتقدمة) .
والذي ينبغي أن يعلمه السائل وغيره أن الحكم في النظر يختلف بحسب ما يترتب عليه من الآثار وما يجر إليه من المفاسد، فليست النظرة العابرة مثل مداومة النظر وتكراره والتلذذ به والحرص عليه، لذلك قال الحسن بن الفضل في تفسير (اللمم) الوارد في قوله -سبحانه-: "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم.." [النجم:32] قال: اللمم: النظر من غير تعمد فهو مغفور، فإن أعاد النظر فليس بلمم، وهو ذنب.(13/234)
وقد اختلف أهل العلم في تفسير (اللمم) ، الوارد في الآية فاختار جماعة من السلف أنه الإلمام بالذنب مرة ثم لا يعود إليه وإن كان كبيراً، والجمهور على أن اللمم ما دون الكبائر، قال الشيخ/عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-، في تفسيره عن هذه الآية:" الصغائر، التي لا يصر صاحبها عليها، أو التي يلم بها العبد المرة بعد المرة على وجه الندرة والقلة" فانتبه -حفظك الله- إلى قوله: "لا يصر صاحبها عليها"، فإن الصغيرة لا تكون صغيرة مع الإصرار، كما أن لا كبيرة مع الاستغفار.
وكما اختلف أهل العلم في المراد باللمم اختلفوا في الكبائر، ما هي؟ واختلافهم ليس اختلاف تباين وتضاد بل أقوالهم متقاربة، والصواب في ذلك -إن شاء الله- أن المراد بالكبائر: الذنوب العظيمة كالزنا، وأكل الربا، والقتل، وأنه ليس لها عدد محصور، وقد يصح ضبطها، بما قاله بعض السلف: إنها ما تعلق به حد في الدنيا، أو عذاب، أو وعيد في الآخرة، وأنقل هنا للأخ السائل -وفقه الله- وغيره كلاماً نفيساً لابن القيم -رحمه الله- بعد أن ذكر آراء العلماء في المراد بالكبائر، قال: "وهاهنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف، والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء وعدم المبالاة، وترك الخوف، والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر، بل يجعلها في أعلى رتبها.
وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدر زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه ومن غيره" اهـ. وهذا الكلام واضح ومفيد لكل من نور الله بصيرته.
وعلى هذا فإن النظر إلى الصور الخليعة الماجنة، العارية وشبه العارية، سواء كان ذلك في التلفاز أو الإنترنت أو غيرهما مع ما يصحب ذلك من قلة الحياء، وعدم المبالاة، وضعف الدين، وعدم الخوف من الله، والاستهانة بهذه المعاصي لا شك أن ذلك يلحقها بالكبائر، بل يجعلها في أعلى رتبها، وإن كان النظر المجرد في أصله ليس كبيرة، نسأل الله أن يعصمنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يهدي قلوبنا ويصلح أعمالنا وأحوالنا، وأن يجعل أمرنا إلى خير إنه سميع قريب مجيب، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(13/235)
الهجر والعلاقة في المعصية
المجيب عبد الله بن فهد السلوم
مدرس بثانوية الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 5/7/1424هـ
السؤال
يوجد لدي صديق مقرب جداً، لكن علاقتنا مع بعض تؤدي إلى ارتكاب بعض المعاصي والعياذ بالله، فهل يجوز لي هجره؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فكيف نوفِّق بينه وبين ما معنى قوله - صلى الله عليه وسلم- لا يجوز للمسلم هجر أخيه المسلم فوق ثلاث ليال، أو كما قال. أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
الأخ الكريم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد..
تذكر أن لك صديقاً مقرباً وعلاقتك به تؤدي إلى ارتكاب المعاصي، والجواب اعلم أخي الكريم أن الاجتماع إذا كان على المعاصي فإن الاجتماع لا يجوز، لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، وأما الهجر فإذا كان لله ويؤدي بالمهجور إلى المصلحة وردعه فإن ذلك يجوز، وليس لذلك وقت محدد، وأما قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" رواه البخاري (6237) ، ومسلم (2560) من حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -، فهذا في الهجر لأمر شخصي، فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام، وأما الهجر لوجه الله فيجوز إذا كان يحقق مصلحة، وأما صديقك فيمكن أن لا تجتمع به، ويمكن أن لا تهجره فتلقاه مع الناس وتسلم عليه، في المناسبات العامة، من دون هجران، وبالله التوفيق.(13/236)
الطباع هل هي جبلية أم مكتسبة؟
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 22/7/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
أود أن أسأل عن شخصية الإنسان، هل هي شيء خلقه الله فيه، أم أنها شيء مكتسب يحاسب العبد عليه؟ أقصد بذلك أن يكون الإنسان كريماً أو طيب القلب، أو خفيف الظل، أو عصبي المزاج، وما إلى ذلك. أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
الصفات التي توجد في الإنسان ليست واحدة بل صفات مختلفة، وهي على أنواع:
1- نوع هو مما خلق عليه الإنسان، كحدة الطبع وشدَّة الانفعال، أو سعة الصدر وبطء الانفعال.
2- ونوع مما نشأ مع الإنسان بسبب التربية والأحوال الاجتماعية، وقد يكون حدة الطبع وسرعة الانفعال سببه التربية كذلك.
3- ونوع مما هو وراثي أو خلقي أو جبلي، أي أنه ولد معه.
والإنسان مطالب بتهذيب نفسه وتطبيعها بالأخلاق الفاضلة، والتخلق بالأخلاق المشروعة، وكلما عانى من تربية نفسه كلما تضاعف له الأجر، وإذا غلب من بعض الطباع أحياناً يغفر الله له، ألا ترى إلى موسى- عليه السلام- كيف ألقى الألواح من يده لشعوره بالغضب، وفيها كلام الله - عز وجل- ولم يعاقبه الله؛ لأنه بدون اختياره. والله الموفق.(13/237)
الاستعاذة عند التثاؤب
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 06/05/1426هـ
السؤال
ما حكم الاستعاذة بالله من الشيطان بعد التثاؤب؟.
الجواب
هذا لم يثبت فيه شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم-، والذي ثبت عن النبي - عليه الصلاة والسلام- أن الإنسان يكظم ما استطاع، بحيث إنه لا يفتح فمه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن الشيطان يضحك، أو أن الشيطان يدخل ... إلخ، صحيح البخاري (3289) ، وصحيح مسلم (2994، 2995) . فإن غلبه التثاؤب فإنه يضع ظهر يده على فمه كالراد للثتاؤب.(13/238)
تربية اليتيم واللقيط
المجيب خالد بن عبد الرحمن الخضر
القاضي بمحكمة بريدة
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 19/1/1424هـ
السؤال
تزوجت منذ 15 سنة ولم أرزق بأولاد، ومنذ عامين أصيبت زوجتي بورم خبيث بالثدي استؤصل الثدي على أثره مما زاد من نقص فرصة الإنجاب بشكل كبير جداً كما قال الأطباء (مسلمون ثقة) ، وسؤالي هل يجوز لي أخذ طفل أو طفلة (لا أسرة له أولها) من أحد دور رعاية الأيتام وأقوم برعايتها وتربيتها مع احتفاظها بنسبها؟ مع العلم بأني والحمد لله ميسور الحال وأبغي وجه الله والثواب من ذلك بجانب إشباع رغبة الأبوة والأمومة لي ولزوجتي أفيدونا أفادكم الله وجزاكم عنا كل خير (لم أرزق ببنين ولا بنات) .
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد: فيجوز للسائل أخذ طفل أو طفلة وتربيتها تربية إسلامية، ولا يخفى عظم الأجر في ذلك لا سيما كفالة الأيتام ولكن يعلم السائل أن هذا الطفل لا يعتبر ابنا شرعياً ولا يرث ولا يكون محرماً إلا إذا تم إرضاعه حسب القواعد الشرعية المفصلة لذلك والسلام.(13/239)
السنة في الجلوس وقت الإفطار
المجيب د. أنيس بن أحمد طاهر
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 4/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل يعتبر الجلوس على الأرض للإفطار بعد الصيام من السنة أم من العادات فقط
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأمر في ذلك واسع، ولم يرد شيء في استحباب أكل الطعام والإنسان جالس، ولكن إن كان الجلوس أيسر عليه فليجلس، وإن كان الأيسر عليه الجلوس على كرسي ومائدة فليجلس عليها، فلم يرد شيء من الحديث يدل على استحباب الجلوس على الأرض دون الجلوس على الكراسي والموائد.(13/240)
قتل النمل للتداوي!
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 25/10/1425هـ
السؤال
هل يجوز قتل النمل، وذلك لأنه قد قيل إن حمض النمل يقتل بصيلات الشعر، فبعد دهن الجسد بالنمل المقتول، يزول الشعر ولا يخرج مرة أخرى؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لعلي أفصّل قليلاً في هذه المسألة على النحو التالي:
(1) إذا كان النمل مؤذيًا جاز قتله؛ لعموم حديث: " خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ؛ الْحَيَّةُ وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْحُدَيَّا". أخرجه البخاري (3314) ومسلم (1198) . ويلحق بهذه الخمس كل مؤذٍ من الحشرات وغيرها.
(2) إذا لم يكن النمل مؤذيًا فلا يقتل، وقتله إما محرَّم وإما مكروه على خلاف بين العلماء في ذلك، لحديث: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصُّرد. أخرجه أبو داود (5267) وابن ماجه (3224) . ولأنه لا ينتفع بقتله في هذه الحالة.
(3) إذا احتيج إلى قتل النمل من أجل استعماله في التداوي، ولم يكن هناك ما يقوم مقامه، فالذي يظهر لي جواز قتله والانتفاع به كدواء، لوجود الحاجة الداعية لذلك. والله أعلم.(13/241)
تربية الحَمَام
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 13/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال عليه الصلاة والسلام لما رأى رجلاً يتبع حمامة: "شيطان يتبع شيطانة"، وذكر ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: أن اللعب بالحمام من خوارم المروءة، فما حكم تربية الحمام وبيعه؟ وهل يجوز اللعب به إذا لم يله عن الصلاة؟ وإذا صاد حمامي من حمام الجيران فهل يجوز أخذه؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده، وبعد:
فخوارم المروءة ليست فعل المحرمات، وإنما هي ما يترفع عن فعله أهل الذوق التام، والوقار والرزانة، ولا شك أن اللعب بالحمام من خوارم المروءة بهذا الاعتبار، وقد يكون حراماً إذا تضمن الاطلاع على عورات المسلمين أو إيذائهم.
وأما من اتخذ الحمام يقصد تكاثر فراخها ليبيعها، أو ليأنس بها، أو لمصلحة أخرى، فلا مانع منه، ولا يكون من خوارم المروءة، واللّعب بالحمام إذا لم يتضمن محرمًا فليس بحرام في نفسه، وإن كان أهل الوقار يترفعون عنه.
ومتى اصطاد حمامك حمامًا مملوكًا وجب عليك رده لصاحبه إن عرفته، أو إطلاقه ليعود بنفسه لصاحبه، ولا يسوغ لك حبسه عندك، أو إعطاؤه ما يمتنع بسببه من العودة لمالكه؛ لأن هذا من أخذ المال بغير حق. وفق الله الجميع لهداه، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.(13/242)
الذبح لقطع شجرة السدر
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 17/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في بيتنا شجرة سدر، وهذه الشجرة تضايقني وأريد قطعها، ولكن أهلي لا يقبلون بذلك؛ لأن هناك معتقد شائع عندنا في العراق وهو أن شجرة السدر إذا قطعت دون أن يذبح لها الشخص ذبيحة فإن مكروها سيحصل لأهل بيت الذي قطعها، فهل شجرة السدر لها مكانة خاصة، بحيث لا يجوز قطعها بدون ذبح فداء، أم أن هذا مجرد خرافات؟ وجزاكم الله كل خير.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يكره أن يعبث الإنسان فيقطع السدرة التي يستفاد بظلها أو ثمرها أو ورقها، لما ورد عند أبي داود (5239) والنسائي في الكبرى (8611) ، وغيرهما من حديث عبد الله بن حبشي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار".
وأما إذا كانت في مكان يحتاجه الإنسان لزراعة أو بناء بيت، أو وضع طريق، أو احتاج عودها - ساقها وفروعها- في عمل أبواب أو خلايا نحل، أو تسقيف سطح، أو آذته في البيت بشوكها، أو نحو ذلك، فإنه يباح له قطعها لتلك الأغراض.
أما الذبح لها فهذا شرك لا يجوز فعله ولا اعتقاده؛ لأنه ينافي التوحيد، فلا يذبح إلا لله، في الأغراض التي أمر بها الشرع أو حث عليها، أو أباحها مثل الهدي للحاج، والأضحية، وعقيقة المولود، وإكرام الضيف.
أما الذبح للأشجار أو الأحجار، أو الأماكن، أو لأي مخلوق آخر، لتقديسه أو التقرب إليه بذلك أو لجلب نفع لا يغفره الله لصاحبه، لقوله تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء:116،48] فعلِّمي أهلكِ الصواب، وخوفيهم بالله؛ ليزول الجهل الذي هم فيه، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة. والله الهادي إلى سواء السبيل.(13/243)
هل هذا من التشبه؟
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 10/06/1426هـ
السؤال
انتشر في الإنترنت استخدام الرجال لأسماء نساء، واستخدام النساء لأسماء رجال في الحوار بالمنتديات، وبعض النساء تتحجّج بأن ذلك يحميها من تحرش الرجال بها، فهل يعد هذا من التشبه المنهي عنه؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
لا يعد هذا من التشبه المنهي عنه، فالتشبه المحرم هو أن تتشبَّه المرأة بالرجال في شيء من صفاتهم وخصائصهم، كاللبس والمشية، وتقليد الرجال في مظاهرهم وأصواتهم والعكس صحيح، أما مجرد الاسم فلا يظهر فيه تشبه، وقد تحتاج المرأة أن تشارك في المنتدى باسم رجل حتى تسلم من عبث العابثين وتحرش السفهاء، وليس هذا بمذموم، أما تسمّي الرجل باسم المرأة في المنتديات فعمل لا يليق بالعفيف؛ لأنه قد تظنه النساء المشاركات امرأة انخداعاً بالاسم، فيتجاسرن بمراسلته ومد الصلة معه وتوثيقها، فيقعن في محاذير كُنّ في الأصل حاذرات لها.
والله أعلم.(13/244)
اكتشفت أنها غير بكر.. فهل أستر عليها؟
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 26/06/1426هـ
السؤال
عمري فوق الأربعين، طلقت زوجتي ولي منها أولاد، فدلني أهل الخير على أخت فاضلة يعرفون عنها كل خير، وتساعد الفقراء وتكفل الأيتام، لم يسبق لها الزواج، وعمرها فوق الثلاثين، فنصحوني أن أخطبها مخافة عليها، وبعد الدخول وجدتها ثيباً، فأخذتها إلى الطبيبة فتأكدت من ذلك، فخشيت أن أفضحها لو أفشيت الأمر لأحد، فالمرأة محمودة السيرة عند الناس وسمعتها حسنة، لها معي سنة تقريباً، فماذا أعمل، ضميري يؤنبني: هل أستر عليها؟ أخشى أن يكون هذا من الستر على امرأة مستحقة لحد من حدود الله، هي تعاملني معاملة جيدة، وأنا سعيد بها، وهي تعلم أني سترت عليها هذه الفضيحة، أفيدوني أفادكم الله.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:-
لا تُفشِ الموضوع لأحد، وعليك أن تستر عليها، فمن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ولا مصلحة في إفشاء أمرها وفضحها، فالأمر قد وقع وانتهى، هذا إذا كانت -فعلاً- قد فقدت بكارتها بفاحشة، ثم إن الأصلح لها الآن هو الستر والصبر عليها، واستصلاحها وإشعارها بأن باب التوبة ما زال مفتوحاً أمامها، وأن خطأ الأمس يصلحه صلاح اليوم، وأن من رحمة الله بها أن رزقها من يستر عليها فينبغي أن تقابل هذه النعمة الربانية والمنحة الإلهية بالشكر والحمد والتوبة من الفواحش، ثبتنا الله وإياها على الحق. ولتعلم أن حد الزنا لا تجب إقامته إلا بإقرار الفاعل عند القاضي، أو ثبوت زناه بشهادة أربعة شهود عدول، ولا يجب على كل من زنى إذا أراد التوبة من الزنا أن يقرّ بزناه عند القاضي، بل يكفيه أن يصدق توبته، وأن يحسن فيما بقي، فمن أحسن فيما بقي، غفر له ما مضى، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وما بقي. وفقك الله وستر عليك في الدنيا والآخرة.(13/245)
الاسترجاع عند المصيبة
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 29/05/1426هـ
السؤال
السلام عليكم
هل ثبت في السنة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنا لله وإنا إليه راجعون" عندما سمع عن وفاة أحد؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استرجع لما مات عبد الله بن ثابت -رضي الله عنه- فقد أخرج مالك في الموطأ (552) ، ومن طريقه أبو داود (3111) ، والنسائي (1846) عن جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَابِتٍ فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ، فَصَاحَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُجِبْهُ فَاسْتَرْجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: "غُلِبْنَا عَلَيْكَ يَا أَبَا الرَّبِيعِ". فَصَاحَ النِّسْوَةُ وَبَكَيْنَ، فَجَعَلَ ابْنُ عَتِيكٍ يُسَكِّتُهُنَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "دَعْهُنَّ فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ".
وفي صحيح مسلم (918) من حديث أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا. إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا". قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَة، َ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَت: ْ أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ فَقُلْت: ُ إِنَّ لِي بِنْتًا وَأَنَا غَيُورٌ فَقَال: َ" أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ". هذا والله أعلم.(13/246)
المرأة بين القرار في البيت وإجابة الدعوة
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية
التاريخ 23/09/1426هـ
السؤال
كيف تجمع المرأة بين أمر الله لها بالقرار في البيت، وبين إجابة الدعوة وزيارة الأقارب والجيران والصديقات، علماً أن كل تلك الدعوات ضرورية، كما أنها لا تحصل فيها منكرات -بإذن الله- وإنما اجتماع فقط، وإذا كانت العائلة تخرج في أيام الإجازات وفصل الربيع للمخيمات في البر، وتكون النساء بمعزل عن الرجال، فما حكم عدم خروج إحدى نساء العائلة، وتعذرها بالقرار في البيت كما أمرت علماً أنها تخرج يومياً للعمل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا بأس أن تخرج المرأة إلى حاجتها من زيارة وصلة رحم وعيادة مريض ونحو ذلك من الأمور المستحبة أو المباحة، غير متبرجة بزينة، ولا تضرب برجلها ليعلم ما تخفي من زينتها، وما شابه ذلك من الأفعال والأقوال التي تطمع من في قلبه مرض، وهذا لا ينافي الأمر بالقرار، إذ المقصود أن لا تكون خرّاجة ولّاجة، فالأصل القرار والخروج لضرورة أو حاجة استثناء.
أما امتناع امرأة عن الخروج إلى المخيمات البرية، فإن كان بسبب منكر علمته أو غلب على ظنها وقوعه فهو المتعين، وإن لم يكن لذلك فلا ينكر عليها لأن الأصل القرار، ويمكن أن تحصل الصلة في غير البراري، والله أعلم.(13/247)
وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل(13/248)
العمل في القنوات الفضائية
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ المعاملات/العمل والعمال
التاريخ 3/8/1422
السؤال
هل العمل في المحطات التلفزيونية، أو العمل في المجال الاعلامي يجوز، حيث أعمل بوظيفة محاسب في إحدى القنوات العربية المشفرة، فما موقف الشرع من هذا العمل، خاصة في هذه الأيام بالرغم من أن المحطة تبث برامج منوعة منها ما هو ديني، وما هو تعليمي ورياضي وموسيقي إلخ، أفيدوني أفادكم الله؟
الجواب
أولاً: نشكر السائل الكريم الذي ينم سؤاله عن حرصه على دينه وعلى تقوى الله - عز وجل - وأكل الحلال.
ثانياً: لا يخفى على كل ذي لبّ تأثير وسائل الإعلام المتنوعة لا سيما القنوات الفضائية على الأسر لا سيما الشباب والفتيات، ولما في كثير منها فساد وشرور، وتحبيب للفاحشة، ومن عروض للمناظر المحرمة، والموسيقي والأغاني الماجنة، ولما فيها عموماً من صدّ عن ذكر الله وعن الصلاة، وهي بهذه الصورة عظيمة الخطر؛ لتعدى شرورها إلى بلدان واسعة ومدن كثيرة، فضلاً عن المنازل والأسر.
ثالثاً: فيما يظهر من سؤال السائل أن القناة التي يعمل فيها هي من هذا القبيل، أو قناة يغلب عليها ذلك، أو على الأقل يغلب ما فيها من الفساد على ما بها الصلاح، وهذا هو واقع أغلب القنوات التجارية، فإننا لا نرى جواز العمل فيها حتى لو لم يكن مباشراً للفساد؛ لأنه معين عليه، وخادم له، وضابط لحساباته التي هي قوام عمله، وقد قال - سبحانه -:" ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ".
وننصحه بترك العمل فيها، والبحث عن عمل آخر يكون خيراً له وأتقى لله، وليعلم أن الأرزاق بيد الله، وهي مقدرة سلفاً، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
رابعاً: ننصح جميع المسلمين العاملين في تلك القنوات أن يدركوا خطورة ما هم فيه واشتراكهم في كل إثم تبثه القناة، وكل فساد حصل بسبب ذلك، وليذكروا سؤال الله لهم يوم لا ينفع مال ولا بنون، ويستثنى من ذلك من كان عمله في القناة في الإصلاح، وفي برامج مفيدة دون غيرها، أو من كان ساعياً لزيادة الصلاح، وتقليل الفساد فلا بأس ببقائه ما دام الأمر كذلك، والله أعلم.(13/249)
وسائل لمحاربة الإعلام الفاسد
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 10/8/1422
السؤال
لدي بعض الخطط الخاصة والتكتيكات للمناورة مع الإعلام المسلط وبحث خفاياه وتوريطه بأسلوب خاص، وخصوصاً الجرائد والمجلات: مثل خضراء الدمن والممات، فما هي أفضل وسيلة لاستخدام مثل هذا؟
الجواب
جواباً على الأخت السائلة التي تكرمت بعدة أسئلة في مجال الإعلام مما يدل على اهتمامها وفقنا الله وإياها لكل خير.
ورد في سؤالها ما نصه: لدي بعض الخطط الخاصة والتكتيكات للمناورة مع الإعلام المسلّط وبحث خفاياه وتوريطه بأسلوب خاص وخصوصاً الجرائد والمجلات. . . فما هي أفضل وسيلة لاستخدام مثل هذا؟
والجواب: إن الأولى السؤال عن جدوى الخطط والتكتيكات والمناورات والتوريط وهل هذا مقبول أم لا؟
أعتقد أن باعث السائلة على تلك الوسائل فضح بعض وسائل الإعلام المغرضة، وتحذير الناس منها، وهذا هدف نبيل نبه القرآن الكريم عليه في قوله - تعالى -: ((وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين)) [الأنعام: 55] . ولكن نبل الهدف لا يسوّغ الوسائل الموصلة إليه، ومن الممكن تحقيقه بغير التوريط والمناورة. . , وإذا كان التكتيك والمبادرة والتوريط قد يحقق هذا الهدف ولكنه يفوت هدفاً أهم وهو التأثير الإيجابي على العاملين في تلك الوسائل، سواء بإقامة الحجة عليهم أو هدايتهم للحق.
وأفضل وسيلة لتحقيق تلك الأهداف من إظهار الحق وبيان ضلال تلك الوسائل وتحيزها هو الدراسة الموضوعية لعدة أعداد (سنة مثلاً) دراسة استقرائية تحليلية لما ورد فيها، وبالإمكان أخذ قضايا معينة، مثل قضايا الجهاد أو قضية فلسطين أو الحجاب أو المرأة أو غير ذلك.
وتلك الدراسة تحتاج إلى باحث موضوعي منصف، فكما أنه يظهر الزيف والباطل في تلك الصحيفة فعليه أن يكون مستعداً لإبداء الأمور الإيجابية، وهذا من العدل الذي أمر الله به (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) [المائدة:8] .
وعندئذ سيقبل كلامه وسيؤثر على الآخرين ويبين الحقيقة، كما سيوجب على تلك الوسائل تعديل طريقتها ومراجعة أمرها خوفاً من فقد جمهورها وانكشاف حالها. ونأمل من السائلة أن تكون قادرة على ذلك ونشكرها على سؤالها، سائلين الله - عز وجل - لنا ولها التوفيق والسداد.(13/250)
السيرة النبوية في فيلم سينمائي؟
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/فقه الدعوة
التاريخ 22/7/1422
السؤال
أكملت إحدى شركات الإنتاج السينمائي العربية فيلماً بالرسوم المتحركة عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيعرض الفيلم الذي يصدر بعنوان " محمد خاتم الأنبياء " في دور السينما ويقولون إن الفيلم سيساعد على تصحيح الأفكار الخاطئة عن الإسلام.
السؤال / هل يجوز استخدام مثل هذه الآلية في مجال الدعوة؟ أفيدونا جزاكم الله خير.
الجواب
صدرت فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برقم / 4923وبتاريخ 11/7/1402هـ برئاسة الشيخ / عبد العزيز بن باز _رحمه الله _ وعضوية الشيخ / عبد الرزاق عفيفي رحمه الله
والشيخ / عبد الله بن غديان والشيخ / عبد الله بن قعود. كما صدر قرار برقم 13عن هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية تمنع أن يقوم ممثلون بتمثيل أدوار الصحابة رضي الله عنهم، ونرى أنها تنطبق من باب الأولى على سؤالك. وإليك خلاصة قرار هيئة كبار العلماء:
1- إن الله سبحانه وتعالى أثنى على الصحابة وبين منزلتهم العالية ومكانتهم الرفيعة وفي إخراج حياة أي واحد منهم على شكل مسرحية أو فيلم سينمائي منافاة لهذا الثناء الذي أثنى الله عليهم به، وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها الله تعالى لهم وأكرمهم بها.
2- أن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعاً للسخرية والاستهزاء به ويتولاه أناس غالباً ليس للصلاح والتقوى والأخلاق الإسلامية مكان في حياتهم العامة، مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة للكسب المادي، وأنه مهما حصل من التحفظ فسيشتمل على الكذب والغيبة، كما يضع تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم بأنفس الناس وضعاً مزرياً، فتتزعزع الثقة بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وتخف الهيبة التي في نفوس المسلمين من المشاهدين وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم والجدل والمناقشة في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
3- ما يقال من وجوه المصلحة وهي إظهار مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، مع التحري للحقيقة، وضبط السيرة وعدم الإخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه رغبة في العبرة والاتعاظ، فهذا مجرد فرض وتقدير، فإن من عرف حال الممثلين وما يهدفون إليه عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين، ورواد التمثيل وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم
4- من القواعد المقررة في الشريعة أن ما كان مفسدة محضة أو راجحة فإنه محرم، وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه فمفسدته راجحة فرعاية للمصلحة وسداً للذريعة وحفاظاً على كرامة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يجب منع ذلك.(13/251)
قناة المجد في الميزان
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 20/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد ظهرت في هذه الفترة الأخيرة قناة (المجد) وقد وثّقَها كثير من أهل العلم البارزين، مما جعل الناس يقبلون عليها بكل ثقة وأمان. وهذا رائع وجميل، وسأقف معها وقفات أرجو فهْم مرادي وبيان الحكم:
• وصفها بأنها إسلامية 100% فيه نظر، لأن أغلب ما فيها بعيد كل البعد عن الإسلام كما تعلّمنا.
• تربية الأطفال عليها، وأنها وما تحمله خير يجب اتباعه والالتزام بمنهجه، وذلك إذا سأل الطفل أحد والديه عنها قالوا: تابعها فإنها إسلامية، فينشأ في ذهنه أن كل ما فيها حق لا يرد.
• التساهل في كثير من الأمور التي تكلَّم فيها العلماء الأفاضل. فماذا بعد الحق إلا الضلال.
• الإكثار من الحركات الفكاهية والألعاب، حتى ينشأ عن ذلك أخذ صورة بأن الإسلام دين مرح ولعب. أسألك بالله، هل حال أمتنا الآن يجعلنا نربّي أطفالنا على هذا؟
• اتخاذ الأناشيد شعارًا لكل برنامج، حتى الأخبار ما سلمت من هذا. فوالله إنها تذكرني بالقنوات الفضائية الأخرى؛ حيث لا بد من النغمات الموسيقية. أما الآن فأريد أن أعرض لك بعض ما رأيته فيها، وأنت احكم بما آتاك الله من علم ودراية وخبرة:
• بعض المذيعين -ممن نحسبهم من الصالحين- لا يهتم في لباسه، فترى فيه الإسبال.
• بعض المذيعين- ممن نحسبهم من الصالحين- يكثر من المزاح حتى أساء الناس النظر إلى الصالحين.
• إن بعض الأناشيد أقسم بالله العظيم ثلاثا إنها شبيهة بالأغاني! ولا تختلف عنها إلا في الكلمات.
• وبعد هذا قل لي بربك ما الحكم الشرعي في هذا؟ وهل ينبغي لنا السكوت، أم ماذا نعمل؟ أنا لست محاربا لهذه الأعمال الدعوية ولكن بشروط موافقة للشرع الحنيف, أليس كذلك؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد..
نشكر السائل الكريم على ثقته وحسن ظنه ومحبته، ونسأل الله -تعالى- أن يبلِّغنا بفضله وجوده وكرمه ما ذكره السائل من الإخلاص والتوفيق والثبات، كما نسأل الله للسائل أن يوفقه لقصد الحق واتباعه والدعوة إليه.
فإن الكلام عن قناة المجد وما ذكره السائل من أطروحات فالكلام عليه من وجوه:
الأول: ليس هناك قناة إسلامية صائبة 100%،بل ولا مجلة إسلامية، بل ولا كتاب من تأليف البشر كذلك.
ووصف البعض بأنها إسلامية له معنى صحيح، وذلك لما فيها من تحري الخير وغلبته، والابتعاد عن الحرام قدر الإمكان، ولا يعني هذا الوصف خلوها من الأخطاء؛ إذ وصف الكتاب بأنه إسلامي لا يعني خلوه من الأخطاء، ووصف الدولة بإنها إسلامية لا يعني أيضًا أنها كذلك 100%.
فإن قناة المجد عمل بشري كسائر الأعمال البشرية التي يكتنفها الخطأ، ولا تدعي لنفسها العصمة، والمعول في الشرع على الخير الغالب، وهي وإن كان يحدث فيها بعض الأخطاء التي قد تنسب إلى بعض الأفراد، فلا يصح أن يبنى عليه حكم عام.(13/252)
وقول السائل إن أغلب ما فيها بعيد كل البعد عن الإسلام قولٌ مجافٍ للعدل والإنصاف؛ إذ إن هذا الوصف لا ينطبق حتى على بعض القنوات الأخرى.
الثاني: أتفق مع السائل بوجود بعض الأناشيد بالقناة والتي فيها خلاف بين أهل العلم، حيث إن عامة العلماء يرون حرمة ذلك إذا اقترن بآلات اللهو (الموسيقى) ، والذي فيه أدلة صريحة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَيَكُونَنَّ مِن أُمَّتي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ والخَمْرَ والمَعَازِفَ". رواه البخاري (5590) . أو اشتمل على دعوة إلى الفاحشة والفجور، كما هو موجود في عامة القنوات الأخرى، أو اشتمل على الصد عن سبيل الله، كما يفعل المشركون، أو كان على سبيل التعبُّد، كما يفعل الصوفية، وأما ما في القناة فلا أعلم اقتران النشيد بشيء من ذلك، غاية ما هنالك اجتهاد من بعض العلماء يقابله اجتهاد آخر، فالمسألة اجتهادية ليس فيها نص صريح يوجب المقاطعة والإنكار، وهي لا تختلف عن الأغاني في الكلمات، كما ذكر السائل، فحسب، وهو فرق مهم، ولكن في مصاحبة آلات اللهو أيضًا، وهي أقرب ما يكون للحداء الموجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم لأنجشة: "يا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ سَوْقًا بالقَوَارِيرِ". أخرجه البخاري (6149) ومسلم (2323) . ومع ذلك فإنني أوافق السائل في مراجعة القناة لنفسها لتخفيف تلك الأناشيد، والتي يقترب بعضها من الألحان والتي آذت كثيرًا من المؤمنين.
الثالث: ما يتعلق بالإكثار من الحركات الفكاهية والألعاب، فأنا أتفق مع السائل بأن ذلك يزداد في فصل الصيف، ويتفق معنا عدد من المشاهدين بتفضيل البرامج الجادة والمفيدة التي تمتلئ بها القناة، ولكن الإشكال: هل جميع المشاهدين هم كذلك؟ أم أن تلك البرامج (الفكاهية والألعاب) لها جمهورها الذين يريدون الترويح بين البرامج المفيدة الجادة ببرامج مباحة، والذين كثير منهم إن لم توجد هذه البرامج ربما انصرفوا إلى القنوات الأخرى التي تمتلئ بشر من ذلك، فما دام ما يعرض ليس بمحرم فالأمر فيه سعة, والحمد لله.
الرابع: أتفق مع السائل بوجود بعض المنكرات على بعض المذيعين وبعض المشاهد في القناة، والتقصير وارد، والدين النصيحة، ولكنني أعذر القائمين على القناة في كثير من ذلك، بل لا يحرم على القناة الاستفادة من الكفار لتحقق أهدافها الخيرة، فضلًا عن عصاة المسلمين، وذلك لندرة المتخصصين من الصالحين في المجالات الإعلامية مما تدعو الحاجة الماسة للاستعانة بمن هم دونهم، وقد استعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد المشركين للدلالة على الطريق في الهجرة للمدينة- انظر طبقات ابن سعد 1/229.(13/253)
بل وفي أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل- صحيح البخاري- روايات أحاديث نبوية من بعض الخوراج المشهورين كعمران بن حطان، كما روى غيره من أهل السنن عن أبي حسان الأعرج، كما ذكر أبو داود في سؤالات الآجري الذي يعلم أهل الشأن أن المصلحة متحققة في الرواية عنهم ولانتفاء الكذب عنهم. وليس لأحد أن يقول إن هذا توثيق من كل جهة وتصحيح لمذهبهم، فاستضافة القناة لبعض من يستفاد منه من أطباء ومتخصصين -ولو كان لديه بعض المنكرات الخاصة به- هو ظاهر في غلبة المصلحة، والحكمة ضالة المؤمن.
كما أنني أنصح نفسي والإخوة الصالحين -لا سيما الذين يظهرون في وسائل الإعلام ويقتدى بهم- أن يتحروا مرضاة الله تعالى، وإظهار شعائر الإسلام والالتزام بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
الخامس: أنني أدعو السائل إلى تقدير العمل الإسلامي والمشاريع الخيرة، ولا شك أنه فرق بين القنوات التي تبث دون قيود وتنقل كل شيء من هنا وهناك دون جهود، بل وحتى دون أهداف خيرة، بل وأهداف سيئة أحيانًا، وبين هذه القناة وأمثالها التي تستحق الشكر والدعاء.
وقول السائل: هل ينبغي لنا السكوت؟ فالجواب عليه من وجهين:
الأول: بل ينبغي الإشادة بالمشاريع الخيرة أمثال هذه القناة، ولا يمنع هذا من مناصحة القائمين عليها والتواصل معهم في أي خطأ والدين النصيحة.
والثاني: لماذا يسعنا السكوت عن مئات القنوات الأخرى التي تمتلئ بالفجور والسفور؟ والشيطان يزين محاربة هذه الأعمال بحجة الأخطاء، وقد قال بعض السلف لمن اشتغل بعيوب إخوانه والتشهير بهم: (سلم منك اليهود والنصارى ولم يسلم منك إخوانك) .
إن من الحكمة والعقل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاعدة عظيمة، ذكرها العلماء -رحمهم الله تعالى- في قاعدة الصلاح والأصلح، أن يتحمل بعض الفساد الأقل في سبيل تحصيل الخير الأكبر، وقد فعل ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في ترك قتل المنافقين؛ حتى لا يقال إن محمدًا يقتل أصحابه- انظر صحيح البخاري (3518) ومسلم (2584) - وفي عدم إعادة بناء الكعبة- انظر صحيح البخاري (1585) ومسلم (1333) .
ولا شك أن محاربة بعض المشاريع الخيرة من البعض والتشهير بها داخل في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف والصد عن سبيل الله وصارف للناس عن هذه القناة وأمثالها إلى شر منها- إذا سلمنا بوجود شر كثير فيها- وأن كل من له أدنى بصيرة ونظر واطلاع إلى ما في القنوات يعلم الفرق الكبير بين هذه القناة وبين غيرها. وللأسف أن يسلط بعض الأخيار على هذه القناة بالتشهير وإبراز العيوب ووأد المحاسن.
السادس: اعلم أن لتلك القناة هيئة شرعية معلنة من كبار العلماء، كفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع عضو هيئة كبار العلماء، والشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين الرئيس العام لشئون الحرمين الشريفين، وغيرهم، وهذا دليل تحريهم الخير وحرصهم عليه، وأوصي أن يقوم بواجب النصيحة تجاههم وإبداء ما يراه من ملاحظات ويحتسب الأجر في ذلك على الله تعالى.
السابع: ما ذكره السائل من توثيق أهل العلم البارزين ممن لا يحصون كثرة لهذه القناة- صواب، وهذا دليل على قبول تلك القناة إجمالًا من أهل الخير.(13/254)
الثامن: علينا أن نحسن الظن بإخواننا الباذلين العاملين وأن نشجعهم، وأن نبذل لهم النصيحة والعون في هذا البحر المتلاطم من الوسائل الإعلامية التي تمتلئ بالسفور والمجون بل وحتى الفاحشة والفجور.
كما أنني أشكر السائل على إثارة هذا الموضوع وعلى غيرته الطيبة التي أرجو أن يرشدها إلى ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.
وفقنا الله وإياك لكل خير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(13/255)
صليب في جوال النوكيا!
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 21/10/1424هـ
السؤال
سؤالي عن الصليب الموجود في شاشة جوال النوكيا في أسفل الشاشة على اليسار، وهو صغير ومغطى بقوس من فوقه للتمويه، هل نحمله في جيوبنا، وهل ندخل به في المساجد؟ ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمن المعلوم أن لبس الصليب، ولبس ما يحتوي على الصليب لا يجوز، ولا شك في هذا، ولكن من المهم أن نعرف ما هو الصليب الذي لا يجوز لبسه ولا حمله.
إن من الناس من يشدد في هذه المسألة تشديداً يفضي إلى العنت والمشقة والحرج، فكل خطين متقاطعين هو عنده من قبيل الصليب الذي يجب طمسه ولا يجوز حمله ولا لبس ما يحويه، وهذا تشديد ما أنزل الله به من سلطان، وتعنيت لم يرده الإسلام.
هذه الخطوط المتقاطعة والأشكال المزخرفة والعلامات التي ترمز إلى مصطلحات معينة أو أوامر، أو دلالات ليس من قبيل الصلبان المنهي عن لبسها أو حملها.
ولو أخذنا بهذه النظرة لوقعنا في حرج عظيم وانشغالٍ بالطمس والتغيير يستغرق أوقاتنا عما هو أهم وأجدى، مثلاً حرف الـ (t) ، وعلامة (+) يظهر فيها شكل الصليب بشكل واضح، لكن يجوز قطعاً استخدامها والكتابة بها؛ لأنها تكتب على أنها حروف وعلامات، لا يقصد منها شعار الصليب ولا حتى الرمز له.
وما أشرت إليه من العلامة الموضوعة في أسفل شاشة جوال النوكيا في الزاوية اليسرى السفلية، والتي وضعت رمزاً إلى مدى قوة الإرسال ليس صليباً واضحاً، بل هو يحكي صورة أبراج الشبكة، وهو إلى صورتها أقرب منه إلى صورة الصليب المعروفة، فلا يهولنك مثل هذا، واشتغل بما ينفعك، ولا تضيق أمراً لك فيه سعة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/256)
وضع الدش والتحكم فيه
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 12/6/1424هـ
السؤال
أود شراء الطبق وأخاف جداً، ولكني أنوي تشفير كل القنوات غير الهادفة، وأترك لي ولأولادي قناة المجد وكل الهادف إن شاء الله، وأحفِّظ أولادي القرآن، وأحضر لهم من يعلمهم أمور دينهم من الأخوات، ولكنهم يشعرون أنهم في حاجة إلى الترفيه بمشاهدة أفلام الكرتون، وسوف أربي فيهم الضمير أكثر وأكثر -والله المستعان-، فما رأيكم في شرائه لهذه الأهداف، وسماع دروس العلم منكم أيضاً؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد كانت الأطباق الفضائية (الدشوش) في أول وقت ظهورها سلاحاً يحتكره المفسدون ليبثوا سمومهم ويروّجوا أفكارهم ويفسدوا على الناس دينهم، وكان اقتناؤه في البيوت في تلك الفترة يُعد تفريطاً في رعاية الأمانة، إن لم يكن صورةً صارخة للخيانة! وأي خيانة أعظم من خيانة أمانة الله في الأهل والولد.
ومرَّت السنون، ووجد الأخيار أن محاربة تلك القنوات الهابطة المفلسة لن تُجدي جدواها المنشودة إلا بمنافسة ما فيها من الخبيث المفسد بالطيب المفيد.
وأيقن الأخيار أيضاً أن الانخذال عن تقديم البديل الهادف إنما هو هزيمة واضحة في ميدان مدافعة الباطل بالحق ومجابهة الشر بالخير. كما أدركوا أن تحذير الناس من اقتناء الأطباق الفضائية لن يجدي وحده في رد الناس عن مشاهدة تلك القنوات الساقطة.
فكان لابدّ أن يُطوّعوا هذه التقنية ويوظفوها في الإصلاح والتربية على الفضائل والأخذ بأيدي الناس وملء فراغهم بكل ما ينفعهم في معاشهم أو معادهم.
وقناة المجد شامة بين تلك القنوات، وظهر لنا من برامجها أنها قناة لا تقصد الربح على حساب المبادئ والأخلاق، ولا تستدر الأموال من خلال إثارة الغرائز. ولكنها قناة ذات رسالة سامية ومقاصد جليلة. فكانت جديرة بالاقتناء.
فلا حرج إذن أن تقتنوا الدش، ولكن بشرط أن تحجبوا كل القنوات الفاسدة، والتي يصعب إحكام الرقابة على ما فيها من المخالفات بسبب كثرتها ودخولها في أكثر برامجها، وربما تفجؤك في غير مظانها، فالسلامة أن تحجب القناة التي هي على هذه الشاكلة كلّها.
ولتبقى المشاهدة متاحة للقنوات النافعة التي تخلو أو تكاد تخلو من المنكرات، كقناة المجد، وبعض القنوات الإخبارية المعروفة التي تتيسر مراقبة برامجها.
إن الزمان قد تغير، وما يصلح في العصر الماضي قد لا يصلح في هذا العصر، ولا بد من الأخذ في كل عصرٍ بأدواته وتطويعها للصالح المفيد، الذي يجمع بين التسلية والإفادة.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/257)
مقاهي الإنترنت
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 29/11/1423هـ
السؤال
السلام عليكم وبعد: أنا شاب أملك (café cyber) الإنترنت. وأود معرفة الحكم الشرعي، هل هذه المهنة حلال أم حرام؟
الجواب
إذا كان المقصود ما يعرف بمقاهي الإنترنت فالذي يظهر لي - والله أعلم - هو جواز ذلك إذا تحققت فيه الضوابط التالية: وهي استخدام المرشحات القوية للمنع من تصفح المواقع المحظورة، مع ضرورة قطع الاتصال بالشبكة متى ما تعطلت هذه المرشحات.
وأن تكون الأجهزة مكشوفة حتى يسهل مراقبتها، فكم وجد من الطوام والفظائع في الغرف المغلقة.
وتفقّد الأجهزة كل حين؛ لتنظيفها من كل ما قد يحفظ فيها من الصور أو المواقع المحرمة ونحو ذلك مما يستعان به للوصول إليها.
هذا مع ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومسؤولية صاحب المقهى أو من يقوم مقامه في ذلك أعظم من غيره، فله في محله سلطان كسلطان الأب في بيته.
وبعد، فإن الأخذ بهذه الضوابط واجب حتم لكل من أراد الاستثمار في هذا المجال، ولكن المأمول من الأخ السائل فوق ذلك بكثير، وليس يقنعنا منه مجرد تطهير محله من أن يكون وكراً للفساد، بل إننا ننتظر منه أن تكون له سابقة في استثمار المقهى في دعوة الشباب وشغل أوقاتهم بالنافع المفيد.
إن في جملة الشباب المترددين على هذه المقاهي من المهارات والطاقات ما يحتم علينا استثمارها وتوظيفها في سبل الخير، ونجاح هذا مرهون بقوة التأثير والاجتذاب التي لا تتحقق غالباً إلا من خلال التجديد والابتكار واستغلال تقنيات هذا العصر.
إنني أدعو هذا السائل وغيره من الأخيار الصالحين الذين يرغبون الاستثمار في هذا المجال إلى الأخذ بهذه الوسائل والاجتهاد في استغلالها، حتى يجعلوا من هذه المقاهي موطناً للهداية والإفادة، وحتى يعلم الناس أن المقاهي ما هي إلا أداة تصلح أن تكون نواة للخير، وليست حكراً على الفساد، وأرى أن تطرح هذا المشروع في منتديات الإنترنت، فلعلك أن تحظى ببعض الأفكار في هذا، ولن يعدم المجتهد وسيلة مؤثرة في دعوة الشباب وإفادتهم.
جعلنا الله وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يوفقنا لمرضاته ويستعملنا في طاعته والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/258)
الزواج عبر الإنترنت
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 20/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحببت أن أسأل فضيلتكم عن حكم تصرَّف صديقتي، فهي قامت بإعلان في أحد مواقع الزواج، تراسلت مع أحدهم وتلتقي معه في مواقع التشات؛ حتى تتعرف على شخصيته، فهي أخبرتني أن ذلك هو السبيل الوحيد لمعرفته بوضوح، دون اللجوء للمكالمات الهاتفية المحرمة، بحكم أن كثيراً من الناس تزوجوا عن طريق مواقع الزواج والتشات، فهل دخول مواقع التشات دون استخدامها استخداماً سيئاً جائز؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد انتشرت في شبكة الإنترنت مواقع كثيرة تسهل للراغب في الزواج إعلان رغبته، وتتيح له فرصة عرض نفسه للطرف الآخر، وفرصةَ البحث عمن تتحقق فيه الصفات التي يرغبها.
وهي بهذا الهدف النبيل تُقدم خدمة جليلة ما لم تستغل في تحقيق مآرب أخرى فتصبح مطية لنوايا خسيسة، وستاراً خدّاعاً يستجرُّ الغافلات للعلاقات الآثمة.
فليست المشكلة في إنشاء هذه المواقع، وليس التخوف في حقيقة الأمر من وجودها، بل ولا ينبغي أن يكون الأمر كذلك، ولكن المشكلة كل المشكلة تكمن في نوايا رُوّادِها من دخول هذه المواقع، ومدى صدقهم فيما يحكون من صفاتهم وطبائعهم ... إلخ.
فقد يكون من هؤلاء من يقصد بدخول هذه المواقع إقامة العلاقات الآثمة مع الطرف الآخر، والتي غالباً ما تصبح شَرَكاً للفاحشة والرذيلة.
غير أن هذه الفئة قد لا يُعرف خُبثُ طويتها في بادئ الأمر، فيحتاج الطرف الآخر - حتى يستوثق من سلامة قصده وصدق عزيمته - إلى مشوار طويل في الحديث معه وتوثيق العلاقة به إما محادثة أو مكاتبة.
وقد يكون من رواد هذه المواقع من هو صادق النية جادّ الرغبة، ولكن يمارس الكذب والتدليس؛ ليُظهر نفسه في شخصيةٍ جذّابةٍ تتزاحم عليها رغبات الجنس الآخر. ومثل هذا التدليس الخفي قد لا يظهر عواره ولا ينكشف كذبه إلا بالتجربة ـ أعني تجربة الزواج ـ ولات حين مندم!.
فنحن - إذاً - أمام خدمة جليلة يُساء استخدامها كما يُساء استخدام أي وسيلةٍ.
وليس الحل - فيما يظهر لي - أنْ نتنادى بالتحذير من هذه المواقع، ولا أن نجابهها بالنكير، ومن ثَمَّ ندرجها في قائمة المواقع المحظورة!!! ونسقط كل اعتبار لمحاسنها ودورها ـ مع أن الموقع في ذاته ليس فيه أي محظورـ. وهذا لا نراه إلا من فرض الوصاية على عقول الناس، وأخذ الجميع بجريرة البعض، وتضييق المباحات عليهم واضطرارهم إلى المحرمات كالخلوة بالمخطوبة، وخروجها مع خطيبها بحجة حاجة كل منهما في التعرف على شخصية الآخر.
والحل الذي يمكن أن يدرأ هذه المفاسد، أو يخفف منها، هو توعية روّاد هذه المواقع، لا سيما النساء؛ لأنهن غالباً يقعن ضحيةً لهذا التدليس والاستغفال ثم الاستجرار إلى غاياتٍ دنيئة.(13/259)
ودور التوعية والتحذير تُناط أول ما تناط بالمشرفين على تلك المواقع قبل غيرهم، بأن يلحّوا في تحذير الفتيات من مغبة الاسترسال ـ الذي لا تستدعيه الحاجة ـ في مراسلة من يدعي الرغبة في خِطبتهن، وأن مثل هذا كافٍ في الدلالة على أن الشاب الذي يماطل في التقدم لخِطبة الفتاة ليس جادّاً في مسألة الزواج، وأن المسألة لا تعدو لديه أن تكون مجرد تسلية أو تشهٍ!
كما أرى للمشرفين على تلك المواقع دوراً آخر لا يقل أهمية عن سابقهِ، وهو أن تكون رقابتهم صارمة على الإعلانات، وكما يقال في المثل الدارج (الكتاب يُعرف من عنوانه) ، فبعض الإعلانات التي تنشر في تلك المواقع يظهر من أسلوبها عدم جدية صاحبها في مسألة الزواج، كالتي تُكتب بأسلوب ساخر، ومثل هذه الإعلانات يتعين على المشرفين حذفها وحرمان صاحبها من الإعلان مرة أخرى.
أما بشأن سؤالك عن مراسلة الشاب للتعرف على شخصيته بتفصيل أوسع مما هو معلن في الموقع، فلا أرى ما يمنع ذلك، بل نرى فيه بديلاً آمناً عن العلاقات الآثمة، والتي هي مخالفة صريحة لنصوص الشريعة، ولعله أن يكون من الحلال الذي يغني عن الحرام.
ولكن قبل ذلك لا بد من أن نقف بك على جملة من الحقائق والنصائح، والتي إن أخذتِ بها فأحسبها مانعة ـ بإذن الله ـ لهذه المراسلة أن تكون ذريعةً إلى الحرام.
أولاً: تذكري حين يراسلك من يبدي لك الرغبة في خِطبتك أنه ليس بالضرورة أن يكون صادقاً، وأن الكذب والتدليس أمرٌ واردٌ في كلامه، بل احتمال ذلك قد لا يقل عن احتمال صدقه، فما شيء يمنعه منه! فإياك أن تنخدعي بمعسول الكلام، ولا بجميل الخصال التي يزعمها لنفسه، فتتعلقي به تعلُّق المعجب المحب، ولتكن نفسك متهيِّئةً لهذا الاحتمال ـ أعني احتمال كذبه وتدليسه ـ.
ولذا، فلا تحرصي عليه إن رأيته مقبلاً عليك، ولا تبدي أسفاً عليه إن رأيته مدبراً عنك، حتى تتحققي من صدق دعواه، والتحقق من صدقه مهمة لا يضطلع بها إلا وليّك، بالسؤال عنه والتحقق من أخلاقه وتدينه....إلخ.
ثانياً: اعلمي أن المقصود من مخاطبته هو التعرف على شخصيته وما يرغبه هو في مطلوبته من الصفات والطبائع....إلخ، وهذا المقصود حاصلٌ بالمراسلة وكفى، ولذا لا أرى من ضرورةٍ لمكالمته، سواء بالهاتف أو بواسطة برامج المحادثة الصوتية عبر الإنترنت، فهذه خطوة ليس لها ما يسوِّغها، ولا الحاجة تدعو لها، وأخشى أن تُفضي إلى مزالق وخيمة، والأذن تعشق قبل العين أحياناً!
فإياك إياك أن يصل بك الأمر إلى هذه الخطوة، التي أحسبها أول خطوة من خطوات الشيطان الذي لا يني في الأمر بالفحشاء والمنكر.
فإن وجدتِ من صاحبك إلحاحاً في طلب سماع صوتك ومكالمتك، فاعلمي أن هذه الرغبة والإلحاح قرينة ظاهرة على أن في نيته دخن وفي صدقه نظر، ولا أقترح عليك أن ترفضي طلبه هذا، ولكن ارفضي الطلب وطالبَه، واقطعي كل صِلة به.
ثالثاً: اجعلي مراسلتك له محصورة فيما يتعلق بموضوع الخِطبة وما يخدم موضوعها، وإياك أن تسترسلي معه في حديث غير هذا؛ وتذكري أن مراسلته إنما ساغت لأجل مصلحة الخِطبة فحسب.
فإن طال زمن مراسلته لك ولم يتقدم لخطبتك ولم يخطُ أولى خُطواتها، فاعلمي أن هذا الرجل إما كاذب، أو غير راغب، وكلاهما لست في حاجة بعدها للاسترسال في الحديث معه.
وفقك الله لكل خير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/260)
مشاركة المرأة في التمثيليات الإسلامية
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 07/08/1425هـ
السؤال
ما حكم مشاركة المرأة في التمثيليات الإسلامية مثل ما ظهر في فلم عمر المختار وغيره؟، أريد بالأدلة إن أمكن أو دلوني على كتاب أو موقع يفيدني، فأنا باحث أحتاج إلى هذه المعلومات. ولك الشكر والتقدير.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
فإن الوسائل الإعلامية، ومنها التمثيليات، لها دور كبير في إيضاح الحقائق ونشر المعلومات المفيدة، كما هو الحال في فلم عمر المختار، ولها دور كبير جدًّا أيضًا في الفساد.
فالحكم على تلك الوسائل وما يبث فيها ومنها مشاركة المرأة ليس حكمًا واحدًا، وإنما يختلف ذلك بحسب ما يعرض، ويعود إلى أمرين:
الأول: عدم مخالفة النصوص الشرعية التي حرمت ظهور المرأة سافرة فاتنة مظهرة محاسنها أو خاضعة بالقول، أو ما يصاحب ذلك من سفر النساء بلا محرم أو خلوة بالأجانب، أو بث الأغاني والموسيقى وغير ذلك مما حرمه الله تعالى، كما دلت عليه النصوص، كقوله تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة النور: 31] . وقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [سورة لقمان: 6] . وقوله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ وامرأةٌ إلَّا كان الشيطانُ ثالثَهما". أخرجه أحمد (115) والترمذي (2165) . وقوله صلى الله عليه وسلم: " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ". أخرجه مسلم (1339) . وقوله عليه السلام: " لَيَكُونَنَّ مِن أمَّتي أقوامٌ يَسْتَحِلُّون الحِرَ والحَريرَ والخمرَ والمَعَازِفَ". أخرجه البخاري (5590) .
الثاني: ما تؤدي إليه هذه التمثيليات من آثار حميدة أو سيئة، فما دلت عليه من آثار حميدة ونتائج طيبة من وعي للأمة ونشر للمعلومات وحل للمشاكل الاجتماعية وغيره وأمر بالخير وحث عليه فإن الشرع يأمر به.(13/261)
وما كان فيها من نتائج سيئة من إثارة الشهوات والفساد والصد عن ذكر الله وعن الصلاة فإن ذلك منهي عنه.
وهذا يظهر من عموم النصوص الشرعية، فإن الدين يأمر بما فيه خير وصلاح وينهى عما فيه شر وفساد، كما في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء) [الأعراف: 28] . وقوله تعالى: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) [الأعراف: 29] . وقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2] . وقوله سبحانه: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهَِ) [آل عمران: 110] .
وأن الواجب على أهل الخير من عمل في تلك الوسائل أن تسخرها لخدمة الأمة وأن يجاهد في سبيل ذلك وألا يدعها لأهل الشر والفساد، فإن أولى ما تسخَّر فيه تلك الوسائل الدعوة إلى الله ونشر الفضيلة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو على الأقل ألا تؤدي إلى الهدم واستباحة الفضيلة.
وفقنا الله وإياك لكل خير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(13/262)
تصميم موقع لإرسال نغمات الجوال
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 7/4/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعمل في شركة لتصميم مواقع الإنترنت، وقد طلب مني تصميم أحد المواقع التي تحتوي على أقسام لإرسال نغمات الجوال، سؤالي هو: ما حكم قيامي بتنفيذ هذا الموقع الذي يحتوي على نغمات؟
ملاحظة: ذكر لي البعض حرمة نغمات الجوال بسبب إزعاج المصلين في المسجد، لكن هذا السبب غير كاف للتحريم، فحتى الرنات العادية ستسبب الإزعاج، إذاً فأعتقد أن الخطأ هنا يقع على صاحب الإزعاج وليس على نوع النغمة.
وقد بحثت حول هذا الموضوع فوجدت من يحلله ومن يحرمه؛ لذا فأرجو منكم إفادتي وفقكم الله وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فالذي أعلمه أن الذي يحرم نغمات الجوال الموسيقية والتي تحاكي نغمات الأغاني لا يحرمها لأنها تزعج المصلين في المساجد، كلا! ولكن لأنها نغمات موسيقية فحسب.
وأما إزعاج المصلين فموضوع آخر لا تنحصر صورته ولا الحرمة فيه على النغمات الموسيقية وحدها، بل تتعداها حتى الجُشاء ورفع الصوت بالتلاوة والذكر!
وأما بشأن تصميم مواقع تشتمل على خدمة إرسال نغمات للجوال، فلا أرى فيه بأساً؛ لأن عملك ليس مختصاً بتصميم هذه الخدمة مباشرةً ولا محصوراً فيها أيضاً. بل وحتى نغمات الجوال ليست كلها موسيقية، بل منها هذه ومنها غير هذه.
وحتى تُبرئ ذمتك فعليك أن تناصح صاحب الموقع أن يحذف النغمات الموسيقية من موقعه.
وإن تورعت من تصميم هذه المواقع فهو أولى وأسلم لدينك وأبرأ لذمتك
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/263)
اقتناء الدشوش
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 26/11/1424هـ
السؤال
لقد عقدت النية على تركيب دش في منزلي لمتابعة الأخبار. هل هناك محظور شرعي؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى وآله وصحبه وسلم، وبعد: نعم، هناك محظور شرعي إذا غلب إثمه على نفعه، وهذا هو الواقع - للأسف- لدى كثير من الناس، وإن لم يكن هذا واقع رب المنزل، فهو واقع غالب من في المنزل من بنين أو بنات.
ولا يختلف اثنان بأن ما يعرض عبر الفضائيات فيه المفيد من الأخبار والمعلومات والترفيه البريء، وفيه الضار من المناظر المحرمة، والموسيقى والأغاني الماجنة، والمسلسلات والأفلام الهابطة، وقد يلهي عن الصلاة وعن ذكر الله، كما أنه قد يفسد القلوب، ويشغل عن الواجبات، كما أن فيه من المعلومات النافعة. لذا فالحكم يعود على مستخدم هذا الجهاز.
ونحن ننصح كل أخ كريم لا يستطيع السيطرة عليه لا سيما مع وجود أسرة كبيرة ومراهقين ومراهقات بألا لا يدخله بيته؛ لما له من تأثير كبير على الدين والتربية والأخلاق، وقد أكدت البحوث التربوية على ضرر التلفزيون على الأطفال والمراهقين، وأن المناظر المخلة تؤثر فيهم تأثيراً سلبياً، كما أنه من أسباب العنف والإجرام، إضافة إلى سلبه للأوقات، وشغله عن الواجبات، كما أنه يعودهم على السلبية وعدم المبادرة. أما إذا كان صاحب البيت يستطيع السيطرة عليه بتلافي مضاره والاستفادة مما فيه، فإنه لا حرج عليه مع نصيحتنا له باختيار القنوات التي يغلب عليها الفائدة، وحجب ما يغلب عليها الفساد وعدم وضع أجهزة في الغرف الخاصة بالأولاد، وأن يتقي الله -تعالى- في أسرته؛ فإنه مسؤول عنهم كما قال - سبحانه -:"يا أيها الذين آمنوا قووا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة" [التحريم:6] ، وقال - صلى الله عليه وسلم -:"كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته" البخاري (893) ومسلم (1829) وعلى ذلك فإذا رجح لديك أن منافعه تفوق مضاره فعليك بتقوى الله ومراجعة هذا الأمر بين حين وآخر، ومتى ما غلبت مضرته فيتعين عليك إخراجه، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(13/264)
هل الإنترنت حلال؟
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 27/9/1422
السؤال
هل الإنترنت حرام، أم حلال؟ الرجاء أن يكون الجواب حاسم وقاطع ليس فيه مجال للاجتهاد، شاكر لكم على هذا الموقع الرائع.
الجواب
الأصل في الإنترنت أنه حلال كسائر الأجهزة التي تستعمل لأمور نافعة، أو على الأقل غير ضارة، وربما يكون استخدامه مشروعاً ومستحباً لأجل الدعوة إلى الله أو الفائدة العلمية، وربما يكون مباحاً إذا كان لأغراض مباحة كتصفح الصحف والمواقع، وربما يكون مكروهاً إذا أشغل عن المستحبات والنوافل، وربما يكون محرماً إذا أشغل عن الواجبات الشرعية أو كان استعماله لمشاهدة أو سماع ما لا يجوز.(13/265)
مقاهي الإنترنت
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 4/3/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد أن أفتح مقهى إنترنت في إحدى المدن، علماً أن المحل سيحتوي على بعض الألعاب الترفيهية، مثل: (البلياردو) والأشياء الأخرى، وسيحتوي على قسم للقهوة وسيتضمن الكمبيوتر والإنترنت، أي: أن المقهى سيكون ضمن الأشياء المباحة، أما بخصوص المواقع الإباحية فسأنزل برنامج يقوم بإغلاق هذه المواقع، لكن سؤالي: هل يجب عليّ منع الزوار من التدخين؟ وهل يجب عليّ وضع لافتة مثل: (ممنوع التدخين) أم أنه لا ذنب عليّ إن دخنوا في محلي؟ علماً أني إذا منعتهم سيذهبون للمقاهي الأخرى التي لا تبعد عنا الكثير، وبذلك سيفر الزبائن، وستترتب عليّ خسائر في الأموال.
أتمنى أن تعطوني الجواب الكافي الشافي -بإذن الله-.
الجواب
إذا كان المقصود ما يعرف بمقاهي الإنترنت فالذي يظهر لي -والله أعلم- هو جواز ذلك إذا تحققت فيه الضوابط التالية: وهي استخدام المرشحات القوية للمنع من تصفح المواقع المحظورة، مع ضرورة قطع الاتصال بالشبكة متى ما تعطلت هذه المرشحات.
وأنْ تكون الأجهزة مكشوفة حتى يسهل مراقبتها، فكم وجد من الطوام والفظائع في الغرف المغلقة.
وتفقّد الأجهزة كل حين؛ لتنظيفها من كل ما قد يُحفظ فيها من الصور أو المواقع المحرَّمة ونحو ذلك مما يستعان به للوصول إليها.
هذا مع ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومسؤولية صاحب المقهى أو من يقوم مقامه في ذلك أعظم من غيره، فله في محله سلطان كسلطان الأب في بيته.
وبعد، فإنَّ الأخذَ بهذه الضوابط واجبٌ على كلِّ من أراد الاستثمار في هذا المجال، ولكن المأمول من الأخ السائل فوق ذلك بكثير، وليس يقنعنا منه مجرد تطهير محله من أن يكون وكراً للفساد، بل إننا ننتظر منه أن تكون له سابقةٌ في استثمار المقهى في دعوة الشباب وشغل أوقاتهم بالنافع المفيد.
إنَّ في جملة الشباب المترددين على هذه المقاهي من المهارات والطاقات ما يحتم علينا استثمارها وتوظيفها في سبل الخير، ونجاح هذا مرهونٌ بقوة التأثير والاجتذاب التي لا تتحقق غالباً إلا من خلال التجديد والابتكار واستغلال تقنيات هذا العصر.
إنني أدعو هذا السائل وغيره من الأخيار الصالحين الذين يرغبون الاستثمار في هذا المجال إلى الأخذ بهذه الوسائل والاجتهاد في استغلالها، حتى يجعلوا من هذه المقاهي موطناً للهداية والإفادة، وحتى يعلم الناس أن المقاهي ما هي إلاَّ أداةٌ تصلح أن تكون نواة للخير، وليست حكراً على الفساد.
وأرى أن تطرح هذا المشروع في منتديات الإنترنت، علّك أن تحظى ببعض الأفكار في هذا، ولن يعدَمَ المجتهد وسيلةً مؤثِّرة في دعوة الشباب وإفادتهم.
جعلنا الله وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يوفقنا لمرضاته ويستعملنا في طاعته.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/266)
إدخال القنوات الفضائية لأجل الأخبار
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 28/11/1422
السؤال
هل يجوز إدخال الدش في المنزل، مع الحرص على اختيار القنوات الإخبارية، وكذلك الحرص على عدم وضع الجهاز في متناول الجميع بل في مكان خاص مثل ملحق الرجال أم لا؟
الجواب
لا ينبغي للمسلم الذي سلمه الله من الفتن أن يدخل نفسه فيها طواعية؛ لأن السلامة نعمة من الله، والدش وإن كان آلة صمّاء يمكن استعمالها فيما ينفع وفيما يضر، إلا أن الغالب على ما يلتقط بواسطتها مما تعمل القنوات الفضائية المختلفة على بثه على مدار الساعة ضار في الدين والدنيا، وسيدفع الفضول من يقتنيه إلى استكشاف ما في بقية القنوات من برامج اللهو والمجون والعبث من باب الاطلاع، ثم لا يلبث ذلك أن يصبح إدماناً يستهوي صاحبه لصرف الساعات الطويلة في المتابعة، والتلذذ بالمشاهدة.
ولا يخفاك أن وجود هذا الجهاز في زاوية من زوايا البيت حتى مع المحافظة، وحتى مع الضبط لما يشاهد، لا يمنع من اطلاع بقية أهل البيت على كل ما يبث فيه بوسيلة أو بأخرى، ولو في بعض الأحوال أثناء الدوام، وفي حال سفرك، أو حال نومك أو غير ذلك.
وعليك يا أخي أن تضع هذه الأمور كلها في اعتبارك، وأمام ناظريك وأنت تفكر في اقتناء هذا الجهاز، وتذكر قول الله: " بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره"
نعم قد يتيسّر في المستقبل القريب التقاط البث الفضائي بواسطة التلفزيون بدون حاجة إلى هذا الطبق، فيقول بعض من يقول: لا حاجة بنا إلى هذا السؤال، ولا لزوم للمنع والتشديد! ولكن عليك أن تعلم يا أخي أن هذه مرحلة لمّا تأت بعد، ولكل حادث حديث، فانأ بنفسك وبأهلك عن الفتنة ما استطعت، ومن عوفي فليحمد الله، والله يتولانا وإياك.(13/267)
حكم الأفلام الكرتونية
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 29/12/1422
السؤال
ما حكم مشاهدة الأفلام الكرتونية التي تعرض في التلفاز؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
التحريم والتحليل حكم شرعي، وهو قول على الله - سبحانه وتعالى - ينبغي فيه التثبت، حيث إن القول على الله بغير علم من أشد المحرمات فضلاً عن القول عليه بالباطل، ولنتأمل الآية الكريمة التي رتبت المحرمات بادئة بأخفها ضرراً، قال - سبحانه وتعالى -:" قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" [الأعراف:33] ولا بد في ذلك من معرفة حكم الله في الوقائع المنبني على معرفة الشريعة وقواعدها ومقاصدها المنبنية على نصوص الكتاب والسنة، وهذا لا يكفي وحده بل لا بد مع ذلك من معرفة الواقعة المطلوب حكمها، حيث إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وعلى هذا قبل الاستعجال في الحكم على الأمور المستجدة فلا بد من بحثها ومعرفة واقعها مع الخبرة بالشرع ومقاصده. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن كثيراً مما يعرض في وسائل الإعلام -لا سيما مما يستورد من غير المسلمين- فيه ما يعارض ديننا وقيمنا وأخلاقنا، ويزداد الأمر خطورة إذا كان يوجه للأطفال، وعلى القائمين على كل وسائل الإعلام مسؤولية عظيمة في ذلك.
والجواب العام في ذلك أن ما يعرض إذا كان فيه إخلال بالعقيدة أو الأخلاق فيجب الحذر منه واستبداله بغيره، ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. والواجب عرض هذا الأمر على المجامع الفقهية وهيئات العلماء ولا تكفي الفتوى الفردية نظراً لعموم البلوى به.(13/268)
مسؤولية المنتديات
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 2/7/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تنتشر في هذه الأيام المنتديات العربية في الإنترنت التي أعطت الفرصة للناس لكتابة آرائهم بحريه.
