زكاة قيمة الذهب
المجيب د. حمد بن حماد الحماد
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
كتاب الزكاة/ الأموال الزكوية/زكاة النقدين
التاريخ 26/11/1423هـ
السؤال
عندنا في مصر ارتفع سعر الذهب بصورة عالية وقام بعض الناس ببيع الذهب الذي عندهم للاستفادة من السعر المرتفع فهل يجب في حقهم الزكاة بعد أن تحولت نيتهم من الزينة للكنز؟
الجواب
إذا تغيرت النية بالنسبة للذهب المعد للاستعمال فتجب فيه الزكاة، فمن حين تغيرت النية يبدأ الحول، فإذا تم الحول وهو على هذه النية تخرج عنه الزكاة.(6/378)
زكاة ذهب الحلي
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/ الأموال الزكوية/زكاة النقدين
التاريخ 22/11/1424هـ
السؤال
أمتلك ذهباً اشتريته للزينة عندما كنت عزباء، وعندما تزوجت اشترى لي زوجي ذهباً أيضا كمهر، فهل تترتب الزكاة على الذهب الذي اشتريته وأنا عزباء؟ وكذلك عن الذهب الذي اشتراه لي زوجي؟ وهل يجوز أن أدفع الزكاة المترتبة على الذهب لزوجي لكونه عليه دين لا يستطيع سداده؟ علماً أنني أعمل ولدي راتب أعطيه لزوجي كل شهر. فهل يمكن أن أعتبر هذا الراتب زكاة عن الذهب وما زاد صدقة؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالجواب: أن الزكاة تجب في حلي المرأة المعد للزينة أو الاستعمال في الراجح من قولي العلماء، فتجب الزكاة على كل الحلي الذي عندك إذا بلغ نصاباً سواء ما كان قبل زواجك أو بعده، وذلك في المستقبل، أما ما مضى من السنين فلعل الله يعفو ويسامح، لا سيما مع قول بعض أهل العلم بعدم وجوب الزكاة، ثم إنك لم تخرجي زكاته لعدم علمك بوجوبها في الحلي المستعمل.(6/379)
أما ما ذكرتيه في سؤالك بقولك: وهل يجوز أن أدفع الزكاة المترتبة على الذهب لزوجي لكونه عليه دين لا يستطيع سداده، فالجواب أن من العلماء من لا يجيز دفع الزكاة للزوج، ومنهم من يجيز ذلك وهو الراجح في نظري، والذي أختاره لقصة زينب امرأة ابن مسعود -رضي الله عنهما- فقد كانت - رضي الله عنها- تنفق على زوجها وأيتاماً في حجرها، فقالت لعبد الله - رضي الله عنه- سل رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: أيجزئ عني أن أنفق عليك وعلى أيتام في حجري من الصدقة؟ فقال: سلي أنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... الحديث، وفيه أن بلالاً سأل لها الرسول - صلى الله عليه وسلم- فقال - صلى الله عليه وسلم-: "نعم ولها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة" رواه البخاري (1466) ومسلم (1000) ، هذا وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بهذه الترجمة (باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجرة) ، قال ابن حجر في فتح الباري ص (329ج3) ، ما نصه واستدل بهذا الحديث على جواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها وهو قول الشافعي والثوري وصاحبي أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك وعن أحمد. انتهى محل الغرض منه. هذا وبناء على ما تقدم فالراجح جواز دفع الزكاة للزوج المحتاج. والله أعلم.(6/380)
زكاة الحلي
المجيب أ. د. صالح بن عبد الله اللاحم
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/ الأموال الزكوية/زكاة النقدين
التاريخ 11/7/1424هـ
السؤال
وجبت زكاة الذهب على زوجتي في شهر أغسطس الماضي ولم تؤدها بسبب أنني أدرس في الخارج حالياً، والذهب لم تلبسه منذ شهر يناير الماضي لوجوده في بلدنا الأصلي، فأرجو منكم إخباري عن كيفية دفع الزكاة، وما الذي ترتب عن هذا التأخير، وهل هي من تدفع الزكاة من المبلغ الشهري الذي أعطيه إياها أو مني؟ علماً أنها غير موظفة وليس لها دخل سوى المبلغ الشهري الذي أعطيه إياها، أرجو سرعة الرد مع جزيل الشكر.
الجواب
اختلف أهل العلم في حكم الزكاة على الحلي، والذي عليه أكثر أهل العلم عدم وجوب الزكاة فيه، فعليه ليس على زوجتك زكاة، لكن لو أردتم الأخذ بالأحوط وهو القول الثاني، فإنها تخرج ربع عشر هذا الذهب، ولها أن تخرج هذا المقدار مما معها من نقود، فإذا ملكتها ذلك المبلغ، كان لها أن تدفع منه الزكاة.(6/381)
زكاة الذهب
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/ الأموال الزكوية/زكاة النقدين
التاريخ 24/09/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
أخبرتنا الوالدة بأن لديها ذهبًا منذ حوالي 13 سنة، وهي تحتفظ به لعلها تحتاج إليه فتبيعه، وهذه هي نيتها، وقد قالت لنا إنها لم تكن تدري بأنه تجب فيه الزكاة، وعندما حملناه للصائغ أخبرنا بأنه ينقسم قسمين: أحدهما من عيار 18 والآخر من عيار 22، وعندما سألناه: هل يستطيع أن يخبرنا عن أسعار الذهب طوال الـ 13 السنة الماضية، قال: إن هذا صعب جدًّا, ولكنه أخبرنا بأن سعره منذ 13 عامًا كان تقريبًا 30 دينارًا للجرام، والآن انخفض سعره إلى 18 دينارًا للجرام الواحد, حيث إننا كنا نعاني من التضخم في الأسعار. فنرجو أن تخبرونا كيف نخرج زكاة هذا الذهب، حيث إننا لن نستطيع معرفة قيمة الذهب في الماضي عندما كان يحول عليه الحول كل مرة, ومن أي عيار نخرج الزكاة من عيار 18 أم من عيار 22؟ جزاكم الله خيرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن الذهب المملوك لوالدتكم إن كانت اقتنته ابتداء للاستعمال وفي نيتها بيعه عند الحاجة إليه فلا زكاة فيه عند أكثر أهل العلم، وهو الصحيح من قولي العلماء، فإن رغبت هي في زكاته احتياطًا فليس عليها زكاته عن السنوات الماضية بل تزكيه ابتداء من هذه السنة.
وتقويمه يكون بسؤال الباعة عن قيراط الذهب الخالص في السوق يوم الزكاة، وتقوِّم به المرأة حليها، ولا تنظر إلى ما فيه من أحجار كريمة وجودة صناعة أو عيار أو غيره، لأنه- والحال ما ذكر- ليس من عروض التجارة.(6/382)
زكاة الحلي
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/ الأموال الزكوية/زكاة النقدين
التاريخ 22/11/1425هـ
السؤال
هل يجب إخراج الزكاة عن الذهب الذي تلبسه المرأة؟ وما هو النصاب لهذا الذهب؟ إن كان عندي 15 تولاً من الذهب فهل يجب عليّ أن أخرج الزكاة عن 15 تولاً كلها؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه، وبعد.
أن الزكاة تجب في حلي المرأة على القول الراجح إذا بلغ نصابًا وهو خمسة وثمانون 85 غرامًا من الذهب أو مائتا 200 درهم من الفضة. هذا وإذا كانت 15 تولاً تعدل من النصاب المذكور آنفًا فتجب فيها الزكاة في العشر.(6/383)
هل في نتاج المزرعة زكاة؟!
المجيب د. حسين بن عبد الله العبيدي
رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/ الأموال الزكوية/زكاة العقار والمقتنيات
التاريخ 24/05/1427هـ
السؤال
رجل أشترى أرضاً للزراعة، ونيته أن يستفيد من إنتاجها من الخضراوات والفواكه والحبوب وغير ذلك، دون قصد التجارة بما تنتج هذه الأرض، فهل تجب عليه زكاة في أصل العقار؟ وهل عليه زكاة على الخارج من الأرض؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأما أصل العقار فلا نجب فيه زكاة، ما دام ليس للتجارة، وأما الخارج من الأرض فإذا كان زرعاً -حبوباً- أو ثماراً وبلغت النصاب وهو خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً، أي ما يعادل 300صاع، أي:900كيلو، فتجب فيه الزكاة؛ وهي: العشر إن كانت الأرض تسقى بغير مؤنة ولا كلفة، أما إن كان السقي بكلفة ومؤنة -ومواطير وأدوات كهربائية، فيجب نصف العشر.
أما الخضراوات فليس في أعيانها زكاة، إنما الزكاة فيما يكال ويدخر. والله أعلم.(6/384)
هل في الأثاث زكاة؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله اللهيبي
رئيس محكمة التمييز سابقا
كتاب الزكاة/ الأموال الزكوية/زكاة العقار والمقتنيات
التاريخ 08/05/1427هـ
السؤال
لدي منزل منذ عشر سنين، قيمته الآن ثلاثمائة ألف ريال، وعليَّ ديون بمائة ألف ريال، وليس لدي شيء من المال نقداً فهل عليَّ بيع المنزل لدفع الزكاة عن السنوات الماضية؟ وهل على أثاث المنزل والأجهزة الكهربائية زكاة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا كان هذا المنزل مُعَدًّا للتأجير والاستغلال، فإنه لا زكاة في قيمته، وإنما الزكاة تجب في أجرته إذا حال عليها الحول، فإن تصرف صاحب المنزل في الأجرة قبل تمام الحول فلا زكاة فيها، وإذا كان معدًّا للتأجير إلا أنه لم يؤجر فإنه لا زكاة فيه.
أما إذا كان هذا المنزل معدًّا للتجارة والتكسب، وصاحبه ينتظر في بيعه ارتفاع سعره، فإن الزكاة تجب في قيمته منذ أن نواه صاحبه للتجارة، فيقوّم كل سنة بالقيمة التي يمكن أن يباع بها، وتختلف هذه القيمة -في الغالب- من سنة إلى سنة، إما بالزيادة أو النقصان.
وعليه فإذا كان هذا المنزل معدًّا للتجارة، فإن الزكاة تجب في قيمته منذ أن نواه صاحبه للتجارة، أما الأثاث المستعمل لأغراض المنزل والأجهزة الكهربائية فيه فلا زكاة فيها، لكن إذا كانت معدة للبيع والشراء والمتاجرة فيها، فإنها تقوّم قيمتها كل سنة وتؤدى منها الزكاة -كما تقدم -والله أعلم- وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(6/385)
تعجيل الزكاة قبل وقتها
المجيب د. عبد الله بن ناصر السلمي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 6/5/1422
السؤال
لديَّ أموال تحين زكاتها في ربيع الثاني، وقد زكيتها فهل لي أن اجعل زكاتها في شهر ذي الحجة من هذه السنة نفسها، بأن أقدم زكاتها للعام القادم، وتصير زكاة أموالي في شهر ذي الحجة من كل عام؛ لأنه شهر فضيل؟
الجواب
الجواب: الصواب مذهب جماهير أهل العلم في أنه لا بأس في تقديم الزكاة عن وقتها، وأصحّ شيء في الباب حديث أبي هريرة كما في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: وأما العباس فهي عليّ ومثلها معها) أي الزكاة. قال أهل العلم في قول النبي في هذا: إن النبي تحمّل عن العباس زكاة عامه، والعام القادم. وهذا على مذهب الشافعية الحنابلة وقول عند المالكية.(6/386)
صرف الزكاة في إقامة الدورات العلمية؟
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 29/4/1422
السؤال
نحن لجنة دعوية من مهامها إرسال الدُعاة وطلبة العلم إلى جهات مختلفة في أوروبا لإقامة دورات شرعية والقيام بجولات دعوية، وحيث أن عملاً كهذا يحتاج إلى ميزانية تُصرف في شراء التذاكر وأجرة الإقامة والإعاشة والتنقل وشراء الجوائز التشجيعية للطلاب وغيرها، وحيث يصعب أحياناً جمع تلك الميزانية من أموال الصدقة. آمل من فضيلتكم بيان حكم أخذ أموال الزكاة في دعم مناشط هذه اللجنة الدعوية؟
الجواب
هذه الأعمال الدعوية تعتبر في سبيل الله؛ فإنها وسيلة إلى نشر الإسلام وتمكينه في النفوس وتعليم العلم الصحيح الذي تصح به العبادات وفيها دعوة لغير المسلمين حتى يعتنقوا الإسلام بواسطة هؤلاء الدعاة الذين يقيمون تلك الدورات الشرعية والجولات الدعوية ويهدي الله بدعوتهم الخلق الكثير، فكل ذلك داخل في سبيل الله؛ فإن المجاهدين يبدؤون قبل القتال بدعوة الكفار إلى الإسلام ويرغبونهم فيه وقد يبذلون لهم شيئاً من الزكاة كَسَهْمِ المؤلفة قلوبهم ونحو ذلك، فلكم صرف الزكاة في شراء التذاكر وأجرة الإقامة والإعاشة والجوائز ونحو ذلك، وتدخل في سبيل الله أو سهم العاملين عليها أو في سهم المؤلفة قلوبهم، فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى. والله أعلم.(6/387)
بناء السكن الخيري من الزكاة
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 29/4/1422
السؤال
لديَّ زكاة مال، فهل يجوز لي صرفها لمؤسسة خيرية لبناء مبنى سكني لطلبة العلم الشرعي في معهدها؟
الجواب
مصارف الزكاة في الأصناف التي ذُكرت في القرآن وهم الفقراء الذين لا دخل لهم، أو دخلهم لا يكفيهم نصف الشهر، والمساكين الذين يكفيهم دخلهم أكثر من نصف الشهر، والعاملون عليها الذين يجبونها ويفرقونها إذا لم يكن لهم رواتب من الدولة، والمؤلفة قلوبهم ممن يُرجى إسلامه أو كف شره أو قوة إيمانه أو إسلام نظيره، والمُكاتبون أي المماليك الذين يشترون أنفسهم، والغارمون الذين تحملوا دينَّا لا يقدرون على سداده، والمُجاهدون الذين ليس لهم رواتب، وابن السبيل المنقطع الذي لا يقدر أن يصل إلى بلده، ولا شك أن طلبة العلم إذا كانوا فقراء أو مساكين حل لهم الأخذ من الزكاة بالنفقة عليهم ولأجرة السكن وأجرة التنقل وقيمة الكتب التي يُحتاج إليها، فإذا كانت تلك المؤسسة الخيرية تُنفق على الفُقراء واليتامي والغارمين جاز أن يُدفع لها ما تتقوى به على كفالة اليتامى والإنفاق على الأرامل والضعفاء والعجزة ونحوهم رجاء أن يكون عندهم ما يُسبب استمرارهم في تلك المشاريع الخيرية، وقد يكون مبنى السكن لطلبة العلم المتغربين من جملة الأعمال الخيرية التي يعود نفعها لهؤلاء الفقراء المُتفرغين لطلب العلم، فيجوز بناؤه من الزكاة إذا لم يوجد مصارف غير الزكاة. والله أعلم.(6/388)
إقامة المشاريع التجارية بأموال الزكاة
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 29/4/1422
السؤال
يعتمد العمل الإغاثي بنسبة كبيرة على الأعمال التجارية، ولا تخلو الهيئات والمؤسسات التنصيرية من ممارسة أنشطة تجارية تدعم أنشطتها التنصيرية، فهل يجوز للمؤسسة إقامة مشاريع تجارية من أموال الزكوات والصدقات لضمان الإنفاق على مشاريعها الخيرية المختلفة؟
الجواب
امانع من إقامة مشاريع تجارية من أموال الصدقات ليكون لها غلة وأرباحاً تُصرف في المشاريع الخيرية، فإن لم يوجد لتلك المشاريع إلا الزكاة فإنه يجوز صرفها من الزكاة أو تمويل تلك المشاريع من الزكاة الزائدة عن قدر الحاجة مع الحرص على رد ما اقترض من بند الزكاة قبل تمام الحول حتى يُصرف لمستحقيه.(6/389)
تقسيط الزكاة على المستحق
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 14/2/1424هـ
السؤال
يوجد عندي أخ مستحق للزكاة وأرسل له مخصصاً شهرياً، هل يجوز لي أن أرسل له من زكاتي التي أخرجها في رمضان؟ وهذا يعني أن أحتفظ بمبلغ الزكاة عندي وأرسل له المخصص شهرياً، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
إذا كان أخوك ليس له أب ولا ابن بمعنى أنك ترثه لو مات، فتجب عليك نفقته ما دام فقيراً وأنت غني مقتدر؛ لقوله تعالى:"وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده" [البقرة: 233] ، ثم قال:"وعلى الوارث مثل ذلك" [البقرة: 233] ،وعلى هذا فلا يجزئك أن تعطيه من زكاتك.
أما إذا كان له ابن أو أب حي فنفقته لا تجب عليك؛ لأنك لا ترثه لو مات، لأن أباه وولده يحجبانك عن إرثه، وعلى هذا يصح لك أن تعطيه من زكاتك، بل هي صدقة وبر وصلة.
ويجوز لك بعد إخراجها وتمييزها عن مالك أن تبقيها عندك وتقسطها لأخيك أقساطاً شهرية إذا كنت تخشى أن ينفقها في غير منفعته، ولكن بشرط ألا تنميها لمصلحتك ولا تستثمرها لنفسك، وإنما تكون عندك كأمانة لأخيك وتصبح وكيلاً له عليها، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(6/390)
استثمرت مالي فهل أستمر في الزكاة؟
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 2/1/1425هـ
السؤال
كان عندي مبلغ وقدره أربعمائة ألف ريال، وكنت أزكيه، ثم أدخلته في عملية استثمارية (مساهمة عقارية) قبل ثلاثة أشهر، هل أستمر في الزكاة على رأس المال؟ أم أتوقف حتى انتهاء العملية الاستثمارية، ومن ثم أواصل الزكاة؟
الجواب
ينبغي لك ما دام أنك وضعتها في عملية استثمارية، والمقصود منها تحصيل الكسب، وتنمية التجارة، وتحصيل ما ينتج عنها أن تستمر في إخراج الزكاة، ولا تتوقف عن إخراجها، فإذا حال عليها الحول تجب زكاتها؛ لأن هذا من جنس عروض التجارة.(6/391)
تأخير الزكاة إلى رمضان
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 12/09/1425هـ
السؤال
إذا كان الإنسان لديه ذهب ولا يتجر به، وقد أخذ بالقول الذي يقول بعدم الوجوب في الزكاة في الذهب والفضة، ثم إنه مؤخراً حاد عن ذلك، وأراد أن يزكي خروجاً من الخلاف، فهل يزكي على ما مضى من السنوات؟ ثم هل يجوز له أن يؤخر الزكاة عن وقتها إلى شهر رمضان؟
الجواب
إذا كان الذهب والفضة حلياً مستعملاً فهناك من العلماء من قال بعدم وجوب الزكاة فيه، ومن كان متبعاً لهم في ذلك ثم تغير اجتهاده فإنه لا يزكي عمّا مضى، ولكن يزكَّي السنة الحاضرة فقط، ولا يجوز له تأخير الزكاة عن وقتها إلا لعذر؛ كأن يكون ماله غير حاضر، أو يؤخر لفقير نصيبه من زكاته، وعليه أن يحتاط لنفسه فيسجل هذا خوفاً من النسيان، أو مباغتة الأجل فتبقى الزكاة في ذمته.(6/392)
أثر النية في زكاة العقار
المجيب د. محمد بن صالح الفوزان
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 8/1/1425هـ
السؤال
حصلت على قطعة أرض منحة، ولم أقرر ما أفعل بها، وبعد سنتين قررت بيعها، فعرضتها للبيع لمدة أربعة أشهر ثم بعتها، هل عليها زكاة؟
الجواب
الأراضي التي يحصل عليها الإنسان عن طريق المنح، ولم يقرر هل يبيعها أو يبنيها سكناً ليس عليها زكاة، فإذا قرر بيعها وعرضها أصبحت عروض تجارة من حين عرضها، فإذا حال عليه الحول أخرج زكاتها، وإن باعها قبل الحول وبقي المبلغ عنده حتى حال الحول أخرج منه الزكاة، وكذا إذا بقي منه شيء قدر نصاب، وإن تصرف في المبلغ قبل أن يحول الحول فلا زكاة فيها، وبعض أهل العلم يرى أنه إذا باعها يزكيها عن سنة، ولو لم يمض على عرضها للبيع سنة، والله أعلم.(6/393)
إخراج زكاة النقد بعملة أخرى
المجيب د. راشد بن أحمد العليوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 10/7/1424هـ
السؤال
عندي مبلغ 1000 دولار في البنك وقد حال عليها الحول فأردت إخراج الزكاة بالجنيه المصري، لكن يوجد حالياً سعران للصرف (رسمي وغير رسمي) ، فهل هناك حرج في إخراج ما يقابل الدولار بأحد السعرين.
الجواب
الأصل أن تخرج الزكاة بنفس العملة وهو الدولار، ويجوز أن تخرجها بما يعادله من عملة أخرى كالجنيه ونحوه، وإذا كان له سعران في صرفه فتقومه بالأحظ والأنفع للفقراء ومصارف الزكاة، والله أعلم.(6/394)
ليس عنده نقود يزكي بها
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 16/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
سؤالي هو أني لدي محل تجاري وعلي ديون ولا أستطيع دفع الزكاة. فماذا أفعل؟ أفيدونا أفادكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فعليك أن تخرج الزكاة ولو أن تستدين لإخراجها، وأما وجود الديون عليك فالصواب من كلام أهل العلم أنه لا أثر لذلك في منع الزكاة، بل تزكي ما عندك ولا تسقط ما عليك من الديون من مجموع ما عندك، فإذا كان محلك التجاري يساوي مائة ألف ريال وعليك ديون تساوي خمسين ألف ريال فيجب عليك زكاة مائة ألف ريال ولا تلتفت للخمسين ألف التي عليك، ومن أهل العلم يقول إذا لم يوجد عند من وجبت عليه الزكاة سيولة نقدية، فله أن يخرج من عروض التجارة، وهذا قول له حظ من النظر لاسيما إذا كان ذلك أصلح للفقير.(6/395)
زكاة العقار والثمار
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 9/3/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
ورثت عقارات من أبي -رحمه الله- منذ بضع سنين، وهي مؤجرة، أريد طريقة سهلة استخدمها؛ لكي أخرج الزكاة؟ علماً أني لم أخرج الزكاة منذ أكثر من ثلاث سنوات وحتى هذا الوقت، ولا أعرف كم كان لدي من مال في ذلك الوقت، وهل علي شيء في ذلك؟ ولدي مزرعة نخيل نبيع ثمارها كل سنة وهو في نخله، هل الزكاة تجب عليّ أم على الذي اشتراه؟ وإذا كانت تجب عليّ هل أخرجها مالاً أم أخرجها تمراً؟
الجواب
العقارات المؤجرة ليس في عينها زكاة، وإنما في الأجرة إذا حال عليها الحول وكانت نصاباً فزكاتها ربع العشر، وأما إذا استلمتها وأنفقتها فلا زكاة فيها واجبة، وإنما فيها صدقة التطوع الذي تجود به نفسك.
وزكاة ثمرة النخيل عليك وهي نصف العشر إن كانت تسقى بمؤونة، والعشر إن كانت تسقى دون مؤونة، وإخراج الزكاة من عين الثمرة، فإن بعتها جميعاً ولم تستبق منها شيئاً، فإن شئت فاشتر مقدار الزكاة من السوق، أو ادفعها من القيمة التي بعت بها، وحاسب نفسك أخي في ذلك محاسبة الشريك الشحيح براءة لذمتك؛ لأن الزكاة إذا خالطت مالاً ولم تخرج منه أفسدته؛ لأنها حق الفقراء.(6/396)
نصاب الذهب في الزكاة
المجيب أ. د. ياسين بن ناصر الخطيب
أستاذ بقسم القضاء في جامعة أم القرى
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 06/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
كيف جاء الحكم بنصاب الزكاة أنه 85 غرام من قيمة الذهب؟ فهناك حديث عن وعيد النبي -صلى الله عليه وسلم- لامرأة ترتدي سوارين إن لم تكن تؤدي زكاتهما. فهل كان ذلك بسبب أن السوارين يساويان فوق 85 غرام؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
جاء في سنن البيهقي الكبرى 4 /137، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "هاتوا إلى ربع العشور: من كل أربعين درهماً درهمٌ، وليس عليك شيء حتى يكون لك مائتا درهم، فإذا كانت لك مائتا درهم، وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كانت لك، وحال عليها الحول؛ ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك) .
فقد حدّد النبي - صلى الله عليه وسلم- في حديثه هذا نصاب الذهب بعشرين مثقالاً.
والمثقال ووزنه 20/4% أربع غرامات وعشرون بالمائة من الغرام تقريباً، فإذا ضربنا 20 في 20/4=84 غراماً، فحتى يزيلوا الشك قالوا: 85 غراماً.
وتسأل عن حديث وعيد النبي -صلى الله عليه وسلم- لامرأة ترتدي سوارين من ذهب، فهل كان ذلك بسبب أن السوارين فوق 85 غراماً، هذا الحديث روي في سنن أبي داود (1563) ، والنسائي (2479) ، وسنن البيهقي الكبرى 4/140، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن امرأة أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: "أتعطين زكاة هذا؟ " قالت: لا، قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ " قال: فخطفتهما فألقتهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-، وقالت: هما لله -عز وجل-، ولرسوله) ا. هـ.
قال العلماء: كانت هاتان المسكتان أكثر من الحلي المعتاد، أو أنه كان في أول الإسلام، ولم ينظر الفقهاء إلى الوزن، هل كان 85 غراماً أو أكثر. والله أعلم.(6/397)
تعجيل الزكاة
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 24/2/1425هـ
السؤال
هل يجوز أن أدفع الزكاة مقدماً عن أربع سنوات أو أكثر، لشخص فقير لبناء منزل؟
على أن أقوم بحساب الزكاة سنوياً، فإن كان ما دفعته أقل أخرجت الفرق، وإن كان أكثر فلا بأس فهي زيادة في الخير إن شاء الله. أفتوني مأجورين إن شاء الله.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
ما يتعلق بتعجيل الزكاة فقد أجازها بعض العلماء لسنتين، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد - رحمه الله- ودليل ذلك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تعجل من العباس - رضي الله عنه- صدقة عامين، انظر جامع الترمذي (678) ، والدارقطني (2/124) ، وانظر الفتح (3/333-334) ، وأيضاً يدل له ما في الصحيحين البخاري (1468) ، ومسلم (983) أنه لما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- عمر - رضي الله عنه- على صدقة فقيل: منع العباس، وخالد، وابن جميل، - رضي الله عنهم- فقال - عليه الصلاة والسلام-: "أما العباس فهي عليه صدقة ومثلها معها" وأما الأمر الآخر وهو دفعها لهذا الفقير الذي يعمر منزلاً، فنقول: لا بأس أن تدفع لمن يعمر منزلاً يليق بحاله بشرط أن تكون في سداد الغرامات التي لحقته، فإذا لحقته ديون وغرامات بسبب أجرة البنائين، أو بسبب شراء مواد، ونحو ذلك، فإنها تُسدَّد من هذه الزكاة. والله أعلم.(6/398)
كيف تزكي ما أودعه أبوها باسمها؟
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن المشعل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 3/6/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
نحن منذ صغرنا قسّم أبي علينا -أنا وإخوتي - أمواله، ووضعها في بنك بأسمائنا، ولكن هذه الأموال منها ما وضعه أبي من كسبه، ومنها ما هو فوائد من البنك، وعند زواجي أخذت جزءاً منها لجهازي، وما تبقَّى من الأموال يتعدى نصاب الزكاة، وأنا زوجة، ولا أعمل وليس لي دخل خاص، وهذه الأموال يرفض أبي أن أسحب منها لشراء شيء لنفسي، أو تسديد ديون زوجي، حتى تكون لي مثل الميراث بعد وفاة والدي، حتى دفتر هذه الأموال مع أبي، ولا أستطيع التصرف فيها بغير إذنه، وإن حاولت سحب هذه الأموال من دون علمه سيغضب عليَّ. السؤال:
1- من الذي يجب عليه إخراج الزكاة عن هذه الأموال؟ هل هو أبي؟ أم هي واجبة علي ما دامت الأموال باسمي؟
2- ما مقدار الزكاة الواجبة؟ إذا سحبت من هذه الأموال كل سنة الزكاة على المجموع الكلي ستنقص كثيراً؛ لأن فوائد البنك قليلة لا تكفي، وسمعت فتوى تقول: بأنه يجوز إخراج الزكاة على الفوائد فقط، وليس على كل المال وكأنها عروض تجارة. فماذا أفعل؟
3-هل الأموال التي سحبتها لجهازي حلال أم حرام؟ علماً بأن نيتي كانت أنني سحبت لجهازي من الجزء الحلال؟
4- بعد وفاة أبي - فرضاً - وعند انتقال المال إلي، ماذا عليَّ أن أفعل؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أولاً: إن كان أبوك قد قصد بهذه القسمة توزيع المال عليكم بعد موته فهذا العمل وصية، والوصية للوارث لا تجوز؛ لما جاء في الحديث: "لا وصية لوارث" رواه الترمذي (2120) وأبو داود (3565) وابن ماجة (2398) عن أبي أمامة الباعلي - رضي الله عنه-، ولأن الله تعالى قد قسم المال بين الورثة، فلا حاجة لأن يقسمه الميت.(6/399)
ثانياً: إن كان قصد بهذه القسمة حفظ المال لحاجات أولاده أثناء حياته فهذا لا بأس به، فله أن يملِّك أولاده، وله أن يرجع فيما أعطاهم، لكن يجب عليه العدل بين الأولاد.
ثالثاً: تجب الزكاة على المالك الحقيقي، وهو الأب في الحالة الأولى، والولد في الحالة الثانية.
رابعاً: لا يجوز للمسلم أن يضع أمواله في بنك ربوي، سواء أخذ الفوائد أو لم يأخذها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه رواه مسلم (1598) من حديث جابر - رضي الله عنه -، والفوائد القليلة والكثيرة سواء في الحكم كلها ربا محرم، والربا أكبر الكبائر.
خامساً: أما مقدار الزكاة الواجبة فهي ربع العشر 2.5%، أو يقسم المال على أربعين، فما نتج فهو القدر الواجب من الزكاة. والله أعلم.(6/400)
هل يعد من الزكاة التنازل عن أجرة خدمة الفقير؟
المجيب د. فيحان بن شالي المطيري
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 21/3/1425هـ
السؤال
أنا طبيب، يأتيني الغني والفقير، والكبير والصغير، فهل يمكنني أن أعتبر التنازل عن أجر الكشف الطبي للفقير من مستحقات الزكاة المتوجبة؟.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
من المعلوم عند أهل العلم أن الزكاة تسليم من المزكي، واستلام من المستحق، وعلى هذا لا يكون التنازل عن الكشف عن المريض محسوباً من الزكاة؛ لأن أهل العلم نصوا على أنه لو كان للمزكي دين على الفقير فأراد التنازل عنه مقابل الزكاة لم يكن له ذلك، وما ذكر السائل نظير هذه المسألة. والله الموفق.(6/401)
زكاة الجمعية التعاونية
المجيب د. فيحان بن شالي المطيري
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 23/7/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: نحن ستة أشخاص كوَّنَّا جمعية للأمور الطارئة (مثل حادث أو مرض أو سلف) ، وذلك بدفع مبلغ وقدره عشرة دنانير من كل فرد شهريًّا، الآن أصبح المبلغ3000 دينار ولم يستخدم إلا ثلاث مرات بمبالغ بسيطة منذ عامين، فهل على المبلغ زكاة؟ وكيف تحسب؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ليس على هذا المبلغ زكاة؛ لأن المال المشترك ليس فيه زكاة إلا إذا كان من بهيمة الأنعام بشروط خاصة، أو كان شركة ويعلم كل شريكٍ قدر ماله، أما في هذه الحال فنصيب كل شريك مجهول، ثم أيضًا جمع هذا المال من باب الصدقة والتعاون على البر والتقوى، فلا زكاة فيه فيما يظهر لي. والله أعلم.(6/402)
ساعدت أخي فهل أحتسبها الآن من الزكاة؟
المجيب د. سعود بن محمد البشر
عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 30/06/1425هـ
السؤال
قمت بسداد بعض الديون التي كانت على أخي، ولكن لا أتذكر نيتي وقتها، هل هي من الزكاة أم مجرد مساعدة؟ فهل أعتبر تلك المبالغ من الزكاة، أم يجب تجديد النية، أم يجب إخراج الزكاة من جديد؟ وهل يجب إخبار من يأخذ الزكاة بأن ذلك زكاة مال، أم يكفي دفعها إليه دون إخباره؟.
الجواب
الزكاة عبادة لا بد لها من نية، والمال الذي أخرجته لم تنو به الزكاة، فيُعدُّ صدقة من الصدقات، وعليك أن تزكي مالك بنية مصاحبة للإخراج، وعليك أن تخبر من تعطيه المال بأنه زكاة إذا لم تكن متأكداً من استحقاقه لها، فقد تظن أنه أهل للزكاة وهو ليس كذلك، فيخبرك بأن الزكاة لا تحل له، أما إذا علمت حاله فلا حاجة لإخباره. وبالله التوفيق.(6/403)
هل على ثمن الأرض زكاة؟
المجيب د. زيد بن سعد الغنام
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 17/02/1426هـ
السؤال
لدينا أرض كانت مؤجرة للدولة لمدة خمس عشرة سنة، وأثناء هذه السنوات جاءت عروض للبيع، ولكن الورثة ليسوا متفقين، فمنهم من يرى البيع ومنهم من يرى التخطيط، ومنهم من يرى البقاء مؤجرة للدولة، ولم يكن هناك عرض جدي للبيع للأسباب السابقة، ثم يسر الله بيعها أخيراً. فهل على مبلغ البيع زكاة، بحيث إنه تتحقق فيه شروط الزكاة؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ليس عليكم زكاة على هذه الأرض؛ لأنكم لم تعزموا الأمر في عرضها للبيع، ولذا فلا تعد من عروض التجارة، ثم إنكم شركاء، والزكاة لا تجب على الشركاء إلا إذا بلغ نصيب كل واحد منهم نصاباً. والله أعلم.(6/404)
هل يحتسب ما أنفقه على أخيه من الزكاة؟
المجيب وليد بن إبراهيم العجاجي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 18/01/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
لي أخ غير شقيق وهو يتيم، وقد تكفلت بتعليمه في مدارس أهلية بمبلغ عشرة آلاف ريال سنوياً، فهل أعتبر المال الذي أنفقته على أخي من الزكاة؟ أفيدوني أفادكم الله.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، وبعد:
فإن القاعدة في ذلك: أن كل قريب تجب نفقته على المزكي فإنه لا يجوز أن يدفع إليه من الزكاة ما يكون سببًا لرفع النفقة عنه.
وتفصيل ذلك: أن القريب إما ألا تجب نفقته عليك، أو تجب: فإن لم تجب نفقته عليك فإنه يجوز دفع الزكاة إليه إذا كان من أهل الزكاة، مثاله: الأخ إذا كان له أبناء، فإنه والحالة هذه لا يجب على أخيه نفقته؛ نظرًا لعدم التوارث لوجود الأبناء، وهم يحجبون الأخ من الميراث.
أما إن وجبت نفقة القريب عليك فإنه لا يجوز أن يدفع إليه من الزكاة ما يكون سببًا لرفع النفقة عنه. ويفهم من ذلك: أن القريب الذي تجب نفقته قد لا يحتاج إلى الزكاة في النفقة لكن عليه دين فيجوز قضاء دينه من الزكاة ما دام هذا الدين الذي وجب عليه ليس سببه التقصير في النفقة.
مثال ذلك: رجل حصل لابنه حادث وألزم بغرامة السيارة التي أصابها، وليس عنده مال، فيجوز للأب أن يدفع الغرم الذي على الابن من زكاته- أي من زكاة الأب- لأن هذا الغرم ليس سببه النفقة، بل إنما وجب لأمر لا يتعلق بالإنفاق.(6/405)
ثم هناك أمر آخر، ألا وهو أن الواجب عليك هو دفع الزكاة، أما التصرف في المال الذي سوف تدفعه للفقير ونحوه من أهل الزكاة فلا يصح، ولا تبرأ ذمتك من الزكاة بهذا الفعل، ويستثنى من ذلك: أن يكون الفقير ونحوه من أهل الزكاة لا يحسنون التصرف في المال، أو أنهم ليسوا من أهل الولاية عليه، ففي هذه الحالة لا بأس بدفع مال الزكاة لوليهم، أو من يقوم على شؤونهم، فإنه أدرى بمصالحهم، فإن لم يوجد فلا بأس بقيامك أنت ـ إن كنت من أهل الخبرة، أو من تنيبه ـ بالتصرف في المال الذي سوف تدفعه لهم فيما تراهم محتاجين إليه من شراء طعام وكسوة، وسكن، وعلاج، وتعليم ونحوه.
والذي يظهر من سؤالك -يا أخي- هو أن اليتيم الذي هو أخوك غير الشقيق أنت وليه، وليس له وارث غيرك وإخوتك إن وجدوا، وبناءً عليه: فالذي أراه أن دفع الزكاة لتعليمه لا يصح؛ إذ تعليمه داخل في النفقة عليه، وأنت تجب عليك نفقته، وبالتالي فإنه لا يجوز أن يدفع إليه من الزكاة ما يكون سببًا لرفع النفقة عنه. والله أعلم.(6/406)
هل في هذا المال زكاة؟
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/أحكام إخراج الزكاة
التاريخ 3/11/1425هـ
السؤال
هل يجب على أمي أن تؤدي زكاة المال الذي تدخره لزواج أختي ولأداء فريضة الحج عن أبي؟ وقد أدت أمي فريضة الحج لنفسها.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وبعد.
أنه إذا حال الحول على هذا المال وجبت الزكاة عليها (أي على المرأة المذكورة) إن كان المال لا يزال عندها وباسمها، أما إن ملَّكته لغيرها فتجب الزكاة على ذلك الغير إذا مضى عليه سنة. والله أعلم.(6/407)
دفع الزكاة للزوج
المجيب د. سعود بن محمد البشر
عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء
كتاب الزكاة/الزكاة على الأقربين
التاريخ 13/7/1422
السؤال
هل يجوز دفع الزكاة للمقربين جداً؟ مثلاً أن تدفع الزوجة الزكاة للزوج -وهو مستحق للزكاة-، أو دفع الأخ الزكاة لأخيه -وهو مستحق للزكاة- وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا بأس أن تدفع الزوجة لزوجها زكاة مالها إذا كان محتاجاً؛ لقصة زينب الثقفية فقد أذن لها النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تدفع زكاتها لزوجها عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وقال لها: ((زوجك وولدك أحقّ من تصدّقت به عليهم)) أخرجه البخاري (1462) . ويجوز أن يدفعها الأخ لأخيه.(6/408)
زكاة الراتب الشهري
المجيب د. محمد بن صالح الفوزان
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
كتاب الزكاة/زكاة الرواتب
التاريخ 11/09/1425هـ
السؤال
توظفت مع بداية هذه السنة (1/1/1422) وبدأت أقتص من راتبي شهرياً وأضعه في خزنتي وأتمنى أن أزكي في شهر رمضان وأعود نفسي في كل سنة أني أزكي مالي في هذا الشهر.
السؤال: هل إذا جاء شهر ذي الحجة (عندها تكون أموالي التي استلمتها في شهر محرم لبثت في الخزنة سنة كاملة) أزكي من جديد، وإلا تكفيني زكاة كل أموالي في رمضان كل سنة أرجو إجابتي لأني ملخبط في موضوع الزكاة وأتمنى أن أعرف المفتي مع بالغ التقدير والاحترام لكل المسلمين.
الجواب
للمسلم في طريقة إخراج زكاته مسلكان:
الأول: أن يجعل حولا لكل مال يبلغ النصاب عنده ويزكيه عند تمام الحول وهذا قد يشق على من تأتيه أموال في كل شهر كمن يدخر من راتبه.
المسلك الثاني: أن يجعل له شهراً في السنة يزكي فيه جميع ماله منه ما مضى عليه الحول، ومنه مالم يمض عليه حول وهذا أسهل وأيسر للموظف الذي يدخر من راتبه.
والسائل هنا حين اقتطع من راتب شهر محرم هل هذا المال بلغ النصاب أم لا؟ فمتى بلغ النصاب بدأ الحول، وإذا أراد أن يجعل زكاته في رمضان فعليه في أول رمضان يمر عليه وعنده نصاب الزكاة، أن يخرج الزكاة ولو لم يكمل حولا ثم يصبح رمضان في كل سنة تمام حول الزكاة له.(6/409)
زكاة الراتب
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/زكاة الرواتب
التاريخ 6/10/1424هـ
السؤال
سؤالي عن زكاة المال، حيث إني اعتدت على إخراجها في أحد الأيام الأخيرة من رمضان، وكان مجموع المال الذي أملكه في رمضان الماضي ألفي ريال (2000) ريال، ثم في شهر ذي القعدة الماضي توظَّفت وصرت أحصل على راتب شهري، وعندما أتى موعد دفع زكاة المال لهذه السنة في رمضان احترت هل أزكي على جميع أموالي التي عندي وأكثرها من الراتب الذي أستلمه، أم أزكي عن المبلغ (2000) ريال الذي كان عندي في السنة الماضية، وهل في الدين الذي لي عند الناس زكاة، وهل تأخيري عن دفع الزكاة لمدة أسبوعين فيه إثم؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد فالجواب أنك تزكي الألفين التي عندك سابقاً، أما الراتب فتعمل له جدولاً لكل شهر، فإذا مرَّ عليه - أي الراتب- سنة وأنت لم تصرفه في نفقاتك فإنك تزكيه، ومثال ذلك: راتب شهر ذي القعدة مثلاً من عام 1422هـ لا تزكيه إلا في ذي القعدة عام 1423هـ إن لم تصرفه وهكذا بقية الشهور، وإن شق عليك ذلك وأردت في وقت زكاتك أن تزكي كل ما لديك من رواتب وغيرها كان حسناً وفيه زيادة فضل؛ لأنك ستزكي رواتب لم تمضِ عليها سنة، وهو أسهل من جعل جدول لكل راتب.
هذا والدين الذي لك عند الناس إن كان على مليء يدفع عند الطلب فهذا تزكيه مع مالك، أما إذا كان على معسر أو مماطل فهذا إذا قبضته تزكيه لسنة واحدة فقط على القول الراجح ولو مضى عليه عدة سنين.(6/410)
أما من ناحية تأخير الزكاة لأسبوعين فإن كان لمصلحة ظاهرة كانتظار من يستحقها أو من هو أحق وأولى بها فلا بأس، حتى ولو أخرها لثلاثة أشهر. أما من غير حاجة أو مصلحة فلا يجوز، لكن تأخيرها لأسبوعين أو نحوها في نظري أنه لا يضر إن شاء الله - تعالى-، والله أعلم.(6/411)
زكاة بدل التعيين
المجيب أ. د. حسين بن خلف الجبوري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الزكاة/زكاة الرواتب
التاريخ 1/1/1425هـ
السؤال
بدأت وزارة التربية والتعليم هذه الأيام بصرف بدل التعيين لمنسوبيها الذين لم يستلموه منذ عام 1406هـ إلى هذا الوقت، وهو راتب مستحق للموظف، والمفترض أن يستلمه في أول تعيينه، ولكنه لم يصرف إلا في هذه الفترة، والسؤال: هل تجب الزكاة في هذا الراتب؟ وهل يأخذ حكم الدين على مليء مماطل، فيزكى لسنة واحدة؟ أرجو الإجابة على سؤالي هذا؛ لأنه يخص أكثر من 150000 معلم في المملكة.
والسلام عليكم ورحمة الله.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده. وبعد:
فأقول وبالله -تعالى- التوفيق والسداد:
من المعروف شرعاً أن الزكاة تجب في المال الذي يحول عليه الحول بعد تحقق النصاب الشرعي الذي تجب فيه الزكاة، فهذا الراتب بعد استلامه إذا حال عليه الحول عندك تجب فيه الزكاة إن كان النصاب متحققاً فيه، كما أنه لا يأخذ حكم الدين؛ لأن هذا الراتب منحة من ولي الأمر، فله أن يعطيه وله أن يمنعه. هذا والله أعلم بالصواب.(6/412)
الزكاة على الابن الغارم
المجيب نزار بن صالح الشعيبي
القاضي بمحكمة الشقيق
كتاب الزكاة/الزكاة على الأقربين
التاريخ 16/3/1424هـ
السؤال
أنا رجل موظف وعندي تسعة أبناء وبنات، أكبرهم شاب عمره ستة وعشرون عاماً ونصف، لم يكمل دراسته الجامعية لظروف صحية نفسية، غير متزوج ويعيش مع باقي الأسرة، يعمل موظفاً بسيطاً براتب لا يكفي مصاريفه الشخصية الكثيرة، تورط مع أحد البنوك الربوية بقرضين ربويين يثقلان كاهله، سؤالي شيخي هو: هل يجوز أن أسدد عنه أحد القرضين أو كليهما وأحتسب ذلك من زكاة مالي؟ وهل يجوز أن أقدم دفع جزء من الزكاة قبل موعدها السنوي بأربعة أشهر؟ وهل أنا مكلف شرعاً بالإنفاق عليه وسداد ديونه في هذه السن؟ أرجو إفادتي بالحكم الشرعي في هذه المسألة وجزاكم الله خيرا.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
جواب السؤال الأول: يجب على الوالد أن ينفق على ابنه إذا كان غير قادر على الاكتساب، لصغر سن أو مرض، أو غير ذلك من الأسباب، وذلك بأن يؤمن له الحاجات الأساسية من مطعم، ومشرب، وملبس، وكذا لو كان الابن قادراً على الاكتساب إلا أن كسبه لا يغطي حاجاته الأساسية، أما ما يفضل عن الحاجات الأساسية فلا يجب عليك أن تؤمنها له.
قال ابن قدامة: "ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط: أحدها أن يكونوا فقراء لا مال لهم، ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم، فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يكفيهم فلا نفقة لهم. الثاني أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم فاضلاً عن نفقة نفسه إما من ماله أو من كسبه. الثالث: أن يكون المنفق وارثاً لقول الله -تعالى-: "وعلى الوارث مثل ذلك" [البقرة: 223] ، وقال أيضاً: والواجب في نفقة القريب قدر الكفاية من الخبز، والأدم، والكسوة بقدر العادة؛ لأنها وجبت للحاجة، فتقدر بما تندفع به الحاجة
المغني (24/419-420)(6/413)
السؤال الثاني: هل يجب عليك أن تسدد ديونه؟ أرى أن في المسألة تفصيلاً، إذ لا يخلو دينه إما أن يكون بسبب تفريطك في النفقة عليه النفقة الواجبة حتى اضطر إلى الدين، فهنا يجب عليك أن تسدد دينه؛ لأن دينه هذا كان بسبب تفريطك فأنت المتسبب فيه، وأما إن كنت تنفق عليه النفقة الواجبة، أو كانت النفقة غير واجبة عليك أصلاً لاختلال أحد الشروط التي ذكرها ابن قدامة أعلاه، وحصل عليه دين لإسرافه وتبذيره على نفسه، أو دخل تجارة فخسر أو التزم بالتزامات لم يف بها أو أتلف مالاً، أو غير ذلك من الأسباب التي تلحق عليه الدين فهنا لا يجب عليك أن تسدد دينه، ولو أدى به الأمر إلى دخوله السجن.
وأما ما يخص السؤال الثالث، فالجواب عليه نقول: لا يخلو دينه إما أن يجب عليك أن تسدده بناءً على ما أشرنا إليه في السؤال الثاني، وإما أن لا يجب عليك، فإن كان يجب عليك فلا يجوز لك أن توفي دينه من زكاتك؛ لأنك تحمي مالك الخاص من الزكاة والتي لها مصارفها الخاصة.
فإن لم يجب عليك سداد دينه، بناء على ما قررناه في جواب السؤال الثاني، فيجوز لك أن تسدد دينه من زكاتك لأن المحذور هنا انتفى.
قال ابن تيمية "والأظهر جواز دفع الزكاة إلى الوالدين إن كانوا غارمين أو مكاتبين، وقال أيضاً وكذلك إن كان على الولد دين ولا وفاء له جاز له أن يأخذ من زكاة أبيه" مجموع الفتاوى (25- 90، 92) .
وقال النووي: "قال أصحابنا ويجوز أن يدفع إلى ولده ووالده من سهم العاملين، والمكاتبين والغارمين والغزاة إن كانوا بهذه الصفة" المجموع (6/229) .(6/414)
لكن ينبغي أن يلاحظ أمر مهم ذكرته في سؤالك وهو أن دين ابنك كان بقروض ربوية فالأظهر لدي أن لا تدفع لابنك من الزكاة إلا مقابل رأس مال القرض، أما الزيادة فلا تدفعها من الزكاة لأنها محرمة ولا يجوز دفع الزكاة في أمر محرم، فلو كان ابنك قد اقترض عشرة آلاف على أن يسددها أحد عشر ألفاً فأعطه من الزكاة ما يغطي العشرة فقط لا الأحد عشر ألف كاملة.
السؤال الرابع: هل يجوز تقديم الزكاة؟ الصحيح من قولي أهل العلم أنه يجوز تقديم الزكاة عن الحول إذا كمل النصاب خصوصاً إذا وجدت مصلحة، قال ابن قدامة: متى وجد سبب وجوب الزكاة وهو النصاب الكامل جاز تقديم الزكاة، وبهذا قال الحسن، وسعيد بن جبير، والزهري، والأوزاعي، وأبو حنيفة، والشافعي الشرح الكبير (ج7، ص179) .(6/415)
زكاة المرأة على أولادها الفقراء
المجيب د. عبد الله بن عمر السحيباني
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الزكاة/الزكاة على الأقربين
التاريخ 1/11/1424هـ
السؤال
أنا سيدة مطلقة، ولي ولدان لا ينفق عليهما والدهما إطلاقا، أحيانا يزعم أنه غير قادر، وأحيانا أخرى أنه لا يريد الإنفاق عليهما إلا عن طريق اللجوء إلى المحاكم، أما أنا فميسورة الحال، أعمل في إحدى الشركات الاستثمارية براتب يقدر بحوالي ألف وخمسمائة جنية، ولي أملاك أخرى تدر علي عائداً شهريا حوالي ألف جنيه، ولي سيارة خاصة -والحمد لله-، ولكنها بالتقسيط، وباقي علي من قيمة القرض حوالي عشرين ألف جنيه، كما أن لي رصيداً في البنك يقدر بحوالي ثلاثة آلاف دولار, أخرج عن هذا المبلغ زكاة مال في كل عام، وأنا أقوم بالإنفاق على ولدي على أحسن ما يكون من مأكل وملبس وتعليم بمدارس لغات، والسؤال هو: هل يعتبر أولادي فقراء؟ حيث إن والدهم لا يقوم بالإنفاق عليهم إطلاقا، سواء كان سبب ذلك عدم مقدرته المالية، وأعتقد أنه معسر، أو سبب عدم إنفاقه هو العناد فقط، حيث يرى أنني ميسورة، وأن إنفاق زكاة مالي على أولادي جائز بحكم أنهم فقراء، وأن الإنفاق عليهم ليس واجبا علي إطلاقا، فمثلا لو أني أخرج كل عام مبلغ خمسمائة جنيه فيمكنني أن أقتطع منه ما يلزم لشراء الحاجات الضرورية فقط لأولادي؛ مثل مصروفات المدارس الحكومية، وأعني أنه لا يحق لي اقتطاع مصروفات مدارس لغات من الزكاة، حيث تعد هذه رفاهية غير واجبة للفقراء، وهكذا في الملبس والمأكل أي أعني من أن يكون من أوسط ما تأكلون وما تشربون.
ملحوظة:
أنا لا أتهرب من دفع زكاة مالي، حيث إنني أقوم بإخراجها سنويا وأتصدق بالكثير أيضا، لكن أنا فقط أسأل هل أولادي أولى الفقراء بزكاة مالي. جزاكم الله خيراً.
الجواب
الولد لا تدفع له الزكاة الواجبة، بل يجب الإنفاق على الأولاد من مال الأب إن كان يستطيع ذلك، وإلا فيجب على الأم ذلك، ولا يصح دفع الزكاة لهم عندئذ؛ لأن ذلك سبيل لإسقاط النفقة الواجبة، والله أعلم.(6/416)
دفع الزكاة للإخوة والأخوات
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الزكاة/الزكاة على الأقربين
التاريخ 13/7/1424هـ
السؤال
أنا أدخر مال زوجي، وقد وجبت عليه الزكاة، فهل يجوز أن أدفعها لأمي وأخواتي الفقيرات ولأخي الفقير المتزوج، مع أني أعلم أنه سينفق جزءاً منها على أمي؟ وجزاكم الله عني كل خير، وبارك الله فيكم.
الجواب
إذا كان المال هو مالك فلا يجوز لك أن تدفعي زكاته لأمك مطلقاً، ولا لأخيك، ولا أخواتك الفقراء إذا كنت ترثينهم، أمّا إذا كنت لا ترثين أخاك ولا أخواتك، لوجود الوالد، أو لوجود أولاد لهم ذكور فلا بأس أن تدفعي لهم الزكاة حتى لو أنفقوها على الوالدة إذا لم يكن هذا مقصوداً أصلاً.
أما إذا كان المال هو مال زوجك فله أن يدفع زكاته أو شيئاً منها لوالدتك وأخيك وأخواتك.(6/417)
دفع الزكاة إلى الإخوة والأخوات
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الزكاة/الزكاة على الأقربين
التاريخ 21/10/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1. هل يجوز أن أدفع زكاة أموالي إلى أخي القاصر وأختي؟ وهما يسكنان مع والدتي في منزلي (مع العلم أن والدنا متوفى) .
2. هل يجوز دفع الزكاة إلى زوجة أبي وإخواني وأخواتي غير الأشقاء؟ وجزاكم الله خيرا.
الجواب
لا يصح أن تدفع زكاتك لأبيك، ولا لأمك، ولا لأولادك كباراً كانوا أو صغاراً، ذكوراً كانوا أو إناثاً، ولا لأحد ممن ترثه فمثلاً أخوك وأختك الشقيقان لا تدفع لهما زكاتك ما دمت وارثاً لهما، لأنك ذكرت أن الوالد متوفى وأنهما صغار فلا يوجد من يحجبك من الميراث، وأما إخوتك من الأب فتدفع لهم زكاتك، لأن بعضهم يحجبك من ميراث البعض الآخر، وكذا زوجة أبيك المتوفى تدفع لها زكاتك، أما إذا كان الوالد حياً فلا يجوز لأن نفقتها على أبيك وأبوك إذا قصرت به النفقة عليه وعلى من يعول فيجب عليك أن تكمل نفقته من حر مالك لا من زكاتك.(6/418)
دفع الزكاة للأخت
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الزكاة/الزكاة على الأقربين
التاريخ 14/6/1424هـ
السؤال
هل تصح الزكاة على الأخت إذا كانت فعلاً محتاجة؟ وهل يصح أن يدفع لها كل ما أستخرجه للزكاة؟ حيث إنها محتاجة فعلاً لكل المال، مع العلم بأنه ليس لديهم شقة، وتعيش مع أهل زوجها، وتنشأ مشاكل دائمة بسبب هذا الوضع، وهذا المال يساعدها في تأسيس الشقة.
وشكراً، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
نقول: إذا كانت أخته، ليست تحت ولايته ولا ينفق عليها، وإنما ينفق عليها زوجها، أو أولادها ونحو ذلك، وهي فقيرة، بمعنى: أنه ليس عندها قدر كفايتها، فإن دفع الزكاة إليها أفضل من دفعها لغيرها؛ لأنها صدقة وصلة، فيحصل الإنسان بدفع الزكاة إليها أجر صلة القرابة -صلة الرحم-، ويحصل فضيلة إخراج الزكاة.
والذي لا يصح دفع الزكاة إليهم هم الأصول والفروع، كالأب والأم، والجد والجدة، والأبناء والبنات، وأولادهم، أما الإخوة والأخوات، فيجوز دفع الزكاة إليهم إذا كانوا مستحقين، ولم يكونوا تحت ولاية الإنسان وإنفاقه.(6/419)
هل يدفع زكاته لأخيه؟
المجيب عبد العزيز بن إبراهيم الشبل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/الزكاة على الأقربين
التاريخ 07/09/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي أخ أصغر لا يحسن التصرف بالمال، وقد أصر على فتح محل تجاري، ثم خسر فيه، رغم نصائحنا له، وهو الآن مدين بمبلغ من المال، وقد كان الوالد- رحمه الله- ملتزمًا بسداد هذا الدين، ولكن وافته المنية قبل ثلاثة أيام. السؤال: هل يجوز دفع زكاة مالي إلى أخي المذكور لسداد جزء من دينه؟ أم أنه يسدد دينه من نصيبه في الميراث والذي سيحتاجه لاحقًا من أجل زواجه؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
إذا كان أخوك لا يستطيع سداد دينه من أمواله الخاصة بعد زواجه، فإنه يجوز لك أن تعطيه من زكاتك؛ لأنه يشرع دفع الزكاة للأقارب ما لم يكن في ذلك تحايل لإسقاط نفقة واجبة، وفي مثل حالتك ليس في دفع الزكاة لأخيك تحايل على إسقاط نفقة واجبة، لأنه حتى لو وجب عليك نفقة أخيك فإنه لا يجب عليك سداد الدين عنه، وعلى ذلك يجوز دفع الزكاة له. والله أعلم. وصلى وسلم على نبينا محمد.(6/420)
هل يعطي زكاته لإخوته؟
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/الزكاة على الأقربين
التاريخ 14/04/1426هـ
السؤال
لدي سؤال عن إعطاء الزكاة، حيث إني أسكن مع أهلي (غير متزوج) ، والدهم متوفى وقد ترك لهم خيرًا (هم إخوتي من جهة الأم) ، فهل يجوز لي إعطاؤهم الزكاة؟ وإذا كان يجوز، فهل أعطيهم نقدًا، أم أشتري لهم مستلزمات (مواد غذائية) ؟ وهل لي أن آكل منها؟ (ملابس، تسديد فواتير ... إلخ) حيث إن صرفي عليهم من الراتب يعادل صرفي على نفسي أو أكثر من ذلك. أرجو النصح والتوضيح.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيجوز إعطاء الزكاة للإخوة من الأم إذا كانوا مستحقين لها، وعليك أن تدفع لهم الزكاة نقودًا لا مستلزمات، كما لا يجوز لك أن تأخذ من زكاتك التي أعطيتهم شيئًا، لا تسديد فواتير ولا غير ذلك. والله أعلم.(6/421)
إعطاء الأخ من الزكاة
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/الزكاة على الأقربين
التاريخ 26/12/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله.
توفي والدي، وأخي يدرس الطب في الخارج ولم يجد له معيلًا إلا أمي التي تعمل براتب 800 ريال، فهل يجوز لنا نحن وأخواتي وأمي أن نعطيه من زكاة أموالنا، وما حكم الصدقة عليه منا دون علمه؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن دفع الصدقات عمومًا للقرابات إن كانوا من أهلها أولى وأفضل من دفعها إلى غيرهم، والزكاة داخلة في عموم الصدقات، ودفعها للقريب من أعمام وأخوال وإخوان وأخوات وكل ذي قرابة لا تجب عليك نفقته يجمع لك بين أجرين: أجر الصلة وأجر الصدقة، كما جاء في حديث سلمان بن عامر، رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ". أخرجه أحمد (16226) والترمذي (658) وابن ماجه (1844) والنسائي (2582) وسنده صحيح. وهذا مشروط بألَّا يؤدي دفعها إليهم إلى إسقاط حق واجب وهو النفقة، فإن كان ذلك يؤدي إلى إسقاط النفقة فلا يجوز دفعها إليهم، بل ينفق عليهم، فإن كانت نفقته عليهم لا تخرجهم من أهل الزكاة جاز أن يدفع لهم من زكاته أيضًا.
نعم، ويجوز دفع الصدقة إليه دون علمه، إن كان يتحرج من أخذ الصدقة، وهو في حاجة إليها. والله تعالى أعلم.(6/422)
زكاة الراتب الشهري
المجيب د. محمد بن صالح الفوزان
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
كتاب الزكاة/زكاة الرواتب
التاريخ 11/09/1425هـ
السؤال
توظفت مع بداية هذه السنة (1/1/1422) وبدأت أقتص من راتبي شهرياً وأضعه في خزنتي وأتمنى أن أزكي في شهر رمضان وأعود نفسي في كل سنة أني أزكي مالي في هذا الشهر.
السؤال: هل إذا جاء شهر ذي الحجة (عندها تكون أموالي التي استلمتها في شهر محرم لبثت في الخزنة سنة كاملة) أزكي من جديد، وإلا تكفيني زكاة كل أموالي في رمضان كل سنة أرجو إجابتي لأني ملخبط في موضوع الزكاة وأتمنى أن أعرف المفتي مع بالغ التقدير والاحترام لكل المسلمين.
الجواب
للمسلم في طريقة إخراج زكاته مسلكان:
الأول: أن يجعل حولا لكل مال يبلغ النصاب عنده ويزكيه عند تمام الحول وهذا قد يشق على من تأتيه أموال في كل شهر كمن يدخر من راتبه.
المسلك الثاني: أن يجعل له شهراً في السنة يزكي فيه جميع ماله منه ما مضى عليه الحول، ومنه مالم يمض عليه حول وهذا أسهل وأيسر للموظف الذي يدخر من راتبه.
والسائل هنا حين اقتطع من راتب شهر محرم هل هذا المال بلغ النصاب أم لا؟ فمتى بلغ النصاب بدأ الحول، وإذا أراد أن يجعل زكاته في رمضان فعليه في أول رمضان يمر عليه وعنده نصاب الزكاة، أن يخرج الزكاة ولو لم يكمل حولا ثم يصبح رمضان في كل سنة تمام حول الزكاة له.(6/423)
زكاة الراتب
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/زكاة الرواتب
التاريخ 6/10/1424هـ
السؤال
سؤالي عن زكاة المال، حيث إني اعتدت على إخراجها في أحد الأيام الأخيرة من رمضان، وكان مجموع المال الذي أملكه في رمضان الماضي ألفي ريال (2000) ريال، ثم في شهر ذي القعدة الماضي توظَّفت وصرت أحصل على راتب شهري، وعندما أتى موعد دفع زكاة المال لهذه السنة في رمضان احترت هل أزكي على جميع أموالي التي عندي وأكثرها من الراتب الذي أستلمه، أم أزكي عن المبلغ (2000) ريال الذي كان عندي في السنة الماضية، وهل في الدين الذي لي عند الناس زكاة، وهل تأخيري عن دفع الزكاة لمدة أسبوعين فيه إثم؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد فالجواب أنك تزكي الألفين التي عندك سابقاً، أما الراتب فتعمل له جدولاً لكل شهر، فإذا مرَّ عليه - أي الراتب- سنة وأنت لم تصرفه في نفقاتك فإنك تزكيه، ومثال ذلك: راتب شهر ذي القعدة مثلاً من عام 1422هـ لا تزكيه إلا في ذي القعدة عام 1423هـ إن لم تصرفه وهكذا بقية الشهور، وإن شق عليك ذلك وأردت في وقت زكاتك أن تزكي كل ما لديك من رواتب وغيرها كان حسناً وفيه زيادة فضل؛ لأنك ستزكي رواتب لم تمضِ عليها سنة، وهو أسهل من جعل جدول لكل راتب.
هذا والدين الذي لك عند الناس إن كان على مليء يدفع عند الطلب فهذا تزكيه مع مالك، أما إذا كان على معسر أو مماطل فهذا إذا قبضته تزكيه لسنة واحدة فقط على القول الراجح ولو مضى عليه عدة سنين.
أما من ناحية تأخير الزكاة لأسبوعين فإن كان لمصلحة ظاهرة كانتظار من يستحقها أو من هو أحق وأولى بها فلا بأس، حتى ولو أخرها لثلاثة أشهر. أما من غير حاجة أو مصلحة فلا يجوز، لكن تأخيرها لأسبوعين أو نحوها في نظري أنه لا يضر إن شاء الله - تعالى-، والله أعلم.(6/424)
زكاة بدل التعيين
المجيب أ. د. حسين بن خلف الجبوري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الزكاة/زكاة الرواتب
التاريخ 1/1/1425هـ
السؤال
بدأت وزارة التربية والتعليم هذه الأيام بصرف بدل التعيين لمنسوبيها الذين لم يستلموه منذ عام 1406هـ إلى هذا الوقت، وهو راتب مستحق للموظف، والمفترض أن يستلمه في أول تعيينه، ولكنه لم يصرف إلا في هذه الفترة، والسؤال: هل تجب الزكاة في هذا الراتب؟ وهل يأخذ حكم الدين على مليء مماطل، فيزكى لسنة واحدة؟ أرجو الإجابة على سؤالي هذا؛ لأنه يخص أكثر من 150000 معلم في المملكة.
والسلام عليكم ورحمة الله.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده. وبعد:
فأقول وبالله -تعالى- التوفيق والسداد:
من المعروف شرعاً أن الزكاة تجب في المال الذي يحول عليه الحول بعد تحقق النصاب الشرعي الذي تجب فيه الزكاة، فهذا الراتب بعد استلامه إذا حال عليه الحول عندك تجب فيه الزكاة إن كان النصاب متحققاً فيه، كما أنه لا يأخذ حكم الدين؛ لأن هذا الراتب منحة من ولي الأمر، فله أن يعطيه وله أن يمنعه. هذا والله أعلم بالصواب.(6/425)
زكاة المال المودع في البنك الإسلامي
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
كتاب الزكاة/زكاة الأوقاف والحسابات الخيرية
التاريخ 18/12/1424هـ
السؤال
أودع شخص المال في بنك إسلامي، وربح هذا المال هو جزء أو كل مصدر الدخل الذي يعيش منه هذا الشخص، فما مقدار الزكاة؟ هل على أصل المال أم على الربح؟ علماً بأن هناك فتوى تقول: إن الزكاة تكون 10% على الربح في هذه الحالة، وأنا أميل لها من حيث العقل والمنطق؛ لأن إخراج المال على الأصل سوف يكون أكثر من الربح، والإسلام لم يشرع شيئاً يترتب عليه خسارة.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الزكاة تكون على رأس المال والربح إذا حال الحول على رأس المال، وقد بلغ نصاباً، ولا يشترط في الربح أن يحول عليه الحول؛ لأن حوله حول أصله، ومقدار الزكاة يكون بنسبة:2.5%، والزكاة لا يترتب عليها نقصان وخسارة على المال، بل هي تبارك المال وتزكي صاحبه، ويمكن للإنسان إذا أراد أن يتفادى نقصان المال أن يستثمره ويتجر فيه مع إخراج زكاته، فإذا فعل المسلم ذلك فهو خليق بأن يبارك الله تعالى في ماله وتجارته ويرزقه من حيث لا يحتسب.(6/426)
زكاة صندوق العائلة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الزكاة/زكاة الأوقاف والحسابات الخيرية
التاريخ 23/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تم إنشاء صندوق للعائلة لغرض صلة الرحم بين الأسرة وعقد الاجتماعات واجتماعات الأعياد، ويتم التمويل المالي لهذا الصندوق من قبل الأعضاء، ويتم صرف المبالغ لعمل الاجتماعات الأسرية وغيرها، فهل تجب الزكاة لهذا المال إذا حال عليه الحول؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا كانت هذه المبالغ لا تعود إلى أصحابها، وإنما تصرف في النوائب والقرب وصلة الرحم فليس فيها زكاة؛ لأنها ليست ملكاً لأحد.(6/427)
لم تزكِّ لسنوات طويلة
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
كتاب الزكاة/زكاة الأموال المدخرة للحاجة
التاريخ 17/05/1427هـ
السؤال
امرأة جمعت مالاً خلال 24 سنة ولم تزكِّ عنه شيئاً، وذلك بسبب ما يلي:
1- إنها تجمع المال الذي تستطيع توفيره في أي يوم (لا يوجد مبلغ ثابت) .
2- إنها لا تعلم كم جمعت كل سنة.
3- إنها جاهلة بحكم الزكاة. المبلغ الذي جمعته (32000) ، فما الواجب عليها؟ وكم مبلغ الزكاة الواجب إخراجه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الزكاة ركن من أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة، وهي حق الله تعالى على عباده لإخراجها للفقراء، وقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها لا تنقص المال لقوله: "ما نقصت صدقة من مال" رواه مسلم (2588) . وأنها طهارة وبركة ونماء.
وحيث إنها حريصة على أداء زكاة مالها فنقول -وبالله التوفيق: عليها أن تحسب متوسط أقل ما مر عليه الحول خلال السنوات الماضية، (مثلاً في إحدى السنوات متوسط أقل ما مر عليه الحول هو: 2000) . وأيضاً تحسب متوسط أكثر ما مرّ عليه الحول خلال السنوات الماضية، (مثلاً: في إحدى السنوات متوسط أكثر ما مرَّ عليه الحول هو:22000) ، ثم تقوم بجمع المبلغين (2000+22000) وتقسمها على اثنين (24000 على 2) = 12000.
ثم تزكي الناتج عن السنوات الماضية، عن كل ألف (25) ، فتخرج عن (12000) : (300) ، ثم تضرب هذا المبلغ في (24) سنة يساوي (7200) ، فتخرج هذا المبلغ (7200) زكاة عن مالها.
وهذا الذي قلته مثال لها حتى تستطيع إخراج مالها، فربما يكون المبلغ أقل مما ذكر، فعليها أن تتذكر ذلك بقدر استطاعتها، ثم تخرج الزكاة عن السنوات الماضية.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد.(6/428)
التصرف في تبرعات المسجد
المجيب د. عبد العزيز بن أحمد البجادي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/صدقة التطوع
التاريخ 29/4/1422
السؤال
أنا إمام لأحد المساجد، وأجمع أسبوعياً ريال من الجماعة، وذلك لصرف هذا المبلغ على حاجيات المسجد الثقافية وللصيانة، فهل يحق لي أن أصرفه في جوائز مسابقات المسجد، لكون الجماعة كلهم تقريباً يشاركون في الدفع؟
وفقنا الله وإياكم لكل ما يحبه الله ويرضاه
الجواب
هذا راجع إلى ما يفهمه جماعة المسجد من قولكم " حاجيات المسجد الثقافية "، فإن كانوا يعلمون أن الجوائز للمسابقات الثقافية داخلة فيه فلا حرج إن شاء الله وإن كانوا يفهمون خلاف ذلك فلا بد من إخبارهم به، وفقكم الله.(6/429)
الصدقة عن الحي دون علمه
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الزكاة/صدقة التطوع
التاريخ 14/9/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: شخص يتصدق من ماله في كل شهر، ويسأل الله أن تكون هذه الصدقة في ثواب شخص آخر على قيد الحياة دون علمه، علماً أن هذا الشخص (المتصدِّق) ليس من أهل الصلاح، فهل يثاب الشخص الآخر على هذه الصدقة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراًً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة السلام على رسول الله، إهداء القربات للأحياء أو الأموات يصل أجرها للمُهدَى إليه إن شاء الله تعالى، ويدل لهذا حديث عائشة - رضي الله عنها- أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- إن أمي افتلتت نفسها، واراها لو تكلمت تصدقت، أفأتصدق عنها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "نعم تصدق عنها" البخاري (1388) ، ومسلم (1004) ، والأحاديث في هذا كثيرة جداً، فيصل ثواب القربة للمهدَى إليه إن شاء الله، لكن هذا من قبيل المباح، والسنة أن يدعو له، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة وذكر منها: أو ولد صالح يدعو له" مسلم (1631) ، ولم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم- يعمل له أو يتصدق عنه أو يصوم أو يصلي، فالخلاصة أن إهداء القربة يصل أجرها إن شاء الله، لكنه من قبيل المباح، والسنة والمشروع هو الدعاء.(6/430)
صرف الصدقة لغير ما خصصت له
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الزكاة/صدقة التطوع
التاريخ 18/9/1422
السؤال
زوجي أعطاني مبلغاً من المال لكي أتبرع لأفغانستان، فأخذت جزءاً من المبلغ دون علمه لأتصدق على أخته المحتاجة، أفيدوني، هل يجوز ذلك، أم عليَّ إثم؟
الجواب
لا يجوز لك أن تصرفي هذا المال لغير ما خصصه زوجك؛ لأنه خصص جهة الصرف، وإنما يجوز ذلك إذا لم يخصص جهة الصرف، وجعلها لك.(6/431)
موقف المسلم من المتسولين
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الزكاة/صدقة التطوع
التاريخ 11/09/1425هـ
السؤال
نرى في هذه الأيام كثرة المتسولين وخاصة في المساجد بعد انقضاء الصلاة مباشرة، حيث يقوم كل منهم شاكياً ومذكراً بأن للفقراء حقاً في أموال الموسرين، وقد يقف في نفس الوقت أكثر من شخص كل يعرض مصيبته وأوراقه المغلفة بالبلاستيك، ولقد احتار المسلمون في قضية: هل يعطون هؤلاء المتسولين الذين يغلب عليهم الكذب والتمثيل، وبالتالي المساعدة في انتشار هذه الظاهرة، أم عدم إعطائهم أي شيء وقد يحرم المحتاج الحقيقي من جراء هذا؟ علماً بأنه يصعب التفريق بينهم.
الجواب(6/432)
يحرم على المسلم أن يسأل إلا في حال من ثلاث حالات، وهي المذكورة في حديث قبيصة -رضي الله عنه - فقد ورد في صحيح مسلم (1044) ، وسنن أبي داود (1640) ، والنسائي (2579) عن أبي بشر قبيصة بن مخارق -رضي الله عنه- قال: تحملت حمالة، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسأله فيها، فقال:" أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها"، ثم قال:" يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمَّل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة، اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال سداداً من عيش، فما سواهنَّ من المسألة يا قبيصة سحتٌ يأكلها صاحبها سحتاً"، هذا بالنسبة للرجل السائل، أما بالنسبة للمسؤول فيحسن منه أن يعطي إذا لم يعلم عن كذب السائل؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لما جاءه رجلان جلدان قويان، وهو يقسم الصدقة يريدان منها، قال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" إن شئتما أعطيتكما، ولا حظّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب". رواه أبو داود (1633) والنسائي (2598) .
فرق بين السائل والمسؤول، فالسائل يحرم عليه أن يسأل إلا من حاجة كما تقدم، والمسؤول يحسن به إذا لم يعلم كذب السائل أن يعطيه ويذمَّمه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للرجلين) إن شئتما أعطيتكما) .(6/433)
الصدقة على الفسَّاق وتاركي الصلاة
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الزكاة/صدقة التطوع
التاريخ 19/6/1424هـ
السؤال
هل تجوز الصدقة على المسلم الفاسق، أو على من لا يصلي؟ وهل تجوز على غير المسلم؟
الجواب
من مصارف الزكاة الثمانية المؤلفة قلوبهم، إذ يعطون من الزكاة، وهم غير المسلمين من السادات المطاعين في عشائرهم ممن يرجى إسلامهم أو كف شرهم، أو يرجى بإعطائهم قوة إيمانهم، وعليه فإذا كان الكافر ممن تشمله إحدى هذه الصفات جاز إعطاؤه من الزكاة، أما صدقة التطوع فلا شك أن المسلم أولى بها من الكافر، لكن إن كان المتصدق يرجو بها تأليف قلب الكافر وإسلامه، وهذا له قرائن توجب لنا رجاء إسلامه، وذلك بميله للمسلمين، أو طلبه لكتبهم، فإنه يعطى - والحالة هذه - من الصدقة، لعموم حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه-:"فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم" رواه البخاري (3009) ، ومسلم (2406) وإن لم يرجَ إسلامه بأن لم تظهر عليه علامات ذلك فلا خير لك في إعطائه مالاًَ يستعين به على ما عنده من الباطل.
وأما الفاسق ففسقه لا يخرجه من الدين، فهو مسلم، وتجري عليه أحكام المسلمين، فإن كان محتاجاً أعطي من الزكاة، وإلا فلا، اللهم إلا أن يعلم المتصدق أنه يستعين بهذه الصدقة على المعصية، ولا ينفقها على أسرته، أو أن الصدقة تزيد في عتوه وفجوره، فلا يعطى والحالة هذه، أما غير المصلي فهذا كافر في أصح قولي العلماء، تجري عليه أحكام الكفار كما تقدم.(6/434)
أيهما أفضل الصدقة أم القرض؟
المجيب د. إبراهيم بن محمد قاسم رحيم
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الزكاة/صدقة التطوع
التاريخ 28/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
السؤال هو: ما الفرق بين الصدقة والدين (السلف) من حيث الأجر؟ وما هي المنحة وما أجرها؟ بارك الله فيكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
الصدقة تبرع محض يقصد به ثواب الله -عز وجل- بالقصد الأول، ولا يراد منه عوض دنيوي أصلاً، فيخرج المتصدق من ماله ويقصد ما عند الله، وأما القرض فهو دفع مال لمن ينتفع، ويرد بدله وقد رجح ابن القيم -رحمه الله- أنه من باب الإرفاق والتبرع لا من باب المعاوضات، وفيه ثواب، لكنه لا يصل إلى ثواب الصدقة؛ لأن العوض وهو بدل القرض مقصود، ومما ثبت في فضله ما أخرجه ابن ماجة بسند صححه الألباني (ما من مسلم يقرض قرضاً مرتين إلا كان تصدقه مرة) ، وهذا الحديث يدل على فضل القرض، ويدل من وجه آخر على أن الصدقة أفضل منه.
وأما المنحة أو ما ورد في الحديث (المنيحة) فهي شبيهة بالقرض، وذلك أن المانح يدفع بهيمة الأنعام من ماعز أو ضأن أو بقر ينتفع الممنوح بما يستخلف منها ثم يعيدها إليه بعينها إن أمكن، لكنها في الفضل أعلى؛ لأنها تكون فيما يتلف عينه لكنه يستخلف، هذه هي الفروق بين هذه الأمور الثلاثة، وكلها على الراجح من عقود التبرعات. والله أعلم.(6/435)
صدقته عن نفسه وزوجته
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الزكاة/صدقة التطوع
التاريخ 05/05/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
إذا تصدقت بنية أن تكون الصدقة عني وعن زوجتي، هل يكون أجرها لنا جميعاً، أم لي وحدي؟ أفتونا مأجورين، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا كانت هذه الصدقة تبرعاً، ويراد بها التقرب إلى الله - عز وجل- والتطوع له، فإن هذا الثواب يكون لك، ويكون لزوجتك إذا شركتها في الثواب، والنبي - عليه الصلاة والسلام- ضحَّى، فقال: "باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد"، كما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- في صحيح مسلم (1967) .
والقسم الثاني: أن تكون هذه الصدقة فرضاً، كزكاة، ونحو ذلك، أو تكون كنذر، أو غير ذلك من الفروض والواجبات، فإنها لا تجزئ إلا عنك، أو عن زوجتك، فلا تجزئ الزكاة عن كليكما، بحيث تخرج كذا من المال زكاة عن مالك وعن مال زوجتك، إلا إذا كان هذا المال يوفي زكاتك وزكاة زوجتك، أما إذا كانت زكاة مالك مائة، وزكاة مال زوجتك مائة، وأخرجت مائة واحدة عن ماليكما جميعاً، فنقول: هذا لا يجوز. والله أعلم.(6/436)
زكاة الودائع الاستثمارية
المجيب د. راشد بن أحمد العليوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 5/7/1422
السؤال
لدي ودائع استثمارية طويلة الأجل في بنك إسلامي، ومن المعلوم أن البنك الإسلامي يقوم بالاستثمار طويل الأجل باستخدام الودائع طويلة الأجل، وهو في ذلك ينوب عن المودع في الاستثمار. فهل تعتبر قيمة الودائع وعاء للزكاة أم تحتسب الزكاة على أرباحها فقط؟
الجواب
، فهي أموال مضاربة أو مشاركة هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن زكاة هذه الأموال متوقفة على الشكل اتسمية السائل لهذه الأموال التي قدمها للبنك الإسلامي لكي يستثمرها بالودائع غير دقيقة لموجودة فيه حالياً؛ فإن كانت في شكل عمارات لتأجيرها فالزكاة في إيجاراتها وليس في أصولها. وإن كانت كذلك في طائرات أو بواخر لتأجيرها فكذلك الزكاة في إيجاراتها وليس في هذه الأصول. وإن كانت في عروض تجارة كبترول ومواد أولية وبضائع ونحو ذلك فالزكاة في قيمة هذه الأشياء وهكذا. ولاينظر السائل إلى مقدار المبلغ المالي المعطى للبنك؛ لأن قيمة هذه البضائع قد تتغير عنه زيادة أو نقصاً.
فالخلاصة أن العبرة بالوعاء متوقف على الشكل الذي تحولت إليه هذه النقود، وبناءً على ذلك تتم الزكاة ويستفهم من البنك الإسلامي في شكلها. وبعض البنوك الإسلامية تقوم بدفع الزكاة عن هذه الأموال بالاتفاق مع أصحاب هذه الأموال، وربما يكون منصوصاً عليه في أحد بنود الاتفاق والشخص لم ينتبه لذلك. فينبغي التأكد من هذا الأمر والتفاهم مع البنك الإسلامي حوله.(6/437)
زكاة التبرعات الخاصة بالمسجد
المجيب د. حمد بن حماد الحماد
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 9/3/1424هـ
السؤال
لنا بخزينة المسجد مبلغ من المال تجاوز النصاب ودار عليه الحول, هل نخرج منه الزكاة؟ علما أن هذا المبلغ من صدقات المصلين وتبرعاتهم من أجل خدمات المسجد كأجرة الإمام والقيم ومواد الصيانة.. إلخ؟ أفتونا جزاكم الله خيرا. والسلام عليكم.
الجواب
هذا المال كله للمسجد، وكله لله، وفي سبيل الله، وليس عليه زكاة.(6/438)
هل يغني دفع الضرائب عن الزكاة
المجيب د. عبد الله بن محمد السعيدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 16/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعمل طبيباً في استراليا، وفي نهاية العام المالي الشهر السابع، أدفع الضرائب، فهل عليَّ دفع الزكاة؟ علماً أن المال الذي جمعته أريد به شراء بيت لأسرتي؛ للتخلص من دفع الإيجار، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله يا أخي - وفقك الله - الضرائب ليست زكاة، ولا تقوم مقام الزكاة، وهي تخالف الزكاة من وجوه، حيث إن الزكاة فريضة، والضرائب - في أرقى أحوالها - مكروهة.
(1) والزكاة تصرف في مصارف معينة مشروعة، والضرائب تصرف للأنظمة الكافرة.
(2) الزكاة لها نصاب معين، ومقدار معين يخالف ما عليه الضرائب، وعليه: فإنه لا يعفيك من الزكاة دفعك للضرائب.
ولا يعفيك من الزكاة جمعك المال لشراء بيت تسكنه، أو نحو ذلك فالزكاة واجبة عليك رغم هذا كله، متى ما توافرت فيك شروطها وهي:
أ. بلوغ النصاب.
ب. مرور الحول.(6/439)
زكاة التركة المجهولة
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 19/2/1424هـ
السؤال
لقد توفي أبي وعنده مبلغ من المال في أحد البنوك، ولم يتم توزيع المبلغ حتى الآن، ولا أعرف حصتي من هذا المبلغ وقد مر الآن ثلاث سنوات والمبلغ مجمد ولم يتم توزيعه لعدة أسباب.
فهل يجوز أن أستخرج زكاة؟ وكيف؟ وكم مقدارها؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالجواب أنه إذا كان تأخير استلام المبلغ المذكور في أحد البنوك ليس لسبب راجع إليك وإنما لسبب أو أسباب راجعة إلى غيرك فأرى عدم وجوب الزكاة عليك الآن؛ لعدم معرفتك بمقدار حصتك، ولأنك لو أردت القبض ما تمكنت منه بل الذي أراه أنك إذا قبضته تزكيه لسنة واحدة إبراء للذمة.
هذا ومقدار الزكاة في النقدين هي ربع العشر (2،5%) ، والله أعلم.(6/440)
زكاة الأثاث والأجهزة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 30/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي مركز مكالمات هاتفية، ومكتب عقارات، وكلاهما يعملان بشكل جيد والحمد لله، سؤالي هو هل على الأثاث والأجهزة والسنترال التي تشغلهما زكاة؟
وما هي الطريقة الصحيحة لتزكيتهما؟
الجواب
ليس عليك في الأثاث ولا الأجهزة ولا السنترال التي تشغلها زكاة واجبة، وصدقة التطوع مستحبة عن كل شيء وفي كل وقت، وما نقص مال من صدقة بل تزده، وإنما الزكاة الواجبة في الأموال الزكوية، وهي: النقود، وعروض التجارة، والسائمة من بهيمة الأنعام، كلما حال عليها الحول، وفي الناتج من الأرض من الحبوب والثمار إذا كان نصاباً.(6/441)
زكاة الدين
المجيب د. فيحان بن شالي المطيري
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 12/09/1425هـ
السؤال
أخذ مني أبي مبلغاً مالياً على أساس أنه دين يرده لي، هل أزكي عليه؟ أريد تفصيلاً في هذه المسألة.
الجواب
إن كان المال الذي أخذه منك والدك ديناً -كما قلت- فلا يخلو الحال من أحد أمرين:
إما أن يكون والدك موسراً باذلاً للمال الذي أعطيته إياه متى ما طلبته دفعه إليك، فإذا كان الأمر كذلك فإنك تزكي الدين مع مالك كل سنة؛ لأنه في حكم المقبوض.
أما إن كان والدك معسراً فلا تجب عليك الزكاة حتى تقبض الدين، فإذا قبضته تزكيه لسنة واحدة على الراجح من أقوال أهل العلم، والله أعلم.(6/442)
التعريف الشرعي للصدقة
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 8/11/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما هو التعريف الشرعي للصدقة؟ وهل كل ما يدفعه الإنسان للآخرين تنطبق عليه أحكام الصدقة؟ حيث إنه في مدينتنا من يرسل لنا بعض التمور في شهر رمضان فهل تعتبر هذه التمور من الصدقة التي لا تحل إلا للأصناف التي ذكرها القرآن؟ كذلك فإن بعض الناس يمتنع عن الأخذ منها بحجة أنها من أوساخ الناس؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
الحمد لله وبعد:
الصدقة هي: ما تعطى على وجه التقرب إلى الله تعالى، فيخرج بذلك الهدية ونحوها مما يعطى على وجه التوادد والمحبة فلا تدخل في مسمى الصدقة المختصة ببعض الأحكام في الشرع، ولذا كان عليه الصلاة والسلام يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة كما في الصحيحين، ومن هنا يمكن التفريق بين العطايا التي تضمنها السؤال، فليس كل ما يدفعه الإنسان للآخرين تجرى عليه أحكام الصدقة، بل منه ما يدخل في أحكام الهدية ومنه ما يدخل في أحكام الصدقة بحسب قصد باذلها وهذا يظهر من قرائن الحال.
ثم إن الصدقة منها ما هو من قبيل الزكاة الواجبة، ومنها ما هو من قبيل صدقة التطوع.(6/443)
فأما الزكاة الواجبة فلا تجوز إلا للأصناف الثمانية المذكورة في قوله تعالى: "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" [التوبة:60] ، وإذا علم الشخص أنه ليس واحداً منهم فلا يحل له أخذ الزكاة، وأما صدقة التطوع فالأمر فيها أيسر وإن كان الأولى بالمسلم أن يتورع عنها قدر استطاعته، ويشتد المنع بحسب استغناء المسلم عنها، والتعبير عن الزكاة بأنها أوساخ الناس تعبير صحيح ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم (1072) من حديث المطلب بن ربيعة في قصة سؤاله من الزكاة فقال عليه الصلاة والسلام إنها لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس.
وهل يدخل فيها صدقة التطوع؟ يحتمل ذلك لأن العبد إنما يبذلها تطهيراً لنفسه فهي في حقه طهرة وتكفير سيئات ورفع درجات وفي حق الآخذ نوع من الوسخ يستغني عنه ما استطاع.
بقي تنزيل ما تقدم على ما ذكر في السؤال كالتمور فيقال: إن كانت من قبيل الصدقة وهي مما يجمع من الناس أو ترسل المؤسسات الخيرية التي تجمع الصدقات من الناس ونحو ذلك مما يغلب على الظن أنه كذلك، والتورع عنه أفضل وتركه أولى، وإيثار المحتاج به أعظم في الأجر، فإن كان الشخص محتاجاً إليه فلا بأس بأكله إن شاء الله.
وأما لو فرض أن تلك التمور مثلاً من الدولة أو من يمثلها فهذه لا تعد صدقة وإنما عطية من بيت المال فالأمر فيها أيسر بكثير من السابق فقد تلحق بجنس الهدية والهبات والله تعالى أعلم.(6/444)
زكاة القرض
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 7/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كان لي مبلغ من المال منذ سبع سنين وقد بلغ النصاب، أقرضته لأحد أقربائي لمساعدته في بناء منزل له، وكان لم يبلغ عليه الحول عند إقراضي إياه، ولم أزك قط هذا المال، أخبرني بعض الإخوة أنه تجب الزكاة فيه ما دام الشخص المقترض ثقة، ويمكنه تحضير المبلغ المقرض خلال سنة من مطالبتي إياه بسداده، وأنا إلى الآن لم أطالبه به لعلمي أني سأضيق عليه إن فعلت الآن، كما أني -والحمد لله- لا أحتاج إليه حالياً: 1) هل تجب في هذا المال المقرض الزكاة. 2) إذا كانت تجب فيه، هل تدفع دفعة واحدة -خصوصاً أنه مر على القرض سبع سنين- أم يمكن تقسيطها إلى عدة شهور؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
أولاً: نشكر الأخت على اهتمامها بأمر دينها واهتمامها بمساعدة أقاربها والإحسان إليهم لأن القرض الحسن مرتين كالصدقة مرة، وهو من القربات ومن المعاونة التي يواسي الإنسان بها أخاه المؤمن.
وأما ما ذكرت من السؤال عن الزكاة، فإن الزكاة إذا كان المال ديناً عند الآخرين، فإن الإنسان إذا قبضه يزكيه عن السنوات التي مضت كلها إن كان المقترض أو المدين ملياً غير مماطل، وإن كان الذي عليه الدين معسراً أو كان مماطلاً، فإن الإنسان إذا استلم الدين الذي له فإنه يزكيه عن السنة التي مضت.(6/445)
هل تحسب الضرائب من الزكاة
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 12/09/1425هـ
السؤال
هل نقود الضرائب تعتبر من نقود الزكاة؟
الجواب
الضرائب إن كانت محرمة، وهو الغالب في الدول اليوم، فالنقود المحصلة منها ليست كنقود الزكاة، فهذه حلال وتلك حرام، وإن كانت الضريبة وضعت للمصلحة العامة، ولا تخالف نصاًُ شرعياً من كتاب أوسنة، فهي حلال، بناء على القاعدة الشرعية المعروفة (الأصل في الأشياء الإباحة وفي العقود الحل ما لم يرد دليل يمنع) ، وبعض الناس ممن يجهلون مقاصد الشريعة يسمون الزكاة ضريبة، وهذا غير صحيح، وإنما هو تسمية للشيء بغير اسمه لقصد التضليل والتعمية على الناشئة من المسلمين، والضريبة تخالف الزكاة من وجوه عديدة منها:
- الضريبة حكم بشري والزكاة حكم إلهي.
- والضريبة في أصلها مبنية على القهر والقصر، بخلاف الزكاة يدفعها المسلم برضا واختيار.
- والضريبة في القوانين الوضعية تصاعدية، أما في الزكاة فنسبية ثابتة ففي النقدين مثلاً
2.5% مهما بلغ المال أو ربحه.
- والزكاة تنمي المال ولا تنقصه، بخلاف الضريبة، إلى غير ذلك الفروق. وعلى هذا إذا كانت نقود الضرائب حلالاً فهي كنقود الزكاة. وإن لم تكن كذلك فلا. والله أعلم.(6/446)
زكاة الكتب المحلاة بالذهب
المجيب د. حمد بن حماد الحماد
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 26/8/1424هـ
السؤال
هل تجب الزكاة في الكتب المحلاة بالذهب والفضة، وكذا المموهة بهما إذا تجمَّع منها ما يبلغ النصاب؟.
الجواب
لا أثر لهذه التحلية في الزكاة إلا إذا كانت هذه الكتب معدَّة للبيع، وهذه التحلية تزيد في قيمتها، فالزكاة تكون على قيمتها؛ لأنها معدّة للتجارة لا لأنها محلاة.(6/447)
أعطاه قرضاً بنية الزكاة!
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 23/8/1424هـ
السؤال
طلب صديق لي مبلغاً من المال مني كمساعدة، فأعطيته إياه بنية الزكاة دون أن أخبره بهذه النية (بقي على ظنه أن الأمر مساعدة فقط) ، فهل يحتسب ذلك من الزكاة فعلاً، أم أنه ينبغي أن أطلعه على نيتي؟.
الجواب
إذا كنت تعلم أنه من أهل الزكاة لفقره ويأخذ الزكاة فلا بأس ألا تعلمه، وإن كنت لا تعلم أنه من أهل الزكاة فيجب أن تعلمه خشية ألا يكون من أهل الزكاة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - للذين سألاه من الصدقة: "إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب".(6/448)
التحايل للفرار من الزكاة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 15/7/1425هـ
السؤال
رجل إذا قربت مدة حلول الزكاة على ماله يشتري به شيئاً؛ لكي لا يزكي هذا المال، فما حكم فعله؟ وهل تجب عليه الزكاة؟.
الجواب
لا يجوز للمسلم التحايل للفرار من الزكاة، والزكاة تنمي المال وتزكيه، وتحفظه من الآفات، وهي سبب بركة وطهر للمال، والله - جل وعلا- يقول: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" [التوبة: 103] ، ويقول - صلى الله عليه وسلم-: "ما نقصت صدقة من مال" رواه مسلم (2588) من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-، وإذا اشترى المرء بها شيئاً للربح والتجارة وجبت فيه الزكاة، وحوله حول أصله، فلا ينقطع الحول بهذا.(6/449)
زكاة الدين
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 7/10/1424هـ
السؤال
أقرضت شخصاً مبلغاً من المال قبل عدة سنوات، وأنا واثق من سداده، فهل علي أن أزكي عن ذلك المبلغ كل سنة، وما هو أقل النصاب في النقود (بالريال)
الجواب
إن كان هذا المقترض متى ما طلبت المال أعطاك إياه وجب عليك أن تزكيه في كل سنة، وهذا حكمه حكم الدين على مليء، وإن كان المقترض لا يعطيك المبلغ متى ما طلبته لإعساره أو مماطلته أو نحو ذلك فهذا حكمه حكم الدين على غير مليء فلا يجب عليك أن تزكيه في كل سنة، وإنما إذا قبضته فزكه لسنة واحدة، وقال بعض العلماء - رحمهم الله- إذا قبضته فاستقبل به حولاً جديداً.(6/450)
زكاة تعذر إيصالها لمستحقيها
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 25/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم.
هناك شخص تلقى أموالاً بقصد ونية إيصالها إلى المسلمين المنكوبين في بلاد الله المغتصبة ومنذ سنة لم يتمكن من ذلك مع العلم أنها أموال زكاة، كيف له أن يتصرف فيها؟ مع العلم أن الاتصال بالجهات المعنية بالإغاثة شبه مستحيلة، أفيدونا أفادكم الله.
الجواب
عليك أن تحاول إيصالها إليهم، فإن لم تستطع فاصرفها لمن هو مثلهم، أو لأي صنف من أهل الزكاة الذين سمَّى الله تعالى في كتابه العزيز في قوله تعالى:"إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل" [التوبة: 60] ، علماً بأن الذي يعطي العاملين والمؤلفة قلوبهم هو الإمام فقط.(6/451)
دفع الزكاة مع اختلاف القيمة
المجيب عبد الله بن سليمان بن منيع
عضو هيئة كبار العلماء
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 12/3/1425هـ
السؤال
اشتريت نقوداً عراقية بقيمة 600 دينار كويتي، ولم تكن عندي نية أن أرسلهم إلى العراق كزكاة مال، والآن أريد أن أرسلهم كزكاة، مع العلم أن الصرف الآن قد نزل سعرهم عن 600 دينار، فهل يجوز أن أخرجهم زكاة، وأحسبهم على أنهم 600 دينار؟ أرجو إفادتي، -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
أولاً: طالما أنه اشترى عملة عراقية بعملة كويتية فإذا كان مشتراه مبني على التقابض في مجلس الشراء، بحيث إنه قبض الدنانير العراقية، وأقبض من باعه الدنانير العراقية ثمنها، أو عوضها بالدنانير الكويتية، نقول: هذا إجراء صحيح طالما أنه اشتمل على التقابض في مجلس العقد، ولم يكن هناك أي جزء من العوضين مؤجل سداده، وبناء على هذا فهذه المعاملة لا شيء فيها، وكونه يحتفظ بالدنانير العراقية حتى يرتفع سعرها نقول: لا بأس بذلك، وإذا كان يريد أن يزكي بهذه الدنانير العراقية؛ ليرسلها إلى من يظن أنه محتاج إليها، ومن أهل الزكاة فلا بأس بذلك على أن يعرف مقدارها بالدنانير الكويتية حتى يكون عارفاً ما أخرجه من الزكاة والعبرة بالقيمة وقت إخراج الزكاة. والله أعلم.(6/452)
دفع الزكاة لمن ظنه أهلاً لها فبان خلافه
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 09/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أخرجت الزكاة في العام الماضي، وقد وزعتها على بعض مستحقي الزكاة، كما هو مذكور في كتاب الله، ومن ضمنها عابر السبيل الذي انقطع عن المال، وإن كان في سعة في بلده، وبعد عدة أشهر اكتشفت أن ذلك الرجل لم يكن إلا نصَّاباً لا يستحق الزكاة. فهل أخرج المبلغ الذي دفعته له في المرة الأولى وأزكي به؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
تجزئك - إن شاء الله- لأن التمييز بين المستحق وغير المستحق لِغِنَاهُ يَعْسُرُ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجلين الجَلْدَيْنِ وقال: "إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا مِنْهَا، وَلا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ ولا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ" أخرجه الإمام أحمد (17972) ، وأبو داود (1633) ، والنسائي (2597) ، والدارقطني 2/119 - رحمهم الله. وقال للرجل الذي سأله الصدقة:
"إنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ" رواه أبو داود (1630) في كتاب الزكاة. ولو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفى صلى الله عليه وسلم بقولهم. والله أعلم.(6/453)
والدهم لم يزكِ فهل يخرجون الزكاة من تركته؟
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 23/10/1425هـ
السؤال
رجل مات ولم يدفع زكاة مدة 8 سنوات، وكان رافضًا لذلك، هل يجب على أولاده دفع زكاة عنه من تركته؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نعم يجب على أولاده دفع الزكاة من تركته؛ على الصحيح من أقوال أهل العلم؛ لأن هذا دين لله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقْضُوا اللهَ، فاللهُ أَحَقُّ بالوَفَاءِ". أخرجه البخاري (1852) . وقال عليه الصلاة والسلام: "دَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أنْ يُقْضَى". أخرجه البخاري (1953) ومسلم (1148) . والله أعلم.(6/454)
عليه زكاة سنوات كثيرة فهل تسقط بالتوبة
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 14/09/1426هـ
السؤال
لم أخرج زكاة، منذ فترة طويلة، ولقد رجعت إلى رشدي وأريد أن أسدد ما علي، فكيف السبيل إلى احتساب ما مضى؟ جزاكم الله خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالزكاة هي الركن الثالث من أركان الدين الإسلامي، وعدم أدائها فسوق، والتارك لها مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب التي توجب له نار جهنم، فصاحب الكنز الذي لا يؤدي زكاته يحمى عليه في نار جهنم، وتجعل له صفائح يكوى بها جنباه وجبينه، وصاحب الإبل يبطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت تستن عليه، كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولها، وهكذا صاحب الغنم، ولا يزالون كذلك في هذا العذاب حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، كما جاء معنى ذلك في صحيح مسلم (987) مطولاً، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-وحيث كتب الله لك التوبة من هذا الذنب فبادر بإخراج ما عليك من زكاة عن السنوات الماضية، وما لم تعلمه لزمك الاجتهاد فيه والتحري والتقدير وإخراج ما وصل إليه اجتهادك والله تعالى أعلم.(6/455)
استثمار أموال الزكاة قبل صرفها لمستحقيها!
المجيب د. سعد بن تركي الخثلان
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الزكاة/مسائل متفرقة
التاريخ 12/10/1426هـ
السؤال
هناك مؤسسة خيرية تستقبل أموال الزكاة لصرفها لمستحقيها، فهل يجوز لها استثمار أموال الزكاة قبل صرفها لمستحقيها طمعاً في نفعهم بذلك الاستثمار؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيجب صرف الزكاة في مصارفها الشرعية التي ذكرها الله -تعالى- في قوله: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم" [التوبة:60] . وهذا الحكم- وهو وجوب صرف الزكاة- على الفور، فلا يجوز تأخيره، ومعلوم أن استثمار أموال الزكاة يؤدي إلى تأخير صرف الزكاة.
ثم إن من أبرز أصناف الزكاة: الفقراء والمساكين والغارمين، ومن حكمة مشروعية الزكاة سد حوائجهم، واستثمارها قد يفوِّت هذه المصلحة، أو يؤخرها كثيراً عليهم.
ولهذا نقول: لا يجوز استثمار أموال الزكاة، بل يجب صرفها فوراً للمستحقين". والله أعلم.(6/456)
كتاب الصيام(6/457)
نصيحة بمناسبة شهر رمضان
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الصيام/حكمه وحكمته
التاريخ 02/09/1425هـ
السؤال
ما هي الكلمة التي توجهونها للأمة الإسلامية بمناسبة شهر رمضان؟
الجواب
بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعده:
فإني أنصح إخواني المسلمين في كل مكان، بمناسبة دخول شهر رمضان المبارك بتقوى الله عز وجل، والمسابقة إلى كل خير، والتواصي بالحق والصبر عليه، والتعاون على البر والتقوى، والحذر من كل ما حرم الله من سائر المعاصي في كل مكان وزمان ولا سيما في هذا الشهر الكريم، لأنه شهر عظيم، تضاعف فيه الأعمال الصالحات، وتغفر فيه الخطايا لمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً.
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين".
وقوله - صلى الله عليه وسلم - " الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم".
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: كل عمل ابن آدم له؛ الحسنة بعشرة أمثالها إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".
وكان - صلى الله عليه وسلم - يبشر أصحابه، بدخول رمضان يقول لهم: "أتاكم شهر رمضان، شهر بركة، ينزل الله فيه الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، ويباهي الله بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله".
وقال عليه الصلاة والسلام: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
والأحاديث في فضل شهر رمضان والترغيب في مضاعفة العمل فيه كثيرة.(6/458)
فأوصي إخواني المسلمين: بالاستقامة في أيامه ولياليه، والمنافسة في جميع أعمال الخير، ومن ذلك الإكثار من قراءة القرآن الكريم بالتدبر والتعقل، والإكثار من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار، وسؤال الله الجنة والتعوذ به من النار وسائر الدعوات الطيبة.
كما أوصي إخواني أيضاً: بالإكثار من الصدقة ومواساة الفقراء والمساكين، والعناية بإخراج الزكاة وصرفها في مستحقيها، مع العناية بالدعوة إلى الله سبحانه وتعليم الجاهل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرفق والحكمة والأسلوب الحسن، مع الحذر من جميع السيئات ولزوم التوبة والاستقامة على الحق، عملاً بقوله سبحانه: "وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" الآية [النور: 31] .
وقوله عز وجل: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [الأحقاف:13-14] .
وفق الله الجميع لما يرضيه، وأعاذ الجميع من مضلات الفتن ونزغات الشيطان، إنه جواد كريم.
[مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى (3/147-148) ] .(6/459)
معنى الصيام
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
كتاب الصيام/حكمه وحكمته
التاريخ 13/8/1423هـ
السؤال
سئل فضيلة الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين حفظه الله.
ما معنى الصيام لغة وشرعاً؟
الجواب
فأجاب: الصيام لغة: مجرد الإمساك. فكل إمساك تسميه العرب صوما حتى الإمساك عن الكلام يسمى صوماً.
قال تعالى: "فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً" الآية [مريم: 26] .
والإمساك عن الحركة يسمى صياماً كما في قول الشاعر:
خَيْلٌ صِيام وخيل غير صائمة *** تحت العجاج وأخرى تَعلُك اللُّجُما
وشرعاً: الإمساك بنية عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
ويعرفه بعضهم بأنه: إمساك مخصوص في وقت مخصوص من شخص مخصوص عن أشياء مخصوصة.
[فتاوى رمضان (1/27 -28) ] .(6/460)
شبهة ضعف الإنتاج الاقتصادي في رمضان
المجيب د. خالد بن سعود الحليبي
وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالأحساء
كتاب الصيام/حكمه وحكمته
التاريخ 02/09/1425هـ
السؤال
ينظر بعض الناس إلى أن الصوم في رمضان يُضعف حركة الإنتاج الاقتصادي، كيف تجيب على هذه الشبهة؟ وما هي وجهة نظرك في هذه المسألة؟
الجواب
أخي الصائم..(6/461)
لعلك تشاركني العجب من قوم جعلوا صيامهم حجة لهم وعذرا عن تقصيرهم في أداء واجباتهم على الوجه الحسن، فعللوا تأخرهم في قدومهم إلى وظائفهم بأنهم كانوا نائمين، ونوم الصائم عبادة!! ، وعللوا تراخيهم عن إتقان أعمالهم بأنهم مرهقون بسبب الجوع أو العطش، وللصائم الحق في أن يخفف عنه من جهد العمل ومشقته، وعللوا خروجهم المبكر قبل أن يستوفي وقت العمل حقه، بأنهم محتاجون لقضاء بعض اللوازم للإفطار!! وعللوا تذمرهم من المراجعين، وسلاطة ألسنتهم على الناس بأنهم - أستغفر الله - صائمون!! فيا ليت شعري كيف يفسر هؤلاء أثر الصيام على أنفسهم، وكيف يفصلونه على قدود مشتهياتهم؟! رمضان شهر العمل والبذل والعطاء، لا شهر الكسل والخور والضعف، شهر وقعت فيه أكبر الانتصارات في الإسلام في القديم والحديث، فلم يكن عائقا عن أداء مهمة، ولا داعيا للتقاعس عن إتقان عمل؛ "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" أخرجه أبو يعلى (4386) من حديث عائشة - رضي الله عنها. وانظر السلسلة الصحيحة (1113) . حديث جليل لا يختلف مراده بتغير الأزمان، وقاعدة عظيمة لا تختل بظرف طارئ، كيف والصوم عبادة تؤدى لله، هدفها الأول تربية التقوى في النفس المؤمنة، يقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" [البقرة:183] . والتقوى وازع إيماني عميق الجذور، إذا تغلغل في النفس كان حاجزا مانعا لها عن كل ما يسخط الله، ودافعا قويا لها إلى كل ما يحب الله، والإتقان مما يحب الله، وهو من صفات الكمال التي اتصف بها عز وجل، قال تعالى: (صنع الله الذي أتقن كل شئ) [النمل:88] . فأول ثمرة متوخاة من تقوى الله تعالى في العمل، مراقبته - عز وجل - في كل الساعات التي تمضيها ـ أخي الموظف الصائم ـ وأنت تمارس عملك، بأن تكون في مرضاة الله، وألا تضيع منها دقيقة واحدة في غير ما يخص وظيفتك، وأن تنشط لمهامك بوعي تام، وأن(6/462)
تكون في موقعك ينبوع أخلاق؛ ونهر عطاء؛ تتدفق بكل خير على مراجعيك دون تذمر منهم أو مشقة عليهم، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به" أخرجه مسلم (1828) من حديث عائشة - رضي الله عنها -. وصح عنه; قوله: "وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ" أخرجه البخاري (1894) ، ومسلم (1151) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
تخيل معي لو أن كل صائم منا حمل هذه الراية البيضاء، إذن لبكى الشيطان بكاء مرا!! لأننا أفشلنا أكبر مؤامرة خطط لها من أجل إفساد عبادتنا، وذات بيننا. فما رأيك ـ أخي الصائم ـ أن تحمل الراية معي لنكون في كوكبة الصابرين، ونواجه كل مُتَحَدٍّ لمشاعرنا، أو مستفزٍّ لأعصابنا بهذا الهتاف الإيماني: ((إني امرؤ صائم)) بل فلنحاول أن نناصح زملاءنا في العمل، ونذكرهم إذا رأينا منهم بعض ظواهر هذه الممارسات الخاطئة.. فلعلنا نفوز باستجابة ... ودعوة … ومثوبة.(6/463)
إثبات دخول رمضان
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الصيام/ثبوت شهر رمضان ورؤية الهلال
التاريخ 27/8/1423هـ
السؤال
ما هي الطريقة الشرعية التي يثبت بها دخول الشهر؟ وهل يجوز اعتماد حساب المراصد الفلكية في ثبوت الشهر وخروجه؟ وهل يجوز للمسلم أن يستعمل ما يسمى (بالدربيل) في رؤية الهلال؟
الجواب
الطريقة الشرعية لثبوت دخول الشهر أن يتراءى الناس الهلال، وينبغي أن يكون ذلك ممن يوثق به في دينه وفي قوة نظره، فإذا رأوه وجب العمل بمقتضى هذه الرؤية صوماً إن كان الهلال هلال رمضان وإفطاراً إن كان الهلال هلال شوال، ولا يجوز اعتماد حساب المراصد الفلكية إذا لم تكن رؤية، فإن كانت هناك رؤية ولو عن طريق المراصد الفلكية فإنها معتبرة، لعموم قوله النبي - صلى الله عليه وسلم - (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا) رواه البخاري (1900) ، ومسلم (1080) .