(1) هل المنتدى مسؤول عن الأعضاء وكتاباتهم؟ أو بالأصح هل الأعضاء رعيه وأصحاب المنتدى مسؤولون أمام الله عن كتابات الأعضاء؟
(2) جميع الأعضاء يستخدمون أسماء مستعارة، ولكن بعضهم يستخدم أسماء كافرة، فما ردكم؟
شاكرين لكم جهدكم ووفقكم الله.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
نشكر الأخ طلال على حرصه على السلامة في دينه، ونسأل الله التوفيق والسداد.
وجواباً على سؤاله عن مسؤولية المنتدى عن كتابات الأعضاء، الجواب ما يلي:
صاحب المنتدى هو راع لكل ما يكتب فيه، فهو الذي أسسه ويملك إغلاقه، كما أنه الذي يضع النظم الخاصة به، وهو قادر على نشر ما يريد وحجب ما يريد، وعليه فهو مسؤول عمَّا ينشر فيه، وهو داخل في قوله -صلى الله عليه وسلم-:"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" البخاري (893) ومسلم (1829) .
وليس معنى هذا حجب الحرية في المنتديات أو أن ما ينشر يمثل صاحب المنتدى، فالحرية المفيدة يجب أن تتاح، وكثير من سبل الإصلاح والدعوة يحتاج فيها الأمر إلى بعض الحرية للرد على الشبهات والأخطاء.
فلا مانع من نشر الأعضاء شيئاً من ذلك ليرد عليها من يملك العلم، ولكن على صاحب المنتدى أن يملك زمام الأمور بتوظيف أهل العلم؛ لبيان ما يتم بيانه في المنتدى أو الرد على ما لم يتيسر له رد مناسب، وهو في هذه الحالة قد رفع الحرج عن نفسه.
وأما ترك الأمور للأعضاء ليقولوا ما يشاؤون، وينشر ذلك على الملأ مع ترك الحبل على الغارب فلا يجوز.
ونمثل بمثال لصاحب المنتدى، هل يسمح بسب رئيس الدولة ووزرائها في المنتدى؟ هل سيعفى من المسؤولية؟ أم أن مسؤوليته ترتفع إذا حجب ذلك أو رد عليه رداً مناسباً؟ فحرمات الله أعظم، و"الله أحق أن تخشاه" [الأحزاب:37] ، وكما قال -صلى الله عليه وسلم-:"إن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه" البخاري (52) ومسلم (1599) وعليه فالحرية لا شك مفيدة في جلب الرواد للمنتدى ومشاركتهم فيه، ونحن نحسن الظن بالعموم وهذا هو الأصل، ولكن مع الأخذ في الاعتبار ما ذكر سابقاً، ويجب أن يتحمل بعض الضرر في سبيل تحصيل المنفعة الأعلى، كما تفوت المنفعة الصغرى في سبيل دفع الضرر الأكبر، وهذا ما جاءت به الشريعة الإسلامية في قاعدة المصالح والمفاسد.
وعلى أصحاب المواقع أن يضعوا تقوى الله -عز وجل- قبل كل شيء، فالمسؤولية عظيمة والخطر جسيم لا سيما لما ينشر على الملأ في تلك المواقع المتاحة للجميع، فإن " من سنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها" كما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. مسلم (1017)(13/269)
وليبشر أصحاب المواقع الخيرة بالخير في الدنيا والآخرة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً" [الأحزاب:70-71] .
وكل خير حاصل بسبب ذلك فلهم منه نصيب كما قال -صلى الله عليه وسلم-:"الدال على الخير كفاعله" أحمد (22360) والترمذي (2670) .
أما ما يتعلق بالتسمي بأسماء مستعارة كافرة فلا يجوز التسمي بأسماء الكفار، سواء كان مستعاراً أو حقيقياً بل يجب البعد عنها، فإن ذلك دليل على محبتهم، بل يجب التسمي بأسماء المسلمين، وقد قال -سبحانه-:"هو سماكم المسلمين من قبل" [الحج:78] ، وعلى أصحاب المواقع التنبيه على ذلك، نسأل المولى -عز وجل- التوفيق للجميع، والله أعلم.(13/270)
الاستخدام الخاص لجوال الشركة
المجيب د. عبد الله بن محمد السعيدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 30/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إنني أعمل في شركة وسلموني شريحة جوال مصلحي من ستة أرقام فقط وحددوا لي مبلغ (400) أربعمائة ريال كل شهرين عدا الاشتراك الشهري على أن يخصم ما زاد عن المبلغ من راتبي وقد وقعنا أوراقاً بذلك ويوجد جهاز جوال بالسوق يجعل هذه الشريحة تعمل كالشريحة المفتوحة هل يجوز لي استخدام مثل هذا الجهاز؟
الجواب
إذا كانت الشريحة ذات الأرقام الستة لا تمكنك من الاتصال إلا فيما يخدم العمل فقط، ومع ذلك حددوا لك مبلغ أربعمائة ريال: فمعنى ذلك أنهم يمنعون استخدامها خارج نطاق العمل من باب أولى.
وبكل حال: فالمرجع في ذلك جهة عملك التي سلمتك هذه الشريحة، فلابد من استئذانها فإن أذنت لك في استخدامه استخداماً مفتوحاً جاز لك ذلك، وإلا فلا.(13/271)
الأفلام الكرتونية الإسلامية
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 9/2/1423
السؤال
ما حكم ما يسمى بالأفلام الكرتونية الإسلامية، حيث سمعت بعض أهل العلم يحرم إنتاجها وبيعها وشراءها ومشاهدتها؛ لأنها صور ورسومات، وهي داخلة في النهي عن التصوير، وبعضهم قال: إنه يحرم إنتاجها وتجوز مشاهدتها والإثم يكون على المنتج، أما المشاهد فلا إثم عليه، وبعضهم قال: إنه يجوز إنتاجها واستعمالها؛ لأنها للأطفال، وأحكام الأطفال يتساهل فيها ما لا يتساهل في أحكام الكبار؛ لأن عائشة -رضي الله عنها- كان عندها بنات تلعب بهن، وعندها حصان ذو أجنحة ولم ينكر ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، بينوا لنا الحكم بالتفصيل؛ لأن هذا الأمر قد انتشر في المجتمع، وحصل فيها الاختلاف -كما سبق-.
الجواب
الأفلام الكرتونية ظاهرة جديدة لم تكن معروفة عند الفقهاء، وإن كان في بعض عباراتهم إشارات قد تدل عليها، وقبل الجواب عن حكمها لا بد من معرفة الحكم في التصوير وأنواعه، فأقول باختصار: العلماء في حكم التصوير لذوات الأرواح طرفان ووسط. الأول: قسم أجاز التصوير بأنواعه مجسماً وغير مجسم، وأولوا النصوص التي جاءت بالتحريم بأن قالوا: هذا في أول الإسلام زمن قرب العهد بالجاهلية وعبادة الأصنام، أما في هذه العصر فليس هناك عبادة للأصنام!!، كما تمسكوا بما وجدوه في بعض كتب التاريخ عن صور وتماثيل قبل الإسلام في بلاد الفرس والروم، ولما فتحها المسلمون لم يغيروها.
الثاني: قسم من العلماء حرم جميع أنواع التصوير كلها مجسمة وغير مجسمة، واستدلوا بظواهر النصوص المحرمة لذلك، كحديث عائشة في الصحيحين (البخاري (5954) ومسلم (2107)) :" أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله"، وحديث ابن عباس المتفق عليه: "كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً فتعذبه بها في جهنم" أخرجه البخاري (2225) ومسلم (2110) واللفظ له، وحديث أبي طلحة عند البخاري (3225) ومسلم (2106) واللفظ للبخاري:"لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة تماثيل".
الثالث والقسم الثالث: وسط بين الطرفين حرموا التصوير المجسم (التماثيل) ، وحملوا عليها أحاديث: "كل مصور في النار ... " (البخاري (2225) ومسلم (2110) واللفظ له) ، وقالوا: هذا النوع من التصوير هو الذي تتحقق فيه المضاهاة لخلق الله، وهو مظنة الشرك بالله وعبادة هذه الصورة من دون الله -سبحانه-.
واستدلوا بالجواز بحديث زيد بن خالد الجهني المتفق عليه: "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة إلا رقماً في ثوب" أخرجه البخاري (3226) ومسلم (2106) ، فقالوا: إن الصورة المرقومة على القماش ونحوه كالورق، والحائط، والأرض لا بأس بها.
والذي يظهر لي رجحان القول الثالث هذا؛ لأمور منها:(13/272)
-إن المضاهاة بخلق الله عمل قصدي يتعلق بالقلب، وهو كفر بالله -سبحانه- حتى لو صور ما لا روح فيه كالأحجار والأشجار والجبال والأنهار والبحار، وهذه هي المضاهاة لخلق الله التي علل بها النهي في الأحاديث، وهي الموجبة للعن المصورين ويبين هذه العلة الحديث الآخر: "قال الله -عز وجل-: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو شعيرة" أخرجه الشيخان (البخاري (7559) ومسلم (2111) واللفظ للبخاري) . فإذا كانت علة التحريم هي المضاهاة فلا فرق بين ماله روح وما ليسه له روح.
-أما حكم التماثيل (الصور) المجسمة فهي حرام؛ لأنها ما صورت إلا لعظم منزلتها عند أهلها، والتعظيم مظنة العبادة، ومثلها الصور غير المجسمة كالصور الشمسية للعظماء والرؤساء، خاصة إذا رفعت في مكان عالٍ احتراماً وتعظيماً لصاحبها، فحرمتها قطعية حينئذٍ، وقصة قوم نوح وتصوير الصالحين منهم لغرض تذكرهم دليل واضح جلي في مثل هذه الصور، ونحن نعلم ونرى في هذا العصر صوراً وتماثيل لعدد من طواغيت البشر تنتصب أو ترفع في الميادين العامة وأماكن تجمع الناس.
إن لفظ العموم في مثل حديث: "كل مصور في النار" (البخاري (2225) ومسلم (2110) واللفظ له) لا يكون حقيقة إلا على جرم عظيم وكبير هو المضاهاة لخلق الله عن قصد وإرادة ولفظة: (كل) ، هي أقوى صيغ العموم وإذا أضيفت لنكرة، فهي لشمول أفراده، كقوله -تعالى-: "كل نفس ذائقة الموت" [آل عمران:185] والمضاهاة في اللغة: المشاكلة والمماثلة، كقوله -تعالى-: "يضاهئون قول الذين كفروا من قبل" [التوبة:30] ، أي: يشاكلونهم، فيقولون مثل قولهم، كما تطلق المضاهاة أيضاً على المعارضة كما في الحديث في ذم المصورين: "يضاهون بخلق الله" البخاري (5954) ومسلم (2107) ، أي: يصورون الصور قاصدين المشابهة لخلق الله والمعارضة له، وأنّى لأحد ذلك حيث يقال لهم يوم القيامة:" ... أحيوا ما خلقتم" أخرجه البخاري (5951) ومسلم (2108) ، وصدق الله:" وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون" "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" [البقرة:111] .
وعلى هذا يتعين حمل معنى حديث: "كل مصور في النار" (البخاري (2225) ومسلم (2110) واللفظ له) ، وما يشابهه على معنى المضاهاة؛ لأننا نجد كثيراً من كبائر الذنوب كقتل النفس، والزنا، والربا، وعقوق الوالدين ... إلخ هي أعظم من التصوير ولم يحكم على أهلها بالنار، كما في هذا الحديث، فظهر أن التصوير بغير قصد المضاهاة -كما فسرناها- لا يدخل في عموم هذا الحديث، وإنما هو لعموم المضاهين بتصويرهم لخلق الله -سبحانه-.
-والنصوص التي وردت عن السلف من الصحابة والتابعين في النهي عن تصوير ماله روح تدل على أنهم فهموا الأحاديث النبوية على أنها من ألفاظ الوعيد لا غير، بدليل قول عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- لما جاء رجل يستفتيه، وكانت مهنته التصوير، قال له: "إن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له" رواه البخاري (2225) ومسلم (2110) واللفظ له، ووجه ذلك أنه لم يغلظ عليه القول، بل لم يزد على قوله هذا، وعامة ما روي عنهم هو من باب الورع واتقاء الشبهات.(13/273)
-إن كثيراً من أنواع التصوير في الوقت الحاضر تستعمل في التعليم والتوجيه كوسائل إيضاح لا يكاد يستغنى عنها، فالصورة الواحدة أحياناً تختصر أو تكفي عن مئة عبارة أو أكثر، وحديث عائشة ولعبها بالبنات وهي صور مجسمه (لها ظل) جائزة بالنص، وعلل العلماء ذلك الجواز لغرض التعليم والتربية، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإذا جاز التصوير المجسم للصغار لهذا الغرض فهو للكبار من باب أولى، والرجال به أولى من النساء؛ لأنهم مطالبون بتعلم أنواع كثيرة من العلوم قد لا يطلب بعضها من النساء.
ثم إن التصوير اليوم -خاصة ما ليس له ظل- لا يستغنى عنه في ضرورات الناس وحاجاتهم، فالقول بحله وجوازه يتفق مع يسر الدين وسماحته، كقوله -تعالى-:" ... يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ... " [البقرة:185] ، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق" رواه أحمد (13025) " ... ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ... " أخرجه البخاري في صحيحه (39) ، وقوله:" يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا".
-جمهور العلماء يقولون بجواز الصورة إذا قطعت وبقي من أجزائها ما لا تحل فيه الحياة عادة كصورة الرأس بلا صدر، أو البدن بلا رأس، أو كانت الصورة ممتهنة كأن تكون على فراش يوطأ أو مخدة يتكأ عليها، أو منشفة يستحم بها ... إلخ، وقد ورد في بعض كتب الفقه إشارات إلى مثل هذه الأفلام الكرتونية أو الكاريكاتورية، يقول ابن قدامة في (المغني) في حكم إجابة الدعوة لوليمة العرس إذا كان في المكان منكر كالصورة:" فإن قطع رأس الصور ذهبت الكراهة، وكذلك إذا كان في صورة بدن بلا رأس، أو رأس بلا بدن، أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان لم يدخل في النهي؛ لأن ذلك ليس بصورة حيوان" انتهى.
وقال محمد الرملي الشافعي في كتابه (نهاية المحتاج) في مبحث وليمة العرس على قول صاحب المنهاج "ويحرم تصوير حيوان" قال الرملي:" وإن لم يكن له نظير كبقرة لها منقار أو فرس له جناحان أو صورة من طين أو حلاوة للوعيد الشديد على ذلك" وفي حاشية محمد المغربي المطبوعة مع (نهاية المحتاج) :"ويظهر أن خرق بطنه -يعني: الصورة- لا يجوز استدامته، وإن كان بحيث لا تبقى الحياة في الحيوان؛ لأن ذلك لا يخرجه عن المحاكاة" انتهى.
فقول ابن قدامة: "أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير الحيوان ... "، وقول الرملي: "وإن لم يكن لهم نظير كبقر له منقار. . . . . "، وقول المغربي: "ويظهر أن خرق بطنه لا يجوز استدامته ... " فهذه الأقوال وإن اختلفت في الحكم الشرعي بناء على تصوير الحيوان الذي لا نظير له هل هو جائز أم لا؟ أقول: إن فيها إشارات - وإن لم تكن صريحة - إلى الصور الكرتونية والكاريكاتورية كصورة إنسان له جناحان، أو رجل رأسه كالكرة الأرضية، أو رجل أنفه أكبر من جسمه، أو حيوان يخطب بلسان إنسان ونحو ذلك، فإن مثل هذه الصور لا نظير لها في الواقع فليست حيواناً ولا إنساناً من كل وجه، بل أخذت من هذا صفة ومن تلك أخرى.(13/274)
وبعد هذا البيان ألخص جواب السؤال، فأقول: إن الأفلام الكرتونية الإسلامية نوع من أنواع التصوير الجائز -فيما يظهر لي-، والله أعلم، وعليه فإن إنتاجها وبيعها وشراءها ومشاهدتها جائز كله ما دامت منضبطة بالضوابط الشرعية كسلامة القصد وصحته، وألاّ تشتمل على عبارات شركية، أو بدعية، أو مخلة بالآداب والأخلاق الإسلامية، وحينئذٍ يكون إنتاجها ونشرها قربة إلى الله -سبحانه-، ولا أراني مجانباً للصواب إذا قلت: إن هذا العمل يدخل في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -عز وجل- يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله ... " رواه أبو داود (2513) والترمذي (1637) والنسائي (3578) وابن ماجة (2811) وأحمد (17321) ، اللهم علمنا ما جهلنا، ووفقنا للصواب حيثما كنا، آمين.(13/275)
امتهان أوراق الصحف
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 21/2/1423
السؤال
سمعت من أحد طلاب العلم أن رمي الآيات أو الأحاديث على الأرض أو تلطيخها أو من رآها فلم يرفعها مع قدرته فإنه يكفر.
سؤالي: هل للجرائد نفس الحكم لأنها مليئة بالآيات والأحاديث ونجدها منثورة بالشوارع بحيث يشق رفعها وهل لفظ الجلالة مثل عبد الله وعبد العزيز له نفس الحكم حيث يوجد كثيراً في الجرائد أو الأكياس الخاصة بالمحلات التجارية كشارع الملك عبد العزيز مثلاً؟ وكذلك هل للصور كصورة الكعبة نفس الحكم، وشكراً، آمل إجابتي لأني أخاف أن يلحقني خطر من هذا الأمر؟
الجواب
تعريض المكتوب الذي فيه آيات وأحاديث ونحوها للإهانة والابتذال أمر لا يجوز شرعاً فإن كان بقصد وتعمّد لإهانة هذه الآيات التي هي كلام رب العالمين، أو الأحاديث التي هي من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففاعل ذلك كافر، أما من لم يرفعها مع قدرته على ذلك فهو آثم، ولكنه لا يصل إلى درجة الفاعل، وصورة الكعبة ليست مثل آيات القرآن وأحاديث الرسول وأسماء الله، وصفاته، لكن من تعمّد إهانتها باعتبارها قبلة المسلمين وهو يعلم ذلك، وليست له شبهة، فقد يصل به فعله هذا إلى الكفر.
وعلى كل حال فإن البلوى قد عمّت بما يلقى من المطبوعات التي تحمل مالا يجوز امتهانه في الطرقات، وفي بعض أوجه الاستعمال، والواجب على المسلم أن يحترز ويحتاط لهذا الأمر على قدر استطاعته، كما أنه يجب عليه عدم المجازفة بإطلاق ألفاظ الكفر والفسق ونحوها، بل عليه أن يتثبت ويسأل أهل العلم، وبالله التوفيق.(13/276)
هل أضع في موقعي دردشة كتابية؟
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 6/3/1423
السؤال
أنا صاحب موقع إنترنت، هل يجوز أن أضع في موقعي دردشة كتابية مباشرة؟
الجواب
الأصل في الأشياء الإباحة، وهذا من يسر الشريعة، ولا يظهر لي فيما سألت ما يقتضي تحريمه؛ لأنه من الوسائل التي تقضى من خلالها الحاجات المباحة.
ولكن إذا رأيت أن ما وضعته في موقعك من خاصية المحادثة الكتابية تستخدم غالباً في المحرمات، والتي كثيراً ما تستخدم لأجلها بعض برامج المحادثات، فأرى أن تحذف هذه الخاصية من موقعك؛ لأن الغالب حينئذ هو استخدامها في الحرام، ومن القواعد المتقررة عند أهل العلم أن الحكم للأغلب.
كما أن من القواعد المتقررة أن للوسائل أحكام المقاصد، فإذا كان المقصد حراماً كانت كل وسيلة إليه حراماً كذلك، وإن كانت مباحة في نفسها.
وإذا كان المقصود أمراً مباحاً كان كل ما يفضي إليه من الوسائل حلالاً، بشرط أن يكون هو حلالاً في نفسه، وكذلك القول في المقاصد الواجبة والمندوبة والمكروهة، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.(13/277)
استئجار استديو غنائي لإنتاج إسلامي
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 5/11/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يجوز استئجار استديو غنائي من أجل تسجيل مواد إسلامية كالقرآن الكريم والأناشيد الإسلامية؟ مع العلم أنه يوجد استديوهات إسلامية، ولكنها لا تحتوي على الإمكانات المطلوبة لإنتاج عمل إسلامي مؤثر، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الاستديو بما فيه من أجهزة يمكن أن يستخدم في الأمور المشروعة وفي غيرها، فإذا كان الراغب في الاستئجار يقصد عملاً مشروعاً كتسجيل المواد الإسلامية ونحوها، وهذا الاستديو توجد فيه إمكانات وتجهيزات لا توجد في غيره، فأرجو ألا يكون في ذلك حرج إن شاء الله، مع الحرص على أن يكون وقت التسجيل ومكانه خاص بتسجيل الأشرطة الإسلامية، وبالله التوفيق.(13/278)
العمل في الشؤون المالية لقناة ماجنة
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 5/4/1424هـ
السؤال
لدي صديق يعمل في الشؤون المالية والإدارية بإحدى المحطات الفضائية، وهذه القناة تتضمن برامجها (90%) ، (الأغاني ـ الأفلام العربية والأجنبية التي لا تخلو من الإثارة، - المسرحيات - المسلسلات ... الخ) ، وظهور المذيعات كمقدمات للبرامج، وتبث لتلك القناة أيضاً شيئاً يسيراً من القرآن الكريم والأذان، وبعض البرامج الدينية (10%) ، هل يجوز العمل في مثل هذه القناة الفضائية؟ وما هو حكم الراتب الذي يتقاضاه الموظف؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: فإن الوسائل الإعلامية لا سيما القنوات الفضائية لها أثر كبير على الناس، وإن المصلحين يتحتم عليهم خوض هذه الوسائل الفعالة المؤثرة لإبلاغ الرسالة، وإصلاح الأحوال، أو في أقل الأحوال تخفيف المفاسد وزيادة المصالح، فهم أحق الناس باستخدامها، أما إن لم يكن الهدف الإصلاح أو لم يكن للعامل فيها دور إصلاحي مفيد فإن الأمر يختلف باختلاف القنوات، فإن القنوات التي يغلب عليها المنفعة فلا بأس بالعمل فيها، بشرط ألا يخدم في البرامج الفاسدة، وإن غلبت المضرة فيشترط للعامل أن يعمل في الأمور المفيدة، وأن يكون ساعياً للإصلاح قدر الإمكان، أما إن لم يكن له تأثير إيجابي، أو لا يتاح له ذلك؛ فلا يجوز له البقاء في تلك القنوات الفاسدة، بل هو من التعاون على الإثم والعدوان وقد قال -سبحانه-: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة: 2] ، ومن الفساد المنهي عنه العمل في هذه القنوات، وقد قال سبحانه "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" [الأعراف: 56] .
وإذا جاز له العمل حل له الراتب، وإذا حرم عليه العمل حرم عليه الراتب.
فإن كان العمل في هذه القنوات فيه فتنة للعاملين أو فساد في دينهم وأخلاقهم؛ فلا يطلب منهم نفع غيرهم بضرر أنفسهم، وسيجعل الله لهم بديلاً صالحاً، ومن استطاع الإصلاح أو حافظ على دينه وتجنب الفساد؛ فهو في باب عظيم من الجهاد؛ فلا يدع هذه الثغرة للمفسدين.
نسأل الله للجميع التوفيق والثبات، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(13/279)
ظهور المرأة في الإعلانات التلفزيونية
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 26/5/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هناك أحد طلاب العلم في حوار له في إحدى الجرائد يقول: (إنه لا يوجد أي محظور شرعي ما دامت المرأة تشارك في مثل هذه الإعلانات بحجابها الشرعي، والكلمات الهادفة والبناءة، مشيراً إلى أن المرأة تعتبر أكثر تأثيرًا في النساء من الرجال) فما رأيكم بهذا الكلام؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(13/280)
الحمد لله، إن أعظم فتنة من فتن الشهوات هي فتنة النساء، وقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم- بذلك، وحذّر من فتنة النساء بقوله: "فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"رواه مسلم (2742) من حديث أبي سعيد الخدري، وقال - صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" رواه البخاري (5096) ، ومسلم (2740) من حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنه-، ولم يزل الشيطان يستغل الكافرات والفاسقات من النساء في فتنة الرجال؛ وذلك بتعرضها للرجال متبرجة وسافرة، ومتعطرة، وقد عظمت فتنة المرأة في هذا العصر؛ لما وفرته الحضارة من وسائل البث، والعرض، والإغراء، فاستعملت المرأة ذاتها، وصورتها لترويج التجارة، وأنواع السلع، فاستعملت عارضة أزياء، وسمسارة في المحلات، وخادمة في الطائرات والفنادق، كما استعملت في ترويج الصحف، ومن ذلك استعمالها في الإعلانات التلفزيونية، وفي الإعلانات الصحفية، ومن المعلوم أنه لا بد فيمن تستعمل في هذه الأغراض ذاتها، أو صورتها لا بد أن تكون جميلة، وأنيقة، ومغرية بكلامها، وحركاتها، وزيِّها، فاستعمال صورة المرأة أو ذاتها في وسائل الإعلان ليس الغرض منه مخاطبة النساء، بل الغرض منه إمتاع الرجال، وإغراء الرجال، وشد أنظارهم، وأسماعهم، ولا ترضى مسلمة عفيفة بأن تكون أداة لترويج السلع، ولو كانت السلع مباحة فضلاً عن أن تكون محرمة، ويشترك في إثم هذه الأعمال المرأة المصورة، ومَنْ صورها، وَمنْ نشر صورتها ومن أعان على ذلك بأي قدر من الإعانة القولية، والفعلية أو المالية، "ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" [الزلزلة: 8] ، "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة: 2] ، وعلى كل هؤلاء نصيبهم من آثام من كانوا سبباً في فتنته، ومعصيته لربه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً، وعلى من أفتى بحل استعمال المرأة، أو صورتها في الإعلانات نصيبه من الإثم كذلك، فكم من العيون ترمق وجه هذه المرأة الفاتنة، وتنظر إليها بشهوة عارمة، وكم تكون هذه المشاهد سبباً في وقوع كثير من الناظرين فيما حرم الله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والله عز وجل يقول: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن" إلى قوله -تعالى-: "ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون" [النور: 30-31] ، وقال - صلى الله عليه وسلم-: "العين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها الاستماع ... " رواه البخاري (6243) ، ومسلم (2657) من حديث ابن عباس، ومما لا شك فيه أن استعمال المرأة ذاتها أو صورتها في هذه المجالات هي دعوة للفجور فهي حرام، وقد أثمرت ثمراتها الخبيثة في مجتمعات المسلمين فتدنست وتنجست بعد الطيب والطهر، وهذا مطلب لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى، والمنافقين، ومن شابههم من فسقة المسلمين، كما قال -تعالى-: "ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً" [النساء: 27] . والله أعلم.(13/281)
مندوب دعاية وإعلان لمجلة نسائية
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 5/6/1424هـ
السؤال
تحصلت على وظيفية مندوب دعاية وإعلانات في مجلة عربية، وهي مجلة تهتم بالنساء خاصة، والمجلة تحتوي على أبواب أخبار محلية، أخبار الممثلات والأزياء، والفنانات والأفلام وقصات وتسريحات شعر، والجمال، فهل عملي هذا جائز، أفتونا مأجورين.
الجواب
نقول وبالله التوفيق، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وبعد:
الدعاية والإعلان دخل أساسي للمطبوعات، ورافد مهم لاستمرارها، ولزيادة أعداد نسخها، وعليه فإنه يمثل عوناً كبيراً للمطبوعة، وإذا كانت المطبوعة تغلب عليها المفسدة، وذلك حال غالب المجلات الاجتماعية لا سيما النسائية والأسرية، وذلك لاهتمامها بأراذل المجتمع وتسويق الرذيلة ونشر صور النساء سافرات، وإبراز نموذج ما يسمى بالفنانات، ويقصد بهن المغنيات والممثلات، وعليه فإن دعم هذا النوع من المطبوعات لا يجوز سواء بتسويق دعايته أو نشره، وقد قال سبحانه وتعالى: "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة: 2] وإن وسائل الإعلام المفسدة لها دور خطير في التأثير، ويشترك في الإثم كل من أعان على ذلك، وعليه فإننا ننصحك ألا تباشر هذا العمل وتبحث عن خير منه، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، والله أعلم.(13/282)
توزيع باقات القنوات الماجنة
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 13/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أعمل موزعا لباقة قنوات فضائية، وأتقاضى نسبة من حجم مبيعاتي. فما حكم هذا العمل؟ وما هي الضوابط الشرعية التي يجب أن يلتزم بها العاملون في هذه الأعمال؟ وشكراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وسلم تسليماً، أما بعد:
نشكرك على حرصك على الضوابط الشرعية في عملك ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وما يتعلق بالسؤال فلا يخفى عليك ما تبثه هذه القنوات وأمثالها من أمور محرمة في الأفلام والمسلسلات من غناء ورقص وموسيقى مما لا يجوز سماعه، ولا النظر إليه، ولا خلاف بين أهل العلم في حرمة بعض ما تبثه هذه القنوات كرقص النساء وظهورهن من غير حجاب ولا حياء، فضلاً عما في هذه الأفلام من خدش للحياء ومخالفة للفضيلة.
وعليه فالتسويق لتلك القنوات هو من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال سبحانه وتعالى: "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة: 2] ، وهو الدعوة إلى الشر والضلال، لقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: "ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً".
فهذا العمل محرم، والكسب منه خبيث، فيجب عليك ترك هذا العمل مرضاة لله تعالى، "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب" [الطلاق: 2-3] ، والبحث عن عمل طيب وتسويق مواد نافعة خيرة تسعد بها في الدنيا والآخرة، أو على الأقل مباحة.
ونسأل الله تعالى لك البديل الصالح والرزق الحلال الوفير، ومقاومة الهوى والنفس والشيطان، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/283)
وضع المصممين أسماءهم على اللوحات
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 21/9/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما حكم وضع المصممين للمحاضرات والبوسترات الدعوية أسماءهم وهواتفهم على الإعلان؟ علماً بأن هذه الملصقات توضع داخل المساجد.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
فالذي يظهر أنه لا حرج في ذلك، ما دام أن وضع اسم المصمم أو الناشر يعد تابعاً وليس أصلياً أو مستقلاً، والعلماء قالوا: يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في القائم بذاته، هذا ما يتعلق بالحكم حين يوضع الإعلان داخل المسجد.
أما أصل ذلك فلا بأس به، بمعنى وضع المصمم اسمه في الإعلان، إذ لا مانع من قصده التجاري في ذلك، وإنما الإشكال في وضعه في المسجد، وقد بينت أنه لا حرج فيه، كما أنه لا إشكال أيضاً حين يوضع الإعلان خارج المسجد وليس داخله، والله أعلم.(13/284)
خدمة الرقم الهاتفي (700)
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 26/7/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يقدم أحد الأندية هذه الأيام خدمة هاتفية عن طريق الاتصال بالرقم 700 مقابل الحصول على معلومات عن النادي وآخر الأخبار والمستجدات الرياضية، علماً أن هذه الخدمة تخلو نهائياً من المسابقات، وإنما مجرد معرفة أخبار فقط لمن يقوم بالاتصال، نريد جواباً شافياً عن حكم تقديم هذه الخدمة وحكم الاتصال بها من قِبل الجمهور، بارك الله فيكم ووفقكم لما يحب ويرضى.
الجواب
إذا كانت الخدمة التي تقدم عن طريق الاتصال بالرقم (700) كما ذكرت في سؤالك فلا شيء فيها، فهي من المباحات كما يقدمها هاتفهم العادي، أو رجال النجدة والمرور عن الاستشارة عن نتيجة المباريات، ولكن ينبغي للمتصل أن لا يطيل الكلام عن الحديث حتى لا يتحمل نقوداً أكثر من اللازم؛ فيدخل في الإسراف والتبذير المحرمين قال تعالى: "ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" [الأنعام:141] وقوله: "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً" [الإسراء: 27] وحديث رسول الله "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه" رواه الترمذي (2417) وغيره من حديث أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - وخلاصة القول إن تعاقدكم مع الشركة التي تقدم خدمة الاتصال بهذا الرقم من حيث المبدأ جائز شرعاً، وإن كان خلاف الأولى؛ لأن هذه الشركة حسبما يظهر لي أنها تقدم لغيركم خدمات أخرى سيئة تفسد الأخلاق، أو تقدم مسابقات فيها الغرر والقمار المحرم، فإن استطعتم ألا تتعاقدوا معها وحالتها هذه فحسن جداً؛ حتى لا تشاركوا في التشجيع على الإثم والعدوان، أما الأمر من حيث صحة العقد كما ذكرتم في سؤالكم فهو صحيح إن شاء الله، وفقنا الله وإياكم إلى كل خير.(13/285)
تسجيل الحضور في المنتديات
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 05/07/1426هـ
السؤال
انتشر في العديد من المنتديات مواضيع تدعو الأعضاء إلى أن يسجل كل عضو حضوره بالتسبيح والتحميد والتكبير، وبعضها تدعو إلى أن يذكر كل عضو اسمًا من أسماء الله الحسنى، وبعضها تدعو إلى الدخول من أجل الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما حكم الشرع في مثل هذه المواضيع؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإنَّ العمل المذكور في السؤال، وهو جمع عدد معين من الصلوات على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خلال الدخول على مواقع معينة على الإنترنت أمرٌ حادثٌ، لم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أحدٌ من أهل القرون المفضلة من الصحابة والتابعين، الذين كانوا في غاية الحرص على الخير والعبادة.
ولم يُنقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه عقد هذه الحِلَق أو أمر الناس بإقامتها، كما لم يُنقل عن أحد من أصحابه أنهم أقاموا الحِلَق أو أمروا بإقامتها من أجل هذا العمل مع أنهم كانوا أشد الناس حباً له وطاعةً لأمره واجتناباً لنهيه.
وعلى كل حالٍ فإن اجتماع هؤلاء في بعض مواقع الإنترنت من أجل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر مبتدع ليس له أصل في الدين، سواء أكان من قبيل الذكر الجماعي إذا كانوا يجتمعون في وقت واحد، أم لم يكن كذلك بأن كانوا يجتمعون في أوقات متفرقة.
ومن زعم أن هذا النوع من الذكر شرعي فيقال له: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- إما أن يكون عالماً بأنه من الشرع وكتمه عن الناس، وإما أن يكون جاهلاً به وعلمه هؤلاء الذين يقيمونه اليوم.
وكلا الأمرين باطلٌ قطعاً؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بلَّغ كلَّ ما أمر به ولم يكتم من ذلك شيئاً، كما أنه أعلم الناس بالله وبشرعه.
وبهذا يتضح أن هذا العمل ليس من الشرع، وهو من الأمور المحدثات التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة". أخرجه أبو داود (4607) والنسائي (1578) .
وقد تكلم كثيرٌ من أهل العلم عن حكم الذكر، وبينوا المشروع منه والممنوع منه، ومن ذلك ما أشار إليه الأخ السائل من فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين -رحمهما الله تعالى-.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(13/286)
وضع القنوات الفضائية في الشقق المفروشة
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 4/6/1424هـ
السؤال
لديّ بعض الشقق المفروشة للإيجار اليومي، وفي بعض الأحيان يطلب المستأجرون وجود جهاز تلفاز بحجة النظر للمباريات، فهل يجوز لي أن أضع التلفاز في الشقق؛ وذلك ترغيباً للمستأجرين؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم - والصلاة والسلام- على رسول الله. وبعد:
وضع جهاز التلفاز في مثل هذه الشقق لا يجوز، وأعظم منه وضع جهاز استقبال القنوات الفضائية، هذا كله محرم ولا يجوز، لما فيه من الإعانة على الإثم والعدوان، وقد قال الله - عز وجل-: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ" [المائدة: من الآية2] ، والله - عز وجل- إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، فمثل هذا غير جائز، حتى ولو كان ذلك لمشاهدة المباريات؛ لأن مثل هذه المباريات فيها محاذير شرعية كثيرة، منها كشف العورات، ومنها أيضاً الاستجابة لمخططات اليهود والنصارى، ومنها تضييع الأوقات، ومن ذلك أيضاً ملء القلب بمثل هذه الأشياء التوافه، والإعراض عن الجاد والمفيد في الحياة، وغير ذلك من الأشياء الكثيرة، ومن ذلك أيضاً ما تولده هذه التحزبات من فرقة، وخلاف وشحناء، وحسد إلخ..: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً" [الطلاق: من الآية2] وكونك تكتسب درهماً من حلال خير من أن تكتسب ألف درهم من حرام، والله أعلم.(13/287)
العمل في القنوات الفضائية المختلطة
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 22/6/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
تعلمون ما للقنوات الفضائية من تأثير على الرأي العام، وقد ظهرت قنوات فعالة في العالم العربي والإسلامي. وسؤالي: هل يجوز العمل في تلك القنوات؟ مع العلم أن تلك القنوات يعمل فيها نساء متبرجات، أي بعبارة أخرى يوجد فيها اختلاط فاضح، وربما تحتوي هذه القنوات على إعلانات ودعايات فيها مواد إعلانية فاضحة أمثال صور نساء غير لائقة، وبالتالي فهذا يسبب إشكالية استحلال الراتب الذي يتقاضاه الموظف في تلك القنوات، مع العلم أنني محافظ على ديني ولله الحمد والمنة، ولدي أفكار إبداعية، وقدرات خطابية جيدة، أرجو من فضيلتكم الإجابة تفصيلياً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن الوسائل الإعلامية لا سيما القنوات الفضائية لها أثر كبير على الناس، وإن المصلحين يتحتم عليهم خوض هذه الوسائل الفعالة المؤثرة لإبلاغ الرسالة، وإصلاح الأحوال، أو في أقل الأحوال تخفيف المفاسد وزيادة المصالح، فهم أحق الناس باستخدامها، أما إن لم يكن الهدف الإصلاح أو لم يكن للعامل فيها دور إصلاحي مفيد فإن الأمر يختلف باختلاف القنوات، فإن القنوات التي يغلب عليها المنفعة فلا بأس بالعمل فيها، بشرط ألا يخدم في البرامج الفاسدة، وإن غلبت المضرة فيشترط للعامل أن يعمل في الأمور المفيدة، وأن يكون ساعياً للإصلاح قدر الإمكان، أما إن لم يكن له تأثير إيجابي أو لا يتاح له ذلك فلا يجوز له البقاء في تلك القنوات الفاسدة، بل هو من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال سبحانه:"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة: 2] ويصير العمل من المفاسد المنهي عنها، وقد قال سبحانه:"ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" [الأعراف: 56] .
وإذا جاز له العمل حل له الراتب، وإذا حرم عليه العمل حرم عليه الراتب.
أما ما يتعلق بالاختلاط فإنه يحرم إذا ترتبت عليه مفسدة، وليس حرام بحد ذاته، وإنما يجب على العاملين في تلك القنوات وغيرها تجنب الخلوة بالنساء، فإنها محرمة لقوله -عليه السلام-:"لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما" رواه الترمذي (2165) ، وابن ماجة (2363) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، وتجنب تعمد النظر إليهن لقوله سبحانه:"وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم" [النور: 30] ، وقوله -صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:"لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة" رواه الترمذي (2777) ، وأبو داود (2149) من حديث بريدة -رضي الله عنه-، كما أن عليهم تجنب كل ما يسيء إلى دينهم أو أخلاقهم.
فإن كان العمل في هذه القنوات فيه فتنة للعاملين أو فساد في دينهم أو أخلاقهم، فلا يطلب منهم نفع غيرهم بضرر أنفسهم، وسيجعل الله لهم بديلاً صالحاً، ومن استطاع الإصلاح أو حافظ على دينه وتجنب الفساد فهو في باب عظيم من الجهاد، فلا يدع هذه الثغرة للمفسدين، نسأل الله للجميع التوفيق والثبات، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(13/288)
إنشاء المواقع على الإنترنت
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 19/2/1424
السؤال
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أعمل في إنشاء المواقع على الإنترنت، ويطلب مني عمل مواقع إسلامية فأفرح بذلك لنشر العلم الشرعي والدعوة، ولكن إذا طلب مني عمل مواقع مباحة كموقع مدرسة على الإنترنت وما شابهها من مواقع تجارية بمعنى ليست دعوية وليست إباحية فهل بعملي في إنشاء المواقع المباحة أو التجارية أكون قد ساعدت في نشر الإنترنت بين أوساط المجتمع وقد يكون ذلك مدعاة لدخول عدد من غير الملتزمين للإنترنت وتعرفهم عليها، حيث إن موقع المدرسة مثلاً يقدم خدمات لأولياء أمور الطلاب فيتعرفون على الإنترنت بسببي، ثم يبدأون بعد ذلك في دخول مواقع سيئة وما حكم عملي كموظف في إنشاء مثل هذه المواقع التي ليست مواقع دعوية؟ وجزاكم الله خيراً على التفصيل في هذا الأمر.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن عمل مواقع إسلامية على الإنترنت أو مواقع تجارية مباح لا شيء فيه، وأنت مسؤول عن المواقع التي تنشئها، ولست مسؤولاً عن غيرها، بل وإنشاؤك لهذه المواقع خير من تركها لغيرك فربما يكون لك تأثير إيجابي فيها.
والمواقع بحسب مقاصدها، فقد تكون مستحبة كعمل المواقع الإسلامية ومباحة كالمواقع التجارية التي لا تحتوي على محاذير شرعية، وقد تكون محرمة إذا تضمنت محظوراً شرعياً.(13/289)
مسابقات عبر الهاتف
المجيب د. راشد بن أحمد العليوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 5/11/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أريد منكم فتوى لهذا السؤال وهو: أنا عضو بموقع وقد قام هذا الموقع أخيرا بإعداد مسابقة مليونية عبر الإنترنت ويمكنني المشاركة فيها بشكل مجاني وعشر مرات يوميا هل إذا ربحت منها شيئا من المال يكون حلالا علي أم أنه ربا؟ وللعلم فإن المسابقة أيضا عبر الهاتف لمن ليس عضواً في الموقع.
الجواب
لا يظهر ما يمنع شرعاً في هذه المسابقة بشرط أن يكون سعر الاتصال الهاتفي الذي يدفعه المتصل هو السعر المعتاد، فإن كان أعلى منه فلا يسوغ ذلك؛ لأنه يدخل في هذه الحالة ضمن الميسر، وهو أن الشخص يدفع مبلغاً -وهو المبلغ الزائد عن قيمة الاتصال المعتاد- وقد يخسره وقد يربح قيمة الجائزة، وهذا من الميسر المحرم، والله أعلم.(13/290)
دخول المواقع للمتعة
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 3/11/1423هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا فتاة عمري حوالي 16 عاماً متدينة وأواظب على حفظ القرآن وغيره من تطبيق للشريعة, ولكني دخلت موقعاً إسلامياً به حلول لمشاكل الشباب وكنت سعيدة للتفاعل مع إخوة الإسلام, ولكني وجدت شباباً يكتبون عن مشاكلهم الجنسية وعرفت أشياء لم أعرفها من قبل وبسبب ذلك أحسست بشهوة قوية لدرجة أصبحت أفكر أني أتزوج لأمارس الجنس مع زوجي وأصبحت أدخل هذا الموقع لمشاهدة المشاكل للمتعة، فهل هذا حرام وكيف أتخلص من هذا؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلا يجوز لك دخول هذا الموقع إذا كان يهيج في نفسك الشهوة، وقد لا تدركين مغبة تصفح هذا الموقع إلا بعد أيام طوال، وللشيطان نفس طويل في إغواء العبد وإغرائه وجره إلى موطن الفاحشة والفتنة.
وهذا الحكم ليس خاصاً بك، ولكنه عام لكل من تتأجج في نفسه كوامن الشهوة بسبب تصفح هذا الموقع.
وعليك أن تُشغلي نفسك بتصفح المواقع الإسلامية الأخرى النافعة والمشاركة فيها؛ فإنك إن لم تُشغلي نفسك بالخير شغلتك بالشر.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/291)
هل مراقبة المواقع تجسُّس
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 2/8/1424هـ
السؤال
أنا عامل بصالة للإنترنت، وحرصاً منَّا على تقديم الخدمات اللازمة للزبون, ارتأينا وضع برنامج على الجهاز الموزع الرئيسي للصالة اسمه (وين بروكسي) بحيث نستطيع به مراقبة جميع الأجهزة الموجودة أي التجسُّس على أي موقع يدخله الزبون ومن ثم إغلاق المواقع الجنسية بطريقة آلية وبدون أن يشعر الزبون, ومن مزاياه كذلك التحكم في التوزيع الجيد للإنترنت على جميع الحواسب بطريقة ثابتة، كذلك التقليل من احتمال الإصابة بالفيروس وذلك بملئه بالمواقع الجنسية في ذاكرته أي إن طلب موقع جنسي موجود نفس اسمه في ذاكرة هذا البرنامج فإنه يغلق بطريقة آلية وسريعة جداً، وبه لا يستطيع الزبون الدخول إلى ذلك الموقع إلا بترخيص منا نحن المشرفين على الصالة، وهذا لن يكون بطبيعة الحال.
فهل هذا العمل تجسس؟ مع العلم أن فائدة هذا البرنامج أكبر من مجرد التجسس على الزبائن.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فكم أبهجني وأعجبني ما لمسته في رسالتكم من غيرتكم على إخوانكم، وشعوركم تجاههم بالمسؤولية ورغبتكم في النصح لهم.
أخي! ما تفعلونه ليس تجسُّساً ولا تحسُّساً ولا تتبعاً لعورة، فأنتم لا تعلمون ماذا يكتب وماذا يقرأ ولا تسمعون حديثه، ولم تطَّلعوا على رسائله، ولم تقتحموا شيئاً من خصوصياته، وغاية ما تعلمون هو نوع الموقع الذي يتصفَّحه ـ أي كونه موقعاً جنسياً أو غير ذلك.
ثم إن عملكم هذا إنما هو لأجل مصلحته هو.
ولكن ـ مع ذلك ـ يجب عليكم أن تستروا عليه إن وجدتموه يرتاد شيئاً من هذه المواقع، ولكم أن تناصحوه، ولكن لا تُشيعوا خبره ولا تفضحوا سريرته ما دام مستتراً بستر الله لم يجاهر بمعصيته، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين" أخرجه البخاري (6069) ، ومسلم (2990) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
على أنه ينبغي كذلك ـ زيادة على ما تبذلونه في سبيل حجب المواقع السيئة عن رواد مقهاكم ـ أنْ تكون الأجهزة مكشوفة حتى يسهل مراقبتها، فكم وجد من الطوام والفظائع في الغرف المغلقة.
وأن تتفقّد الأجهزة كل حين؛ لتنظيفها من كل ما قد يُحفظ فيها من الصور أو المواقع المحرَّمة ونحو ذلك مما يستعان به للوصول إليها.
هذا، مع ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمسئولية صاحب المقهى أو من يقوم مقامه في ذلك أعظم من غيره، فله في محله سلطان كسلطان الأب في بيته.
وبعد، فإنَّ المأمول من الأخ السائل فوق ذلك بكثير، وينبغي ألا يقنع بمجرد تطهير محله من أن يكون عوناً على الفساد، بل المنتظر منه أن تكون له سابقة في استثمار المقهى في دعوة الشباب إلى الخير وشغل أوقاتهم بالنافع المفيد.
إنَّ في جملة الشباب المترددين على هذه المقاهي من المهارات والطاقات ما يحتم علينا استثمارها وتوظيفها في سبل الخير، ونجاح هذا مرهونٌ بقوة التأثير والاجتذاب التي لا تتحقق غالباً إلا من خلال التجديد والابتكار واستغلال تقنيات هذا العصر.
إنني أدعو هذا السائل وغيره من الأخيار الصالحين الذين يرغبون الاستثمار في هذا المجال ـ إلى الأخذ بهذه الوسائل والاجتهاد في استغلالها، حتى يجعلوا من هذه المقاهي موطناً للهداية والإفادة، وحتى يعلم الناس أن المقاهي ما هي إلاَّ أداةٌ تصلح أن تكون نواة للخير، وليست حكراً على الفساد.
جعلنا الله وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يوفقنا لمرضاته ويستعملَنا في طاعته.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/292)
العمل في مجال تصميم المواقع
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 17/7/1424هـ
السؤال
أنا صاحب موقع لتصميم المواقع والدعاية، والإعلان وأسأل عن بعض الأحكام الشرعية فيما يلي:
1- يأتيني بعض الزبائن ويطلبون أن أصمم لهم موقعاً، وبعد أن أنتهي من تصميم موقعه يظهر لي أنه موقع رومانسي، يضع فيه شات للمحادثة، وكروت أغانٍ، علما أننا لم نقم إلا بتصميم شكل الموقع وإرشاده إلى مستضيف لموقعه، وليست لنا أي علاقة بما يحويه موقعه، فهل علينا شيء؟
2- نقوم نحن بتركيب البرامج على المواقع، مثل برنامج (منتدى) و (سباق مواقع) بأُجْرة، ولكن بعضهم بعد ذلك يضع به إعلانات تحتوي على صور نسائية، فهل علينا شيء؟ علما أننا لا علاقة لنا بموقعه، وإنما علينا التركيب وهو من يضع به مثل هذه الإعلانات.
3- ما حكم تركيب برنامج (زوجتي) وهو برنامج يقدم خدمة الزواج على الإنترنت، فما حكم تركيبنا لمثل هذا البرنامج؟ مع العلم أننا لا علاقة لنا بالموقع وصاحبه.
4- بعض الزبائن لهم موقع على الإنترنت يحتوي على ملفات غنائية وكروت غزلية، فيطلبون منا أن نصمم لهم شكلاً جديداً لموقعهم فهل يجوز ذلك؟ علماً أن من شروط التعامل معنا عدم تصميم إعلانات وصور نسائية، أقصد أننا نغير شكل الموقع دون تصميم صور نسائية. أرجو الرد عليها وبالتفصيل لما لهذه الأسئلة من أهمية لعملي الذي أعمل به ... وشكراً لك.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
أما الأول والثاني والثالث فعمل مباحٌ لا يلحقك إثم بما يُضاف إليه من أمور محرمة؛ فإنما مثلك كمثل بنَّاءٍ يبني بيتاً لآخر، ثم يُدخل صاحبه فيه بعض المنكرات، أو كمن يبيع سيارةً على آخر، فيستعملها في الحرام.
غير أن هذا لا يعفيك من مسؤولية النصح لهم متى رأيت منهم ارتكاباً لمحذور، فالمؤمنون كما قال علي - رضي الله عنه -: (قوم نَصَحةٌ بعضهم لبعض. والمنافقون قوم غششة بعضهم لبعض) .
وأما الرابع: فالأظهر أنه لا يجوز لك التعاون معهم على تحديث موقعهم؛ لأنه قد استبان لك أنه موقعٌ يشتمل على منكراتٍ، يغري الناس بها ويعينهم عليها.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/293)
مشاهدة التلفاز
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 23/9/1424هـ
السؤال
ما حكم النظر إلى التلفاز مع أنه خالٍ من القنوات الفضائية
الجواب
التلفاز وسيلة من الوسائل الإعلامية المتعددة مثل: الراديو والصحف والمجلات وغيرها، ولا يحكم عليه لذاته؛ لأنه آلة صالحة للخير والشر، مثل السكين تستخدم للحاجات المشروعة فتكون حلالاً، وتستخدم للقتل والاعتداء فيحرم استخدامها لذلك، والذي يحكم بالحلّ أو الحرمة على التلفاز الاستخدام، فإن استخدم فيما ينفع بما هو مباح شرعاً أصبح استخدامه مباحاً، وإن استخدم في غير ذلك أصبح له حكم ما استخدم فيه.(13/294)
إنشاء موقع دعوي بالإنجليزية
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 16/2/1425هـ
السؤال
فكرت مع عدد من الشباب في بناء موقع يقوم على الدعوة باللغة الإنجليزية، ومن أجل جذب القراء سواء من يقرأ باللغة العربية أو الإنجليزية قررنا أن يكون المنتدى متعدد المجالات، فيتم ترجمة المواضيع الثقافية المختلفة والمواضيع العامة إلى اللغتين، أي أنه لن يختص بالدعوة، ولن نعلن أنه خاص بها؛ بل إنه سيكون ظاهريًّا منتدى للتبادل الثقافي والعلمي في مختلف المجالات؛ لكي يتواجد أكثر عدد من قراء كلتا اللغتين، وأن تكون الدعوة على شكل مواضيع عامة، ونفكر بإدخال برنامج التشات الصوتي من أجل إقامة محاضرات للدعاة بكلتا اللغتين، بالإضافة إلى المعلومات العامة التي تأتي عن طريق المسابقات، ولكن نخشى أن تكون مكاناً للمعاكسات أثناء غياب المراقب.
فهل ما نقوم به عمل جائز أم يدخله شيء من التحريم؟. حفظكم الله ورعاكم، وجعلكم ذخراً لأبناء الأمة الإسلامية.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
إذا كانت المصلحة غالبة والمواضيع المترجمة والمختارة بالجملة نافعة، فلا يعكر عليها وجود بعض المواضيع الأخرى التي تهدف إلى طرح الآراء المختلفة، ولو كانت منحرفة بشرط ألا تروج للكفر والإلحاد، وهذا إذا كان الموقع نخبوياً للمثقفين، ليتبين في النهاية الآراء الصائبة من الخاطئة، أما إذا كان يستهدف عوام الناس فلا بد من الاحتياط حتى لا يتأثر الناس بالآراء المنحرفة، وذلك أشبه بالكتب في المكتبة التي يقرؤها المثقفون، والذين لديهم حصانة كافية وقدرة على تمييز الآراء، أما نقل الأدلة المنحرفة والشبهات الفاسدة لمجرد الإثارة وجلب المزيد من القراء؛ فهذا لا يجوز حتى لا يكون الموقع وسيلة لنشر الفساد والشبه وترويجها، وهذه الأمور تقدر بالمصلحة، فما غلبت مصلحته والانتفاع به جاز وتحمل ضرره القليل في جنب المصلحة الغالبة، وما غلبت مضرته على منفعته فإنه تفوت تلك المنفعة لدرء تلك المضرة، والإسلام جاء لتحصيل المنافع ودرء المفاسد قدر الإمكان، قال - سبحانه - عن نبيه - صلى الله عليه وسلم-: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث" [الأعراف: 157] .
وإذا اشتبه الأمر فإن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وبالنسبة للموقع المشار إليه فلا تكفي هذه الفتوى العامة، بل لا بد من مقابلة أهل العلم لاستقصاء الأمر وشرح المسألة.
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(13/295)
الاستماع للبرامج النصرانية
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 19/1/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حكم استماع الراديو على القنوات النصرانية التي تظهر التعبد لغير الله -تعالى-.. لو كان بغرض المتعة فقط ... والضحك من تصرفاتهم الغريبة؟ مع عدم التشبه بهم -إن شاء الله تعالى -؟!. -جزاكم الله خيراً-.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
أيتها الأخت المباركة: هذا العمل والاستماع لا يليق بك من عدة وجوه:
- أن الله أمرنا أن نعرض عن الخائنين المستهزئين قال -تعالى-: "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم.." [النساء: 140] ،والاستماع إليهم نوع من مشاركتهم التي حذرت منه آية الأنعام: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ... " [الأنعام: 68] .
- ثانياً: أن تكرار سماع الشبهات يؤثر ويؤدي إلى استقرارها في النفوس، وقد أُمِرْنا بالابتعاد عن ذلك، فقد قال - صلى الله عليه وسلم-: "من سمع بالدجال فلينأ عنه فإن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه بما يبعث عليه من الشبهات" رواه أبو داود (4319) بسند صحيح. من حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه-.
- ثالثاً: أن وقت المسلم أثمن من أن يزجيه ويضيعه في مثل ذلك، بل الواجب بذله وصرفه في العبادات وفي الدعوة إلى الله ونشر الخير ومراسلة هؤلاء وأمثالهم لدعوتهم إلى الله والاستقامة على أمره والدخول في دين الله وبيان محاسن الشريعة ومكارمها. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.(13/296)
إنشاء مواقع للدعوة وكسب المال
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 8/1/1425هـ
السؤال
ما رأيكم في فتح بعض القنوات والثغرات الدعوية المعاصرة لدعوة الناس إلى الخير كالمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت التي تدعو إلى الدين والتمسك به، ويكون قصد القائمين على هذه المواقع أمرين: أولاً: الدعوة إلى الله، وثانيا: ً التكسب من موارد هذه المواقع عن طريق الإعلانات المبوبة على الموقع، أو تبرعات المحسنين الداعمين لهذه المواقع، علماً أن هذه الأعمال تأخذ جهداً كبيراً ووقتاً ثميناً ومتابعة مستمرة وتفرغاً، في الوقت الذي أخذ أهل الباطل ينشرون فسادهم وخرابهم ونتن أفكارهم وسلوكهم عبر هذه المنافذ الإعلامية الحديثة. أفتونا:
أ- ما حكم العمل والحالة هذه؟.
ب- ما حكم أخذ المال الوارد كأجرة عمل في الموقع؟.
ج- هل يكون هذا العمل مثاباً عليه صاحبه عند الله في الآخرة؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: لتوضيح ما أشكل على السائل من عدة وجوه.
الأول: فتح القنوات الدعوية سواء في المواقع الإلكترونية أو أي وسيلة إعلامية أخرى هو أمر خير وفي سبيل الله -تعالى-، وعلى القائمين على تلك الوسائل الاجتهاد في دعوة الناس إلى الخير، واستخدام الوسائل المؤثرة وتقوى الله.
فإن هذه الوسائل مؤثرة ومتاحة لعموم الناس، فينبغي الاجتهاد في بذل الهدى وتحري الحق وهم على ثغرة عظيمة.
الثاني: هذه المواقع الدعوية المؤثرة هي من وسائل نشر الهدى والدعوة، فلا بأس أن تكون وقفاً لله -تعالى-، ومن ثم أخذ تبرعات المحسنين للإنفاق عليها بشرط تقوى الله في أموال المحسنين، وعدم الإسراف فيها وإنفاقها لغير ما بذلت له، ولا بأس بصرف مكافآت للعاملين على الموقع ومنهم القائمون عليه، على أن يكون بمكافأة المثل، وإن تعففوا عنه فهو خير لهم.
وما يأتي عن طريق الإعلان فيجب أن يأخذ حكم موارد الموقع، حيث إذا قبلت التبرعات في الموقع فإنه يعتبر موقعاً دعوياً ليس ملكاً لصاحبه، وإنما هم قائمون عليه مأجورين على ذلك، وهو في سبيل الله ولا بأس بأخذ المكافآت المعتادة.
أما إذا اقتصروا على الدخل الذاتي للموقع، ولم يأخذوا تبرعات من أحد، فالأمر واسع لمن قام عليه، حيث لا حرج عليه في أخذ ما شاء منه، وهو أيضاً مثاب إذا أراد منه نشر الحق والهدى.
نسأل الله للمسلمين أن يكونوا هداة مهتدين نافعين مؤثرين. والله الموفق إلى سواء السبيل.(13/297)
العمل في محطة إذاعية بها غناء
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 16/8/1424هـ
السؤال
أعمل في محطة إذاعة، وفي هذه المحطة توجد أغانٍ وعروض مصاحبة للأفلام يكون فيها مغنون، لكن القسم الذي أعمل به هو قسم الكمبيوتر ولا يتصل مع الإذاعة مباشرة، والذي نقوم به هو عمل التعريف بالإذاعة عبر الإنترنت.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخ الكريم نشكرك على حرصك على السلامة في دينك، وما يتعلق بالسؤال فإن ما تقوم به وإن كان ليس مباشراً للإذاعة، إلا أنك في الحقيقة تقوم بالدعاية لها والتعريف بها وجلب أعداد أخرى من المستمعين، وهو دعاية إلى مواد الإذاعة التي ذكرت أن فيها أغاني وعروض مصاحبة للأفلام، وهذا من باب التعاون على الإثم، وقد قال سبحانه: "وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ"، ومن الدلالة إلى الشر، وقد قال عليه الصلاة والسلام "ومن دعا إلى ضلالة كان عليه آثام من تبعه"، فكل من دللت على الإذاعة بؤت بإثمه، وأنصحك بترك هذا العمل إلى عمل أتقى لله منه، فإن ما تقوم به من عمل محرم، وما تأخذه عليه من مال هو سحت حرام، نسأل الله لك البديل الصالح، وفقك الله لكل خير.
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(13/298)
رسائل التهنئة على الرقم (700)
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 2/2/1425هـ
السؤال
هل يجوز إرسال رسائل تهنئة (بالمواليد - الزواج - الوظيفة..إلخ) عن طريق الهاتف (700) ، وهذا الرقم خاص بالتهاني الإسلامية (أناشيد-أشعار-نثر) ، ويتضح عليه الطابع الإسلامي، علماً أنه لا تقوم عليه مسابقات أبداً بشتى أنواعها وصورها ... وقيمة المكالمة للدقيقة ريالان فقط ... أفتونا مأجورين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
نعم، يجوز ذلك، وأما ما تدفعه من قيمة المكالمة فهو وإن كان بأكثر من سعره المعهود إلا أن الزيادة فيه تُقابل الخدمة التي تقدم من خلاله.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم.(13/299)
برنامج ستار أكاديمي
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 12/1/1425هـ
السؤال
يا شيخ: انتشر مؤخراً في القنوات الداعرة مثل (LBC) برامج خليعة قاتلة للعفة والرجولة، مثل (ستار أكاديمي) ، ولا يخفى ما يصاحب البرنامج والدراسة الباطلة من علاقات آثمة، نريد توجيه كلمة لمشاهدي هذه البرامج، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه البرامج برامج فاجرة، تحسّن الرذيلة وتنشرها، وتغري بالفتنة، وتهيج الغرائز، وفيها هتك لستر المحارم والحرمات والعورات، وتحريضٌ للشباب والشابات على التمرد على الفضائل والأخلاق، والحياء، والعفة، زيادة على ما فيها وفي متابعتها من تضييع الأوقات في السخافات.
ولذا؛ فلا يشك مسلم في تحريم المشاركة فيها، ومشاهدتها، والاتصال للتصويت؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم، وتقوية شوكة أهل الباطل والفجور.
ولا يكفي أن نكف عن مشاهدة هذه البرامج الفاجرة، فعلينا واجب النصح لمن نعلمه قد ابُتلى بمشاهدتها أو الاتصال بها للتصويت أو حتى التشاغل بالحديث عنها، وأن نأخذ على أيدي أولادنا وإخوتنا فنصرفهم من هذه الساخافات والمنكرات إلى ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم.
والله أعلم، صلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم.(13/300)
الاشتراك المفتوح بالإنترنت
المجيب عبد العزيز بن إبراهيم الشبل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 3/6/1425هـ
السؤال
ما حكم الاشتراك المفتوح الساعات بالإنترنت؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الاشتراك المفتوح لا بأس به، والجهالة الموجودة فيه لا تؤدي إلى التنازع؛ ففي هذا العقد الشركة تسمح لك أن تستخدم الاشتراك في هذه الأيام كلها ـ وإن كانت من خلال دراستها تقدِّر متوسطاً للاستخدام ـ وأما أنت فإما أن تستخدم تلك الساعات، فتكون قد استوفيت المنفعة، وإما ألا تستخدمها أو تستخدم بعضها فتكون قد فوّت تلك المنفعة باختيارك، مع أن الشركة قد هيّأت لك الانتفاع بالاشتراك، ولكنك لم تفعل ذلك، ويكون ذلك كما لو استأجرت بيتاً ثم لم تسكنه، أو سكنت فيه بعض الأيام دون بعض، وعلى ذلك فهذه الجهالة لا تؤدي إلى التحريم، والعقد جائز. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(13/301)
مشروع توكيل لباقة من القنوات
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 20/12/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ: نرجو منك الإفادة في المسألة التالية:
قمت أنا ومجموعة من أصدقائي بفتح مشروع جديد عبارة عن توكيل لباقة من القنوات الفضائية، وكانت النية متجهة إلى نفع الناس بالقنوات الدينية والقنوات الأخرى المفيدة، ويشهد الله على ذلك، وكنا نعتزم عدم الترويج لأي قنوات أخرى غير التي ذكرتها من قبل، ونحن نقدم لكل مشترك ديكودر (جهاز استقبال) ولن يعمل جهاز الديكودر إلا مع بطاقة تحتوي على مجموعة قنوات، وهي (قناة للأفلام، وقناة للأطفال، وقناة للطرب، وقناة للرياضة) ، وحيث إن القنوات الأخرى (وهي قنوات النايل سات التي تحتوي على القنوات الدينية، والأخبارية، وقنوات تعليمية، وقنوات أخرى) لن تعمل إلا بوجود تلك البطاقة، ونحن لا نملك فصل هذه البطاقة عن الديكودر؛ حيث إن الشركة الأم تقوم بتشفيره، ولن يعمل إلا بوضع تلك البطاقة. وجزاكم الله كل الخير.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نشكر السائل على حرصه على ما ينفع الناس، ونسأل الله له التوفيق، وما ذكره السائل هو في الحقيقة أيضًا ترويج لقناة الطرب، وقنوات الأفلام في (النايل سات) ، والمعلومة للجميع، وهو يخالف ما يهدف إليه من نفع الناس، بل أرى أن الفساد المتحقق أكثر من الصلاح المؤمَّل، والسلامة لا تعدلها شيء، لاسيما في المشاريع الإعلامية التي يتأثر بها الآلاف من الناس، حيث إنه في تلك الحالة شريك في الإثم فيما يعرض فيها، وعليه فإنني أنصح الأخ الكريم- بعدم المضي بهذه القنوات بهذه الصورة، ولكنني أطلب من السائل ومن معه عدم إيقاف المشروع الواعد، وإنما بذل جهود مضاعفة لأجل استمراره ولكن دون قنوات الطرب والأفلام؛ طلبًا لمرضاة الله سبحانه؛ (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) [الطلاق:2] . وعليه التوكل على المولى سبحانه وتعالى- في تحصيل ذلك؛ (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3] . نسأل الله للسائل ولنا جميعًا التوفيق فيما يرضيه سبحانه.(13/302)
حكم سماع الدف
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 10/8/1422
السؤال
ما حكم سماع الدف؟
مع أنه يشكل عليّ سماع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصغيرات، وأيضاً استقبال المسلمين له - صلى الله عليه وسلم - بعد رجوعه من تبوك.
الجواب
الحمد لله، وبعد: فيا أيها المحب، لا إشكال فيما تذكر - بحمد الله تعالى - لأن العلماء يفرقون بين السماع والاستماع، فالاستماع في هذا المقام - وهو المنهي عنه - هو أن يصغي له إصغاء المتلذذ والمستطرب له فهذا إنما يجوز لمن أُذن له فيه كالنساء والصبيان في الأعراس أو عند قدوم الغائب ونحو ذلك مما جاءت الشريعة بالترخيص فيه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في "الاستقامة" (1/275) : "يرخص للنساء في الغناء والضرب بالدف في الأفراح، مثل قدوم الغائب، وأيام الأعياد، بل يؤمرون بذلك في العرسات ... " أ. هـ.
بينما السماع الذي يعرض للإنسان، بحيث يسمع أناساً أُذِنَ لهم في الغناء - كالنساء والصبيان، في العرس مثلاً - ثم يصل صوته للشخص الذي لم يؤذن له بالسماع - كالرجال - فإن الإنسان يؤمر بعدم الإصغاء والتلذذ بذلك، وأما مجرد وصول الصوت، فلا يؤمر الرجل بسدِّ أذنيه، أو مغادرة مكان حفل العرس - مثلاً - لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذِن لعائشة - رضي الله عنها - أن ترقى على ظهره لتستمع إلى غناء الحبشة، انظر ما رواه البخاري (454) ، ومسلم (892) ، ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسمع له، ولكن لم يكن يستمع له، ولهذا لم يقر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر على إنكاره على وصول هذا الصوت إلى بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل قال: "دعهما يا أبا بكر: إن لكل قوم عيداً، انظر ما رواه البخاري (3931) ، ومسلم (892) وهذا عيدنا ".
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - كما في مجموع الفتاوى (11/565) : " وليس في حديث الجاريتين أن النبي - صلى الله عليه وسلم استمع إلى ذلك، والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع، كما في الرؤية، فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار، وكذلك في اشتمام الطيب، إنما ينهى المحرم عن قصد الشم، فأما إذا شم ما لم يقصده فإنه لا شيء عليه، وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس الخمس من السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، إنما يتعلق الامر والنهي من ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل، وأما ما يحصل بغير اختياره فلا أمر فيه ولا نهي، وهذا مما وجه به الحديث الذي في السنن عن ابن عمر أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمع صوت زمارة راع فعدل عن الطريق، وقال: هل تسمع؟ هل تسمع؟ حتى انقطع الصوت انظر ما رواه أبو داود (4924) ، وأحمد (4535) فإن من الناس من يقول - بتقدير صحة هذا الحديث - لم يأمر ابن عمر بسد أذنيه.
فيجاب بأنه كان صغيراً، أو يجاب بأنه لم يكن يستمع وإنما كان يسمع، وهذا لا إثم فيه وإنما النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك طلباً للأفضل والأكمل، كمن اجتاز بطريق فسمع قوماً يتكلمون بكلام محرم فسد أذنيه كيلا يسمعه فهذا حسن، ولو لم يسد أذنيه لم يأثم بذلك، اللهم إلا أن يكون في سماعه ضرر ديني لا يندفع إلا بالسد" أ. هـ.
وقال في موضع آخر (29/522) : "غناء الإماء الذي يسمعه الرجل قد كان الصحابة يسمعونه في العرسات".
وبما سبق يتبين للأخ السائل الجواب عما أورده، والله تعالى أعلم.(13/303)
الأناشيد المصحوبة بالمعازف
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 10/8/1422
السؤال
هناك أناشيد هادفة للأطفال مصحوبة بصوت الدف الصادر عن آلة الأورغ الموسيقية وليس عن الدف نفسه، فهل في استماعها حرج، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
آله الأورغ من المعازف، وهي محرمة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف" رواه البخاري (5590) والاستحلال لا يكون إلاّ للحرام، وقد ذكر النبي عليه السلام هذا من علامات آخر الزمان، وعلى هذا فعلى المسلم الابتعاد عن استماع هذه الأناشيد بسبب ما يصاحبها من المعازف، ولا شك أن المسلم الحريص لو بحث لوجد أناشيد هادفة بدون هذه المعازف.(13/304)
الألعاب بين الحلال والحرام
المجيب د. خالد بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 15/5/1422
السؤال
قرأت الحديث القائل: "من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمِهِ" وقرأت _ في معناه _ بأن اللعب بالزهر (النرد) حرام. وحضرني تساؤل هام، وهو:
هل كل أنواع الألعاب _ حتى ولو كانت مفيدة، خاصة وأن هناك ألعاباً إسلامية تعتمد على النرد _، هل كل هذه الألعاب محرمة؟
أم أن التحريم مقيد ببعض الألعاب الخاصة؟
الرجاء التفصيل في شرح تلك القضية _ وجزاكم الله خيراً _.
الجواب
الألعاب قسمان:
القسم الأول: ألعاب مُعِيْنة على الجهاد في سبيل الله، سواء أكان جهاداً باليد (القتال) ، أو جهاداً باللسان (العلم) ، مثل: السباحة، والرمي، وركوب الخيل، وألعاب مشتملة على تنمية القدرات والمعارف العلمية الشرعية، وما يلحق بالشرعية. فهذه الألعاب مستحبّة ويؤجر عليها اللاعب متى حَسُنت نيَّته؛ فأراد بها نصرة الدين، يقول صلى الله عليه وسلم: ((ارموا بني عدنان فإن أباكم كان رامياً)) . فيقاس على الرمي ما كان بمعناه.
القسم الثاني: ألعاب لا تُعين على الجهاد، فهي نوعان:
النوع الأول: ألعاب ورد النص بالنهي عنها، كلعبة (النردشير) الواردة في السؤال فهذه ينبغي على المسلم اجتنابها.
النوع الثاني: ألعاب لم يرد النص فيها بأمر ولا نهي، فهذه ضربان:
الضرب الأول: ألعاب مشتملة على محرّم، كالألعاب المشتملة على تماثيل أو صور لذوات الأرواح، أو تصحبها الموسيقى، أو ألعاب عهد الناس عنها أنها تؤدي إلى الشجار والنزاع، والوقوع في رذائل القول والفعل، فهذه تدخل في ضمن المنهي عنه؛ لملازمة المحرم لها، أو لكونها ذريعة إليه. والشيء إذا كان ذريعة إلى محرّم في الغالب لزم تركه.
الضرب الثاني: ألعاب غير مشتملة على محرّم، ولا تؤدي في الغالب إليه، كأكثر ما نشاهده من الألعاب مثل كرة القدم، الطائرة، تنس الطاولة، وغيرها. فهذه تجوز بالقيود الآتية:
الشرط الأول: خلوُّها من القمار، وهو الرهان بين اللاعبين.
الشرط الثاني: ألا تكون صادَّةً عن ذكر الله الواجب، وعن الصلاة، أو أي طاعة واجبة، مثل برّ الوالدين.
الشرط الثالث: ألا تستغرق كثيراً من وقت اللاعب، فضلاً عن أن تستغرق وقته كلّه، أو يُعرف بين الناس بها، أو تكون وظيفته؛ لأنه يخشى أن يصدق على صاحبها قوله -جل وعلا-: ((الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرّتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم)) .
والشرط الأخير ليس له قدر محدود، ولكن الأمر متروك إلى عرف المسلمين، فما عدُّوه كثيراً فهذا الممنوع. ويمكن للإنسان أن يضع لذلك حداً بنسبة وقت لعبه، إلى وقت جده، فإن كان النصف أو الثلث أو الربع فهو كثير.
والله سبحانه أعلم.(13/305)
الدليل على حرمة الغناء
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 22/7/1422
السؤال
توجد بعض زميلات الدراسة بالجامعة يقولون أنهم سمعوا فتوى تجيز سماع الأغاني إذا كانت لا تحمل كلام الغزل والكلام الذي على شاكلته، وأريد أن أسمع فتواكم مع الدليل الشرعي من القرآن الكريم أو السنة الشريفة؟
الجواب
الغناء محرم في الكتاب العزيز والسنّة المطهرة، يقول تعالى: ((ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم)) ، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:" إنه الغناء والله الذي لا إله غيره "، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الغناء مزمار الشيطان وقد كان السلف رحمة الله عليهم إذا مر بعضهم بمكان يسمع فيه صوت الغناء وضع في أذنيه القطن حتى لا يسمع، والله تعالى يقول: ((إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا))
فلا يجوز للمسلم ولا المسلمة أن يستمع للمحرم من غناء وغيبة ونميمة وقول زور ونحوها والله أعلم.(13/306)
ممارسة رياضة التايكندو
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 25/1/1425هـ
السؤال
أنا شاب يحب ممارسة الرياضة، ولكن في حدود الشرع إن شاء الله، فالرياضة التي أريد أن أسأل عنها هي رياضة التايكندو، وهي رياضة لا تستخدم الملاكمة لكنها تستخدم فيها الأرجل، وقد تصل الضربات إلى الوجه مع وجود القناع الواقي للصدمات، وهذه الرياضة فيها فائز وخاسر وهذا كله في سبيل الله طبعاً. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
ممارسة الرياضة التي تهتم بالدفاع عن النفس على نحو لا يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة لا بأس بها، وخاصة إذا أراد بها الأجر وأن يتقوى بها على الطاعة والخير.
وقد حث الشرع الكريم على كل ما فيه قوة للمسلم وإعداده إعداداً جيداً، قال تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" [الأنفال:60] ،وحديث عقبة الجهني: "كل شيء يلهو به الرجل باطل إلا رمي الرجل بقوسه أو تأديبه فرسه أو مداعبته امرأته، فإنهن من الحق" رواه البيهقي (10/218) . على أنه ينبغي للمسلم أن يتجنب الوجه بالضرب لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه-: "إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته" رواه مسلم (2612) ، وفي رواية له: "إذا قاتل أحدكم أخاه فلا يلطمن الوجه" نفس الحديث السابق.(13/307)
لِمَ حُرِّم الغناء؟!
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 16/9/1424هـ
السؤال
لماذا حُرم الموسيقى والغناء؟
وهل هناك أدلة مقنعة؟ الموسيقى أنواع وهناك آلات متنوعة، ومنها: موسيقى أيضاً بكلام، ومنها: البدون، والكلام قد يصنفه البعض إلى كلام مؤثر وغير مؤثر سؤالي، هو: ما حكم كل ما سبق بالتفصيل مع الأدلة إذا أمكن؟
الجواب
الحمد لله وبعد: فقبل الإجابة على هذا السؤال أود التذكير بمسألة مهمة تتلخص بكوننا معاشر المؤمنين ملزمين بالتسليم والانقياد لأمر الله ورسوله في كل شأن من شوؤننا، وفي كل صغيرة وكبيرة من شريعة ربنا - جل في علاه - معتقدين بيقين تام أنه ما من أمر يأمرنا به - سبحانه -، أو نهي ينهانا عنه إلا وهو وفق الحكمة التامة والمشيئة العادلة علمها من علمها، وجهلها من جهلها.
والمسلم الحق مأمور بالاستجابة والامتثال على الفور دون تردد أو مراجعة، فإن بانت له الحكمة وظهرت له أسرار التشريع فنور على نور يهدي الله لنوره من يشاء، وإن لم يتضح له الحكمة من وراء الأمر والنهي فلا مناص من الامتثال، ولا معدل عن التسلم والانقياد.
ولذا فإن الأَوْلى في حق المسلم أن يسأل عن الحكم أولاً، ثم لا بأس أن يسأل عن الحكمة ثانياً لا العكس، وسؤاله عن الحكمة ينبغي أن يكون في حدود الاستكثار من الفائدة لتحقيق مزيد من الامتثال، والاستجابة لأمر الشارع الحكيم، لا على وجه التعنت والجدل العقيم.
وبناءً على ما سبق كان الأجدر بالسائل أن يقول أولاً: ما حكم الموسيقى والغناء؟ لا لماذا تم تحريم الموسيقى والغناء؟ ثم يسأل ثانياً - إن بدا له - عن الحكمة في تحريمهما؟
أما الجواب فيتلخص فيما يلي:
فلسنا نشك في حرمة الموسيقى والغناء؛ لأدلة من الكتاب والسنة وآثار الصحابة - رضوان الله عليهم - وكلام المحققين من أهل العلم وللنظر الصحيح في هذه المسألة، فأما أدلة التحريم من الكتاب المبين، فمنها:
(1) قوله - تعالى -:" ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين " [لقمان: 6] . قال الواحدي وغيره: أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث: الغناء، وهو قول ابن عباس، وابن مسعود، وجابر بن عبد الله، ومجاهد، وعكرمة، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وقتادة، وإبراهيم النخعي، ومكحول، وعمرو بن شعيب، وعطاء، وغيرهم.
وكان ابن مسعود يقسم ثلاثاً أن " لهو الحديث " في الآية هو الغناء، رواه عنه ابن جرير الطبري بإسناد صحيح.
وقال القرطبي: " إن أولى ما قيل في هذا الباب: هو تفسير " لهو الحديث " بالغناء، وهو قول الصحابة والتابعين.
ومن الأدلة كذلك: قوله - تعالى -: " واستفزز من استطعت منهم بصوتك " [الإسراء: 64] ذكر ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس في تفسير الآية، قال: " كل داع إلى معصية "، قال ابن القيم: " ومن المعلوم أن الغناء من أعظم الدواعي إلى المعصية، ولهذا فسر صوت الشيطان به ".(13/308)
وكذلك روى ابن جرير بإسناده عن مجاهد - رحمه الله - في قوله: "واستفزز من استطعت منهم بصوتك " قال: باللهو والغناء.
ومن الأدلة أيضاً قوله - تعالى -:" والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً " [الفرقان: 72] .
قال ثعلب: " الزور: مجالس اللهو "، وقال الزجاج: " الزور: مجالس الغناء " وهو قول محمد الحنفية، وغيرهم من أهل العلم.
وقال ابن القيم:" المعنى: لا يحضرون مجالس الباطل، ويدخل في هذا أعياد المشركين - كما فسرها به السلف - والغناء وأنواع الباطل كلها.
وأما من السنة الشريفة فدونك ما رواه البخاري "5590" في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف.. الحديث"، وقد رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم إلا أن ابن حجر العسقلاني قد ذكر في شرحه على الحديث أن جماعة من الحفاظ قد رووه موصولاً منهم: الإسماعيلي في مستخرجه، وأبو نعيم كذلك في مستخرجه على البخاري، والطبراني في معجمه، وابن حبان في صحيحه، وقد ذكر هذه الروايات كلها في (فتح الباري) .
كما ذكر الحافظ ابن رجب أن البيهقي أخرج الحديث موصولاً من طريقه الحسن ابن سفيان، حدثنا هشام بن عمار، فذكره قال ابن رجب: " فالحديث صحيح محفوظ عن هشام بن عمار " وكذا قال ابن القيم: إن هذا حديث صحيح ثم استطرد في الجواب الحسن الفائق مع كل من رد الحديث بدعوى الانقطاع كابن حزم وغيره.
قلت: والمعازف في الحديث، هي: آلات الطرب والغناء ومزامير الشيطان والخنا، سيما ما أحدث في هذا العصر من آلات ومزامير وأبواق وأعواد وأوتار تورث سامعيها السكرة، وتجلب لهم الخزي والعار، وتسبب الدياثة وذهاب الغيرة واستيلاء العهد والفجور.
من الأدلة ما رواه أحمد " 8851 "، ومسلم " 2114"، وأبو داود "2556"، والنسائي في السنن الكبرى " 8761"، وابن خزيمة " 2554" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" الجرس مزامير الشيطان ".
قال العلامة حمود بن عبد الله التويجري في فصل الخطاب:" وإذا كان الجرس من مزامير الشيطان فما الظن بما هو " أحسن " منه نغمة وأشد إطراباً من أنواع المعازف والمزامير والموسيقى التي قد ظهرت في زماننا واستحلها كثير من السفهاء؟ أ. هـ.
قلت: وقد اتفق الأئمة الأربعة على تحريم الملاهي التي هي آلات اللهو كالعود، ونحوه ... وقال شيخ الإسلام - رحمه الله -: والمقصود هنا أن آلات اللهو محرمة عند الأئمة الأربعة، ولم يحك عنهم نزاع في ذلك، وأما الغناء المجرد الخالي من آلات الطرب فمحرم عند أبي حنيفة ومالك ورواية عن الشافعي وأحمد، والرواية الأخرى عنهما الكراهة، إلا أن الكراهة المروية عنهما محمولة على أشعار الزهد الملحنة بصوت الشاعر، وإليه أشار ابن القيم في (مدارج السالكين) - فليراجع.(13/309)
قال العلامة حمود التويجري - رحمه الله -: وقد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على تحريم الغناء والمنع من استماعه واستماع آلات اللهو كلها، وبعضهم أطلق الكراهة، والمراد بها كراهة التحريم، وأبلغ من ذلك ما نقله صاحب الفروع عن القاضي عياض أنه ذكر الإجماع على كفر مستحله يعني الغناء، كما ذكر الإجماع على كفر من قال بأن القرآن مخلوق، وقال الشيخ محمد بن يوسف الكافي التونسي في كتابه (المسألة الكافية) : المسألة الثامنة والخمسون: حرمة الغناء، وأخذ الأجرة عليه معلومة في دين الإسلام، فمن استباح ذلك يكفر لاستباحته ما حرم شرعاً. ا. هـ. من فصل الخطاب، ومنه استقيت جل نقولات هذا الجواب.
وأما قول السائل: الموسيقى أنواع، وهناك آلات متنوعة، فقوله حق، ولكنها كلها محرمة، وقد تقدم ذكر كلام الأئمة في شأن آلات اللهو والغناء، وأنها محرمة كلها مع كونها آلات بدائية لا تداني ولا تقارب ما أحدثت في هذا الزمن من الآلات والأبواق والمزامير التي لا يشك من له أدنى مسكة عقل - فضلاً عن خلق ودين - أنها وسائل إفساد وفتنة وأسباب ضلال وسفه ومجون.
وأما سؤاله عن الكلام المصاحب للموسيقى، وأن البعض يصنفه إلى كلام مؤثر وغير مؤثر، فالجواب: أن الغناء والطرب كله حرام، فالتأثير أمر نسبي يختلف من شخص لآخر، فعبث هؤلاء المسمين بالمغنين والمغنيات وتفانيهم في الصد عن سبيل الله، واستماتتهم في كسب الجماهير والمعجبين - خصوصاً - في هذه الأزمة المتأخرة لا يمكن أن يبقى معها قلب بلا تأثر.
فالحذر الحذر من مصائد الشيطان ومكائده، ووسوسة النفس وعنادها فهيهات أن يجتمع في قلب امرئ حب القرآن، وحب صوت الشيطان وألحانه ومزاميره ... ، وبنحو ما ذكرت قال ابن القيم الإمام العلم البصير بأمراض القلوب وأسباب علاجها:" فإنه ما اجتمع في قلب عبد قط محبة الغناء ومحبة القرآن إلا طردت إحداهما الأخرى، وقد شاهدنا نحن وغيرنا ثقل القرآن على أهل الغناء وسماعه، وتبرمهم به، وصياحهم بالقارئ إذا طول عليهم، وعدم انتفاع قلوبهم بما يقرأه فلا تتحرك ولا تطرب، ولا تهيج منها بواعث الطلب. ا. هـ، من (مدارج السالكين) .(13/310)
وختاماً ليعلم المسلم الراغب فيما عند الله والدار الآخرة أن المسلم الحق، هو: ذلك الرجل الجاد الذي يعرف تماماً ويدرك حقاً أنه صاحب رسالة وداعية عقيدة ورائد منهج وسط، له دور محدد، وواجب معين، وخط مرسوم، وصراط مستقيم ... إنه دور تحقيق العبودية الخالصة للرب الجليل، واستكمال شعب الإيمان في نفسه وقلبه وجوارحه ما استطاع، ومن ثم الانطلاق في طريق الإصلاح، ومسيرة الدعوة إلى الله العلي الأعلى، ومحاولة استنقاذ جموع الناكبين والتائهين في فيافي الغرور والإعراض. وأنى لكائن أن يقوم ببعض هذا، وهو عاشق للألحان، مفتون بالمزامير والأوتار، وأنى لمسلم أن يقوم بواجب الريادة والقيادة لجموع الغافلين والمعرضين، وهو ثمل بآهات المغنيين والمغنيات، والفاسقين والفاسقات، ألا فلنتَّقِ الله ولنبادرْ بالتوبة النصوح من هذا البلاء المبين والشر المستطير قبل فوات الأوان، وانقطاع الأمال، وانصرام الآجال. وفق الله الجميع لفعل الخيرات، واجتناب المنكرات، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(13/311)
المباراة على جائزة شارك فيها الجميع
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 23/4/1424هـ
السؤال
نحن شباب نمارس كرة القدم، ونقوم بجمع مبالغ من كل فريق لشراء كأس لنلعب عليه، أو أي شيء يقوم مقام الكأس؛ ككرتون بيبسي أو ما شابه ذلك، وبعد فوز أحد الفريقين يأخذ الفريق الفائز الجائزة التي دفع فيها جميع أعضاء الفريقين, فما الحكم في ذلك؟
الجواب
هذا العمل لا يجوز، وهو داخل في قوله تعالى: "إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [المائدة: من الآية90] ، لأن هذا العمل من الميسر المحرم، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "لا سبق إلا في نصلٍ أو خُفٍّ أو حافِرٍ"، رواه الترمذي (1700) ، وأبو داود (2574) ، وابن ماجة (2878) ، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- والسبق: العوض المعد للفائز، فهو لا يجوز إلا في هذه الأشياء المذكورة في الحديث، لكونها مما يعين على الجهاد في سبيل الله. والله أعلم.(13/312)
تطوير لعبة الدوري الياباني
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 28/5/1424هـ
السؤال
أنا ولله الحمد محترف كمبيوتر، وأعطاني الله القدرة على التعديل على معظم الألعاب، وسؤالي هنا أنني استطعت التعديل على لعبة كرة الدوري الياباني لجهاز البلي ستيشن، واستطعت تحويلها من دوري ياباني إلى دوري سعودي، وقمت بتعريب بعض أجزائها من لغة يابانية إلى إنجليزية، وأخرى إلى عربية، وقد أزلت جميع الأغاني في اللعبة، بحيث لا يوجد ملف موسيقى إلا وأزلته ... ، وأنا أتقاضى على هذه اللعبة نتيجة بيعها أكثر من ثلاثين ألف ريال ولله الحمد، السؤال هنا: هل هذا المبلغ الذي أتقاضاه حرام أم لا؟ أرجو الإجابة لأني في حيرة من أمري.
ملاحظة أن النسخ تكون كوبي copy. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن حقوق المؤلفين والمبرمجين وكافة الأمور الإبداعية هي حق لهم، ولا يجوز نسخها والاستفادة منها إلا بإذنهم، أو بشراء النسخ الأصلية المأذون بها، فضلاً عن نسخها وبيعها، والإسلام أكثر الشرائع محافظة على الحقوق، وهو يشجع على العمل والإبداع، لا التقليد والسطو على عمل الآخرين، وما يتعلق بسؤال السائل فإنه يحتاج إلى إذن من أصحاب الحق في الاستفادة والتعديل على هذه البرامج، أو التوصل مع أصحابها إلى تفاهم، فإن لم يأذنوا له فإنه لا يجوز له بيعها حتى مع التعديل، وعليه فإن المبلغ المستفاد من العملية غير مباح.
وننصحه في هذه الحالة أن يبدع لعمل جديد يتلافى فيه سلبيات الدوري الياباني وإزالة المحاذير الشرعية، ويكون بديلاً مناسباً.
والله أعلم، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(13/313)
محل لتأجير الألعاب الرياضية
المجيب أ. د. صالح بن محمد السلطان
أستاذ الفقه بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 24/11/1423هـ
السؤال
ما حكم اللعب بتنس الطاولة والبلياردو وكرة القدم المجسمة على طاولة؟ وما حكم فتح محل تجاري لهذه الألعاب لغرض تأجيرها للهواة بالساعة للكسب التجاري؟
الجواب
اللعب بهذه الألعاب إذا لم يترتب عليه محذور شرعي من ارتكاب محرم كقمار أو ألفاظ بذيئة، أو ترك واجب من صلاة وبر والدين، وكذلك لم يترتب عليه إضاعة وقت المسلم بأن كان يسيراً ونحو ذلك فأرجو ألا حرج، وأما فتح محل لذلك فأنصحك بالابتعاد عن ذلك؛ لما يحصل في هذه المحلات من العدوان والصد عن ذكر الله، وبذل المال فيما لا نفع فيه فأقل أحواله أن يكون من المشتبه، رزقك الله الكسب الحلال.(13/314)
السفر للسياحة
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 25/3/1424هـ
السؤال
يا شيخ: حفظكم الله، وزادكم علما وورعا، ما حكم السفر إلى مدينة الأقصر للترفيه؟ وهى مدينة مصرية مليئة بالآثار الفرعونية، وأيضا ما حكم السفر لمدينة مثل شرم الشيخ للترفيه؟ مع العلم أنها مدن سياحية مليئة بالأجانب والكاسيات العاريات، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
السفر إلى الأماكن الأثرية لمجرد السياحة والاستطلاع الأصل فيه الإباحة، ما لم يباشر المسافر في سفره إليها أو عندها منكراً من المنكرات، وعليه أن يقصد في سفره هذا الاتعاظ والاعتبار، كما قال تعالى: "أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" [الروم:9] ، وقوله: "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" [الحج:46] ، والسفر لغرض الترفيه مباح جائز ما لم يشتمل على منكر من المنكرات، وإذا كان الغرض من السفر إلى المدن الترفيهية هو الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صار مندوباً، أما إذا كان سفر المرء لمجرد الترفيه والسياحة ومشاهدة ومخالطة المنكرات وأصحابها، دون نكير فهذا حرام لا يجوز، والله أعلم.(13/315)
استخدام الألعاب النارية ليلة رأس السنة
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 8/10/1422
السؤال
هل يجوز استخدام الألعاب النارية في رأس السنة الميلادية؟ علماً أنه لا يسمح بتلك الألعاب إلا في ذلك اليوم.
الجواب
عيد رأس السنة الميلادية من أعياد النصارى، بل هو عيدهم الأكبر.
واستخدام الألعاب النارية في هذا العيد هو من باب إظهار الفرح والمشاركة والابتهاج به، ولا يجوز للمسلم أن يشارك هؤلاء في أعيادهم. فابتعد عن هذا العمل في عيد رأس السنة الميلادية، وفقك الله.(13/316)
الأناشيد المصحوبة بالموسيقى
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 15/12/1423هـ
السؤال
أريد أن أسأل عن الأناشيد التي فيها موسيقى.
الجواب
الحمد لله وحده وبعد:
فيحرم استماع الموسيقى، عن أبي عامر الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) صحيح البخاري (5590) .
فكل نشيد رافقه استعمال لآلة موسيقية صار محرماً بدليل هذا الحديث، وفَّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.(13/317)
ضرب الدفوف للأطفال
المجيب
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 8/4/1423
السؤال
برنامج مواهب وأفكار الذي يعرض في التلفزيون خاص بالأطفال، وهو جيد ومفيد، ولكن فيه بعض الأناشيد التي يضرب فيها الدف ومعها المؤثرات الصوتية فنتحرج من سماعها أو تسجيلها للأطفال، أرجو أن تفتونا في جواز سماعها وتسجيلها للأطفال أم لا؟ بارك الله فيكم.
الجواب
أرى جواز استخدام الدف في هذه البرامج؛ لأن الأطفال يسمح لهم ما لا يسمح لغيرهم، ولأن هذا عمل خيري فيغتفر بالنظر إلى الفائدة الحاصلة، لأن في هذا تشجيعاً، وتقريباً للخير لعامة الناس، فيمكن هذا للأطفال وللنساء ولغيرهم أيضاً، وأصل الدف للمناسبات مباح، وللزواج مستحب.(13/318)
رقص الرجال وغناؤهم في الأعراس
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 19/6/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في أعراس مجتمعنا الكردي يقوم الرجال بشبك أيديهم والقيام بحركات متناسقة جداً موروثة من الآباء إلى الأبناء تسمى (دوات) مع الغناء، فهل هذا مباح في الإسلام؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد جاء الشرع بتحريم سماع المعازف بجميع أنواعها، عن أبي عامر الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"ليكوننّ أقوام من أمتي يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف" صحيح البخاري (5590) .
ولم يرخص في شيء منها إلا في ضرب الدف وهو آلة دائرية مختومة من وجه واحد بجلد رقيق ليس فيه أجراس فهذا مرخص باستعماله في الأعراس ونحوها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح" النسائي (3369) وهذا لفظه، الترمذي (1088) ، ابن ماجة (1896) ، وحسنه الألباني في (إرواء الغليل 1994) .
أما الرقص فإنه وإن كان خلاف الوقار المأمول في الرجال فإن الأصل فيه الإباحة، عن عائشة -رضي الله عنها- أنها سمعت لغطاً وصوتاً فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا حبشية تزفن -أي ترقص- فقال:" يا عائشة تعالي فانظري" النسائي (1594) وأصله في الصحيحين البخاري (949) ، ولفظ مسلم (892) "جاء حبش يزفنون في يوم عيد في المسجد"، ولأحمد وابن حبان "أن الحبشة كانت تزفن بين يدي النبي" وانظر الروايات في (فتح الباري 2/515) .
فإذا خلت تلك الحركات من اختلاط الرجال بالنساء أو سماع الغناء المحرم ونحوها من المحرمات فأرجو أن لا بأس بها (إذا كان مما اعتاده الناس وألفوه في وقته وصفته) ، والله -تعالى أعلم.(13/319)
علة تحريم المعازف
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 5/6/1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل العبرة في الآلات الموسيقية هي الصوت المسموع أم الأداة المستخدمة؟ أو بعبارة أخرى إذا استطعنا أن نقلد صوت آلة موسيقية بالصوت البشري لوحده فهل يجوز استخدام هذا النتاج؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فكل المعازف سواء كانت وترية أو هوائية أو جوفية أو غيرها فهي محرمة على الصحيح من أقوال أهل العلم باستثناء الدف في الأعراس والأعياد ونحوها.
فإذا قلد إنسان أو حاكى صوت آلة موسيقية بترنمه بلسانه أو ترديد للهواء في جوفه أو نحو ذلك فليس هذا استعمالاً لشيء من المعازف فلا يحرم، وإن كان سيئاً أن يتشبه المسلم بما نهى الشرع عنه.
أما لو أُخذ صوت آدمي فوضع في الأجهزة الصوتية المغيرة له فأخرجتْ صوتاً موسيقياً فلا ريب أن هذا الناتج صوت معازف لا صوت آدمي.
وأحب أن أنبه إلى أن من أهل العلم من منع الأناشيد الملحنة التي تحرك الطباع وتجري على وفق ألحان الأغاني ووفق القوانين الموسيقية، والتي يكون مقصود سامعها اللحن والطرب بالذات لما في استماعها من إغراق في اللهو وإلهاء للقلوب عن تدبر كلام الله، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.(13/320)
التغني بالأشعار
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 21/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله عنا خير الجزاء - إخوتي في الله - عن كل ما تقدمون من نصح وإرشاد جعله الله في موازين حسناتكم. لدي اليوم سؤال مهم جداً جداً، وأتمنى الإفادة منكم جزاكم الله خيراً: انتشر في الآونة الأخيرة في إحدى الدول أسلوب فني جديد يسمى بالشلات، وهذا الفن - كما يسمونه - عبارة عن أحد الشعراء يلحن الكلمات الشعرية بأسلوب معين، ويغلب عليه أسلوب الحزن، ومن دون استخدام أي آلات موسيقية؛ أي مجرد الصوت الملحن من ذلك الشخص، ولقد انتشر هذا الشيء بين الشباب والشابات في الآونة الأخيرة، وطبعا تختلف القصائد بين الغزلية والإرشادية والمدح، ولكن الأسلوب في الأداء واحد، وهو - مثلما ذكرت لكم مسبقاً - (تلحين الصوت) ، حاولت البحث عن إجابة لهذا السؤال فلم أجد، وهداني قلبي إليكم فأتمنى منكم الإفادة.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالأصل أنه يجوز التغني بالشعر بدون آلاتٍ موسيقية، واستماعه كذلك. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه دخل على أخيه البراء، وهو مستلق واضعاً إحدى رجليه على الأخرى يتغنى. الحديث أخرجه الحاكم (3/291) ، وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وقال عبد الله بن الزبير: أي رجل من المهاجرين لم أسمعه يتغنى النصب. عبد الرازق (19741) ؛ البيهقي (10/230) ، بسند صحيح.
والنصب ضرب من أغاني العرب وهو يشبه الحداء.
إلا أن هذا مشروط بشروط لا يباح بدونها وهي:
(1) ألا يرافق ذلك آلة موسيقية؛ فإن المعازف محرمة، عن أبي عامر الأشعري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) صحيح البخاري (5590) .
(2) أن يكون ذلك في بعض المناسبات فلا يتخذ مهنة، قال البيهقي: (الرجل لا ينسب نفسه إلى الغناء، ولا يؤتي لذلك ولا يأتي عليه، وإنما يعرف بأنه يطرب في الحال فيترنم فيها) (10/223) .
(3) ألا يقترن به اضطراب وتثن ونحو ذلك.
(4) ألا يكون فيه تلحين على وفق صنائع الموسيقى وإطرابها، قال الشاطبي: (العرب لم يكن لها من تحسين النغمات ما يجرى مجرى ما الناس عليه اليوم، بل كانوا ينشدون الشعر مطلقاً، ومن غير أن يتعلموا هذه الترجيعات التي حدثت بعدهم، بل كانوا يرققون الصوت ويمططونه على وجه يليق بأمية العرب الذين لم يعرفوا صنائع الموسيقى، فلم يكن فيه إلذاذ ولا إطراب يلهي) الاعتصام (1/368) .
(5) ألا تتضمن معنى محرماً كدعوة إلى حرام أو ترغيب في منكر أو تحسين لمعصية.
(6) ألا تستعمل لقصد التعبد لسماعها أو أدائها، فإن العبادات توقيفية، والأسلوب المذكور في السؤال لا أعرفه، ومن راعى ما سبق عرف الحكم من خلاله، والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.(13/321)
أغاني المدائح النبوية
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 9/1/1423
السؤال
ما حكم غناء واستماع الأغاني التي تشيد بالرسول وأهل بيته وصحابته ومكارم الأخلاق، فهي تطرب الروح وتسمو بها ولا تثير الغرائز؟
الجواب(13/322)
لقد دلَّ الكتاب والسنة على تحريم الغناء، والغناء الذي ورد النهي عنه هو إنشاد الشعر بالألحان ولا سيما مع آلات العزف، وقد جاء عن الصحابة- رضي الله عنهم- تفسير الزور في قوله:" والذين لا يشهدون الزور" [الفرقان:72] وتفسير لهو الحديث في قوله - تعالى-:" ومن الناس من يشتري لهو الحديث" [لقمان:6] وتفسير صوت الشيطان في قوله - تعالى -:" واستفزز من استطعت منهم بصوتك" [الإسراء:64] وتفسير اللغو في قوله - تعالى -:" وإذا مروا باللغو" [الفرقان:72] جاء عن السلف تفسير هذا كله بالغناء، وجاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال:" الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل" رواه أبو داود (4927) مرفوعاً بسند ضعيف، ورواه البيهقي في السنن الكبرى (10/223) موقوفاً، وانظر تلخيص الحبير (2113) . وجاء عن السلف قولهم:" الغناء رقية الزنى" ولا ريب أن الشعر المُلحن مع الآلات يُطرب، ومصدر الطرب هو الأصوات والأنغام، بقطع النظر عن المعاني، ولكن لا ريب أن الغناء أنواع فبعضه شر من بعض، فالغناء الذي يثير غرائز الجنس ويهيّج على فعل الحرام من الزنى أو الظلم والعدوان، أو يُحبب ما يبغضه الله ورسوله من الأقوال والأفعال أنه أقبح من الغناء الذي يسميه أهله غناءً دينياً، ويضمنونه معاني صحيحة، وقد يضمنونه مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأهل البيت، وهذا المدح تارة يكون مشوباً بالغلو، وحينئذ فإنه مع ما يورثه من الطرب واللهو فإنه يغرس في القلب الغلو في الدين ومنه الغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والغلو في أهل بيته، وأهل بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - أغنياء بما أكرمهم الله به من الفضائل عن الغلو في إطرائهم، فالواجب اجتناب الغناء كله، والإقبال على سماع القرآن والحديث، ولا بأس بقراءة الشعر غير ملحن وغير مقرون بالآلات، وهو الشعر النظيف المشتمل على الترغيب بالفضائل ومكارم الأخلاق، أو مدح من يستحق المدح بحق وباعتدال دون إفراط وتجاوز للحدود، ودون توسع في ذلك، فإن التوسع في المباح لا بد أن يكون على حساب الأعمال الصالحة الجليلة، والعاقل الحازم هو من يؤثر الأعلى على الأدنى، ويقدم الأفضل على الفاضل، فأوصي السائل وكل من يقرأ هذا الجواب ألا يغتر بهذه الأشعار التي هي مما يعتني به المتصوفة الذين يتدينون ويعبدون الله بسماع القصائد، ويستغنون بها عن سماع القرآن، ويظنون أنهم بذلك محسنون، فهم مبتدعون ومسيؤون من حيث يشعرون أولا يشعرون، وقد تكون هذه الأشعار الدينية الصوفية أقبح من الأشعار التي تثير الغرائز، من جهة ما يخشى منها من غرس البدع الاعتقادية، ومن التدين بما لم يشرعه الله، فأصحاب هذا السماع يقبلون عليه ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، بينما المفتونون بالأغاني الخليعة يعترفون بأنهم عاصون في ذلك، ويهمون بالتوبة، ويجاهدون أنفسهم في ذلك، بينما لا يفكر بذلك أصحاب السماع المبتدع؛ لأنهم يظنونه ديناً وهو من دين الشيطان " أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً " [فاطر:8] فينبغي للسائل وغيره أن يقرأ ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في هذا الشأن سيما كتابه في تحريم السماع وهو مطبوع مشهور.(13/323)
ذهاب المرأة إلى السينما
المجيب د. محمد بن سريّع السريّع
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 18/3/1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة وبعد: سؤالي -أثابكم الله- عن ذهاب الفتاة إلى السينما لمشاهدة الأفلام، وصالة السينما هذه مختلطة فيها الرجال والنساء، والكراسي الموجودة فيها متقاربة إلى حد ما. سؤالي هو: هل يجوز ذهاب الفتاة إلى هذه الأماكن حتى لو كانت ملتزمة باللباس الشرعي؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا يجوز الذهاب إلى هذه الأماكن؛ لأنها من الزور الذي مدح الله -تعالى- المؤمنين باجتنابه بقوله:"والذين لا يشهدون الزور.." [الفرقان: 72] ولما فيها من المنكرات فيما يعرض من أفلام، ويتغلظ التحريم بالنسبة للمرأة لما في ذلك من الاختلاط مع غير المحارم، والله أعلم.(13/324)
سماع الغناء والاستماع إليه
المجيب د. خالد بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 23/1/1423
السؤال
هل هناك فرق بين سماع الغناء والاستماع إليه من حيث المعنى أولاً؟ ثم من حيث الحكم الشرعي في كل منهما، وما الحكم في سماع الموسيقى المصاحبة لنشرات الأخبار، أو التي تكون في محلات عامة كالأسواق أو المطاعم ونحوها، مع ذكر الدليل الناقل من حكم الإباحة الأصلية إلى الحرمة؟
الجواب
أما من حيث المعنى فالاستماع أقوى من السماع؛ للقاعدة اللغوية: "الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى"، فالسماع: قد يطلق على ما يسمعه المرء، وإن لم يقصد سماعه، ولم يصغ إليه. بينما الاستماع لا يكون إلا مع مصاحبة القصد إلى سماعه، والإصغاء إليه.
وأما من حيث الحكم فمختلف، فإن مجرد السماع، من دون قصد، ولا إصغاء، ولا قدرة على الإنكار،، لا إثم فيه على من أرغم عليه؛ لأنه ليس من كسبه، والله -عز وجل- يقول: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" [النجم:39] فكذلك ليس عليه إلا ما سعى.
بينما الاستماع غير جائز؛ للأدلة القوية، الكثيرة، من الكتاب، والسنة، وكلام سلف الأمة الذامة للغناء، والناهية عنه، وسوقها يطول، ولكن راجعها في كتاب (تلبيس إبليس) لابن الجوزي، وكتاب (إغاثة اللهفان) لابن القيم -رحمهما الله-، فقد أوفيا القول في حكم الغناء والمعازف، وفي أدلته، وفي الرد على من قال بإباحتهما.
وأما سماع الموسيقى المصاحبة لنشرات الأخبار، أو التي تكون في المحلات، أو الأسواق واستماعها فحكمهما لا يختلف عن حكمهما المذكور سابقاً بالتفصيل؛ لأمرين:
الأول: أن النهي عن آلات اللهو، وهي المعازف، كالموسيقى ثابت بالأدلة الصحيحة، سواء أكانت مصاحبة للغناء أم لا، ومنها ما رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم (كتاب الأشربة، باب: ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه) ، ووصله أبو داود في سننه (4039) ، من حديث أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف" فقوله: "يستحلّون" دلالة على تحريمها؛ لأنها لو كانت حلالاً ما ساغ وصف ملابستهم لها استحلالاً، ولما ذمهم على ذلك، والمراد بالمعازف آلات اللهو كلها، بإجماع أهل اللغة، وثمة أدلة أخر راجعها في الكتابين.
الثاني: أن كثيراً من المقطوعات الموسيقية المصاحبة لنشرات الأخبار مستلة من مقطوعات غنائية، لها وقع عند مستمعي الأغاني، فالطرب بها حاصل.
وإذا أرغم المسلم على سماعها، ولم يكن له حيلة في وقفها فعليه -إن أمكنه- أن يغادر المكان؛ لقوله -جل وعلا-: "والذين لا يشهدون الزور" [الفرقان:72] فسّره محمد بن الحنيفة بأنه الغناء، والمعنى: لا يحضرون الغناء، وقوله: " وإذا مروا باللغو مروا كراماً" [الفرقان:72] ، فسره الزجّاج فقال: "مروا مرور الكرام، الذي لا يرضون باللغو؛ لأنهم يكرمون أنفسهم عن الدخول فيه، والاختلاط بأهله"، انتهى. فإن لم تمكنه المغادرة فلا يرهف له سمعه، وليشتغل بذكر الله عنه، أو بالكلام المباح، ثم لا يضره ما وقع في سمعه بعد ذلك، والله أعلم.(13/325)
حكم الملاكمة
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 27/1/1423
السؤال
سؤالي عن الملاكمة هل هي حرام؟ وإذا اكتسب شخص مالاً من الملاكمة ثم استخدمه لبناء مدارس إسلامية، وإعطاء قروض لإخوة مسلمين لشراء منازل، فهل يعد هذا عملاً صالحاً؟
الجواب
الملاكمة كما هو متعارف عليه عملٌ ضار، قد يؤدي إلى الموت أو الضرر البالغ، ومثل هذا العمل محرّم شرعاً؛ لقول الله -تبارك وتعالى-: " ... ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ... " [البقرة: 195] ، ولقوله: " ... ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً" [النساء: 29] .
وقد ثبت في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: "لا ضرر ولا ضرار ... " رواه الدارقطني في السنن (3/77) والبيهقي في السنن الكبرى (6/69) والحاكم في المستدرك (2392) وهذا نهي للإنسان عن أن يضر نفسه، أو يدخل الضرر على غيره؛ وهو بهذا يشمل عمل الملاكمة؛ لأنها ضرر بالنفس، وإضرار بالغير.
وبناء على هذا فالمال الذي يكتسب عن طريقها مال محرم؛ لأنه كالثمن، أو الأجرة التي يأخذها الملاكم على عمله، فإذا كان عمله محرماً كان كسبه محرماً كذلك، إذ من المعلوم أن الشريعة إذا حرمت شيئاً حرمت ثمنه، كالخمر، والخنزير، ونحوها.
أما بالنسبة للمال الذي حصّلته من الملاكمة فيما مضى فاصرفه في مصالح المسلمين وتخلص منه، ولا تأكل منه شيئاً، وبالله التوفيق.(13/326)
التكسب من الرياضة
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 12/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم التكسب من الرياضة (العدو الريفي) ؟
الجواب
الرياضة أصناف منها المباح ومنها غيره، وغير المباح قد يكون المنع منه لأنه ضار كالملاكمة ونحوها، وقد يمنع إذا كان فيه كشف للعورات، أو وقوع في المحرمات ونحو ذلك.
أما المباح فمثل السباحة، والرمي، والعدو، وركوب الخيل والألعاب المماثلة التي يحصل منها فوائد قوة الجسم وصحته، واكتساب المهارات النافعة فلا حرج في تعلمها، مع مراعاة الشروط الشرعية في اللباس والابتعاد عن المحرمات، وللإنسان أن يسعى لتحصيل الجوائز الحلال المرصودة لبعض أنواع هذه الرياضات، وله أن يعمل في تدريب غيره عليها وأخذ مقابل على ذلك، وبالله التوفيق.(13/327)
الأناشيد ... والموسيقى
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 16/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ مم انتشر في ساحة الأناشيد الإسلامية في هذه الأيام أمور أريد أن أعرف حكمها شرعاً. أولاً: ما يسمى بالمكسات والمكس هو إدخال أصوات إما بشرية أو أصوات موسيقية على الأناشيد ويتم إدخال هذه الأصوات بجهد شخصي، حيث يأخذ الفرد الأنشودة التي تعجبه ويدخل عليها ما يسميها بالمكس.
ثانياً: الأناشيد المصحوبة بالموسيقى، والتي تأتي من المنشد أو الفرقة، وتصحبها الموسيقى الكاملة فما حكمها؟ أفيدونا، جزاكم الله خيراً.
الجواب
أخي الكريم: أشكرك على حرصك واجتهادك في البحث عن الحكم الشرعي ممن تثق به، وأحب أن أذكر لك قاعدة تنفعك في سؤالك هذا وغيره، فيقال:
القاعدة في هذا: أن الموسيقى محرمة سواء أدخلت بالمكسات أو بغيرها، وسواء دخلت على ما يزعم أنه أناشيد إسلامية أو غيرها فهي محرمة، ولا أدري كيف يستسيغ الشخص تسميتها بأناشيد إسلامية وقد دخلت عليها الموسيقى؟ إذن ماذا بقى للأغاني المعروفة، أم نسميها أغاني إسلامية!.
والعبرة - أخي الكريم - بالحقائق لا بالأسماء والألفاظ، فمتى ما وجدت الموسيقى حرم ما معها ولو كانت المعاني جيدة، فإن كانت المعاني محرمة صار الإثم أشد.
وأما إدخال الأصوات الأخرى البشرية، وغيرها فحكمها تبع لها، فما كان مباحاً فحكمه الإباحة وهكذا، والله أعلم.(13/328)
الاحتراف الرياضي
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 21/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما حكم الدين في ممارسة لعبة كرة القدم؟ وما الحكم في الأموال المكتسبة منها؟ أرجو أن تفيدونا بالأدلة الشرعية وبالتفصيل، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الأصل في الرياضة في الإسلام الحل والجواز؛ لأنها تقوية للجسم وإعداد للقوة في سبيل الله قال -صلى الله عليه وسلم-:"لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر" ابن ماجة (2878) ، والنسائي (3585) ، وأحمد (10138) ، وسابق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أم المؤمنين عائشة مرتين مرة وهي خفيفة شابة سبقته ومرة وهي ثقيلة بعد أن أثقلها اللحم فسبقها فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"يا عائشة هذه بتلك" انظر الإرواء(13/329)
(1502) وصارع ركانة الأعرابي فصرعه فأسلم انظر الإرواء (1503) ، ومن أنواع الرياضة كرة القدم وهي جائزة شرعاً؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد دليل الحظر سواء كان لعبها عفوياً تقليدياً أو كان منتظماً مقنناً، غير أن الناظر في لعبة كرة القدم اليوم يلاحظ أنها تشتمل عل محظورات ومخالفات شرعية مثل كشف الفخذين وهما عورة -وهي بين الشباب أشد- وذلك لحديث "يا علي غط فخذك فإن الفخذ عورة" انظر الإرواء (269) ، ومنها إثارة الفرقة والشحناء والتحزبات المقيتة التي قد تصل إلى القطيعة بين الشباب المسلم بل ربما بين الإخوة الأشقاء في البيت الواحد. وقد يتعدى ذلك إلى الاعتداء الجسدي والأخلاقي، وأخطر من ذلك كله أن هذه اللعبة -كرة القدم- قد شغلت الناس وألهتهم عن ذكر الله وعن الصلاة وكل ما ينفعهم، وقد فطن اليهود إلى هذه المعاني السيئة والخطيرة فعملوا على نشرها وشغل الناس بها ففي أحد بروتكولات حكماء صهيون (يجب أن نشغل الأميين _وهم ما عدا اليهود- بالرياضة والفن) فانتشرت بين الناس أنواع القنوات الهابطة ورياضة كرة القدم التي سلبت عقول الكثيرين حتى أصبحت غاية وهدفاً يجتمع الناس ويتفرقون عليها ولعل من التنبيه إلى أن تقوية الجسم بكرة القدم لا يستفيد منها غير اللاعبين في الميدان والذين لا يتجاوز عددهم (12) لاعباً أما الآلاف المؤلفة من المشاهدين والمشجعين فلا يستفيدون شيئاً بل يخسرون كثيراً، وإن تقوت أجسام أولئك اللاعبين واتسمت بالخفة والرشاقة لكنهم لم يتحملوا شيئاً من التعب في غيرها، وإن قل وما ذكره بعض السلف كشيخ الإسلام بن تيمية في الفتاوى من "أن لعب الكرة فيه تدريب على الجهاد والكر والفر" فلا أعتقد بحال إن هذا ينطبق على لعب كرة القدم اليوم لا من بعيد ولا من قريب وذلك لأن مفهوم الجهاد في قوانين كرة القدم غائب ومغيب علاوة على أن وسائل الجهاد لا تعتمد على الأقدام والأسلحة التقليدية، ولو قيل إن لعب كرة القدم ومشاهدتها نوع من التسلية المباحة لقلنا نعم ولكن التسلية تكون بقدر محدود في حياة المسلم وأوقاته فهي أي التسلية أشبه بالملح مع الطعام في الكم. أما أن تطغى التسلية على الواجبات والوسيلة على الهدف فكما لو طغى الملح على الطعام وهذا غير مقبول في الشرع والعقل على السواء.
أما ما ينفق على لعب كرة القدم من أموال تعطى للفريق الفائز فهي جائزة شرعاً إن كيفت وخرجت على باب الجعالة في الفقه كأنه قيل: من فاز من الفريقين فله كذا وكذا من المال.(13/330)
كما يقول الفقهاء من دلني على طبيب مختص يعالج مرضي فله عندي كذا ومن وجد سيارتي المفقودة فله عندي كذا، أو تخرج على باب المسابقة على الأقدام فيجوز أخذ العوض حينئذ وإن كان في أخذ مثل هذا خلاف بين العلماء غير أن الراجح جوازه كما حققه ابن القيم الجوزية في كتابه (الفروسية) وهو مذهب الإمام الشافعي ورواية لأحمد ويخرج الحديث السابق "لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر" سبق تخريجه، يأتي بحمل النفي فيه على نفي الكمال لا الحقيقة كحديث "لا ربا إلا في النسيئة" البخاري (2179) ، ومسلم (1596) ، أي لا ربا تام كامل إلا في النسيئة بدليل وجود ربا الفضل المحرم، وكحديث "لا صلاة وهو يدافعه الأخبثان" مسلم (560) ، أي لا صلاة تامة إذ من المعلوم أن صلاة من هذه حاله صحيحة جائزة وإن نقص أجرها لعدم الخشوع التام.(13/331)
إقامة محل للألعاب
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 19/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إني عازم بحول الله أن أعمل محلاً للألعاب، ولكن متخصص في (البلاي إستيشن) وقبل الشروع في العمل أريد أن أعرف رأي الدين في هذا الموضوع.
وبارك الله فيكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشكر الأخ السائل الكريم على حرصه على معرفة الحكم الشرعي قبل شروعه في العمل.
وأظن أن السائل يقصد أنه سيعمل محلاً للألعاب الإلكترونية عبر الأجهزة العارضة لها بواسطة الأقراص، والتي عرفت باسم (playstation) ، وهي ألعاب مرسومة عبر الكمبيوتر لتكون ثلاثية الأبعاد غالباً يقوم اللاعب بتحريكها عبر جهاز موصل بها.
محاولاً التغلب على خصم أو أكثر (وقد يكون خصمه هو الجهاز نفسه) ، إما على هيئة سباق بينهم أو مصارعة أو نحو ذلك، ومن خصائص هذه اللعبة:
(1) اشتمالها غالباً على الموسيقى.
(2) اشتمالها على الصور المرسومة المتحركة.
(3) إمكان المنافسة فيها بين لاعبين أو لاعب واحد.
(4) اشتمالها أحياناً على صور فاضحة، وأفكار سيئة ومقاصد غير مقبولة.
والحكم على ما سأل عنه الأخ يتضح في النقاط التالية:
أولاً: ضوابط الألعاب في الشرع:
للألعاب والرياضات ضوابط عديدة، وأهم ما يعنينا هنا هو هذه الضوابط:
(1) عدم اشتمالها على المحرمات ككشف العورات وتضييع الواجبات. قال ابن قدامة:"وسائر اللعب إذا لم يتضمن ضرراً ولا شغلاً عن فرض فالأصل إباحته" (المغني 14/157) .
(2) ألا تلحق بصاحبها ولا غيره ضرراً في نفسه أو ماله، فإن الضرر يزال وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"لا ضرر ولا ضرار". الحاكم (2/57) والبيهقي (6/69) والدارقطني (522) وصححه الحاكم وقواه النووي في الأربعين، وحسنه ابن الصلاح وصححه الألباني في الصحيحة (250) وروى عن غير أبي سعيد.
(3) ألا تشتمل على قمار. قال ابن قدامة:"كل لعب فيه قمار فهو محرم، أي لعب كان وهو من الميسر الذي أمر الله تعالى باجتنابه، وما خلا من القمار وهو اللعب الذي لا عوض فيه من الجانبين ولا من أحدهما فمنه المحرم ومنه المباح" (المغني 14/154) ، فأي لعب سوى السباق بالخيل والإبل والرمي بالسهام دفع اللاعب فيه عوضاً ليشارك ويأخذ الفائز عوضاً فهذا قمار قال تعالى:"إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان" [المائدة:90] .
ثانياً: حكم بيع ما يستعمل في الحرام والحلال:
إذا حرم الله تعالى أن ينتفع بشيء فإنه لا يجوز أخذ مال في مقابلة هذا الشيء المحرم، أو المنفعة المحرمة لا ببيع وشراء ولا استئجار ولا غيرها.
وما يحرم الانتفاع به نوعان:
أحدهما: يحرم الانتفاع به مطلقاً في جميع الحالات أو أغلبها فلا يجوز أخذ ثمن في مقابله مطلقاً كالأصنام والخمر.
الثاني: ما يحرم الانتفاع به في حال دون حال، فهذا يجوز أخذ الثمن في مقابلة المنفعة المباحة دون المحرمة.(13/332)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"ما أبيح الانتفاع به من وجه دون وجه كالحُمُر ونحوها فإنه يجوز بيعها لمنفعة الظهر المباحة لا لمنفعة اللحم المحرم" إقامة الدليل على بطلان التحليل (6/36) .
فمتى علم البائع أو غلب على ظنه أن مشتريه سوف يستعمله في الحرام لم يجز بيعه وإلا جاز بيعه كما لو علم أنه سيستعمله في المباح.
الحكم الشرعي للسؤال:
بناء على ما تقدم فإن الحكم المسؤول عنه يتلخص فيما يلي:
أولاً: يجوز بيع أجهزة اللعب الإلكترونية المذكورة، وبيع ما لا يشتمل على مفسد للأخلاق من أشرطتها المدمجة وبرامجها، إذا لم يعلم البائع أن المشتري سيستعملها في محرم.
ثانياً: كل ما اشتمل على أفكار هدامة وصور سيئة فإنه يحرم بيعه وشراؤه.
ثالثاً: إعداد محل لممارسة اللعب باللعبة المذكورة جائز بشرط ألا يكون في اللعب قمار ولا يتاح سماع الموسيقى الصادرة عنها، وأن لا يسمح بإضاعة الصلاة ولا أن تكون وسيلة لتحصيل مقصد سيئ كما يحصل في بعض أماكن اللعب، فإذا انعدم شرط منها فإنه لا يظهر لي إباحة هذا العمل.
هذا هو ما ظهر لي ولو تورع السائل عنها لكونها من قبيل اللهو الذي يترفع عنه كل إنسان جاد لكان أولى به، والله أعلم وأحكم، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.(13/333)
حكم العمل في التحكيم الرياضي
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 12/11/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنا أعمل حكماً في لعبة بناء الأجسام وهي تقتضي النظر إلى اللاعبين وهم يرتدون سراويل لا تغطي سوى القبل والدبر (المحاشم) بمعنى أن الفخذين مكشوفين بالكامل، وأحياناً يظهر جزء من الألية، والسؤال هو ما حكم هذا العمل؟ وما حكم الراتب؟ وبارك الله فيكم.
الجواب
يجب على المسلم أن يحفظ عورته فلا يكشفها لمن لا يجوز له أن ينظر إليها، كما يجب على المسلم أيضاً أن يغض بصره عن النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه من العورات فقد قال الله تعالى:"قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم" {النور:30} وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاوية بن حيدة القشيري:"احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك، قال قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض، قال: إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها، قال: قلت: يا رسول الله، إذا كان أحدنا خالياً، قال: فالله أحق أن يستحيا منه من الناس" أخرجه أبو داود (4017) والنسائي في الكبرى (8923) والترمذي (2769) وحسنه.
وبناء على هذا فعليك أن تحرص على منع اللاعبين من إظهار عوراتهم وذلك بإرشادهم إلى لبس السراويل الساترة، وحينئذ لا تقع في المحذور وهو: النظر إلى العورات وإقرار إظهارها من قبل اللاعبين وعدم الإنكار عليهم.
وإذا لم تتمكن من منع اللاعبين من إبداء عوراتهم، ولم يستجب المسؤولون عن هذه اللعبة لمطلبك، فعليك أن تترك العمل في هذا المجال، وتبحث عن عمل غيره ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وذلك لأن بقاءك في هذا العمل ينشأ عنه مفاسد كثيرة، منها الوقوع في النظر الحرام، وما قد يجره ذلك من الافتتان والتساهل، ومنها مفسدة إقرار المنكر وعدم إنكاره، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:"وعليه أن يأمر المكشوف (أي مكشوف العورة) بالاستتار، فإن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يجب على الناس" مجموع الفتاوى (21/337) .(13/334)
الفرق بين السماع والاستماع
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 20/3/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: لماذا نفرق بين السماع والاستماع؟ هل هناك دليل على ذلك؟ فالمتبادر للذهن أن النبي - صلى الله عليه وسلم- استمع للدف، وهل نفينا للاستماع لاعتبار أنه تنقص بالنبي - صلى الله عليه وسلم- من دون دليل أم ماذا؟ فالأصل أن السماع هو الاستماع، جعلنا الله وإياكم والقائمين على هذا الموقع وخاصة فضيلة الشيخ العلامة سلمان العودة من العلماء الربانيين.
الجواب
إن سؤالك أخي الكريم تضمن مسألتين تداخلتا عندك - فيما يبدو لي-، ففي السؤال الأول: الفرق بين السماع والاستماع، وفي الثاني: مسألة سماع النبي - صلى الله عليه وسلم- للدف، فيقال يا محب، لا إشكال فيما تذكر- بحمد الله تعالى- فأما المسألة الأولى: فإن طائفة من العلماء يفرقون بين السماع والاستماع، فالاستماع في هذا المقام وهو المنهي عنه هو أن يصغي له إصغاء المتلذذ والمستطرب له، فهذا إنما يجوز عند طائفة من العلماء لمن أذن له فيه كالنساء والصبيان في الأعراس، أو عند قدوم الغائب ونحو ذلك مما جاءت الشريعة بالترخيص فيه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في "الاستقامة" (1/275) : (يرخص للنساء في الغناء والضرب بالدف في الأفراح، مثل قدوم الغائب، وأيام الأعياد، بل يؤمرون بذلك في العرسات ... ) . أهـ.(13/335)
بينما السماع الذي يعرض للإنسان بحيث يسمع أناساً أذن لهم في الغناء، كالنساء والصبيان في عرس مثلاً، ثم يصل صوته للشخص الذي لم يؤذن له بالسماع، كالرجال فإن الإنسان يؤمر بعدم الإصغاء والتلذذ بذلك، وأما مجرد وصول الصوت، فلا يؤمر الرجل بسد أذنيه، أو مغادرة مكان حفل العرس مثلاً؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أذن لعائشة - رضي الله عنها- أن ترقى على ظهره لتستمع إلى غناء الحبشة انظر: ما رواه البخاري (950) ، ومسلم (892) ، من حديث عائشة - رضي الله عنها- ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم-، كان يسمع له، ولكن لم يكن يستمع له، ولهذا لم يقر النبي - صلى الله عليه وسلم- أبا بكر - رضي الله عنه- على إنكاره على وصول هذا الصوت إلى بيت النبي - صلى الله عليه وسلم- بل قال: "دعهما يا أبا بكر: إن لكل قوم عيداً، وإن عيدنا هذا اليوم" رواه البخاري (3931) ، ومسلم (892) من حديث عائشة - رضي الله عنها-، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 11/565: (وليس في حديث الجاريتين أن النبي - صلى الله عليه وسلم-استمع إلى ذلك، والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع، كما في الرؤية، فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار، وكذلك في اشتمام الطيب، إنما ينهى المحرم عن قصد الشم، فأما إذا شم ما لم يقصده فإنه لا شيء عليه، وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس الخمس من السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، إنما يتعلق الأمر والنهي من ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل، وأما ما يحصل بغير اختياره فلا أمر فيه ولا نهي، وهذا مما وجه به الحديث الذي في السنن عن ابن عمر - رضي الله عنهما- أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم- فسمع صوت زمارة راع فعدل عن الطريق، وقال: هل تسمع؟ حتى انقطع الصوت، انظر ما رواه أبوداود (4924) ، وابن ماجة (1901) ، وأحمد في مسنده (4535) فإن من الناس من يقول بتقدير صحة هذا الحديث، لم يأمر ابن عمر - رضي الله عنهما- بسد أذنيه، فيجاب بأنه كان صغيراً، أو يجاب بأنه لم يكن يستمع وإنما كان يسمع، وهذا لا إثم فيه، وإنما النبي - صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك طلباً للأفضل والأكمل، كمن اجتاز بطريق فسمع قوماً يتكلمون بكلام محرم فسد أذنيه؛ كيلا يسمعه فهذا حسن، ولو لم يسد أذنيه لم يأثم بذلك، اللهم إلا أن يكون في سماعه ضرر ديني لا يندفع إلا بالسد) . اهـ.
وقال في موضع آخر 29/552: (غناء الإماء الذي يسمعه الرجل، قد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يسمعونه في العرسات ويقول الإمام مالك: إذا دعي إلى وليمة فوجد فيها دفاً، فلا أرى أن يرجع (فتح الباري لابن رجب 8/437) ، وقال ابن رجب في فتح الباري (8/434) ، فكذلك الغناء يرخص فيه للنساء في أيام السرور، وإن سمع ذلك الرجال تبعاً) . أهـ.
والذي يظهر لي من خلال السنة، أن ضرب الدف حتى للرجال فيه شيء من السعة إذا وجدت مناسبة، كقدوم غائب ونحوه، كما في حديث الناذرة الذي أشرت له في سؤالك، وبهذا التفصيل أرجو أن تكون المسألة الثانية اتضحت، والله أعلم.(13/336)
أفلام الرسوم المتحركة
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 7/9/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ سلمان قرأت رأي فضيلتكم في جواز أفلام الرسوم المتحركة الهادفة، وكنت أتساءل عن هذه النوعية من الأفلام (الرسوم المتحركة) ولكن الأجنبية منها، حيث إنها تجذب الأطفال بشكل أكبر لجودة وإتقان صناعتها التي تتفوق بشكل ملحوظ - وللأسف - عن مثيلتها من الأفلام العربية، ولكن تحتوي بالطبع في كثير من الأحيان على معان تخالف الإسلام، مثل الحب بين أبطال الفيلم، حتى ولو كانت شخصيات غير آدمية، كما أنها تحتوي على موسيقى وأغانٍ، فما رأى فضيلتكم؟.
الجواب
إذا تضمنت أفلام الرسوم المتحركة الكرتونية ترسيخ معانٍ تخالف الشرع، كالتربية على الحب وترغيب الأطفال على الأغاني والموسيقى المحرمة، أو على شرب الدخان أو الحلف بغير الله، أو السرقة ووسائل الإجرام ونحو ذلك. فإن هذه الأفلام حينئذ غير هادفة، وحرام لا يجوز استعمالها ولا صناعتها، لأنها أصبحت وسيلة من وسائل الهدم لا البناء، وإن اشتمل الفلم الكرتوني على ما يحمد في الشرع وما ينكر نُظِر إلى أغلب الأمرين، فإذا غلب فيه الخير على الشر جاز استعماله، وإن كان العكس حرم استعماله لأنه حينئذ غير هادف، وإن كانت نسبة الخير والشر متساوية ترك من باب الاحتياط لا من باب التحريم البيّن، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" الترمذي (2518) ، والنسائي (5711) و"استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك" انظر المشكاة (2774) وقوله - صلى الله عليه وسلم- في حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه-: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام" البخاري (52) ، ومسلم (1599) ،وفقنا الله وإياك للعلم النافع والعمل الصالح. آمين.(13/337)
الأناشيد المصحوبة بالدف
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 14/04/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
(1) ما حكم الأناشيد الإسلامية التي تحتوي على الدف فقط؟
(2) هل الخلاف الدائر بين العلماء على الدف أم على الموسيقى؟
(3) هل صحيح أن الخلاف على الموسيقى في الماضي بين العلماء في ما سلف أم على الموسيقى؟
(4) ما موقفنا من العلماء الذين يحلون الموسيقى؟ وهل يجوز الطعن فيهم؟ وعلى ماذا استند هؤلاء؟
(5) وكيف يجب أن يكون موقفي من الشباب المستقيمين الذين يؤمنون بحل الموسيقى؟
وهل تجوز مقاطعتهم؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد: فكثيراً جداً من المسائل والأحكام الفقهية فيها خلاف بين أهل العلم، بل المسائل التي هي محل اتفاق أو مورد إجماع قليلة جداً بالنسبة لمسائل الخلاف. والواجب في مسائل الخلاف هو ما أمر الله به "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا"، [النساء: 59] .
فأهل العلم والاجتهاد ينظرون في سبب الخلاف ودليل كل قول ثم يختارون الراجح (بالمرجحات الشرعية) ، ويفتون به، ويكون هو الواجب اتباعه عليهم وعلى من يقلد قولهم، ومن لم يصل لرتبة الاجتهاد والنظر فإنه يسأل أهل الفتوى المعتبرين، وما أفتوه به وجب عليه إتباعه والعمل به، كما قال تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" [النحل: 43، الأنبياء: 7] .
وليس معنى وجود الخلاف أو تعدد الأقوال في مسألة من المسائل: أنها مباحة كما يفهمه بعض الناس، بل العبرة بما يختاره المحققون، أو يفتي به المقلدون كما سبق، قال ابن عبد البر: "والصواب مما اختلف فيه وتدافع وجه واحد، ولو كان الصواب في وجهين متدافعين لما خطأ السلف بعضهم بعضاً في اجتهادهم وقضائهم وفتواهم" جامع بيان العلم وفضله (2/88) .
ولا يصح إذا وقع خلاف في مسألة أن يختار الإنسان قولاً منها ويتبعه، بل يتبع الصواب إن كان أهلاً للنظر، وإلا قلد أوثق من يراه علماً وديناً، قال تعالى: "ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون" [الجاثية: 18] .
قال ابن القيم: "لا يجوز العمل بما شاء من الأقوال والوجوه من غير نظر في الترجيح، فإذا اكتفى في العمل بمجرد كون ذلك قولاً قاله إمام أو ذهب إليه جماعة فهذا حرام باتفاق الأمة"، إعلام الموقعين (4/211) باختصار.(13/338)
وأما أجوبة الأسئلة المذكورة: استعمال الدف مندوب في ولائم الأعراس، ومباح في الأعياد ونحوها، للرجال والنساء، حرام فيما عدا ذلك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف"، صحيح البخاري (5590) ، وهذا يعم جميع المعازف الوترية؛ كالعود، والرباب، والقانون، والهوائية؛ كالناي والمزمار، والجوفية؛ كالطبول، لكن جاءت نصوص تدل على استثناء الدف في الأعراس والأعياد، نحو قوله - صلى الله عليه وسلم- "إن فصل ما بين الحلال والحرام الصوت بالدف" رواه النسائي (3371) ، والترمذي (1088) ، وابن ماجه (1896) ، وأحمد (3/418) ، وسنده صحيح، ولغناء الجاريتين وضربهما بالدف عند النبي -صلى الله عليه وسلم- أيام العيد، انظر ما رواه البخاري (988) ، ومسلم (892) من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
وعليه فإن سمعت الأناشيد المشتملة على الدف في الأعراس والأعياد فلا مانع منها، وفي غير ذلك لا يجوز سماعها.
واختلف أهل العلم في الدف هل يباح في غير الأعراس أم لا، كما اختلفوا في الموسيقى هل تباح أم لا؟ والصحيح في المعازف كلها التحريم لما قدمناه، إلا الدف في الأعراس والأعياد. والخلاف في المعازف ضعيف، ولا شك عندي في ذلك؛ لصحة حديث أبي عامر الأشعري -رضي الله عنه- المذكور سابقاً، والذي أخرجه البخاري، والقائل بحل المعازف قلة قليلة من أهل العلم.
من أباح المعازف بعد نظره في الأدلة وكان أهلاً للاجتهاد، ورعاً في دينه فلا يجوز الطعن فيه؛ لأن هذا ما أداه إليه اجتهاده، ولا يكلف بغيره، لكن يرد عليه، ويبين له الصواب، ومن أباح المعازف ضعَّف حديث أبي عامر- رضي الله عنه-، مع أن على حرمة المعازف أدلة أخرى، وهو قول الأئمة الأربعة.
وأما الشباب المستقيم المعتقد حل الموسيقى فإن كان بذلك مقلداً لعالم يراه الأوثق في علمه ودينه من بين علماء الأمة فلا تثريب عليه، لأنه أدى ما وجب عليه، وإن كان بذلك متبعاً لهواه ورأيه المجرد فهو آثم فاسق. وهجره تراعى فيه المصلحة، فإن رآه ينزجر به هجره، وإلا لم يهجره.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه - وصلى الله على محمد - وآله وصحبه وسلم.(13/339)
حضور الملتقيات الأدبية
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 9/8/1424هـ
السؤال
ما حكم من يعمل في مجال يقوم فيه بالإشراف وحضور الملتقيات والندوات الأدبية التي يلقى ويقرض فيها الشعر بكل أنواعه (الديني، والوطني. والسياسي. والاجتماعي. والحب. والغناء العاطفي) هل عمله حرام؟
الجواب
الحكم على هذا العمل وغيره ينبني على معرفة حقيقته وما يدور فيه، وما تتضمنه الأشعار مما يدور في هذه الملتقيات، فإن كان ما يدور فيها لا يخرج عن المعاني النبيلة والشريفة، أو ما جرت العادة به في التغزل العفيف الذي يتداول مثله العلماء والشرفاء، ولا يدعى فيها إلى الباطل أو لمنكر، أو كان ذلك هو الأغلب على هذه المنتديات، فالأصل الجواز والإباحة، وإن كان يدور فيها - كله أو أغلبه - ويدعو إلى ذلك أو يقره، أو فيه فحش في الكلام لا يقبل فلا يجوز، والشعر - كما هو معلوم - كلام، حسنه حسن، وقبيحه قبيح، وليس في ذات الشعر محذور، فقد كان أتقى الناس لربه - صلى الله عليه وسلم - يستمع إلى الشعر، ويعجب بجيده، بل وله من الشعراء من كانوا ينافحون عن الإسلام بشعرهم، كحسان، وابن أبي رواحة وغيرهم - رضي الله عنهم - وما زال للشعر مجالاً عند أهل العلم فقد نظموه في التصنيف والرد على المخالف، والله أعلم.(13/340)
زيارة البحر الميت
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 02/05/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد أن أستفسر عن أمر مهم جداً لبعض المسلمين في فلسطين والأردن:
ما هو حكم زيارة البحر الميت الذي هو مكان قوم لوط الذين خسف الله بهم؟ وهل يجوز الذهاب للتداوي فيه؟ وهل تجوز الصلاة هناك؟ وهل يجوز المبيت ليلاً أو نهاراً في منطقة البحر الميت؟ وهل كل البحر الميت منطقة ملعونة أم جزءاً منها؟ وما عدد قرى قوم لوط؟ علماً أن سدوم هي المنطقة المخسوفة.