أما الحساب: فإنه لا يجوز العمل به ولا الاعتماد عليه.
وأما استعمال ما يسمى (بالدربيل) ، وهو المنظار المقرب في رؤية الهلال فلا بأس به، ولكن ليس بواجب؛ لأن الظاهر من السنة أن الاعتماد على الرؤية المعتادة لا على غيرها، ولكن لو استعمل فرأى الشهر من يوثق به فإنه يعمل بهذه الرؤية، وقد كان الناس قديماً يستعملون ذلك، حيث كانوا يصعدون على (المنائر) في ليلة الثلاثين من شعبان أو ليلة الثلاثين من رمضان فيتراءونه بواسطة هذا المنظار، على كل حال: متى ثبتت رؤيته بأي وسيلة فإنه يجب العمل بمقتضى هذه الرؤية لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا".
[الفتاوى لابن عثيمين - كتاب الدعوة (1/150-151) ] .(6/464)
صحة حديث " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته "
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها
التاريخ 4/9/1422
السؤال
ما صحة حديث: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته"؟
الجواب
هذا اللفظ هو جزء من حديث روي عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - وحديث بعضهم في الصحيحين، ولذا فسأقتصر على ذكر اثنين منهم، وهما: أبو هريرة، وابن عمر -رضي الله عنهما -.
فأما حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: فأخرجه (البخاري 2/32) ح (1909) ، و (مسلم 2/762) ح (1081) وأما حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فأخرجه (البخاري 2/30) ح (1900) ، و (مسلم 2/759) ح (1080) .(6/465)
صيام من يطول نهارهم أو يقصر جداً
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الصيام/ثبوت شهر رمضان ورؤية الهلال
التاريخ 24/8/1423هـ
السؤال
كيف يصنع من يطول نهارهم إلى إحدى وعشرين ساعة؟ هل يقدرون قدراً للصيام؟ وماذا يصنع من يكون نهارهم قصيراً جداً؟ وكذلك من يستمر عندهم النهار ستة أشهر والليل ستة أشهر؟
الجواب
من عندهم ليل ونهار في ظرف أربع وعشرين ساعة فإنهم يصومون نهاره سواء كان قصيراً أو طويلاً ويكفيهم ذلك والحمد لله ولو كان النهار قصيراً.
أما من طال عندهم النهار أو الليل أكثر من ذلك كستة أشهر؛ فإنهم يقدرون للصيام وللصلاة قدرهما، كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، بذلك في يوم الدجال الذي كسنة، وهكذا يومه الذي كشهر أو كأسبوع، يقدر للصلاة قدرها في ذلك، انظر مسلم (2937) .
وقد نظر مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة في هذه المسألة وأصدر القرار رقم 61 وتاريخ 12/4/1398هـ ونصه ما يلي:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد: فقد عرض على مجلس هيئة كبار العلماء في الدورة الثانية عشرة المنعقدة بالرياض في الأيام الأولى من شهر ربيع الآخر عام 1398هـ كتاب معالي الأمين العام لرابطة العالمي الإسلامي بمكة المكرمة رقم 555 وتاريخ 16/1/1398هـ المتضمن ما جاء في خطاب رئيس رابطة الجمعيات الإسلامية في مدينة (مالو) بالسويد الذي يفيد فيه بأن الدول الاسكندنافية يطول فيها النهار في الصيف ويقصر في الشتاء نظراً لوضعها الجغرافي، كما أن المناطق الشمالية منها لا تغيب عنها الشمس إطلاقاً في الصيف، وعكسه في الشتاء، ويسأل المسلمون فيها عن كيفية الإفطار والإمساك في رمضان، وكذلك كيفية ضبط أوقات الصلوات في هذه البلدان، ويرجو معاليه إصدار فتوى في ذلك ليزودهم بها ا. هـ.(6/466)
وعرض على المجلس أيضاً ما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ونقول أخرى عن الفقهاء في الموضوع، وبعد الاطلاع والدراسة والمناقشة قرر المجلس ما يلي:
أولاً: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس - إلا أن نهارها يطول جداً في الصيف، ويقصر في الشتاء - وجب عليه أن يصلي الصلوات في أوقاتها المعروفة شرعاً.
لعموم قوله تعالى: "أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً" [الإسراء:78] ، وقوله تعالى: "إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً" [النساء:103] .
ولما ثبت عن بريدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة، فقال له: "صل معنا هذين" يعني اليومين، فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر، فأنعم أن يبرد بها، وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال: "أين السائل عن وقت الصلاة؟ " فقال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: "وقت صلاتكم بين ما رأيتم" رواه مسلم (613) .(6/467)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس، فأمسك عن الصلاة، فإنها تطلع بين قرني شيطان" أخرجه مسلم في صحيحه (612) .
إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس قولاً وفعلاً، ولم تفرق بين طول النهار وقصره وطول الليل وقصره ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان.
فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم ما دام النهار يتمايز في بلادهم عن الليل، وكان مجموع زمانهما أربعاً وعشرين ساعة، ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط وإن كان قصيراً فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد.
وقد قال الله تعالى: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" الآية [البقرة: 187] .
ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله أو علم بالأمارات أو التجربة أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضاً شديداً، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه أفطر، ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء.
قال تعال: "فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" الآية [البقرة: 185] .(6/468)
وقال الله تعالى: "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا" [البقرة: 286] .
وقال: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" الآيه، [الحج: 78] .
ثانياً: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً، ولا تطلع فيها الشمس شتاء أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً، وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها، ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض.
لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فرض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة فلم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل ربه التخفيف حتى قال: "يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ... " إلى آخره، انظر مسلم (162) .
ولما ثبت من حديث طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - قال: "جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "خمس صلوات في اليوم والليلة"، فقال: هل علي غيرهن؟ قال: "لا، إلا أن تطوع ... " الحديث البخاري (46) ، ومسلم (11) .
ولما ثبت من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك قال: صدق" إلى أن قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال: "صدق"، قال: فبالذي أرسلك. آلله أمرك بهذا قال: "نعم ... " الحديث مسلم (12) .(6/469)
وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدث أصحابه عن المسيح الدجال، فقالوا: ما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يوما: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم"، فقيل: يا رسول الله! اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا، اقدروا له قدره"، مسلم (2937) .
فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يوماً واحداً يكفي فيه خمس صلوات، بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتباراً بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم، فيجب على المسلمين في البلاد المسؤول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل من النهار وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة.
وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان، وعليهم أن يقدروا لصيامهم ويحددوا بدء شهر رمضان ونهايته، وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته، وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه في أقرب البلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار، ويكون مجموعهما أربعاً وعشرين ساعة لما تقدم في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المسيح الدجال وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه، إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة. والله ولي التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
"هيئة كبار العلماء"
[تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام لسماحة الشيخ ابن باز (164 - 169) ] .(6/470)
رمضان واختلاف المطالع
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
كتاب الصيام/ثبوت شهر رمضان ورؤية الهلال
التاريخ 1/9/1424هـ
السؤال
تواجهنا مشكلة كل عام، وهي بخصوص رؤية هلال رمضان، فبعض الإخوة يصومون مع بلاد الحرمين؛ لعدم الثقة في اللجنة هنا، لأنهم من جماعة التبليغ، وهم هنود من بلد فيجي {figi} وهى تقع فوق نيوزلندة على خط الاستواء، فإننا لا نراهم يتحرون الرؤية، ولكن نراهم ينتظرون مكالمة تأتيهم من بلدهم تخبرهم بأن يصوموا أو لا، وهنا الشباب افترق، فمنهم من يصوم معهم، ومنهم من يصوم مع السعودية، ودائما يكونون هنا متأخرين، فأفيدونا جزاكم الله كل خير، وبماذا تنصحوننا؟ علماً أني في نيوزلندة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
مسألة الهلال مسألة اختلف العلماء فيها بين قائل أن رؤية الهلال إذا ثبتت في بلد من البلاد تعم جميع الأقطار، وهذا ما ذهب إليه بعض المالكية حيث يقول خليل: وعم إن نقل بهما عنهما " أي: عم جميع الأقطار إذا نقل بعدلين عن عدلين، فإذا رؤي وثبت الهلال في مكان ما فإن هذه الرؤية تعم.(6/471)
القول الثاني: هو أن الأقطار المتنائية لا يثبت الهلال في بعضها برؤية البعض الآخر، وهذا ما ذهب إليه كثير من العلماء أيضاً، وهو مبني على حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - وهو في مسلم (1087) - وبوب عليه النووي: باب بيان أن لكل بلدٍ رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلدٍ يثبت حكمه لما بعد عنهم - بإسناده عن كريب، أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية - رضي الله عنه - بالشام، قالت: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهلَّ عليَّ رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية -رضي الله عنه-، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل الثلاثين، أو نراه، فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية -رضي الله عنه- وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وحينئذٍ لا يعمل بالرؤية البعيدة، وبخاصة إذا كان البلدان لا يشتركان في ليل واحد، بحيث أنه ينقضي الليل في أحدهما قبل وصوله إلى المكان الآخر، ففي المسألة خلاف بين العلماء، وحتى في المجامع الفقهية، حيث قرر المجمع الفقهي بأن الاعتبار بالرؤية، وأنه يستأنس فقط بالحساب الفلكي الذي يعتمد على سير القمر وعلاقة القمر بالأرض وبالشمس.
القول الثاني: يقول إن الحساب قطعي وأنه يعتمد عليه، فهو يثبت الحساب على هذا الهلال، وهذا ما ذهب إليه المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء.(6/472)
فالمسألة واسعة إن شاء الله، فيمكنهم أن يصوموا إذا شاؤوا مع السعودية أو مع أي بلد آخر إذا ثبتت الرؤية فيه ثبوتاً شرعياً، كما يمكنهم أن يتحروا الهلال في بلدتهم أو في مكان قريب من بلدهم، حيث قلنا إن تنائي الأقطار يمنع من اعتبار الرؤية في مكان آخر، مع الاستعانة بالفلك وبالمراصد أيضاً، ففي هذا الزمان تطور هذا العلم تطوراً كبيراً، بحيث كما يقول البعض: إن الإبرة إذا أرسلت في الجو يمكن الاهتداء إليها، فكيف بالقمر الذي يكون قد ولد أو خرج من الاقتران، وخرج من شعاع الشمس، أي: بعد ساعتين أو ثلاث ساعات من خروجه من شعاع الشمس فإنه يرى، إذا كان خرج منه في وقت يمكن أن يرى في ذلك المكان.
إذاً فالمسألة واسعة، نرجو من المسلمين ألا يختلفوا، فمن منهم قلد من يقول: إن تنائي الأقطار مانع من الاتباع فإنه قد قلد قولاً قوياً، ومن قلد كذلك القول الذي يقول بأن رؤية أي بلد تنسحب على البلد الآخر فهو قول أيضاً جيد، ومن استأنس وبحث عن الحساب الفلكي ليثبت به أو ليؤكد به رؤيته فهذا أيضاً دليل جديد قد يساعد كثيراً على الترجيح.
إلا أنه إذا رئي الهلال قطعاً وقال الحساب الفلكي إنه لا يرى فحينئذ لا نعتمد على الحساب الفلكي، خلافاً للمجلس الأوربي الذي قال بالاعتماد على الفلك حينئذ، إذا رأته مستفيضة أي جماعة كبيرة فإننا نقدم الرؤية على الحساب الفلكي.
هذا باختصار ما نراه في هذه المسألة، ونوصي بعدم الافتراق وعدم الاختلاف، وأن يتباحثوا فيما بينهم، ويتفقوا على إحدى الطرق التي ذكرناها، فكلها منصوصة في كتب أهل العلم.(6/473)
بداية صوم رمضان في باكستان
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
كتاب الصيام/ثبوت شهر رمضان ورؤية الهلال
التاريخ 1/9/1424هـ
السؤال
نحن طلبة ندرس في باكستان، وقد حيرنا العلماء وطلبة العلم في جواز الصيام مع باكستان في رمضان، وأنه يجب أن نصوم مع السعودية؛ لأن الباكستانيين يرون الهلال ثاني يوم، ويكون واضحاً للجميع، غير أن نصف الشارع الباكستاني لا يصوم، نرجو منكم التوجيه. وشكراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فإذا كان المعتبر في باكستان في دخول شهر رمضان هو رؤية الهلال البصرية، فمن كان مقيماً فيها فإنه يصوم معهم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس"، أخرجه الترمذي (802) من حديث عائشة - رضي الله عنها -بسند صحيح.
فإن كان الصيام في باكستان معتبراً بالحساب الفلكي دون رؤية الهلال فإن من كان مقيماً فيها يصوم حسب رؤية أقرب بلد يعتبر الرؤية لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" متفق عليه البخاري (1909) ، ومسلم (1081) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-.
وبهذا أفتت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية واستدلت بما رواه مسلم في صحيحه (1087) ، عن كريب أنه قدم الشام واستهل عليه رمضان ليلة الجمعة ثم قدم المدينة آخر الشهر، قال فسألني ابن عباس - رضي الله عنهما- متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيته ليلة الجمعة، ورآه الناس وصاموا، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين، أو نراه، فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية - رضي الله عنه- وصيامه؟ فقال: لا هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.(6/474)
اختلاف المطالع
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
كتاب الصيام/ثبوت شهر رمضان ورؤية الهلال
التاريخ 22/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
السؤال عن اختلاف المطالع في شهر ذي الحجة هل يجوز بمعنى أن يكون اليوم عيد في معظم الدول وفي دول أخرى يكون عندهم صوم يوم عرفة كما حدث في باكستان وموريتانيا، وهل يوم عرفة لا يرتبط بالمكان أي وقوف الحجيج في صعيد عرفات، وهل يحصل للمسلم في مثل هذه البلاد أجر صوم يوم عرفة؟ وإن كان يوافق العيد في السعودية أفتونا أثابكم الله.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد..
فإذا كان المسلم في بلد يعمل الرؤية الشرعية، ويعتمدها طريقاً لإثبات التاريخ فإن المسلم فيه يعمل بمقتضى ما أثبته المختصون عنده، ويصوم عرفة يوم التاسع، ولو كان يوافق في مكة اليوم الثامن أو العاشر، أما في المناسك فإنه يعمل بالرؤية حسب ثبوتها في مكة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون"،رواه الترمذي (697) ، وأبو داود (2324) وابن ماجة (1660) ، ومثله عن عائشة - رضي الله عنها- عند الترمذي (802) ، وصححه الألباني في السلسلة برقم (224) ، والله الموفق والهادي.(6/475)
هل نتبع مكة في رؤية الهلال؟
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
كتاب الصيام/ثبوت شهر رمضان ورؤية الهلال
التاريخ 29/08/1425هـ
السؤال
نحن نعيش في هونج كونج، ويومنا يبدأ قبل خمس ساعات من مكة، نحن نرى القمر هنا ثم نعمد إلى الصوم، أو نعلن العيد، وغالباً نتأخر يوماً عن مكة، هل نتبع مكة في إعلان الصيام والعيد؟ أو نتطلع لرؤية الهلال إذا تبعنا مكة سنؤدي العيد والتراويح قبلها بخمس ساعات سيكون من الصعب أداء صلاة التراويح عند إعلان الرؤية في مكة (إعلان الرؤية في مكة في الثامنة مساء، وفي هونج كونج الواحدة صباحاً) ، أرجو التوجيه، ماذا نفعل؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:(6/476)
فهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، كما لا يخفى، والأرجح من الأقوال: أن لكل بلد رؤيته، لا سيما مع اختلاف المطالع كما هي الحال في اختلاف المطالع بين الصين وبين المملكة العربية السعودية؛ يدل لهذا الحديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما- في صحيح مسلم (1087) ، عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثت إلى معاوية- رضي الله عنهما- بالشام، قال: فقدمت الشام، فقضيت حاجتها، واستهل على رمضان، وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا، وصام معاوية - رضي الله عنه- فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: "لا، هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-"، قال النووي في شرح صحيح مسلم (7/197) : "....إنما لم يعمل ابن عباس -رضي الله عنهما- بخبر كريب ... لأن الرؤية لم يثبت حكمها في حق البعيد" ا. هـ. وعلى كل حال، فالمهم ألا يكون هذا الأمر سبباً في الفرقة والشقاق، كما هي الحال في واقع بعض الجاليات المسلمة في بلاد الكفر، وللأسف، بل الواجب أن يتفق عوام المسلمين هناك مع علمائهم، وإذا كان المسلمون في الصين سيتبعون ما تكون عليه الرؤية في مكة، بناء على توجيه أهل العلم منهم، فإنهم متى ما أعلنوا أن رمضان قد ثبت بتلك الرؤية فإنه يشرع لهم صلاة التراويح، ولو في وقت متأخر من الليل؛ لأن صلاة القيام لا ينتهي وقتها إلا بطلوع الفجر، ولو صلاها كلٌّ في بيته تلك الليلة فالأمر واسع بحمد الله، والله -تعالى- أعلم-.(6/477)
الاعتماد على توقيت قرنتش في ولادة الهلال
المجيب عبد الله بن سليمان بن منيع
عضو هيئة كبار العلماء
كتاب الصيام/ثبوت شهر رمضان ورؤية الهلال
التاريخ 30/06/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
الهيئة الموكل إليها تحديد الشهور في دولتنا هي هيئة علمية فلكية، وليست شرعية، والمهندسون العاملون بها يعتبرون بداية الشهر الهجري في اليوم الذي يثبت قبل فجره ولادة الهلال فلكياً، ولو كانت الولادة تمت بعد غروب شمس اليوم السابق، أي أنه يستحيل رؤيته، فرغم أن هلال شهر شوال يولد يوم الاثنين الموافق 24/11/2003م الساعة الثانية صباحاً أعتبر هذا اليوم أول أيام شهر شوال؛ لأنه ولد الهلال قبل طلوع فجره، فهل هذا معتبر شرعاً؟.
الجواب(6/478)
الذي يقول بمثل هذا القول، ويحتج بالفلك هو في الواقع يعتمد على توقيت (جرنتش) الذي يعتبر مجموعة من الفلكيين غير المسلمين، وبعض المسلمين كذلك يعتبرون هذا الاعتبار بأن الولادة إذا كانت قبل الثانية عشرة مساء فالليلة واليوم التالي لها يعتبر أول الشهر، وإذا كانت ولادة الهلال بعد الثانية عشرة مساء بتوقيت (جرنتش) بأن كان في الساعة الواحدة أو الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة صباحاً فهم يعتبرون أن هذه الليلة، واليوم التالي لها هو آخر الشهر، والذي جرت عليه المملكة السعودية، وهو أمر يتفق مع المقتضى الشرعي هو أن الولادة إذا كانت قبل غروب الشمس، وجاء من يشهد برؤية الهلال اعتبرت الليلة أو الشهر، واليوم التالي لها هو كذلك، أول الشهر، وأما إذا كانت ولادة الهلال بعد غروب الشمس بأن كانت الساعة السابعة، أو الثامنة، أو التاسعة، ونحو ذلك أي بعد غروب الشمس، فهذه الليلة تعتبر آخر أيام الشهر، ولا اعتبار لتوقيت (جرنتش) ، سواء أكانت الولادة قبل الثانية عشرة بتوقيت (جرنتش) أو بعد الثانية عشرة بتوقيت (جرنتش) ، وإنما المعتبر في ذلك هو غروب الشمس قبل ولادة الهلال، أو بعد ولادة الهلال، فإن غربت الشمس قبل ولادة الهلال صارت الليلة آخر ليلة من أيام الشهر، وإن غربت الشمس، وقد كان الهلال مولوداً، -أي: غربت الشمس بعد ولادة الهلال- بمعنى أن الشمس تغرب الساعة السادسة - مثلاً- وقد ولد الهلال في الساعة الرابعة، أو الثالثة، أو دون ذلك فتعتبر الليلة هي أول الشهر، واليوم التالي هو أول أيام الشهر. والله أعلم.(6/479)
الاستشعار عن بعد وظهور الهلال
المجيب عبد الله بن سليمان بن منيع
عضو هيئة كبار العلماء
كتاب الصيام/ثبوت شهر رمضان ورؤية الهلال
التاريخ 15/2/1425هـ
السؤال
هل الاستشعار عن بعد في معرفة ظهور الهلال بمعنى مولد الهلال معتبر في بداية الشهر القمري أم لا؟ أم لا بد من الرؤية البصرية للهلال في اعتباره بداية الشهر؟ مع ذكر الأدلة على ذلك.
ملاحظة: بعد معرفة مولد الهلال بالتحديد كم يلزم من الوقت لظهوره حقيقة؟ وهل من الفقهاء من اعتبر بداية الشهر بالاستشعار عن بعد؟
الجواب(6/480)
الجواب عن هذا السؤال هو أنه فيما يتعلق بالجانب الشرعي، وبإثبات دخول شهر رمضان أو خروجه فيجب أن نعمل بالحساب الفلكي فيما يتعلق بالنفي، فإذا قيل بأن ولادة الهلال ولادة فلكية تكون بعد غروب الشمس، يعني تغرب الشمس، ولما يولد الهلال بعد، يعني: حيث ولد الساعة التاسعة أو العاشرة أو الثامنة أو نحو ذلك، وجاء من يشهد برؤية الهلال بعد غروب الشمس مباشرة، فهذا يجب أن تُرد هذه الرؤية مهما كانت، فهي شهادة غير صحيحة، إما أن يكون صاحبها واهماً ومغتراً بكوكب، أو نحو ذلك، أو أن يكون كاذباً، فلا شك أن الشهادة معروف بأن من شروطها أن تنفك عما يكذبها حسًّا أو عقلاً، وهذه الشهادة لم تنفك عما يكذبها بل الهلال لم يولد؛ فكيف يرى قبل ولادته؟ هذا فيما يتعلق بالنفي؛ أما فيما يتعلق بالإثبات فإذا كان الهلال مولوداً قبل غروب الشمس، ومع ذلك لم يأتِ من يشهد بالرؤية فنقول يجب أن يكون إثبات الرؤية عن طريق الشهادة بها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" رواه البخاري (1909) ، ومسلم (1081) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، فإذا كان الهلال مولوداً قبل غروب الشمس، ومع ذلك لم يره راءٍ، فلا عبرة بكونه مولوداً ولم يره أحد؛ لأننا متعبدون بإثبات الهلال إثباتاً شرعيًّا صحيحًا نافياً لما يكون سبباً من أسباب رده؛ متعبدون بإثبات الهلال بالرؤية لا بالحساب الفلكي.(6/481)
وبناءً على هذا فينبغي أن يكون هذا محل اعتبار، أما من يقول بأن الرؤية وإن كان الهلال مولوداً فينبغي أن تكون ممكنة الرؤية فنقول هذا شرط غير صحيح، والذين يقولون بشرط إمكان الرؤية هم مختلفون في متى تمكن الرؤية، هل تمكن أن تكون على زاوية محددة على درجة محدودة؟ هم مختلفون في تقدير الزاوية البُعدية، وفي تقدير الدرجة نفسها، فبعضهم يقول: سبع درجات، وبعضهم يقول: خمس درجات، وبعضهم يقول: أربع درجات، فهذا فيه خلاف، وبناء على هذا فيجب علينا ألا يكون للقول بإمكان الرؤية اعتبار، فالله - سبحانه وتعالى- على كل شيء قدير، وعنده من القدرة - سبحانه وتعالى- ما يجعل لبعض عباده من قوة الإبصار ما يبصرون القمر وهو يساير الشمس، سواء كان خلفها أو أمامها، أو عن يمينها، أو عن يسارها، فهناك مجموعة من الناس منَّ الله - سبحانه وتعالى- عليهم بقوة الإبصار، ولا يتأثرون بأشعة الشمس، يعني على أساس أن أشعة الشمس تمنع الرؤية، فهذا في الواقع غير معتبر، - والله أعلم-.
ولعل السائل يتحدث عن الاستشعار يريد به إمكان الرؤية وعدم إمكانها، فنحن نفرق بين إمكان الرؤية وبين ولادة الهلال، أما الولادة فهي معتبرة في حال النفي، ولا يجوز أن تثبت رؤية، والحال أن الهلال لم يولد، وقد غربت الشمس قبل ولادته، فهذا لا يجوز أن نثبت رؤية تأتي بهذا الشيء، أما إذا كانت الولادة موجودة قبل غروب الشمس، ولكن هناك من يقول باستحالة الرؤية، فنقول كلمة (استحالة) هذه غير صحيحة؛ بل من رأى الهلال وهو مولود فرؤيته معتبرة، فيجب إجراء ما يتعلق بهذه الرؤية والأخذ بها.(6/482)
هل يعتمد في رؤية الهلال على الحساب؟
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/ثبوت شهر رمضان ورؤية الهلال
التاريخ 20/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كما تعرفون، إن بلدنا تعتمد على الفلكيين دون الرؤية في تعيين الأشهر القمرية, وفي رمضان الماضي انفردت بلدنا مع طائفة من العراقيين بالفطر، الكثير من الناس صاموا يوم العيد بحجة أن الرؤية لا تثبت إلا بالعين, وأن شرقنا وغربنا من دول العالم الإسلامي صائمون, وأن الهلال قد ولد على ما قال الفلكيون في الظهيرة, ولا يمكن رؤيته عند غروب يوم الشك, فهل عملهم هذا مشروع؟ أفتوني مأجورين.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الصواب أنه لا عبرة بالحساب الفلكي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا". وَعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ. أخرجه البخاري (1913) ومسلم (1080) . وقال سبحانه وتعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة:185] .
وقال عليه الصلاة والسلام: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لرؤيتِهِ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ". أخرجه البخاري (1900) ومسلم (1080) . وفي لفظ: "فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ". أخرجه البخاري (1909) . والأحاديث في هذا كثيرة، فالصحيح أن الشهر يدخل بأحد أمرين:
الأمر الأول: رؤية هلاله.
الأمر الثاني: إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا إذا لم يُر الهلال.
ومثله- أيضًا- شهر شوال يثبت بواحد من أمرين: رؤية هلاله ممن تعتبر رؤيته، والثاني: إكمال عدة رمضان ثلاثين يومًا.
وأما بالنسبة لوضعكم، وأن بلدكم يتابعون الحساب فيظهر لي أنك تصوم وتفطر مع الناس، فإذا كان الناس يصومون ويفطرون بالحساب الفلكي فإنك تتابعهم؛ لحديث أبي هريرة، رضي الله عنه: "الصَّوْمُ يومَ تَصومُونَ، والفِطرُ يومَ تُفْطِرُونَ". أخرجه الترمذي (697) وأبو داود (2324) وابن ماجه (1660) . والله أعلم.(6/483)
على من يجب الصيام؟
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الصيام/شروط الصيام
التاريخ 1/9/1423هـ
السؤال
على من يجب صيام رمضان؟
الجواب
الصيام يجب أداءً على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم خال من الموانع.
فهذه ستة أوصاف: مسلم. بالغ. عاقل. قادر. مقيم. خالٍ من الموانع.
فأما الكافر: فلا يجب عليه الصوم ولا غيره من العبادات.
ومعنى قولنا: "لا يجب عليه الصوم" أنه لا يلزم به حال كفره، ولا يلزمه قضاؤه بعد إسلامه، لأن الكافر لا تقبل منه العبادة حال كفره، لقوله تعالى: "وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ" الآية، [التوبة:54] . ولا يلزمه قضاء العبادة إذا أسلم لقوله تعالى: "قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ" الآية [الأنفال: 38] .
لكنه يعاقب على ما تركه من واجبات، حال كفره؛ لقوله تعالى عن أصحاب اليمين وهم يتساءلون عن المجرمين: " مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ*حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ" [المدثر:42-47] .
فذكرهم: ترك الصلاة وإطعام المسكين من أسباب دخولهم النار؛ يدل على أن لذلك تأثيراً في دخولهم النار.
بل إن الكافر يعاقب على كل ما يتمتع به من نعم الله من طعام وشراب ولباس لقول الله تعالى: " لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" [المائدة:93] .(6/484)
فنفي الجناح عن المؤمنين فيما طعموا يدل على ثبوت الجناح على غير المؤمنين فيما طعموا.
ولقوله تعالى: "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ" الآية [الأعراف: 32] .
فقوله: " لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ" يدل على أن الحكم في غير المؤمنين يختلف عن الحكم في المؤمنين.
ولكن إذا أسلم الكافر في أثناء رمضان، لم يلزمه قضاء ما سبق إسلامه، فإذا أسلم في ليلة الخامس عشر مثلاً، فالأيام الأربعة عشر لا يلزمه قضاؤها.
وإذا أسلم في أثناء اليوم لزمه الإمساك دون القضاء، فإذا أسلم عند زوال الشمس مثلاً، قلنا له: أمسك بقية يومك ولا يلزمك القضاء؛ فنأمره بالإمساك؛ لأنه صار من أهل الوجوب ولا نأمره بالقضاء؛ لأنه قام بما وجب عليه وهو الإمساك من حين أسلم، ومن قام بما يجب عليه لم يكلف بإعادة العبادة مرة ثانية.
أما العقل: وهو الوصف الثاني للوجوب:
فالعقل هو ما يحصل به الميزة: أي التمييز بين الأشياء، فإذا لم يكن الإنسان عاقلاً فإنه لا صوم عليه كما أنه لا يجب عليه شيء من العبادة سوى الزكاة.
ومن هذا النوع - أي: ممن ليس له عقل - أن يبلغ الإنسان سناً يسقط معه التمييز، وهو ما يعرف عند العامة بالهذرات، فلا يلزم المهذري صوم، ولا يلزم عنه إطعام؛ لأنه ليس من أهل الوجوب.
أما الوصف الثالث: فهو البلوغ.
ويحصل البلوغ بواحد من أمور ثلاثة:
1. إما بأن يتم الإنسان خمس عشرة سنة.
2. أو أن تنبت العانة، وهي الشعر الخشن الذي يكون عند القبل.
3. أو ينزل المني بلذة سواء كان ذلك باحتلام أو بيقظة.
4. وتزيد المرأة أمراً رابعاً هو: الحيض، فإذا حاضت المرأة بلغت.
وعلى هذا: فمن تم له خمس عشرة سنة من ذكر أو أنثى، فقد بلغ.(6/485)
ومن نبتت عانته ولو قبل خمس عشرة سنة من ذكر أو أنثى، فقد بلغ.
ومن أنزل منيًّا بلذة من ذكر أو أنثى ولو قبل خمس عشرة سنة، فقد بلغ.
ومن حاضت ولو قبل خمس عشرة سنة، فقد بلغت.
وربما تحيض المرأة وهي بنت عشر سنين.
وهنا يجب التنبه لهذه المسألة التي يغفل عنها كثير من الناس، فإن بعض النساء تحيض مبكرة ولا تدري أنه يلزمها الصوم وغيره من العبادات التي يتوقف وجوبها على البلوغ؛ لأن كثيراً من الناس يظن أن البلوغ عند تمام خمس عشرة سنة! وهذا ظن لا أصل له!
فإذا لم يكن الإنسان بالغاً، فإن الصوم لا يجب عليه، ولكن ذكر أهل العلم أن الولي مأمور بأن يأمر موليه الصغير من ذكر أو أنثى بالصوم ليعتاده حتى يتمرن عليه ويسهل عليه إذا بلغ، وهذا ما كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلونه، فإنهم كانوا يصومون أولادهم الصغار حتى إن الواحد منهم ليبكي فيعطى لعبة من العهن يتلهى بها حتى تغرب الشمس.
وأما الوصف الرابع: فهو أن يكون الإنسان قادراً على الصوم.
أي يستطيع أن يصوم بلا مشقة، فإن كان غير قادر فلا صوم عليه.
ولكن غير القادر ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون عجزه عن الصوم مستمراً دائماً كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه، فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً، فإذا كان الشهر ثلاثين يوما أطعم ثلاثين مسكيناً، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين يوماً أطعم تسعة وعشرين مسكيناً، وللإطعام كيفيتان:
الكيفية الأولى: أن يخرج حبًّا من أرز أو بر، وقدره ربع صاع بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم - أي خمس صاع بالصاع المعروف هنا ويساوي كيلوين وأربعين جراماً بالبر الجيد الرزين، يعني أنك إذا وزنت من البر الرزين الدجن ما يبلغ كيلوين وأربعين جراماً فإن هذا صاع بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم -، والصاع بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة أمداد، فيكفي لأربعة مساكين.(6/486)
ويحسن في هذه الحال: أن تجعل معه إذا دفعته إلى الفقير أن تجعل معه شيئاً يؤدمه من لحم أو غيره حسب ما تقتضيه الحال والعرف.
وأما الوجه الثاني من الإطعام: فأن يصنع طعاماً يكفي لثلاثين فقيراً أو تسعة وعشرين فقيراً حسب الشهر ويدعوهم إليه كما ذكر ذلك عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - حين كبر، ولا يجوز أن يطعم شخصاً واحداً مقدار ما يكفي الثلاثين أو التسعة والعشرين؛ لأنه لابد أن يكون عن كل يوم مسكين.
أما القسم الثاني من العجز عن الصوم: فهو العجز الذي يرجى زواله وهو العجز الطارئ، كمرض حدث للإنسان أثناء الصوم، وكان يشق عليه أن يصوم، فنقول له: أفطر واقض يوماً مكانه؛ لقول الله تعالى: "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" الآية [البقرة: من 184] .
أما الوصف الخامس: فهو أن يكون مقيماً، وضده مسافر.
المسافر: وهو الذي فارق وطنه لا يلزمه الصوم لقوله تعالى: "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ".
ولكن الأفضل أن يصوم إلا أن يشق عليه فالأفضل الفطر؛ لقول أبي الدرداء رضي الله عنه: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم شديد الحر وما فينا صائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبد الله بن رواحة.
أما إذا شق عليه الصوم؛ فإنه يفطر ولابد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - شكي إليه أن الناس قد شق عليهم الصيام فأفطر، ثم قيل له: إن بعض الناس قد صام فقال: "أولئك العصاة، أولئك العصاة".
أما الوصف السادس: فهو أن يكون خالياً من الموانع.
أي: من موانع الوجوب، وهذا يختص بالمرأة، فيشترط في وجوب الصوم عليها أداءً ألاّ تكون حائضاً ولا نفساء.(6/487)
فإن كانت حائضاً أو نفساء: لم يلزمها الصوم، وإنما تقضي بدل الأيام التي أفطرت؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - مقراً ذلك: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"، فإذا حاضت المرأة فلا صوم عليها وتقضي في أيام أخر.
وهنا مسألتان ينبغي التفطن لهما:
المسألة الأولى: أن بعض النساء تطهر في آخر الليل، وتعلم أنها طهرت ولكنها لا تصوم ذلك اليوم ظناً منها أنها إذا لم تغتسل لم يصح صومها وليس الأمر كذلك، بل صومها يصح وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر.
وأما المسألة الثانية: فهي أن بعض النساء تكون صائمة فإذا غربت الشمس وأفطرت جاءها الحيض قبل أن تصلي المغرب، فبعض النساء تقول: إنه إذا أتاها الحيض بعد الفطر وقبل صلاة المغرب فإن صومها ذلك النهار يفسد وكذلك بعض النساء يبالغ أيضاً ويقول: إذا جاءها قبل صلاة العشاء فإن صومها ذلك اليوم يفسد وكل هذا ليس بصحيح.
فالمرأة إذا غربت الشمس، وهي لم تر الحيض خارجاً فصومها صحيح حتى لو خرج بعد غروب الشمس بلحظة واحدة فصومها صحيح.
وهذه ستة أوصاف إذا اجتمعت في الإنسان وجب عليه صوم رمضان أداء ولا يحل له أن يفطر، فإن تخلف واحد منها فعلى ما تقدم.
[فقه العبادات لابن عثيمين. ص:173- 178] .(6/488)
صحة حديث تبييت النية للصيام
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/شروط الصيام
التاريخ 24/9/1422هـ
السؤال
ماصحة حديث " من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له "
الجواب
حديث من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له.
أخرجه أبو داود وغيره ـ كما سيأتي ـ فقال في 2/823،باب النية في الصيام ح (2454) :
حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب، حدثني ابن لهيعة، ويحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن حفصة زوج النبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له".
تخريجه:
*أخرجه ابن خزيمة 3/212 ح (1933) عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ويونس بن عبد الأعلى، كلاهما عن عبد الله بن وهب به بنحوه.
*وأخرجه أحمد 6/287 عن حسن بن موسى الأشيب، والطحاوي في " شرح المعاني " 2/54، والطبراني في " الكبير "23/206ح (367) من طريق عبد الله بن يوسف، كلاهما (حسن، وعبد الله) عن ابن لهيعة به بنحوه، إلاّ أن حسن بن موسى لم يذكر ابن عمر.(6/489)
*وأخرجه الترمذي 3/108، باب ما جاء " لا صيام لمن يعزم من الليل " ح (730) من طريق سعيد بن أبي مريم، والنسائي 4/196، باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة (2339) ، والدارمي 1/431 ح (1650) من طريق سعيد بن شرحبيل، والنسائي ح (2332) من طريق شعيب بن الليث بن سعد، كلاهما (سعيد، وشعيب) عن الليث سعد، والنسائي ح (2333) من طريق أشهب، وابن حبان في " المجروحين " 2/46، والدارقطني 2/135 ح (2193) ، والبيهقي 4/203 من طريق عبد الله بن عباد المصري، عن المفضل بن فضالة، أربعتهم (ابن أبي مريم، والليث، وأشهب، والمفضل) عن يحيى بن أيوب به بنحوه إلاّ أن سعيد بن شرحبيل أسقط ابن شهاب في حديثه، وقال المفضل في حديثه: عن يحيى بن أيوب، عن يحي بن سعيد الأنصاري، عن عمرة، عن عائشة، وفي رواية أشهب قال: عن يحيى وآخر.
*وأخرجه ابن أبي شيبة 2/292 ح (9111) ـ ومن طريقه ابن ماجه 1/542 باب ما جاء في فرض الصوم من الليل والخيار في الصوم ح (1700) ـ عن خالد بن مخلد القطواني، عن إسحاق بن حازم، عن عبد الله بن أبي بكر به بنحوه، إلاّ أنه لم يذكر الزهري في حديثه.
*وأخرجه مالك في " الموطأ " 1/288 ح (5) ، ومن طريقه النسائي 4/197 ح (2341) .(6/490)
والنسائي 4/197 ح (2337، 2338) من طريق ابن المبارك، وعبد الرزاق 4/275 ح (7786) ـومن طريقه البخاري في " التاريخ الأوسط" 2/252. كلاهما (ابن المبارك، وعبد الرزاق) عن معمر، والنسائي 4/197 ح (2334) من طريق ابن جريج، والنسائي 4/197 ح (2335) من طريق عبيد الله بن عمر، والنسائي 4/197 ح (2338) من طريق ابن المبارك، عن ابن عيينة، والبخاري في " الأوسط " 2/253 من طريق عبد الرحمن بن إسحاق المدني، وعقيل سبعتهم (مالك، وابن جريج، وعبد الله، ومعمر، وابن عيينة، وعبد الرحمن، وعقيل) عن الزهري به بنحوه إلاّ أنهم جميعاً - سوى ابن جريج - جعلوه موقوفاً على حفصة، ولم يذكر معمر - فيما رواه عنه عبد الرزاق - ابن عمر في حديثه، وقال أي معمر ـ فيما رواه عنه ابن المبارك - وابن عيينة: عن ابن شهاب، عن حمزة بن عبد الله ابن عمر، عن أبيه عن حفصة قولها، وزاد عقيل: وابن عمر، وجعله مالك: عن الزهري عن حفصة وعائشة قولهما.
*وأخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " 2/55 من طريق صالح بن أبي الأخضر، والبخاري - معلقاً - في " التاريخ الأوسط " 2/253 عن عبد الرحمن بن نمر، كلاهما (صالح، وابن نمر) عن سالم، عن أبيه موقوفاً عليه.
*ورواه مالك في " الموطأ " 1/288 ح (5) ، ومن طريقه النسائي 4/198 ح (2343) ، والنسائي 4/192 ح (2342) من طريق المعتمر بن سليمان، وعبد الرزاق 4/275 ح (7787) ، كلاهما (المعتمر، وعبد الرزاق) عن عبيد الله بن عمر، وعبد الرزاق ح (7787) عن ابن جريج، والطحاوي في " شرح المعاني " 2/55 من طريق موسى بن عقبة،
أربعتهم (مالك، وعبيد الله، وابن جريج، وموسى) عن نافع، عن ابن عمر قوله، إلاّ أن ابن جريج وعبيد الله بن عمر - فيما رواه عنه عبد الرزاق - جعلاه عن حفصة موقوفاً عليها.
الحكم عليه:(6/491)
إسناد أبي داود متصل ورجاله ثقات، سوى يحيى بن أيوب، فإنه صدوق، وابن لهيعة وهو مضعّف.
وقد تبين من التخريج السابق أنه وقع اختلاف على عبد الله بن أبي بكر بن حزم في إسقاط ذكر الزهري من الإسناد، والصواب مع من أثبته، لأن اللذين أسقطاه هما: إسحاق بن حازم، ويحيى بن أيوب - فيما رواه سعيد بن شرحبيل، عن الليث بن سعد عنه - وكلاهما صدوق، وقد خولفا: فأما إسحاق بن حازم فخلاصة حاله ما ذكره ابن حجر في التقريب (100) : " صدوق تكلم فيه للقدر " وقد خالف من هو أوثق منه، وأما سعيد بن شرحبيل فهو " صدوق " أيضاً، كما في التقريب (237) ، وقد خالفه شعيب بن الليث، وابن وهب في روايتهما عن الليث، وهما أوثق منه، ولعلّ هذا الاضطراب من قبل يحيى بن أيوب نفسه، فقد سبق كلام الأئمة في حفظه، حتى قال فيه الإمام أحمد: سيئ الحفظ.
فالمحفوظ إذن في حديث عبد الله بن أبي بكر، هو ذكر الزهري بينه وبين سالم، فيبقى الاختلاف في رفع الحديث ووقفه.
وقد ظهر من التخريج السابق أن عبد الله بن أبي بكر، ومن تابعه عن الزهري - وهو ابن جريج - قد خولفا في رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حيث رواه الأكثرون من أصحاب الزهري موقوفاً على حفصة، وبعضهم يجعله موقوفاً على ابن عمر، وبعضهم يجمع بينهما، وهذا بيان رواياتهم ـ ملخصاً ـ:
1 - الزهري عن سالم عن ابن عمر عن حفصة موقوفاً عليها: وقد روى هذا الوجه عنه مالك، وعبيد الله، وعبد الرحمن بن إسحاق المدني، وعقيل، ويونس، ومعمر - فيما رواه عنه عبد الرزاق -، إلاّ أنه - أي معمر - لم يذكر (ابن عمر) في حديثه، وزاد عقيل: وابن عمر مع حفصة، وجعله مالك: عن الزهري، عن حفصة، وعائشة قولهما.
2 - الزهري عن سالم عن ابن عمر قوله: وقد رواه عنه صالح بن أبي الأخضر، وعبد الرحمن بن نمر، ويونس، وعقيل الأيليان.(6/492)
وقد تابع سالماً - فيما رواه الجماعة بجعله موقوفاً على ابن عمر أو حفصة - راويان آخران وهما:
1 - نافع، وقد رواه عن ابن عمر موقوفاً عليه - فيما رواه عنه مالك وموسى بن عقبة، وعبيد الله بن عمر - فيما رواه عنه المعتمر بن سليمان -، ورواه نافع، عن ابن عمر، عن حفصة موقوفاً عليها ـ فيما رواه عنه ابن جريج وعبيد الله بن عمر ـ فيما رواه عنه عبد الرزاق ـ.
2 - حمزة بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن حفصة موقوفاً عليها: وقد رواه عنه سفيان بن عيينة، ومعمر - فيما رواه عنه ابن المبارك - عن الزهري عنه -.
ولأجل تتابع هؤلاء الحفاظ من أصحاب الزهري على رواية هذا الوجه، فقد نصّ جماعة من الأئمة على ترجيح الوجه الموقوف ومنهم:
1 - الإمام أحمد: حيث قال: " ماله عندي ذلك الإسناد، إلا أنه عن ابن عمر وحفصة إسنادان جيدان " اهـ. نقله عنه الميموني، كما في شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/183، وابن عبد الهادي في التنقيح 2/282.
2 - البخاري: حيث قال في " التاريخ الأوسط " 2/253: "غير المرفوع أصح " اهـ.
ونقل الترمذي عنه في " العلل الكبير " (118) ح (202) أنه خطأه - أي مرفوعاً - ثم قال: "وهو حديث فيه اضطراب، والصحيح عن ابن عمر موقوف، ويحيى بن أيوب صدوق " اهـ.
3 - أبو حاتم الرازي: فقد نقل عنه ابنه في " العلل " 1/225 قوله: " وقد روي عن الزهري عن حمزة عن ابن عمر عن حفصة قولها، وهذا عندي أشبه " اهـ.
4 - النسائي: ففي " التحفة " للمزي 11/286 أنه قال: " الصواب عندنا موقوف، ولم يصح رفعه - والله أعلم - لأن يحيى بن أيوب ليس بالقوي، وحديث ابن جريج، عن الزهري غير محفوظ " اهـ.
5 - الترمذي 3/108: " حديث حفصة [غريب] لا نعرفه مرفوعاً إلاّ من هذا الوجه، وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله، وهو أصح، وهكذا أيضاً روي عن الزهري مرفوعاً، ولا نعلم أحداً رفعه إلاّ يحيى بن أيوب … " اهـ.(6/493)
6 - الطحاوي في شرح المعاني 2/55.
7 - الدارقطني كما في " العلل " [5/ق 166] حيث قال: " رفعه غير ثابت " اهـ.
8 - ابن عبد البر، كما نقله عنه العنيني في " عمدة القاري " 10/305.
9 - ابن التركماني، كما في " الجوهر النقي " 4/202.
10 - المزي كما في التحفة 11/285.
11 - ابن القيم، كما يظهر من كلامه في تهذيب السنن 3/331.
12 - ابن عبد الهادي في " التنقيح " 2/280.
13 - ابن كثير في تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب ص (306) ح (247) .
وقد خالف هؤلاء الأئمة آخرون فصححوه مرفوعاً ومنهم:
1 - ابن خزيمة، - كما تقدم -.
2/3 - نقل الحافظ ابن حجر في الفتح 4/169 ح (1924) أن ابن حبان والحاكم صححاه، ولم أجدهما في المطبوع من صحيحهما.
4 - البيهقي 4/202 حيث قال: " وهذا حديث قد اختلف على الزهري في إسناده، وفي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن أبي بكر أقام أسناده ورفعه، وهو من الثقات الأثبات " اهـ. ثم ساق طريق ابن جريج التي تابع فيها ابن أبي بكر على الرفع - وهذا - فيما يظهر ميل منه إلى ترجيح المرفوع.
5 - الخطّابي، كما في " المعالم " 3/332.
6 - ابن حزم في المحلى 6/161.
7 - النووي في " المجموع " 6/289.
فهذا ما يتعلق بالاختلاف في رفعه ووقفه، على أن في الحديث اختلافاً أوسع من هذا لكن ما ذكرته هو غالب الخلاف فيه، وما لم اذكره فهو عائد إليه، والله أعلم.
وأما ما يتعلق بالاختلاف في إسناده على الزهري:
فقد رواه الإمام مالك، عن الزهري، عن عائشة وحفصة قولهما - فلم يذكر سالماً - وما رواه عن نافع، عن ابن عمر قوله، وتابعه عليه عبيد الله بن عمر ـ كما تقدم ـ فهذان الوجهان كلاهما محفوظ عن الإمام مالك، إلاّ أن رواية الزهري، عن عائشة وحفصة منقطعة، لأنه لم يدركهما رضي الله عنهما، ولذا قال النسائي - كما في التحفة 11/285 ـ: " أرسله مالك بن أنس ".(6/494)
وأما الطريق التي رواها عبد الله بن عباد المصري عن الفضل بن فضالة، عن يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة، عن عائشة مرفوعاً " من لم يبيت … " فلا تصلح شاهداً للوجه المرفوع، لأن هذا الإسناد مقلوب - كما قال ابن حبان - والصواب فيه: عن يحيى بن أيوب، عن عبد الله بن أبي بكر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن حفصة، وآفة هذا الإسناد، هو عبد الله بن عباد المصري، قال عنه ابن حبان في " المجروحين " 2/46:"شيخ يقلب الأخبار، روى عن المفضل بن فضالة …ثم ساق الحديث السابق- ثم قال: روى عنه روح بن الفرج، أبو الزنباع نسخة موضوعة ".اهـ.
وحديث عائشة هذا من رواية روح عنه، وهو على ضعفه، فقد تفرد به كما قال الدارقطني.
وقد جاء حديث آخر من حديث ميمونة بنت سعد مرفوعاً بنحو حديث الباب أخرجه الدارقطني 2/136 ح (2197) لكنه من رواية الواقدي، وهو متروك، ينظر نصب الراية 4/435.
والخلاصة مما تقدم ما يلي:
1 - أن الصواب عن عبد الله بن أبي بكر، هو إثبات الزهري بينه وبين سالم.
2 - أن الحديث اختلف في رفعه ووقفه على الزهري، وأن الراجح وقفه، لأن المتقنين لحديث الزهري والعارفين به، رووه موقوفاً، وهم أيضاً أكثر من الذين رفعوه، وأن حذاق الأئمة - كما قال ابن عبد الهادي في التنقيح 2/280 - من المتقدمين على ترجيح الموقوف، إما على ابن عمر، أو على حفصة رضي الله عنهم، وسند الموقوف صحيح.
3 - أن ما روي مرفوعاً في هذا الباب، عن عائشة أو ميمونة بنت سعد، فإنه لا يصح، والله أعلم.(6/495)
صيام الصبي
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الصيام/شروط الصيام
التاريخ 10/9/1425هـ
السؤال
هل يؤمر الصبي الذي لم يبلغ الخامسة عشر بالصيام كما في الصلاة؟
الجواب
نعم يُؤْمر الصِّبيان الذين لم يَبْلُغوا بالصيام إذا أطاقوه كما كان الصَّحابة - رضي الله عنهم - يفعلون ذلك بصبيانهم.
وقد نصَّ أهل العلم على أن الولي يَأمُر من له ولاية عليه من الصغار بالصوم من أجل أن يتمرنوا عليه ويألفوه وتنطبع أُصول الإسلام في نُفُوسهم حتى تكون كالغريزة لهم. ولكن إذا كان يشق عليهم أو يضرهم فإنهم لا يلزمون بذلك، وإنني أنبه هنا على مسألة يفعلها بعض الآباء أو الأمهات وهي منع صبيانهم من الصيام، على خلاف ما كان الصَّحابة - رضي الله عنهم - يفعلون، يدَّعُون أنهم يمنعون هؤلاء الصِّبيان رحمة بهم وإشفاقاً عليهم، والحقيقة أن رحمة الصِّبيان أمرهم بشرائع الإسلام وتعويدهم عليها وتأليفهم لها. فإن هذا بلا شك من حسن التربية وتمام الرعاية.
وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: "إنَّ الرَّجُل رَاع فِي أَهْل بَيْتِه وَمَسْئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ" البخاري (893) ، ومسلم (1829) ، والذي ينبغي على أولياء الأمور بالنسبة لمن ولاهم الله عليه من الأهل والصغار أن يتقوا الله تعالى فيهم وأن يأمروهم بما أمروا أن يأمروهم به من شرائع الإسلام.
[الفتاوى لابن عثيمين - كتاب الدعوة (1/145 -146) ] .(6/496)
ترك السحور مع بدء الأذان
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الصيام/شروط الصيام
التاريخ 8/9/1423هـ
السؤال
هل يجب علينا الكف عن السحور عند بدء أذان الفجر، أم يجوز لنا الأكل والشرب حتى ينتهي المؤذن؟
الجواب
إذا كان المؤذن معروفاً بأنه لا ينادي إلا على الصبح فإنه يجب الكف عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من حين يؤذن.
أما إذا كان الأذان بالظن والتحري حسب التقاويم فإنه لا حرج في الشرب أو الأكل وقت الأذان، لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم".
قال الراوي في آخر هذا الحديث: "وكان ابن أم مكتوم رجلاً أعمى، لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت" متفق على صحته.
والأحوط للمؤمن والمؤمنة الحرص على إنهاء السحور قبل الفجر عملاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" وقوله - صلى الله عليه وسلم - "من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه".
أما إذا علم أن المؤذن ينادي بليل لتنبيه الناس على قرب الفجر، كفعل بلال فإنه لا حرج في الأكل والشرب حتى ينادي المؤذنون الذين يؤذنون على الصبح عملاً بالحديث المذكور.
[تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام، لسماحة الشيخ ابن باز ص: (170) ](6/497)
نية الصيام
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الصيام/شروط الصيام
التاريخ 4/9/1423هـ
السؤال
هل نية الصيام كافية عن نية صوم كل يوم على حدة؟
الجواب
من المعلوم أن كل شخص يقوم في آخر الليل ويتسحر، فإنه قد أراد الصوم ولا شك في هذا، لأن كل عاقل يفعل الشيء باختياره لا يمكن أن يفعله إلا بإرادة.
والإرادة هي النية، فالإنسان لا يأكل في آخر الليل إلا من أجل الصوم، ولو كان مراده مجرد الأكل لم يكن من عادته أن يأكل في هذا الوقت. فهذه هي النية ولكن يحتاج إلى مثل هذا السؤال فيما لو قدر أن شخصاً نام قبل غروب الشمس في رمضان وبقي نائماً لم يوقظه أحد حتى طلع الفجر من اليوم التالي فإنه لم ينو من الليل لصوم اليوم التالي فهل نقول إن صومه اليوم التالي صوم صحيح بناء على النية السابقة؟
أو نقول: إن صومه غير صحيح لأنه لم ينوه من ليلته؟
نقول: إن صومه صحيح لأن القول الراجح أن نية صيام رمضان في أوله كافية؛ فلا يحتاج إلى تجديد النية لكل يوم؛ اللهم إلا أن يوجد سبب يبيح الفطر فيفطر في أثناء الشهر فحينئذ لابد من نية جديدة لاستئناف الصوم.
[الفتاوى لابن عثيمين، كتاب الدعوة (1/144-145) ] .(6/498)
تبييت النية في الصيام
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الصيام/شروط الصيام
التاريخ 02/09/1425هـ
السؤال
لم أجزم بتبييت النية من الليل. فقلت في نفسي إن شاء الله سأصوم غير جازم، وأخبرت بأنه لا بد من تبييت النية الجازمة للفريضة، فهل يصح لي في هذه الحالة الصوم وجزاكم الله خيراً.
الجواب
صيام الواجب لا بد فيه من تبييت النية من الليل، بمعنى أن الإنسان يصوم ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس كاملاً بنية ويكون قد نوى أن يصوم هذا اليوم جميعه من طلوع فجره إلى غروب شمسه، وأما صيام النفل فإن الإنسان إذا لم يتعاط شيئاً من المفطرات بعد طلوع الفجر، ونوى الصيام بعد ذلك صح منه وأجزأه.(6/499)
هل نيتها للصوم منسحبة على كل الأيام؟
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/شروط الصيام
التاريخ 18/10/1426هـ
السؤال
امرأة تصوم القضاء في شوال، ونوت ألا تقطع صيامها حتى تقضي ما عليها، وكانت في كل ليلة إذا تسحَّرت تنوي أنه لصيام يوم غد، وإذا نسيت أن تنوي بالعَشاء (السحور) تنوي قبل نومها في نفسها، لكنها في يوم تناولت وجبة العشاء ولم تنو نسياناً منها، ولم تنو قبل نومها، فهل نيتها التي نوتها من قبل صالحة، وهي أن تكمل القضاء ولا تقطعه.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فالعلماء - رحمهم الله- ذكروا أنه يجب تعيين النية من الليل لصوم رمضان أو قضائه، أو نذر، أو كفارة، فمن لم يُبيِّت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له.
والمرأة السائلة ذكرت أنها نوت ألا تقطع صيام قضائها حتى تنهيه، وأنها إذا أكلت العشاء تنوي أنه لصيام غد، لكنها في يوم أكلت ولم تنو شيئاً.
فنقول: الذي يظهر لي - والله أعلم- صحة صومها قضاءً؛ لأن عشاءها -والذي سمته سحوراً- إنما هو عشاء من يريد الصوم، بل قد سمته سحوراً، والسحور إنما هو لمن يريد الصيام، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: (هو حين يتعشى، يتعشى عشاء من يريد الصوم، ولهذا يُفرق بين عشاء ليلة العيد، وعشاء ليالي رمضان، وهذا معنى قولهم: ويكفي في النية الأكل والشرب بنية الصوم. انتهى كلامه رحمه الله. والله أعلم.(6/500)
حكم تبييت النية في صيام الست من شوال
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/شروط الصيام
التاريخ 11/10/1426هـ
السؤال
لم أنو الصيام في الليل في أحد أيام الست من شوال، وإنما نويت في النهار، فهل يصح ذلك؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه المسألة موضع خلاف بين أهل العلم، فبعضهم قال: لا يجب تبييت النية لصوم النفل، سواء كان مطلقاً أو مقيداً؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل عليّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فقال: "هل عندكم شيء؟ " فقلنا: لا. قال: "فإني إذن صائم". ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس، فقال: "أرنيه فقد أصبحت صائماً". فأكل. أخرجه مسلم (1154) .
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإني إذن صائم" يُفهم منه أنه لم يبيِّت النية للصوم من الليل.
وذهب بعض أهل العلم -كالشيخ ابن عثيمين رحمه الله- إلى أنه لا بد من تبييت النية من الليل في الصيام المعين، كالست من شوال، ويوم عرفة، ويوم العاشر من شهر الله المحرم، وغير ذلك من الصيام المعين؛ لأنه إذا صام من نصف النهار لا يصدق عليه أنه صام اليوم كله، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- رتَّب الأجرَ على صيام الأيام الستة كلها.
وأيضاً لما ذكره جمع من العلماء بأن الأجر إنما يكون من حين النية، وحينئذ إذا كانت بداية الصوم ليست من أول اليوم -يعني من طلوع الفجر- فسيكون أجره ناقصاً، فلا ينال الأجر المرتب على صيام هذه الستة.
وعلى هذا إذا بدأ الصائم صومه من النهار فلا يصح صيامه على أنه نفل معين، وإنما يكون نفلاً مطلقاً، يعني له أجر صيام النفل المطلق، وهذا الذي يظهر لي، والله تعالى أعلم.(6/501)
عليها قضاء أيام من رمضان ولا تعلم عددها
المجيب د. سعد بن تركي الخثلان
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/من أخر القضاء حتى دخل عليه رمضان آخر
التاريخ 10/8/1422
السؤال
أفطرت في رمضان أياماً لا أعلم عددها بالضبط ربما 4 أو 5 أو 6، وذلك حينما كنت في أول سني البلوغ ظناً مني أن الحائض عدتها يجب أن تكون سبعة أيام كاملة، أي أنني كنت آكل وأشرب وأنا قد طهرت من الدورة حتى أكمل عدة سبعة الأيام. سؤالي هو أنني لم أقضها ولا أعلم عددها فكيف أتصرف؟
الجواب
المكلّف إذا أفطر أياماً من رمضان بعد سن التكليف فإن الواجب عليه قضاؤها ولو بعد مضي مدة طويلة، والأخت السائلة تذكر أنها أفطرت أياماً من رمضان بعد سن البلوغ ولم تقضها حتى الآن فنقول: الواجب عليك المبادرة إلى قضائها في أسرع وقت، وأما عددها فتبني على اليقين تحقيقاً لبراءة الذمة، فإذا اكنت تشكين هل هي أربعة أيام أو خمسة أو ستة فاجعليها ستة، وأما الإطعام فلا يجب عليك إطعام لكونك جاهلة بالحكم.(6/502)
المرأة إذا أجهضت في الشهر الثاني؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الصيام/ صيام أهل الأعذار/صوم الحائض والنفساء والجنب
التاريخ 28/10/1422
السؤال
امرأة حامل في الشهر الثاني، أجهضت وأجري لها عملية تنظيف، هل تصوم وتصلي؟ وإذا كان الجواب بـ (لا) فمتى تصلي؟
الجواب
ما دام الإجهاض في الشهر الثاني، فليس لهذه المرأة أحكام النفاس، بل تجب عليها الصلاة والصيام، والدم نجاسة فتغسل أثره وتتوضأ وتصلي، وإذا شقَّ عليها صلاة كل فريضة في وقتها فلها أن تجمع الظهر والعصر في وقت أحدهما، وأن تجمع المغرب والعشاء في وقت إحداهما، وإذا شقَّ عليها الصيام بوجود النزيف فلها أن تفطر لمرضها وتقضي، وإذا صامت فصيامها صحيح؛ لأن هذا الدم لا يمنع الصيام.(6/503)
مريض لا يستطيع الصيام
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/ صيام أهل الأعذار/صوم الكبير والمريض
التاريخ 10/9/1425هـ
السؤال
لي أخ وجب عليه الصيام، وهو في سن الثالثة عشرة تقريباً، وهو يعاني من مرض نقص في نسبة الأملاح، ويجب عليه أخذ دواء مدى حياته، وهو تقريباً يأخذه كل ست ساعات وإلا يعاني من نقص، وربما يدخل المستشفى إذا لم يأخذه، ولا أدري مدى تحمله حقيقة، ولكن الظاهر وبعض الأطباء يقولون: إنه لا يستطيع، وهو لم يصم رمضان، فلا أدري ماذا عليه أن يفعل؟ وهل كل رمضان لا يصومه على مدى الحياة؟ وهل يأثم؟.
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فكما هو معلوم أن البلوغ يحصل بالنسبة للذكر بأحد ثلاثة أمور: بلوغ خمس عشرة سنة، أو الاحتلام، أو ظهور الشعر الخشن حول القبل، فأيَّ من هذه الثلاثة سبق فالحكم له. هذا وقد ذكرت أن أخاك وجب عليه، وهو في سن الثالثة عشرة لعله بلغ بالاحتلام، أو بظهور الشعر الخشن حول القبل، على كل ما دام وجب عليه الصيام وهو مريض، وقد قرر الأطباء أنه لا يستطيع الصوم، وأنه بحاجة إلى استعمال الدواء في كل ست ساعات، فهذا له حكم المريض الذي لا يستطيع الصوم فلا يجب عليه الصوم، بل يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، ويستمر على هذا مادام على تلك الحالة ولا إثم عليه؛ لأنه معذور لمرضه الذي لا يستطيع الصوم معه، ومتى ما شافاه الله وزال عنه المرض فإنه يعود إلى الصوم في مستقبل حياته، وما مضى لا شيء عليه فيه إلا الإطعام -كما تقدم-، والله أعلم.(6/504)
مريض بالسكر، كيف يصوم؟
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
كتاب الصيام/ صيام أهل الأعذار/صوم الكبير والمريض
التاريخ 02/09/1425هـ
السؤال
أنا مريض بمرض السكر، وأتناول إبر الأنسولين، ومستوى السكر لدي ما بين (250) إلى (400) أحياناً، وأيضاً مريض بالكلى وضغط الدم - شفانا الله وإياكم - هل أًصوم رمضان أم أفطر؟ وما هي الكفارة؟
الجواب
إذا كنت لا تستطيع الصيام، وقرر الأطباء أن الصيام يضرك، وأن المرض لا يرجى برؤه فعليك الإطعام عن كل يوم مسكيناً من البر أو التمر أو الأرز، نصف صاع لكل يوم للمساكين جميعاً أو مفرقة.
(اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين فتوى (217) ص (158)) .(6/505)
لا يستطيع الصوم ولا الإطعام فما الحكم
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/ صيام أهل الأعذار/صوم الكبير والمريض
التاريخ 9/9/1424هـ
السؤال
لدينا رجل كبير في السن أسلم - ولله الحمد- لكن لبعض الأمراض التي يعاني منها لم يستطع الصيام في رمضان، وهو فقير جداً، وأحياناً يبحث في محلات القمامة عن ثياب يلبسها، أو أشياء يستخدمها، وقد وزع راتبه التقاعدي في عدة أشياء فمعاشه يذهب لأقساط شقته، وللوازم منزله، ولا يبقى منه شيء ليدفع الكفارة، ونحن نقوم بالصدقة عليه كثيراً، فهل يلزمه شيء؟.
الجواب
هذا الرجل الذي أسلم على كبر سنه، وقلة ذات يده جدير بالإحسان إليه، والرعاية التي تسدُّ حاجاته، وتحفظ كرامته عن التبذل بالبحث عن حوائجه في المزابل والقمامات كما ورد في السؤال، بل ينبغي لمن عرف حاله من المسلمين أن يغنوه عن ذلك، وما دام أنه لا يستطيع الصوم لكبر سنه ومرضه، فإنه لا يلزمه إلا الإطعام، فإن حصل له من صدقات المسلمين ما يستطيع أن يطعم منه فعليه ذلك، وإن لم يحصل له إلا ما يكفيه بخاصة نفسه، فلا شيء عليه لقوله - تعالى-: " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها " [البقرة: 286] ، وقوله - تعالى -: "فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن: 16] ، وقوله - تعالى-: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" [البقرة: 185] ، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على دينه.(6/506)
إجراء عملية جراحية في رمضان، يمكن إرجاؤها
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
كتاب الصيام/ صيام أهل الأعذار/صوم الكبير والمريض
التاريخ 24/8/1424هـ
السؤال
أنا بحاجة لإجراء عملية جراحية ضرورية وغير مستعجلة جداً، ولكن بسبب طبيعة عملي أفضل أن أجريها في رمضان، فهل لي ذلك؟ علماً أنها توجب علي الإفطار في مدة العلاج بعد العملية خلال الشهر، أفيدوني جزاكم الله عنا خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نعم يجوز لك أن تجري هذه العملية في رمضان ما دامت ضرورية لك في هذا الشهر أو غيره ما دام التبكير بإجرائها في صالح عملك، وعليك قضاء ما أفطرته من رمضان، ولا عليك إثم - إن شاء الله -، وإن استطعت تأجيل العملية إلى ما بعد رمضان حتى تسلم من القضاء لهذه الأيام التي أفطرتها لا سيما وأنك ستفطر شهر رمضان كله فهو أحسن.(6/507)
دفع المريض فدية لصيامه
المجيب د. صالح بن فوزان الفوزان
عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الصيام/ صيام أهل الأعذار/صوم الكبير والمريض
التاريخ 18/9/1423هـ
السؤال
مريض بالسكر وبمرض في المعدة وبمرض نفسي أيضاً - شفاه الله - ولم يستطع الصيام، ولكنه يدفع نقوداً كفارة عنه؛ فهل يكفي هذا؟ أم علي شيء آخر؟
الجواب
تذكر أيها السائل أنك مصاب بالأمراض التي لا تستطيع معها الصيام، وأنك تدفع كفارة من النقود.
نقول: شفاك الله مما أصابك وأعانك على أداء ما افترض الله عليها، أما إفطارك من أجل المرض؛ فهذا شيء صحيح لا حرج فيه؛ لأن الله سبحانه وتعالى رخص للمريض أن يفطر إذا كان الصيام يشق عليه أو يضاعف المرض، وأمره أن يقضي الأيام التي أفطرها في فترة أخرى "فعدة من أيام أخر" [البقرة:184] .
هذا إذا كان المرض يرجى زواله، أو خفته في بعض الأحيان؛ بحيث يستطيع أن يقضي في فترة أخرى.
أما إذا كان المرض مستمراً ومزمناً لا يرجى برؤه؛ فإنه يتعين عليه الإطعام لقوله تعالى: "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" [البقرة: 184] .
ومنهم المريض الذي مرضه مزمن.
والإطعام لا يكون بالنقود كما ذكرت، وإنما يكون الإطعام بدفع الطعام الذي هو قوت البلد؛ بأن تدفع عن كل يوم نصف الصاع من قوت البلد المعتاد.
ونصف الصاع يبلغ الكيلو والنصف تقريباً.
فعليك أن تدفع طعاماً من قوت البلد بهذا المقدار الذي ذكرنا عن كل يوم، ولا تدفع النقود؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" [البقرة: 184] ؛ نص على الطعام.
[المنتقى من فتاوى الشيخ صالح بن فوزان (3/140) ] .(6/508)
عليها قضاء أيام من رمضان وتخشى على جنينها
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/من أخر القضاء حتى دخل عليه رمضان آخر
التاريخ 10/8/1422
السؤال
عليَّ قضاء أيام من رمضان الماضي، وأخرته. وأنا الآن حامل في الشهر التاسع، وقد قضيت بعض هذه الأيام أثناء الحمل فأحسست بمشقة وخفت على الجنين، وأخشى أن يدخل رمضان القادم قبل أن أتمكن من القضاء. فهل يكفيني الإطعام عن الأيام المتبقية؟ أفيدوني وفقكم الله تعالى.
الجواب
عليك صيام الأيام المتبقية ولو بعد رمضان ولا حرج عليك "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" ومثلك مثل المريض الذي يفطر فإنه يقضي متى ما استطاع، ولا يجزئك الإطعام عن الأيام التي لم تقضيها إلاّ إذا عجزت عن الصوم بالكليّة.(6/509)
صحة حديث " ليس من البر الصيام في السفر"
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/ صيام أهل الأعذار/صوم المسافر
التاريخ 05/09/1425هـ
السؤال
ما صحة حديث: " ليس من البر الصيام في السفر"؟
الجواب
حديث " ليس من البر الصيام في السفر" رواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عدة من الصحابة- رضي الله عنهم-،وسأكتفي هنا ببعض ما ثبت من ذلك، ومنه حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه- قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في سفر فرأى زحاما، ورجلاً قد ظلل عليه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم، فقال: " ليس من البر الصيام في السفر ". أخرجه (البخاري 2/44) ، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم- لمن ظلل عليه واشتد الحر: " ليس من البر ... " (1946) ، و (مسلم 2/786) ح (1115) ، و (أبوداود 2/766) ، باب اختيار الفطر (2407) ، و (النسائي 4/177) ح (2262) ، وفي (الكبرى 2/100) ح (2570) ، و (أحمد 3/299، 317، 319، 399) ، و (الدارمي 1/434) ح (1661) من طرق جابر -رضي الله عنه-.(6/510)
أفطرنا ثم أقلعت الطائرة فرأينا الشمس
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها
التاريخ 3/9/1424هـ
السؤال
في شهر رمضان يكون إقلاع بعض الرحلات وقت أذان المغرب فنفطر ونحن على الأرض، وبعد الإقلاع والارتفاع عن مستوى الأرض نشاهد قرص الشمس ظاهراً، فهل نمسك أم نكمل إفطارنا؟
الجواب
أكمل إفطارك، ولاتمسك؛ لأنك أفطرت بمقتضى الدليل الشرعي؛ لقوله -تعالى-:" ثم أتموا الصيام إلى الليل " [البقرة:187] ، وقوله- صلى الله عليه وسلم-:"إذا أقبل الليل من هاهنا، وأشار إلى المشرق وأدبر النهار من هاهنا، وأشار إلى المغرب وغربت الشمس فقد أفطر الصائم".
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ/محمد بن عثيمين-رحمه الله- فتوى رقم (1174) .(6/511)
الصوم أو الفطر للمسافر
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
كتاب الصيام/ صيام أهل الأعذار/صوم المسافر
التاريخ 17/09/1425هـ
السؤال
إذا سافر المسلم فما الأفضل له في سفره: الفطر أم الصيام؟
الجواب
المسألة فيها ثلاثة أقوال:
القول الأول: وهو ما يميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن الفطر في كل حال أفضل لكل مسافر.
وعلته: أن الصوم قد أبطله بعض العلماء، فذكر عن بعض الظاهرية أنهم يلزمون المسافر إذا صام في سفره أن يقضي أيام سفره؛ لأن الله يقول: "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" [البقرة:184] فكل من كان مسافراً يصوم عدة أيام سفره سواء أفطر أم لم يفطر.
ورد الجمهور على هذا الاستدلال وقالوا: إن الآية فيها تقدير، وتقديرها: "من كان على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر" وأما إذا كان على سفر وصام فلا يلزمه عدة، فكأن شيخ الإسلام يقول: الصوم في السفر فيه خلاف فهناك من يبطله، فاختار أن الفطر أفضل خروجاً من الخلاف؛ لأنه ليس هناك خلاف أن الفطر جائز وأما الصوم ففيه خلاف.
قال: فلأجل الخروج من الخلاف فأنا أختار أن الفطر أفضل، سواء وجدت مشقة أم لم توجد، ولكن شيخ الإسلام يقيسه على زمانه؛ فزمانه يناسبه الفطر في كل حال لغلبة المشقة.
القول الثاني: أن الصوم أفضل بكل حال ولو مع المشقة والفطر جائز، واستدل أصحاب هذا القول بحديث جابر - رضي الله عنه - قال: كنا في سفر وفي حر شديد حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبد الله بن رواحة - رضي الله عنه -.
وقالوا: إن اختيار النبي - صلى الله عليه وسلم - للصوم في هذا الحر الشديد يدل على أنه أفضل حتى ولو مع المشقة، ولكن نحمل الحديث إما:
أ. على أنه خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.(7/1)
ب. على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وثق من نفسه بالصبر ولهذا لم يصوموا كلهم.
القول الثالث: وهو أرجحها - إن شاء الله - أن الصوم مع عدم المشقة أفضل والفطر مع المشقة أفضل.
والدليل عليه: أنه - صلى الله عليه وسلم - لما خرج إلى مكة في حجة الوداع صام هو وصحابته في رمضان حتى بلغوا عسفان أي صاموا نحو ثمانية أيام، فلما بلغوا ذلك قيل للرسول - صلى الله عليه وسلم - إن الناس قد شق عليهم الصيام، فعند ذلك أفطر، وفي رواية أنه قال للذين لم يفطروا: "إنكم قد قربتم من عدوكم والفطر أقوى لكم" وبلغه أن أناساً قد شق عليهم الصيام ولم يفطروا فقال: "أولئك العصاة" فإن هذا دليل على أن الصوم مع عدم المشقة أفضل ومع المشقة، فالفطر أفضل مع أن الكل جائز، كما ثبت في حديث أنس - رضي الله عنه - وغيره قال: كنا نسافر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.
[فتاوى الصيام لابن جبرين ص: (78-79) ] .(7/2)
الفطر في السفر
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/ صيام أهل الأعذار/صوم المسافر
التاريخ 21/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال هو عن الفطر في السفر، متى يكون الفطر وكيف تكون النية، معظم المشايخ إن لم يكن كلهم يجمعون على أن الصوم بنية الإفطار فاسد، أي أن أصوم بنية أن أفطر إذا تعبت لو كنت مريضاً، فمتى إذا تكون النية ومتى يكون الإفطار في السفر إذا علمت أني مسافر الساعة 10 غداً، وقد يعرض عارض يؤخر السفر فلا أسافر؟ فما العمل؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
خلاصة الجواب عما سألت عنه- بعد الإعراض عن تفاصيل لا يناسب طرقها هنا-:
1- لا بد في صوم الفرض من عقد النية من الليل- أي قبل طلوع الفجر-؛ لحديث حفصة - رضي الله عنهم- في السنن: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" أخرجه أبو داود (2454) ، والترمذي (730) ، وهذا الحديث وإن كان الراجح وقفه، إلا أن العمل عليه عند جماهير أهل العلم.
2- إذا تقرر ذلك، فلا يجوز أن يترك المقيم- الذي يجب الصوم عليه- عقد النية حتى ولو كان عازماً على السفر لسببين:
السبب الأول: أن العبرة في جواز الفطر للمسافر هو تلبس الإنسان بوصف السفر- أي حتى يفارق عامر بلده، ولا تكفي نيته، والمقيم لا يسمى مسافراً بمجرد النية.
السبب الثاني: أن الإنسان - كما ذكرت في سؤالك- قد يعرض له موانع من السفر، فبأي حجة يستبيح الفطر، وهو من أهل الصوم؟!.
3- يجوز لمن عقد العزم على السفر أن يقول: إن سافرت أفطرت، ولا يؤثر هذا على صحة صيامه فيما لو نقض نيته، وعدل عن السفر؛ لأن التردد هنا لا يعود إلى النية في أصلها بل إلى حال المكلف، أي: أنه علَّق الأمر على وجود سبب يبيح له الفطر. والله أعلم.(7/3)
الفطر أم متابعة المؤذن؟
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الصيام/مستحبات الصيام
التاريخ 11/9/1423هـ
السؤال
هل هناك دعاء مأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند وقت الإفطار وما هو وقته؟ وهل يتابع الصائم المؤذن في الأذان أم يستمر في فطره؟
الجواب
نقول إن وقت الإفطار موطن إجابة للدعاء لأنه في آخر العبادة ولأن الإنسان أشد ما يكون غالباً من ضعف النفس عند إفطاره.
وكلما كان الإنسان أضعف نفساً وأرق قلباً كان أقرب إلى الإنابة والإخبات إلى الله عز وجل.
والدعاء المأثور: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت".
ومنه أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام: "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله".
وهذان الحديثان، وإن كان فيهما ضعف لكن بعض أهل العلم حسنهما.
وعلى كل حال: فإذا دعوت بذلك، أو بغيره عند الإفطار فإنه موطن إجابة، وأما إجابة المؤذن وأنت تفطر فنعم مشروعة؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول" يشمل كل حال من الأحوال إلا ما دل الدليل على استثنائه، والذي دل على استثنائه إذا كان يصلي وسمع المؤذن؛ لأن في الصلاة شغلا، كما جاء به الحديث.
على أن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله عليه - يقول: إن الإنسان يجيب المؤذن ولو كان في الصلاة لعموم الحديث، ولأن إجابة المؤذن ذكر مشروع ولو أن الإنسان عطس وهو يصلي يقول: الحمد لله، ولو بشر بولد أو بنجاح ولد وهو يصلي يقول: الحمد لله، نعم يقول الحمد لله ولا بأس، وإذا أصابك نزغ من الشيطان وفتح عليك باب الوساوس فتستعيذ بالله منه وأنت تصلي.
لذا نأخذ من هذا قاعدة: وهو أن كل ذكر وجد سببه في الصلاة فإنه يقال؛ لأن هذه الحوادث يمكن أن نأخذ منها عند التتبع قاعدة.(7/4)
لكن مسألة إجابة المؤذن - وشيخ الإسلام ابن تيمية يقول بها - أنا في نفسي منها شيء، لماذا؟
لأن إجابة المؤذن طويلة توجب انشغال الإنسان في صلاته انشغالاً كثيراً والصلاة لها ذكر خاص لا ينبغي الشغل عنه.
فنقول: إذا كنت تفطر وسمعت الأذان تجيب المؤذن.
بل قد نقول: إنه يتأكد عليك أكثر لأنك تتمتع الآن بنعمة الله وجزاء هذه النعمة الشكر ومن الشكر إجابة المؤذن فتجيب المؤذن ولو كنت تأكل ولا حرج عليك في هذا.
وإذا فرغت من إجابة المؤذن فصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقل: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته.
[فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين (1/531 - 532) ] .(7/5)
تقديم الأذان في رمضان
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الصيام/مستحبات الصيام
التاريخ 8/9/1423هـ
السؤال
ما حكم الذين يتقدمون في الأذان في رمضان؟
الجواب
الذين يتقدَّمون في الأذان في أيام الصوم يتسرعون في أذان الفجر ويزعمون أنهم يحتاطون بذلك للصيام وهم في ذلك مخطئون لسببين:
السبب الأول: أن الاحتياط في العبادة هو لزوم ما جاء به الشرع، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر" وما قال حتى يقرب طلوع الفجر، إذاً فالاحتياط للمؤذنين: أن لا يؤذنوا حتى يطلع الفجر.
السبب الثاني: قد أخطأ هؤلاء المؤذنون الذين يؤذنون للفجر قبل طلوع الفجر، وزعموا أنهم يحتاطون لأمر احتياطهم فيه غير صحيح، لكنهم يفرطون في أمر يجب عليهم الاحتياط له وهو صلاة الفجر، فإنهم إذا أذنوا قبل طلوع الفجر صلى الناس وخصوصاً الذين لا يصلون في المساجد من نساء أو معذورين عن الجماعة صلاة الفجر، وحينئذ يكون أداؤهم لصلاة الفجر قبل وقتها.
وهذا خطأ عظيم!! لهذا أوجه النصيحة لإخواني المؤذنين أن لا يؤذنوا إلا إذا تبين الصبح وظهر لهم، فإذا ظهر لهم سواء شاهدوا بأعينهم أو علموه بالحساب الدقيق فإنهم يؤذنون، وينبغي للمرء أن يكون مستعداً للإمساك قبل الفجر خلاف ما يفعله بعض الناس إذا قرب الفجر جداً قدم سحوره زاعماً أن هذا هو أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتأخير السحور، ولكن ليس بصحيح فإن تأخير السحور إنما ينبغي إلى وقت يتمكن الإنسان فيه من التسحر قبل طلوع الفجر، والله أعلم.
[فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين (1/529 - 530) ] .(7/6)
هل السحور واجب؟
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
كتاب الصيام/مستحبات الصيام
التاريخ 03/09/1425هـ
السؤال
هل السحور واجب؟ وما المراد بالبركة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: فإن في السحور بركة"؟
الجواب
السحور هو الأكلة قبيل الإمساك وهو مستحب، يقول عليه الصلاة والسلام: "تسحروا فإن في السحور بركة" البخاري (1923) ، ومسلم (1095) .
والأمر في قوله: "تسحروا" للإرشاد، ولأجل ذلك علله بالبركة التي هي كثرة الخير.
وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - ترك السحور لما كان يواصل، فدل على أنه ليس بفرض، ومن الأحاديث الدالة على استحباب السحور: أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه - رضوان الله عليهم - أن يتسحروا ولو بتمرة أو بمذقة لبن حتى يتم الامتثال.
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر" مسلم (1096) .
والمراد بالبركة التي في الحديث أن الذي يتسحر يبارك له في عمله فيوفق لأن يعمل أعمالاً صالحة في ذلك اليوم، بحيث إن الصيام لا يثقله عن أداء الصلوات، ولا يثقله عن الأذكار وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بخلاف ما إذا ترك السحور فإن الصيام يثقله عن الأعمال الصالحة لقلة الأكل، ولكونه ما عهد الأكل إلا في أول الليل.
[فتاوى الصيام، لابن جبرين ص: (16 -17) ] .(7/7)
تعجيل الفطر في رمضان
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/مستحبات الصيام
التاريخ 03/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
إخوة الإيمان: وبعد:
أريد أن أسأل في ما يخص تعجيل الإفطار في رمضان الكريم، وقد وردت أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- كثيرة في هذا الباب، ومن جراء هذا السؤال قد وقع عندنا خلاف كبير في هذه المسألة منهم من ذهب إلى أنه بعد غياب قرص الشمس يباشر الإفطار مستنداً إلى حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا رأيتم قرص الشمس غرب فقد أفطر الصائم، والجمع الكبير من المسلمين العلماء والمتعلمون ذهب إلى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم- وهو ذهاب النهار وإتيان الليل وغياب قرص الشمس، أفيدونا وفصلوا لنا في هذه المسألة رحمكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(7/8)
السنة للصائم أن يعجل الفطر إذا تحقق من غروب الشمس، ففي الصحيحين [البخاري ح (1954) ، ومسلم ح (1100) ] من حديث عمر -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". وفي الصحيحين [البخاري ح (1955) ومسلم ح (1101) ] من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَالَ لِبَعْضِ الْقَوْمِ يَا فُلَانُ قُمْ فَاجْدَحْ لَنَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ أَمْسَيْتَ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَلَوْ أَمْسَيْتَ قَال: َ" انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا"، قَالَ: إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا، قَالَ: "انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا"، فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُمْ فَشَرِبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ.، وفي هذين الحديثين دليل على استحباب تعجيل الفطر، وأنه لا يجب إمساك جزء من الليل مطلقاً بل متى تحقق غروب الشمس حل الفطر، وقد ترجم عليهما البخاري بقوله: باب متى يحل فطر الصائم، وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس " قال الحافظ ابن حجر: غرض هذه الترجمة الإشارة إلى أنه هل يجب إمساك جزء من الليل لتحقق مضي النهار أم لا وظاهر صنيعه يقتضي ترجيح الثاني لذكره أثر أبي سعيد في الترجمة، لكن محله إذا تحقق غروب الشمس" [فتح الباري (4/196) ] .(7/9)
استعمال قطرة الأنف أثناء الصوم
المجيب محمد محمد سالم عبد الودود
عضو اللجنة العلمية بالموقع
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/قطرة الأنف والأذن والعين
التاريخ 01/09/1426هـ
السؤال
أنا مصابة بحساسية الجيوب الأنفية، ولا أستطيع أن أتنفس إلا باستخدام قطرة أنف، فهل هذه القطرة تفطر الصائم؟ مع أنني أحس بطعم خفيف عند استخدامها.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أختي الكريمة:
(1) لقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعليم الوضوء: "وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائماً" [صحيح ابن خزيمة ح:150]
ويؤخذ من هذا الحديث أمران:
أ- أن القطرة الخفيفة التي لا تصل إلى الحلق لا تبطل الصوم؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم ينه الصائم عن الاستنشاق مطلقاً، وإنما أمره بعدم المبالغة فيه.
ب- أن القطرات الكثيرة التي تصل إلى الحلق تفسد الصوم؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- نهى الصائم عن المبالغة في الاستنشاق، والمبالغة من شأنها أن توصل الماء إلى الحلق. ويتبع ذلك الابتلاع فساد الصوم.
(2) لا عبرة بالإحساس بالطعم؛ لأن حاسة الذوق على اللسان، ولهذا ينص العلماء على أن تعمد ذوق الطعام -من غير ابتلاع لجزء منه- مكروه، وليس مبطلاً للصوم.
(3) على الأخت السائلة أن تبتعد عن الأمور التي تثير عندها الحساسية أثناء الصوم، وأن تغلب جانب الوقاية ما استطاعت، فإذا كان لابد من استخدام العلاج فلتتحفظ منه قدر الإمكان.
تقبل الله مني ومنك الصيام والقيام وأعاننا على جميع الطاعات.(7/10)
حقن الأنسولين للصائم
المجيب د. محمد العروسي عبد القادر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/الحقن والإبر المغذية وإبر العلاج والحبوب
التاريخ 29/8/1424هـ
السؤال
أنا مريض بالسكري، وأضطر لحقن نفسي بالأنسولين مرتين في اليوم. ولهذا فأنا لا أصوم وأخرج الفدية نقداً بقيمة المبلغ الذي أفطر به. هل يجوز إعطاء الفدية بهذه الطريقة أي نقداً، خصوصاً وأني أفطر في المطعم ولست متزوجاً، وهل يمكن توزيع هذه الفدية على ثلاثة مساكين أو أكثر؛ لأني لا أجد من هو محتاج للفطور؟
الجواب
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله اللهم صل على محمد وعلى آله وسلم تسليماً.
وبعد:
فالصحيح إن شاء الله تعالى أن المحتاج إلى أخذ حقنة الأنسولين أن صومه صحيح وليس عليه قضاء ويتم صومه؛ لأن هذا ليس بأكل ولا شرب، وليس بداخل إلى الجوف من المنفذ المعتاد.
وهو قياس يطابق اختيار ابن تيمية رحمه الله في أن مداواة الجائفة وكذلك الحقنة لا يكونان سبباً للفطر، والله أعلم.(7/11)
هل يفسد الصيام إدخال المنظار في المعدة؟
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/الحقن والإبر المغذية وإبر العلاج والحبوب
التاريخ 06/09/1425هـ
السؤال
السؤال: سؤالي - أثابكم الله- هو: الوالدة - أطال الله في عمرها - عملت فحصا يسمى المنظار، وقد تم إدخاله من الفم إلى المعدة، وقبل أن يعملوا لها هذا الفحص وضعوا لها مخدَّرًا موضعيًا (بخاخ في بداية الحلق) وكإجراء تحرزي وضعوا المغذَّي من دون تدفقه داخل الجسم، (أي مقفَّل) فما حكم صيامها؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه، وبعد. فالجواب أن إدخال المنظار إلى المعدة - فقط - للكشف لا يضر الصيام، فالصيام صحيح وأيضاً البخاخ في الحلق لا يضر، فهو مثل البخاخ الذي يستعمله المصاب بالربو، فلا يضر الصيام؛ لأن إدخال المنظار وكذا البخاخ بالحلق ليس بأكل أو شرب ولا بمعناهما، فالصيام معهما صحيح، والله أعلم.(7/12)
هل تقضي ذلك اليوم؟
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/الحقن والإبر المغذية وإبر العلاج والحبوب
التاريخ 04/01/1426هـ
السؤال
أنا أستخدم حبوب منع الحمل، وعندما بدأ رمضان قمت بشبك الحبوب أي استخدمت شريط حبوب ثان لكي لا تأتيني الدورة في رمضان ولكي أصوم مع الناس وأقرأ القرآن، وأكثر من الصلاة، وكذلك صلاة التراويح، وغيره من التزود بالطاعات التي تمنعني الدورة من أدائها، وفي أحد الأيام وأنا صائمة قمت وتوضأت لصلاة العصر وصليت، وبقيت على وضوئي وصليت به المغرب، وبعد المغرب بحوالي نصف ساعة ذهبت للحمام ووجدت الدورة قد أتتني ولم أحس بأعراضها، مثل المغص، سؤالي أثابكم الله، هل أقضي ذلك اليوم أم لا؟ مع العلم أنه لا يوجد لدي ظن يغلب على الآخر، أي هل أتت بعد المغرب أم قبله، وإذا قضيت ذلك اليوم من باب الاحتياط هل علي شيء؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولاً: لا يشرع لك أخذ الحبوب لقطع الدورة في رمضان، فإنك معذورة وقت نزول الدم عذراً شرعياً، ويكتب لك - إن شاء الله - أجر ما كنت تفعلينه عند عدم وجود الدم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر كتب الله -تعالى- له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً" صحيح الجامع (1/200) .
ثانياً: لا يلزمك قضاء ذلك اليوم الذي ورد في السؤال؛ لعدم اليقين في حصول الدم فيه، بل الأمر مجرد شك، والشك لا اعتبار به هنا؛ لأنه في مقابل الأصل، والأصل صحة صوم ذلك اليوم الذي صمتيه. والله أعلم.(7/13)
هل للصائم وضع أدوية في فمه للعلاج
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/الحقن والإبر المغذية وإبر العلاج والحبوب
التاريخ 05/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما الحكم في وضع أدوية داخل الفم لمعالجة الجروح في اللسان أو الجهة الداخلية من الشفة أثناء الصيام؟ مع الأخذ بكافة الاحتياطات والحذر من عدم وصول هذا الدواء إلى داخل الحلق. لكن يصل تأثير هذا الدواء إلى المعدة. هل ذلك يفسد الصيام؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وضع العلاج في فم الصائم لا يعد من المفطرات، وهذا بشرط أن يتحاشى وصول شيء من هذا الدواء إلى المعدة، والأولى له هو تأخير هذا الأمر إلى ما بعد الإفطار؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث لقيط بن صبرة قال: " وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا " أخرجه الخمسة: أحمد (16383) ، وأبو داود (142) ، والترمذي (788) ، وابن ماجه (407) ، والنسائي (87) بإسناد صحيح.
فلولا أن المبالغة تؤثر في الصوم لما نهى عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولأن هذا قد يكون ذريعة إلى وصول شيء من هذا الدواء إلى جوف الصائم، لذا فالأولى له هو تأخير هذا الأمر إلى ما بعد الإفطار أما إن وصل شيء من هذا الدواء إلى المعدة فقد أفطر بذلك. والله أعلم.(7/14)
مريض بالفشل الكُلوي، كيف يصوم؟
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/بخاخ الربو وغسيل الكلى
التاريخ 13/9/1422
السؤال
أنا مريضة بفشل كلوي، ويستلزم مرضي هذا تناول علاج في أوقات مختلفة، ولا سيما بعد إجرائي لعملية زرع كلى، حيث نصحني الأطباء بالمداومة على العلاج وإلا تعرضت للخطر، وحيث إنني - والحمد لله- مسلمة، وأريد أن أصوم شهر رمضان، ولكن مرضي يمنعني لظروف تناول الدواء في الصباح والظهر والليل، وكل اثنتي عشرة ساعة. لذا أرجو إفتائي في هذا الأمر، وما هي كفارة صيامي الواجب عليَّ أداؤها حال عدم تمكني من الصوم؟
الجواب
فحيث إن الأطباء مسلمون مختصون، وقد اتفقوا على تقرير واحد، وأن الصوم يضر بالعملية، وأن الفطر واجب حفاظاً على الصحة، فلا مانع من الإفطار ثم القضاء عند القدرة، فإن قرروا أن الصوم لا يناسب أبداً ودائماً، فلا بد من الكفارة، وهي إطعام مسكين عن كل يوم.
(اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين فتوى رقم (213) ص (155)) .(7/15)
ابتلاع النخامة للصائم
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/دخول شيء إلى الحلق
التاريخ 17/8/1423هـ
السؤال
ما حكم ابتلاع النخامة؟ ومتى يفطر الصائم إذا ابتلعها؟
الجواب
يحرم على الصائم بلغ النخامة، وذلك لاستقذارها، والنخامة تارة تنزل من الرأس إلى الحلق، وتارة تخرج من الصدر.
وفي كلتا الحالتين: فإنه يحرم على الصائم ابتلاعها.
فإن أخرجها من صدره مثلاً ثم وصلت إلى فمه ثم أعادها، ففي هذه الحالة تكون مفطرة؛ لأنه قد ابتلع شيئاً له جرم مع التمكن من إلقائها، ومع كراهة ابتلاعها حتى لغير الصائم فهي مستقذرة طبعاً. أما إن نزلت إلى حلقه وابتلعها مع ريقه فلا يفطر بها، مع تحريم ابتلاعها في الصيام.
[فتاوى الصيام لابن جبرين، ص: 87] .(7/16)
هل يكره السواك في نهار رمضان؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز المجيدل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/استعمال السواك ومعجون الأسنان
التاريخ 02/09/1425هـ
السؤال
ما حكم السواك في نهار رمضان؟ وما معنى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما معناه: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك". فهل معنى هذا أن الصائم يكره عليه السواك في نهار رمضان؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
معنى الحديث أن رائحة الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وهذا الطيب يشمل الدنيا والآخرة، وذلك أنه ناشئ عن طاعة الله -سبحانه- ورائحة الفم تصدر من المعدة لخلوها من الطعام، فالسواك لا يؤثر في تلك الرائحة ولا يزيلها، وقد جاء في مدح السواك أنه مطهرة للفم ومرضاة للرب، فهو مرضاة للرب في كل وقت، وفي الصحيح قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" أخرجه البخاري (887) ، ومسلم (252) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وهو عام في كل الشهور فيشمل رمضان وغيره، وأما حديث" إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي" أي بعد الزوال فهو حديث ضعيف انظر السلسلة الضعيفة (401) .(7/17)
صحة حديث استياك النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو صائم.
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها
التاريخ 6/9/1422
السؤال
ما صحة حديث: " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستاك مالا أحصي وهو صائم "
الجواب
هذا الحديث رواه أبو داود - وغيره كما سيأتي، فقال في (2/768) باب السواك للصائم ح (2364) : حدثنا محمد بن الصبّاح، حدثنا شريك /ح/، وحدثنا مسدد، حدثنا يحيى عن سفيان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال:" رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يستاك وهو صائم"، زاد مسدد: "ما لا أعد ولا أحصي".
تخريجه:
أخرجه (الترمذي 3/104) باب ما جاء في السواك للصائم ح (725) ، و (أحمد 3/248، 445،446) ، و (ابن أبي شيبة 2/295) ح (9148) و (الحميدي 1/77) ح (141) (ابن خزيمة 3/) 248 ح (2007) ، و (البخاري (تعليقاً) 2/39) ، باب سواك الرطب واليابس للصائم، عن عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - بصيغة التمريض.
الحكم عليه:
إسناد الحديث ضعيف من أجل عاصم -كما سبق بيان حاله - ولذا قال أبو جعفر العقيلي في (الضعفاء 3/334) - عقب إخراجه الحديث من طريق الثوري عن عاصم: " ولا يروى بغير هذا الإسناد، إلا بإسناد لين " ا. هـ. وقال الدارقطني عقب إخراجه الحديث (2/162) ح (2344) "عاصم بن عبيد الله غيره أثبت منه " ا. هـ وقال - كما في (إتحاف المهرة لابن حجر 6/393) "عاصم ليس بقوي " ا. هـ وقد سقط هذا الكلام من المطبوع.(7/18)
وقال (البيهقي 4/272) لما أخرجه من طريق عاصم: " عاصم ليس بالقوي "، وفي موضع آخر قال عن عاصم 2/12: " ضعيف "، وقال في 10/24: " روايات عاصم فيها ضعيف ". وأشار ابن عبد البر إلى تضعيفه بقوله في (الاستذكار 10/254) : " وقد روي عنه.. " ا. هـ. وقال المنذري في (اختصار سنن أبي داود 3/241) – عقب حكاية تحسين الترمذي – " وفي إسناده عاصم بن عبيد الله، وقد تكلم فيه غير واحد ". وقال ابن حجر في (التغليق 3/159) : وأما إمام أهل الصنعة محمد بن إسماعيل فعلق حديثه بصيغة التمريض للين فيه " ا. هـ ومع ذلك فقد حسن إسناده الحافظ في (التلخيص 1/62) .
وأما ابن خزيمة فقد قال عقب إخراجه له: " وأنا برئ من عهدة عاصم.. – ثم قال -:" كنت لا أخرج حديث عاصم بن عبيد الله في هذا الكتاب، ثم نظرت فإذا شعبة والثوري قد رويا عنه ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، وهما إماما أهل زمانهما قد رويا عن الثوري عنه، وقد روى عنه مالك خبراً في غير الموطأ "ا. هـ.
وبما سبق يعلم أن في تحسين الترمذي وابن حجر في (التلخيص 1/62) له نظر، والله أعلم ولم أقف على ما يشهد لما دل عليه حديث الباب من كثرة السواك للصائم إلا أنه جاء حديث عن عائشة مرفوعاً: " من خير خصال الصائم السواك " وهو حديث ضعيف؛ لأنه من رواية مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة – رضي الله عنها – ومجالد ليس بالقوي، وفي روايته عن الشعبي – خاصة – ضعف – كما نص عليه الإمام أحمد – رحمه الله – فينظر جملة كبيرة من أقوال الأئمة فيه في ترجمته عند العقيلي في (الضعفاء 4/233) ولذا قال ابن حجر في (التلخيص) عن هذا الحديث (1/68) : " ضعيف " ولا تخلو أحاديث الباب – التي وقفت عليها – من ضعف وبعضها شديد الضعف.(7/19)
وبعد: فإن ضعف الأحاديث الواردة في الباب، لا يعني عدم مشروعية السواك للصائم، بل المشروعية ثابتة بالأحاديث العامة التي تدل على مشروعية السواك في كل وقت كحديث:" لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " أخرجه البخاري ح (887) ومسلم ح (252) . وقد حكى ابن القيم – رحمه الله – استحباب السواك في كل وقت عن أكثر العلماء، كما في (تهذيب السنن 3/241) .
ولعل من المناسب هنا أن أشير إلى أشهر حديثين تمسك بهما – فيما أعلم – من كره السواك بعد الزوال:
الحديث الأول:
حديث علي وخباب – رضي الله عنهما – الذي أخرجه (البزار 6/82-83) ح (2138،2137) والطبراني في (الكبير 4/78) ح (3696) ، والدارقطني في (السنن 2/204) والبيهقي في (الكبرى 4/274) من طريق كيسان أبي عمر القصار، عن يزيد بن بلال، عن علي – رضي الله عنه -، وثنا كيسان عن عمرو بن عبد الرحمن، عن خباب – رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " إذا صمتم فاستكاوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي؛ فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كان نوراً بين عينيه يوم القيامة ". هذا لفظ الطبراني، وقال بعده: " لم يرفعه علي " أي: أنه موقوف على علي – رضي الله عنه – من قوله، وهذا الحديث مداره – كما ترى – على كيسان أبي عمر القصار، وقد ضعفه أحمد وابن معين والساجي وقال الدارقطني: "ليس بالقوي"، كما في (تهذيب التهذيب 8/396) .وقال الدارقطني – عقب إخراجه الحديث في سننه -: "كيسان أبو عمر ليس بالقوي ومن بينه وبين علي غير معروف "، ووافقه على ذلك الذهبي في تهذيبه للسنن الكبرى للبيهقي 4/1650 ح (7203) ، وضعفه ابن حجر في (التلخيص 1/62) .
الحديث الثاني:(7/20)
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أخرجه (الدارقطني 2/203) ، و (البيهقي 4/274) من طريق عمرو بن قيس، عن عطاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "لك السواك إلى العصر، فإذا صليت العصر فألقه، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك "، وفي إسناده عمرو بن قيس، قال عنه ابن حبان في (المجروحين 2/85) يروي عن عطاء، وكان فيه دعابة، ويقلب الأسانيد ويروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات "، ولذا قال الذهبي في تعليقه على سنن (البيهقي 4/1650-1651) ح (7204) : " عمرو واهٍ "(7/21)
بلع الصائم ريقه عند التسوك
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/استعمال السواك ومعجون الأسنان
التاريخ 8/9/1424هـ
السؤال
هل بلع ريق الصائم الذي به آثار السواك مبطل للصيام؟.
الجواب
إذا كان السواك له طعم بأن يكون السواك جديداً، فكونه يبلع ريقه، وفيه طعم السواك هذا بلع لشيء من السواك، وعلى هذا فإنه يفطَّر، أما إذا كان السواك لا طعم له، وليس فيه مادة تتعدى فإن استعمال السواك سنة للصائم في كل وقت، ولكن إذا كان هناك شيء يتحلل من السواك ويبتلعه الإنسان فإنه يفطَّره، ولا يجوز له أن يبتلعه، بل يجب عليه أن يلفظه ويتخلص منه.(7/22)
استعمال الصائم لمعطر الفم
المجيب د. صالح بن فوزان الفوزان
عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/استعمال السواك ومعجون الأسنان
التاريخ 15/9/1424هـ
السؤال
يوجد في الصيدليات معطر خاص بالفم، وهو عبارة عن بخاخ، فهل يجوز استعماله خلال نهار رمضان لإزالة الرائحة من الفم؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
يكفي عن استعمال البخاخ للفم في حالة الصيام استعمال السواك الذي حث عليه - صلى الله عليه وسلم-، وإذا استعمل البخاخ ولم يصل شيء إلى حلقه فلا بأس به، مع أن رائحة فم الصائم الناتجة عن الصيام ينبغي ألا تكره؛ لأنها أثر طاعة ومحبوبة لله عز وجل، وفي الحديث: "خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" أخرجه البخاري (7492) ، ومسلم (1151) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.(7/23)
استعمال المسواك بنكهات مختلفة
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/استعمال السواك ومعجون الأسنان
التاريخ 6/3/1424هـ
السؤال
ما حكم استعمال المسواك بنكهات مختلفة كالليمون وغيره في نهار رمضان؟
الجواب
لا يجوز استعمال المسواك بنكهات الليمون؛ لأنها مطعمة به، فإذا بلعه الصائم أفطر؛ لأن الليمون ونحوه من الخضروات مفطر إذا وجد الصائم طعمه في حلقه.(7/24)
كفارة الجماع في نهار رمضان
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/الجماع ومقدماته
التاريخ 23/9/1422
السؤال
قبل عشرين سنة تقريباً جامعني زوجي في رمضان بعد صلاة الفجر، وكنت صغيرة في السن لا أحسن أن أقول: (لا) في وجهه، وربما أن أكون ضعيفة الإيمان آنذاك، والآن وقد بدأت الإحساس بالذنب فقد سألت زوجي عما فعله لتكفير ذلك، فقال لي: إنه أعطى إحدى الجمعيات الخيرية مبلغ كفارة إطعام ستين مسكيناً، وعندما سألته أن الكفارة بالتتالي هي: عتق رقبة، أو صيام شهريين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً ردَّ بقوله: إنه لا يقدر على الأولى لاستحالتها حالياً، ولا الثانية لظروف عمله، وصعوبة التكفير بالصيام لوجود الآخرين في فطر، ولأن الأعمال في غير رمضان لا تقلص ساعات دوامها لذا ومع التوبة النصوح - إن شاء الله - اكتفى بالخيار الثالث أملاً أن يتقبل الله منا جميعاً.
والسؤال هو مع قدرتي على الصيام - إن شاء الله - هل إذا مرضت، أو أتتني العادة الشهرية أواصل لإكمال ما تبقى من صيامي، وإذا تعبت من الصيام هل لي التصدق على ستين مسكيناً والتكفير عن هذا الذنب؟
الجواب
ليس لك العدول عن الصيام إلى الإطعام إلا في حال عدم الاستطاعة. ومجرد التعب من الصيام ليس بمبرر للانتقال إلى الإطعام. ولك أن تصومي الشهرين في وقت الشتاء حيث برودة الطقس، وقصر النهار. هذا وإذا سافرت، أو مرضت، أو أتتك العادة الشهرية، أو النفاس فتفطري في كل ذلك، تم تكملي صيامك إذ هذا عذر شرعي لا يقطع التتابع، هذا إذا كنت مطاوعة لزوجك في الجماع وعالمة بتحريمه، أما إذا كنت مكرهة، أو جاهلة بالتحريم فلا شيء عليك عند كثير من أهل العلم.(7/25)
أما بالنسبة لزوجك فعليه الصيام أيضاً ما دام لا يجد رقبة، ولا يجوز له العدول إلى الإطعام إلا عند عدم استطاعة الصوم، هذا وظروف عمله، وصعوبة الصيام ليسا بمبررين للعدول إلى الصيام، وله أن يصوم في وقت الشتاء كما تقدم تفصيله. والله أعلم.(7/26)
جامع زوجته في صبيحة من رمضان
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/الجماع ومقدماته
التاريخ 1/9/1424هـ
السؤال
سؤالي عن رجل جامع زوجته في صبيحة يوم من رمضان، بعد أذان الفجر بعد خصام بينهما دام أسبوعين أو أكثر, وعلمهما أن الإمساك قد وجب, وكان برضى الطرفين ورغبتهما.