وهل تجوز السياحة والترفيه في منطقة البحر الميت؟ لأن بعض المسلمين يذهبون للهو والأكل والبذخ والشوي والشرب والسباحة دون أن يكون لهم مرض أو غيره، إلا فقط السياحة والترفيه عن النفس؟ الأمر جداً ضروري، لأن فترة الصيف قد بدأت والنزول للبحر الميت يشد كثيراً من الشباب.
أرجو الحكم الشرعي لهذا الموضوع، ولكم من الله كل الجزاء والخير، وبارك الله فيكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
لا يظهر لي مانع من زيارة البحر الميت للتداوي أو السياحة والنزهة، ولا مانع من المبيت عنده والصلاة، وذلك لأمور:
الأول: أنه لم يرد في الشرع نهي عن زيارته أو قصده أو الجلوس حوله، فيبقى على الأصل العام في كل المواضع والبحار.
الثاني: أنه لم يثبت بدليل قطعي أنه هو موضع قوم لوط ومكان قراهم، وإذا لم يثبت ذلك بيقين بقينا على الأصل، فإن اليقين لا يزول بالشك.
الثالث: أن الله تعالى أخبر أن تلك البلاد "لبسبيل مقيم" [الحجر: 76] أي: بطريق مسلوك إلى الآن؛ كما قال: "وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون"
[الصافات: 137-138] ، فأخبر أنهم يمرون بها وهي على طريقهم، ولم يحذرهم أو يمنعهم من قربانها.
الرابع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما مر بالحجر قال: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم ما أصابهم" ثم تقنع بردائه وهو على الرَّحل. وفي لفظ: ثم زجر فأسرع حتى خَلَّفَهَا" رواه البخاري (3380) ، ومسلم (2980) من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وفي لفظٍ آخر: "لا تدخلوا على هؤلاء المعذَّبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم ما أصابهم" عند البخاري (433) ، ومسلم (2980) ، ومعلوم أنه لم تبق بيوت لقوم لوط يمكن دخولها فلا يتساوى الحال.
إذ النهي عن الدخول عليهم وقد أهلك الله قوم لوط وجعل عالي بلادهم سافلها فلم يبق لها أثر يدخله أحد، بل الموجود أرض جديدة.
ومع ذلك فإن تورع أحد عن زيارته قاصداً تمام البعد عن كل موضع ظن أنه حل به عقاب من الله متأولاً قوله تعالى: "وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ" [إبراهيم:45] فأرجو أن لا يكون في فعله بأس.
وإنما الحذر كل الحذر مما يحصل في السياحة من تعرٍ واختلاط الرجال والنساء وتساهل في الحرمات وتعاطي للمحرمات، ونحوها من أنواع المعاصي، فهذه هي المواضع التي يتجنبها كل عاقل حريص على سلامته، والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.(13/341)
ضوابط ضرب الوجه
المجيب أ. د. حسين بن خلف الجبوري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 19/5/1424هـ
السؤال
ما هي ضوابط الضرب في الوجه عند التدريب بالرياضة، أو عند اللقاء مع من يهجم عليك؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فأقول وبالله تعالى التوفيق والسداد:
الإسلام كرم الإنسان ودعاه للمحافظة على خَلْقه وخُلْقه، وألا يعرض أعضاء البدن إلى التشويه والتغيير المخل بأصلها، ومن أهم هذه الأعضاء الوجه، لذا نجد بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى الزوج أن يضرب زوجته على وجهها ضرباً مبرحاً"، وهو الذي يترك أثراً على الوجه، لذا يجب على المسلم أن يلتزم بأحكام الإسلام، وألا يضرب غيره ضرباً مبرحاً مخلاً بالخلقة، وخاصة المحسوس المشاهد من الأعضاء، ومن أهمها الوجه، والرياضة ينبغي أن تكون قواعدها وشروطها موافقة لأحكام الإسلام، أما عند الهجوم فالهجوم إما أن يكون من عدو صائل أو في لعبة رياضية، فإذا كان من عدو يريد أن يعتدي عليك أو على ما تملك فلك أن ترده بأي وسيلة ميسورة أنت قادر على الرد بها، لأنه معتد ظالم، أما إذا كان الهجوم في لعبة رياضية فلا بد من أن تكون لها قواعد وضوابط، ومن هذه القواعد حماية أعضاء الإنسان من التلف أو التشويه أو التعطيل، ومن أهم هذه الأعضاء الوجه، لأن الإسلام دعانا للمحافظة على خلق الله - عز وجل -، هذا والله أعلم بالصواب.(13/342)
العمل في الفرق الموسيقية
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 28/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شيخي العزيز.. زوجي يعمل في إحدى الفرق الموسيقية التي تحيي الأفراح في شوارع مصر ونواديها، ويعتبر مكسبنا ومطعمنا من هذا الربح، ويعلم الله أننا لا نصرف هذا المال فيما يغضب رب العزة، فهل صحيح أنه لا تقبل لنا صلاة ولا عمرة ولا زكاة ولا عقيقة ولا أضحية من هذا المال؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أما بالنسبة لقبول الصلاة فإن الصلاة والصيام وغير ذلك من الأعمال البدنية هذه مقبولة عند الله عز وجل، وأما بالنسبة لطعامكم من هذا المال المحرم فإن هذا لا بأس به، وإثمه على الكاسب وهو زوجك، وأما بالنسبة لتصدق زوجك من هذا المال فإنه غير مقبول، لأن الله عز وجل لا يقبل إلا طيباً كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي أخرجه مسلم (1015) : "إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً"، فعليك مناصحة زوجك بالتي هي أحسن، وبيان أضرار الكسب المحرم وإثمه عند الله عز وجل، وكثرة الدعاء واللجوء إلى الله عز وجل بأن يهيئ له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، وأما بالنسبة لصدقتك أنت من مال الزوج فإنها مقبولة عند الله -عز وجل-.(13/343)
مشاركة الشيعة في المسابقات الرمضانية
المجيب يوسف أبرام
مدير المركز الإسلامي بزيورخ في سويسرا وعضو المجلس الأوروبي للافتاء
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 20/12/1424هـ
السؤال
لدينا في مدينتنا مركز إسلامي, يقوم عليه جمع من أهل السنة السلفيين بعضهم ممن طلب العلم عند الشيخ ابن باز -رحمه الله- أقاموا في المدينة مسابقة رمضانية رصدوا لها جوائز قيمة (حج وعمرة....) قيمة هذه الجوائز جمعت من المحلات التجارية في المدينة المملوكة لمسلمين، مقابل وضع إعلان لهم في كتيب هذه المسابقة، فكانت نسبة المعلنين كالتالي (90% سنّة مقابل 10% شيعة) مع العلم أن أغلب المحلات العربية في المدينة يمتلكها شيعة رفض بعض المسلمين في المدينة المشاركة في المسابقة أو توزيعها أو الترويج لها أو حتى بيعها؛ بحجة أن هناك إعلانات للشيعة بها (إعلانين لمطعمين فقط) هل مثل هذا الموقف ينبغي؟
ما رأي فضيلتكم إذا اتخذ مثل هذا الموقف بعض القائمين على المراكز الإسلامية؟.
الجواب
الدلالة على المشروع مشروع، والدلالة على الممنوع ممنوع.
فإذا كانت هذه المطاعم تقدم أكلاً شرعياً وخالياً من الخمور وسهرات الموسيقى وغيرها من الممنوعات الشرعية مثل الترويج لمذهبهم الرافضي، أو توزيع منشوراتهم فلا أرى مانعاً، قال - عليه الصلاة والسلام -: "الدال على الخير كفاعله" صححه الألباني في السلسلة رقم: (1660) ، وقال كذلك: "من دل على خيرٍ فله مثل أجر فاعله" رواه مسلم (1893) من حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه-.
فما دام يجوز أكل ذبائح أهل الكتاب في مطاعمهم فمن باب أولى عند هؤلاء، كما أن مساهمتهم في هذا المشروع ضئيلة لا تزيد عن عشرة في المائة، فأرى أن الشبهة القليلة تتلاشى وسط الخير المشروع.
أما إذا كانوا يستعملون هذه الأماكن للدعاية لمذهبهم بأي وسيلة من الوسائل فلا يجوز. وعلى الإخوة في المستقبل أن يجنبوا أنفسهم الشبهات وسوء ظن إخوانهم بهم، فقد بني دين الإسلام على بضعة أحاديث منها قوله - صلى الله عليه وسلم-: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" رواه الترمذي (2518) والنسائي (5711) من حديث الحسن بن علي - رضي الله عنهما - وعلى حديث: "الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثيرُ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" رواه البخاري (52) ، ومسلم (1599) من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -.(13/344)
ألعاب الدفاع عن النفس
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 26/1/1425هـ
السؤال
أخبرني أحد الإخوة بأن مدرب (الكونغ فو) يجعلهم ينحنون بشكل يشبه إلى حد ما الركوع عند سماع الأذان، ويعتبر هذا من تعظيم تلك الشعيرة، ومن ثم يتابع معهم التدريب، ما رأيكم في ألعاب الدفاع عن النفس؟ وهل لها أصول دينية عند الصينيين أو غيرهم؟ ومدى شرعية مزاولتها والاشتراك في المسابقات الخاصة بها؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فتعظيم الأذان بالركوع بدعة، وإنما تعظيمه بترديده مع المؤذن امتثالاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن" متفق عليه البخاري (611) ، ومسلم (383) .
والتدرب على ألعاب الدفاع عن النفس عمل مشروع، لما فيه من بناء الجسم البناء السليم، والمؤمن القوي في جسده داخل في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم (2664) وغيره: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير".
ومتى ما احتسب تدربه في مرضاة الله، ونوى أن يتقوى بها على طاعته فهو مأجور على ذلك إن شاء الله.
وإن نوى بذلك أن يتقوى على ما يسخط الله من الاعتداء والظلم فهو مأزور، وإنما الأعمال بالنيات.
ولا أدري هل لهذه الألعاب أصول دينية عند الصينيين أم لا. والاشتراك في مسابقاتها مشروع، بشرط ألا يؤخذ من المتسابق مالً (رسوم اشتراك في المسابقة) ، لأن الجائزة حينئذ تكون من أموال المتسابقين، وهذا صريح القمار، لأن كل متسابق يدفع أجر الاشتراك ومآله متردد بين احتمالين لا ثالث لهما: إما أن يغنم أموال غيره، وإما أن يغرم ما دفعه.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/345)
لعبة الطاولة عبر الإنترنت
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 15/5/1424هـ
السؤال
ما حكم لعبة الطاولة عبر الإنترنت ولعبة الشطرنج؟
الجواب
الحمد لله، وبعد:
فالمعروف أن لعبة الطاولة هي النرد الذي ورد فيه التحريم، كما في صحيح مسلم عن بريدة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه" رواه مسلم (2260) من حديث بريدة -رضي الله عنه-، والنردشير هو النرد وهو لعبة الطاولة، وثم أحاديث أخرى في النهي عنه، وقد نص كثير من العلماء على تحريمه.
وأما الشطرنج فكذلك أكثر أهل العلم على تحريم اللعب بها، وقد روى البيهقي في السنن الكبرى (10/212) عن علي -رضي الله عنه- أنه مر على قوم يلعبون بالشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون.
وهذا الحكم أعني التحريم عند أكثر أهل العلم هو إذا خلت كل من النرد والشطرنج من المخالفات الشرعية، ومن أعظمها أن تكون على عوض فتكون قماراً فهي محرمة بالإجماع كما نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وكذلك لو اشتملت على ترك الصلاة وسوء ذات البين.
كما أن هذا الحكم لا يختلف بكون الشطرنج والطاولة على الحقيقة أو على جهاز الحاسب أو عبر الإنترنت، والمسلم مأمور أن يحفظ وقته من الضياع، وكما قال الفاروق -رضي الله عنه-: إذا لهوتم فالهوا بالرمي، وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض. رواه البيهقي في السنن الكبرى (6/209) وغيره.
فإذا أراد المسلم أن يروح عن نفسه فليكن بما فيه فائدة من مسابقات ثقافية أو مسابقة على الأقدام أو بالرماية أو على الخيل أو نحو ذلك مما له فائدة للجسم أو العقل.
ومن ادعى أن الشطرنج لها فائدة عقلية فغير مسلّم، إذ لا حقيقة لها بل هي تبني الخيال، والله أعلم.(13/346)
هدف النشيد الإسلامي
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز المجيدل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 2/7/1423هـ
السؤال
ما الهدف من النشيد الإسلامي؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن النشيد ضرب من ضروب الترويح ويعشق هذا اللون من الترويح الصغار والنساء، وهو -ما لم يُلهِ عن واجب ولم يأكل الوقت- مباح، وغيره أنفع منه، لكن مشارب الناس مختلفة، وكل ميسر لما خلق له، والله -سبحانه- أورث الكتاب ثلاثة أصناف فالمقصر مورَث للكتاب وكذلك الظالم لنفسه أيضاً، فعلى المسلم الاعتدال والإنصاف والإعذار لمن خالفه كما هو نهج أتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وألا يجعل من هذه القضايا تصنيفاً للفاعل، ومجالاً للصخب وقطعاً للحق الثابت ومنع المخالف حق الأخوة، والله أسأل أن يصلح القلوب والبواطن ويحمي من الهوى والردى، كما أني أذكر أخي بالانشغال بهموم الأمة الكبار وإعطاء مثل هذه المسائل ما تستحق، والله أعلم، وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد.(13/347)
ممارسة الرياضة للمرأة
المجيب عبد الله بن عبد الوهاب بن سردار
خطيب جامع العمودي بالمدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 29/4/1423
السؤال
أريد أن أعرف هل ممارسة الرياضة بالنسبة للسيدات حرام، خاصة لعبة التنس؟ مع العلم أنه يتم التدريب مع مدرب رجل وفي مكان مفتوح.
الجواب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أختي المسلمة: كم هو جميل أن تحرص المسلمة على السؤال عن الحكم الشرعي لكل ما هو موجود في واقعها حتى تعيش حياتها بطريقة ترضي ربها وخالقها.
جعلك الله من الصالحات الناجحات في جميع المجالات.
الجواب: إن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- سابقت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسبقته مرة وسبقها مرة أخرى انظر: أحمد (24118) وابن ماجة (1979) وابن حبان (4691) وأبو داود (2578) ، وهذا يدل على أن الرياضة في أصلها مباحة للنساء. فلو أن المرأة مارست الرياضة دون حصول أي ممنوعات شرعية لكان فعلها جائزاً مثل: أن تمارس التمرينات في بيتها؛ لتقوية بدنها دون وجود محاذير شرعية.
لكن الواقع الآن أن كثيراً من النساء يمارسن الرياضة مع حصول عدد من الممنوعات الشرعية فتكون الرياضة في مثل هذه الحالة غير جائزة، أي أنها تكون حراماً، فممارسة الرياضة بالشكل الموجود اليوم يؤدي إلى التكشف المحرم شرعاً، فالشريعة تأمر بالتستر عن الرجال الذين ليسوا محارم لها، كما أن الرياضة الموجودة اليوم تؤدي إلى الاختلاط المحرم بين الرجال والنساء سواءً أكانوا من اللاعبين أو المدرب أو الإداريين أو المشجعين، والله أعلم.(13/348)
زيارة مدائن صالح
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 01/05/1424هـ
السؤال
ما حكم زيارة مدائن صالح بالتفصيل، والدليل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما- قال: لما مر النبي - صلى الله عليه وسلم- بالحجر قال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين، ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي" فهذا الحديث فيه دلالة على النهي عن دخول ديار الأمم المعذبة إلا على حال من الخوف والوجل والتفكير المورث رقة القلب والاعتبار بحالهم وما حل بهم لما خالفوا أمر ربهم، قال ابن حجر في الفتح: " وفي الحديث ... الزجر عن السكنى في ديار المعذبين، والإسراع عند المرور بها وقد أشير إلى ذلك في قوله تعالى (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم) أ. هـ وقد كان الإمام أحمد رحمه الله يكره الصلاة في مواضع الخسف والعذاب.
وعليه فلا يجوز دخول ديار الأمم التي حل بها العذاب بقصد النزهة والسياحة ونحوه لما في ذلك من مخالفة نهي النبي - صلى الله عليه وسلم- كما تقدم، بل ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- النهي حتى عن مجرد الانتفاع بمائها كما جاء في بعض الروايات أن الصحابة - رضوان الله عليهم - أخبروا النبي - صلى الله عليه وسلم- أنهم قد استقوا من مائها وعجنوا منه، فأمرهم أن يهريقوا ذلك الماء، ففي الحديث الذي أخرجه الشيخان من طريق ابن دينار عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن لا يشربوا من بئرها ولا يستقوا منها فقالوا قد عجنا واستقينا فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين ويهريقوا ذلك الماء) هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(13/349)
إقامة مرفأ سياحي على شاطئ تظهر فيه المحرمات
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 10/7/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، اشترى رجل - قبل أن يلتزم بدين الله عز وجل - أرضاً بشاطئ البحر في ألبانيا بسعر السوق يومئذ، ولم يبن عليهاِ شيئاً، لأن الشاطئ لم يقصد من الزوار لأسباب متعددة منها النظافة والبناء والأسعار والاقتصاد الضعيف في البلد وغير ذلك من الأسباب. ولكن اليوم أصبح يقصد المصطافون الساحل المذكور لقضاء الأيام الصيفية الحارة ويستريحون فيه، وبدأ البناء والعِمارة فيه بكثافة. ومن المعلوم اليوم كيف يجلس المصطافون في السواحل ويقضون أيامهم تلك حتى في البلاد العربية، وخاصة أن الأغلبية في البلد (في ألبانيا حيث الساحل المعهود) لا يلتزمون بقوانين الشريعة الإسلامية في اللباس والمشي والاختلاط وغير ذلك رغم انتماء الأكثرين إلى الإسلام، بل ولا يبالون بكثير من المعاصي مثل الموسيقى والرقص والتجرد من الثياب (كشف العورة عند النساء خاصة) وشرب الخمور إلخ ما يرتكبون من المعاصي، لكن لو يبني صاحب الأرض المشتراة في شاطئ البحر فندقا أو مطعما أو فندقا ومطعما في نفس الحين لحصل على أرباح وفيرة. فمصلحته المادية المستمرة تكون في تطوير الأرض والبناء عليها ليربح سنويا، وليست مصلحته في بيع الأرض والتخلي عنها.
والسؤال: هل يجوز له أن يبني فندقا ومطعما في الساحل خاليا من المحرمات؟ بل مخصِّصا غرفة للصلاة لتقوم مقام المسجد في الساحل بغض النظر عن قصد الزبائن والزوار وفي هيئاتهم الشكلية خلال جلوسهم والسكن في الفندق، أو يعدّ ذلك من باب التعاون على الإثم والعدوان باعتبار معاصي المصطافين التي يرتكبونها خارج الفندق والمطعم خلال موسم الصيف. إن كان لا يجوز البناء عليها والربح منها فهل يجوز بيعها (أي بيع الأرض) عندئذ؟ علما بأن من يشتريها يفعل ذلك لأجل البناء عليها والربح منها.
أفيدونا بما فيه المصلحة في الدنيا والآخرة، وجزاكم الله عنا خيرا.
الجواب
يجوز أن يبني صاحب هذه الأرض عليها فندقاً أو مطعماً خالياً من المحرمات، بل يبيع الحلال من مطعم ومشرب وبعض الكتيبات وأشرطة الكاسيت ونحوهما مما تدعو إلى الفضيلة، وما يرتكبه الناس خارج الفندق أو المطعم من المحرمات لا يلحقه بسببه إثم، لأن الله يقول: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" [الأنعام: 164] ، ويقول: "كل نفس بما كسبت رهينة" [المدثر: 38] ، ومعاملة الكافر بالبيع والشراء جائزة لا شيء فيها، فالعاصي والفاسق جواز معاملته من باب أولى، وعليك يا أخي أن تحرص على نفع الزبائن ودعوتهم إلى الإسلام وأخلاقه بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالأسلوب المناسب مع هؤلاء الناس، وأحب لهم ما تحبه لنفسك، إذا فعلت هذا وفقك الله ورزقك من حيث لا تحتسب، وفق الله الجميع إلى كل خير.(13/350)
حكم لعبة (البلاي ستيشن)
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 9/9/1424هـ
السؤال
أريد جواباً واضحاً ومفصلاً عن حكم لعبة انتشرت انتشاراً كبيراً وهي ما يسمى السوني بلاي ستيشن؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إن هذه اللعبة مثلها مثل التلفاز، لكنها لا فائدة فيها، ولكن الضرر مختلف، وهي تستهدف الأطفال، فإذا كانت طبيعة الألعاب أن بها ما يخالف الإسلام من شركيات أو ما يخالف العقيدة الإسلامية أو الأخلاق الإسلامية، فهي لا تجوز، أما إذا كانت لا تحتوي على شيء من ذلك فأقل عيوبها هو إضاعة الوقت، حيث إن كثيراً ممن يستخدمونها -كما هو مشاهد- تصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة، وعن الواجبات الشرعية الأخرى من بر الوالدين وصلة الرحم والقيام بمصالحهم الدنيوية والأخروية، وعليه فلو خلت من محرم فإن الحكم يعود على طبيعة الاستخدام، فإن صَرَفَتْ عن الواجب أصبحت محرمة، وإن صرفت عن مستحب فهي مكروه، وإن خلت من كل ذلك فهي مباحة ,والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(13/351)
الموسيقى في العروض العسكرية
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 6/12/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
سؤالي هو: جندي في القوات المسلحة يقول نقوم بين فترة وأخرى بعروض عسكرية، ولا تخلو هذه العروض من الموسيقى، فما حكم المشاركة في هذه العروض؟ مع العلم أنها إجبارية، ومن يتأخر فإنه عرضة للجزاء الرادع. وجزاكم الله خيراً ونفع بكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الموسيقى التي تستخدم عادة بالعروض العسكرية ليست كغيرها من أنواع الموسيقى الأخرى من حيث رقة الصوت الداعي إلى اللهو والفحش والرذيلة، بعكس الموسيقى العسكرية المتسمة بالجد والخشونة والرهبة، وإن كانت الموسيقى بأنواعها كلها داخلة في معنى المعازف والمزامير التي جاءت النصوص الشرعية بالنهي عنها، غير أن الموسيقى العسكرية تختلف عن غيرها من حيث الهدف والقصد والتأثير على السامعين، ولا أعرف أحداً من العلماء نص على تحريمها بعينها مع قدم ظهورها في عصرنا الحاضر في المملكة العربية السعودية، حيث عرفت في عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله- مما يقرب من مائة سنة، علم بها العلماء والمشايخ وربما شهدها بعضهم مع الملك، ولم ينقل عن أحد منهم فيها شيء مع حرصهم على النصيحة والإنكار لما هو أقل من شهرتها، ولو أنكروها لنقل ذلك، ولعل سكوتهم عنها حمل لها على طبول الحرب، المتعارف عليها بالجواز عند المسلمين في جميع الأقطار، وقد سألت سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله- عن حكم الموسيقى العسكرية، وهل نقل عن أحد من العلماء في عهد الملك عبد العزيز شيء فيها؟ فقال: لا أعلم في ذلك شيئاً، وأقول: ما دمت كارهاً لها فجزاك الله خيراً ولا شيء عليك إن شاء الله؛ لأنك مجبر عليها بحكم عملك. والله أعلم.(13/352)
صناعة ألعاب الكمبيوتر
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 25/7/1424هـ
السؤال
أعمل في صناعة ألعاب الكمبيوتر، وعملي يتطلب مني اختلاق صور شخصيات تشبه البشر، فما هو حكم الشرع في مثل عملي هذا؟ أرجو الإحاطة فإنني أمارس هذا العمل منذ مدة طويلة، فأقوم بتصميم صورة وشخصيات لألعاب الكمبيوتر، وهذا هو المجال الوحيد الذي أتقنه، أرجو تبيين الحكم، لأن ذلك يقلقني منذ مدة طويلة، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
نشكر اهتمامك وحرصك على أن تكون أعمالك موافقة للشرع، وما يتعلق بالتصوير فقد جاء النهي عنه في أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة، والوعيد الشديد لمن فعله كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون" رواه البخاري (5950) ، ومسلم (2109) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، وجاء تعليل النهي بمضاهاة خلق الله تعالى أو بتعظيم الصور وتقديسها؛ ولذا أجاز عليه الصلاة والسلام إبقاء الصور مهانة على الفرش، كما صح في حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - فيما رواه البخاري (5954) ، ومسلم (2107) لأنها ليست معظمة، وأجاز كثير من أهل العلم الصور الفوتوغرافية إذا لم تكن معظمة، لأنها حبس للظل وليس فيها مضاهاة لخلق الله، وأما الصور المرسومة التي تحاكي صور البشر فأغلب العلماء على أنها داخل النهي المحرم؛ لأنه إنشاء للصورة، وعليه فهي داخلة في الوعيد، أما الصور الكرتونية التي ليست على هيئة أحياء أو مقطوعة الرأس أو دون تفاصيلها فلا حرج فيها، أما إذا كانت رسماً ومشابهة للأحياء فإن المتعين ترك ذلك مرضاة لله تعالى، والتحول إلى رسومات لغير الأحياء، "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب" [الطلاق:2-3] ، نسأل الله تعالى لك التقوى والتوفيق والله أعلم.(13/353)
المشاركة في المباريات بمكة المكرمة
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 23/10/1424هـ
السؤال
هل يجوز للاعب كرة القدم أن يشارك بمباراة كرة قدم تقام في مكة المكرمة؟ وما هي الحدود المسموح له فيها؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
يجوز للاعب الكرة أن يشارك في المباريات التي تقام بمكة بشرط أن يكون مسلماً، إلا إذا كان الملعب خارج حدود الحرم فلا يشترط ذلك.
ويجب على اللاعب أن يستر عورته، والفخذ عورة لا يجوز إبداؤها لأحد إلا للزوجة، حيث لا عورة بينها وبين زوجها، ويجب عليه أن يحافظ على الصلوات في أوقاتها، وأن يؤديها جماعة حيث أمر الله.
واعلم أن احتراف لعبة من الألعاب بحيث يصبح جل وقت الإنسان مصروفاً في التدرب على تلك اللعبة لا يجوز، لما فيه من تضييع الأوقات فيما لا منفعة فيه في الآخرة، بل فيه الضرر البين في الدين، وحال المحترفين للعب شاهدة بهذا.
ولا يجوز له أن يشترك في المباريات التي تكون جوائزها من أموال اللاعبين، بحيث يدفع كل لاعب أو كل فريق رسوماً للاشتراك في الدوري، فهذا من القمار المحرم وهو داخل في الميسر الذي أمرنا الله باجتنابه في قوله: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" [المائدة:90] . وفقك الله لكل خير وجنبك سبل الشيطان واستعن بالله واشغل وقتك بما يفيدك في دينك أو دنياك، ولا يلهيك عن ذكر الله لعب ولا لهو، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(13/354)
هل يجوز لي التجارة بهذه اللعبة؟
المجيب د. خالد بن سعود الحليبي
وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالأحساء
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 10/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أعمل في مجال (برمجة - تصميم) الألعاب، وأستخدم شخصيات (ثلاثية الأبعاد) صنعها غيري فما الحكم هنا؟ مع العلم أن اللعبة تحتوي على نصائح ومواضيع دينية، وأنها لا تحتوي على أي نوع من الأغاني والموسيقى، وأضيف أنني المعد والمخرج للعبة بشكل كامل، بما يعني حرية التغيير كيفما أشاء، وأضيف أيضاً أن الشخصيات لم ترسم بشكل متقن فلم توضع إلا لتجسيد القصة لا أكثر، فهل يجوز لي التجارة بهذه اللعبة
علماً بأن الشخصيات مجانية فأحصل أنا على كامل الربح، - جزاكم الله خيراً-.
الجواب
أجاب عن السؤال الشيخ/ خالد بن سعود الحليبي (وكيل عام جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالإحساء) .
الجواب:
أخي الكريم: سلام الله عليك.. أما بعد:
فكم نحن اليوم محتاجون إلى اختصاصك هذا، فإن أطفال المسلمين لا يزالون مشدوهين من الألعاب التي تصمم لهم من الشرق والغرب، ولاسيما الألعاب الأمريكية التي تمجد الرجل الأمريكي، وتعده المنقذ لهذا الكون، أو اليابانية التي تبشر بأن الرجل الياباني هو الذي يستحق الاحترام، وأنه هو رجل المستقبل في العالم، كما أن العنف، والعري، والاستهتار بالقيم، والعبثية هي التي اكتنفت أهداف تلك الألعاب، بل إن الألعاب ثلاثية الأبعاد أصبحت في أمريكا الآن فرصة لتعليم أطفالهم مهارات إدارية وقيادية مبهرة، وإن المفيد منها لا يصدَّر إلينا، بينما يصدِّرون لنا ما كان سلبي الغاية والوسيلة، ولي في هذا بحث مرتبط بأفلام الكارتون، أرجو أن يرى النور قريبا، ً فينفع الله به المسلمين، فلذلك كله فإني أشد على يدك أن تستمر في برنامجك، وقد لمست من سؤالك أنك تراعى الله -تعالى-، وتتقيه فيما تصنع، وتجهز من ألعاب، "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب"، وإن التقنية الحديثة لتتيح لك أن تتنبه للضوابط الشرعية التي أشرت إلى عدد منها، ولا يخفى عليك أيضا أن تحرص على ألا تبقي ذا روح إلا جعلت في تصميمه ما لا يمكن أن يعيش معه لو كان حقيقة، كفصل الرقبة بطريقة فنية ذكية، أو نحو ذلك، ولكن يبقى أن تتنبه للمضمون بأن يكون بناء صالحاً مصلحاً، مثيراً للعبقرية والذكاء والإبداع. وفقك الله لكل ما فيه الخير لأمتك.(13/355)
رياضة كمال الأجسام
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 5/11/1424هـ
السؤال
أريد استفساراً حول حكم لعبة كمال الأجسام؛ لأني أملك قاعة لذلك، مع العلم أن فيها موسيقى وصوراً، فهل الأموال التي أتحصل عليها حلال أم حرام؟ وشكراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الإسلام يحث على كل ما فيه كمال للعقول والأجسام؛ لما في ذلك من المصالح الدينية والدنيوية، وما يتعلق بما يسمى لعب كمال الأجسام وما يصاحبها من أمور، فالكلام عليه كما يلي:
أولاً: ما في هذه اللعبة من رياضة وقوة وصحة ولياقة ونشاط هو أمر مطلوب، بل يؤجر عليه إذا أحسن القصد، وهو نافع لمصالح الدنيا ولمصالح الآخرة، إذا استفيد منه لعبادة الله -تعالى- ونصرة دينه، أو للتقوي على منافع الدنيا المباحة.
ثانياً: لا ينبغي للمسلم أن يمارس هذه اللعبة كما يفعل الآخرون للعرض والمباهاة وصرف أنظار الناس إليه، بل يحرم ذلك إذا تضمن كشف العورات، وإثارة الفتن، لا سيما أن بعض ما يعرض يكون عاماً للنساء والرجال.
ثالثاً: إذا تضمنت اللعبة ما يضر بالأبدان من تمارين شاقة لمجرد نمو العضلات فإن الإسلام يحرم كل ما فيه ضرر للأبدان.
رابعاً: ما يتعلق بما يصاحبها من موسيقى وصور فإن الموسيقى لا تجوز، وقد قال الله -تعالى-: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث" [لقمان:6] ، قال كثير من المفسرين ومنهم الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- أنه الغناء، وروى البخاري (5590) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف"، أما الصور فإذا وضعت معظمة ومعلقة فإن ذلك منهي عنه، أو تضمنت كشف العورات أو ما يثير الفتنة.
خامساً: إذا حرم أمر حرم أخذ ثمنه، وإننا نشكر السائل على حرصه على الحلال، وننصحه بتقوى الله تعالى، واستخدام تلك القاعة بما يرضي الله سبحانه وتعالى، وما أباحه الله فيه سعة ولله الحمد، ولا مانع من بقائها للرياضة إذا خلت مما حرم الله. هذا والله أعلى وأعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/356)
الألعاب الشعبية (الفلكلورية)
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 10/05/1425هـ
السؤال
ما حكم إقامة الألعاب الشعبية (الفلكلورات) في المدارس عند عدم وجود الآلات الموسيقية أو الدف؟ وهل يصح الاستدلال بما فعله الأحباش في المسجد عندما نسأل هذا السؤال؟.
الجواب
يجوز إقامة الألعاب الشعبية (الفلكلورات) في المدارس، وفي غيرها؛ استدلالاً بلعب الأحباش بالحراب في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بشرط أن تخلو من المحرمات؛ كالموسيقى، والتشبه بالنساء، وتعريض النفس للتهلكة، (وأكثر ما يكون هذا في الألعاب البهلوانية) ، وألا تلهي عن ذكر الله وعن الصلاة. والله أعلم.(13/357)
احتراف كرة القدم
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 01/05/1426هـ
السؤال
ما مدى جواز الاستفادة من لعب الكرة من حيث التعاقد والمكافآت عن الفوز؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
أما احتراف لعبة من اللعب الرياضية -ككرة القدم ونحوها- فلا يجوز؛ لأمرين:
أولاً: اللعب وسيلة ترفيه وتسلية، واحترافها يجعلها غاية تستغرق أكثر وقت المسلم، فهو مظنة صده عن ذكر الله وعن الصلاة. ومن المعلوم من واقع المحترفين للعب أنهم يقضون جل وقتهم في التدريب واللعب، ووقت المسلم أشرف من أن يضيع في مثل هذا.
ثانياً: أن الشرع يحض على العمل وعمارة الأرض، وينهى المسلم عن أن يكون غالب وقته اللعب واللهو. واحترافه بأن يجعل اللعب وظيفة يسترزق منها يخالف هذا أتم المخالفة، فليس هو من كسب اليد، ولا من عمارة الأرض، ولا في صالح المسلمين، وإنما هو أكل المال باللهو واللعب.
وأما أخذ الجوائز عند الفوز، ففيه تفصيل:
فإن كانت الجوائز مقدمة من جهة خارجية غير المتسابقين (سواء كان المتسابقون أنديةً أو أفراداً) فيجوز أخذها.
وإن كانت الجوائز مجموعةً من أموال المتسابقين (سواء كانوا أنديةً أو أفراداً) فلا يجوز أخذها، ولا المشاركة في المسابقة أصلاً؛ لأنها قمار.
وللتوضيح أكثر، إذا دخل المتشاركون في المسابقة والمباريات بالمجان، أي من غير أن يدفعوا رسوماً، أو يغرموا قيمة الجوائز -لو خسروا- فالمسابقة جائزة، وإلا فلا.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم.(13/358)
عرائس الأطفال
المجيب عبد العزيز بن إبراهيم الشبل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 15/3/1425هـ
السؤال
ما الحكم في تصنيع عرائس لمسرح أطفال بغرض توجيه الأطفال وإيصال دروس تربوية وإسلامية؟ مع العلم بأن العرائس بسيطة ومن القماش، وليست دقيقة الصنع ولا الملامح.
الجواب
الحمد لله:
تصنيع هذه العرائس وبيعها مبني على حكم هذه (العرائس) هل هي جائزة أم لا؟
وقد وردت جملة من الأحاديث في الصحيحين وغيرهما فيها المنع من التصوير ولعن المصوّر، والأمر بطمس الصور، والإخبار بتعذيب المصورين، وغيرها من الأدلة التي ورد فيها التغليظ في التصوير.
وقد اختلف أهل العلم قديماً وحديثاً في المراد بالتصوير الوارد في هذه الأحاديث، هل المراد بالأحاديث تصوير ذوات الأرواح مطلقاً؛ أم أن المراد به تصوير المجسمات ذوات الظل فقط؟
كما اختلفوا أيضاً فيما يستثنى من أحاديث النهي عن التحريم، ومما اختلفوا فيه لعب الأطفال هل هي داخلة في هذا النهي أم أنها مستثناة من النهي؟
والذي يظهر لي ـ والله أعلم ـ أنها مستثناة من هذا النهي؛ للأدلة التالية:
ما رواه البخاري (4130) أن عائشة -رضي الله عنها- كانت تلعب بالبنات عند النبي - صلى الله عليه وسلم-.
وعند أبي داود (4932) وغيره عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من غزوة تبوك أو خيبر.. وذكرت أنه رأى بناتاً لها وفي وسطهن فرس له جناحان.
وفي الصحيحين البخاري (1960) ، ومسلم (1136) عن الرُّبيّع بنت معوذ أنهم كانوا يصوّمون صبيانهم يوم عاشوراء ويجعلون لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطي تلك اللعبة.
وقد يقال: إن حديث الربيع ليس فيه دليل على أن تلك اللعب كانت من ذوات الأرواح، لكن يبقى حديث عائشة نص في ذلك، لأنها -رضي الله عنها- ذكرت أن تلك اللعب كانت بناتاً وفرساً، ولو لم تكن صوراً فكيف يعلم أنها بنت أو فرس.
كما أن أمثال تلك اللعب تساعد على تربية الأولاد ـ خاصة البنات ـ وتعوّدهن على تربية الأولاد منذ الصغر، والمشاهد أن البنت إذا كان لها لعبة من هذه اللعب تتخذها كالبنت لها، وتحافظ عليها وتعتني بها، وفي هذا الأمر مسلك تربوي مهم، وهو تعويد تلك الفتيات على تربية الأبناء منذ الصغر، إلى غير ذلك من الفوائد التربوية لهذه اللعب.
والقول باستثنائها من أحاديث النهي عن التصوير هو رأي الجمهور.
وقد اختلف العلماء المعاصرون ـ أيضاً ـ في هذه (العرائس) الحديثة هل هي داخلة في الأحاديث الدالة على الجواز أم لا؟ وسبب استشكالهم دخولها في أحاديث الجواز: هو أن التصنيع الحديث لهذه اللعب يكون فيه التصوير دقيقاً حتى قد يخيّل للناظر من أول وهلة أن هذه الدمية حية.
ولكن الذي أراه - والعلم عند الله - أن دقة التصوير لا أثر له في الحكم، والعلماء الذين استثنوا هذه الدمى من النهي عن التصوير إنما استثنوها. لأنها صور، ولو لم تكن صورة لم تكن داخلة في النهي حتى يمنع منها، ولهذا فإن هذه الدمى لو لم تكن للأطفال كانت محرمة، وعلى ذلك فدقة التصنيع لا أثر له في الحكم.
ولكن لا بد من استثناء ما لو كانت هذه الدمى تتضمن أمراً محرماً كما لو كان فيها نغمات موسيقية، أو كان تصويرها على وضع مخلٍّ بالأخلاق، ونحو ذلك.
وإذا تقرر ما سبق فإن الحكم بالنسبة لك الجواز، خاصة وأنك قد ذكرت أن تلك (العرائس) ليست دقيقة الصنع. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(13/359)
اللعب بالدومينو
المجيب د. علي بن عمر با دحدح
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 9/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم اللعب (بالدومينو) للتسلية؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن النفس البشرية بطبيعتها تحتاج إلى الراحة بعد التعب، وتحتاج إلى الترفيه واللهو المباح لتستجمّ به وتنشط إلى أداء أعمالها، وقد روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال:" إني لأستجم نفسي بشيء من الباطل غير المحرم فيكون أقوى لها على الحق ". (قضايا اللهو والترفيه - مادون رشيد ص132) .
والدين الإسلامي العظيم الشامل لجميع جوانب الحياة، الملبي لجميع احتياجات النفس البشرية اشتمل على ما يحقق للنفس فوائد الترفيه واللهو المباح، ففي قصة يوسف عليه السلام ورد على لسان إخوته قوله تعالى: "أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" [يوسف:12] ، وقال القاضي أبوبكر بن العربي:" اعلم وفقك الله أنه ليس في ذلك اللعب كبير مأخذ، فإن الرجل يلعب بفرسه وبأهله وبأسهمه حسبما ورد في الخبر، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجابر حين تزوج ثيباً:" هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك" البخاري (2097) ، ومسلم (715) .. ولعب الإخوة إنما كان على وجهين: إما مسابقة على الأرجل وإما مسابقة بأسهم، لقوله تعالى:"إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ" [يوسف:17] وليس في ذلك مأخذ بحال" ((نقلاً عن قضايا اللهو والترفيه - مادون رشيد ص72)) .
وفي السنة النبوية عن عائشة رضي الله عنها قالت:" والله لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللهو "رواه البخاري (5190) ومسلم (892) (التربية الروحية في الإسلام -أحمد عبد العزيز أبوسمك ص 43-44) ، وفي رواية المسند ورد قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث:" لتعلم اليهود أن في ديننا فسحة، وإني أرسلت بالحنيفية السمحة".
وقال ابن حجر في الفتح:" وأخرج النسائي من طريق عامر بن سعد، عن قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاريين قال:" إنه رُخِّص لنا في اللهو عند العرس" وصححه الحاكم. (9/226) .
وقد ثبتت في السنة ألوان من الترفيه واللهو المباح كالمسابقة بالأقدام والخيول والمصارعة والرمي بالسهام والمداعبة والممازحة ونحو ذلك مما هو معلوم، ونستحضر هنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم العظيم الذي يشمل التوازن في جوانب الحياة كلها في قول سلمان لأبي الدرداء:" إن لنفسك عليك حقاً، وإن لربك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، فاعط كل ذي حق حقه " فأقره النبي صلى الله عليه وسلم وقال:" صدق سلمان" رواه البخاري (1968) والترمذي (2413) .(13/360)
وقد نص علماء المسلمين على أهمية جانب الترويح المباح وفائدته في التربية، فقد أشار الغزالي إلى ذلك بقوله:" وينبغي أن يؤذن له - أي الصبي - بعد الانصراف من الكُتّاب أن يلعب لعباً جميلاً يستريح إليه من تعب الكتب بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه إلى التعلم دائماً، يميت قلبه، ويُبطل ذكاءه، وينغّص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأساً ".
وقال ابن مسكويه:" وينبغي أن يؤذن له - أي الصبي - في بعض الأوقات أن يلعب لعباً جميلاً، ليستريح إليه من تعب الأدب ولا يكون في لعبه ألم ولا تعب شديد".
وقال ابن جماعة:" ولا بأس أن يريح نفسه - أي المتعلم - وقلبه وذهنه وبصره إذا أكل شيئاً من ذلك أو ضعف، بتنزه وتفرج في المتنزهات بحيث يعود إلى حاله ولا يضيّع عليه زمانه، ولا بأس بمعاناة المشي ورياضة البدن به، فقد قيل إنه ينعش الحرارة ويذيب فضول الأخلاط وينشّط البدن "، (التربية الروحية في الإسلام -أحمدعبد العزيزأبوسمك ص 44-46) .
ومع بيان أصل الحل والمشروعية في الترفيه واللهو المباح فإنه ينبغي معرفة جملة من الأمور وهي:
1- أهمية الوقت والعمر: إن العمر قصير، والوقت ثمين، والإسلام يجلي أهمية الوقت، ولزوم اغتنامه، ويحدد وجوه الانتفاع به، فالله تعالى يقول: "وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكوراً" [الفرقان:62] ، وإذن فالحياة والعمر ينبغي أن يشغل بالذكر والشكر، والله سبحانه وتعالى يقول: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات:56] فهذه غاية الحياة التي ينبغي أن يستغل فيها الوقت ويستثمر، والمصطفى صلى الله عليه وسلم يكشف عن الخسارة الفادحة في تضييع الوقت بقوله:" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ" رواه البخاري (6412) ويأتي التذكير والتحذير منه فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أعذر الله إلى امرئ أخّر عمره حتى يبلغ الستين" البخاري (6419) ، وكلنا يعلم أننا بين يدي الله موقوفون، وعن أوقاتنا وأعمالنا مسئولون كما قال صلى الله عليه وسلم:" لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ما عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه"رواه الترمذي (2417) ، فالوقت إذن أثمن من أن يضيع في غير ما ينفع.(13/361)
2- أهمية الجد والعمل: والإسلام يحث على العمل فالحق جل وعلا يقول:"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" [التوبة:105] ، ويبين أثر العمل في الجزاء بقوله:" هل تجزون إلا ما كنتم تعملون" [النمل:90] وقوله:"هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" [الرحمن:60] ، وما أكثر الآيات التي تقرن بين الإيمان والعمل الصالح، ويضاف إلى ذلك أن الجد في العمل وتحمل المسؤولية أمر مهم فالله جل وعلا يقول: "يايحيى خذ الكتاب بقوة" [مريم:12] ويقول:"خذوا ما آتيناكم بقوة" [البقرة:63] ، والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول:" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"رواه مسلم (2664) ، ويحث على الجدية والاتقان فيقول:" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" رواه البيهقي في شعب الإيمان (4/334) ، ويبين استمرارية العمل إلى آخر لحظة في العمر فيقول:" إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم إلا أن يغرسها فليغرسها " رواه البخاري في الأدب الفرد (479) وأحمد (12902) ، فالمسلم منقلب بين عمل دينه ودنياه في جد وعزم لأن الله جل وعلا يقول: "فإذا فرغت فانصب" [الشرح:7] .
3- أهمية النفع والإنتاج: المفهوم الإسلامي يوضح أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأنها ممر والآخرة مقر، وأن المسلم عليه أن يعمل لأخراه، وأن يحقق النفع في دنياه، وأن يحسن عمارة الدنيا وقيادة الحياة:"وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه" [الجاثية:13] ، "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه" [الملك:15] ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحث على النفع العام فيقول:" ما من مسلم يغرس غرساً " البخاري (2320) ، ومسلم (1552) فأمتنا الإسلامية اليوم متأخرة عن غيرها في العلم والعمل والإنتاج، لتفريطها في اغتنام الأوقات، والجد في الأعمال، فحري بكل مسلم أن لا يضيع وقته، أو يقصر في عمله، أو يقلل من إنتاجه.
وفي ضوء ما سبق فإن الترفيه واللهو إن كان مباحاً فينبغي أن يراعى فيه ما يلي:
1- أن لا يشغل عن عبادة وطاعة واجبة بتضييعها أو تأخيرها.
2- أن لا يستغرق أوقاتاً طويلة تضيع سدى دون فائدة.
3- أن لا يتخذ ديدناً وعادة يفرغ لها وقت دائم ومنتظم.
4- أن لا يشغل عما هو أولى منه وأكثر أهمية في تحقيق المصالح الدينية والدنيوية.
5- أن لا يصاحبه محرمات كالرهان والقمار أو السباب والخصام ونحو ذلك.
وأما بالنسبة للسؤال عن الدومينو فإن كان المقصود بها اللعبة المشهورة باسم (الضومنة أو الدومنة) التي فيها قطع بيضاء كل واحدة مقسومة إلى قسمين فيها نقاط سوداء تبدأ من الصفر وتنتهي إلى ستة فهذه اللعبة على الطريقة المعتادة فيها ليست محرمة، وفيها بعض الذكاء للوصول إلى الفوز، كما أن فيها مع الذكاء التعاون للوصول إلى الفوز، في حالة لعب أربعة أشخاص كل اثنين منهم فريق.
وإما إن كان المقصود بالدومينو اللعبة التي فيها مربعات وقطع محددة ذات لونين لكل لاعب لون وتتحرك هذه القطع في مسار قطري يكون الفوز لصاحب القطع التي تأكل أو تخرج القطع الأخرى شيئاً فشيئاً حتى تخرجها جميعاً ففي هذه اللعبة ذكاء وتيقظ والذي يظهر أنه لا حرمة فيها.(13/362)
وأما إذا اقترن باللعبة - على كلا المعنيين السابقين - رهان كأن يقال المهزوم يدفع كذا وكذا من المال فهذا حرام، أو تفرض أمور غير لائقة أو فيها ضرر كأن يقال المهزوم يخلع ثيابه أو يبقى واقفاً ونحو ذلك فهذا يدخل في دائرة المكروه لاشتماله على إيذاء المسلم أو إهانته، وكذلك إذا اشتملت اللعبة دائماً على نزاع وخصام وسب وشتم ونحو ذلك فالمنع لأجل هذه الأمور.
وعلى العموم فالمسلم صاحب الرسالة وحامل الأمانة ومبلغ الدعوة لا ينبغي أن ينشغل بهذه الألعاب ولا أن يضيع وقته فيها وعليه - إن كان ولا بد - أن يقتصر على أقل ما يمكن ليحصل له الترفيه ويقبل على العمل والجد والانشغال بمعالي الأمور وحمل همّ الأمة والحماس لإصلاح الأحوال.
وأخيراً نذكر بأن أعداءنا والمتأثرين بهم من أبنائنا قد بالغوا في الترفيه واللهو بتنويع وسائله وتكثير برامجه وتطويل أوقاته فضلاً عن اشتماله - في الغالب - على المحرمات الكثيرة، وأصبحت صناعة الترفيه - وخاصة في القنوات الفضائية - مالئة الدنيا وشاغلة الناس، فضيعت أوقاتهم وأفسدت أخلاقهم وبددت طاقاتهم، وقد تزايدت هذه الوسائل وتفننت في الإغراء والإغواء والابتكار الذي يجذب إليها ويشغل بها، والمسلم ينبغي له أن يجتنب كل محرم ويترفع على كل تافه من الأمور والاهتمامات.
والحمد لله رب العالمين ونسأل الله جل وعلا أن يهدي الجميع إلى سواء السبيل.(13/363)
المشاركة في الألعاب الأولمبية
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 1/3/1425هـ
السؤال
ما حكم المشاركة في الألعاب الأولمبية من جهة أن أصل الألعاب عيد يوناني كما قرأت في مجلة البيان، وأتمني أن يكون الجواب مدعوماً بقاعدة أقيس عليها ما شابهها. ولكم جزيل الشكر.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فالمشاركة في الألعاب الأولمبية لا يظهر لي جوازه؛ لأوجه:
الأول: أن الأولمبياد في الأصل وحدة لفترة زمنية في اليونان القديمة مدتها أربع سنوات، تبدأ كل وحدة منها بالألعاب المذكورة، وهي تتضمن تكريم الآلهة والأبطال المزعومين، (الموسوعة العربية الميسرة ص271) ، وهذه الألعاب عادت للظهور منذ عام 1896م في أثينا بعد دعوة البارون الفرنسي (بيمر كويرتان) ، وهي تشبثه بتلك الاحتفالات المبنية على العقائد الفاسدة من حيث طريقة الاحتفال وإيقاد النار إلى غير ذلك.
الثاني: أن كل عيد لم يرد الشرع به فلا يسوغ للمسلم الاحتفال به، والعيد هو اسم لما يتكرر من الاجتماع على وجه معتاد فيشمل هذه الاحتفالات الأولمبية، قال -تعالى-: "والذين لا يشهدون الزور" [الفرقان:72] قال بعض السلف الزور أعياد المشركين والكفار، ولما وجد النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل المدينة يحتفلون بأعياد، قال إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر" سنن أبي داود (1134) ، بسند صحيح، فالأعياد مهما كان مبررها من شرع الله، لا يجوز الزيادة فيها ولا النقص.
الثالث: أن في مثل هذه الألعاب من المنكرات الظاهرة والمفاسد الكبيرة التي لا تخفى من كشف العورات وظهور النساء، وحصول التعصبات، وانشغال القلوب عن المراد الأعظم ونحوها من المفاسد.
ولذا فإنه لا يظهر لي جواز المشاركة فيها، والله الموفق، والهادي لا إله إلا هو.(13/364)
النشيد الوطني في مدرسة إسلامية
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 25/1/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
جاء مدير جديد لمدرسة خاصة بالمسلمين هنا في كندا، وقد أعلن عن عزمه تقديم النشيد الكندي الوطني، وهو شيء غير موجود حتى في المدارس الحكومية الكندية، وقد اعترض بعض الآباء على ذلك مستغربين أن يكون ذلك في مدرسة إسلامية فقط، وقد تحدى هذا المدير المسلمين بأن يقدموا دليلاً على تحريم إنشاد النشيد الوطني في المدرسة الإسلامية. أرجو بيان حكم هذا الفعل. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فإذا كان النشيد الوطني المذكور لا ترافقه آلات موسيقية، ولم يتضمن معنى محرماً، وأنشده الكنديون، فإنه لا يظهر لي وجه لتحريمه، وذلك لأنه شعار للبلد، ومحبة البلد والعناية بشعارها ليس محرماً، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم- عن مكة: "إنك لأحب بلاد الله إلى الله ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت" الترمذي (3926) ، وأحمد (18242) وصححه الألباني، وهذا بشرط ألا يحمل على عصبية أو غلو.
كما أن التشبه بالكفار الذي قد يكون في تقديم هذا النشيد لا يظهر لي أنه مقتض للتحريم، إذ إن المقيم ببلاد الكفار لا يؤمر بمخالفة المشركين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لو أن المسلم بدار الحرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر" اقتضاء الصراط المستقيم (176) .
ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم- في أول الأمر يخالف الكفار؛ بل لم يشرع ذلك إلا بعد ظهور الدين وعلوه. وبعدما سبق فإني أنبه إلى أن هذا النشيد وإن لم يظهر لي أنه محرم فإني لا أحب ما فعله المدير المذكور، وذلك أن فعله يدل على المهانة والاستضعاف المخالفين للحال المطلوبة من المسلم من الاعتزاز بالدين، إلا إذا كان الحامل له خوفه من حصول ضرر بالمدرسة. وفق الله الجميع لهداه. وصلى الله على محمد وآله.(13/365)
قصيدة البوصيري (البردة)
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 25/06/1425هـ
السؤال
ما حكم حفظ قصيدة البوصيري؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
قصيدة البوصيري فيها خطأ وفيها صواب، فإذا أٌدرك الخطأ من الصواب وميز بينهما، فلا بأس بحفظها، وأما إذا اعتقد بأن حفظها عبادة لله وقربة، فلا يجوز حفظها حينئذ؛ لما فيها من الغلو في حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والتجاوز الذي لا يرضاه الله -تعالى- ولا رسوله- صلى الله عليه وسلم- كقوله:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به *** سواك عند حدوث الحادث العمم.
فهذه مجازفة، ولا يجوز مثل هذا الكلام؛ لأن هذا يدخل في الشرك. والله أعلم.(13/366)
الشعر العامي ... وصوت المرأة
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 27/07/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
من المعلوم أن اللغة العربية والتكلُّم بها من شعار الدين، وينتشر في بلادنا الكثير من شعراء العامية يتناول شعرهم أغراضاً مختلفة، وتجد لأشعارهم قبولاً كبيراً في أوساط الناس، ترى ما هو الموقف الشرعي الذي يجب اتخاذه من هذه الظاهرة؟ بمعنى هل يجوز للمسلم أن يشجِّع مثل هذا اللون من الشعر العامي، أو يسعى لنشره بين الناس، أو يقول هو الشعر العامي بغرض استخدامه وسيلة دعوية لمخاطبة الناس بلهجتهم، أم لا يجوز بحجة أن في ذلك إضعافاً لمكانة اللغة العربية، وحداً من تعزيزها في ألسنة الناس حتى يتكلموا بها؟.. أفتونا مأجورين.
تقام في الأوساط النسائية لدينا فعاليات دعوية كالحفلات واللقاءات العامة، وتخلل برامج تلك الفعاليات قراءة القرآن الكريم والأنشودة المعبرة، والمشهد المسرحي، والمسابقة والكلمة التوجيهية، مع العلم أن كل هذا يتم بواسطة استخدام مكبر الصوت (الميكرفون) وحينها تسمع أصوات النساء إلى مسافة بعيدة، ويحتج من يقوم على هذه الفعاليات على عمله بأن عدد النساء كبير، ولا بد من استخدام مكبر الصوت؟ ما هو قول الشارع فيما سبق ذكره؟ نرجو الإجابة بالتفصيل مع إيراد الأدلة الشرعية وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نشكر السائل على ما تفضل به من أسئلة دالة على غيرته على دينه ولغته، وقد أجاب بنفسه حيث إن الواجب تشجيع اللغة العربية وهي لغة القرآن الكريم "إنا أنزلناه قرآناً عربياً" [يونس: 2] وبدونها لا يفهم الوحي المنزل، ولا كلام المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بل ولا التراث العربي الإسلامي من أقوال الصحابة الكرام والعلماء الأجلاء.
ويسعى المستشرقون والأعداء لإحياء اللهجات المحلية، وإضعاف اللغة العربية في مسعى لإضعاف مصادر الدين الإسلامي وتفريق المسلمين.
والشعر العامي إنما يستخدم في أضيق الحدود وداخل بيئاته، لاسيما إذا كان يحقق وسائل دعوية من نشر الفضيلة ومكارم الأخلاق.
وما يتعلق بحفلات النساء فالمرجع في ذلك تحقيق المصلحة التي جاء بها الإسلام "يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر" [الأعراف: 157] ، فإذا كان في تلك الحفلات خير وهداية وغلب عليها المعروف - كما أشار السائل- فلا بأس باستخدام مكبرات الصوت لإيصال الصوت دون تجاوز ذلك إلى إيذاء الناس بالمكبرات، يقول تعالى: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثما مبيناً" [الأحزاب: 58] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" رواه ابن ماجة (2341) ، وأحمد (2719) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، ودون فتنة الرجال بأصوات النساء، وقد أمر الله المؤمنات بالحياء وعدم الخضوع بالقول إذا سمعهن الرجال "فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض" [الأحزاب: 32] ؛ كل ذلك حفظاً لطهارة القلوب ودرءاً للمفاسد.
نسأل الله -تعالى- لإخواننا كل خير، وأن يوفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.(13/367)
الموقف الشرعي من الشعر النبطي
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 14/7/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من المعلوم أن اللغة العربية والتكلم بها من شعار الدين، وينتشر في بلادنا الكثير من شعراء العامية، يتناول شعرهم أغراضًا مختلفة، وتجد أشعارهم قبولاً كبيرًا في أوساط الناس، ترى ما الموقف الشرعي الذي يجب اتخاذه من هذه الظاهرة؟ بمعنى: هل يجوز للمسلم أن يشجع مثل هذا اللون من الشعر العامي، أو يسعى لنشره بين الناس، أو يقول هو الشعر العامي بغرض استخدامه وسيلة دعوية لمخاطبة الناس بلهجتهم؟ أم لا يجوز بحجة أن في ذلك إضعافًا لمكانة اللغة العربية، وحدًّا من تعزيزها في ألسنة الناس حتى يتكلموا بها. أفتونا مأجورين.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فالقاعدة التي يرجع إليها حكم الشرع في الشعر كله، فصيحه وعاميه، أن حكمه حكم سائر الكلام، فما كان حقًّا أو موصلاً لحق أو نفع فهو حسن، وما كان بضد ذلك فهو قبيح حرام، قال تعالى: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ) ] الإسراء: من الآية53 [. وذم الله تعالى- الشعراء إذا اتصفوا بقول غير الحق فقال: (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ *وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ *إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) ] الشعراء: 224-226 [. ولقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم شعراء ينافحون عنه، ويذبون عن عرضه، كحسان بن ثابت وكعب بن مالك، رضي الله عنهما- بل أنشدوا الشعر بين يديه وفي مسجده، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لحسان رضي الله عنه، أن يكون روح القدس معه إذا هجا الكفار. أخرجه البخاري (3531) ومسلم (2490) . ولا شك أن للشعر تأثيرًا في النفس يمكن استغلاله في دعوة الناس للخير والمعروف، ولكن نشر الشعر العامي (غير الفصيح) ليس بمحبب إذا أمكن الاستغناء عنه؛ لأن المحافظة على اللغة العربية ونشرها مطلب شرعي، وقد كان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن، وقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بتحريم الزجل، وهو ضرب من الشعر العامي غير الفصيح؛ لما فيه من إفساد اللسان العربي، وأما إذا لم يمكن الاستغناء عنه فلا حرج في هذا اللون من الشعر، وقد جاء الشرع بتبليغ معاني الدين ومعاني كلام الله بترجمتها لغير العربية لمن لا يحسنها، والمهم هو إيصال الخير بالطريقة المناسبة غير المحرمة في نفسها، والخلاصة أنه لا مانع من إنشاء الشعر غير الفصيح واستماعه لمن لا يحسن الفصحى مما فيه نفع وفائدة. والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.(13/368)
نظم القصائد النبطية
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 17/04/1425هـ
السؤال
أنا شاب مستقيم -ولله الحمد-، ولي جدولي في حفظ القرآن الكريم، وطلب العلم، ومجتهد في ذلك، ومن المنتظر أن أصبح -بإذن الله- مفتي لقريتي الصغيرة، بعد طلب العلم، إلا أنني أجد في نفسي موهبة كبيرة في قرض الشعر، خصوصاً ما كان يؤدى منه بالأصوات (الشعر الجنوبي) ، وأحاول أن أنظم قصائد دينيةً، واجتماعية هادفة، وكذلك نتسلى به مع بعض الإخوان في بعض المجالس في حدود المباح، إلا أنني أحياناً أحس بأن ما أجده وأفعله لا يليق بطالب العلم، وأحس أنني يجب أن أجتنبه, المهم أنني في حيرة منه، أريد منكم الرأي والمشورة، وشكر الله سعيكم على هذا الموقع الطيب.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فموهبة نظم الشعر العربي نعمة، يستغلها الموفق في الخير، كما كان بعض الصحابة- رضي الله عنهم- وأئمة الإسلام الأعلام إذا لم يشغله عن ذكر الله، وقراءة القرآن، أما إذا أشغله فهو مذموم، عن ابن عمر - رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً" متفق عليه البخاري (4155) ومسلم (2257) .
قال الحافظ ابن حجر: (مناسبة هذه المبالغة في ذم الشعر أن الذين خوطبوا بذلك كانوا في غاية الإقبال عليه والاشتغال به، فزجرهم عنه؛ ليقبلوا على القرآن، وعلى ذكر الله -تعالى- وعبادته ممن أخذ من ذلك ما أمر به لم يضره ما بقي عنده من سوى ذلك) انتهى انظر الفتح (10/566) ، أما إذا استعمل في المغالبات التي توقع في العداوة والبغضاء، أو كان فيه ترغيب في الفواحش، أو تهييج لها كان محرماً.
وأما الشعر النبطي المؤدى باللسان العامي المغير لما عرفه العرب، وهو الذي يسميه الفقهاء بالأزجال فهو مكروه؛ لأن فيه إفساداً للسان العربي، وتغييراً لما أمر بإصلاحه من التخاطب بالعربية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: (كان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن، فنحن مأمورون أمر إيجاب أو أمر استحباب أن نحفظ القانون العربي، ونصلح الألسن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة، والاقتداء بالعرب في خطابها) ، وقال عن الأزجال: (هذا الكلام الموزون فاسد مركباً أو مفرداً؛ لأنهم غيروا فيه كلام العرب وبدلوه..) مجموع الفتاوى (32/252) .
وعليه فأرى -لأخي السائل- تجنب النظم العامي إلا لحاجة والاكتفاء بالفصيح في الأغراض الطيبة ما دام طالباً للعلم حريصاً عليه، وليكن في مسائل العلم شغل له عن غيرها. والله الموفق.(13/369)
قراءة الزوجين للقصص الجنسية
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 25/10/1425هـ
السؤال
هل يجوز لي ولزوجتي أن نقرأ معًا قراءة أو تصفح القصص الجنسية بدون الصور وذلك على سبيل الإثارة والتسلية؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا أرى هذا، فعماد القصص الجنسية على الوصف والتخييل، وقد تقرأ من أوصاف النساء في القصة التي تعجبك وتثيرك ما لا تجده في زوجتك، فيحملك على الزهد فيها أو التشرُّف لغيرها، أو يشغل عقلك وتفكيرك ما قرأته من صفات النساء في القصة أو الرواية، كما أن هذه القصص والروايات تصور العلاقات المحرمة على أنها علاقات عاطفية (رومانسية) ، ولقاءات حب عذري راق، وتجعل من الحرام حلالاً، وأمرًا بدهيًّا طبعيًّا، فتبدو هذه العلاقات المحرمة والتي هي طريق الزنا في عين القارئ في أبهى صورة وأجمل حلة، وتزين في عينه، ويتشوفها قلبه، وقد يقع هذا للمرأة كما وقع للرجل، ولا تنس أن الكاتب (القاص) أو (الروائي) يصور المرأة في قصصه وروايته في أشد الصور إثارة وأكثرها إغراء مما يرغبه الرجال من الصفات في المرأة. زيادة على ما في هذه القصص والروايات من تضييع الأوقات التي أنت مسؤول عنها يوم القيامة، وإذا كان قصدكما من قراءتها الإثارة والتسلية والمتعة فلماذا لا تكون الإثارة ذاتية تتبادلانها متشخصة في ذواتكما، فيقصد كل منكما إثارة صاحبه بالتزين له باللباس المثير، والحركات المغرية، والكلمات المهيجة، والمفاجآت الجميلة، وما الذي يمنع زوجتك أن تفعل عندك ما تفعله عند النساء في الأعراس فتشبع رغبتك، وترضي نفسها وميولها، فليست النساء في الأعراس بأولى منك بذلك.
أخي الفاضل: إن لديكما من سبل الإثارة الكثير الكثير، والأمر لا يحتاج سوى أن تجددا طرق الإثارة بينكما وتبتكرا وسائل أخرى نابعة من ذواتكما، وتجرِّبا طرقًا لم تطرقاها من قبل، فذلك أحرى أن يؤدم بينكما وأن تستعفا عن الحرام. وفقك الله وجعل زوجتك قرة عين لك، ورزقكما الذرية الصالحة، وأغناكما بحلاله عن حرامه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(13/370)
الرياضة البدنية والإنفاق عليها
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 26/10/1425هـ
السؤال
أود أن أعرف حكم الرياضة البدنية وممارستها وإنفاق الدول مبالغ كبيرة لتدريب لاعبيها ليصبحوا محترفين، ودخول هؤلاء اللاعبين مسابقات دولية مع باقي أقرانهم في دول العالم للتنافس فيما بينهم, ما التنظيم والحكم الشرعي لمثل هذه الأمور في الإسلام؟ وهل هناك رياضات إسلامية أخرى يجوز ممارستها؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
فقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم- على المؤمن القوي، وأخبر أنه خير من المؤمن الضعيف. انظر صحيح مسلم (2664) . ويدخل في هذا القوي في بدنه، ومن هنا يقال إن ممارسة الرياضة البدنية قصدًا لتقوية البدن مستحبة ما لم تُلْهِ عن ذكر الله وعن الصلاة، وإنفاق الدولة على إنشاء أماكن مخصصة للرياضة البدنية جائز في الأصل، ولكنه اليوم انحرف عن أهدافه الصحيحة الفاضلة، وأصبحت الألعاب الرياضية موقعًا للتشاحن والتباغض، وسببًا ملهيًا عن ذكر الله وعن الصلاة، وصارت آثامها أكبر من منافعها، وجعلت الأندية الرياضية معقدًا للولاء والبراء يناقض ويزاحم الولاء والبراء الشرعي، وحال الأندية الرياضية اليوم من السوء بحيث لا يخفى، وأصبح إنفاق الدول عليها إنفاقًا في إذكاء العداوة والبغضاء، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، كما أن احتراف اللاعبين في لعبة من الألعاب تكسُّب للمال غير مشروع؛ فاللهو واللعب ليس محلاًّ للتكسب في الإسلام.(13/371)
أما الرياضات التي يجوز ممارستها: فالقاعدة أن الأصل في الأشياء الحل حتى ترد الحرمة ويرد الحظر، ولن أحصي عدَّ الرياضات المباحة؛ لأن إعمال هذا الأصل يقتضي أن كل رياضة مباحة ما لم يداخلها أمر محرم، أو كانت منهيًا عنها لذاتها. فمثلًا: الملاكمة رياضة محرمة لما فيها من الإضرار بالآخرين، ولأنها تعتمد غالبًا لَكْمَ الوجه، والرسول صلى الله عليه وسلم- نهى عن ضرب الوجه، وقال- كما في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه: "إذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبْ الوَجْهَ". أخرجه البخاري (2560) ومسلم (2612) ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ولما في هذه الرياضة من العنف والإيذاء والإضرار، وكذلك: مصارعة الثيران، والتي اشتهرت بها إسبانيا، فهي محرمة؛ لما فيها من إيذاء الحيوان وتعذيبه- وقد قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ". أخرجه مسلم (1955) - وإلقاء النفس إلى التهلكة. وكذلك سباق السيارات المحموم - إن كنت تعده من الرياضات- والذي لا يخلو غالبًا من حوادث خطيرة في ميدان السباق، ويعتمد السرعة الشديدة مما يؤذن بتحريم الدخول فيها؛ لما فيه من تعريض النفس للهلكة. وكذلك تحرم كل مسابقة رياضية أو غيرها إذا كانت الجائزة من أموال المشتركين؛ لما فيه من القمار، وضابطه أن يخرج المتسابق من المسابقة إما غارمًا- أي خاسرًا- لما دفع من رسوم الاشتراك في المسابقة وإما غانمًا لمال غيره من المشتركين في حالة فوزه بالجائزة.(13/372)
حضور المسلم على الشاطئ العام
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 09/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا مسلم جديد وأحب كثيرًا الذهاب إلى شاطئ البحر للاستجمام مع عائلتي، لكنني لم أذهب هناك منذ أن اعتنقت الإسلام، هل يجوز لي الذهاب لمثل هذا المكان ما دمت أرتدي ملابس محتشمة؟ (علما بأن شاطئ البحر فيه أناس يرتدون ملابس السباحة وهو مكان عام للجميع) .