الجواب
الجماع بعد طلوع الفجر لمن يجب عليه الصيام في نهار رمضان محرم، وعليهما التوبة وقضاء ذلك اليوم، وعلى كل واحد منهما الكفارة؛ وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً، وعلى المسلم أن يحذر طاعة الشيطان وتلاعبه بالعبد، فهذا الشيطان اللعين حرمهما من بعض في أوقات تحل للمرء زوجته، وأوجد النزاع بينهما لأجل أن يصطلحا على فعل محرم؛ وهو الجماع في نهار رمضان بعد فترة التقاطع الطويلة.(7/27)
باشر فأنزل في نهار رمضان
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/الجماع ومقدماته
التاريخ 29/8/1424هـ
السؤال
أنا موظف منذ سبع سنوات، وتزوجت منذ ستة شهور تقريباً، وزوجتي تقيم مع أهلي في منطقة تبعد تقريباً خمسمئة كلم، ولا أستطيع الذهاب إلا يومي الخميس والجمعة؛ لأنه ليست لدي إجازة، ولا أستطيع أن أفتح بيتاً، حيث إن ظروفي وظروف أهلي المادية لا تسمح بذلك، فقمت في رمضان وزرت أهلي، وفي نهار رمضان نمت مع زوجتي حيث إن الشيطان حرَّك غريزتي وغريزتها، ولمس فرجي فرجها ونزل مني المني حيث إنني لم أفطر، فما الحكم في ذلك؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
في المسألة تفصيل:
أولاً: بالنسبة لزوجتك:
فإن كنت قد باشرتها من غير أن يلتقي الختانان وتتغيَّبَ الحشفة حتى أنزلتْ هي، فليس عليها سوى القضاء، وينبغي لها الإكثار من الندم والاستغفار والتنفُّل بصالح الأعمال، عسى الله أن يمحو حوبتها ويقبل توبتها.
وإن كنتَ قد باشرتها من دون إيلاج فلم تُنزِل هي فليس عليها قضاء، وصومها صحيح، اللهم إلا إذا أفطرتْ في ذلك اليوم بأكل أو شرب، أو قطعت نية صومها لظنها فساد صومها، فعليها حينئذ القضاء.
وإن كنتَ قد جامعتها بحيث التقى الختانان وتغيَّبت الحشفة، فعليها ـ إن كانت مختارة غير مُكرَهةٍ ـ القضاءُ مع عتق رقبة، فإنْ لم تجد فعليها صيامُ شهرين متتابعين، ولا يقطع التتابع إن تخللها حيضٌ أو نفاس، فهذا أمر قد كتبه الله عليها ولا اختيار لها فيه.
ثانياً: بالنسبة لك:(7/28)
فسواء باشرتَ أو جامعتَ فليس عليك شيءٌ سوى قضاء ذلك اليوم، وليس عليك كفارة الجماع مطلقاً؛ لأنك في حكم المسافر ـ كما يظهر من إفادتك ـ، وللمسافر أن يفطر بما يشاء، إن شاء بالأكل أو الشرب، وإن شاء بالجماع (بشرط أن تكون زوجتُه ممن يجوز لها الفطر في نهار رمضان وليست بحائض) ، ولا يشترط أن يتقدم جماعَه أكلٌ أو شربٌ.
لكن عليك التوبة والاستغفار والإكثار من النوافل؛ لأنك باشرت زوجتك في زمن لا يحل لها الفطر فيه، فتسبَّبتَ في إفساد صومها.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(7/29)
الاستمناء في نهار رمضان
المجيب د. فيحان بن شالي المطيري
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/الجماع ومقدماته
التاريخ 28/9/1423هـ
السؤال
أنا شاب مَنَّ الله علي بالتوبة إن شاء الله، حيث كنت في سن المراهقة لا أستطيع مسك نفسي عن العادة السرية في بعض أيام رمضان. ماذا أفعل وهل أقضي هذه الأيام مع أنني لا أعلم عددها؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
هذا العمل الذي قمت به مخالف للشرع بل هو محرم باتفاق أهل العلم؛ لأن الله - عز وجل - حصر قضاء الشهوة في الزوجة والمملوكة، وذكر أن من طلب قضاء الوطر في غير هذين فقد بغى وطغى، وبما أن الله قد منَّ عليك بالتوبة فأسأل الله لي ولك الثبات حتى الممات.
أما الأيام من رمضان التي عملت فيها العادة السرية فهذا يحتاج إلى تفصيل، وهو أن يقال إذا كنت مصلياً في ذلك الوقت فعليك أن تجتهد في معرفة قدر الأيام وتقضيها ولا كفارة عليك، إلا أن تكون قد أخرت القضاء إلى رمضان القادم والذي بعده وهكذا الذي مضى مع القدرة على ذلك، فتطعم عن كل يوم مسكيناً بعدد الأيام لكل مسكين نصف صاع، أما إذا لم تكن مصلياً حال استعمالك العادة السرية فلا قضاء عليك؛ لأن تارك الصلاة كافر عند كثير من أهل العلم.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(7/30)
سافر بزوجته في نهار رمضان لأجل أن يأتيها
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/الجماع ومقدماته
التاريخ 2/8/1424هـ
السؤال
رجل كان يجامع زوجته في نهار رمضان، ولكن بعد أن يشرب قليلاً من الماء، مع العلم أنهما سافرا لمكان يبعد عن بيتهم أو سكنهم مسافة 90 كيلو فماذا عليهما؟
سبب هذا العمل هو قوة الشهوة والخوف من الحرام، مع العلم أن هذا العمل كان في أول شهر لهما بعد عقد القران.
الجواب
أولاً: أنصح أي شاب وشابة ألا يكون دخول الإنسان بزوجته قبيل دخول شهر رمضان، وإنما يؤخره إلى شوال لئلا يحصل منهما مثل ما حصل لهذا السائل.
ثانياً: الواجب على الإنسان إذا كان يعرف من نفسه الشهوة، ألا يبيت مع زوجته وقت الصيام، وإنما يجعل له فراشاً ولها فراشاً، دفعاً لهذه المغريات.
ثالثا: هذا الإنسان إذا كان فطره حصل وقت السفر الشرعي كما ذكر مما يبيح الفطر في حدود تسعين كيلو متر أو قريباً منها فإن هذا الفطر صحيح ولا يترتب عليه ضرر؛ لأن الإنسان المسافر يجوز له أن يفطر فإذا أنه أفطر بأكل أو شرب أو جماع فلا إثم عليه ولا وزر، ويقضي هذا اليوم.(7/31)
وبعض أهل العلم قالوا: إن الإنسان إذا سافر لأجل أن يفطر فإن سفره هذا يعتبر سفر معصية ومحرم، بخلاف الإنسان الذي سافر ثم أفطر، وسفره كان لغرض من الأغراض المشروعة ويحل له حينئذ الفطر، أما الإنسان الذي سافر لأجل أن يفطر فإن سفره هذا يعتبر مقصوداً به قصداً أولياً أن يحصل له انتهاك حرمة الشهر، فمنع من هذا كثير من أهل العلم، وعلى كل فالذي يجب على الإنسان أن يتقي الله تعالى، وأن يحتاط لمثل هذه الأمور ولا يعرض نفسه للوقوع فيما حرم الله، فإن الوطء في نهار رمضان، من غير عذر شرعي يبيح له الفطر كالسفر والمرض - يعتبر من الكبائر العظام، ويترتب عليه أنه يلزمه قضاء هذا اليوم، ويلزمه الكفارة وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، ونسأل الله - جل وعلا - للجميع الهداية والتوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(7/32)
فعلت العادة السرية وأنا صائم
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
الآداب والسلوك والتربية/هموم الشباب
التاريخ 17/09/1425هـ
السؤال
فعلت العادة السرية في نهار رمضان ناسياً أني صائم. فلما انتهيت تذكّرت أني صائم، فماذا عليّ؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
يحرم على المسلم استعمال العادة السرية في رمضان وفي غيره؛ لقوله تعالى: "والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون". والذي يعمل العادة السرية ابتغى وراء ذلك فهو عادٍ، وإذا فعلها المرء في أي وقت فإن عليه التوبة، وذلك بالإقلاع والندم على ما فرط منه، والعزم على أن لا يعود. والله تعالى يتوب على من تاب.
وإذا كان فعله هذا في نهار رمضان وهو صائم فعليه مع التوبة قضاء ذلك اليوم، ولا يلزمه سوى ذلك، فلا يلزمه كفارة لهذا الفعل؛ لأن الكفارة تلزم بالجماع الذي يحصل به إيلاج.(7/33)
الأفضل تقديم السحور على الاغتسال للجنابة
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/أمور أخر
التاريخ 03/09/1425هـ
السؤال
إذا قرب الفجر في رمضان وعلي غسل جنابة ولا يكفي الوقت للغسل وأكلة السحور فهل أقدم الاغتسال ويفوتني السحور أم أقدم السحور ولا أغتسل إلا بعد الفجر؟
الجواب
الأفضل أن يقدم السحور لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تسحروا فإن في السحور بركة" البخاري (1923) ، ومسلم (1095) ، ويؤخر الاغتسال؛ لأن وقته واسع فإذا طلع الفجر وهو لم يغتسل اغتسل وصلى ولم يضر ذلك بصومه.
فقد ثبت عن عائشة وأم سلمة - رضي الله تعالى عنهما -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم" رواه البخاري (1925) ومسلم (1109) .
[فتاوى الصيام لابن جبرين (ص:68) ] .(7/34)
كفارة من زنت في نهار رمضان
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/أمور أخر
التاريخ 18/10/1422
السؤال
ما كفارة من زنت في نهار رمضان؟
الجواب
الحمد لله وبعد، ينبغي لمن تعاطى الزنا - والعياذ بالله - في رمضان أو غيره أن يستتر بستر الله عليه وألاّ يفشي سره لأحد مع الاجتهاد الحثيث التام في التوبة والاستغفار وأن يكثر من الانطراح بين يدي الله - تعالى - طالباً العفو والصفح الجميل كما يُشرع ويتأكد -في حقه خاصة- الإكثار من العمل الصالح ونوافل العبادات قال الله - تعالى-: " إن الحسنات يذهبن السيئات " [هود 114] وثبت عنه - عليه الصلاة السلام- أنه قال: " ... وأتبع السيئة الحسنة تمحها ... " رواه أحمد (21354) والترمذي (1987) والدارمي (2833) . ولا ريب أن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب بل من أكبر الكبائر كما ثبت في الصحيح من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال رجل: يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: أن تدعو لله نداً وهو خلقك، قال: ثم أيّ، قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك - الحديث وهذا لفظ مسلم (86) ، وفي الصحيحين (البخاري 6810، ومسلم 57) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال عليه الصلاة السلام: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.. " الحديث.
ولذا افترض الله الحد الشرعي المغلظ على من وقع في الزنا وهو محصن ألا وهو الرجم بالحجارة حتى الموت وفرض الجلد مئة جلدة وتغريب عام على من تعاطى الزنا وهو بكر من الذكور والإناث على خلاف في هذه المسألة ليس هذا مكان بحثه.
والحاصل أن من ابتلي بهذا الفعل الشنيع سيما في الزمن الشريف كرمضان ونحوه فعليه أن يجتهد بالتوبة النصوح وشروطها خمسة:
01الإخلاص(7/35)
02 أن تكون في زمن الإمهال أي قبل الغرغرة وهي وصول الروح إلى الحلقوم وهذا في حق آحاد الناس أما عمومهم فله وقت آخر وهو طلوع الشمس من مغربها كما هي دلالة القرآن وسُنة نبينا محمد -عليه السلام -.
03 الإقلاع عن الذنب إقلاعاً تاماً.
04 الندم على ما حصل منه من التفريط والاجتراء على حدود الله.
05 العزم الأكيد الصادق بعدم العودة إلى الذنب ثانية.
والله نسأل أن يحفظنا والمسلمين كافة من مجاوزة حدوده أو تعاطي أسباب غضبه إنه جواد كريم. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(7/36)
صحة حديث نهي النبي الصائم عن الاكتحال
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/أمور أخر
التاريخ 26/9/1422هـ
السؤال
ما صحة حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال: " ليتقه الصائم "؟
الجواب
الأحاديث الواردة في الأمر أو النهي عن الكحل في الصوم:
ورد في هذا الباب عدة أحاديث منها ما رواه أبو داود ـ وغيره كما سأذكر ـ في 2/775 باب في الكحل عن النوم للصائم ح (2377) فقال: حدثنا النفيلي، حدثنا علي بن ثابت، حدثني عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال: " ليتقه الصائم ".
قال أبو داود: قال لي يحيى بن معين: هو حديث منكر، يعني حديث الكحل.
تخريجه:
*أخرجه أحمد 3/499 عن علي بن ثابت به بلفظ " أمر بالإثمد المروّح عند النوم " وجعله من مسند هوذة.
*وأخرجه أحمد 3/476 عن أبي أحمد الزبيري (محمد بن عبد الله بن الزبير) ،
والدارمي 1/441 (1684) ،
والبخاري في " التاريخ الكبير " 7/398،
والبيهقي 4/262 من طريق أحمد بن يوسف،
ثلاثتهم (الدارمي، والبخاري، وأحمد بن يوسف) عن أبي نعيم الفضل بن دكين،
كلاهما (أبو أحمد الزبيري، وأبو نعيم) عن عبد الرحمن بن النعمان، عن أبيه عن جده ولفظ الزبيري " اكتحلوا بالإثمد الروّح، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر " ولفظ أبي نعيم نحوه إلا أن فيه قصة معبد في مسح النبي - صلى الله عليه وسلم-رأسه. وفيه ـ أي حديث أبي نعيم ـ أن عبد الرحمن بن النعمان قال: حدثني أبي، عن جدي: فهذا صريح في أن الحديث من مسند معبد لا من مسند هوذة، والله أعلم.
الحكم عليه:(7/37)
في سند أبي داود عبد الرحمن بن النعمان متكلم فيه، وأبوه النعمان مجهول، وقد حكى أبو داود عن ابن معين أنه منكر، وكذا أنكره الإمام أحمد كما في مسائل أبي داود (298) .
وقال الترمذي 3/105 في "الجامع": "ولا يصح النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء"، وقال ابن القيم عن هذا الحديث " زاد المعاد " 2/63: " ولا يصح "،وكان قال قبل ذلك 2/60: " ولا يصح عنه في الكحل شيء "،وقال ابن حجر ـ عن حديث الباب ـ في تعجيل المنفعة 2/333: " وهو حديث منكر ".
وفي الباب عن أنس، وعائشة، وأبي رافع وغيرهم، ونظراً لحكم هؤلاء الحفاظ على جميع أحاديث الباب بالنكارة، فلا حاجة للإطالة في سردها، وقد بحثت هذا الأحاديث الثلاثة، فوجدت كلام الأئمة متفقاً مع حالها، إذ هي من قبيل الضعاف والمناكير.
بقي أن يقال: إن الاكتحال باقٍ على الأصل، وهو إباحته للصائم، لعدم الدليل المانع منه، كما قال ابن خزيمة ـ رحمه الله ـ في تبويبه لحديث أبي رافع المشار إليه آنفاً، حيث قال:
:"باب الرخصة في اكتحال الصائم إن صحّ الخبر، وإن لم يصح الخبر من جهة النقل، فالقرآن دال على إباحته، وهو قول الله عز وجل {فالآن باشروهن} الآية، دال على إباحة الكحل للصائم. اهـ، والله أعلم.(7/38)
أحمر الشفاه هل يفسد الصيام؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/أمور أخر
التاريخ 14/9/1422
السؤال
هل أحمر الشفاه يبطل الصوم؟
الجواب
إذا كان على الشفة الخارجية، ولا يدخل الفم، ولا يصل الحلق منه شيء فلا بأس به.(7/39)
الإفطار قبل الأذان وبعد الغروب
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/أمور أخر
التاريخ 06/09/1425هـ
السؤال
بعض الإخوة يفطرون في رمضان بعد غياب قرص الشمس وذهاب ضوئها عن الجبال العالية، فهل هذا جائز؟ مع العلم أن أذان المغرب يتأخر أكثر من عشر دقائق عن هذا الوقت الذي يفطرون فيه، وحجتهم أن من السنة الإسراع بالإفطار، وأن المؤذنين لا يراعون مغيب الشمس، إنما يؤذنون حسب التوقيت الفلكي المكتوب في المفكرات.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
إذا كان إفطارهم بعد غياب الشمس فصيامهم صحيح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلِ مِنْ هاَهُنَا، وأَدْبَرَ النَّهَارُ مِن هاَهُنَا، وغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ" متفق عليه، انظر صحيح البخاري (1954) ، وصحيح مسلم (1100) . ولا يحسن الخلاف في مثل هذا، وإنما الأحسن التأكد من غروب الشمس، ويكون الفطر في العموم لا لبعض الناس دون بعض، فالخلاف شر، والاتفاق على الحق رحمة وسعادة. والله أعلم.(7/40)
الاستمناء في نهار رمضان
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/أمور أخر
التاريخ 05/09/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
في رمضان الماضي ورمضان الذي قبله كنت أعمل العادة السرية في نهار رمضان فما الحكم؟ علماً أنني لا أذكر كم يوم عملت فيه العادة السرية ولكن تقريباً في كلا الرمضانيين عملتها 13 مرة، وكيف طريقة القضاء إن كان هناك قضاء؟ وأيضاً في رمضان هذا عملتها في نهار رمضان ثلاث مرات، فما الحكم؟ علماً أنني لا أعرف الحكم، ولكن لم أسأل، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمن مفسدات الصيام تعمّد الإنزال بالاستمناء أو بغيره، فمن تعمّد ذلك عالماً بحرمته فهو آثم، وفسد صومه لذلك اليوم.
وعليه أن يتوب إلى الله، وقضاء ما أفسد صيامه من أيام رمضان.
وإذا كنت شاكاً في عدد الأيام التي أفسدت صيامها فعليك الأخذ بالأحوط سلامة لدينك وإبراءً لذمتك، فإذا كنت مثلا تشك هل هي ستة عشر يوماً أو عشرون، فصم عشرين احتياطاً.
أما إذا غلب على ظنك عدد معين فاقض ما غلب على ظنك.
وليس عليك كفارة الجماع في نهار رمضان؛ إذ ما عملته ليس في حكم الجماع.
وليس عليك كفارة في تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان الذي يليه على الراجح من أقوال أهل العلم.
اسأل الله برحمته ومغفرته أن يحبب إليك الإيمان ويزينه في قلبك وأن يكرِّه إليك الكفر والفسوق والعصيان، وأن يجعلك من الراشدين.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(7/41)
تحمل أوزاناً ثقيلة لإنزال الدورة
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/أمور أخر
التاريخ 22/9/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
أختي تبعث إليكم وتقول: إنها في الثامنة عشرة من عمرها كانت في رمضان تتعمد أن تحمل أوزاناً ثقيلة لإنزال الدورة الشهرية، وبالفعل تنزل، وهي تسأل هل هي تعمدت في أن تفطر؟ وما هي الكفارة؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: إذا كانت هذه المرأة تحمل هذه الأشياء لكي ينزل عليها دم الدورة وتفطر فإنها آثمة، ولا يجوز لها ذلك لما فيه من التحيل على إبطال العبادة، وعليها أن تتوب إلى الله - عز وجل- وأن تقضي هذا اليوم.(7/42)
استخدام الصائم للاصق النيكوتين
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
كتاب الصيام/ مفسدات الصيام/أمور أخر
التاريخ 21/11/1425هـ
السؤال
أسأل عن مانع التدخين، وهو عبارة عن لاصق يحتوي على كمية قليلة من النيكوتين تدخل إلى الجسم عبر مسام الجلد لتساعده على ترك التدخين، وهي على مراحل، تقل نسبة النيكوتين في كل مرحلة تدريجيًّا حتى يقلع المدخن عن التدخين نهائيًّا، السؤال: هل استخدام الصائم لهذا اللاصق يعد مفطرًا؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه المادة المسماة بالنيكوتين ليست قائمة مقام الطعام أو الشراب، ولم تؤخذ عن طريق ينفذ إلى الجوف بشكل مباشر، فلا يظهر لي أنها مفطِّرة. والله أعلم.(7/43)
عليها صوم نذر، فهل تصوم وهي حامل؟
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/هل يلزم التتابع في القضاء؟
التاريخ 5/7/1422
السؤال
زوجتي نذرت أن تصوم شهراً كاملاً إذا تحقق أمر ما، ولما تحقق صامت أسبوعاً، ولكني منعتها من الصيام؛ لأنها حامل، فماذا يجب عليها؟
الجواب
أولاً: ينظر إن كانت نذرت شهراً وأطلقت، أي: لم تنوِ التتابع، فيجزؤها أن تصوم ثلاثين يوماً ولو متفرقة، وإن كانت نوت صوم شهر متتابعاً فلا بد أن تستأنف من جديد، وتصوم شهر كاملاً متتابعاً، وهي مخيّرة بين أن تصوم ثلاثين يوماً متتابعة، وبين أن تصوم بحسب الهلال، ولا يجزؤها أن تصوم شهر رمضان عن نذرها، والله أعلم.(7/44)
فطر يوم العيد، وأيام التشريق هل يقطع تتابع صوم الكفارة
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/هل يلزم التتابع في القضاء؟
التاريخ 9/12/1422
السؤال
إذا كان علي كفارة صيام شهرين متتابعين عن الفطر بالجماع في نهار رمضان فهل يجب علي الفطر يوم العيد وأيام التشريق? أم أنه يجب صومها حتى لا ينقطع التتابع؟
الجواب
ن كان عليه صيام شهرين متتابعين فإنه لا يجوز له أن يصوم الأيام المحرم صومها كيومي العيدين، وإذا كان هذا كذلك فإن توقفه عن الصيام هو بأمر الله عز وجل.
ومثل أيام العيد في تحريم صومها أيام التشريق، فإنه لم يرخّص في صيامها إلا لمن لم يجد الهدي كما في البخاري عن ابن عمر، وعائشة موقوفاً عليهما.
وعليه فيواصل صيامه بعد أيام التشريق مباشرة، ويتمّ ما بقي عليه ولا ينقطع بذلك تتابع الأيام والله أعلم.(7/45)
عليها قضاء أيام من رمضان وتخشى على جنينها
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/من أخر القضاء حتى دخل عليه رمضان آخر
التاريخ 10/8/1422
السؤال
عليَّ قضاء أيام من رمضان الماضي، وأخرته. وأنا الآن حامل في الشهر التاسع، وقد قضيت بعض هذه الأيام أثناء الحمل فأحسست بمشقة وخفت على الجنين، وأخشى أن يدخل رمضان القادم قبل أن أتمكن من القضاء. فهل يكفيني الإطعام عن الأيام المتبقية؟ أفيدوني وفقكم الله تعالى.
الجواب
عليك صيام الأيام المتبقية ولو بعد رمضان ولا حرج عليك "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" ومثلك مثل المريض الذي يفطر فإنه يقضي متى ما استطاع، ولا يجزئك الإطعام عن الأيام التي لم تقضيها إلاّ إذا عجزت عن الصوم بالكليّة.(7/46)
عليها قضاء أيام من رمضان ولا تعلم عددها
المجيب د. سعد بن تركي الخثلان
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/من أخر القضاء حتى دخل عليه رمضان آخر
التاريخ 10/8/1422
السؤال
أفطرت في رمضان أياماً لا أعلم عددها بالضبط ربما 4 أو 5 أو 6، وذلك حينما كنت في أول سني البلوغ ظناً مني أن الحائض عدتها يجب أن تكون سبعة أيام كاملة، أي أنني كنت آكل وأشرب وأنا قد طهرت من الدورة حتى أكمل عدة سبعة الأيام. سؤالي هو أنني لم أقضها ولا أعلم عددها فكيف أتصرف؟
الجواب
المكلّف إذا أفطر أياماً من رمضان بعد سن التكليف فإن الواجب عليه قضاؤها ولو بعد مضي مدة طويلة، والأخت السائلة تذكر أنها أفطرت أياماً من رمضان بعد سن البلوغ ولم تقضها حتى الآن فنقول: الواجب عليك المبادرة إلى قضائها في أسرع وقت، وأما عددها فتبني على اليقين تحقيقاً لبراءة الذمة، فإذا اكنت تشكين هل هي أربعة أيام أو خمسة أو ستة فاجعليها ستة، وأما الإطعام فلا يجب عليك إطعام لكونك جاهلة بالحكم.(7/47)
تأخير قضاء رمضان
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/من أخر القضاء حتى دخل عليه رمضان آخر
التاريخ 3/9/1424هـ
السؤال
زوجتي أتتها العادة الشهرية في شهر رمضان المبارك من العام الماضي، فأفطرت مدة 5 أيام من الشهر، وبعدها حملت ولم تتمكن من القضاء خشية أن يؤثر صومها على الجنين، وقبل ما يقارب الشهر ونصف وضعت المولود والحمد لله، وبعد انقضاء فترة النفاس لم يتبق إلا أيام معدودات قبل رمضان، والخشية أن لا تستطيع قضاءها، وذلك خوفا من أن يؤثر الصيام على الرضاعة، ونظراً لاقتراب الشهر المبارك أفيدونا ما العمل أثابكم الله؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب
الواجب عليها القضاء قبل رمضان القادم، فإن جاء رمضان وهي لم تقض فتصوم رمضان الحاضر وبعده - إن شاء الله - تبادر بالقضاء بنية القضاء للأيام السابقة، وإذا كان التأخير لعذر كما ذكرت فليس عليها سوى القضاء، وإذا كان التأخير تساهلاً حتى جاء رمضان الثاني فعليها مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم، فإذا كانت الأيام خمسة أيام فتطعم خمسة مساكين مع القضاء، لكل مسكين كيلو ونصف من قوت البلد.(7/48)
تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان الثاني
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/من أخر القضاء حتى دخل عليه رمضان آخر
التاريخ 28/9/1422
السؤال
أفطرت زوجتي ستة أيام من رمضان، وقد أزف رمضان الآن على الدخول وهي حامل الآن، ولا تستطيع صوم ما فات، ما هو الحل؟
الجواب
لا حرج عليها، ويكون قضاؤها بعد رمضان - إن شاء الله -، وإن كان التأخير بعذر فليس عليها إلا القضاء، وإن كان تأخيرها إلى ما بعد رمضان تكاسلاً وبلا عذر، فعليها مع القضاء كفارة إطعام مسكين عن كل يوم.(7/49)
تأخرت في قضاء رمضان
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/من أخر القضاء حتى دخل عليه رمضان آخر
التاريخ 20/9/1422
السؤال
امرأة عليها قضاء أيام من رمضان، وأتى رمضان الثاني ولم تقض، فماذا تفعل؟
الجواب
تقضي بعد رمضان الآخر، وإن كان التأخير بعذر كالمرض، أو الحمل، أو غيرها من الأعذار فلا شيء عليها إلا القضاء، وإن كان التأخير لغير عذر، فعليها مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم، وقدره: كيلو ونصف من قوت البلد لكل مسكين.(7/50)
أفطر في رمضان بغير عذر
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/من أخر القضاء حتى دخل عليه رمضان آخر
التاريخ 18/09/1425هـ
السؤال
في شهر رمضان المبارك في العام قبل الماضي، أي: قبل سنتين أفطرت في بعض الأيام لعذر غير شرعي، والآن قد مضى حوالي سنتين، ولا أدري كم عدد الأيام التي أفطرتها على وجه التحديد؛ لكي أقضيها، وماذا يجب علي في القضاء؟ وإذا كان يجب علي إطعام مسكين، فما هو الطعام المعتبر في الكفارة؟ وما مقداره؟
الجواب
يحرم على المسلم أن يفطر من رمضان ولو يوماً واحداً دون عذر شرعي، وعليه المبادرة بالتوبة، ويرى بعض العلماء أن من أفطر دون عذر لا يصح منه القضاء، ويرى بعضهم أن عليه القضاء وإطعام مسكيناً عن كل يوم أخَّر قضاءه لأكثر من سنة دون عذر، فعليك المبادرة بالتوبة إلى الله -جل وعلا-، وقضاء تلك الأيام.
وإذا كنت لا تدري كم عددها فعليك بالاحتياط حتى تعلم أنك قضيت الواجب عليك أو أكثر، وعليك إطعام مسكين عن كل يوم أُخّر قضاؤه لأكثر من سنة دون عذر، وإطعام المسكين نصف الصاع، أي: كيلو ونصف من قوت البلد من الأرز أو التمر أو البر، أو غيرها عن كل يوم.(7/51)
تأخير قضاء رمضان
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/من أخر القضاء حتى دخل عليه رمضان آخر
التاريخ 7/9/1424هـ
السؤال
زوجتي عليها صيام أربعة أيام من رمضان السابق لم تقضها، هل عند قضائها يتوجب عليها إطعام ستين مسكيناً عن كل يوم أم لا؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا كانت هذه الأيام في رمضان القريب الذي لم يمر عليه حول، فليس عليها إلا القضاء فقط، وإذا كانت هذه الأيام من رمضان الذي مضى عليها أكثر من حول، كأن تكون من رمضان عام 1421 أو ما قبله، وتأخر القضاء لعذر كمرض، أو حمل، أو رضاع، فكذلك ليس عليها إلا القضاء فقط، أما إذا كانت هذه الأيام من رمضان عام 1421 أو ما قبله، وكان تأخير القضاء بدون عذر، فعليها القضاء وإطعام مسكين واحد فقط عن كل يوم، وقدر الإطعام نصف صاع، أي: كيلو ونصف عن كل يوم أُخِّر قضاؤه لأكثر من سنة، فإذا كانت أربعة أيام فعليها إطعام أربعة مساكين، أي: ستة كيلوات من قوت البلد.(7/52)
كيف أقضي الدين والصوم؟
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/صوم التطوع لمن عليه قضاء
التاريخ 20/7/1424هـ
السؤال
سؤالي يتلخص في الآتي: مند حوالي ست سنوات وأنا أعاني من مرض مزمن لم يفهم الأطباء مسبباته، ولا علاج له. لم أصُم منذ ذلك الوقت؛ لأن الأطباء أمروني بذلك، وسؤالي هو: كيف أقضي الدين الذي على كاهلي، وربما لن أستطيع أن أصوم مرة أخرى؟.
الجواب
الإنسان إذا كان مريضاً ولا يستطيع قضاء هذا الصوم، ومرضه مستمر مزمن -كما جاء في السؤال- فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً، فشهر رمضان إذا كان ثلاثين يوماً يطعم (45) كيلو من طعام البلد الذي يعيش فيه، إذا كان طعامهم قمحاً يخرج قمحاً، وإذا كان طعامهم أرزاً يخرج أرزاً، المهم أن ينفق عن كل يوم طعام مسكين، سواء أخرجها دفعة واحدة وأعطاها أسرة أو أسراً، أو كل يوم في يومه، فالأمر فيه سعة ولا شيء عليه -إن شاء الله-.(7/53)
تطوع من عليه القضاء
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/صوم التطوع لمن عليه قضاء
التاريخ 18/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يجوز صيام التطوع وعلي شيء من القضاء أم لا؟ لأني لم أجزم بتبييت النية من الليل. فقلت في نفسي إن شاء الله سأصوم غير جازم ما بيني وبينه، وأخبرت بأنه لا بد من تبييت النية الجازمة لقضاء الفريضة، فهل يصح لي في هذه الحالة أن أجعلها تطوعاً وذلك لرغبتي الحالية بالصيام وعدم تفويته بما أني لم أجزم بتبييت النية للقضاء. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
صيام الواجب لا بد فيه من تبييت النية من الليل، بمعنى أن الإنسان يصوم ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس كاملاً بنية ويكون قد نوى أن يصوم هذا اليوم جميعه من طلوع فجره إلى غروب شمسه، وأما صيام النفل فإن الإنسان إذا لم يتعاط شيئاً من المفطرات بعد طلوع الفجر، ونوى الصيام بعد ذلك صح منه وأجزأه.
وأما هل يجوز أن يتطوع الإنسان وعليه شيء من الفريضة فنقول نعم يجوز، فالإنسان إذا أراد أن يصوم مثلاً يومي الإثنين والخميس، أو أيام البيض وعليه صيام نذر أو كفارة أو قضاء من رمضان فإن صيامه للنوافل قبل ذلك صحيح، ولكن الأولى للإنسان ألا يقدم صيام النفل على الفرض، فالواجب المتعين على الإنسان أن يبدأ بما يجب عليه لتبرأ ذمته من الواجب ويخرج من العهدة، ثم بعد ذلك يتنفل بما شاء، وأما صيام الست من شوال فإن الإنسان لا يحصل فضيلتها إلا إذا أتم صيام رمضان فإذا كان الإنسان عليه قضاء شيء فلا يتنفل بصيام ست من شوال، وإنما يقضي رمضان أولاً ثم يتنفل لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر" رواه مسلم(7/54)
(1164) من حديث أبي أيوب الأنصاري إن كان الذي يريد أن يصوم الست من شوال وعليه قضاء من رمضان فلا يصدق عليه أنه صام رمضان وبالله التوفيق، والله أعلم.(7/55)
مات وعليه صوم
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/من مات وعليه صوم
التاريخ 24/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
رجل كان مريضاً لفترة طويلة وكان يقدر على الصوم ولكن في آخر سنتين من عمره اشتد عليه مرضه فلم يصم شهر رمضان في هاتين السنتين من عمره وأبنائه موجودون فذكرهم في آخر سنة من عمره أنه لم يصم ثم مات فما حكمه؟ وهل عليه شيء؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
لا يخلو مرض هذا الرجل من أمرين:
الأول: أن يكون مرضاً لا يرجى برؤه فهذا يجب على ورثته أن يطعموا من تركته إن خلف تركة مسكيناً عن كل يوم ترك صيامه، أو يصوموا عنه وهذا مستحب أي الصيام عنه.
الثاني: أن يكون مرضاً يرجى برؤه فإن لم يقدر على القضاء لاستمرار مرضه حتى مات فلا شيء عليه لقوله تعالى: "فعدة من أيام أخرى" [البقرة:185] . وهذا لم يقدر على عدة من أيام أخر. وإن قدر ولم يقض فيستحب لأوليائه أن يصوموا عنه. وبالله التوفيق.(7/56)
أدلة وصول ثواب الصيام للميت
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/من مات وعليه صوم
التاريخ 19/8/1424هـ
السؤال
ما هو دليل وصول الصيام للميت؟
الجواب
إذا كان عليه صيام، فإن دليله قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من مات وعليه صيامٌ صام عنه وليه" رواه البخاري (1952) ، ومسلم (1147) من حديث عائشة - رضي الله عنها- وهذا عام في صيام الفرض وفي صيام النذر، وكذلك جاء في قصة المرأة التي ركبت البحر وقالت: إن نجاني الله من هذا البحر فلله علي أن أصوم شهراً فسألت بنتها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن تصوم عنها، وشبه ذلك بالدين، " لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ " قالت: نعم، قال: "فدين الله أحق أن يقضى" انظر ما رواه أبو داود (3310) ، وغيره من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- وأما بقية التطوعات فإنها تلحق بذلك إذا نوى أن أجر هذا الصيام لميته، أو كما لو نوى أن أجر هذه الحجة أو العمرة لميته يصله ذلك.(7/57)
أفطر متعمداً فما الحكم
المجيب د. عبد الله بن ناصر السلمي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/متى تجب الكفارة في الصوم؟
التاريخ 1/9/1424هـ
السؤال
رجل عندما كان في الخدمة العسكرية أفطر عمداً أياماً من شهر رمضان بسبب نظام الثكنة الصارم وقلة الطعام في وجبة الفطور في أغلب الأحيان، فهل تجب عليه الكفارة؟ أم ليس عليه إلا القضاء؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا كان قد أفطر بالأكل والشرب ونحو ذلك، فإنما يجب عليه الكفارة إذا كان قد جاء رمضان الآخر وهو لم يصم، ويطعم عن كل يوم مسكين كما أفتى بذلك ابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهم، ويصوم الأيام التي تركها، فنقول: إنه يجب عليه أن يصوم كل الأيام التي تركها، وإن كان قد جاءه رمضان الثاني وهو لم يصمها، فإنه يجب عليه مع الصيام أن يطعم عن كل يوم مسكيناً وهذا في حق ما لو أفطر في كل شيء ما عدا الجماع، أما لو أفطر بالجماع فإنه تجب عليه الكفارة المغلظة، وهي كفارة الظهار مع قضاء الصيام والتوبة، والله أعلم.(7/58)
كفارة من لا يعرف عدد الأيام التي أفطرها
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/مسائل متفرقة
التاريخ 02/09/1425هـ
السؤال
خلال دراستي في أمريكا أفطرت أياما كثيرة في رمضان، لا أستطيع أن أحصيها، عملت ذلك عالماً لا جاهلاً، ولقد تبت إلى الله وأنا نادم أشد الندم، وأدعو الله أن يغفر لي، سؤالي: ما هي كفارتي؟ علما أنني لا أعرف عدد الأيام التي أفطرتها، جزاكم الله خيراً.
الجواب
اختلف العلماء فيمن يفطر متعمداً هل يشرع له القضاء أو لا يشرع؟ والأقرب أنه لا يشرع له القضاء؛ لا تخفيفاً عليه، بل لأنه لا يقبل منه لعظم ذنبه، فلا يجب عليك القضاء لما فاتك من الأيام، لكن عليك بكثرة الأعمال الصالحة.
كما أبشرك أن الله يقبل التوبة الصادقة من عبده، فعليك بصدق التوبة والإقلاع عن الذنب ومداومة الطاعة، وفقك الله.(7/59)
صلاة الجمعة للمرأة
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/مسائل متفرقة
التاريخ 3/1/1425هـ
السؤال
هل تلزم المرأة بأداء صلاة الجمعة في المسجد؟ وما حكم أداء صلاة التراويح في رمضان؟ وهل تؤدي صلاة الجمعة بعد صلاة الظهر؟ في حالة رفض الولي لخروج المرأة إلى المسجد، أفمن الممكن تأديتها أو تأدية التراويح في المنزل؟ جماعة أم فرادى.
الجواب
صلاة الجمعة واجبة على الرجال الأحرار المقيمين في البلد، وأما النساء فإن بيوتهن خير لهن، والمرأة تصلي في منزلها ظهراً، وليست مطالبة بصلاة الجمعة، لكنها لو حضرت الجمعة وصلت مع الناس أجزأتها وصحت منها، ولا تصلي ظهراً، وأما صلاة التراويح فإنها سنة في رمضان بعد صلاة العشاء بين العشاء والفجر، وإذا أدتها المرأة في بيتها فهو أفضل لها، وإن كانت ترى كسلاً، ولا تنشط عليها إلا إذا ذهبت للمسجد فلها أن تذهب للمسجد وتصلي مع الرجال، ولكن الأفضل لها أن تصليها في بيتها، سواء صلتها منفردة أو مع جمع النساء في منزلها، والله أعلم.(7/60)
قطع التتابع في صيام الكفارة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/مسائل متفرقة
التاريخ 15/11/1422
السؤال
رجل عليه كفارة قتل الخطأ، وهي صيام شهرين متتابعين؛ لعدم القدرة على عتق الرقبة، والسؤال هو: إذا صادف التتابع يوم عيد الأضحى وأيام التشريق فماذا يعمل الرجل؟ أيفطر يوم العيد ويتابع صومه، أم يفطر يوم العيد وأيام التشريق؟.
وما هي الحالات التي يجوز له فيها ترك التتابع دون الإخلال بكفارته؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا كان على المسلم كفارة عن قتل الخطأ فعليه الكفارة على الترتيب أولاً: عتق رقبة، فإن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين، ولا يؤثر على التتابع إفطاره يوم عيد الفطر أو عيد الأضحى؛ لأن الفطر فيهما واجب، فلو ابتدأ الكفارة من شعبان ثم دخل رمضان يصوم رمضان ولا يؤثر على تتابع الكفارة، ويفطر يوم العيد ولا يؤثر على تتابع الكفارة، ثم يكمل صيام ستين يوماً (شهرين) ، وكذا إذا بدأ بالصيام قبل دخول شهر ذي الحجة فإن عليه أن يفطر يوم عيد الأضحى؛ لأن فطره واجب ويحرم صيامه، وأما أيام التشريق فقال بعض العلماء: إذا أفطرها انقطع التتابع؛ لأنه لا يجب فطرها كيوم النحر، وبعض العلماء قال: يفطرها؛ لأنه يكره صيامها، ولعل الأولى أن يصومها لئلا ينقطع عليه التتابع؛ لأنه يصح صيامها عن من لم يجد هدياً، يصوم الثلاثة الأيام في الحج التي هي يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر؛ لأنه رخص له في ذلك إذا لم يجد هدياً.
فالأولى أن يصوم أيام التشريق، وكذلك بالنسبة للمرأة لا يقطع التتابع إذا أفطرت لحيض أو أفطرت لنفاس، وكذا الرجل والمرأة لا يقطع التتابع إذا أفطر من أجل مرض يبيح له الفطر أو أفطر من أجل سفر يبيح له الفطر في رمضان، وكل ما أباح له الفطر في رمضان له أن يفطره في صيام الكفارة، ولا يقطع عليه التتابع.(7/61)
قضاء الصوم عن الميت
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/مسائل متفرقة
التاريخ 8/9/1424هـ
السؤال
لقد توفي والدي - رحمه الله - بعد مرض لازمه طوال شهر رمضان فحال بينه وبين الصيام، فكيف لأولاده القضاء عنه مع العلم أنهم ستة، خمسة أبناء وبنت وزوجته؟ أي إن كان القضاء بالصوم فكيف تقسَّم الأيام بينهم؟ وهل يصح أن يصوموها في أيام متزامنة، وإن لزمهم إطعامٌ فكيف يكون، وهل نطعم بما ترك من مال فيكون أفضل له؟.
الجواب
إذا كان هذا المرض مما يرجى زواله وبرؤه لكن قدَّر الله أن يستمر به المرض حتى مات فهذا لا شيء عليه مطلقاً؛ لأن الواجب عليه القضاء ومات قبل أن يدركه، أما إذا كان المرض مما لا يرجى زواله فالواجب إخراج عن كل يوم نحو كيلو ونصف من الرز أو التمر أو أي طعام مما جرت العادة بأكله عندكم، ويكون الإطعام من مال الميت. رحم الله أموات المسلمين أجمعين.(7/62)
الكفارة بالإطعام مع استطاعة الصيام
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/مسائل متفرقة
التاريخ 11/9/1425هـ
السؤال
رجل وقع على زوجته في نهار رمضان، ويريد أن يطعم ستين مسكيناً مع أنه يستطيع الصيام، وهل على زوجته كفارة مثله، مع أنها أطاعته في هذه المخالفة؟.
الجواب
أولاً ينبغي للإنسان أن يتقي الله - تعالى - في صيامه، وأن يعلم أن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام، وأن الواجب عليه أن يبتعد عما ينقضه من المفطرات، فإذا كان وقع على زوجته في نهار رمضان فإن الواجب عليه هو عتق رقبة، وإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، فإذا أطعم وهو يستطيع الصيام فإن إطعامه لا يعتد به ولا يعتبر، وكأنه لم يطعم وهو أدرى بنفسه، وزوجته إذا كانت مطاوعة له غير مكرهة فإنه يلزمها أيضاً الكفارة مثله، وعليها عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فإطعام ستين مسكيناً.(7/63)
عليها قضاء أيام لا تعلم عددها
المجيب د. سعد بن تركي الخثلان
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/مسائل متفرقة
التاريخ 18/09/1425هـ
السؤال
أفطرت في رمضان أياماً لا أعلم عددها بالضبط ربما 4 أو 5 أو 6، وذلك حينما كنت في أول سني البلوغ ظناً مني أن الحائض عدتها يجب أن تكون سبعة أيام كاملة، أي أنني كنت آكل وأشرب وأنا قد طهرت من الدورة حتى أكمل عدة سبعة الأيام. سؤالي هو أنني لم أقضها ولا أعلم عددها فكيف أتصرف؟
الجواب
المكلّف إذا أفطر أياماً من رمضان بعد سن التكليف فإن الواجب عليه قضاؤها ولو بعد مضي مدة طويلة، والأخت السائلة تذكر أنها أفطرت أياماً من رمضان بعد سن البلوغ ولم تقضها حتى الآن فنقول: الواجب عليك المبادرة إلى قضائها في أسرع وقت، وأما عددها فتبني على اليقين تحقيقاً لبراءة الذمة، فإذا كنت تشكين هل هي أربعة أيام أو خمسة أو ستة فاجعليها ستة، وأما الإطعام فلا يجب عليك إطعام لكونك جاهلة بالحكم.(7/64)
قطع صيام القضاء
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن المشعل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/مسائل متفرقة
التاريخ 11/2/1423
السؤال
أفطرت يوماً كنت نويته لقضاء يوم من أيام رمضان بغير عذر قهري، فما الحكم؟ وإذا طلب مني زوجي الإفطار بغير رغبة مني في يوم لقضاء رمضان، فما الحكم أيضاً؟
الجواب
لا يجوز قطع الصيام الواجب لقضاء رمضان أو غيره بدون عذر.
وعلى هذا فمن شرع في صيام واجب (قضاءً أو أداءً) فإنه يجب عليه إتمامه، ولا يجوز له قطعه، فإن قطعه أثم، ووجب عليه إعادته في يوم آخر.
وإن كان قد أكرهه على قطعه شخص آخر فالإثم على المكره، والقضاء على المفطر.
أما صيام التطوع فإنه يجوز قطعه، ولو أصبح صائماً، علماً أنه لا يجوز للمرأة أن تصوم تطوعاً وزوجها حاضر إلا بإذنه؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه" متفق عليه عند البخاري (5195) ومسلم (1026) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.(7/65)
التوبة من الفطر في رمضان
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/مسائل متفرقة
التاريخ 20/8/1423هـ
السؤال
أنا شاب مَنَّ الله علي بالهداية؛ ولله الحمد والمنة، وقبل الالتزام كنت لا أصوم في رمضان إلا بعض الأيام، غفلة وتهاوناً وعصياناً، فهل أقضي وقد مر علي وأنا في الالتزام سنتان؟
الجواب
قد أسعدني كثيراً أن مَنّ الله -تعالى- عليك بالهداية والالتزام، وإني لأشاركك من أعماق قلبي شعورك بالرضا والطمأنينة يوم اكتشفت الطريق الصحيح إلى سعادة الدنيا ونعيم الآخرة، فأبشر -رعاك الله- بانشراح الصدر، وبهجة القلب، وعزة النفس في كنف الله ورعايته.
ثم اعلم -حفظك الله- أن ما سألت عنه يحتاج إلى شيء من التفصيل، فإن كنت قد تركت مع الصوم الصلاة -لا سمح الله- فلا داعي لقضاء الصوم؛ لأن ترك الصلاة بالكلية ردة عن الإسلام نفسه، لا ينفع معه صوم، ولا زكاة، ولا حج.
وإن كنت فاعلاً للصلاة مؤدياً لها في أوقاتها بانتظام فتركت شيئاً من الصيام، فعليك بالتوبة النصوح، والإكثار من الحسنات ونوافل العبادات مع قضاء عدد الأيام التي أفطرتها، فإن لم تعلم عددها فاجتهد في تقديرها وزد عليها احتياطاً، ثم اعلم -أعانك الله- أنه لا يشترط قضاؤها متتابعة، بل حسب الوسع والطاقة، ولو في أوقات العطل وأيام البرد مع الحذر -حماك الله- من التسويف وكثرة التأجيل.
قال ابن قدامة في (المغني 4/366) : "لا يختلف القضاء بالعذر وعدمه" ا. هـ.
هذا والله المسؤول أن يثبتنا وإياك على الحق، وأن يجعل لنا من أمرنا رشداً، ونستودعك الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم.(7/66)
لم تقض أيام حيضتها منذ البلوغ
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/مسائل متفرقة
التاريخ 4/3/1424هـ
السؤال
أريد أن أعرف ما الحكم الشرعي في حالتي، حيث إنني ومنذ بلوغي لم أقم بقضاء الأيام التي أفطرت فيها أثناء فترة الحيض، وقد بلغ مجمل عدد تلك الأيام حوالي 86 يوماً فهل يجوز لي أن أتصدق على الفقراء، أم يتوجب علي قضاؤها؟.
الجواب
قضاء الأيام التي أفطرت فيها المرأة بسبب الحيض أمر معلوم شرعاً مشهور بين المسلمين لا يعذر الإنسان بتركه، فعليك التوبة من تركها وقضاء هذه الأيام حسب الاستطاعة، تقضي شيئاً فشيئاً إلى أن تنتهي كلها. والله أعلم.(7/67)
لم تقض ما أفطرت أيام حيضتها
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/مسائل متفرقة
التاريخ 24/2/1424هـ
السؤال
أمي كانت تفطر في رمضان وقت دورتها منذ حوالي أربعين سنة، ولم تكن تقضي هذه الأيام لجهلها ولعدم علمها بالوجوب واستمر الحال قرابة ثمانية رمضانات، ثم علمت بالوجوب منذ حوالي ثلاثين سنة، ولكنها لم تقض الأيام السابقة، مع العلم أنها تصوم أيام الاثنين والخميس منذ حوالي أربع سنوات طوال العام، وعمرها الآن ستون سنة، فماذا يجب عليها؟ وإن كان هناك إطعام فكيف يوزع؟ وهل يعطى لأهل البيت الواحد دفعة واحدة؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
الذي يظهر أن عليها قضاء تلك الأيام؛ لأن هذا الأمر مشهور ومعروف بين المسلمين -أي وجوب القضاء على التي تفطر بسبب العادة الشهرية- وقد تساهلت جداً في عدم السؤال عن مثل هذا، ثم إنها لما علمت بالوجوب لم تقض أيضاً وهذا مما يدل على تساهلها.
فإن كانت لا تستطيع الصيام الآن لكبرها وعجزها عن الصوم، فعليها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً نصف كيلو وعشر غرامات من طعام البلد كالأرز ونحوه، والله أعلم.(7/68)
هل يقضي عن أمه صيام رمضان؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/مسائل متفرقة
التاريخ 23/9/1424هـ
السؤال
شيخي الفاضل.. أمي عليها دين صيام ثمانية أشهر من رمضان، أعاقها المرض المتزامن مع مجيء كل رمضان، والسؤال: ما العمل؟ هل أقضيه عنها؟ أذهبوا حيرتي جزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا كانت تستطيع القضاء ولو لم يكن بالتتابع فعليها القضاء، وإذا أيست من القدرة على القضاء فعليها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً، لكل مسكين كيلو ونصف من قوت البلد. والله أعلم.(7/69)
الفدية بدل الصيام
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/مسائل متفرقة
التاريخ 7/5/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: علي صيام شهرين بسبب الحمل والرضاعة، وقدرتي الجسدية لا تعينني على ذلك، حيث إني مصابة بمرض في القلب، فهل أستطيع أن أخرج الفدية بدلا من الصيام؟ وهل يجوز أن أنفق هذه الفدية في إطعام أسرتي؟ حيث إني لست مكلفة بالإنفاق عليهم، أم أنه يجب أن أنفقها على المساكين؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا كان تأخير هذا الصيام عن شهري رمضان بسبب الحمل والرضاعة والوضع فعليك القضاء ولو بغير انتظام، فلا يلزم التتابع، ولا يجوز لك إخراج الفدية، إلا إذا أيست من القدرة على القضاء بقية حياتك بسبب المرض، وذلك بتقرير طبيبين مسلمين ثقتين وحينئذ عليك الكفارة، وهي إطعام مسكين عن كل يوم، وقدره كيلو ونصف من قوت البلد، والمسكين هو من تجوز له الزكاة من غير والديك وأولادك ومن ترثينه من الأقارب.(7/70)
كفارة تسعة رمضانات
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/مسائل متفرقة
التاريخ 6/3/1424هـ
السؤال
لقد كنت في رمضان في السنوات الماضية من العمر 14 سنة إلى 22 سنة لا أصوم الشهر كله أطلب من فضيلتكم إيجاد حل ولا أستطيع إطعام ستين مسكيناً في اليوم الواحد هل بإمكاني أن أدخر المال عن كل يوم وأعطيه مثلاً لديار الرحمة أو لمسكين واحد عن كل يوم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
أهنئك على رغبتك في التوبة إلى الله من هذا الذنب العظيم، وأوصيك بالإكثار من الاستغفار وصيام ما تيسر من النوافل - إذا انتهيت من القضاء-.
ثانياً: الذي عليه الأئمة الأربعة في مثل حالك، أنك تقضي عن كل الأيام التي أفطرتها وتطعم عن كل يوم مسكيناً، ولا يلزمك التتابع في قضائها، فمتى ما استطعت الصيام فصم حتى تنتهي الأيام التي أفطرتها وبالنسبة للإطعام يمكنك فيه أن تجمع كل عشرة جميعاً أو كل عشرين، أو كل خمسة حسب استطاعتك، وأنت مخير بين أن تعطي كل واحد منهم نصف صاع من الأرز كيلو ونصف تقريباً، وإن وضعت معه شيئاً من الإدام -إن كنت تقدر- فهو حسن، هذه طريقة.
وهناك طريقة أخرى وهي أن تصنع طعاماً في بيتك أو تذهب إلى أحد المطاعم فتدعو إليه عشرة فقراء أو عشرين أو حسب استطاعتك إلى أن تنتهي الأيام التي أفطرتها، وهكذا كلما أطعمت المساكين سقط عنك من حساب الأيام، أسأل الله تعالى أن يتوب علينا، وأن يتقبل منا صالح العمل.(7/71)
هل نصوم يوم السبت؟
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 29/4/1422
السؤال
أرجو إفادتنا عن حكم صيام يوم السبت حيث حصل خلاف بين مجموعة من طلبة العلم حول صيامه نفلاً؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد فرض الله على الأمة المحمدية صيام شهر رمضان، ورغّبهم فيه، وحثهم عليه، ووعدهم بالأجر الجزيل على صيامه، وقد تكلم كثير من أهل العلم عن فوائد الصيام، ومزاياه، كابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد، وغيره. وحتى تبقى الأمة مرتبطة بهذه الفوائد التي تحصل لها من جرّاء الصيام؛ ورد الحث على صيام الأيامٍ أُخر في مناسبات متفاوته من العام، لا على سبيل الفرض، ولكن على سبيل الاستحباب والسُّنيَّة؛ كصيام ستة من شوال، ويوم عرفة، وشهر محرم، والتاسع والعاشر منه على وجه الخصوص، وصيام أكثر شعبان، وثلاثة أيام من كل شهر، والأولى أن تكون أيام البيض، وصوم الإثنين والخميس، وصوم يوم وإفطار يوم، وصوم باقي عشر ذي الحجة - عدا يوم العيد - لدخولها في عموم العمل الصالح.
ولا شك أنه سيدخل في هذه الأيام التي تُصام: يوم السبت؛ لموافقته أحياناً.
وقد ورد حديث عبد الله بن بسر السُّلمي، عن أخته الصَّمَّاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عِنَبَةٍ، أو عود شجرة، فليمضغه) أخرجه أصحاب السنن. وقد اختلف أهل العلم في صحته، وأكثر الأئمة العارفين بعلل الأحاديث أعلّوه بالاضطراب، والشذوذ، ومن صححه أو حسَّنه منهم حمله على كراهية تخصيصه بالصوم؛ لأنه يوم تُعظمه اليهود، وأما إن وافق صياماً كان يصومه الشخص ويعتاده، فالكراهة مرتفعة عنه عندهم.(7/72)
ولم أجد أحداً من أهل العلم نهى عن صومه إذا وافق عادة الشخص، سوى الشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله - فإنه حرّم صومه في النفل سواء كان في ست من شوال أو وافق عرفة، أو التاسع والعاشر من محرم، أو صوم يوم وإفطار يوم، أو غير ذلك، وهذا شيء لم يُسبق إليه فيما علمت، وقد أطال أهل العلم في الكلام عن الحديث من حيث صحته من عدمها، ومن حيث دلالته، وقد جمعتها في بحث مفرد، من أراد الاستزادة فليطالعه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(7/73)
قضاء يوم عاشوراء
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 7/1/1424هـ
السؤال
من أتى عليها عاشوراء وهي حائض هل تقضي صيامه؟ وهل من قاعدة لما يقضي من النوافل؟ وما لا يقضي؟ جزاك الله خيراً.
الجواب
النوافل نوعان: نوع له سبب، ونوع لا سبب له. فالذي له سبب يفوت بفوات السبب ولا يُقضي، مثال ذلك: تحية المسجد، لو جاء الرجل وجلس ثم طال جلوسه ثم أراد أني يأتي بتحية المسجد، لم تكن تحية للمسجد، لأنها صلاة ذات سبب، مربوطة بسبب، فإذا فات فاتت المشروعية، ومثل ذلك فيما يظهر يوم عرفة ويوم عاشوراء، فإذا أخر الإنسان صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء بلا عذر فلا شك أنه لا يقضي ولا ينتفع به لو قضاه، أي لا ينتفع به على أنه يوم عرفة ويوم عاشوراء.
وأما إذا مر على الإنسان وهو معذور كالمرأة الحائض والنفساء أو المريض، فالظاهر أيضاً أنه لا يقضي، لأن هذا خص بيوم معين يفوت حكمه بفوات هذا اليوم.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله (20/43) ](7/74)
حكم استمتاع الزوج بزوجته أثناء صيام التطوع
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 1/11/1424هـ
السؤال
ما حكم استمتاع الزوج، بزوجته وهو صائم، وذلك في غير القبل؟
الجواب
الاستمتاع بالزوجة بما دون الجماع في القبل فيه تفصيل، فيكون جائزاً إن كان يأمن على نفسه أن يفسد صومه بالجماع، ويحرم إذا غلب على ظنه أنه سينزل، سواء كان الإنزال بأن يجامع أو من المباشرة فقط، وهذا التفصيل يصدق على الصوم الواجب.
أما التطوع فلا يحرم عليه ولو غلب على ظنه أنه سينزل؛ لأنه يجوز للإنسان أن يقطع صوم التطوع ولو بدون سبب.(7/75)
إفراد الجمعة بالصيام
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 27/12/1425هـ
السؤال
هل أستطيع أن أصوم الجمعة على انفراد باعتبارها يومًا من صوم ستة أيام من شوال؟
الجواب
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ". متفق عليه: صحيح البخاري (1985) وصحيح مسلم (1144) . وهذا نهي صريح عن صيام يوم الجمعة، ولم يُخَصّ منه إلا صورتان:
الأولى: إذا صام قبله أو بعده.
الثانية: إذا وافق يوم الجمعة صومًا معتادًا، كما في حديث مسلم (1144) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ". والذي يظهر بناء على ذلك أنه لا يجوز إفراد الجمعة بصيام ولو كان من أيام الست من شوال؛ لعدم اندراجه تحت الصورتين السابقتين.(7/76)
حكم صيام الست في غير شوال
المجيب د. محمد بن تركي التركي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 29/1/1425هـ
السؤال
هل صحيح أنه يجوز صيام الست في غير شوال؛ لوجود رواية تقول: " من صام رمضان وأتبعه بست " من دون تحديد شوال؟
الجواب
لا يجوز أن يصوم الإنسان الست من شوال في غير شهر شوال؛ لأن الحديث جاء بتخصيص هذه الأيام الستة في شهر شوال فقط، كما في الحديث الذي عند مسلم (1164) وغيره من حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال"، وأما ما جاء في بعض الروايات " وستة أيام بعده" انظر ما رواه ابن ماجة (1715) والدارمي (1755) ، وأحمد (21906) من حديث ثوبان بن بجدد - رضي الله عنه - فهي محمولة على أنها من شوال؛ لورود تخصيصها في الروايات الأخرى، وبهذا يحصل الجمع بين الروايات، والله أعلم.(7/77)
شهر شوال كله محل لصيام الست
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 02/10/1425هـ
السؤال
هل يجوز للإنسان أن يختار صيام ستة أيام في شهر شوال، أم أن صيام هذه الأيام لها وقت معلوم؟ وهل إذا صامها تكون فرضاً عليه؟
الجواب
ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر " خرجه الإمام مسلم في الصحيح، وهذه الأيام ليست معينة من الشهر بل يختارها المؤمن من جميع الشهر، فإذا شاء صامها في أوله، أو في أثنائه، أو في آخره، وإن شاء فرقها، وإن شاء تابعها، فالأمر واسع بحمد الله، وإن بادر إليها وتابعها في أول الشهر كان ذلك أفضل؛ لأن ذلك من باب المسارعة إلى الخير، ولا تكون بذلك فرضاً عليه، بل يجوز له تركها في أي سنة، لكن الاستمرار على صومها هو الأفضل والأكمل؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل " والله الموفق.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز - رحمه الله- الجزء 15 ص 390](7/78)
لا يشترط التتابع في صيام ست شوال
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 02/10/1425هـ
السؤال
هل يلزم في صيام الست من شوال أن تكون متتابعة أم لا بأس من صيامها متفرقة خلال الشهر؟
الجواب
صيام ست من شوال سنة ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويجوز صيامها متتابعة ومتفرقة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أطلق صيامها ولم يذكر تتابعاً ولا تفريقاً، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: " من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر " أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. وبالله التوفيق.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز - رحمه الله - الجزء 15 ص 391](7/79)
المشروع تقديم القضاء على صوم الست
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 3/10/1422
السؤال
هل يجوز صيام ستة من شوال قبل صيام ما علينا من قضاء رمضان؟
الجواب
قد اختلف العلماء في ذلك، والصواب أن المشروع تقديم القضاء على صوم الست وغيرها من صيام النفل؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من صام رمضان ثم أتبعه ستّاً من شوال كان كصيام الدهر " خرجه مسلم في صحيحه. ومن قدم الست على القضاء لم يتبعها رمضان، وإنما أتبعها بعض رمضان؛ ولأن القضاء فرض، وصيام الست تطوع، والفرض أولى بالاهتمام والعناية. وبالله التوفيق.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز - رحمه الله- الجزء 15 ص 392](7/80)
حكم صيام شهرين متتابعين تطوعاً
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 27/9/1422
السؤال
هل يجوز الصوم كل يوم بدون انقطاع لمدة شهرين أو أكثر - مثلاً -تطوعاً لله - سبحانه وتعالى -، وبدون أي سبب ككفارة - مثلاً-، وبارك الله فيكم على مجهوداتكم.
الجواب
لا شك أن الصوم عبادة من أفضل العبادات، وقد كان لرسولنا - صلى الله عليه وسلم - حظ وافر من هذه العبادة، إلا أنه - بأبي هو وأمي - لم يصم شهراً كاملاً قط غير رمضان، كما قالت عائشة - رضي الله عنها -: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان "، أخرجه البخاري (2/50) ح (1969) ، ومسلم (2/810) ح (1156) .
وروى مسلم في صحيحه (1/513 - 514) ح (746) عن عائشة - رضي الله عنها - أيضاً أنها قالت - في ضمن بيان هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في عدة أمور -:" ولا أعلم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان ".
ولا يخفى أن صيام شهرين متتابعين، لم يرد في الشرع إلا مورد الكفارة المغلظة في قتل النفس خطأ، أو في كفارة الظهار، أو في كفارة الجماع في نهار رمضان.
وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، والاقتصار على ما ورد هو الخير والبركة، من صيام ثلاثة أيام من كل شهر (ومنها: الأيام البيض) ، أو الاثنين والخميس، أو ست من شوال، وإن نشط وقوي فصيام يوم وإفطار يوم.(7/81)
وعليه فلا يشرع للمسلم أن يواصل صيام شهرين متتابعين أو أكثر، ما لم يكن هناك سبب شرعي، ولأنه إذا واصل أكثر من ذلك فيخشى أن يتصل به الأمر إلى صيام الدهر، وهو منهي عنه كما في الصحيحين (البخاري " 1975 " ومسلم " 1159") من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - والله أعلم.(7/82)
صيام العشر من ذي الحجة
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 28/11/1425هـ
السؤال
هل ثبت في الحث على صيام أيام العشر من ذي الحجة شيء مخصوص؟ ثم إن لم يثبت منها شيء فهل يعني هذا عدم مشروعية صيامها؟
الجواب
جاء في فضل العمل في أيام العشر - دون تحديد نوعه، لا صيام ولا غيره - الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري 1/306، باب فضل العمل في أيام التشريق ح (969) ، واللفظ له، وأبو داود 2/815، باب في صوم العشر ح (2438) ،والترمذي 3/130، باب ما جاء في العمل في أيام العشر ح (757) ، وابن ماجه 1/550، باب في صيام العشر ح (1727) من طرق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه. قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد إلاَّ رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء ".
وأما النص على الصيام، فجاء فيه حديث عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر: أول اثنين من الشهر والخميس " أخرجه أبو داود وغيره كما سيأتي مفصلاً وهو حديث ضعيف. وعن أبي هريرة:" ما من أيامٍ أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كلِّ يوم منها بصيام سنة. وقيام كلِّ ليلة منها بقيام ليلة القدر "أخرجه الترمذي وغيره وهو حديث ضعيف أيضاً. وهناك أحاديث أخر وكلها ضعيفة أو موضوعة، كما أشار إلى ذلك ابن رجب في "اللطائف" بقوله - بعد أن ذكر حديث الباب، وأحاديث أخر -: "وفي المضاعفة أحاديث مرفوعة، لكنها موضوعة، فلذلك أعرضنا عنها وعما أشبهها من الموضوعات في فضائل العشر، وهي كثيرة ... وقد روي في خصوص صيام أيامه، وقيام لياليه، وكثرة الذكر فيه، ما لا يحسن ذكره لعدم صحته" اهـ، والله أعلم.(7/83)
وبعد: فإن ضعف هذه الأحاديث الواردة بخصوص الحث على صيام أيام العشر، لا يلغي مشروعية صيامها؛ لأنها بلا شك من جملة العمل الصالح الذي ذكره النبي – صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس الذي أخرجه البخاري وغيره ـ كما سبق آنفاً ـ. فإن قيل: ما لجواب عن قول عائشة رضي الله عنها ـ الذي سبق قريباً ـ: "ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - صائماً العشر قط " أفلا يدل ذلك على استثناء الصيام؟ فالجواب من ثلاثة أوجه:
الأول: أن النبي – صلى الله عليه وسلم - ربما ترك العمل خشية أن يفرض على أمته ـ كما في الصحيحين من حديث عائشة ـ أو لعلة أخرى قد لا تظهر لنا، كتركه قيام الليل، وكتركه هدم الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأمثلة ذلك كثيرة. ومن جملة هذه الموانع، أن تركه – صلى الله عليه وسلم - لصيام العشر قد يكون لأن الصيام فيه نوع كلفة، ولديه – صلى الله عليه وسلم - من المهام العظيمة المتعدي نفعها للأمة من تبليغ الرسالة، والجهاد في سبيله، واستقبال الوفود، وإرسال الرسل، وكتابة الكتب، وغيرها من الأعمال الجسام، فلو صام كل هذه الأيام لربما حصل فيها نوع مشقة، بل ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو أنه لما سأل عن صيام يوم وإفطار يوم قال" وددت أني طوقت ذلك".(7/84)
الثاني: أن العمل يكفي لثبوت مشروعيته أي نص ثابت، ولا يلزم منه أن يعمله هو – صلى الله عليه وسلم - فهاهم الناس يصومون ستاً من شوال اعتماداً على حديث أبي أيوب المشهور، وغيره من الأحاديث، مع أنه ـ حسب علمي ـ لم يثبت حديث واحد يدل على أنه – صلى الله عليه وسلم - يصومه، فهل يمكن لأحد أن يقول لا يشرع صوم الست لأنه – صلى الله عليه وسلم - لم يثبت عنه صومها؟! لا أعلم أحداً يقول بهذا بناء على هذا المأخذ الأصولي، وأما خلاف الإمام مالك ـ رحمه الله ـ فلم يكن يرى مشروعية صيامها، ليس بناء على هذا المأخذ، وإنما لأسباب أخرى معلومة عند أهل العلم، وليس هذا المقام مناسبا لذكرها. وقل مثل هذا في سنن كثيرة العمدة فيها على عموميات قولية، لم يثبت عنه – صلى الله عليه وسلم -فعلها بنفسه، كصيام يوم وإفطار يوم، وصيام يوم عرفة ـ الذي هو أحد أيام العشر ـ وغيرها من الأعمال الصالحة.(7/85)
الثالث: وهو مبني على ما سبق، أن الصيام من أفضل الأعمال الصالحة، بل هو العمل الوحيد الذي اختص الله تعالى بجزائه ـ فرضاً ونفلاً ـ وورد في فضل نوافله أحاديث كثيرة يمكن لمن أراد الوقوف على بعضها، أن يطالع رياض الصالحين للنووي، أو جامع الأصول لابن الأثير، وغيرها من الكتب. وقد راجعت كثيراً من كتب الفقهاء، وإذا هم يذكرون من جملة ما يستحب صيامه صيام أيام العشر ـ أي سوى العيد كما هو معلوم ـ ولم أر أحداً ذكر أن صيامها لا يشرع أو يكره، بل إن ابن حزم – رحمه الله – على ظاهريته قد قال باستحباب صيام أيام العشر. والذي دعاني للإطالة في هذا المقام ـ مع ظهوره ووضوحه ـ هو أنني وقفت على كلام لبعض إخواني من طلبة العلم، ذكر فيه أن من جملة أخطاء الناس في العشر صيام هذه الأيام!! حتى أحدث كلامه هذا بلبلة عند بعض العامة الذين بلغهم هذا الكلام، ولا أعلم أحداً قال بهذا من أهل العلم في القرون الغابرة ـ حسب ما وقفت عليه ـ، ولا أدري ما الذي أخرج الصيام من جملة العمل الصالح؟ .وبما تقدم تفصيله يمكن الجواب عما استشكله ذلك الأخ وغيره، والله تعالى أعلم. أما الأحاديث الخاصة، فسأذكر حالها بشيء من الإجمال ـ والتفصيل لا تحتمله هذه الفتوى ـ فللتفصيل موضع آخر، وذلك كما يلي: أولاً: قال أبو داود 2/815 باب في صوم العشر ح (2437) : حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة، عن الحرّ بن الصيّاح، عن هنيدة بن خالد، عن امرأته، عن بعض أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم - قالت: " كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر: أول اثنين من الشهر والخميس ".(7/86)
تخريجه:*أخرجه النسائي 4/205 باب صوم النبي – صلى الله عليه وسلم - ح (2372) ،وفي باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ح (2417، 2418) ،وأحمد 5/271،6/288،423 من طرق عن أبي عوانة به بنحوه، إلاّ أن في ألفاظهم: " أول اثنين وخميسين "، وهذا هو الموافق لقولها: " ثلاثة أيام "، وأما رواية أبي داود فقد سبق الإشارة إلى أنها في بعض روايات السنن: " والخميس والخميس " بالتكرار.*وأخرجه النسائي 4/220،باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ح (2416) ،وأحمد 6/287، وابن حبان 14 / 332 ح (6422) من طريق أبي إسحاق الأشجعي، عن عمرو بن قيس الملائي، والنسائي في " الكبرى " 2/135، باب صيام ثلاثة أيام من كل شهر ح (2723) من طريق زهير بن معاوية أبي خثيمة، والنسائي في " الكبرى " 2/135، باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ح (2722) ، من طريق شريك، ثلاثتهم (عمرو، وزهير، وشريك) عن الحر بن الصياح، عن هنيدة، عن حفصة، إلاّ أن لفظ عمرو هو: " أربع لم يكن يدعهن النبي – صلى الله عليه وسلم -: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، وركعتين قبل الغداة "، ولفظ زهير: " كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، أول اثنين من الشهر، ثم الخميس، ثم الخميس الذي يليه "، ورواه شريك فجعله من مسند ابن عمر بلفظ حديث زهير. *وأخرجه أبو داود 2/822، باب من قال الاثنين والخميس ح (2452) عن زهير بن حرب، والنسائي 4/221، باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ح (2419) عن إبراهيم الجوهري، وأحمد 6/289، 310، ثلاثتهم (زهير، والجوهري، وأحمد) عن محمد بن فضيل، والطبراني في " الكبير " 23/216، 420، من طريق عبد الرحيم بن سليمان، كلاهما (ابن فضيل، وعبد الرحيم) عن الحسن بن عبيد الله، عن هنيدة، عن ـ أمه – لم يقل عن امرأته – عن أم سلمة فذكر نحوه، إلاّ أنه ليس في حديث الحسن بن عبيد الله ذكر(7/87)
لصيام تسع ذي الحجة، وصيام يوم عاشوراء، بل اقتصر على الأمر بصيام ثلاثة أيام من كل شهر قال زهير في حديثه: " أولها الاثنين والخميس "، ولفظ الجوهري: " أول خميس، والاثنين والاثنين " بالتكرار، ولفظ أحمد: " أولها الاثنين والجمعة والخميس ".
الحكم عليه: إسناد أبي داود رجاله ثقات، إلاّ أنه وقع في إسناده ومتنه اختلاف على هنيدة، الذي مدار الحديث عليه، ووقع فيه تفرد أبي إسحاق الأشجعي، عن عمرو بن قيس الملائي، عن الحر، عن هنيدة، عن حفصة، ومثل هذا بعيد أن يصحح حديثه إذا انفرد، فكيف وقد وقع فيه هذه الااختلاف في إسناده ومتنه؟.
ومما يضعف به حديث الباب إضافة إلى ما سبق، أن ما تضمنه من الإخبار عن صيام النبي – صلى الله عليه وسلم - لتسع ذي الحجة، مخالف لما ثبت في صحيح مسلم 2/833 ح (1176) ، وأبي دواد 2/816، باب في فطر العشر ح (2439) ، والترمذي 3/129، باب ما جاء في صيام العشر ح (756) ، ولفظ مسلم عن عائشة رضي الله عنها: " ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - صائماً العشر قط "، ولفظ مسلم الآخر: " أن النبي – صلى الله عليه وسلم - لم يصم العشر ". ويضاف إلى ذلك أيضاً: السماع، فليس في شيء منه التصريح بالتحديث سوى رواية أمه عن أم سلمة رضي الله عنها، والله أعلم.(7/88)
ثانياً: قال الترمذي 3/131 باب ما جاء في العمل في أيام العشر ح (758) :حدثنا أبو بكر بن نافع البصري، حدثنا مسعود بن واصل، عن نهاس بن قهْم، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة:" ما من أيامٍ أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كلِّ يوم منها بصيام سنة. وقيام كلِّ ليلة منها بقيام ليلة القدر ".قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلاَّ من حديث مسعود بن واصل، عن النهاس، قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فلم يعرفه من غير هذا الوجه مثل هذا، وقال: قد روي عن قتادة، عن سعيد بن المسيَّب عن النبي– صلى الله عليه وسلم - مرسلاً شيءً من هذا، وقد تكلم يحيى بن سيعد في نهاس بن قهم من قبل حفظه.
تخريجه:*أخرجه ابن ماجه 1/551، باب صيام العشر ح (1728) ،والخطيب في "تاريخ بغداد" 11/208 من طريق محمد بن مخلد العطار، كلاهما (ابن ماجه، والعطار) عن عمر بن شبة، عن مسعود بن واصل به بنحوه.*وأخرجه الترمذي في العلل الكبير ص (120) ح (206) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة، وعلقه الدارقطني في "العلل" 9/200 عن الأعمش عن أبي صالح، كلاهما (أبو سلمة، وأبو صالح) عن أبي هريرة بنحوه، ولفظ أبي سلمة:"ما من أيام أحب إلى الله العمل فيهن من عشر ذي الحجة: التحميد، والتكبير، والتسبيح والتهليل".
الحكم عليه: إسناد الترمذي فيه مسعود، والنهاس، وكلاهما ضعيف، وقد قال الإمام الدارقطني في "العلل" 9/199: "وهو حديث تفرد به مسعود بن واصل، عن النهاس بن قهم، عن قتادة، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة ".(7/89)
ومع هذا التفرد في وصله، فإن بعض الأئمة صوَّبوا كونه عن قتادة، عن سعيد بن المسيب مرسلاً كما أشار إلى ذلك البخاري – فيما نقله عنه الترمذي عقب إخراجه للحديث – وقال الدارقطني في "العلل" 9/200: " وهذا الحديث، إنما روي عن قتادة عن سعيد بن المسيب مرسلاً".وهذا المرسل الذي صوَّبه الأئمة من رواية قتادة، عن سعيد بن المسيب، سلسلة جعلها الحافظ ابن رجب – كما في شرح العلل 2/845 – من الأسانيد التي لا يثبت منها شيء، أو لا يثبت منها إلاَّ شيء يسير، مع أنه قد روي بها أكثر من ذلك، ونقل عن البرديجي قوله – عن هذه السلسة –: "هذه الأحاديث كلها معلولة، وليس عند شعبة منها شيء، وعند سعيد بن أبي عروبة منها حديث، وعند هشام منها آخر، وفيهما نظر" اهـ.
وقد بين الإمام أحمد سبب ضعفها أيضاً – فيما نقله عنه أبو داود في مسائله (304) – بقوله: "أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب ما أدري كيف هي؟ قد أدخل بينه وبين سعيد نحواً من عشر رجالْ لا يعرفون".وأما الطريق التي رواها أبو صالح، فقد صوَّب الدارقطني – في العلل 9/200 – إرسالها.
وأما رواية الحديث من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة، فقد سأل الترمذي الإمامين البخاري، وأبا عبد الرحمن الدارمي عنه، فلم يعرفاه من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وقال الدارقطني في "العلل" 9/200:" تفرد به أحمد بن محمد بن نيزك – وهو شيخ الترمذي في هذا الحديث – عن الأسود بن عامر، عن صالح بن عمر، عن محمد بن عمر، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رفعه ".
وكلام الدارقطني في "العلل" كله يدور على أن الحديث لا يصح مرفوعاً من حديث أبي هريرة، بل هو مرسل، وعلى إرساله من رواية قتادة عن ابن المسيب، وهي سلسلة مطروحة.
وقد ضعف الحديث جماعة من أهل العلم، ومنهم:
1- الحافظ ابن رجب، في "لطائف المعارف" ص (459) ، وفي "فتح الباري" 9/16،17.(7/90)
2- الحافظ ابن حجر، في "الفتح" 2/534 ح (969) .والله أعلم وصلى الله وسلم على نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(7/91)
صيام يوم عاشوراء
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 10/1/1425هـ
السؤال
أسأل عن حكم صيام عاشوراء، وصفة صومه، وهل يوجّه الناس إلى تحرِّي هلال شهر المحرم؟
الجواب
صيام يوم عاشوراء سنة يستحب صيامه؛ صامه النبي -صلى الله عليه وسلم- وصامه الصحابة، وصامه موسى قبل ذلك شكراً لله -عز وجل-؛ ولأنه يوم نجَّى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، فصامه موسى وبنو إسرائيل شكراً لله -عز وجل-، ثم صامه النبي -صلى الله عليه وسلم- شكراً لله -عز وجل- وتأسياً بنبي الله موسى، وكان أهل الجاهلية يصومونه أيضاً، وأكَّده النبي -صلى الله عليه وسلم-على الأمة، فلما فرض الله رمضان قال:" من شاء صامه ومن شاء تركه" رواه البخاري ومسلم واللفظ له. وأخبر -عليه الصلاة والسلام- أن صيامه يكفِّر اللهُ به السنةَ التي قبله.
والأفضل أن يصام قبله يوم أو بعده يوم خلافاً لليهود؛ لما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام-:" صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده" رواه أحمد، وفي لفظ:" صوموا يوماً قبله ويوماً بعده" فإذا صام يوماً قبله أو بعده يوماً، أو صام اليوم الذي قبله واليوم الذي بعده، أي صام ثلاثة أيام فكله طيب، وفيه مخالفة لأعداء الله اليهود.
أما تحري ليلة عاشوراء فهذا أمر ليس باللازم؛ لأنه نافلة ليس بالفريضة. فلا يلزم الدعوة إلى تحري الهلال؛ لأن المؤمن لو أخطأه فصام بعده يوماً وقبله يوماً لا يضره ذلك، وهو على أجر عظيم. ولهذا لا يجب الاعتناء بدخول الشهر من أجل ذلك؛ لأنه نافلة فقط.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- الجزء الخامس عشر ص (401) ](7/92)
صيام يوم السبت
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 2/3/1424هـ
السؤال
السلام عليكم، وبعد:
في كل عام تثار عندنا قضية صيام يوم السبت أجائز هو أم مكروه أم لا يجوز؟ فهذا للشيخ ناصر وهذا للشيخ ابن باز وهذا للشيخ ابن تيمية -رحمهم الله جميعاً- وجزاهم الله عنا خير الجزاء.
والسلام عليكم.
الجواب
يرى بعض الفقهاء كراهة صوم يوم السبت وحده، ما لم يوافق عادة أو يصم عن قضاء أو نذر ونحوه، ودليل ذلك ما ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم" رواه أحمد (17686) ، والترمذي (744) وغيرهما.
ويرى آخرون ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يكره صوم يوم السبت منفرداً؛ لأنه قد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصوم يوم السبت ويوم الأحد، ويقول:"إنهما يوما عيد للمشركين وأنا أريد أن أخالفهم" رواه النسائي في الكبرى (2788) ، وصححه ابن خزيمة (2167) ، وحملوا حديث النهي على الاضطراب والشذوذ أو أنه منسوخ ولعل هذا القول أصح، والمسألة بعد من مسائل الاجتهاد التي يسوغ فيها الخلاف، ولا يلزم أن يتفق الفقهاء فيها على حكم واحد، وبناء على هذا فلا ينبغي أن تكون هذه المسألة قضية تشغل فيها الأوقات وينشغل الناس بها عن الواجبات.(7/93)
صوم يوم السبت تطوعاً
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 7/10/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كما تعلمون - حفظكم الله - وافق هذا العام يوم التاسع من محرم 1415هـ يوم السبت، وكان يوم العاشر يوم الأحد حسب تقويم أم القرى، وعملاً بالحديث: "لئن عشت إلى قابل لأصومنَّ التاسع والعاشر" الحديث أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -، صمت يومي السبت والأحد.
ولكن أحد الإخوة اعترض على صيام يوم السبت، وقال: إن صيامه تطوعاً منهي عنه؛ لما ورد في الحديث وذكر معناه ولم يذكر نصه.
ولرغبتي في استجلاء الموضوع، وعملاً بقوله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" أرجو من سماحتكم إيضاح هذا الإشكال مع ذكر الحديث ومدى صحته، وما نصيحتكم حول هذا الموضوع؟ والله يحفظكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحديث المذكور معروف وموجود في بلوغ المرام في كتاب الصيام، وهو حديث ضعيف شاذ ومخالف للأحاديث الصحيحة، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده" ومعلوم أن اليوم الذي بعده هو يوم السبت، والحديث المذكور في الصحيحين. وكان - صلى الله عليه وسلم - يصوم يوم السبت ويوم الأحد ويقول: "إنهما يوما عيد للمشركين فأحب أن أخالفهم". والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، كلها تدل على جواز صوم يوم السبت تطوعاً. وفق الله الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ابن باز - رحمه الله تعالى - (15/412-413) ] .(7/94)
استئذان المرأة زوجها في صيام التطوع
المجيب د. صالح بن فوزان الفوزان
عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 7/10/1423هـ
السؤال
هل يلزم المرأة أن تأخذ إذناً من زوجها أثناء صيام التطوع وما حكم هذا الصيام؟
الجواب
نعم. لا يجوز للمرأة أن تصوم تطوعاً وزوجها شاهد إلا بإذنه لأن له عليها حق العشرة والاستمتاع فإذا صامت فإنها تمنعه من حقوقه، فلا يجوز لها ذلك ولا يصح صومها تنفلاً إلا بإذنه.
[المنتقى من فتوى الفوزان (4/73-74) ] .(7/95)
الأيام المنهي عن الصيام فيها
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 5/10/1423هـ
السؤال
ما هي الأيام التي يكره الصيام فيها؟
الجواب
الأيام التي ينهى عن الصيام فيها يوم الجمعة، حيث لا يجوز أن يصوم يوم الجمعة مفرداً يتطوع بذلك؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك.
وهكذا لا يفرد يوم السبت تطوعاً، لكن إذا صام الجمعة ومعها السبت أو معها الخميس فلا بأس، كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وكذلك ينهى عن صوم يوم عيد الفطر وذلك محرم. وكذلك يوم عيد النحر وأيام التشريق كلها لا تصام؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك، إلا أن أيام التشريق قد جاء ما يدل على جواز صومها عن هدي التمتع والقران خاصة لمن لم يستطع الهدي؛ لما ثبت في البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - وابن عمر - رضي الله عنهما - قالا: "لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي"، أما كونها تصام تطوعاً أو لأسباب أخرى فلا يجوز كيوم العيد؛ وهكذا يوم الثلاثين من شعبان إذا لم تثبت رؤية الهلال، فإنه يوم شك لا يجوز صومه في أصح قولي العلماء سواء كان صحواً أو غيماً؛ للأحاديث الصحيحة الدالة على النهي عن ذلك، والله ولي التوفيق.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ابن باز - رحمه الله تعالى - (15/407 - 408) ] .(7/96)
إفراد يوم الجمعة بالصيام
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 5/10/1423هـ
السؤال
هل يجوز صيام يوم الجمعة منفرداً قضاء؟
الجواب
صيام يوم الجمعة منفرداً نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان صومه لخصوصيته؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - دخل على امرأة من نسائه فوجدها صائمة يوم الجمعة؛ فقال: "أكنت صمت أمس؟ " قالت: لا، فقال: "أتريدين أن تصومي غداً؟ " قالت: لا، قال: "فأفطري"، وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده". لكن إذا صادف يوم الجمعة يوم عرفة فصامه المسلم وحده فلا بأس بذلك؛ لأن هذا الرجل صامه لأنه يوم عرفة لا لأنه يوم الجمعة، وكذلك لو كان عليه قضاء من رمضان ولا يتسنى له فراغ إلا يوم الجمعة فإنه لا حرج عليه أن يفرده؛ وذلك لأنه يوم فراغه، وكذلك لو صادف يوم الجمعة يوم عاشوراء فصامه فإنه لا حرج عليه أن يفرده؛ لأنه صامه لأنه يوم عاشوراء لا لأنه يوم الجمعة، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام"، فنص على التخصيص، أي على أن يفعل الإنسان ذلك لخصوص يوم الجمعة أو ليلتها.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ابن باز رحمه الله تعالى (15/414-415) ] .(7/97)
الصيام بنية التطوع والقضاء
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 5/10/1423هـ
السؤال
هل يجوز صيام التطوع بنيتين: نية قضاء ونية سنة؟ وما حكم الصوم بالنسبة للمسافر والمريض؟ إذا كانا قادرين على الصيام فهل يقبل منهما أم لا؟
الجواب
لا يجوز صيام التطوع بنيتين، نية القضاء ونية السنة، والأفضل للمسافر سفر قصر أن يفطر، ولكنه لو صام أجزأه، والأفضل لمن يشق عليه الصوم مشقة فادحة لمرضه أن يفطر، وإن علم أو غلب على ظنه أنه يصيبه ضرر أو هلاك بصومه وجب عليه الفطر؛ دفعاً للحرج والضرر، وعلى كل من المسافر والمريض قضاء صيام ما أفطره من أيام رمضان في أيام أخر، ولكنه لو صام مع الحرج أجزأه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد.
[فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/383) ] .(7/98)
حكم موالاة صيام الست
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 01/10/1425هـ
السؤال
هل صيام الأيام الستة يلزم بعد شهر رمضان عقب يوم العيد مباشرة أو يجوز بعد العيد بعدة أيام؟ على أن تصام متتالية في شهر شوال؟
الجواب
لا يلزمه أن يصومها بعد عيد الفطر مباشرة، بل يجوز أن يبدأ صومها بعد العيد بيوم أو أيام، وأن يصومها متتالية أو متفرقة في شهر شوال حسب ما يتيسر له، والأمر في ذلك واسع، وليست فريضة بل هي سنة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/391) ] .(7/99)
إفراد يوم الجمعة بالصيام
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 17/9/1424هـ
السؤال
أريد أن أصوم يوم الجمعة بمفرده عن يوم من أيام الست من شوال، هل هذا داخل في النهي؟ أفيدونا مأجورين.
الجواب
لا بأس بإفراد يوم الجمعة بصيام عن قضاء فريضة أو نذر أو صيام ست من شوال، لحديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:"لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" رواه مسلم (1144) وغيره.(7/100)
قضاء صوم النافلة
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 7/10/1423هـ
السؤال
أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وفي أحد الأشهر أصابني مرض فلم أصمها، فهل علي قضاء أو كفارة؟
الجواب
صوم النافلة لا يقضى ولو ترك اختياراً، إلا أن الأولى بالمسلم المداومة على ما كان يعمله من عمل صالح؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أحب الأعمال إلى الله ماداوم عليه صاحبه وإن قل" فلا قضاء عليك في ذلك، ولا كفارة، علماً أن ما تركه الإنسان من عمل صالح كان يعمله لمرض أو عجز أو سفر ونحو ذلك يكتب له أجره؛ لحديث: "إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً" رواه البخاري في صحيحه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/402-403) ] .(7/101)
أفضل الأيام للتطوع بالصيام
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 7/10/1423هـ
السؤال
ما خير الأيام لصيام التطوع وأفضل الشهور لإخراج الزكاة؟
الجواب
أفضل الأيام لصيام التطوع: الإثنين والخميس، وأيام البيض، وهي: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر، وعشر ذي الحجة، وخاصة يوم عرفة، والعاشر من شهر محرم، مع صيام يوم قبله أو يوم بعده، وستة أيام من شوال.
أما الزكاة فتخرج بعد تمام الحول إذا بلغ المال نصاباً في أي شهر.
وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/385) ] .(7/102)
حكم صيام الست من شوال
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 03/10/1425هـ
السؤال
هل هناك أفضلية لصيام ست من شوال؟ وهل تصام متفرقة أم متوالية؟
الجواب
نعم، هناك أفضلية لصيام ستة أيام من شهر شوال، كما جاء في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر" رواه مسلم في كتاب الصيام بشرح النووي (8/56) ، يعني: صيام سنة كاملة.
وينبغي أن يتنبه الإنسان إلى أن هذه الفضيلة لا تتحقق إلا إذا انتهى رمضان كله، ولهذا إذا كان على الإنسان قضاء من رمضان صامه أولاً ثم صام ستاً من شوال، وإن صام الأيام الستة من شوال ولم يقض ما عليه من رمضان فلا يحصل هذا الثواب سواء قلنا بصحة صوم التطوع قبل القضاء أم لم نقل، وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"من صام رمضان ثم أتبعه ... " والذي عليه قضاء من رمضان يقال صام بعض رمضان ولا يقال صام رمضان، ويجوز أن تكون متفرقة أو متتابعة، لكن التتابع أفضل؛ لما فيه من المبادرة إلى الخير وعدم الوقوع في التسويف الذي قد يؤدي إلى عدم الصيام.
[فتاوى ابن عثيمين -رحمه الله- كتاب الدعوة (1/52-53) ] .(7/103)
استئناف المتطوع للصوم بعد الظهر
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 19/5/1424هـ
السؤال
إنه في يوم الإثنين استيقظت عند صلاة الظهر، فهل يجوز أن أكمل اليوم وأصوم؟ مع العلم أنني لم تكن عندي نية الصيام في هذا اليوم، وشكراً.
الجواب
إذا كان الصوم نفلاً يجوز له أن ينويه من النهار، لما روى مسلم (1154) من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخل عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: "هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، قال: "فإني إذن صائم"، قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فإني إذن صائم" تعليل لهذا الحكم بعدم وجود شيء في البيت، وهذا الحديث مطلق لم يقيد بما قبل الزوال أو بعد الزوال، فيجوز أن ينوي صيام هذا اليوم قبل الزوال وكذلك بعد الزوال، إلا أن الأجر يحسب له من حين النية، فليس من نوى قبل الزوال كمن نوى بعد الزوال، وكذلك جاءت الآثار الكثيرة عن الصحابة - رضي الله عنهم - مثل ما جاء عن أبي الدرداء وعن أبي طلحة وعن أنس وعن حذيفة وعن ابن مسعود أنهم صاموا بنية من النهار، -رضي الله عنهم- أجمعين.(7/104)
توجيهات تتعلق بشهر شعبان
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 04/08/1425هـ
السؤال
ما حكم الصيام في شهر شعبان، وهل ليوم النصف منه وليلته مزية خاصة، وما حكم ما يقوم به بعض الناس من توزيع للأطعمة والهدايا في المنتصف منه؟.
الجواب
اخترنا لك أخي الكريم إجابة شاملة لسؤالك بإذن الله لفضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - فإليك ما قاله الشيخ - رحمه الله - في هذا الموضوع:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين المعتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فهذه كلمات يسيرة في أمور تتعلق بشهر شعبان.
الأمر الأول: في فضل صيامه.
ففي الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان» البخاري (1969) ، ومسلم (1156) . وفي البخاري (1970) في رواية: «كان يصوم شعبان كله» . وفي مسلم في رواية: «كان يصوم شعبان إلا قليلاً» . وروى الإمام أحمد (21753) ، والنسائي (2357) من حديث أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ قال: «لم يكن (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) يصوم من الشهر ما يصوم من شعبان» ، فقال له: لم أرك تصوم من الشهر ما تصوم من شعبان قال: «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين عز وجل فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» قال في الفروع (ص 120 ج 3 ط آل ثاني) : والإسناد جيد.
الأمر الثاني: في صيام يوم النصف منه.(7/105)
فقد ذكر ابن رجب - رحمه الله تعالى - في كتاب اللطائف (ص 341 ط دار إحياء الكتب العربية) أن في سنن ابن ماجة (1388) بإسناد ضعيف عن علي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر لي فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا، ألا كذا حتى يطلع الفجر» .
قلت: وهذا الحديث حكم عليه صاحب المنار بالوضع، حيث قال (ص 226 في المجلد الخامس من مجموع فتاويه) : والصواب أنه موضوع، فإن في إسناده أبا بكر بن عبد الله بن محمد، المعروف بابن أبي سبرة، قال فيه الإمام أحمد ويحيى بن معين: إنه كان يضع الحديث.
وبناء على ذلك فإن صيام يوم النصف من شعبان بخصوصه ليس بسنة، لأن الأحكام الشرعية لا تثبت بأخبار دائرة بين الضعف والوضع باتفاق علماء الحديث، اللهم إلا أن يكون ضعفها مما ينجبر بكثرة الطرق والشواهد، حتى يرتقي الخبر بها إلى درجة الحسن لغيره، فيعمل به إن لم يكن متنه منكراً أو شاذًّا.
وإذا لم يكن صومه سنة كان بدعة، لأن الصوم عبادة فإذا لم تثبت مشروعيته كان بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة» أخرجه مسلم (867) من حديث جابر – رضي الله عنه -.
الأمر الثالث: في فضل ليلة النصف منه.
وقد وردت فيه أخبار قال عنها ابن رجب في اللطائف بعد ذكر حديث علي السابق: إنه قد اختلف فيها، فضعفها الأكثرون، وصحح ابن حبان بعضها وخرجها في صحيحه. ومن أمثلتها حديث عائشة - رضي الله عنها - وفيه: "أن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب". خرجه الإمام أحمد (26018) والترمذي (739) وابن ماجة (1389) ، وذكر الترمذي أن البخاري ضعَّفه، ثم ذكر ابن رجب أحاديث بهذا المعنى وقال: وفي الباب أحاديث أخر فيها ضعف. اهـ(7/106)
وذكر الشوكاني أن في حديث عائشة المذكور ضعفاً وانقطاعاً.
وذكر الشيخ عبد العزيز بن باز ـ حفظه الله تعالى ـ أنه ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها، وقد حاول بعض المتأخرين أن يصححها لكثرة طرقها ولم يحصل على طائل، فإن الأحاديث الضعيفة إذا قدر أن ينجبر بعضها ببعض فإن أعلى مراتبها أن تصل إلى درجة الحسن لغيره، ولا يمكن أن تصل إلى درجة الصحيح كما هو معلوم من قواعد مصطلح الحديث.
الأمر الرابع: في قيام ليلة النصف من شعبان، وله ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: أن يصلى فيها ما يصليه في غيرها، مثل أن يكون له عادة في قيام الليل فيفعل في ليلة النصف ما يفعله في غيرها من غير أن يخصها بزيادة، معتقداً أن لذلك مزية فيها على غيرها، فهذا أمر لا بأس به، لأنه لم يحدث في دين الله ما ليس منه.
المرتبة الثانية: أن يصلى في هذه الليلة، أعني ليلة النصف من شعبان دون غيرها من الليالي، فهذا بدعة، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر به، ولا فعله هو ولا أصحابه.
وأما حديث علي ـ رضي الله عنه ـ الذي رواه ابن ماجة: «إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها» . فقد سبق عن ابن رجب أنه ضعَّفه، وأن محمد رشيد رضا قال: إنه موضوع، ومثل هذا لا يجوز إثبات حكم شرعي به، وما رخص فيه بعض أهل العلم من العمل بالخبر الضعيف في الفضائل، فإنه مشروط بشروط لا تتحقق في هذه المسألة، فإن من شروطه أن لا يكون الضعف شديداً، وهذا الخبر ضعفه شديد، فإن فيه من كان يضع الحديث، كما نقلناه عن محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى.(7/107)
الشرط الثاني: أن يكون وارداً فيما ثبت أصله، وذلك أنه إذا ثبت أصله ووردت فيه أحاديث ضعفها غير شديد كان في ذلك تنشيط للنفس على العمل به، رجاء للثواب المذكور دون القطع به، وهو إن ثبت كان كسباً للعامل، وإن لم يثبت لم يكن قد ضره بشيء لثبوت أصل طلب الفعل. ومن المعلوم أن الأمر بالصلاة ليلة النصف من شعبان لا يتحقق فيه هذا الشرط، إذ ليس لها أصل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره ابن رجب وغيره. قال ابن رجب في اللطائف (ص 541) : فكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه شيء. وقال الشيخ محمد رشيد رضا (ص 857 في المجلد الخامس) : إن الله تعالى لم يشرع للمؤمنين في كتابه ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولا في سنته عملاً خاصًّا بهذه الليلة اهـ.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: ما ورد في فضل الصلاة في تلك الليله فكله موضوع. اهـ
وغاية ما جاء في هذه الصلاة ما فعله بعض التابعين، كما قال ابن رجب في اللطائف (ص 441) : وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنهم بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك: فمنهم من قبله ووافقهم على تعظيمها، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز، وقالوا: ذلك كله بدعة. اهـ(7/108)
ولا ريب أن ما ذهب إليه علماء الحجاز هو الحق الذي لا ريب فيه، وذلك لأن الله تعالى يقول: "?لْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ?لإسْلاَمَ دِيناً" [المائدة:3] ولو كانت الصلاة في تلك الليلة من دين الله تعالى لبيَّنها الله تعالى في كتابه، أو بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله أو فعله، فلما لم يكن ذلك علم أنها ليست من دين الله، وما لم يكن منه فهو بدعة، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل بدعة ضلالة» .
المرتبة الثالثة: أن يصلى في تلك الليلة صلوات ذات عدد معلوم، يكرر كل عام، فهذه المرتبة أشد ابتداعاً من المرتبة الثانية وأبعد عن السنة. والأحاديث الواردة فيها أحاديث موضوعة، قال الشوكاني في الفوائد المجموعة (ص 15 ط ورثة الشيخ نصيف) : وقد رويت صلاة هذه الليلة، أعني ليلة النصف من شعبان على أنحاء مختلفة كلها باطلة وموضوعة.
الأمر الخامس: أنه اشتهر عند كثير من الناس أن ليلة النصف من شعبان يقدر فيها ما يكون في العام.
وهذا باطل، فإن الليلة التي يقدر فيها ما يكون في العام هي ليلة القدر، كما قال الله تعالى: "حم? * وَ?لْكِتَـ?بِ ?لْمُبِينِ * إِنَّآ أَنزَلْنَـ?هُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـ?رَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ?لسَّمِيعُ ?لْعَلِيمُ" [الدخان –6] وهذه الليلة التي أنزل فيها القرآن هي ليلة القدر، كما قال تعالى: "إِنَّا أَنزَلْنَـ?هُ فِى لَيْلَةِ ?لْقَدْرِ" وهي في رمضان، لأن الله تعالى أنزل القرآن فيه، قال تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ ?لَّذِى? أُنزِلَ فِيهِ ?لْقُرْآنُ" [البقرة:185] فمن زعم أن ليلة النصف من شعبان يقدر فيها ما يكون في العام، فقد خالف ما دل عليه القرآن في هذه الا?يات.(7/109)
الأمر السادس: أن بعض الناس يصنعون أطعمة في يوم النصف يوزعونها على الفقراء ويسمونها عشيات الوالدين.
وهذا أيضاً لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون تخصيص هذا اليوم به من البدع التي حذَّر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فيها: «كل بدعة ضلالة» .
وليعلم أن من ابتدع في دين الله ما ليس منه فإنه يقع في عدة محاذير منها:
المحذور الأول: أن فعله يتضمن تكذيب ما دل عليه قول الله عز وجل: "?لْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ " [المائدة:3] ، لأن هذا الذي أحدثه واعتقده ديناً لم يكن من الدين حين نزول الا?ية، فيكون الدين لم يكمل على مقتضى بدعته.
المحذور الثاني: أن ابتداعه يتضمن التقدم بين يدي الله ورسوله، حيث أدخل في دين الله تعالى ما ليس منه. والله سبحانه قد شرع الشرائع وحدّ الحدود وحذَّر من تعديها، ولا ريب أن من أحدث في الشريعة ما ليس منها فقد تقدم بين يدي الله ورسوله، وتعدى حدود الله، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون.
المحذور الثالث: أن ابتداعه يستلزم جعل نفسه شريكاً مع الله تعالى في الحكم بين عباده، كما قال الله تعالى: "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ?لدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ?للَّهُ" [الشورى:21] .
المحذور الرابع: أن ابتداعه يستلزم واحداً من أمرين، وهما: إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم جاهلاً بكون هذا العمل من الدين، وإما أن يكون عالماً بذلك ولكن كتمه، وكلاهما قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، أما الأول فقد رماه بالجهل بأحكام الشريعة، وأما الثاني فقد رماه بكتمان ما يعلمه من دين الله تعالى.
المحذور الخامس: أن ابتداعه يؤدي إلى تطاول الناس على شريعة الله تعالى، وإدخالهم فيها ما ليس منها، في العقيدة والقول والعمل، وهذا من أعظم العدوان الذي نهى الله عنه.(7/110)
المحذور السادس: أن ابتداعه يؤدي إلى تفريق الأمة وتشتيتها واتخاذ كل واحد أو طائفة منهجاً يسلكه ويتهم غيره بالقصور، أو التقصير، فتقع الأمة فيما نهى الله عنه بقوله: "وَلاَ تَكُونُواْ كَ?لَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَ?خْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ?لْبَيِّنَـ?تُ وَأُوْلَـ?ئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [آل عمران:105] ، وفيما حذر منه بقوله: "إِنَّ ?لَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ?للَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ" [الأنعام: 159] .
المحذور السابع: أن ابتداعه يؤدي إلى انشغاله ببدعته عما هو مشروع، فإنه ما ابتدع قوم بدعة إلا هدموا من الشرع ما يقابلها.
وإن فيما جاء في كتاب الله تعالى، أو صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم من الشريعة لكفاية لمن هداه الله تعالى إليه واستغنى به عن غيره، قال الله تعالى: "يَ?أَيُّهَا ?لنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مَّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِى ?لصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ ?للَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ". وقال الله تعالى: "فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ?تَّبَعَ هُدَاي فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى? " [طه:123] .
أسأل الله تعالى أن يهدينا وإخواننا المسلمين صراطه المستقيم، وأن يتولانا في الدنيا والا?خرة إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين.(7/111)
صيام يوم السبت إذا وافق يوم عرفة
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 5/12/1424هـ
السؤال
كثر السؤال حول موضوع صيام يوم عرفة وقد وافق يوم السبت هذا العام، ويستشكل بعضهم أنه ورد في صيام يوم السبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم".
أفتونا مأجورين، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
سئل فضيلة الشيخ/ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - عن هذا الحديث فإليك نص الجواب:
الحديث المذكور معروف وموجود في بلوغ المرام في كتاب الصيام، وهو حديث ضعيف شاذ ومخالف للأحاديث الصحيحة، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده" ومعلوم أن اليوم الذي بعده هو يوم السبت، والحديث المذكور في الصحيحين. انظر صحيح البخاري (1985) , وصحيح مسلم (1144) . وكان - صلى الله عليه وسلم - يصوم يوم السبت ويوم الأحد ويقول: "إنهما يوما عيد للمشركين فأحب أن أخالفهم". انظر مسند أحمد (26750) , وصحيح ابن حبان (3616) . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، كلها تدل على جواز صوم يوم السبت تطوعاً. وفق الله الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ابن باز - رحمه الله تعالى - (15/412-413) ] .(7/112)
صيام الأيام البيض
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 22/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل صح حديث في فضل صيام البيض، أم أن ما صح هو صيام ثلاثة أيام من كل شهر بدون تحديد؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لاريب أن الأصح هو ما ورد في صيام ثلاثة أيام من كل شهر من غير تحديد- كما ثبت ذلك في صحيح مسلم (1160) من حديث عائشة، رضي الله عنها.
ومع هذا فإن صيام الأيام البيض الأحاديث فيها جيدة، وأقواها حديث جرير عند النسائي (2420) ، ويقوي هذه الأحاديث ما عضدها من آثار صحاحٍ عن الصحابة، رضي الله عنهم، وعلى رأسهم الفاروق عمر، رضي الله عنه، فقد روى الحارث بن أبي أسامة في مسنده (340- بغية) بسند صحيح أن عمر، رضي الله عنه، كان يصوم الأيام البيض، ومثل هذا لا يفعله عمر، رضي الله عنه، إلا عن توقيف، والله أعلم. وإذا ضممنا إلى ذلك- على سبيل الاستئناس- ما أثبته الطب من أن الدم في الليالي القمرية يحصل له شيء من الحركة الزائدة، فإنه قد ثبت أن الصوم يضيق مجاري الدم، فبهذا تلتقي الجهتان: الطبية مع الشرعية. وهذا- كما قلت- يُذكر على سبيل الاستئناس، وإلا فالشرع لا يثبت بمثل هذه الآراء المجردة. وبالله التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(7/113)
ما لا يجوز صومه من الأيام
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/صيام التطوع
التاريخ 18/10/1426هـ
السؤال
ماهي الأيام التي لا يجوز صومها؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فجميع أيام السَنة محل لصيام النافلة إلا الأيام التالية:
1- يومي العيد، وهذا بالإجماع؛ لحديث عمر -رضي الله عنه- وغيره. صحيح البخاري (1864، 1990) ، وصحيح مسلم (1137، 1138) .
2- أيام التشريق، وهي اليوم (11، 12، 13) من شهر ذي الحجة، وهو قول جماهير العلماء - وهو الراجح-؛ لحديث ابن عمر وعائشة - رضي الله عنهم- صحيح البخاري (1998) .
ويستثنى من ذلك من لم يجد الهدي من الحجاج، فيجوز أن يصومها.
3- تخصيص يوم الجمعة بالصيام، على القول الراجح؛ لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في صحيح مسلم (1144) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم".
4- يوم الشك من شعبان، الذي يسبق رمضان؛ لحديث عمار في السنن، سنن أبي داود (2334) ، وجامع الترمذي (686) ، وسنن النسائي (2189) ، وسنن ابن ماجه (1645) .
ويلحق به تقدم رمضان بيوم أو يومين بقصد الاحتياط، فإن وافق صياماً يصومه الشخص فلا بأس.
وأما بقية الأيام فيجوز صومها، ومنها اليوم الثاني من شوال.(7/114)
كان يفطر في بعض أيام رمضان، فما يجب عليه؟
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 18/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
أنا الآن رجل تائب، وبما أننا في هذه الأيام المباركة وأردت أن أسأل سؤالاً أخذ حيرة شديدة في نفسي؛ ألا وهو: كنت في الأيام الخوالي من بداية فترة البلوغ لا أصوم بعض أيام رمضان والعياذ بالله، ولا أدري كم يوماً أفطرت، طبعاً كنت أفطر بدون أي عذر، وأعرف حكمه في الإسلام، ولكن ما سبيل النجاة جزاكم الله خيراً؟ وماذا علي أن أفعل وأنا الآن رجل تائب إلى الله سبحانه وتعالى؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله الذي وفَّقك للتوبة ونسأل الله لنا ولك الثبات.
إذا كنت تفطر متعمداً من غير عذر فهذا محل خلاف بين أهل العلم، فقيل إن من أفطر متعمداً بدون عذر فعليه التوبة فقط دون القضاء، لأن عمله من الكبائر فالقضاء لا يكون مقبولاً منه، فعليه كما سبق التوبة والإكثار من الأعمال الصالحة.
وقال بعض العلماء بل عليه القضاء مع التوبة لعموم الأدلة على وجوب القضاء.
وإذا أردت أن تحتاط وتصوم القضاء ولا تدري كم يوماً أفطرت، فإنك تجتهد وتتحرى في عدد تلك الأيام ثم تصوم عدد الأيام التي ترجح عندك ترك صومها، ولا شيء عليك بعد ذلك، والله أعلم.(7/115)
إفطار المسافر إذا قدم صائماً
المجيب د. محمد العروسي عبد القادر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 21/10/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، وبعد: سؤالي هو: شخص كان مسافرا لمدة ثلاثة أيام وأثناء عودته (أثناء الطريق تناول السحور قبل ما يقارب 400 كيلو من مدينته التي يقيم فيها) وكان ينوي الصيام في اليوم التالي، ولكنه تأخر في الطريق ولم يصل إلى منزله إلا قرابة الساعة التاسعة صباحا وكان الطريق متعبا له جدا ومرهقاً حيث لم ينم وعند وصوله إلى بيته استقبلته زوجته وبعد الحديث والاطمئنان على الأولاد قام بجماع المرأة بحجة أنه مفطر لأنه كان مسافراً وأكمل ذلك اليوم بعد الجماع.
افيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آله وسلم تسليماً، أما بعد:
فإن من كان به عذر يبيح له الفطر في رمضان كمسافر أو مريض ثم زال العذر أثناء النهار، كأن يصح المريض ويقدم المسافر ففيهما لأهل العلم قولان:
فالشافعي ومالك يقولان: لا يلزمه الإمساك.
وقالت الحنفية ورواية عند الحنابلة: يلزمه الإمساك.(7/116)
فإن كان أحد الزوجين من أحد هؤلاء والآخر لا عذر له ثم حصل جماع فلكل واحد حكم نفسه، فإن قلنا يلزمه الإمساك، فعليه وعلى الزوجة الكفارة صيام شهرين أو إطعام ستين مسكيناً، وإن كان أحدهما من أحد هؤلاء والآخر لا عذر له فلكل واحد حكم نفسه والسائل لا يدخل في هذا الحكم، فإنه لم يكن مفطراً ثم زال عذره بل أصبح صائماً ووصل مقر إقامته وهو صائم فلا يجوز له الفطر، وإن شعر بتعب فإن الذي يبيح له الفطر هو الخوف من المرض أو زيادته، وأما مجامعته لزوجه في رمضان فتجب فيها الكفارة: صيام شهرين أو إطعام ستين مسكيناً.
وقد أخطأ في إفساد صيام زوجه فيتوب إلى الله ويستغفر الله، وعليها الكفارة لأنها مطاوعة له -ولو كان مكرهاً لها- كانت كفارتها عليه، والله أعلم.(7/117)
صحة حديث " أفطر عندكم الصائمون ... "
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 25/9/1422
السؤال
نرجو منكم بيان درجة حديث:" أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة "
الجواب
أحاديث الدعاء لمن أفطر عنده:
ورد في ذلك عدة أحاديث منها:
ما رواه أبو داود 4/189 في كتاب الأطعمة، باب ما جاء في الدعاء لرب الطعام إذا أكل عنده ح (3854) : حدثنا مخلد بن خالد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ثابت، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت، فأكل، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة ".
تخريجه:
*أخرجه أحمد 3/138، والطبراني في " الدعاء " 2/1332 ح (924) عن إسحاق الدبري، والبيهقي في " الآداب " (110) ح (329) من طريق أحمد بن منصور، ثلاثتهم (أحمد، والدبري، وابن منصور) عن عبد الرزاق [وهو في المصنف 4/311ح (7907) ] به بنحوه ولفظ عبد الرزاق في المصنف: " وتنزلت عليكم الملائكة " بدلاً من " وصلت عليكم الملائكة " إلاّ أن أحمد قال في روايته: عن أنس أو غيره بالشك، وفي أول حديثه قصة عيادة النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن عبادة، وقال في حديثه: [فجاء سعد بزبيب] .(7/118)
*وأخرجه الترمذي 5/55 في الاستئذان، باب ما جاء في التسليم على الصبيان ح (2696) ، والنسائي في الكبرى 5/92 في المناقب، باب أبناء الأنصار رضي الله عنهم ح (8349) عن قتيبة بن سعيد، والبزار - كشف - 2/420 ح (2007) ، والبيهقي في " الكبرى " 7/287 من طريق محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، كلاهما (قتيبة، وابن أبي الشوارب) عن جعفر بن سليمان الضبعي، عن ثابت به لكن لم يذكر قتيبة في حديثه سوى قصة سلام النبي صلى الله عليه وسلم على أبناء الأنصار، وفي حديث ابن أبي الشوارب قصة في أوله، وكلاهما رواه عن جعفر، عن ثابت، عن أنس بدون شك.
*وأخرجه النسائي في الكبرى (عمل اليوم والليلة) 6/81-82 باب ما يقول إذا أفطر عند أهل بيت ح (10128 - 10130) من طريق معاذ بن هشام، وخالد ابن الحارث، وعبد الله بن المبارك، وأحمد 3/102، والدارمي 1/451 ح (1721) عن يزيد بن هارون، وأحمد في 3/118 عن وكيع، وإسحاق الأزرق، والبيهقي في " الكبرى " 4/240 من طريق مسلم بن إبراهيم، سبعتهم (معاذ، وخالد، وابن المبارك، ويزيد، ووكيع، وإسحاق، ومسلم) عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير،
والطبراني في " الدعاء "2/1233 ح (925) من طريق إبراهيم بن المستمر، عن شعيب بن بيان، عن عمران بن القطان، عن قتادة، كلاهما (يحيى، وقتادة) عن أنس بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر عند قوم قال: " أفطر … " فذكره، إلاّ أن ابن المبارك لم يذكر في حديثه قوله: " وصلت عليكم الملائكة "،وهي في حديث يزيد، ومسلم، ووكيع، والأزرق، ومعاذ بن هشام: (وتنزلت عليكم الملائكة) .
الحكم عليه:(7/119)
إسناد أبي داود متصل ورجاله ثقات، لكن هذا الحديث من رواية معمر عن ثابت وهي منتقدة عند الأئمة، فقد قال علي بن المديني: وفي أحاديث معمر عن ثابت أحاديث غرائب ومنكرة، وذكر - أي ابن المديني - أنها تشبه أحاديث أبان بن أبي عياش، وقال يحيى بن معين: حديث معمر عن ثابت مضطرب كثير الأوهام، وقال العقيلي: أنكرهم رواية عن ثابت: معمر، كما في شرح العلل 2/691،وينظر 2/804.
وقد توبع معمر من قبل جعفر بن سليمان الضبعي، وهو صدوق زاهد، لكنه يتشيع، كما في التقريب (140) ، إلاّ أن في روايته عن ثابت أيضاً كلام، فقد قال ابن المديني: أكثر عن ثابت، وكتب مراسيل، وفيها أحاديث مناكير، عن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الأزدي: كان فيه تحامل على بعض السلف، وكان لا يكذب في الحديث ويؤخذ عنه الزهد والرقائق، وأما الحديث فعامة حديثه عن ثابت وغيره فيها نظر، ومنكر "اهـ، من تهذيب التهذيب 2/86-87.
وقد صحح النووي هذا الحديث - بإسناد أبي داود - في " الأذكار "، لكن تعقبه الحافظ ابن حجر - كما في الفتوحات الربانية 4/343 - حيث قال:
" وفي وصف الشيخ هذا الإسناد بالصحة نظر؛ لأن معمراً وإن احتج به الشيخان فروايته عن ثابت بخصوصه مقدوح فيها - ثم ذكر كلام بعض الأئمة في رواية معمر عن ثابت، ثم قال ـ: وفي هذا السند مع ذلك علة أخرى، وهي التردد بين أنس وغيره عند الإمام أحمد، لاحتمال أن يكون ذلك الغير غير صحابي … ولو وصف الشيخ المتن بالصحة لكان أولى، لأن له طرقاً يقوي بعضها بعضاً " اهـ.
وما ذكره الحافظ من الاحتمال، زال برواية الذين جزموا ممن تابعوا الإمام أحمد عن عبد الرزاق، وبرواية جعفر الضبعي أيضاً، فقد جزم فيها بأنه أنس، والله أعلم.(7/120)
أما طريق يحيى بن أبي كثير: فهي منقطعة، فإن يحيى لم يسمع هذا الحديث من أنس كما نصّ عليه أبو زرعة الرازي، كما في المراسيل لابن أبي حاتم (243) ،وقال:" إن المرفوع في طريق يحيى هذا وهم، والصواب المرسل " اهـ. وقال النسائي - في سننه الكبرى 6/82 -: " يحيى بن أبي كثير لم يسمعه من أنس " اهـ.، وكذا البيهقي في الكبرى 4/240، قال بنحو مما قاله النسائي، وزاد:" وإنما سمعه عن رجلٍ من أهل البصرة، يقال له: عمرو بن زنيب، ويقال: ابن زبيب عن أنس " اهـ.
وعمرو هذا له ترجمة في التاريخ الكبير 6/332، والجرح والتعديل 6/233،وذكره ابن حبان في " الثقات " 5/174، وذكره ابن حجر في " التعجيل " 2/63،وهو إلى المجاهيل أقرب، ولذلك لما أورد الهيثمي حديثاً من طريقه في " المجمع " 5/225 قال " فيه عمرو بن زنيب، لم أعرفه " اهـ.
وأما طريق قتادة: فقد رواها عنه عمران القطان، وهو صدوق يهم، كما في التقريب (429) ،وعن عمران: شعيب بن بيان، قال الجوزجاني: له مناكير، وقال العقيلي: يحدث عن الثقات بالمناكير، وكان يغلب على حديثه الوهم - كما في تهذيب التهذيب 4/317 -، وعن شعيب: إبراهيم بن المستمر، قال عنه النسائي مرة: صدوق، وقال مرةً: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات " وقال:"ربما أغرب " كما في تهذيب التهذيب 1/148 -.
وبهذا يتبين أن هذه المتابعة لا تفيد شيئاً، لما يلي:
1 - تسلسل الإسناد بمن وصفوا بالإغراب والخطأ.
2 - تفرد عمران القطان - حسب البحث - إذ لم أقف على متابع له عن قتادة، وهذا التفرد يدل على نكارة الإسناد.
3 - عنعنة قتادة، ولم أقف على طريق صرّح فيه بالسماع.
والمقصود أن حديث أنس، طرقه كلها فيها ضعف، وبعضها شديد الضعف.
وفي الباب عن جماعة من الصحابة، ومنهم:(7/121)
1 - عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر عند قوم قال: " أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وتنزلت عليكم الملائكة ".
أخرجه الطبراني في " الدعاء " 2/1233 ح (926) ، وفي إسناده الوليد بن مسلم، وهو وإن كان ثقة، إلاّ أنه يدلِّس كثيراً تدليس التسوية، وتدليس الشيوخ، وفيه أيضاً: سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، وهو " صدوق يخطئ " وهذا الذي وصفه به الحافظ في التقريب (253) ، هو خلاصة ما قاله الأئمة فيه، كما في ترجمته في تهذيب التهذيب 4/187.
2 - عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما:
أخرجه ابن ماجه 1/556 باب في ثواب من فطر صائماً ح (1747) ،وابن حبان 12/107 ح (5296) من طريق مصعب بن ثابت، عن عبد الله بن الزبير صلى الله عليه وسلم قال: " أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد بن معاذ فقال: "أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار، وصلَّت عليكم الملائكة".
والحديث مداره على مصعب بن ثابت، وهو ضعيف، وبه ضعَّفه البوصيري في "المصباح" 1/309، وفي الحديث علة أخرى، وهي الانقطاع بين مصعب وجدِّه عبد الله، فقد ذكر المزي في ترجمته 28/19 أن روايته عن جده مرسلة، ووافقه على ذلك أبو زرعة العراقي في كتابه "تحفة التحصيل" (305) ،ومع ذلك فقد صححه ابن حبان، فلعله صححه لشواهده الكثيرة التي تقدم ذكر بعضها، والله أعلم.(7/122)
صحة حديث "من أفطر يوماً من رمضان ... "
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 27/9/1422
السؤال
ما صحة حديث: "من أفطر يوماً من رمضان لم يجزه صيام الدهر، وإن صامه "؟
الجواب
هذا حديث رواه أبو داود ـ وغيره كما سأبين ـ في 2/788، باب التغليظ فيمن أفطر عمداً، ح (2396، 2397) حدثنا سلميان بن حرب، قال: حدثنا شعبة / ح / وحدثنا محمد بن كثير، قال: أخبرنا شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عمارة بن عمير، عن ابن مطوس، عن أبيه ـ قال ابن كثير: عن أبي المطوس عن أبيه ـ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله له، لم يقض عنه صيام الدهر "حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، حدثني حبيب، عن عمارة، عن ابن المطوس، قال: فلقيت ابن المطوّس، فحدثني، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل حديث ابن كثير وسليمان. قال أبو داود: واختلف على سفيان وشعبة عنهما: ابن المطوّس، وأبو المطوّس.
تخريجه:(7/123)
*أخرجه النسائي في: الكبرى " 2/245 ح (3282) وأحمد 2/380، وابن خزيمة 3/238 ح (1987) من طريق محمد بن جعفر المعروف بغندر، وأبو داود الطيالسي في مسنده ص (331) ـ ومن طريقه: النسائي في " الكبرى " 2/245 ح (3283) ، وابن خزيمة 3/238 ح (1988) ـ، والنسائي في " الكبرى " 2/245 ح (3282) من طريق ابن علية، وأحمد 2/386،وفي 2/458 عن بهز بن أسد، على أنه قرنه في الموضع الثاني بغندر، والدارمي 1/436ح (1667) عن أبي الوليد الطيالسي (هشام بن عبد الملك) ، وابن خزيمة 2/238 ح (1987) من طريق خالد بن الحارث، وابن أبي عدي، والطحاوي في " شرح المشكل " 4/179 من طريق سعيد بن عامر، ثمانيتهم (غندر، وأبو داود، وابن علية، وبهز، وأبو الوليد، وخالد، وابن أبي عدي، وسعيد بن عامر) عن شعبة به بنحوه، إلاّ أن بعضهم قال: عن ابن المطوس، وبعضهم قال: عن أبي المطوس، وفي حديث أبي داود الطيالسي قال حبيب: وقد رأيت أبا المطوس، وفي حديث سعيد بن عامر، لم يذكر عمارة بن عمير بين حبيب وأبي المطوس.
*وأخرجه الترمذي 3/101، باب ما جاء في الإفطار عمداً ح (723) ، والنسائي في "
الكبرى " 2/245 ح (3279) ، كلاهما عن محمد بن بشار (بندار) ، وأحمد 2/470 ـ ومن طريقه أبو داود 2/788 ح (2397) ـ كلاهما (بندار، وأحمد) عن ابن مهدي، ويحيى القطان، إلا أن أبا داود لم يخرج حديث ابن مهدي.(7/124)
والنسائي في " الكبرى " 2/244، ح (3278) ، وأحمد 2/470، من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، والنسائي 2/245 ح (3280) من طريق عبد الرزاق [وهوفي مصنفه 4/198 ح (7474) ] ،وأبي داود الطيالسي، وابن أبي شيبة 2/348 ح (9783) ـ وعنه ابن ماجه 1/535، باب ماجاء في كفارة من أفطر يوماً من رمضان ح (1672) ـ، وابن ماجه 1/535 ح (1672) عن علي بن محمد، وأحمد 2/442، ثلاثتهم (ابن أبي شيبة، وعلي، وأحمد) عن وكيع، وأحمد 2/470 عن يزيد بن هارون، والدارمي 1/435 ح (1666) عن محمد بن يوسف الفريابي، ثمانيتهم (ابن مهدي، والقطان، ابو نعيم، وعبد الرزاق، والطيالسي، ووكيع، ويزيد، والفريابي) عن سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت به بنحوه، إلاّ أن وكيعاً، ويزيد بن هارون، وعبد الرزاق، وأبا داود الطيالسي، وابن مهدي، والقطان - فيما رواه عنهما بندار - كلهم لم يذكروا عمارة بن عمير بين حبيب، وأبي المطوس، وبعضهم قال: أبو المطوّس، وبعضهم قال: ابن المطوّس.
*وعلقه البخاري 2/40 باب إذا جامع في رمضان، وقال: ويُذكر عن أبي هريرة رفعه…فذكر نحوه.
*وأخرجه النسائي في " الكبرى، 2/246 ح (3284) عن هلال بن العلاء، عن أبيه، عن عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن علي ابن الحسين، عن أبي هريرة: أن رجلاً أفطر في شهر رمضان، فأتى أبا هريرة فقال: لا يقبل منه صوم سنة.
*وأخرجه النسائي في " الكبرى " 2/246 () ح (3285) من طريق شريك عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة موقوفاً بلفظ:" من أفطر يوما من رمضان لم يقضه يوم من أيام الدنيا ".
الحكم عليه:(7/125)
إسناد أبي داود رجاله ثقات، سوى ابن المطوّس، أو أبو المطوس: هو يزيد، وقيل عبد الله بن المطوس وثقه ابن معين، وقال أحمد: لا أعرفه، ولا أعرف حديثه عن غيره، وقال البخاري: لا أعرف له غير حديث الصيام، ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا؟ ،وقال ابن حبان: يروي عن أبيه مالا يتابع عليه، لا يجوز الاحتجاج بأفراده، علق ابن حجر - معلقاً على كلام ابن حبان -:"وإذا لم يكن له إلاّ هذا الحديث فلا معنى لهذا الكلام ".
قال الذهبي: "وثق"،وفي "الميزان": "لا يعرف لا هو ولا أبوه"،وقال ابن حجر: "لين لحديث ".
ينظر: الميزان 4/574، الكاشف 1/461، تهذيب التهذيب 12/214، التقريب / 674.
وأما أبوه فمجهول، ينظر: الميزان 4/574، التقريب / 535.
وقد ضعّف حديث الباب جماعة ومنهم:
1 - ابن خزيمة في " صحيحه "، حيث قال: " إن صح الخبر، فإني لا أعرف ابن المطوّس ولا أباه "، وبه يتبين أن نسبة ابن خزيمة إلى تصحيح هذا الخبر فيه نظر، كما فعل العيني في " العمدة " 11/23.
2 - البيهقي، حيث قال في "المعرفة" 6/268:"ولم يثبت في الكفارة بالفطر بغير الجماع
حديث"اهـ.
3 - ابن عبد البر في " التمهيد " 7/173، حيث قال: " وهو حديث ضعيف لا يحتج به " اهـ.
وقد أعل الخبر بعدة علل غير ما تقدم، وهي كما يلي:
1 - الشك في سماع المطوّس من أبي هريرة، كما قاله البخاري، وقد نقلت كلامه قريباً.
2 - التفرد بالحديث من أبي المطوس، كما ذكر ذلك كلٌ من الإمام أحمد - فيما نقله العيني في " العمدة " 11/23 -،وكذلك أعله بالتفرد الإمام البخاري - فيما نقله أبو عيسى الترمذي في " العلل الكبير "ص (116) ح (199) - وكذلك أعله بالتفرد أبو علي
الطوسي، نقله عنه العيني أيضاً، وكذلك أعله الذهبي بالتفرد كما في (الميزان 4/574)(7/126)
3 - الانقطاع بين حبيب وأبي المطوس، وأنه رآه فقط ولم يسمعه، كما ذكر الإمام شعبة - فيما نقله الدارقطني في العلل 8/267 ـ.
وأجيب عن هذه العلة بأن حبيباً صرّح بالتحديث عند الإمام أحمد في المسند 2/470.
4 - الاختلاف الكثير في إسناده، كما أعله بذلك جماعة ومنهم:
أ-الإمام أحمد كما يفهم من رواية مهنا الذي سأل الإمام أحمد عن هذا الحديث؟ فذكر
الاختلاف في سنده، ثم قال: لا أعرف المطوس …، كما في " العمدة " للعيني 11/23.
ب- ابن حجر في " الفتح " 4/191 ح (1935) .وأجيب أن الاختلاف قد وقع في إسناده إلاّ أن الأوجه ليست متكافئة فقد رجح الإمام أبو حاتم الرازي - كما في العلل لابنه 1/245 - طريق الثوري عن حبيب، وكذا الدارقطني
في " العلل " 8/269، حيث قال: " وأضبطهم للإسناد يحيى القطان ومن تابعه عن الثوري " اهـ.
إلاّ أنه ومع ذلك، فكون الإسناد متحد المخرج، على جهالة في راوايه، ويقع فيه هذاالاضطراب، فإن هذا مما يزيد القدح في الخبر، والله أعلم.
5-أنه روي موقوفاً على أبي هريرة رضي الله عنه، كما تقدم في التخريج.
وأجيب بأن هذه العلة غير قادحة لأن الوجه الموقوف - الذي سبق تخريجه عن النسائي -
لا يثبت، وبيان ذلك كما يلي:
أما الوجه الذي رواه النسائي عن هلال بن العلاء، عن أبيه، عن عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن حبيب، عن علي بن الحسين، عن أي هريرة، فقد أعله أبو حاتم الرازي - كما في العلل لابنه 1/254 - بقوله: " إنما هو حبيب، عن عمارة بن عمير، عن أبي المطوس، عن أبي هريرة عن النبي-صلى الله عليه وسلم-… فذكره ".
وكلامه رحمه الله فيه إعلال لهذا الوجه من وجهين:
الأول: تدليس حبيب.
الثاني: أن المحفوظ عن حبيب إنما هو رواية الجماعة ـ يعني حديث سفيان، وشعبة ـ.
ويمكن أن يعلّ هذا الوجه أيضاً بعلة ثالثة وهي:(7/127)
أن فيه العلاء بن هلال، قال عنه أبو حاتم: منكر الحديث، ضعيف الحديث، عنده عن يزيد بن زريع أحاديث موضوعة. وقال النسائي: هلال بن العلاء بن هلال، روى عن أبيه غير حديث منكر، فلا أدري منه أتى، أو من أبيه كما في تهذيب الكمال 22/545، وعليه فلعل الخطأ في هذا الإسناد من العلاء، والله أعلم.
أما الوجه الثاني، وهو الذي رواه شريك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، ففيه تفرد شريك ومن بعده - حسب ما وقفت عليه - ومع ذلك، فهو أقوى إسناداً من الإسناد المرفوع.
وكلمة البيهقي المتقدمة وهي أنه لا يثبت في الكفارة بالفطر غير الجماع حديث، تدل على أنه لا حاجة لجمع الشواهد المرفوعة، وقد ذكر جملة منها، العيني في " عمدة القاري " 11/23، وقد تكلم عليها، وكلها من رواية المجاهيل والمتروكين والضعفاء.(7/128)
صحة حديث " إذا سمع أحدكم النداء، والإناء على يده ... "
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 28/9/1422
السؤال
ما صحة حديث " إذا سمع أحدكم النداء، والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه "؟
الجواب
رواه أبو داود ـ وغيره كما سيأتي ـ في 2/761، باب في الرجل يسمع النداء والإناء
على يده ح (2350) فقال: حدثنا عبد الأعلى بن حماد، حدثنا حماد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - 61556; قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- 61541;: "إذا سمع أحدكم النداء، والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه ".
تخريجه:
*أخرجه الدارقطني 2/128 ح (2162) من طريق أبي داود.
*وأخرجه الحاكم 1/426 من طريق الحسن بن سفيان، عن عبد الأعلى بن حماد به بلفظه.
*وأخرجه أحمد 2/510،وفي 4/423، والحاكم 1/203،205 من طرق عن حماد بن سلمة به بلفظه.
*وأخرجه أحمد 2/510، وابن جرير 2/175 عن أحمد بن إسحاق الأهوازي، والبيهقي 4/218 من طريق أحمد بن عبيد الله النرسي، ومحمد بن أحمد الرياحي، (أحمد، والأهوازي، والنرسي، والرياحي) عن روح بن عبادة، عن حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظه، لكن زاد أحمد، والأهوازي، والرياحي في حديثهم: " وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر ".
*وعلقه ابن حزم في المحلى 6/233 عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن أبي رافع أو غيره،
عن أبي هريرة موقوفاً بلفظ:" أنه سمع النداء، والإناء على يده، فقال: أحرزتها ورب الكعبة ".
*وأخرجه أحمد 2/423 عن غسان بن الربيع البصري، عن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد، عن الحسن مرسلاً بلفظه.
الحكم عليه:
إسناد أبي داود متصل ورجاله ثقات، سوى محمد بن عمرو، فإنه صدوق له أوهام.(7/129)
وحديث الباب صححه الحاكم، وجوّد إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة 1/52.
وقال أبو حاتم الرازي - كما في العلل لابنه 1/123-124، 256-257 عن طريق حماد عن محمد بن عمرو: " ليس بصحيح "، ولم يبين أبو حاتم سبب ذلك، وهناك أسباب يمكن أن يعزى إليها عدم تصحيحه للحديث وهي:
1 - تفرد حماد عن محمد بن عمرو بن علقمة بالحديث.
2 - رواية الحديث عن حماد على أوجه مختلفة وهي أربعة - كما تقدم في التخريج.
3 - خطأ حماد في الإسناد الآخر، وهو روايته عن عمار بن أبي عمار، قال أبو حاتم:
" أما حديث عمار فعن أبي هريرة موقوف، وعمار ثقة " اهـ.
فهذه إشارة من أبي حاتم إلى وهم حماد في رفعه - والله أعلم - ويؤيد هذا أن حماداً
قد اختلف عليه - كما تقدم - فكأنه لم يضبط هذا الحديث.
وأما قول شعبة: كان حماد يفيدني عن عمار بن أبي عمار، وقول ابن المديني: هو أعلم
الناس بثابت، وعمار بن أبي عمار - كما في السير 7/445،446 - فلا ينافى ما ذهب إليه أبو حاتم من تعليل الوجه المرفوع، إذ يحمل ثناء شعبة وابن المديني عليه على العموم
، وكلام أبي حاتم مستثنى من هذا العموم ليتم الجمع بين أقوال الأئمة ما دام ذلك ممكناً.
هذا، وقد جاء معنى هذا الحديث عن جماعة من الصحابة ومنهم:
1 - جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:
أخرجه أحمد 3/348 من طريق ابن لهيعة، عن أبي الزبير قال: سألت جابراً عن الرجل يريد الصيام، والإناء على يده ليشرب منه، فيسمع النداء؟ قال جابر: كنا نتحدث أن
النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ليشرب ".
وهذا إسناد ضعيف من أجل ابن الهيعة، وقد تقدم الكلام عليه مراراً، ولم أقف على من
تابعه.
2 - بلال بن رباح رضي الله عنه:
أخرجه أحمد 6/12 وغيره من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الله بن معقل المزني،(7/130)
وفي 6/13 من طريق شداد مولى عياض بن عامر، كلاهما (عبد الله، وشداد) عن بلال ـ رضي الله عنه - " أنه جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤذنه بالصلاة، فوجده يتسحر في مسجد بيته " هذا لفظ حديث شداد.
وإسنادا الإمام أحمد فيهما ضعف، أما الطريق الأول، ففيه عنعنة أبي إسحاق وهو مدلس
، ولم أقف له على طريق صرّح بالسماع، وأيضاً فلم أقف على ما يبين إداراك عبد الله
بن معقل لبلال.
وأما الطريق الثاني فهو منقطع، لأن شداداً لم يدرك بلالاً، كما قال أبو داود وغيره
،وهو أيضاً لا يعرف، كما نقله ابن حجر عن الذهبي في تهذيب التهذيب 4/291.
ولذا قال الحافظ في التقريب /264: " مقبول، يرسل ".
وقصة بلال هذه جاءت من مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، حيث قال: كان علقمة بن علاثة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: " رويداً يا بلال، يتسحر علقمة، وهو يتسحر برأس ".
أخرجه الطيالسي ص (258) ،والطبراني في " الكبير " كما في المجمع 3/153- وفي سنده
قيس بن الربيع، قال عنه الحافظ في التقريب (457) :"صدوق تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدّث به ".
3 - أنس بن مالك -رضي الله عنه-:
أخرجه البزار 1/467 ح (983) كشف - من طريق مطيع بن راشد، عن توبة العنبري أنه سمع
أنس به مالك يقول، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " انظر مَنْ في المسجد فادعه، فدخلت ـ
يعني المسجد - فإذا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فدعوتهما، فأتيته بشيء فوضعته
بين يديه، فأكل وأكلوا، ثم خرجوا، فصلّى بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الغداة ".(7/131)
قال البزار: " لا نعلم أسند توبة عن أنس إلاّ هذا وحديثاً آخر، ولا رواهما عنه إلاّ مطيع " اهـ. ومطيع بن راشد لا يعرف، كما قال الذهبي في الميزان 4/130، وفي التقريب (535) " مقبول "، وهو على ضعفه تفرد به عن توبة العنبري.
4 - أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه:
أخرجه ابن جرير 2/175 من طريق الحسين بن واقد، عن أبي غالب، عن أبي أمامة قال: أقيمت الصلاة والإناء في يد عمر، قال: أشربها يا رسول الله؟ قال: نعم، فشربها ".
وفي إسناده الحسين بن واقد، وقد ترجمته في الحديث الأول، وأن الإمام أحمد قد استنكر
بعض حديثه، وهو ممن يدلس كما وصفه بذلك الدارقطني والخليلي، وقد عنعن في هذا
الإسناد.
وأبو غالب صاحب أبي أمامة، ضعّفه ابن سعد، وأبو حاتم، والنسائي، وابن حبان، ووثقه
الدارقطني، وقال ابن معين: صالح الحديث كما في تهذيب الكمال 34/170،وقد لخص ابن حجر هذه الأقوال بقوله في التقريب (664) : " صدوق يخطيء ".
وفي الباب آثار عن جماعة من الصحابة، ذكر جملة منها ابن أبي شيببة في المصنف 2/276
- 278،وابن حزم في المحلى: 6/232 - 233،وابن حجر في فتح الباري 4/161 ح (1917)
، 4/162 ح (1918) ، والله أعلم.(7/132)
صحة حديث " نعم سحور المؤمن التمر"
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 17/9/1422
السؤال
ما صحة حديث: " نعم سحور المؤمن التمر"؟
الجواب
حديث " نعم سحور المؤمن التمر"
أخرجه أبو داود ـ كما سيأتي ـ في (2/758) ،باب من سمى السحور الغداء، ح (2345) :
من طريق محمد بن موسى، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " نعم سحور المؤمن التمر ".
ومدار الحديث على محمد بن موسى الفطري، وثّقه أحمد بن صالح المصري، والترمذي، وذكره ابن حبان في (الثقات) ، وقال البخاري: "لا بأس به مقارب الحديث"، وقال أبو حاتم: "صدوق صالح الحديث، كان يتشيع"، وقال الطحاوي: محمود في روايته، وقد لخص الحافظ هذه الأقوال بقوله " صدوق، رمي بالتشيع ".
ينظر: (علل الترمذي الكبير 32) ح (17) ، (تهذيب الكمال 26/523) ، (تهذيب التهذيب 9/413) ، (التقريب / 509) .
تخريجه:
*أخرجه (ابن حبان 8/253) ح (3475) ،و (البيهقي 4/236) من طرق عن محمد بن موسى به بلفظه.
الحكم عليه:
سنده حسن -إن شاء الله-،لما في محمد بن موسى الفطري، والحديث صححه ابن حبان. والله أعلم.
وفي الباب أحاديث عن جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم-، ومنها:
1 - جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ:
أخرجه (البزار 1/465) ح (978) - كشف -، وابن عدي في (الكامل 3/229) ، وأبو نعيم في (الحلية 3/350) ، من طريق زمعة بن صالح، عن عمرو بن دينار عن جابر مرفوعاً بنحوه.
وقال البزار: "لا نعلمه عن جابر إلا بهذا الإسناد"، وقال أبو نعيم: "غريب من حديث عمرو، تفرد به عنه زمعة".اهـ.
وزمعة بن صالح هذا: " ضعيف، وحديثه عند مسلم مقرون " كما في (التقريب 217) .
2 - عقبة بن عامر -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ حفنة من تمر، فقال: " نعم سحورٌ للمسلم ".(7/133)
أخرجه الطبراني في (الكبير 17/282) ح (778) وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف بسبب سوء حفظه.
3 - السائب بن يزيد -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " نعم السحور التمر "، وقال: "يرحم الله المتسحرين ".
أخرجه (الطبراني 7/159) ح (6689) ، وقال الهيثمي في (المجمع 3/151) : " وفيه يزيد بن عبد الملك النوفلي، وهو ضعيف". اهـ.
وفيه خالد بن يزيد العمري، كذبه ابن معين، وأبو حاتم، كما في (الجرح والتعديل 3/360) ، وعليه فلا يصلح هذا شاهداً لحديث الباب. والله أعلم.(7/134)
صحة حديث من فطّر صائماً كان له مثل أجره
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 12/9/1422
السؤال
ما صحة حديث:" من فطر صائماً كان له مثل أجره".
الجواب
هذا الحديث خرّجه الإمام أبو عيسى الترمذي وغيره ـ كما سيأتي ـ فقال في كتاب الصوم (3/171) باب ما جاء في فضل من فطَّر صائماً ح (807) :
حدثنا هناد، حدثنا عبد الرحيم، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " من فطَّر صائماً، كان له مثلُ أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً ".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
عطاء بن أبي رباح "ثقة فقيه فاضل، لكنه كثير الإرسال"، (التقريب391) .
تخريجه:
*أخرجه النسائي في (الكبرى 2/256) باب ثواب من فطر صائماً ح (3331) ،و (ابن ماجة 1/555) باب في ثواب من فطر صائماً ح (1746) ،وفي (2/922) باب من جهز غازياً ح (2759) ، و (أحمد 4/114،116) ،وفي (5/152) ،و (الدارمي 1/432) ح (1654) ، و (ابن خزيمة 3/277) ح (2064) ،و (ابن حبان 8/216) ح (3429) ،من طرق عبد الملك بن أبي سليمان به بنحوه، وفي حديث بعضهم زيادة في آخره، وهي: " ومن جهز غازياً فله مثل أجره من غير ... " واقتصر بعضهم على قوله: " ومن جهز غازياً" ... الحديث.
*وأخرجه (الترمذي 4/145) باب ما جاء في فضل من جهز غازياً ح (1629) ،والنسائي في (الكبرى 2/256) باب ثواب من فطر صائماً ح (3330) ، و (ابن ماجة 1/555) باب في ثواب من فطر صائماً ح (1746) ،و (ابن خزيمة 3/277) ح (2064) ، من طرق عن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى،
و (ابن ماجة 1/555) ح (1746) ، من طريق حجاج بن أرطاة،(7/135)
والطبراني في (الكبير 5/257) ح (5275) من طريق سعيد بن حفص النفيلي عن معقل ابن عبيد الله، ثلاثتهم (ابن أبي ليلى، وحجاج، ومعقل) عن عطاء بن أبي رباح به بنحوه إلاَّ أن بعضهم اقتصر على فضل التجهيز، وفي حديث معقل زاد مع عطاء، عكرمة وهو ابن خالد المخزومي.
الحكم عليه:
إسناد الترمذي رجاله ثقات، وقد صححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، إلا أن في الإسناد انقطاعاً، فإن عطاءً لم يسمع من زيد بن خالد كما نصَّ عليه ابن المديني في (العلل) له (66/ رقم 88) ،ولعلَّ هذا هو السبب في عدم إخراج الشيخين لحديث " من جهز غازياً " من طريق عطاء ابن أبي رباح، مع إخراجهما له من حديث زيد، لكن من غير طريق عطاء.
وأما الطريق التي فيها قرن عكرمة بن خالد المخزومي مع عطاء، فإنها من رواية سعيد بن حفص النفيلي، وهو صدوق تغير في آخر عمره، كما في (التقريب 234) ، ولم أقف على من تابعه ولا من تابع شيخه على هذا، وأيضاً هو منقطع بين عكرمة بن خالد وزيد بن خالد، فلم يصرح بالتحديث، ولم يذكر زيد بن خالد الجهني في شيوخ عكرمة، ولم يذكر عكرمة في تلاميذ زيد بن خالد كما في (تهذيب الكمال 10/64، 20/249) .
وعليه فلا يحكم لهذا السند بالاتصال والصحة، لعدم ثبوت السماع بين التلميذ وشيخه. والله أعلم.
هذا وقد جاء معنى هذا الحديث عن جماعة من الصحابة، ومنهم:
1- سلمان الفارسي -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:" من فطر صائماً في رمضان من كسب حلال صلت عليه الملائكة ".
أخرجه (ابن خزيمة 3/191، 192) ح (1887) ، والطبراني في (الكبير 6/261) ح (6161) ، واللفظ له، وابن حبان في (المجروحين 1/247) من طرق عن علي بن زيد بن جدعان، عن ابن المسيب، عن سلمان -رضي الله عنه- به، ولفظ ابن خزيمة:" من فطر فيه صائماً كان مغفرةً لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء ... "، وهو عند ابن خزيمة مطول.(7/136)
وقد سئل أبو حاتم عنه - (العلل) لابنه (1/249) - فقال: "هذا حديث منكر"،وقال ابن خزيمة: "إن صح الخبر"، وقال ابن حجر في (إتحاف المهرة 5/561) : "ومداره على علي بن زيد، وهو ضعيف".
وخلاصة تضعيف هؤلاء الأئمة لهذا الخبر تعود إلى أمرين: تفرد علي بن زيد به، ومع تفرده فهو ضعيف، كما قال الحافظ ابن حجر.
2- حديث عائشة -رضي الله عنهما- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من فطر صائماً كان له مثل أجره، من غير أن ينتقص من أجره شيء ".
أخرجه الطبراني في (الأوسط 8/255) ح (8438) من طريق الحكم بن عبد الله الأيلي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة به.
وفيه الحكم الأيلي، قال عنه أحمد: أحاديثه كلها موضوعة، وكذَّبه أبو حاتم والجوزجاني، نقل ذلك كله الذهبي في (الميزان 1/572) .
وقد روي موقوفاً عليها عند النسائي في (الكبرى 2/256) باب ثواب من فطر صائماً ح (3332) من طريق عطاء عنها بلفظ:
"من فطر صائماً كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئاً ".
لكن قال الإمام أحمد - فيما رواه الأثرم -: "ورواية عطاء عن عائشة لا يحتج بها إلاَّ أن يقول: سمعت" وهنا لم يصرح بما يفيد السماع، وعليه ففي الإسناد علَّة، وهي: احتمال تدليس عطاء، والله أعلم.
3- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" من حج عن ميت فللذي حج عنه مثل أجره، ومن فطر صائماً فله مثل أجره، ومن دلَّ على خير كان له مثل أجر فاعله ".
أخرجه الطبراني في (الأوسط 6/127) ح (5818) من طريق علي بن بهرام، عن عبد الملك بن أبي كريمة، عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي هريرة به.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ابن جريج إلاَّ عبد الملك بن أبي كريمة، تفرد به علي بهرام".(7/137)
وفيه عنعنة ابن جريج فإنه كثير التدليس عن الضعفاء والمجهولين - كما ذكر ذلك الدارقطني، كما في (تهذيب التهذيب 6/355) -، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في (التعريف) في المرتبة الثالثة (141) .
وفي الإسناد: علي بن يزيد بن بهرام، لم أظفر له بترجمة، وقد قال الهيثمي في (المجمع 3/282) : "فيه علي بن يزيد بن بهرام، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات".
4- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" من فطر صائماً فله مثل أجره ".
أخرجه الطبراني في (الكبير 11/187) ح (11449) من طريق الحسن بن رشيد عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس به.
وفي إسناده الحسن بن رشيد، قال الذهبي في (الميزان 1/490) : "فيه لين"، وقال أبو حاتم: "مجهول"، وبه ضعفه الهيثمي في (المجمع 3/157) .
وفي الباب آثار عن بعض الصحابة، منها:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-:"من فطَّر صائماً، أطعمه وسقاه، كان له مثل أجره".
أخرجه (عبد الرزاق 4/311) ح (7906) قال:" أخبرنا ابن جريج عن صالح مولى التوأمة قال: سمعت أبا هريرة فذكره".
وفي الإسناد عنعنة ابن جريج، وقد سبق الكلام فيها قبل قليل.
وقد روى عبد الرزاق نحواً من هذا (4/311) ح (7908) عن أبي هريرة - وفيه قصة - لكنه من رواية عمر بن راشد اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، وقد قال الإمامان أحمد، والبخاري: إن أحاديثه عن يحيى منكرة مضطربة، كما في (تهذيب الكمال 21/340) .
وبعد: فهذا ما وقفت عليه من أحاديث وآثار في معنى أو لفظ حديث الباب، وكلها لا تخلو من مقال، وبعضها شديد الضعف، وأحسنها حديث الباب، على ضعفٍ فيه، والله أعلم.
ومع هذا يقال:(7/138)
إن هذا الحديث ـ وإن كان سنده منقطعاً ـ فضعفه ليس بالشديد، وكذا كثير من الأدلة التي سبق ذكرها، وأدلة الشريعة الأخرى تدل على صحة معناه، ففي صحيح الإمام (مسلم 3/1506) ح (1892) من طريق أبي عمرو الشيباني، عن أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من دل على خير فله مثل أجر فاعله ".
ولا ريب أن تفطير الصائمين من خصال الخير، لما يترتب عليه من المصالح العظيمة، وعلى رأسها: زيادة التآلف بين المسلمين مع تباعد أقطارهم، وتنائي ديارهم، وهذا لعمر الله من مقاصد الشريعة العظيمة، والله -تعالى- أعلم.(7/139)
صحة حديث تعجيل الفطر
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 13/9/1422
السؤال
ما صحة حديث:" لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر"، وما الأحاديث الأخرى التي جاء فيها الحث على تعجيل الفطر؟
الجواب
حديث: "لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر ".
هذا الحديث بهذا اللفظ متفق على صحته، فقد أخرجه (البخاري 2/47) ،باب تعجيل الإفطار ح (1957) ،و (مسلم 2/771) ح (1098) ،و (الترمذي 3/82) ،باب ماجاء في تعجيل الإفطارح (699) ، و (ابن ماجة 1/541) ، باب ما جاء في تعجيل الإفطار ح (1697) ،من طريق أبي حازم، عن سهل بن سعد -رضي الله عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ".
وقد جاء الحث على تعجيل الفطر في أحاديث أخرى، منها:
1- عائشة -رضي الله عنها-: فعن مالك بن عامر أبي عطية قال: دخلت أنا ومسروق على عائشة فقلنا: يا أم المؤمنين: رجلان من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار، ويؤخر الصلاة، قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قال لنا: عبد الله (يعني ابن مسعود) ،قالت: كذلك كان يصنع رسول-صلى الله عليه وسلم-.زاد أبو كريب: والآخر أبو موسى.
أخرجه (مسلم 2/771) ح (1099) واللفظ له، و (أبو داود 2/763) ، باب ما يستحب من تعجيل الفطر ح (2354) ، و (الترمذي 2/83) ، باب ما جاء في تعجيل الإفطار ح (702) ،و (النسائي 4/143، 144) ح (2158ـ2159 ـ2160ـ2161) باب ذكر الاختلاف على سليمان بن مهران في حديث عائشة.
2- أبو هريرة -رضي الله عنه-: فعن قرة بن عبد الرحمن، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " قال الله -عز وجل-: أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطراً ".(7/140)
أخرجه (الترمذي 3/83) باب ما جاء في تعجيل الإفطار ح (700) ، و (أحمد 2/237،329) ، و (ابن خزيمة 3/276) ح (2062) ، و (ابن حبان 8/276) من طرق عن قرة بن عبد الرحمن به.
والحديث مداره على قرة بن عبد الرحمن: ابن حيويل، ـ على وزن جبريل ـ.
كان الأوزاعي يقول: ما أحد أعلم بالزهري من قرة بن عبد الرحمن بن حيويل، لكن تعقب ابن حبان كلمة الأوزاعي، فقال في (الثقات) : " وكيف يكون قرة بن عبد الرحمن أعلم الناس بالزهري وكل شيء روى عنه، لا يكون ستين حديثاً، بل أتقن الناس في الزهري مالك ومعمر ... الخ " اهـ.
وثقه يعقوب بن سفيان، وذكره ابن حبان في الثقات، وصرح بتوثيقه في صحيحه.
قال ابن معين، وأحمد ـ في رواية ـ: ضعيف الحديث، وقال أحمد ـ في رواية ـ: منكر الحديث جداً، وقال أبو زرعة: الأحاديث التي يرويها مناكير، وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بقوي، وقال أبو داود: في حديثه نكارة، وقال العجلي: يكتب حديثه، وقال ابن عدي: لم أر له حديثاً منكراً جداً، وأرجو أنه لا بأس به، وقال الدارقطني: ليس بقوي في الحديث.
وقد لخص حاله الحافظ بقوله: " صدوق له مناكير "،ولعله دون ذلك. والله أعلم.
ينظر: (مسائل ابن هانئ) للإمام أحمد (2/190) ، (صحيح ابن حبان 8/276) ، (ثقات ابن حبان 7/343) ، سنن (الدارقطني 1/181) ، (تهذيب التهذيب 8/323) ، (التقريب/455) .
وإسناد هذا الحديث ضعيف لعلتين:
1- أن قرة بن عبد الرحمن إلى الضعف أقرب، كما هو قول أكابر الحفاظ.
2- تفرد قرة بهذا الحديث عن الزهري، إذْ لم أقف - بعد البحث - على متابعٍ له، وهذا النوع من التفرد بهذه الصورة، هو الذي عناه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه (1/7) ، وسماه منكراً، وقال عن مثل هذا: "فغير جائزٍ قبول حديث هذا الضرب من الناس" اهـ.
ولأجل هذا فقد أشار الترمذي إلى ضعفه بقوله: "هذا حديث حسن غريب"، بينما صححه ابن خزيمة، وابن حبان، وتصحيحهما لهذا الخبر مع ما تقدم من العلل، فيه نظر، والله أعلم.(7/141)
صحة حديث من صام رمضان
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 16/9/1422
السؤال
زيادة (وماتأخر) في حديث:" من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه " هل هذه الزيادة ثابتة؟
الجواب
" من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه "
أخرجه (البخاري 2/31) ح (1901) ،و (مسلم 1/523) ح (760) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ".
ولكن روى النسائي في (الكبرى 2/88) ح (2512) وغيره زيادة: "وما تأخر "، فهل هي ثابتة أم لا؟ .
والجواب ـ على وجه الإجمال ـ:
أن هذه اللفظة شاذة، غير محفوظة، فإن الحديث رواه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- اثنان من أصحابه:
1- أبو سلمة بن عبد الرحمن، وقد رواه عن أبي سلمة جماعة، وهم: يحيى بن أبي كثير، ومحمد ابن عمرو، والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وكلهم ـ سوى الزهري ـ لم يذكر في حديثهم هذه اللفظة.
أما الزهري، فقد رواه عنه أكثر أصحابه الكبار: مالك، ومعمر، ويونس، وغيرهم، فلم يذكروا هذه اللفظة، ورواه عنه ابن عيينة، واختلف عليه في إثباتها وعدمه، فأكثر أصحابه لم يذكروها عنه، وعلى رأسهم الحميدي، والشافعي، وابن راهويه، وعمرو بن علي الفلاس، وغيرهم، بينما ذكرها قتيبة ابن سعيد، وأربعة آخرون من أصحابه.
2- الأعرج: وعنه أبو الزناد، ولم يذكرها أيضاً.(7/142)
وبهذا يتبين أن ذكر هذه اللفظة وهم من بعض الرواة، وأن الراجح عدم ذكرها، ولهذا أعرض الشيخان ـ البخاري ومسلم ـ عنها، ولم يخرجاها في صحيحيهما مع أهميتها، وكون بعض رواتها من الحفاظ، إلا أنهما أعرضا عنها لما سبق، وهو أن أكثر رواة الحديث ـ وفيهم أئمة كبار ـ لم يذكروها، والله أعلم، ويمكن أن ينظر كلام الحافظ ابن حجر عليها في (الخصال المكفرة 56-63) مع تعليق المحقق.(7/143)
أفطرنا ثم أقلعت الطائرة فرأينا الشمس
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها
التاريخ 3/9/1424هـ
السؤال
في شهر رمضان يكون إقلاع بعض الرحلات وقت أذان المغرب فنفطر ونحن على الأرض، وبعد الإقلاع والارتفاع عن مستوى الأرض نشاهد قرص الشمس ظاهراً، فهل نمسك أم نكمل إفطارنا؟
الجواب
أكمل إفطارك، ولاتمسك؛ لأنك أفطرت بمقتضى الدليل الشرعي؛ لقوله -تعالى-:" ثم أتموا الصيام إلى الليل " [البقرة:187] ، وقوله- صلى الله عليه وسلم-:"إذا أقبل الليل من هاهنا، وأشار إلى المشرق وأدبر النهار من هاهنا، وأشار إلى المغرب وغربت الشمس فقد أفطر الصائم".
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ/محمد بن عثيمين-رحمه الله- فتوى رقم (1174) .(7/144)
صحة حديث "أفطر الحاجم والمحجوم "
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها
التاريخ 7/9/1422
السؤال
نرجو بيان درجة حديث: " أفطر الحاجم والمحجوم "
الجواب
هذا الحديث روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- من طرق كثيرة، لكن أصح ما ورد فيها بنص جمع من الأئمة حديثان، وهما:
الحديث الأول: حديث ثوبان - رضي الله عنه -
وقد أخرجه أبو داود: وغيره من الأئمة كما سيأتي: قال أبو داود: 2/770 باب في الصائم يحتجم ح (2367) حدثنا مسدد، حدثنا يحيى عن هشام /ح/ حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا حسن بن موسى، حدثنا شيبان جميعاً، عن يحيى، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، يعني الرحبي، عن ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
قال شيبان: أخبرني أبو قلابة، أن أبا أسماء الرحبي حدثه أن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبره أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقبل أن أذكر تخريجه والكلام عليه مفصلاً، أذكر خلاصة ما ظهر لي في هذا البحث وهي كما يلي:
01 أن الحديث روي عن ثوبان من أربعة طرق، وأن هذه الطرق أكثرها معل، وأقواها الطريق التي رواها مسدد، عن يحيى القطان، عن هشام الدستوائي، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان - رضي الله عنه _
02 أن أكثر أئمة الحديث كأحمد والبخاري والدارمي وغيرهم على تصحيح الحديث وخالف في ذلك إمامان، وهما: يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي، ولعل سبب إعلالهما له هو ما وقع فيه من اضطراب سيأتي الجواب عنه -إن شاء الله-.(7/145)
03 أن تصحيح الحديث لا يكفي في الحكم به وحده على مسألة الحجامة للصائم، لأن؛ في المسألة أحاديث كثيرة تدل على أن هذا الحديث منسوخ وبإمكان القارئ الفاضل أن يراجع مظان هذه المسألة من كتب الشروح، والفقه مع الإشارة إلى أن مذهب جماهير أهل العلم على عدم الفطر بالحجامة.
تخريج الحديث:
الحديث في مسند أحمد 5/283
وأخرجه النسائي في (الكبرى 2/217) ، باب ذكر الاختلاف على أبي قلابة ح (3137) وأحمد (5/282) وفي (5/277) و (الدارمي 1/440) ح (1682) والحاكم (1/427) من طرق عن هشام الدستوائي به بنحوه إلا أن في حديث أصحاب هشام جميعاً - سوى ابن علية- قصة في أوله.(7/146)
وأخرجه (ابن ماجه 1/537) باب ما جاء في الحجامة للصائم ح (1680) و (عبد الرزاق 4/209) ح (7522) و (أحمد 5/280) و (ابن خزيمة 3/226) ح (1962) وا (بن حبان 8/301) ح (3532) و (الحاكم 1/427) من طرق عن يحيى بن أبي كثير به بنحوه وفي حديث بعضهم قصة. وأخرجه النسائي في (الكبرى 2/217) ح (3139) من طريق عاصم بن هلال، وفي ح (3140،3141) من طريق عباد بن منصور. وفي ح (3142) من طريق جرير بن حازم. وفي ح (3143) من طريق حماد بن زيد، وفي ح (3144) من طريق ابن عيينة وعبد الرزاق 4/209 ح (7519) عن معمر، ستتهم (عاصم، وعباد، وجرير، وحماد، وابن عيينه، ومعمر) عن أيوب، عن أبي قلابة به بنحوه إلا أن عباد بن منصور اضطرب فجعله مرة كحديث الباب، ومرة جعله عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن شداد، وفي حديث جرير: عن أبي قلابة عن شداد وثوبان، لم يذكر أبا أسماء، وقال جرير: عرضت على أيوب كتاباً لأبي قلابة، فإذا فيه: عن شداد وثوبان هذا الحديث، قال: عرضته عليه فعرفه، وفي حديث حماد وابن عيننه: عن أبي قلابة عن شداد فحسب، ليس فيه أبو أسماء ولا ثوبان، وفي حديث معمر: عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن أبي أسماء عن شداد وفي حديث عاصم: عن أبي قلابة عن أبي أسماء، عن شداد وأخرجه النسائي في (الكبرى 2/216) باب من الشيخ؟ ح (3136) من طريق راشد بن داود، و (أحمد 5/282) ومن طريقه (أبو داود 2/772) ح (2370) و (النسائي 2/216)(7/147)
ح (3135،3134) من طريق عن ابن جريج. و (أبو داود 2/273) ح (2371) و (النسائي 2/216) ح (3135) من طرق العلاء بن الحارث و (النسائي 2/217) ح (3137) من طريق سعيد بن عبد العزيز ثلاثتهم (ابن جريج، والعلاء، وسعيد) عن مكحول. كلاهما (راشد، ومكحول) عن أبي أسماء الرحبي به بنحوه، وفي حديث ابن جريج، وسعيد بن عبد العزيز عن شيخ من الحي، وقد سماه العلاء بن الحارث في حديثه وأنه مكحول , وأخرجه (النسائي 2/221) ح (3157) من طريق همام بن يحيى وفي 2/222 ح (3158) وأحمد 5/282، من طريق ابن أبي عروبة و (أحمد 5/286) من طريق شعبة، ثلاثتهم (همام، وابن أبي عروبة، وشعبة) عن قتادة، عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم و (النسائي في 2/222) ، باب الاختلاف على خالد الحذاء ح (3159) ، والطبراني في " الكبير " 2/91 ح (1406) من طريق بكير بن أبي السميط، عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة، والنسائي في 2/222 ح (3160) و (ابن خزيمة 3/236) ح (1984) ، والطبراني في (الأوسط 57/153) ح (4720) من طريق الليث، عن قتادةن عن الحسن. ثلاثتهم (ابن غنم، ومعدان، والحسن) عن ثوبان به بنحوه، إلا أن هماماً لم يذكر عبد الرحمن بن غنم، بل جعله عن شهر عن ثوبان.
دراسته والحكم عليه:
إسناد أبي داود صحيح، وما يخشى من إرسال أبي قلابة زال بتصريحه بالسماع كما نقل ذلك أبو داود عن شيبان عن أبي قلابة نفسه، وأما ما وقع في حديث ابن جريج وسعيد بن عبد العزيز من قولهما: عن شيخ من الحي، فقد صرّح العلاء بن الحارث في روايته عن مكحول بأنه أبو أسماء الرحبي، وقد نص على اسمه أيضاً أبو حاتم - كما في (العلل) لابنه 1/238 ولذلك جعل المزي في (التحفة 2/143) حديث ثوبان هذا فيما رواه عنه أبو أسماء حيث أحال عليه عند قوله: "حديث شيخ من الحي". وقد تبين من التخريج السابق أن الحديث رواه عن ثوبان أربعة:(7/148)
01 أبو أسماء الرحبي، وعنه ثلاثة: مكحول، وراشد بن داود، وأبو قلابة، وقد اختلف على أبي قلابة:
أ. فرواه يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء عن ثوبان
ب. ورواه أيوب، عن قلابة، واختلف عليه:
- فرواه عباد بن منصور، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان.
- ورواه عباد نفسه، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن شداد، عن أوس.
-ورواه جرير بن حازم، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن شداد وثوبان، مرسلاً، فلم يذكر أبو قلابة أحداً بينه وبين ثوبان ولا شداد.
-ورواه حماد بن زيد، وابن عيينة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن شداد فأرسلاه عن أبي قلابة.
-ورواه معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن أبي أسماء، عن شداد
-ورواه عاصم بن هلال، عن أبي أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن شداد.(7/149)
أما رواية عباد بن منصور، فقد قال عنها النسائي (2/217) : " عباد بن منصور جمع بين الحديثين، فقال: عن أبي أسماء، عن ثوبان، عن أبي الأشعث عن شداد: " ثم قال عقب ذلك (2/218) : " وعباد بن منصور ليس بحجة في الحديث، وقيل إن ريحان بن سعيد - الراوي عنه - ليس بقديم السماع منه ". وقول النسائي هنا: (ليس بحجة) مفسرٌ بقوله في (الضعفاء) ص (214) رقم (414) : " ضعيف، وكان أيضاً قد تغير " ا. هـ. أما رواية معمر، فهي من روايته عن البصريين، وهي متكلم فيها عند الأئمة - كما في ترجمته من (تهذيب الكمال 28/303) . وأما رواية جرير، فجرير وإن كان ثقة، إلا أن الإمام أحمد قال - كما في شرح علل الترمذي 2/699 - " يروي عن أيوب عجائب " ا. هـ، ومع ذلك فقد خولف من قبل حماد بن زيد، وسفيان، وحماد خاصة ـ من أثبت الناس في أيوب، كما نص على ذلك جمع من الأئمة - كما في شرح العلل 2/699- ولذلك أشار النسائي إلى ترجيح رواية حماد بن زيد على غيره بقوله - في (السنن الكبرى 2/218) : " تابعه حماد بن زيد على إرساله عن شداد وهو أعلم الناس بأيوب"ا. هـ وأما رواية عاصم، فعاصم قال عنه أبو زرعه - كما في أسئلة البرذعي له (2/536) -: " حدث عن أيوب بأحاديث مناكير" ا. هـ فلعل هذا منها، والله أعلم.
وهناك اختلاف أوسع من هذا على أيوب، سيأتي ذكره في حديث شداد التالي - إن شاء الله تعالى - فتبين إذاً أن الراجح عن أيوب، هو ما رواه حماد بن زيد، وابن زيد، وابن عيينه، وتابعهما جرير بن حازم على بعض ذلك، عن أيوب عن أبي قلابة عن أيوب، فرجع حديث أيوب إلى حديث شداد، وسيأتي الكلام على حديث شداد في الحديث التالي - إن شاء الله تعالى -. أما بقية الراوة عن ثوبان فهم ثلاثة، وهم:
01 معدان بن أبي طلحة: وقد رواه عنه سالم بن أبي الجعد، وعن سالم، بكير بن أبي السميط.
02 الحسن البصري: وقد رواه عنه قتادة، وعن قتادة، الليث بن سعد(7/150)
وقد سئل أبو حاتم الرازي - كما في (العلل) لابنه (1/226) عن طريق الليث فقال:" هذا خطأ، رواه قتادة، عن الحسن، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو مرسل ورواه أشعب بن عبد الملك عن الحسن، عن أسامة بن زيد " ا. هـ. وقال النسائي عن هذين الطريقين: " ما علمت أحداً تابع الليث، ولا بكير بن أبي السميط على روايتهما، والله أعلم " ا. هـ وقال ابن خزيمة: " الحسن لم يسمع من ثوبان " ا. هـ وقال الطبراني في (الأوسط) : " لم يرو هذا الحديث عن قتادة عن الحسن عن ثوبان إلا الليث بن سعد " ا. هـ.
03 عبد الرحمن بن غنم: قد رواه عنه شهر بن حوشب وعن شهر، قتادة واختلف عليه:
أ. فرواه ابن أبي عروبة، وشعبة، عن قتادة، عن شهر، عن عبد الرحمن بن غنم، عن ثوبان.
ب. ورواه همام بن يحيى، عن قتادة، عن شهر، عن ثوبان، ليس فيه ذكر عبد الرحمن بن غنم.
وقد قال أبو حاتم - كما في (العلل) لابنه (1/226) - " وأما حديث ثوبان، فإن سعيد بن أبي عروبة يرويه عن قتادة، عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن ثوبان عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ورواه بكير بن أبي السميط، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه يزيد بن هارون، عن أيوب أبي العلاء، عن قتادة، عن شهر بن حوشب عن بلال عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه قتادة عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " ا. هـ.
وكلام الإمام أبي حاتم، يشير إلى أن في الحديث اضطراباً، وأن قتادة اختلف عليه في ذلك كثيراً، ويمكن أن يقال: إن هذا الاضطراب الذي وقع في الطرق إلى شهر، إنما هي من شهر نفسه، لأنه متكلم في حفظه وضبطه، كما في ترجمته من (تهذيب الكمال 12/587) . والله أعلم.(7/151)
وبناء على ما تقدم من نقد الطرق إلى ثوبان فإنها كلها معلولة سوى الطريق الأولى التي أخرجها أبو داود. وقد صحح حديث الباب جمع من الأئمة، منهم:
01 ابن المديني، كما نقله عنه الترمذي في (العلل الكبير) ص (123)
02 أحمد: ففي مسائل أبي داود ص (311) قال أحمد: " كل شيء يروى عن ثوبان فهو صحيح، يعني حديث مكحول هذا " ا. هـ.
وفي مسائل ابنه عبد الله (2/626) قال: شيبان جمع الحديثين جميعاً، يعني: حديث ثوبان، وحديث شداد بن أوس " ا. هـ وقد نص أحمد على الحديثين - أي ثوبان وشداد - كما في (طبقات الحنابلة 1/206) وفي مسائل (ابن هانئ 1/131) نص على أن أقوى حديث عنده هو حديث ثوبان. ونقل ابن حجر في (الفتح 4/209) عن عثمان الدرامي أنه قال: " صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم، من طريق ثوبان، وشداد، قال: وسمعت أحمد يذكر ذلك، ولما قيل لأحمد: إن يحيى بن معين قال: ليس فيه شيء يثبت، قال: هذه مجازفة " انتهى بتصرف "
03 عثمان الدرامي، وقد تقدم آنفاً.
04 البخاري: نقله الترمذي في (العلل الكبير) ص (122) ،فأورد الترمذي عليه ما فيه من الاضطراب؟ فقال: كلاهما عندي صحيح؛ لأن يحيى بن أبي كثير، روى عن أبي قلابة عن أبي أسماء، عن ثوبان، وعن أبي الأشعث، عن شداد بن أوس، روى الحديثين جميعاً ا. هـ. قال ابن حجر معلقاً على ذلك في (الفتح 4/209) يعني فانتفى الاضطراب، وتعين الجمع بذلك " ا. هـ.
05 (ابن خزيمة 3/226) .
06 (ابن حبان 8/301) .
07 (الحاكم 1/427) .
08 ابن حزم في (المحلى 6/203) .
09 النووي في (المجموع 6/349-350) .
010 شيخ الإسلام بن تيمية في (مجموع الفتاوى 25/255) .
011ابن القيم: كما يدل عليه كلامه في (تهذيب السنن 3/243) وما بعدها وغيرهم من أهل العلم - رحمهم الله جميعاً -(7/152)
وكلام الإمام أبي حاتم الرازي في (العلل) لابنه (1/249) ،يدل على أن الحديث عنده غلط، حيث قال - لما سئل عن حديث رافع بن خديج " أفطر الحاجم والمحجوم " الذي روى من طريق معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب بن يزيد عن رافع - قال رحمه الله: " إنما يروي هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء عن ثوبان، واغتر أحمد بن حنبل بأن قال: الحديثان عنده، وإنما يروى بذلك الإسناد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن كسب الحجام ومهر البغي، وهذا الحديث في يفطر الحاجم والمحجوم عندي باطل " ا. هـ.
ومراد أبي حاتم - رحمه الله - أن الراجح في حديث رافع هو قوله -صلى الله عليه وسلم - "كسب الحجام خبيث " الذي أخرجه مسلم وغيره أنه " أفطر الحاجم والمحجوم ". وأما رد أبي حاتم لهذا الحديث كله - كما يفهم من كلامه - فلعل سبب رده هو أنه يرى أن الحديث مضطرب الإسناد، إلا أن أبا حاتم خولف من بعض الأئمة الذي نصّ بعضهم على أن الحديث عن ثوبان وشداد - محفوظ لا اضطراب فيه كما تقدم آنفاً-. والله أعلم.
الحديث الثاني: حديث شداد بن أوس:
والبحث فيه كالبحث في سابقه من حيث كثرة الاختلاف فيه، وطول الكلام عليه، ولذا سأكتفي عن إيراده بحديث ثوبان - رضي الله عنه - وما حصل فيه من تفصيل، إلا أنه يحسن هنا أن أجيب على إيراد قد يورده بعض الفضلاء، ألا وهو: ألا يحتمل أن حديث ثوبان، وشداد كلاهما مضطرب؛ لأن مدار الحديثين على رجل واحد، وهو أبو قلابة؟(7/153)
والجواب: أنه تقدم من كلام الإمام أحمد، والبخاري - في حديث ثوبان السابق - ما يبين أن كلا الحديثين محفوظ، وقد تبعهما على هذا الجواب؛ (ابن حبان 8/303) ، و (الحاكم 1/427) ،وابن حجر في (الفتح 4/209) ، بل يقال: إن جميع الأئمة الذين ثبت عنهم تصحيح الحديثين يقولون بذلك، إذ لو ثبت الاضطراب في الحديث عند أحدهم، لم يقل بتصحيح الحديثين.
هذا وقد صحح حديث شداد هذا جمع من الأئمة، ومنهم من تقدم ذكرهم في حديث ثوبان وهم: ابن المديني، وأحمد، وعثمان الدارمي، والبخاري، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وغيرهم، ويضاف إليهم هنا: الإمام إسحاق بن راهوية، كما نقله الحاكم (1/428) ، حيث قال: " هذا إسناد صحيح، تقوم به الحجة، وهذا الحديث قد صح بأسانيد، وبه نقول ا. هـ، وكذا صححه أبو جعفر العقيلي في (الضعفاء 4/456) والله تعالى أعلم.
بقي أن يقال: إن تصحيح الحديث، لا يكفي في الحكم به وحده على مسألة الحجامة للصائم؛ لأن في المسألة أحاديث كثيرة جعلت أهل العلم يختلفون في حكم الفطر بالحجامة؟ فمنهم من يرى أن هذا الحديث منسوخ، وأن الحجامة لا تفطر كما هو مذهب جماهير أهل العلم، ومنهم من أخذ بحديث الباب فقال: إن الحجامة تفطر، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، ونصره من فقهاء الحديث ابن خزيمة، وابن المنذر، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه - رحم الله الجميع -.
وفي المسألة تفاصيل عند بعضهم من حيث تعليق الحكم بتأثير الحجامة على إضعاف الصائم وعدمه، وبإمكان القارئ الفاضل أن يراجع مظان هذه المسألة من كتب الشروح، والفقه، ومنها:
(المغني لابن قدامه 4/350) ، (البحر الرائق 2/294) ، و (شرح الزرقاني على مختصر خليل 1/92) ، و (فتح الباري 4/205) عند شرح الباب رقم (32) من كتاب الصيام، وهو: باب الحجامة والقئ للصائم. والله أعلم.(7/154)
صحة حديث دعوة الصائم عند فطره
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها
التاريخ 9/9/1422
السؤال
ما صحة حديث: ((ثلاثة لا تردّ دعوتهم ... )) وذكر منهم: ((والصائم حتى يفطر)) ؟
الجواب
حديث: " ثلاثة لا ترد دعوتهم ... ":
هذا الحديث رواه الإمام (الترمذي 4/580) كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها ح (2526) فقال:
حدثنا أبو كريب، حدثنا محمد بن فضيل، عن حمزة الزيات، عن زياد الطائي، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قلنا يا رسول الله، مالنا إذا كنا عندك رقت قلوبنا، وزهدنا في الدنيا، وكُنَّا من أهل الآخرة، فإذا خرجنا من عندك فآنسنا أهالينا، وشممنا أولادنا أنكرنا أنفسنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم تكونون إذا خرجتم من عندي كنتم على حالكم ذلك، لزارتكم الملائكة في بيوتكم، ولو لم تذنبوا لجاء الله بخلقٍ جديد كي يذنبوا فيغفر لهم "، قال: قلت يا رسول الله ممّ خُلِق الخلق؟ قال: "من الماء "، قلنا: الجنة ما بناؤها؟ قال: " لبنة من فضة ولبنة من ذهب، ومِلاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من دخلها ينعم ولا ييأس، ويُخلَّد ولا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم"،ثم قال:" ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب -عز وجل-: وعزتي لأنصرنَّكِ ولو بعد حين ".
قال أبو عيسى: هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي، وليس هو عندي بمتصل، وقد روي هذا الحديث بإسنادٍ آخر عن أبي مُدلَّة، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
وقبل أن ذكر الكلام عليه مفصلاً، أذكر خلاصة الحكم، فأقول:
1- الحديث مداره ـ على الراجح ـ على أبي مدلة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.(7/155)
2- إن أبا مدلة في عداد المجاهيل، ولم يتابعه أحد فيما وقفت عليه.
3- أنه قد ورد معنى هذا الحديث عن أنس -رضي الله عنه- وفيه ضعف ـ كما سأبينه ـ.
4- أن الأحاديث الواردة في إجابة دعوة المسافر ـ وإن كانت ضعيفة ـ إلا أن ذلك لا يعني ترك الصائم للدعاء، فإن الدعاء مشروع في كل وقت، بل دعاء الإنسان عند تلبسه بالعبادة أرجى في الإجابة، والله أعلم.
تخريجه:
*أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (380) ح (1075) عن حمزة الزيات، عن سعد الطائي، عن رجلٍ، عن أبي هريرة به بنحوه، فسمَّى شيخ حمزة: سعداً.(7/156)
*وأخرجه (الترمذي 5/539) في الدعوات، باب في العفو والعافية ح (3598) من طريق عبد الله بن نمير، و (ابن ماجة 1/557) باب الصائم لا ترد دعوته ح (1752) ، و (أحمد 2/443،477) من طريق وكيع، و (الدارمي في 2/789) ح (2717) عن أبي عاصم النبيل، ثلاثتهم (ابن نمير، ووكيع، وأبو عاصم) عن سعدان بن بشر، والطيالسي ص (337) ، وأحمد 2/304 عن أبي كامل، وأبي النضر، وأحمد 2/305 عن حسن بن موسى، والطبراني في "الدعاء" (3/1414) ح (315) من طريق أحمد بن يونس، و (ابن حبان 8/214) ح (3428) ، وفي 16/396 ح (7387) من طريق فرح - بالحاء المهملة - ابن رواحة، ستتهم (الطيالسي، وأبو كامل، وأبو النضر، وحسن، وأحمد بن يونس، وفرح) عن زهير بن معاوية، و (ابن خزيمة 3/199) ح (1901) من طريق محمد بن عبد الرحمن المحاربي، عن عمرو بن قيس الملائي، ثلاثتهم (سعدان، وزهير، وعمرو) عن أبي مجاهد سعد بن عبيد الطائي، عن أبي مدلّة، عن أبي هريرة به بنحوه، إلاَّ أن وكيعاً، والطيالسي، وعمرو بن قيس اقتصر حديثهما على قوله: (ثلاثة لا ترد دعوتهم ... الخ) ، وفي الموضع الثاني - عند (أحمد 2/477) - قال وكيع في حديثه: (الصائم لا ترد دعوته) فحسب، وفي الموضع الأول عند أحمد عن وكيع (1/443) اقتصر حديثه على قوله: (الإمام العادل لا ترد دعوته) فحسب، ولفظ حديث فرح في الموضع الأول نحو حديث الطيالسي وعمرو الملائي، واقتصر حديث أبي عاصم على صفة بناء الجنة.
*وأخرجه (البزار 4/38) ح (3139) - كشف - من طريق إبراهيم بن خيثم بن عراك بن مالك، عن أبيه، عن جده، عن أبي هريرة بنحوه، إلاَّ أنه قال: "والمسافر حتى يرجع" بدلاً من "الإمام العادل".
الحكم عليه:
وقد تبين من التخريج أن الحديث رواه عن أبي هريرة اثنان، وهما: زياد (أو سعد) الطائي - كما سيأتي تحريره - وأبو مدلة، ولكن عند التأمل والنظر يتبين أنهما واحد، وبيان ذلك أن يقال:(7/157)
إن محمد بن فضيل، رواه عن حمزة الزيات، عن زياد الطائي، عن أبي هريرة، وخالفه ابن المبارك، فرواه عن حمزة عن سعد الطائي - الذي هو أبو مجاهد - حدثه، عن رجل، عن أبي هريرة فذكره بنحوه، ورواية ابن المبارك أرجح من وجهين:
الأول: أن ابن المبارك ثقة ثبت فقيه عالم - كما في التقريب (320) ، وابن فضيل ليس في منزلته، على أن في روايته مخالفةً أخرى ـ كما سيأتي ـ.
الثاني: أن الرواة الآخرين عن أبي مجاهد رووه كذلك عنه عن أبي مدلة، فعاد حديث حمزة إلى رواية الجماعة.
وثمة مخالفة أخرى من ابن فضيل لابن المبارك في إسناده، وهو أن ابن فضيل قد أسقط الواسطة بين أبي هريرة وزياد الطائي، بينما رواه ابن المبارك بذكر الواسطة.
وقد سئل الدارقطني ـ كما في (العلل 11/235) ـ عن هذا الحديث فقال - بعد إشارته إلى الرواة عن أبي مجاهد الذين سبق ذكرهم -: "ورواه حمزة الزيات، عن سعد الطائي أبي مجاهد، وقال: عن رجل، عن أبي هريرة، وأحسبه لم يحفظ كنيته، فقال: عن رجل، وأراد أبا مدلَّة، والله أعلم، والحديث محفوظ" اهـ.
فالإمام الدارقطني، لم يشر إلى مخالفة ابن فضيل في إسناده، فكأنه لم يلتفت إليها، وإنما أشار إلى رواية ابن المبارك فحسب، وإلى هذا أشار الترمذي بقوله عن الطريق التي رواها ابن فضيل:" هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي، وليس هو عندي بمتصل، وقد روي هذا الحديث بإسناد آخر عن أبي مدلَّة، عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فكأنه يقول - رحمه الله -: إن هذا هو المحفوظ في حديث أبي مدلة عن أبي هريرة، وأن تسمية زياد وهْم، وبهذا يمكن أن تفسر كلمة الدارقطني بقوله: "والحديث محفوظ" أي من حديث أبي مدلة عن أبي هريرة، والله أعلم.
وإذا تبين أن مدار الحديث على أبي مجاهد، عن أبي مدلة، عن أبي هريرة، فقد حسنه الترمذي ح (3598) ،وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، وحسنه ابن حجر - كما في "الفتوحات الربانية" لابن علان (4/338) -.(7/158)
وابن خزيمة - رحمه الله - قد صحح الحديث من طريق محمد بن عبد الرحمن المحاربي عن عمرو بن قيس الملائي، عن أبي مجاهد به، وقد قال الدارقطني - كما في (أطراف الغرائب 5/297) -:" تفرد به المحاربي محمد بن عبد الرحمن، عن عمرو بن قيسٍ بطوله، وروي عن قُرَّان بن تمام، عن عمر بعضه" اهـ.
وأبو مدلَّة - الذي مدار الحديث عليه - قال عنه ابن المديني - كما في (تهذيب التهذيب 12/204) -: " أبو مدلة مولى عائشة لا يعرف اسمه، مجهول، لم يرو عنه غير أبي مجاهد" اهـ.
وفي التقريب (671) : مقبول، ومثل هذا لا يحسن حديثه، خاصةً وأنه لم يتابع - فيما وقفت عليه - والله أعلم.
وفيما يتعلق بالطريق التي أخرجها البزار، فهي لا تصلح، لأن في إسنادها إبراهيم بن خيثم، قال عنه النسائي: "متروك" كما في "الميزان" 1/30.
وهذا الحديث قد اشتمل على عدة فقرات، إلاَّ أنني لم أجد ما يشهد له بهذا السياق، وأما المعنى الذي لأجله ذكر الحديث ههنا هذا الحديث وهو قوله: "ثلاث دعوات ... ومنها: والصائم حتى يفطر" فقد وقفت على حديث أخرجه (البيهقي 3/345) ، والضياء في (المختارة 6/74) ح (2057) من طريق إبراهيم بن بكر المروزي، عن عبد الله بن بكر السهمي، عن حميد الطويل، عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر ".(7/159)
وفي إسناده إبراهيم بن بكر، لم أظفر له -بعد البحث - بترجمة، مع أنه في طبقة الإمام أحمد بن حنبل؛ لأن عبد الله بن بكر السهمي في طبقة شيوخ أحمد، فقد توفي سنة 208هـ، كما في التقريب (293) ، ومثل هذا لو كان مشهوراً، أو له عناية بالحديث لترجمه الأئمة أو بعضهم، ولكن لم أجد شيئاً من هذا، إلاَّ أن ابن الجوزي قال - كما نقله عنه الذهبي في "الميزان" 1/24 -:"وإبراهيم بن بكر ستة، لا نعلم فيهم ضعفاً سوى هذا " يعني الشيباني الأعور، قال الذهبي معلقاً:" قلت: ولو سماهم لأفادنا، فما ذكر ابن أبي حاتم منهم أحداً " اهـ، فكلمة الذهبي فيها ردٌ لكلمة ابن الجوزي؛ لأنهم لو كانوا معروفين بحمل العلم لترجمهم الأئمة.
وفي الإسناد أيضاً عنعنة حميد، وهو كثير التدليس حتى قيل إن معظم ما يرويه عن أنس، رواه بواسطة ثابت وقتادة - كما في تعريف أهل التقديس (133،134) - ولم أقف على غير هذا الحديث.(7/160)
أحاديث الذّكْر عند الإفطار
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 10/9/1422
السؤال
ما صحة الأحاديث الواردة في الأذكار المستحبة عند الفطر؟
الجواب
وقفت على جملة من الأحاديث ورد فيها أذكار خاصة تقال عند الفطر، وهي كما يلي:
1- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- الذي أخرجه (ابن ماجة 1/557) ، باب في الصائم لا ترد دعوته ح (1753) من طريق إسحاق بن عبيد الله المدني، قال: سمعت عبد الله بن أبي مليكة يقول: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد ".
قال ابن أبي مليكة: سمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر: (اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي) .
والحديث مداره على إسحاق بن عبيد الله المدني: هو إسحاق بن عبد الله بن أبي مليكة التيمي.
هذا هو الأرجح في ترجمة هذا الراوي، وهذا هو الذي اختاره الأئمة البخاري، وأبوحاتم، وأبو زرعة، وابن أبي حاتم، والمزي، والذهبي، بينما ذهب ابن عساكر، وتبعه مغلطاي، وابن حجر إلى أن الراوي هنا هو: إسحاق بن عبيد الله بن أبي المهاجر.
وعلى كل حال فكلا الرجلين في عداد المجاهيل، وقد قال الذهبي عن إسحاق بن عبيد الله المدني: "مقبول"، وقال ابن حجر: "مجهول الحال".
ينظر: (التاريخ الكبير 1/398) ، (الجرح والتعديل 2/228) ، (تهذيب الكمال 2/456) (الكاشف 1/237) ، تهذيب التهذيب 1/220، التقريب /102.
تخريجه:
* أخرجه الحاكم 1/422، والبيهقي في " فضائل الأوقات " (300) ح (142) من طريق إسحاق به بنحوه.
* وأخرجه أبوداود الطيالسي، عن أبي محمد المليكي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده بلفظ:" للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة، فكان عبد الله بن عمرو إذا أفطر دعا أهله وولده، ودعا".
الحكم عليه:(7/161)
إسناد ابن ماجه متصل، ورجاله ثقات، سوى إسحاق بن عبيد الله، فإنه مجهول الحال، ولذا فإن قول البوصيري في "المصباح" 1/310، وفي "إتحاف الخيرة" 3/443: "إسناده صحيح" فيه نظر، والسبب في تصحيحه للإسناد هو أنه ظن أن إسحاق بن عبيد الله بن الحارث الذي وثقه أبو زرعة، وقال النسائي فيه: لابأس به، كما نقل هو ذلك في كلامه، وليس الأمر كذلك، بل الراوي هو إسحاق بن عبيد الله بن أبي مليكة كما تقدم بيان ذلك.
وأما الطريق التي رواها أبوداود الطيالسي فهي عن أبي محمد المليكي، ولم أظفر لهذا الرجل بترجمة ـ بعد البحث ـ فلا يحكم لهذه المتابعة بشيء حتى يعرف حاله، وعليه فهو طريق ضعيف، لاسيما وقد تفرد به عن عمرو بن شعيب مع كثرة أصحابه، إذْ لم أقف ـ بعد البحث ـ على متابعٍ له.
وقد ضعَّف حديث الباب جماعة من أهل العلم، ومنهم:
المنذري في "الترغيب والترهيب" 2/89، وأشار ابن القيم إلى ضعفه بقوله في "الزاد" 2/52: "ويُذكر عنه ... " ثم ذكره، فصدّره بصيغة التمريض، وقد حسن الحديث الحافظ ابن حجر ـ كما في الفتوحات الربانية" لابن علان 4/342.
2- حديث ابن عمر -رضي الله عنه-:
أخرجه أبو داود 2/765 باب القول عند الإفطار ح (2357) من طريق مروان ـ يعني ابن سالم المقفع ـ قال: رأيت ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع مازاد على الكف، وقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-; إذا أفطر قال: " ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله ".
والحديث مداره على مروان بن سالم المفقّع: بفاء ثم قاف ثقيلة، كذا ضبطه ابن حجر في التقريب عند ذكر اسمه، وفي تهذيب التهذيب، وفي الألقاب من التقريب بـ (المقفع) قاف ثم فاء. وفي النزهة ضبطه بـ (المقنع) قاف ثم نون، وهو كذلك في المستدرك للحاكم.(7/162)
والذي في سنن أبي داود، والسنن الكبرى للنسائي، وسنن الدارقطني، وسنن البيهقي، وتحفة الإشراف، وتهذيب الكمال، ورد بقاف ثم فاء. والله أعلم.
ذكره ابن حبان في الثقات، ولذا قال الذهبي: " وثق "، والحافظ ابن حجر " مقبول ".
ينظر: السنن الكبرى للنسائي 2/255، 6/82،سنن الدارقطني 2/146،مستدرك الحاكم 1/422، سنن البيهقي 4/239، تهذيب الكمال 27/390، تحفة الأشراف 6/46، الكاشف 2/253، التقريب/526،725، نزهة الألباب 2/191،92.
تخريجه:
*أخرجه النسائي في " الكبرى " 2/255 باب ما يقول إذا أفطر ح (3329) ، وفي 6/82 كتاب عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا أفطر ح (10131) ، والدارقطني 2/146 ح (2256) ، والحاكم 1/422،والبيهقي 4/239 من طرق عن علي بن الحسن بن شقيق به بنحوه.
وإسناده ضعيف من أجل مروان المقفع، فإنه في عداد المجاهيل، وقد قال الدارقطني عقب إخراج الحديث: " تفرد به الحسين بن واقد، وإسناده حسن " اهـ، وصححه الحاكم.
ونقل المزي في تهذيب الكمال 27/391 عن ابن منده أنه قال: "هذا حديث غريب، لم نكتبه إلا من حديث الحسين بن واقد ".
وقد تقدم في ترجمة الحسين أن له أوهاماً في حديثه، فلعل هذا منها، ويؤيد هذا كلام الإمامين الدارقطني، وابن منده اللذين نصّا على تفرد الحسين به. والله أعلم.
ولم أقف - بعد البحث - على شواهد لحديث الباب المرفوع الذي فيه الدعاء عند الإفطار، إلاّ أن البيهقي في شعب الإيمان 3/407 روى من طريق عبد العزيز بن أبي روّاد، عن نافع قال ابن عمر: كان يقال إن لكل مؤمن دعوة مستجابة عند إفطاره إما أن يعجل له في دنياه أو يدخر له في آخرته، قال: فكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول عند إفطاره: يا واسع المغفرة اغفر لي.(7/163)
وفي إسناده محمد بن يزيد بن خنيس - الراوي عن ابن أبي رواد - قال عنه أبو حاتم الرازي لما سئل: كان شيخاً صالحاً، كتبنا عنه بمكة، وكان ممتنعاً من التحديث، أدخلنا عليه ابنه، قال ابن أبي حاتم، فقيل لأبي فما قولك فيه؟ قال: ثقة ـ كما في الجرح 8/127 - وقال ابن حبان: كان من خير الناس، ربما أخطأ، يجب أن يعتبر بحديثه، إذا بيّن السماع في خبره - كما في (تهذيب الكمال 27/17) وهو هنا لم يبين السماع بل قال: قال عبد العزيز بن أبي روّاد. وقال الذهبي: "هو وسط" كما في (الميزان 4/68) .
وفي الإسناد أيضاً ابن أبي روّاد، وهو صدوق عابد ربما وهم ـ كما في التقريب (357) ، وهو مع هذا تفرّد به عن نافع، إذْ لم أقف على من تابعه، وقد تكلم فيه بعض النقاد بخصوص روايته عن نافع، فقال ابن حبان في (المجروحين 2/136) : " وكان ممن غلب عليه التقشف حتى كان لا يدري ما يحدث به، فروى عن نافع أشياء، لا يشكّ مَن الحديثُ صناعته إذا سمعها، أنها موضوعة، كان يحدث بها توهماً لا تعمداً.. "، ثم ذكر ابن حبان بعد ذلك أنه روى نسخة موضوعة لا يحل ذكرها إلاّ على سبيل الاعتبار.
3 - عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أفطر قال: بسم الله، اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت ".
أخرجه الطبراني في (الأوسط 7/347) ح (7549) ، وفي (الصغير 2/51) من طريق داود بن الزبرقان، عن شعبة، عن ثابت، عن أنس فذكره.
وفي الإسناد علتان وهما:
الأولى: داود بن الزبرقان، وهو متروك الحديث، كما في التقريب (198) .
الثانية: أنه على ضعفه الشديد، تفرد به عن شعبة، كما قاله الطبراني في الموضعين السابقين، ولذلك قال ابن حجر في (التلخيص 2/202) : " بسند ضعيف " اهـ، وهو دون ذلك بكثير، والله أعلم.(7/164)
4 - عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أفطر قال:" لك صمت وعلى رزقك أفطرت، فتقبل مني إنك أنت السميع العليم ".
أخرجه الطبراني في (الكبير 12/146) ح (12720) ،و (الدارقطني 2/147) ح (2257) من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس.
وعبد الملك هذا قال عنه ابن معين والأزدي: كذاب، وقال أبو حاتم: متروك ذاهب الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث، كما في (الميزان 2/666) .
وفي الباب أيضاً آثار عن بعض السلف في الدعاء عند الصوم ومنها:
أثر الربيع بن خثيم، وهو ثقة عابد مخضرم ـ كما في التقريب (206) ـ فقد كان يقول: " الحمد لله الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت ".
أخرجه ابن فضيل في كتاب "الدعاء" (238) رقم (67) ، وعنه ابن أبي شيبة (2/344) ح (9744) عن حصين بن عبد الرحمن السلمي قال: كان الربيع بن خثيم يقول: فذكره. والله أعلم.
وبعد: فإن هذه الأحاديث ـ كما يلاحظ القارئ الفاضل ـ منها ما ضعفه يسير، بل حسّنه بعض أهل العلم، ومنها ما هو دون ذلك، ومجموعها مع اختلاف مخارجها، يدل -بلا ريب- مع دلالة القرآن كما سيأتي على مشروعية الدعاء في هذه المواطن الشريفة.
والدعاء -كما هو معلوم- مشروع في كل وقت، فكيف بالأزمنة والأمكنة الفاضلة؟ هي بلا شك أولى وأحرى؛ لكونها مظنة الإجابة.
ولله درّ الحافظ ابن كثير -رحمه الله- حين قال عند تفسير قوله -تعالى-: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " [البقرة: 186]ـ (1/208) :
" وفي ذكره -تعالى- هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام، إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة، بل وعند كل فطر، كما رواه الإمام أبو داود الطيالسي في مسنده ... " ثم ذكر جملة من الأحاديث السابقة.(7/165)
صحة حديث باب الريان
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 11/9/1422
السؤال
ما صحة حديث:" إن في الجنة باباً يقال له الريان لا يدخله إلا الصائمون"؟
الجواب
حديث: "إن في الجنة باباً يقال له الريان لا يدخله إلا الصائمون ".
هذا الحديث أخرجه الشيخان ـ (البخاري 2/29) ح (1896) ،و (مسلم 2/808) ح (1152) ـ من طريق أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه-،عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد".(7/166)
حكم التهنئة بشهر رمضان
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 29/08/1425هـ
السؤال
ما حكم التهنئة بقدوم شهر رمضان المبارك حيث سمعنا من ينكر ذلك، ويرى أنه من البدع؟ نرجو الإفادة مشكورين.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذا بحث مختصر حول: حكم التهنئة بدخول شهر رمضان، حاولت أن أجمع فيه أطرافه، راجياً من الله تعالى التوفيق والسداد.
وقبل البدء بذكر حكم المسألة لا بد من تأصيل موضوع التهنئة
فيقال: التهاني ـ من حيث الأصل ـ من باب العادات، والتي الأصل فيها الإباحة، حتى يأتي دليل يخصها، فينقل حكمها من الإباحة إلى حكم آخر.
ويدل لذلك ـ ما سيأتي ـ من تهنئة بعض الصحابة بعضاً في الأعياد، وأنهم كانوا يعتادون هذا في مثل تلك المناسبات.
يقول العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ مبيناً هذا الأصل في جواب له عن حكم التهاني في المناسبات؟ ـ كما في "الفتاوى" في المجموعة الكاملة لمؤلفاته (348) ـ:
" هذه المسائل وما أشبهها مبنية على أصل عظيم نافع، وهو أن الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز، فلا يحرم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الشارع، أو تضمن مفسدة شرعية، وهذا الأصل الكبير قد دل عليه الكتاب والسنة في مواضع، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.
فهذه الصور المسؤول عنها وما أشبهها من هذا القبيل، فإن الناس لم يقصدوا التعبد بها، وإنما هي عوائد وخطابات وجوابات جرت بينهم في مناسبات لا محذور فيها، بل فيها مصلحة دعاء المؤمنين بعضهم لبعض بدعاء مناسب، وتآلف القلوب كما هو مشاهد.(7/167)
أما الإجابة في هذه الأمور لمن ابتدأ بشيء من ذلك، فالذي نرى أنه يجب عليه أن يجيبه بالجواب المناسب مثل الأجوبة بينهم، لأنها من العدل، ولأن ترك الإجابة يوغر الصدور ويشوش الخواطر.
ثم اعلم أن هاهنا قاعدة حسنة، وهي: أن العادات والمباحات قد يقترن بها من المصالح والمنافع ما يلحقها بالأمور المحبوبة لله، بحسب ما ينتج عنها وما تثمره، كما أنه قد يقترن ببعض العادات من المفاسد والمضار ما يلحقها بالأمور الممنوعة، وأمثلة هذه القاعدة كثيرة جداً " اهـ كلامه.
وقد طبق الشيخ ـ رحمه الله ـ هذا عملياً حينما أرسل تلميذه الشيخ عبد الله ابن عقيل خطاباً له في أوائل شهر رمضان من عام 1370هـ، وضمنه التهنئة بالشهر الكريم فرد الشيخ عبد الرحمن ـ رحمه الله ـ بهذا الجواب في أول رده على رسالة تلميذه: "في أسر الساعات وصلني كتابك رقم 19/9 فتلوته مسروراً، بما فيه من التهنئة بهذا الشهر، نرجو الله أن يجعل لنا ولكم من خيره أوفر الحظ والنصيب، وأن يعيده عليكم أعواماً عديدة مصحوبة بكل خير من الله وصلاح " اهـ. كما في الأجوبة النافعة (ص:280) ، وفي صفحة (284) ضمن الشيخ رسالته المباركة في العشر الآواخر.
وللشيخ ـ رحمه الله ـ كلام في منظومة القواعد ـ كما في المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي 1/143 ـ يقرر فيه هذا المعنى، وللمزيد ينظر (الموافقات) للشاطبي 2/212 ـ 246 ففيه بحوث موسعة حول العادات وحكمها في الشريعة.
فإذا تقرر أن التهاني من باب العادات، فلا ينكر منها إلاّ ما أنكره الشرع، ولذا: مرّر الإسلام جملة من العادات التي كانت عند العرب، بل رغب في بعضها، وحرّم بعضها، كالسجود للتحية.
وبعد هذه التوطئة يمكن أن يقال عن التهنئة بدخول الشهر الكريم:
قد ورد في التهنئة بقدومه بعض الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أذكرها جملة منها، وهي أقوى ما وقفت عليه، وكلها لا تخلو من ضعف، وبعض أشد ضعفا من الآخر:(7/168)
1- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم ". أخرجه النسائي 4/129 ح (2106) ،وأحمد 2/230،385،425 من طرق عن أيوب، عن أبي قلابة ـ واسمه عبد الله بن زيد الجرمي ـ عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
والحديث رجاله رجال الشيخين إلا أن رواية أبي قلابة عن أبي هريرة مرسلة، أي أن في الإسناد انقطاعاً ينظر: تحفة التحصيل لأبي زرعة العراقي (176) .
والحديث أصله في الصحيحين ـ البخاري 2/30 ح (1899) ،ومسلم 2/758 ح (1079) ـ ولفظ البخاري: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين " ولفظ مسلم: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ـ وفي لفظ (الرحمة) ـ وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين ".
قال ابن رجب (رحمه الله) في "اللطائف" (279) : " وكان النبي ح يبشر أصحابه بقدوم رمضان،.... ثم ساق هذا الحديث، ثم قال: قال العلماء: هذا الحديث أصلٌ في تهنئة الناس بعضهم بعضاً في شهر رمضان ".
2- حديث أنس - رضي الله عنه - قال: دخل رمضان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم".
أخرجه ابن ماجه ح (1644) من طريق محمد بن بلال، عن عمران القطان، عن قتادة، عن أنس - رضي الله عنه -.
وهذا الإسناد ضعيف لوجهين:
الوجه الأول: أن فيه محمد بن بلال البصري، التمار.(7/169)
قال أبو داود: ما سمعت إلاَّ خيراً، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العقيلي ـ في "الضعفاء "4 / 37 ترجمة (1584) ـ: " بصري يهم في حديثه كثيراً "،وقال ابن عدي ـ في "الكامل"6/134 ـ: "له غير ما ذكرت من الحديث، وهو يغرب عن عمران القطان، له عن غير عمران أحاديث غرائب، وليس حديثه بالكثير، وأرجو أنه لا بأس به ".
وحديث الباب من روايته عن عمران، فلعله مما أغرب به على عمران.
وقد لخص الحافظ ابن حجر حاله بقوله في "التقريب" (5766) : "صدوق يغرب ".
الوجه الثاني: أن في سنده عمران بن داوَر، أبو العوام القطان، كان يحيى القطان لا يحدث عنه، وقد ذكره يوماً فأحسن الثناء عليه ـ ولعل ثناء عليه كان بسبب صلاحه وديانته، جمعاً بين قوله وأقوال الأئمة الآتية ـ، لكن قال أحمد (أرجو أن يكون صالح الحديث) ،وقال مرةً (ليس بذاك) ،وضعفه ابن معين، وأبو داود، والنسائي، وقال الدارقطني: كثير الوهم والمخالفة، وقد ذكره ابن حبان في الثقات. ينظر:
"سؤالات الحاكم للدار قطني" (261 رقم 445) ،"تهذيب الكمال" 22 / 329،"الميزان " 3 / 236، "موسوعة أقوال الإمام أحمد في الرجال " 3 / 121.
وقال الحافظ ابن حجر ملخصاً أقوال من سبق: "صدوق يهم، ورمي برأي الخوارج " كما في "التقريب": (5150) .
وعمران هذا روى الحديث عن قتادة، ولم أقف له على متابع، فهذا مظنة الضعف والغرابة.
وذكر الإمام البرديجي كلاماً قوياً يبين فيه حكم الأحاديث التي يتفرد فيها أمثال هؤلاء الرواة عن الأئمة الحفاظ، فيمكن أن ينظر: "شرح العلل " 2 / 654،697،لابن رجب، ونحوه عن الإمام مسلم في مقدمة صحيحه 1/7.(7/170)
وقتادة بلا ريب من كبار الحفاظ في زمانه، روى عنه جمعٌ كبير من الأئمة، كما قال الذهبي في "السير" 5/270:"روى عنه أئمة الإسلام، أيوب السختياني وابن أبي عروبة، ومعمر بن راشد، والأوزاعي، ومسعر بن كدام، وعمرو بن الحارث المصري وشعبة،. . . . ." ثم ذكر جملة منهم فأين هؤلاء من هذا الحديث؟
3- حديث سلمان - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في آخر يومٍ من شعبان، فقال "أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء ".
قالوا ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم؟! فقال: "يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة، أو شربة ماء، أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار، واستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لاغنى بكم عنها: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار، ومن أشبع فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة ".
أخرجه في صحيحه 3/191ح (1887) ، وهو حديث لا يصح، فقد سئل أبو حاتم عنه -"العلل" لابنه 1/249 - فقال: "هذا حديث منكر"،وقال ابن خزيمة ـ في الموضع السابق ـ: "إن صح الخبر"، وقال ابن حجر في إتحاف المهرة 5/561: "ومداره على علي بن زيد، وهو ضعيف".
وخلاصة تضعيف هؤلاء الأئمة لهذا الخبر تعود إلى أمرين:(7/171)
ـ ضعف علي بن زيد.
ـ ومع ضعفه فقد تفرد به، كما قال الحافظ ابن حجر.
وبهاتين العلتين يتضح وجه استنكار أبي حاتم ـ رحمه الله ـ.
وقد ذهب الجمهور من الفقهاء إلى أن التهنئة بالعيد لا بأس بها، بل ذهب بعضهم إلى مشروعيتها، وفيها أربع روايات عن الإمام أحمد (رحمه الله) ، ذكرها ابن مفلح (رحمه الله) في (الآداب الشرعية 3/219) وذكر أن ما روي عنه من أنها لا بأس بها هي أشهر الروايات عنه.
وقال ابن قدامة في "المغني" 3/294: "قال الإمام أحمد (رحمه الله) قوله: ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد: تقبّل الله منا ومنك، وقال حرب: سئل أحمد عن قول الناس: تقبل الله منا ومنكم؟ قال: لا بأس، يرويه أهل الشام عن أبي أمامة، قيل: وواثلة بن الأسقع؟، قال: نعم، قيل: فلا تكره أن يقال: (هذا يوم العيد) ؟، قال: لا....".
فيقال: إذا كانت التهنئة بالعيد هذا حكمها، فإن جوازها في دخول شهر رمضان الذي هو موسمٌ من أعظم مواسم الطاعات، وتنزل الرحمات، ومضاعفة الحسنات، والتجارة مع الله.. من باب أولى، والله أعلم.
ومما يُستدَل به على جواز ذلك أيضاً: قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه - الثابتة في الصحيحين من البشارة له ولصاحبه بتوبة الله عليهما، وقيام طلحة (رضي الله تعالى عنه) إليه.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ ضمن سياقه لفوائد تلك القصة في "زاد المعاد" 3/585:
" وفيه دليل على استحباب تهنئة من تجددت له نعمة دينية، والقيام إليه إذا أقبل، ومصافحته، فهذه سنة مستحبة، وهو جائز لمن تجددت له نعمة دنيوية، وأن الأَوْلى أن يقال: يهنك بما أعطاك الله، وما منّ الله به عليك، ونحو هذا الكلام، فإن فيه تولية النعمة ربّها، والدعاء لمن نالها بالتهني بها ".(7/172)
ولا ريب أن بلوغ شهر رمضان وإدراكَه نعمةٌ دينية، فهي أولى وأحرى بأن يُهنّأ المسلم على بلوغها، كيف وقد أثر عن السلف أنهم كانوا يسألون الله عز وجل ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، وفي الستة الأخرى يسألونه القبول؟، ونحن نرى العشرات ونسمع عن أضعافهم ممن يموتون قبل بلوغهم الشهر.
وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: " ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة، أو يندفع من نقمة: بمشروعية سجود الشكر، والتعزية ـ كذا في الموسوعة الفقهية التي نقلت عنها ـ، وبما في الصحيحين عن كعب بن مالك ... ) نقلاً عن الموسوعة الفقهية الكويتية، 14/99ـ100، وينظر: وصول الأماني، للسيوطي وقد بحثت عن كلام الحافظ في مظنته ولم اهتد إليه، وينظر: وصول الأماني، 1/83 (ضمن الحاوي للفتاوى) .
خلاصة المسألة:
وبعد هذا العرض الموجز يظهر أن الأمر واسع في التهنئة بدخول الشهر، لا يُمنع منها، ولا ينكر على من تركها، والله أعلم.
هذا، وقد سألت شيخنا الإمام عبد العزيز بن ابن باز ـ رحمه الله ـ عنها قال: "طيبة"،وكذلك سألت شيخنا العلامة (محمد بن صالح العثيمين) رحمه الله عن التهنئة بدخول شهر رمضان، فقال: (طيبة جدّاً) ، وذلك في يوم الأحد 8/9/1416هـ، حال بحثي في هذه المسألة.(7/173)
وقد سئل العلامة محمد الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله ـ (صاحب الأضواء) عن الصفة الشرعية للتهنئة برمضان والمناسبات الأخرى كالعيدين؟ فأجاب رحمه الله بجواب مطول، خلاصته: أنه لا يعلم صفة معينة في هذا الشأن إلا ما ورد في العيدين ـ كما سبق نقله ـ وأن الإنسان إذا اقتصر على الوارد كان أفضل، لكن لو ابتدأه غيره فلا حرج أن يجيبه من باب رد التحية بخير منها، فلو اتصل الإنسان على أخيه، أو زاره وقال له: نسأل الله أن يجعل هذا الشهر عونا على طاعته، أو يعيننا وإياكم على صيامه وقيامه، فلا حرج إن شاء الله، لأن الدعاء كله خير وبركة، لكن لا يلتزم بذلك لفظاً مخصوصاً، ولا تهنئة مخصوصة. نقلاً من شريط: (آداب الاستئذان) .
أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا البحث، وما كان فيه من صواب، فإن كان كذلك فمن الله وحده، وإن أخطأت فأنا أهلٌ لذلك، وأستغفر الله وأتوب إليه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتب أصله في شهر شعبان عام 1417هـ، وأعيدت كتابته وصياغته بإضافات كثيرة في 27/8/1422هـ(7/174)
دعاء دخول شهر رمضان
المجيب د. صالح بن فوزان الفوزان
عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 29/08/1425هـ
السؤال
هل هناك أدعية مخصصة عند دخول شهر رمضان المبارك من السنة؟ وماذا يجب على المسلم أن يدعو به في تلك الليلة أفيدوني -بارك الله فيكم-؟
الجواب
لا أعلم دعاءً خاصاً يقال عند دخول شهر رمضان، وإنما هو الدعاء العام عن سائر الشهور، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى الهلال في رمضان وفي غيره يقول:" اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام هلال خير ورشد ربي وربك الله " وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول:" الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام ربي وربك الله " هذا الدعاء الوارد عند رؤية الهلال لرمضان ولغيره، أما أن يختص رمضان بأدعية تقال عند دخوله فلا أعلم شيئاً في ذلك، لكن لو دعا المسلم بأن يعينه الله على صوم الشهر وأن يتقبله منه فلا حرج في ذلك، لكن لا يتعين دعاء مخصص. المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ/صالح الفوزان، الجزء الرابع ص (92) فتوى رقم (91) .(7/175)
صحة حديث (صوموا تصِحُّوا)
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها
التاريخ 2/9/1422
السؤال
نرجوا بيان صحة حديث: صوموا تصِحُّوا:
الجواب
هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - منهم:
01 أبو هريرة - رضي الله عنه -: أخرج حديثه العقيلي في " الضعفاء " 2/92 في ترجمة زهير بن محمد التميمي، والطبراني في " الأوسط " 8/213 ح (8312) من طريق زهير بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: " اغزوا تغنموا، وصوموا تصحوا، وسافروا تستغنوا ".
قال العقيلي عقب إخراجه: " لا يتابع عليه إلا من وجه فيه لين ".
وقال الطبراني: " لم يروِ هذا الحديث عن سهيل بهذا اللفظ إلا زهير "
وضعفه العراقي في " تخريج الإحياء" 3/115
02 علي - رضي الله عنه - أخرجه ابن عدي في " الكامل " 2/357 من طريق حسين بن عبد الله بن ضميرة بن أبي ضميرة، عن أبيه عن جده، عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " صوموا تصحوا " وإسناده تالف؛ لأن حسيناً هذا متروك الحديث كما قاله أحمد والنسائي وغيرهما، وقال عنه البخاري: منكر الحديث، كما ذكر ذلك ابن عدي عنهم.
03 عن ابن عباس - رضي الله عنه -: أخرجه ابن عدي في " الكامل " 7/57 من طريق نهشل بن سعيد عن الضحاك، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " سافروا تصحوا، وصوموا تصحوا، واغزوا تغنموا ".
وإسناده ضعيف جداً، إن لم يكن موضوعاً؛ لأن نهشل بن سعيد قال عنه ابن راهويه: كان كذاباً، وقال النسائي: متروك الحديث.
وخلاصة القول:(7/176)
أن الحديث روي عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم -، ولا يصح منها عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم - شيء، ولا يعني ذلك بطلان معناه؛ لأن الأطباء يتحدثون كثيراً عن فوائد الصيام الصحية، وهو أمر مشاهد ومعروف، بل هو - أي الصيام - من الأساليب التي يستخدمها بعض الأطباء لعلاج بعض الأعراض، ولكن هنا ينبغي التنبُّه لأمرين:
الأول: أن المحدثين يهتمون ببيان صحة الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهل هو ثابت عنه من ذلك الطريق أم لا؟ وقد يكون معناه صحيحاً، أو صح موقوفاً عن بعض الصحابة - رضي الله عنهم - إلا أن صحة المعنى أو ثبوته عن الصحابي شيء، وصحة نسبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - شيء آخر.