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أما الشواطئ التي تنكشف فيها عورات الرجال والنساء فلا يجوز لك إتيانها ولو باللباس المحتشم الساتر؛ لما في ذلك من الفتنة بالنساء والاطلاع على العورات، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا النِّساءَ؛ فإنَّ أوَّلَ فِتْنةَ بني إِسْرائِيلَ كانتْ في النِّساءِ". أخرجه مسلم (2742) ، وأما الشواطئ التي لا ترى فيها هذه المناظر المخلة فلا شك في جواز قصدها والسياحة فيها. والله أعلم.(13/373)
الأجراس المعلقة بالأبواب
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 16/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هناك قطعة حديدية تباع في الأسواق تعلق عند باب البيت مثلاً، ولها سلاسل وقطع حديد صغيرة معلقة فيها، وعندما يهب الريح عليها تتحرك القطع الصغيرة وتحدث أصواتًا جميلة لها نغمات، هل يجوز استخدامها، أم أنها مثل أجراس لدعوة الشياطين؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إن كانت على هيئة وصفة المزامير ذات الإيقاعات، ووضعت بطريقة فنية لهذا الغرض فهي نوع من المعازف، والحكم على المقاصد، ولا عبرة بالوسائل والآليات، وإن كانت لغرض طرد الشياطين أو جلبهم أو التوقي منهم فهي من الوسائل الشركية، وباختلاف قصد الفاعل يختلف حكمها من شرك أصغر أو شرك أكبر، أو وسيلة إليهما، وإن خلت من هذه الأمور كلها وسلمت من تلك المقاصد فلا يظهر لي بها بأس- إن شاء الله. والله أعلم.(13/374)
إنشاد المدائح النبوية في الأعراس
المجيب أ. د. ياسين بن ناصر الخطيب
أستاذ بقسم القضاء في جامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 04/11/1426هـ
السؤال
شاع عندنا في الأعراس إنشاد ما يُسمى بالأهازيج الدينية من المدائح النبوية، وهناك من يقول: إنها حرام، فما ردكم على هذا الموضوع؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالغناء في الأعراس والفرح بها محمود، والنبي -صلى الله عليه وسلم- حثَّ على ذلك، لكن الدف فقط، ولا يمنع أن تكون القصائد مدحاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- أو بياناً لفضائل الأخلاق. ففي حديث تزويج اليتيمة التي في حجر عائشة، -رضي الله عنها- وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني قالت: تقول ماذا؟ قال: "تقول:
أتيناكم أتيناكم *** فحيونا نحييكم
لولا الذهب الأحمر *** ما حلت بواديكم
ولولا الحبة السمراء *** ما سمنت عذاريكم".
وعلل لذلك بقوله: "فإن الأنصار يعجبهم اللهو". أخرجه الطبراني في الأوسط (3265) ، وأصله في صحيح البخاري (5162) ، وانظر فتح الباري (9/225-226) .
وأخرج النسائي (3383) من طريق عامر بن سعد عن قرظة بن كعب، وأبي مسعود الأنصاريين، قال: (رخص لنا في اللهو عند العرس) . والحديث صححه الحاكم (2805) ، بنحوه.
وأخرج الترمذي (1088) ، والنسائي (3369) من حديث محمد بن حاطب -رضي الله عنه- مرفوعاً: "فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف". والله أعلم.(13/375)
أنواع التصوير
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 27/6/1422
السؤال
كثيراً ما نسمع، ونقرأ أسئلة حول حكم الصور الفوتوغرافية، ولكن لم أجد إجابة شافية حول استخدام الصور في غير الحاجة، وغير المجسمات من كراهية، أو تحريم، أو إباحة.
الجواب
حكم الصور والتصوير يحتاج إلى تفصيل نلخصه في التالي:
1- الرسم اليدوي لذوات الأرواح كالإنسان، والحيوان، والطيور محرم بأدلة صحيحة صريحة، منها: حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من صوّر صورة في الدنيا، كلّف بأن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ)) متفق عليه.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون)) متفق عليه، وغيرها من الأدلة.
2- صنع التماثيل المجسمة لذوات الأرواح داخل من باب الأولى في التصوير، وله حكمه في التحريم واستحقاق الوعيد.
3- الصور التي يلعب بها الأطفال، ويتعلمون بها جائزة؛ للحديث الصحيح في لعب عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((كنت العب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي ... الحديث)) أخرجه البخاري (6130) ومسلم (2440) ؛ ولأنها وسيلة إيضاح وتعليم، ثم هي ممتهنة في أيدي الأطفال، غير معظمة ولا مصانة.
4- أما التصوير الفوتوغرافي فقد اختلف فيه فقهاء العصر بين مجيز ومانع، ولعل الأقرب أنه غير داخل في التصوير المنهي عنه؛ لأنه لا ينطبق عليه وصفه، وبينهما من الفروق ما لا يخفى على متأمل، ولذا فالراجح جوازه؛ لأن معنى المضاهاة فيه غير موجود، وإنما هو حبس للظل كانعكاس الصورة على المرآة. ومثل ذلك أيضاً التصوير بآلة التصوير الفلمي (الفيديو) . ويراجع لبسط أكثر كتاب (أحكام التصوير في الفقه الإسلامي) لـ: محمد بن أحمد علي واصل. والله أعلم.(13/376)
التمثيل في التلفزيون
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 5/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم التمثيل في التلفزيون في دور قصير وهامشي؟ أي مجرد أن يظهر هذا الشخص في الصورة أو أن يمشي أو يقول جملة واحدة، وكذلك في الدعايات الإعلانية بالنسبة للشاب المسلم الذي يعيش في بلد أجنبي، وما حكم المال المقبوض لقاء ذلك؟ هل هو حلال أم حرام؟ أرشدوني وساعدوني ساعدكم الله.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد..
بالنسبة للتمثيل ففيه خلاف بين أهل العلم، فمن منعه فإنما بناء على ما فيه من الكذب والخديعة بالمشاهد، لا سيما الإعلانات التي يسأل عنها السائل، كما أن واقع أكثر التمثيليات لا تخلو من أمور محرمة؛ كظهور النساء بغير حجاب، والذي أمر الله به النساء أمام أفراد الرجال، فضلاً عن الظهور أمام عشرات الآلاف، ومن مصاحبة الغناء المحرم؛ فضلاً عما تهدف إليه بعض التمثيليات مما جاء الشرع بخلافه؛ من دعوة للرذيلة والفاحشة ونبذ للحياء.
ولا شك أن هذا الأمر لا ينبغي أن يكون فيه خلاف بين العلماء، فما كان كذلك فلا يجوز فيه التمثيل.
أما التمثيل المجرد الذي يخلو من المحرمات فهو والله أعلم مباح، وليس من قبيل الكذب، ولا يتضمن خديعة للمشاهد، بل هو مثل ما يصوره الشعراء، وما يحكيه الرواة، وما يتمثل به في الأمثال، وقد تمثل النبي - صلى الله عليه وسلم- بالطفل الرضيع الذي يمص ثدي أمه بمص إصبعه عليه السلام، انظر: البخاري (3436) ، ومسلم (2550) ، كما تمثل بأحد الأنبياء الذي رفع يديه بعد أن آذاه قومه وقال:" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" انظر: البخاري (3477) ، ومسلم (1792) .
فما كان كذلك وخلا من المحرمات فهو مباح، وكذلك الحال بالنسبة للدعاية إذا لم يكن فيها كذب أو تغرير.
وإن كان التمثيل فيه حق وعلم ودعوة إلى الخير وإلى الفضيلة وتأثير إيجابي على المشاهد فهو مطلوب مرغوب، بل هو من وسائل الدعوة إلى الخير.
أما الظهور على التلفزيون فأكثر أهل العلم على أنه لا يدخل في التصوير المحرم، كالنحت والرسم؛ لأنه ليس من قبيل مضاهاة خلق الله، وهي علة التحريم، بل هو انعكاس لحقيقة الصورة كانعكاسها على الماء أو المرآة، وبالله التوفيق.(13/377)
التعليم عن طريق الصور المحرمة
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 19/1/1424هـ
السؤال
أدرس اللغة الإنجليزية في معهد أمريكي وهو من أقوى المعاهد إن لم يكن أقواها، ومن ضمن مناهج تدريسه الفيديو حيث يعرضون بعض الأفلام التعليمية والتي تحتوي على نساء متبرجات وأحياناً متفسخات، فهل يجوز لي النظر في هذه الحالة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الدراسة في المؤسسات التعليمية القوية في مجالها أمر يحرص عليه ويتمناه كل من يرغب في الاستزادة العلمية، وتوسيع أفقه المعرفي، والتعليم حق كفلته الشريعة الإسلامية وسبقت غيرها إليه، ولكن شرف العناية يقتضي شرف الوسيلة، أيضاً فلا يجوز في ديننا التوسل لتحصيل الغايات النبيلة بالوسائل الخسيسة، وقد استقر عند علماء المسلمين اعتماداً على أدلة الشرع ومقاصده أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولما كان النظر إلى أمثال هذه المناظر من المفاسد المحققة لمخالفته للشرع "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً" [الإسراء: 36] ، ولا ضر أضر بالإنسان في دنياه بشغل ذهنه بالتفكير فيما يراه من صور، وربما قاده ذلك إلى ما لا تحمد عقباه، فإن حضور هذه الدروس التي تعرض الصور الفاحشة محرم شرعاً، وإذا استطعت الإفادة من الدراسة بدون حضور هذه المادة فلا بأس وإلا فإنه يتعين عليك البحث عن بديل صالح حتى ولو كان أقل من جودة المعهد الذي ذكرته، وسيعوضك الله خيراً.(13/378)
حكم التمثيل
المجيب د. عبد العزيز بن محمد الحميدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 6/9/1422
السؤال
ما حكم التمثيل بالمسرح في المجال الدراسي (نشاط) ، سواء بالمدرسة، أو في الكلية، أو في الجامعة، مع العلم أنه بالضوابط الشرعية، والهدف منه طرق المشاكل الطلابية وأعضاء التدريس مع الطلاب، أو قضايا اجتماعية؟ أرجو أن يكتب اسم المفتي على سؤالي.
الجواب
التمثيل فيه محذور جعل بعض العلماء يتوقف في جوازه، وهو أنه من قبيل الكذب، ولكن إجراء بعض المشاهد التعبيرية لإيصال فكرة ما إلى أذهان المشاهدين لا يدخل عندي في باب الكذب، بل هو من باب المحاكاة لتصوير قصة حصلت، أو تقريب فكرة معنوية بطريقة حسية، والمحاكاة من هذا الباب جائزة، بل قد فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - لتصوير أمر، أو قصة حصلت للسامعين له والناظرين إليه.
في (صحيح البخاري) عن عبد الله بن مسعود، قال: كأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " (4/214) .
وفي (صحيح البخاري) أيضاً: عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال كانت امرأة ترضع ابناً لها من بني إسرائيل، فمرًّ بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها، وأقبل على الراكب، وقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه، قال أبو هريرة كأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يمص إصبعه. (4/202) .
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) عند هذا الموضع (كتاب أحاديث الأنبياء) باب قول الله: "واذكر في الكتاب مريم ... " [مريم: 16] . فيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل " هكذا قال، وكأنه يفتي جواباً على هذا السؤال.
ولكن لا ينبغي التساهل في هذا ليصبح التمثيل هدفاً بحد ذاته، أو لغرض المتعة واللعب فقط، فهذا لا يفعله المسلم، والله أعلم.(13/379)
معالجة الصور العارية
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 29/3/1423
السؤال
أنا طالب جامعي اقترح علي الأستاذ المشرف على مشروع تخرجي مشروعاً يتطلب معالجة صور عارية لأغراض منعها من الظهور على الحواسيب المتضمنة البرنامج الذي أنوي عمله. السؤال: ما الحكم في رؤيتي لتلك الصور إذا كان هذا المشروع جائزاً أصلاً؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
نشكر السائل على حرصه على السلامة في دينه -كما هو ظاهر من سؤاله-، وهذا المشروع مفيد -كما هو ظاهر-، ويترتب عليه فائدة عامة، وهذا ما نرجوه، بل هو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعليه فإنه يتحمل المفاسد التي يتضمنها في حال غلبة المصالح، وهذا ما أتت به الشريعة من تحصيل المصالح ودرء المفاسد وتحمل المفاسد القليلة في سبيل تحصيل المنافع الكثيرة، وتحمل أدنى المفاسد في سبيل تجنب أعلاها، وهذا ما يظهر من هذا المشروع.
أما إذا كان المشروع لا يترتب عليه أي فائدة عامة إلا تخرج الطالب فإن ذلك لا يجيز له النظر إلى تلك الصور، بل عليه أن يسعى إلى البدائل الأخرى من المشاريع المفيدة المتاحة التي لا تتضمن تلك المفاسد.
أما إذا كان النظر إلى تلك الصورة مضرة بالطالب في دينه وقد تسبب له تعلقاً بها أو فساداً في القلب فإن الإنسان لا يطالب بالسعي إلى إصلاح الغير بما يضر نفسه.
شاكرين للطالب حرصه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى تفكيره في هذه المشاريع المفيدة، ونسأل الله له التوفيق والسداد، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(13/380)
الفن الإسلامي
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 12/6/1423هـ
السؤال
أنا شاب مهتم بقضايا الفن الإسلامي من تمثيل وإنشاد وقصائد وبرامج أطفال، أريد أن أسأل فضيلتكم بعض الأسئلة عن مجال اهتماماتي بجانب اهتمامات أخرى من حفظ للقرآن ومدارسة السنة، وأرجو يا شيخنا الحبيب على قدر استطاعتكم الإسهاب في الإجابة إذا احتيج للإسهاب؛ لأني أريد أن أنطلق من منطلقات واضحة، ولأن هناك من يخطّئني أحياناً، وأنا في الأصل لا أنظر لنظر الناس، ولكن أنظر بنظر أهل العلم والبصيرة وهو ما أدين الله به.
ما رأي فضيلتكم في المهرجانات الإنشادية والتمثيلية خالية من المحظورات الشرعية مثل الآلات الموسيقية أو اختلاط الجنسين الرجال والنساء، أو الكلمات البذيئة من الحب والغرام، والله يحفظكم ويرعاكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
إنشاد الشعر والحداء باللحن موجود على زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أن هناك ضوابط يجب الالتزام بها:
أولاً: ألا يصاحبها آلات موسيقية؛ لقوله -عليه السلام-:"ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف" رواه البخاري (5590) .
ثانياً: ألا يشتمل على كلمات تدعو إلى الفجور والزنى فإن ذلك محرم بإجماع العلماء.
ثالثاً: ألا يغلب على الإنسان، فإن في ذلك صداً عن ذكر الله، وقد قال الله -تعالى-:"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ" [لقمان:6] وقد فسّره ابن مسعود وابن عباس بالغناء، وقد قال -عليه السلام-:"لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً يريه خير من أن يمتلئ شعراً"رواه البخاري (6155) ومسلم (2257) .
رابعاً: ألا يتخذ ذلك كله رجاء التقرب إلى الله كما يفعله الصوفية في تجمعاتهم وموالدهم.
خامساً: ألا يصاحبه أي منكر آخر كاختلاط الرجال بالنساء أو إظهار النساء لمفاتنهنّ أو أصواتهنّ الفاتنة.
أما إنشاد الشعر الخالي من كل منكر فلا شيء فيه.
وقد يكون مندوباً إذا شجع على مكارم الأخلاق والأعمال الصالحة وعلى الجهاد في سبيل الله، وكان حسان بن ثابت ينشد الشعر بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي مسجده، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشجعه على ذلك، انظر: البخاري (453) ومسلم (2485) .
وما يتعلق بالمهرجانات الإنشادية فيفضل أن يكون فيها ذكر لله -تعالى- من قراءة القرآن وموعظة نافعة أو يصاحبها فقرات علمية نافعة، وألا تكون مهرجانات للإنشاد والتمثيل خالصة، والله الموفق لكل خير.(13/381)
الصورة الفوتوغرافية للأجنبية
المجيب د. عبد الله بن فهد الحيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 26/6/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كثر الجدل حول رؤية الرجل للمرأة ما يجوز منه وما لا يجوز، فبعضهم يحرم النظر إلى المرأة مطلقاً، وبعضهم يفصّل في ذلك، والبعض يقول: إن النظر المحرم هو المشاهدة الحية في التلفاز أو الشارع، أما الصور الفوتوغرافية فلا شيء فيها إذا أمن الفتنة على نفسه؛ لأن القاعدة في ذلك الفتنة والشهوة، أما إذا لم تكن فتنة ولا شهوة فلا بأس، كما أنه لا دليل على حرمة النظر في الصور -هكذا يقولون-.
ونريد من فضيلتكم تبيين الحكم بالتفصيل عن حكم مشاهدة مثل هذه الصور سواء حية أو مصورة، خاصة في القنوات والإنترنت والمجلات، كما أرجو من فضيلتكم توضيح الأمر إذا كان النظر لمجرد حب الاستطلاع ليس إلا، وكذلك ما حكم مشاهدة الصور الكاريكاتورية -المرسومة باليد- خاصة الصور النسائية سواء عارية أم غير ذلك؟
وفقكم الله وسدد خطاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
يحرم على الرجل تعمد النظر إلى المرأة الأجنبية أو إلى صورتها سواء كانت الصورة تعرض حية على الشاشات من خلال محطات التلفزيون أو القنوات أو الإنترنت أو غير ذلك، أو كانت الصور ثابتة في المجلات والجرائد والإنترنت والصور (الفوتوغرافية) وغيرها، ويدخل في ذلك الصور المرسومة باليد؛ لقوله -تعالى-:"قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ... " [النور:30] ؛ ولأن ذلك النظر يسبب الفتنة ويجر إلى الفاحشة.
وقد بدأ الله -سبحانه وتعالى- في الآية السابقة بالأمر بغض البصر قبل الأمر بحفظ الفرج؛ لأن مبدأ الفاحشة من قِبل البصر فإن النظر المحرم من دواعي الزنى، وقد نهى الله عن مقاربة الزنى ومخالطة أسبابه ودواعيه فقال -تعالى-:"ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً ... " [الإسراء:32] .
والنظر المحرم كذلك من خطوات الشيطان، وقد نهى الله عن اتباع خطوات الشيطان فقال -تعالى-:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ" [النور:21] .
والواجب على المسلم أن يغض بصره بقدر ما يستطيع؛ للآية السابقة "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم"؛ ولما ثبت في الصحيحين البخاري (2465) ومسلم (2121) مرفوعاً "إياكم والجلوس على الطرقات فإن أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها: غض البصر وكف الأذى" وفي الحديث الآخر "يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليس لك الآخرة" رواه أحمد (22991) وأبو داود (2149) والترمذي (2777) بسند حسن، ويستثنى من تحريم النظر إلى الأجنبية ما رُخص فيه كنظر الفجأة ونظر الخاطب إلى مخطوبته، وما دعت الضرورة إليه مثل العلاج الطبي إذا تعذر من يقوم به من النساء، أو في حالة الإنقاذ من غرق أو حريق أو نحو ذلك.(13/382)
وقد اُبتلي بعض الناس بتعمد تتبع صور النساء في الإنترنت وغيرها، ولا شك أن النظر إلى تلك الصور وسيلة إلى التلذذ بها ومعرفة ذات الصورة وجمالها وهو يسبب الفتنة بها.
فالحاجة ماسة إلى تذكيرهم بتقوى الله -عز وجل- وجهاد النفس في ترك تلك المعصية وحفظ أبصارهم، فإن حفظ البصر هو أصل حفظ الفرج، وحبس البصر أيسر من دوام الحسرات كما ذكره ابن القيم في كتابه: (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) الذي بين فيه آثار المعاصي وعقوباتها المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة، وهو جدير بالقراءة، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.(13/383)
التمثيل والأناشيد المصحوبة بالدف
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 19/11/1423هـ
السؤال
نحن مجموعة نعمل في مجال المسرح للأطفال ونقدم برنامجاً هادفاً يحضر لدينا في المنتزه أو موقع لمسرح الأطفال مع ذويهم الأب والأم ونعمل على فصل الرجال عن النساء وتقديم الأطفال في الكراسي الأمامية ويلبس بعض الشباب ملابس تنكرية (دمى) على شكل ثعلب أو دب أو خيارة أو برتقالة- والسؤال: هل التمثيل ولبس مثل هذه الملابس جائز؟ وهل مصاحبة الدف للأناشيد جائز؟ نرجو الإجابة وفقكم الله لكل خير.
الجواب
إذا كان ما تقومون به في المسرح برنامجاً هادفاً يستفيد منه الأطفال، وليس في هذا المكان اختلاط بين الرجال والنساء، فليس في هذا العمل بأس، غير أن التشبه بالحيوانات لا ينبغي أن يقع من المسلم لما فيه من إهانة للنفس التي كرمها الله تعالى بالعقل، ومحاكاة البهائم والحيوانات لم ترد في القرآن والسنة إلا في مقام الذم، وإذا كانت دمى هذه الحيوانات مجسمة فإنها لا تجوز لأنها تدخل في التصوير الذي جاءت النصوص بتحريمه، وأما دمى الجمادات فلا بأس بلبسها واستخدامها، وأما مصاحبة الدف للأناشيد فلا يجوز بل يكتفي بأصوات المنشدين، ويمكن أن يضفي عليها بعض المؤثرات الصوتية من غير الموسيقى، والدف جاء جوازه في وليمة النكاح؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح" رواه النسائي (3369) وأحمد (15451) والترمذي (1088) وحسنه فيقتصر على ما جاء به النص.(13/384)
عرض زفة العروسين بواسطة (البروجكتور)
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 24/8/1424هـ
السؤال
أنا أعرف أن دخول العريس بين جموع النساء حرام، فهل أيضاً يحرم عرض زفة العروسين بجهاز عرض (البروجكتور) عند صالة النساء؟ (مع العلم أن المصورة وهي امرأة محجبة أو تكون كتابية (نصرانية) هي من تقوم بنقل صورة العروسين بواسطة كاميرا التصوير الفيديو على (البروجيكتور) ؟
الجواب
الحمد لله وبعد: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، أود الجواب عن سؤالك من خلال الأوجه التالية:
أولاً: أوافقك بعدم جواز دخول العريس بين جموع النساء في العرس أو غيره، وأن ذلك حرام لقوله عليه السلام في الحديث الصحيح "إياكم والدخول على النساء ... الحديث".
ثانياً: ينبغي أن نعلم أن ما يسمى بالزفة أي زفة العريس والعروس أمر منكر ومحدث، وتقليد لفعل الكفرة وأذنابهم من الفجرة الفسقة.
فالسنة في العرس إدخال الزوج على عروسه، ومن ثم الانتقال بها إلى بيته من غير حاجة إلى هذه التقاليد والعادات الدخيلة.
لكن لا مانع أن يدخل العريس (الزوج) على الرجال ويبقى معهم، وتدخل العروس (الزوجة) على النساء وتبقى معهن للسلام والتبريك، ثم يدخل الزوج على زوجته بلا اختلاط كما أسلفت.
ثالثاً:: لقد اتضح مما سبق أن الزفة محرمة فلا يزيد عرضها بـ (البروجكتور) أو تصويرها بالفيديو إلا تحريماً، ولإمكانية تسريب الأشرطة بين الناس مما لا تخفى عواقبه.
رابعاً: قولك قد تكون المصورة نصرانية لا يقلل من خطورة الموقف، إذ لا يجوز للرجل (العريس) النظر إليها لحرمة نظر الرجال إلى النساء، كما هو مقرر في الشريعة، بالإضافة للمحاذير السابقة.
خامساً: الواجب أن يشكر الزوج والزوجة ربهما تعالى أن أتم عليهما النعمة بهذا الزواج، لا أن يقابلاها بالمعصية من اختلاط وتصوير وتقليد للكفار. وفقك الله وأعانك والسلام.(13/385)
أنشأ موقعاً لأفلام السينما ثم مات
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 16/9/1424هـ
السؤال
أحد الأشخاص أنشأ موقعا على الإنترنت يتعلق بالأفلام السينمائية وما يتعلق بأخبار السينما، وقد توفي الآن، فما هو الأفضل؟ لو تم حذف جميع مواضيعه هل يكفي؟ أو لو تم بيع الموقع لشخص آخر وتم تشغيله مرة أخرى هل يسقط عنه الوزر (أي المتوفى) ؟ وذلك بعد حذف كافة مواضيعه؟ وإذا لم يكن ذلك أو ذاك فما هو الأفضل برأيكم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلا يكفي حذف جميع مواضيعه، ولا يكفي بيعه لشخص آخر إذا كان الشخص الآخر يستعمله في الغرض نفسه، أرأيت لو أن إنسانا ألف كتاباً يحتوي على ما يشجع على الانحراف والصد عن سبيل الله، أيكفي أن تتلف الطبعة التي طبعها المؤلف مع بقاء أصل الكتاب في مخطوطة أو على أقراص الحاسب؟ أو هل يكفي أن تتلف تلك الطبعة وتباع حقوق الكتاب لشخص آخر؟
الذي أرى أن يحول نشاط الموقع إلى عمل إيجابي فيه دعوة إلى الله أو نفع للمجتمع، فليكن متعلقاً بالكتب الشرعية والمجلات والمواقع الإسلامية وأخبارها، أو لتتبع ما يكتب عن الإسلام ونشر الجديد منه والدلالة عليه، والسعي في السرد على المبطل منه، أو ما كان في هذا السبيل، "ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا" [الطلاق: 4] ، وجزاكم الله خيراً على نصحكم لميتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(13/386)
الصور في المواقع الإسلامية
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 15/9/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: انتشرت المواقع والمنتديات على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ، وفي كل من هذه المنتديات نجد قسماً للمواضيع الإسلامية وجزى الله القائمين عليها خيراً.. ولكن نجد كثيراً من المواضيع والنصائح التي تطرح تكون مقرونة بصور ذوات الأرواح، فهناك من يضع صورته الشخصية وهناك من يضع صورة لفنانة أو مغنية أو مذيعة، والبعض يختم رسالته الدعوية بتوقيع لسافرة متبرجة ذات جمال.. وعندما أنكرنا عليهم وطالبناهم بحذف الصور، وقمت بتوضيح ما جاء في تحريم ذلك نعتوني بأني نظرت إلى القشور ولم أهتم باللب، ولست أعرف أن في شريعتنا قشوراً ولباً، والبعض قال إنها حرية شخصية، مع العلم أنه صار لزاماً علينا إن أردنا قراءة تلكم المواضيع النظر إلى تلك الصور مرغمين..، ودائما ما نكون ملزمين بالقراءة، وذلك لأن هناك من يقوم بالنسخ واللصق لأي موضوع دون التأكد من صحة الأحاديث فيه، أو نقل البدع المحرمة، فيساعد على نشرها دون علم، فهل من توضيح لفضيلتكم - حفظكم الله - على تلك الصور التي تقرن بمواضيع يكتب فيها قول الله تعالى، وأحاديث نبيينا صلى الله عليه وسلم.. وهل يعدّ ذلك من الاستهزاء بدين الله ممن يقوم بهذا العمل؟ لا سيما وإنا ذكرناهم بقول الله تعالى "أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون أنفسكم"، وما هو حكم ذلك، سواء على القائمين على مثل هذه الأقسام أو المواقع؟.
الجواب
نقول وبالله التوفيق، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
نشكر غيرتك الإسلامية وحرصك على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نسأل الله لك العون والتوفيق.
أولاً: القشور ترمى، وليس في عقائد وشرائع الإسلام قشور، نعم فيه مهم وأهم، وسنن وواجبات، وليس أموره بدرجة واحدة في الأهمية، بل هي متفاوتة.
ثانياً: موضوع الصور الفوتوغرافية فيه خلاف مشهور بين أهل العلم، وهو موضوع اجتهادي، والنظر في الصور ليس بحرام بإطلاقه.
وأما نشر صور السافرات فلا يجوز، والنظر لهن محرم مهما كان حكم التصوير، ولا يبرر هذا العمل أي مصلحة دعوية، بل هو من العبث المحرم.
ثالثاً: على المؤمن غض البصر قدر المستطاع، وله النظرة الأولى التي لا يقصدها، ولا له تعمد النظر، وإذا كانت قراءته لتلك المواضيع ستجبره إلى النظر إلى الصور المحرمة التي تؤثر عليه فعليه تركها، والاستعاضة عنها بغيرها.
رابعاً: لا نستطيع الحكم أن ذلك من نوع الاستهزاء، والمهم مواصلة النصيحة برفق ولين، والله الهادي إلى سواء السبيل.(13/387)
تعليق صور الشهداء
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز المجيدل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 10/6/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إخوتي في الله أريد منكم -لو سمحتم- الإفادة بهذا الأمر الذي أصبح موضوع جدل واسع عندنا هنا في فلسطين، ألا وهو: صور الشهداء.
أريد منكم فتوى تبين حكم تعليق صور الشهداء في المنازل والغرف، خاصة أن أخي شهيد وله عدة صور معلقة في منزلنا.
جزاكم الله خيراً.
الجواب
أما تعليق الصور فهو تعظيم لا يجوز، وقد كانت بداية انحراف قوم نوح أنهم صوَّروا عبادهم في المعابد فإذا رأوهم نشطوا في العبادة، فلما هلك الجيل الذي صور تماثيل الصالحين وظهر الجيل الذي بعده أوحى الشيطان لهم أن من سبقوكم كانوا يعبدونهم، فبدأت عبادة الأصنام وهذا قول ابن عباس، كما رواه البخاري (4920) ، وإذا قرأت آخر سورة نوح وجدت ذلك ظاهراً، وأما مجرد التصوير الفوتغرافي والاحتفاظ بالصور فإنه -والله أعلم- مباح إذا كانت الصورة مباحة ليس فيها عري ولا تشتمل على مُحرَّم.(13/388)
التمثيل الإسلامي
المجيب د. محمد بن حسين الجيزاني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 08/11/1426هـ
السؤال
ما حكم التمثيل الإسلامي الذي تفعله بعض الجماعات الإسلامية؟ وهل المبيح له مخالف للشرع؟ وهل يستلزم معاداة المبيح بعد قيام الحجة عليه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالتمثيل الذي تفعله بعض الجماعات الإسلامية منع منه بعض المعاصرين؛ بناءً على أنه من الكذب، وأجازه بعضهم، لما فيه من مصالح دعوية، وتأثير في نفوس المدعوين، وقد وضعوا لهذا الجواز شروطاً، أهمها أن يخلو من المنكرات الشرعية المحرمة، كالمعازف والاختلاط بالنساء ومحاكاة الكافرين.
وهذا الخلاف الواقع في حكم التمثيل يدخل تحت المسائل الاجتهادية التي يطلب فيها اتباع الدليل الراجح، ومن خالف فلا تثريب عليه، ولا يستلزم شيئاً من المعاداة؛ لأن كِلا القولين في الاجتهادات يحتمل الخطأ والصواب.
والواجب إيضاح الحجة، وبيان الدليل بالعلم والعدل، والله الموفق.(13/389)
الرسوم الكرتونية
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 11/6/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ الكريم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن لدي سؤالاً كان يحيرني دائماً، عن فن الرسم، إذ إنني رسَّامة ماهرة، لكن على الطريقة الكرتونية التي ترسم أشخاصاً يشبهون (سالي) و (هايدي) ، وليس على طريقة تقليد الخلقة الحقيقية للفتيات، سمعت بعض الفتاوى أباحت هذه الرسومات، وسمعت أخرى حرَّمتها، لكن المشكلة أنني لا أستطيع تركها؛ لأنني إنسانة كتومة لا تروي ما بداخلها لأحد، وليس لها طريقة للتنفيس عن أفكارها ومشاعرها إلا عن طريق الرسم، الذي تخط فيه الشخصية التي تعجبها، وترسم في عينيها النظرة التي تريدها، ثم تجلس لتتأملها، وهي تشعر بأن بينهما علاقة قوية منذ زمن، بهذه الطريقة فقط أُنفِّس عن أفكاري ومشاعري، ولكنها لا تؤدي بي إلى المبالغة والتصرفات الغريبة التي تشعر الناس بأن صاحبها مصاب بحالة من الفصام أو الذهان، أو أي من هذه الأسماء النفسية.
ولذا أحب أن أسأل إن كان في الرسم شيء، فإن لم يكن فيه شيء فالحمد لله، وهذه نعمة أخرى أن يسر لي هواية أستطيع ممارستها متى شئت، فما شروط الجواز؟ وإن كانت حراماً كلها، فكيف أتخلص من هذه العادة؟ وهل أترك هوايتي التي يتمنى الكثيرون أن يرزقهم الله إياها؟
وتقبلوا عظيم شكري وامتناني. والسلام عليكم ورحمة الله.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن الرسم فن من الفنون الجميلة، تظهر فيها براعة الإنسان ومهارته، ويستطيع خلاله أن يعبر عن مشاعره، ويجسد على الورق خيالاته، وكم من رسام اختزل في رسوماته من المعاني ما لو أراد التعبير عنها بالكلام لاحتاج إلى مداد وأوراق، وهذا ما يدفعنا إلى القول بأن الذي يمارس هذا الفن لديه - بلا امتراء - تذوق للجمال.
قد لا يكون لي تذوق لهذا الفن، ولا دراية به، ومع ذلك فلا يسوغ لي ولا لغيري أن نجعل من جهلنا بهذا الفن وعدم تذوقنا له مدعاة لزجرك عنه، وتنفيرك منه، حتى تتركيه جملة وتفصيلاً بدعوى أنه لا جدوى منه، أو أنه تضييع للوقت لا ينفع الإسلام ولا المسلمين في شيء. وكثيراً ما يكون الاستخفاف بهذا الجمال الفني سببه الجهل وعدم التذوق.
إن الإسلام لا يحرم الإنسان هذا التذوق للفن الجميل، ولا يحرم عليه شيئاً منه إلا ما عساه أن يحرمه لذة أعظم وأجدى، أو يجلب عليه مفسدة في دينه هي أعظم من معرة حرمانه من هذا الفن.
فليس بصحيح - كما يدعيه بعضهم- أن الإسلام يحارب الفنون الجميلة ومظاهر الحضارة الراقية، وليس بصحيح أيضاً أن الإسلام لا شأن له بهذه الفنون، لا بتحليل ولا بتحريم، وأن شأنه محصور بحدود العبادات.
وإنما الصحيح أن الإسلام لم يطلق للرغبات العنان، بل قد ضبط حدود هذه الممارسة للفن وهذا التذوق لجماله، حتى لا تعارض مقصداً شرعياً، ولا تهدم منه أصلاً، وحتى لا تفتح على الإنسان باباً إلى الفساد والفتنة. ويتحصل من هذا أن ممارستك لفن الرسم لا شيء فيه من حيث أصله، ولكنه مقيد بقيود ومشروط بشروط.(13/390)
فلا يجوز أن يصل بك تذوق هذا الفن ومزاولته إلى حد الاستغراق، فلا يبقى من وقتك لعبادة ربك وذكره إلا نزر يسير لا يسع للطمأنينة والتدبر والخشوع، وهذا غاية ما يريده الشيطان من العبد "إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر، ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون" [المائدة:91] .
كما أن حبك لهذا الفن وتذوقك لجماله وتعبيرك عن أفكارك من خلاله لا يبيح لك- مهما عظم- أن تتقحمي ما حرمه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فَترضِي نفسك وتشبعي رغباتها بما يغضب الله سبحانه.
والآن إليك التفصيل في رسم المخلوقات:
فكل ما ليس فيه روح فيجوز رسمه مطلقاً، كالجبال والشجر والشمس ... إلخ، ويدل لذلك ما أخرجه البخاري (2073) عن سعيد بن أبي الحسن، قال: كنت عند ابن عباس -رضي الله عنهما- إذ أتاه رجل، فقال: يا ابن عباس، إنما معيشتي من صنعة يدي، وأنا أصنع هذه التصاوير، فقال ابن عباس- رضي الله عنه- لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: "من صور صورة، فإن الله معذبه عليها يوم القيامة، حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ أبداً"، قال: فربا الرجل ربوة شديدة- أي ذعر وامتلأ خوفاً-، واصفر وجهه، فقال ابن عباس: ويحك إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بالشجر، وكل شيء ليس فيه روح". كما يدل على ذلك أيضاً حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- وسيأتي قريباً.
وأما ما فيه روح - وهو الإنسان والحيوان- ففيه تفصيل: فرسمه بلا رأس جائز؛ لأنه بدون الرأس لا حياة له، فصير كهيئة ما لا روح فيه، كالشجر وغيره، ويدل لذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أتاني جبريل عليه السلام فقال لي: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتين منبوذتين توطآن، ومر بالكلب فليخرج، ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أخرجه أحمد (8032) ، والترمذي (2806) ، وأبو داود (4158) .
والشاهد قوله: "فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة" وهو يدل على أن رسم كل ذي روح بلا رأس جائز؛ لأنه يصير بلا روح، كهيئة الشجر.
وكذلك لو رسم رأس إنسان أو حيوان بلا جسد فلا بأس به على الأظهر؛ لأن الرأس بلا جسد لا روح فيه، فهو كالجسد بلا رأس.
قال ابن قدامة في المغني (10/199) : (وإن قُطع منه ما لا يبقى الحيوان بعد ذهابه؛ كصدره أو بطنه، أو جُعل له رأس منفصل عن بدنه، لم يدخل تحت النهي؛ لأن الصورة لا تبقى بعد ذهابه، فهو كقطع الرأس، وإن كان الذاهب يبقى الحيوان بعده؛ كالعين واليد والرجل، فهو صورة داخلة تحت النهي، وكذلك إذا كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس، أو رأس بلا بدن، أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان، لم يدخل في النهي؛ لأن ذلك ليس بصورة حيوان) اهـ.(13/391)
وأما رسم إنسان أو حيوان بأعضائه التي لا تبقى له حياة بذهابها- كالصدر والبطن والرأس ونحو ذلك- فهو داخل في المنهي عنه قطعاً، حتى ولو استوحى الراسم ملامح الصورة من خياله ولم يقصد رسم شخص بعينه، فيكفي أن تكون الصورة التي يرسمها بادية على هيئة مخلوق ذي روح من جنس الإنسان أو الحيوان، فهو حرام؛ لأن فيه مضاهاة ظاهرة لخلق الله، وقد جاء في الحديث الصحيح: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي" رواه البخاري (5953) ، ومسلم (2111) ، وبهذا يتضح لك أن رسم الشخصية الكرتونية كشخصية (سالي وهايدي) داخلة في المنهي عنه من التصوير إذا رسمتها برأسها وبما لا تحيا بدونه من جسدها؛ كالصدر والبطن، حتى ولو لم تكن لها شبيه من الفتيات في الواقع، إذ المضاهاة لخلق الله تتحقق بمجرد رسم شيء على هيئة الإنسان أو الحيوان.
واجتهدي أن تجعلي من إبداعك في هذا المجال باباً تلجين خلاله إلى خدمة الإسلام ونصرة قضايا المسلمين بما يستجيش العواطف، ويلهب المشاعر، ويوقظ الضمير نحو النصرة وحمل الهم.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/392)
والداها يصران على تكسبها من رسم الشخصيات الكرتونية
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 22/10/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
سألتكم قبل مدة عن حكم الرسم والتصوير، وأفتيتموني بحرمة ذلك.
وأنا أرسم الشخصيات الكرتونية.
وقد أخبرت والدي بالفتوى، وبينت لهم قول الله سبحانه وتعالى:"ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب" لكنهما رفضا بالقول إنهم فقراء وبحاجة ماسة للمال الذي أحصل عليه من هذه المهنة، وأنا لا أتقن أي مهنة أخرى.
أنا الآن في حيرة أشعر أنني واقع في معصية، لكن لا أحب مخالفة والدي، وكذلك أعرف وضعي المالي الصعب، فماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
اسأل الله أن يجعل لك من كل هم فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كلِّ بلاءٍ عافية.
إليك التفصيل في رسم المخلوقات:
فكل ما ليس فيه روح فيجوز رسمه مطلقاً، كالجبال والشجر والشمس والقمر ... إلخ، ويدل لذلك ما أخرجه البخاري (2073) عن سعيد بن أبي الحسن , قال: كنت عند ابن عباس -رضي الله عنهما-, إذ أتاه رجل , فقال: يا ابن عباس , إنما معيشتي من صنعة يدي , وأنا أصنع هذه التصاوير. فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من صور صورة , فإن الله معذبه عليها يوم القيامة , حتى ينفخ فيها الروح , وليس بنافخ أبداً ". قال: فربا الرجل ربوة شديدة ـ أي ذعر وامتلأ خوفاً ـ , واصفر وجهه فقال ابن عباس " ويحك , إن أبيت إلا أن تصنع , فعليك بالشجر , وكل شيء ليس فيه روح".
كما يدل على ذلك أيضاً حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وسيأتي قريباً.
وأما ما فيه روح ـ وهو الإنسان والحيوان ـ ففيه تفصيل:
فرسمه بلا رأس جائز؛ لأنه بدون الرأس لا حياة له، فيصير كهيئة ما لا روح فيه، كالشجر وغيره. ويدل لذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أتاني جبريل عليه السلام فقال لي أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب. فمُرْ برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتين منبوذتين توطآن، ومر بالكلب فليُخرج ففعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. أخرجه أحمد (8032) ، والترمذي (2806) ، وأبو داود (4158) .
والشاهد قوله: (فمُرْ برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة) وهو يدل على أن رسم كل ذي روح بلا رأس جائز؛ لأنه يصير بلا روح، كهيئة الشجر.
وكذلك لو رسم رأس إنسانٍ أو حيوانٍ بلا جسد فلا بأس به على الأظهر؛ لأن الرأس بلا جسد لا روح فيه، فهو كالجسد بلا رأس.(13/393)
قال ابن قدامة في المغني (10/199) : (وإن قطع منه ما لا يبقي الحيوان بعد ذهابه , كصدره أو بطنه, أو جعل له رأس منفصل عن بدنه, لم يدخل تحت النهي, لأن الصورة لا تبقى بعد ذهابه, فهو كقطع الرأس. وإن كان الذاهب يبقى الحيوان بعده, كالعين واليد والرجل, فهو صورة داخلة تحت النهي. وكذلك إذا كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس , أو رأس بلا بدن , أو جعل له رأساً وسائر بدنه صورة غير حيوان , لم يدخل في النهي ; لأن ذلك ليس بصورة حيوان"أهـ.
وأما رسم إنسان أو حيوانٍ بأعضائه التي لا تبقى له حياة بذهابها ـ كالصدر والبطن والرأس ونحو ذلك ـ فهو داخلٌ في المنهي عنه قطعاً، حتى ولو استوحى الراسم ملامح الصورة من خياله ولم يقصد رسمَ شخصٍ بعينه، فيكفي أن تكون الصورة التي يرسمها باديةً على هيئة مخلوقٍ ذي روح من جنس الإنسان أو الحيوان، وإذا كان كذلك فهو حرامٌ؛ لأن فيه مضاهاة ظاهرةً لخلْقِ الله، وقد جاء في الحديث الصحيح:"ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي" البخاري (5953) ومسلم (2111) .
وبهذا يتضح لكِ أن رسم الشخصيات الكرتونية؛ كشخصية (سالي) و (هايدي) داخلة في المنهي عنه من التصوير إذا رسمتيها برأسها وما لا تحيا بدونه من جسدها، كالصدر والبطن، حتى ولو لم تكن لها شبيه من الفتيات في الواقع. إذ المضاهاة لخلق الله تتحقق بمجرد رسم شيءٍ على هيئة الإنسان أو الحيوان.
واجتهدي أن تجعلي من إبداعك في هذا المجال باباً تلجين من خلاله إلى خدمة الإسلام ونصرة قضايا المسلمين بما يستجيش العواطف، ويلهب المشاعر، ويوقظ الضمير نحو النصرة وحمل الهم.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/394)
قراءة القصص ذات الرسوم الكرتونية
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 5/11/1424هـ
السؤال
هل يجوز قراءة مجلات قصص مصورة كرتونية، وكذلك الاحتفاظ بها
الجواب
أرجو ألا يكون في ذلك حرج إذا كان المضمون الذي تعالجه تلك القصص نافعاً ومفيداً، ومثل هذه الصورة موضع امتهان، فلا حرج في الاحتفاظ بها إن شاء الله، والله الموفق.(13/395)
منزل به صور لحيوانات
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 17/1/1425هـ
السؤال
أنا أسكن في منزل حكومي، ويوجد في غرفه مرايا وزجاج أبواب وشبابيك مرسوم عليها حيوانات وصور نساء لابسات ملابس، وبعض الصور ليس لها ملمس وأخرى لها ملمس، كما أن بعض الأثاث محفور عليه صور حيوانات، ولا يمكنني إزالة هذه الصور، والأثاث عهدة للدولة استلمتها ببيانات، كما لا يمكنني السكن بغير هذا البيت بسبب منصبي الرسمي، فأرجو نصحي ماذا أعمل؟ وهل تجوز الصلاة في هذه الغرف لي ولأهلي؟ وكيف يكون ذلك؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الرسوم والتماثيل لذوات الأرواح محرمة لا تجوز؛ لشدة الوعيد الوارد فيها، ووجودها في البيت مؤذن بعدم دخول الملائكة، وحصول السكينة كما جاء في الحديث: "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة" رواه البخاري (3225) ، ومسلم (2106) من حديث أبي طلحة الأنصاري -رضي الله عنه-،وإذا استطعت أن تنتقل عن هذا المسكن إلى مسكن آخر لا يوجد فيه مثل هذه الأشياء فهو الواجب عليك، وإن لم تستطع فحاول أن تغير هذا الأثاث وأن تطمس هذه الصور، فإن لم تستطع ذلك فاحرص على مكان صلاتكم إما بتخليته من هذا الأثاث أو تغطيته بما يمنع ظهور هذه الصور. كان الله في عونك.(13/396)
مشاهدة فيلم (آلام المسيح)
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 3/6/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم مشاهدة فيلم (آلام المسيح) ، علماً بأنني شاهدته -مع أخواتي- بقصد المعرفة، حيث إنني أحب قراءة ومعرفة الأديان الأخرى (السماوية وغير السماوية) بقصد الدعوة وحب المعرفة، وكنت أشرح لأختي الصغيرة الفرق بين ما نؤمن به، وبين ما يؤمنون به؛ لأن صديقاتي خوفنني بأنه غير جائز مشاهدة الفيلم؛ لأنه تمثيل لنبي. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لا أرى إطلاقاً القول بتحريم مشاهدة هذا الفيلم لجميع الناس على اختلاف ثقافتهم وحصانتهم الفكرية والعقدية ... إلخ، لأجل أنه يعرض سيرة المسيح - عليه الصلاة والسلام- بصورة مشوهة محرفة، كما لا يسوغ إطلاق القول بإباحة مشاهدته اعتباراً بالحصانة العقدية والفكرية لدى بعض الناس، والتي تمنعهم أن يصدقوا بما ورد في الفيلم من الأباطيل والتشويه، والأمر يقتضي التفريق والتفصيل، فمن كانت لديه ثقافة وحصانة عقدية هشَّة؛ بحيث يمكن أن يتأثر بما يرى من الأباطيل في الفيلم، وتشوش عليه إيمانه وتصديقه السابق بخبر القرآن عن سيدنا المسيح - عليه السلام-، وبحيث يمكن أن يتشرَّب فكره بأفكار الفيلم المسمومة، فهذا قطعاً لا تجوز له مشاهدة الفيلم، أما من تشبعوا بحصانة فكرية عقدية ثقافية، بحيث لا تشوش عليهم مشاهدة الفيلم، ولا تزعزع إيمانهم بالحقائق الواردة في القرآن بشأن المسيح - عليه السلام- وما يتعلق بذلك، فلا يحرم عليه مشاهدة الفيلم من هذا الوجه- أعني لأجل ما في الفيلم من أفكار مخالفة لأخبار القرآن والسنة-، غير أنه يحرم مشاهدة الفيلم على الجميع فيما إذا كان قد تضمَّن مشاهد خلاعية. والله أعلم.(13/397)
حكم الصور الممتهنة
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /التصوير والتمثيل
التاريخ 03/06/1426هـ
السؤال
قرأت عن الصور الجائزة في الإسلام. رُوي عن سالم بن عبد الله أنه أوضح طبيعة الصور المحرمة، وهو ما نقله الإمام أحمد عن ليث، أنه زار مرة سالم بن عبد الله، فقال: عندما دخلت عليه رأيته متكئاً على وسادة عليها تصاوير طيور وسباع، فسألته: أليست هذه التصاوير مكروهة في الإسلام؟ فقال: لا، إنما يكره من الصور ما علِّق. أرجو التعليق على صحة هذا الحديث وفقهه. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
الأثر المشار إليه في السؤال أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (25287) ، قال: حدثنا ابن فضيل عن ليث، قال: رأيت سالم بن عبد الله متكئاً على وسادة حمراء فيها تماثيل، فقلت له، فقال: إنما يكره هذا لمن ينصبه ويصنعه.
وأخرج ابن أبي شيبة أيضاً (25302) ، قال: حدثنا الحسن بن موسى، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن عبد الله، قال: كانوا لا يرون بما وطئ من التصاوير بأساً.
وقد ساق ابن أبي شيبة عدداً من الآثار الدالة على أن الصورة إذا كانت مما يمتهن ويوطأ ويتكأ عليه من الفرش والوسائد فإنها جائزة.
وبوَّب البخاري في صحيحه: باب ما وطئ من التصاوير [البخاري مع الفتح (10/386) ] ، وذكر حديث عائشة -رضي الله عنها- (5954) قالت: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَتَكَهُ، وَقَالَ: "أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ". قَالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ.
وهذا القول أحد الأقوال في المسألة، وهناك أقوال أخرى:
1- فمن العلماء من ذهب إلى أن الصورة إذا كانت لا ظل لها -أي ليست مجسَّمة- فلا تدخل في التصوير المنهي عنه، ويدل على ذلك حديث بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ حَدَّثَهُ- وَمَعَ بُسْرٍ عُبَيْدُ اللَّهِ الْخَوْلَانِيُّ، رَبِيبُ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ زيد بن سهل حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ".
قَالَ بُسْرٌ: فَمَرِضَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ، فَعُدْنَاهُ فَإِذَا نَحْنُ فِي بَيْتِهِ بِسِتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ الْخَوْلَانِيِّ: أَلَمْ يُحَدِّثْنَا فِي التَّصَاوِيرِ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ: "إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ". أَلَمْ تَسْمَعْهُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: بَلَى قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ. أخرجه البخاري (5958) ، ومسلم (2106) ، والرقم: النقش في الثوب.
2- ومن العلماء من ذهب إلى المنع مطلقاً؛ أخذاً بعموم الأحاديث الدالة على تحريم التصوير.
3- ومن العلماء من ذهب إلى أن الصورة إذا كانت باقية الهيئة، قائمة الشكل حُرِّمت، وإن قطع الرأس أو تفرَّقت الأجزاء جاز، ويدل على هذا حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَال: َ إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ الْبَيْتَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ الْبَيْتِ تِمْثَالُ الرِّجَالِ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي بِالْبَابِ فَلْيُقْطَعْ فَلْيُصَيَّرْ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ وَيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ يُوطَآَن، ِ وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجْ". فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أخرجه الترمذي (2806) ، وقال: حسن صحيح. والله أعلم.(13/398)
السيرة والتاريخ والتراجم(13/399)
هل دُوِّنت خطب النبي -صلى الله عليه وسلم-
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/السيرة النبوية
التاريخ 12/3/1425هـ
السؤال
أين خطب الرسول - صلى الله عليه وسلم- لكل يوم جمعة؟ لماذا لم تدوَّن كأحاديثه وسيرته، وحركاته، وصفاته، ومجالسه؟ إن كان هناك الكثير من أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله قد نقلت إلينا صغيرة وحتى كبيرة.
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
كان العرب قبل الإسلام يعتمدون على الحفظ في نقل أشعارهم وتاريخهم، وأيامهم ومآثرهم، وأنسابهم، واشتهروا بقوة الذاكرة وسرعة الحفظ، ووصفهم الله -عز وجل- بالأميين، قال -تعالى-: " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ " [الجمعة:2] ، وكان الكتاب فيهم ندرة، ثم جاء الإسلام، وحثّ على العلم والكتابة، ووجد كُتاب في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقاموا بتدوين القرآن الكريم، ولكنهم لم يقوموا بجمع حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكتابته بشمول واستقصاء، بل اعتمدوا على الحفظ والذاكرة في أغلبه، ولم يأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم-بذلك، ولعله أراد المحافظة على ملكة الحفظ عندهم لاسيما وأن الحديث تجوز روايته بالمعنى، ولا يقصد بألفاظه التعبد والإعجاز بخلاف القرآن الذي هو معجز بلفظه ومعناه، ومتعبد به، ثم كان هناك خشية في أول الإسلام أن يحدث إلتباس عند عامة المسلمين، فيخلطوا القرآن بالحديث إذا حصل كتابة القرآن، والحديث في صحيفة واحدة، أو أن تخلط الصحف التي يكتب فيها الحديث بالصحف التي يكتب فيها القرآن، وكذلك خشية انشغال المسلمين بالحديث عن القرآن وهم حديثو عهد به، ولهذا جاء في حديث أبي سعيد-رضي الله عنه- النهي عن كتابة الحديث، فعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لَا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ" أخرجه مسلم (3004) .(13/400)
قال الرامهرمزي: " وحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، فأحسبه أنه كان محفوظاً في أول الهجرة، وحين كان لا يؤمن الاشتغال به عن القرآن " (المحدث الفاصل 71) ، وقال الخطابي - عن الحديث -: " وجهه - والله أعلم - أن يكون إنما كره أن يكتب شيء من القرآن في صحيفة واحدة، أو يجمع بينهما في موضع واحد؛ تعظيماً للقرآن وتنزيهاً له أن يسوى بينه وبين كلام غيره " (غريب الحديث 1/632) ، وقد اعتنى الصحابة -رضي الله عنهم- بحفظ السنة، وبلغوها إلى من بعدهم، ثم دونت في المعاجم، والمصنفات والمسانيد كما هو معلوم، وخطب النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحصل تدوينها وكتابتها في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكنها توجد في الغالب مفرقة فيما نقله الصحابة -رضي الله عنهم-، وقد لا ينص على أن هذا الكلام قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخطبة، ثم إن الصحابة -رضي الله عنهم- قد ينقل بعضهم أول كلامه -صلى الله عليه وسلم -في الخطبة، وينقل صحابي آخر آخرها أو وسطها، ولهذا جاء في حديث أبي زيد عمرو بن أخطب -رضي الله عنه- أنه قال: " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْفَجْرَ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتْ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتْ الْعَصْرُ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِن، ٌ فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا " أخرجه مسلم (2892) ، وقد يحصل النص في بعض الأحاديث أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله في خطبة الجمعة ومن ذلك على سبيل المثال:
- ما رواه مسلم (867) من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاه، ُ وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ، يَقُولُ: "صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ "، وَيَقُولُ: " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ"، وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ " ثُمَّ يَقُولُ: " أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ "
وفي لفظ: كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْجُمُعَةِ: يَحْمَدُ اللَّهَ، وَيُثْنِي عَلَيْه، ِ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِ ذَلِك، َ وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ.(13/401)
- ومما حفظ من خطبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان يكثر أن يخطب بالقرآن وسورة (ق) كما جاء في صحيح مسلم (873) عن أم هشام بنت الحارث بْنِ النُّعْمَانِ - رضي الله عنها- قَالَتْ: " مَا حَفِظْتُ ق إِلَّا مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ".
- وكما جاء في مسند الإمام أحمد (20325) من حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: "بَرَاءَةٌ "وَهُوَ قَائِمٌ يُذَكِّرُ بِأَيَّامِ اللَّهِ...."
- وفي رواية عند ابن ماجة (1101) من حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَبَارَكَ وَهُوَ قَائِمٌ فَذَكَّرَنَا بِأَيَّامِ اللَّهِ.. "
- ومما حفظ من خطبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيضاً ما أخرجه ابن ماجة (1071) من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا، وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ الْجُمُعَةَ فِي مَقَامِي هَذَا، فِي يَوْمِي هَذَا، فِي شَهْرِي هَذَا، مِنْ عَامِي هَذَا، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدِي وَلَهُ إِمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ اسْتِخْفَافًا بِهَا، أَوْ جُحُودًا لَهَا فَلَا جَمَعَ اللَّهُ لَهُ شَمْلَهُ، وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، أَلَا وَلَا صَلَاةَ لَه، ُ وَلَا زَكَاةَ لَهُ، وَلَا حَجَّ لَه، ُ وَلَا صَوْمَ لَهُ، وَلَا بِرَّ لَهُ، حَتَّى يَتُوبَ فَمَنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، أَلَا لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا، وَلَا يَؤُمَّ أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا، وَلَا يَؤُمَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا إِلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ يَخَافُ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ " وفي إسناد هذا الحديث علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف.(13/402)
- وحفظ من خطبته أيضاً ما أخرجه أبو داود (925) من حديث ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا تَشَهَّدَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُه، ُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مِنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَه، ُ وَمَنْ يُضْلِل، ْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَة، ِ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَه، ُ وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا"
- ومن خطبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيضاً ما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان
(7/360) عن الحسن البصري قال: طلبت خُطَبَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الجمعة فأعيتني فلزمت رجلاً من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسألته عن ذلك، فقال: كان يقول في خطبته يوم الجمعة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا أيها الناس إن لكم علماً فانتهوا إلى علمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، فإن المؤمن بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري كيف صنع الله فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري كيف الله بصانع فيه، فليتزود المرء لنفسه ومن دنياه لآخرته، ومن الشباب قبل الهرم، ومن الصحة قبل السقم، فإنكم خلقتم للآخرة، والدنيا خلقت لكم، والذي نفسي بيده ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا دار إلا الجنة والنار، وأستغفر الله لي ولكم."
وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلم أصحابه - رضي الله عنهم- في خطبته قواعد الإسلام، وشرائعه، ويأمرهم، وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي كما جاء في صحيح البخاري (930) ، ومسلم (875) من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "قُمْ فَارْكَعْ".
ونهى المتخطي رقاب الناس عن ذلك، وأمره بالجلوس، كما جاء فيما رواه أبو داود(13/403)
(923) من حديث عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ -رضي الله عنه- قال: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ، وربما قطع خطبته للحاجة تعرض، أو السؤال من أحد من أصحابه -رضي الله عنهم- فيجيبه ثم يعود إلى خطبته فيتمها، وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة ثم يعود، فيتمها كما جاء في سنن أبي داود (935) من حديث بُرَيْدَةَ - رضي الله عنه- قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ فَنَزَلَ فَأَخَذَهُمَا فَصَعِدَ بِهِمَا الْمِنْبَرَ ثُمَّ قَال: صَدَقَ اللَّهُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ ثُمَّ أَخَذَ فِي الْخُطْبَةِ، وكان يدعو الرجل في خطبته تعال يا فلان، اجلس يا فلان، صل يا فلان، وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته فإذا رأى منهم ذا فاقة وحاجة أمرهم بالصدقة وحضهم عليها، كما جاء في صحيح مسلم (1017) من حديث جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَدْرِ النَّهَارِ قَالَ فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوْ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلَالًا - رضي الله عنه- فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى آخِرِ...." الحديث.
وكان يستسقي بهم إذا قحط المطر في خطبته، كما جاء في صحيح البخاري (933) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه: ِ هَلَكَ الْمَال، ُ وَجَاعَ الْعِيَال، ُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-....."
وقد حفظت بعض كتب التاريخ نصاً كاملاً لبعض خطبه -صلى الله عليه وسلم- مثل ما جاء في تاريخ الطبري (2/394 - 396) ، قال ابن جرير: حدثني يونس بن عبد الأعلى(13/404)
أخبرنا ابن وهب عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي أنه بلغه عن خطبة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أول جمعة صلاها بالمدينة في بني سالم بن عمرو بن عوف -رضي الله عنهم-: " الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأستغفره وأستهديه، وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى، ودين الحق والنور والموعظة على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الأجل من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط، وضل ضلالاً بعيداً، وأوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة، ولا أفضل من ذلك ذكرى، وإنه تقوى لمن عمل به على وجل، ومخافة، وعون، صدق ما تبتغون من أمر الآخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمر السر والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله، يكن له ذكراً في عاجل أمره، وذخراً فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدم، وما كان من سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد والذي صدق قوله وأنجز وعده لا خُلْفَ لذلك فإنه يقول -تعالى-: " مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ "، واتقوا الله في عاجل أمركم وآجله، في السر والعلانية، فإنه من يتق الله فقد فاز فوزاً عظيماً، وإن تقوى الله توقي مقته، وتوقي عقوبته، وتوقي سخطه، وإن تقوى الله تبيض الوجه، وترضي الرب، وترفع الدرجة، خذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله، قد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله، ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم وسماكم المسلمين؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحي من حي عن بينة، ولا قوة إلا بالله، فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله، يكفه ما بينه وبين الناس، وذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم "(13/405)
وقال البيهقي: (دلائل النبوة 2/523- 525) : باب أول خطبة خطبها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قدم المدينة أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو العباس الأصم حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني المغيرة بن عثمان بن محمد بن عثمان، والأخنس بن شريق، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: كانت أول خطبة خطبها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة أن قام فيها فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: " أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم، تعلمن والله ليصعقن أحدكم، ثم ليدعن غنمه ليس لها راعٍ ثم ليقولن له ربه - ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه-: ألم يأتك رسولي فبلغك، وآتيتك مالاً، وأفضلت عليك، فما قدمت لنفسك؟ فينظر يميناً وشمالاً فلا يرى شيئاً، ثم ينظر قدامه فلا يرى غير جهنم، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة، فإن بها تجزئ الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسلام على رسول الله ورحمة الله وبركاته"، ثم خطب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرة أخرى فقال: " إن الحمد لله أحمده وأستعينه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إن أحسن الحديث كتاب الله، قد أفلح من زينه الله في قلبه، وأدخله في الإسلام بعد الكفر، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس إنه أحسن الحديث وأبلغه، أحبوا من أحب الله أحبوا الله من كل قلوبكم ولا تملوا كلام الله وذكره، ولا تقس عنه قلوبكم، فإنه من يختار الله ويصطفي فقد سماه خيرته من الأعمال، وخيرته من العباد، والصالح من الحديث، ومن كل ما أوتي الناس من الحلال والحرام، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، واتقوه حق تقاته، واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم، وتحابوا بروح الله بينكم، إن الله يغضب أن ينكث عهده، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ".
وفي إسناد ابن جرير والبيهقي إرسال، قال ابن كثير بعد أن ذكر أن طريق ابن جرير والبيهقي فيهما إرسال قال: إلا أنها - أي رواية البيهقي - مقوية بما قبلها وإن اختلفت الألفاظ (البداية والنهاية (4/528) .
ويستدل بما نقل من خطبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على طريقته في الخطبة وهديه فيها فمن ذلك: يقول ابن القيم - رحمه الله -: كانت خطبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما هي تقرير لأصول الإيمان من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، ولقائه، وذكر الجنة والنار، وما أعد الله لأوليائه، وأهل طاعته، وما أعد لأعدائه وأهل معصيته، فيملأ القلوب من خطبته إيماناً وتوحيداً ومعرفة الله وأيامه.(13/406)
وقال: " ومن تأمل خطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجدها كفيلة ببيان الهدى، والتوحيد، وذكر صفات الرب -جل جلاله-، وأصول الإيمان الكلية، والدعوة إلى الله، وذكر آلائه -تعالى- التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من بأسه، والأمر بذكره، وشكره الذي يحببهم إليه، فيذكرون من عظمة الله وصفاته، وأسمائه، ما يحببه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته، وشكره، وذكره ما يحببهم إليه." زاد المعاد (1/ 423) .
وهناك من المؤلفين من اعتنى بتتبع خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفردها بالتصنيف مثل:
1- خطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لـ علي بن محمد المدائني (ت 215 هـ9) .
2-خطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لـ / أبي الشيخ محمد بن جعفر ابن حيان الأصبهاني (ت 369 هـ) .
3- خطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لـ / أبي العباس جعفر بن محمد المستغفري
(ت433 هـ) .
4- أربعون خطبة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع شرحها، لـ / ابن ودعان محمد بن علي (ت 494 هـ) ، وهذه الكتب حسب إطلاعي لم تصل إلينا.
هذا؛ والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(13/407)
هل كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يحب حفصة
المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/السيرة النبوية
التاريخ 24/11/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
روى الإمام مسلم في صحيحه (كتاب الطلاق - باب الإيلاء) حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في اعتزال النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه، قال عمر لابنته حفصة: "والله لقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحبك، ولولا أنا لطلقك".
فما معنى هذا الحديث؟ وكيف نرد على الرافضة في احتجاجهم بهذا الحديث على حفصة - رضي الله عنها-؟ أفتونا مأجورين فنحن في حيرة، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
مقالة عمر الفاروق - رضي الله عنه - لها مناسبتها وملابساتها فقد قالها لما اعتزل النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه، وظن المسلمون أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - طلَّق نساءه، ولما قال عمر - رضي الله عنه - مقالته المذكورة، بكت حفصة أشد البكاء، لما اجتمع عندها من الحزن على فراق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولما تتوقعه من شدة غضب أبيها عليها، كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح (9/286) .
ولعل باعث الفاروق من تلك المقالة - والله أعلم - أمران: محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والاهتمام بأحواله من جهة، والنصح والإشفاق والتأديب لابنته من جهة أخرى. بل إن في روايات الحديث ما يدل على بطلان قول الرافضة، فلا يمكن لمبتدع أن يستدل بدليل صحيح لبدعته إلا كان هذا الدليل عند التحقيق حجة عليه، فقد جاء في روايات في صحيح مسلم ما يقطع بمحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحفصة - رضي الله عنها -، فإن عمر - رضي الله عنه - قال بعد ذلك: "يا رسول الله قد دخلت على حفصة فقلت لا يغرنك أن كانت جارتك، أي عائشة - رضي الله عنها - هي أوسم منك وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتبسم - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبر عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب حفصة، لكن محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة أعظم من محبته لحفصة، وأقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وأمر آخر أن العبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية، فأم المؤمنين حفصة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، وقد جاء في الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أتاني جبريل فقال: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وأنها زوجتك في الجنة" ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد (9/245) وقال رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
ومن العجب الذي لاينقضي أن يحتج الرافضة بمقالة لعمر - رضي الله عنه - في لمز حفصة - رضي الله عنها - وهم في الوقت نفسه قد أشربوا بغض عمر وتضليله ورد مروياته وأحاديثه، وصدق الله - تعالى - إذ يقول: "وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [النور:48 - 50] .(13/408)
زواج الرسول -صلى الله عليه وسلم-
المجيب أ. د. بكر بن زكي عوض
أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/السيرة النبوية
التاريخ 18/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حدثني أحد الأصدقاء الثقات أنه دخل على إحدى غرف الدردشة الصوتية ووجد فيها مسلمين ونصارى يتناقشون عن الديانتين ولاحظ أن أكثر موضوع كان يحرج المسلمين هو زواج الرسول -صلى الله عليه وسلم- من تسع نساء، وسؤالي هو: هل يمكن أن أجد لديكم شرحاً مفصلاً لهذه الزيجات وظروفها والحكمة منها؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
أخي السائل: إن تعدد الزوجات معروف في الرسالات السابقة كما هو معروف في رسالة الإسلام وحياة الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
وإذا كنت تناقش نصرانياً أو تريد أن تناقشه فإليك الآتي:
(1) إن إبراهيم وإسحاق ويعقوب وداود وسليمان وغيرهم قد عددوا الزوجات ووصل الأمر بهم إلى الزواج من مئة مثل داود الذي لم يكتف بتسع وتسعين حتى تزوج تمام المئة بعد موت زوجها، وسليمان كانت له ثلاثمائة زوجة وأربعمائة جارية كما في العهد القديم مصدر التشريع الأول عند النصارى (ما جئت لأنقص بل لأكمل) .
(2) كافة نصوص العهد القديم تأذن بالتعدد وتبيحه للأفراد رسلاً أو بشراً.
(3) لم يرد نص واحد يحرم التعدد في النصرانية وقد تأثر النصارى بالبلاد التي نشروا فيها النصرانية، ففي أفريقيا يأذنون بالتعدد ويبيحون الزواج للقساوسة، وفي أوروبا يحرمون التعدد ويحرمون الزواج على القساوسة ويبيحون الصداقة.
(4) النص الذي يستشهد به النصارى على تحريم التعدد هو (أما علمتم أن الخالق منذ البدء جعلهما ذكراً وأنثى وقال لهذا يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته فما جمعه الله لا يفرقه إنسان) . فجعلوا من ضمير الإفراد في قوله:"امرأته" أن الرجل لا يتزوج إلا بامرأة واحدة. والنص قد فهم على غير وجهه، فالمسيح حين سئل "أيحل لأحدنا أن يطلق امرأته لأي علة كانت ... " كانت إجابته كما سبق.
(5) أن الإجابة لا صلة لها بالتعدد بل بالنهي عن الطلاق لا التزوج.
(6) المسيحية تأذن بالتعدد بالتتابع ولكنها ترفضه بالجمع وينتهي التعدد عند الرابعة متتابعاً حتى لا يكون الإنسان غاوياً، وتسمح بالخلة والصديقة بدون حد ولا عد.
(7) كان العرب يجمعون بين أربعين امرأة في وقت واحد كدليل على الرجولة وطلب للولد.
(8) بالنسبة لتعدد زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإنه يرجع إلى أسباب اجتماعية وتشريعية وسياسية يمكن بيانها -والله أعلم- على النحو التالي:
أولاً: الأسباب الاجتماعية:
(أ) زواجه من خديجة -رضي الله عنها- وهذا أمر اجتماعي أن يتزوج البالغ العاقل الرشيد وكان -عليه الصلاة والسلام- في سن الخامسة والعشرين وظلت معه وحدها حتى توفيت وهو في سن الخمسين.
(ب) تزوج بعدها بالسيدة سودة بنت زمعة وكانت أرملة لحاجة بناته الأربع إلى أم بديلة ترعاهن وتبصرهن بما تبصر به كل أم بناتها.
(ج) حفصة بنت عمر بن الخطاب تزوجها بعد وفاة زوجها إكراماً لأبيها سـ3هـ.
(هـ) زينب بنت خزيمة استشهد زوجها في أحد فتزوجها سـ 4هـ.
(و) أم سلمة هند بنت أمية توفى زوجها ولها أولاد فتزوجها سـ4هـ.(13/409)
خامساً: الأسباب التشريعية:
- زواجه من عائشة -رضي الله عنها- فلقد كان بوحي، حيث رآها في المنام ورؤيا الأنبياء وحي.
- زينب بنت جحش زوجة زيد بن حارثة الذي كان يدعى زيد بن محمد بالتبني فنزل قول الله تعالى:"وما جعل أدعياءكم أبناءكم" [الأحزاب: 4] "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله" [الأحزاب: 5] وبعد خلاف مع زوجها طلقت منه وأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يتزوجها لإقامة الدليل العملي على بطلان التبني، وذلك سنة خمسة للهجرة.
ثالثاً: الأسباب السياسية:
كان لبعض زيجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعداً سياسياً من حيث ائتلاف القلوب والحد من العداوة وإطلاق الأسرى ... إلخ، ومن هن:
(1) جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق من خزاعة وقعت في الأسر، تزوجها سنة 6 هـ.
(2) أما حبيبة رملة بنت أبي سفيان، تنصر زوجها وبقيت على إسلامها، وكان للزواج منها كبير الأثر في كسر حدة أبي سفيان في العداء للإسلام، حتى هداه الله.
(3) صفية بنت حيي بن أخطب كانت من سبي خيبر أعتقها الرسول وتزوجها سـ7هـ.
(4) ميمونة بنت الحارث تزوجها سـ 7هـ.
مات من هؤلاء اثنتان في حياة الرسول وهما خديجة وزينب بنت خزيمة وتوفى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن تسع.
وأما الجواري فهما مارية القبطية التي ولدت إبراهيم وتوفى صغيراً، وريحانة بنت زيد القرطية.
إذن التعدد بدأ في سن الثالثة والخمسين من عمره فهل هذا دليل الشهوة، ومن يشته هل يتزوج الثيبات وأمهات الأولاد والأرامل، كيف وقد عرض عليه خيرة بنات قريش فأبى!
إن التعدد كله لحكم منها -فضلا عما سبق- بيان كل ما يقع في بيت النبوة من أحكام عملاً بقوله تعالى:"واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة" [الأحزاب: 34] وإذا كان الحكم الشرعي لا يثبت بخبر الواحد غالباً فإن للتعدد أثره في إثبات الأحكام بالتواتر، كما أن زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- اختلفت أحوالهن بين غنى وفقرٍ وحسب ونسب وبساطة لكل من يتزوج بأي صورة من هذه الصور قدوة في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع زوجته التي تطابق حال زوجه وتعددهن فيه بيان لكل ما يمكن أن يقع من النساء داخل البيت كالغيرة والصبر والتآمر وطلب الدنيا؟ والتواضع ونشر العلم والرضى ... إلخ.
إن بسط الكلام في هذا الأمر متعذر في هذه العجالة واقرأ زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- لبنت الشاطئ. تعدد الزوجات لأحمد عبد الوهاب. الرحيق المختوم (الجزء الثاني) للمباركفوري.(13/410)
وجود بعض آثار الرسول صلى الله عليه وسلم
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/السيرة النبوية
التاريخ 18/5/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل صحيح أنه يوجد بعض الآثار من شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو بردته في بعض المتاحف؟ وهل إن وجدت يجوز التبرك بها؟ أو التبرك ببعض تراب من حول قبر الرسول- صلى الله عليه وسلم-؟ أفيدونا -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لا يوجد شيء من آثار النبي - صلى الله عليه وسلم- وكل من يدعي شيئاً من ذلك فهو كاذب يريد أن يخدع أتباعه، وآثاره - صلى الله عليه وسلم- التي مست جسده الشريف يجوز التبرك بها، ولكنها لا توجد اليوم، أما تراب قبره فلا يجوز أخذ شيء منه، ولو جاز وأخذ منه كل مسلم أو عشر المسلمين لانكشف القبر وظهر جسده الشريف - صلى الله عليه وسلم- وهذا إيذاء له - صلى الله عليه وسلم- وليس تبركاً. والله الموفق.(13/411)
خاتم الرسول -صلى الله عليه وسلم-
المجيب أ. د. حسين بن خلف الجبوري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/السيرة النبوية
التاريخ 7/5/1424هـ
السؤال
هل فعلاً ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنه كان يرتدي خاتماً مكتوب عليه اسمه، وأنه كان يغطيه بشكل ما عند دخوله الخلاء؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد..
فأقول وبالله التوفيق والسداد: عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: "أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يكتب إلى بعض الأعاجم، فقيل له: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا بخاتم فاتخذ خاتماً من فضة، ونقش فيه: محمد رسول الله" وفي رواية فكان في يده حتى قبض، وفي يد أبي بكر - رضي الله عنه- حتى قبض، وفي يد عمر - رضي الله عنه- حتى قبض، وفي يد عثمان - رضي الله عنه- فبينما هو عند بئر إذ سقط في البئر فأمر بها فنزحت، فلم يقدر عليه.
وقد روى ابن عدي في الكامل (6/101) عن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتختم في خنصره الأيمن، فإذا دخل الخلاء جعل الكتابة مما يلي كفيه، وإسناده ضعيف، وقال ابن عدي: هذا المتن غريب بهذا الإسناد.
وروى أبو داود (19) ، عن أنس - رضي الله عنه- قال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء وضع خاتمه" قال أبو داود: هذا حديث منكر، وقال النسائي: هذا حديث غير محفوظ.(13/412)
هل هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/السيرة النبوية
التاريخ 17/06/1426هـ
السؤال
هل كل ما خرج من النبي -صلى الله عليه وسلم- طاهر، وهل يشمل ذلك البول وغيره، وإذا كان طاهراً فهل يجوز التبرك به! الذي أعلمه أن بعض الصحابة كانوا يمسحون ببعض ما يخرج من فيه على أجسادهم. أفيدونا أفادكم الله.
الجواب
الحمد لله، الأصل أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشرٌ تجري عليه أحكام البشرية الكونيةُ القدريةُ والشرعيةُ، لكن الله اختصه بأن جعله خاتم النبيين، ورسول الله إلى جميع العالمين، قال تعالى: "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي" [الكهف: 110] .
ومن آثار ما أكرمه الله به من النبوة والرسالة أن جعله على خلق عظيم، وجعله مباركاً أينما كان، ومن ذلك ما جعل في جسده من البركة؛ ولهذا كان الصحابة يتبركون بآثاره كثيابه وبُصاقه وشعره - صلى الله عليه وسلم- وكان - صلى الله عليه وسلم- يقرهم على ذلك، وربما حلق شعره وقَسَمَهُ على أَصحابه.
والمقدرُ عند الفقهاء أن عرق الآدمي ولعابه وشعره طاهر، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أولى بذلك، ولكنه اخْتَصَ بما جعله الله فيه من البركة حتى كان الصحابة يتنافسون على فَضْلِ وضوئه، وما قدروا عليه من فَضَلات بدنه الطاهرة.
أما البول والغائط فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يتطهر منهما بالأحجار وبالماء، وما كان أحد من الصحابة يطلب شيئاً من ذلك، فمن زعم أن البول والغائط منه -صلى الله عليه وسلم- يختلف عن غيره من الناس فزعمهُ باطلٌ ولا مستندَ له إلا الجهلُ والغلو بالنبي - صلى الله عليه وسلم- فحكم البول والغائط من النبي - صلى الله عليه وسلم- راجع إلى بشريته التي هو فيها مثل سائر البشر، "قل إنما أنا بشر مثلكم" [الكهف: 110] ، فهو - صلى الله عليه وسلم- كغيره من البشر، فيجب الفرق بين ما يختص به -صلى الله عليه وسلم- مما فُضِّل به على غيره، وما هو فيه كغيره من الناس، ولا تجوز دعوى الخصوصية بأمر من الأمور إلا بمستند من كتاب الله، أو من سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فبهما الهدى والفرقان "والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم".(13/413)
لم يزوج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة لصغرها وتزوج عائشة وهي صغيرة
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/السيرة النبوية
التاريخ 8/6/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أريد من فضيلتكم أن توضحوا لي لماذا لم يقم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتزويج بنته فاطمة من أبي بكر أو عمر -رضي الله عنهما-، وعلَّل ذلك بصغر سن فاطمة -رضي الله عنها- وفي المقابل تزوَّج عائشة -رضي الله عنها-، وهي لم تبلغ بعد العاشرة. وما أردت بهذا السؤال إلا رفع الحرج الذي وقع في نفسي، ولمعرفة الرد السوي على شبهات المستشرقين على نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم-. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحديث المشار إليه في السؤال أخرجه النسائي في سننه (6/62) ، وابن حبان في صحيحه (6948) والحاكم في المستدرك (2/167) ، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي (6948) من طرق عن الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه قال: خطب أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما- فاطمة- رضي الله عنها-، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إنها صغيرة" فخطبها علي-رضي الله عنه- فزوجها منه، وهذا إسناد صحيح، وبوَّب النسائي على الحديث بقوله: تزويج المرأة مثلها في السن، ويؤخذ من الحديث أن الموافقة بين الزوجين في السن أو المقاربة تراعى عند الزواج؛ لكونها أقرب إلى الائتلاف بين الزوجين، وأدعى لاستمرار الزواج وحسن العشرة، ولكن قد يترك مراعاة ذلك لمصلحة أعلى وأكبر كما في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم- من عائشة - رضي الله عنها- فقد دلت الأحاديث أن زواجها كان عن طريق الرؤيا، ورؤيا الأنبياء حق، فهو أمر أراده الله وقدره وهو العليم الحكيم، ففي الصحيحين البخاري (3895) ، ومسلم (2438) عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أريتك في المنام ثلاث ليال: جاءني بك الملك في سرقة من حرير- أي قطعة من حرير- فيقول: هذه امرأتك، فاكشف عن وجهك، فإذا أنت هي، فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه، وهذا لفظ مسلم، وقد حصل في هذا الزواج المبارك خير عظيم للأمة إلى قيام الساعة، فقد اختار الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم- الصديقة بنت الصديق التي كانت آية في الذكاء والحفظ والفصاحة والفهم، والنبوغ المبكر، فحفظت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- كثيراً من أقواله وأفعاله، وأحواله، لا سيما تفاصيل ودقائق ما يتعلق بحياته الزوجية التي لا يطَّلع عليها إلا نساؤه، وبلغت ذلك للأمة أتم البلاغ وأكمله، فرضي الله عنها وأرضاها. هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(13/414)
تعدد زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/السيرة النبوية
التاريخ 17/04/1425هـ
السؤال
سبق لي أن بعثت بعدد من الأسئلة، وقد تم الجواب عنها من قبل المشايخ الأفاضل على أحسن ما يكون، أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يبارك في جهودكم، وأن ينفع بها المسلمين، واليوم فإني أيضا سأضطر إلى حشد الأسئلة؛ للضرورة المذكورة، فلا تؤاخذوني، كثيراً ما يذكر عند ترجمة أمهات المؤمنين أن النبي- صلى الله عليه وسلم-دخل بإحداهن في سنة كذا وكذا، فما الحكمة من ذكر ذلك؟ وماذا نستفيد منه؟ لا سيما وأن بعض المستشرقين يعرّضون في هذا، فما الجواب عن هذا الإشكال.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وبعد:
ليس هناك استشكال فيما ذكر بل هو من مميزات سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم- حيث حفظت بتفاصيلها ودقائقها، وذكر تاريخ دخوله - صلى الله عليه وسلم - في زوجاته جزء من سيرته - صلى الله عليه وسلم-، ويحتاج إليه في نقد الروايات وترجيح بعضها على بعض عند التعارض، فعلى سبيل المثال إذا جاء في بعض الروايات ذكر لبعض زوجاته - صلى الله عليه وسلم- ثم علمنا أنه لم يدخل بها في ذلك الوقت أدركنا أن الرواية حصل فيها وهم أو خطأ.(13/415)
وأما ما يثيره المستشرقون من شبهات وأباطيل حول تعدد زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويعتمدون على روايات باطلة وواهية لاسيما ما جاء في قصة زواجه - صلى الله عليه وسلم- بزينب بنت جحش - رضي الله عنها- والمستشرقون وأبواقهم يقصدون من وراء ذلك النيل من كرامة النبي - صلى الله عليه وسلم- والطعن في رسالته، وتشكيك المؤمنين في دينهم ورسولهم، "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" [الصف:8] ، ولنعلم أن تعدد زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم- سنة من سنن المرسلين الذين كانوا قبله، كما قال سبحانه وتعالى: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً" [الرعد: من الآية38] ، ولتعدد زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم- حكم ومقاصد سامية لا تخفى على من نظر بعين الإنصاف، وتجرد من الهوى والمقاصد السيئة، ولنعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يعدد إلا بعد بلوغه سن الشيخوخة أي بعد أن جاوز من العمر الخمسين، ثم إن جميع زوجاته الطاهرات ثيبات (أرامل) ، ما عدا عائشة - رضي الله عنها- فهي بكر، ولعل من أظهر الحكم لتعدد زوجاته أنه - صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمرسلين، ودينه خاتم الأديان، وشريعته عامة لكل البشر في كل زمان ومكان، وكان حريصاً غاية الحرص على أن تبلغ عقائد هذا الدين وشرائعه، وآدابه وأخلاقه إلى جميع البشر، وقد كان لزوجاته الطاهرات دور عظيم في تبليغ الشريعة ونشر السنة لا سيما ما يتعلق بحياة النبي - صلى الله عليه وسلم- الزوجية والبيتية مثل الأحكام المتعلقة بالمعاشرة الزوجية، وكيفية الاغتسال من الجنابة والقبلة أثناء الصوم ونحو ذلك، وقد قال الله -تعالى- مخاطباً أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -"وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ" [الأحزاب: من الآية34] ، وقد قمنا بهذه المهمة خير قيام، ومن يطلع على كتب السنة يجدها زاخرة بالأحاديث التي جاءت عن طريقهن ولو نظرنا على وجه التفصيل لوجدنا أن هناك مقاصد سامية لاختيار تلك الزوجات الطاهرات أمهات المؤمنين، وهذا عرض موجز لزوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- يتضح من خلاله وجوه متعددة من الحكم والمقاصد.
(1) خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها -: وهي أول أزواجه عليه السلام، تزوجها الرسول - صلى الله عليه وسلم - الكريم قبل البعثة وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهي ثيب بنت أربعين، وكانت امرأة عاقلة ذات رأي وحكمة وسداد وقد وقفت بكل صدق وإيمان إلى جنب النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما جاءه الملك في غار حراء، فقد رجع إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يرجف فؤاده، وهو يقول زملوني زملوني، حتى ذهب عنه الروع، فحدَّث خديجة بالخبر، وقال لها: "لقد خشيت على نفسي، فقالت له: أبشر، كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق ... "، والحديث في الصحيحين البخاري (4) ومسلم (160) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.(13/416)
(2) سودة بنت زمعة - رضي الله عنها -: تزوجها الرسول - صلى الله عليه وسلم- بعد وفاة خديجة - رضي الله عنها-، والحكمة في اختيارها مع أنها أكبر سناً من الرسول - صلى الله عليه وسلم- أنها كانت من المؤمنات المهاجرات توفي عنها زوجها بعد الرجوع من هجرة الحبشة الثانية فكفلها النبي - صلى الله عليه وسلم- بزواجه منها.
(3) عائشة بنت أبي بكر - رضي الله عنهما-: تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم- بعد أن جاءه الملك بصورتها في المنام، وأخبره بأنها امرأته كما في الصحيحين البخاري (3895) ومسلم (2438) وغيرهما من حديث عائشة - رضي الله عنها -، وكانت آية في الذكاء والحفظ والفهم، وقد بلغت كثيراً من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم-، وكان الصحابة - رضي الله عنهم- يرجعون إليها في مسائل العلم.
قال أبو موسى الأشعري- رضي الله عنه-: "ما أشكل علينا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حديث قط، فسألنا عائشة - رضي الله عنها- إلا وجدنا عندها منه علماً" رواه الترمذي (3883) . .
وقال مسروق: "رأيت مشيخة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الأكابر يسألونها عن الفرائض".
وقال عروة بن الزبير - رضي الله عنه-: "ما رأيت امرأة أعلم بطب، ولا فقه، ولا شعر من عائشة -رضي الله عنها-".
(4) حفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما-: تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن تأيمت من زوجها خنيس بن حذافة، وكان شهد بدراً، وتوفي بالمدينة، وقد عرضها عمر على عثمان، وعلى أبي بكر - رضي الله عنهم-، ثم تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان في ذلك تكريم لعمر - رضي الله عنه- انظر ما رواه البخاري (4005) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(5) زينب بنت خزيمة - رضي الله عنها-: تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد حفصة بنت عمر - رضي الله عنهما- بعد استشهاد زوجها عبيدة بن الحارث - رضي الله عنه- وكانت تلقب بأم المساكين لكثرة تصدقها عليهم وبرها بهم، وكان في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم- بها تكريم لها، وكانت امرأة حين تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم- كبيرة السن، ولم تبق عند النبي - صلى الله عليه وسلم- سوى عامين ثم توفاها الله.
(6) زينب بنت جحش - رضي الله عنها-: تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن طلقها زيد بن حارثة رضي الله عنه-، ومن الحكم التشريعية في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم- بها إبطال عادة التبني كما جاء في القرآن الكريم.(13/417)
(7) أم سلمة - رضي الله عنها-: تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن توفي زوجها عبد الله بن عبد الأسد أبو سلمة - رضي الله عنه -، وقد جبر النبي -صلى الله عليه وسلم- كسرها بعد أن فقدت زوجها، فأخرج الإمام مسلم في صحيحه (918) عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: "إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ"، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا اخلف الله له خيراً منها، قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، قالت: أرسل إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حاطب ابن أبي بلتعة يخطبني له ... الحديث.
(8) أم حبيبة، رملة بنت أبي سفيان - رضي الله عنها-: تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم- بعد أن تنصر زوجها عبيد الله بن جحش ومات بأرض الحبشة، وثبتت على إيمانها، فكان في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم- بها تكريماً لها، وقد عقد عليها النبي - صلى الله عليه وسلم- وهي بأرض الحبشة، ولم يدخل بها إلا بعد فتح خيبر سنة 7هـ.
(9) جويرية بنت الحارث - رضي الله عنها-: تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم- بعد قتل زوجها مسافع بن صفوان الذي كان من ألد أعداء الإسلام، وقد أُسرت مع قومها وعشيرتها، فعرض عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم- أن يدفع عنها الفداء، وأن يتزوجها فقبلت ذلك، فتزوجها الرسول - صلى الله عليه وسلم-، وأعتق المسلمون جميع الأسرى الذين كانوا تحت أيديهم من قومها، فلما رأى قومها ذلك أسلموا جميعاً، فكان زواجه - صلى الله عليه وسلم- بها بركة عليها وعلى قومها، وكانت أيمن امرأة على قومها، كما جاء في صحيح البخاري (2541) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما-.
(10) صفية بنت حُييِّ بن أخطب - رضي الله عنها-: تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم- بعد أن أُسرت وقتل زوجها في غزوة خيبر، وهي سيدة بني قريظة، ووقعت في سهم بعض المسلمين، فقال أهل الرأي والمشورة هذه سيدة بني قريظة لا تصلح إلا للرسول - صلى الله عليه وسلم-، فدعاها النبي -صلى الله عليه وسلم- وخيرها بين أن يعتقها ويتزوجها، أو يطلق سراحها فتلحق بأهلها فاختارت أن تكون زوجاً له - صلى الله عليه وسلم-، وقد أسلم بإسلامها عدد من قومها.
(11) ميمونة بنت الحارث- رضي الله عنها-: وهي آخر أزواجه - صلى الله عليه وسلم-، وقد قالت فيها عائشة - رضي الله عنها-: "أما إنها كانت من أتقانا لله وأوصلنا للرحم"،وقد وثق النبي عليه الصلاة والسلام بالزواج منها ما بينه وبين قبيلة من أشرف قبائل العرب، وقد ورد أن العباس - رضي الله عنه- هو الذي رغبه فيها، وكانت أختها أم الفضل تحت العباس - رضي الله عنه- انظر ما رواه أحمد (2437) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -. هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(13/418)
هل الرسول من العرب المستعربة؟
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/السيرة النبوية
التاريخ 02/05/1425هـ
السؤال
هل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عربي أم مستعرب؟ وللعلم بأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- ترجع أصوله لسيدنا إبراهيم -عليه السلام-.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد وردفي صحيح مسلم (2276) من طريق واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم" خرجه في كتاب: الفضائل من صحيحه، باب: فضل نسب النبي -صلى الله عليه وسلم- برقم: (2276) ، (4/1782) .
وأورد البخاري - رحمه الله - نسب النبي - صلى الله عليه وسلم- في ترجمته باب: مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- من كتاب مناقب الأنصار في صحيحه بشرحه الفتح (7/162) ، فقال: "محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان".
وهذا القدر من نسبه متفق عليه عند أهل السير والأنساب، حيث يذكر المؤرخون أن نسب النبي - صلى الله عليه وسلم- ينقسم إلى ثلاثة أجزاء:
الأول: جزء اتفق عليه كافة أهل السير والأنساب، وهو الجزء الذي يبدأ منه - صلى الله عليه وسلم- وينتهي إلى عدنان.
الثاني: جزء كثر فيه الاختلاف حتى جاوز حد الائتلاف، وهو الجزء الذي يبدأ بعد عدنان وينتهي إلى إبراهيم - عليه السلام-.
الثالث: ويبدأ بعد إبراهيم - عليه السلام- وينتهي إلى آدم - عليه السلام- وجُلّ الاعتماد فيه على أهل الكتاب.
والنبي - صلى الله عليه وسلم- على هذا من العرب المستعربة، وهم العرب المنحدرة من صلب إسماعيل - عليه السلام- وتسمى بالعرب العدنانية، وذلك أن المؤرخين يقسمون العرب إلى ثلاثة أقسام بحسب السلالات التي يتحدرون منها، وهم:
(1) العرب البائدة، وهم القدامى من الذين انقرضوا تماماً كعاد وثمود، وطسم وجديس وحضرموت، وغيرهم.
(2) العرب العاربة، وهم المنحدرون من صلب يشجب بن يعرب بن قحطان، ويسمون بالعرب القحطانية.
(3) العرب المستعربة كما تقدم، ومنهم النبي -صلى الله عليه وسلم-. والله الموفق.(13/419)
مفاداة الأسرى في بدر
المجيب د. محمد بن سريّع السريّع
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/السيرة النبوية
التاريخ 20/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
في غزوة بدر علمنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وافق أبا بكر - رضي الله عنه- بإطلاق الأسرى مقابل تعليم 10 من المسلمين، ولم يوافق على اقتراح عمر -رضي الله عنه- بقتلهم عن طريق أقارب المسلمين المقتولين، وقد ذكر العلماء أن الله ما أحب فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وفضل اقتراح عمر -رضي الله عنه-، فهل صح هذا القول عن بعض العلماء؟ وإذا صح فلماذا لم يتم قتل الأسرى الكفار مقابل المسلمين بعد ذلك؟.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لما أخذ المسلمون الفداء من المشركين الأسرى بعد غزوة بدر ولم يقتلوهم، نزل القرآن الكريم ليبين أن قتلهم كان أفضل من إطلاقهم فقال - تعالى -: "مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ" [الأنفال: من الآية67] ؛ وذلك لأن غزوة بدر كانت أول غزوة جمعت الرسول - صلى الله عليه وسلم- مع المشركين، فكان في قتل الأسرى إضعافاً لقوة المشركين وزرعاً للهيبة في قلوبهم، وإنما اختار الرسول - صلى الله عليه وسلم- مفاداة المشركين اجتهاداً منه؛ لأنه لما شاور المسلمين كان أغلبهم يختار هذا الرأي، مع ما في قلبه - صلى الله عليه وسلم- من الرحمة وحب التيسير، وإنما لم يقتل الأسرى بعد ذلك؛ لأنه قد صدر الرأي والأمر بإطلاقهم، فلا يجوز الرجوع فيه، بل قد يكون قد تم إطلاق بعضهم. والله أعلم.(13/420)
هل أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود من الجزيرة؟
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/السيرة النبوية
التاريخ 21/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
دار نقاش بيني وبين بعض الإخوان حول: هل النبي -صلى الله عليه وسلم- أخرج اليهود بعد فتح مكة من جزيرة العرب جميعاً حتى جاره صلى الله عليه وسلم اليهودي؟ أرجو ذكر الدليل.....وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لا صلة بين فتح مكة وإخراج النبي -صلى الله عليه وسلم- اليهود من المدينة لا من الناحية العقدية، ولا من الناحية التاريخية، وقد كان في المدينة حيث هاجر إليها الرسول - صلى الله عليه وسلم- ثلاث قبائل يهودية، وهم: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، فعاقدهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عقداً (مدنياً) ، يتعايشون بموجبه في المدينة، ويدفعون عنها، ويتحملون ديات من يقتل من أحد من الأطراف ... إلخ.. فكان أن غدرت يهود، ونقضت العهد قبيلة تلو الأخرى، فأجلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بني قينقاع ثم بني النضير، وقتل بني قريظة، في تفاصيل تاريخية مبسوطة في كتب السير والمغازي، وبقي بقية من يهود في خيبر، لما فتحها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه عاملهم بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، متفق عليه البخاري (2286) ، ومسلم (1551) ، وفي رواية لهما: "فسألوه أن يقرهم بها على أن يكفوه عملها، ولهم نصف التمر، فقال لهم رسول الله -صلى الله وسلم-: "نقركم بها على ذلك ما شئنا"، وفي لفظ: "نقركم ما أقركم الله" رواه البخاري (2338) ، فقروا بها، حتى أجلاهم عمر - رضي الله عنه-.
وإخراجهم من جزيرة العرب له سببان:
- سبب خاص: وهو ما جرى منهم من الغدر والخيانة، ومحاولات اغتيال النبي -صلى الله عليه وسلم- المتكررة، وتأليب المشركين على المسلمين، ومعاونتهم على ذلك ... إلخ..
- سبب عام: وهو أن تكون الجزيرة العربية قاعدة للإسلام، ففي صحيح مسلم (1767) : عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما"، وفي مسند أحمد: عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: "كان آخر ما عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يترك بجزيرة العرب دينان" (6/275) .
وأما جاره اليهودي، فقضية خاصة، وقد كان صلى الله عليه سلم- يعوده إذا مرض، ويدعوه إلى الإسلام، كما يدعو سائر اليهود، وحكمه حكم قومه ما دام باقياً على دينه، ولا نعلم تحديداً ما جرى له، هل أسلم، أو مات، أو انتقل عن مكانه، ولا يترتب على ذلك شيء. والله أعلم.(13/421)
أمية الرسول صلى الله عليه وسلم
المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/السيرة النبوية
التاريخ 17/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
هل كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمياً بعد نزول الوحي وبدء دعوته؟ وهل يأثم من يظن خلاف ذلك؟. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
النبي - صلى الله عليه وسلم- كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، قال الله -تعالى-: "وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون" [العنكبوت: 48] ، ولقوله تعالى: "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم" [الجمعة: 2] ، وقال صلى الله عليه وسلم بعد ما بعثه الله: "إنا أمة أمية لا نكتب" رواه البخاري (1913) ، ومسلم (1080) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، فأما النصوص الصريحة الصحيحة الواضحة فينبغي للمسلم أن يقبلها على الحقيقة، ويؤمن بها، وكون النبي -صلى الله عليه وسلم- أمياً لا يقرأ ولا يكتب له دلالة واضحة على أن هذا القرآن منزل من عند الله، ولو كان عليه السلام يقرأ أو يكتب لقال قائل لعله تعلمه من غيره، كما قال تعالى: "وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون" [العنكبوت: 48] ، فهذا الاحتمال ينقطع إذا علم أنه -صلى الله عليه وسلم- كان أمياً، وإذا كان الأصل فيه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان أمياً فلا يزول هذا الأصل إلا بدليل قطعي. والله أعلم.(13/422)
مارية القبطية رضي الله عنها
المجيب د. فوزي محمد ساعاتي
أستاذ التاريخ بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/السيرة النبوية
التاريخ 25/08/1425هـ
السؤال
ما هي صفة مارية القبطية في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد إنجابها لابنه إبراهيم منها؟ ولماذا تخلو كتب السيرة النبوية من الحديث عن حياتها أثناء حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكذلك مصيرها بعد وفاته؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أما سراريه صلى الله عليه وسلم فأربع - وقيل ثلاث- مارية القبطية، واسمها مارية بنت شمعون، من بلدة حفنة (حفن) قرية بصعيد مصر، أم ولده إبراهيم- عليه السلام-، وريحانة بنت زيد (يزيد) من بني النضير، وقيل من بني قريظة، وجميلة، وجارية وهبتها له صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، أما كتب السيرة والحديث فهي مليئة بأخبار عن زوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم- وأولاده وسراريه، ويمكن أن نجد في كتب التراجم أخبار عن مارية في ترجمة إبراهيم بن محمد - صلى الله عليه وسلم-، وفي كتب السنن والصحاح، والآثار، فنجد روايات وأحاديث كثيرة في باب الجنائز، وفي فرض الصلاة على الطفل، وفي رحمته بالصبيان والصلاة عليهم، أما مصيرها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فإنها قد بقيت بالمدينة وبها توفيت في سنة 16هـ، في خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-، ودفنت بالبقيع، وكانت تسكن بالعالية التي يقال لها مشربة أم إبراهيم- الآن المشربة في الجنوب الشرقي عن المسجد النبوي، وتبعد عنه بنحو ثلاثة كيلو مترات-، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يختلف إليها، فضرب عليها الحجاب، وكان يطؤها بملك اليمين، وأن مارية لما توفي صلى الله عليه وسلم اعتدت ثلاث حيض، وعاشت بقية حياتها مكرمة معززة في خلافة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما- وصلى عليها جمع غفير من الصحابة - رضي الله عنهم- ودفنت بالبقيع مع أمهات المؤمنين وجمع من الصحابة - رضي الله عنهم-. والله أعلم.(13/423)
وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- كما وصفته أم معبد رضي الله عنها
المجيب عقيل بن محمد بن زيد المقطري
رئيس اللجنة العلمية بجمعية الحكمة اليمانية الخيرية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/السيرة النبوية
التاريخ 14/08/1425هـ
السؤال
ما هو الوصف الكامل للنبي صلى الله عليه وسلم، كما وصفته به أم معبد التي رأته ووصفته بدقة.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن الوصف الكامل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما وصفته أم معبد، كما جاء في حديث حبيش بن خالد، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- حين خرج من مكة مهاجرًا إلى المدينة، مرَّ- عليه الصلاة والسلام- على خيمة أم معبد، رضي الله عنها، ورأت من كراماته صلى الله عليه وآله وسلم، ثم بايعها على الإسلام، وانطلق، ولما رجع زوجها ووجد لبنًا أعجبه ذلك وقال: من أين لك هذا يا أم معبد والشاء عازب حائل ولا حلوب في البيت؟ قالت: لا والله إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا. قال: صِفِيه لي يا أم معبد. قالت: رأيتُ رَجُلاً ظاهِرَ الوَضَاءَةِ أَبْلَجَ الوَجْهِ، حَسَنَ الخَلْقِ؛ لَمْ تَعِبْهُ تَجِلَّةٌ، ولَمْ تُزْرِيهِ صعلةٌ، وَسِيمٌ، قَسِيمٌ، في عَيْنِهِ دَعَجٌ، وفي أَشْفَارِهِ وَطفٌ، وفي صوتِه صَهلٌ، وفي عُنقِه سَطعٌ، وفي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ، أَزَجُّ أَقْرَنُ، إن صمَتَ فَعَلَيه الوَقَارُ، وإنْ تَكَلَّم سماه وعَلَاهُ البَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وأَبْهَاهُ مِن بَعيدٍ، وأَحْسَنُه وأجملُه مِن قَريبٍ، حُلْوُ المًنْطِقِ، فَصْلاً لا نَزْرَ ولا هَذْرَ، كأنَّ منطقَه خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ، رَبْعَةٌ، لا تَشْنَؤهُ مِن طولٍ، ولا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِن قِصَرٍ، غُصنٌ بينَ غُصنَين، فهو أَنْضَرُ الثلاثةِ مَنْظَرًا، وأحسنُهم قَدْرًا، له رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إنْ قال سَمِعُوا لِقَوْلِه، وإنْ أمَر تَبَادَرُوا إلى أمْرِه، مَحْفُودٌ، مَحْشُودٌ، لا عَابِسٌ ولا مُقْتَصِدٌ. الحديث أخرجه الطبراني في الكبير (3605) ، والحاكم في المستدرك (3/9-10) ، وأبو نعيم في دلائل النبوة (282-287) ، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة (1434-1437) .
وله شاهد من حديث جابر كما عند البزار (كشف الاستار: 1742) .
وشاهد آخر من حديث أبي معبد الخزاعي، رواه ابن سعد في الطبقات (1/230-232) .
وله شاهد أيضاً عند البيهقي في دلائل النبوة (2/491) .
والحديث: بمجموع طرقه يرتقى إلى درجة الحسن. والله الموفق. (*)
_______________
(*) شرح معاني بعض الكلمات:
الوَضَاءَةِ: حسن الوجه.
أَبْلَجَ الوَجْهِ: مشرق الوجه.
التَجِلَّةٌ: عظم البطن.
الصعلة: صغر الرأس.
الوَسِيمٌ: الجميل الخلقة.
الدعج: شدة سواد العينين.
الوطف: طول أشفار العيون.
الصهل: حدَّه الصوت وصلابته.
سطع: إشراف وطول.
كثاثة: دقة نبات شعر اللحية مع استدارة.
أَزَجُّ أَقْرَنُ: دقة شعر الحاجبين مع طول فيهما واتصال ما بينهما من شعر.
البهاء: حسن المظهر.
لا نَزْرَ ولا هَذْرَ: كلامه بَيِّن واضح ليس كثيراً وليس قليلاً.
لا تَشْنَؤهُ مِن طولٍ: ليس طويلاً طولاً مفرطاً.
ولا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِن قِصَرٍ: لا يحتقر لقصره الشديد.
له رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ: يحيطون به.
المَحْفُودٌ: المخدوم.(13/424)
هل إسراء النبي -صلى الله عليه وسلم- منام؟
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/السيرة النبوية
التاريخ 13/09/1426هـ
السؤال
في حادثة الإسراء والمعراج، هل كان ذلك في منام رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- أم أنه ذهب بجسده؟ أرجو ذكر الأدلة على ذلك.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالإسراء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم العروج به كان حقيقة ً لا مناماً، لقول الله تعالى: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، لنريه من آياتنا". [الإسراء:1] والأحاديث كثيرة منها:
ما رواه البيهقي في دلائل النبوة (2/390) ، وابن جرير في تفسيره (15/11) ، عن أبي سعيد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال له أصحابه: يا رسول الله أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها، قال: قال الله عز وجل: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ... " قال: فأخبرهم: فقال: "بينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام إذ أتاني آتٍ، فأيقظني، فاستيقظت فلم أر شيئاً، وإذا أنا بدابةٍ ادنى شبهاً بدوابكم هذه ... ) فذكر قصة الإسراء بطولها.
وروى البيهقي أيضاً في الدلائل (2/359) ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن ناساً جاءوا إلى أبي بكر - رضي الله عنه- فقالوا: هل لك في صاحبك، يزعم أنه جاء إلى بيت المقدس، ثم رجع إلى مكة في ليلة واحدة! فقال أبوبكر -رضي الله عنه-: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: فأشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق قالوا: فتصدقه بأن يأتي الشام في ليلة واحدة، ثم يرجع إلى مكة قبل أن يصبح؟ قال: نعم، إني أصدقه بأبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء. قال أبو سلمة: فبها سمي: أبو بكر بالصديق.
وفي صحيح مسلم، في كتاب الإيمان (278) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربةً ما كربت مثله قط، فرفعه الله لي أنظر إليه، ما سألوني إلا أنبأتهم به ... " الحديث، وغير ذلك من عشرات الأحاديث في الصحيحين وغيرهما.
وقد ساق ابن كثير -رحمه الله- جملة من هذه الأحاديث على آية الإسراء "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله.." ثم قال رحمه الله بعد ذلك (8/431) : "والحق أنه عليه السلام أسري به يقظةً لا مناماً، من مكة إلى بيت المقدس".
وقال أيضاً (8/432) : "اختلف الناس: هل كان الإسراء ببدنه -عليه السلام- وروحه، أو بروحه فقط؟ على قولين: فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناماً".(13/425)
زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- وسراريه
المجيب د. فوزي محمد ساعاتي
أستاذ التاريخ بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/السيرة النبوية
التاريخ 17/09/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- إماء عند وفاته؟ أم أنه تزوجهن جميعاً؟ وإذا كان عنده إماء، فهل كان له أولاد منهن؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- المدخول بهن اثنتا عشرة امرأة، وهن:
(1) خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها- تزوجها بمكة، وأنجب منها عبد الله والطاهر، والقاسم، وبه كان يكنى، وماتوا بمكة قبل الهجرة، وبناته زينب وأم كلثوم ورقية متْت في حياته، وفاطمة ماتت بعده بستة أشهر - رضي الله عنهن-.
(2) سودة بنت زمعة -رضي الله عنها-.
(3) عائشة بنت أبي بكر بن أبي قحافة- رضي الله عنهم- البكر الوحيدة التي تزوجها صلى الله عليه وسلم.
(4) حفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما-.
(5) زينب بنت خزيمة - رضي الله عنها-.
(6) أم سلمة، واسمها هند بنت أبي أمية- رضي الله عنها-.
(7) زينب بنت جحش - رضي الله عنها-.
(8) أم حبيبة، واسمها رملة وقيل هند بنت أبي سفيان- رضي الله عنها-.
(9) جويرية، واسمها برة بنت الحارث - رضي الله عنها-.
(10) صفية بنت حُيي بن أخطب النضري - رضي الله عنها-.
(11) ميمونة بنت الحارث- رضي الله عنها-.
(12) ريحانة بنت يزيد من بني النضير، ومات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن التسع من نسائه، وهن: عائشة وحفصة، وسودة، وأم حبيبة، وأم سلمة، وزينب، وجويرية، وميمونة، وصفية - رضي الله عنهن-، وكان عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ملك يمينه ريحانة ابنة عمرو بن حذافة، فلم يصب منها ولداً حتى مات، ومارية أم إبراهيم القبطية - أهداها المقوقس حاكم مصر- ولدت له ابنه إبراهيم مات وعمره 18 شهراً، وجارية وهبتها له صلى الله عليه وسلم زينب بنت حجش، وزليخة القرظية. والله أعلم.(13/426)
عصمة فاطمة -رضي الله عنها-
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 18/04/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أورد بعض الرافضة إشكالاً وهو القول بعصمة فاطمة - رضي الله عنها- مستدلاً بقوله - صلى الله عليه وسلم- "فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني"، فقال إن فاطمة - رضي الله عنها- بما أن غضبها من غضب رسول الله، وغضب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- من غضب الله فلذلك فاطمة - رضي الله عنها- لا تغضب لباطل أي أنها معصومة فكيف يجاب عن هذا الإشكال؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فلا دليل فيه على عصمة فاطمة - رضي الله تعالى عنها- ويدل على المراد من الحديث قصة وروده، وذلك لما أراد علي - رضي الله تعالى عنه- أن يتزوج على فاطمة - رضي الله عنها- فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم- لغضب فاطمة- رضي الله عنها-، وقال هذا الحديث، والمراد ما يغضبها من الزواج عليها.
والرافضة يقولون بعصمة علي - رضي الله عنه- أيضاً، وهو الذي أغضبها - رضي الله عنهما- حينما هم بالزواج عليها، وشكت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- حتى قال ما قال - عليه الصلاة والسلام-، فعدل عمّا عزم عليه، إرضاء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- انظر ما رواه البخاري (3729) ، ومسلم (2449) من حديث المسور بن مخرمة - رضي الله عنه-، وكيف تكون فاطمة - رضي الله تعالى عنها- معصومة والنبي - صلى الله عليه وسلم- قد خاطبها قائلاً: "يا فاطمة بنت محمدٍ: سليني من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً" رواه البخاري (2753) ، ومسلم (204) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، فما معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا أغنى عنك من الله شيئاً " إذا كانت معصومة!.(13/427)
الصحابة ودخول النار
المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 25/3/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
نحن نعلم أن من عقيدة أهل السنة والجماعة الترضي على الصحابة -رضوان الله عليهم- وأنهم جميعاً قد رضي الله عنهم وأن لهم الحسنى، فهل من عقيدة أهل السنة والجماعة عدم دخول جميع الصحابة النار بتاتاً إلا المرور على الصراط؟، وأن ذنوبهم جميعها مغفورة؟ أرجو توضيح ذلك.
الجواب
يعتقد أهل السنة والجماعة، أن الصحابة -رضي الله عنهم- جميعهم عدول، وأن الله أنزل في حقهم "رضي الله عنهم ورضوا عنه" [البينة: 8] ، والصحابة -رضي الله عنهم- متفاوتون في الدرجة والمنزلة، فلا يعتبر من أسلم بعد الفتح كمن أسلم قبل الفتح وقاتل، وبهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: لخالد بن الوليد - رضي الله عنه-: "لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه" أخرجه البخاري (3637) ، ومسلم (2541) ، من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه، ولا يعتقد أهل السنة والجماعة في الصحابة العصمة لا من الكبائر، ولا من الصغائر، فيجوز أن يقعوا في الكبائر وقد أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- في عهده الحد في مرتكبي الزنا والسرقة، وإذا جاز في حقهم ارتكاب الكبيرة فإن أهل السنة والجماعة لا يجزمون أن من ارتكب الكبيرة محرزاً من وقوع العذاب عليه فضلاً عن الخلود في النار، فمرتكب الكبيرة تحت مشيئة الله إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له، وإن عذبه لا يخلد في النار، ولا يسلب عنه مسمى الإيمان، قال تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء: 48] ، وهناك أسباب كثيرة لتكفير السيئات منها الحسنات، وفيها المصائب، ومنها التوبة ومنها دعاء المؤمنين ومنها الشفاعة، وعليه فلا يستطيع أحد أن يجزم لمعين ارتكب كبيرة باستحقاقه العذاب أو النجاة، والله أعلم.(13/428)
قصة الحسن ومعاوية والمغيرة وعمرو -رضي الله عنهم أجمعين-
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 11/7/1424هـ
السؤال
يا شيخنا الفاضل، لقد أثارت الشيعة هذه الرواية، ونحن لا نستطيع أن نرد عليهم، وأتمنى منكم أن تبينوا لنا ما مدى صحة أو ضعف هذه الرواية، وجزاكم الله خيراً.
عن أبي مجلز قال: قال عمرو والمغيرة بن شعبة لمعاوية: إن الحسن بن علي رجل عيي وإن له كلاماً ورأياً وإنا قد علمنا كلامه فيتكلم كلاماً فلا يجد كلاماً. قال: لا تفعلوا. فأبوا عليه فصعد عمرو المنبر فذكر علياً ووقع فيه، ثم صعد المغيرة بن شعبة فحمد الله وأثنى عليه ثم وقع في علي ثم قيل للحسن بن علي: اصعد فقال: لا أصعد ولا أتكلم حتى تعطوني إن قلت حقاً أن تصدقوني وإن قلت باطلاً أن تكذبوني. فأعطوه فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال: أنشدكما بالله يا عمرو ويا مغيرة أتعلمان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: " لعن الله السابق والراكب ". أحدهما فلان؟ قالا: اللهم بلى قال: أنشدك بالله يا معاوية ويا مغيرة أتعلمان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعن عمراً بكل قافية قالها لعنة؟ قالا: اللهم بلى قال: أنشدك بالله يا عمرو ويا معاوية بن أبي سفيان أتعلمان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعن قوم هذا؟ قالا: بلى. قال الحسن: فإني أحمد الله الذي وقعتم فيمن تبرأ من هذا. قال وذكر الحديث.
رواه الطبراني عن شيخه زكريا بن يحيى الساجي قال الذهبي: أحد الأثبات ما علمت فيه جرحاً أصلاً، وقال ابن القطان: مختلف فيه في الحديث وثقه قوم وضعفه آخرون، وبقية رجاله رجال الصحيح.
الجواب
هذا الحديث الذي سألت عنه رواه الطبراني في الكبير (3/71) قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، ثنا محمد بن بشار، ثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي، ثنا عمران بن حدير، أظنه عن أبي مجلز، قال: قال عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة.. فذكر الحديث الذي سألت عنه.
والجواب عن هذا الحديث من أربعة أوجه:
الأول: أن الراوي -وهو عبد الملك بن الصباح- قال في روايته:"وأظنه" فهذا شك منه في اسم الراوي، والشك من أسباب ضعف الخبر عند أهل العلم، إذ يحتمل أن يكون الراوي الذي حدثه هو ذلك الثقة، ويحتمل أن يكون الراوي من الضعفاء.
الثاني: أن عبد الملك بن الصباح -الراوي عن عمران- صدوق، كما قال أبو حاتم، والذهبي في الميزان (2/657) ووثقه غيرهما كما في تهذيب الكمال (18/332) ، ومن كانت هذه حاله فيحتمل أنه لم يضبط حديثه، خاصة وأن في هذا الحديث قرينة على عدم ضبطه، وهو شكه في شيخ شيخه.
الثالث: هذا الحديث فيه إرسال لأن أبا مجلز قال: قال عمرو ... إلخ، وهذه الصيغة عند المحدثين لا تفيد السماع، بل هي تدل على أن الراوي لم يسمع القصة، بل حكاها حكاية، وهذا معنى الإرسال عندهم، أي أنه لم يقل: سمعت، أو حدثنا أو عن بشرط أن يكون غير مشهور بالتدليس حينما يقول: عن.(13/429)
وقد راجعت أحاديث أبي مجلز عن معاوية في الكتب التسعة ومسند الشافعي وأبي عوانة ومصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة ومنتقى ابن الجارود وصحيح ابن خزيمة وابن حبان ومستدرك الحاكم وسنن الدارقطني وغيرها كثير، فلم أجد رواية واحدة تصرِّح بسماعه من معاوية -رضي الله عنه-، ولم أقف له عن معاوية إلا على خمسة أحاديث:
أحدها: حديث "من سره أن يتمثل له الرجال قياماً، فليتبوأ مقعده من النار"أخرجه أحمد (4/100) وغيره، والثاني: عند الطبراني في الكبير (19/352) :"إن تسوية القبور من السنة، وقد رفعت اليهود والنصارى فلا تتشبهوا بهما" والثالث: عند ابن حبان في المجروحين (3/159) ، والرابع: عند ابن عدي في الكامل (2/109) وكلاهما منكر، والخامس: عند ابن أبي عاصم في الزهد موقوفاً عليه (113) ، ولم أقف في جميع هذه الطرق على ما يدل على سماع أبي مجلز من معاوية -رضي الله عنه-، وعليه فلا يحكم لهذا الحديث بالاتصال مع عدم ثبوت دليل واضح على سماعه منه.
الرابع: أنه على فرض صحته فقد ثبت في الصحيحين البخاري (6000) ومسلم (2601) واللفظ لمسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"اللهم إني أتخذ عندك عهداً لن تخلفنيه، فإنما أنا بشر، فأي المؤمنين آذيته، شتمته لعنته، جلدته، فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة".
وفي صحيح مسلم (4/2007) ح (2600) من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلان، فكلماه بشيء لا أدري ما هو! فأغضباه فلعنهما وسبهما فلما خرجا، قلت: يا رسول الله من أصاب من الخبر شيئاً ما أصابه هذان! قال: وما ذاك؟ قالت: قلت لعنتهما وسببتهما، قال:"أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قال:"اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجراً".
وجاء نحوه من حديث جابر وأنس -رضي الله عنهما-.
ولهذا كان من فقه الإمام مسلم -رحمه الله- أنه أورد في صحيحه ح (2604) حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:"كنت ألعب مع الصبيان، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتواريت خلف باب، قال: فجاء فحطأني حطأة، وقال:"اذهب وادع لي معاوية"، قال: فجئت فقلت: هو يأكل، قال: ثم قال لي: اذهب فادع لي معاوية، قال: فجئت، فقلت: هو يأكل، فقال:"لا أشبع الله بطنه" أورد مسلم هذا الحديث بعد حديث عائشة وأبي هريرة -رضي الله عنهما- وغيرهما ليبين أن هذه الدعوة التي لحقت معاوية -رضي الله عنه- صارت بذلك الشرط الذي اشترطه النبي -صلى الله عليه وسلم- منقبة له -رضي الله عنه-، فقد تحولت هذه الدعوة إلى كونها زكاة ورحمة، وقربة يتقرب بها يوم القيامة، ولهذا يعد أهل السنة هذا الحديث وأمثاله في مناقب معاوية -رضي الله عنه-، والله أعلم.(13/430)
قول الصحابي إذا خالف صحابة آخرين
المجيب د. صالح بن عبد العزيز المنصور
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام سابقاً
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 15/8/1423هـ
السؤال
هل مذهب الصحابي الذي خالفه صحابة آخرون جدير بالاتباع أم لا؟
الجواب
الجواب وبالله التوفيق:
إذا قال الصحابي قولاً وخالفه صحابي غيره فإنه يجب على المجتهد أن يسلك مسلك الترجيح بين هذه الأقوال، فيأخذ ما أيده الدليل من كتاب الله أو سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو قياس صحيح أو أثر صحيح، أو نظر صحيح، أو مقصد من مقاصد الشريعة أو غير ذلك من وسائل الترجيح، فإن لم يجد ما يؤيد أحد هذه الأقوال على غيرها قدَّم قول الخلفاء الراشدين الأربعة على قول غيرهم إن اجتمعوا، فإن لم يجتمعوا قدَّم قول أبي بكر وعمر، ثم عمر على قول غيره، ثم من ذكرهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بصفة من صفات المدح في العلم، فإن لم يجد ما يرجح به قول أحدهم على الآخر بوجه من وجوه الترجيح حكى الخلاف في المسألة ولم يجزم بصحة قول أحد منهم.
قال الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله- حينما ذكر أصول مذهب الإمام أحمد، وذلك في كتابه (إعلام الموقعين صـ21/1) :"الأصل الثالث من أصوله: إذا اختلف الصحابة - رضوان الله عليهم - تخيّر من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف فيها ولم يجزم بقولٍ".(13/431)
قلت: وهذا بالنسبة للعلماء المجتهدين، أما بالنسبة للمقلد وعوام الناس فإنه يقلد في ذلك الخلاف العلماء المجتهدين، وأعني بالعلماء المجتهدين: علماء السلف الصالح المتبعين لأدلة الكتاب والسنة وإجماع الأمة والأدلة الشرعية، دون أئمة البدع الذين يُعرضون عن أدلة الشرع ويقدمون القياس والعقل على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعمل الصحابة، بل يقعون في أعراضهم، فمثل هؤلاء الذين يخالفون أدلة الشرع يجب على المسلم أن يحذرهم ولا يثق بأقوالهم، وقد قال السلف الصالح في مثل هؤلاء: إذا رأيتم الرجل صاحب هوى ويسب الصحابة والسلف الصالح فاعلموا أنه صاحب بدعة، ولا شك أن قول الصحابي أو مذهبه أولى من غيره مع عدم الدليل؛ لأن الصحابة -رضوان الله عليهم- أعدل الناس وأبرُّ الناس وأتقاهم، وقد بلغوا الذروة في التقوى، ومن كان كذلك فقد وعده الله العلم، ووعْدُه -تعالى- حق، ومن أصدق من الله قيلاً، يقول الله -عز شأنه-:"واتقوا الله ويعلمكم الله"، ثم إن الصحابة -رضوان الله عليهم- لديهم من الصفات والوسائل ما يجعلهم جديرين بأن يكون قولهم صواباً يجب تقديمه على قول غيرهم لملازمتهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما يجعلهم يعرفون مراده في إشاراته وكلامه ونغمات ونبرات صوته وما يظهر على وجهه من سرور وفرح، أو كراهة وبغض، وحضروا نزول القرآن وعرفوا أسباب نزول الآيات ومناسبات نزولها، ووقتها وما يراد منها، وعرفوا الناسخ والمنسوخ، والمنطوق، والمفهوم، والمطلق والمقيد، والعام والخاص، كيف لا وهم أرباب الفصاحة والبيان، لم تخالطهم عجمة ولم يتأثروا بمجتمعات أخرى غير المجتمع الذي نزل فيهم القرآن، إنك لو أتيت برجل أعجمي وجعلته ملازماً لك يخدمك أو يقوم بعمل لديك لوجدته أعرف الناس بكلامك وإشاراتك، ومرادك من غيره حتى من العرب، فكيف بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟(13/432)
إن الكلام الذي تتكلم به وأنت واحد فيفهم من سمعه منك من المعاني غير ما سمعه شخص آخر ممن نقله عنك، وربما تكلم طفلاً بكلام فيضحك، وربما تكلمه بنفس الكلام مرة أخرى فينفر منك أو يبكي، وذلك لما صاحب الكلام من انفعال وحدّة وغضب، ومثل هذا المعنى الذي يوجد في نبرات الصوت وقسمات الوجه لا يدركها إلا من سمع من المتكلم مباشرة، لذا قلنا إن قول الصحابي الذي سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقدم على قول غيره لهذه الاعتبارات التي ذكرناها وغيرها، فهل يليق بمسلم يؤمن بالله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يقدم قول غيره في شرع الله مع عدم الدليل؟ وإنما يسوغ ترك قول الصحابي إذا كان مخالفاً للدليل، أما إذا لم يكن هناك دليل فلا وألف لا، كيف نترك قول الصحابة وهم الذين عدلهم الله -تعالى- وزكاهم وجعلهم حملةً لرسالة نبيه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بعده إلى من بعدهم؟ فالقدح فيهم قدح في الله -تعالى- وعلمه، ووصف له -سبحانه وتعالى- بالجهل، حيث يختار لصحبة نبيه - عليه الصلاة والسلام - وحمل رسالته أناساً جهالاً، أو خونة كما يقوله بعض الطوائف المبتدعة -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً-، أرأيتم لو أن ملكاً من ملوك الدنيا أراد أن يختار رجلاً لمنصب ولاية ويحمله مسؤولية كبيرة، وأمانة عظيمة وأراد أن يرسل معه أنصاراً وأعواناً وأصحاباً لمساندته فما ظنكم فيمن يختار له من الأنصار والأصحاب؟ أيختار له جهالاً أو خونة أو منافقين؟ كلا، ولئن حصل اختيار غير مناسب في بعضهم فهذا راجع لقصور علم هذا الملك، ولو علم ذلك منه لما اختاره، هذا مثل يقرب لنا اختيار الله للصحابة -رضوان الله عليهم- ولله المثل الأعلى، فاتهام الصحابة أو القدح فيهم قدح في علم الله وذات الله -تعالى الله عمَّا يقول الظالمون علواً كبيراً، وقد أجمع التابعون على اتباع الصحابة فيما ورد عنهم والأخذ بقولهم والفتيا به من غير نكير من أحد منهم وكانوا من أهل الاجتهاد، قال العلائي - في كتابه (الإصابة في أقوال الصحابة صـ67) -:"ومن أمعن النظر في كتب الآثار وجد التابعين لا يختلفون في الرجوع إلى أقوال الصحابة فيما ليس فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع" انتهى كلام العلائي.
وما ذكرته هنا هو مذهب الإمام مالك وأصحابه، وهو قول إسحاق بن راهويه وأبي عبيد وهو منصوص الإمام أحمد بن حنبل في غير موضع عنه، واختيار جمهور أصحابه، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة، صرح به محمد بن الحسن وذُكر عن أبي حنيفة نصاً، وهو مذهب جمهور الحنفية، وهو ما نص عليه الشافعي في القديم، وكذلك الجديد، ذكر ذلك الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله-.
وقد بسطت واستطردت في جواب هذا السؤال لأهميته وشدة الحاجة إلى معرفته؛ لما رأيناه وسمعناه في وسائل الإعلام المرئية والسمعية من قدح في الصحابة - رضوان الله عليهم - وأقوالهم من أصحاب النوايا السيئة، ومن أهل البدع، نسأل الله أن يرد شارد المسلمين ويهدي الضالين إلى الصراط المستقيم، ويجمع كلمة عباده المؤمنين، إنه سميع قريب مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.(13/433)
فهم السلف للنصوص
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 23/12/1424هـ
السؤال
من المؤكد أن فهم السلف أحكم وأعلم من فهم الخلف، ويتبين ذلك في فهم الصحابة للنصوص، كما في حديث عائشة - رضي الله عنها- أنها عندما روت حديث: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" قالت: "يحذر ما صنعوا"، وابن مسعود -رضي الله عنه- عندما روى قصة الحبر الذي سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الله يضع السماوات على إصبع..الخ، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "فضحك النبي تصديقاً لما يقول"، وقد خالف في هذا بعض مخالفي الخلف بتأويل فهم الصحابة -رضي الله عنهم- إلى ما يريدون فهلاّ ذكرتم لنا مشكورين أمثلة يتبين فيها تفسير الصحابة -رضي الله عنهم- لأقوال الرسول وأفعاله وفق هذا المنهج القويم؟
الجواب
أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- هم الذين اختارهم الله لهذه المنزلة، التي لا يلحقهم فيها غيرهم.
فقد تلقوا عن نبيهم -صلى الله عليه وسلم- ما جاء به من الهدى، ودين الحق، وما أنزل الله عليه من الكتاب والحكمة، سمعوا من الرسول -رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقواله وشهدوا منه أفعاله، كانوا حملة هذا الدين لكل من جاء بعدهم، فلا بدّ أن يكون فهمهم لكلام الله وكلام رسوله أصحّ من فهم غيرهم وأقوم وأتم، بما أكرمهم الله به من صحة الإيمان والاستقامة على الدين، وفهم دلالة اللسان العربي، لأن الله أنزل الكتاب بلسان عربي مبين على الرسول الكريم الذي هو أعلم الناس وأفصح الناس وأنصح الناس، وكل فهم يخالف فهمهم فهو مردود، ولا يمتنع أن يفتح الله على من بعدهم ممن يشاء بفهم لكتاب الله، كما قال علي -رضي الله عنه- لما سئل: هل خصكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيء، قال: لا، إلاّ ما في هذه الصحيفة أو فهماً يؤتيه الله عبداًٍ في القرآن، انظر ما رواه مسلم (1978) من حديث أبي الطفيل -رضي الله عنه- ولكن شرط ذلك ألاّ يخالف ما فهمه أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كلام الله وكلام رسوله، ومن المعلوم أن أصحاب كل إمام في شأن من الشؤون لا بد أن يكونوا أعمل بمراده، وأفهم لمدلول كلامه، فالصحابة -رضي الله عنهم- والذين اتبعوهم بإحسان من أئمة الدين من أهل السنة والجماعة هم أعمل بمراد الله ومراد رسوله -صلى الله عليه وسلم- والذين طعنوا في فهم عائشة -رضي الله عنها- أو ابن مسعود -رضي الله عنه- إنما حملهم على ذلك أصولهم الفاسدة، فلما تأصل عندهم الابتداع في الدين من بناء المساجد على القبور، أو نفي صفات الرب -سبحانه وتعالى- مما جاء صريحاً في القرآن وفي سننه -عليه الصلاة والسلام- لما تأصّل هذا الباطل عندهم، لم يجدوا إلاّ أن يدفعوا ما يخالف مذهبهم، إلا بالطعن في فهم الصحابة -رضي الله عنهم-، وطعنهم هذا يضاف إلى ما ابتدعوه، فيزدادون بذلك ضلالاً وجهلاً ولبئس ما نهجوه في ردّ السنن لحماية البدع والمحدثات المضلة وكل بدعة ضلالة.(13/434)
هل أجمع الصحابة على كفر مانعي الزكاة
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 24/2/1424هـ
السؤال
هل هناك إجماع من الصحابة -رضي الله عنهم- في تكفير مانعي الزكاة في وقتهم؟ بحيث إنهم قاتلوهم قتال ردة ولم يفرقوا بينهم؟ وأرجو التنبيه بأن السؤال في الصحابة وعن تكفيرهم لمانعي الزكاة لا عن قتالهم لهم خصوصاً لا من بعدهم، وإذا كان إجماعاً فمن نقله؟ وإذا كان خلافاً فمن خالف من الصحابة؟ وما سبب مناط التكفير؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
بداية أود أن أشكر الأخ الكريم على حرصه على البحث عن كلام أئمة السنة في مثل هذه المسائل الكبار، والسؤال ينبئ عن سائله، ففيه من الدقة ما يدل على خير، أسأل الله لي وله العلم النافع والعمل الصالح، وبعد:
يا محب، فاعلم أن هذه المسألة التي سألت عنها من المسائل الكبار التي اختلف فيها كلام الأئمة، ونصوص المتقدمين في هذه المسألة -مسألة كفر تاركي الزكاة- ليست كثيرة، بخلاف كلام المتأخرين فهو مفصل، وأكثر من وقفت على كلامه عنها -حسب علمي- إمامان:
الأول: الخطابي (ت:388هـ) -رحمه الله-والذي تتابع على نقله جمع من الشراح المتأخرين كالنووي في شرحه على مسلم (1/202) ، وابن حجر في الفتح (12/277) ، وغيرهم.
الثاني: شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، ولكن كلامه متفرق ففي بعضه إشارات إلى أنهم -أعني مانعي الزكاة الذين قاتلهم الصحابة- كفار، وفي مواضع من كلامه ليس كذلك، وسأذكر لك بعض المواضع بعد قليل.
ونظراً لتشعب المسألة وطول تفاريعها، أذكر لك خلاصة ما وقفت عليه في هذا المقام:
(1) يوجد طوائف من الذين قاتلهم الصديق والصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-، لا شك في كفرهم، كبني حنيفة الذين آمنوا بنبوة مسيلمة.
(2) أجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على وجوب قتال مانعي الزكاة بعد الشبهة التي عرضت للفاروق -رضي الله عنه-، ثم أزالها الصديق -رضي الله عنه-.
(3) أن أهل السير والتاريخ اختلفوا في حال مانعي الزكاة، وصفة قتالهم، وبسبب ذلك اختلف أهل العلم، هل وقع إجماع على كفرهم أم لا؟:
فالمشهور عند كثير من أهل العلم أنه لم يقع إجماع على كفرهم، وأنهم غير كفار.
وذهب آخرون إلى أن إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- واقع أيضاً على كفرهم، وأشهر من ينتصر لهذا الرأي: أئمة الدعوة النجدية.
يوجد في كلام أبي عبيد في (الإيمان) كلام في كفرهم على منع الزكاة، ولكنه يحتمل التأويل.
للاستزادة: النبوات لابن تيمية (ص:140) منهاج السنة (7/217) (6/348) (4/494) (8/324-327) مجموع الفتاوى لابن تيمية (28/556-530) الفتاوى الكبرى (4/259) مصباح الظلام للشيخ: عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن (359) [وهنا نقل عن ابن تيمية في هذه المسألة هو أصرح ما نقل عنه في تكفير مانعي الزكاة] الدرر السنية (10/40-104-178-180-311) ، والله أعلم.(13/435)
قصة في الرجم لا تصح عن عثمان
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 15/5/1424هـ
السؤال
ما صحة قصة رجم عثمان بن عفان للمرأة التي ولدت بعد ستة أشهر من زواجها؟ وهي في تفسير ابن كثير والموطأ ومصنف عبد الرزاق، وكم أحب أن تكون ضعيفة، فقد ساءني رجم بريئة هكذا من طرف خليفة راشد، لقد أعياني البحث ولم أستطع أن أحكم بشيء بعد جمع الروايات، فعندي بعض العلم بمصطلح الحديث، لكن ليس بدرجة القدرة على الحكم على الأحاديث، ولكن خيل لي أن هناك اضطراباً وضعفاً في تلك الروايات.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فالقصة التي ذكرها الأخ السائل وفقه الله أن امرأة ولدت بعد نكاحها بستة أشهر فذكر ذلك زوجها لعثمان بن عفان -رضي الله عنه- فأمر بها أن ترجم فراجعه فيها عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- بأن الله تعالى يقول في كتابه:"وحمله وفصاله ثلاثون شهراً" [الأحقاف:15] وقال:"وفصاله في عامين" [لقمان:14] فلا يبقى للحمل سوى ستة أشهر فبعث إليها عمر فردت. القصة بهذا السياق صحيحة الإسناد أخرجها عبد الرزاق في مصنفه (13445) عن معمر عن الزهري عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن ابن عوف قال:"رفعت امرأة لعثمان ... " القصة وهذا إسناد صحيح وأبو عبيد هو سعيد بن عبيد ثقة.
ورويت القصة على أن المراجع لعثمان هو علي كما عند ابن جرير في تفسيره وابن أبي حاتم من طريق يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب حدثني ابن أبي ذئب عن أبي قسيط عن بعجة بن زيد الجهني به وهذا الإسناد ظاهره الصحة، ورجاله كلهم ثقات من رجال التقريب إلا أن بعجة توفي على رأس المئة، ومات عثمان سنة خمس وثلاثين فلا يقرب إدراكه له.
ورويت بمثل هذا مع زيادة أن عثمان أمر بها أن تُرد فوجدها قد رجمت، وهي في الموطأ بلاغ بلا إسناد (1561) وعند البيهقي في السنن الكبرى (15967) ورويت موصولة عند ابن جرير إلا أن في إسنادها محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعنه.
ورويت القصة على أنها وقعت لعمر وراجعه علي كما في سنن البيهقي (15965-15966) وليس فيها حصول الرجم للمرأة إلا أن إسنادها مرسل فهو من طريق أبي حرب ابن أبي الأسود عن عمر وأبو حرب مات سنة 109هـ ولم يدرك عمر -رضي الله عنه-.
كما أن فيها عنعنة قتادة، وأخرجها سعيد بن منصور (2074) من طريق الحسن عن عمر وقاوله علي والحسن لم يدرك عمر وأخرجها عبد الرزاق (13443) من طريق قتادة عن عمر ولم يدركه ومن طريق أبي الأسود (13444) وفي إسنادها عثمان بن مطر الشيباني وهو ضعيف.
ورواها سعيد في سننه (2075) أنها وقعت لعثمان وقاوله ابن عباس فردها عثمان وخلى سبيلها إلا أنها من طريق قائد لابن عباس وهو مجهول، إلا أنه يشهد له إسناد عبد الرزاق الذي صدرنا به الجواب.
وبعد فبيان ما سبق:
(1) فالقصة ثابتة عن عثمان وراجعه ابن عباس فيها فخلى سبيلها.
(2) وأما الرجم فلم يرد بإسناد صحيح.
(3) وقد رويت عن عمر كما روي أن المقاول علي، وكل ذلك بإسناد لا يخلو من مقال.(13/436)
وبعد ذلك فإنه لو ثبت خطأ عثمان -رضي الله عنه- في اجتهاده فلا يضيره ذلك إذا أمر العالم والحاكم بالاجتهاد ورفع عنه إثم الخطأ وجعل له أجر على اجتهاده، ولو لم يحالفه الصواب، وقد حكم داود عليه السلام بما فهمه ابنه سليمان كما قال تعالى:"وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً" [الأنبياء:78-79] ، قال الحسن: لولا هذه الآية لرأيت القضاة قد هلكوا، ولكنه تعالى أثنى على سليمان بصوابه وعذر داود باجتهاده، انتهى.
ولولا مثل هذه الأخبار لما استطاع أحد أن يجتهد في حكم، ولخشي أن يلج النار إذا أخطأ إلا أن في مثل هذه الأخبار عزاء لمن بذل وسعه واستفرغ طاقته في الاجتهاد ثم أخطأ.