الثاني: أن بعض الناس حينما يتحدث عن فوائد بعض العبادات الصحية أو الطبية، يوغل في ذلك ويبالغ مبالغة غير محمودة، حتى إنه ليخيل لبعض المستمعين أن تلك العبادة إنما شرعت لهذه الفوائد الطبية أو تلك، وهذا خطأ! لأن الغاية العظمى من مشروعية العبادات هي تعبيد الناس لرب العالمين - جل جلاله - وحصول التذلل له -سبحانه- وزيادة الإيمان بالإقبال عليه - تبارك وتعالى -، وحصول التأسي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي شرع وبين لأمته هذه العبادات العظيمة.. نعم، في العبادات فوائد صحية وبدنية، لكنها تبع، وليست أصلاً، فينبغي أن تعطى حجمها اللائق بها، والله أعلم.(7/177)
إفطار الصائم بالنية!
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 13/9/1424هـ
السؤال
كنا في مجلس علم (دورة أسبوعية لحفظ القرآن الكريم وفي أحد أيام العشر من ذي الحجة) ، وكان أغلب الحاضرات صائمات، وكذا ملقية الدرس، وقد كانت تشرح جزئية معينة، فأذن المؤذن لصلاة المغرب.. فقالت: (إذا ممكن يا أخوات أفطروا بالنية، واعتبروا الأذان بعد ربع ساعة، وركِّزوا معي الآن) ، وحينما مرّرنا شيئاً من التميرات بيننا تضايقت كثيراً، وقالت بأن هذا يتنافى مع آداب مجلس العلم، ولم تنهِ الدرس إلا بعد ربع ساعة تقريباً من الأذان، وحينما ناقشتها في ذلك قالت: إنه دفع لأعلى المفسدتين (وهي ضياع التركيز على هذه المعلومة) بأدناهما وهي تأخير الإفطار، فأحببت التأكد من ذلك، وما أصل الإفطار بالنية؟ وهل له مستند شرعي؟ علماً أن الدرس من بعد صلاة العصر وحتى صلاة العشاء.
الجواب
كان الأولى -فيما أرى- المبادرة إلى الإفطار؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" البخاري (8957) ، ومسلم (8098) متفق عليه، ولأن المبادرة إلى الفطر تفوت بخلاف الدرس فإنه يمكن استدراكه فيما بعد، والإفطار بالنية إنما يكون عند عدم وجود الطعام، أما مع وجود أكل أو شرب فإن الإفطار بالنية لا أصل له وليس بمشروع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- "كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن رطبات فتمرات، فإن لم يكن تمرات حسا حسوات من ماء" الترمذي (696) ، وأبو داود (2356) ، وغيرهما، وقال الألباني حسن صحيح، كما قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-.
وعلى كل حال مثل هذه الأمور ينبغي استعمال الرفق فيها، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: " ما كان الرفق في شيء إلا زانه " مسلم (2594) .(7/178)
الصيام وضرورة استعمال الدواء
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 26/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخي مريض بمرض شبيه بالقولون، يسمى (كرون) . وهو عبارة عن التهاب في المعدة وفقد الكثير من وزنه، ما يقارب 20 كيلو أو أكثر وهو الآن مجبر على أخذ الدواء في وقته. وعندما يقلل من نسبة الأدوية تسوء حالته كثيراً وهو يبلغ الآن 16 سنة، فماذا يفعل في رمضان هل يطعم عن كل يوم ويقضي بعد ذلك علماً بأن المرض قد يطول، أفيدونا رحمكم الله.
الجواب
إذا قرر طبيبان مسلمان أن أخاك يجب أن يأخذ الدواء في مواعيده وأن صيامه يضره فلا بأس بفطره، ثم يقضي ما أفطره من أيام إن كان هناك أمل في شفائه، وإن لم يكن ثم أمل في الشفاء بل هو مرض مزمن أي دائم فإن عليه الإطعام عن كل يوم يفطره لقوله تعالى: "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" [البقرة: 184] .(7/179)
الاختلاف بين وقت الإمساك ووقت الأذان
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 6/9/1424هـ
السؤال
أعيش الآن في دولة مسيحية وعند قدوم شهر رمضان يقوم دار الإفتاء بتوزيع أوراق تعلمنا بمواقيت الأذان والإقامة بالإضافة إلى أوقات الإمساك، فهل هذا يعني أن يمتنع الإنسان عن تناول أي شيء ابتداء من وقت الإمساك؟ هذا في شهر رمضان، وإذا أردت الصوم في أيام أخرى فمتى يجب علي الامتناع عن الأكل والشرب؟ وشكراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن وقت الإمساك سواء في صيام الفرض أو النافلة هو نفسه وقت طلوع الفجر الذي هو أول وقت صلاة الفجر.
فإذا كان المؤذن يؤذن حين طلوع الفجر ولا يتأخر إلى الإسفار، فحينئذ لا يجب عليك الإمساك إلا عند الأذان.
وما يوجد في بعض التقاويم من جعل وقت للإمساك يسبق وقت أذان الفجر بعشر دقائق أو نحوها فهو عملٌ لا أصل له في الشرع، وهو من التكلف والتنطع، وقد قال الله في كتابه آمراً رسوله -صلى الله عليه وسلم-:"قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين" [ص: 86] ، وقال -صلى الله عليه وسلم-:"هلك المتنطعون" مسلم (2670) .
فالحاصل أنه لا يجب عليك الإمساك إلا عند دخول وقت صلاة الفجر.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(7/180)
قضاء الصوم عن الوالد المتوفى
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 29/8/1424هـ
السؤال
توفي أبي في العشر الأواخر من رمضان تقريباً منذ ست سنين -رحمه الله- وعليه عشرة أيام تقريباً، سؤالي: هل أصوم عنه؟ وإذا كان الجواب: نعم، هل يكون الصيام لي براً أم ماذا؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا كان قد فطر هذه الأيام لمرض، واستمر معه المرض حتى توفاه الله فلا قضاء، ولا إطعام لأنه لم يتمكن من القضاء، فأما إن شفي بعد فطره وأمكنه القضاء ولم يقض ثم مات فيصوم عنه وليه، أو يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً.(7/181)
فتح المطاعم في نهار رمضان
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 18/09/1425هـ
السؤال
الإخوة الأعزاء حفظكم الله وسدد خطاكم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وجزاكم الله خيراً على ما تقومون به من خدمة جليلة للإسلام والمسلمين.
لدي استفسار أرجو أن تتفضلوا بالإجابة عنه ولكم جزيل الشكر، سؤالي كالتالي:
أنا مسؤول في جمعية إسلامية بفرنسا، والجمعية تملك مطعماً للوجبات السريعة؛ فهل يجوز لنا فتح المطعم وتقديم الوجبات للزبائن خلال شهر رمضان نهاراً؟ علماً أن عامة الزبائن في نهار رمضان من غير المسلمين، وربما بعض أبناء الجالية الإسلامية غير الملتزمين.
ونشير إلى أن القوانين تمنع التفرقة بين الزبائن؛ مثلاً: لا نستطيع تقديم الوجبات لغير المسلمين، والامتناع عن تقديمها لبعض من يتقدم من أبناء المسلمين وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(7/182)
نعم، يجوز لكم أن تبيعوا هذه الوجبات في نهار رمضان للكفار؛ لأنهم غير مأمورين بالصيام ابتداءً، ولا يصح منهم حال كفرهم، ولا مؤاخذين بتركه في الدنيا، ولكن لا يجوز أن يباع لهم ما هو محرم في ذاته كلحم الخنزير أو الخمر، وأما المنتسبون للإسلام فإن كان النظام ـ كما تذكر ـ يمنع التفرقة بين الزبائن، وغلب على ظنكم أنهم سيشكونكم إلى النظام إن امتنعتم عن بيعهم فأرى أن ذمتكم تبرأ بنصحكم لهم وإنكاركم عليهم الفطر في نهار رمضان، فإن استجابوا فالحمد لله، وإن لم يستجيبوا فعليهم إثمهم. والغالب الذي يشهد له الواقع أنه لا يتجاسر على الفطر في نهار رمضان من المنتسبين للإسلام إلا من هو على ترك الصلاة ـ التي تركها بالكلية كفر ـ أشد تجاسراً حتى لا يكاد يركع لله ركعةً سوى الجمع والأعياد، بل الغالب على هؤلاء أنهم أشد تعظيماً للصيام منهم للصلاة، ولذا نجدهم يحرصون على الصلاة في رمضان لأجل أنهم صائمون، فالأظهر أن هؤلاء الذين تتحرجون من البيع لهم من أبناء الجالية المسلمة، أنهم لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه، فهم محتاجون إلى الدعوة إلى الإسلام قبل كل شيء، هذا التفصيل فيما إذا كانت الوجبات التي تبيعونها قد جرت عادة الناس أنها تؤكل في حينها ولا تحتمل التأخير، أما إذا كانت هذه الوجبات والأطعمة مما يستطاب أكله ولو بعد مدة، فهذه يجوز بيعها في نهار رمضان للمسلمين كذلك، ولا يدخل في باب الإعانة على الإثم؛ لأنه لا يُقطع بأن مشتريها يأكلها في الحال، وقد جرت عادة المسلمين قديماً وحديثاً على بيعها في نهار رمضان من غير نكير.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(7/183)
متى يجب الصيام على الفتاة؟
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 10/9/1425هـ
السؤال
متى يجب الصيام على الفتاة؟
الجواب
يجب الصيام على الفتاة متى بلغت سن التكليف، ويحصل البلوغ بتمام خمس عشرة سنة، أو بإنبات الشعر الخشن حول الفرج، أو بإنزال المني المعروف، أو بالحيض، أو بالحمل، فمتى حصل بعض هذه الأشياء لزمها الصيام ولو كانت بنت عشر سنين فإن الكثير من الإناث قد تحيض في العاشرة أو الحادية عشرة من عمرها؛ فيتساهل أهلها ويظنونها صغيرة فلا يلزمونها بالصيام، وهذا خطأ فإن الفتاة إذا حاضت فقد بلغت مبلغ النساء وجرى عليها قلم التكليف، والله أعلم.
[فتاوى الصيام لابن جبرين ص: (33-34) ] .(7/184)
الفطر قبل أذان المغرب
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 23/9/1424هـ
السؤال
لي أصدقاء يقومون بالإفطار قبل أذان المغرب بما يعادل عشر دقائق عذراً منهم؛ لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما معناه إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا أفطر الصائم، وهل أذان المغرب أذان بوقت الإفطار أم لا؟ وماذا تنصحونهم مأجورين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإذا كان المؤذنون يؤخرون الأذان بعد غروب الشمس بمقدار هذا الوقت (عشر دقائق) ، فصيام هؤلاء صحيح؛ لأن العبرة بغروب الشمس، وليس بأذان المؤذن.
وينبغي تعزير المؤذنين الذين يتعمّدون تأخير الأذان بعد غروب الشمس بمثل هذا الوقت، ولو بقصد الاحتياط؛ إذ عملهم هذا من التورع البارد المذموم الذي لا ينبغي بحال، وهو ابتداع في الدين، فإن اتخاذهم هذا العمل عادة - من تعمّد تأخير الأذان عن غروب الشمس بعشر دقائق أو نحوها- يُلبس على الناس دينهم، فيعتقد العوام أن غروب الشمس بمجرده لا يبيح الفطر، وهذا مخالف لقوله -صلى الله عليه وسلم-:"إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم" أخرجه البخاري (1954) ، ومسلم (1100) من حديث عمر - رضي الله عنه -.
وعلى هذا فإن العبرة بالتحقق من غروب الشمس، وأما الأذان فإنما هو علامة على ذلك، فلو أخطأ المؤذن فأذن قبل الغروب لم يجز للصائم الفطر، ولو تأخّر بعد غروب الشمس لم يلزم الصائم الإمساك إلى أن يسمع الأذان، بل له الفطر بمجرد تيقنه من غروب الشمس.
أما إذا كان المؤذنون لا يؤذنون إلا عند غروب الشمس ولا يؤخرونه، فلا شك أن أصحابك قد أفطروا في نهار رمضان، وذلك بتقديمهم الإفطار قبل غروبها بعشر دقائق.
فعليهم التوبة إلى الله من هذا الصنيع، وقضاء ما أفطروه من تلك الأيام.
فإن كانوا لا يعلمون عدد ما أفطروه من الأيام، فعليهم أن يتحروا عددها بالاجتهاد والتقدير، وعسى الله أن يتوب عليهم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(7/185)
كيف تكون مراجعة المطلقة
المجيب راشد بن فهد آل حفيظ
القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 09/08/1425هـ
السؤال
شيخي الفاضل: لدي أكثر من سؤال: السؤال الأول هو أنني عندما كنت صغيرة أفطرت يوماً في رمضان لشدة الحر، ولم أخبر أحداً بذلك، والسؤال الثاني هو أنني تزوجت برجل متزوج، ونظراً لرفض زوجته وجودي في حياته طلقني مرتين، وكان ذلك الطلاق في المحكمة، وكان بعد أسبوع من كل طلقة يعيدني إليه، ولقد سألت أكثر من شيخ ومفت في بلدي، لمعرفة شرعية تلك العلاقة التي بيننا، فإذا بي أفاجأ بعدم الشرعية، وأن ما كان بيننا هو زنا؛ وذلك نظراً لأن العودة لم تكن معلنة، ولا يوجد شهود حتى لا تعلم زوجته الأولى، الآن أنا قطعت كل علاقة مباشرة به، وفي هذه الأثناء تقدم خاطب على أساس أنني مطلقة، فما هو الحكم في ذلك؟ وأرجو أن يكون الرد واضحاً ومستوفياً؛ وذلك نظراً لخطورة الأمر، وهناك شيء آخر هو زوجة زوجي الأولى لديها وثيقة موقعة من اثنين من الشهود، وبها اعترف من زوجي أنه طلقني أمامهما، إلا أنه ينكر ذلك، ويقول إن ذلك حدث فقط تجنبًا للمشاكل، فهل تحتسب تلك طلقة ثالثة، وبذلك أكون قد حرمت على زوجي؟ أفيدوني أثابكم الله عني كل خير.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
الجواب عن السؤال الأول: إذا كنت صغيرة لم تبلغي عندما أفطرت فلا بأس عليك، أما إن كنت بالغة فقد ارتكبت إثماً عظيماً يجب عليك التوبة منه، كما يجب عليك قضاء هذا اليوم؛ لأنك لما ابتدأت صيامه أصبح كالمنذور عليك، أما حديثك من أفطر متعمداً في نهار رمضان لم يقبل منه صيام الدهر كله، فهذا حديث ضعيف لا يصح، هذا أولاً.(7/186)
ثانياً: أن من ترك صيام يوم من أوله ولم يعزم من الليل على صومه، فإن هذا لا يقبل منه قضاء هذا اليوم؛ لأن القاعدة من ترك عبادة متعمداً حتى خرج وقتها ثم قضاها فإنها لا تقبل منه، كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ محمد بن عثيمين - يرحمهما الله-. أما الجواب عن السؤال الثاني: فلا بد من بيان ما يلي:
أولاً: أنه لا يشترط للعودة والرجعة بعد الطلاق أن يشهد شاهدان على ذلك، وهو مذهب الجمهور، وهو القول الصحيح، كما أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا صداق، ولا رضا المرأة، ولا علمها بالإجماع؛ لأن الرجعية في حكم الزوجة إلا في القسم للمبيت، ومسائل معدودة ذكرها الفقهاء في غير موضعها، وهذا ثانياً.
وبناءً عليه فإن كان زوجك قد أرجعك وأعادك بدون إشهاد أو إعلان فلا يؤثر ذلك على صحة الرجعة، وصحة النكاح، فإن قيل: قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم" [الطلاق: من الآية2] ، ألا يدل على اشتراط الإشهاد على الرجعة؟ فالجواب: لا: لا يدل على ذلك؛ لأن المقصود بذلك الإثبات والتوثيق، وحفظ حق الزوج، كما في البيع، فقد ورد الأمر بالإشهاد في القرآن، ومع ذلك فقد ثبت أن الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يشهد على عقد البيع، وعلى كل حال فالإشهاد على عقد البيع والرجعة من السنة بالإجماع، لكن ليس بشرط فيهما. وهذا ثالثاً.
رابعاً: إن كان زوجك طلقك الطلقة الثالثة - والحال كما ذكر قريباً- واعترف بذلك فهذه تعتبر طلقة ثالثة ما لم يوجد مانع؛ لأنه يشترط أن يطلقك وأنت طاهرة من غير جماع، أو حاملاً قد تبين حملك، أما إن طلقك وأنت حائض أو في طهر جامعك فيه فلا يقع الطلاق، كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- إلا إذا حكم به حاكم - أي القاضي-؛ لأن حكم القاضي ملزم ويرفع الخلاف في المسألة.(7/187)
خامساً: أنه بالنسبة للورقة التي كُتبت على زوجك فإن كان ينكر الطلاق، وأنه لم يحصل، أو أنه أراد الطلاق السابق وصدقتيه على ذلك فلا يعتبر طلاقاً جديداً، هذا إذا لم يصل الأمر إلى القاضي؛ لأنه قد يعتمد على ظاهر ما في هذه الورقة.
سادساً: أن من شروط صحة النكاح أن يشهد على عقد النكاح شاهدان، كما هو مذهب الجمهور، وذهب بعض العلماء إلى عدم اشتراط ذلك؛ لكون الحديث ضعيفاً، وذهب بعض العلماء إلى أنه يشترط إما الإشهاد وإما الإعلان، وأنه إذا وجد الإعلان كفى عن الشهادة، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو القول الصحيح.
وبناءً عليه إن كان زوجك عندما تزوجك في أول الأمر لم يشهد، أو لم يعلن النكاح فزواجكما غير صحيح، وما ترتب عليه من طلاق ونحوه يعتبر لاغياً؛ إذ لا زواج بينكما، وتعتبرين أجنبية منه لا تحلين له ولا لغيره، إلا بعقد جديد مستوفٍ للشروط، لكن إن أردت الزواج من غيره فعليك العدة، وهي حيضة واحدة؛ لأن النكاح غير صحيح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- وعليك أن تراجعي المحكمة فيما يتعلق بالعقد الذي بينكما، هذا إذا لم يشهد على عقد النكاح. وهذا سابعاً.
ثامنًا: أن عدة الطلاق في النكاح الصحيح ثلاث حيض، أو بوضع الحمل إن كنت حاملاً، فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة، أو وضعت الحمل تكون العدة قد انتهت، ولا يمكن لزوجك أن يراجعك إلا بعقد جديد ومهر جديد، أما إذا لم تنته العدة فللزوج أن يراجع زوجته بقوله: راجعتك أو نحوه، أو يجامعها بنية الرجعة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(7/188)
هل ليلة القدر واحدة فقط؟
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الصيام/أحكام الاعتكاف والعشر الأواخر
التاريخ 10/05/1425هـ
السؤال
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن ليلة القدر: "التمسوها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان"، ونظراً لاختلاف التقويم بين البلاد الإسلامية، فتختلف الليالي الوتر من بلد إلى آخر، فمثلاً هذا العام يوجد اختلاف بين مصر والسعودية في بداية الشهر، فتكون الليالي الوتر بمصر ليست وتراً في السعودية، فكيف يكون ذلك؟ وهل ليلة القدر هي واحدة فقط؟ -وجزاكم الله خير الجزاء-، وجعل ذلك في ميزان حسناتكم.
الجواب(7/189)
الذي يظهر لي أنها لا تتكرر، وإنما هي ليلة واحدة في السنة، والنبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "التمسوها في العشر الأواخر في الوتر" رواه البخاري (2016) ، ومسلم (1167) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، فكل العشر محل لأن تقع فيها ليلة القدر من وتر وغيره، وهو لما قال: "في الوتر"، لم يلغ الالتماس في غير الوتر، كما أنه قال: "التمسوها ليلة سبع وعشرين" انظر ما رواه مسلم (762) من حديث أُبي بن كعب-رضي الله عنه- أو: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر" رواه البخاري (2015) ، ومسلم (1165) من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما-"، وقال: "التمسوها في سبع يمضين، أو سبع يبقين" انظر ما رواه البخاري (2021) ، وهذا اللفظ عند أحمد (2539) ، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، وهذا يختلف من الشهر كونه تسع وعشرين أو ثلاثين، وعلى هذا فهي ليلة واحدة، فإذا كانت - مثلا- ليلة السبع وعشرين في السعودية فهي ليلة ثمان وعشرين في مصر، أو إذا كانت ليلة سبع وعشرين في مصر فهي ليلة ست وعشرين في السعودية بالنسبة لرمضان هذه السنة، والإنسان مطلوب منه أن يجتهد في العشر كلها، وهي ليلة خفية لم يعلم ما هي بالتحديد، ولهذا كان - عليه الصلاة والسلام- يعتكف في العشر الأواخر؛ طلباً لثوابها وإدراكها، وهو على حال يكون فيها أحسن ما يكون من التقرب إلى الله - تعالى- وحسن المناجاة له. والله ولي التوفيق.(7/190)
المعتكف واستخدام الهاتف
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الصيام/أحكام الاعتكاف والعشر الأواخر
التاريخ 19/9/1422هـ
السؤال
هل يجوز للمعتكف الاتصال بالهاتف لقضاء حوائج المسلمين؟
الجواب
نعم يجوز للمعتكف أن يتصل بالهاتف لقضاء بعض حوائج المسلمين إذا كان الهاتف في المسجد الذي هو معتكف فيه؛ لأنه لم يخرج من المسجد، أما إذا كان خارج المسجد فلا يخرج لذلك، وقضاء حوائج المسلمين إذا كان هذا الرجل معنياً بها لا يعتكف؛ لأن قضاء حوائج المسلمين أهم من الاعتكاف لأن نفعها متعدٍّ، والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر إلا إذا كان النفع القاصر من مهمات الإسلام وواجباته.
(كتاب الدعوة، الجزء الثالث، ص 61)(7/191)
ليلة القدر
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الصيام/أحكام الاعتكاف والعشر الأواخر
التاريخ 26/09/1425هـ
السؤال
اعتاد بعض المسلمين وصف ليلة سبع وعشرين من رمضان بأنها ليلة القدر، فهل لهذا التحديد أصل وهل عليه دليل؟.
الجواب
نعم، لهذا التحديد أصل وهو أن ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون ليلة للقدر كما جاء ذلك في صحيح مسلم من حديث أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه - ولكن القول الراجح من أقوال أهل العلم التي بلغت فوق أربعين قولاً: أن ليلة القدر في العشر الأواخر، ولا سيما في السبع الأواخر منها، فقد تكون ليلة سبع وعشرين، وقد تكون ليلة خمس وعشرين، وقد تكون ليلة السادس والعشرين، وقد تكون ليلة الرابع والعشرين ولذلك ينبغي للإنسان أن يجتهد في كل الليالي حتى لا يحرم من فضلها وأجرها، فقد قال الله تعالى: "إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين". وقال - عز وجل-:"إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر".
(كتاب الدعوة، الجزء الخامس، ص 204) .(7/192)
الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الصيام/أحكام الاعتكاف والعشر الأواخر
التاريخ 20/9/1422
السؤال
ما صحة الحديث: " لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة " وإن صح الحديث هل يعني فعلاً لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة؟
الجواب
يصح الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة إلا أنه يشترط في المسجد الذي يعتكف فيه إقامة صلاة الجماعة فيه، فإن كانت لا تقام فيه صلاة الجماعة لم يصح الاعتكاف فيه إلا إذا نذر الاعتكاف في المساجد الثلاثة فإنه يلزمه الاعتكاف بها وفاء لنذره.
مجموع فتاوى الشيخ/ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-،الجزء الخامس عشر، ص (444) .(7/193)
عمل المسلم في ليلة القدر
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الصيام/أحكام الاعتكاف والعشر الأواخر
التاريخ 23/09/1425هـ
السؤال
كيف يكون إحياء ليلة القدر؟ أبالصلاة أم بقراءة القرآن والسيرة النبوية والوعظ والإرشاد والاحتفال لذلك في المسجد؟
الجواب
أولاً: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر من رمضان مالا يجتهد في غيرها بالصلاة والقراءة والدعاء، فروى البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-:"كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر"، ولأحمد ومسلم:"كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها".
ثانياً: حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على قيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه الجماعة إلا ابن ماجه، وهذا الحديث يدل على مشروعية إحيائها بالقيام.
ثالثاً: من أفضل الأدعية التي تقال في ليلة القدر ما علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة -رضي الله عنها-، فروى الترمذي وصححه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:"قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ " قال:"قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".
رابعاً: أما تخصيص ليلة من رمضان بأنها ليلة القدر فهذا يحتاج إلى دليل يعينها دون غيرها، ولكن أوتار العشر الأواخر أحرى من غيرها والليلة السابعة والعشرون هي أحرى الليالي بليلة القدر؛ لما جاء في ذلك من الأحاديث الدالة على ما ذكرنا.(7/194)
خامساً: وأما البدع فغير جائزة لا في رمضان ولا في غيره، فقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي رواية:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
فما يفعل في بعض ليالي رمضان من الاحتفالات لا نعلم له أصلاً، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/412-413) ] .(7/195)
تأمير شخص على مجموعة في الاعتكاف
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/أحكام الاعتكاف والعشر الأواخر
التاريخ 4/8/1424هـ
السؤال
ما حكم الشرع في أن يؤمَّر شخص على مجموعة من الشباب في الاعتكاف؟ بحيث يقوم بتنظيم وقتهم في قراءة القرآن وبعض الدروس العلمية المفيدة. وهل ذلك مخالف لقصد الشارع من الاعتكاف؛ وهو الخلوة لذكر الله - عز وجل - والتعبُّد له - سبحانه وتعالى -.أفتونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
الذي جاء في السنة التأمير في السفر فقط دون الاجتماعات الأخرى انظر ما رواه أبو داود (2608) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، ولذلك لا يشرع فيما يظهر لي أن يؤمَّر شخص على المجموعة المعتكفة، لكن لا مانع من جعل واحد منهم منظماً للمجموعة؛ حيث يقوم بترتيب الأوقات الخاصة بالأكل أو النوم أو الاستفادة العامة ونحو ذلك، من غير أن يكون أميراً تلزم طاعته في هذا الاجتماع، والله أعلم.(7/196)
الاعتكاف يوماً أو يومين
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/أحكام الاعتكاف والعشر الأواخر
التاريخ 23/9/1424هـ
السؤال
نظراً لظروف عملي فإني لا أستطيع الاعتكاف طيلة العشر الأواخر، فهل يجوز لي أن أعتكف يوماً أو يومين؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نعم لا بأس أن يعتكف الإنسان يوماً أو يومين، فأقل الاعتكاف يوم أو ليلة؛ كما ورد أن عمر - رضي الله عنه - سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أوف بنذرك"، فأقل الاعتكاف يوم أو ليلة، هذا ما ورد في الشرع، لكن السنة يعتكف العشر كاملة.(7/197)
كتاب الحج والعمرة(7/198)
ما زاد على نفقات الحج عن الغير
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الحج والعمرة/الإنابة في الحج والعمرة
التاريخ 25/6/1424هـ
السؤال
سأقوم بالحج -إن شاء الله- عن شخص متوفى، وستقوم زوجة المتوفى بدفع مبلغ لي لمصروفات الحج، في حالة تبقى شيء من هذا المبلغ هل يجوز لي الانتفاع به أم يتم إرجاعه لزوجة المتوفى؟ نأمل الإفادة وجزاكم الله خيراً.
الجواب
عليك أن تعمل حسب اتفاقك مع المرأة، فإن كانت أعطتك المبلغ على أن تنفق منه وتعيد الباقي وجب عليك إعادته، وإن كانت أعطتك المبلغ على أن تنفق منه لحجك وتنتفع بما بقي فلك ذلك.(7/199)
الحج عن الميت من ماله
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الحج والعمرة/الإنابة في الحج والعمرة
التاريخ 12/11/1423هـ
السؤال
رجل مات ولم يقض فريضة الحج، وأوصى أن يحج عنه من ماله ويسأل عن صحة الحجة، وهل حج الغير مثل حجه لنفسه؟
الجواب
إذا مات المسلم ولم يقض فريضة الحج وهو مستكمل لشروط وجوب الحج وجب أن يحج عنه من ماله الذي خلفه سواء أوصى بذلك أم لم يوص، وإذا حج عنه غيره ممن يصح منه الحج وكان قد أدى فريضة الحج عن نفسه صح حجه عنه وأجزأ في سقوط الفرض عنه، وأما تقويم حج المرء عن غيره هل هو كحجه عن نفسه أو أقل فضلاً أو أكثر؟ فذلك راجع إلى الله سبحانه، ولا شك أن الواجب عليه المبادرة بالحج إذا استطاع قبل أن يموت، للأدلة الشرعية الدالة على ذلك، ويخشى عليه من إثم التأخير.
وبالله التوفيق، - وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم-.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/100) ](7/200)
الاستئذان في الحج عن الغير
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الحج والعمرة/الإنابة في الحج والعمرة
التاريخ 17/05/1425هـ
السؤال
أنوي الحج للمرة الثانية، ولي عم على قيد الحياة وغير قادر مادياً وجسدياً، هل يجوز لي أن أنوي عنه؟ وإذا جاز لي ذلك هل يجب علي أن أستأذنه؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
جاء في حديث ابن عباس في المرأة التي سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أباها شيخ كبير أدركته فريضة الله في الحج، وهو لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفتحج عنه؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:" حجي عنه" انظر: البخاري (1513) ، ومسلم (1334) فلا بأس أن يحج هذا الرجل عن عمه؛ لما تقدم من الحديث الآنف الذكر، وأما بالنسبة للاستئذان فلا بأس أن يستأذنه بعد أن يرجع من الحج، فإذا استأذنه فأجازه فإنه يقع فرض الحج، وإن استأذنه قبل أن يذهب إلى الحج فهذا هو الأحسن والأولى.(7/201)
الحج عن العاجز
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الحج والعمرة/الإنابة في الحج والعمرة
التاريخ 5/11/1423هـ
السؤال
عند رجل والدته وهي طاعنة في السن، ولم تؤد فريضة الحج لعدم استطاعتها ركوب السيارة، ولو كان واحد كيلو، فهل يلزم ابنها الحج عنها؛ لأنه مستعد بذلك إذا كان ذلك يجوز؟
الجواب
إذا كان الواقع كما ذكر من أن الأم لم تحج الفريضة وأنها عاجزة عن السفر لأداء الحج بنفسها، وجب على ولدها أن يحج عنها إذا استطاع ذلك، وكان قد حج عن نفسه؛ لما ثبت عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: "نعم"، وذلك في حجة الوداع، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: قالت: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير، عليه فريضة الله في الحج، وهو لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره، فقال - صلى الله عليه وسلم - "فحجي عنه".
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/84 - 85) ] .(7/202)
الحج عن الميت
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الحج والعمرة/الإنابة في الحج والعمرة
التاريخ 5/11/1423هـ
السؤال
رجل عمره 25 عاماً، توفي ولم يحج، فهل يجوز أن نحج عنه، وهل تكفي حجة بدون عمرة مع أن له مالاً؟
الجواب
من وجب عليه الحج ومات قبل أدائه أخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ويعتمر، ويجوز أن يحج عنه بدون إخراج من ماله إذا وجد من يتطوع بذلك، أما الحج فمعروف أنه أحد أركان الإسلام، ولا يسقط بموت من وجب عليه، وقد روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: "نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ أقضوا الله، فالله أحق بالوفاء"، وسألته - صلى الله عليه وسلم امرأة من خثعم قائلة: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: "حجي عن أبيك"، أما العمرة فلما روى الخمسة عن أبي رزين العقيلي، أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، فقال: "حج عن أبيك واعتمر".
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد آله وصحبه وسلم.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/87 - 88) ] .(7/203)
الحج والعمرة عن الغير
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الحج والعمرة/الإنابة في الحج والعمرة
التاريخ 13/8/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لم يسبق لي الذهاب لأداء كل من العمرة أو الحج، وأود -بإذن الله- أداء فريضة الحج، وأريد أن أؤدي العمرة لي وعمرة لكل من أمي وجدتي وجدي (المتوفين) - هل يكون الحج هنا حج تمتع أم قران؟ الرجاء الإفادة مع الشرح.
الجواب
لا بد أن يؤدي المسلم فريضة الحج والعمرة عن نفسه أولاً قبل أن يتطوع بها عن غيره؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- للرجل الذي لبى عن شبرمة:"حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة" رواه أبو داود (1811) وابن ماجة (2903) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما-.
وفي حال الأخت السائلة يجب أن تحج وتعتمر عن نفسها أولاً، وسواء حجت قارنة أم متمتعة فأي ذلك كافٍ؛ لأن كلاً من النسكين مشتمل على الحج والعمرة، لكن إن حجت متمتعة فهو أفضل؛ لما ورد فيه من النص، ولأن أعمال العمرة مستقلة عن الحج، فإذا فرغت من نُسكها فحينئذ لها أن تعتمر عمّن أرادت، وأما بيان صفة الحج تمتعاً وبيان صفته قراناً فيطول وصفه، ويمكنها أن تراجع الكتب المؤلفة الواضحة في ذلك، مثل: كتاب (التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة) للشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، فإن لم يتيسر لها ذلك فيمكنها إعادة السؤال ويأتيها الجواب مبسوطاً -إن شاء الله تعالى-.(7/204)
الحج عن الوالدين جميعاً حجة واحدة
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/الإنابة في الحج والعمرة
التاريخ 22/11/1422
السؤال
والدتي ووالدي كبيران في السن وأرغب أن أحج عنهما جميعاً في حجة واحدة فهل يجوز لي ذلك وهل هناك فرق بين الحج عن الميت والحي؟ أرشدوني رحمكم الله.
الجواب
إذا كان والداك لا يستطيعان الحج والعمرة لكبر سنهما فإنه يُشرع لك أن تحج عن كل واحد على حدة وأن تعتمر عنه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأله بعض الناس عن مثل هذا، حيث قال السائل: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه وأعتمر؟ فقال له -صلى الله عليه وسلم-:" حج عن أبيك واعتمر". وسألته امرأة من خثعم فقالت: يا رسول إن أبي شيخ كبير لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ فقال:" حجي عن أبيك" متفق على صحته. وليس لك أن تحج عنهما في حجة واحدة، ولا أن تعتمر عنهما عمرة واحدة؛ لأن الحج لا يكون إلاَّ عن واحد وهكذا العمرة. ولا شك أن الحج عنهما، والعمرة عنهما من أعظم برهما، وفقك الله وكل مسلم لما فيه رضاه إنه سميع قريب.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- الجزء السادس عشر ص (419) ](7/205)
الحج عن المريض بدون علمه
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/الإنابة في الحج والعمرة
التاريخ 24/10/1425هـ
السؤال
أنوي الحج- إن شاء الله- هذا العام عن والد زوجتي، وهو مريض قعيد الفراش من سنوات طويلة، ويعاني من بتر كامل في الساقين وأصابع اليدين، مع العلم أنه موسر، وأوصى بمبلغ كبير للحج عنه في حال وفاته، فهل يجوز لي الحج عنه من مالي الخاص؟ وهل لي أجر، مع العلم أنني قد حججت عن نفسي من قبل؟
الجواب
بالنسبة للحج عن الحيّ لابد أن يكون هذا بعلمه وإذنه، فإذا كان أذن لك بالحج عنه، فإنك تحج عنه وحجك صحيح؛ لأن الحي لا بد من نيته للعبادة، وكونك تحجُّ عنه دون علمه لا يعتدُّ بهذا، وأما كونه أوصى أن يحج عنه، فهذا ما دام على قيد الحياة التفاهم معه سهل وميسور، وخاصة مع سهولة الاتصال في هذا الزمن، فإذا أذن لك أن تحج عنه فحج عنه، وحجك صحيح- إن شاء الله.(7/206)
حج المرأة عن الرجل والعكس
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/الإنابة في الحج والعمرة
التاريخ 24/11/1422
السؤال
هل يجوز أن تحج المرأة عن الرجل، وهل هناك فرق بين أن يكون الحج تطوعاً أو واجباً؟
الجواب
يجوز حج المرأة عن الرجل إذا كان المحجوج عنه ميتاً، أو عاجزاً عن الحج، لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه. سواء كان الحج فرضاً أو نفلاً؛ لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-أن رجلاً قال له: يا رسول الله، إن أبي لا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه وأعتمر؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:" حج عن أبيك واعتمر"، وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن أبي لا يستطيع الحج أفأحج عنه؟ فقال لها -صلى الله عليه وسلم-:" حجي عن أبيك"، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. ولم يفصل النبي -صلى الله عليه وسلم- بين حج الفرض أو النفل؛ فدل ذلك على جواز النيابة فيهما من الرجل والمرأة بالشرط المذكور، وهو كون المحجوج عنه ميتاً أو عاجزاً لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه. والله ولي التوفيق.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- الجزء السادس عشر ص (421) ](7/207)
يحج عن والدته قبل أن يحج عن نفسه
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الحج والعمرة/الإنابة في الحج والعمرة
التاريخ 26/12/1425هـ
السؤال
والدتي، رحمها الله، توفيت وهي لم تحج، لكنني وعدتها في أيامها الأخيرة بأنني سوف أحج عنها، والآن أنا لم أحج فرضي، أي لم أحج حتى الآن، وأنوي إن شاء الله أن أوكل شخصًا للحج عن والدتي من مالي، فهل يجوز أن أوكل شخصًا آخر للحج عن والدتي لأنني لم أقضِ فرضي؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
أولاً: ابدأ بنفسك، ثم بعد ذلك بوالدتك، فهذا المال إذا كنت تستطيع أن تحج به وليس هناك عائق يعوقك فاصرف هذا المال لحجتك وحج عن نفسك، فإذا أبرأت ذمتك فحج عن والدتك، أما إذا كان الإنسان لا يقدر على الذهاب إلى مكة لأمر يعوقه وعنده مال فلا بأس أن يدفع هذا المال لمن يحج عن والدته بشرط أن يكون قادرًا على تحصيل المال إذا أراد الحج، فإذا كان يطمع أن يحصل المال من راتب أو من تجارة أو من غلة مزرعة وهو الآن لا يقدر فلا بأس أن يدفع هذا المال لمن يحج عن والدته، ويدل لذلك ما رواه ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم، أن أمها ماتت ولم تحج أفأحج عنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا ... " الحديث. أخرجه البخاري (1852) .
كذلك أيضًا حديث الخثعمية أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: "نَعَمْ". أخرجه البخاري (1854) ومسلم (1334) .(7/208)
العمرة عن المنتحرة
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/الإنابة في الحج والعمرة
التاريخ 6/6/1424هـ
السؤال
هل يجوز عمل عمرة لمن انتحرت؟
الجواب
المنتحرة عاصية بفعلها، ومرتكبة لكبيرة من كبائر الذنوب؛ لحديث ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل نفسه بشيء عذبه الله به في نار جهنم" رواه البخاري (1363) ومسلم (110) من حديث ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه-.
بيد أن معصيتها لا تخرجها من الدين، فهي مسلمة ما أقامت فرائض الدين، وعليه فيجوز لك أن تعتمر عنها، لعموم حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال:"من شبرمة؟ " قال: أخ لي أو قريب لي. قال:"حججت عن نفسك؟ " قال: لا، قال:"حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة" رواه أبو داود (1811) وابن ماجة (2903) .(7/209)
العمرة عمن مات على التصوف
المجيب سامي بن محمد الخليل
مدير مركز الدعوة والإرشاد بعنيزة
كتاب الحج والعمرة/الإنابة في الحج والعمرة
التاريخ 28/4/1424هـ
السؤال
جدي لوالدي مات وهو منتسب لطريقة صوفية منتشرة في بلادنا جهلاً، وكان من أتباعها، وقد قمت بأداء العمرة عنه، ونستغفر الله له، ما حكم ما نقوم به حياله؟.
الجواب
أصحاب الطرق الصوفية على ما فيهم من بدع ومنكرات إلا أن الأصل فيهم أنهم مسلمون، وعليه فما قمت به من أداء العمرة والاستغفار لجدك لوالدك هو عمل جائز لا بأس به ولك أجر البر به، لكن الأفضل أن تعتني بالدعاء والاستغفار له، أما الأعمال الصالحة فتجعلها لنفسك، وذلك تمشياً مع ما أرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم (1631) ، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- فالمشروع للمسلم أن يدعو لوالديه.(7/210)
هل يرمي عن والدته وهو غير حاج
المجيب عبد الله بن سليمان بن منيع
عضو هيئة كبار العلماء
كتاب الحج والعمرة/الإنابة في الحج والعمرة
التاريخ 27/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
مقيم في المملكة، وسوف أرافق والدتي في حجها هذا العام، ولكني لا أنوي الحج، فهل يجوز لها أن توكلني في رمي الجمرات خاصة يوم الثاني عشر؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يجب أن يكون المتوكل عن غيره في رمي الجمرات متصفًّا بالحج، أي: حاجًّا، أما من سيرافق أمه ولكنه لن يحج، وإنما هو مرافق لها فقط، نقول:
هذا حرمان، فيا أخي- جزاك الله خيرًا- ما دمت ستمشي مع حجاج بيت الله الحرام فيما يتعلق بالوقوف بعرفة، وفيما يتعلق بالمبيت في مزدلفة، وفيما يتعلق بالطواف والسعي، وفيما يتعلق بسائر أحكام الحج، ومناسكه، فيجب على أخينا ألا يحرم نفسه من هذا الخير، وإن كان قد حجَّ سابقًا فهو الآن ماش مع إخوانه، فينبغي أن يكون في مشيه مع إخوانه الحجاج متصفًا بما يتصفون به من النسك.
وخلاصة القول عن سؤاله نقول: لا يجوز لك أن تتوكل عن أمك، والحال أنك غير متصف بنسك الحج.(7/211)
هل أعتمر عن شخص قادر
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/الإنابة في الحج والعمرة
التاريخ 28/5/1424هـ
السؤال
هل يصح أن أعتمر بالإنابة عن شخص يستطيع لكنه منشغل بأمور الدنيا
الجواب
أولاً: أود أن أنبه السائل وغيره، أن العمرة أو الحج أو غيرها من أنواع العبادة، هي قربى يتقرب بها إلى الله - تعالى -، فينبغي للإنسان أن يحرص على أدائها، ولا يتهاون في أداء العبادات التي تنفعه في دينه ودنياه، وتكون سبباً في الفوز بالآخرة، لا ينشغل عنها بأمور الدنيا، فأمر الدنيا محدود مهما طال بالإنسان العمر، فإن أنفاسه معدودة، وأيامه محدودة، وعليه ألاّ يكون همه الدنيا، وينشغل بها عمّا ما هو حياة باقية، ونعيم دائم، أو شقاء وتعاسة وعذاب دائم.
أما بالنسبة لأن يؤدي الإنسان العمرة أو الحج عن غيره فإن هذا جائز، بشروط؛ أن يكون الشخص عاجزاً عن القيام بهذه العبادة بنفسه، وتكون هذه العبادة التي سيقوم بها النائب، حج الفريضة أو عمرة الفريضة، أما إذا كان الإنسان قد سبق أن أدى الفريضة بنفسه، وأراد أن ينيب غيره لأداء حج أو عمرة تطوع فإن بعض أهل العلم أجازوا ذلك، وعلى كلٍ أنصح السائل وغيره، أن يقول لهذا الإنسان المنشغل بالدنيا: ينشغل بأمر الآخرة، وكون الإنسان يترك شيئاً من أمر الدنيا لأجل الانشغال بأمر الآخرة، هذا هو المكسب والمغنم، وأسأل الله - تعالى - التوفيق للجميع.(7/212)
أجرة النيابة في الحج
المجيب راشد بن فهد آل حفيظ
القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة
كتاب الحج والعمرة/الإنابة في الحج والعمرة
التاريخ 09/02/1425هـ
السؤال
النفقة التي يأخذها النائب، هل تسمى رزقاً، فتدخل فيما يذكره الحنابلة وغيرهم من جواز أخذ الرزق على الحج، وإذا كان بينهما فرق، فما هو؟، وما دليل أهل العلم على جواز أخذ الرزق على الحج من كتاب أو سنة؟ وآمل أن يكون الجواب فيه إحالة على المرجع جزء وصفحة.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أن ما يأخذه النائب في الحج لا يسمى رزقاً، وإنما هو أجرة يحج بها، وينفق بها على نفسه، هذا أولاً.
ثانياً: أن الرزق: هو ما يدفع من بيت المال لمن عمل في مصالح المسلمين، وليس عوضاً، أو أجرة.
ثالثاً: أن كل من عمل عملاً متعدياًّ يتعلق بمصالح المسلمين، فله حق في بيت المال، ومن ذلك ما يأخذه القضاة والأئمة، والمؤذنون، والدعاة، والمدرسون في بلادنا الآن.
رابعاً: أن مذهب الحنابلة - رحمهم الله - عدم جواز أخذ الأجرة على النيابة في الحج، والأذان، والإقامة، والإمامة، وتعليم القرآن ونحوه، وفي مذهبهم قول بجواز ذلك للحاجة، اختاره شيخ الإسلام وغيره.
خامساً: أن القول بعدم جواز الحج عن الغير بأجرة سوف يسد باب النيابة؛ لأن عمل الناس الآن على القول بالجواز، ولا يسعهم إلا ذلك.
سادساً: أن المستحب أن يأخذ الحاج عن غيره ليحج، لا أن يحج ليأخذ، فإن من حج ليأخذوا حرم الأجر في الآخرة.
سابعاً: أنه يشترط لصحة ذلك وجوازه أن يريد بذلك نفع الغير الذي استأجره، لا أن يريد بهذه القربة التعبد لله -تعالى-.(7/213)
ثامناً: أنه لا يجوز لأحد إذا كان قادراً أن يوكّل من يحج عنه، لا فرضاً، ولا نفلاً، لأن السنة إنما جاءت بالحج عمن مات قبل أداء الفريضة، أو من كان عاجزاً عنها عجزاً لا يرجى زواله، ثم قاس كثير من الفقهاء على ذلك العاجز عن أداء النفل، بينما ذهب أهل التحقيق إلى أن إلحاق النفل بالفرض في ذلك لا يصح؛ لأن الفريضة لازمة لا بد منها، بخلاف النفل، والأصل في العبادات منع التوكيل فيها؛ لأن ذلك يفوت مقصودها، وهو التذلل لله -تعالى- والتعبد له، وعليه فإنهم قالوا: يقتصر على ما ورد - والله أعلم-.
المراجع:
1- الشرح الكبير، والإنصاف (4/378-386) ، طبعة هجر.
2- مجموع فتاوى شيخ الإسلام (30/192-193-202-207) .
3- الكشاف ومتنه (4/1829-1830) طبعة الباز.
4- الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام (ص222-223) ، طبعة دار العاصمة.
5- شرح الزاد للعلامة الشيخ محمد بن عثيمين، والمسجل عن طريق الأشرطة (باب الوكالة وباب الإجارة) . وصلى الله على نبينا محمد.(7/214)
تجاوز الميقات
المجيب أ. د. صالح بن محمد السلطان
أستاذ الفقه بجامعة القصيم
كتاب الحج والعمرة/المواقيت
التاريخ 5/7/1422
السؤال
أنا من أهل المدينة، وقد ذهبت إلى جدة للسياحة عدة أيام، وقد عقدت العزم أن أنوي العمرة من جدة. فما حكم تجاوزي الميقات؟
الجواب
إن كنت عقدت العزم على أداء العمرة حينما وصلت إلى جدة فلا شئ عليك. وإن كنت نويت العمرة وأنت في المدينة، وتجاوزت الميقات من غير إحرام، ثم أحرمت من جدة؛ فأكثر أهل العلم على أن عليك ذبح في مكة، ويوزع على فقرائها.
وعلى المسلم أن يؤدي نسكه على أتم الوجوه وأكملها.(7/215)
أحرمت بالحج من مكة
المجيب عبد الله بن سليمان بن منيع
عضو هيئة كبار العلماء
كتاب الحج والعمرة/المواقيت
التاريخ 7/4/1422
السؤال
شخص من سكان جدة أراد الحج مفرداً، ذهب إلى مكة، ومن هناك لبس الإحرام، ونوى الحج ثم أتم النسك، هل عمله هذا صحيح؟ أفتونا مأجورين، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
طالما أنه من أهل جده فميقاته من جدة، وإذا أراد النسك وهو من أهل جدة، فيجب أن يحرم من بيته، فإذا أحرم من دون ذلك فهو كمن أحرم من دون الميقات وعليه دم.(7/216)
عدم لبس المخيط إلا بعد الميقات
المجيب د. عبد الله بن حمد السكاكر
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الحج والعمرة/المواقيت
التاريخ 28/12/1423
السؤال
أريد الحج وكما هو معروف أنه لا يسمح بالحج إلا بالتصريح, ولا يعطى من أراد الحج إلا عن طريق حملة، ولا يوجد لدي من المال ما أحج به مع حملة ويمكنني أن أحج مع بعض أصحابي بربع المبلغ الذي تطلبه الحملة, فهل يجوز لي الذهاب للحج؟ وإذا منعت من الدخول أن ألبس المخيط من أجل تجاوز نقطة التفتيش, ومن ثم أتحمل فدية المحظور, وهل يجوز لي الاشتراط ثم أحل عند الإحصار؟ وإذا تجاوزت التفتيش, أحرمت بنية جديدة. أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
أجاب عن السؤال الشيخ/د0 عبد الله السكاكر (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام فرع القصيم)
الجواب:
إذا لم تكن حججت الفريضة فيجوز لك أن تحج مع أصحابك وتحرم من الميقات ولو لم تلبس ثياب الإحرام فإذا جاوزت المركز لبست ثياب الإحرام وعليك عن لبس المخيط كفارة أذى صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من الرز ونحوه أو ذبح شاة.(7/217)
تعدِّي الميقات والرجوع إلى غيره
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/المواقيت
التاريخ 4/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما حكم من تعدى الميقات ثم لما وصل مكة رجع إلى ميقات غير الذي مر عليه؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الواجب على من أراد الحج والعمرة الإحرام من الميقات الذي يمر به، فإن تجاوزه إلى مكة من غير إحرام ثم رجع إلى الميقات غير الذي مر به فأرجو ألا بأس بذلك؛ لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-:"هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ... " رواه البخاري (1524) ، ومسلم (1181) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.(7/218)
جدة بدلاً عن يلملم
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الحج والعمرة/المواقيت
التاريخ 17/11/1423هـ
السؤال
هل تكون جدة ميقاتاً مكانياً بدلاً من يلملم مع أن بعض العلماء يجوزه؟
الجواب
الأصل في تحديد المواقيت ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة. وروي عن عائشة - رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- وقت لأهل العراق ذات عرق، رواه أبو داود والنسائي، وقد سكت عنه أبو داود والمنذري، وقال ابن حجر في التلخيص: هو من رواية القاسم عنها، تفرد به المعافي بن عمران عن أفلح عنه، والمعافي ثقة. انتهى.(7/219)
فهذه المواقيت لأهلها ولمن مر عليها من غير أهلها ممن يريد الحج والعمرة، ومن كان دون هذه المواقيت فإنه يحرم من حيث أنشأ، حتى أهل مكة يهلون من مكة، لكن من أراد العمرة وهو داخل الحرم فإنه يخرج إلى الحل ويحرم منه بالعمرة، كما وقع ذلك من عائشة - رضي الله عنها -، بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه أمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها إلى التنعيم لتأتي بعمرة، وذلك بعد الحج في حجة الوداع، ومن هذه المواقيت التي تقدمت يلملم، فمن مر عليه من أهله أو من غير أهله وهو يريد حجاً أو عمرة فإنه يحرم منه، ويجب أن يحرم من كان في الجو إذا حاذى الميقات، كما يجب على من كان في البحر أن يحرم من مكان محاذ لميقاته، أما جدة فهي ميقات لأهل جدة وللمقيم بها إذا أراد حجاً أو عمرة، وأما جعل جدة ميقاتاً بدلاً من يلملم فلا أصل له، فمن مر على يلملم وترك الإحرام منه وأحرم من جدة وجب عليه دم، كمن جاوز سائر المواقيت وهو يريد حجاً أو عمرة، لأن ميقاته يلملم، ولأن المسافة بين مكة إلى يلملم أبعد من المسافة التي بين جدة ومكة.
وبالله التوفيق - وصلى الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/125-127) ](7/220)
الإحرام من جدة
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الحج والعمرة/المواقيت
التاريخ 8/11/1423هـ
السؤال
إذا صار فيه موظف مسافر من تبوك إلى مكة المكرمة لعمل رسمي وحكم عليه العمل أن يدخل مكة بدون أن يحرم، ورجع إلى جدة لفترة قصيرة وأحرم من جدة ورجع إلى مكة لأداء العمرة فما رأي فضيلتكم في ذلك؟ هل تكتب له عمرة أم لا؟
الجواب
من مر على أي واحد من المواقيت التي ثبتت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو حاذاه جواً أو براً أو بحراً وهو يريد الحج أو العمرة وجب عليه الإحرام، وإذا كان لا يريد حجاً ولا عمرة فلا يجب عليه أن يحرم، وإذا كان لا يريد حجاً ولا عمرة فلا يجب عليه أن يحرم، وإذا جاوزها بدون إرادة حج أو عمرة، ثم أنشأ الحج أو العمرة من مكة أو جدة فإنه يحرم بالحج من حيث أنشأ من مكة أو جدة - مثلاً - أما العمرة فإن أنشأها خارج الحرم أحرم من حيث أنشأ، وإن أنشأها من داخل الحرم فعليه أن يخرج إلى أدنى الحل ويحرم منه للعمرة. هذا هو الأصل في هذا الباب، وهذا الشخص المسئول عنه إذا كان أنشأ العمرة من جدة وهو لم يردها عند مروره الميقات فعمرته صحيحة ولا شيء عليه.(7/221)
والأصل في هذا حديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال: وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذلك أهل مكة يهلون منها" متفق عليه، وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحصب فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: "اخرج بأختك من الحرم فتهل بعمرة ثم لتطف بالبيت، فإني أنتظر كما هاهنا" قالت: فخرجنا فأهللت ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة، فجئنا رسول الله وهو في منزله في جوف الليل فقال: "هل فرغت؟ " قلت نعم، فأذن في أصحابه بالرحيل، فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة) متفق عليه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/122 - 123) ] .(7/222)
من أين أحرم رسول الله- صلى الله عليه وسلم؟
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الحج والعمرة/المواقيت
التاريخ 17/11/1423هـ
السؤال
هل الرسول - صلى الله عليه وسلم- أحرم واغتسل من المدينة المنورة؟
الجواب
أحرم النبي - صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة، أي: أهل بالنسك ولبى به منها لا من المدينة، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم- وقت المواقيت المكانية لنسك الحج والعمرة، فجعل ذا الحليفة ميقاتاً لأهل المدينة، وما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر بشيئ ويخالفه، وقد ثبت عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال: (وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) رواه البخاري ومسلم، وثبت عن سالم بن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم- أنه سمع أبه يقول: (ما أهلّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد، يعني: مسجد ذي الحليفة) رواه البخاري ومسلم، واغتسل بذي الحليفة أيضاً، لما روي عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم- تجرد لإهلاله واغتسل، رواه الترمذي وحسنه.
وبالله التوفيق - وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/124-125) ] .(7/223)
حكم من نسي وتجاوز الميقات
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/المواقيت
التاريخ 1/12/1422
السؤال
من نسي الميقات هل يلزمه الرجوع أم لا؟ وهل عليه شيء؟
الجواب
يرجع ويحرم من الميقات إذا لم يكن قد أحرم بعد، أما إذا كان قد أحرم بعد الميقات فعليه دم ولا يرجع.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز الجزء السابع عشر ص (40) ](7/224)
ميقات أهل مكة إذا أتوها مسافرين
المجيب د. شرف بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/المواقيت
التاريخ 15/11/1424هـ
السؤال
أنا من أهل مكة، وسأسافر قبل الحج بعدة أيام، ثم أعود إلى مكة للحج، فهل يجوز لي الإحرام من بيتي أم يلزمني الإحرام من الميقات؟.
الجواب
إن دخلت مكة وتريد حجاً أو عمرة فيلزمك الإحرام من الميقات ولا تتجاوزه إلا محرماً، أما إن كنت تريد أهلك وتجلس عندهم، فإذا جاء الحج تحرم من حيث أنت؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول عن المواقيت:" هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة" البخاري (1529) ومسلم (1181) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.(7/225)
حكم من جاوز الميقات دون إحرام
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/المواقيت
التاريخ 26/11/1422
السؤال
ما حكم من جاوز الميقات دون أن يحرم سواء كان لحج أو عمرة أو لغرض آخر؟
الجواب
من جاوز الميقات لحج أو عمرة ولم يحرم وجب عليه الرجوع والإحرام بالحج والعمرة من الميقات؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بذلك قال -عليه الصلاة والسلام-:" يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن ويهل أهل اليمن من يلملم" هكذا جاء في الحديث الصحيح، وقال ابن عباس:" وقَّت النبي لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة" فإذا كان قصده الحج أو العمرة فإنه يلزمه أن يحرم من الميقات الذي يمر عليه فإن كان من طريق المدينة أحرم من ذي الحليفة وإن كان من طريق الشام أو مصر أو المغرب أحرم من الجحفة من رابغ الآن وإن كان من طريق اليمن أحرم من يلملم وإن كان من طريق نجد أو الطائف أحرم من وادي قرن ويسمى قرن المنازل، ويسمى السيل الآن، ويسميه بعض الناس وادي محرم فيحرم من ذلك بحجة أو عمرة أو بهما جميعاً، والأفضل إذا كان في أشهر الحج أن يحرم بالعمرة فيطوف لها ويسعى ويقصر ويحل ثم يحرم بالحج في وقته، وإن كان مر على الميقات في غير أشهر الحج مثل رمضان أو شعبان أحرم بالعمرة فقط، هذا هو المشروع، أما إن كان قدم لغرض آخر لم يرد حجاً ولا عمرة إنما جاء لمكة للبيع أو الشراء أو لزيارة بعض أقاربه وأصدقائه أو لغرض آخر ولم يرد حجاً ولا عمرة فهذا ليس عليه إحرام على الصحيح وله أن يدخل بدون إحرام، هذا هو الراجح من قولي العلماء والأفضل أنه يحرم بالعمرة ليغتنم الفرصة.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز الجزء السابع عشر ص (8) ](7/226)
هبطت الطائرة ولم يحرم فماذا عليه؟
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/المواقيت
التاريخ 30/11/1425هـ
السؤال
ما حكم من نوى بالحج قادماً من أحد البلدان وهبطت الطائرة في مطار جدة ولم يحرم فأحرم من جدة فماذا عليه؟
الجواب
إذا هبطت الطائرة في جدة وهو من أهل الشام أو مصر فإنه يحرم من رابغ يذهب إلى رابغ في السيارة أو غيرها ويحرم من رابغ ولا يحرم من جدة، وهكذا لو كان جاء من نجد ولم يحرم حتى نزل إلى جدة فإنه يذهب إلى السيل وهو وادي قرن فيحرم منه، فإذا أحرم من جدة ولم يذهب فعليه دم شاة واحدة تجزئ في الأضحية يذبحها في مكة للفقراء أو سبع بدنة أو سبع بقرة كما تقدم جبراً لحجته أو عمرته.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز الجزء السابع عشر ص (43) ](7/227)
إحرام الطيار من جدة
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الحج والعمرة/المواقيت
التاريخ 28/7/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
شيخنا، أنا أعمل ربانا للطائرة، وأحيانا نذهب إلى جدة ونبقى فيها يومين أو ثلاثة، ثم بعدها نأخذ الطائرة لنرجع بالركاب إلى بلدهم، وفي إطار عملنا لا يمكننا أن نحرم من الميقات، ونحن نسوق الطائرة، ومن أجل اغتنام مدة مكوثنا في جدة للقيام بعمرة، نحرم من جدة ونعتمر، فهل عمرتنا صحيحة؟ وهل علينا دم؟ وهل علينا أن نذهب إلى الميقات للإحرام؟ علما بأنه شئ صعب بالنسبة لنا.
عاجل جدا جدا، جزاكم الله خيرا، وجعلكم في الفردوس الأعلى مع أنبيائه عليهم الصلاة والسلام.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين وقت المواقيت قال: فَهُنَّ لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة" البخاري (1526) واللفظ له، ومسلم (1181) فكل من أراد الحج أو العمرة ومرّ بالميقات فيلزمه أن يحرم، وإذا كانت المشقة عليك في التجرد من المخيط، فيمكن أن تستبدل الإحرام قبل وصول الميقات بزمن كافٍ أو في البلد الذي تسافر منه، ثم تحرم بكلمة، وهي قولك عند الميقات: (لبيك عمرة) مع نية الدخول في نسك العمرة، والتلبية بالإحرام بها. وأما إن كانت المشقة في قيادة الطائرة بلباس الإحرام فإذا نزلت جدة فترجع إلى الميقات وتحرم منه، وإن لم تفعل فعليك دم؛ شاة تذبح وتوزع على فقراء الحرم، ولا تأكل منها، وهذا كله إذا كنت جازماً بنية العمرة حال مرورك بالميقات، فإن كنت غير ناوٍ، ثم أنشأت النية في جدة، أو متردد وجزمت بها في جدة، فإنك حينئذ تحرم منها، ولا شيء عليك. والله تعالى أعلم.(7/228)
خصائص الأشهر الحرم
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الحج والعمرة/المواقيت
التاريخ 16/7/1423هـ
السؤال
كلنا يعرف الأشهر الحرم وأنها أربعة، لكن قليل منا من يعرف أحكامها وما الواجب على المسلم فيها، وما معنى "فلا تظلموا فيهن أنفسكم"، وهل أحكامها مقتصرة على الجهاد؟ أم هناك أمور أخرى يجب مراعاتها؟ أرجو التوضيح خاصة مع إهمال هذا الموضوع من قبل المحاضرين والخطباء.
الجواب
الأشهر الحرم كما ذكر السائل أربعة: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، وأما أحكامها فألخصها في الآتي:
-أنها أشهر حرم، ويشمل هذا أمرين:1- تحريم القتال فيهن، قال -تعالى-: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير" [البقرة:217] ، ولكن ذهب جماهير أهل العلم إلى نسخ هذا الحكم وجواز القتال، ولهم في ذلك أدلة لا تسلم من مقال، وذهب بعض أهل العلم ومنهم عطاء -رحمه الله- إلى أن الآية محكمة، وأن تحريم القتال باقِ غير منسوخ، لكن سبق القول أن العمل على خلافه.
2-تحريم الظلم فيهن، وإليه يشير قوله -تعالى-: "فلا تظلموا فيهن أنفسكم" [التوبة: 36] على أن أهل العلم اختلفوا في عود الضمير في قوله: "فيهن" فقال بعضهم: الضمير يعود على خصوص الأربعة الحرم، وقال بعضهم: إنه عائد على كل الأشهر، وإنما نص الله -تعالى- على الأربعة لزيادة شرفها وفضلها، وبكل حال فالآية دالة على تحريم الظلم في الأشهر الحرم.
-اشتمال هذه الأشهر على فضائل وعبادات ليست في غيرها، وهي مشهورة ولذا سأكتفي بالتذكير بها:
*الحج، فأفعال الحج كلها تقع في ذي الحجة.
*كما يشتمل ذو الحجة على الليالي العشر التي أقسم الله بها، وتسمى عشر ذي الحجة.
*يوم عرفة وهو أفضل أيام العشر، ويشرع لغير الحاج صيامه.
*كما تشتمل هذه العشر على عيد الأضحى، ويشرع فيه الأضحية.(7/229)
*يشرع صيام شهر الله المحرم، فقد أخرج مسلم (1163) وغيره من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم"، ويتأكد صيام يوم العاشر مع يوم قبله أو بعده كما ثبت في الصحاح البخاري (2004) ، ومسلم (1130) والسنن الترمذي (754) ، والنسائي (2370) ، وأبو داود (2446) وابن ماجة (1737) من حديث ابن عباس وغيره، وبالله التوفيق.(7/230)
إحرام أهل السودان من جدة
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الحج والعمرة/المواقيت
التاريخ 17/1/1425هـ
السؤال
نود من سماحتكم التفضل بتوضيح الإحرام للحج أو العمرة
الحالة الأولى: يعتقد الكثير من أهل السودان خاصة مدينة بورتسودان التي تقع على الضفة المقابلة لمدينة جدة من البحر الأحمر بأن الإحرام بالنسبة للعمرة أو الحج يكون من مدينة جدة بعد الوصول، فيلبسوا إحرامهم وينووا العمرة أو الحج من داخل مدينة جدة.
الحالة الثانية: يعتقد الكثير ممَّن أتى للحج أو العمرة بأنه يستطيع بعد المكوث في مدينة جدة ثلاثة أيام، أن يصبح من المقيمين بمدينة جدة فيستطيع أن يحرم منها للحج أو العمرة دون التقيد بميقات بلده.
الحالة الثالثة: يأتي البعض إلى جدة بنية الزيارة وبعد وصوله والمكوث عدداً من الأيام أراد الحج أو العمرة فيحرم منها مباشرة دون الذهاب للميقات.
آمل من سماحتكم الإجابة على الحالات الثلاثة السابقة بالنسبة لمدينة بورتسودان وبقية مدن جمهورية السودان. جزاكم الله خيراً.
الجواب
بالنسبة للحالة الأولى: فإن جدة ليست ميقاتاً في قول جماهير أهل العلم، والميقات بالنسبة لمن أتى من جهة الشام ومن جهة العراق، إما أن يكون يلملم أو ذو الحليفة، ذو الحليفة بالنسبة لمن أتى من جهة المدينة، والميقات الآخر الجحفة، بالنسبة لمن أتى من طريق الشام أو غيرها أو من أتى في طريق لا يمر على ميقات فإنه يحرم إذا حاذى أقرب المواقيت إليه كما فعل عمر - رضي الله عنه- عندما أتاه أهل العراق فقالوا: إن قرن جور عن طريقنا - أي: مائلة عن طريقنا - فقال لهم عمر - رضي الله عنه-: انظروا حذوها من طريقكم، فبالنسبة لجدة ليست ميقاتاً، وفي هذه الحالة إذا سلك طريقاً لا يوجد عليه ميقات فإنه يحرم إذا حذى أقرب المواقيت إليه ولا ينتظر حتى يصل إلى جدة.(7/231)
وبالنسبة للحالة الثانية: فهذا فعل خطأ، فبالنسبة للشخص يكون من أهل هذه البلدة إذا كان مقيماً بها قبل قدومه للعمرة أو الحج، فالعبرة بالإقامة أن يكون مقيماً بها قبل الإتيان بهذا النسك، أما إذا أتى وأقام بها أياماً لغرض الإتيان بالحج أو العمرة فلا يعد من أهلها، وبالنسبة لمن أتى من بلاده فلا يعد من أهل مكة، ولا يعد أيضاً من أهل جدة فيلزمه الإحرام، إذا مر على ميقات، أما إذا لم يمر بميقات فإنه يحرم إذا حاذى أقرب المواقيت.
وبالنسبة للحالة الثالثة: إذا أتى بنية الزيارة أي من نوى العمرة أو الحج فلا يجوز له أن يتجاوز الميقات إلا بإحرام، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة" رواه البخاري (1524) ، ومسلم (1181) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- وقد دل هذا الحديث على أنه لا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة أن يتجاوز الميقات إلا بإحرام، أما إذا أتى لغير إرادة الحج والعمرة، وإنما أتى لتجارة أو لزيارة قريب أو لغير ذلك من الأغراض فلا يجب عليه أن يحرم من الميقات ثم إذا بدت له العمرة بعد ذلك فإنه يحرم من المكان الذي هو فيه ولا يلزمه الخروج إلى الميقات.(7/232)
إحرام أهل بورتسودان من جدة
المجيب د. شرف بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/المواقيت
التاريخ 14/3/1425هـ
السؤال
نود من سماحتكم التفضل بتوضيح الإحرام للحج أو العمرة:
الحالة الأولى: يعتقد الكثير الكثير من أهل السودان خاصة مدينة بورتسودان التي تقع على الضفة المقابلة لمدينة جدة من البحر الأحمر بأن الإحرام بالنسبة للعمرة أو الحج يكون من مدينة جدة بعد الوصول، فيلبسون إحرامهم وينوون العمرة أو الحج من داخل مدينة جدة.
الحالة الثانية:
يعتقد الكثير ممن أتى للحج أو العمرة بأنه يستطيع المكوث في مدينة جدة ثلاثة أيام، ومن ثَم يصبح من المقيمين بمدينة جدة، فيستطيع أن يحرم منها للحج أو العمرة دون التقيد بميقات بلده.
الحالة الثالثة:
يأتي البعض إلى جدة بنية الزيارة، وبعد وصوله لها والمكوث فيها عدداً من الأيام إذا أراد الحج أو العمرة فإنه يحرم منها مباشرة دون الذهاب للميقات.
آمل من سماحتكم الإجابة على الحالات الثلاث السابقة بالنسبة لمدينة بورتسودان وبقية مدن جمهورية السودان.
الجواب(7/233)
أخي: بارك الله فيك، لقد حدد الرسول - صلى الله عليه وسلم- المواقيت التي لا يجوز تجاوزها إلا بإحرام ممن يريد حجاً أو عمرة، ومنها: رابغ لأهل المغرب، فإذا مرّ المسلم بميقات أو حاذاه، وهو يريد الحج أو العمرة لا يجوز له تجاوزها إلا بإحرام، سواء كان عن طريق الجو أو البحر، أو البر، وعلى المسلم سؤال أهل الطائرة أو الباخرة عن المرور بالميقات والاحتياط لدينه، أما إذا لم يمر بميقات حتى وصل إلى جدة فإنه يحرم منها، ولا يجوز لمن يريد الحج أو العمرة أن يمكث في جدة ثلاثة أيام أو أكثر ثم يحرم منها، لأنه تجاوز ميقاته دون إحرام، أما إذا أتى من السودان للزيارة في جدة، ثم بعد ذلك أراد أن يعتمر أو يحج من جدة جاز له الإحرام من جدة، لأنه تجاوز الميقات لا يريد حجاً ولا عمرة، ولكنه يريد زيارة قريبه أو يريد عملاً ونحوهما. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.(7/234)
اختلفوا في ميقات إحرامهم
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الحج والعمرة/المواقيت
التاريخ 05/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
نحن مجموعة اتفقنا على السفر في الإجازة الصيفية، انطلقنا من مدينة بريدة إلى المدينة، وجلسنا فيها يومًا واحدًا فقط، ثم انطلقنا بعدها إلى ينبع وجلسنا ثلاثة أيام، وبعدها أردنا الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، فاختلفنا في مكان الميقات الذي نحرم منه، بعضنا قال: نحرم من ميقات أهل ينبع. وبعضنا قال: نرجع إلى المدينة المنورة ونحرم من ميقاتها. وبعضنا قال: نحرم من ميقات أهل نجد السيل الكبير. فانقسمنا ثلاث مجموعات، وكلٌّ أحرم من ميقات، مع العلم أننا عندما خرجنا من بريدة كان هدفنا السياحة وزيارة هذه المدن ومكة لأداء العمرة. ما القول الصحيح في مكان الإحرام؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن كنتم حين مررتم بميقات ذي الحليفة قد نويتم العمرة فلا يحل لكم مجاوزة الميقات إلا بإحرام، ويكون حينئذ هو ميقاتكم، وإن كنتم إنما نويتم العمرة في ينبع أو كنتم مترددين ثم عزمتم على العمرة بعد مروركم بذي الحليفة فإنكم تحرمون من الميقات الذي مررتم به بعد عزمكم؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم- بعد أن وقت المواقيت: "هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِن غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّن أراد الحجَّ والعُمْرَةَ". أخرجه البخاري (1526) ومسلم (1181) . فمن مرّ بميقات هو أول ميقات مرَّ به، وهو مريد للنسك فهو ميقاته، فإن تجاوزه من غير إحرام فعليه أن يرجع إليه، وإن تفارط الأمر فعليه دم. والله تعالى أعلم.(7/235)
تجاوز الميقات
المجيب أ. د. صالح بن محمد السلطان
أستاذ الفقه بجامعة القصيم
كتاب الحج والعمرة/المواقيت
التاريخ 5/7/1422
السؤال
أنا من أهل المدينة، وقد ذهبت إلى جدة للسياحة عدة أيام، وقد عقدت العزم أن أنوي العمرة من جدة. فما حكم تجاوزي الميقات؟
الجواب
إن كنت عقدت العزم على أداء العمرة حينما وصلت إلى جدة فلا شئ عليك. وإن كنت نويت العمرة وأنت في المدينة، وتجاوزت الميقات من غير إحرام، ثم أحرمت من جدة؛ فأكثر أهل العلم على أن عليك ذبح في مكة، ويوزع على فقرائها.
وعلى المسلم أن يؤدي نسكه على أتم الوجوه وأكملها.(7/236)
استخدام المحرم للكمامات
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/الإحرام: صفته وأحكامه
التاريخ 4/12/1423هـ
السؤال
هل تعتبر الكمامات التي يستعملها الطبيب في عمله ويضعها على فمه وأنفه في حكم تغطية الوجه للمحرم أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
الجواب
نعم، لا ينبغي ولا يجوز هذا؛ لأنه غطى حوالي نصف الوجه والرسول - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تخمروا رأسه ولا وجهه" يعني للمحرم الذي وقصته راحلته.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى (17/117) ](7/237)
تجاوز الميقات من غير إحرام
المجيب د. عبد الله بن حمد السكاكر
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الحج والعمرة/الإحرام: صفته وأحكامه
التاريخ 4/3/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد كنت في الرياض ونويت أن أعتمر، فانطلقت من مطار الرياض إلى جدة، ولكني نسيت ملابس الإحرام في الشنطة ولم أستطع أن ألبسها، وعندما حاذينا الميقات نويت العمرة، ونزلت إلى مطار جدة وأحرمت من هناك وأديت العمرة، فما الحكم؟ وما الذي يجب علي؟
الجواب
لقد ارتكب هذا السائل محظوراً من محظورات الإحرام وعليه فدية أذى وهي: إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من البر أو الرز أو ذبح شاة في الحرم تفرق على مساكينه، أو صيام ثلاثة أيام، وأنت مخير بينها، والله أعلم.(7/238)
إحرام أهل جدة من مكة للحج
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الحج والعمرة/الإحرام: صفته وأحكامه
التاريخ 28/11/1425هـ
السؤال
نويت الحج متمتعاً وأكملت العمرة وتحللت، والآن أريد أن أذهب إلى مكة وأحرم من هناك يوم التروية، بمعنى سأذهب من جدة إلى مكة بدون إحرام لكوني متمتعاً.
هل يجوز أن أهل بالحج من مكة باعتباري متمتعاً؟ حيث تحللت هناك تحلل الإحرام الأول (العمرة) .
الجواب
إذا كنت متمتعاً بالعمرة إلى الحج، وقد أهللت بالعمرة من الميقات وتحللت منها ثم ذهبت لجدة لحاجة ثم عدت من جدة لتحرم من مكة فلا بأس عليك قياساً على الرعاة، وأما إذا كنت من سكان جدة وأهللت بالعمرة وعدت إليها وأردت الإهلال بالحج فيجب عليك أن تهل به من جدة، ولا تخرج من جدة بدون إحرام.(7/239)
الإحرام من جدة لغير أهلها
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الحج والعمرة/الإحرام: صفته وأحكامه
التاريخ 2/12/1423هـ
السؤال
شخصان قادمان للعمرة: أحدهما من مصر والآخر من أبوظبي ولم يحرما إلا من جدة فهل عمرتهما صحيحة؟
الجواب
هذا الذي حصل من هذين السائلين يحصل من كثير من الناس، يأتون من بلادهم بنية العمرة على الطائرة، ولكنهم لا يحرمون إلا من جدة، وهذا لا يجوز، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- حين وقّت المواقيت قال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) ، ولما شكا أهل العراق إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - شكوا إليه أن قرن المنازل جور عن طريقهم، قال رضي الله عنه: (انظروا إلى حذوها من طريقكم) وهذا يدل على أن الإنسان إذا كان في الطائرة وجب عليه أن يحرم إذا حاذى الميقات، ولا يجوز له أن يؤخر الإحرام حتى ينزل إلى جدة، فإن فعل ولم يحرم حتى نزل في جدة فإننا نأمره أن يرجع إلى الميقات الذي مرّ به فيحرم منه، فإذا كان مرّ من عند طريق المدينة قلنا له: يجب أن ترجع إلى ذي الحليفة - أبيار علي - وتحرم منها، وإذا كان جاء عن طريق المغرب أو مصر قلنا له: يجب عليك أن ترجع إلى الجُحفة التي هي رابغ الآن وتحرم منها، وإذا كان جاء من أبو ظبي فالظاهر أنه يمر من قرن المنازل، فإذا كان يمر من قرن المنازل قلنا: يجب أن تذهب إلى قرن المنازل فتحرم منه.
فإذا قال السائل: أنا لا أستطيع أن أرجع إلى هذه المواقيت، قلنا له: إذن أحرم من جدة، وعليك عند جمهور أهل العلم فدية تذبحها في مكة، وتوزعها على الفقراء.(7/240)
بعد هذا فنقول لهذين الرجلين اللذين أحرما من جدة: إن العمرة صحيحة، ولكن على كل واحد منكما أن يذبح فدية ويوزعها على الفقراء في مكة. فإن قالا: ليس معنا نقود، نقول لهما: استغفرا الله وتوبا إليه، وليس عليكما شيء سوى ذلك.
[كتاب الدعوة لفضيلة الشيخ ابن العثيمين رحمه الله تعالى (3/75- 76) ](7/241)
ذهبت إلى عملي في جدة فمن أين أحرم؟
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/الإحرام: صفته وأحكامه
التاريخ 16/10/1422
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، فضيلة الشيخ -حفظه الله-، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
السؤال: سؤال يتكرر دائماً وهو: أن بعض الناس قد يذهب إلى جدة لغرض معين، وهو ذاهب لغرض ينوي أنه متى انتهى من عمله أدّى العمرة، مثال ذلك: شخص دعي من مقر عمله في الرياض إلى اجتماع لإدارة الشركة في جدة في رمضان، فأعدّ نفسه للسفر لهذا الاجتماع، ونوى أنه متى انتهى من الاجتماع أحرم من جدة وذهب إلى مكة للعمرة، فهل تصرفه هذا صحيح؟ وهل يلزمه الإحرام من الميقات، وهو آتٍ في الأصل للعمل وليس للعمرة؟ أرجو الإجابة بأسرع وقت ممكن، وإرسالها على البريد الإلكتروني، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
إذا كانت نية العمرة موجودة من حين سافر إلى مهمته تلك، فلا بد أن يحرم من ميقات بلده كما هو واضح من سؤالك. وله في ذلك أحوال هو بالخيار بينها:
1- أن يحرم من الميقات، ويذهب بإحرامه إلى عمله، وينهيه، ثم يذهب إلى مكة لأداء العمرة.
2- يذهب إلى مكة، وينهي عمرته، ثم يعود إلى جدة لإنهاء عمله.
3- يذهب إلى جدة من غير إحرام، فإذا أنهى عمله خرج إلى الميقات، فأحرم من هناك وأدى عمرته، وبكل حال فلا يحرم من جدة لأنها ليست ميقاته.
أما إذا ذهب ولم ينوِ العمرة، ولكن بعد انتهاء عمله رغب في العمرة، فإنه يحرم من مكانه هذا ولو كان من جدة، أو ما دونها، والله أعلم.(7/242)
إحرام المرأة
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الحج والعمرة/الإحرام: صفته وأحكامه
التاريخ 22/8/1423هـ
السؤال
كيف تحرم المرأة من الميقات بقصد العمرة؟ وهل يلزمها لباس جديد عند الإحرام؟
الجواب
اعلم أن الإحرام بالعمرة أو الحج يتحقق بمجرد نية الدخول في النسك، فمتى ما نوت المرأة الدخول في نسك العمرة فقد أحرمت.
ولا يشترط أن تكون طاهرة، بل يصح إحرام الحائض والنفساء، ولكنهما لا تطوفان بالبيت حتى تطهرا.
وإذا أحرمت فلا يجوز لها أن تنتقب، ولا أن تلبس القفازين، ولكن يجب عليها أن تسدل جلبابها على وجهها بحضرة الأجانب؛ لقول عائشة -رضي الله عنها-:"كان الركبان يمرون بنا، ونحن مُحرِمات مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه". أخرجه أحمد (23501) ، وأبو داود (1833) . وأما الثياب، فليس لإحرام المرأة ثياب مخصوصة لا في لونها ولا في هيئتها، بل تلبس ما تشاء من الثياب الساترة التي لا تكون زينة في نفسها، ولا يشترط أن تكون جديدة.
ويستحب لها أن تغتسل -إن تيسَّر- قبل إحرامها ولو كانت حائضا أو نفساء؛ فإنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر أسماء بنت عميس -وهي نفساء- أن تغتسل عند الإحرام. أخرجه مسلم (1209) ، وأمر عائشة أن تغتسل لإهلال الحج وهي حائض. متفق عليه البخاري (294) ، مسلم (1211) . كما يستحب لها تقليم الأظفار وإزالة شعر الإبط والعانة.(7/243)
ويستحب لها كذلك أن تتطيب إذا كانت بحيث لا يجد الرجال الأجانب منها رائحة الطيب، كما لو كانت برفقة محارمها أو مع النساء،؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها -، قالت:"كنا نخرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة فنضمد جباهنا بالسُك -نوع من الطيب- المطيب عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا ينهانا". أخرجه أحمد (6/79) ، وأبو داود (1830) . وإسناده حسن.
أما إذا خشيت أن يشم الرجال الأجانب منها رائحة الطيب، كما لو سافرت للعمرة بالطائرة فلا ينبغي لها أن تتطيب؛ لأنها بحضرة من تخشى عليهم الفتنة، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(7/244)
عدم لبس الإحرام من الميقات
المجيب د. عبد الله بن ناصر السلمي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
كتاب الحج والعمرة/الإحرام: صفته وأحكامه
التاريخ 16/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سافرنا من الرياض بالطائرة لأداء العمرة وعند وصولنا للميقات لم نلبس الإحرام ولكن نزلنا في المطار وبتنا ليلة في جدة ثم لبسنا الإحرام في مدينة جدة وذهبنا لأداء العمرة، فهل هذا العمل يستوجب الكفارة؟ وما هي الكفارة؟
الجواب
عليهم إذا كانوا أحرموا من جدة وقد مروا على الميقات فإنه يلزمهم دم لتركهم الإحرام من الميقات فالدم هو شاة، أو سُبع بقرة، أو سُبع بعير يذبح في الحرم ويوزع على فقراء الحرم ولا يأكلوا منه شيئاً.(7/245)
الإحرام لمن له أهل دون المواقيت
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
كتاب الحج والعمرة/الإحرام: صفته وأحكامه
التاريخ 26/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مقيم بجدة منذ أكثر من 15 عاماً مع أسرتي، وبسبب ظروف الدراسة للأولاد في السنوات الأخيرة كانت زوجتي تتردد في الإقامة بين مصر وجدة كل عام، وستصل من مصر إلى جدة في شهر ذي القعدة، وتنوي الحج هذا العام.
السؤال: هل يجب عليها الإحرام للحج قبل أن تصل جدة؟ أم يجوز أن تحرم من منزلنا في جدة؟ -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده، وبعد:(7/246)
فإنه لا ريب أن الأصل وجوب الإحرام من الميقات لمن مرَّ عليه أو حاذاه، وهو قاصد الحرم يريد الحج أو العمرة، ولكن إذا كان المار بأحد المواقيت من سكان ما دون المواقيت (كجدة مثلاً) ، أو كان له محل إقامة ثانٍ فيها، كالقادم من جهة عمل أو دراسة إلى مقر إقامة أبٍ أو زوجٍ، - كما في السؤال- فإنه إذا كان قادماً في أشهر الحج، وله نية حجٍ هذا العام، فإنه لا يلزمه الإحرام من الميقات المار به، بل يجوز له تأخير الإحرام حتى يأتي موعد الحج، فيحرم من مقر أهله الواقع فيما دون المواقيت؛ وذلك لأنه محسوب من أهلها، وبهذا أفتى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - كما في مجموع الفتاوى والرسائل له (17/54) ، حيث سأله طالب يدرس في المنطقة الشرقية، وله أهل في جدة، ويريد الحج فهل يحرم من قرن المنازل؟ أو من سكنه في جدة مع أهله؟ فأجابه الشيخ: "أنت مخيَّر ما دمت من سكان جدة -دون الميقات- وإذا أحرمت من قرن المنازل فهو أفضل وأولى؛ لكونك وافداً، وأخذت بالأكمل والأحوط، ولو أنك قصدت أهلك، ثم أحرمت منهم، فلا بأس"، وهذه الفتوى تتفق مع مقصد شرعي هام، وهو التيسير على الأمة بما يتماشى مع أدلة الشرع، إذ لو قيل بوجوب الإحرام من الميقات، أو بوجوب الرجوع إليه عند إرادة الدخول في نسك الحج- لمن له محل إقامة في الحرم أو دون المواقيت - لأدى ذلك إلى وقوع المشقة عليه، إما ببقائه محرماً حتى يفرغ من الحج، أو بإلزامه التحلل بعمرة، أو بالرجوع إلى الميقات للإحرام منه عند أوان الحج، ولا يصح أن يزجَّ المكلف في مشقة وحرج نفتهما النصوص الشرعية القطعية من الكتاب والسنة عن هذه الشريعة السمحة الخالدة، لا سيما وأن هذا القادم إلى بيت أهله أو زوجه، ربما عدل عن نية الحج هذا العام، وربما تكرر خروجه باختياره إلى خارج المواقيت، فكان القول بلزوم الإحرام عليه عند قدومه إجحافاً به، وهو يفضي إلى القول بأنه يلزم المقيم في الحرم، ومن كان منزله دون(7/247)
المواقيت، فإذا خرج إلى الميقات ثم عاد إلى منزله، وهو ناوٍ للإحرام، فإنه يلزمه الخروج إلى الميقات، وهذا لا قائل به، كما قاله ابن قدامة في المغني (3/116) ، وهو لا ينسجم أيضاً مع ظاهر النص النبوي "ومن كان دون ذلك فمن أهله، حتى أهل مكة يهلون منها"، وهو في الصحيحين من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- هذا بالنسبة لمن كان له محل إقامة دون المواقيت.
فأما من لم يكن له محل إقامة كالقادم من أجل العمل، أو الزيارة، فإنه إذا قدم في أشهر الحج، وهو ناوٍ الحج هذا العام، فظاهر النص أنه يلزمه الإحرام من الميقات، وعلى هذا فإنه إما أن يحرم بالحج ويبقى على إحرامه- وهذا أمر شاق، ويعرضه للوقوع في محظورات الإحرام، لا سيما إذا قدم قبل موسم الحج بمدة طويلة- وإما أن يحرم بعمرة ثم يتحلل منها، وإما أن يتجاوز الميقات دون إحرام ثم يرجع إليه إذا أراد الدخول في النسك فيحرم منه، والقاعدة في مثل هذا هو أنه كل من أنشأ سفراً إلى مكان دون المواقيت، أو إلى مكة، وكان القصد من إنشاء السفر هو إرادة الحج أو العمرة، فيلزمه أن يحرم من المواقيت، أما لو كان الحج أو العمرة تبعاً مع غيره فلا يلزمه في الأظهر. والله -تعالى- أعلم.(7/248)
أحرموا قبل الميقات ولم يعلموا بتجاوزه
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الحج والعمرة/الإحرام: صفته وأحكامه
التاريخ 26/12/1425هـ
السؤال
كنا في الطائرة ننتظر إعلان محاذاة الميقات وطال انتظارنا، وبعدها أعلن قائد الطائرة أننا وصلنا جدة، علماً أنه في بداية الرحلة أعلن أنه سيحاذي الميقات بعد 50 دقيقة، مع العلم أننا كنا محرمين من الرياض. فما الحكم؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لبس الإحرام لا يعني الإحرام والدخول في النسك، فإن كنتم قد نويتم الإحرام أول الأمر فلا شيء عليكم ولا يلزمكم أن تجددوا الإحرام مرة أخرى عند محاذاة الميقات، أما إذا كنتم لم تنووا الإحرام عند لبسه وأخرتم النية إلى محاذاة الميقات ثم لم تنووا إلا في جدة فعليكم دم لمجاوزتكم الميقات بدون إحرام، ولو لم يعلن لكم قائد الطائرة، ذلك لأنه كان من الواجب عليكم السؤال حينما مضت خمسون دقيقة ولم تسمعوا إعلاناً بمحاذاة الميقات. والله أعلم.(7/249)
متى تحل المرأة لزوجها الحاج
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/محظورات الإحرام والفدية
التاريخ 4/12/1423هـ
السؤال
إذا طاف الحاج طواف الإفاضة فهل يحل له النساء مدة أيام التشريق؟
الجواب
إذا طاف الحاج طواف الإفاضة لا يحل له إتيان النساء إلا إذا كان قد استوفى الأمور الأخرى، كرمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وعند ذلك يباح له النساء وإلا فلا. الطواف وحده لا يكفي، ولابد من رمي الجمرة يوم العيد، ولابد من حلق أو تقصير، ولابد من الطواف والسعي إن كان عليه سعي، وبهذا يحل له مباشرة النساء أما بدون ذلك فلا، لكن إذا فعل اثنين من ثلاثة بأن رمى وحلق أو قصر فإنه يباح له اللبس والطيب ونحو ذلك ما عدا النساء، وهكذا لو رمى وطاف أو طاف وحلق، فإنه يحل له الطيب واللباس المخيط، ومثله الصيد وقص الظفر وما أشبه ذلك، لكن لا يحل له جماع النساء إلا باجتماع الثلاثة: أن يرمي جمرة العقبة، ويحلق أو يقصر، ويطوف طواف الإفاضة ويسعى إن كان عليه سعي كالمتمتع، وبعد هذا تحل له النساء. والله أعلم.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (17/357-358) ](7/250)
إذا واقع المحرم زوجته
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الحج والعمرة/محظورات الإحرام والفدية
التاريخ 4/12/1423هـ
السؤال
ماذا يجب على الرجل إذا واقع زوجته وهو محرم؟
الجواب
إذا واقع الرجل زوجته وهو محرم فإما أن يكون محرماً بعمرة، أو محرماً بحج، فإن كان محرماً بعمرة فإن عليه، إما شاة يذبحها ويتصدق بها على الفقراء، وإما أن يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وإما أن يصوم ثلاثة أيام، هو في ذلك على التخيير. لكن إن كان مواقعته لامرأته قبل تمام سعي العمرة فإن عمرته تفسد، ويجب عليه قضاؤها؛ لأنها أصبحت فاسدة.
أما إذا كان الوطء في الحج فإنه يجب عليه بدنة يذبحها ويتصدق بها للفقراء إذا كان قبل التحلل الأول، ويفسد نسكه أيضاً فيلزمه قضاؤه، مثل لو جامع زوجته في ليلة مزدلفة فإنه يكون قد جامعها قبل التحلل الأول، وحينئذ يفسد حجه ويلزمه الاستمرار فيه حتى يكمله ويلزمه أن يقضيه من العام القادم، ويلزمه ذبح بدنة يذبحها ويوزعها على أهل الحرم.
أما إذا كان مواقعته لزوجته في الحج بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني مثل أن يجامعها بعد أن رمى جمرة العقبة يوم العيد وبعد أن حلق أو قصر فإنه لا يفسدحجه، ولكن الفقهاء رحمهم الله ذكروا أنه يفسد إحرامه أي ما بقي منه، فليزمه أن يخرج إلى الحل فيحرم ثم يطوف طواف الإفاضة وهو محرم ويسعى سعي الحج.
وفي هذه الحال لاتلزمه بدنة، إنما يجب عليه شاة أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع؛ لأن فقهاءنا رحمهم الله يقولون: كل ما أوجب شاة من مباشرة أو وطء فإن حكمه كفدية الأداء، أي أنه يخير الجاني فيه بين أن يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يذبح شاة يوزعها على الفقراء.(7/251)
ثم إن كلامنا هذا فيما يجب على الفاعل، وليس معنى هذا أن الأمر سهل وهين بمعنى أنه إن شاء فعل هذا الشيء وقام بالتكفير والقضاء وإن شاء لم يفعله، بل الأمر صعب ومحرم، بل هو من الأمور الكبيرة العظيمة؛ حيث يتجرأ على ما حرم الله عليه، فإن الله يقول: "فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج" [البقرة:197] .
وفي هذه المناسبة أريد أن ننبه على مسألة يظن بعض الناس أن الإنسان فيها مخير، وهي ترك الواجب والفدية؛ يظن بعض الناس أن العلماء لما قالوا: في ترك الواجب دم، أن الإنسان مخير بين أن يفعل هذا الواجب أو أن يذبح هذا الدم ويوزعه على الفقراء، مثال ذلك؛ يقول بعض الناس: إذا كان يوم العيد سوف أطوف وأسعى وأسافر إلى بلدي ويبقى عليّ المبيت في منى ورمي الجمرات وهما واجب من واجبات الحج. فأنا أفدي عن كل واحد منهما بذبح شاة يظن أن الإنسان مخير بين فعل واجب وبين ما يجب فيه من الفدية. والأمر ليس كذلك، ولكن إذا وقع وصدر من الإنسان ترك واجب فحينئذ تكون الفدية مكفرة له مع التوبة والاستغفار.
[كتاب الدعوة لفضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى (3/72-74) ](7/252)
لبس الشراب للحاجة في الحج
المجيب د. عبد الله بن حمد السكاكر
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الحج والعمرة/محظورات الإحرام والفدية
التاريخ 17/05/1425هـ
السؤال
ما حكم لبس الشراب (الجورب) للحاجة أيام الحج؟
الجواب
لبس شراب الرجلين أو اليدين بالنسبة للرجل محظور من محظورات الإحرام، فإن احتاج إليه المحرم لحاجة ملحة فعله وعليه الفدية صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من البر أو الأرز أو ذبح شاة. أما المرأة فيجوز لها لبس الشراب، ولا يجوز لها لبس القفازين.(7/253)
هل يجب أن تكشف المرأة وجهها إذا أحرمت؟
المجيب د. شرف بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/محظورات الإحرام والفدية
التاريخ 6/11/1424هـ
السؤال
هل يجب على المرأة كشف وجهها في الحج وهي محرمة؟ وما حكم كشف الوجه للمرأة في الحج؟ وما هي كيفيته؟ بعض العلماء أفتى بكشفه، ولكن قال: يجب أن يغطى عند حضور الرجال، فكيف والحرم كله زحام ورجال مع نساء؟ وهل يكون على المرأة شيء إذا سترت وجهها طوال الحج؟.
الجواب
المرأة المحرمة تُمنع من شيئين كما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - " لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين" أخرجه البخاري (1838) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- والنقاب: شيء يُخاط على قدر الوجه وتلبسه المرأة، ويكون ملاصقاً للوجه ومثله البرقع، فهذا لا يجوز للمرأة لبسه وهي محرمة، وكذلك القفازان، وهي التي تفصّل على قدر الأيدي وتلبسها المرأة، فالمرأة في الحج يجب عليها أن تترك هذين، وألا تلبس البرقع والنقاب والقفازين، فالمرأة تكشف وجهها إذا كانت بحضرة النساء أو جالسة وحدها، أو عند محارمها، أما عند ملاقاة الرجال الأجانب فإنها تُسدل خمارها من فوق رأسها على وجهها، وهذا ليس ممنوعاً، وليس على المرأة شيء إذا أسدلت هذا الخمار على وجهها طوال مدة الحج، ولكن الممنوع هو النقاب والبرقع واللثام والقفازان. والله أعلم.(7/254)
اعتمرا ولم يتذكرا التقصير إلا بعد شهرين
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الحج والعمرة/محظورات الإحرام والفدية
التاريخ 20/5/1423
السؤال
أخذت أنا وزوجتي عمرة واتفقنا على التقصير إذا وصلنا السيارة، ولم نتذكر بعدها إلا بعد مضي شهرين منها، وقال لنا بعض الإخوة: ما دام الأمر نسياناً فلا شيء عليكما والحمد لله، وجهونا وفقكم الله.
الجواب
إن كان حصل منكما جماع قبل التقصير فعلى كل واحد منكما هدي جبران يذبح في مكة لفقراء الحرم، وإن لم يحصل شيء من هذا فلا بأس بتأخير التقصير، وإن عجزتما أو أحدكما عن الهدي فيكفي عن كل واحد منكم صيام عشرة أيام.(7/255)
استعمال العطر بعد الإحرام
المجيب د. شرف بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/محظورات الإحرام والفدية
التاريخ 14/11/1422
السؤال
كنت مسافراً لأداء العمرة في شهر رمضان المبارك، وعندما كنت في طريقي إلى جدة -حيث كنت مسافراً بالطائرة-، قال لي زميلي في الطائرة: إنه يجوز أن ننوي قبل وصول الميقات ولا داعي أن ننتظر إعلام كابتن الطائرة بقربنا من الميقات، وفعلاً هذا ما حدث، وبعد ذلك قدمت وجبة العشاء لنا، وبعد أن انتهيت من دون ما أشعر تناولت المنديل المعطَّر الذي عادة ما يرافق وجبات الأكل، وفتحته وقرَّبته من أنفي ومسحت به شفايفي، وبسرعة تذكرت أني نويت الإحرام، فهل علي شيء؟ مع العلم أني نويت الإحرام عند اقترابنا من الميقات مرة ثانية؛ لأنه لم يكن قلبي مطمئن لرأي زميلي ففضَّلت إعادته مرة أخرى. أفيدوني أفادكم الله.
الجواب
إذا نوى الإنسان الحج أو العمرة قبل وصول الميقات فإنه يصح إحرامه وينعقد مع الكراهة، أما استعمال المنديل المعطَّر بعد عقد النية وقبل الوصول إلى الميقات فإنه قد ارتكب محظوراً، فإن كان جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه، وإن كان متعمداً فعليه فدية وهي: إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع (أي كيلو ونصف الكيلو) من الأرز أو القمح أو غيرها، أو صيام ثلاثة أيام متتابعة أو متفرقة، أو ذبح شاة فتذبح في مكة وتوزع على فقراء الحرم.(7/256)
اعتمرت وهي حائض ثم تزوجت فما الحكم
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/محظورات الإحرام والفدية
التاريخ 11/12/1422
السؤال
هناك بنت نوت العمرة مع أهلها، وكانت حائضاً ولم تخبرهم حياءً منهم، وطافت وسعت وقصرت، وفعلت ما يفعله المتحلل واعتمرت بعدها، ولكن ليس بنية القضاء، ثم تزوجت، فقيل لها: بأن عقدك باطل؛ لأنك ما زلت محرمة من تلك العمرة، فهل هذا صحيح؟ وهل يلزمها إعادة العقد؟
الجواب
ما دام أنها اعتمرت بعد ذلك بمدة، فإن هذا هو التنفيذ لعمرتها الأولى التي نوتها أول مرة؛ لأن طوافها وسعيها وتقصيرها في المرة الأولى كله غير معتبر، وهي لا تزال في إحرامها؛ لأن من شرط الطواف أن تكون على طهارة تامة، وهي طافت وهي حائض فطوافها غير صحيح، وحينئذٍ سعيها وتقصيرها غير صحيح، فبقيت محرمة هذه المدة الطويلة، حتى أنها جاءت مرة ثانية وأدت العمرة، وتقول: إنها نوت بإحرام جديد، لكنه في الحقيقة هي من حين إحرامها الأول لا تزال بإحرام حتى نفذت ذلك في المرة الثانية بأن طافت وسعت وقصرت وتحللت من عمرتها، وعلى هذا فيكون عقدها للنكاح صحيح ولا شيء فيه، ولكن عليها فدى، وهي ما بين العمرتين، فدية عن مس الطيب، وفدية عن تقليم الأظافر، وفدية عن الأخذ من شعرها، هذه عليها من كل واحدة أن تطعم ستة مساكين، أو تصوم ثلاثة أيام، أو أن تذبح شاة عن كل واحدة.(7/257)
ضابط تغطية الرأس للمحرم
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/محظورات الإحرام والفدية
التاريخ 6/12/1422
السؤال
ما الضابط في تغطية الرأس للمحرم، بمعنى لو حمل على رأسه بعض متاعه، هل ذلك يعد من تغطية الرأس؟
الجواب
حمل بعض المتاع على الرأس لا يعد من التغطية الممنوعة إذا لم يفعل ذلك حيلة، وإنما التغطية المحرمة هي: ما يغطى بها الرأس عادة كالعمامة والقلنسوة، ونحو ذلك مما يغطى به الرأس، وكالرداء والبشت ونحو ذلك. أما حمل المتاع فليس من الغطاء المحرم كحمل الطعام ونحوه إذا لم يفعل ذلك المحرم حيلة؛ لأن الله سبحانه قد حرم على عباده التحيل لفعل ما حرم، والله ولي التوفيق.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- الجزء السابع عشر ص (115) ] .(7/258)
أدت العمرة منتقبة
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/محظورات الإحرام والفدية
التاريخ 2/3/1424هـ
السؤال
والدتي قامت بأداء العمرة لعدة مرات، وهي منتقبة وقد رفضت الكشف عن وجهها أثناء مناسك العمرة لعدم شعورها بالارتياح لذلك، فما الحكم؟
كما أنها أخذت عمرة مع امرأة أخرى فقط بدون محرم لهما -لا هي ولا المرأة الأخرى- فما الحكم؟ مع العلم أن معظم عمراتها بدون محرم، إلا أن معها مجموعة من النساء، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الواجب على المرأة المعتمرة أو الحاجة أن تجتنب لبس البرقع والقفازين، فإن لبستهما جاهلة أو ناسية فلا حرج، وإن كانت عالمة عامدة أثمت وعليها فدية وهي ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام.
وأما حكم عمرتها من غير محرم فصحيحة إلا أن فعلها محرم؛ لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-:"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم" رواه البخاري (1088) ، ومسلم (1339) ، واللفظ له.(7/259)
مزيل العرق للمحرم
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الحج والعمرة/محظورات الإحرام والفدية
التاريخ 1/9/1423هـ
السؤال
هل يجوز لكل من السيدات أو الرجال استعمال مزيل العرق أثناء الإحرام أم هذا يعد كاستعمال الطيب المنهي عنه؟ وإذا كان لا يجوز استخدامه، فما البديل المسموح به، لتجنب رائحة العرق وإيذاء الآخرين؟
الجواب
استعمال مزيل العرق للمحرم أو للمحرمة بحسب هذا المزيل فإن كان مشتملاً على طيب، أي فيه رائحة عطر فلا يجوز استعماله، وإن لم يكن فيه رائحة طيب فلا حرج في استعماله، وأما البديل فهو واضح، وهو أي مزيل خالٍ من الطيب، والله - تعالى - أعلم.(7/260)
جامع زوجته بعد التحلل الأول
المجيب د. عبد الله بن محمد الغنيمان
رئيس قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/محظورات الإحرام والفدية
التاريخ 21/10/1424هـ
السؤال
الحمد لله لقد حججت أنا وزوجتي، وبعد التحلل الأول حيث حلقت رأسي وأثناء المبيت في منى جامعت زوجتي في اليوم الثالث من المبيت في منى، وبعد ذلك اتضح لي أنها لم تقص شعرها، أي في التحلل الأول، فهل كان حجنا صحيحاً؟ وماذا يجب علينا الآن؟. أفيدونا أفادكم الله، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
الجواب
إذا كنت لم تطف طواف الإفاضة وإنما رميت وحلقت فيلزمك كفارة: شاة، وعند بعض العلماء يلزمك أن تحرم من الحل ثم تطوف طواف الإفاضة، أما إن كان وقع ذلك بعد طواف الإفاضة والرمي والحلق فليس عليك شيء عند جمهور الفقهاء، أما الزوجة إن كانت لم تحل التحلل الأول وكانت مطاوعة فقد فسد حجها، ويلزمها أن تقضيه وتفتدي ببدنة أو ببقرة أو بسبع شياه، وتحرم بالحج لقضاء ما أحرمت به من الحج الفاسد، لقوله تعالى: "والحرمات قصاص" [البقرة:194] .(7/261)
طواف الوداع للمعتمر
المجيب د. عبد الله بن محمد الغنيمان
رئيس قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/صفة العمرة
التاريخ 29/4/1422
السؤال
سائل يسأل في حكم طواف الوداع للمعتمر؟
الجواب
الذي يظهر أن العمرة لا وداع لها. ولكن إذا بقي في مكة وقتاً طويلاً كيوم أو يومين أو ثلاثة فأراد أن يخرج فعليه أن يودع لأن الوداع للبيت على كل خارج من مكة. والله أعلم.(7/262)
نسيت التقصير في العمرة
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/صفة العمرة
التاريخ 15/6/1423هـ
السؤال
لدي أخت متزوجة، ومنَّ الله علينا بالعمرة، وعند الرجوع وجدت أختي أنها لم تقصر بعضاً من شعرها نسياناً، فما الحكم؟
الجواب
سئل سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- عن سؤال مشابه لسؤالك، فإليك السؤال والجواب:
سـ/ ما حكم من نسي التقصير من شعره بعد عمرته؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
جـ/ بسم الله والحمد لله، يقصر متى ذكر ذلك، ولو رجع إلى بلاده، فمتى ذكر يخلع ثيابه ويلبس الإزار ويقصر، وإن قصر وعليه ثيابه جهلاً منه، فلا حرج، والحمد لله.
[فتاوى ابن باز من كتاب الدعوة الجزء الرابع صـ164ـ] .(7/263)
اعتمرت ونسيت التقصير
المجيب د. شرف بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/صفة العمرة
التاريخ 9/11/1422
السؤال
تقول قريبتي: إنها ذهبت للعمرة في إحدى السنوات، وعند انتهاء العمرة عادت إلى بلدها، ولكنها لا تذكر إن كانت قد قصت شعرها أم لا؟ وبعد عام أدت العمرة من جديد، وقد أتمت أركانها كاملة ومنها قص الشعر، فهل عليها كفارة؛ لأنها لم تقص شعرها في العمرة الأولى؟
الجواب
أختي - بارك الله فيك- أعمال العبادات مهمة جداً، وخصوصاً الحج والعمرة ففيهما فضل عظيم، ولذا ينبغي الاهتمام بها غاية الاهتمام ولو بتسجيل أعمال الحج والعمرة في ورقة، وكلما انتهى من عمل شطب عليه وعرف الباقي، وخصوصاً أن أعمال العمرة قليلة جداً، فهي إحرام، وطواف، وسعي، وحلق أو تقصير، فعلى المسلم أن يتعلم ويهتم بالعمل حتى لا يقع في الخطأ.
أما من ترك التقصير في العمرة فقد ترك واجباً، وعليه ذبيحة من المعز أو الضأن تذبح في الحرم، وتوزع على مساكين الحرم، فعلى قريبتك ذبيحة، ولو أخذت بعد ذلك عشرين عمرة؛ لأن كل عمرة مستقلة عن الأخرى، ولها فضلها وعملها، وتلزم بالشروع فيها، علماً أن هذا الدم إكمال لما نقص من العمرة ليكمل الأجر، وفق الله الجميع لطاعته.(7/264)
صفة العمرة
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/صفة العمرة
التاريخ 19/09/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنوي الذهاب لأداء العمرة -بإذن الله- أرجو أن توضحوا لي كيف تؤدى؟ وما هي شعائرها ومناسكها خاصة ما يتعلق بالنساء؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد: فهذه نبذة مختصرة عن أعمال مناسك العمرة:
(1) إذا وصل من يريد العمرة إلى الميقات استحب له أن يغتسل ويتنظف، وهكذا تفعل المرأة ولو كانت حائضاً أو نفساء، غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر وتغتسل، ويتطيب الرجل في بدنه دون ملابس إحرامه، فإن لم يتيسر الاغتسال في الميقات فلا حرج، ويستحب أن يغتسل إذا وصل مكة قبل الطواف -إذا تيسر ذلك-.
(2) يتجرد الرجل من جميع الملابس المخيطة ويلبس إزاراً ورداءً، ويستحب أن يكونا أبيضين نظيفين، أما المرأة فتحرم في ملابسها العادية التي ليس فيها زينة ولا شهرة.