أسأل الله تعالى أن يلطف بنا وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.(13/437)
الخوض فيما جرى بين الصحابة
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 19/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم التحدث والكلام في ما وقع بين الصحابة - رضوان الله عليهم - من فتنة تسببت في مقتل عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما -؟
الجواب
لا يجوز الخوض في ذلك لمجرد قضاء الوقت وشغل المجالس به، فإن من منهج أهل السنة والجماعة الإمساك عما شجر بين الصحابة، ولكن إذا دعت الحاجة إلى الكلام في ذلك فيجب أن يبين ما يجب لأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام من الاحترام، ويبين أن ما يروى في التاريخ ليس كله صحيحاً، بل منه ما هو كذب، ومنه ما زيد فيه ونقص وغٌيِّر عن وجهه، وما صح من ذلك فإنه محمول على أنهم فيه مجتهدون إما مصيبون أو مخطئون فهم على كل حال مأجورون على اجتهادهم وعلى الصواب، فمن اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر، كما جاء عن النبي - عليه الصلاة والسلام - في شأن الحكام، كما في صحيح البخاري (7352) ، ومسلم (1716) ، وأما الخوض في ذلك لمجرد التسلي بالحكايات والروايات كما فعل بعض المؤرخين وسردوا كثيراً من هذه الأحداث وسجلوها وروجوها فهذا غلط من المؤرخ ومن سجل له وروج ذلك، فإن كثيراً من الناس إذا سمع هذه الأخبار يتغير شعوره نحو الصحابة - رضي الله عنهم - بسبب جهله، وكذلك أصحاب الأهواء الذين يبغضون الصحابة فإنهم يفرحون بمثل هذا. والله أعلم.(13/438)
هل رجم عثمان من وضعت لستة أشهر
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 17/11/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وجدت في تفسير ابن كثير، والطبري، ومصنف عبد الرزاق، والموطأ قصة رجم عثمان ابن عفان -رضي الله عنه- لامرأة ولدت بعد ستة أشهر من زواجها، فرماها زوجها بالزنى، ثم تبينت براءتها، فما صحة هذه القصة؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فهذه القصة بهذا السياق لم تثبت بطريق صحيح في الكتب المذكورة، ولا في غيرها، وبيان ذلك كالآتي:
(1) ففي تفسير ابن كثير (6/281) ساقها الحافظ من رواية ابن أبي حاتم -بنحو المعنى الذي ذكره السائل- من طريق محمد بن إسحاق بن يسار، وهو مدلس كما في التقريب (صـ546، برقم 5725) ولم يصرح بالتحديث، فيكون السند منقطعاً.
(2) وفي تفسير الطبري (25/102) رواها الإمام الطبري بإسناد ظاهره الصحة، وكذا نقله من طريقه الحافظ ابن كثير من موضع آخر من تفسيره (6/241) إلا أنه لم يرد في هذا الأثر تنفيذ حد الرجم، وهو محل الإشكال لدى السائل -كما يظهر- وعليه فلا يستدل به على هذه القصة المذكورة أعلاه.
(3) وفي مصنف عبد الرزاق (7/349-352 برقم 13443-13449) جاءت الآثار على نحوين:
الأول: أن المرأة قد درئ عنها الحد بفتوى علي -رضي الله عنه- لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كما في المصنف (7/350-352 برقم 13444-134485) وبفتوى ابن عباس -رضي الله عنهما- لعثمان -رضي الله عنه- كما في المصنف (7/351 برقم 13447) وستأتي الإشارة إليهما.
الثاني: إيراد الأثر بدون إثبات إيقاع الحد كما في المصنف (7/349-351-352 برقم 13443-13446-13449) وعليه فتحمل هذه الآثار المجملة على تلك الآثار المبين فيها درء الحد، مع ما في بعض تلك الآثار التي أوردها المصنف عبد الرزاق من ضعف.
(4) وفي الموطأ مع شرح الزرقاني (4/179) رواها الإمام مالك بلاغاً عن عثمان -رضي الله عنه-، وهذه الرواية بلا إسناد، فلا تصح، وفي آخر هذا الأثر المذكور في الموطأ "فبعث عثمان بن عفان في أثرها، فوجدها قد رجمت" وعليه فتكون هذه الزيادة ضعيفة.
وقد روى ابن عبد البر في الاستذكار (24/73-74) هذا الأثر موصولاً، ولكن بدون هذه الزيادة، ثم رواها بإسناد آخر عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال:"رفعت إلى عثمان -رضي الله عنه- امرأة ولدت لستة أشهر، فقال: إنها رُفعت إلي امرأة لا أراها إلا جاءت بشر، ولدت لستة أشهر، فقال له ابن عباس -رضي الله عنهما-: إذا أتمت الرضاع كان الحمل ستة أشهر، قال: وتلا ابن عباس "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً" فإذا أتمت الرضاع كان الحمل ستة أشهر" ثم قال ابن عبد البر:" وهذا الإسناد لا مدفع فيه من رواية أهل المدينة"أ. هـ. وهذا الأثر كما ترى بغير تلك الزيادة.
وبناء على ما تقدم فيكون أصل الرواية صحيحاً من دون الزيادة المذكورة وهي (وقوع الحد على تلك المرأة) ويشهد لهذا سوى ما تقدم ما يلي:
أولاً: أن القصة جاءت بدون إيقاع الحد من طريق آخر صحيح، من رواية ابن وهب، كما قاله الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (3/219) .(13/439)
ثانياً: أنه جاء في أثر ضعيف ما يدل على أن عثمان -رضي الله عنه- درأ عنها الحد، كما في الرواية التي أخرجها عبد الرزاق في مصنفه (7/351 برقم 13447) عن أبي الضحى عن قائد لابن عباس -رضي الله عنهما- قال:"كنت معه فأتي عثمان بامرأة وضعت لستة أشهر، فأمر برجمها فقال له ابن عباس -رضي الله عنهما-: إن خاصمتكم بكتاب الله خصمتكم، قال الله عز وجل:"وحمله وفصاله ثلاثون شهراً" والحمل ستة أشهر، والرضاع سنتان، قال: فدرأ عنها الحد".
قال أبو عمر ابن عبد البر في الاستذكار (24/74) :"يختلف أهل المدينة في رواية هذه القصة: فمنهم من يرويها لعثمان مع علي ... -رضي الله عنهما-
ومنهم من يرويها عن عثمان عن ابن عباس -رضي الله عنهم-.
وأما أهل البصرة فيرونها لعمر بن الخطاب مع علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- ... " ثم روى هذا الأثر في الاستذكار (24/74) وفي آخره:"فخلى عمر سبيلها". وهذه الرواية في مصنف عبد الرزاق (7/350 برقم 13444) .
ثالثاً: أن الصحابة ولا سيما الخلفاء الراشدون قد تواتر في سيرهم ما يدل على تورعهم فيما هو أقل من هذا بكثير، فكيف تظن بهم المسارعة إلى إقامة حد لم تثبت بينته؟ هذا مما لا يمكن، وقد جاءت الآثار بما ينفي هذا الأمر، والله تعالى أعلم.(13/440)
حديث الغدير وخلافة علي رضي الله عنه
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 26/06/1426هـ
السؤال
ما قولكم في من يقول: إن حديث الغدير هو الحديث الذي ولّى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأن الخلافة كان يجب أن تكون له، وليس لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.
الجواب
حديث الغدير ليس فيه نص على الخلافة لعلي -رضي الله عنه- إنما ذكر منقبة من مناقبه، وحقًا من حقوقه، في حين أن النصوص الأخرى نصَّت على خلافة أبي بكر -رضي الله عنه- بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل قوله -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" أخرجه البخاري (5666) ، ومسلم (2387) . وغيره من النصوص.
وكما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم - مناقب علي -رضي الله عنه- فقد ذكر أكثر منها في مناقب أبي بكر، ثم في مناقب عمر ثم عثمان -رضي الله عنهم أجمعين.(13/441)
علماء الصحابة
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 16/7/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي هو أني اختلفت أنا وأخي في من هو الأكثر علماً بأحاديث رسولنا صلى الله عليه وسلم، وعملاً وتمسكاً بسنته عليه الصلاة والسلام، هل هم الخلفاء الراشدون الأربعة - رضي الله عنهم- وخاصة أبو بكر -رضي الله عنه- أو العبادلة وهم معروفون؟ وجزاكم الله خيراً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وأله وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الصحابة رضي الله عنهم هم سادة الأمة علماً وفقهاً وفهماً وفضلاً، قال ابن مسعود-رضي الله عنه-: من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة، وأولئك أصحاب محمد، أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لإقامة دينه وصحبة نبيه فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.
وقال مجاهد: " العلماء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" وقال سعيد عن مجاهد في قوله تعالى: "وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ" [سبأ: 6] ، قال: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
ويأتي في مقدمة الصحابة-رضي الله عنهم- الخلفاء الراشدون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، فلهم مناقب وفضائل وخصائص تميزوا بها ولا يتسع المقام لبسطها.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سنتهم، ففي سنن الترمذي (2600) من حديث الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رجل إن هذه موعظة مُوَدِّع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عَبْدٌ حبشي، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ "، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وخص عليه الصلاة والسلام أبا بكر وعمر رضي الله عنهما بالاقتداء بهما، كما جاء في سنن الترمذي (3595) من حديث حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ " قال الترمذي: هذا حديث حسن.(13/442)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- بعد أن ذكر الحديث السابق -: (ولم يجعل هذا لغيرهما، بل ثبت عنه أنه قال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة فأمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين وهذا يتناول الأئمة الأربعة وخص أبا بكر وعمر-رضي الله عنهما- بالاقتداء بهما، ومرتبة المقتدى به في أفعاله وفيما سنه للمسلمين فوق سنة المتبع فيما سنه فقط) وقال ابن تيمية أيضاً: (أهل العلم متفقون على أن أبا بكر وعمر-رضي الله عنهما- أعلم من سائر الصحابة-رضي الله عنهم- وأعظم طاعة) الفتاوى الكبرى (4/270) ، وإذا كان العبادلة-رضي الله عنهم- أو غيرهم من الصحابة-رضي الله عنهم- نقل عنهم من الحديث ما لم ينقل عن الخلفاء الراشدين فإن ذلك بسبب تأخر وفاتهم، واحتياج الناس إلى ما عندهم في زمانهم، ولا يدل هذا على تقديمهم على الخلفاء الراشدين في الإمامة والعلم. قال ابن تيمية: (الذين تأخرت حياتهم من الصحابة-رضي الله عنهم-، واحتاج الناس إلى علمهم، نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة لم ينقلها الخلفاء الأربعة ولا أكابر الصحابة-رضي الله عنهم-، لأن أولئك كانوا مستغنين عن نقلها؛ لأن الذين عندهم قد علموها كما علموها، ولهذا يروى لابن عمر وابن عباس وعائشة وأنس وجابر وأبي سعيد ونحوهم من الصحابة-رضي الله عنهم- من الحديث ما لا يروى عن غيرهم ممن هو أعلم من هؤلاء كلهم، لكن هؤلاء احتاج الناس إليهم، لكونهم تأخرت وفاتهم وأدركهم من لم يدرك أولئك السابقين، فاحتاجوا أن يسألوهم واحتاج أولئك أن يعلموهم ويحدثوهم) . منهاج السنة (8/57) وذكر ابن تيمية في موضع آخر أن أبا هريرة رضي الله عنه أكثر رواية، وابن عباس-رضي الله عنهما- أكثر فتيا، والخلفاء أعلم منهما، وهذا نص كلامه: (فابن عباس -رضي الله عنهما- كان أكثر فتيا منه - أي علي-رضي الله عنه وأبو هريرة-رضي الله عنه- أكثر رواية منه وعلي-رضي الله عنه- أعلم منهما، كما أن أبا بكر وعمر وعثمان أعلم منهما أيضا، فإن الخلفاء الراشدين-رضي الله عنهم- قاموا من تبليغ العلم العام بما كان الناس أحوج إليه مما بلغه من بلغ بعض العلم الخاص " ينظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (4/ 398 - 412) هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(13/443)
لماذا لا يعد عبد الله بن الزبيرخارجياً وقد خرج على الخليفة في زمنه
المجيب د. عبد العزيز بن عمر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 20/7/1424هـ
السؤال
لماذا لم يعد العلماء المتقدمون عبد الله بن الزبير خارجياً، مع أنه خرج على خليفة المسلمين في وقته، وتسبَّب في نشوب حرب بين المسلمين؟.
الجواب
لم يعد العلماء أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - خارجياً لأنه بويع بالخلافة من أكثر الناس، والذي اعتبر من الخوارج هو عبد الملك بن مروان الذي نازعه الخلافة، لا عبد الله بن الزبير كما قال شيخ الإسلام وغيره، (وأما مروان وابن الزبير فلم يكن لواحد منهما ولاية عامة بل كان زمنه زمن فتنة لم يحصل فيها من عز الإسلام وجهاد أعدائه ... ) (منهاج السنة 8/243) وقال: "ابن الزبير ادعى الخلافة بعد مقتل الحسين - رضي الله عنه - وبايعه أكثر الناس وحاربه يزيد حتى مات وجيشه محاربون له بعد وقعة الحرة، ثم لما تولَّى عبد الملك غلبه على العراق مع الشام ثم بعث إليه الحجاج بن يوسف فحاصره الحصار المعروف حتى قتل ثم صلبه ثم سلمه إلى أمه ... ) (الفتاوى 27/482) ، وقال: (ثم إن ابن الزبير لما جرى بينه وبين يزيد ما جرى من الفتنة واتبعه من اتبعه من أهل مكة والحجاز وغيرهما وكان إظهاره طلب الأمر لنفسه بعد موت يزيد فإنه حينئذ تسمى بأمير المؤمنين، وبايعه عامة أهل الأمصار إلا أهل الشام، ولهذا إنما تعد ولايته من بعد موت يزيد وأما في حياة يزيد فإنه امتنع عن مبايعته أولاً، ثم بذل المبايعة له فلم يرض يزيد إلا بأن يأتيه أسيراً فجرت بينهما فتنة وأرسل إليه يزيد من حاصره بمكة فمات يزيد وهو محصور، فلما مات يزيد بايع ابن الزبير طائفة من أهل الشام والعراق وغيرهم وتولى بعد يزيد ابنه معاوية بن يزيد ولم تطل أيامه، بل أقام أربعين يوماً أو نحوها وكان فيه صلاح وزهد ولم يستخلف أحداً فتأمر بعده مروان بن الحكم على الشام، ولم تطل أيامه ثم تأمر بعده ابنه عبد الملك وسار إلى مصعب بن الزبير نائب أخيه على العراق فقتله حتى ملك العراق، وأرسل الحجاج إلى ابن الزبير فحاصره وقاتله حتى قتل ابن الزبير واستوثق الأمر بعبد الملك ثم لأولاده من بعده ... (منهاج السنة 4/522-523) .(13/444)
مبايعة فاطمة لأبي بكر
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 22/3/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
هل صحيح بأن فاطمة الزهراء رضي الله عنها لم تبايع أبا بكر -رضي الله عنه- وبايعت علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فإذا صحت بيعتها لعلي -رضي الله عنه- فكيف تمت البيعة لرجلين اثنين في وقت واحد؟ ففي هذا معارضة صريحة لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث إنه قال فيما معناه إذا بويع رجلان فاقتلوا أحدهما فمن كان يجب أن يقتل في هذه الحالة؟ والله ما أوردت هذا السؤال لضعف إيمان أوشك في نفسي، ولكن لتطاول وتحدي أحد الرافضة لنا معاشر أهل السنة والجماعة بعد أن قال إن فاطمة الزهراء - رضي الله عنها- لا يمكن أن تموت ميتة جاهلية ولم تبايع. جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
دلت الروايات الصحيحة أن البيعة قد تمت لأبي بكر رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة حيث بايعه الصحابة رضي الله عنهم المجتمعون في السقيفة ثم تمت له البيعة العامة في المسجد، ففي صحيح البخاري ح (7219) من حديث أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الْآخِرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَذَلِكَ الْغَدَ مِنْ يَوْمٍ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَشَهَّدَ وَأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ، قَالَ: كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى يَدْبُرَنَا - يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمْ - فَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ مَاتَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُورًا تَهْتَدُونَ بِهِ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَانِيَ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ أَوْلَى الْمُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ، وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لِأَبِي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ اصْعَدْ الْمِنْبَرَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَبَايَعَهُ النَّاسُ عَامَّةً.
وأما من زعم بأن فاطمة -رضي الله عنها- بايعت علياً فهذا من الكذب والافتراء، ويجاب عنه بما يلي:
1- كيف ينسب إلى فاطمة -رضي الله عنها- هذا الزعم الباطل، فهي أفقه وأعلم من أن تبايع علياً وهي تعلم أن المسلمين أجمعوا على بيعة أبي بكر -رضي الله عنه-، ثم إن البيعة من شأن أهل الحل والعقد، والنساء تبع لهم.(13/445)
2- أن علياً -رضي الله عنه- قد بايع أبا بكر -رضي الله عنه- فكيف يقال بأن فاطمة قد بايعته، فقد دلت الروايات أن علياً قد بايع أبا بكر في أول الأمر، كما دل على هذا حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- وفيه: أن أبا بكر لما قعد على المنبر نظر في وجوه الناس فلم ير علياً، فدعا بعلي بن أبي طالب فجاء، فقال: قلت: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه أردت أن تشق عصا المسلمين؟، قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فبايعه" [سنن البيهقي (8/143) ] ، ثم بايعه بعد وفاة فاطمة تأكيداً للبيعة الأولى وإزالةٍ لما حدث من جفوة بسبب الاختلاف حول الميراث الذي طالبت به فاطمة -رضي الله عنها- أبا بكر رضي الله عنه فذكر لها أبو بكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نورث ما تركنا صدقة "، ففي صحيح البخاري ح (4241) من حديث عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام بِنْتَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-َ أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-قَالَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَالِ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-وَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ وَعَاشَتْ بَعْدَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنْ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الْأَشْهُرَ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ ائْتِنَا وَلَا يَأْتِنَا أَحَدٌ مَعَكَ كَرَاهِيَةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ لَا وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي وَاللَّهِ لآتِيَنَّهُمْ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَقَالَ إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ(13/446)
وَسَلَّم- نَصِيبًا حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ فَلَمْ آلُ فِيهَا عَنْ الْخَيْرِ وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَبِي بَكْرٍ مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنْ الْبَيْعَةِ وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ نَصِيبًا فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا أَصَبْتَ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ الْمَعْرُوفَ.
وما جاء في هذه الرواية من بيعة علي رضي الله عنه لأبي بكر محمولة على تجديد البيعة، قال الحافظ ابن كثير - بعد أن ذكر حديث أبي سعيد المتضمن لبيعة علي لأبي بكر أول الأمر - قال: "وهذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نَضْرَة المنذر بن مالك بن قِطْعةَ، عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري، وفيه فائدة جليلة، وهي مبايعة علي بن أبي طالب أما في أول يوم أو في اليوم الثاني من الوفاة. وهذا حق؛ فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصِّدِّيق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه، وخرج معه إلى ذي القَصَّةِ لما خرج الصديق شاهراً سيفه يريد قتال أهل الرِّدَّةِ، ولكن لما حصل من فاطمة رضي الله عنها عَتْبٌ على الصديق بسبب ما كانت مُتَوَهِّمةً من أنها تستحق ميراث رسول الله ولم تعلم بما أخبرها به الصديق رضي الله عنه أنه قال: " لا نورث ما تركنا فهو صدقة " فحجبها وغيرها من أزواجه وعمه عن الميراث بهذا النص الصريح، فسألته أن ينظر علي زوجها في صدقة الأرض التي بخيبر وفدك فلم يجبها إلى ذلك؛ لأنه رأى أن حقاً عليه أن يقوم في جميع ما كان يتولاه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وهو الصادق البار الراشد التابع للحق رضي الله عنه، فحصل لها - وهي امرأة من البشر ليست بواجبة العصمة - عتب وتَغَضُّبٌ ولم تكلم الصديق حتى ماتت رضي الله عنها، واحتاج علي أن يراعي خاطرها بعض الشيء، فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-رأى علي أن يجدد البيعة مع أبي بكر رضي الله عنه " [البداية والنهاية (8/ 92) ] .
هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(13/447)
هل ترتيب الصحابة في الأفضلية كترتيبهم في الخلافة؟!
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 21/04/1425هـ
السؤال
هل يوجد نص على ترتيب الصحابة -رضي الله عنهم- في الأفضلية على النحو التالي أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين ... مع أننا نجد مثلاً أن بعض المُؤخَّرين سبق إسلامه بعض المُقدَّمين، وأن بعض المؤخرين شهد من المشاهد ما لم يشهده بعض المقدمين، وهكذا، وهل كونهم استخلفوا على هذا الترتيب يجعل أفضليتهم على نفس الترتيب؟ مع أننا نعلم أن الخلافة تجوز وتتحقق بالكفاية ولا تقتضي الأفضلية، وقد أمَّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد -رضي الله عنه-على جيش فيه شيوخ المهاجرين والأنصار، وما حكم من يخالف هذا الترتيب في الأفضلية مع الحب والتوقير والاقتداء بالجميع، كأن يرى مثلاً أن أبا بكر وعلياً بمرتبة واحدة، يليهما عمر ثم عثمان - رضي الله عنهم-، حيث إنه باستعراض أحاديث الفضائل نجد أن كلاً من أبي بكر وعلي - رضي الله عنهما- يكادان يكونان متساويين، وما من حديث في فضل أحدهما إلا ويقابله حديث لا يقل عنه في فضل الآخر (ولا مجال هنا لاستعراض هذه الأحاديث) أتمنى أن أحصل على إجابة مفصّلة تشفي الغليل. وجزاكم الله خيراً ووفقكم لكل خير.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
أقول وبالله التوفيق: لقد استقرّ قول أهل السنة والجماعة في التفضيل بين أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، على أنهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة: فأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي- رضي الله عنهم أجمعين-.
ويدل على هذا المعتقد أمور، منها حديث ابن عمر - رضي الله عنهما-، قال: (كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنُخيَّر أبا بكر، ثم عمر، ثم عثمان - رضي الله عنهم-) أخرجه البخاري (3655-3698) .
وهذا الحديث وإن كان من كلام ابن عمر - رضي الله عنهما-، لكنه في حكم المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه حكاية لما كانوا يقولون في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- دون إنكار من النبي -صلى الله عليه وسلم- عليهم. وقد جاء التصريح بإقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك، وأنه كان يبلغه هذا التفضيل فلا ينكره، كما في السنة لابن أبي عاصم (1227) ، والسنة للخلال (577) .
وكذلك جاء التصريح بإقرار أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم عدد وفير في حياته صلى الله عليه وسلم لذلك، كما في مسند الإمام أحمد (4626) .
وعن محمد بن الحنفية - والحنفية هي أمه-، وهو ابن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه-، قال: "قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر. وخشيت أن يقول عثمان، قلت ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين". أخرجه البخاري (3671) .(13/448)
وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه-: "إنا اجتمعنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم-، فلم نأل عن خيرنا ذي فوق، فبايعنا أمير المؤمنين عثمان". أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة بإسناد صحيح (391-731-759) ، ومعنى "ذي فوق": أي إنه خيرنا سهماً تاماً في الإسلام والسابقة والفضل. (غريب الحديث لأبي عبيد4/82) . وهذا إجماع من الصحابة - رضي الله عنهم- على أن عثمان - رضي الله عنه- أفضل الصحابة بعد عمر - رضي الله عنه-.
وهذه نصوص واضحة الدلالة في ترتيب الفضيلة، وخاصة أن أحدها صادر من رابعهم وهو علي - رضي الله عنه-. وأما التربيع في الفضيلة بعلي - رضي الله عنه-، فيدل عليه أنه رابع الخلفاء الراشدين، وماله من المناقب الكثيرة التي تقطع بعظيم مكانته، مما لم يثبت مثله ولا قريب منه لأحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- سواه، إلا ما كان من أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم-، كما سبق ذكر بعضه.
ولا أظن أننا محتاجون لإيراد فضائل علي - رضي الله عنه-، إذ لا خلاف في تقديمه رضي الله عنه. وإنما خولف أهل السنة في تفضيله رضي الله عنه- على أبي بكر وعمر، أو على عثمان - رضي الله عنهم-. ولذلك إنما نستدل على بيان تقديم أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم- على علي - رضي الله عنه-، وأما أنه تاليهم في الفضيلة، فلا يخالف في ذلك أهل السنة، إنما يخالف فيه الآن النواصب، وهم في غلو البغض لعلي - رضي الله عنه- كغلو المحبة عند الرافضة، كلاهما غلو مبتدع مذموم. والله أعلم، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.(13/449)
هل في القرآن ما يدل على خلافة أبي بكر رضي الله عنه
المجيب د. عثمان بن جمعة عثمان ضميرية
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 29/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل يوجد في القرآن ما يثبت أن أبا بكر - رضي الله- هو الخليفة الأول؟ هل يذكر القرآن الكريم أي شيء عنه؟ .
الجواب
الحمد لله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، وبعد: فقد ذهب بعض علماء أهل السنة إلى أن خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -قد ثبتت بنص صريح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على تعيينه للخلافة، وقال بعضهم إن هناك نصوصًا غير صريحة في ذلك. كما في قوله- صلى الله عليه وسلم - للمرأة التي أمرها أن ترجع إليه في مسألة، فقالت: فإن لم أجدك؟ قال: "إن لم تجديني فأتي أبا بكر - رضي الله عنه-" رواه البخاري (3659) ومسلم (2386) من حديث جبير بن مطعم وفي الصحيحين البخاري (5666) ومسلم (2387) ، أنه قال لعائشة رضي الله عنها: "ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتاباً"، وكذلك أحاديث تقديمه في الصلاة، وقوله عليه السلام: "مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس" رواه البخاري (664) ومسلم (418) من حديث عائشة - رضي الله عنها -، ونحوها من النصوص النبوية. ولم يستدل أحد منهم على ذلك بآية من القرآن الكريم.
وهذه الأحاديث والوقائع ليس فيها نص صحيح صريح، أو غير صريح على خلافته- ولا
على خلافة غيره - وإنما تشير إلى فضيلة أبي بكر ومكانته، ولو كانت تدل على ذلك لما اختلف الصحابة - رضي الله عنهم - بشأن اختيار الخليفة في اجتماع السقيفة بعد وفاة النبي-صلى الله عليه وسلم- ولكنها تدل على صحة خلافته بالاختيار من الصحابة - رضي الله عنهم - لهذه الإشارات إلى تقديمه على غيره، وأنه أول الخلفاء الراشدين المهديين - رضي الله عنهم- لما استجمع من الصفات والمميزات التي تجعل الكل يتجه إليه بالاختيار والتقديم للخلافة، وبذلك كان أول الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- بالتمسك بسنتهم.
وقد ذكر المفسرون أن عدداً من الآيات القرآنية الكريمة أنزلت في مدحه أو تصديقه، أو في أمر من شأنه، كالآية (40) من سورة التوبة , وهي قوله تعالى: "ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا" وأول سورة الليل، وفي سورة الزمر "والذي جاء بالصدق وصدّق به" [الزمر:33] ، وكذلك قوله -تعالى-: "وشاورهم في الأمر" [آل عمران:159] ، وقوله: "ولمن خاف مقام ربه جنتان" [الرحمن:46] ، وغيرها من الآيات الكريمة. قالوا: المقصود بهذه الآيات الكريمة هو أبو بكر رضي الله عنه، وقد نقل ذلك السيوطي - رحمه الله في كتابه (تاريخ الخلفاء) . وذكر أيضا ما قاله العلماء من أن أبا بكر رضي الله عنه هو أول من أسلم إطلاقاً. وهو المشهور المستفيض في كتب السيرة والتاريخ. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، ورضي عن صحابته أجمعين، والحمد لله رب العالمين.(13/450)
زيجات علي والحسن والمغيرة
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 25/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
يقال إن علياً -رضي الله عنه- تزوج من 100 إلى 400 امرأة، والمغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- تزوج 400 امرأة، هل هذا صحيح وكيف يكون مثل هذا الزواج؟ أرجو التوجيه لنكون على علم من ديننا والتفقه فيه، وهل صحيح ما قيل أن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- تزوج من النساء ما بين 200 - 400 امرأة؟ أم أن ذلك يشمل ملك اليمين؟ رضي الله عن سيد شباب أهل الجنة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحسن هو: الحسن بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي، أبو محمد المدني، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته من الدنيا، وأحد سيدي شباب أهل الجنة. ولد في النصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة.
واشتهر بكثرة الزواج، ومعنى هذا أنه يتزوج ويطلق، بحيث إن المرأة لا تبقى معه مدة طويلة، فعن جعفر بن محمد عن أبيه، قال علي: "يا أهل العراق لا تزوجوا الحسن بن علي فإنه رجل مطلاق، فقال رجل من همدان: والله لنزوجنه، فما رضي أمسك وما كره طلق"؛ وعن ابن سيرين قال: "خطب الحسن بن علي إلى منظور بن زبان بن سيار الفزاري ابنته فقال: والله إني لأنكحك، وإني لأعلم أنك غِلْقٌ طِلْقٌ مِلْقٌ غير أنك أكرم العرب بيتاً وأكرمهم نسباً"، والملق: هو الذي ينفق ماله حتى يفتقر، وعن علي بن حسين قال: "كان حسن بن علي مطلاقاً للنساء وكان لا يفارق امرأة إلا وهي تحبه". "وعن عبد الله بن حسن قال: " كان حسن بن علي قل ما تفارقه أربع حرائر، وكان صاحب ضرائر......."، وقد اختلفت الروايات في عدد النساء اللاتي تزوج بهن، قال المدائني: "وكان الحسن أحصن تسعين امرأة "ينظر: تهذيب الكمال (6/ 220- 257) ، وسير أعلام النبلاء (3/245) .
أما المغيرة فهو: المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود أبو محمد الثقفي-رضي الله عنه-، أسلم عام الخندق، وأول مشاهده الحديبية، مات سنة خمسين بالكوفة.
وكان المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- كثير الزواج، نكاحاً للنساء، وكان يقول: صاحب الواحدة إن مرضت مرض معها، وإن حاضت حاض معها، وصاحب المرأتين بين نارين يشتعلان، وكان ينكح أربعاً جميعاً ويطلقهن جميعاً.
وقد اختلفت الروايات في عدد النساء اللاتي تزوج بهن، فحكى المغيرة عن نفسه أنه أحصن ثمانين امرأة، وقال في أخرى: ولقد تزوجت سبعين امرأة أو بضعاً وسبعين امرأة، وعن عبد السلام بن نافع الصائغ قال: أحصن المغيرة بن شعبة ثلاث مائة امرأة في الإسلام. ينظر: تهذيب الكمال (28/369 - 375) ، وسير أعلام النبلاء (3/21) .
وأما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فلا يعرف عنه كثرة الزواج، وقد ذكر له المترجمون أنه تزوج بما يقرب من عشر نسوة ما بين امرأة وملك يمين، فمن أزواجه: فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن ثعلبة، ليلى بنت مسعود بن خالد، أم البنين بنت حزام بن خالد، أسماء بنت عميس الخثعمية، أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، أم سعيد بنت عروة بن مسعود.
ينظر: طبقات ابن سعد (3 / 19 - 22) .
هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(13/451)
محمد بن أبي بكر ومقتل عثمان رضي الله عنهم
المجيب د. سليمان بن حمد العوده
أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 29/07/1425هـ
السؤال
ماذا كان دور محمد بن أبي بكر في مقتل عثمان بن عفان، رضي الله عنهم؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
للإجابة عن هذا السؤال أشير إلى عدة أمور:
(1) كانت ولادة محمد بن أبي بكر في حجة الوداع، كما ثبت في صحيح مسلم (1218) ، وقد نشأ في حجر علي، رضي الله عنه؛ لأنه كان زوج أمه (أسماء بنت عميس) ، رضي الله عنها، وكان علي، رضي الله عنه، يثني عليه ويُفضّله، وكانت له عبادة واجتهاد، ولما بلغ عائشة، رضي الله عنها، قَتْلُهُ حزنت عليه جدًّا، كما ذكر ابن حجر (الإصابة 9/208) .
(2) سئل الحسن البصري، رحمه الله، أكان فيمن قتل عثمان، رضي الله عنه، أحد من المهاجرين والأنصار؟ قال: كانوا أعلاجًا من أهل مصر. (تاريخ خليفة بن خياط ص176) . وقال ابن تيمية- رحمه الله: ولا أحد من السابقين الأولين دخل في قتل عثمان، رضي الله عنه. (منهاج السنة 8/313) . وهذه النصوص وأمثالها تبرئ ساحة الصحابة من دم عثمان، رضي الله عنهم أجمعين.
(3) ذكر الذهبي أن محمد بن أبي بكر سار لحصار عثمان، رضي الله عنه، وفعل أمرًا كبيرًا، فكان أحد من توثب على عثمان حتى قُتل. (سير أعلام النبلاء 3/482) .
(4) وقال ابن عبد البر: وقيل إن محمدًا شارك في دم عثمان، رضي الله عنه، وقد نفى جماعة من أهل العلم والخير أنه شارك في دمه، وأنه لما قال عثمان، رضي الله عنه: (لو رآك أبوك لم يرض هذا المقام منك) . فخرج عنه وتركه، ثم دخل عليه من قتله، كما نقل عن كنانة مولى صفية بنت حيي، رضي الله عنها، وكان ممن شهد يوم الدار- أنه لم ينل محمد بن أبي بكر من دم عثمان، رضي الله عنه، بشيء.. (الاستيعاب بهامش الإصابة 10/21) . والله أعلم.(13/452)
أين دفن الإمام علي -رضي الله عنه-؟!
المجيب د. سليمان بن حمد العوده
أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 12/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أرغب في معرفة مكان وكيفية وفاة الخليفة علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-، والمكان الذي دفن فيه. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف وأين قُتل ودفن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟
كان مقتل الخليفة علي واستشهاده- رضي الله عنه-، على أثر وقعة (النهروان) تلك التي التقى فيها علي - رضي الله عنه- مع (الخوارج) فهزمهم، وقتل عدداً منهم، وكسر شوكتهم، وعلى إثر هذه الوقعة، اجتمع ثلاثة من الخوارج، وتشاوروا واتفقوا على قتل كل من علي ومعاوية وعمرو بن العاص - رضي الله عنهم أجمعين- وتبيتهم في ليلة واحدة، وكان المسؤول عن قتل علي - رضي الله عنه- عبد الرحمن بن ملجم المرادي (أحد الخوارج) ، الذي شحذ سيفه وسمّه، ثم ترصد لعلي - رضي الله عنه- حين خروجه لصلاة (الغداة) في مسجد الكوفة، فلما خرج ضربه بالسيف، فكانت الضربة استشهاداً لعلي -رضي الله عنه-، وذلك في رمضان عام أربعين للهجرة، أما المكان الذي دُفن فيه علي -رضي الله عنه-، فقد اُختلف فيه، ومع أن ابن الجوزي - رحمه الله- ذكر عددًا من الروايات في ذلك، فقد قال: (والله أعلم أي الأقوال أصح) (المنتظم 5/178) ، ومما ينبغي أن يعلم أن طائفة من أهل العلم أنكروا أن يكون المشهد الذي بـ (النجف) مكان قبر علي -رضي الله عنه-، وممن أنكر ذلك شريك النخعي (قاضي الكوفة) والمتوفى في سنة
178هـ، ومحمد بن سليمان الحضرمي، المتوفى سنة 297هـ (الصلابي/ علي بن أبي طالب/ 903) ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما المشهد الذي بالنجف، فأهل المعرفة يتفقون على أنه ليس بقبر علي، بل قيل: إنه قبر المغيرة بن شعبة، وإنما أتُّخذ هذا المشهد في دولة بني بويه (وهم من الرافضة) ، وذلك بعد نحو من ثلاثمائة سنة من موت علي -رضي الله عنه-". [الفتاوى (4/446-502) ] . والله أعلم.(13/453)
تفضيل عثمان على علي -رضي الله عنهما-
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 07/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
شيخنا الفاضل: لماذا نفضل أبا بكر وعمر وعثمان على علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم أجمعين-؟ مع الدليل إن وجد، ولكم جزيل الشكر.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
ذهب جمهور أهل السنة إلى أن ترتيب الخلفاء الراشدين في الفضل كترتيبهم في الخلافة، فأفضل الأمة -بعد نبيها عليه الصلاة والسلام- أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، -رضي الله عنهم أجمعين-، ويدل على ذلك أدلة منها:
1- الآثار الواردة في ذلك، ومنها قول ابن عمر رضي الله عنهما: كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ" أخرجه البخاري (3655) .
وفي رواية للبخاري (3697) : " كنا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان".
وفي رواية عند أبي داود (4628) : " كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيٌّ: أَفْضَلُ أُمَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ".
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (7/ 16) : "وفي الحديث تقديم عثمان بعد أبي بكر وعمر كما هو مشهور عند أهل السنة ".
وأخرج الإمام أحمد (833) عن ابن حبيش عن أبي جحيفة قال: سمعت علياً يقول: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ أبو بكر، ثم قال: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد أبي بكر؟ عمر.
2- إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- على تقديم عثمان في البيعة، قال عبد الرحمن بن عوف لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: " إني قد نظرت في أمر الناس، فلم أرهم يعدلون بعثمان" أخرجه البخاري (7207) .
فهذا يدل على تقديم عثمان -رضي الله عنه-، لأنهم قدموه باختيارهم بعد تشاورهم، وكان علي -رضي الله عنه- من جملة من بايعه، وكان يقيم الحدود بين يديه.
قال الشافعي: " أجمع الصحابة وأتباعهم على أفضلية أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي".
وقال الدارقطني: " من لم يقدم عثمان على علي فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار ". ينظر: فتح المغيث (3/ 126) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي " ينظر: العقيدة الواسطية ص (26) .
وقد ذهب بعض السلف إلى تقديم علي على عثمان، وممن قال به سفيان الثوري، ويقال إنه رجع عنه، وقال به ابن خزيمة وطائفة، وقيل لا يفضل أحدهما على الآخر، قاله الإمام مالك، وتبعه جماعة منهم يحيى القطان وابن حزم. ينظر: فتح الباري (7/ 16) .(13/454)
ومسألة تفضل علي على عثمان مسألة خلافية بين السلف، فلا يضلل من فضل علياً على عثمان، وإن كان خلاف الراجح، قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يذكر معتقد أهل السنة والجماعة: " ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وغيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ويثلثون بعثمان، ويربعون بعلي رضي الله عنهم، كما دلت عليه الآثار، وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي -رضي الله عنهما- بعد اتفاقهم على تقديمهم أبي بكر وعمر أيهما أفضل، فقدم قوم عثمان وسكتوا وربعوا بعلي، وقدم قوم علياً، وقوم توقفوا، لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان، ثم علي، وإن كانت هذه المسألة - مسألة عثمان وعلي - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة، ولكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة؛ وذلك لأنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله ". ينظر العقيدة الواسطية ص (26) .
وقال الإمام الصابوني (ت 449 هـ) في عقيدة السلف وأصحاب الحديث: " ويشهدون ويعتقدون أن أفضل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وأنهم الخلفاء الراشدون الذين ذكر صلى الله عليه وسلم خلافتهم بقوله، فيما رواه سعد بن نبهان عن سفينة: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة " أخرجه أبو داود (4647) ، وابن حبان (6943) ، وبعد انقضاء أيامهم عاد الأمر إلى الملك العضوض على ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويثبت أصحاب الحديث خلافة أبي بكر -رضي الله عنه- بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- باختيار الصحابة واتفاقهم عليه، ثم خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- باستخلاف أبي بكر -رضي الله عنه- إياه، واتفاق الصحابة عليه بعده، ثم خلافة عثمان -رضي الله عنه- بإجماع أهل الشورى، وإجماع الأصحاب كافة ورضاهم به، حتى جعل الأمر إليه، ثم خلافة علي -رضي الله عنه- ببيعة الصحابة إياه ". ينظر: مجموعة الرسائل المنيرية (1/ 128) ، هذا والله أعلم.(13/455)
عدالة أبي بكرة رضي الله عنه
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 25/06/1426هـ
السؤال
السلام عليكم
سمعت أن أبا بكرة -رضي الله عنه- جُلد بسبب رميه شخصاً بالزنى دون إحضار شهود على ادعائه، وذلك في عهد عمر رضي الله عنه.
وقد سمعت أنه بسبب ذلك فإن الحديث الذي رواه في صحيح البخاري، وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" لا يمكن الوثوق به، أو على الأقل جرى نزاع بين الأئمة في صحته.
وقد سمعت أن هذا الحديث احتجّ به في وقت الفتنة بين علي وعائشة، واختلاف الصحابة في الجهة التي يقفون معها، أو الحياد كما فعل أبو موسى الأشعري.
أفتونا مأجورين. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
قصة أبي بكرة الثقفي - رضي الله عنه - المشار إليها في السؤال قصة مشهورة أخرجها البخاري تعليقاً في كتاب الشهادات، باب شهادة القاذف والسارق والزاني [ينظر: البخاري مع الفتح (5/255) ] ، قال البخاري -رحمه الله-: "وَجَلَدَ عُمَرُ أَبَا بَكْرَةَ وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ وَنَافِعًا بِقَذْفِ الْمُغِيرَةِ ثُمَّ اسْتَتَابَهُمْ ... "، ورواها عبد الرزاق في مصنفه (13564، 13565) ، وابن جرير في التفسير (18/76) من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ضرب أبا بكرة وشبل بن معبد ونافع بن الحارث بن كلدة حدهم، وقال لهم: من أكذب نفسه أجزت شهادته فيما استقبل، ومن لم يفعل لم أجز شهادته. فأكذب شبل نفسه ونافع، وأبى أبو بكرة أن يفعل.
وأبو بكرة - رضي الله عنه - اتفق الأئمة على الاحتجاج به، وأخرجوا حديثه في مصنفاتهم وكتبهم، ومنهم البخاري، فقد أخرج له في مواضع من صحيحه، واتفق أئمة الحديث على أن الصحابة كلهم عدول فلا يسأل عن عدالتهم.
ويجاب عن كون أبي بكرة لم يتب من قذف المغيرة بما يأتي:
- أن أبا بكرة كان يعلم صدق نفسه، فلذلك لم يكذب نفسه، وقد ذهب بعض السلف إلى أن إكذاب القاذف نفسه ليس بشرط في قبول توبته، لجواز أن يكون صادقاً في نفس الأمر، قال الإمام مالك: "إذا ازداد خيراً كفاه"، وإلى هذا مال البخاري، قال المهلب: " إكذاب القاذف نفسه ليس شرطاً في قبول توبته، لأن أبا بكرة لم يكذب نفسه، ومع ذلك فقد قبل المسلمون روايته وعملوا بها".
- أن هناك فرقاً بين الشهادة والرواية، فالشهادة يطلب فيها مزيد تثبت مما لا يطلب في الرواية كالعدد والحرية وغير ذلك، وقد أجاب بهذا الإسماعيلي.
وحديث: "لن يفلح قوم ... " أخرجه البخاري (4425) قال: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَال: َ لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَال: َ لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً".
والحديث لا يعرف عن أحد من الأئمة أنه ضعفه، وقد استدل به جمهور العلماء على أن المرأة لا تتولى الإمامة العظمى والقضاء.(13/456)
زيارة مدائن صالح
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 4/12/1423هـ
السؤال
ما حكم زيارة مدائن صالح بالتفصيل، والدليل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري (4419) ومسلم (2980) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما- قال: لما مر النبي - صلى الله عليه وسلم- بالحجر قال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين، ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي" فهذا الحديث فيه دلالة على النهي عن دخول ديار الأمم المعذبة إلا على حال من الخوف والوجل والتفكير المورث رقة القلب والاعتبار بحالهم وما حل بهم لما خالفوا أمر ربهم، قال ابن حجر في الفتح: " وفي الحديث ... الزجر عن السكنى في ديار المعذبين، والإسراع عند المرور بها وقد أشير إلى ذلك في قوله تعالى (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم) [إبراهيم:45] أ. هـ وقد كان الإمام أحمد رحمه الله يكره الصلاة في مواضع الخسف والعذاب.
وعليه فلا يجوز دخول ديار الأمم التي حل بها العذاب بقصد النزهة والسياحة ونحوه لما في ذلك من مخالفة نهي النبي - صلى الله عليه وسلم- كما تقدم، بل ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- النهي حتى عن مجرد الانتفاع بمائها كما جاء في بعض الروايات أن الصحابة - رضوان الله عليهم - أخبروا النبي - صلى الله عليه وسلم- أنهم قد استقوا من مائها وعجنوا منه، فأمرهم أن يهريقوا ذلك الماء، ففي الحديث الذي أخرجه الشيخان البخاري (3378) مسلم (2981) من طريق ابن دينار عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن لا يشربوا من بئرها ولا يستقوا منها فقالوا قد عجنا واستقينا فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين ويهريقوا ذلك الماء) هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(13/457)
حكم منتجات البحر الميت
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 30/3/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
ما حكم بيع منتجات البحر الميت للتجميل؟ علماً أني صاحب صيدلية وعندي كميات هائلة من المستحضرات وسمعت من يقول: إنه لا يجوز استخدامها لخسف قوم لوط فيه وللأحاديث الواردة في ذلك، وإذا كانت لا تجوز فماذا أعمل فيما عندي من تلك المستحضرات؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب
تسمية هذا البحر بالميت ليس لها أصل في الشرع، وتسميته ببحر (لوط) إنما ذكرها أهل التاريخ فقط، ولم أجد أحداً من علماء التفسير أو الحديث والفقه حدد مكان عقوبة قوم لوط بهذا البحر؛ بل ذكر بعضهم أسماء قرى قوم لوط - عليه السلام- بأسمائهم كـ (سدوم) و (دوما) ونحوها، وقوم لوط -عليه السلام- لم يخسف بهم، وإنما ذكر في بعض الآثار أن جبريل -عليه السلام- اقتلع قرى قوم لوط - عليه السلام- بجناحه حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونباح كلابهم فقلبها وأتبعهم الله بحجارة من سجيل منضود، كما قال -تعالى- فيهم:"فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد" [هود: 82-83] وعليه فإن قوم لوط - عليه السلام- لم يخسف بهم، وإنما ذكر الخسف في القرآن في حق (قارون) قال تعالى:"فخسفنا به وبداره الأرض" [القصص: 81] فمنتجات البحر الميت كمنتجات سائر البحار في الجواز والحل، وقد امتن الله بفضله على بني آدم بما يستخرج منها، قال تعالى:"وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها" [النحل: 14] ، وهذا الامتنان دليل صريح على الحل والإباحة، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.(13/458)
زوال إسرائيل عام 2022 م
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 8/8/1423هـ
السؤال
ألف أحد الأشخاص كتابا بعنوان (زوال إسرائيل عام 2022 حقيقة أم تنبؤات) استناداً إلى:
1. حسابات رقمية لبعض سور القرآن الكريم، وكذا بعض آياته، وكذلك بعض الكلمات والأحرف فيه من عدد آيات وأرقام كلمات وأحرف، وتكرار الكلمات وما شابه ذلك.
2. بعض الأحاديث الشريفة المتعلقة بآخر الزمان.
3. ما ذكر بشأن نهاية الزمان في الإنجيل والتوراة.
4. بعض القصص والأساطير اليهودية.
5. صاحب الكتاب لديه مركز يدعى مركز نون للدراسات القرآنية ww.noon.com لديهم إصدارات أخرى جميعها تبنى على العدد الرقمي في القرآن. السؤال: حول مشروعية هذا النوع من التفسير للقرآن الكريم؟ وما الفائدة المرجوة من مثل هذه التفاسير؟ في حال كونها أمراً مباحا.. وحكم الإسلام في استخدام آيات القرآن وكلماته للوصول لغيبيات معينة؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أخي الكريم: من المعلوم: أن من أظهر الوسائل المتبعة في ترويج الأفكار في هذا الزمن العجيب الإثارة وتتبع غرائب الأمور، ولهذا تجد كثيراً من مروجي الأفكار يأتون بأعاجيب وأكاذيب، وقد تمزج بشيء من الحق تلبيساً على المتلقي، وتعظم خطورة الأمر عندما تكون هذه الأغاليط مادة لتفسير القرآن الكريم، ولا شك أن هذا النوع من التفسير المستند على حسابات رقمية لبعض سور القرآن الكريم وآياته وكلماته وحروفه نوع من الرجم بالغيب لا يتفق مع ما ذكره العلماء المحققون من الشروط والآداب المتعلقة بتفسير القرآن الكريم، والأمور الغيبية لا سبيل إلى معرفتها بمثل هذه التنبؤات والأساليب المتكلفة، نسأل الله الهدى والتوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(13/459)
عوامل سقوط الخلافة
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 6/3/1423
السؤال
نرجو تسليط الضوء على العوامل التي ساعدت على هدم دولة الخلافة الإسلامية، وكذلك الظروف والأجواء التي من خلالها يمكن لهذه الدولة أن تعود إلى واقع الحياة؛ لما لها من أهمية قصوى في حياة أي مسلم.
الجواب
هناك عدة عوامل داخلية وخارجية أدت إلى سقوط الدولة العثمانية بعد أن بسطت نفوذها على مساحة كبيرة جداً من المعمورة، ومن أهم هذه العوامل:
1-أن الدولة العثمانية منذ نشأتها كانت دولة عسكرية أولاً، ذات عاطفة إسلامية ثانياً ولم تكن دولة عقدية بالمعنى الصحيح فلم تؤسس في بداية أمرها على أساس متين من العقيدة الصحيحة الصافية، كما لم يكن لهم جهود في نشر العقيدة الصحيحة بل على العكس من ذلك، فقد تبنت ما كان سائداً من خرافات صوفية، وتقديس للقبور وبناء عليها، وتبنت الطرق الصوفية التي كانت منتشرة في تلك الفترة، ولعل السبب في ذلك هو قلة العلم الشرعي والاهتمام به.
كذلك لم تهتم بالدعوة إلى الله -تعالى- وتعليم الناس أمور دينهم في البلاد التي خضعت لحكمهم من البلاد الأوروبية وغيرها، وما وصل إلى تلك البلاد من تعاليم للإسلام فإنما هو بسبب الاحتكاك والاختلاط وبسبب الجهود الفردية لبعض الدعاة.
2-تدخل الأجانب من اليهود والنصارى ومنحهم الامتيازات الأجنبية التي فاقت ما كان ممنوحاً لأبناء البلد من المسلمين وقد استغلها الأعداء استغلالاً حتى استولوا على الصحافة، وعلى التجارة واقتصاد البلاد، وعلى التعليم، وغيرها من المؤسسات الحيوية، وأخضعوا كل ذلك لتحقيق أهدافهم البعيدة للإطاحة بهذه الدولة ومحاربة دينها الإسلامي.
وكان السلاطين في غفلة من هذا كله، بل سلموهم زمام رسم الخطط وتنفيذها، وقلدوهم أعلى المناصب التنفيذية الحساسة، وقد نشأت في هذه الفترة كثير من التنظيمات السرية التي كانت تنخر في الجسد الهش على حين غفلة من أهله.
3-إغفال العثمانيين الأخذ بأسباب المدنية المعاصرة من علوم تطبيقية واكتشافات عصرية، إضافة إلى اتساع رقعة البلاد، بحيث صعب على الولاة ضبط أطرافها.
4-نشاط الصليبية الأوروبية التي ما فتئت تحرض على البلاد وتخطط للإطاحة بها، وقد استغلت التسامح المفرط من قبل الدولة العثمانية ومنح الامتيازات الأجنبية التي ذكرناها آنفاً، فكانت الصليبية الأوروبية تحارب هذه الدولة من الداخل ومن الخارج.
5-قيام الدولة الصفوية -الرافضية الاثني عشرية- على يد إسماعيل الصفوي سنة (905هـ،1500م) ، فقد فتحت جبهات خطيرة جداً على أمن الدولة وعاقتها عن كثير من الفتوحات باتجاه أوروبا خاصة.
6-إضافة إلى الترف الذي عاشه السلاطين وبطانتهم وكثرة زواجهم من الأجنبيات من يهود وغيرهم، وتسليم القيادات إلى غير الأكفاء، وانشغالهم بملذاتهم ولهوهم عن كيد الأعداء الذي يحاك لهم وهم لا يشعرون.(13/460)
ولن يعود لهذه الأمة عزها ورفعتها إلا أن تعود إلى دين ربها وتستمسك بالكتاب والسنة علماً وعملاً، تربية وسلوكاً، عقيدة وشريعة، وتربية الأمة على ذلك ونزع فتيل الخلاف الحزبي والعنصري بينهم والاتحاد على كلمة التوحيد، والحذر من الأعداء من يهود، ونصارى، وعلمانيين، وروافض، أو غيرهم، وعملائهم في الداخل والخارج والحذر من الفرق وانتشارها بين المسلمين والاعتماد على أمناء الأمة، وبذل قصارى الوسع في إعداد العدة، واتخاذ عناصر القوة العقدية والمادية في كافة المجالات، وإقامة علم الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا، إذا حققت الأمة ذلك أتاها لا محالة موعود الله -تبارك وتعالى- الذي لا يخلف، قال الله -تعالى-: "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً" [النور:55] .
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.(13/461)
هل هذه أماكن عذاب؟
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 28/5/1424هـ
السؤال
أنا شاب أقطن أمام المكان الذي وقعت به مصيبة الجزائر العام الماضي، وهي ذلك الطوفان الذي ابتلانا به الله -عز وجل- وأودى بحياة الكثير نسأل الله أن يرحمهم، حيث مررت يوماً بذلك المكان أنا وأحد الإخوة، وطلب مني أن أسرع عملاً بحادثة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم مر على ديار ثمود وأمر الصحابة بالإسراع خشية أن يصيبهم ما أصابهم، فهل ما فعله كان موافقاً لذلك؟ مع أن الذين توفوا صلينا عليهم، ولا أحد يشك في إسلامهم.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
ما فعلتما من الإسراع في المكان الذي غرق فيه إخوانكم المسلمون الذين تشهدون لهم بالإيمان، وصليتم عليهم ودفنتموهم في مقابر المسلمين ليس صحيحاً؛ لأنه ليس من مواضع عذاب الكافرين، والإسراع في مواضع هلاك الكافرين مستحب، وبعض العلماء يقول: لا حرج ألا يسرع من مر بوادي محسر، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.(13/462)
الثعبان شعاراً للصيدليات
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 2/5/1424هـ
السؤال
سمعنا أن شعار الثعبان الموجود على الصيدليات هو إله الشفاء عند الإغريق، فأرجو توضيح الأمر، وبيان الجواب بالمراجع الموثقة، والله يحفظكم.
الجواب
الحمد لله، نعم إن الشعار الذي يوضع على معظم الصيدليات والمراكز الطبية في العالم هو رمز لإله الطب عند الإغريق، وهو المعروف عندهم باسم (اسكليبيوس) ، وهو ينحدر من عائلة تعاطت الطب في زمنهم، وجده على ما قالوا هو الإله (أبولو) ، وهو أيضاً من آلهة الطب، وزوجته أو ابنته على الخلاف بين مؤرخيهم هي إلهة الصحة واسمها (هيجيا) .
ومما ذكروه عنه أن شيرون علمت اسكليبيوس أسرار الطب بالأعشاب، وتعاطي هذه المهنة حتى تفوق فيها، ولكنه خالف تعليمات من علموه فحاول إحياء الموتى ببعض الأعشاب، وذكروا أنه وفق في ذلك، وهذا ما يفسر تجني بعض الغربيين ممن قالوا بأن عيسى -عليه السلام- أخذ علم إحياء الموتى من كتب الإغريق وأنه وفق للنبتة التي ضل عنها كثير من الناس وأن ذلك ليس معجزة من الله.
ويرمزون لهذا الإله بصورة رجل يحمل بيمينه عصا يلتف حولها ثعبان، والرجل هو (اسكليبيوس) ، والعصا شعار المسافر الذي لا يقر له قرار، والثعبان دليل المعرفة، فهو الذي عرف اسكليبيوس بنبتة الحياة، ولهم في ذلك قصة، وهي أن اسكليبيوس هذا كان مسافراً، وفي أحد الأيام برز له ثعبان وهو في الفلاة، فمد عصاه إلى الثعبان ولما التف حولها رفعه إلى أعلى وضربه على الأرض، فمات الثعبان، وبينما هو ينظر إليه إذ خرج ثعبان آخر يحمل في فيه نبتة حتى وضعها في فم الثعبان الميت، وما هي إلا لحظات حتى عادت الحياة إلى الثعبان الأول، فعلم اسكليبيوس بسر هذه النبتة وأصبح يستخدمها في إحياء الموتى.
والملاحظ أن معظم الصيدليات لا تضع صورة اسكليبيوس وإنما صورة العصا والثعبان، وأحياناً الثعبان يلتف حول كأس، وإن كان ذلك موجوداً في بعض البلدان الغربية، وللكأس أيضاً قصة عندهم، وأحيل السائل إذا أراد الاستزادة حول الموضوع بالرجوع إلى الموسوعات العالمية العربية وغيرها في المصطلحات التالية:
(اسكليبيوس) للباحث في الموسوعات العربية مثل الموسوعة العربية العالمية، الموسوعة الميسرة:
(asclepius) للباحث في الموسوعات الإنجليزية.
(Esculape) للباحث في الموسوعات الفرنسية.
(Asklepios) أو (Asclepios) للباحث في الموسوعات الإيطالية والإسبانية.
يمكن البحث في الشبكة العالمية لمن لا يتيسر له الرجوع للموسوعات بالكلمات السابقة.
والأولى بالمسلمين أن يتركوا هذا الشعار ويتجنبوه، وإن كان أكثرهم لا يعرف مدلوله، ويستبدلوه بشعار آخر كما فعلوا في المنظمات الإغاثية، إذ استبدلوا شعار الصليب بالهلال، وهذا أمر ميسور والحمد لله، خاصة وأن المسلمين لهم قدم السبق في علم الصيدلة وهذا ما يقر به الغربيون أنفسهم.(13/463)
الحكمة من خلق الخنزير
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 9/5/1424هـ
السؤال
لقد سمعت قصة عن خلق الخنزير، وشرحتها لمن حولي هنا كثيراً كدلالة على حكمة تحريم أكل لحمه، ولكني الآن نسيت ممن سمعتها، وأخاف من المسئولية أمام الله إذا كانت القصة خاطئة، وهي في سفينة سيدنا نوح - عليه السلام - حينما خاف من الأمراض بسبب وجود الحيوانات، وإخراجهم والسفينة مغلقة، فدعا الله تعالى فاستجاب الله له، وخلق الخنزير أي أن مهمته وطعامه الرئيس هي القمامة، فهل هذا صحيح؟
الجواب
الجواب عن سؤالك - يا أختي السائلة - له جانبان:
الجانب الأول: وهو الذي يتعلق بصحة القصة، فيقال:
هذه القصة التي ذكرتيها أشار إليها الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله - في تفسيره لسورة هود عند الآيتين (38-39) ، ولكن هذه القصة لا تثبت، ولا تصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل هي - والله أعلم - مما تناقله الناس عن بني إسرائيل، وفي سياق القصة من النكارة والغرابة ما يجزم الناظر معها أنها باطلة.
الجانب الثاني: وهو الذي يتعلق ببيان الحكمة من الأحكام الشرعية، فيقال:
لا يختلف العلماء أن جميع ما أمر الله تعالى به من أحكام، وجميع ما نهى الله عنه لابد فيه من الحكمة، ولكن هذه الحكمة قد ينص عليها الشرع ويذكرها، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في الصحيحين البخاري (162) ، ومسلم (278) : "إذا استيقظ أحدكم من النوم فلا يغمس يده في الإناء، فإنه لا يدري أين باتت يده" فهنا نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على العلة.
وهناك أحكام قد لا يعرف الحكمة منها أحد من البشر، مثل الحكمة من كون صلاة الفجر ركعتين، والظهر والعصر والعشاء أربع، والمغرب ثلاث، ولعل السبب في خفاء ذلك على الناس حتى يستسلم الناس لأمر ربهم، ويظهر تحقيق العبودية عندهم، فإن العبد - ولله المثل الأعلى - لا يسأل سيده لماذا أمره بكذا أو نهاه عن كذا، وهكذا فإن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
إذا تبين هذا - أختي السائلة - فعليك إذا أردت أن تبيني حكمة من الحكم لأمر من الأوامر أو نهي من النواهي، فاسألي أهل الذكر، فإن لم تجدي شيئاً فقولي للناس إنه لا يلزم أن نعرف حكمة أي أمر شرعي، لكن يكفي أن نعلم أن هذا أمر الله أو أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - حتى نعمل به، ونقول كما قال الرسول والمؤمنون الأولون: "سمعنا وأطعنا" [البقرة:285ٍ] .
وفيما يخص الخنزير، وسبب تحريمه، فلا حاجة لذكر مثل تلك القصة الباطلة، بل يكفي أن تذكري - مع الدليل الشرعي - ما أثبته الطب الحديث من خبث لحمه، ولما يسببه من المضار الصحية والنفسية، وقد كتب في هذا الموضوع كتابات وبحوث كثيرة، يمكنك مطالعتها عبر الكتب أو الإنترنت، وفقك الله للخير، وجعلك مباركة أينما كنت.(13/464)
خروج السلفيين على الدولة
المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 08/10/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
بخصوص قيام الوهابيين على الخلافة، وقد احتجوا في خروجهم بأقوال عدد من المشايخ في الجزيرة بأن علينا أن نطيع أولي الأمر منا، فلماذا قام السلفيون على الدولة مع أن ذلك مخالف لمبادئ السلفية؟ وإذا لم يكن ذلك غير مشروع، فهل من الخطأ الخروج على الأنظمة الفاسدة؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- يقرر وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله تعالى، كما أن نجدًا لم تكن تحت سيطرة الخلافة العثمانية، وبعض أئمة الدعوة كانوا يرون كفر العساكر التركية، كما هو واضح في رسائل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، والشيخ حمد بن عتيق ونحوهما، وكان هذا التكفير منطلقًا من أصول شرعية وقواعد سنية، فإن كان ثمة إشكال في تحقيق المناط وتنزيل هذا الحكم على أولئك الأشخاص أو تلك الدول والأنظمة الفاسدة إذ بلغ بها الفساد، إلى حد الخروج عن الملة والتلبس بالكفر البواح الذي لا شبهة فيه، فيجوز الخروج عليها إذا كان أهل الإسلام لديهم قدرة على ذلك. والله أعلم.(13/465)
هل كان المنافقون معروفين بأسمائهم في العهد النبوي؟!
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 27/09/1426هـ
السؤال
لماذا لا يذكر علماء السيرة عدداً -ولو تقديريًّا- للمنافقين الذين كانوا في المدينة أيام الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكيف كان تأثيرهم بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلا يعقل أن يختفوا فجأة بعد وفاته؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقبل أن أجيب عن سبب عدم اهتمام علماء السير والمحدثين -رحمهم الله- بالتتبع الدقيق لأسماء المنافقين، وعدهم -ولو تقديريًّا-؛ فيجب أن يعلم أن الحديث هنا عن المنافقين نفاقاً اعتقاديًّا، أي: النفاق المخرج من الملة، كمن يقع في قلوبهم بغض للدين، أو بعض شعائره، أو بغض للنبي -صلى الله عليه وسلم- أو تولي الكفار، وغير ذلك من صور النفاق الاعتقادي -نعوذ بالله من النفاق كله-.
إذا علم هذا، فإن العلماء لم يهتموا بذلك لأسباب، من أهمها ما يلي:
أولاً: أن أسماء بعض المنافقين كانت تخفى على النبي -صلى الله عليه وسلم- فضلاً عمن دونه كحذيفة -رضي الله عنه- صاحب السر -فكيف ببقية الصحابة -رضي الله عنهم-
وقد أثبت القرآن هذا، فقال تعالى: "وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ". [التوبة:101] .
ولكن ليعلم أن خفاء أسمائهم لا يعني خفاء علاماتهم، وصفاتهم، بل هم معروفون للصحابة، فضلاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إما بأعيانهم، وإلا فبعلاماتهم.
قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: "ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول" [محمد: 30] . يقول عز وجل: ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم فعرفتهم عياناً، ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين، ستراً منه على خلقه، وحملاً للأمور على ظاهر السلامة، وردًّا للسرائر إلى عالمها، "ولتعرفنهم في لحن القول"، أي: فيما يبدو من كلامهم، الدال على مقاصدهم، يفهم المتكلم من أي الحزبين هو، بمعاني كلامه، وفحواه وهو المراد من لحن القول".
وقال في تفسير قوله تعالى: "لا تعلمهم نحن نعلمهم": لا ينافي قوله تعالى: "ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول"؛ لأن هذا من باب التوسم فيهم بصفاتٍ يُعْرفون بها، لا أنه يعرف جميع من عنده من أهل النفاق والريب على التعيين، وقد كان يعلم أن في بعض من يخالطه من أهل المدينة نفاقاً، وإن كان يراه صباحاً ومساءً".
وقال العلامة السعدي في تفسير هذه الآية: " (لا تعلمهم) بأعيانهم فتعاقبهم، أو تعاملهم بمقتضى نفاقهم، لما لله في ذلك من الحكمة الباهرة".(13/466)
وقد وقع في السيرة ما يوضح ذلك عمليًّا، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "المنهاج" (8/429) : "ولهذا لما جاءه المخلفون عام تبوك، فجعلوا يحلفون، ويعتذرون، كان يقبل علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله، لا يصدق أحداً منهم، فلما جاء كعب، وأخبره بحقيقة أمره، قال:"أما هذا فقد صدق" أو قال: "صدقكم".
ثم إن الصحابة -رضي الله عنهم- وإن لم يعلموا بعض المنافقين بأعيانهم، إلا أنهم كانوا يعرفونهم بصفاتهم، وهذا متيقن.
وفي السنة أمثلة كثيرة تدل على علم الصحابة بصفاتهم، وعلاماتهم، أكتفي منها بثلاثة أمثلة:
(1) قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -وهو يتحدث عن صلاة الجماعة- كما في صحيح مسلم (654) : (ولقد رأيتنا، وما يتخلف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق) .
(2) قول كعب بن مالك رضي الله عنه -وهو يحكي قصة تخلفه عن غزوة تبوك-: (فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء) . صحيح البخاري (4418) ، وصحيح مسلم (2769) .
(3) ما رواه البخاري في صحيحه (4668) ، ومسلم في صحيحه (1018) عن أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- قال: أمرنا بالصدقة، قال: كنا نُحامل، قال: فتصدق أبو عقيل بنصف صاع، قال: وجاء إنسان بشيء أكثر منه، فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رياء ... الحديث.
والشاهد منه قوله: فقال المنافقون، فإنه ظاهر في معرفة الصحابة لهؤلاء المنافقين بصفاتهم، ومواقفهم، ولحن قولهم.
ثانياً -من أسباب عدم تتبع أسمائهم-:
أن خطورتهم الكبرى على الدعوة الإسلامية كانت تتمثل في العهد النبوي -إبان حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، أكثر من غيرها، ولما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- ذهب بعض الخطورة، وإلا فإنهم -كما قال الله عنهم-: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) [المنافقون:4] .
وليس كما قال السائل: اختفوا فجأة! بل هم موجودون، ولكنهم قلة، وذليلة -أيضاً-.
ثالثاً -من أسباب عدم تتبع أسمائهم-:
أن أعدادهم بدأت بالتناقص في أواخر العهد النبوي، فضلاً عن عهد الخلفاء الراشدين ـ رضوان الله عليهم ـ ولذلك أسباب أهمها -في نظري- أمران:
الأمر الأول: موت كبارهم، ورؤسائهم كابن أُبيّ وأضرابه.
الأمر الثاني: فضحهم بالآيات التي كشفت دسائسهم، وبينت خباياهم.
قال الله تعالى: "يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ". [التوبة:64] .
قال ابن عباس رضي الله عنهما -كما في الصحيحين-: "التوبة هي الفاضحة، ما زالت تنزل (ومنهم، ومنهم) ، حتى ظنوا أنها لن تبقي أحداً منهم إلا ذكر فيها".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "المنهاج" (8/474) : "وينبغي أن يعرف أن المنافقين كانوا قليلين بالنسبة إلى المؤمنين، وأكثرهم انكشف حاله لما نزل فيهم القرآن، وغير ذلك".(13/467)
ومما يدل على قلتهم في أواخر العهد النبوي، بل وفي أواخر عهد الخلفاء الثلاثة -أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- ما رواه البخاري في صحيحه (4658) في كتاب التفسير، باب: فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم، من طريق زيد بن وهب، قال: كنا عند حذيفة -رضي الله عنه-، فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية -أي التي بوب عليها البخاري- إلا ثلاثة، ولا من المنافقين إلا أربعة، فقال أعرابي: إنكم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- تخبروننا، فلا ندري، فما بال هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا، ويسرقون أعلاقنا؟ قال: أولئك الفساق، أجل لم يبق منهم إلا أربعة، أحدهم شيخ كبير، لو شرب الماء البارد لما وجد برده.
وحذيفة -رضي الله عنه توفي- بعد عثمان -رضي الله عنه- بأربعين ليلة، كما يقول الذهبي في "السير" (2/364) .
رابعاً: أن تعيينهم يعني الحكم على أعيانهم بالكفر الأكبر، وهذا فيه خطورة كبيرة؛ للأدلة الكثيرة في التحذير من تكفير المسلم بغير برهان ظاهر، وتأكدٍ من انتفاء الموانع التي توجب الحكم عليه بالكفر.