(3) ثم ينوي الدخول في النسك بقلبه ويتلفظ بلسانه قائلاً:"لبيك عمرة" أو "اللهم لبيك عمرة" وإن خاف المحرم ألا يتمكن من أداء نسكه لكونه مريضاً أو خائفاً من عدو ونحوه شرع له أن يشترط عند إحرامه، فيقول:":"فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني" لحديث ضباعة بنت الزبير -رضي الله عنها-، ثم يلبي بتلبية النبي -صلى الله عليه وسلم-وهي:"لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" ويكثر من هذه التلبية ومن ذكر الله -سبحانه- ودعائه حتى يصل إلى البيت (الكعبة) .
(4) فإذا وصل إلى المسجد الحرام قدم رجله اليمنى عند الدخول، وقال:"بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم اللهم افتح لي أبواب رحمتك".(7/265)
(5) فإذا وصل إلى البيت قطع التلبية ثم قصد الحجر الأسود واستقبله ثم يستلمه بيمينه ويقبله -إن تيسر ذلك- ولا يؤذي الناس بالمزاحمة، ويقول عند استلامه:"بسم الله والله أكبر" فإن شق التقبيل استلمه بيده أو بعصا أو نحوها وقبل ما استلمه به فإن شق استلامه أشار إليه، وقال:"الله أكبر" ولا يقبل ما يشير به، ويشترط لصحة الطواف أن يكون الطائف على طهارة من الحدث الأصغر والأكبر؛ لأن الطواف مثل الصلاة غير أنه رخص فيه الكلام.
(6) يجعل البيت عن يساره ويطوف به سبعة أشواط، وإذا حاذى الركن اليماني استلمه بيمينه -إن تيسر- ويقول:"بسم الله والله أكبر" ولا يُقبله، فإن شق عليه استلامه تركه ومضى في طوافه ولا يشير إليه ولا يكبر؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أما الحجر الأسود فكلما حاذاه استلمه وقبله -كما ذكرنا سابقاً- وإلا أشار إليه وكبر، ويستحب الرمل -وهو: الإسراع في المشي مع تقارب الخطى- في الثلاثة الأشواط الأولى من طواف القدوم للرجل خاصة، كما يستحب للرجل أن يضطبع في طواف القدوم في جميع الأشواط، والاضبطاع: أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر، ويستحب الإكثار من الذكر والدعاء بما تيسر في جميع الأشواط، وليس في الطواف دعاء مخصوص ولا ذكر مخصوص، بل يدعو ويذكر الله بما تيسر من الأذكار والأدعية ويقول بين الركنين:"ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" في كل شوط؛ لأن ذلك ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ويختم الشوط السابع باستلام الحجر الأسود وتقبيله -إن تيسر- أو الإشارة إليه مع التكبير حسب التفصيل المذكور آنفاً، وبعد فراغه من هذا الطواف يرتدي بردائه فيجعله على كتفيه وطرفيه على صدره.(7/266)
(7) ثم يصلي ركعتين خلف المقام -إن تيسر- فإن لم يتمكن من ذلك صلاهما في أي موضع من المسجد، يقرأ فيهما بعد الفاتحة "قل يا أيها الكافرون" في الركعة الأولى، و"قل هو الله أحد" في الركعة الثانية، هذا هو الأفضل، وإن قرأ بغيرهما فلا بأس، ثم بعد أن يسلم من الركعتين يقصد الحجر الأسود -إن تيسر ذلك-.
(8) ثم يخرج إلى الصفا فيرقاه أو يقف عنده والرقي أفضل -إن تيسر-، ويقرأ قوله -تعالى-:"إن الصفا والمروة من شعائر الله"، ويستحب أن يستقبل القبلة ويحمد الله ويكبره ويقول:"لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده" ثم يدعو بما تيسر رافعاً يديه ويكرر هذا الذكر والدعاء ثلاث مرات، ثم ينزل فيمشي إلى المروة حتى يصل إلى العلم الأول فيسرع الرجل في المشي إلى أن يصل إلى العلم الثاني، أما المرأة فلا يشرع لها الإسراع؛ لأنها عورة، ثم يمشي فيرقى المروة أو يقف عندها والرقي أفضل -إن تيسر- ويقول ويفعل على المروة كما قال وفعل على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسرع في موضع الإسراع حتى يصل إلى الصفا يفعل ذلك سبع مرات ذهابه شوط ورجوعه شوط، وإن سعى راكباً فلا حرج ولا سيما عند الحاجة، ويستحب أن يكثر في سعيه من الذكر والدعاء بما تيسر، وأن يكون متطهراً من الحدث الأكبر والأصغر ولو سعى على غير طهارة أجزأه ذلك.
(9) فإذا كمل السعي يحلق الرجل رأسه أو يقصره والحلق أفضل، وإذا كان قدومه مكة قريباً من وقت الحج فالتقصير في حقه أفضل ليحلق بقية رأسه في الحج، أما المرأة فتجمع شعرها وتأخذ منه قدر أنملة فأقل، فإذا فعل المحرم ما ذكر فقد تمت عمرته والحمد لله، وحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام.
وفقنا الله وسائر إخواننا المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وتقبل من الجميع إنه -سبحانه- جواد كريم.(7/267)
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى أصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- (17/425-430) ] .(7/268)
اعتمرت وهي حائض
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
كتاب الحج والعمرة/صفة العمرة
التاريخ 19/09/1425هـ
السؤال
سؤالي هو أني قرأت لكم فتوى لأحد المشايخ، وهي بخصوص العمرة وهو أنني أديت العمرة وكنت حائضاً، وطفت وسعيت وعملت جميع مناسك العمرة وأنا على غير طهارة، وهذا تقريباً قبل خمس سنوات حياءً مني، وكنت وقتها غير متزوجة، ثم تزوجت وذهبت مع زوجي وأديت عمرة، ولكن دون أن أنوي أنها قضاء عن عمرتي الأولى...... والآن ماذا يلزم علي؟ هل عقد الزواج باطل؟ وما هو عقد الزواج؟ ماذا أفعل؟ أفيدونا جزاكم الله تعالى خيراً فإنني محتارة في هذا!!.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أرى أن هذه العمرة فاسدة، وأن هذه المرأة لم تتحلل من عمرتها، وأن عليها فدية عن كل محظور، والمحظورات ثلاثة في حق النساء، وهي الأخذ من الشعر وقص الأظافر واستعمال الطيب، ففي كل واحد صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم، والصيام يصح في كل مكان، وعليها دم عن جماع زوجها لها قبل التحلل يذبح لمساكين الحرم، ونعتقد أن عقد النكاح فاسد، فلابد من تجديده، وما حصل فعفا الله عنه، وتكون العمرة الجديدة مكملة لتلك العمرة الفاسدة وإن لم تنو أنها تكميل لها، والله أعلم.(7/269)
طواف الوداع قبل إكمال النُسك
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/الطواف: أنواعه وأحكامه
التاريخ 7/4/1422
السؤال
زوجتي طافت للوداع وسعت الساعة 11 صباحاً خوفاً من الزحام، بعد أن أنابتني لرمي الجمرات بدلاً عنها، علماً بأني رميت الجمرات بعد الظهر أي طافت الوداع قبل أن أرمي نيابة عنها الجمرات، فما الحكم جزاكم الله خيراً؟
الجواب
في هذه الحالة يجب على زوجتك دم (ذبيحة تذبح في مكة، وتوزع على فقراء الحرم) ؛ لكونها طافت الوداع قبل استكمال مناسك الحج.(7/270)
صعود السلالم ليس من الطواف!
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/الطواف: أنواعه وأحكامه
التاريخ 30/10/1422
السؤال
كنت في الحج أنا والوالده وفي طواف الوداع طفنا ثلاثة أشواط وأكملنا الأربع الباقية في السطح بسبب الزحام الشديد علماً أننا حسبنا صعودنا مع السلالم من الطواف، هل فعلنا صحيح؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
إن كان إكمال الطواف في السطح من عند منتهى الطواف في الأسفل أو قبله بحيث لم يترك شيء من الطواف، فالطواف صحيح، وإن ترك شيء من الطواف بسبب الصعود بحيث كان الطواف في السطح من بعد منتهى الطواف في الأسفل، فلا يصح هذا الطواف، لترك جزء من الطواف بالبيت، وقد قال الله تعالى:" وليطوفوا بالبيت العتيق" [الحج:29] .
وإذا لم يصح الطواف فقد تُرك واجب من واجبات الحج يجب على كل واحد منكم دم عند جمهور أهل العلم يذبح في حرم مكة ويوزع على فقرائه، وبالله التوفيق.(7/271)
طاف من داخل الحجر
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/الطواف: أنواعه وأحكامه
التاريخ 12/11/1422
السؤال
اعتمر رجل وطاف أربعة أشواط من داخل حجر إبراهيم، ثم رجع إلى بلده، ما حكمه؟ وما الواجب عليه الآن؟
الجواب
لا أدري هل يقصد داخل حجر إسماعيل، أم داخل مقام إبراهيم؟ لكن لعل قصد السائل حجر إسماعيل؛ لأن الطواف أغلبه ما بين الكعبة ومقام إبراهيم، ولعل الذي أشكل على السائل هو أنه طاف من داخل حجر إسماعيل.
جزء من حجر إسماعيل هذا من الكعبة، فالذي يطوف من داخله لم يطف بالكعبة، وحينئذٍ فطوافه يُعدّ غير صحيح، والسعي لا يصح إلا بعد طواف صحيح، والحلق أو التقصير لا يكون إلا بعد تمام العمرة، فهذا الرجل الذي ذكر لا يزال في حال إحرام، وعليه أن يرجع إلى مكة وأن يكمَّل عمرته؛ لأن ما فعل سابقاً كله غير صحيح، ويطوف سبعة أشواط على الكعبة وعلى حجر إسماعيل، ويسعى بعد ذلك ثم يحلق شعره أو يقصر، وإذا حصل له أمور تخلُّ بإحرامه فإن عليه أن يوضحها، لكن لا مانع من أن نفترض افتراضات نتوقع حصولها، فإذا كان له زوجة وجامعها فإنه يجب عليه أن يعيد إحرامه ويكمَّل عمرته الأولى، ثم بعد ذلك يلزمه أن يأتي بعمرة أخرى تسمى عمرة القضاء، ويلزمه مع هذا أن يذبح شاة بمكة لأنه أفسد إحرامه بمعاشرته لزوجته قبل أن يتحلل، هذا والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(7/272)
هل الحدث أثناء الطواف يبطله؟
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/الطواف: أنواعه وأحكامه
التاريخ 27/12/1424هـ
السؤال
ما حكم من أحدث أثناء الطواف من الخوف، حيث إنه شخص كبير بالسن، ودعت الحاجة إلى حمله أثناء الطواف فخاف وأحدث، ما حكم عمرته وهل يلزمه شيء؟
الجواب
الحدث أثناء الطواف لا يفسد الطواف في أصح قولي العلماء، فإذا كان أتم طوافه بعد الحدث ثم سعى وحلق أو قصر فلا شيء إن شاء الله عليه.(7/273)
طواف الطفل
المجيب د. شرف بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/الطواف: أنواعه وأحكامه
التاريخ 27/1/1423
السؤال
ما حكم حمل الأطفال الصغار أثناء الطواف، مع أنه ينظف قبل الطواف لكن الطفل يخرج منه نجاسة ولا يشعر بها حامله، وإذا كان هذا الطفل قد أحرم كيف تتم عمرته، هل طوافه مع الذي يحمله يكفيه أو يطاف به مستقلاً؟ أرجو التوضيح.
الجواب
يجوز لك أن تحمل الطفل في الطواف وإن لم يكن الطفل طاهراً؛ لأن طهارته ليست شرطاً لصحة طوافه، لكن ينبغي أن يكون الطفل متطهراً من النجاسة، وإذا كان الطفل قد أحرم فيفعل به وليه كما يفعل الكبير من إحرام وطواف وسعي وتقصير، وإذا طاف به من يحمله فالأحوط أن يطوف به طوافاً مستقلاً ويسعى به كذلك، وقد قال سماحة الشيخ/ ابن باز: "فإن نوى الحامل الطواف عنه وعن المحمول أجزأه ذلك في أصح قولي العلماء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر التي سألته عن حج الصبي أن تطوف له وحده، ولو كان ذلك واجباً لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن الأفضل أن يطوف لنفسه طوافاً مستقلاً، ويسعى لنفسه سعياً مستقلاً احتياطاً للعبادة، والله أعلم.(7/274)
اختيار ابن تيمية في طواف الوداع للمعتمر
المجيب د. شرف بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/الطواف: أنواعه وأحكامه
التاريخ 24/12/1424هـ
السؤال
ما حكم طواف الوداع في العمرة عند شيخ الإسلام ابن تيمية؟ وفي أي كتاب ذكر ذلك؟
الجواب
طواف الوداع في العمرة عند ابن تيمية - رحمه الله - وفي الحج وفي غيرها، يراه واجباً مستقلاً، ليس من تمام حج ولا عمرة، ولكنه يجب على كل من خرج من مكة، ولهذا من أقام بمكة لا يودع، وهذا القول مذكور في: مجموع فتاوى ابن تيمية (26/6) ، والله أعلم.(7/275)
حاضت قبل طواف الإفاضة
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/الطواف: أنواعه وأحكامه
التاريخ 1/07/1425هـ
السؤال
حاضت امرأة قبل طواف الإفاضة، وهي مرتبطة بالسفر مع رحلة الحج التي أتت معها قبل أن تطهر من الحيض، فماذا عليها أن تفعل؟ علماً أنها لا تستطيع التأخر عن رحلتها في العودة، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بالنسبة للمرأة التي حاضت قبل طواف الإفاضة لا تخلو من حالين:
الأول: أن تكون قادمة من بلاد بعيدة؛ كبلاد المغرب وباكستان، والهند، ونحو ذلك من البلاد البعيدة، فهذه على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - لها أن تتحفظ وأن تطوف للضرورة.
الثاني: أن تكون قادمة من بلاد قريبة؛ كأن تكون داخل المملكة العربية السعودية، أو تكون من بلاد الخليج، فهذه لا يجوز لها أن تطوف وهي حائض، بل تنتظر حتى تطهر، أو تذهب ثم بعد ذلك ترجع إذا طهرت، وإذا ذهبت فإنها لا تزال محرمة ولم تحل التحلل الثاني، فلا يجوز لزوجها أن يقربها حتى تحل التحلل الثاني.(7/276)
طواف الوداع لأهل جدة
المجيب د. شرف بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/الطواف: أنواعه وأحكامه
التاريخ 19/12/1424هـ
السؤال
اختلفت الآراء حول طواف الوداع لأهل جدة، أفيدونا أفادكم الله ونفع بعلمكم وزادكم الله علماً، وجمع بيننا في الجنة إن شاء الله.
الجواب
أهل جدة يجب عليهم طواف الوداع بنص الحديث: "لا ينفرن أحُدُ حتى يكون آخر عهده بالبيت" رواه مسلم (1327) من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أو كما قال، فكل خارج من مكة بعد الحج عليه طواف وداع. والله أعلم.(7/277)
عدد أشواط الطواف
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/الطواف: أنواعه وأحكامه
التاريخ 13/9/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد أن أطوف طواف تنفل فهل يجب علي أن أكمل سبعة أشواط؟ أم أنني أطوف ما استطعت مثلاً ثلاثة أشواط ثم أنصرف، أو ثمانية أشواط أو 12 أو 13 إلخ، يعني من غير تقيد بعدد محدد؟ أريد جواباً حول هذا السؤال، علماً أنني كنت أقوم بذلك فأطوف ما استطعت ولا أتقيد بعدد معين وبعد ذلك أنصرف. (وهنا أقصد طواف التنفل) .
الجواب
يجب أن يكون كل طواف سبعة أشواط، سواء كان ركناً من أركان الحج والعمرة أو واجباً، أو مسنوناً، أو تطوعاً مطلقاً، ولا مانع إذا أكمل السبعة أن يستأنف سبعة أخرى، وإذا أقيمت الصلاة وهو لم يكمل طوافه دخل في الصلاة ثم أكمل ما بقي عليه من السبعة ولعل الأولى ألاّ يحتسب الشوط الذي قطعه قبل أن يتمه إلى الحجر الأسود، خروجاً من الخلاف.(7/278)
هل يجب الطواف عند كل دخولٍ للحرم؟!
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/الطواف: أنواعه وأحكامه
التاريخ 26/09/1426هـ
السؤال
من المعلوم أن تحية الحرم الطواف، فهل يجب الطواف عند كل دخول للحرم أو فقط في أول مرة؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فالداخل للحرم لا يخلو من حالين:
الحالة الأولى: أن يدخل لكي يطوف، فهذا تحية البيت بالنسبة له الطواف، ثم بعد ذلك يصلي ركعتي الطواف، ويغنيه ذلك عن تحية المسجد.
الحالة الثانية: أن يدخل المسجد لا لأجل الطواف، وإنما لكي يصلي أو يقرأ أو يحضر دروس أهل العلم، فتحية المسجد "أن يصلي ركعتين"؛ لحديث أبي قتادة -رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين". أخرجه البخاري (1167) ، ومسلم (714) .(7/279)
طاف شوطين فقط
المجيب د. شرف بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/الطواف: أنواعه وأحكامه
التاريخ 10/6/1425هـ
السؤال
وفقني الله -عز وجل- لأداء فريضة الحج أنا وزوجتي، وقد آثرنا أن نؤجل طواف الإفاضة ونجعله مع طواف الوداع بنية واحدة، ولكن المشكلة أننا بعد الوصول للحرم الشريف كان الزحام شديداً جداً في الطواف، وكان الوقت بعد صلاة العشاء مباشرة يوم الثاني عشر، فحاولنا الطواف في السطح وفي الدور الثاني وفي الدور الأول، ولم نستطع إلا طواف شوطين فقط، وكان الزحام شديداً، وكنا أيضاً منهكين ومتعبين للغاية، فعدنا إلى الرياض ولم نكمل طوافنا، علماً أنني جامعت زوجتي بعد عودتنا للرياض.1ـ هل حجنا هذا صحيح؟ وهل لا زلنا محرمين، ولم نتحلل التحلل الثاني، وماذا يلزمنا من القضاء، علماً أن حجنا قران وقد سقنا الهدي في وقته؟ وحال وصولنا لمكة المكرمة (يوم 7 ذي الحجة ليلة أو فجر 8 ذي الحجة) قمنا بتأدية العمرة وطفنا وسعينا. فهل يجزئ طوافنا شوطين في الوداع ونية الإفاضة أيضاً؟ وهل لنا العذر حيث وصل بنا الزحام، وتداخلت العربات مع المشاة في الطواف، وأصبح التنفس صعباً للغاية، وانتظرنا ولكن الزحام أصبح في ازدياد، إلى أن قررت أن أعود وأطلب الفتوى فيما بعد والله العالم بالنية. وفقنا الله وإياكم ونفعنا بعلمكم والله يحفظكم.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
طواف الإفاضة ركن في الحج لا يسقط أبداً، فيجب أن تأتي أنت وزوجتك وتطوفان طواف الإفاضة، وعلى كل واحد منكما فديتين شاتين تذبحان في مكة، وتوزع على فقراء الحرم، عليك ذبيحتين، وعلى زوجتك ذبيحتين، للجماع، وترك طواف الوداع. والله أعلم.(7/280)
هل للنفر من عرفة طريق معين؟
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/الوقوف بعرفة
التاريخ 30/06/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بالنسبة للنفر من عرفة إلى مزدلفة، هل يشترط أن السير يكون باتجاه مزدلفة؟
وهل يجوز لي أن أسلك الطريق المجانب لعرفة، وهو طريق الطائف، سواء من جهة حي المعالي أو من جهة أخرى، وأدخل مزدلفة من الخلف بعدما أمر على حي العزيزية؟.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
نعم، لا بأس بذلك، المهم أن يكون الإنسان بعد الانتهاء من عرفة يتجه إلى مزدلفة، وكونه يسلك طريقاً عن يمين مزدلفة، أو عن شمالها فلا يؤثر هذا، وإن كان الأفضل أن يكون في الطريق الأكثر اختصاراً، ولكن إذا وجد أن فيه زحاماً وسلك الطريق السريع، طريق الطائف مكة - مثلاً- فإنه لا بأس بهذا - إن شاء الله-.(7/281)
إجزاء الوقوف بعرفة نسياناً
المجيب د. شرف بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/الوقوف بعرفة
التاريخ 15/10/1424هـ
السؤال
قال النووي في المجموع (8/17) : (ولأنه لو وقف بعرفة ناسياً أجزأه بالإجماع) فما صورة ذلك؟ وهل هذا الإجماع ثابت؟
الجواب
إذا وقف بعرفة وهو مسلم عاقل صح حجه بإجماع الفقهاء الأربعة إذا كان زمن الوقوف، لأن الوقوف بعرفة لا يشترط له إرادة، وإنما هو مجرد دخولها أو المرور بها بسرعة حتى النائم، والجاهل، والدليل على ذلك حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-:"وقد أتى عرفات ... " انظر الترمذي (891) وأحمد (15775) والحديث صححه الألباني، وقد أتاها، والله أعلم.(7/282)
حجت ونسيت التقصير
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/الحلق والنحر
التاريخ 12/6/1424هـ
السؤال
حججت قبل عامين ونسيت التقصير ولم أذكره إلا الآن، فما الحكم علماًً بأني حججت أنا ووالدتي وكلانا نسي التقصير، وهل يصح عقد قراني الذي تم في هذا العام؟ وهل أقصر الآن؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب
إذا كنت نسيت التقصير فعليك دم؛ أي ذبيحة تذبح في مكة وتوزع على فقرائها، وأما العقد فهو صحيح إن شاء الله إذا كنت لم تتركي إلا التقصير، وإن كنت تركت شيئاً آخر فالحكم يختلف باختلاف هذا المتروك، والله أعلم.(7/283)
قص المحرم شعره بنفسه
المجيب د. شرف بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/الحلق والنحر
التاريخ 1/12/1422
السؤال
هل يجوز أن يقوم المحرم بقص شعر رأسه بنفسه بعد الطواف والسعي في العمرة؟ وهل يجوز أن يقوم المحرم بقص شعر غيره قبل أن يتحلل من إحرامه؟
الجواب
نعم يجوز للمحرم أن يقصر من رأسه أو يحلقه بعد الطواف والسعي في العمرة بنفسه، ولكن التقصير من الرأس كله وليس من جوانبه فقط، وكذلك يجوز له قص شعر غيره حال إحرامه وليس في ذلك شيء، والله أعلم.(7/284)
لا نجدُ مبيتاً في منى إلا الطرقات
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/المبيت بمنى
التاريخ 6/12/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ! ذهبنا إلى منى للمبيت بها فلم نجد مكاناً نبيت فيه إلا الطرقات والأرصفة، فهل يلزمنا أن نبيت بها؟ وإذا لم يلزمنا ذلك فهل يجب أن نبيت حيث تنتهي خيام منى؛ كأول مزدلفة مثلاً؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد دلت النصوص الشرعية من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمره، ومذاهب فقهاء الصحابة على وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق على من قدر على ذلك ووجد مكاناً يليق بمثله، وإلى وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق ذهب جمهور أهل العلم.
كما دلت الأدلة على أن المبيت يسقط عمن لم يجد بمنى مكاناً يليق بمثله، ولا شيء عليه، وله أن يببيت حيث شاء، في مكة أو في المزدلفة أو في أي مكانٍ آخر، ولا يلزمه أن يبيت حيث انتهت خيام منى.
وليست الطرقات والأرصفة وشعف الجبال مكاناً صالحاً لمبيت الآدميين فلا يلزم أن يبيت بها من لم يجد غيرها.
ويدل لذلك ما يلي:
الدليل الأول: حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: استأذن العباس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية فأذن له. البخاري (1634) ، ومسلم (1315) .
والسقاية: إعداد الماء للشاربين بمكة، يذهب أهلها القائمون بها ليلاً، يستقوا الماء من زمزم ويجعلوه في الحياض مسبلاً للشاربين.
ووجه الدلالة: أنه إذا ثبتت الرخصة في ترك المبيت بمنى لأهل السقاية وهم يجدون مكاناً للمبيت بمنى، فمن باب أولى أنْ تثبت لمن لم يجد بمنى مكاناً يليق به؛ لأن الرخصة ثبتت لأهل السقاية لأجل الناس، مع أن السقاية تحصل من غيرهم، فكيف لا تثبت الرخصة لمن عجز عن المبيت، ولمن لا يجد مكاناً يبيت فيه.(7/285)
الدليل الثاني: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر. أخرجه مالك في الموطأ (1/408) ، وأحمد (5/450) ، وأبو داود (1975) ، والترمذي (955) ، والنسائي (5/273) ، وابن ماجه (3037) .
والذي لا يجد مكاناً يصلح للمبيت بمنى أولى بالرخصة من رعاة الإبل، وهذا ظاهر.
الدليل الثالث: ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه كان يقول: "إذا كان للرجل متاعٌ بمكة يخشى عليه الضيعة إنْ بات بمنى، فلا بأس أن يبيت عنده بمكة" أخرجه سعيد بن منصور في سننه، وغيره.
وقد ألحق أهل العلم بمن تقدم كلَّ من له مال يخاف ضياعه، أو أمر يخاف فوته، أو مريض يحتاج أن يتعهده.
وفي معنى هؤلاء في جواز الترخص بترك المبيت بمنى، بل أولى به منهم: من لا يجد مكاناً يليق به يبيبت فيه، وكذلك من خرج ليطوف بالبيت الحرام فحبسه الزحام حتى فاته المبيت بمنى؛ فإن تخلفهما عن المبيت بمنى سببه أمر خارجي، ليس من فعلهما، ولا يستطيعان رفعه.
وعلى هذا فالطرق ليست مكاناً للمبيت، بل لا ينبغي لأحدٍ أن يبيت بها، ومن فعل فقد أساء وتعدى وظلم، بل ويخشى عليه الإثم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الجلوس في الطرقات. ولا يخفى ما في المبيت في الطرقات من تعريض النفس للتهلكة، وانكشاف العورات، لا سيما من النساء، وما يسببه جلوسهم وإيقاف سياراتهم على جنبات الطريق من التضييق والزحام وتعطيل السير.
ولا شك أنَّ حفظَ النفس والعرض أولى من واجبٍ وردت الرخصة بسقوطه عن العاجز وذي الحاجة، والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.(7/286)
ولذا فإن الافتراش الحاصل الآن في الطرقات وتحت الجسور وما يسببه من مضار على الحجاج، وإعاقة للسير، وتضييق للطرق وتعريض النفس والغير للأذى والهلكة من العسر والحرج الذي جاءت الشريعة السمحة برفعه، (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وإيذاء للنفس وتعذيب لها، (والله غني عن تعذيب هؤلاء أنفسهم) ، كما أن في صورة هذه الحشود بهذا المنظر المزري والذين يعلن على العالم كله إساءة بالغة لسماحة الشرع المطهر الذي ماجاء بشيء من هذا ولا أمر به.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم.(7/287)
تقديم السعي على طواف الحج
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/مسائل متفرقة
التاريخ 27/11/1425هـ
السؤال
حججت مع زوجتي قبل ثلاث سنوات، وبعد المبيت بمزدلفة خرجنا منها قبل طلوع الفجر، حيث كنا مرتبطين مع بعض الحجاج في حملة، ووصلنا إلى منى ورمينا الجمرة الأولى، وحلقنا قبل طلوع الشمس- مع الفجر تقريبًا- ثم ذهبنا إلى موقع الحملة، وفي الساعة الثامنة صباحًا قمنا بدفع مبلغ للبنك ليذبح نيابة عنا، وفي العصر من نفس اليوم ذهبنا إلى مكة ولم نطف، بل سعينا سعي الحج فقط؛ حيث أردنا تأخير طواف الحج مع طواف الوداع، وفي اليوم الثاني عشر طفنا طواف الحج ولم نسع، ثم غادرنا مكة، هل علينا شيء فيما فعلنا بتفريقنا بين السعي والطواف، وكذلك وصولنا إلى منى قبل الفجر، ورمينا وتحليقنا قبل طلوع الشمس يوم العيد؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
حجكم صحيح، وعملكم لا شيء فيه، فانصرافكم من مزدلفة قبل طلوع الفجر، لا حرج عليكم فيه؛ لأنكم من أهل الأعذار، ورميكم للجمرة أنتم معذورون فيه، فقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم- للضعفة بالانصراف والرمي قبل طلوع الفجر.(7/288)
وقيامكم بالحلق أو التقصير قبل دفع النقود للبنك لا حرج فيه أيضًا، وإن كان خلاف الأفضل، فالسنة تقديم نحر الهدي على الحلق، ولكن يجوز تقديم الحلق على النحر، وهكذا أيضًا سعيكم قبل الطواف لا حرج فيه في أصح قولي العلماء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم- ما سئل عن شيء يوم العيد في حجة الوداع قدم أو أخر إلا قال: "افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ". رواه البخاري (83) ومسلم (1306) ، من حديث عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، وقد ثبت: سعيت قبل أن أطوف. فقال صلى الله عليه وسلم: "افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ". رواه أبو داود (2015) ، من حديث أسامة بن شريك، رضي الله عنه، فدل هذا على جواز تقديم السعي على الطواف إلى آخر يوم، وهنا يدخل طواف الوداع في طواف الإفاضة، ويصدق على من أخَّر طواف الإفاضة أنه آخر عهده بالبيت، وبهذا تبين أن عملكم لا شيء فيه، وأن حجكم صحيح ولا يلزمكم شيء بحمد الله. وصلى الله على نبينا محمد.(7/289)
تسمية المولود المتوفى والعقيقة عنه
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 10/8/1422
السؤال
حملت زوجتي بتوأم - ولله الحمد -، وعند الوضع (بعد الولادة) ، وحسب تقرير المستشفى اتضح أن أحد الجنينين (ولد) متوفى قبل حوالي 24 ساعة من الولادة، والمولود الآخر سليم - ولله الحمد -، والسؤال: هل من السنة تسمية المولود المتوفى، وذبح عقيقته أم لا؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
أما التسمية فنعم فيسمى، وأما بالنسبة للعقيقة فلا يعق عن المولود الذي ولد ميتاً، وإنما يعقّ عن الحيّ.(7/290)
كيف توزع العقيقة
المجيب أ. د. صالح بن عبد الله اللاحم
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 2/5/1422
السؤال
ما الأفضل في العقيقة أكلها أو توزيعها أو جعلها وليمة؟
الجواب
الهدي في العقيقه كالهدي في الأضحية-أي في الأكل والهدية والصدقة فيسن له أن يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثاً. كذلك قال الفقهاء.
وهذا هو الأفضل، ولو أحب أن يجعلها وليمة ويدعو إليها القريب والصديق ومن في حضوره الأجر فلا بأس(7/291)
الضحية بمقطوع الذيل
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 29/11/1423هـ
السؤال
الخروف المقطوع الذيل (الإلية) من صغر، بقصد أن تعم السمنة جسده، هل يجزئ للأضحية والعقيقة؟
الجواب
لا يجزئ في الأضحية ولا في الهدايا ولا العقيقة مقطوع الذيل (الإلية) لما روى أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - قال: (أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن، ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة، ولا مدابرة، ولا خرقاء، ولا شرقاء) أخرجه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان.
والمقابلة: ما قطع من طرف أذنها شيء وبقي معلقاً، والخرقاء مخروقة الأذن، والشرقاء: مشقوقة الأذن. هذا كله إذا كان مقطوعاً، أما إذا كان الخروف لم يخلق له ذيل أصلاً فإنه في حكم الجماء والصمعاء، والحكم في ذلك هو الإجزاء.
وبالله التوفيق - وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/412- 413) ](7/292)
العقيقة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 14/10/1422
السؤال
ولد لي طفلان ولم أعق عنهما إلى الآن: الأول يبلغ العاشرة من العمر، والثاني يبلغ السابعة. ماذا يجب عليّ؟ وجزاكم الله خيراً. وهل يجوز أن أخرجهما نقوداً؟
الجواب
العقيقة سنة مؤكدة، وليست واجبة، فإن استطعت فعققت عنهما فحسن، عن الذكر شاتان، وعن البنت شاة واحدة.(7/293)
الاقتراض لأجل شراء أضحية
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 26/12/1424هـ
السؤال
ما حكم الشرع في الذي يقترض لأجل أضحية العيد؟ وما رأيكم في الذي يقترض ثمن الأضحية من البنوك الربوية؟ والذي يبيع الأثاث لأجل أضحية العيد؟
الجواب
يجوز للإنسان أن يقترض لأجل الأضحية، وإن كان الأفضل إذا كان لا يجد ثمن الأضحية ألا يشغل ذمته بقرض؛ لأن جمهور العلماء على أن الأضحية سنة.
أما الاقتراض من البنوك الربوية لأجل الأضحية فلا شك في حرمته.
بيع الأثاث لأجل الأضحية أي لشرائها لا بأس به، بل هو شيء مرغوب فيه إذا كان هذا الأثاث زائداً عن الحاجة.(7/294)
سؤال حول الأضحية
المجيب أ. د. صالح بن عبد الله اللاحم
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 22/9/1424هـ
السؤال
أنا أعمل في مؤسسة إغاثية وعندنا مشروع الأضاحي، حيث يضحي المسلم في أمريكا بأضحيته في العالم الإسلامي، فيكون وقت الذبح هو بعد صلاة العيد. والسؤال هنا بسبب فارق الوقت بين أمريكا والعالم الإسلامي فقد تذبح الأضحية قبل أن يصلي المضحي في أمريكا صلاة العيد، فهل تكون هذه أضحية أم لا؟.
الجواب
الأضحية فيما يظهر لي معلقة بالصلاة في بلد المضحي، لا مكان الأضحية، والأحوط في نظري أن يؤخر الذبح إلى أن يصلي الإمام المتأخر، أي سواء كان المتأخر بلد الأضحية، أو بلد المضحي.(7/295)
مضحٍ حلق رأسه ناسياً
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 8/12/1422
السؤال
رجل حلق شعره في العشر من ذي الحجة، وهو يريد الأضحية وهو ناسي، فما جزاؤه؟
الجواب
لا شيء عليه؛ لقول الله - عز وجل -: " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن الله - سبحانه- قال: " قد فعلت" خرجه مسلم في صحيحه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء المجلد 11 ص 404](7/296)
ما لا يجزئ في الأضحية
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 8/12/1422
السؤال
عن العيوب التي تمنع الإجزاء في الأضاحي، والعيوب التي تكره فيها مع الإجزاء، وعن نوعية الأفضل سئفي الأضاحي.
الجواب
مما لا يجزئ: أن يذبح في الهدي والأضحية العوراء البين عورها، والعمياء، والمريضة البين مرضها، ولا ذات هزال لا تنقي، وعرج يمنع اتباع الغنم، وعضب يذهب لأكثر القرن والأذن، وأفضلها الإبل، ثم البقر، ثم الغنم، والأسمن والأملح أفضل. أما تمام التفصيل فيما يكره ويستحب ففي إمكانك مراجعة كتب الحديث والفقه في هذا الباب لمزيد الفائدة.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء المجلد 11 ص 405](7/297)
التلفظ بالنية في الأضحية
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 8/12/1422
السؤال
هل يجوز التلفظ بالنية مثلاً لو أردت أن أذبح أضحية لوالدي المتوفى، فأقول: اللهم إنها أضحية والدي فلان، أم أني أعمل الحاجة بدون تلفظ ويكفي؟
الجواب
النية محلها القلب، فيكتفي بما قصده في قلبه، ولا يتلفظ بالنية، وعليه بالتسمية والتكبير عند الذبح؛ لما ثبت في الصحيحين عن أنس - رضي الله عنه - قال: (ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين ذبحهما بيده وسمَّى وكبَّر) . ولا مانع من أن تقول: " اللهم إن هذه أضحية عن والدي وليس هذا من التلفظ بالنية. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء المجلد 11 ص 416](7/298)
الأضحية عن الميت
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 08/12/1422هـ
السؤال
هل تجوز الأضحية للميت؟
الجواب
أجمع المسلمون مشروعيتها من حيث الأصل، ويجوز أن يضحي عن الميت؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة، وذبح الأضحية عنه من الصدقة الجارية؛ لما يترتب عليها من نفع المضحي والميت وغيرهما. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء المجلد 11 ص 417](7/299)
من أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا أظفاره
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 8/12/1422
السؤال
الحديث من أراد أن يضحي أو يضحى عنه فمن أول شهر ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا بشرته ولا أظفاره شيئاً حتى يضحي، فهل هذا النهي يعم أهل البيت كلهم، كبيرهم وصغيرهم أو الكبير دون الصغير؟
الجواب
لا نعلم أن لفظ الحديث كما ذكره السائل، واللفظ الذي نعلم أنه ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو ما رواه الجماعة إلا البخاري، عن أم سلمة - رضي الله عنها-، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره" ولفظ أبي داود وهو لمسلم والنسائي أيضاً: " من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي" فهذا الحديث دال على المنع من أخذ العشر والأظفار بعد دخول عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي، فالرواية الأولى فيها الأمر والترك، وأصله أنه يقتضي الوجوب، ولا نعلم له صارفاً عن هذا الأصل، والرواية الثانية فيها النهي عن الأخذ، وأصله أنه يقتضي التحريم، أي: تحريم الأخذ، ولا نعلم صارفاً يصرفه عن ذلك، فتبين بهذا: أن هذا الحديث خاص بمن أراد أن يضحي فقط، أما المضحى عنه فسواء كان كبيراً أو صغيراً فلا مانع من أن يأخذ من شعره أو بشرته أو أظفاره بناء على الأصل وهو الجواز، ولا نعلم دليلاً على خلاف الأصل. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء المجلد 11 ص 426](7/300)
من حلق لحيته أو قص أظافره فهل أضحيته صحيحه؟
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 8/12/1422
السؤال
ما حكم أضحية من ضحى لوالديه، وهو حالق لحيته أو قاص أظافره خلال عشر ذي الحجة؟
الجواب
أضحيته صحيحة سواء كانت عن نفسه أو عن والديه، ولا يبطلها حلق لحيته أو قص أظافره خلال الأيام العشر قبل الذبح أو نحر الضحية، وقد أساء بقص أظافره في تلك الأيام، وارتكب منكراً بحلق لحيته مطلقاً، إلا أن حلقها في تلك الأيام أشد. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الجزء 11 ص 427](7/301)
الوكيل عن الأضحية ليس كالمضحي
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 8/12/1422
السؤال
الأضحية هل هي للأسرة جميعاً؟ أم لكل فرد فيها بالغ؟ ومتى يكون ذبحها؟ وهل يشترط لصاحبها عدم أخذ شيء من أظافره وشعره قبل ذبحها؟ وإذا كانت لامرأة وهي حائض ما العمل؟ وما الفرق بين الأضحية والصدقة في مثل هذا الأمر؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
الأضحية سنة مؤكدة، تشرع للرجل والمرأة وتجزئ عن الرجل وأهل بيته، وعن المرأة وأهل بيتها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كان يضحي كل سنة بكبشين أملحين أقرنين أحدهما عنه وعن أهل بيته، والثاني عمَّن وحّد الله من أمته، ووقتها يوم النحر وأيام التشريق في كل سنة، والسنّة للمضحي أن يأكل منها، ويهدي لأقاربه وجيرانه منها، ويتصدق منها، ولا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره ولا من أظافره ولا من بشرته شيئاً، بعد دخول شهر ذي الحجة حتى يضحي، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم:" إذا دخل شهر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظافره ولا من بشرته شيئاً حتى يضحي" رواه الإمام مسلم في صحيحه، عن أم سلمة -رضي الله عنها-. أما الوكيل على الأضحية، أو على الوقف الذي فيه أضاحٍ فإنه لا يلزمه ترك شعره ولا ظفره ولا بشرته؛ لأنه ليس بمضحٍ، وإنما المضحي هو الذي وكّله في ذلك، وهكذا الواقف هو المضحي والناظر على الوقف وكيل منفذ وليس بمضحٍ.
[سلسلة كتاب الدعوة: فتاوى سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- الجزء الرابع ص (177) ] .(7/302)
مقطوعة الإلية هل تجزئ في الأضحية؟
المجيب د. صالح بن فوزان الفوزان
عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 8/12/1422
السؤال
هنا - في أمريكا- أعداد كبيرة من الطلبة المبتعثين وهم على أبواب عيد الأضحى المبارك، ويسألون عن الأضاحي، وخصوصاً أن الضأن في أمريكا تقطع أليتها وهي صغيرة حتى يكون الدهن في ظهورها، فهل يجزئ أن نضحي من هذه الأنواع من الضأن، مع العلم أنه توجد الأبقار، ولكن البعض لا يحب أكل لحمها؟
الجواب
لا بأس بذبح الأضحية من الأغنام المذكورة، وإن كانت مقطوعة الألية، لأن قطعها من أجل تطييب لحمها، فهو مثل خصاء الذكور لأجل تطييب لحمها، وقد ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخصي من الغنم.(7/303)
صلّى العيد بمفرده وذبح الأضحية
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 26/12/1425هـ
السؤال
يوجد زحمة على ذبح الأضحية في الولاية التي أعيش فيها الآن، وأجبر على الحضور باكراً قبل صلاة العيد عند مكان السلخ؛ لأني موكل بالذبح لأشخاص آخرين، وسألت إمام المسجد لدينا فقال: اذهب على الموعد وعند طلوع الشمس صل صلاة العيد بمفردك وفي موقعك، وبعد الانتهاء من الصلاة قم بذبح الأضاحي. فهل هذا جائز أم لا؟ علماً بأن بعض الناس الذين وكلوني لم ينتهوا من صلاة العيد، أفيدوني.
الجواب
وقت ذبح الأضحية بعد صلاة العيد جماعة في البلد الذي أنت فيه؛ لحديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- مرفوعًا: "من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم". رواه البخاري (983) ، ومسلم (1961) . وعن جندب بن سفيان البجلي -رضي الله عنه- قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر، ثم خطب ثم ذبح، فقال: "من ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله" أخرجه البخاري (985) ، ومسلم (1960) .
وعليه فإن تعددت الجماعة في البلد الذي أنت فيه فبأسبقهما، وعليه فإن وقع ذبحك قبل صلاة العيد التي أقيمت في البلد الذي أنت فيه فذبيحتك ذبيحة لحم لا أضحية.(7/304)
من أحكام الأضحية
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 5/12/1424هـ
السؤال
الأضحية هل هي للأسرة ككل أم لكل فرد فيها بالغ، ومتى يكون ذبحها، وهل يشترط لصاحبها عدم أخذ شيء من أظافره وشعره قبل ذبحها؟ وإذا كانت لامرأة وهي حائض ما العمل؟ وما الفرق بين الأضحية والصدقة في مثل هذا الأمر؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
الأضحية سنة مؤكدة، تشرع للرجل والمرأة وتجزئ عن الرجل وأهل بيته، وعن المرأة وأهل بيتها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يضحي كل سنة بكبشين أملحين أقرنين أحدهما عنه وعن أهل بيته، والثاني عمن وحّد الله من أمته. ووقتها يوم النحر وأيام التشريق في كل سنة، والسنة للمضحي أن يأكل منها. ويهدي لأقاربه وجيرانه منها، ويتصدق منها. ولا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته شيئاً، بعد دخول شهر ذي الحجة حتى يضحي؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا دخل شهر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من إظفاره ولا من بشرته شيئاً حتى يضحي " رواه الإمام مسلم في صحيحه، عن أم سلمة - رضي الله عنها -. أما الوكيل على الضحية، أو على الوقف الذي فيه أضاحي، فإنه لا يلزمه ترك شعره ولا ظفره ولا بشرته؛ لأنه ليس بمضح، وإنما هذا على المضحي الذي وكله في ذلك، وهكذا الواقف هو المضحي. والناظر على الوقف وكيل منفَّذ وليس بمضحٍ والله ولي التوفيق.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- الجزء الثامن عشر ص (38) ] .(7/305)
حكم إزالة الشعر لمن أراد العمرة والحج وهو ينوي الأضحية
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 27/11/1422
السؤال
لقد كنت ناوياً أن أحج متمتعاً، ولكن عندما قدمت إلى الطائف غيرت رأيي ولبيت بالحج مفرداً. فإذا أردت أن أضحي يوم العيد هل ذلك جائز؟ علماً بأني قصرت شعري في يوم أربعة ذي الحجة، أسأل الله أن يجزيكم عنا خيراً.
الجواب
إذا أراد الحاج أو غيره أن يضحي ولو كان قد حلق رأسه أو قصر أو قلم أظفاره فلا حرج عليه في ذلك، ولكن عليه إذا عزم على الأضحية بعد دخول شهر ذي الحجة أن يمتنع من أخذ شيء من الشعر أو الظفر أو شيء من البشرة حتى يضحي؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا دخل شهر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من أظفاره شيئاً " رواه الإمام مسلم في صحيحه. أما إحرامه بالحج مفرداً وقد كان نوى أن يحرم بعمرة ثم بدا له بعدما وصل الميقات أن يحرم بالحج فلا حرج في ذلك، ولكن التمتع بالعمرة إلى الحج أفضل إذا كان قدومه في أشهر الحج، إما إذا كان قدومه إلى مكة قبل دخول شهر شوال فإن المشروع له أن يحرم بالعمرة فقط.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- الجزء الثامن عشر ص (45) ] .(7/306)
ذبح الأضحية خارج بلدي
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 4/12/1422
السؤال
نحن نسكن في مدينة الرياض، وتقوم والدتي وإخوتي وإخواني بذبح عددٍ من الأضاحي كل عام. وأنا أريد أن أرسل بثمن أضحيتي إلى خالي (ليقوم بشرائها وذبحها) وخالي يسكن في فلسطين وذلك نظراً لأوضاعهم السيئة هناك، فهل تنصحونني بذلك أن أضحي في نفس المدينة التي أسكنها، وما هو الأفضل؟ علماً بأنني أوكل من يذبح عني ولا يمكنني أن أشاهد الأضحية وهي تذبح، أرجو الإجابة عاجلاً جداً وذلك نظراً لقرب الموعد ولكي أتمكن من فعل المطلوب.
الجواب
جوز أن توكل خالك الذي يسكن بفلسطين أن يشتري أضحيتك بعد أن تدفع ثمنها له ويذبحها عنك. وذلك أن الأضحية سنة مؤكدة وقيل هي واجبة مع اليسار والغنى، وأكل المضحي من أضحيته وشهوده ذبحها سنة وليس بلازم، لاسيما وأن أهلك سيضحون بالرياض، والأضحية الواحدة تكفي عن الرجل وأهل بيته وإن كثروا.
وأرى أن وضع خالك وأسرته في فلسطين كما ذكرت - وكما هو معلوم - أحوج من أهلك بالرياض. وعليه فإن دفع ثمن الأضحية إلى من يضحي بها في فلسطين جائز شرعاً، والله أعلم.(7/307)
الاشتراك في الأضحية
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 8/12/1422
السؤال
هل يجوز الاشتراك في الأضحية، وكم عدد المسلمين الذين يشتركون في الأضحية، وهل يكونون من أهل بيت واحد، وهل الاشتراك في الأضحية بدعة أم لا؟
الجواب
يجوز أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته بشاة، والأصل في ذلك ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته، متفق عليه، وما رواه مالك، وابن ماجه والترمذي وصححه، عن عطاء بن يسار قال: (سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا فيكم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كان الرجل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون، حتى تباهى الناس فصاروا كما ترى) .
وتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة، سواء كانوا من أهل بيت واحد أو من بيوت متفرقين، وسواء كان بينهم قرابة أو لا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن للصحابة في الاشتراك في البدنة والبقرة كل سبعة في واحدة، ولم يفصل ذلك. والله أعلم.
[فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء المجلد 11 ص 400](7/308)
العقيقة: وقتها - محلها - صفتها
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 29/8/1423هـ
السؤال
رجل ذهب للعلاج، ورزقه الله بمولود، وقد تطول إقامته خارج مدينته، فهل يذبح العقيقة في البلد الذي هو فيه أم في مدينته حيث يوجد أهله؟
الجواب
السنة أن تذبح العقيقة في اليوم السابع، فإن لم يكن ففي اليوم الرابع عشر، فإن لم يكن ففي اليوم الحادي والعشرين، من تاريخ ولادة الطفل، ويماط عنه الأذى ويسمى، فإن لم يكن خلال هذه المدة، فيكون في أي يوم شاء بعد ذلك، والأولى أن يكون في حضور أهله، وأما من حيث الجواز فيجوز أن يذبح العقيقة في مكانه هو، ويجوز أن يذبحها في المكان الذي يوجد فيه أهله، لكن الذي يظهر لي في هذه المسألة أن ذبح العقيقة في المكان الذي يوجد فيه أهله أولى، من أجل أن يدخل عليهم السرور، ويفرحون بذلك، والعقيقة للذكر تكون شاتين، وبالنسبة للأنثى شاة واحدة، يشترط فيها ما يشترط في الأضحية من حيث السن، ومن حيث السلامة من العيوب، وهي من السنن المؤكدة، قال -عليه الصلاة والسلام-: "كل مولود مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه" الترمذي (1522) ابن ماجة (3165) وأصله في البخاري، انظر (5471 -5472) .(7/309)
نوع ذبيحة العقيقة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 10/10/1423هـ
السؤال
في عقيقة المولود هل يشترط فيها أن تكون ذكوراً (خرافاً) أم يجوز أن تكون إناثاً؟
وما هو المقصود في الحديث بكلمة (شاة) ؟ أفيدونا وجزاكم الله خيراً.
الجواب
في العقيقة والهدي والأضحية تكفي الشاة الأنثى كما يكفي الكبش الذكر، وليس المقصود بالشاة الذكر ولا الأنثى، وإنما المقصود الواحدة من الضأن، أو المعز ذكراً كان أو أنثى، وإنما يشترط في الضأن تمام ستة أشهر، وفي المعز تمام سنة كما يشترط السلامة من العيوب.(7/310)
لم يتصدق أو يهد من عقيقته
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 27/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
أصحاب الفضيلة -رزقني الله- بنتين، وقد ذبحت شاتين عن البنتين، ولكن لم أتصدق بلحمهما، بل جعلته لأهل بيتي، فهل تجزئ هذه العقيقة أم أعيدها؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
السنة في العقيقة أن يجعلها أثلاثاً، ثلث يأكله وثلث يهديه، وثلث يتصدق به، لحديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن خاله أبا بردة بن نيار -رضي الله عنه- ذبح قبل أن يذبح النبي - صلى الله عليه وسلم-، فقال يا رسول الله: إن هذا يومٌ اللحم فيه مكروهٌ، وإني عجلت نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري" الحديث رواه البخاري (951) ، ومسلم (1961) ، واللفظ له، وحديث ابن عباس - رضي الله عنهما- في صفة أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم جيرانه الثلث، ويتصدق على السُؤَّال بالثلث"، رواه الحافظ، أبو موسى الأصفهاني في الوظائف وقال: حديث حسن، ذكره ابن قدامة في المغني (13/380) ، وقال: وهو قول ابن مسعود وابن عمر -رضي الله عنهم-، ولم نعرف لهما مخالفاً من الصحابة -رضي الله عنهم- فكان إجماعاً، وهذان الحديثان وإن كانا في الأضحية، إلا أن حكمهما شامل لحكم العقيقة في أغلب الأحكام، كما قرره أهل العلم، وإن أكلها كلها إلا أوقية تصدق بها جاز، فإن أكلها كلها كما هو حال السائل فعليه ضمان الأوقية؛ بأن يشتري من اللحم قدرها ويتصدق به.(7/311)
لم يذبح العقيقة عن أولاده
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 9/5/1424هـ
السؤال
رجل لديه خمس بنات وثلاثة أولاد، ولم يخرج العقيقة عنهم جميعاً لعدم استطاعته في ذلك الوقت، وهو رجل لا يملك المال، وكان فقيراً والآن أصغر أولاده مضى من عمره خمس وعشرون سنة، السؤال: ماذا يعمل هذا الرجل الآن وهو لا يستطيع أن يخرجها عنهم كلهم؟ إنما يستطيع أن يخرجها عن القليل منهم، وهل يقوم كل واحدٍ من هؤلاء الأولاد والبنات بإخراجها عن نفسه؟ حفظكم الله ورعاكم وسدد على طريق الخير خطاكم.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
بالنسبة لما يتعلق بالعقيقة، فالعلماء يقولون: بأن العقيقة مشروعة بحق الأب، فإذا كان الأب لم يعق عن أولاده فإنه يشرع له أن يعق عنهم حتى ولو كبروا؛ لأن الصواب أن العقيقة لا تتقيد بوقت، والسنة أن تكون في اليوم السابع، أما لو خرجت عن اليوم السابع فإن هذا جائز ولا بأس به، والعلة في ذلك والدليل فيه أن سبب العقيقة لا يزال موجوداً، وهو شكر الله - عز وجل - على نعمة الولد، قال الإمام أحمد - رحمه الله - إذا كان معسراً يقترض، وأرجو أن يخلف الله - عز وجل- عليه لأنه أحيا سنة، أما إذا لم يتمكن وأذن لغيره أن يعق عنه فهذا لا بأس به، وهذا جائز، فلو أن الولد كبر وعق عن نفسه فنقول بأن هذا جائز، لكن بشرط أن يكون ذلك بإذن من الوالد، وإذا أراد أن يعق عن أولاده فإنه يبدأ بالأول فالأول؛ الأكبر فالأكبر.(7/312)
أحكام الأضحية
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 30/11/1425هـ
السؤال
ما تعريف الأضحية؟ وما شروطها؟ وماذا يجتنب المضحي؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
الأضحية لغةً: تطلق على الشاة التي تذبح يوم الأضحى، كما قاله في لسان العرب، وهي بضم الهمزة وكسرها، ويقال: ضحية.
وشرعاً: هي ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام الأضحى، بسبب العيد، تقرباً إلى الله -تعالى-. وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها، كما حكى ذلك ابن المنذر في كتابه الإجماع (ص68) ، وغيره، وقد استند هذا الإجماع على أدلة من الكتاب والسنة، فمن الكتاب قوله -تعالى-: "فصل لربك وانحر" [الكوثر: 2] ، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية (7/389) : (المراد بالنحر ذبح المناسك، ولهذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم يصلي العيد، ثم ينحر نسكه ... ) ا. هـ.
ومن أدلة السنة، حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضحي بكبشين أملحين، أقرنين، ويسمي ويكبر، ويضع رجله على صفاحهما" أخرجه البخاري (5565) ، ومسلم (1966) ، ولا تصح الأضحية إلا بشروط، وهي:
أولاً: أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر، والغنم؛ لقوله -تعالى-: " ... ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام.." [الحج: 28] ؛ ولحديث أنس -رضي الله عنه- المتقدم، وغيره.
ثانياً: أن تبلغ الأضحية السن المعتبرة شرعاً، وهي الجذع من الضأن - ماله ستة أشهر- والثني فما سواه، وثني الإبل ما كمل له خمس سنين، ومن البقر ماله سنتان، ومن الماعز ماله سنة.(7/313)
وتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة، والشاة عن واحد، وأفضلها الإبل ثم البقر - إن كانت عن واحد ثم الشاة، ثم شِرْك في بدنة، ثم شرك في بقرة، ويدل على هذا الترتيب بين بهيمة الأنعام حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ... " الحديث متفق عليه عند البخاري (881) ، ومسلم (850) .
ولا ريب أن الشاة أفضل من شرك في بدنة أو بقرة؛ لأن إراقة الدم مقصود في الأضحية، والمنفرد يتقرب بإراقته كله.
ثالثاً: أن تكون الأضحية سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء، فلا تجزئ الأضحية العوراء البين عورها، (وهي التي انخسفت عينها) ، ولا العجفاء التي لا تنقي (وهي الهزيلة التي لا مخ فيها) ، ولا العرجاء البيِّن ضلعها (فلا تقدر على المشي مع الغنم إن كانت شاة مثلاً) ، ولا المريضة البيِّن مرضها (كالجرباء مثلاً) ، كما أخبر بذلك نبينا - صلى الله عليه وسلم- في قوله: "أربع لا تجوز في الأضاحي ... " ثم ذكرها، والحديث أخرجه الخمسة: أحمد (18510) ، وأبو داود (2802) ، وابن ماجة (3144) ، والنسائي (4369) وصححه الترمذي (1497) ، وابن حبان (5922) .
رابعاً: أن تذبح الأضحية وقت الذبح المقرر شرعاً، وهو يوم العيد - بعد الصلاة أو قدرها- وأيام التشريق الثلاثة بعده، وبذلك ينتهي وقت الذبح بغروب شمس آخر أيام التشريق.(7/314)
ومما ينبغي التنبيه عليه هنا: أن الأضحية الواحدة تجزئ عن الرجل وأهل بيته، وله أن يشرك في ثوابها من شاء، كما ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأضحية عنه، وعن أمته، وفي سنن الترمذي (مع العارضة 6/304) ، وابن ماجة (2/1051) ، عن أبي أيوب -رضي الله عنه- قال: "كان الرجل في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون) ، هذا بالنسبة لما يتعلق بالأضحية وشروطها.
أما ما يجتنبه المضحي فقد جاء موضحاً في حديث أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كان له ذِبْح يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره، ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي" أخرجه مسلم في صحيحه (1977) ، وفي لفظ له: "فلا يمس من شعره وبشره شيئاً ... "، وعلى هذا فلا يجوز لمن عزم على الأضحية أن يقص من شعره، أو يقلم من أظفاره، أو يأخذ من بشرة جسمه شيئاً، حتى يذبح أضحيته، قال الشيخ ابن قاسم في حاشيته على الروض المربع (4/242) : (فإن فعل شيئاً من ذلك استغفر الله، ولا فدية عليه، عمداً كان أو سهواً، إجماعاً) ا. هـ. والله -تعالى- أعلم.(7/315)
هل تجزئ الغنم التي بها خُرّاج؟
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 26/04/1425هـ
السؤال
ما يسمى بالخراج، وهو ورم يكون بالغنم، هل يعتبر مانعاً من الإجزاء؟ علماً أن النفس تتقزز منه، آمل أن يكون الجواب مؤصلاً علمياً دليلاً ومرجعاً. هذا والله يحفظكم.
الجواب
إن ما يصيب الغنم من الخراج، وهو الورم الذي يكون فيها، فلا يمنع الإجزاء، ولكنَّ الأفضل والأكمل أن تكون خالية من هذا كله، اللهم إلا أن يكون هذا الخراج بيِّن، بحيث يؤثر في صحة الغنم، ويمرضها مرضاً بيناً، فلا يجوز -والحالة هذه- لما روى أبو داود (2802) والترمذي (1497) عن البراء بن عازب - رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " أربع لا تجوز في الأضاحي، العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والكسير التي لا تُنْقِي". والله أعلم.(7/316)
تداخل العقيقة والأضحية والهدي
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 22/3/1425هـ
السؤال
هل تتداخل العقيقة والأضحية والهدي حيث يشرع لكل من هذه الأشياء دم؟
آمل التوضيح وذكر الأدلة. -وفقكم الله-.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فالجواب: سؤالك محتمل فإن كان مقصودك عن تداخل العقيقة والأضحية والهدي ... إلخ، بمعنى أنه يجزئ أحدها عن الآخر فالجواب: لا تداخل بينها، بل كل منها مشروع بمفرده، أما إذا كنت تريد وجوه الاتفاق ووجوه الاختلاف بينها، وهو الظاهر من سؤالك فالجواب: أن هناك وجوه اتفاق ووجوه اختلاف فيما بينها من حيث المعنى والحكم، فالأضحية: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام الأضحى بسبب العيد تقرباً إلى الله، والهدي: ما يهدى للحرم من نعم وغيرها، سمى بذلك لأنه يهدى إلى الله - سبحانه وتعالى- والعقيقة: ما يذبح من الغنم شكراً لله -تعالى- على نعمة الولد.
هذا وكل من الهدي والأضحية، والعقيقة قربة إلى الله وعبادة، وحكم التقرب إلى الله -تعالى- بالأضحية والعقيقة سنة مؤكدة عند جمهور العلماء. أما الهدي فإن كان هدي تمتع أو قران بين الحج والعمرة، فهو واجب هذا، ويتفق كل منها فيما يجزئ وما يستحب، وما يكره والأكل والهدية إلا أن العقيقة لا يجزئ فيها شَرَكٌ في دم، فلا يجزئ بدنة ولا بقرة إلا كاملة. هذا وإذا كان السائل يريد مزيداً من التفصيل فعليه الرجوع إلى كتب الحديث، والفقه في باب الهدي، والأضاحي والعقيقة فقد بيِّن العلماء - رحمهم الله - وجوه الاتفاق ووجوه الاختلاف فيما بينها، وكل ما يتعلق بأي منها من أحكام. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(7/317)
هل تعق عن نفسها؟
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 25/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا فتاة أبلغ من العمر واحداً وثلاثين عاماً غير متزوجة، والسؤال هو: هل يجوز أن أذبح شاة عقيقة عن نفسي، حيث إن والدي -رحمه الله- لم يعق عني حينما ولدت؟ وأنا الآن يحدث لي كثير من البلايا والمصائب، هل العقيقة تمنع عني ما نزل بي، أو تخفف عني بعض ما حدث؟ أرجو التفصيل في ذلك وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(7/318)
العقيقة سنة وليست واجبة، والسنة ذبحها يوم السابع، فإن فات ففي يوم الرابع عشر فإن فات ففي اليوم الحادي والعشرين، وفي حديث عائشة -رضى الله عنها- أنها قالت: "السنة أفضل عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة تقطع ولا يكسر لها عظم، ويطعم ويتصدق، وليكن ذلك يوم السابع فإن لم يكن ففي أربعة عشر، فإن لم يكن ففي إحدى وعشرين" رواه الحاكم (7595) وصححه ووافقه الذهبي، فإن فات الذبح عن هذه الأيام -كما في سؤال السائلة- ففي أي يوم شاءت، بيد أنه ليس ثم علاقة ارتباط بين ما يحدث لك وبين ذبح العقيقة، وأجمل من هذا أن تبحثي عن المخالفات الشرعية الصادرة منك، والتي هي من أسباب حلول النقم وزوال النعم، قال -تعالى-: "وما أصابك من سيئة فمن نفسك" [النساء: 79] ، ومتى ما سعيت في إصلاحها من الالتزام بالفرائض والطاعات، وترك المعاصي والموبقات فإنك ستجدين أن الأمور استقامت لك إلى حد كبير جداً، على أن المؤمن قد يصاب بالمصائب امتحاناً وابتلاء له على قوة الصبر والاحتساب، وتمحيصاً لذنوبه وغفراناً لسيئاته، ولذلك يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم-: "عجباً لأمر المؤمن!: إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له". رواه مسلم (2999) من حديث صهيب - رضي الله عنه-.(7/319)
عدد أيام التشريق
المجيب هتلان بن علي الهتلان
القاضي بالمحكمة المستعجلة بالخبر
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 8/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم
قرأت في أحد المواقع أن أيام التشريق أربعة: يوم العيد وثلاثة أيام بعده، عندنا في الهند أغلب الناس يتبعون المذهب الحنفي، فيضحون يوم العيد ويومين فقط بعده، هل هذا منقول عن أبي حنيفة - رحمه الله - أم أنه شيء لا أساس له ينبغي تغييره بين الناس؟ وبارك الله فيكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن أيام التشريق ثلاثة وليست بأربعة وهي الثلاثة الأيام التي تلي يوم النحر ويوم عيد الأضحى، اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر شهر ذي الحجة، وليس منها يوم العيد كما ذكر ذلك النووي -رحمه الله- في المجموع شرح المهذب؛ بقوله: اتفق العلماء على أن الأيام المعدودات هي أيام التشريق وهي ثلاثة بعد يوم النحر. ويعني بقوله الأيام المعدودات المذكورة في قوله تعالى في سياق آيات الحج في سورة البقرة "واذكروا الله في أيام معدودات" [البقرة:203] .
وأما وقت ذبح الهدي في الأضحية فقد اختلف في ذلك أهل العلم على أقوال وأصحها قولان هما:(7/320)
القول الأول: إن وقت الذبح ثلاثة أيام، يوم النحر، وهو يوم عيد الأضحى، ويومان بعده، وهو مروي عن ابن عباس وأبي هريرة وأنس بن مالك - رضي الله عنهم- وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد - رحمهم الله تعالى- قال ابن قدامة في ترجيح هذا القول: "ولنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم- نهى عن الأكل من النسك فوق ثلاث فيما رواه البخاري (5574) ومسلم (1970) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، وغير جائز أن يكون الذبح مشروعاً في وقت يحرم فيه الأكل، ثم نسخ تحريم الأكل وبقي وقت الذبح بحاله، ولأن اليوم الرابع -وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة- لا يجب فيه الرمي، فلم يجز فيه الذبح كالذي بعده) ا. هـ.
والقول الثاني: إن وقت الذبح أربعة أيام: يوم النحر (يوم العيد) ، وأيام التشريق الثلاثة التي بعده اليوم الحادي عشر والثاني عشر، والثالث عشر، أي إلى غروب شمس الثالث عشر، وهذا روي عن علي ابن أبي طالب وابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم-، وبه قال الحسن وعطاء والأوزاعي والشافعي وبعض الحنابلة واختاره ابن تيمية - رحمهم الله تعالى-. لحديث جبير مطعم -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "كل أيام التشريق ذبح" رواه أحمد (16309) وابن حبان في صحيحه (3854) في الكبرى (10006) والبيهقي، وله شواهد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وغيره وحسنه الألباني بشواهده في السلسلة الصحيحة رقم (2476) ، وهذا الحديث نص في المسألة، ولأن اليوم الثالث عشر من ذي الحجة يوم للرمي، وليلته ليلة مبيت كاليومين قبله فيشرع الذبح فيه، ولعل هذا القول أرجح وأظهر والله أعلم.
ولكن لا ينبغي الإنكار على من أخذ بالقول الأول ورجحه فله حظ من النظر وقد قال به جمع من الصحابة- رضي الله عنهم- ومن بعدهم من الأئمة فليس بدعاً من القول حتى ينكر على من قال به، فكلا القولين قوي كما قال الشنقيطي - رحمه الله - في تفسيره في أضواء البيان (5/495) والله تعالى أعلم.(7/321)
الاشتراك في ذبيحة العقيقة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 06/04/1426هـ
السؤال
هل يجوز إشراك أكثر من عقيقة في بقرة أو جمل؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
العقيقة لا يجوز فيها الاشتراك، وإنما يكون الرأس عن واحد، فإن عققت بشاة، أو بقرة، أو بدنة، فلا يشترك في البقرة والبدنة سبعة، وإنما تكون البقرة عن شخص واحد، والبدنة عن شخص واحد. والله أعلم.(7/322)
تعليق النعال على الأضاحي
المجيب عبد الرحمن بن إبراهيم العثمان
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الحج والعمرة/الأضحية والعقيقة
التاريخ 20/12/1425هـ
السؤال
قرأت عن تعليق الأضحية في الحج، ذكر أن الأضاحي تعلَّق بنعلين، فلماذا تعلَّق بنعلين؟ وكذلك قرأت في بعض الأحاديث أن الصحابة-رضي الله عنهم- كانوا يضحون في العمرة، وفي نفس الوقت قرأت أن الأضحية غير واجبة في العمرة. فلماذا لا يفعل المسلمون فعل الصحابة-رضي الله عنهم- بالتضحية في العمرة؟ وشكرًا لكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه، وبعد:
الهدي الواجب قسمان:
أحدهما وجب بالنذر، والثاني: وجب بغيره كدم التمتع والقران والدماء بترك واجب أو فعل محظور، وجميع ما تقدم إذا عيّن الواجب عليه فيه بالقول، فيقول: هذا واجب علي، فإنه يتعين الوجوب فيه، ويحصل التعيين أيضاً بتقليده أو إشعاره ناوياً به الهدي، فإن تلف أو سرق عاد الوجوب إلى ذمته، وعليه أن يذبح مكانه، روى سعيد عن ابن عباس - رضي الله عنهما-: (وإذا أهديت هدياً واجباً فعطب فانحره، ثم كله إن شئت، وأهده إن شئت، وبعه إن شئت، وتقوّ به في هدي آخر) .
وتقليد الهدي: أن يعلق في عنق الهدي من الإبل والبقر والغنم النعال، أو قطعة من جلد وغيره؛ ليُعلم أنه هدي، وتقليد الهدي سنة، قالت عائشة - رضي الله عنها-: (فتلت قلائد هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم أشعرها وقلدها، ثم بعث بها إلى البيت) . متفق عليه. وإشعار الهدي: أن يطعن صفحة سنام الإبل والبقر الأيمن فيدميها ثم يلطخها به؛ ليعلم أنها هدي، وهو سنة أيضاً، روى ابن عباس - رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقة فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم، وقلدها نعلين ... ) رواه مسلم.(7/323)
وأما العمرة فلا يجب على المعتمر شيء من الدماء لأجل العمرة ذاتها إلا أن يتطوع، فإن نوى شيئاً تطوعاً ولم يوجبه فلا يلزمه شيء، وإن أوجبه بلسانه فقال هذه الناقة أو البقرة، أو الشاة، أو قلدها، أو أشعرها، فإنه يصير واجباً عليه، ويتعلق الوجوب بعين المال المهدى دون ذمة صاحبه، فإن تلف منه بغير تعد أو تفريط أو سرق لم يلزمه شيء، وقد روى الدارقطني بإسناده عن ابن عمر - رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أهدى تطوعاً ثم ضلت فليس عليه البدل إلا أن يشاء، فإن كان نذراً فعليه البدل"، وأما إن أتلفه هو أو تلف بتفريطه بعد تعيينه له فعليه ضمانه، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(7/324)
نوى التمتع ثم عدل عنه
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
كتاب الحج والعمرة/مسائل متفرقة
التاريخ 29/6/1422
السؤال
إذا نوى المسلم التمتّع في الحج، وبعد أن أدى العمرة وتحلّل، قرّر العودة لبلده، ولم يكمل الحج قبل الدخول في نسك الحج، فماذا عليه إذا كانت عودته بعذر أو بغير عذر؟
الجواب
إذا كان الواقع ما ذكر من أنك تحلّلت من عمرتك، وعدلت عن الحجة، وعدت إلى بلدك قبل أن تحرم به فلا شيء عليك؛ لأن العمرة انتهت بانتهاء أدائها والتحلّل منها، والحج لم تحرم به بعد.
وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(7/325)
شرط الطهارة في السعي
المجيب د. عبد العزيز بن أحمد البجادي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الطهارة/مسائل متفرقة
التاريخ 15/5/1422
السؤال
حججت هذا العام مع زوجتي والحمد لله. وفي أثناء السعي وفي الشوط السادس شعرت زوجتي بخروج قليل من البول أثناء السعي، وقلت: إن السعي لا يحتاج إلى وضوء، فتابعنا السعي حتى النهاية. هل هذا العمل صحيح؟
وإن كان غير صحيح فماذا علينا؟
الجواب
نعم، سعيها صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين- قال لعائشة لما حاضت: ((افعلي ما يفعله الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) . فدلّ على أن للحائض السعي حال الحيض، مع ما هي عليه من التباس بالحدثين، وبالنجاسة في البدن والثوب، والله تعالى أعلم.(7/326)
طواف الوداع قبل إكمال النُسك
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
كتاب الحج والعمرة/ صفة الحج/الطواف: أنواعه وأحكامه
التاريخ 7/4/1422
السؤال
زوجتي طافت للوداع وسعت الساعة 11 صباحاً خوفاً من الزحام، بعد أن أنابتني لرمي الجمرات بدلاً عنها، علماً بأني رميت الجمرات بعد الظهر أي طافت الوداع قبل أن أرمي نيابة عنها الجمرات، فما الحكم جزاكم الله خيراً؟
الجواب
في هذه الحالة يجب على زوجتك دم (ذبيحة تذبح في مكة، وتوزع على فقراء الحرم) ؛ لكونها طافت الوداع قبل استكمال مناسك الحج.(7/327)
الإحصار في الحج
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/مسائل متفرقة
التاريخ 24/11/1423هـ
السؤال
إنسان أحصر عن إتمام أعمال الحج أو العمرة بسبب مرض أو نحوه ولم يجد هدياً ذلك الوقت، فماذا يجب عليه؟
الجواب
عليه صيام عشرة أيام قبل أن يحلق رأسه أو يقصر؛ لقول الله سبحانه "وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله" [البقرة: 196] ولفعله صلى الله عليه وسلم لما أحصر عن العمرة عام الحديبية سنة ست من الهجرة النبوية، والله الموفق.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى (18/13) ] .(7/328)
قطع شجر الحرم
المجيب أ. د. صالح بن عبد الله اللاحم
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الحج والعمرة/مسائل متفرقة
التاريخ 12/11/1422
السؤال
ما حكم قطع شجر الحرم؛ للضرورة؟
الجواب
قطع شجر الحرم الأخضر لا يجوز، أما اليابس منه فيجوز؛ لخروجه عن الاسم بالموت وقد جوَّز بعض أهل العلم قطع المؤذي منه، كالعرفج ونحوه، وقالوا: إنه يؤذي وما ذكره السائل من قطعه للضرورة، فلا أدري ما تصوره للضرورة، وقد ورد عن عمر -رضي الله عنه- أنه قطع شجراً في المسجد كان يؤذي الطائفين.(7/329)
من اعتمر مع حجه فلا يلزمه عمرة أخرى
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/مسائل متفرقة
التاريخ 15/11/1422
السؤال
حججت حجة فرض ولم أعتمر معها فهل عليَّ شيء؟ ومن اعتمر مع حجه هل يلزمه الاعتمار مرة أخرى؟
الجواب(7/330)
إذا حج الإنسان ولم يعتمر سابقاً في حياته بعد بلوغه فإنه يعتمر سواء كان قبل الحج أو بعده، أما إذا حج ولم يعتمر فإنه يعتمر بعد الحج إذا كان لم يعتمر سابقاً؛ لأن الله جل وعلا أوجب الحج والعمرة، وقد دل على ذلك عدة أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالواجب على المؤمن أن يؤديها، فإن قرن الحج والعمرة فلا بأس، بأن أحرم بهما جميعاً أو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج فلا بأس ويكفيه ذلك، أما إن حج مفرداً بأن أحرم بالحج مفرداً من الميقات ثم بقي على إحرامه حتى أكمله، فإنه يأتي بعمرة بعد ذلك من التنعيم أو من الجعرانه أو غيرها من الحل خارج الحرم، فيحرم هناك ثم يدخل فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر هذه هي العمرة، كما فعلت عائشة -رضي الله عنها- فإنها لما قدمت وهي محرمة بالعمرة أصابها الحيض قرب مكة فلم تتمكن من الطواف بالبيت وتكميل عمرتها، فأمرها الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن تحرم بالحج وأن تكون قارنة ففعلت ذلك وكملت حجها ثم طلبت من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تعتمر؛ لأن صواحباتها قد اعتمرن عمرة مفردة، فأمر أخاها عبد الرحمن أن يذهب بها إلى التنعيم فتحرم بالعمرة من هناك ليلة أربعة عشر، فذهبت إلى التنعيم وأحرمت بعمرة ودخلت وطافت وسعت وقصرت، فهذا دليل على أن من لم يؤد العمرة في حجه يكفيه أن يحرم من التنعيم وأشباهه من الحل، ولا يلزمه الخروج إلى الميقات، أما من اعتمر سابقاً وحج سابقاً ثم جاء ويسر الله له الحج فإنه لا تلزمه العمرة ويكتفي بالعمرة السابقة؛ لأن العمرة إنما تجب في العمر مرة كالحج سواء، فالحج مرة في العمر والعمرة كذلك لا يجبان جميعاً إلا مرة في العمر، فإذا كان قد اعتمر سابقاً كفته العمرة السابقة فإذا أحرم بالحج مفرداً واستمر في إحرامه ولم يفسخه إلى عمرة، فإنه يكفيه، ولا يلزمه عمرة في حجته الأخيرة، لكن الأفضل له والسنة في حقه إذا جاء محرماً بالحج أن يجعله عمرة بأن يفسخ حجه هذا إلى(7/331)
عمرة فيطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، فإذا جاء وقت الحج أحرم بالحج يوم الثامن، هذا هو الأفضل وهو الذي أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه في حجة الوداع لما جاء بعضهم محرماً بالحج وبعضهم محرماً بالحج والعمرة وليس معهم هدي، أمرهم أن يحلوا ويجعلوها عمرة، أما من كان معه الهدي فيبقى على إحرامه حتى يكمل حجه إن كان مفرداً، أو عمرته إن كان معتمراً مع حجه.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- الجزء السادس عشر ص (356) ](7/332)
المساجد النبوية في المدينة
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/مسائل متفرقة
التاريخ 28/11/1422
السؤال
سئل سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- عن ميقات الحجاج القادمين من أفريقيا وعن المساجد التي تزار في المدينة النبوية؟ وهل تسن زيارتها وقصدها للصلاة؟
الجواب
أولاً: بالنسبة لحجك مع عمك فلا بأس به؛ لأن العم محرم شرعي ونرجو من الله أن يتقبل منك ويثيبكِ ثواب الحج المبرور.
وأما ميقات الحجاج القادمين من أفريقيا فهو الجحفة أو ما يحاذيها من جهة البر والبحر والجو إلا إذا قدموا من طريق المدينة فميقاتهم ميقات أهل المدينة. ومن أحرم من رابغ فقد أحرم من الجحفة؛ لأن الجحفة قد ذهبت آثارها وصارت بلدة رابغ في محلها أو قبلها بقليل.
وأما من ناحية المساجد الموجودة بالمدينة المعروفة حالياً فكلها حادثة ما عدا مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومسجد قباء، وليس لهذه المساجد غير المسجدين المذكورين خصوصية من صلاة أو دعاء أو غيرهما، بل هي كسائر المساجد من أدركته الصلاة فيها صلى مع أهلها أما قصدها للصلاة فيها والدعاء والقراءة أو نحو ذلك لاعتقاده خصوصية فيها فليس لذلك أصل بل هو من البدع التي يجب إنكارها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-:" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عائشة -رضي الله عنها- وتحقيقاً لرغبتك يسرنا أن نبعث إليك برفقه بعضاً من الكتب التي توزعها الجامعة حسب البيان المرفق، نسأل الله أن ينفع بها. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز الجزء السابع عشر ص (21) ](7/333)
فضائل عشر ذي الحجة وما يشرع فيها
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
كتاب الحج والعمرة/مسائل متفرقة
التاريخ 28/11/1425هـ
السؤال
نرجو بيان ما ورد في فضل عشر ذي الحجة، وهل هناك أعمال خاصة تشرع في هذه العشر؟
الجواب
ننقل لك جواباً على سؤالك كلمة سماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين في فضل عشر ذي الحجة والأعمال الواردة فيها، وفيها كفاية وبركة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فضل عشر ذي الحجة
روى البخاري، وغيره عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء" انظر صحيح البخاري (969) وسنن أبي داود (2438) .
وروى الإمام أحمد (5446) عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد "
وروى ابن حبان في صحيحه (3853) عن جابر- رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة".
أنواع العمل في هذه العشر
الأول: أداء الحج والعمرة وهو أفضل ما يعمل، ويدل على فضله عدة أحاديث منها قوله - صلى الله عليه وسلم -:" العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " وغيره من الأحاديث الصحيحة. انظر صحيح البخاري (1773) ، وصحيح مسلم (1349)(7/334)
الثاني: صيام هذه الأيام أو ما تيسر منها، وبالأخص يوم عرفة، ولا شك أن جنس الصيام من أفضل الأعمال وهو مما اصطفاه الله لنفسه كما في الحديث القدسي: "الصوم لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" انظر مسند أحمد (9112) ، وصحيح البخاري (7492) ، وصحيح مسلم (1151) .
وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً" متفق عليه. أي مسيرة سبعين عاماً انظر صحيح البخاري (2840) ، وصحيح مسلم (1153) .
وروى مسلم (1162) عن أبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده".
الثالث: التكبير والذكر في هذه الأيام، لقوله - تعالى-:" ويذكروا اسم الله في أيام معلومات" [الحج:28] وقد فسرت بأنها أيام العشر، واستحب العلماء لذلك كثرة الذكر فيها؛ لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما- عند أحمد وقد تقدم وفيه: " فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد". وذكر البخاري عن ابن عمر وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر، فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهما. وروى إسحاق عن فقهاء التابعين- رحمة الله عليهم - أنهم كانوا يقولون في أيام العشر: "الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد".(7/335)
ويستحب رفع الصوت بالتكبير في الأسواق والدور والطرق والمساجد وغيرها لقوله - تعالى-: "ولتكبروا الله على ما هداكم" [البقرة:185] ولا يجوز التكبير الجماعي وهو الذي يجتمع فيه جماعة على التلفظ بصوت واحد، حيث لم ينقل ذلك عن السلف وإنما السنة أن يكبر كل واحد بمفرده، وهذا في جميع الأذكار والأدعية إلا أن يكون جاهلاً فله أن يلقن من غيره حتى يتعلم، ويجوز الذكر بما تيسر من أنواع التكبير والتحميد والتسبيح، وسائر الأدعية المشروعة.
الرابع: التوبة والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب، حتى يترتب على الأعمال المغفرة والرحمة، فالمعاصي سبب البعد والطرد، والطاعات أسباب القرب والود، وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله" متفق عليه انظر صحيح البخاري (5223) ، وصحيح مسلم (2761) .
الخامس: كثرة الأعمال الصالحة من نوافل العبادات كالصلاة والصدقة والجهاد والقراءة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك فإنها من الأعمال التي تضاعف في هذه الأيام، فالعمل فيها وإن كان مفضولاً فإنه أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيرها وإن كان فاضلاً حتى الجهاد الذي هو من أفضل الأعمال إلا من عقر جواده وأهريق دمه.
السادس: يشرع في هذه الأيام التكبير المطلق في جميع الأوقات من ليل أو نهار إلى صلاة العيد ويشرع التكبير المقيد وهو الذي يكون بعد الصلوات المكتوبة التي تصلى في جماعة، ويبدأ لغير الحجاج في فجر يوم عرفة، وللحجاج من ظهر يوم النحر، ويستمر حتى صلاة العصر من آخر أيام التشريق.(7/336)
السابع: تشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق وهو سنة أبينا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - حين فدى الله ولده بذبح عظيم، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما" متفق عليه انظر صحيح البخاري (5558) ، وصحيح مسلم (1966) .
الثامن: روى مسلم (1977) ، وغيره عن أم سلمة- رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره " وفي رواية: " فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي".
ولعل ذلك تشبهاً بمن يسوق الهدي، فقد قال الله - تعالى-:" ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله" [البقرة:196] . وهذا النهي ظاهره أن يخص صاحب الأضحية ولا يعم الزوجة ولا الأولاد إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه، ولا بأس بغسل الرأس ودلكه ولو سقط منه شيء من الشعر.
التاسع: على المسلم الحرص على أداء صلاة العيد حيث تصلى، وحضور الخطبة والاستفادة، وعليه معرفة الحكمة من شرعية هذا العيد، وأنه يوم شكر وعمل بر، فلا يجعله يوم أشر وبطر ولا يجعله موسم معصية وتوسع في المحرمات كالأغاني والمسكرات ونحوها مما قد يكون سبباً لحبوط الأعمال الصالحة التي عملها في أيام العشر.
العاشر: بعد ما مر بنا ينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يستغل هذه الأيام بطاعة الله وذكره وشكره والقيام بالواجبات والابتعاد عن المنهيات واستغلال هذه المواسم والتعرض لنفحات الله؛ ليحوز على رضا مولاه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(7/337)
التكبير في عشر ذي الحجة وأيام التشريق
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/مسائل متفرقة
التاريخ 5/12/1424هـ
السؤال
أفتنا في التكبير المطلق في عيد الأضحىـ هل التكبير دبر كل صلاة داخل في المطلق أم لا؟ وهل هو سنة أم مستحب أم بدعة؟ لأجل أنه حصل فيها جدال. هذا والباري يحفظك والسلام.
الجواب(7/338)
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما التكبير في الأضحى فمشروع من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة؛ لقول الله سبحانه:" ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات" الآية، وهي أيام العشر، وقوله عز وجل: " واذكروا الله في أيام معدودات" الآية، وهي أيام التشريق؛ ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:" أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله - عز وجل - " رواه مسلم في صحيحه، وذكر البخاري في صحيحه تعليقاً عن ابن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهما-: " أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما" وكان عمر بن الخطاب وابنه عبد الله - رضي الله عنهما - يكبران في أيام منى في المسجد وفي الخيمة ويرفعان أصواتهما بذلك حتى ترتج منى تكبيراً، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وعن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - التكبير في أدبار الصلوات الخمس من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم الثالث عشر من ذي الحجة وهذا في حق غير الحاج، أما الحاج فيشتغل في حال إحرامه بالتلبية حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر، وبعد ذلك يشتغل بالتكبير، ويبدأ التكبير عند أول حصاة من رمي الجمرة المذكورة، وإن كبر مع التلبية فلا بأس؛ لقول أنس - رضي الله عنه -: " كان يلبي الملبي يوم عرفة فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه" ولكن الأفضل في حق المحرم هو التلبية، وفي حق الحلال هو التكبير في الأيام المذكورة.(7/339)
وبهذا تعلم أن التكبير المطلق والمقيد يجتمعان في أصح أقوال العلماء في خمسة أيام، وهي: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة. وأما اليوم الثامن وما قبله إلى أول الشهر فالتكبير فيه مطلق لا مقيد؛ لما تقدم من الآية والآثار، وفي المسند عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد " أو كما قال - عليه الصلاة والسلام -.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- الجزء الثالث عشر ص (17) ](7/340)
اعتمر ولم يتحلل ورجع إلى بلده
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الحج والعمرة/مسائل متفرقة
التاريخ 28/2/1425هـ
السؤال
إذا اعتمر شخص وخرج من مكة، ولم يتحلل من الإحرام، وعاد إلى بلده، ولم يكن قادراً على أن يذبح فدي في مكة وغيرها؛ وذلك لسبب فقره، فماذا يجب عليه؟ هناك من قال: إنه يأتي بعمرة جديدة، وتسقط عنه العمرة السابقة، أفيدونا، -جزاكم الله خير الجزاء-.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إذا أحرم الإنسان بحج أو عمرة فإنه لا يجوز له أن يرفضه، ويجب عليه أن يتمه؛ لقول الله - عز وجل-: "وأتموا الحج والعمرة لله" [البقرة:196] ولقول الله - عز وجل-: "ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق" [الحج:29] ، فالمحرم بالحج أو العمرة أصبح كالنذر، يجب عليه أن يوفي به، ولا يجوز له ألا يوفي به ولا يخرج من إحرامه إلا بواحد من أمور ثلاث:
1- إتمام النسك.
2- الردة - نسأل الله السلامة-.
3- الإحصار.
وعلى هذا يجب على هذا الشخص أن يرجع إلى مكة، وأن يتحلل من عمرته بالطواف والسعي، والحلق أو التقصير، فإذا لم يتمكن من الرجوع فإنه يكون محصراً يذبح هدياً في مكة، ويتحلل، وإذا لم يجد هدياً فإنه يسقط عنه. والله أعلم.(7/341)
دخول الخدم غير المسلمين إلى مكة
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
كتاب الحج والعمرة/مسائل متفرقة
التاريخ 21/06/1426هـ
السؤال
أرغب في اصطحاب العائلة لأداء العمرة، وبرفقتنا خادمة من أهل الكتاب، فهل يجوز دخول الخادمة، وبقاؤها داخل الفندق لرعاية الأولاد؟
الجواب
دخول الكافر للمسجد الحرام بمكة اختلف فيه العلماء على قولين: الأول: المنع، والثاني: الجواز، أخذًا من عموم نصوص القرآن والسنة، كقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم" [التوبة:28] .
فبعد اتفاق العلماء على أن الكافر نجس نجاسة حكمية (معنوية) والنهي عن قربانه المسجد الحرام أبلغ، فالنهي عن الدخول من باب أولى.
فذهب إلى الجواز أبو حنيفة وأصحابه، وذهب إلى المنع فقهاء أهل المدينة كمالك وأصحابه، وهي رواية للإمام أحمد، وهو قول عطاء من التابعين، وذهب الإمام الشافعي إلى الجواز إن دعت الحاجة إلى ذلك، وهي الرواية الثانية عن أحمد، وهو قول قتادة من التابعين.
ومنشأ الخلاف بين العلماء في هذه المسألة: ما المراد بالمسجد الحرام في الآية، فالأحناف مع اتفاقهم أن المشركين وأهل الكتاب سواء في الحكم. فمن ذهب إلى جواز الدخول كالأحناف قال: المراد بالنهي عن قربان (المسجد) يعني الحج والعمرة وعامة المناسك، عبر بالمكان وأراد الحال، ومن أراد المنع فسر المسجد بمكان السجود، وهو المسجد الذي في جوفه الكعبة أو هو الحرم كله، أي الذي يحرم فيه الصيد وقطع الشجر، فيدخل في المسجد الحرام حينئذ عامة مساكن مكة وحتى مزدلفة.(7/342)
ومن أجاز دخول الكافر الحرم للحاجة نظر إلى نصوص أخرى تفسر الآية؛ فقد أخرج الإمام عبد الرزاق الصنعاني في تفسيره (1/272،271) عن جابر بن عبد الله في قوله تعالى: "إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا" قال: (إلا أن يكون عبداً أو أحداً من أهل الذمة) ورواه ابن جرير (10/108) وابن أبي حاتم (6/1775) .
وأخرج أحمد (15221) عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد وخدمهم". قال ابن كثير في التفسير: وقف هذا الحديث أولى من رفعه.
والخلاصة: يجوز لكم أخذ خادمتكم النصرانية معكم إلى العمرة ما دمتم بحاجة إليها للخدمة ورعاية الأطفال، على ألا تدخل معكم إلى المسجد الحرام، بل تبقى في الفندق أو الشقة. وفق الله الجميع إلى كل خير.(7/343)
الجهاد ومعاملة الكفار(7/344)
هل الجهاد فرض عين في هذا الزمان؟
المجيب أ. د. صالح بن محمد السلطان
أستاذ الفقه بجامعة القصيم
الجهاد ومعاملة الكفار/حكم الجهاد
التاريخ 22/7/1422
السؤال
هل الجهاد في هذا الزمن فرض عين؟
الجواب
الجهاد في هذا الزمن ليس بفرض عين، ولو قيل بأنه فرض عين لتعين على كل أحد أن يتوجه للجهاد، فتتعطل مصالح الأمة في سائر الأقطار من أجل بلد واحد، مع حاجة الأمة الظاهرة في مجالات شتى، كمجالات العلم من العلم الشرعي، والعلم الدنيوي كالطب، والهندسة، ووسائل الاتصالات وغيرها. فإن الأمة محتاجة إلى هذه العلوم، ويترتب على تخلفها فيها: ضعفها، وتسلط أعدائها عليها، فكان لزاماً أن ينفر من أبنائها من يتفقه في هذه العلوم ليسدّ حاجتها. وهكذا كل ما تحتاج إليه الأمة في وسائل معيشتها وبقائها. وهذا يتعارض مع القول بأن الجهاد فرض عين.(7/345)
الجهاد في فلسطين
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
الجهاد ومعاملة الكفار/حكم الجهاد
التاريخ 23/2/1423
السؤال
في ظل ما يحدث الآن في الأراضي المحتلة والمقاومة والتضحية التي يقوم بها إخواننا في فلسطين -نسأل الله أن ينصرهم ويتقبل شهداءهم- فما حكم الجهاد في فلسطين في الوقت الحاضر?
الجواب
الجهاد في فلسطين وتحرير المسجد الأقصى من اليهود من الجهاد الواجب على الأمة بدون خلاف، بل هو أعظم ساحة للجهاد في وقتنا الحاضر، ولكن يشترط في الجهاد عدة شروط، منها:
-النية الصالحة: وهي إعلاء كلمة الله، وقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يقاتل حمية أو شجاعة، فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" البخاري (123) ومسلم (1904) .
-الراية الصالحة: حيث نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن القتال تحت راية عصبية جاهلية انظر صحيح مسلم (1905) ، بل الواجب تحت راية إسلامية لإعلاء كلمة الله.(7/346)
-ألا يتعلق الجهاد بترك ما هو أوجب منه من بر الوالدين، أو صلة أرحام، أو العناية بالزوجة المريضة، أو لمن عليه دين إذا كان الجهاد مستحباً إلا بإذن الدائن، أو نحو ذلك، وقد أذن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعثمان بالتخلف عن بدر لتمريض زوجته، بل وقال للمجاهد التارك والديه: "ففيهما فجاهد" البخاري (5972) ومسلم (2549) ، كما يعذر العلماء والدعاة والكتاب المؤثرون وطلبة العلم لا سيما إذا كان الجهاد مستحباً، أو وجد من يكفيهم حتى لا تخلو أماكنهم، وقد قال -سبحانه وتعالى-: "وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا راجعوا إليهم لعلهم يحذرون" [التوبة:122] ، ومع أهمية الجهاد إلا أن العلم والدعوة والتأثير هي من الجهاد، كما قال -سبحانه-: "فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً" [الفرقان:52] ، فتقدر المصالح بقدرها ويوازن بينها، وفي حالات كثيرة يخرج من يقتدى به للجهاد، ويكون عليه واجب ولو كان مستحباً في حق غيره.
-أن تقوم راية الجهاد يدعو إليها الإمام (ولي أمر المسلمين) ، وفي حالة عدم وجوده فيرجع إلى العلماء أهل الحل والعقد، أو مجالس الإفتاء، ونحوهم ممن يقدّر مصلحة الإسلام لقوله -تعالى-: "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم" [النساء:83] ، ولا يجوز التقدم بالقتال دون ذلك، فربما تكون المفسدة أعظم.(7/347)
وما يجري في فلسطين اليوم على يد اليهود المعتدين هي من قبيل الحرب الدفاعية، حيث يجب دفعهم عن بلاد المسلمين عند القدرة، ولا شك أن الجهاد في هذه الحالة من الفروض المهمة على الأقرب فالأقرب، ومن عجز عن الجهاد بالنفس وجب عليه المساعدة بالمال والدعاء والسلاح والخطابة والكتابة ونحو ذلك، ودفاع إخواننا في فلسطين عن أنفسهم هو جهاد في سبيل الله؛ لقوله -عليه السلام-: "من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ... " رواه الترمذي (1421) وأبو داود (4772) والنسائي (4095) وأحمد (1652) ، ولكن الأولى الانضواء تحت الرايات الإسلامية الموثوقة والجماعات الإسلامية المستقيمة لمن أراد الجهاد.
والجهاد في الوقت الحاضر يعتمد على إعداد الأمة بالقوة اللازمة من سلاح وأفراد مدربين وقوة داعمة وإسناد وإعلام فاعل، وليس كما هو الحال في السابق قبل وجود الأسلحة المطورة التي تفتك بجيش كامل، لذا يجب أن تسير الأمور بخطين متوازيين الجهاد والعناية بهذه الأمور المهمة، وهذا كله ليس بالأمر المستحيل مع وجود أعظم قوة وهو الفرد المؤمن بالله، ولكنه يحتاج إلى عزيمة وتهيئة وإعداد.
نسأل الله أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يولي على المسلمين خيارهم، وأن يحفظ علماءهم وولاة أمورهم، وأن يدحر اليهود المعتدين ومن والاهم.(7/348)
جهاد العراقيين للأمريكيين
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/حكم الجهاد
التاريخ 28/06/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك: - حفظك الله وسدد خطاك - سماحة الوالد: ما حكم جهاد الأمريكان بالنسبة لأهل العراق أنفسهم؟ لأنه وقع بيننا وبين بعض الإخوة نقاش حول هذه القضية؛ فنريد من سماحتكم بيان هذه القضية. وأسأل الله أن يسدد خطاكم لما يحبه ويرضاه.
الجواب
الحمد لله. وبعد:
إن الكفرة الأمريكان وأعوانهم في غزوهم للعراق ظالمون معتدون، فهم كفرة محاربون، يجب على المسلمين جهادهم وطردهم.
وصمت الدول الإسلامية عن الاستنكار لهذا الظلم والعدوان -فضلاً عن اتخاذ الوسائل الممكنة الدبلوماسية والاقتصادية- موقف مخز شرعاً وعقلاً.
ومنشأ ذلك بعدهم عن دين الله الذي به العز والتمكين والنصر المبين، فالمقاتلون في العراق للأمريكان وأعوانهم من أراد منهم إعلاء كلمة الله وإذلال الكافرين فهو مجاهد في سبيل الله، ومن أراد مقاومة الاحتلال الأجنبي عن وطنه فلا لوم عليه، بل هذا ما تقتضيه الشهامة والأصالة والأنفة من عدم الخضوع للمستعمر المعتدي، وبذلك يعلم أنه يجب على المسلمين نصر المجاهدين في العراق وفلسطين، وفي الشيشان، وفي الأفغان، ومد يد العون والمساعدة بما يستطيعون، وأقل ذلك الدعاء لهم ومواساتهم بالمال؛ لإطعام جائعهم وعلاج جريحهم ومريضهم.
وذلك من الوفاء بحق أخوة الإيمان، كما قال تعالى: "إنما المؤمنون إخوة" [الحجرات: 10] ، وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم، وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه البخاري (6011) ، ومسلم (2586) . والله أعلم.(7/349)
سبل جهاد المرأة
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
الجهاد ومعاملة الكفار/فضائل الجهاد
التاريخ 22/11/1424هـ
السؤال
قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون".كيف لامرأة أن تجاهد في سبيل الله بأموالها وبنفسها؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الجهاد من أفضل القربات وأعظم الطاعات، وقد جاءت نساء الصحابة - رضي الله تعالى عنهم وعنهن- يسألن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنهن المرأة الأشهلية فقالت: إنكم تذهبون للجهاد والحج، ونحن نجلس في بيوتكم نغسل ملابسكم ونربي أولادكم، فمالنا؟ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "إن حسن تبعل المرأة لبعلها وقيامها بفرائض دينها يعدل ذلك كله"، وقال لها النبي- صلى الله عليه وسلم-: "انصرفي وأخبري من وراءك بهذا"، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فكون المرأة تجتهد في المحافظة على فرائض دينها، وتجتهد في أداء ما تستطيعه من السنن، وتقوم بما أوجب الله عليها من رعاية حق زوجها وتربية أطفالها، فإنها بهذا تكون قد أدت ما هو أعظم من الجهاد، بنفسها ومالها هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى فإن بإمكان المرأة أن تتبرع بشيء من مالها مما تملكه مما هو زائد عن فضل كفايتها وحاجتها للمجاهدين في سبيل الله، "فمن جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا". وبالله التوفيق.(7/350)
شهادة من قتل دفاعاً عن نفسه
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
الجهاد ومعاملة الكفار/أحكام الشهيد
التاريخ 7/1/1424هـ
السؤال
إذا كان الذي يدافع عن ماله ونفسه وقتل شهيد هل يغفر الله له ذنوبه جميعاً حتى لو كان يشرب الخمر أو لا يصلي ولكنه مؤمن؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن تارك الصلاة إن كان جاحداً لوجوبها فهو كافر بإجماع العلماء، وإن كان تاركاً لها تهاوناً وكسلاً فقد ذكر المحققون من أهل العلم أنه كافر أيضاً، وعلى كل حال فللصلاة شأن خاص، والذي يموت وهو تارك لها على خطر عظيم، فكيف يقال بأنه شهيد؟! أما سائر المعاصي فلا شك أنها خطر على العبد كذلك، ولكن الذي عليه أهل السنة والجماعة أنه في الآخرة تحت رحمة الله إن شاء عذبه وذلك بعدله، وإن شاء غفر له وذلك بفضله، إذا مات ولم يتب، أما التائب من الذنب فهو كمن لا ذنب له، والذي يقتل وهو يدافع عن نفسه وماله، وهو مؤمن يُرجى له خير إن كان محتسباً وصابراً على ما أصابه ومصلياً فإن للصلاة شأناً خاصاً كما أشرنا، ونحن لا نقطع لأحد بعينه بالشهادة حتى ولو كان مجاهداً في سبيل الله، ولكن نرجو له الشهادة، ورحمة الله واسعة، والله المسؤول أن يتولانا جميعاً برحمته، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(7/351)
تغسيل الشهيد وتكفينه
المجيب د. شرف بن علي الشريف
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
الجهاد ومعاملة الكفار/أحكام الشهيد
التاريخ 7/2/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
وردت هذه العبارة في أحد كتب الفقه على المذهب الشافعي: وأما الشهيد: فلا يغسل، ولا يصلى عليه، ويسنّ تكفينه في ثيابه التي قتل فيها. لما رواه البخاري عن جابر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر في قتلى أحد بدفنهم بدمائهم، ولم يغسلوا ولم يصلّ عليهم. هذا هو مذهب علماء الشافعية، وعلماء المالكية، أما عند علماء الحنفية، ورأي بعلماء الحنابلة، أنه واجب ودليلهم في ذلك "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على شهداء أحد وكان يؤتى بتسعة تسعة....... إلى آخر الحديث. أخرجه الطحاوي، وقال عنه حسن، السؤال: يرجى من فضيلتكم بيان الترجيح بين الأدلة، وعلى أي المذاهب الفتوى؟ وجزاكم الله كل خير.
الجواب
الشهداء كثيرون ولله الحمد، فالذي يموت بمرض الطاعون شهيد، ومرض البطن، والغرق، والحرق وغيرهم.
وهؤلاء يغسلون ويكفنون، ويصلى عليهم.(7/352)
أما الشهيد الذي سنتكلم عنه هو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، أما من قاتل لحمية أو وطنية أو قومية أو عصبة فليس بشهيد ولو قتل؛ لكن من قاتل حماية لوطنه الإسلامي من أجل الدفاع عن الإسلام والمسلمين وحمايتهم فقتل فهو شهيد، وشهيد المعركة الذي يقتل في المعركة يحرم تغسيله، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أمر بقتلى أحد أن يدفنوا في دمائهم ولم يغسلوا ... " أخرجه البخاري (1343) ، والراجح أنه لا يصلى عليه، ويدفن في ثيابه التي مات فيها استحباباً لرواية البخاري - رحمه الله- "وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا، ولم يصلَّ عليهم"، وغيره مما ورد من أحاديث، ومن أراد التوسع في الموضوع فعليه بقراءة فتح الباري لابن حجر، وكتاب المغني لابن قدامة، وكتاب المجموع للنووي، وكتاب فتح القدير لابن الهمام، وغيرها مما كتبه أهل العلم في هذا الموضوع والله أعلم.(7/353)
شهادة الغريق
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/أحكام الشهيد
التاريخ 3/11/1423هـ
السؤال
إذا مات الشخص غريقاً يكون شهيداً، طيب؛ وإذا كان عاصياً ولا يصلي فهل يحاسب على ذلك؟
الجواب
إذا مات الإنسان غريقاً فقد جاء في الحديث أنه من جملة الشهداء؛ كالذي يموت بالهدم أو بالحرق انظر: البخاري (654) ومسلم (1914) ، وكونه شهيدا لا يوجب أن تغفر له جميع ذنوبه، لكن هذا يدل على فضيلة، ويرجى أن يكون في موته على هذه الحال أجر يفضل به على غيره لما يحصل له من المغفرة بسبب هذا الابتلاء، ومن مات غريقاً وهو لا يصلي فإنه لا ريب أن موته غريق لا يوجب مغفرة الجرائم الكبيرة وترك الصلاة، فقد جاء في الحديث الصحيح أن تاركها كافر، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" مسلم (82) وفي الحديث الآخر: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" الترمذي (2621) ، النسائي (463) ، ابن ماجة (1079) وأحمد (22937) وليس الشهيد بالغرق والحرق والهدم كشهيد المعركة، يعني: الشهيد في معركة القتال في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، ومن قاتل وقتل في المعركة وهو لا يصلي فإنه لا يرجى له فضل الشهادة، لأنه لا يصلي، وإنما ترجى له مغفرة الذنوب التي دون ترك الصلاة ودون أنواع الكفر، نسأل الله السلامة والعافية، والله أعلم.(7/354)
التكبير في جنائز الشهداء
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/أحكام الشهيد
التاريخ 19/11/1422
السؤال
ما حكم التكبير في الجنائز وخصوصاً جنائز الشهداء؟
الجواب
إن كنت تقصد التكبير في صحبة الجنازة إلى المصلى ثم إلى المقبرة من المشيعين، وخاصة في جنائز الشهداء من قتلى المواجهة مع أعداء الله ورسوله والمؤمنين، والتي يكون الدافع لها شدة الحماس والغيرة، ووقدة الحنق على هؤلاء المعتدين، فيخرج هذا التكبير والهتاف من نفوس أمضها الضيم، وتمردت على عسف الظالم، واستعلنت بالمواجهة والمدافعة بما تستطيعه، فإننا إذا نظرنا إلى المسألة من ناحية الحكم الشرعي فلا يغيب عنا بارك الله فيكم:
01 إن تشييع الجنائز عبادة شرعية توقيفية قال - صلى الله عليه وسلم -: " من شهد الجنازة حتى يُصلَّي فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن كان له قيراطان " قيل: وما القيراطان؟ قال: " مثل الجبلين العظيمين " رواه البخاري (1325) ومسلم (945) واللفظ للبخاري.
ولذلك فكل ما يحيط بهذه العبادة مما له صفة التعبد كالذكر ونحوه فلا بد أن يتلقى النص على مشروعيته من المعصوم - صلى الله عليه وسلم - وإلا فهو رد.
02 أننا نعلم أنه قد حملت جنائز أفاضل الصحابة وخيارهم بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنهم المصابون في المعارك كسعد بن معاذ - رضي الله عنه - ومع ذلك لم يكن الصوت يرفع مع الجنازة بذكر ولا بغيره، ولو فعل لنقل، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
03 إن رفع الأصوات مع الجنائز من عادة أهل الكتاب والأعاجم الذين أمرنا بمخالفتهم أما المسلمون فكانوا يستحبون خفض الصوت عند الجنائز، مع امتلاء القلوب بذكر الله وإجلاله وتعظيمه، كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم) (1/315-316) تحقيق د. العقل) .(7/355)
وبذلك يتبين أن رفع الصوت مع الجنازة بالذكر أو الدعاء بدعة، ولا يجوز اتخاذه شعاراً لجنائز المسلمين. وقد نص على ذلك الأئمة من قبل، فعن قيس بن عباد - وهو من كبار التابعين - قال: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرهون رفع الصوت عند الجنائز - أخرجه البيهقي (4/74) وغيره، وقال النووي - رحمه الله تعالى -: " واعلم أن الصواب والمختار وما كان عليه السلف - رضي الله عنهم - السكوت في حال السَّير مع الجنازة، فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك. والحكمة فيه ظاهرةٌ، وهي أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة، وهو المطلوب في هذا الحال " (الأذكار للنووي ص 203) وممن نبه على هذه البدعة الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام (1/372) وأبو شامة في الباعث على إنكار البدع والحوادث (88) وغيرهم، وانظر (أحكام الجنائز وبدعها) للألباني (ص 92، 314) .
وأما إن كنت تقصد التكبير حال الصلاة على الجنازة، فإنه يجب أداء أربع تكبيرات على الجنازة، على الصفة المعروفة في صلاة الجنازة. وهذه التكبيرات أركن في صلاة الجنازة.(7/356)
وصف المسلم بالشهيد
المجيب
الجهاد ومعاملة الكفار/أحكام الشهيد
التاريخ 27/8/1423هـ
السؤال
هل نقول كلمة شهيد لكل من نراه توفي مقتولاً في الحرب؟ أرجو توضيح هذا الأمر.
الجواب
ننقل لك ما قاله الشيخ بكر أبو زيد -حفظه الله تعالى- في كتابه (معجم المعاني اللفظية صـ319-320)
شهيد: قال البخاري -رحمه الله- في صحيحه:" باب لا يقال: فلان شهيد. قال ابن حجر: أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي، وكأنه أشار إلى حديث عمر - رضي الله عنه - الذي رواه البخاري (1367) ، ومسلم (949) ".
وفي كتاب: (النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح) لمحمد الطاهر ابن عاشور (صـ118) عند ترجمة البخاري هذه:
"هذا تبويب غريب، فإن إطلاق اسم الشهيد على المسلم المقتول في الجهاد الإسلامي ثابت شرعاً، ومطروق على ألسنة السلف فمن بعدهم، وقد ورد في حديث الموطأ (299) ، وفي الصحيحين البخاري (2829) ومسلم (1914) : أن الشهداء خمسة غير الشهيد في سبيل الله، والوصف بمثل هذه الأعمال يعتمد النظر إلى الظاهر الذي لم يتأكد غيره، وليس فيما أخرجه البخاري هنا إسناداً وتعليقاً ما يقتضي منع القول بأن فلاناً شهيد، ولا النهي عن ذلك.
فالظاهر أن مراد البخاري بذلك ألاّ يجزم أحد بكون أحد قد نال عند الله ثواب الشهادة، إذ لا يدري ما نواه من جهاده، وليس ذلك للمنع من أن يقال لأحد: إنه شهيد، وأن تجري عليه أحكام الشهداء إذا توافرت فيه، فكان وجه التبويب أن يكون: باب لا يجزم بأن فلاناً شهيد إلا بإخبار من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مثل قوله في عامر ابن الأكوع: "إنه لجاهد مجاهد" البخاري (4196) ، مسلم (1802) ، ومن هذا القبيل زجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أم العلاء الأنصارية حين قالت في عثمان بن مظعون- رضي الله عنه -: "شهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال لها: وما يدريك أن الله أكرمه؟ "البخاري (3929) ا. هـ.(7/357)
من هو الشهيد؟
المجيب أ. د. صالح بن عبد الله اللاحم
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/أحكام الشهيد
التاريخ 18/2/1423
السؤال
من هو الشهيد؟ وهل من قتل خطأ مثلما هو الحال في حوادث السيارات يعد شهيداً إذا لم يكن له يد في الحادث؟ وما حكم كل درجة من درجات الشهادة من حيث الصلاة والتكفين وغيرهما؟
الجواب
الشهداء كثر كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكر منهم المطعون والمبطون ومن مات حرقاً أو غرقاً والمرأة تموت في نفاسها ومن قتل دون ماله أو عرضه. وأعلى رتب الشهادة من مات في لقاء العدو مقبلاً غير مدبر وكان قتاله لتكون كلمة الله هي العليا. أما التكفين والصلاة فالفقهاء يختلفون في ذلك، والراجح أن قتيل المعركة لا يكفن ولا يصلى عليه وإنما يدفن بدمه كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في قتلى أحد، وأما من سواه فليس له حكمه من هذه الناحية.(7/358)
فضل شهيد المعركة على غيره
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
الجهاد ومعاملة الكفار/أحكام الشهيد
التاريخ 20/8/1423هـ
السؤال
ما الفرق بين شهيد الحرب ومن مات محترقاً أو غريقاً؟ هل لهم نفس الدرجة والأجر والمكانة يوم القيامة؟ وهل يشفع من مات محترقاً أو غريقاً في أهله؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الفرق بين شهيد الحرب ومن مات محترقاً أو غريقاً، هو: أن شهيد الحرب لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، وإنما يدفن في ثيابه التي قتل فيها، وأمّا المحترق والغريق فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، وأمّا الدرجة فإنها تختلف، فإن شهيد المعركة أعلى؛ لأن كل غبار تطاير عليه ودخان حصل له سوف يحسب له، وليس كذلك غيره، وقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم انظر الترمذي (1633) ، النسائي (3107) ، ابن ماجة (2774) ، الإمام أحمد (8512) ، فالدرجات متفاوتة، لكن الغريق والمحترق يرجا لهما خير - إن شاء الله - ومكانة عالية.(7/359)
الذنوب التي تغفر بالشهادة
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/أحكام الشهيد
التاريخ 7/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم
هل الشهادة في سبيل الله تغفر بها كل الذنوب؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، الشهادة في سبيل الله المراد بها أن يقتل العبد في معركة قتال المسلمين للكفار، وهو صابر محتسب مقبل غير مدبر، فمن قتل وهو على هذه الحال مجاهداً في سبيل الله أي: أنه يقاتل لإعلاء كلمة الله، فإن الله يغفر له جميع ذنوبه.
فقد صح عن النبي - عليه الصلاة والسلام- أنه قام في الصحابة - رضي الله عنهم- فذكر لهم:"أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال"، فقام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر إلا الدين، فإن جبريل - عليه السلام- قال لي ذلك" رواه مسلم (1885) فهذا الجواب من النبي - صلى الله عليه وسلم- كاف شاف، وهذا فضل عظيم، وإنما كان هذا الفضل للشهادة في سبيل الله، لأن الذي يجاهد في سبيل الله إعلاء لكلمة الله ثم يقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، لا يتصور أن يصر على كبيرة من كبائر الذنوب فمعنى هذا، أن الجهاد على هذا الوجه يتضمن التوبة من جميع الذنوب فيغفر له بهذا العمل الجليل، فأما الدين فإنه حق من حقوق العباد لا يسقط بالقتل في سبيل الله، ولابد أن يؤدي الدين الذي على المجاهد الذي قتل في سبيل الله وإذا لم يؤد في الدنيا فإن الله يؤديه عنه يوم القيامة، كما قال - صلى الله عليه وسلم-:"من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله" البخاري (2387) ، والله أعلم.(7/360)
معنى حديث " الشهداء خمسة"
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
الجهاد ومعاملة الكفار/أحكام الشهيد
التاريخ 19/1/1425هـ
السؤال
عن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق، فأخره، فشكر الله له، فغفر له، ثم قال الشهداء خمسة: المطعون والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله، وقال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا عليه ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا." ما معنى هذا الحديث الشريف؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
هذه ثلاثة أحاديث وقد أخرجها البخاري بسياق واحد ح (652-653-654) قال حدثنا قتيبة عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له، ثم قال: الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله، وقال: لو يعلم ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً" قال الحافظ: (وكأن قتيبة حدث به عن مالك هكذا مجموعاً فلم يتصرف فيه المصنف كعادته في الاختصار، وقد تضمنت هذه الأحاديث ما يأتي:(7/361)
(1) دل الحديث الأول على فضل إماطة الأذى عن الطريق، وأن قليل العمل إذا أخلص فيه العبد لربه، يحصل به كثير الأجر والثواب، وقوله: "فشكر الله له...." الله -سبحانه وتعالى- هو الشكور، والشاكر على الإطلاق الذي يقبل القليل من العمل، ويعطي الكثير من الثواب مقابل هذا العمل القليل، ومن شكره -تبارك وتعالى- أن غفر لهذا الرجل الذي نحى غصن الشوك عن طريق المسلمين، وهو عمل قليل.
(2) أفاد الحديث الثاني أن الشهداء خمسة وهم:
أ- المطعون: هو الذي يموت بالطاعون، وهو الوباء، وقد فسره النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر حيث قال: "الطاعون شهادة لكل مسلم" أخرجه البخاري (2830) ، ومسلم (1916) عن أنس -رضي الله عنه-.
ب- المبطون: هو الذي يموت من علة البطن، كالاستسقاء، والحقن وهو: انتفاخ الجوف والإسهال.
ج- الغريق: هو الذي يموت بالغرق.
د- صاحب الهدم: هو الذي يموت تحت الهدم.
هـ- الشهيد في سبيل الله.(7/362)
قال الحافظ: (اختلف في سبب تسمية الشهيد شهيداً، فقيل لأنه حي فكأن أرواحهم شاهدة أي حاضرة، وقيل: لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة، وقيل: لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعدَّ له من الكرامة والحصر المذكور في الحديث غير مقصود، فقد دلت أحاديث أخرى على وصف غير المذكورين بالشهادة) ، قال الحافظ: (والذي يظهر أنه -صلى الله عليه وسلم- أعلم بالأقل ثم أعلم زيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك) فتح الباري (6/43) ، وممن جاء وصف موتهم بالشهادة غير المذكورين في الحديث السابق ما يأتي الحريق، وصاحب الجنب، والمرأة تموت بجمع، وقد جاء ذلك في حديث جابر بن عتيك - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما تعدون الشهادة؟ " قالوا: القتل في سبيل الله -تعالى-، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة" أخرجه أبو داود (2704) ، وصاحب ذات الجنب: ذات الجنب هي: قرحة في الجنب، وورم شديد، وتسمى ذات الجنب الشوصة.(7/363)
وأما المرأة تموت بجمع: يقال بضم الجيم وكسرها، وقد تفتح الجيم وسكون الميم فهي المرأة تموت حاملاً، وقد جمعت ولدها في بطنها، وقيل: هي التي تموت في نفاسها وبسببه، وقيل التي تموت عذراء، والأول: أشهر الأقوال، ومن مات دون ماله ودينه ودمه وأهله فهو شهيد، وذلك لما جاء في حديث سعيد بن زيد - رضي الله عنه- قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد" أخرجه الترمذي (1341) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح ومن قتل دون مظلمته فهو شهيد، وذلك لحديث سويد بن مقرن - رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قتل دون مظلمته فهو شهيد" أخرجه النسائي (4025) ، قوله: دون مظلمته، أي قصده قاصد بالظلم، وموت الغربة شهادة، وذلك لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "موت غربة شهادة" أخرجه ابن ماجة (1602) ، وقد ذكر الحافظ أنه من خلال نظره في الأحاديث تحصل له إطلاق الشهادة على عشرين خصلة، قال ابن التين: هذه كلها ميتات فيها شدة تفضل الله على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بأن جعلها تمحيصاً لذنوبهم وزيادة في أجورهم يبلغهم بها مراتب الشهداء، ووصف هؤلاء بالشهداء بمعنى أنهم يعطون من جنس أجر الشهداء ولا تجري عليهم أحكام الشهداء في الدنيا.(7/364)
الحديث الثالث: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا ن يستهموا لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً"، رواه البخاري (615) ، ومسلم (437) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- فقوله- صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا"، النداء هو: الأذان، والاستهام: الاقتراع ومعناه أنهم لو علموا فضيلة الأذان وقدرها وعظيم جزائه ثم لم يجدوا طريقاً يحصلونه به لضيق الوقت عن أذان بعد أذان، أو لكونه لا يؤذن للمسجد إلا واحد لاقترعوا في تحصيله، ولو يعلمون ما في الصف الأول من الفضيلة نحو ما سبق، وجاءوا إليه دفعة واحدة وضاق عنهم، ثم لم يسمح بعضهم لبعض به لاقترعوا عليه، وفيه إثبات القرعة في الحقوق التي يزدحم عليها ويتنازع فيها، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه"، التهجير: التبكير إلى الصلاة وقوله - صلى الله عليه وسلم-: "ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً"، العتمة: هي صلاة العشاء، وفيه الحث العظيم على حضور جماعة هاتين الصلاتين، والفضل الكثير في ذلك لما فيهما من المشقة على النفس من تنغيص أول نومها وآخره، ولهذا كانتا أثقل الصلاة على المنافقين ينظر شرح النووي لمسلم (4/158) ، هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(7/365)
صلاة الغائب على الشيخ أحمد ياسين
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/أحكام الشهيد
التاريخ 1/2/1425هـ
السؤال
ما حكم الصلاة على الغائب، وهل يصلى على شهيد المعركة إذا كان في مكان آخر، ونرجو منكم أن توجهوا كلمة إلى الأمة الإسلامية بمناسبة اغتيال الشيخ أحمد ياسين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الصلاة على (الغائب) اختلف فيها أهل العلم على قولين مع الاتفاق على ثبوت صلاة الغائب على النجاشي ملك الحبشة لما توفي في بلاده، كما في الصحيحين البخاري (1245) ، ومسلم (951) عن أبي هريرة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه خرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعا " فالحنفية والمالكية لا يجوزون الصلاة على الميت الغائب وهي رواية في مذهب أحمد. ووجه ذلك عندهم أنه لم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة الغائب على غير النجاشي، ويرون أن صلاة الغائب خاصة به، وقالوا أيضا أنه مات كثير من الصحابة خارج المدينة ولم ينقل أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - صلى عليهم أو أمر بذلك.
وذهبت الشافعية والحنابلة إلى مشروعية الصلاة على الميت الغائب وتمسكوا بصلاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته على النجاشي عند موته ولا يرون خصوصيتها به لعدم النص على ذلك، وقالوا: الأصل في الأحكام العموم وعدم الخصوصية.
والذي يظهر لي - والله أعلم - بعد النظر والتأمل في النصوص: أن صلاة الغائب جائزة إذا كان المتوفى له شأن بين المسلمين في الصلاح والعلم أو الدعوة إلى الله، أو كان زعيما وأميراً - كما هي الحال في النجاشي - رحمه الله -.
أما إذا كان الميت من آحاد الناس وعامتهم فلا تشرع صلاة الغائب عليه حينئذ.(7/366)
أما شهيد المعركة فالصحيح أنه يدفن في ثيابه فلا يغسّل ولا يكفن ولا يصلى عليه، وإنما تصلي عليهم ملائكة الرحمة، ويلقى الله بدمائه، وهي أطيب عند الله من ريح المسك، ففي حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عند البخاري (1343) وغيره: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بدفن شهداء أُحد في دمائهم، ولم يغسلهم، ولم يصل عليهم"، وفي حديث عبد الله بن ثعلبة - رضي الله عنه -، عند أحمد (22547) والنسائي (2002) ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "زمِّلوهم بدمائهم؛ فإنه ليس كَلْمٌ يُكْلَمُ في سبيل الله إلا يأتي يوم القيامة يدمي (يسيل) لونه لون الدم وريحه ريح المسك".
وبمناسبة استشهاد الشيخ أحمد ياسين - رحمه الله - زعيم وقائد المقاومة الإسلامية في فلسطين على أيدي إخوان القردة والخنازير، وبمباركة وتأييد من دولة الكفر والاستكبار العالمي، (نسأل الله أن يتقبله وإخوانه الشهداء في الصالحين، وأن يخلف على المسلمين خيراً) .
نقول: إن هذا الرجل المسن المصاب بالشلل في بدنه استطاع بروحه وقلبه وإيمانه أن يؤسس ويرعى (منظمة حماس الفلسطينية) التي دوخت - ولا تزال - دولة إسرائيل وأعوانها مع ضعف العدد والعدة للمسلمين هناك.
إن المسلم الواعي لمخطط عدوه والمتمسك بدينه والواثق بنصر ربه لا تؤثر عليه المصائب لو عظمت، ولا النوازل مهما كبرت، فهو يستلهم التاريخ ويقرؤه على ضوء واقعه ومستجداته؛ فها هي حادثة الإفك في المدينة النبوية عصفت بالمسلمين وبيت النبوة أو كادت، يقول الله عنها: "إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [النور:11] .(7/367)
إننا والله واثقون أن جريمة قتل الشيخ أحمد ياسين- رحمه الله - هي بداية النهاية لدولة اليهود ومن ورائهم من الكفرة والمجرمين، ولعلنا نسمع قريباً إن شاء الله في هؤلاء المحتلين لبلاد المسلمين من اليهود والنصارى ما يسر به قلب كل مؤمن، وفي المثل قيل: (اشتدي أزمة تنفرجي) ، وكفى بقول الله وحكمه: "فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً" [الشرح:5،6] ، "فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً"، ونقول لكل المسلمين ولإخواننا الفلسطينيين خاصة: لا تحزنوا على ما نزل بكم وثقوا أنه خير لكم وشر لعدوكم - إن شاء الله- والذي تولى كبره منهم أو من غيرهم سيحل به العذاب الأليم في الدنيا قبل الآخرة، وإننا بكلام ربنا لمؤمنون وبنصره لمتفائلون.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.(7/368)
علاقة الشهيد بمن يشفع لهم
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
الجهاد ومعاملة الكفار/أحكام الشهيد
التاريخ 2/2/1425هـ
السؤال
هناك حديث يذكر أن الشهيد يشفع في سبعين من أهله، هل يعني ذلك الإخوة والأخوات والعمات والأعمام وما شابههم؟ وكيف يكون الحال إذا لم يكن له كثير من الأقارب أو كان أغلبهم من الكفار؟ هل هذا العدد يشمل الأشخاص المقربين للشيهد مثل الأصدقاء الذين لا يرتبطون به برابطة الدم؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالحديث الذي أوردته خرّجه أبو داود في سننه: كتاب الجهاد باب الشهيد يشفع برقم:
(2522) ج (3/34) مرفوعا، ً ولفظه "يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته"، وصححه الألباني، وحسنه السيوطي في الجامع الصغير، انظر فيض القدير للمناوي برقم (10012) جـ (6/462) ، وخرجه البيهقي في السنن الكبرى جـ (9/164) برقم: (18308) ، وبوب بعضهم لبيان كثرة من يشفع فيهم الرجل الواحد بقوله: (باب ذكر كثرة من يشفع له الرجل الواحد من هذه الأمة) ، كما فعل ذلك ابن خزيمة في كتاب التوحيد بتحقيق د. عبد العزيز الشهوان جـ (2/739) .
وأما معنى الحديث فقد جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود جـ (7/142) على قوله: (من أهل بيته) قال: (أي من أصوله وفروعه وزوجاته وغيرهم) ، وقال المناوي في فيض القدير (6/462) ، ويحتمل أن المراد بالسبعين التكثير.
وأما قولك في سؤالك: وكيف يكون الحال إذا لم يكن له كثير من الأقارب؟ فأقول لك: إن السبعين من أقارب الرجل الواحد ليسوا بالكثرة إذا عرفت أن أهل الرجل يشمل من كان قبله ومن بعده من أهل بيته من المسلمين ممن أدركهم أو لم يدركهم.
وأما الكفار من أهل بيته أو من غيرهم فإن الشفاعة لا تنفعهم لأن الله تعالى يقول: "فما تنفعهم شفاعة الشافعين" [المدثر: 48] . والله أعلم.(7/369)
الصلاة على الشهداء
المجيب سليمان بن عبد الله القصير
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
الجهاد ومعاملة الكفار/أحكام الشهيد
التاريخ 18/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فإنني كثيرًا ما رأيت الفلسطينيين وهم يصلّون على جثمان شهدائهم صلاة جنازة، وأنا قرأت في كتاب ما بأن الصلاة على الشهيد حرام، ما حكم الصلاة على الشهيد؟ هل هي حلال أم حرام؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فلا شك أن ما يفعله إخواننا في فلسطين من الصلاة على شهدائهم ممن قتلهم العدو قد ساروا فيه على قول علمائهم، وعملهم هذا جيد لا بأس به.
وأما ما ذكره السائل أنه قرأ في كتابٍ تحريمَ الصلاة على الشهيد، فهذا القول هو المشهور عند فقهاء الشافعية، وقد لخَّص الحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت 806) أقوال العلماء في هذه المسألة مع التوجيه لكل مذهب في كتابه (طرح التثريب 3/ 295) فقال: (إن الشافعية اختلفوا في معنى قولهم: لا يصلى على الشهيد. فقال أكثرهم: معناه تحريم الصلاة عليه. وهو الصحيح عندهم، وقال آخرون منهم: معناه لا تجب الصلاة عليهم، لكن تجوز. وذكر ابن قدامة أن كلام الإمام أحمد في الرواية التي قال فيها: يصلى عليهم. يشير إلى أنها مستحبة غير واجبة ... وقال ابن حزم الظاهري: إن صُلِّي على الشهيد فحسن، وإن لم يُصلَّ عليه فحسن، واستدل بحديثي جابر وعقبة، رضي الله عنهما، وقال: ليس يجوز أن يترك أحد الأثرين المذكورين للآخر، بل كلاهما حق مباح, وليس هذا مكان نسخ; لأن استعمالهما معًا ممكن في أحوال مختلفة. انتهى ... قال أصحابنا (يعني فقهاء الشافعية) : والمراد بالشهيد هنا من مات بسبب قتال الكفار حال قيام القتال.. إلخ)) اهـ.(7/370)
فقوله: حال قيام القتال. قيد مهم يبين أنه إنما تحرم الصلاة على الشهيد، في مذهبهم، إذا قُتل المسلم في معركة ومات في مكان المعركة حال قيام القتال بين المسلمين والكفار، وما عدا ذلك فلا تحرم الصلاة عليه إنما تباح أو تستحب أو تجب.
وكذا ابن قدامة في المغني 2/ 205، قال: والشهيد إذا مات في موضعه, لم يغسَّل, ولم يُصلَّ عليه - يعني إذا مات في المعترك- فالصحيح أنه لا يصلى عليه. وهو قول مالك, والشافعي, وإسحاق. وعن أحمد رواية أخرى, أنه يصلى عليه. اختارها الخلال. وهو قول الثوري, وأبي حنيفة. إلا أن كلام أحمد في هذه الرواية يشير إلى أن الصلاة عليه مستحبة , غير واجبة. قال في موضع: إن صُلي عليه فلا بأس به. وفي موضع آخر, قال: يصلى، وأهل الحجاز لا يصلون عليه, وما تضره الصلاة, لا بأس به. وصرح بذلك في رواية المروذي, فقال: الصلاة عليه أجود, وإن لم يصلوا عليه أجزأ. فكأن الروايتين في استحباب الصلاة, لا في وجوبها, إحداهما يستحب; لما روى عقبة, أن النبي صلى الله عليه وسلم- خرج يومًا, فصلى على أهل أحد صلاته على الميت, ثم انصرف إلى المنبر. أخرجه البخاري (1344) ومسلم (2296) ... ولنا, ما روى جابر، رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم- أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم, ولم يغسلهم, ولم يصلِّ عليهم. أخرجه البخاري (1343) ومسلم (1036) .. وحديث عقبة مخصوص بشهداء أحد, فإنه صلى عليهم في القبور بعد ثماني سنين.. ونحن نحمله على الدعاء. انتهى.
وينظر أيضًا كتاب (نيل الأوطار للشوكاني ج4/ص 53) ففيه بحث موسع حول هذه المسألة.
والله أعلم. وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(7/371)
هل تدخل في هذا الفضل من تلد بالزنى؟!
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
الجهاد ومعاملة الكفار/أحكام الشهيد
التاريخ 16/09/1426هـ
السؤال
ورد في الحديث: أن المرأة التي تموت وهي تلد فستدخل الجنة، فهل ينطبق هذا على المرأة التي حملت بالزنى؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيشير السائل إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود في سننه (3111) والنسائي في سننه الصغرى (1846) ، ومالك في موطئه (522) ، عن جابر بن عتيك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الشهداء سبعة- سوى القتل في سبيل الله-: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد".
والمراد: هنا: التي تموت من الولادة، وولدها في بطنها، هذا ما عليه أكثر العلماء في تفسير هذا الحديث، كما حكاه عنهم ابن عبد البر في الاستذكار (3/69) ، ومال إلى ترجيحه. وجاء نحو هذا الحديث في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً، بلفظ: "الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهد، والشهيد في سبيل الله".
وقد علق الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (13/62) على حديث (الشهداء السبعة) في الموطأ وغيره، بقوله: "صحيح بلا خلاف، وإن كان البخاري ومسلم لم يخرجاه".
ثم قسم الشهداء إلى ثلاثة أقسام:
الأول: شهيد في الدنيا والآخرة، وهو المقتول في حرب الكفار (مخلصاً لله مقبلاً غير مدبر) .
الثاني: شهيد في الدنيا دون الآخرة، وهو من قاتل رياء أو سمعة، أو قُتل مدبراً، أو نحو ذلك.
الثالث: شهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا، ومنهم هؤلاء السبعة المذكورون في الحديث الآنف الذكر.(7/372)
ثم ذكر الإمام النووي السبب الذي نالوا لأجله أجر الشهادة، فقال: "وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضل الله -تعالى- بسبب شدتها، وكثرة ألمها" أ. هـ.
ولا شك أن المرأة عند الولادة تعاني من الشدة والألم مالا يعلم به إلا الله تعالى، ولهذا ضاعف المولى -عز وجل- حقها في البر على الأب، وجعل لها من الحقوق ما هو معلوم. وأحياناً يبلغ الألم مداه، وتتعسر الولادة، مما يكون سبباً في نهاية حياتها، فوعدها الله عز وجل- بأجر من جنس أجر الشهداء تطييباً لقلبها، ومكافأة لها على صبرها واحتسابها، هذا إذا كان حملها من نكاح، كما هو الأصل.
أما إذا كان من سفاح -كما هو محل السؤال- فالأظهر -والله تعالى أعلم- أنه لا يشملها هذا الفضل، فكما فرَّق الشارع بين من قاتل رياء وسمعة، وبين من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فالأول قتاله في سبيل الدنيا، والثاني قتاله في سبيل الله، وكما فرق بعض أهل العلم -كما في مغني المحتاج للشربيني (1/350) - بين الغريق العاصي بركوبه البحر، وبين الغريق غير العاصي، فكذا يفرَّق هنا بين الحامل من نكاح وبين الحامل من سفاح؛ لأن الأولى مطيعة بحملها، والثانية عاصية به، فلا يستويان، كما لا يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، والله تعالى أعلم.(7/373)
العلاقات الدولية وحقوق الإنسان
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 29/4/1422
السؤال
ماذا يقدم الإسلام فيما يتعلق بالعلاقات الدولية وحقوق الإنسان، في بعض الأحوال المعينة؟
الجواب
جاء الإسلام بالحث على الأخوة الدينية بين المُسلمين لقول الله تعالى: "فأصحبتم بنعمته إخواناً" ولقوله: "إنما المؤمنون إخوة" فلذلك يجب على المُسلمين أن يتعاونوا فيما بينهم، ويوالي بعضهم بعضاً، ويحصل بينهم التناصر والتعاون على البر والتقوى، وعليهم أداء ما يجب عليهم من الحقوق الإسلامية من بعضهم لبعض، وكذلك أجاز الإسلام عقد المواثيق والمُعاهدات مع الكُفار إذا كان في ذلك مصلحة لقول الله تعالى: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق" وقوله تعالى: "إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق" وقوله تعالى: "وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها" وكل ذلك يدل على أن الإسلام يحرص على الأمن والاطمئنان وإصلاح العلاقات الدولية بين الأمم إذا كان فيه مصلحة، مع وجوب الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله إذا توافرت الشروط وانتفت الموانع، والله أعلم.(7/374)
استقدام عمال غير مسلمين
المجيب د. خالد بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 22/7/1422
السؤال
هناك شخص يريد استقدام عمال للمزرعة من دولة نيبال، الذين في غربها فيهم إسلام ولكن عملهم رديء، والذين في شرقها نصارى وعملهم جيد حسب كلام الذين يتعاملون معهم، فما رأيكم باستخدام أي الطرفين، وما الحكم الشرعي في ذلك؟ والله يحفظكم ويرعاكم.
الجواب
الواجب استقدام المسلمين ولو كانوا أقل مهارة،. سواء من نيبال أو غيرها، وذلك لمصالح كثيرة فمنها:
1. عدم إدخال الكفار في جزيرة العرب.
2. تقوية المسلمين لأن في استقدام هذا العامل إعالة لأسرته ورفع لمستواه الديني بخلطة المسلمين في بلاد الإسلام، ومستواه المادي بالمهارات التي يستفيدها والمال الذي يكسبه.(7/375)
موادة الكافر هل تحرم مطلقاً؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 22/8/1424هـ
السؤال
"لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ... " فهل تعني هذه الآية أننا يجب ألاَّ نكن أي عاطفة لأقاربنا من غير المسلمين، حتى ولو كان عندهم اهتمام بالإسلام، ولا يعادون إيماننا؟ أم أن هناك فرقاً بين العاطفة الفطرية والعاطفة بسبب الإيمان؟ هل يكون من الجائز للمسلم أن يكره كفر أقاربه، ومع ذلك يبقى لديه نوع من العاطفة الفطرية نحوهم؟ هل مثل هذه العاطفة تخرج المسلم من الملة؟ أرجو توضيح الأمر.
الجواب(7/376)
الحمد لله، الواجب على من منّ الله عليه بالإسلام والإيمان والتوحيد أن يبغض الشرك وأهله، فإن كانوا محاربين فعليه أن يعاديهم بكل ما يستطيع، وإن كانوا مسالمين للمسلمين فيجب بغضهم على كفرهم ومعاداتهم لكفرهم، ولكن من غير أن ينالوا بأذى؛ بل لا مانع من الإحسان إليهم وصلتهم إن كانوا أقارب، وبرهم إن كانوا من الوالدين، كما قال تعالى: "أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون" [لقمان: 15] ، وبغض الكافرين لا يمنع من أداء الحقوق، حق القرابة، وحق الجوار، كما قال - صلى الله عليه وسلم- لما أنذر عشيرته وتبرأ منهم قال: "إن لكم رحماً عندي سأبلها ببلالها" مسلم (204) ، وقال سبحانه وتعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" [الممتحنة: 8] ، وقوله سبحانه وتعالى: "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ... " [المجادلة: 22] المراد من يواد الكافرين ولا يبغضهم البغض الإيماني ولا يبرأ منهم ومن دينهم ومعبوداتهم الباطلة فهذا هو الذي لا يكون مسلماً وإن ادعى الإيمان، وهؤلاء هم الذين قال الله فيهم: "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم" (سبق تخريجها) فالمؤمنون الصادقون يبغضون الكافرين وإن كانوا أقرب الأقارب إليهم، وعلى هذا فيجتمع في قلب المؤمن المحبة الفطرية الطبيعية والبغض الديني، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب أبا طالب لقرابته ولنصرته له وهو يبغضه لكفره، ولهذا كان حريصاً على هدايته ولكن الله سبحانه وتعالى بحكمته لم يوفقه للإيمان؛ لأنه تعالى أعلم بمن هو أهل لذلك قال تعالى: "إنك لا تهدي من أحببت(7/377)
ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين" [القصص: 56] ، فلك أيها السائل أن تصل أقاربك وأن تبر بالوالدين، وأن تحسن إلى جيرانك وإن كانوا كفاراً، ما داموا لا يجاهرون بعداوة الإسلام والمسلمين، وأما من أعلن محاربته للمسلمين فالواجب محاربته وجهاده حتى يدخل في الإسلام أو يعطي الجزية كما قال تعالى: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" [التوبة:29] والله أعلم.(7/378)
حضور دورات لدى خبراء أمريكان
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 8/1/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا كنتُ طبيباً فهل يحل لي أن أدخل دورة لأتدرب لدى الأمريكان على العمليات الجراحية الحديثة التي كنا منقطعين عنها؛ لأعالج إخوتي المسلمين؟ وكذا إذا كنت شرطياً فهل يحل لي أن أتدرب على الأساليب الحديثة لمكافحة الجريمة؟ علماً أن التدريب هذا من قبل خبراء أمريكان، وهل مرتبي يعتبر مالاً حلالاً؟ علماً أن واجبي هو خدمة مجتمعنا المسلم -والله يشهد-.
الجواب(7/379)
نعم، يجوز لك أيها الأخ الكريم أن تدخل دورات طبية لدى الأعداء الأمريكان إذا كان متاحاً لك، وتريد من تعلمك في هذه الدورة معالجة إخوانك المسلمين، أو استذكار معلوماتك الطبية التي انقطعت عنها من زمن، كما يدل عليه سؤالك، وكذلك لو كنت عسكرياً، ودخلت دورة يقيمها الأمريكان لمكافحة الجريمة، إذا كنت تريد حفظ الأمن واستتبابه في بلدك، وكل ما يأخذه المتدربون من رواتب أو مكافآت ومزايا أثناء الدورات التدريبية جائز وحلال، ما دام القصد شريفاً، وهو التعلم ونفع المسلمين بما تعلمته، والقاعدة الشرعية تقول: (الأمور بمقاصدها) ، لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" رواه البخاري (1) ، ومسلم (1907) من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وفي الحديث: "الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" رواه مسلم (2699) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أما التعامل مع الكافر بالبيع والشراء وسائر المعاملات والتعلم على يديه مما ينفع المسلمين ولا يوجد عندهم فهو جائز، فقد استعار النبي - صلى الله عليه وسلم- من صفوان بن أمية يوم حنين، وكان صفوان مشركاً استعار منه مائة درع عارية مضمونة، انظر ما رواه أبو داود (3562) ، وأحمد (27089) من حديث صفوان بن أمية -رضي الله عنه- واستعان مرة بالمشرك ومرة رده ومنعه، وقال: "إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين" رواه أحمد(7/380)
(15336) من حديث خبيب بن إساف -رضي الله عنه-، وفي إحدى غزواته - صلى الله عليه وسلم- جعل فكاك الأسير من المشركين أن يعلم الكتابة عشرة من المسلمين، انظر ما رواه أحمد (2217) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- وهذه الأفعال تدل على أنها خاضعة للسياسة الشرعية، والمصلحة العامة للمسلمين، وما دام تعلمك العمليات الجراحية، أو مكافحة الجريمة لغرض شريف هو نفع المسلمين ودفع الأذى عنهم ففعلك جائز، ولو كان التدريب والتعليم من قبل الكفار المستعمرين. والله أعلم.(7/381)
حرب المقاومة في الأماكن العامة
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 29/10/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم الألغام التي تزرع في الشوارع العامة، بحجة احتمال مرور المحتلين من هذا الشارع، وبدلاً من أن يمروا يشاء الله ويمر إحدى الإخوة أو أحد العوائل فتنفجر فيهم وتودي بحياتهم؟ وقد تكررت كثيراً، وما حكم الذي يرمي قذيفة هاون أو قنبلة لعلها أن تصيب المحتلين الأمريكان، ثم تقع في سوق شعبي أو أناس آمنين في بيوتهم، أو يهاجم المحتلين الأمريكان في مكان عام فيؤدي مثلاً إلى مقتل جنديين وثلاثة من المارة العراقيين؟ فهل هذا الذي ذكرناه من الجهاد؟ وإذا كان لا، فما شروط الجهاد الحق؟ أجيبونا -بارك الله فيكم وفي علمكم-.
الجواب
هذا السؤال يتعلق بحرب العصابات داخل المدن، سواء كان العدو كافراً أو مسلماً باغياً أو مفسداً، وكانت حرب العصابات في الماضي القريب بدائية، تستخدم السلاح الأبيض والبندقية ونحوها، وفي مثل هذه الحالة يكاد الضرر يقتصر على الطرفين المتحاربين.(7/382)
أما اليوم فقد تطورت وسائل وأساليب حروب المدن، فأصبحت يستخدم فيها الأسلحة المتطورة من أنواع القنابل والألغام المضادة للأفراد والدبابات والأسلاك المفخخة التي لا يقتصر ضررها على الطرفين المتحاربين، بل يتعدى حتماً وواقعاً إلى السكان الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ، وإذا كان الأمر كذلك، - والحكم الشرعي فرع عن تصوره- فإن زرع الألغام في الشوارع والسكك والطرقات التي يطرقها المسلمون وغيرهم ممن يأخذ حكمهم أمر لا يجوز؛ لأنه يلحق عنها ضرر متيقن بالأبرياء، بل ربما تكون الضحايا منهم نتيجة هذه الألغام أكثر منها في العدو، فلا يجوز شرعاً تقصُّد قتل المسلمين ومعصومي الدماء والأبرياء من أجل أمر مظنون، وهو احتمال أن تقتل هذه الألغام عدواً كافراً لو مر عليها، وهذا الفعل من الإثم والعدوان والسعي بالفساد في الأرض؛ لأنه قتل للنفس المعصومة، وإفساد لأموال الناس وممتلكاتهم، وحروثهم، وترويع للأنفس.
وأخشى أن يدخل هذا الفعل في قتل العدوان، ولو حسنت نية صاحبه؛ لكونه يقصد في الأصل قتل العدو الأمريكي المحتل للعراق، ولا يدخل هذا الفعل (زرع الألغام في الشوارع العامة) ، في حكم (التترس) المعروف عند العلماء، والله يقول: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جنهم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً" [النساء:93] ، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا" أخرجه البخاري (67، 1739) ، ومسلم (1218، 1679) . وفق الله الجميع إلى كل خير، وجنبنا الشر والأذى، آمين.(7/383)
حكم المشاركة في الحرب العراقية
المجيب د. حاكم عبيسان المطيري
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعةوالدراسات الإسلامية بجامعة الكويت
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 17/1/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: د. حاكم المطيري (عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت) وفقه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية طيبة وبعد..
فقد صدرت -مؤخراً- فتوى بجواز المشاركة في الحرب على العراق، وأن ذلك من الجهاد في سبيل الله، بدعوى أن العراق فئة باغية، وأن الحرب هي على الحزب الحاكم؛ لا على العراق وشعبه، وبدعوى أن إعانة أمريكا جائزة قياساً على الاستعانة بها سنة 1990م وأن من يرفض المشاركة فيها مغرر به وجاهل بأحكام الشريعة ... إلخ والسؤال هو ما مدى صحة هذه الفتوى شرعاً؟ وما حكم المشاركة في هذه الحرب؟ علماًَ أن الموقف الحكومي الرسمي هو أن الكويت ليست طرفاً في هذه الحرب، ولن تشارك فيها، وأنها ملتزمة بقرار الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي الرافض للحرب؛ إلا أنها لا تستطيع المنع من استخدام أراضيها، وأن قواتها وقوات درع الجزيرة إنما هي للدفاع عن نفسها، أفتونا مأجورين مع التفصيل فقد أشكل علينا الأمر.
مقدمه: مجموعة من طلبة كلية الشريعة والدارسات الإسلامية بجامعة الكويت
الجواب
هذه الفتوى المذكورة ظاهرة البطلان، ومصادمة للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية والإجماع المعلوم من الدين بالضرورة القطعية، ومخالفة للقواعد الشرعية، والأصول المرجعية للفتوى، وذلك من وجوه:(7/384)
الأول: إن إعانة غير المسلمين في حربهم على المسلمين يحرم بالإجماع القطعي؛ لقوله تعالى في شأن مناصرة غير المسلمين "بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم" قال ابن حزم في المحلى (10/138) (هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين) واحتج القرطبي في تفسيره (60/717) بهذه الآية على ردة من أعانهم، وقد عدها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من نواقض الإسلام كما في الدرر السنية (10/92) ونقل الشيخ ابن باز الإجماع على ذلك فقال في الفتاوى (15/774) :" أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين، وساعدهم بأي نوع من أنواع المساعدة فهو كافر مثلهم"، واحتج بهذه الآية.
الثاني: إن قياس إعانتهم في حربهم للمسلمين على الاستعانة بهم قياس فاسد الاعتبار؛ إذ هو قياس قضية إجماعية وردت فيها نصوص قطعية على قضية خلافية بين الفقهاء، تعارضت فيها الأدلة وهو قضية الاستعانة بهم لدفع عدو مشترك أو لدفع عدوان مسلم ظالم صائل على المسلمين.
الثالث: أن الاستعانة بهم سنة 1990 جازت للضرورة ردا على العدوان، وتقدّر الضرورة بقدرها فلا يقاس عليها إعانتهم في عدوانهم على العراق لقوله تعالى: "ولا تعتدوا" وقوله: "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" وقوله - صلى الله عليه وسلم- "ولا تخن من خانك".
الرابع: إنه لا يُعرف في تاريخ المسلمين كله، ولا في علمائهم من أفتى بجواز إعانتهم على المسلمين، وليس لهؤلاء الذين يجيزون إعانتهم سلف؛ اللهم إلا ما كان عن نصير الطوسي الذي شجع التتار على دخول بغداد سنة 656هـ بدعوى رفع الظلم عن أهلها فقتل التتار مليوني مسلم!!(7/385)
الخامس: إن الفصل بين النظام الحاكم في العراق وشعبه، والقول بأن العدوان هو على الحزب لا على العراق وشعبه، تضليل واضح. إذ لا يمكن فك الارتباط بين الشعب والدولة والنظام، لا واقعياً، ولا سياسياً، ولا قانونياً، فأي عدوان خارجي على حكومة دولة ما هو عدوان بالضرورة على شعبها وأرضه، وهذا ما لا خلاف فيه بين دول العالم، ولهذا لا يفرق ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي في حكم العدوان الخارجي على الدول بين العدوان على الأنظمة والعدوان على الشعوب والأوطان، لاستحالة الفصل واقعياً، إذ الحرب لا تقتصر عند وقوعها على النظام فقط؛ بل تشمل الأرض والشعب ويقع الضرر والدمار عليهما قبل أن يقع على النظام، فمن أجاز الاعتداء الأمريكي على العراق فقد أجاز ضرورةً الاعتداء على الشعب العراقي المسلم، الذي سيضطر أن يدافع عن أرضه ونفسه وماله، وعرضه، وإن لم يدافع عن النظام كما أنه لن يكون في مأمن من القصف والتدمير حتى وإن لم يقاتل، وقد لا يكون النظام البديل أحسن حالاً من الأول كما حصل في أفغانستان، ولا يمكن إباحة تدمير بلد مسلم وتدمير شعبه في حرب كارثية، وباستخدام الأسلحة بدعوى أن نظامه غير إسلامي.
السادس: إن علماء الأمة منذ سقوط الخلافة إلى اليوم وهم يعيشون في دول أكثر حكوماتها غير إسلامية ومع ذلك لم يختلفوا على وجوب دفع عدوان الاستعمار عن بلاد المسلمين، وتحريم التعاون معه بصرف النظر عن الحكومات وشرعيتها مراعاة للمصالح الكلية للأمة الإسلامية كما جاء في فتوى العلامة المحدث القاضي (أحمد شاكر) في رسالته (كلمة حق ص126) في حكم التعاون مع الإنجليز والفرنسيين في عدوانهم على مصر وبلدان المسلمين حيث قال: (أما التعاون بأي نوع من التعاون قل أو كثر فهو الردة الجامحة والكفر الصراح لا يقبل فيه اعتذار ولا ينفع معه تأول سواء كان من أفراد أو جماعات أو حكومات أو زعماء كلهم في الكفر سواء، إلا من جهل وأخطأ، ثم استدرك فتاب) .(7/386)
ومعلوم حال أكثر الحكومات في عصر الشيخ أحمد شاكر وأنها لم تكن إسلامية إلا بالاسم كما هو حال الحكومة المصرية إبان العدوان الثلاثي على مصر الذي أجمع العلماء آنذاك على ضرورة صده عن مصر وشعبها، بقطع النظر عن طبيعة النظام الحاكم.
السابع: إن قاعدة سد الذرائع تقضي بضرورة رفض مثل هذه الحرب وتحريم المشاركة فيها على فرض أنها جائزة في الأصل إذ تبريرها يقضي إلى فتح الباب على مصراعيه أمام عودة الاستعمار الغربي من جديد وتدخل دولة في شؤون العالم الإسلامي تارة بدعوى الحيلولة دون انتشار الأسلحة المحظورة، وتارة بدعوى حماية حقوق الإنسان، وتارة بدعوى تغيير الأنظمة الدكتاتورية، وإقامة أنظمة ديمقراطية عميلة، وتارة بدعوى مكافحة الإرهاب وما من دولة عربية وإسلامية إلا ويمكن توجيه كل هذه الاتهامات إليها أو بعضها ليصبح العالم العربي والإسلامي مسرحاً للحروب الاستعمارية من جديد.
الثامن: إن قاعدة دفع المفاسد ودفع الضرر الأكبر بالأصغر تقضي بوجوب رفض هذه الحرب -على فرض جوازها في الأصل- إذ لا سبيل إلى مقارنة الضرر الحالي الواقع على الشعب العراقي بالضرر الذي سيقع عليه بعد شن الحرب التي قد تقضي إلى دمار شامل يذهب ضحيته آلاف الأبرياء في الداخل من الأطفال والشيوخ والنساء، وقد يؤدي إلى تخلف العراق عقود من الزمن وقد لا يسقط بعدها النظام، وقد لا يكون النظام البديل أحسن حالاً أو لا تقوم حكومة قادرة على تحقيق الأمن والاستقرار كما حدث في أفغانستان ويحصل فيها الآن مع أن من حق الشعب العراقي شرعاً وجميع الشعوب الإسلامية تغيير مثل هذه الأنظمة الاستبدادية ولو بالقوة إذا استطاعت.(7/387)
التاسع: إنه على فرض عدم وجود نصوص تحرم الإعانة على هذه الحرب والمشاركة فيها، فإن السياسة الشرعية تقضي برفضها، إذ أن دول العالم التي وقفت مع الكويت ضد العدوان العراقي التزاماً منها بالميثاق الدولي الذي يمنع الاعتداء بين الدول هي التي ترفض اليوم الاعتداء على العراق التزاماً بنفس الميثاق. فالسياسة الشرعية تقتضي منا الالتزام بهذا الموقف وكما لا يقبل العالم ادعاء العراق بأن عدوانه كان بقصد تغيير الحكم في الكويت لا لاحتلالها بحجة أن هذا تدخل في الشؤون الداخلية لدولة الكويت، وهو خرق للميثاق الدولي. كذلك لم يقبل العالم ادعاء أمريكا وتبرير عدوانها على العراق، وقد صرح الأمين العام للأمم المتحدة بعدم قانونية هذه الحرب، ومن الخطأ الفادح والعطل في الرأي تأييد مثل هذا العدوان وترسيخ عدوان الدول الكبيرة على الدول الصغيرة، حتى لو لم تكن دولاً إسلامية، وقد قال تعالى: "ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" فالظلم محرم مطلقاً مع المسلم وغير المسلم والصديق والعدو، والعدل واجب مطلقاً مع المسلم وغير المسلم ومع الصديق والعدو فلا يمكن قبول العدوان على بلد أو ظلمه لأنه عدو لنا.(7/388)
العاشر: إن أحكام الفئة الباغية خاصة في القتال بين طائفتين من المسلمين فيجب على المسلمين قتال الطائفة الباغية منهما حتى تفيء إلى أمر الله أما الحرب التي تشنها أمريكا على العراق، فهو قتال بين دول مسيحية وبلد إسلامي محاصر، فإن لم يكن شعب العراق هو الطرف المسلم الذي يجب نصره، وإلا فليس هناك من يجوز إعانته في هذه الحرب، ولا يمكن تنزيل أحكام الفئة الباغية على مثل هذه الدول غير الإسلامية، وقد أجمعت الدول العربية والإسلامية على رفض الحرب على العراق، كما صرحت الكويت أنها ليست طرفاً فيها ولن تشارك في عملياتها، فلا يمكن، والحال هذه إدعاء مشروعيتها وعدها جهاداً في سبيل الله بدعوى أنها من أجل الدفاع عن الكويت، ومن باب دفع الفئة الباغية إذ العالم كله يعلم أن سببها الظاهر نزع أسلحة العراق لا من أجل أن يفيء العراق إلى أمر الله كما جاء في الفتوى المذكورة.
وأخطر من ذلك الإدعاء بأن إعانة أمريكا في هذه الحرب هي من باب الجهاد في سبيل الله، وهذا من القول على الله بلا علم ومن محادّة الله ورسوله، ومضادة حكمهما ووصف ما أجمع المسلمون على أنه ردة وكفر بأنه جهاد وطاعة هو استحلال لما حرم الله ورسوله بالنصوص القطعية.
وهذا كله على فرض أن الهدف من الحرب هو إسقاط النظام العراقي فقط، فكيف إذا كان لها أهداف أشد خطراً وأبعد أثراً على العالم الإسلامي كله كما صرح بذلك المسؤولون الأمريكيون أنفسهم كما جاء في إعلان الرئيس الأمريكي بأن الحرب ستكون صليبية وهو ما أكدته الوقائع والأيام كما في أفغانستان بالأمس، والعراق اليوم، وغداً إيران وسوريا والمملكة إلخ.. وهو ما اعترف به وزير الخارجية الأمريكي الذي أعلن أنه سيتم إعادة تغيير خريطة المنطقة بشكل جذري بما يضمن أمن إسرائيل وتفوقها العسكري ويؤمن لأمريكا السيطرة على المنطقة.(7/389)
فكل ما سبق ذكره كان في بيان عدم صحة تلك الفتوى وبطلانها، وأما من رفضوا المشاركة في الحرب على العراق فهم مأجورون إذ يحرم على المسلم أن يشارك في عمل محرم وليس له أن يطيع أحداً في معصية الله ورسوله كما في الحديث الصحيح (إنما الطاعة بالمعروف) ، و (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، فحصر الشارع الطاعة فقط بالمعروف، فلا طاعة في أمر منكر ولا فيما فيه شبهة، كما في الحديث الصحيح (من ترك الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) ، وقد امتنع أكثر الصحابة من القتال مع الخليفة الراشد علي بن أبي طالب لأنه قتال شبهة، والفتنة بين المسلمين فاعتزلوه ولم يروا له عليهم طاعة مع بيعتهم له لما علموه من أن الطاعة إنما هي بالمعروف ولهذا عذرهم، ثم غبطهم على ذلك بعد ذلك وقد قال تعالى: "وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" ولا شك بأن الحرب التي تشنها أمريكا على العراق ليست من البر والتقوى بل هي من الإثم والعدوان باعتراف العالم ومنظماته الدولية وعلى أحسن أحوالها فهي من الفتن والشبه التي يجب الكف عنها، وعدم الخوض فيها فقد جاء في الحديث الصحيح "لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً"، وجاء أيضاً: "اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق"، ومعلوم أن هذه الحرب سيذهب ضحيتها آلاف الأبرياء من المسلمين الضعفاء في العراق كما جرى في أفغانستان وسيبوء بإثمهم كل من شارك فيها أو حث عليها ولو بكلمة كما في الحديث "من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة فقد يئس من رحمة الله" فكيف بمن يشارك في حرب عدوانية قد يذهب فيها العراق كله؟! فيحرم المشاركة فيها بأي نوع من أنواع الإعانة في العدوان على الشعب العراقي المسلم كما قال ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء"، قال:(7/390)
(المعنى لا تتخذوهم أنصاراً توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك فليس من الله بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر إلا أن تتقوا منهم تقاة بأن تكونوا في سلطانهم لتخالفوهم على أنفسكم فتظهرون لهم الولاية بألسنتكم وتضمروا لهم العداوة ولا تعينوهم على مسلم بفعل) ، وأما المشاركة في قوات درع الجزيرة لحماية أمن دولة الكويت من أي عدوان قد يقع عليها أثناء هذه الحرب جائزة شرعاً وكذا المشاركة في لجان الإغاثة لإنقاذ اللاجئين من الشعب العراقي والله تعالى أعلم وأحكم - وصلى الله على نبينا محمد، وآله وسلم-.(7/391)
الجهاد والدعوة
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 16/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ: سؤالي عن موضوع علاقة الجهاد والقتال في سبيل الله بالدعوة؟ والبساطة فقد سمعت بحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول فيه: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن فعلوا فقد عصموا مني دماءهم ... " إلى آخر الحديث أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - فهل هناك تعارض بين ما جاء في الحديث وبين قول الحق تبارك وتعالى: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"، أرجو الإفادة لأن هناك من أعداء المسلمين من يتشدق بأن الدعوة إلى الإسلام تكون بالسيف، لا أن السيف يلجأ إليه فقط إذا ما استعمله العدو أولا في إيذاء الدعاة، شكراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أخي الكريم: أجيب على سؤالك هذا في نقاط، وأسأل الله أن يلهمني الصواب، وما توفيقي إلا بالله.
أولاً: الجهاد شعيرة من شعائر الإسلام وأحد مبانيه العظام، واعتقاد أن الإسلام حق يقتضي منا أن لا نخجل أو نستكين إذا عورضت بعض شعائره وشرائعه من مخالف كائناً ما كان ذلك المخالف، وإذا كانت الأمة تمر بمرحلة ضعف وتبعية فإن هذا لا يعني أن نخضع ثوابت ديننا للتغيير ونتخلى عن الإيمان بها.(7/392)
ثانياً: من المتقرر في شريعتنا أنه لا إكراه في الدين، وشواهد هذا قائمة على مدى التاريخ الإسلامي، فقد عاش في حمى الإسلام طوائف من اليهود والنصارى، وجاوروا النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكرهوا على تغيير دينهم.
ثالثاً: من أراد أن ينتمي إلى الإسلام فعليه أن يعرف قبل انتمائه أنه سيكلف بتكاليف، ويلتزم بحكم هذا العهد والعقد بأمور إذا خالفها عرض نفسه للعقاب، وهذا من الأمور المسلمة حتى في الاتفاقات والأنظمة المعقودة بين الناس، في أمور الدنيا ولا ينكر ذلك إلا مكابر أو معاند، فلو أن شخصاً طلب منحه الجنسية من دولة ما من الدول؛ ومنحها فإنه بقدر ما يحظى بمزايا تلك الجنسية لابد وأن يتحمل تبعات ويلتزم بقوانين تلك الدولة، ومن خالف عوقب، ولا يقال بأن له مطلق العنان والحرية في أن يفعل ما يشاء.
رابعاً: مفهوم الجهاد أوسع من مفهوم القتال، ونحن لم نؤمر أن نبدأ الناس في جهادنا معهم بالقتال، بل هناك أمور ومراحل تؤخذ تباعاً ولا يلجأ إلى القتال إلا عند الحاجة إلى ذلك.
خامساً: هناك قيد مهم جداً في الجهاد ينبغي أن لا يغفل ألا وهو: أن يكون جهاداً في سبيل الله، فمتى خرج عن هذا القيد لم يكن جهاداً يؤجر عليه طالبه.
سادساً: من المسلم أن القوانين البشرية التي تحكم أحوال الناس اليوم تحول - دون شك - بين الناس وبين رسالة الإسلام في صفائها ونقائها، ومهما زعموا من دعوى حرية الرأي، وحقوق الإنسان، فإن الواقع يشهد بأن تلك القوانين تحول بين الناس وبين معرفة الإسلام على حقيقته، ولو ترك الناس والإسلام لدخلوا في دين الله أفواجاً.
سابعاً: ليعلم أن الجهاد نوعان:
(1) جهاد دفاع عن النفس والمال ونحوهما مما ورد، وهذا لا يحتاج فيه إلى إذن إمام، وعلى كل من لزمه فعله.(7/393)
(2) جهاد الطلب الذي يتضمن الذهاب إلى العدو لقتاله، فهذا لا يوكل إلى كل أحد أن يفعله كيفما اتفق، بل لابد له من ضوابط، واستعداد وإذن الإمام وغير ذلك من الشروط التي لابد من توافرها، وهذا النوع من الجهاد يغفل عن معرفة أحكامه كثير من المتحمسين للعمل الإسلامي ولابد للمنصف أن يراجع أحكام هذا النوع من الجهاد في مظانه من كتب العلم، ويتلقى الفتوى فيه عن العلماء المتفقهين في أحكامه، ومن لم يفعل ذلك جنى بفعله على الإسلام وأهله ما لا تحمد عقباه، والله المستعان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(7/394)
واجبنا تجاه الاعتداء على العراق
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 14/1/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
تعلمون حفظكم الله، الخطر المحدق بإخواننا المسلمين في العراق، حيث تحزبت أحزاب الصليب، وتجمعت قوى الكفر، مستهدفة إخواننا في العراق تحت ذرائع مختلفة، يساندها في ذلك أولياؤهم من المنافقين، فما واجبنا تجاه إخواننا المسلمين في العراق؟ وفقكم الله لكل خير ونفع بكم المسلمين.
الجواب
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد..
فإن الواجب
أولاً: على المسلمين تصحيح الإسلام، وتحقيق ما يدينون به من التوحيد والإخلاص لربهم - سبحانه وتعالى-، والابتعاد عن الكفر، والشرك، والبدع، والمعاصي، والمحرمات، حتى ينصرهم - الله تعالى- ويخذل من عاداهم، قال الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" [الحج:38] .
وثانياً: عليهم أن يطلبوا النصر من الله، وينصروا دينه، وكتابه، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم-، حتى يتحقق لهم النصر الذي وعدهم به ربهم في قوله: "إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" [محمد: من الآية7] ، وقوله: "وَمَا النَّصْرُ إلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ"
[آل عمران: من الآية126] ، وقوله: "وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ" [محمد: من الآية35] ، وقوله: "وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" [آل عمران: من الآية139] ، وقوله تعالى: "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ" [غافر:51] .(7/395)
وثالثاً: العلم بأن الذنوب سبب الخذلان، ولتسليط الأعداء على المؤمنين، كما قال تعالى: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ" [الشورى: من الآية30] ، وقال تعالى: "أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ"
[آل عمران: من الآية165] ، وفي الحديث القدسي: "إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني"، وفي الحديث قال - صلى الله عليه وسلم- إذا خفيت المعصية لم تضر إلا صاحبها، وإذا ظهرت فلم تغير ضرت العامة".
ونقول رابعاً: لا شك أن الكفار بعضهم أولياء بعض، وأنهم يتكالبون على المسلمين ويحاولون القضاء على الإسلام، الذي ظهر أهله الأولون واستولوا على أغلب بقاع الأرض، فيجب على المسلمين في كل البلاد الإسلامية، أن يقوموا لله مثنى، وفرادى، وأن يصدوا بقدر استطاعتهم هؤلاء الكفار، ومن ساندهم من المنافقين حتى تنقطع أطماعهم ويرجعوا على أدبارهم، ولا يجوز لمسلم أن يقوم معهم على المسلمين، ولا يمكنهم من الاحتلال والتملك لبقعة من بلاد الإسلام، فقد نفاهم الخلفاء الراشدون عن بلاد الإسلام، ولم يتركوا لهم فيها مغز قنطار، فمن مكنهم أو شجعهم أو أعانهم على حرب المسلمين أو احتلال بلاد المسلمين، كالعراق، أو غيرها فقد أعان على هدم الإسلام وتقريب الكفار، ومن يتولهم منكم فإنه منهم، والله أعلم، - وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم-.(7/396)
أولويات مرحلة الحرب
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 21/1/1424هـ
السؤال
في وسط ضجيج الحرب، والاجتهادات المتنوعة أرجو من المشايخ التكرم بشرح أولويات المرحلة القادمة.
الجواب
لا ريب أن الأمة تعيش هذه الأيام، واحدة من أعظم نوازل العصر، فالحرب الصليبية الظالمة قد استعرت نيرانها فوق أرض الرافَديْن، معلنة عن بدء فصل جديد من فصول الاحتلال، والقهر، والتسلط المزمن الذي ما زالت مسرحيته الدامية تعرض أمام العالم (الحر!!) على الهواء مباشرة!
وشعوبنا الإسلامية مقسومة أبداً إلى قسمين اثنين:
(1) قسم فرض عليه دوماً أن يلعب دور الفريسة الممزقة الأوصال، النازفة الجراح.
(2) وقسم قابع على مدرجات المسرح إياه، ينظر إلى قسيمه، ونصفه الثاني وهو يكتوي بسياط الجلاد الحارقة دون أن يحرك ساكناً، أو يسكن متحركاً، فقد أوصدت في وجهه الأبواب حتى باب القنوت!!.
وهنا يتساءل كلُّ دام القلب على أمته المعذبة، ما المخرج من هذا النفق المظلم، وما الواجب فعله؟!
هل نكتفي بالندب والشجب؟ وهل يرضينا لعن الكافر وسب الفاجر؟ أم لا بد من صنع شيء ما، أكثر إيجابياً، وأمضى أثراً؟
إنَّ حرب الخليج الثالثة هذه أثبتت أننا لم نستفد من الحربين السابقتين، أو إحداهما!!
فالحرب الثانية على سبيل المثال أظهرت نتائج مريرة، وأبانت أوجاعاً كثيرة منتشرة في جسد الأمة، لكننا لم نصنع شيئاً يُذكر لمعالجتها أو التخفيف من آلامها.
فالضعف العسكري، والاقتصاد المهزوز، والانفلات الأخلاقي، والإغراق في الشهوات، وحياة الدعة والترف كانت سمات بارزة وملامح واضحة في جبين أمتنا المترامية الأطراف.(7/397)
وكان من المفترض المبادرة إلى تصحيح الأخطاء، واستكمال النواقص واستدراك الفوائت درءاً لفتنة وكارثة جديدة تهيجها جحافل الصليب الماكرة أو غيرها.
بيد أن إيثار حياة الدعة والخمول، وإبقاء الأوضاع كما هي ثقة بوعود المستعمر الغاشم، واتكاءً على مواثيق الأمم المتحدة التي تصدعت أركانها هذه الأيام هو الذي أوصل الأمة إلى ظروف أشد مرارة من ظروف الحرب الثانية.
لذا فإن أي مشروع لتحديد أولويات العمل المستقبلي لا ينبغي أن ينطلق دون قراءة متأنية لكل الأسباب والظروف التي ساهمت في صنع واقعنا الكئيب، وجعلتنا دائماً ضحايا مثاليين لكل باغٍ وعادٍ وظالم!
فالضعف العسكري -مثلاً- هو الذي أغرى العدو، وأسال لعابه ليغزو المسلمين في عقر دورهم. فما أسباب هذا الضعف وما علاجه؟ إنَّ ذلك أمر يطول سرده، لكن لا بد من بحثه إن كنا جادين في إنقاذ أمتنا من براثن أعدائها.
كما أن الضعف الاقتصادي والإسفاف الأخلاقي وغير ذلك كلها أمور يجب أن يتنادى من أجلها المصلحون، ويأتمر لها الباحثون الجادون سعياً وراء إيجاد حلول واقعية، وعملية لمصلحة الأمة ورفعتها.
ولذا يمكن تلخيص أهم المهمات في سُلّم أولويات المرحلة القادمة بما يلي:
(1) العودة الصادقة إلى الله تعالى على مستوى الدول والشعوب، فقد جُرّبت جميع المذاهب والمناهج الأرضية فلم يفلح شيء منه في تحقيق إنجاز يذكر سواء في المجال العسكري، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، ويمكن أن تتحقق العودة إلى الله بإسهام الدول والشعوب والعلماء والدعاة في نشر الوعي الديني وبعث السُّنة المحمدية، وتخليص الدين مما علق به من الخرافة والبدعة.
(2) تحقيق مبدأ الولاء والبراء تقعيداً وتأصيلاً، وعملاً وتفعيلاً، فيحدد العدو بوضوح، وتُبين حدود المعاملة مع الكافر والمنافق دون مزايدة أو تلبيس، ويُعرّف المسلم العادي وغيره ما يجب أن يعتقده تجاه مخالفيه في الديانة، والحدود الشرعية والأدبية تجاههم.(7/398)
(3) إحياء فريضة الجهاد بوصفها ذروة سنام الإسلام، وسبب رئيس لرفع الذلة والصغار عن الأمة، وبناء هاجس الرهبة في قلوب الأعداء لوأد كل مخطط ماكر لغزو ديار الإسلام.
وإننا لو تأملنا قوله تعالى:"ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" لأدركنا حتمية الجهاد، وضرورة إعداد العدة لمواجهة هذه الحقيقة الأبدية، وذلك القدر المحتوم.
إنَّ من الضروري المُسلّم أننا -نحن المسلمين- مبغضون من كل كافر ومنافق وشاخص مثالي لكل من سهامهم الحاقدة الشائنة.
فمن الخطأ الفادح أن نتغافل عن هذه الحقيقة إيثاراً لحياة الدعة، والترف والخمول، وأعداؤنا لن يجاملونا أو يتركونا نهنأ في عيش مهما أظهرنا لهم حسن النوايا أو المهادنة والتسامح.
إنَّ السبيل الأقوم، واللغة الوحيدة التي لا تحتاج إلى ترجمة هي لغة (القوة والردع) .
أما الحوار والتفاهم، ودبلوماسية المصالح المشتركة، أو العلاقات التاريخية فقد أثبتت الأيام أنها قابلة للذوبان السريع متى تولّى زمام الأمور أمثال بوش وزمرته العسكرية المتدثرة بلباس مدني كديك تشيني وكولن باول!.
(4) صياغة البرامج السياسية، والاقتصادية، والتربوية الفاعلة المرتكزة على شريعة الإسلام والكفيلة بتحقيق مصالح الأمة في هذه المجالات المهمة، ووأد كافة الخيارات المخالفة لأحكام الدين الحنيف.
(5) الاهتمام بشؤون المرأة والطفل على وجه الخصوص، وصياغة السياسات والبرامج الكفيلة بصيانتها من الطرح العابث، والمساومة الفكرية والأخلاقيات الهدامة.
(6) إيلاء الجبهة الداخلية مزيداً من الاهتمام سيما أوقات الحروب والأزمات، وضمان سلامتها من الاختراق الماكر على أيدي المنافقين المهزومين!
والله المسؤول أن يلطف بأمتنا ويأخذ بيدها لما فيه صلاحها وعزتها.(7/399)
حكم قتال العراقيين للأمريكان
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 28/1/1424هـ
السؤال
ما حكم قتال العراقيين للكفرة الغزاة؟ وهل يشترط في كون الجهاد شرعياً أن يكون تحت راية إسلامية؟ أو أن يأذن فيه الحاكم؟ نرجو التفصيل في القول، وجزاكم الله خيرا.
الجواب
من المعلوم أن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة وهو نوعان:(7/400)
جهاد طلب وجهاد دفع، فجهاد الطلب أن يغزو المسلمون بلاد الكفار، لتبليغهم الإسلام ودعوتهم إليه فمن دخل فيه بنعمة الله دخل، ومن امتنع عن الدخول عرض عليه أن يدفع الجزية إن كان من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) وله ما لنا وعليه ما علينا والجزية إنما شرعت في مثل هذه الحال مقابل حمايته وحقن دمه. هذا كله إذا كانت الدولة المسلمة قوية مهابة الجانب قادرة على مثل هذا الجهاد، وهو الذي يسمى بجهاد الطلب، أما إذا كانت الأمة الإسلامية ضعيفة أمام العدو فيلزمها الصبر والمصابرة وعدم التعرض والمساكنة للعدو والكافر المتغلب، وقد اختفى الجهاد الطلبي في - سبيل الله- منذ زمن طويل لتخلف المسلمين وتفوق عدوهم عليهم في وسائل الإعداد وفي العُدد، ولم يبق أمام المسلمين في مقاتلة الأعداء غير جهاد الدفع والمدافعة إذا اعتدي عليهم، وهذا النوع من الجهاد لا يشترط له ما يشترط للنوع الآخر، - جهاد الطلب- فإذا دهم العدو بلداً من بلاد المسلمين وجب على أهل تلك البلاد المغزوة -وجوباً عينياً عن كل مكلف رجلاً كان أو امرأة- مقاتلة الكفار المعتدين كل بحسبه، ولا يشترط حينئذ إذن الوالي (الحاكم) أو الوالدين أو الزوج، بل يخرج الجميع حاملين السلاح في وجه العدو، وإن لم يأذن الأولياء في ذلك، وأيضاً جهاد الدفع لا يشترط فيه اتحاد الراية بأن تكون إسلامية، بل لو قاتلوا تحت راية حزبية كقومية أو بعثية جاز لهم ذلك، وإن أمكن أن يتحد المسلمون العراقيون تحت راية إسلامية واحدة، وينسقوا مع الرايات الحزبية الأخرى في الميدان لكان حسناً، وإن لم يكن فلا شيء عليهم إن شاء الله، وسيبعثون على نياتهم كما جاء في الحديث. انظر البخاري (2118) ، ومسلم (2884) ، ولعله من الواضح البين أن الأحزاب الإلحادية التي تحكم بعض الدول كالعراق مثلاً تهتم بتكثير سواد العضوية للحزب أكثر من اهتمامها بتطبيق مواد دستور الحزب، والداخلون في الحزب ليسوا كلهم كفاراً، ولا ملحدين، إذ(7/401)
الدافع لعدد من الناس أن يدخلوا في الحزب، لا رغبة فيه وإنما لطلب العيش والارتزاق وتسهيل مهماتهم الحياتية والوظيفية والتي احتكرت كلها، أو معظمها لمن ينتسب إلى الحزب لا غير، وعلى هذا لا ينبغي أن يعمم الكفر على جميع أعضاء حزب البعث والصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا يشترط إذن الإمام الحاكم في الجهاد في - سبيل الله- عامة وفي جهاد الدفع خاصة لمن دهم الكفار بلاده؛ لقوله تعالى: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" [الحج:40] ، وذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن أحد أئمة الدعوة في نجد، في رده على من اشترط وجود الإمام أو إذنه للجهاد في سبيل الله فقال: بأي كتاب أم بأية حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع هذا من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين. والأدلة على إبطال هذا القول أشهر من أن تذكر ... ولا يكون الإمام إماماً إلا بالجهاد، لا أنه لا يكون جهاداً إلا بالإمام، وقصة أبي بصير لا تكاد تخفى على البليد لما جاء مهاجراًُ فطلبت قريش من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يرده إليهم بالشرط الذي كان بينهم في - صلح الحديبية- فانفلت منهم حين قتل المشركين اللذين أتيا في طلبه، ورجع إلى الساحل واستقل بحرب قريش يتعرض لقافلتهم إذا أقبلت من الشام فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: لما سمع خبره "ويل أمه مسعر حرب لو كان معه غيره" البخاري (2734) .(7/402)
وانضم معه بعض المسلمين الذين خرجوا من مكة ولم يصلوا إلى المدينة مخافة أن يردهم كما رد أبا بصير، فهل قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أخطأتم في قتال قريش لأنكم لستم مع إمام؟! - سبحان الله - ما أعظم مضرة الجهل على أهله ... وإذا كان هناك طائفة مجتمعة لها منعة وجب عليها أن تجاهد في - سبيل الله - بما تقدر عليه لا يسقط عنها فرضه بحال ولا عند جميع الطوائف. الدرر السنية 5/97-99.
والواجب المتعين على جميع العراقيين داخل العراق أو خارجه محاربة العدو الأمريكي وحلفائه كل حسب استطاعته؛ تحقيقاً لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم-"قاتلوا المشركين بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم" النسائي (3096) ، وأبو داود (2504) ، وأحمد (12246) ، وعليهم بالصبر والمصابرة والاجتماع وتوحيد الصف والحذر كل الحذر من الخلاف والنزاع في جبهات القتال "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" [الأنفال: 46] ، وعلى المسلمين عامة أن يناصروا إخوانهم المسلمين في العراق، فيرفعوا من معنوياتهم ولا يخذلوهم في ساعات هم أحوج ما يكونون إليها، ولا أقل من أن يناصروهم في الدعاء بالقنوت في الصلوات لعل الله أن ينصرهم ويرد كيد الأعداء في نحورهم آمين.(7/403)
العمل في منظمة الصليب الأحمر
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 13/3/1424هـ
السؤال
هل يجوز العمل في منظمة الصليب الأحمر الدولي كممرض؟ علماً أن هذه المنظمة تستعد للعمل الإنساني في العراق خلال الحرب، وجزاكم الله عنا كل خير.
الجواب
المعلوم أن منظمة الصليب الأحمر الدولي منظمة إنسانية عالمية، تقوم بعلاج المرضى وتبادل الأسرى بين الدول دون النظر إلى دين ذلك المريض أو الأسير، مع أننا نعلم أن الهدف منها (المنظمة) هو التبشير بنشر النصرانية، وما دامت هذه المنظمة كغيرها من المنظمات الأخرى التي تشابهها تقدم خدماتها لعامة الناس دون النظر إلى جنسهم أو دينهم فإن العمل فيها يكتنفه أمران: أمر يبيح وآخر يمنع، ووجه الإباحة عموم نفعها، ووجه المنع أن من أهدافها التنصير، وإذا كان الأمر كذلك فينظر إلى أي الأمرين أكثر، والأظهر في خدمتها لا شك أن عدد المنتفعين منها أكثر بكثير ممن تنصر بسببها، فيصبح العمل في منظمة الصليب الأحمر الدولي جائز شرعاً، لحصول المنفعة الراجحة والملموسة، ولا ينظر إلى المنع؛ لأن ما علل به أمر مظنون أو قليل ينغمر في النفع الكثير، فيقدم القطعي (الإباحة) على الظني (المنع والتحريم) ، ودفع الظلم عن المظلومين، وتقديم الخير للناس عامة مطلوب شرعاً من كل مسلم، وعمل هذه المنظمة يغلب فيه الخير، فنحن المسلمين مطالبون بفعله، ومساعدة من يفعله، وكل أمر يحدث للناس لا يتبين فيه الدليل من القرآن أو السنة ينبغي أن ينظر إليه من وجهين:
الأول: ماذا يقصد منه الفاعل عند فعله؟.(7/404)
الثاني: ينظر إلى ما يؤول إليه الفعل، وذلك تطبيقاً لقاعدتين من القواعد الفقهية هما: (الأمور بمقاصدها) ، و (الأمور بمآلاتها) والواجب على المسلم عندما يعمل عملاً أو يقدم خدمة لأحد أن ينوي بفعله طلب الأجر والثواب من الله؛ للحديث المتفق عليه "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.." رواه البخاري (1) ، ومسلم (1907) من حديث عمر - رضي الله عنه-، ولحديث: "في كل كبدٍ رطبةٍ أجرٌُ"رواه البخاري (2363) ، ومسلم (2244) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- ويقول الله وهو أصدق القائلين "وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً" [المزمل: من الآية20] وأنصحك يا أخي أن تحسن نيتك، وأن تنصح لإخوانك وزملائك في العمل، وأن تدعو غير المسلمين منهم إلى الدخول في الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وتحبب إليهم الخير وعليك أن تفهم الفرق بين تولي الكافر وموالاته، فإن الأول فعل محرم، والثاني فعل جائز، فتولي الكفار والثناء على دينهم ومناصرتهم على المسلمين بقول أو فعل ونحو ذلك هذا كفر يخرج من الإسلام، نعوذ بالله من ذلك، أما الثاني وهو موالاة الكافر كمحادثته ومعاملته بلطف ولين طلبا لهدايته أو الثناء عليه بما فيه من أخلاق حميدة يقرها الإسلام كالصدق والأمانة وإتقان العمل والصنعة فإن هذا مما يحمد لك، وتجده عند الله، وعليك أن تستحضر دوماً وأبداً عند مخاطبتك ومعاملتك للكافر حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم: - "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" رواه البخاري (2942) ، ومسلم (2406) من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه-.
وفقني الله وإياك إلى ما يحبه الله ويرضاه. آمين.(7/405)
طريق الجماعات للتخلص من النظم المتسلطة
المجيب أ. د. جعفر الشيخ إدريس
رئيس الجامعة الإسلامية الأمريكية المفتوحة
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 2/5/1424هـ
السؤال
ما هو الطريق العملي للجماعات الإسلامية للتخلص من النظم المتسلطة عليهم: الجهاد المسلح أم العمل الدعوي والسياسي أم العمل التعليمي والتربوي بعيداً عن المصادمات مع الأنظمة الحاكمة.
الجواب
فإن الإنسان العاقل لا يقدم على عمل يعلم أنه لن يحقق الغرض المرجو منه، أو على عمل يكون الضرر الناتج عنه أكثر من الضرر الذي كان يرجى أن يزيله.
سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تدلنا على أن مصادمة سلطة أنت تحتها لا تؤدي إلا إلى إحدى تلك النتائج غير المرغوب فيها.
ولذلك فإن الله تعالى نهى المسلمين عن قتال الكفار عندما كانوا خاضعين لسيطرتهم بمكة، وقال لهم"كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة ... " [النساء: 77] ، وقد ذكر المفسرون أن من أسباب ذلك كونهم كانوا قليلي العدد ضعيفي العدة بالنسبة لعدوهم، فلما هاجروا وصارت لهم أرضهم، وازدادت قوتهم أذن لهم بالقتال ثم أمروا به.
وقد دلت تجارب كثير من الجماعات الإسلامية في العصر الحديث على صحة هذا المنهج الرباني السني، فما أكثر الجماعات التي دخلت في حرب مع حكوماتها ثم لم تجن من ذلك إلا ازدياداً في الضرر والإفساد، واقرأ إن شئت ما كتبته الجماعة الإسلامية بمصر عن تجربتها في هذا الأمر، والعاقل من اتعظ بغيره.(7/406)
حضور جنائز النصارى
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 7/2/1424هـ
السؤال
مات زميل لنا في العمل، وكان متقناً عمله، وأخلاقه جيدة، ولكنه نصراني فحضر بعض الزملاء الجنازة في الكنيسة، منهم من كان يقف كلما وقف الموجودون في الكنيسة، ومنهم من لم يشارك في أي شيء سوى أنه جلس معهم فقط، ما حكم الإسلام في حضور هذه الجنازة في الكنيسة، ودخول مقابرهم للمجاملة؟ وهل حضر الرسول جنائز لأهل الذمة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فالأصل في التعامل مع النصارى وغيرهم من الكفار قوله تعالى في سورة الممتحنة:"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين*إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون" [الممتحنة: 8-9] .
وعليه فإذا كان أهل الزميل المذكور من القسم الأول فلا بأس من زيارتهم ودخول منازلهم وتعزيتهم في مصابهم والإحسان إليهم وحسن التعامل معهم، لكن يجب أن يكون ذلك كله مصحوباً بدعوتهم إلى الإسلام واستمالة قلوبهم إليه، مع بغض ما هم عليه من كفر وضلال.
والميت النصراني -مهما كانت أخلاقه في العمل وحسن تعامله- لا تجوز الصلاة عليه ولا الدعاء له بالمغفرة، لا الصلاة الشرعية ولا صلاتهم هم البدعية على موتاهم، بل هذه من باب أولى سواء في كنائسهم أو في غيرها.
وعليه فلا تجوز المشاركة في مواسم عباداتهم واحتفالاتهم في تشييع جنائزهم ولا في غيرها.(7/407)
كما لا يجوز الوقوف صمتاً دقيقة واحدة أو أكثر أو أقل حداداً وتشريفاً لأرواح الموتى، لأن هذا من شعائر الكفار التي أمرنا بمخالفتهم، سواء كان ذلك مجاملة أو عادة أو تقليداً.
فلا تجوز المجاملة في دين الله تعالى ولا الالتزام بالأعراف والتقاليد المخالفة لدين الله، ومع ذلك فإنه يجوز حمل جنازة الكافر والذهاب بها إلى المستشفى أو إلى مكان الدفن إذا لم يوجد من يقوم بذلك.
أما دخول الكنائس فالأصل فيه المنع إلا لمصلحة شرعية، لما روى البيهقي بإسناد صحيح إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال:" ... ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم ومعابدهم فإن السخطة تنزل عليهم".
ولا نعرف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من الخلفاء الراشدين أنه شيع جنازة أحد من أهل الذمة.
بل قد ورد النهي الصريح للنبي -صلى الله عليه وسلم- من الله تعالى أن يقوم على قبر عبد الله بن أبي سلول فقال تعالى:"ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون" [التوبة: 84] ، كذلك لم يشهد النبي -صلى الله عليه وسلم- جنازة عمه أبي طالب مع قرابته ومناصرته له، وإنما قال لعلي -رضي الله عنه-:"اذهب فواره".(7/408)
وما ورد عند النسائي (1921) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرت به جنازة فقام -عليه الصلاة والسلام- فقيل: إنها من أهل الأرض -يعني الذميين- وفي رواية إنها يهودية، فقال:"أليست نفساً" فقد اختلفت العلة في قيام النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذه الجنازة فقد ورد في رواية جابر عند النسائي (1922) قال: قلت يا رسول الله، إنما هي جنازة يهودية، فقال:"إن للموت نزعاً" وفي رواية لأنس (1929) قال -صلى الله عليه وسلم-:"إنما قمنا للملائكة" وعلل الحسن البصري -رحمه الله- قيام النبي -صلى الله عليه وسلم- لجنازة اليهودي بقوله: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طريقها جالساً، فكره أن تعلو رأسه جنازة يهودي فقام. (سنن النسائي 1927) .
علماً بأنه ذهب بعض أهل العلم كابن عباس - رضي الله عنهما- وغيره إلى نسخ القيام للجنازة مطلقاً، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعد يقوم بعد ذلك كما قاله ابن عباس -رضي الله عنهما-، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(7/409)
عقد صفقات مع الكفار المحاربين
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 5/7/1424هـ
السؤال
بالنسبة للقاعدة الأمريكية في قطر والمعدة لاستقبال أربعين ألف جندي، والتي تجهز حالياً بجميع الاحتياجات من مواد بناء وصيانة وتشغيل وتموين، وبالتالي توجد فرص تجارية كبيرة، وأرباح مغرية، وهم إذا لم يشتروا منا فسيشترون من غيرنا، والفرصة متاحة لجميع التجار، فهل يجوز الدخول في عقود البيع هذه؟ ونحن نعلم الغرض الذي من أجله أتى هؤلاء وأقاموا قاعدتهم، فهل يجوز للتاجر المسلم التعامل مع هؤلاء وجني الأرباح من الصفقات التي تعقد معهم؟ وما الحكم بالنسبة للشخص البائع؟ وما حكم الأموال المجنية من هذه الصفقات؟
الجواب(7/410)
الدخول في عقود تجارية مع الحكومة الكافرة أو من يمثلها من شركات حرام لا يجوز إذا كان ما يقدم لهم يخدم القضية العسكرية مباشرة، كتشغيل أجهزة الكمبيوتر والمولدات الكهربائية، وتزويد الطائرات والآليات بالوقود، ونحو ذلك، لأن هذه الأعمال أكثر ما تستخدم لحرب المسلمين بقتلهم ونهب ثرواتهم وخيرات بلادهم، أما إذا كان ما يؤمن للعدو لا يستخدم في حرب المسلمين عادة كتأمين الطعام والشراب أو الملابس ونحوها مما لا يلحق المسلمين منه ضرر فلا بأس بالتعاقد مع الكفار عليه، لأن الأصل في مبايعة الكفار فيما لا ضرر منه الجواز، والأولى والأتقى اجتناب مثل هذا، للابتعاد عما فيه شبهة، لحديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ... " رواه البخاري (52) ، ومسلم (1599) ، وقد نص العلماء على منع وتحريم بيع السلاح إلى العدو زمن الفتنة، وكل ما يعمل بالمسلمين عمل السلاح محرم بيعه للعدو في مثل هذه الحال، وإذا حرم البيع حرم ما ينتج عنه من ربح، والله أعلم.(7/411)
أتهرب من دفع الضريبة
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن المشعل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 2/11/1422
السؤال
هل يجوز التهرب من دفع الضريبة المفروضة علينا هنا في أمريكا؛ لأن جزء منها يذهب إلى دعم اليهود، قد لا يستطيع الشخص التهرب منها كلها، ولكن جزء منها، أليس المسلمون أولى بها من دفعها لليهود؟ ثم إن أجزاء من هذه الأموال تصرف هنا بما يخالف الإسلام.
الجواب
أرى لك أن لا تتهرب من دفع الضرائب ولو كانت لدولة كافرة؛ خشية أن يسيء ذلك إلى غيرك من إخوانك المسلمين، وتشدد عليهم المعاملة فيما بعد، بل تحتسب، والله يعوضك ويخلف عليك.(7/412)
توحيد الصف بين الطوائف الإسلامية في جهاد المدافعة
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 7/9/1424هـ
السؤال
ما ضابط توحيد الصفوف في حالة الجهاد الدفعي بالنسبة للحركات الإسلامية وغير الإسلامية؟ هل يتوحَّد الصف مع كل الفئات، أم مع الصفوف الإسلامية دون غيرها من التيارات؟.
الجواب
جهاد المدافعة (قتال الدفاع) فيما إذا بوغت المسلمون أو بعض بلادهم أو بعض فئاتهم بعدو معتدٍ يقاتلهم، يوجب توحيد صفوف جميع المسلمين أهل السنة وأهل البدعة، بل وغير المسلمين من المواطنين والمقيمين، لكن يجب أن تكون الراية والقيادة إسلامية.
وإذا لم تكن الراية والقيادة إسلامية، فلا يكون للقتال حكم الجهاد بمفهومه الشرعي الشامل، لكن دفاع عن النفس والمال والعرض، والناس (الأفراد) في هذا وذاك على نياتهم، والله أعلم.(7/413)
الأذان للجهاد
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 21/10/1422
السؤال
كان الصحابة ينادون للجهاد، هل كانوا يستخدمون صيغة الأذان للصلاة لنداء المسلمين للجهاد؟ أو صيغة أخرى؟
الجواب
ذهب عامة أهل العلم إلى أن الأذان لا يشرع إلاّ للصلوات الخمس، ولا يشرع لغيرها من الصلوات كصلاة الكسوف، أو الاستسقاء، أو العيدين، وإنما ينادى لها: الصلاة جامعة، ويدل لذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب صلاة العيدين، رقم الحديث 887) عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: " صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة ".
فإذا كان الأذان لا يُشرع لصلاة العيدين والاستسقاء والكسوف مع أنها من جنس الصلوات المكتوبة، فأولى ألاّ يشرع الأذان للجهاد.
ولم أرَ أحداً من أهل العلم قال بمشروعيته للجهاد، ولا نقل ذلك عن أحدٍ من الصحابة. والله أعلم.(7/414)
الدعاء للكافر في الأمور الدنيوية
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 26/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
من المعلوم أنه لا يجوز أن ندعو لوالدينا وأقاربنا من الكفار بعد وفاتهم، فهل يجوز أن ندعو لهم بأمور دنيوية وهم أحياء؟ مثل أن ندعو الله أن يعافيهم من مرض أصابهم وخلاف ذلك.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. وبعد:
نعم، كما تفضلت -أخي السائل- فمن مات كافراً لا يجوز الدعاء له ولا الاستغفار أو الترحم ونحو ذلك، قال الله -تعالى-: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم" [التوبة: 113] ، وقد استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم- ربه في الاستغفار لأمه بعد موتها فأذن له في زيارة قبرها، ولم يأذن له في الاستغفار لها. انظر: مسلم (976) .
أما الحي فيجوز أن يُدْعَى له بالهداية وبشرح صدره للإسلام وبالعافية ونحوها، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك" أحمد (5696) ، والترمذي (3681) ، وقال عنه حسن صحيح غريب، أو كما قال - صلى الله عليه وسلم- وهذا يتضمن الدعوة بهداية أحدهما للإسلام، وكان هذا قبل إسلام عمر - رضي الله عنه-، وكذلك ورد: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" البخاري (3477) ، ومسلم (1792) . والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(7/415)
جهاد الطلب وجهاد الدفع
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 26/5/1423
السؤال
أمر الله -سبحانه وتعالى- المؤمنين بالكف وعدم الرد على الكفار في أذاهم للمؤمنين في العهد المكي، وكان الجهاد -إن صحت التسمية له بالجهاد- أو العبادة المفروضة في هذا المقام هي عبادة الصبر لا الدفع، مع أن المسلم لو قاتل ودافع لنال الأجر العظيم، لكن للمصلحة العليا كان هذا الحكم.
السؤال: هل صحيح نسخ هذا الحكم أم لا؟ وما الظروف التي يشرع من خلالها للمسلم في هذا العصر -الذي لا يوجد فيه ركن يأوي إليه المسلم- من الأسباب المادية؟ وهل الأمر في تطبيق هذا الأمر خاضع للاجتهاد الفردي أم لابد من أن يكون جماعياً؟ وما الشروط التي يجب توافرها حتى نلزم المؤمن في هذا العصر بالصبر؟ ما العلامات التي يعرف بها انقضاء هذا الحكم أو بموجبها يحكم بأن الدفع هو الأمثل؟ وهل بحكم تأثر العالم كله -ومنه المسلمون- بما يحدث في أي قطر إسلامي يكون هذا الحكم عاماً أم أنه يختلف باختلاف البلدان والأزمان والقضايا؟ وإن كان بالإمكان ذكر أوجه الشبه بين العهد المكي، وهذا العصر، وذكر أوجه الاختلاف.
وجزاكم الله خيراً
الجواب(7/416)
حكم الجهاد بنوعيه: جهاد الطلب وجهاد الدفع باقٍ لم ينسخ، وإنما هو حسب حال الأمة من القوة والضعف، فإذا كانت الأمة قوية في عددها وعُددها فهي مطالبة بالأخذ بنصوص القتل والقتال وغزو المشركين والقعود لهم في كل مرصد؛ ليؤمنوا بالله أو يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وإن كانت الأمة ضعيفة مستضعفة كحال المسلمين اليوم فالواجب الأخذ بآيات الصبر والمصابرة وعدم محارشة الكفار وإثارة حميتهم، قال -تعالى-:"ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم" [الأنعام:108] ، وفي هذا العصر الذي لا يكاد يوجد فيه للمسلم ركن يركن إليه فعليه اللجوء إلى الله وأداء شعائر دينه، والصبر على الأذى فيه، لا سيما إذا كان فرداً وخصمه جماعة، أو دولة، أو قوبل رأيه بفتوى شرعية مستندة إلى الكتاب والسنة وجب عليه قبولها.
وتقدير جهاد الدفع وتحديده وإعلانه يخضع للاجتهاد الجماعي من أهل العلم الشرعي -في كل بلد بحسبه- إلا إذا اعتدي على المرء بنفسه أو ماله أو عرضه جاز له أن يدفع ذلك عنه ما استطاع، والأفضل أن يستشير قبل ذلك من هو أعلم منه وأكثر خبرة وتجربة.
وليس هناك علامات ينتفي بها جهاد الدفع بل هو باقٍ إلى يوم القيامة ما دامت الأمة ضعيفة مستضعفة، واختيار أي نوع من نوعي الجهاد يخضع لتقرير أهل العلم والفكر والشوكة في كل بلد من بلاد المسلمين وكل أهل بلد أدرى بشؤونهم من غيرهم.(7/417)
ومن أوجه الشبه بين المسلمين اليوم والمسلمين في العهد المكي: الضعف وقلة العدد والعُدد، وتكالب الأعداء على المسلمين من اليهود وأذنابهم، والمشركين وإخوانهم والمنافقين وأتباعهم، ومن أوجه الاختلاف بين الحاضر والماضي -العهد المكي خاصة-: وجود الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين ظهراني المسلمين في مكة، ينزل عليه الوحي ويصحح لهم أخطاءهم ويسدد آراءهم، وكانوا لا يتجاوزون عشر آيات من القرآن يتلونها حتى يعملوا بها، أما نحن اليوم فقد يحفظ الواحد منا القرآن كاملاً أو يختمه أكثر من مرة، ولكنه لا يكاد يعرف شيئاً من حلاله وحرامه، وكانوا عرباً خلصاً على صفات حميدة من الصدق والشجاعة والكرم والشهامة والرجولة، أما نحن فعلى خلاف ذلك -إلا ما شاء الله-.(7/418)
الحرب مع اليهود
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 15/4/1423
السؤال
ما صحة القول إن حربنا مع اليهود ليست بحرب عقيدة؟
الجواب
إن كان قصد هذا القائل أنَّ قتال المسلمين لليهود في فلسطين اليوم ليس سببه ضلالهم، ولا كونهم يهوداً، فقوله هذا حقٌّ من هذا الوجه، فإننا متّفقون على أنّ قتالهم وإخراجهم من ديار المسلمين لا يختلف حكمُه لو كانوا نصارى أو مجوساً أو هندوساً؛ لأنهم معتدون وظالمون وباغون، فإنهم قد استباحوا دماء المسلمين واستطالوا على أعراضهم وأموالهم، وغصبوا ديارهم، ودنّسوا المسجد الأقصى، فقتالهم وإخراجهم من أعظم الجهاد في سبيل الله، لا نشك في هذا على أن هذه الحرب القائمة بيننا وبينهم ستؤول إلى ما نبَّأنا به الصادقُ المصدوق -صلى الله عليه وسلم- أن المسلمين سيقاتلون اليهود في آخر الزمان ... قتال بين جيش الإيمان يقدمه نبي الله عيسى -عليه الصلاة والسلام-، وجيش الكفر يقدمه الدجَّال، وفي جنده اليهود، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود" أخرجه البخاري (2709) ، ومسلم (5203) ، واللفظ له.
والمقصود: أنَّ هذه المقالة بمعناها هذا ليست بخاطئة ولا كاذبة، وإنما المقالة الخاطئة الكاذبة الخبيثة الباطلة ما تلوكه ألسنة بعض المنهزمين الجاهلين من أنَّ منابذتنا لليهود بالعداوة والبغضاء إنما هي وليدة عدوانهم واحتلالهم لأرض المسلمين، ليس إلاَّ!.(7/419)
وهذا القول الخبيث يناقض عقيدة البراء بكل جلاء، إذ مفهومه أن هذه المعاداة والبغضاء لليهود يجب أن تزول متى خرجوا من أرض المسلمين، وكفّوا أيديهم عن بغيهم وعدوانهم،
ولكن عقيدة البراء تفرض علينا -نحن المسلمين- منابذة اليهود، بل وكل كافر بالعداوة والبغضاء -ولو لم يعتدوا علينا ويظلمونا- حتى يؤمنوا بالله وحده، متأسين بنبي الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- والذين معه، كما قال -سبحانه-:"قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ" [الممتحنة:4] .(7/420)
فليس لليهود في سويداء قلوبنا إلا الكره والبغض والعداوة حتى يؤمنوا بالله وحده ويدخلوا في الإسلام، وحتى يخرجوا من ديار المسلمين ومقدساتهم، ويكفُّوا أيديهم عن الظلم والعدوان، غير أن كُرهنا وبغضنا لهم لهو أشد من كرهنا لغيرهم من الكفّار؛ لأنهم أشدُّ الناس عداوةً لنا، وأظهرهم مكراً وكيداً بنا، وصدورهم قد مُلئت خبثاً ومكراً، وفساداً وغدراً، أمّا إن كان القائل يقصد بمقالته تلك أن حرب اليهود على المسلمين في فلسطين لم يكن الدافع لها عقيدتهم وما تتضمنه من النبوءات، وإنما يدفعهم إليها قصد الاستيطان لإقامة دولة مستقلة تضمن لهم حقوقهم وتؤويهم من التشرد والاضطهاد ... إلخ، فحربهم على المسلمين في فلسطين متمحِّضةٌ لأغراض وأطماع دنيوية؛ فهذا قولٌ فيه سذاجة وغفلة وجهل بالواقع، وهو منقوضٌ باعترافات وتقريرات اليهود أنفسهم، فإنهم يسعون من خلال حربهم على المسلمين في فلسطين وغصب أراضيهم إلى تحقيق نبوءات الأسفار والتوراة المحرَّفة من إقامة دولة الأمة الموعودة والهيكل المزعوم، ومهما يكن فجهادهم واجب، بل هو من أعظم الجهاد في سبيل الله، وبغضهم ومعاداتهم دِينٌ نتقرب إلى الله به، وهو من مقتضى عقيدة البراء في الإسلام.
نسأل الله أن يجعلنا أذلة على المؤمنين أعزّة على الكافرين، سلماً لأوليائه، حرباً على أعدائه، وهو وحده المستعان، وهو حسبنا ومولانا فنعم المولى ونعم النصير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(7/421)
إذا كان لا إكراه في الدين، فلِمَ شرع الجهاد؟!
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 13/2/1425هـ
السؤال
كيف نجمع بين قول الله سبحانه وتعالى "لا إكراه في الدين" وبين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" (البخاري 4/196) والحديث الآخر: "أخرجوا اليهود من جزيرة العرب"
وهذا الحديث الأخير يحتج به غير المسلمين على عداوة الإسلام للأديان الأخرى.
فكيف تجيبون على هذا الادعاء؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمن الحقائق التي تظافرت الأدلة الشرعية على تقريرها: أنه لا يكره أحدٌ على اعتناق الإسلام، بل الواجب أن تقام الحجة حتى يتبين الرشد من الغي. فمن شاء بعدُ أن يسلم فليسلم، ومن أبى إلا الكفر فلا يُكْرَه على الإسلام، ولا يُقتل إن استحبّ الكفر على الإيمان.
ومن أصرح الأدلة على ذلك:
قوله تعالى: "لا إكراه في الدين" [البقرة:256] أي لا يُكره أحدٌ على الدخول في الإسلام.
وقولُه تعالى: "ولو شاء ربك لآمن مَن في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تُكرِه الناس حتى يكونوا مؤمنين" [يونس:99] .
وقوله: "فإن تولوا فإنما عليك البلاغ" سورة [آل عمران:20] ، ومثله قوله تعالى: "ما على الرسول إلا البلاغ" سورة [المائدة:99] ، وكلتا الآيتين مدنيتان.
ويتساءل بعضهم: إذا كان الأمر كذلك، فلِمَ شُرع الجهاد؟ وكيف تفسرون قتال الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته -رضي الله عنهم- للمشركين؟
والجواب: أن الجهاد شُرع لغاياتٍ ليس منها إكراهُ الناس على اعتناق الإسلام.(7/422)
فقد شُرِع أوَّلَ ما شرع دفاعاً عن المستضعفين المؤمنين الذين يُضطهدون في دينهم ويؤذَون في أنفسهم وأموالهم، ويُخرجون من ديارهم، (وهو ما يسمى بجهاد الدفع) ، فقال تعالى: "أُذن للذين يُقاتَلون بأنهم ظُلِموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله.." [الحج:39 - 40]
قال غير واحد من السلف: هذه أول آية نزلت في الجهاد، ثم نزل قوله تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم..الآية" سورة [البقرة: 190-191]
وشُرعَ سنداً لنشر الدعوة حتى تبلغ رسالتها إلى الناس كافةً "وهذا من جهاد الطلب الذي يأتي في مرحلة القوة وظهور الشوكة.
إن الدعوة في حقيقتها دعوةٌ سلمية ... باللسان والبيان، فما صحبها السلاحُ لكي يُكره الناس على الدخول في دين الله، وإنما صحبها ليدفع كلَّ من يقف في طريقها ويناوئها.
وما أكثر تلك القوى المتنفِّجة بالباطل التي تقف في وجه دعوة الإسلام، وتصد الناس عن دين الله!
وما عسى الإسلام أن يفعل إذا هي وقفتْ في وجهه وحالت بينه وبين الناس؟
هل سيتركها لتحجبَ عن الناس دعوة الحق، وتمنَعهم اتّباعَها إذا اختاروها؟
وإنها لفتنة: أن يُصد الناس عن سماع كلمة الحق، ويُسلبوا حرية اختيار الدين، وأعْظِمْ بها من فتنة؟! "والفتنة أشد من القتل" [البقرة:191] "والفتنة أكبر من القتل" [البقرة:217] .
إنه ليس ثمَّة خيار للإسلام أمام هذه القوى إلا أن يجاهدها ويدكَّها؛ ليقرِّرَ للناس حريةَ الدعوة بعد أن كانوا محرومين منها تحت سطوة الطغاة ورهبة العتاة، يستعبدونهم ويمارسون الوصاية على عقولهم؟!
ولذا قال جل جلاله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين لله" سورة [البقرة:193] .(7/423)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه لهرقل الروم: "أما بعد؛ فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين" متفق عليه البخاري (7) ، ومسلم (1773) ، وإنما جعل عليه إثم الأريسيين ـ وهم رعاياه ـ؛ لأنهم يأتمرون بأمره وينقادون بانقياده.
فلا بد إذاً أن تنداح لدعوة الإسلام هذه الموانعُ وتنزاحَ أمامه كل العقباتُ؛ ليسمع الناس دعوة الإسلام كما هي في صفائها وموافقتها للفطرة، لا كما كانوا يسمعونها من أعدائها مشوَّهةً بالأباطيل المختلقة. فإذا بلغتهم كما هي في حقيقتها فهم وما اختاروا لأنفسهم.
وشُرع الجهاد (في أعظم ما شُرع) : ليفتح البلاد ويحطم ما نُصب فيها من الطواغيت الباغية، وما تقنِّنه من النظم المستبدة الجائرة؛ ليقيم مكانها نظامَ الإسلام (جهاد الطلب) .
وهذا النوع من الجهاد يتطلب قوةً وقدرةً، ولا يتحقق إلا مع ظهور شوكة المسلمين وتحقق وحدتهم وتمكينهم في الأرض.
أما مع حال الضعف والتفرق ـ كما هو حال الأمة اليوم ـ فلا يجب عليهم إلا النوع الأول من الجهاد: وهو جهاد الدفع ـ أي دفع المعتدين على بلاد المسلمين ومقدساتهم وأموالهم ـ، كما يجب عليهم في هذه الحال أن يأخذوا بأسباب القوة والمنعة، والاعتصام ونبذ الفرقة؛ فلا يمكن أن تقوم لدولة الإسلام قائمة ما لم تكن لها قوةٌ تحميها وتناضل عنها.
إن شريعة الإسلام يجب أن تحكم أرجاء الأرض، حتى لا يُظلم في كنفها مسلم ولا كافر، ولا عجب! فالكتاب إنما نزل ليقوم الناس بالقسط "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ... "الآية سورة [الحديد:25] ، بيد أن الإسلام إنما ضمن للكافر هذا بشرطه، وشرطُه: أن يحترمَ شعائرَ الإسلام وعقائدَه، وأن يخضعَ لنظامه وشريعتِه.(7/424)
إن إرضاخ البلاد والأقاليم لحكم الإسلام يعني ـ في أول ما يعنيه ـ إقامةَ العدل "ليقوم الناس بالقسط" الذي لا قيام له إلا بتحكيم شريعة الله في أرضه، لا لإكراه الكفارِ على الدخول فيه، فلهم أن يبقوا على دينهم، وأن يمارسوا شعائرهم في بيوتهم، لكنْ يقابل هذا الحقَّ واجبٌ عليهم لا بد وأن يلتزموه، وهو: أن يخضعوا لحكم الإسلام في مخالطتهم للمجتمع، وفي شؤونه الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، وأن يحترموا نظمَه ويسالموه، فلا يقاوموا دعوته ولا يفتنوا أهله.
ولو كان الجهاد لإرغام الكفار على الدخول في الإسلام لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالكف عنهم إذا اختاروا الجزية، وَلَمَا نهى عن قتل النساء والصبيان في الغزو، وحين رأى مرةً امرأة مقتولةً في إحدى غزواته قال: "ما كان لهذه أن تُقاتِل" أحمد (5959) ، فأشار إلى علة القتل، وهي المقاتلَة.
ولو كان الجهاد لأجل إرغام المشركين على الدخول في الإسلام لَمَا نهى خلفاؤه الراشدون عن قتل الرهبان إذا اعتزلوا الناس، ولم يعينوا على القتال بتدبير أو رأيٍ.
ويدل لذلك دلالة ظاهرة حديث بريدة بن حصيب: "إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم، وكُفّ عنهم: ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ... فإن هم أبوا فسلهم الجزيةَ، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ... "الحديث رواه مسلم (1731) .
وهذا الحديث عام في كل مشرك، من العرب وغيرهم، وإنما لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجزية من مشركي العرب لأن آية الجزية إنما نزلت في السنة التاسعة حين لم يبق في الحجاز عربي مشرك محارب.(7/425)
والجزية التي تؤخذ من الكافر الذمي ليست ضريبةَ رفضه الدخول في الإسلام، وإنما هي مقابل حقن دمه وحماية المسلمين له مما يحمون منه أنفسهم وأهليهم؛ ولذا كتب خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ لصلوبا بن نسطونا حينما دخل الفرات وأوغل فيها: "إني قد عاهدتكم على الجزية والمنعة، فلك الذمة والمنعة. وما منعناكم (أي حميناكم) فلنا الجزية، وإلا فلا".
وهذا أبو عبيدة رضي الله عنه لما أحس العجزَ عن حماية بعض أهل الذمة في بلادهم كتب إلى ولاته في تلك البلاد يأمرهم أن يردوا عليهم ما جُبي منهم من الجزية، وكتب إليهم أن يقولوا لهم: "إنما رددنا عليكم أموالكم؛ لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع، وإنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم، وإنا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا إليكم ما أخذنا منكم، ونحن لكم على الشرط" أخرجه القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج.
إن الغاية العظمى من تشريع الجهاد هي أن تكون كلمة الله هي العليا، كما جاء في الحديث الصحيح أنه لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمةُ الله هي العليا فهو في سبيل الله" متّفقٌ عليه البخاري (123) ، ومسلم (1904) .
وهذه الغاية العظمى (أن تكون كلمة الله هي العليا) تحققها غايات الجهاد وبواعثه التي تقدم ذكرها آنفاً، وهي:
1- حماية الدعوة وضمان تبليغها للناس.
2- سحق الطواغيت وتحطيم النظم الباغية ودفعِ كل مَنْ يقف في طريق الدعوة ويمنع بلوغها إلى الناس.
3- إقامة نظام الإسلام في الأرض ليحتكم الناس إلى شريعته ...
وكلٌ من هذه الغايات الثلاث تعمل في إعلاء كلمة الله.(7/426)
على أن تشريع الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا ليس مقتضاه أن يُسلم كلُّ من دعي إليه، بل مقتضاه أن يكون نظامُ الإسلام هو المهيمنَ والحاكمَ على حياة الناس، أما هم فيما يعتقدون فلهم الحرية المطلقة أن يعتقدوا ما شاءوا، ودولة الإسلام تحميهم مما تحمي منه أبناءها مقابل دفع الجزية.
وبعد تقرير أن "لا إكراه في الدين" [البقرة:256] ، وبيان بواعث الجهاد في سبيل الله وغاياته، لا بد من الإجابة عما يُظَنّ أنه معارض لهذه الحقيقة أو ناسخٌ لها من الأدلة الشرعية.
يذكرون من ذلك قوله تعالى: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد.."الآية سورة [التوبة:5] .
فقد ظن بعضهم أنها ناسخةٌ لآية "لا إكراه في الدين"، إذ مقتضى عمومها أن كل من بلغته الدعوة من الكفار فإنه لا يقبل منه إلا الإسلام، وإلا مضى فيه السيف.
والجواب: أن هذه الآية وإن كانت من آخر ما نزل ـ حيث نزلت في السنة التاسعة من الهجرة ـ لكن تأخر نزولها لا يقضي بنسخ ما تقدمها من الآيات، ومنها قوله تعالى: "لا إكراه في الدين".
والآية وإن وردت بلفظ العموم؛ لكنها من العام المخصوص، إذ خصّصت عمومها آياتٌ وأحاديث أخرى ـ سيأتي ذكرها ـ، فبقي عمومها مخصوصاً بمشركي العرب الذين حاربوا النبي صلى الله عليه وسلم ونقضوا عهدهم ونكثوا أيمانهم. وخرج من هذا العموم مَن عداهم ممن لم ينقضوا عهدهم ولم يظاهروا على المسلمين أحداً، وكذلك أهل الكتاب والمجوس وعبدة الأوثان من غير العرب.
ويدل لذلك ما يلي:(7/427)
أولاً: أن الله قال في أول سورة [براءة:1:6] "براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر.."، فأمهل هؤلاء المشركين أربعة أشهر، وأمر بقتلهم إذا انسلختْ هذه الأشهر الأربعة ولم يتوبوا، ثم استنثى منهم "إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم" [التوبة:4] .
فدل هذا على أن قوله تعالى: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم.." [البقرة:5] الآية ليست على عمومها، وإنما هي من العام المخصوص، فهي مخصوصة بمشركي العرب المحاربين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين نكثوا أيمانهم ...
ويُشعِر بهذا دليلان:
الأول: قوله تعالى ـ في صدر سورة التوبة، بعد آية السيف ببضع آيات ـ "ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهمّوا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرَّة.."الآية [التوبة:13] .
قال ابن العربي في أحكام القرآن (2/456) : (وتبين أن المراد بالآية: اقتلوا المشركين الذين يحاربونكم) أهـ.
الثاني: قوله تعالى ـ بعد آية السيف بآية ـ: "كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم" الآية [التوبة:7] .
والمقصود بهذه الآية: هم بعض بني بكر من كنانة ممن أقام على عهده، ولم يدخل في نقض ما كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش يوم الحديبية من العهد، حين نقضته قريش بمعونتها لحلفائها من بني الديل على حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم من خزاعة. (ينظر: تفسير الطبري 10/82) .