والحذر يكون أكثر خصوصاً في باب النفاق -الذي يخفى أمره على أكثر الناس- من جهة أن المنافقين معدودون في جملة المسلمين، وتجرى عليهم أحكام الإسلام في الظاهر، كما هو هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.
خامساً: أن لهؤلاء العلماء -رحمهم الله- أسوة وقدوة في المنهج الإلهي الذي سلك سبيل التحذير منهم بأوصافهم، وعلاماتهم، لا بأسمائهم.
وإذا كان الله تعالى -وهو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء-لم يعينهم بأسمائهم، فكيف يطالب المخلوق -ولله المثل الأعلى- الذي يقصر علمه، وفهمه، وتتنازعه أنواع من الضعف البشري بحصرهم، وذكر أسمائهم؟
وهذا من تمام حكمة الله، إذ لو عينوا لظن غيرهم أنهم ليسوا كذلك، بل بقي الأمر مربوطاً بصفات، وعلامات حتى يحذرها المؤمن، ويخافها، والله تعالى أعلم وأحكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.(13/468)
الدولة العثمانية ومجازر الأرمن
المجيب د. عبد الله السيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 27/11/1424هـ
السؤال
ما هي صحة المجازر التي قامت بها الدولة العثمانية في حق الإرمن أو الإرمنيين؟ وهل الذي قام بتلك المجازر هو السلطان عبد الحميد أم أتاتورك؟
الجواب
لقد بولغ في حجم المجازر التي ارتكبت في أواخر الدولة العثمانية (مطلع القرن العشرين الميلادي) ضد الإرمن في الوقت الذي تجاهلت فيه هذه المصادر ما ارتكبه الإرمن أنفسهم ضد الدولة العثمانية، وذلك بالتعاون مع روسيا وبتحريض من الإنكليز وبصفة خاصة من مبشريهم وقناصلهم في شرق الأناضول، كما أن تلك المجازر لم تكن مخططة من مركز الدولة، فكثيراً ما ارتكبت مثل هذه المجازر من قبل القادة العسكريين في تلك المناطق التي ينتشر فيها الإرمن دون توجيه من السلطة، أما الفترة التي تتحدث عن تلك المجازر فقد تمت خلال الحرب العالمية الأولى على يد جماعة الاتحاد والرقي التي سبق وأن أطاحت بالسلطان عبد الحميد، والله الموفق.(13/469)
اقتناء التحف والآثار
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 28/1/1424هـ
السؤال
ما حكم الشرع في اقتناء تحفة أثرية متمثلة في خنجر بقيمة 15000بحجة قيمته التاريخية؟ وما ضوابط الاهتمام بعلم الآثار.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد فاقتناء التحف الأثرية لا مانع منه ولو كانت ثمينة غالية القيمة، لأن الله تعالى أمر عباده بالنظر في حال من سبقنا من أمم غابرة ماضية، قال تعالى:"فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيد أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ" [الحج:45-46] ، أي فينظروا ما حل بالأمة السابقة المكذبة من النكال، ولما جاء عن التابعين من احتفاظهم بآثار بعض الصحابة، لكن ذلك مشروط بما يلي:
(1) ألا يعتقد فيها معنى شرعياً كالتبرك بها، أو تقديسها، ولما طلب بعض الصحابة من النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يجعل لهم شجرة يتبركون بها قال: "قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنوا إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة" الترمذي (2180) بسند صحيح.
(2) ألا يورث اقتناؤها والعناية بها معنى محذوراً من عصبية لفئة معينة أو حمية لدعوى جاهلية.
(3) ألا تشتمل في نفسها على محذور كأن تكون على شكل تصوير لحيوان مثلاً لما روي مسلم (969) ، عن علي مرفوعاً "لا تدع صورة إلا طمستها".
(4) ألا تكون شعاراً للكفر أو للكفار، فإن من تشبه بقوم فهو منهم، وهذه الضوابط واردة على الاهتمام بعلم الآثار، إضافة إلى التزام الهدي النبوي في خاصة بعض الأمور نحو ما ورد من عدم الشرب من آبار ثمود سوى بئر الناقة، وعدم دخول ديار الظالمين إلا باكين والله الموفق.(13/470)
متى أُذِنَ بالقتال
المجيب د. أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 4/11/1424هـ
السؤال
متى أبيح القتال في الإسلام؟ وشكراً.
الجواب
من المتفق عليه بين أهل العلم أن القتال كان ممنوعاً قبل الهجرة، وأن حياة المسلمين في مكة كانت حياةَ تأسيسٍ للعقيدةِ وتوجيهٍ ودعوةٍ وصبرٍ على الأذى؛ كما قال تعالى: "ادفع بالتي هي أحسن" [المؤمنون:96] وقوله: "فاعف عنهم واصفح" [المائدة:13] وقوله: "واهجرهم هجراً جميلا" [المزمل:10] .
وبعد هجرة المسلمين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة شرع القتال. وأكثر المفسرين على أن أول آية نزلت في الأمر بالقتال هي قوله تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" [من سورة البقرة: 190] ، وقيل: أن أول آية نزلت في القتال هي قوله تعالى في سورة الحج: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" [الحج:39] .
والحكمة من أن القتال لم يشرع في مكة لأن المسلمين في مكة كانوا أفراداً في بيوت، والشهامة والنخوة والغيرة متأصلة في العرب، ولو شرع القتال آنذاك لأدى ذلك إلى وجود القتال في معظم بيوت مكة، الأمر الذي ينتج عنه بأن يوصم الإسلام بأنه دين يفرق ويدعو إلى تمزيق أواصر الرحم والقرابات، وهذا ما لم يرده الإسلام، ولما استقل أمرهم في المدينة، وأصبح لهم كيان ودولة ينطلقون من خلالها، أمروا بمقاتلة المشركين والكافرين، وأذن لهم بأن ينتصروا لدينهم ولأنفسهم حيث إنهم ظلموا، ففي مكة أمروا بالصبر على ما يلحق بهم من أذى، وفي المدينة دولة المسلمين الأولى شرع لهم القتال، وأمروا به دفاعاً عن العقيدة والشريعة وحقوقهم. وبالله التوفيق.(13/471)
تفضيل يعقوب ليوسف
المجيب د. عبد العزيز بن علي الحربي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 14/04/1425هـ
السؤال
البعض يقولون إن سيدنا يوسف -عليه السلام- تلقى تميزاً من قبل والده، وهذا ليس بعدل من قبل والده، ونحن نعلم أن والده نبي، فكيف يتفق هذا؟.
الجواب
على هذا السؤال جوابان:
أحدهماً: أن العدل في التفصيل والتمييز بين الأبناء مما لا يجب في شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا ليس شرعاً لنا، فإن الله يقول: "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً" [المائدة: من الآية48] .
الثاني: أن العدل بين الأبناء واجب في العطية ونحوها، فإذا أعطى الوالد واحداً من الأولاد عطية وجب عليه أن يعطي سائرهم مثلما أعطاه، كما يدل على ذلك مقتضيات الحديث النبوي الذي رواه البخاري (2586) ، ومسلم (1623) عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-، وأما ما يتعلق بالمحبة والعناية لمعنى من المعاني فلا يجب فيه العدل، كأن يكون أحد الأولاد متميزاً بعقله وذكائه فيوليه الوالد عناية خاصة تيسر له ذلك، ولو صرفها في إخوته لضاعت هدرا، ولهذا يؤمر الوالد أن يعنى بكل واحد من ولده بحسب ما يسر له، وأما العطية فلا يجوز له أن يميز أحداً من أحد، ولو تميز بعضهم في الصلاح أو الخلق، أو العلم والعقل، وغير ذلك، وليس في قصص يوسف- عليه السلام- أن أباه يعقوب-عليه السلام- منحه شيئاً من الدنيا، بل كان يحبه حباً له أسباب عظيمة عرف إخوته بعد ذلك أسرارها فعذروا أباهم وعرفوا منزلة أخيهم، وقد يكون للمحبة أسباب تجعل المحب يذهل أحياناً عن العدل فيما يجب العدل فيه من غير عزم ولا إرادة جازمة فيعذر. والله أعلم.(13/472)
آية تطرد الحيات!
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 6/3/1425هـ
السؤال
الشيخ الفاضل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل هناك آية من القرآن تلاها عقبة بن نافع -رضي الله عنه- على الأفاعي والثعابين عندما نزل بجيش المسلمين بالوادي في فتح الأندلس لكي تختفي الأفاعي والثعابين من طريق المسلمين؟ وما هي تلك الآية؟ مشكورين.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فلم يثبت ـ فيما أعلم ـ أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في تخصيص آية أو سورة بعينها تبعد الأفاعي وتطردها، وخبر عقبة بن نافع - رضي الله عنه - الذي أشار إليه السائل الكريم، خبر مشهور لكن ليس فيه أنه تلا آية من القرآن الكريم، وإنما فيه ـ كما ذكر أهل السير والتاريخ ـ أنه لما أراد أن يختط مدينة القيروان كان موضعها بمكان كثير الأشجار والهوام والسباع والحيات، فلما ذكر له من معه من أصحابه هذا وكان -رحمه الله -فيما ذكروا مجاب الدعوة، جمع من كان في عسكره من الصحابة - رضي الله عنهم- وكانوا ثمانية عشر ونادى: أيتها الحشرات والسباع نحن أصحاب رسول الله فارحلوا عنا فإنا نازلون، فمن وجدناه بعد قتلناه، فنظر الناس يومئذ إلى أمر هائل كان السبع يحمل أشباله والذئب يحمل أجراءه، والحية تحمل أولادها، وهم خارجون أسراباً أسرابا، فحمل ذلك كثيراً من البربر - سكان تلك البقاع - على الإسلام.. وقد أورد ابن حجر في الإصابة في ترجمة عقبة بن نافع -رضي الله عنه- نحو هذا الخبر وحسن سنده، فهذا الخبر كما رأيت ليس فيه أنه قرأ آية من كتاب الله وإنما فيه أنه دعا وسأل تلك الهوام والسباع والحيات الخروج.
بقي أن أذكر للسائل الكريم أنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- بعض الأدعية التي يتحصن بها المؤمن من كل شر سواء من الحيات أو غيرها، فقد ثبت عند أحمد (476) ، والترمذي (3388) ، وأبو داود (5088) وابن ماجة (3869) من حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "من قال في أول يومه أو أول ليلته: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم ثلاث مرات، لم يضره شيء في ذلك اليوم أو في تلك الليلة".
كذلك يشرع لمن نزل مكانا أن يقول أول نزوله فيه: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"، فقد أخرج مسلم (2708) وغيره من حديث خولة بنت حكيم -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: "من نزل منزلا ثم قال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك".
مسلم (2709) من حديث أبي هريرة أن رجلا من أسلم نام فلدغته عقرب، فذكر ذلك للنبي- صلى الله عليه وسلم- فقال له: "أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك".(13/473)
كما ثبت أن قراءة سورة الفاتحة مما يرقى به اللديغ فقد أخرج البخاري (5749) ، ومسلم (2201) عن أبي سعيد أن رهطا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- انطلقوا في سفرة سافروها حتى نزلوا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين قد نزلوا بكم لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء فهل عند أحد منكم شيء فقال بعضهم: نعم والله إني لراق ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق فجعل يتفل ويقرأ الحمد لله رب العالمين حتى لكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي ما به قلبة ... " الحديث.
فهذه الأدعية وغيرها مما يشرع للمؤمن أن يتعوذ بها ويتحصن من شر كل ذي شر، والله أسأل أن يحفظنا وجميع المسلمين من كل سوء، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(13/474)
استقلال الأكراد عن العراق
المجيب أ. د. نعمان عبد الرزاق السامرائي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود سابقاً
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 21/08/1425هـ
السؤال
كنا في مجلس ضم بعض الإخوة، وكان الكلام على الفدرالية والاستقلال لأكراد العراق، فمنهم من مال إلى أنه لا شيء في أي منهما، قياساً للفدرالية على الولايات في دولة الخلافة، وقياساً للاستقلال على الدول العربية والإسلامية الموجودة، واحتجاجاً بأن ذلك لدفع الضرر عن الشعب الكردي، وبأن التفرق بين الأمة حاصل لا يحدثه إنشاء دولة كردية، ومنهم من مال إلى عدم الجواز؛ لما في ذلك من الفرقة، وتمكن العدو من استخدام الأكراد لمصالحه، ونشوء الدولة على أساس قومي لا على أساس ديني، ويكون الحكم فيها بغير الشرع. فنرجو الجواب على هذا الموضوع بالتفصيل مع الدليل والتعليل والتعليق على ما يمكن التعليق عليه من فقرات السؤال.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
انتشرت الحركة القومية في أواخر العهد العثماني، وتحرك الأكراد وقاموا بأكثر من ثورة مطالبين بدولة لهم تجمع شتاتهم، وهم يجادلون بأن لكل قومية دولة أو دول إلا الأكراد -وهذه حقيقة يصعب تجاهلها أو المجادلة فيها-، ولكن لم يكن للعرب يد فيها.
والنظام الفدرالي معروف في العالم من الهند إلى نيجريا حتى الولايات المتحدة. المشكلة الأساسية ليست في النظام، ولكن في الأساس الذي تقوم عليه الفدرالية، فيمكن أن يقوم النظام الفدرالي على أساس قومي، فيكون مقدمة للانفصال، ويمكن أن يقوم على أساس جغرافي فلا يؤدي للانفصال.
في قضية العراق قد انفصل الشمال الكردي وأقام دولة، لا سلطة لغير الأكراد فيها حتى اليوم، فإذا أقيمت الفدرالية على الأساس القومي فسينفصل الأكراد اليوم أو غداً، أما إذا طبقت الفدرالية على أساس الأرض، كأن تدخل "الموصل" العربية وبعض المناطق العربية مع المحافظات الكردية فلا إشكال.
والنقطة الأكثر إثارة وحساسية هي "كركوك"، ففيها نفط جيد، وفيها عرب وأكراد وتركمان، ووضعها تحت يد أي طرف يثير أكبر نزاع، ويفجر أكبر المشاكل.
تركيا مستعدة للحرب؛ كي لا تقوم دولة كردية على حدودها، فيصعب عندها ضبط الأكراد في تركيا، كذلك لا تسمح بأن تكون (كركوك) تحت الولاية الكردية أيضاً.
إيران وسوريا لا ترضى بقيام دولة كردية، لما تمثله من خطر على الدولتين، نظراً لوجود ملايين من الأكراد فيهما.
فإذا كان ولا بد من (فدرالية) فلتكن على أساس الأرض لا القومية، وإلا كانت مقدمة للانفصال، وستكون الدولة الكردية متحالفة مع أمريكا وإسرائيل، وستكون بؤرة تجسس وتخريب إسرائيلية أمريكية، ومن هنا يأتي الخطر على المنطقة وأهلها.(13/475)
حوت موسى عليه السلام
المجيب د. محمد بن سريّع السريّع
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 06/07/1425هـ
السؤال
أعجب عندما يجمع المفسرون على أن حوت موسى في سورة الكهف هو سمكة مملحة، مع أن النص وسياقه يرفضان مثل هذه الأقوال، والأولى أن يقال: إن حوت موسى هو سفينة في شكل الحوت؛ لأن المعجزة هنا مرفوضة في هذا المكان وهذا التوقيت، حيث إن أول وأهم شرط للمعجزة هو: وجود الجمهور، ولا يوجد جمهور في قصة موسى - عليه السلام- والفتى، فهل يوجد من المفسرين في هذا الموقع من يتفق معي؟ وشكراً لكم.
الجواب
الحمد لله وبعد
فما قاله الأخ في تفسير الآية غير صحيح؛ وذلك أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، والحوت في لغة العرب كلمة معروفة تطلق على السمك ولا تطلق على المراكب والسفن، ولا يجوز تفسير القرآن إلا بما ورد عن الله -تعالى- وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو عن الصحابة -رضي الله عنهم- أو بما يتفق مع لغة العرب، ومما يشهد لهذا التفسير -وهو أن الحوت بمعنى السمكة - ما جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم حين ذكر قصة موسى -عليه السلام - مع الخضر وفيه أن موسى -عليه السلام - أخذ حوتاً وجعله في مكتل انظر ما رواه البخاري (122) ، ومسلم (2380) من حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه-، والمكتل هو الزنبيل، فهذا نص صريح أن الحوت هو المعروف في لغة العرب, وهل يمكن أن يجعل المركب في مكتل؟
ثم إن هذه الآية جعلها الله لموسى -عليه السلام- وليس من شرطها - كما ذكر الأخ الفاضل - أن يوجد الجمهور إذا كانت الآية مسوقة لإثبات النبوة، وصدق الرسول وإقامة الحجة على الأقوام. والله أعلم.(13/476)
لماذا قطع عمر شجرة البيعة
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 07/04/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل صحيح أن الخليفة عمر -رضي الله عنه- قطع الشجرة التي كانت البيعة عندها لما رأى الناس يحضرون عندها تبركاً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؟ يقول بعض الناس: إن ذلك يدل على أن الصحابة - رضي الله عنهم- لم يكونوا يرون جواز التبرك بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
نعم قطع عمر - رضي الله عنه- الشجرة، لكنه لم يقطعها بسبب عدم جواز التبرك بالنبي - صلى الله عليه وسلم-،ولكن خوفاً أن تتخذ مكاناً للتعبد المفضي إلى البدعة ثم إلى الشرك، وأما التبرك به صلى الله عليه وسلم فقد كان الصحابة - رضي الله عنهم- يتبركون بشعره وريقه ووضوئه، وملابسه، ودعائه صلى الله عليه وسلم، وأما الأماكن فلم يكن الصحابة - رضي الله عنهم- يتبركون بها؛ لما قد تفضي إليه من الشرك. والله الموفق.(13/477)
هل أحرق الإمام علي بعض الخوارج؟
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 27/04/1425هـ
السؤال
قرأت في أحد المواقع على الشبكة أن علياً بن أبي طالب -رضي الله عنه- أحرق بعض الخارجين عليه أثناء فترة خلافته، وهذا الشيء سبب لي حيرة بسبب الحديث الذي نعرفه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن التعذيب بالنار؛ لأنه شرك، فكيف يفعل علي -رضي الله عنه- ذلك؟.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هذا الأثر ذكره الإمام البخاري (6922) عن عكرمة قال: أتى علي - رضي الله عنه - بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم، لنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تعذبوا بعذاب الله" ولقتلتهم، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من بدل دينه فاقتلوه". فأمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- لما ضل فيه الضُّلَّال السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ اليهودي واعتقدوا فيه - والعياذ بالله - الربوبية وشيئاً من هذا القبيل أشعل ناراً، وقال في ذلك:
لما رأيت الأمر أمراً منكراً *** أوقدت ناري ودعوت قنبرا
إضافة إلى أن هذه المسألة تعتبر من قضايا الأعيان التي لا عموم لها كما يقول الشاطبي، والحديث عموماً توجد اختلافات كثيرة في تأويله هل حرقهم بعد أن قتلهم أو هل همّ بحرقهم ولم يفعل.. وأياً كان الأمر فهو اجتهاد صحابي لا علاقة له بالشرك، وحرق الإنسان لا يجوز شرعاً، لكنه ليس شركاً، الشرك هو أن تعبد مع الله إلهاً آخر، أو أن تعتقد آلهة مع الله - سبحانه وتعالى- نعم نهى النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الحرق فقال: "إن النار لا يعذب بها إلا الله.." الحديث رواه البخاري (3016) ، وليس معنى ذلك أن من أحرق بالنار فهو مشرك، لكن معناه أن هذه العقوبة هي عقوبة أخروية وليست عقوبة دنيوية، هذا الذي يجب أن نعتقده، فالمسألة ليست من باب الشرك، وكما سبق قد لا يثبت هذا التأويل حيث يحتمل أنه هم بتحريقهم ولم يفعل أو أراد تحريقهم بعد قتلهم، وإذا ما ثبت أنه حرقهم فيكون من اجتهاد الصحابي - رضي الله عنه - الذي يخالف نصاً، والمآل إلى نص الشارع، وليس إلى اجتهاد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خالفت اجتهاداتهم نصوصاً في الشرع مع اعتقاد أنهم -رضي الله عنهم- مجتهدون، وأنهم كانوا يتصرفون طبقاً لهذا الاجتهاد، وأنهم كانوا هداة.(13/478)
المراد بـ (السامية)
المجيب د. حمود بن غزاي الحربي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 07/09/1425هـ
السؤال
أود أن أسأل عن تعريف أو بيان لمصطلح (السامية) نسبة إلى ما يطرح عن (سام) ونحو ذلك. ولكم جزيل تحياتي.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
مصطلح السامية ينسب إلى (سام) ؛ أحد أبناء نوح الثلاثة: (سام) و (حام) و (يافث) . والشعوب السامية هي الشعوب التي سكنت فلسطين مثل الكنعانيين والعموريين والمؤابيين، ولذلك يطلق هذا المصطلح على شعوب مختلفة الجنس، كما أنه يطلق على لغات تلك الأمم والشعوب، لكن اليهود يحاولون إبقاء هذا المصطلح خاصًّا بهم؛ لأنهم يرفضون الذوبان في الأمم الأخرى، بيد أن الواقع المعاصر الحديث يرفض هذا التعصب اليهودي، فاليهود يندمجون في أكبر تجمع لهم، وهو الولايات المتحدة الأمريكية، في الشعوب الأخرى، لاسيما بعدما أصبح الزواج المدني مباحًا وقانونيًّا، وهذا أمر لا يقبله اليهود؛ لأنه سيسقط فكرة الاضطهاد التي رسموها في عقول الآخرين، وهذا هو الدافع من وراء اتهام المنظمات اليهودية لكل ما تراه معارضًا لصالحها فتفسره بأنه معاداة للسامية، كما فعل (إبراهام فوكسمان) المدير العام لرابطة مناهضة تشويه السمعة، عندما احتج على خطاب رئيس وزراء ماليزيا (محمد مهاتير) بقوله: إن خطاب مهاتير دعوة 1.3بليون مسلم إلى حرب عالمية ضد اليهود، إنها معاداة بشعة للسامية على نطاق عالمي. والله أعلم.(13/479)
أيهما بُني أولاً: المسجد الأقصى أم قبة الصخرة؟
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 08/09/1426هـ
السؤال
أيهما بني أولاً مسجد قبة الصخرة أم المسجد الأقصى؟ ومن بنى كل منهما؟ وما هي أهميتهما الدينية في الإسلام؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
فالمسجد الأقصى بني قبل مسجد قبة الصخرة بزمن طويل، ففي حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله أي مسجدٍ وضع في الأرض أول؟ قال: "المسجد الحرام"، قال: قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى"، قلت: كم كان بينهما؟ قال: "أربعون سنةً ... " أخرجه البخاري (3366) ، ومسلم (520) .
وهذا الحديث يدل على تقدم بناء المسجد الأقصى، وقد ذكر ابن كثير وغيره أن أول من بناه يعقوب عليه السلام، ثم جُدِّد بناؤه في زمن سليمان عليه السلام، وقد بناه سليمان على قاعدة سداسية الشكل، ويقال إن هذا هو أصل اتخاذ اليهود للنجمة السداسية شعاراً لهم.
والمعروف تاريخياً أن ذلك المعبد قد دمر مرتين، المرة الأولى على يد الملك البابلي "بختنصر" عام (587 قبل الميلاد) ، والمرة الثانية عام (70ميلادي) على يد الإمبراطور الروماني "طيطس"، حيث دمره تدميراً كاملاً، ولم يبق منه إلا جزء من السور في الجهة الجنوبية الغربية لساحة المعبد، وقد جاء ذكر التدميرين (الأول والثاني) في القرآن الكريم في أول سورة الإسراء.
وظل مكان الهيكل فضاءً خالياً من أي بناء بقية عهد الرومان النصاري.
وقد حدث الإسراء والمعراج بالنبي صلى -الله عليه وسلم- في عهد الحاكم الروماني "هرقل" عام (621ميلادي) وكان المكان ما زال خالياً من أي بناء، إلا أنه محاط بسور، وهو الذي رُبط فيه (البراق) في ليلة الإسراء والمعراج، وهو نفسه السور الذي تسميه اليهود اليوم بـ (حائط المبكى) ، وفيه أبواب داخله ساحات واسعة هي المقصودة بالمسجد الأقصى في قوله -تعالى-: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" [الإسراء:1] . وقد ظل المكان معروفاً مقدساً في داخله الصخرة رغم زوال الآثار.
ثم جاء الفتح الإسلامي لبيت المقدس صلحاً في عهد عمر -رضي الله عنه- سنة (16هـ/ 637) ، وطلب عمر -رضي الله عنه- من أحد بطريرك القدس أن يدله على مسجد داود (يعني المسجد الأقصى) ، فانطلق به حتى انتهى إلى مكان الباب، وقد انحدر الزبل على درج الباب، فتجشم عمر -رضي الله عنه- حتى دخل ونظر، فقال: الله أكبر، هذا والذي نفسي بيده مسجد داود الذي أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه أسري به إليه، ثم أخذ عمر -رضي الله عنه- والمسلمون يكنسون الزبل عن الصخرة حتى ظهرت كلها ... ففي مسند الأمام أحمد (261) بسند حسن أن عمر -رضي الله عنه- قال لكعب -رضي الله عنه- بعد فتح بيت المقدس: أين أصلي؟ قال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك، فقال: عمر: ضاهيت اليهودية، لا ولكن أصلي حيث صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتقدم إلى القبلة فصلى، ثم جاء فبسط رداءه، وكنس الكناسة في ردائه وكنس الناس.(13/480)
وبقي المسجد الأقصى على حالته بعد الفتح الإسلامي، إلى أن جاء الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان فبدأ بناء المسجد الأقصى سنة (66هـ) على صورته القائمة اليوم.
وأما الصخرة فأول من بنى فوقها مسجداً في العصر الإسلامي عبد الملك بن مروان (65-86هـ/684-705م) ، حيث بدأ العمل في بنائها سنة (66هـ/ 685م) ، وتم الفراغ منها سنة (72هـ/691م) ، وصرف على بنائها خراج مصر لسبع سنين، وهذه القبة مبنية على الصخرة المشرفة التي عرج عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ليلة الإسراء والمعراج، وهذا المسجد معروف بمسجد الصخرة، والمشهور بقبته الذهبية على المبنى المثمن.
وتعتبر قبة الصخرة المشرفة إحدى أهم المعالم المعمارية الإسلامية.
والمسجد الأقصى كما هو معلوم له فضائل، فهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، وهو الذي أُسري بالنبي -صلى الله عليه وسلم- منه، وورد في حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- مرفوعاً، بإسناد صحيح: "إن سليمان بن داود -عليهما السلام- سأل الله ثلاثاً أعطاه اثنتين، ونحن نرجو أن تكون له الثلاثة: فسأله حكماً يصادف حكمه، فأعطاه الله إياه، وسأله ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، فأعطاه إياه، وسأله أيما رجلٍ خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، فنحن نرجو أن يكون الله عز وجل قد أعطاه إياه". أخرجه أحمد (6357)
هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(13/481)
تحول الخلافة إلى ملكية
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 16/6/1425هـ
السؤال
عندي سؤال مهم عن طريقة الحكم في الإسلام: كيف تحوَّلت الخلافة إلى ملكية؟.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
فهذا السؤال يحتاج جوابه إلى شرح يطول لفهم مقدمات في هذا الشأن لا بد منها، ولكن لا بأس بإيجاز بعض ما ينبغي معرفته في جواب هذا السؤال:
1- طريقة الحكم في الإسلام تكلم عنها العلماء، إما ضمن مؤلفات العقيدة أو في مؤلفات مستقلة كالأحكام السلطانية للماوردي وغيره، وليس من اليسير شرح ذلك في مثل هذا الجواب.
2- تحول الخلافة إلى ملكية -على حد قول السائل - لا علاقة له بطريقة الحكم في الإسلام، وإنما هو حدث تاريخي له أسبابه وملابساته.
3- جواباً على سؤال كيف تحولت الخلافة إلى ملكية؟ أقول: بأن ذلك مبني على الفرق بين الخلافة والملكية، ويظهر لي أن السائل يعني بالخلافة أن يتم نصب الخليفة عن طريق الاختيار أو الترشح، والانتخابات من قبل أهل الحل والعقد، وأما الملكية فهي أن يكون الملك وراثياً من عائلة واحدة.
وإذا كان جواب مثل هذا السؤال -كما أشرت من قبل - هو على اعتباره حدثاً تاريخياً فينبغي الرجوع فيه إلى أهل التخصص في التاريخ الإسلامي، ومع ذلك فينبغي مراعاة النقاط التالية.
4- قد يجترئ البعض على الصحابة - رضي الله عنهم- عند حديثه عن مثل هذه الموضوعات، وهذا لا يليق بالمسلم الذي يجب عليه اعتقاد عدالة الصحابة - رضي الله عنهم-، وأن يحمل ما صدر عنهم على الاجتهاد الذي لا يخرج عن الأجر أو الأجرين، ولذا إذا كان مثل هذا السؤال أو غيره لا فائدة منه ولا يترتب عليه كبير عمل، فلا حاجة له.
5- في مقدمة ابن خلدون (ص202) قال الفصل الثامن والعشرون في انقلاب الخلافة إلى الملك، فلعلك أن ترجع إليه؛ فلربما كان فيه بيان لبعض ما تريد، ومما قال ابن خلدون في هذا الفصل: ( ... وكذلك عهد معاوية -رضي الله عنه- إلى يزيد خوفاً من افتراق الكلمة بما كانت بنو أمية لم يرضوا تسليم الأمر إلى من سواهم، فلو قد عهد إلى غيره اختلفوا عليه، مع أن ظنهم كان به صالحاً، ولا يرتاب أحد في ذلك، ولا يظن بمعاوية -رضي الله عنه- غيره، فلم يكن ليعهد إليه وهو يعتقد ما كان عليه من الفسق حاشا لله لمعاوية من ذلك) ا. هـ.
6- جاء في سنن أبي داود (4646) والترمذي (2226) ، وغيرهما عن سفينة -رضي الله عنه- مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك أو ملكه من يشاء"، وهذا الحديث مختلف. والله أعلم.(13/482)
هَرْمجدّون في عقائد يهود
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 04/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما الهَرْمجدّون؟ وهل جرت أحداثها أم أنها ستجري في المستقبل؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
(هَرْمجدّون) كلمة مكوّنة من (هَرْ) العبرية، وتعني الجبل أو التلّ، و (مجدّو) الكنعانية، بمعنى موضع الجيوش ومخيّمها، وهو تلّ معروف بفلسطين، يقال له اليوم تلّ المتسلِّم، على بعد 30 ميلاً شرقي ساحل البحر الأبيض المتوسط. وهي أفضل ممر يربط مصر بسوريا والشمال، ولذلك كانت موضع غزوات كثيرة قديمًا. وهي اليوم خراب، وتبعد عن تلّ أبيت 55 ميلاً، وليس لهذا الاسم ذكر في نصوص الكتاب والسنّة، وليس عند المسلمين اعتقاد خاص بهذا الموضع على التحديد.
لكن لهذا الموضع عند النصارى تصوّرٌ مستمدّ من كتابهم المقدّس عندهم، ومن رؤيا يوحنّا، التي تبشر بمذبحةٍ عظيمةٍ لأهل الأرض، تقع في آخر الزمان، في هذا المكان المسمّى بهرمجدون (انظر: رؤيا يوحنّا، وبالأخص الأصحاح: 16/12-16) .
ولهذا التصوّر النصراني استمداد من تصور يهودي، يخبر أيضًا عن معركة حاسمة في آخر الزمان، يموت فيها ثلثا أهل الأرض، بزعمهم. (انظر: سفر حزقيال: الأصحاح: 38،39، وسفر زكريا: الأصحاح: 12) .
وكلّ من اليهود والنصارى يزعم أن هذه المعركة ستكون عاقبتها انتصار أبناء ديانتهم، فاليهود يزعمون أن مسيحهم سينزل ويقيم دولتهم، والنصارى يزعمون أن المسيح (الذي ادّعوه إلهًا لهم) سينزل مرة أخرى، لينصرهم على جميع أمم الأرض.
وبعد أن نشأت الفرقة النصرانية المعروفة بالبروتستانتية، على يد مؤسسها مارتن لوثر (ت 953 هـ-1546م) ، تغلغلت المبادئ والعقائد اليهودية في قلوب النصارى البروتستانت، وانتعشت روح صداقة بين الديانتين، مع أن اليهود هم أعدى أعداء النصارى، وهم زعموا صلب المسيح!! وفي هذه الأجواء نشأت الأصولية النصرانية، وذلك سنة (1313هـ - 1895م) والتي أحيت فكرة المجيء الثاني للمسيح، وربطت ربطًا عقائديًّا بين هذه العودة للمسيح وبقاء دولة إسرائيل في فلسطين؛ لأنها بحسب رأيهم تمهيد لمعركة هرمجدون الحاسمة, التي يعتقدون أنها لن تنتهي إلا بنزول المسيح، وتشيع هذه العقائد كثيرًا في الولايات المتحدة الأمريكية، ولها وجود قويّ في البيت الأبيض الأمريكي، وتحدّد كثيرًا من ملامح السياسة الأمريكية الخارجية، وبخاصة فيما يتعلق بالقضايا الإسلامية، وقضية فلسطين والاحتلال اليهودي بالأخص. ولذلك فقد أصبح ذكر معركة هرمجدون كثيرًا ما يتردّد في وسائل الإعلام العالمية، بل في المحافل السياسية!! ولم يَعُد أمر هذه المعركة المتنبّأ بها ممّا يصحّ تجاهله، بعد أن أصبحت العقائد المرتبطة بها تسطّر حروفًا بارزةً في التاريخ الحاضر.(13/483)
أمّا نحن المسلمين: فنؤمن أنه ستقع معركة عظيمة في بلاد الشام، بيننا وبين الروم، وهم الغرب: أوربا وأبناء أوربا الأمريكيون، وأننا بعد معركة شرسة سنخرج منتصرين. هذا ما لا نشك فيه، لثبوته عن نبينا صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري (3176) ، عن عوف بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا".
وبنو الأصفر: هم الروم. والغاية: هي الراية.
وفي صحيح مسلم (2897) : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ، أَوْ بِدَابِقٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتْ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ. فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا. فَيُقَاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمْ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ. فَيَخْرُجُونَ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ؛ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّهُمْ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ".
الأعماق ودابق: موضعان بالشام.(13/484)
وفي صحيح مسلم (2899) : عَنْ يُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالْكُوفَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هِجِّيرَى إِلَّا: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، جَاءَتْ السَّاعَةُ. قَالَ: فَقَعَدَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى لَا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ، وَلَا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَنَحَّاهَا نَحْوَ الشَّأْمِ. فَقَالَ: عَدُوٌّ يَجْمَعُونَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ. قُلْتُ: الرُّومَ تَعْنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَتَكُونُ عِنْدَ ذَاكُمْ الْقِتَالِ رَدَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَيَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمْ اللَّيْلُ فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمْ اللَّيْلُ فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يُمْسُوا فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الرَّابِعِ نَهَدَ إِلَيْهِمْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَيَجْعَلُ اللَّهُ الدَّبْرَةَ عَلَيْهِمْ، فَيَقْتُلُونَ مَقْتَلَةً- إِمَّا قَالَ: لَا يُرَى مِثْلُهَا. وَإِمَّا قَالَ: لَمْ يُرَ مِثْلُهَا- حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنَبَاتِهِمْ فَمَا يُخَلِّفُهُمْ حَتَّى يَخِرَّ مَيْتًا، فَيَتَعَادُّ بَنُو الْأَبِ كَانُوا مِائَةً فَلَا يَجِدُونَهُ بَقِيَ مِنْهُمْ إِلَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ أَوْ أَيُّ مِيرَاثٍ يُقَاسَمُ. فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا بِبَأْسٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَجَاءَهُمْ الصَّرِيخُ أنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَهُمْ فِي ذَرَارِيِّهِمْ، فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَيُقْبِلُونَ فَيَبْعَثُونَ عَشَرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لَأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ، هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ". أَوْ: "مِنْ خَيْرِ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ".
والدّبرة: أي الهزيمة.
إلى غير ذلك من الأحاديث.
ونحن لا نشك أن هذا هو الوعد الحق، وما سواه فمفترى.
ومع ذلك فعلى المسلمين أن يعملوا على نصرة قضاياهم بالجهاد والعلم والدعوة والإصلاح، لا أن يناموا في انتظار معجزة، أو في انتظار موعودٍ حق؛ لكن لا يعلم متى وقته إلا الله تعالى.(13/485)
ومن ذلك أن يدافعوا عن دينهم وأوطانهم وأعراضهم وثرواتهم ودمائهم المستباحة في كل مكان، وأن يكونوا على مستوى الخطر الداهم الذي يحيق بهم هذه الأيام، والذي يهدّدهم في دينهم ووجودهم، والذي يراهن على استئصالهم وإبادتهم باسم الحرب على الإرهاب.
فهذا الغرب الذي آمن بهرمجدون، لم يَنَمْ في انتظارها، بل هاهوذا يسعى عمليًّا لتحقيقها، ويرسم خططه المستقبلية بناءً على تصوّره ومعتقداته فيها.
أمّا أكثر المسلمين: فبين لاهٍ لاعب، ويائسٍ عاجز، ومتعلق بالخوارق والمعجزات؛ إلا فئامًا من المسلمين، يعملون ويجاهدون (بجميع أنواع الجهاد) لنصرة أمتهم، والدفاع عن دينها وكيانها.
وفق الله الجميع لمراضيه، وجعل أعمالنا خالصة فيه. والله أعلم.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.(13/486)
همُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإعادة بناء الكعبة
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 15/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة، رضي الله عنها: "لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة، ثم أعدتُ بناءها، وجعلتُ بابها مسوى بالأرض، ثم جعلت لها بابين بابًا يدخل الناس منه، وبابًا يخرجون منه". فما معنى هذا الحديث؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحديث المشار إليه في السؤال أخرجه البخاري (1586) ومسلم (1333) من حديث عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: "يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثوُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ..".(13/487)
الكعبة المشرفة جدد بناؤها في الجاهلية قبل بعثة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد حضر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا البناء، لكن قريشًا قصرت بها النفقة فلم تتم بناءها على قواعد إبراهيم، وأخرجوا الحجر منها، وجعلوا لها بابًا واحدًا. انظر صحيح البخاري (1584) وصحيح مسلم (1333) . فأراد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يهدم الكعبة- شرفها الله- ثم يتم بناءها على قواعد إبراهيم عليه السلام -أي يرد ما كان منها على غير قواعد إبراهيم إلى قواعده- ولهذا لم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمسح الركن الشامي والركن الغربي. انظر صحيح البخاري (1583) وصحيح مسلم (1333) - وهمّ أن يجعل لها بابين، ويدخل الحجر في الكعبة؛ لأنه في الأصل منها، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- ترك ما هو أولى لأجل تأليف القلوب والخشية من الفتنة ونفور الناس بسبب قرب عهدهم بالشرك والكفر، قال النووي -رحمه الله- إذا تعارضت المصالح، أو تعارضت مصلحة ومفسدة، وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة، بدئ بالأهم، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه، وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبًا، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة، فيرون تغييرها عظيمًا، فتركها صلى الله عليه وسلم ... [النووي على صحيح مسلم (9/89) ] . وقد أعاد بناءها عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما- حين احترقت زمن يزيد بن معاوية لما غزاها أهل الشام- على الصفة التي أرادها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ففي صحيح مسلم (1333) ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَمَّا احْتَرَقَ الْبَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، حِينَ غَزَاهَا أَهْلُ الشَّامِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، تَرَكَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ حَتَّى قَدِمَ النَّاسُ الْمَوْسِمَ يُرِيدُ أَنْ يُجَرِّئَهُمْ أَوْ يُحَرِّبَهُمْ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ، فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْكَعْبَةِ، أَنْقُضُهَا ثُمَّ أَبْنِي بِنَاءَهَا أَوْ أُصْلِحُ مَا وَهَى مِنْهَا؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنِّي قَدْ فُرِقَ لِي رَأْيٌ فِيهَا، أَرَى أَنْ تُصْلِحَ مَا وَهَى مِنْهَا، وَتَدَعَ بَيْتًا أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَأَحْجَارًا أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيْهَا، وَبُعِثَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَوْ كَانَ أَحَدُكُمْ احْتَرَقَ بَيْتُهُ مَا رَضِيَ حَتَّى يُجِدَّهُ، فَكَيْفَ بَيْتُ رَبِّكُمْ! إِنِّي مُسْتَخِيرٌ رَبِّي ثَلَاثًا، ثُمَّ عَازِمٌ عَلَى أَمْرِي. فَلَمَّا مَضَى الثَّلَاثُ أَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا، فَتَحَامَاهُ النَّاسُ أَنْ يَنْزِلَ بِأَوَّلِ النَّاسِ يَصْعَدُ فِيهِ أَمْرٌ مِنْ السَّمَاءِ حَتَّى صَعِدَهُ رَجُلٌ فَأَلْقَى مِنْهُ حِجَارَةً، فَلَمَّا لَمْ يَرَهُ النَّاسُ أَصَابَهُ شَيْءٌ تَتَابَعُوا فَنَقَضُوهُ، حَتَّى بَلَغُوا بِهِ الْأَرْضَ فَجَعَلَ ابْنُ(13/488)
الزُّبَيْرِ أَعْمِدَةً فَسَتَّرَ عَلَيْهَا السُّتُورَ، حَتَّى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ، وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنِّي سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْلَا أَنَّ النَّاسَ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ، وَلَيْسَ عِنْدِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يُقَوِّي عَلَى بِنَائِهِ لَكُنْتُ أَدْخَلْتُ فِيهِ مِنْ الْحِجْرِ خَمْسَ أَذْرُعٍ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ، وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ". قَالَ: فَأَنَا الْيَوْمَ أَجِدُ مَا أُنْفِقُ، وَلَسْتُ أَخَافُ النَّاسَ. قَالَ: فَزَادَ فِيهِ خَمْسَ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ حَتَّى أَبْدَى أُسًّا نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَبَنَى عَلَيْهِ الْبِنَاءَ، وَكَانَ طُولُ الْكَعْبَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا زَادَ فِيهِ اسْتَقْصَرَهُ فَزَادَ فِي طُولِهِ عَشْرَ أَذْرُعٍ، وَجَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ، وَالْآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ، فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ وَضَعَ الْبِنَاءَ عَلَى أُسٍّ نَظَرَ إِلَيْهِ الْعُدُولُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنَّا لَسْنَا مِنْ تَلْطِيخِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي شَيْءٍ، أَمَّا مَا زَادَ فِي طُولِهِ فَأَقِرَّهُ، وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنْ الْحِجْرِ فَرُدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ، وَسُدَّ الْبَابَ الَّذِي فَتَحَهُ. فَنَقَضَهُ وَأَعَادَهُ إِلَى بِنَائِهِ. وأخرج مسلم (1333) ، أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ بَيْنَمَا هُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حَيْثُ يَكْذِبُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ: سَمِعْتُهَا تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْبَيْتَ حَتَّى أَزِيدَ فِيهِ مِنْ الْحِجْرِ، فَإِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرُوا فِي الْبِنَاءِ". فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: لَا تَقُلْ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَنَا سَمِعْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تُحَدِّثُ هَذَا. قَالَ: لَوْ كُنْتُ سَمِعْتُهُ قَبْلَ أَنْ أَهْدِمَهُ لَتَرَكْتُهُ عَلَى مَا بَنَى ابْنُ الزُّبَيْرِ.
قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله: فدل هذا على صواب ما فعله ابن الزبير، فلو ترك لكان جيدًا، ولكن بعدما رجع الأمر إلى هذا الحال فقد كره بعض العلماء أن يغير عن حاله، كما ذكر عن أمير المؤمنين هارون الرشيد، أو أبيه المهدي، أنه سأل الإمام مالكًا عن هدم الكعبة وردها إلى ما فعله بن الزبير، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا تجعل كعبة الله ملعبة للملوك؛ لا يشاء أحد أن يهدمها إلا هدمها. فترك ذلك الرشيد. [تفسير ابن كثير (1/184) ]
قال ابن حجر-بعد أن أورد كلام الإمام مالك-: "وهذا بعينه خشيه جدهم الأعلى عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما- فأشار على ابن الزبير لما أراد أن يهدم الكعبة ويجدد بناءها بأن يرم ما وَهَى منها، ولا يتعرض لها بزيادة ولا نقص، وقال له: لا آمن أن يجيء من بعدك أمير فيغير الذي صنعت". ينظر: فتح الباري (3/448) . والله أعلم.(13/489)
خروج الحسين على يزيد
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 09/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
أفيدونا هل كان الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- خارجياً عندما خرج على يزيد؟ وكذلك محمد بن سعود عندما خرج على الخلفاء العثمانيين؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لا ندري ماذا كان سيفعل الحسين -رضي الله عنه- تماماً، ومع ذلك فهو اجتهد فأخطأ، وقد خالفه علماء الصحابة الآخرون كابن عباس، ونصحوه بألا يفعل، وعلى أية حال فقد كان متأولاً، وما حصل من زلة رجل صالح كان هو ضحيتها قبل غيره، لكنها لا تنقص من فضله وقدره، ولا تعد منهجاً للسلف، بل كانت من أعظم العظات والدروس والعبر.
أما محمد بن سعود فكانت إمارته لسد فراغ في السلطة في نجد، حيث لم تكن للدولة العثمانية عليها سلطة مباشرة. وكان قيام إمارة شرعية -تقيم شعائر الدين، وتحفظ الأمن، وتجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى والسنة- ضرورة شرعية وأمنية، لا سيما وأن إمارة محمد بن سعود كانت قد انطلقت من أسس شرعية تقوم على راية السنة التي رفعها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب على التوحيد والعدل والعلم.
ولم يعلن الخروج على الدولة العثمانية، ولا تمرد عليها، حتى نابذه المتنفذون باسمها في البلاد المجاورة.
وقد فصَّلت هذا في كتابي (إسلامية لا وهابية) فليراجع ص (298) . والله أعلم.(13/490)
هل عارض دعوة محمد بن عبد الوهاب أبوه وأخوه؟
المجيب د. أحمد بن محمد أبا بطين - رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 07/08/1426هـ
السؤال
سمعتُ أن محمد بن عبد الوهّاب كان أبوه وأخوه يعارضان دعوته. هل هذا صحيح؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالإجابة على هذا السؤال تحتاج بسطاً وشرحاً واسعاً، لكن الاختصار مطلوب، فأقول وبالله التوفيق.
أولاً: شكر الله للأخ السائل حرصه على معرفة موضوع السؤال الذي طرحه، ويدل سؤاله على العقل والإنصاف الذي يتمتع به، وهو ينطلق من منهج القرآن الكريم، حيث يقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" [الحجرات: 6] .
ثانياً: وإجابة السؤال تتضمن الحكم على الأشخاص، والحكم لا يصدر إلا ممن هومحيط بخلفية علمية عن المسؤول عنهم، فهؤلاء الذين أثاروا قضية مخالفة والد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومخالفة أخيه هل عندهم خلفية علمية عن سعة علم والد الشيخ، وخلفية علمية عن سعة علم أخيه حتى يكون خلافهما للشيخ محمد حكماً على خطئه؟ أم أن أصل المسألة هو معاداتهم للشيخ من قبلهم، قبل أن يعرفوا موقف الوالد والأخ, وأنهم لما سمعوا هذا الخلاف جعلوه حكماً على خطأ الشيخ دون أن يعرفوا الخلفية العلمية لوالد الشيخ وأخيه؟ وهذا هو الذي يظهر لي في المسألة.
ثالثاً: وأما ما سمعته -يا أخي- من معارضة والد الشيخ لابنه محمد فهو على النقيض من فهم الخصوم. لقد حدث أن منع والد الشيخ ولده محمد من مزاولة الإنكار المباشر؛ وذلك من أجل الخوف على الابن، والخوف كذلك من مشكلات اجتماعية لا يستطيع الأب أن يتحملها كسائر علماء عصره، والحق في هذه المسألة أن والد الشيخ قد ربى ولده تربية صالحة، وفتح له باب طلب العلم والسفر من أجله، واعترف الأب بأنه استفاد من ابنه محمد في بعض مسائل الفقه.
وأما مخالفة الأخ لأخيه فليست حكماً على الشيخ، فكم من الأنبياء خالفهم آباؤهم، مثل إبراهيم -عليه السلام- وخالفهم أبناؤهم، مثل نوح -عليه السلام- وخالفهم بعض أعمامهم، مثل ما حصل لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من مخالفة عميه له أبي لهب وأبي طالب، وكم من الدعاة الصالحين خالفهم أقاربهم لأي ظرف من الظروف الاجتماعية أو النفسية أو السياسية أو غير ذلك، ولم يقدح ذلك في صحة منهج الدعاة المخلصين، ولم يفت في عضدهم.
والله أعلم, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(13/491)
هل هذه صورة قبر الرسول؟
المجيب د. عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ
عميد كلية القرآن في الجامعة الإسلامية سابقا
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر
التاريخ 12/10/1426هـ
السؤال
انتشرت في الآونة الأخيرة في المنتديات وعلى البريد الإلكتروني صورة مزعومة لقبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأغضبني جداً ما رأيت، وأخذت أبحث في الإنترنت لموقع معروف لكي أرد عليهم بطريقة صحيحة، وعند بحثي فوجئت بالكثير من المنتديات التي طرحت الصورة والأعضاء يصدقون أنها صحيحة، ومنهم من قال: إنه أول مرة يراها، وأنا أعلم أنها ليست لقبر الرسول -عليه أفضل الصلاة والسلام- فما حكمكم على ذلك؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن هذه الصورة -المزعومة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم- لا صلة لها بالواقع، وكذبها واضح للعيان يراه كل من قام بزيارة لمسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة النبوية؛ فقد دُفِن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم أبو بكر الصديق، ثم الفاروق عمر -رضي الله عنهما وأرضاهما- في حجرة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-.
وبيت عائشة -رضي الله عنها- كانت مساحته من الحجرة إلى الباب نحواً من ستة أذرع أو سبعة، وعرضه بين الثمانية والتسعة، وارتفاع سقفه بقدر قامة الإنسان، وكان بابه جهة المسجد، أي غربي الحجرة.
وروي أن هذا البيت الذي فيه القبور الشريفة مربع مبني بحجارة سُودٍ وقَصَّةٍ (أي جص) ، الذي يلي القبلة منه أطول، والشرقي والغربي سواء، والشمالي أنقصها، وله باب في جهته الشمالية، وهو مسدود بحجارة سود وقصة.
ثم بنى عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- سنة ست وثمانين جداراً مُخَمَّساً حول الحجرة، الضلع الشمالي منه على شكل مثلث، وأحاط الحجرة به، ولم يجعل له باباً حماية للقبر النبوي الشريف.
وصفة القبور الشريفة داخل الحجرة: قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمامها إلى القبلة مُقدَّماً، ثم قبر أبي بكر حِذَاءَ منكبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قبر عمر -رضي الله عنه- حذاء منكبي أبي بكر -رضي الله عنه-.
وكانت مُسَنَّمةً، أي مرتفعة عن الأرض بمقدار شبر (فقط) ، مبطوحة ببطحاء العَرْصَة الحمراء، أي مفروشة بحصى من بطحاء (العَرْصَة) وهي المكان الذي يقع غربيَّ وادي العقيق في سفوح "جَمَّاءِ أُمِّ خالد" الشمالية، حيث تقع اليوم "الجامعة الإسلامية"، وكانت بطحاؤها نظيفة حمراء.
وورد أنهم غسلوا ما جلبوه منها قبل أن يفرشوه على القبور الثلاثة الشريفة [انتهى ملخصاً من وفاء الوفا للسمهودي] .(13/492)
عقيدة ابن حجر والنووي
المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 5/7/1422
السؤال
سمعت بعض طلاب العلم يصف ابن حجر والنووي بأنهما أشاعرة، ونحن نعلم أن لديهم تأويل في بعض الأسماء والصفات، لكن هل يستقيم بأن ينسبون إلى الأشاعرة على الإطلاق، أفيدونا أحسن الله إليكم؟
الجواب
فإن الإمام النووي -رحمه الله- من الأئمة الكبار والعلماء الربانيين، وقد كتب الله لمؤلفاته القبول والانتشار، ولم يكن الإمام النووي -رحمه الله- أشعرياً محضاً، فإنه وإن وافق الأشاعرة في تأويل جملة من صفات الله -تعالى- أو تفويضها، إلا أن اشتغاله بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حفظه عن الوقوع في كثير من مزالق الأشاعرة.
وكذا الحافظ ابن حجر، فإنه من الأئمة الأعلام، والجهابذة المحققين، وقد وافق الأشاعرة في تأويل صفات ٍ لله -تعالى- أو تفويضها، لكن نقد الأشاعرة في جملة من عقائدهم كمسألة الإيمان وأول واجب على المكلف.
ونوصي السائل وسائر إخواننا بالاشتغال بما ينفع، والاهتمام بكتب هذين الإمامين لاسيما (رياض الصالحين) و (الأذكار) و (شرح صحيح مسلم للنووي) ، (وفتح الباري) لابن حجر، وأن لا يحكم على الأشخاص إلا بعلم وعدل، وبالله التوفيق.(13/493)
الأصل في نجمة داود السداسية
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 22/3/1423
السؤال
ما أصل نجمة داود (النجمة السداسية) ؟
الجواب
أود الإشارة إلى أن الغموض يحيط بكثير مما يتعلق بالتاريخ اليهودي، ولا سيما ما يتصل بالطقوس الدينية، خاصة مع حرص اليهود الشديد على السرية، وانغلاقهم على أنفسهم، ومن ذلك الشكل السداسي الأضلاع أو ما يعرف بنجمة داود، التي اتخذها اليهود أحد أبرز شعاراتهم المميزة لهم، وهذه النجمة لم ترد في كتبهم المقدسة ولا شروحها، وهي تسمى في العبرية -كما تشير المصادر التي بحثت في الطقوس والرموز اليهودية- (ماجن دافيد) ، وترجمتها الحرفية (درع داود) ، وقد استخدم الاصطلاح في أول الأمر -على ما ذكروا- بقصد الإشارة إلى الخالق، ثم استخدم بعد هذا للإشارة للنجمة السداسية، وقد وجدت رسوم لهذا الشكل الهندسي على بعض المعابد اليهودية يرجع بعضها إلى القرن الثالث الميلادي ومع هذا فقد كانت موجودة في المعابد الرومانية قبل هذا الوقت بكثير، هذا والله أعلم.(13/494)
هل طبعت هذه الكتب لابن تيمية
المجيب د. محمد بن تركي التركي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 15/6/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
هناك كتب ومؤلفات لشيخ الإسلام ابن تيمية، منها المطبوعة، ومنها المخطوطة، وخلال البحث عثرت على أسماء بعض الكتب، إلا أنني لم أوفق في معرفة هل هي مطبوعة أم ما زالت مخطوطة؟
والكتب هي:
(1) قاعدة في أن جامع الحسنات العدل والسيئات الظلم ومراتب الذنوب في الدنيا.
(2) رسالة في وجوب العدل على كل أحد في كل حال.
وبارك الله في جهودكم.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
لم أقف -بعد البحث- على أن هذين الكتابين قد طبعا من قبل، كما لا أعرف عن وجودهما في شيء من المكتبات المشهورة بالمخطوطات، وهذا لا ينفي وجودهما، فلربما كان لدى بعض المختصين بمؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية زيادة علم خفيت علينا.
ويحسن التنبيه هنا على أن شيخ الإسلام -رحمه الله- قد تطرق في عدد من مؤلفاته إلى أن جامع الحسنات هو العدل، وأن جامع السيئات هو الظلم، انظر (مجموع الفتاوى 20/79-82) ، (1/86) ، (28/184) .
كما أشار في عدد من المواضع إلى وجوب العدل على كل أحد في كل حال، انظر الصفدية (2/327) والرد على المنطقيين صـ (422) ، ومنهاج السنة (5/126) ، ومجموع الفتاوى (30/339) ، والله أعلم.(13/495)
أهل البيت في إيران
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 13/4/1423
السؤال
هل يوجد أحد من أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في عربستان في الجنوب من دولة إيران؟ علماً أني أنسب إليهم, ولكن الظروف حالت دون معرفتي بأصولي وقد حاولت كثيراً, ولعدم علمي بمؤرخي أهل البيت, فإذا لم يكن لديكم جواب فهلا دللتموني على أحد مؤرخي أهل البيت كي أتأكد منه، وجزيتم خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أقول وبالله التوفيق:
فإن آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذرية الحسن والحسين -رضي الله عنهما- أنسابهم محفوظة معلومة، ولا يوجد على وجه الأرض أوثق من أنسابهم صحة ووضوحاً، وتوثيقاً بالكتب والمشجرات.
ولولا أن ذلك كذلك لما كانت أهم علامات المهدي المنتظر، التي جعلها الشارع دليلاً عليه أنه من عترة النبي -صلى الله عليه وسلم- من ولد ابنته فاطمة -رضي الله عنها-، فلو أن أنساب آل البيت ستضيع أو لو كان فيها خفاء أو شكّ لما كان الشارع الحكيم ليجعلها علامة ظاهرة للمهدي.
ومع شرف هذا النسب، ولما يتعلق به من أحكام شرعية، فقد قيض له علماء يحفظونه ويجمعونه ويؤلفون فيه، قديماً وحديثاً، يبينون صحيح النسب من دخيله، ويسلسلون الأنساب المتصلة إلى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وينبهون إلى الأنساب المنقطعة، وإلى الدعاوى المشكوك فيها أو المجزوم بكذبها.
علماً أن آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- انتشروا في العالم الإسلامي كغيرهم من القبائل العربية، وفي إيران منهم قوم صحيحو النسب، ومنهم أدعياء، كغير إيران من البلاد الإسلامية.
والطريقة الصحيحة للتثبت من النسب أن يرسل السائل ما يعرفه من أسماء سلسلة نسبه، لتُطابق على المشجرات المحفوظة والكتب الموثوقة، للتأكد من صحتها، ولإصلاح ما قد ينتابها من خلل وخطأ أو لبيان عدم صحة النسبة، والتي قد لا يكون للسائل دور في دعواها، وإنما تكون دعوى قديمة، تلقاها الأحفاد عن الأجداد، وهي غير ثابتة.
هذا مع أن ثبوت النسبة أو عدم ثبوتها ليس بُمغنٍ عن العمل الصالح وصحة المعتقد "ومن بطّأ به عمله لم يُسرع به نسبه" مسلم (2699) كما قال -صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم، والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره واتقى حده.(13/496)
عقيدة الشيخ الشعراوي
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن الرومي
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 21/11/1422
السؤال
قد تناقش مجموعة من الشباب حول عقيدة الشيخ المفسر المتوفى محمد متولي الشعراوي، فناس يقولون: أشعري وآخرون يقولون: لا، فما رأيكم فيه؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، يتميز تفسير الشعراوي -رحمه الله تعالى- بميزتين:-
الأولى: عنايته بالتفسير اللغوي والبلاغي، ودقة استنباطاته للمعاني الخفية.
الثانية: قدرته على تبسيط معاني الآيات حتى يستوي في فهمها العامة والعلماء، ولذا حظي بمكانة كبيرة، وكان له تأثير محمود.
أما أشعريته فإني أراه يتحاشى الخوض في المسائل العقدية في الأسماء والصفات؛ لأنه يخاطب العامة، فيكتفي بالعموم والإجمال.
وإن ظهرت أشعريته أو لم تظهر فإني أقول للسائل: ليس هناك تفسير مطبوع ليس فيه خطأ في العقيدة، أقول في العقيدة على تفاوت شديد بين المفسرين، والشعراوي كغيره من المفسرين أصاب وأخطأ وليس بمعصوم، والخطأ الأكبر ممن تصدى لتتبع هفوات العلماء ويستطير بها فرحاً، والله المستعان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(13/497)
الفقهاء السبعة
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 20/7/1424هـ
السؤال
يورد الأصوليون في كتبهم مصطلحات (متفق عليها) عندهم مثل قولهم "الفقهاء السبعة"و"الأئمة الأربعة"، فمن هم الفقهاء السبعة المقصودون غير ابن عباس -رضي الله عنهم-؟.
الجواب
الفقهاء السبعة هم من التابعين وليس فيهم ابن عباس، وإن كان من كبار الفقهاء ولكنه ليس من السبعة المعروفين.
والفقهاء السبعة هم:
1-سعيد بن المسيب المتوفى سنة:94هـ.
2-عروة بن الزبير المتوفى سنة:94هـ أيضاً.
3-أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي القرشي المتوفى سنة:94هـ
4-عبد الله بن عبد الله بن عتيبة بن مسعود المتوفى سنة:98هـ
5-خارجة بن زيد بن ثابت توفى سنة:99هـ
6-القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق المتوفى سنة:107هـ
7-سليمان بن يسار المتوفى سنة:107هـ أيضاً -رحمهم الله جميعاً-.
وهم الذين قيل فيهم:
إذا قيل من في العلم سبعة أبحر *** روايتهم عن العلم ليست خارجة
فقل هم عبيد الله عروة قاسم *** سعيد أبو بكر سليمان خارجة
والله أعلم.(13/498)
كتاب (تنبيه الغافلين)
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 22/12/1422
السؤال
أحد جيراننا يقرأ كتاباً اسمه (تنبيه الغافلين في بستان العارفين) لشيخ يدعى نصر بن محمد إبراهيم السمرقندي، سألته عما يحويه هذا الكتاب، فقال:
01 إن هذا الكتاب كتاب جيد، حيث يذكر الكتاب أن وجود العنكبوت في البيت يجلب الفقر.
02 إن فصوص العقيق تجلب الرزق.
فقلت: يا أخي اتق الله، فالله بيده الرزق والغنى والفقر، وهناك الكثير من الخزعبلات التي لم يذكرها لي، فهل من كلمة يوجهها فضيلة الشيخ لعلّي أوصلها له، فيعود إلى رشده؟
الجواب
كتاب (تنبيه الغافلين) صنّفه أبو الليث السمرقندي، قال عنه الذهبي في (السير 16/322) :" الإمام الفقيه المحدث الزاهد، أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي، الحنفي.
صاحب كتاب (تنبيه الغافلين) وله كتاب (الفتاوى) ، وتروج عليه الأحاديث الموضوعة. ت 375هـ". ا. هـ وقال في (تاريخ الإسلام حوادث 351-380) :" وفي كتاب (تنبيه الغافلين) موضوعات كثيرة " يعني: أحاديث قلت: وهو صاحب التفسير المعروف والمشهور باسمه، وله كتب كثيرة ذكرها البغدادي في (هدية العارفين 6/490 طبعة دار الفكر) "، وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في (ردِّه على البكري ص 15) ضمن كلامه عن جمهور مصنفي السير والأخبار: " فهؤلاء لا يعرفون الصحيح من السقيم ولا لهم خبرة بالنَّقلة (أي: الرواة) ، بل يجمعون فيما يروون بين الصحيح والضعيف ولا يميزون بينها" ا. هـ.
والكتاب المذكور لم أقف عليه، لكن قد ذكره أبو الفضل الغماري في (الحاوي 3/4) ، فقال: " وكتاب (تنبيه الغافلين) يشتمل على أحاديث ضعيفة وموضوعة فلا ينبغي قراءته للعامة"، وانظر: (كتب حذر منها العلماء) لمشهور بن حسن، و (تحذير الخواص) للسيوطي فإنهما نافعان في هذا الباب، أعني: في باب بيان خطورة بعض المؤلفات، وتخبطات كثير من المؤلفين والقُصَّاص.
وأنصحك أيها الأخ الكريم أن تدعو صاحبك بالحكمة واللين، وتبين له أن العلم - طلباً وأداءً - أمانة، وأن ترويج الشركيات والبدع والخرافات والأباطيل غش وخيانة للنفس والناس، وأن تدله على البديل النافع لهذا الكتاب وهي الكتب المفيدة الموثوقة مثل: رياض الصالحين للنووي، والوابل الصيب، والجواب الكافي لابن القيم، ومختصر البخاري للزبيدي، ومختصر مسلم للمنذري ونحوها، فإن استجاب -فالحمد لله-، وإلا فقد أعذرت إلى الله، والله يحفظك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(13/499)
عقيدة الشيخ عبد القادر الجيلاني
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 4/2/1423
السؤال
أرجو بيان رأيكم بالشيخ عبد القادر الجيلاني?
الجواب
الشيخ عبد القادر الجيلاني من أئمة الصوفية المعتدلين، وعقيدته عقيدة السلف، ويقرر وجوب الاتباع وعدم الابتداع في الدين، وقد أثنى عليه ابن تيمية في غير موضع.
ولكن يؤخذ عليه وقوعه في بعض البدع العملية، واعتماده على أحاديث ضعيفة، واستخدام بعض أساليب المتصوفة في الوعظ، من تلك البدع:
1-قوله بالسفر لزيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
2-السؤال بحق النبي -صلى الله عليه وسلم-.
3-تخصيص رجب ببعض العبادات، وكذلك النصف من شعبان.
4-تخصيص بعض الأيام أو الليالي بصلوات معينة.
5-تحديد أجر من صام عاشوراء بما لم يرد في الشرع، وقد نسب إليه كرامات لا تصح.
وهناك رسالة علمية للدكتور الشيخ/ سعيد بن مسفر القحطاني حصل بها على درجة الدكتوراة من جامعة أم القرى عن الشيخ عبد القادر مطبوعة بعنوان:" الشيخ عبد القادر الجيلاني ... "، والله الموفق.(13/500)
حقيقه بولس الرسول
المجيب أ. د. بكر بن زكي عوض
أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 19/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
هناك شبهة أرجو أن أجد جواباً عنها:
ورد في الأحاديث المحمدية فقرات منقولة عن الكتاب المقدس، من أمثال ذلك ما ورد في كتاب مشكاة المصابيح صـ (487) من طبعة سنة 1297هـ، الباب الأول والفصل الأول في كلامه عن وصف الجنة وأهلها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" فلا يشك أحد أن هذا الحديث منقول من الرسالة الأولى لبولس الرسول إلى أهل كورنثوس2/9 ومما هو جدير بالملاحظة هنا أنه بينما يقرر محمد أن هذا الوصف من كلام الله ينكر كثيرون من علماء الإسلام أن بولس رسول؟ وأن رسائله موحى بها من الله.
الجواب
وعليك السلام، وبعد:
إنك تعلم أن بولس كان يهودياً مثقفاً فيلسوفاً مستنيراً قبل أن يعتنق النصرانية، وقد مكنته ثقافته اليهودية من العلم ببعض النصوص الدينية الباقية من دعوة موسى ورسل بني إسرائيل، فلما ادعى اعتناقه للنصرانية كان ينطق ببعض النصوص التي حفظها من العهد القديم، لا على أنها وحي أوحي إليه، بل تراث ديني ورثه عن الأقدمين، وجاء نص الحديث قريباً منه في معناه.
ولم يدع بولس النبوة ولا الرسالة بمعناها الشرعي -تنزل الوحي عليه- بل الرسالة بمعناها اللغوي، وكل من يحمل دعوة يريد إيصالها إلى الغير يسمى رسولاً في اللغة، وإذا كان النص يقارب في دلالته معنى الحديث الشريف، فإن الإسلام لم يقل ببطلان كل ما في التوراة والإنجيل، ولكن قال بوقوع تحريف فيهما، وذلك يعني أن الحق قد اختلط بالباطل، فبقيت بقية من حق مثل الوصايا العشر وتوحيد الإله في العهد القديم، وكثر الباطل مثل شرب نوح للخمرة وتجارة إبراهيم بعرض زوجته وكذب يعقوب على أبيه وزنا لوط بابنتيه وزنا داود بامرأة أوريا الحث وقتله وعبادة الأوثان في بيت سليمان وكذب أيوب، وفي العهد الجديد تسلط الشيطان على المسيح، وتحويل المسيح الماء خمراً في عرس قانا الجليل وشرب الخمر وسقي أتباعه في العشاء الأخير وأُخذ إلى الحاكم وعُلِّق على الصليب -وهو الإله- وبصق على وجهه وضرب على رأسه وصلب رغم أنفه ودفن في قبره وقام من موته، كل ذلك وهو الله كما يعتقد النصارى أو ابن الله أو ثالث ثلاثة.
إن بولس (شارل) دخل النصرانية ليهدمها، فقد نقلها من التوحيد إلى التثليث وأحل الخمر وأباح الخنزير ودعا إلى التبتل ونقل المسيحية من المحلية كما قال عيسى:"اذهبي يا امرأة فإني لم أرسل إلا إلى الخراف الضالة من بني إسرائيل" إلى العالمية، كما في قوله:"إن المسيح مات من أجل خطايانا نحن البشر".
وهذا شأن اليهود إذا عجزوا عن مواجهة دين من الأديان ادعوا اتباعه، ليكون الهدم من خلال الاتباع بعد تضليل الأتباع، وقد حفظ الله القرآن من صنيعهم هذا حين تعهد بحفظه بنفسه "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" [الحجر: 9] .
لمزيد من البيان راجع: رسالة في اللاهوت (سبينوزا) .
محاضرات في النصرانية (محمد أبو زهرة) .
الإنجيل والصليب (عبد الأحد داود) .(13/501)