ثانياً: قوله تعالى "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" [التوبة:29] .(7/428)
وهي آية الجزية، نزلت عام تبوك، حين لم يبق عربي مشرك محارب في الحجاز، ولم يكن صلى الله عليه وسلم ليغزو النصارى عام تبوك بجميع المسلمين ويدع الحجاز وفيه من يحاربه (ينظر مجموع الفتاوى لابن تيمية 19/20) .
وقد أثبتت الآية لأهل الكتاب حق البقاء على دينهم بشرط دفع الجزية، فهي مخصِّصة لعموم قوله تعالى: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم"..الآية [التوبة:5] .
ثالثاً: حديث بريدة بن حصيب "إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم، وكُفّ عنهم: ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ... فإن هم أبوا فسلهم الجزيةَ، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ... "الحديث وقد تقدم قريباً (سبق تخريجه) .
والحديث يدل على أن المشركين ـ سواء من عبدة الأوثان من العرب أو من غيرهم، كما يقتضيه عموم اللفظ ـ إذا أبوا الدخول في الإسلام واختاروا دفع الجزية فإنه يجب قبولها منهم والكف عنهم، ولا يجوز قتلهم، ولا إكراههم على الإسلام.
فعموم هذا الحديث يدل على أن المقصود بـ (المشركين) في ما يسمى بآية السيف "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم.." هم المشركون الذين كانوا يحاربون النبي صلى الله عليه وسلم، وينقضون عهدهم.
أما حديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" فهو حديث صحيح ـ ولا شك ـ رواه البخاري (25) ومسلم (20) وغيرهما.
ولكن الحديث ليس على عمومه، وليس المقصود بـ (الناس) جميع الكفار، من المشركين وأهل الكتاب، بل هو من العام المخصوص.(7/429)
وكيف يُعمل بعمومه؟ وقد قال الله: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ... حتى يُعطوا الجزية ... "الآية، وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم، وكُفّ عنهم ... "الحديث (سبق تخريجه) .
وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ لمن قالوا بأن الجزية تؤخذ من كل كافر، لا من أهل الكتاب خاصة، جواباً لهم عن الاستدلال بعموم هذا الحديث، فقال (مجموع الفتاوى 19/20) : (مراده قتال المحاربين الذين أذن الله في قتالهم، لم يرد قتال المعاهدين الذين أمر الله بوفاء عهدهم) أهـ.
وأجاب عنه ابن حجر بعدة أجوبة (فتح الباري 1/97) ، فقال ـ مع بعض الاختصار ـ: (الجواب من أوجه, أحدها: دعوى النسخ بأن يكون الإذن بأخذ الجزية والمعاهدة متأخرا عن هذه الأحاديث , بدليل أنه متأخر عن قوله تعالى "فاقتلوا المشركين"، ... ثالثها: أن يكون من العام الذي أريد به الخاص , فيكون المراد بالناس في قوله " أقاتل الناس " أي: المشركين من غير أهل الكتاب , ويدل عليه رواية النسائي بلفظ " أمرت أن أقاتل المشركين " ... رابعها: أن يكون المراد بما ذكر من الشهادة وغيرها التعبيرَ عن إعلاء كلمة الله وإذعان المخالفين, فيحصل في بعضٍ بالقتل وفي بعضٍ بالجزية وفي بعضٍ بالمعاهدة ... ) أهـ.
وأما حديث: "أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب" أحمد (1691) والدارمي (2498) بلفظ "أخرجوا اليهود الحجاز من جزيرة العرب ... " فلا يدل على أن الكافر يرغم على الدخول في الإسلام، بل غاية ما يدل عليه ألا يؤذن لكافرٍ أن يستوطن جزيرة العرب.
أما بقاؤه فيها من غير قصد للاستيطان؛ كأن يقيم فيها لأجل العمل، أو للتجارة، أو للخدمة، فليس في الحديث ما يدل على النهي عن شيء من ذلك.(7/430)
وهذا الحكم خاص بجزيرة العرب، أما غيرها من بلاد الإسلام مما فتحه المسلمون فلا يُخرج أهلها منها إن بقوا على الكفر، بل لهم أن يستوطنوها على أن يدفعوا الجزية مقابل حماية المسلمين لهم.
على أن بعض أهل العلم يرى أن الحديث وإن ورد فيه الأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، إلا أن المراد بعض الجزيرة لا كلها، وهو الحجاز خاصةً، بدليل أن عمر رضي الله عنه أخرج يهود خيبر وفدك ولم يخرج أهل تيماء، وهي من جزيرة العرب، قال النووي في شرح مسلم (10/212- 213) عند شرح حديث إجلاء عمر لليهود من خيبر، وفيه: "فأجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء" قال: (وفي هذا دليل أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب إخراجهم من بعضها، وهو الحجاز خاصة؛ لأن تيماء من جزيرة العرب لكنها ليست من الحجاز والله أعلم) أهـ.
وقال في (11/93-94) : (وأخذ بهذا الحديث مالك، والشافعي وغيرهما من العلماء، فأوجبوا إخراج الكفار من جزيرة العرب، وقالوا: لا يجوز تمكينهم من سكناها، ولكن الشافعي خص هذا الحكم ببعض جزيرة العرب، وهو الحجاز، وهو عنده: مكة، والمدينة، واليمامة وأعمالها دون اليمن وغيره مما هو من جزيرة العرب، بدليل آخر مشهور في كتبه وكتب أصحابه) اهـ.
وقال ابن قدامة في "المغني" 13/242-244 ـ بعد أن ذكر رواية عن الإمام أحمد في (جزيرة العرب المدينة وما والاها) ـ:
(يعني أن الممنوع من سكنى الكفار به: المدينةُ وما والاها ـ وهو مكة، واليمامة، وخيبر، والينبع، وفدك، ومخاليفها، وما والاها ـ وهذا قول الشافعي ... فكأن جزيرة العرب في تلك الأحاديث أريد بها الحجاز، وإنما سمي حجازاً لأنه حجز بين تهامة ونجد، ولا يمنعون أيضا من أطراف الحجاز كتيماء وفدك ونحوهما؛ لأن عمر لم يمنعهم من ذلك) أهـ.(7/431)
وقال ابن حجر (الفتح 6/198) : (لكن الذي يمنع المشركون من سكناه منها الحجاز خاصة، وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها، لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب؛ لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها، مع أنها من جملة جزيرة العرب، هذا مذهب الجمهور) أهـ.
والمقصود أن منع اليهود والنصارى من استيطان جزيرة العرب إنما هو من خصائص الجزيرة، انفردت به دون سائر ديار الإسلام.
إن الإسلام بأدلته الصريحة يعلن بطلان الديانات الأخرى كلها؛ لأنها إما محرَّفة؛ كاليهودية والنصرانية، وإما وثنية شركية كالمجوسية والهندوسية ووو ... إلخ.
غير أنه ـ مع ذلك ـ أوجب علينا العدل معهم، ورغَّبنا في البر إليهم ترغيباً لهم في الإسلام ما لم يقاتلونا، ولم يخرجونا من ديارنا، كما قال تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" سورة [الممتحنة:8]
وأمر المسلمَ بمصاحبة والديه في الدنيا معروفاً ولو كانا مشركَين، اعترافاً بجميلهما، ومكافأة لمعروفهما.
وأمر بألا نُجادل أهل الكتاب (اليهود والنصارى) إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم، فقال تعالى: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم.." سورة [العنكبوت:46]
وأمرنا بإيفاء العقود والعهود معهم، وأن نستقيم لهم ما استقاموا لنا، وأعظمَ النبي صلى الله عليه وسلم قتل المعاهد منهم فقال: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة.."أخرجه البخاري (3166] .
لقد أبطل الإسلام اليهودية والنصرانية؛ لأنها قد حُرِّفتْ ودخلها الشرك وافتراء الكذب على الله إلى غير ذلك من عظائم الأمور ـ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ـ.(7/432)
ومع ذلك فقد أثنى على أتباعها الأولين الذين صدقوا أنبياءهم وناصروهم، ولم يقتلوهم، ولم يحرفوا الكلم عن مواضعه، ووعدهم ما وعد المسلمين ـ أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ـ فأعد لهم جنات ومغفرةً وأجراً عظيماً.
ولا يصح إسلام أحد من ملة محمد صلى الله عليه وسلم حتى يؤمن بالأنبياء والرسل كلهم ويصدِّق بكتبهم (غير المحرفة) ، فقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل، ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً" سورة [النساء: 146]
كما أثنى القرآن كثيراً على موسى وعيسى عليهما السلام، وبرأ مريم الصديقة مما رماها به المفترون من اليهود.
ومما استفاض في القرآن والسنة: أن دعوة الرسل واحدة وإن اختلفت شرائعهم التفصيلية، ودعوتهم هي توحيد الله سبحانه: "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" سورة [الأنبياء:26] .
وقال صلى الله عليه وسلم: "الأنبياء إخوة من علاّت، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد" رواه مسلم (4362) .
وأولاد العلات: هم الإخوة من الأب من أمهاتٍ شتى، فالأب رمز للتوحيد، والأمهات رمز للشرائع (الفروع) .
فالدعوة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم لم تخرج عن أصل دعوة الأنبياء والمرسلين قبله، وهي: توحيد الله سبحانه، وإخلاص العبادة له وحده. ولا يضير في هذا أن تختلف شرائعهم؛ كتفاصيل العبادات من صلاة وصيام وحج، وأحكام الأطعمة والذبائح وسائر المعاملات، ونحو ذلك.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(7/433)
مقاطعة البضائع الأمريكية
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 29/6/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أردت أن أستفسر عن حكم الشراء من المحلات التي ذكر اسمها ضمن قائمة المقاطعة والتي يشك في احتمالية دعمها لإسرائيل، فكثير من أخواتي يلومونني على الشراء من تلك المحلات التجارية، مع العلم أنني أشتري من تلك المحلات وأنا كارهة وما ذلك إلا أنني أعجز أحياناً في البحث عن جودة السلعة مع السعر المناسب إلا في تلك المحلات التي ذكر اسمها في قائمة المقاطعة، وهل أنا آثمة على هذا الفعل؟ أفيدوني، جزاكم الله خيراً.
الجواب
لا شك أن الأولى مقاطعة ما تستطيعين مقاطعته من البضائع الأمريكية، حتى ولو فرضنا أن المقاطعة لا تبلغ بتلك الشركات ما نتمناه من الخسارة أو الإفلاس، فلا أقل من أن تكون مقاطعتنا لها رسالة تعبر عن شيء مما في قلوبنا من الغيظ والغضب من غطرسة أمريكا وتوقح سياساتها ومواقفها تجاه إخواننا في فلسطين وفي غيرها من بلاد المسلمين، والمقاطعة رسالة كذلك تحمل البراءة من أن تستحيل أموالنا إلى قوة لأعدائنا على إخواننا، فما صمود دولة يهود إلا من دعم مولاتها أمريكا.
وتتأكد المقاطعة مع توفر البديل الذي ينافس البضائع الأمريكية في السعر والجودة.
أما إذا كان الحال كما ذكرتِ -والعهدة عليكِ- ففي الأمر سعة، وأرجو ألا تكوني آثمة في ذلك، ولكن ينبغي أن تستمري في مقاطعة غيرها من السلع التي تجدين لها بديلاً منافساً، فحيثما لا يكون عليكِ حرج في المقاطعة ينبغي أن تواصلي المقاطعة، حتى تبقى عداوة أمريكا وكراهيتها تتأجج مراجلها في قلوبنا.
أما البضائع اليهودية فلا ينبغي أن يكون فيها ترخص أو تهاون، ومقاطعتها ليس فيها خيار، وليس لنا بد من مقاطعتها.
ولا تنسي إخواننا في فلسطين وأسرانا في (جوانتنامو) من دعائك، والله يسددك ويوفقك، وهو يهدي إلى سواء السبيل، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(7/434)
الحكمة من الجهاد
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 28/5/1424هـ
السؤال
هل الحكمة من وراء جهاد الطلب كان فقط منع الطغاة والحكام من أن يسمع الناس رسالة الإسلام؟ أم أنه يجب أن تحكم كل بلاد الأرض بالشريعة الإسلامية؟ حيث إن الأرض ملك لله -سبحانه-، ويجب أن يساس أهلها بحكمه وشرعه -عز وجل-. أرجو التفصيل بالأدلة.
الجواب
الجهاد في سبيل الله أعم من معنى القتال أو الحرب، فهو يشمل جهاد النفس، والهوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومقاومة الظلم، ونشر الدعوة إلى الله بكل مجالاتها، ولكن لما كان الجهاد في سبيل الله قد ورد في القرآن بلفظ (القتال) بالنفس والمال في مواضع كثيرة ظن بعض الناس أن الجهاد مقصور على القتال، وإن كان أشمل منه قال -تعالى-: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ"(7/435)
[العنكبوت: 69] وقوله:" فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً" [الفرقان: 52] وهاتان الآيتان نزلتا بمكة قبل الإذن بالقتال، مما يؤكد الجهاد في سبيل الله بمعناه العام، وعامة الآيات القرآنية في الجهاد تحدد أسباب الحرب (القتال) هي: دفع الظلم، ونصرة المظلوم، ومنع الفتنة في الدين والإخراج من الوطن بغير حق، وكفالة حرية العبادة لأهل الكتاب وغيرهم - في غير جزيرة العرب -، وبهذا فالحرب في الإسلام عالمية المنزع إنسانية الهدف، لتكون كلمة الله هي العليا، ليس فيها منزع لعدوان على أحد، ولا مطمع في التوسع لحدود الدولة أو زيادة ثرواتها على حساب الغير، لقد جاءت مبادئ الإسلام عالمية كونية لتحرير الضمير والفكر من ترسبات الوثنيات بأنواعها وأشكالها، فربط الاعتقاد بالفهم والاقتناع "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ"(7/436)
[البقرة:256] ، وربط الإيمان بالدليل والبرهان عند إرادة الجدال والحوار "وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" [البقرة: 111] ، وربط العلم العملي بالتقوى "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ" [البقرة: 282] ولم تكن الغزوات ولا السرايا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين إلا تطبيقاً عملياً لمعنى الجهاد الخاص (القتال أو الجهاد) بعد توافر الأسباب الشرعية للحرية المشار إليها أعلاه. فغزوة بدر الكبرى البادئ فيها المشركون، حيث اضطهدوا المسلمين في مكة وصادروا أموالهم واضطروهم إلى الخروج من أوطانهم، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقتص من مشركي مكة باعتراض قافلة لهم قادمة من الشام، فخروج المسلمين لم يكن لغرض القتال وإنما للاستيلاء على عير قريش من باب المقاصة أو المعاملة بالمثل، قد أراد المؤمنون شيئاً وأراد الله شيئاً آخر "كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ" [الأنفال: 5] أي: كارهون للمعركة؛ لأنهم على غير استعداد.(7/437)
أما غزوة أحد فكانت هجوماً من مشركي مكة على المدينة انتقاماً لهزيمتهم في بدر، ومع هذا تردد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في الخروج في أول الأمر مما جعله يستشير أصحابه، ثم أخذ رأي الأكثرية منهم الداعين إلى القتال، أما غزوة المريسيع فإن سببها ما بلغه عن يهود بني المصطلق أنهم يجمعون لحرب المسلمين جموعاً كبيرة من قبائل العرب، أما غزوة الأحزاب وبني قريظة فواضح أمرها إذ إن يهود بني قريظة نقضوا العهد الذي أبرموه مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الوثيقة الشهيرة في التاريخ، فتحالفوا مع المشركين، وفي غزوة الحديبية تجلى حب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورغبته في الصلح، وإنما أراد العمرة والطواف بالبيت، لكن مشركي مكة منعوه ونقضوا العهد الذي بينهم وبينه، فخرج إليهم بقرابة عشرة آلاف من المؤمنين، وعسكر قرب مكة فجاءه بعض وجهاء قريش كالعباس بن عبد المطلب، وأبي سفيان بن حرب فأسلموا وعادوا إلى مكة بأمان إلى أهلها، ودخل النبي والمؤمنون مكة بصلح مع وجهاء قريش كما هو مذهب الشافعي ورواية لأحمد، فكان الفتح المبين للإسلام والمسلمين، أما معركة حنين فسببها أن قبيلة هوازن وثقيف وبعض القبائل تجهزوا لحرب المسلمين والهجوم على المصلين في مكة، فخرج إليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من المسلمين وحاصروهم حتى استسلموا وقتل من قتل، وأسلم عدد كبير، أما غزوة مؤتة وتبوك فسببها أن زعيم الروم قتل أحد رسل النبي - صلى الله عليه وسلم- الذي قام بتبليغه رسالة الدعوة إلى الإسلام، والعرف الجاري بين الدول والشعوب أن الرسل لا تقتل، وكانت دولة الروم آنذاك تحرض قبائل العرب المجاورة على قتال أهل المدينة، فجمعوا بقيادة (هرقل) أكثر من مئتي ألف مقاتل، فقاتلهم المسلمون فكان ما كان مما قدره الله، ومع هذا كله فإن الإسلام يمنع ويحرم (المباغتة) التي تعتبرها كل دول العالم اليوم مبدأ من مبادئ الحرب، ففرض على المسلمين أن ينذروا(7/438)
عدوهم ويعلنوه بالحرب فلا يؤخذ العدو على غرة قال -تعالى-: "وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ"
[الأنفال: 58] يجوز للمسلمين في حالات خاصة أن يبيتوا عدوهم فيعاملوا المشركين عند القتال بمثل معاملتهم للمسلمين "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ" [النحل: 126] . قال ابن القيم في (زاد المعاد) :"لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - صار الكفار معه ثلاثة أقسام: قسم صالحهم ووادعهم على أن لا يحاربوا ... ، وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة، وقسم تاركوه فلم يحاربوه ولم يصالحوه، وهؤلاء ثلاثة أقسام منهم من كان يحب ظهور الرسول وانتصاره، وهؤلاء أسلموا بعد ذلك"، ومنهم من كان يحب ظهور عدوه عليه وهزيمة المسلمين - وهؤلاء آلت حالهم بعد ذلك فانضموا مع المحاربين له، ومنهم من دخل معه في الظاهر وهو مع عدوه في الباطن وهم المنافقون، فعامل - صلى الله عليه وسلم - كل طائفة من هذه الطوائف بما يناسب حالها مما أمره الله به.(7/439)
والناظر المتأمل في سورة (براءة) وهي من آخر السور نزولاً يجد أن (41) آية من أول السورة تحدثت عن الكفار المفاوضين فأوجبت لهم الوفاء بعهودهم إلى مدتهم، وقتال من نقض عهده منهم، كما بينت وجوب قتال الكفار الذين يتربصون بالمؤمنين الدوائر أو يساعدون غيرهم على قتال المسلمين، ونهت آيات أخرى عن قتال الكفار الذين لم يباشروا قتال المسلمين أو إعانة عليهم قال -تعالى-:"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [الممتحنة: 8-9] وبقية آيات سورة (براءة) تحدثت عن المنافقين فأوجبت معاملتهم على حسب ما يظهر منهم، فإن حاربوا المسلمين أو ظاهروا عليهم حوربوا، وإن سكتوا وسالموا كف عنهم وعوملوا معاملة المسلمين.
وأرى أن عامة آيات القتال ليس من باب (جهاد الدفع) ، أما (جهاد الطلب) فيكون بعرض الدعوة على الكفار باللين والحكمة وعدم الإكراه قال -تعالى-:"وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأْرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ"(7/440)
[يونس: 99] وقال -تعالى-: "يا أيها الرسول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" [المائدة: 67] وقال -تعالى-: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" [النحل: 125] فإذا رد المدعوون رسالة الله فلم يقبلوها ولم يقبلوا الدخول تحت أمان المسلمين بدفع الجزية، وقاموا بإعداد العدة لمقاتلة المسلمين بالمظاهرة عليهم وجب على المسلمين قتالهم حينئذٍ ولا يسمى هذا قتال طلب؛ لأن الطلب بدأ بالجهاد بالدعوة وانتهى بالقتال، ثم إن الجهاد العسكري في الوقت الحاضر لا يوجد بالمعنى المراد بجهاد الطلب، وإنما هو جهاد الدفع لا غير إذا اعتدي على دولة من دول الإسلام شرع لأهلها أن يجاهدوا المعتدي بالسلاح دفاعاً عن دينهم وأموالهم وأعراضهم، ويتصور بعض المسلمين خطأ يدعو إلى جهاد الكفار بالسلاح قبل دعوتهم وتعريفهم بالإسلام، وهذا خطأ يتعين تصحيحه.(7/441)
إعانة المهاجرين على إقامة غير نظامية في أوربا
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 3/1/1425هـ
السؤال
ما حكم من يساعد بعض المهاجرين الذين ليس لهم إقامة قانونية في بلاد أوروبا وغيرها في جوازات سفر قصد مساعدتهم على الإقامة؟ علما أن هذه المساعدة مخالفة لقانون البلد. وأين يمكن تصنيف هذا العمل؟ في المباحات، أو المحرمات، أو المتشابهات. وإذا كان في المحرمات، فما حكم الأموال التي أخذت من هذا العمل من قبل؟ ماذا يعمل بها صاحبها؟ أفيدونا جزاكم الله كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإذا كانت هذه الإعانةُ تخالف نظام البلد فهي لا تجوز؛ لأن الله قال: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) ، (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً) ، وأنت إنما أذن لك أولئك الكفار بالإقامة في ديارهم بشرط الالتزام بنظامهم، فيلزمك ما ألزموك إلا إذا كان يخالف شريعة الله، فإما أن تلتزم بها، وإما أن ترجع إلى ديارك.
وعلى هذا فالتكسب بهذا العمل القبيح حرام، ولا يليق أن يكون من خلق المسلم.
كما أن في هذا إعانةً للمسلم على الهجرة إلى بلاد الكفر، وتعريضاً له للفتنة في الدين، ولا شك أن حفظ الدين أولى من طلب المال والغنى.
فأخشى أن تكون بعملك هذا قد أعنت أخاك المسلم على التعرض للبلاء والفتنة في دينه.
وأما ما اكتسبته من الأموال من هذا الوجه من قبل فإن كنت جاهلاً حرمة ذلك فأرجو أن يعفو الله عنها، كما قال -سبحانه-: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(7/442)
معاملة غير المسلمين
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 9/1/1423
السؤال
أعمل في شركة يوجد بها العديد من غير المسلمين ومن جنسيات عديدة وطبيعة العمل تحتم علينا الاحتكاك اليومي معهم، فهل هناك من حرج في مبادلتهم التحايا، وأحياناً قد يدخل أحدهم عليك في مكتبك ويهم بالسلام عليك فتقف للسلام عليه، أو يسألك عن حالك فتسأله عن حاله، مع أننا نُشْهد الله على بغضهم فيه، والشق الآخر من السؤال (يوجد أيضاً بالشركة بعض الرافضة، وقد عاب عليّ بعض الإخوان عندما كنا في مجلس ودخل أحدهم فقام الجميع للسلام عليه إلا أنا بغضاً له وكرها لمعتقده, فهل هذا التصرف صحيح للتعامل مع هؤلاء؟
الجواب(7/443)
لا حرج على المسلم في معاملة غير المسلم، ويجب العدل معه، وعدم ظلمه، وسؤال هؤلاء الكفار عن أحوالهم ومبادلتهم التحية، التي يلقونها لا حرج فيه أيضاً، فقد ثبت أن النبي - عليه السلام - كان يسأل ثمامة بن أثال - رضي الله عنه - في كل يوم عن حاله وكان على الشرك عندما أسره المسلمون وربطوه في المسجد، انظر ما رواه البخاري (462) ومسلم (1764) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وصلة القريب الكافر والجار الكافر مشروعة، بل وتعزيتهم في وفاة أقاربهم ولكن يدعى لهم بما يناسب حالهم، فلا يقال لميّتهم غفر الله له، ولا رفع الله درجته في الجنة ولكن يقال: عوضكم الله خيراً ونحوه. والمنهي عنه إنما هو موالاتهم المقتضية لمحبتهم القلبية، والرضا بما هم عليه من الكفر، ونحوه، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون " [الممتحنة:8-9] .
ويقول تعالى: " ولا يجرمنكم شنئان قومٍ على ألا تعدلوا " [المائدة:8] ، "وإذا قلتم فاعدلوا " [الأنعام:152] وهذا ينسحب على أهل البدع والضلالات فإنهم يعاملون بالعدل ولا يظلمون مع بغض ما هم عليه من الابتداع والضلال. ولنعلم أن المعاملة الحسنة التي لا يترتب عليها انتقاص من الدين، ولا رضا بالكفر والضلال سبيل من سبل الدعوة إلى الله وهي داخلة فيما أمر الله تبارك وتعالى به "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" [النحل:125] "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن" [الإسراء:53] "وقولوا للناس حسنا" [البقرة:83] وأوصى الله موسى وهارون عندما بعثهما إلى فرعون بقوله " فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى" [طه:44] وبالله التوفيق.(7/444)
قتل المحارم خشية الاغتصاب
المجيب د. محمد بن صالح الفوزان
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 13/3/1423
السؤال
لقد شغلني كثيراً ما أسمعه من اغتصاب نساء المسلمين من الأعداء عند اجتياح البلاد، وتخيلت لو أن ذلك قد حدث في بلدتي، ماذا سأفعل؟ وخطر في عقلي، وفي إحدى الأيام قالت لي أمي: إن جدك قال لنا وقت دخول الإنجليز البلاد، لو دخلوا القرية سأقتلكم جميعاً قبل أن يتعرضوا لكم بالأذى، وفي الحقيقة وجدت أن هذا الأمر أسهل على نفسي من أن أرى زوجتي بين أيدي الأعداء يفعلون فيها ما يشاؤون، فهل هذا جائز شرعاً؟
الجواب
على المسلم أن يسأل الله العافية، وألاّ يعرضه للفتنة في دينه أو ماله أو عرضه، وإذا ابتلي الإنسان بمن يريد أن يعتدي على عرضه فعليه أن يدفعه بما يندفع به ولو أدى الأمر إلى قتله إن لم يندفع بغير ذلك، وإن قتل هو دون عرضه فهو شهيد، لكن لا يجوز للإنسان أن يقتل أحداً من محارمه خوفاً عليهم من الاغتصاب؛ لأن قتل النفس محرم شرعاً، والاغتصاب مظنون قد يحصل وقد يدفع الله عنهم ذلك بأي سبب من الأسباب، ثم لو حصل رغماً على الإنسان فهذا لا يبرر قتل نفس معصومة، والله أعلم.(7/445)
أخذ مال اليهود في فلسطين
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 3/9/1424هـ
السؤال
ما حكم أخذ مال اليهود اليوم في فلسطين؟ وهل يعد سرقة؟
الجواب
كل يهودي في فلسطين فهو مغتصب محارب حلال الدم والمال، وليس لماله حرمة ولا لدمه عصمة.
ولكن يراعى في ذلك القدرة والمصلحة والمفسدة، وهذا لا يقدره إلا المقيمون هناك، بحيث إن أخذ المال إذا ترتب عليه إزهاق للأرواح حرم لا لحرمة أموالهم فهم قد اغتصبوا ديارنا، ولكن لحرمة دماء المسلمين الذين قد يتسبب هذا الفعل في أذيتهم.(7/446)
حكم الاعتداء على غير المسلمين
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 13/1/1423
السؤال
سؤالي الأول، هو: عن غير المسلمين، حيث نسمع من الكثيرين أن كل من كان غير مسلم، وخصوصاً إذا لم يدفع الجزية فهو لا قيمة له ويجوز قتله وشتمه إلى ما هنالك! فما هو توجيهكم لمثل هؤلاء الأشخاص؟
الجواب(7/447)
الحمد لله، دين الإسلام هو دين الله الذي بعث به رسله من نوح - عليه السلام- بل من آدم إلى خاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - فالإسلام الذي أصله عبادة الله وحده لا شريك له، وطاعته وطاعة رسله هو الدين الحق الذي لا يقبل من أحد دين سواه، قال- تعالى-:" ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" [آل عمران:85] فأتباع موسى وعيسى ومن قبلهما - عليهم السلام - كانوا على الإسلام حتى بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - فنسخ الله بشريعته ما تقدمها من الشرائع، فالإسلام اليوم هو شريعة الله التي تضمنها القرآن وسنة الرسول - عليه الصلاة والسلام - كل من شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والتزم شريعة الله فهو مسلم، فمن خرج عن ذلك فهو كافر فالناس صنفان مسلم وكافر ـ فغير المسلمين هم الكافرون، والكفار باعتبار أحكام الشريعة فيهم ثلاثة أصناف: ذميّ، ومعاهد، ومحارب، فالذمي، هو: الذي التزم دفع الجزية ورضي بالإقامة تحت سلطان المسلمين آمناً على نفسه وماله وسائر حرماته، والثاني المُعاهد وهو: الذي كان بينه وبين المسلمين عهد، سواء كان في دار الإسلام أم في بلاده، فهذا أيضاً معصوم الدم والمال لا يجوز الاعتداء عليه في نفسه ولا ماله، ولا بغش ولا سرقة، ولا أي لون من ألوان العدوان، والثالث، هو: المحارب للمسلمين، وهذا حلال الدم والمال يجب على المسلمين إذا استطاعوا أن يحاربوه ويجاهدوه؛ لأنه عدو للإسلام وأهله من جميع الوجوه، قال - سبحانه وتعالى -:" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون " [الممتحنة:8-9] فإذا قاتل المسلمون أعداءهم المحاربين فإنه لا يجوز لهم قتل نسائهم ولا صبيانهم، ولا من ليس(7/448)
من أهل القتال كالشيخ الفاني، فدين الإسلام يحرم الظلم والعدوان إلا على من اعتدى وظلم، قال - تعالى-:" الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين " [البقرة:194] وبهذا يعلم أن ما يقع من بعض جهلة المسلمين من الاعتداء على حقوق الآخرين من غير المسلمين، والذين أقام هؤلاء المسلمون في بلادهم بموجب الأنظمة والقوانين المتبعة التي تقتضي ألا يعتدي أحد على أحد، ما يقع من هؤلاء من السرقة، أو جحد حق، أو الاعتداء على الغير بضرب، أو سب بغير تسبب من الآخر كل ذلك مما تحرمه شريعة الإسلام، فما يفعله هؤلاء ليس من الإسلام في شيء، بل وأعظم من ذلك ما يقوم به بعض الغالطين من أعمال إرهابية كتفجير بعض المؤسسات، فإن ذلك ليس من الجهاد الذي شرعه الله لنشر العدل ولإعلاء كلمة الله في أرض الله وبين عباد الله، بل هو من الإفساد المنهي عنه، قال - سبحانه وتعالى -:" ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها إن رحمة الله قريب من المحسنين " [الأعراف:56] ، وقال - سبحانه وتعالى -:" ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " [النحل: 125] فينبغي لكل عاقل أن يعرف بالإسلام ويدعو إليه بلسانه وحاله وخلقه، ويستنقذ الناس من النار بدلالتهم على الهدى والخير، كما ينبغي لكل عاقل أن يتبصر في دين الإسلام ليعرف حقيقته، وسيرى إن اجتهد في طلب الحق أن الإسلام دين الله الحق، وأن خلاص نفسه من عذاب الله إنما هو بالدخول في الإسلام،" ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " [آل عمران:85] والله - تعالى - يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.(7/449)
جهاد النفس والمال وتفاضلهما
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 8/10/1424هـ
السؤال
ما الفرق بين الجهاد بالنفس والجهاد بالمال؟ وأيهما أفضل؟.
الجواب
أما السؤال عن الفرق بين الجهاد بالمال والجهاد بالنفس فظاهر من جهة أن الجهاد بالنفس يكون بمشاركة المرء ببدنه في ميادين الجهاد وساحات القتال، ولا يلزم منه بذل المال، وأما الجهاد بالمال فيكون بذل المرء ماله من أجل الجهاد وإعانة المجاهدين، ولا يلزم منه المشاركة بالبدن.
وأما السؤال عن تفاضلهما، فالأصل أن يقال: إن الجهاد بالنفس أفضل من الجهاد بالمال، والنصوص قد تكاثرت في فضل الجهاد بالنفس والترغيب فيه، ومن المتفق عليه أن بذل النفس أعظم من بذل المال، بل المال وما سواه يبذل دون النفس ويترخص من أجلها، غير أن هناك بعض الاعتبارات والأحوال يكون الجهاد بالمال فيها أولى وأفضل من الجهاد بالنفس، وضابط ذلك: أن يكون بذل المال أنفع للجهاد من بذل النفس، كأن تكون الحاجة إلى العتاد من سلاح ونحوه أشد من الحاجة إلى العدد والرجال، وبالله التوفيق.(7/450)
طاعة الوالدين الكافرين بالمعروف
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 7/2/1423
السؤال
أنا رجل مسلم أبلغ من العمر أربعين عاماً من أسرة مسيحية الأصل، أحس بالإسلام في قلبي منذ أن كنت صغيراً ولكنني لم أطبق تعاليمه إلا منذ أن دخلت امرأة مسلمة حياتي، فبدأت أصلي وأصوم وأزكي وتوقفت عن سماع الأغاني وأشياء كثيرة أخرى علمتني هي هذه المرأة جزاها الله بكل خير، وأنا الآن أريد أن أتزوج بها ولكن أمي تعارض هذا الزواج بشدة؛ لأنه زواج بمسلمة وهي إلى الآن لا تعترف بي كمسلم، وإنما تقول لي: إن المسيحية هي ديني ودين أجدادي، أريد أن أعرف الآن ما حكم الإسلام في مثل هذا الموقف؟ هل رضا أمي المفروض يأتي أولاً بعد رضا الله وهي مسيحية وأنا مسلم؟ أم أن زواجي بامرأة مسلمة تعينني على ديني وتنشئ أبنائنا على الدين الإسلامي يأتي أولاً؟ خاصة أن لي ولداً من زوجتي القديمة وعمره 12 سنة، وأمي تأخذه إلى الكنيسة كل أحد، أرجو أن ترشدوني إلى الحل الصحيح الذي يجعل ربي راضياً عني، وأن تخبروني في أي الحدود من المفروض أن آخذ رضا الوالدة بما أنها من دين مختلف عن ديني خاصة أننا نعيش سوياً؟
الجواب(7/451)
طاعة الوالدين فرض افترضه الله على الأبناء، وقرنه بحقه -سبحانه- في العبادة، قال -تعالى-: "وَقَضَىْ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوْا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِاْلِوْالِدَيْنِ إِحْسَاْناً ... الآية" [الإسراء:23] ، وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، ولكن هذا الحق في الطاعة إنما هو في حدود الشرع، فلا طاعة لهما فيما يخالف شرع الله، كما قال الله -جل وعلا-: "وَإِنْ جَاْهَدْاكَ عَلَىْ أَنْ تُشْرِكَ بِيْ مَاْ لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَاْ وَصَاحِبْهُمَا فِيْ الْدُّنْيَا مَعْرُوْفَاً"الآية [لقمان: 15] ، ويستفاد من هذا ثبوت حق البر حتى للوالدين الكافرين مالم يعارض الشرع، وإذا تأكد لك صلاح هذه المرأة ودينها فتزوج بها، ولا عليك من مخالفة أمّك النصرانية، لأنه ليس لها حق في منعك من هذا ولا تلزمك طاعتها في شأن يخالف دينك الإسلامي.
ومع ذلك عليك ببرها والإحسان إليها لعل الله أن يشرح صدرها لدينه الذي ارتضاه لعباده.(7/452)
هل اليهود والنصارى إخوان لنا؟
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 18/2/1423
السؤال
هناك أحد المدرسين يقول لطلابه: لا تقولوا إن اليهود إخوان القردة والخنازير، ولا تسبوهم فديننا ليس دين سب وشتم، بل هو دين دعوة، وأن اليهود والنصارى إخوان لنا لأنهم أهل دينٍ سماوي، فما رأيكم أثابكم الله، وكيف نرد عليه؟
الجواب
قول هذا القائل خطأ مجانب للصواب، فقد ثبت في مسند أحمد (13531) -وأصله في الصحيحين- أن اليهود دخلوا على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: السام عليك. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:" السام عليكم" فقالت عائشة: السام عليكم يا إخوان القردة والخنازير، ولعنة الله وغضبه. فقال:" يا عائشة، مه" فقالت: يا رسول الله، أما سمعت ما قالوا؟ قال:" أوما سمعت ما رددت عليهم؟ يا عائشة، لم يدخل الرفق في شيء إلا زانه، ولم ينزع من شيء إلا شانه".
ففي هذا الحديث لم ينكر على عائشة مقولتها في اليهود، وإنما وجّهها إلى حسن الخطاب لا غير، وأيضاً اليهود والنصارى لعنهم الله في كتابه في قوله: "لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ... " [المائدة:78] ، فتبين أن لعن من لعنه الله ورسوله ليس شتماً، وإنما الشتم المذموم للواحد المعين منهم؛ لأن شتمه حينئذ لا ينفع المسلم بشيء، بل جاء النهي عن لعن الشيطان أو سبّه كما هو ثابت بالسنة النبوية.(7/453)
وأما القول بأن اليهود والنصارى إخوان لنا لأنهم أهل دين سماوي فغير صحيح أيضاً، فلا أخوة بين المسلم والكافر في الدين بحال، وإنما الأخوة بين المؤمنين بالله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- كقوله -تعالى-: "إنما المؤمنون إخوة" [الحجرات:10] ، وما جاء في القرآن من ذكر أخوة الكفار لرسلهم كقوله: "وإلى ثمود أخاهم صالحاً" [الأعراف:73] "وإلى مدين أخاهم شعيباً" [الأعراف:85] ، فهي أخوة في الجنس والأهل، كما يقال: الأخوة الإنسانية، والعرب تقول: يا أخا العرب، ولا يعني هذا الأخوة الدينية، بل تعني كل من ينتمي إلى العرب أو يخالطهم وإن لم يكن منهم.
ونحن لم نتعبد في ديننا بسب وشتم الآخرين، غير أننا متعبدون بما شرعه الله لنا في كتابه أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.(7/454)
الدعاء بالهداية للكفار
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 21/2/1423
السؤال
إذا ثبت كفر حاكم بلد إسلامي فهل يجوز الدعاء له بالهداية والخير والصلاح؟
الجواب
قال الله -عز وجل- عن الذين قاتلوا رسوله في أحد وقتلوا أصحابه وأهل بيته: "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم" [آل عمران:128] .
وقال -صلى الله عليه وسلم- عن مشركي دوس: "اللهم اهد دوساً وأتِ بهم" (البخاري (2937) ومسلم (2524)) .
وقال -عز وجل- عن المشركين الذي صدوا رسوله يوم الحديبية: "عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة" [الممتحنة:7] ، أي: بالإيمان، والله أعلم.(7/455)
عقيدة المسلم في اليهود
المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 1/3/1423
السؤال
هل الآيات المتعلقة باليهود وكرههم للإسلام على العموم أم أن هذه الآيات تتكلم بالتحديد عن كل يهودي؟ وهل يجوز لنا كره كل اليهود لمجرد أنهم يهود؟ أو علينا كره من آذونا فقط؟ هل المسلم عندما يتزوج من كتابية يهودية عليه أن يكرهها أو ألاّ يثق بها لأنها يهودية أم ماذا؟ وكيف يتزوجها مع عقيدة الولاء والبراء؟ وأين مذهب التسامح ووو..الخ؟ عدة أسئلة الصراحة نحن هنا في أمريكا نواجهها، والقناعات التي كنا نعرفها ليست كلها ثابتة؛ إننا رأينا الكثير من اليهود من يقف معنا ضد شارون وإسرائيل، ويخرجون معنا في المظاهرات فهل يجوز لنا أن نقول إنهم كذابون وإنهم يخدعوننا؟
الجواب
في الفقرة الأولى من السؤال التقسيم في السؤال غير دقيق، وعلى كل حال فالآيات المتعلقة باليهود وكرههم للإسلام عامة تشمل كل يهودي، هذا هو ظاهر القرآن ويؤكده الواقع والتاريخ، والمراد بالكره الكره العقدي.
أما الفقرة الثانية من السؤال وهي قوله: هل يجوز لنا كره كل اليهود لمجرد أنهم يهود أو علينا كره من آذونا فقط؟
أقول: صيغة السؤال غير صحيحة لأن المسألة ليست يجوز أو لا يجوز، بل البراءة من كل دين -غير دين الإسلام- وأهله من أسس العقيدة، فلا يتم إيمان أحد ولا إسلامه حتى يتبرأ من الشرك وأهله، قال -تعالى- حكاية عن إبراهيم -عليه السلام-: "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ... " [الممتحنة:4] .(7/456)
وإذا كانت موالاة الكفار لا تجوز ومحرمة إلا أن الإسلام فرق بين الموالاة والمعاملة بالحسنى، قال -تعالى-: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" [الممتحنة:8] .
قال ابن جرير: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم" من جميع أصناف الملل والأديان "أن تبروهم وتقسطوا إليهم".
والذي ينبغي أن يفهم أن البر والقسط لا يتعارض مع الأمر ببغضهم وكرهههم.
قال ابن حجر: "البر والصلة والإحسان لا يستلزم التحابب والتوادد المنهي عنه".
ومعنى ذلك أن البغض والكره لا يستلزم إساءة المعاملة، وهكذا نستطيع أن نفهم تعامله مع اليهود بيعاً وشراءً ورهناً، ولا يستلزم محبتهم والرضا عن دينهم.
وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- زيارتهم وعيادة مريضهم وهذا لا يتنافى مع الأمر ببغض دينهم.
ولعل فيما ذكرنا آنفاً جواباً لسؤاله: هل المسلم عندما يتزوج من كتابية يهودية عليه أن يكرهها؟ أو ألاّ يثق بها لأنها يهودية أم ماذا؟
أقول: الكره لا يتعارض مع المعاملة بالحسنى، فهو يحبها حباً طبيعاً من وجه (وهو ما جعله -تعالى- في الرجل من الرغبة بالأنثى) .
ويبغضها من وجه، وهو دينها وما هي عليه من عقيدة باطلة، مما يجعله يسعى في إسلامها ولإيمانها، وبالتالي فلن يرضى عن دينها ولا يعتقد صحته والله أعلم.(7/457)
إجابة دعوة الكافر
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 19/10/1423هـ
السؤال
بسم الله، أنا شاب أعمل في شركة يعمل فيها أجانب من بريطانيا، وقد كونت علاقة معهم، وعند اقتراب سفر أحدهم دعاني إلى حفله، مع العلم أن علاقتي معهم كانت من أجل الدعوة وتأليف القلب، فهل أجيبه أم لا؟ وقد يتخلل الحفل بعض المنكرات أجيبونا بارككم الله؟
الجواب
إن كنت أهلاً وقادراً ولديك من العلم ما يمكنك من دعوة هؤلاء والتأثير فيهم فلا مانع من تكوين العلاقة، وإن كنت قد تتأثر أنت بسلوكهم وأخلاقهم وما فيهم مما يخالف الشرع والعقل فلا تكون علاقة معهم لضعفك وعجزك وعدم علمك، ولكن تتعامل معهم بأخلاق الإسلام، وتكون جميع تصرفاتك معهم وفق الإسلام، ولو تعاملت معهم بذلك مع الحكمة والصدق لكفى أن يكون دعوة لهم لما رأوا منك من تطبيق حسن للإسلام، فبالعمل به انتشر الإسلام في ربوع الأرض.
أما إجابة الدعوة في حفلاتهم التي تتخللها منكرات فإن كنت قادراً على منع تلك المنكرات ومؤثراً فيهم بتركها، وتترتب على حضورك مصلحة شرعية فلا بأس، والعكس بالعكس. والله الموفق.(7/458)
البقاء بين ظهراني المشركين
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 22/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا مسلم محافظ أدرس في الولايات الأمريكية مبتعث لأدرس تخصصا مهماً فهو أحدث من الموجود في بلادنا، إضافة إلى أنه مهم ونادر, والجميع يعلم أن زعماء أولئك القوم -الذين أنا مقيم عندهم- قاموا بالاعتداء ورفع راية الحرب على إخواننا المسلمين في بلاد دجلة والفرات. ولست أرضى ذلك، الحمد لله لم يبق لي إلا ثلاثة أشهر أو أقل بإذن الله -تعالى- على التخرج الذي تلزمني به الجهة الباعثة، حيث إنني استطعت -ولله الحمد والمنة- التحصيل الأساسي والكافي الذي ينفعنا ديناً ودنيا بإذن الله تعالى، السؤال هو: هل يجوز بقائي واستمراري في هذه الظروف العصيبة? إنما أردت أن أراجع وأطمئن لقول وتوصيات أهل الذكر. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
استمر في دراستك واحرص على تحقيق الغرض الذي من أجله ابتعثت، وبخاصة أنه لم يبق على تخرجك سوى مدة يسيرة، ولا أرى لك أن تقطع بعثتك بسبب ما تذكره من ظروف الحرب والاعتداء، لأنك ستخسر هذا العلم ولن يغير رجوعك من الأمر شيئاً، بل احرص على تحصيل العلم الذي من خلاله تنفع أمتك إذا رجعت، وتجاهد به الكفار في ميدان العلم، وعليك بإخلاص النية لله -تعالى-، واعلم أنه إذا حسنت نيتك في تحصيلك للعلم، فإن الله -تعالى- يثيبك على هذا أجزل الثواب وأوفاه، ومقام المسلم في ديار الكفر من أجل تحصيل علم نافع للمسلمين لا حرج فيه، إذا كان قد حصن نفسه من الشهوات والشبهات، وانطوى قلبه على بغض ما عليه هؤلاء القوم من كفر وإلحاد، ولتكن في مقامك هناك داعية إلى الله -تعالى- بسلوكك وصدقك وحسن تعاملك، والله أعلم.(7/459)
انتحار الأسير خوفاً من إفشاء الأسرار
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 9/4/1424هـ
السؤال
أسير مسلم وقع في يد أعدائه، وقاموا بتعذيبه بوحشية للإدلاء بمعلومات عن زملائه وأماكنهم ومعسكراتهم، ولأنه قد لا يحتمل هذا العذاب الشديد ويخشى أن يضعف ويعترف قتل نفسه وانتحر، فهل يعد منتحراً ويخلد في جهنم، شكراً لكم.
الجواب(7/460)
الحمد لله، من وقع في أيدي أعداء الإسلام وعذبوه فإنه لا يجوز له أن يقتل نفسه بحال من الأحوال، بل عليه أن يصبر ويتصبر ويستغيث بالله، ومن انتحر ظناً منه أنه يجوز له ذلك أو خشية أن يدلي بأسرار تضر بالمسلمين فإنه لا يكون كمن انتحر جزعاً، فيرجى أن الله يعذره بنيته الصالحة ويغفر له، أو يعذره بجهله إذا فعل ما فعل لظنه أنه يسوغ له أن يقتل نفسه، وعلى كل حال فلا يسوى هذا بمن يقتل نفسه تسخطاً على قضاء الله، وجزعاً من المصيبة، فهذا هو الذي توعد بأن يعذبه الله في النار بما قتل به نفسه، كما في الحديث: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ... "، الحديث رواه البخاري (5778) ، ومسلم (109) ، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- وهذا عند أهل السنة والجماعة من أحاديث الوعيد التي يراد منها الزجر عن ارتكاب القبائح، وهي مقيدة بمثل قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ" [النساء: من الآية48] ، وقتل الإنسان نفسه أو قتله لمعصوم هو دون الشرك فيدخل في عموم " وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ"، إذاً فالذي يقتل نفسه إذا مات وهو مؤمن بالله ورسوله - عليه الصلاة والسلام - فإنه تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، وإن عذبه فمآله الخروج من النار ما دام أنه مات موحداً، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير"، رواه البخاري (44) ، ومسلم (192) ، من حديث أنس - رضي الله عنه- ومع ذلك يجب على المسلم أن يحذر من الذنوب ولا يتكل على ما ورد من نصوص الوعد، بل عليه أن يحذر ويسأل ربه حسن الخاتمة، وأن يعيذه الله من شر نفسه، وسوء عمله، فنعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه سميع الدعاء، والله أعلم.(7/461)
تحديد عورة غير المسلمين
المجيب د. محمد العروسي عبد القادر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 13/3/1424هـ
السؤال
أرجو إفادتي في تحديد عورة غير المسلمين.
الجواب
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن من آداب السلوك الإسلامي أن اللباس والهيئة وسائر التصرفات، يجب أن يراعى فيها ما يوافق تلك الآداب، وهي ملزمة في المجتمعات الإسلامية، يخضع لها كل أحد، ولو كان كافراً، فلا يترك لأحد أن يثير فتنة الشهوات ولا أن يسيء إلى الشعور الإسلامي العام.
وغير المسلم ينبغي ألا يظهر بين الناس إلا بما ليس فيه فتنة ولا إبداء فاحشة، فلا ينبغي لكافرة أن تمشي في أسواق المسلمين كاشفة الساقين أو الساعدين أو صدرها، أو ظهرها، أو شعرها، مما فيه فتنة للمسلمين، فمثل هذه تمنع، ومنعها لأجل انتهاك حق حرمة المسلم، لا لأجل صيانة حرمتها، بخلاف المسلمة، فإنها تمنع صيانة لها وحرمة لشعور المسلمين. وكذا الكافر لا ينبغي أن يخرج أمام المسلمين بما ليس فيه حشمة حفاظاً لحرمة المسلمين، وصيانة لشعورهم من أن يلحقهم أذى بمنظر مكروه، وهذا ما كان عليه المجتمع المسلم يوم كانت العزة والغلبة لهم، نسأله -سبحانه- أن ينصر دينه ويعز عباده المؤمنين ويذل أهل الكفر والمنافقين.(7/462)
تأجير البيوت للكفار
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 5/11/1424هـ
السؤال
لدي غرفة، وجاءني شخص مسلم يريد استئجارها لشخص آخر كان يسكن معهم أو بجوارهم، وفعلا تم الاتفاق بيني وبين الشخص الأخير وعملنا اتفاقية وتم التوقيع عليها، وبعد مرور عدة أيام من ذلك سألت أناساً آخرين من نفس الجنسية عن ديانة هذا الشخص فتبين لي أنه غير مسلم (هندوسي) . ولم أكن أعلم بذلك؛ لأنني بنيت على الشخص الذي أحضره لي، فما رأي أصحاب الفضيلة في التأجير لأناس غير مسلمين؟ سواء مساكن أو محلات تجارية؟ وكذلك ما حكم التأجير لأناس مسلمين ولكنهم يصلون أغلب الأوقات في البيوت، ولا يصلون في المساجد إلا قليلا؟ وخاصة صلاة الجمعة.
وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
مثل هذا التأجير يظهر أنه صحيح، ويدل لهذا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تعامل مع الكفار وباع واشترى منهم، انظر مثلاً ما رواه البخاري (2068) ومسلم (1603) من حديث عائشة -رضي الله عنها-، لكن الأحسن والأولى أن يعتني المسلم بأن يُؤجر للمسلمين المتقين، وألا يدخل بيته أو محلاته - حتى ولو كان عن طريق الإيجار - إلا من اتصف بالإسلام والاتباع والتقوى.(7/463)
رقية الكافر للمسلم
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن العمير
عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل بالإحساء وعميد كلية التربية بالجامعة
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 2/8/1424هـ
السؤال
هذه شبهة طرحها بعضهم من خلال هذه الرواية، ورد في الموطأ (1733) حدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- دخل على عائشة -رضي الله عنها- وهي تشتكي، ويهودية ترقيها، فقال أبو بكر: ارقيها بكتاب الله.
يقول هذه المبتدع: كيف يجوز طلب الرقية من الكافر؟ حيث إن فيها تزكية لباطنه.
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، أما بعد:
فإن قول سيدنا أبي بكر - رضي الله عنه - لليهودية (ارقيها بكتاب الله) يتلخص في النقاط التالية:
- هذا الأثر رواه الإمام مالك في الموطأ (1756) بسند صحيح، ومعنى قول سيدنا أبي بكر - رضي الله عنه - "ارقيها بكتاب الله" الظاهر أنه يعني التوراة، فهو كتاب ديانتها، وقيل يريد ارقيها بما يوافق كتاب الله، بأن يكون خالياً من الشرك.
- ليس في طلب الرقية من الكافر تزكية لباطنه، ولا رضى بما هو عليه من دين منسوخ، ذلك أن حقيقة الرقية تعويذ يكون سبباً في رفع مرض أو وقاية من شر، فهو نوع من الاستشفاء، والتداوي، إذا أصاب موقع المرض حصلت الفائدة بأمر الله، يدل على هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لكل داء دواءٌ فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله - عز وجل -" رواه مسلم (2204) من حديث جابر - رضي الله عنه -، فالشفاء من الله لا من الدواء ولا من الطبيب والراقي، قال - عز وجل -: "وإذا مرضت فهو يشفين" [الشعراء: 80] .(7/464)
- صلاح الراقي له بأمر الله أثر في فائدة الرقية، لكن ليس هناك ارتباط لازم بين عقيدة الراقي أو المرقي وبين استفادته من الرقية، وعليه فتصح الرقية إذا لم تكن شركاً من التقي والفاجر، ومن المسلم والكافر، والشفاء بيد الله، يدل على هذا أن الرقى كانت معروفة قبل الإسلام في عهد أبي الأنبياء والرسل خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، وكذلك عند اليهود والنصارى، فحينما أراد الرسول - صلى الله عليه وسلم أن يرقي الحسن والحسين - رضي الله عنهما - قال: "إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق، أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة" رواه البخاري (3371.
- كان العرب في جاهليتهم يستشفون عن طريق الرقية، بل كان فيهم من يعرف بذلك، ففي صحيح مسلم (868) في قصة إسلام ضماد: "أن ضماداً قدم مكة، وكان من أزدشنوءة، وكان يرقي من هذه الريح".
في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم ما يدل على إقرارهم على ما كانوا يرقون به في الجاهلية ما لم يكن شركاً، روى الإمام مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه - قال: "كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا عليَّ رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك"، فدل على أن الرقية إذا خلت من الشرك، وما هو من بابه من الشعوذات والكلام البدعى فهي مباحة، وقد ينفع الله بها، وإن لم تكن من مسلم.(7/465)
تعاملنا مع اليهود والنصارى
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 28/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد من فضيلتكم توضيح أمر في العقيدة وهو علاقتنا باليهود والنصارى، فهناك من يقول بأن عداءنا لليهود مرتبط بفلسطين فمتى ما تحررت انتهى العداء، ويقولون بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم- قد دمعت عينه على جنازة نصراني لأن نفساً انفلتت منه إلى النار، وأنه لابد أن ننظر إليهم برحمة ومودة، فيكف نجمع بين الرحمة والبغض والموالاة؟ وما هو المعيار الذي نستعمله لضبط علاقتنا بهم؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد..
فالعداوة مع اليهود مستمرة منذ بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى مقاتلة المسلمين لهم آخر الزمان مع عيسى بن مريم - عليه السلام- وهم مع المسيح الدجال، الذي يسير معه سبعون ألفاً من يهود أصبهان، وهذه القضية محسومة بنص - القرآن الكريم- في العديد من الآيات، منها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى: "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ" [البقرة: من الآية120] ، وهذا التعبير يدل على الاستمرارية في العداوة. وقال تعالى: "وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا" [البقرة: من الآية217] ، ولا يزال من أدوات الاستمرار، وقال تعالى: "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا" [المائدة: من الآية82] ، وغيرها من الآيات الكثيرة.(7/466)
فالعداوة ليست مختصرة على المسألة الفلسطينية كما يروج لها بعض الناس، أما التعامل مع أفرادهم غير المحاربين؛ فالأصل في التعامل مع النصارى وغيرهم من الكفار قوله تعالى في سورة الممتحنة [8-9] :"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين*إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون".
وعليه فإذا كان أهل الميت من القسم الأول فلا بأس من زيارتهم ودخول منازلهم وتعزيتهم في مصابهم والإحسان إليهم وحسن التعامل معهم، لكن يجب أن يكون ذلك كله مصحوباً بدعوتهم إلى الإسلام واستمالة قلوبهم إليه، مع بغض ما هم عليه من كفر وضلال.
والميت النصراني -مهما كانت أخلاقه في العمل وحسن تعامله- لا تجوز الصلاة عليه ولا الدعاء له بالمغفرة، لا الصلاة الشرعية ولا صلاتهم هم البدعية على موتاهم، بل هذه من باب أولى، سواء في كنائسهم أو في غيرها.
وعليه فلا تجوز المشاركة في مواسم عباداتهم واحتفالاتهم في تشييع جنائزهم ولا في غيرها.
كما لا يجوز الوقوف صمتاً دقيقة واحدة أو أكثر أو أقل حداداً وتشريفاً لأرواح الموتى، لأن هذا من شعائر الكفار التي أمرنا بمخالفتهما، سواء كان ذلك مجاملة أو عادة أو تقليداً.
فلا تجوز المجاملة في دين الله تعالى، ولا الالتزام بالأعراف والتقاليد المخالفة لدين الله، ومع ذلك فإنه يجوز حمل جنازة الكافر والذهاب بها إلى المستشفى أو إلى مكان الدفن إذا لم يوجد من يقوم بذلك.
أما دخول الكنائس فالأصل فيه المنع إلا لمصلحة شرعية، لما روى البيهقي في السنن الكبرى (1840) بإسناد صحيح إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال:" ... ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم ومعابدهم فإن السخطة تنزل عليهم".
ولا نعرف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من الخلفاء الراشدين أنه شيع جنازة أحد من أهل الذمة.
- وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين-.(7/467)
جهاد الدفع ودخول العدو بلاد المسلمين
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 20/3/1424هـ
السؤال
هل يجوز لنا إذا دخل العدو بلداً من بلاد المسلمين وليس عندهم قدرة إعدادية، ولا جماعة، أو إمام أن نبقى بدون جهاد دفع؟.
الجواب(7/468)
إذا دخل العدو بلداً من بلاد المسلمين وجب على أهل ذلك البلد -المواطن منهم والمقيم- وجوباً عينياً الدفاع عن هذا البلد، بكل وسيلة مشروعة ممكنة، فإن لم يستطع أهل هذا البلد المغزو وجب على أقرب البلاد إليهم إعانتهم والدفاع معهم ونصرتهم، وجوباً عينياً أيضاً، ولو كان أهل ذلك البلد أو من جاورهم ليس عند هؤلاء وهؤلاء عدة ولا عتاد يساويان أو يقاربان عدد وعدة العدو لأن قتالهم هذا قتال دفع لا طلب، وجهاد (قتال) الدفع لا يشترط فيه ما يشترط في جهاد الطلب، بل الواجب عليهم في مثل هذه الحال أن يقاتلوا العدو؛ لقوله -تعالى-: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" [الحج:39] ، بكل ما يستطيعونه ولو قل، ولعموم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم، وألسنتكم" رواه أبو داود (2504) ، والنسائي (3096) من حديث أنس - رضي الله عنه-، فجهاد الدفع لا يشترط فيه اجتماع عدد معلوم، ولا يلزم أن يكون للمسلمين المغزوين إمام يستأذن كما لا يستأذن الأب ولا الأم ولا الزوج، ونحو ذلك، وإن كان المسلمون المعتدى عليهم خليطاً من المؤمنين والكفار، لا يشترط لهم حينئذ أن تكون لهم راية واحدة يقاتلون تحتها، وإن أمكن ذلك فحسن، وإن لم يمكن تعاون المسلمون مع الكفار الذين يسكنون معهم على العدو الذي غزاهم في عقر دارهم، ولكن يجب على المسلمين -فرادى كانوا أو جماعة- حينئذ أن يعلنوا أن جهادهم إنما هو لإعلاء كلمة الله وفي سبيله لا غير، (والراية العُمِّية التي يحرم القتال تحتها ولو مات فيها مات ميتة جاهلية) ، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- في صحيح مسلم: (1848) "من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتةً جاهليةً، ومن قاتل تحت رايةٍ عِمِّيَّةٍ، يغضب لعصبةٍ، أو يدعو إلى عَصَبَةٍ، أو ينصر عصبةً، فَقُتِل، فقتلةٌُ جاهليةٌُ ... " الحديث، ففسرها رسول(7/469)
الله -عليه الصلاة والسلام- بأنها مفارقة جماعة المسلمين، ويقاتل المرء فيها لعصبية أو يدعو لعصبية أو ينصر عصبية، أي كأن يقاتل من أجل القومية، أو الحزبية أو القبلية، كما يقول الشاعر الجاهلي: وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد.(7/470)
وجاء في حديث سعيد بن زيد - رضي الله عنه- عند الترمذي (142) ، وأبي داود (4772) ، والنسائي (4094) ، وابن ماجة (2580) : "من قتل دون ماله فهو شهيدٌُ، ومن قتل دون دينه فهو شهيدٌُ، ومن قتل دون دمه فهو شهيدٌُ، ومن قتل دون أهله فهو شهيدٌُ" والعدو المعتدي مسلماً كان أو كافراً إنما يريد هذه الأمور الأربعة مجتمعة أو بعضها، ومن لازم ذلك القتال للدفاع عن بلاد المسلمين إذا غزيت من العدو الكافر؛ لأن هذه الأمور داخلة في بلاد المسلم أو وطنه. أما القول في وجوب اشتراط وجود الإمام أو إذنه في الجهاد في سبيل الله فلا أعرف أحداً من أهل العلم المقتدى بهم اشترط ذلك، بل الواجب خلافه، وهو أن الإمام لا يكون إماماً إلا أن يقوم بالجهاد في سبيل الله، لا أنه لا يكون جهاد إلا بإمام، ويقول شيخ الإسلام بن تيمية في مجموع الفتاوى (34/176) ، والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوابه، وإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك فكان لها أئمة لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق، فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين، ومتى لم يقم إلا بعدد من غير سلطان أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها"، وعمل أبي بصير - رضي الله عنه- في قصة الحديبية ومن معه من المهاجرين الذين قاموا بقطع الطريق على قافلة قريش أظهر دليل على عدم اشتراط وجود الإمام أو إذنه للجهاد في سبيل الله، بل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في أبي بصير لما بلغه فعله في قريش "ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد" انظر في صحيح البخاري (2731-2732) يؤكد عدم اشتراط وجود الإمام أو إذنه في الجهاد في سبيل الله، بل نجد أئمة الدعوة في نجد منعوا وأنكروا على مثل هذا الاشتراط، فيقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ت 1258هـ) : (بأي كتاب أم بأية حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع؟ هذا من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين، والأدلة على إبطال هذا القول أشهر من أن تذكر..) ، انظر الدرر السنية5/97-99. والله أعلم.(7/471)
الإشادة بمعارضي الحرب من الكفار
المجيب د. حسن بن صالح الحميد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 19/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شيخنا الفاضل:
(1) أرى البعض من الناس (العوام والمثقفين) يمدح ويثني على النصارى الذين يرفضون الحرب وخرجوا بمظاهرات ومسيرات، ويقولون هؤلاء أفضل من العرب، فالعرب ماذا فعلوا، ناسين بذلك أو متجاهلين أمر الولاء والبراء.
(2) ويقول البعض لا تدعو على النصارى (أي في قنوت النوازل) لأنهم ليسوا كلهم مؤيدين للحرب.
(3) وبعضهم يؤيد ويمدح صدام وربما يدعو له بالنصر، مع العلم بأنه بعثي كافر.
فما هو قولكم وتعليقكم؟ وجزاكم الله خيراً وبارك في جهودكم.
الجواب
الحمد لله، أما بعد:
فإن في سؤالك مسائل:
الأولى: قولك إن من الناس من يثني على النصارى الذين يرفضون الحرب ويفضلهم على العرب الذين لم يفعلوا فعلهم، ناسين أو متناسين أمر الولاء والبراء.
والجواب: أن الثناء على من يقف في صفك في وجه عدوك، ويعلن برفض إيقاع الظلم عليك من أهل دينه، أن هؤلاء يحمدون على مواقفهم، لأنها تتفق مع مصالحنا، حتى وإن كانت مصالحهم هم أيضاً متحققة في مواقفهم تلك، فإن التعاون على المصالح المشتركة، ودفع العدو المشترك مما لا تأباه الشريعة ولا يتعارض مع نصوصها ومحكماتها، لكن لا يجوز توليهم ومحبتهم محبة قلبية كما لا ينبغي المبالغة في تقدير هذه المواقف وتأثيرها، لأنها مواقف مبناها على المصالح، فلا ننخدع ونتجاوز بها قدرها.
كما يجب أن نتذكر أن من هؤلاء الرافضين للحرب على العراق من قتل الملايين من المسلمين ولا يزال كروسيا، ولكننا في المسألة العراقية نتبنى كل صوت قد يسهم في منع العدوان، وإن كان محدود الأثر.(7/472)
وعليه فلا أرى مانعاً شرعياً أن يتوجه اللوم إلى بعض المسلمين الذين منهم من كان مؤيداً للعدوان سراً أو علانية، ولا شك أن هذه مواقف مخزية آثمة ظالمة، وإذا انحصر التفاضل بين المواقف في هذه المسألة، وكان مطابقاً للواقع، ولم يتجاوز ذلك إلى مسألة الولاء والبراء، فإن هذا قد يُعد من الإنصاف والعدل في الحكم، مع التأكيد على ما قررناه من استحكام العداوة بين المسلمين وغيرهم من النصارى في الجملة، لكن هذه المواقف ترجع إلى موازنات ومصالح يعرفها أهل السياسة الشرعية.
ثانياً: أما الدعاء على النصارى وغيرهم في القنوت، فإن المطلوب هو الدعاء على الظلمة والبغاة منهم ومن غيرهم، لأن الحامل على الدعاء هو الظلم والعدوان، وليس مجرد الكفر، وإلا لكان حقاً على المسلمين أن يدعوا في كل وقت؛ لأن العالم لا يخلو من الكفار أبداً، فالعدل هو الدعاء على من ظلم وبغى أياً كان.
ثالثاً: ولا يمدح صدام ولا غيره من الطغاة الظلمة في حق الله وحق عباده، فهم محل الذم والمقت من الله ومن عباده، ولكن يدعى للمسلمين في العراق، وقد ذهب صدام وأعوانه فإن العبرة فيهم، وكونهم مثالاً لغيرهم يبقى الجواب على بابه، فنقول: إذا كان البديل هم الصليبيون حلفاء اليهود فهل من الحكمة الدعاء عليهم؟ ولماذا يكون الدعاء على صدام وحزبه أو على غيرهم مشروعاً في هذا الوقت بالذات؟ فالواجب الدعاء للمسلمين المستضعفين في العراق وفي غيرها، والدعاء على الظلمة والطغاة الذين يؤذون المؤمنين ويريدون بهم شراً في العراق وفي غيرها، وأن يدفع الله عنهم الشرور والفتن، ويختار لهم ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، فإننا لا نعلم الغيب، ولا نحيط بحكمة الله، ولا نجزم بمواقع المصلحة، والله أعلم.(7/473)
حكم السرقة من اليهود
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 13/3/1424هـ
السؤال
يا شيخ أريد أن أسأل سؤالاً: هل تجوز السرقة من اليهود؟ القصد هنا من جميع النواحي، وخاصة هل يصح سرقة الملابس من حوانيتهم الخاصة؟ أرجو الإفادة.
الجواب
الذي يعصم مال الكافر ويمنع من قتله إنما هو العهد أو الأمان أو عقد الذمة.
وليس اليهود الغاصبون في فلسطين أهل ذمة، ولم يدخلوها بأمان. لكن لو كان بين جماعة من المسلمين وبين اليهود عهد فإنه يجب الوفاء به إلى مدته، قال -تعالى-: "إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" [التوبة:4] .
وأما من لم يدخل في عهد المعاهدين لليهود فإنه تحل له أموال الكفار ودماؤهم.
والواجب على المسلين في فلسطين - وأمثالهم من بلاد المسلمين التي استولى عليها الكفار وحكموها وبقي فيها المسلمون- أن يصمدوا على الأرض، ويكاثروا عدوهم، ويحافظوا على هويتهم الإسلامية، ويركزوا على التميز عنهم ويسعوا للتحرر منهم، ويصابروا على ذلك.
وليبشروا بنصر الله لهم "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ" [غافر:51] ، والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.(7/474)
قتال الغزاة في العراق
المجيب
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 30/1/1424هـ
السؤال
هل يقف الشعب مع قوات التحالف؟ أم مع الحكومة البعثية؟ أم يقف على الحياد؟ وهل يعتبر قتالهم للقوات الغازية جهاداً في سبيل الله؟ وإن كانت تحت راية قومية أو وطنية أو بعثية؟ وهل يعتبر قتلاهم شهداء؟
الجواب
قتال المسلمين في العراق للقوات الأمريكية وحلفائها واجب شرعي؛ لأنه قتال لدفع العدوان الواقع عليهم من هؤلاء الكفار، دل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فقد قال تعالى "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم" [البقرة: 190] ، وقال " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم" وقال تعالى " فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً" [النساء: 91] ، وقال تعالى " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله" [الحج: 39-40] .
وقد قاتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المشركين في غزوة أحد لما قدموا لمقاتلته، وتجهز لقتال الأحزاب حين أحاطوا بالمدينة، وغير ذلك من مواقفه -صلى الله عليه وسلم-
وقد اتفقت كلمة الفقهاء المسلمين -على اختلاف مذاهبهم- على وجوب القتال لدفع العدوان الواقع على بلاد المسلمين؛ ومن ذلك قول الكاساني في البدائع: (إذا عمَّ النفير بأن هجم العدو على بلد فهو [أي الجهاد] فرض عين يفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه) .(7/475)
وجاء في المنهاج وشرحه: الثاني من حَالي الكفار ... يدخلون بلدة لنا أو ينزلون على جزائر أو جبل في دار الإسلام ولو بعيداً عن البلد، فيلزم أهلها الدفع بالممكن عنهم، ويكون الجهاد حينئذٍ فرض عين وقيل: كفاية؛ لأن دخولهم دار الإسلام خطب عظيم ولا سبيل إلى إهماله، فلا بد من الحد في دفعه بما يمكن. [يراجع كتاب الجهاد والقتال في السياسة الشرعية 1/612-636 وما بعدها] .
وأما استشكال القتال تحت الراية القومية أو الوطنية أو البعثية، فيمكن الجواب عنه بأن المسلمين في العراق لا يستطيعون أن يتميزوا براية مستقلة عن راية دولتهم، وقد وجب عليهم القتال لرد العدوان كما ذكر آنفاً، وقد تقرر أن الواجبات الشرعية معلقة بالاستطاعة، كما في قوله تعالى " فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن: 16] ، وقوله تعالى "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" [البقرة: 286] وقوله -صلى الله عليه وسلم- "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم" رواه البخاري (72) ومسلم (1327) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-، قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: "وفي قوله -صلى الله عليه وسلم- إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم" دليل على أنه من عجز عن فعل المأمور به كله وقدر على بعضه، فإنه يأتي بما أمكنه منه ثم ذكر أمثلة لذلك.
لكن على إخواننا في العراق أن يخلصوا نياتهم لله، وأن يقاتلوا لرد عدوان الكافرين وإعلاء كلمة الحق والدين، وألا يشوب نياتهم نصر الرايات الجاهلية، فقد روى أبو موسى الأشعري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" أخرجه الشيخان البخاري (123) ، ومسلم (1904) .(7/476)
ويرجى لهؤلاء القتلى الشهادة في سبيل الله، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-"من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد" أخرجه الخمسة، الترمذي (1421) ، والنسائي (4095) ، وأبو داود (4772) ، وأحمد (1652) ،- وأما ابن ماجة فلم يرد فيه بهذا اللفظ،- بسند صحيح.
والله أعلم -وصلى الله على نبينا محمد-.(7/477)
واجب المسلم إذا احتل الكفار بلده
المجيب خالد بن عبد الله البشر
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 06/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما هو الواجب الشرعي على المسلمين إذا احتل الكافر بلدهم على ضوء ما قرره أهل العلم؟ هل الكفار الذين يحتلون بلاد المسلمين يجوز التعاون والتعامل معهم؟ علماً أن السيادة والقيادة بيد المحتل الكافر، وجزاكم الله خيراً وأحسن إليكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
بالنسبة إلى سؤالكم الأول ونصه: ما هو الواجب الشرعي على المسلمين إذا احتل الكافر بلدهم على ضوء ما قرره أهل العلم؟
وجوابه:
إن من المتقرر عند الأصوليين أن "الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره"، وقال ابن القيم: " فههنا نوعان من الفقه لا بد للحاكم منهما: 1/ فقه في أحكام الحوادث الكلية 2/ وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس، يميز به بين الصادق والكاذب، والمحق والمبطل، ثم يطابق بين هذا وهذا فيعطي الواقع حكمه من الواجب، ولا يجعل الواجب مخالفاً للواقع " (انظر: الطرق الحكمية لابن القيم ص:4) .
ومما أجمع عليه علماء الأمة وجوب دفع عدوان الكافر على بلاد المسلمين فرضاً عينياً على أهل تلك البلاد، وانعقد الإجماع عليه من غير خلاف.
قال ابن تيمية: "فأما إذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه، فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعاً " (4/ 607 الفتاوى الكبرى) .(7/478)
وقال ابن بن قدامة - مبيناً الحالات التي يجب فيها الجهاد فرضاً عينياً - "الثاني إذا نزل الكفار ببلد المسلمين تعين على أهله قتالهم والنفير إليهم، ولم يجز لأحد التخلف إلا من يحتاج إلى تخلفه لحفظ الأهل والمكان والمال ومن يمنعه الأمير الخروج، لقوله -تعالى- انفروا خفافا وثقالا " (الكافي في فقه ابن حنبل 4/254) ، وإن الناظر في التعاطي مع أحداث العراق بعد شنّ العدو الصليبي هجمته على بلاد المسلمين، وما أفرزته تلك الهجمة من سفك الدماء وانتهاك الأعراض، وإتلاف الحرث والنسل والإفساد في الأرض بمعاذير واهية، ومبررات ساقطة. يجد في هذا التعاطي مع هذه الحادثة المؤلمة؛ أن بعض من تناولها من الناحية الشرعية من يوجب النفير العام لكل المسلمين في جميع أنحاء الأرض، دون الالتفات إلى ضوابط الجهاد، وما يكتنفه من المصالح أو المفاسد، ويستند أصحاب هذا الاتجاه إلى نصوص الكتاب والسنة وأقوال العلماء المستفيضة في وجوب جهاد الدفع عن بلاد المسلمين إذا دهمها العدو، وتُعدّ هذه الحالة من الحالات التي يجب فيها الجهاد فرضاً عينياً على كل مسلم بَعُد من العدو أو قَرُب.
بينما نجد في الجهة المقابلة النقيض بعينه من هذه الأحداث، ممن يقول إن هذه الأحداث فتنة يجب على مسلم أن ينأى بنفسه عنها، ثم يسقط أدلة وجوب كف القتال في الفتنة على تلك الأحداث، ولم ينتبه إلى أن أحاديث الكف عن القتال في الفتنة إنما هي في قتال المسلمين بعضهم لبعض دون قتال المسلمين لعدوهم الكافر!.
ونجد لم يفطنوا إلى أن تلك الفتاوى على تضادها قد يكتوي بها إخواننا المسلمون في تلك البلاد ومن هم خارجها؛ لأنها لم تراعِ جملة أمور:-
- أن ما يناسب المسلم في الشيشان من الفتاوى في مسائل الجهاد قد لا يناسب المسلم منها في العراق، وعلى هذا قسه في جميع بلاد المسلمين التي اعتدى عليها أعداؤهم.(7/479)
- أن الخوض في مسائل الجهاد دون أن يدرك الخائض فيها أبعادها الشرعية والزمانية والمكانية وأحوال الناس وواقع العدو الكافر من حيث ترتّب المصالح وانتفاء المفاسد أو ترتيبها عند التعارض مما قد يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها.
- أنه ثبت واقعاً أن بعض المسلمين حينما اعتدى العدو الكافر على بلادهم أنهم كانوا أحوج إلى الدعم المالي أكثر من الدعم البدني، مما يؤكد أن حاجات المجاهدين على ثغور بلاد المسلمين تختلف من بلد إلى بلد آخر، ومن زمن إلى زمن آخر.
وما سبق هو جواب عام عن هذا النوع من الجهاد.
وأما بالنسبة لإخواننا المجاهدين داخل العراق فإنني أهيب بكل مسلم في بلاد العراق أن يلتفَّ حول علماء المسلمين في العراق؛ فإن الله تعالى قد هيّأ للمسلمين هناك علماء ربانيين مخلصين، ومن جملتهم هيئة علماء المسلمين في العراق، وأن يصدر المسلمُ في العراق عن رأي هؤلاء العلماء؛ لأنهم أقرب من غيرهم في تصوّر الواقع، وما يناسبه من معالجة، وكذلك أخذ رأيهم في كيفية جهاد العدو الكافر وأساليبه.
وأما السؤال الثاني:
هل الكفار الذين يحتلون بلاد المسلمين يجوز التعاون والتعامل معهم، علماً أن السيادة والقيادة بيد المحتل الكافر؟.
لا يجوز التعاون مع العدو الكافر، ولا التعامل معهم فيما من شأنه تثبيت يد العدو على البلاد، بل يُعد هذا من المظاهرة للكفار على المسلمين، وهو كفر وردة، وخروج عن الملة، دلَّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، منها: ما جاء في كتاب الله قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".(7/480)
وقال الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - مبيناً نواقض الإسلام المجمع عليها - " قال الناقض الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم ". (انظر: مجموع فتاويه1/274) .
وأما إن كانت استعانة العدو الكافر بالمسلم فيما من شأنه خدمة إخوانه المسلمين، وتسيير أمورهم من العمل في المستشفيات ونحوها فلا بأس إذا دعت الحاجة لذلك، وتضرر المسلمون من عدم القيام بها، مع ضرورة الأخذ برأي علماء المسلمين في العراق في كل واقعة بعينها، وما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد.
نسأل الله أن يفرّج عن إخواننا المسلمين في العراق كربهم، وأن ينصرهم على عدوهم. اللهم آمين.(7/481)
البيع لمن يحارب المسلمين
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 18/8/1424هـ
السؤال
هل يجوز لي البيع للكافر الذي يحارب المسلمين الآن؟ إذا كان الجواب لا، فإن الأصل في البيع الحل فلماذا حرم مع التعليل؟.
الجواب
نعم الأصل في عامة البيوع هو الحل، لقوله تعالى "وأحل الله البيع ... "، ولكن هذا الأصل إذا طرأ عليه ما ينقضه أو يغيره تغير الحكم إلى ضده، ألا ترى أن البيع بعد الأذان الثاني يوم الجمعة حرام، نص العلماء على بطلانه، أو عدم انعقاده، أخذاً من قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" [الجمعة:9] . أي اتركوا البيع بعد النداء يوم الجمعة والأصل في الأمر اقتضاء الوجوب، كما أجمع العلماء على منع بيع العنب ممن علم أنه يتخذ منه خمراً، والله يقول: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة: من الآية2] .
وما دام الكافر يحارب المسلمين فلا يجوز بيعه ولا الشراء منه؛ لأن في هذا إعانة له على حرب المسلمين، وفعل هذا من الإثم والعدوان كما نصت عليه الآية، فالعلة من تحريم مبايعة الكافر الذي يحارب المسلمين ليست هي الكفر، ولكن العلة المانعة من ذلك هي محاربته للمسلمين، فإذا كف أذاه عن المسلمين وقتالهم جازت مبايعته، ورجع الأمر إلى الأصل، وهو الإباحة، وهذا هو معنى القاعدة الأصولية عند العلماء (الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً) .
وخلاصة القول: لا يجوز للمسلم أن يبيع الكافر في زمن الحرب، لأن في هذا إعانة للكفار على المسلمين، ولا يبعد أن يكون هذا الفعل مظاهرة ومناصرة للكفار على المسلمين، ويخشى أن يكون هذا من التولِّي المحرَّم في الآية "ومن يتولهم منكم فإنه منهم" [المائدة:51] والله أعلم.(7/482)
نقل السياح مع خمورهم
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 29/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من المعلوم يقينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن في الخمر عشراً منهم حاملها.
السؤال: شخص يتعامل مع السواح الأجانب في بلد إسلامي من خلال مؤسسة سياحية، يقوم بخدمتهم ونقلهم للأماكن السياحية في البلد، وقد تستغرق الرحلة أياماً، ومن ضمن ما يحملون من أغذيتهم الخمر.
هل في حملهم للخمر في سيارته - وهم يشربونها في ديانتهم - هل يعتبر داخلاً في لعن من حمل الخمر للغير؟ وإذا كان هو الذي يشتريها لهم من خلال برنامج رحلتهم وأغذيتهم هل يدخل ضمن المشتري للخمر للغير؟ أرجو الإجابة بشكل قاطع للحجة، لأن البعض يفتي بجواز حمل الخمر للكفار في هذه الرحلات وشرائها لهم، بدعوى أنها غير محرمة عليهم في ديانتهم، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد فالجواب أن تعاطي الخمر والإعانة على ذلك من الإثم والعدوان، والله تبارك وتعالى يقول: "وتعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة: من الآية2] ، أما عن الفقرة الأولى من السؤال وهي: هل في حملهم للخمر في سيارته ... الخ. حكم الحمل المنهي عنه في الحديث والجواب، إن ما حملوه في سيارتك للتجارة والتسويق فهو داخل في الحمل المنهي عنه، أما إذا كان هذا خاص بهم لشربهم ومع متاعهم وليس للتجارة ففي نظري أنه لا يدخل في الحمل المنهي عنه، لكن عليك أن لا تعينهم لا على حمله ولا على تنزيله، لأن في ذلك إعانة على الإثم والعدوان.
أما عن الفقرة الثانية من السؤال وهي إذا كان يشتريها لهم ... الخ. فالجواب أن هذا يدخل في حكم المشتري للخمر بلا شك، والرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المذكور في السؤال لعن في الخمر عشرة وذكر منهم بائعها ومبتاعها، أي مشتريها، والله أعلم.(7/483)
سرقة بطاقات الائتمان على اليهود والنصارى
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 23/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هناك بعض الإخوة المتمرسين بالكمبيوتر والإنترنت، ولهم القدرة على اختراق المواقع وتخريبها وسرقة الأرقام السرية، فهل تحل لهم سرقة أرقام بطاقات الائتمان الخاصة باليهود والنصارى من مواقعهم الإلكترونية والشراء بها؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فكون الإنسان يهودياً أو نصرانياً لا يجعل ماله مباحاً لنا؛ لأن كل من عصم منا دمه فقد عصم منا ماله، فعصمة المال تابعة لعصمة الدم.
وأكثر هؤلاء النصارى واليهود ـ أعني اليهود في غير فلسطين ـ هم معصومو الدم والمال؛ لأنهم معاهدون، بينهم وبين المسلمين تجارات وعلاقات ومعاهدات، وليس بينهم وبين المسلمين قتال.
والكافر الذي يباح لنا ماله هو كل من كان مهدر الدم منهم، إذ عصمة المال تابعة لعصمة الدم، ومهدورو الدم منهم الحربيون، الذين بيننا وبينهم حربٌ وقتال.
على أن الإسلام ليس في مقاصده ولا في أحكامه الحض على هذه الحيل اللصوصية المذكورة في السؤال.
فدعك منها، فلست من أهلها، وليست بالتي تليق بك، فأنت أرفع قدراً وهمة من التطامن لهذه الخسائس.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم(7/484)
موالاة الكفار لغرض دنيوي
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 9/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل موالاة الكفار لغرض دنيوي مع سلامة الاعتقاد، وعدم إضمار نية الكفر والردة، كفر أم من كبائر الذنوب؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
هناك فرق في الموالاة، فالموالاة الكلية بحيث إنه يوادّهم ويحبهم ويخدمهم ويقوم لهم، ويفضلهم على غيرهم، ويتواضع لهم، فهذا بلا شك أنه كفر؛ لقوله تعالى: "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" [المائدة: من الآية51] ، أما إذا لم يصل الأمر إلى ذلك، وإنما في أشياء خصوصية قد يكون سببها خوفاً من بطشهم أو نحو ذلك، مع بغضه لهم فهذا جائز على ما جاء في الحديث: "إنَّا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم"رواه البخاري تعليقاً كتاب: الأدب باب: المداراه مع الناس عن أبي الدرداء - رضي الله عنه-.(7/485)
من لم تبلغه الدعوة أو لم يفهمها
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 25/4/1424هـ
السؤال
ما حكم غير المسلم الذي يعيش في بلاد الكفار والذي لم يصله الإسلام بصورته الصحيحة؟ حيث إنه يعرف الإسلام عن طريق الإعلام لديه، والذي يعطي صورة مشوهة عن الإسلام، أو عن طريق بعض المنافقين الذين يعيشون في بلادهم، ولا يحملون من الإسلام غير الاسم فقط، وقد سمعت من بعض الشيوخ أن شيخ الإسلام ابن تيمية قال: إن الناس على ثلاثة أنواع: (1) مسلم (2) كافر (3) لا مسلم ولا كافر، فهل النوع الثالث هو الذي ينطبق على غير المسلمين الذين لم يصلهم الإسلام صحيحاً؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأشكر لك يا أخي اهتمامك بدعوة الإسلام الذي يدل عليه سؤالك عن حكم غير المسلم الذي يعيش في بلاد الكفار، والذي لم يصله الإسلام بصورته الصحيحة، وأقول وبالله التوفيق:(7/486)
أفاد شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى (2/78) بقوله: (إن حال الكافر لا تخلو من أن يتصور الرسالة أو لا، فإن لم يتصورها فهو في غفلة عنها، وعدم إيمان بها، كما قال تعالى: "وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً" [الكهف: من الآية28] وقال: "فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ" [الأعراف:136] ، لكن الغفلة المحضة لا تكون إلا لمن لم تبلغه الرسالة، والكفر المعذب عليه لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة) ، إلى أن قال - رحمه الله (فكل مكذب لما جاءت به الرسل فهو كافر، وليس كل كافر مكذباً، بل قد يكون مرتاباً إن كان ناظراً فيه، أو معرضاً عنه بعد أن لم يكن ناظراً فيه، وقد يكون غافلاً عنه لم يتصوره بحال، لكن عقوبة هذا موقوفة على تبليغ المرسل إليه) .
وبهذا يتبين أنه لا يحكم بالإسلام للمشرك الجاهل البتة، إلا أنه لا يحكم عليه بالعذاب في الدارين إلا بعد إقامة الحجة، وهم قبلها مشركون وليسوا بمسلمين، ويؤكد هذا المعنى بقوله: (ولكن لا يعذب الله أحداً حتى يبعث إليه رسولاً، وكما أنه لا يعذبه فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة، ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه، فمن لم تبلغه الدعوة في الدنيا امتحن في الآخرة ولا يدخل النار إلا من اتبع الشيطان، فمن لا ذنب له لا يدخل النار، ولا يعذب الله بالنار أحداً إلا بعد أن يبعث إليه رسولاً) المجموع (14/477) .
وعلى هذا فالتقسيم للناس من حيث الإسلام والكفر يكون على هذا النحو: مسلم آمن بالله ورسوله - عليه الصلاة والسلام - ظاهراً وباطناً (المؤمن الصادق) أو ظاهراً فقط (المنافق) .
وكافر مشرك بلغته الدعوة ولم يصدق بها، بل كذب وأعرض فله العقوبة في الدارين.
وكافر لم تبلغه الدعوة فليس عليه العقوبة حتى تقام عليه الحجة، وقد دلت الآثار على أنه يمتحن في عرصات القيامة، والله أعلم.(7/487)
اختلاس أموال الكفار
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 27/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
نعلم جميعا ما يقوم به أعداء الله من تجميد أموال الجمعيات الخيرية وأصحاب الدعم للأعمال الإسلامية (دعوية ... أو صدقات..أو غيرها من أعمال البر) ، وهم بذلك يجمدونها من غير وجه حق.....فإذا نظرنا لأسباب غزوة بدر..نجد أنها القافلة ... والعير وكذلك فعل أبي بصير هو وأبو جندل من قطع الطريق على القوافل، رغم المعاهدة التي بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وقريش في ذلك الوقت، وعدم إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم -.
السؤال: هل يجوز أخذ أموال الكفار (بغض النظر عن الطريقة) ؟ مع العلم أن الأمثلة التي ذكرتها من سبب الغزوة، وفعل أبي بصير من باب الاستدلال، وذلك لدعم الدعوة بفروعها، وهل يجوز الأكل منها بعد إخراج "الخمس"، وذلك لأن الكافر حلال الدم والمال؟ والله أعلم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالإنسان يعصم دمه وماله بواحد من أربعة أمور: الإسلام والأمان والعهد وعقد الذمة، فالذمي والمعاهد والمستأمن كلهم كفار، لكن لا يجوز للمسلمين الاعتداء عليهم، أما الكافر غير ما سبق - ويسمى الحربي - فإنه حلال الدم والمال.
وعليه فإن كان المراد بأخذ مال الكافر الذمي، أو من أمنه المسلمون أو كان بينه وبين المسلم معاهدة على ترك القتال، فهذا لا يؤخذ ماله، وليس بحلال الدم والمال، قال تعالى: "فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" [التوبة: من الآية4] .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً" (صحيح البخاري 3166) .(7/488)
أما أبو بصير فإنه لم يدخل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ رده إلى المشركين وفر منهم واجتمع إليه عصابة ممن أسلم من قريش، وهذا يدل على أن لكل دولة أو جماعة منفصلة بإمام ذمة مستقلة في العهود والأمان، وهذا اختيار ابن تيمية وابن القيم.
قال ابن القيم: (العهد الذي كان بين النبي وبين المشركين لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه وبينهم) (زاد المعاد 3/309) .
وإذا أراد المسلم أن يواجه أعداء الله وما يسعون إليه من تجميد أموال المسلمين وتبرعاتهم فإنه يستعمل أسلوباً مباحاً لا يترتب عليه ضرر خاص ولا عام، ومن استعان بالله وبذل جهده وأعمل فكره وفقه الله، "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا".(7/489)
أهل الذمة
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 22/4/1424هـ
السؤال
من هم أهل الذمة؟ وهل ينطبق اليوم عليهم حديث الرسول - عليه الصلاة والسلام - "من آذى ذمياً فأنا خصيمه يوم القيامة"؟ وهل يجوز القيام بمهاجمة السفارات والمصالح الأجنبية للدول الكافرة في بلاد المسلمين، وما رأي فضيلتكم في الأحداث التي شهدتها الرياض مؤخراً؟
الجواب
الكفار عموماً إما أهل حرب وإما أهل عهد، وأهل الحرب هم الذين أعلن ولي أمر المسلمين (الإمام) الحرب بيننا وبينهم بالسلاح، أما الحرب التي تقوم بين دولتين مسلمتين فلا يسمى المقاتلون من الطرفين أهل حرب، ولا يأخذون أحكامهم، لأن (أهل الحرب) خاص بالكفار، أما غيرهم فمسلمون وإن تقاتلوا فقد أثبت الله لهم الإيمان والأخوة بقوله: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" [الحجرات:10] ، وأما أهل العهد من الكفار فثلاثة أصناف.
(1) أهل الذمة ممن تؤخذ منهم الجزية: وهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وهؤلاء تجري عليهم أحكام الإسلام، غير أنهم لا يجوز أن يقيموا إقامة دائمة في جزيرة العرب لحديث: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب" رواه مالك في الموطأ (1697) وغيره.(7/490)
(2) أهل هدنة: وهم من بيننا وبينهم حرب فاتفقنا معهم على إيقاف الحرب لمدة محددة معلومة، ويقال لهم (أهل الصلح) ولا يجوز أن يعقد الصلح أو الهدنة إلى الأبد، لأن في هذا تعطيل لأصل الجهاد، وإنما نهادنهم إذا كنا ضعفاء، فإذا تقوينا أعلن لهم الجهاد.
(3) أهل أمان: وهم الذين يقدمون من الكفار لبلاد المسلمين، كرجال الأعمال والزائرين وأصحاب المهن والحرف، وأهل الأمان وأهل الهدنة من المشركين لا تؤخذ منهم الجزية وإنما يقرون حسب الشروط التي بيننا وبينهم، وجميع هذه الأصناف الثلاثة من أهل الذمة والهدنة والأمان كلهم أهل عهد وذمة يشملهم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً" أخرجه البخاري (3166) من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما-، وحديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - "ذمة المسلمين واحدةٌُ يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يُقبل منه صرفٌُ ولا عدلٌُ" رواه البخاري
(3179) ، ومسلم (1370) .
وهذا ينطبق على بلادنا [المملكة العربية السعودية] وما يشبهها من بلاد المسلمين الذين لم تكن الحرب معلنة بينهم وبين الكفار، وأما البلاد التي أعلنت فيها الحرب بين المسلمين والكفار كالفلسطينيين مع اليهود والشيشان مع الروس فلا تنطبق عليهم هذه الأحاديث ونحوها، لأن الكفار مع الفلسطينيين والشيشان أهل حرب وليسوا أهل عهد وأمان، ومهاجمة السفارات والمصالح الأجنبية خارج بلاد المسلمين ممن لهم معنا عهد وذمة حرام لا يجوز، كما لا تجوز مهاجمتهم داخل بلادنا، أما من بينهم وبين الكفار حرب قائمة فيجوز لهم ذلك.(7/491)
أما التفجيرات التي شهدتها الرياض أخيراً فهي جريمة نكراء وحادث بشع أزهقت فيه أرواح مسلمة وغير مسلمة بغير حق، واختصاراً للوقت فإني أنصحك وغيرك بقراءة البيان الصادر بهذا الخصوص من الموقع من (47) من العلماء والمشايخ، والمنشور في بيان حول حوادث التفجيرات، ففيه غنية وكفاية لمن كان يريد الحق، وفق الله الجميع إلى كل خير.(7/492)
"أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 1/6/1424هـ
السؤال
نعلم جميعا أن المعاهد هو من دخل البلاد الإسلامية بموجب عقد أمان من أي مسلم، وشروط هذا العقد محددة على حسب ما جاءت به الشريعة ... ومعلوم أن أي معاهد ينقض شرطاً واحداً بذلك ينقض العقد الذي بينه وبين من عاهده من المسلمين، وعند أهل العلم أن من الشروط دفع الجزية، وعدم إظهار دين المعاهد، والقيام للمسلم، والإفساح له ... الخ، والناظر في أحوال الكفرة في بلاد المسلمين لا يقومون بشرط واحد، فهم خالفوها كلها ... فهم إذاً ليسوا بمعاهدين..، ويزيد الأمر عظمة عندما يكونون في جزيرة العرب، التي أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعده بإخراجهم منها، بغض النظر عن حدود هذه الجزيرة ... فسؤلي هو: ما صحة ما مضى من قول بمعايير الشريعة؟ وإن كان صحيحاً فما هو ردكم على من حرم العمليات من تفجير وغيره بحجة المعاهدة؟ ونحن لا نراها لعدم ظهور مصلحة لنا، والمفاسد أعظم، ونحرمها لذلك، لا لأنهم قتلوا معاهدين ...
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن الكفار إما أهل حربٍ، وإما أهل عهد، كما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان المشركون على منزلتين من النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين: كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهدٍ لا يقاتلهم ولا يقاتلونه) .
وأهل العهد ثلاثة أصناف:
أهل ذمة: وهم الذين يُقرّون في ديارهم التي يحكمها المسلمون على أن يؤدوا الجزية ولهم ذمة مؤبدة، بشرط أن يجري عليهم حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.(7/493)
أهل هدنة (صلح) : وهم الذين صالحهم المسلمون على حقن الدماء والكف عن الإيذاء والاعتداء، ولا تجري عليهم أحكام المسلمين؛ لأنهم مستقلون في بلادهم وليس للمسلمين يدٌ عليها.
المستأمنون: وهم الذين يقدمون بلاد المسلمين من غير استيطان لها، ولكن لتجارةٍ أو عملٍ أو زيارةٍ أو نحو ذلك.
وكل هؤلاء الأصناف الثلاثة لا يجوز الاعتداء عليهم، ولا سلب أموالهم ولا إيذاؤهم، فدماؤهم وأموالهم معصومة.
والصنفان الأخيران لا يجب عليهم ـ كما توهم السائل ـ دفعُ الجزية، ولا يلزمهم القيامُ للمسلم ولا الإفساح له..إلخ.
وعقدهم وعهدهم باقٍ يجب الوفاء به والتزامه ولو في جزيرة العرب، فإن دخول الكافر إلى جزيرة العرب بعهد أمان من مسلم أو من دولة لا يجعل العهد منكوثاً، ولا دمه مهدراً..
وأما حديث إخراج المشركين من جزيرة العرب، فلا يدل على جواز قتل مَن في جزيرة العرب من اليهود والنصارى والمشركين البتة، لا بدلالة منطوقه ولا بدلالة مفهومه.
ولا يدل كذلك على انتقاض عهد من دخل جزيرة العرب من اليهود والنصارى لمجرد الدخول، ولم أجد من قال بذلك من أهل العلم.
وغاية ما فيه: الأمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب، وهو أمر موكول إلى إمام المسلمين ولو كان فاجراً.
ولا يلزم من الأمر بإخراجهم إباحة قتلهم إذا بقوا فيها، فهم قد دخلوها بعهد وأمان، حتى على فرض بطلان العهد الذي أُعطوه لأجل الأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فإن الكافر الحربي لو دخل بلاد المسلمين وهو يظن أنه مستأمن بأمانٍ أو عهد لم يجز قتله حتى يبلغ مأمنه أو يُعلِمه الإمام أو نائبه بأنه لا أمان له. قال أحمد: "إذا أشير إليه ـ أي الحربي ـ بشيء غير الأمان، فظنه أماناً، فهو أمان، وكل شيء يرى العدو أنه أمانٌ فهو أمان" أ. هـ (حاشية ابن قاسم4/297) .(7/494)
على أن لأهل العلم في تحديد جزيرة العرب المقصودة في الحديث كلاماً طويلاً وخلافاً مشهوراً بعد اتفاقهم على تحريم استيطانهم لحرم مكة.
فذهب أحمد إلى أن جزيرة العرب هي المدينة وما والاها. قال في المغني 13/243: (يعني أن الممنوع من سكنى الكفار به المدينةُ وما والاها، وهو مكة واليمامة وخيبر والينبع وفدك ومخاليفها وما والاها. وهذا قول الشافعي؛ لأنهم لم يُجلوا من تيماء، ولا من اليمن) . ثم قال ـ أي ابن قدامة: (فكأن جزيرة العرب في تلك الأحاديث أُريد بها الحجاز، وإنما سمي حجازاً لأنه حجز بين تهامة ونجد. ولا يمنعون من أطراف الحجاز كتيماء وفيد ـ بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة ـ ونحوهما؛ لأن عمر لم يمنعهم من ذلك) أهـ.
كما أن دلالة الحديث تحتمل قصر المنع على استيطان جزيرة العرب، لا إقامتهم فيها للعمل المؤقت أو التجارة، كما هو شأن الكفار الوافدين.
والظاهر أن الأمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب مقيدٌ بحالة عدم الحاجة إليهم في عمل من الأعمال التي لا يجيدها غيرهم، أو لا يُستغنى فيها عن خبراتهم.
وقد أفتى بعض مشايخنا بجواز استقدام الكفار عند الحاجة، وقصروا تحريم استقدامهم فيما إذا أمكن الاستغناء عنهم.
والمقصود أن الأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب لا يقضي بانتقاض عهدهم وأمانهم إذا دخلوها، بل هو عقد ماضٍ محترم، فدماؤهم معصومة، وأموالهم معصومة، ولا يجوز الاعتداء عليهم، ولا إيذاؤهم.
ومع ذلك ينبغي ألا يُترك في جزيرة العرب من هؤلاء إلا من تدعو الحاجة والمصلحة إلى بقائه فيها، وأنصح القارئ بمراجعة كتاب أسئلة جريئة المنشور في موقع الإسلام اليوم، ففيه تفصيل مفيد ومهم..
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(7/495)
عمل المسلم عند النصراني
المجيب عبد الله بن سليمان بن منيع
عضو هيئة كبار العلماء
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 22/11/1424هـ
السؤال
هل يجوز أن يعمل المسلم عند نصراني للحاجة المادية؟ خاصة إذا كان العمل عبارة عن تصنيع لوحات خاصة بالنصارى (تصنيع الصليب) .
الجواب
إذا كان يقوم بأعمال تخدم عبادتهم فهذا تعاون منه معهم على الإثم والعدوان، ولا يجوز له ذلك، وكذلك لو عمل في بيع الخنازير، أو تسويقها، أو تصنيعها، أو المخدرات، أو نحو ذلك، أو كبيع الخمور في معارض وبقالات، وسوبر ماركت، ونحو ذلك.
وعليه أن يبحث عن عمل آخر لعل الله سبحانه وتعالى أن يوفقه، والله سبحانه وتعالى يقول: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب" ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
أما لو كان يعمل في أعمال مباحة كمحاسبة، أو تجارة، أو نحو ذلك، ولا يكون فيما يزاوله أمور محرمة فلا بأس أن يعمل ولو عند الكافر، وقد ثبت أن علياً بن أبي طالب - رضي الله عنه وأرضاه - كان يسقي ماء يهودية بعدة تمرات، وأعطى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- منها شيئاً فأكلها، فهذا يدل على جواز أن يعمل المسلم عند الكافر، لكن بشرط ألا يكون ذلك على سبيل السلطان عليه، وإنما يكون على سبيل أن يقوم بعمل محدد وبأجرة معروفة، نقول: لا بأس بذلك. والله أعلم.(7/496)
الأصل في دماء وأموال الكفار
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 6/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ.. سؤالي هو: عن الأصل في الكفار دمائهم وأموالهم هل هو الحل أم الحرمة؟ أرجو بيان ذلك بالأدلة الشرعية.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد جعل الله سبحانه وتعالى لدماء الناس وأموالهم حرمة ومكانة عظيمة، وجعل لهذه الحرمة والمكانة أسباباً، أهمها وأولاها: الإسلام فإذا أسلم الإنسان حرم دمه وماله، إلا إذا اقترف ما يبيح دمه أو ماله، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" متفق عليه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- البخاري كتاب: الإيمان، رقم الحديث (25) ، ومسلم كتاب: الإيمان رقم الحديث (22) واللفظ لمسلم.
هذا حكم دماء المسلمين وأموالهم، أما بالنسبة لأحكام دماء الكافرين وأموالهم فقد بينتها الأدلة الشرعية وتحدث عنها العلماء بالتفصيل، حيث قسم العلماء الكفار من حيث علاقتهم بالمسلمين إلى أربعة أقسام، ويختلف حكم دمائهم وأموالهم باختلاف هذه الأقسام، وفيما يأتي أذكر هذه الأقسام مقرونة بأحكامها:(7/497)
القسم الأول: كفار حربيون أو أهل الحرب، وهم الكفار الذين هم في حال حرب مع المسلمين فلم يدخلوا في عقد الذمة، ولا يتمتعون بأمان المسلمين، ولا عهدهم، وهذا القسم حلال الدم والمال، فيجوز ويشرع للمسلم قتل الكافر المحارب وأخذ ماله، وقد دلت السنة النبوية على هذا الحكم، كما في الحديث السابق، ويشهد لهذا الحكم فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزواته مع المشركين.
القسم الثاني: كفار ذميون أو أهل الذمة، وهم الكفار من اليهود والنصارى الذين أُقروا في دار الإسلام على كفرهم بالتزام الجزية ونفوذ أحكام الإسلام فيهم، وهذا القسم معصوم الدم والمال، فلا يجوز لأحد من المسلمين الاعتداء عليهم، لأنهم في ذمة المسلمين وحمايتهم، حيث يقوم المسلمون بحمايتهم مقابل ما يأخذونه منهم من جزية.
القسم الثالث: كفار معاهدون أو أهل عهد، وهم: الكفار الذين صالحهم إمام المسلمين على إنهاء الحرب مدة معلومة لمصلحة يراها الإمام، والمعاهد مأخوذ من العهد، وهو: الصلح المؤقت، ولا يجوز أن يكون الصلح إلى الأبد، لأن في هذا تعطيلاً لأصل الجهاد، وإنما نعاهدهم إذا كنا ضعفاء، وهذا القسم معصوم الدم والمال في وقت العهد والصلح، فما دام الصلح قائماً فإنه يحرم على المسلمين الاعتداء عليهم؛ لأن في ذلك نقضاً للعهد والمواثيق، وذلك محرم لقوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" [المائدة:1] ، وإذا انتهى الصلح فإن حكمهم حينئذ يكون حكم المحاربين، فتحل دماؤهم وأموالهم.(7/498)
القسم الرابع: كفار مستأمنون أو أهل الأمان، وهم الكفار الذين يدخلون في دار الإسلام بأمان كرجال الأعمال والتجار وأصحاب الصناعة والمهن التي يحتاج إليها المسلمون، وهذا القسم من الكفار معصوم الدم والمال ما داموا ملتزمين بالشروط المبرمة بينهم وبين المسلمين؛ لأن مقتضى الأمان حفظ دمائهم وأموالهم ولو جاز للمسلمين الاعتداء على دمائهم وأموالهم لانتفى عقد الأمان بينهم وبين المسلمين، وهذا الحكم ينطبق على المسلم الذي دخل إلى بلاد الكفار، فلا يجوز له الاعتداء على دمائهم وأموالهم.
ومن خلال هذا العرض يتبين أن الكفار عموماً على قسمين:
القسم الأول: أهل حرب، تحل دماؤهم وأموالهم.
القسم الثاني: أهل عهد، ويشمل: الكفار الذميين، والمعاهدين، والمستأمنين تحرم دماؤهم وأموالهم؛ لأنهم أهل عهد، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول:"من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً" أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-، كتاب: الجزية والموادعة رقم الحديث (3166) ، هذا هو حكم دماء الكفار وأموالهم من حيث الأصل، أما إذا اقترف أحدهم جناية أو حداً من حدود الله فإن الحكم يختلف باختلاف الجناية أو الحد الذي اقترفه، ولذلك تفصيل يطول المقام بذكره، ومن أراد الاطلاع عليه فليراجع ما كتبه الفقهاء في كتاب الجهاد والحدود.
والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(7/499)
بدء اليهود والنصارى بالسلام
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 18/1/1425هـ
السؤال
هل هناك حديث في صحيح مسلم يقول لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه. رواه مسلم. أنا لا أشك في صحة سند الحديث إذا كان موجوداً في صحيح مسلم. ولكن لي بعض الشكوك في معنى الحديث (لا أدري هل هذا بسبب قلة إيماني أم لا) .نعم، منع بدء اليهود والنصارى بالسلام، أستطيع أن أفهم، لأن السلام اسم من أسماء الله وهو تحية خاصة بأهل الإسلام وأهل الجنة، لكن الشق الثاني من الحديث "اضطرار اليهود والنصارى إلى أضيق الطريق" هو المشكلة. هل من المعقول أن يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله الله -تعالى- رحمة للعالمين هذا الكلام؟؟ ماذا يكون لو أن هذا الحديث قد طبقه المسلمون؟ وماذا يظن غير المسلمين لو عرفوا هذا الحديث؟ وما الفائدة في اضطرارهم إلى أضيق الطريق؟؟؟ لماذا هذه الكراهية؟ ماذا لو سألني أحد النصارى الذي قرأ هذا الحديث أليس هذا كراهية المسلمين العمياء ضد أديان أخرى؟؟ أرجو منكم أن تزيلوا الشكوك من نفسي … جزاكم الله خيراً،،
الجواب
روى الإمام مسلم في صحيحه (2167) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه".(7/500)
ليس المراد باضطرارهم إلى أضيق الطريق ما تبادر إلى ذهن السائل من أن يزاحمهم إلى الجدار ويحشرهم دون مبرر سوى الكراهية!! كلا بل المقصود ما يسمى بلغة العصر: "أفضلية المرور"، أي إذا كان الطريق لا يتسع إلا لعبور شخص واحد، فلا يليق أن يقدم الكافر على المسلم، لأن ذلك من مظاهر الإكرام والتقديم، وتقديم الكافر على المسلم تقديم للكفر على الإسلام.
وليعلم الأخ السائل أن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله وليست كراهة المؤمن للكافر نابعة من تعصب مجرد بل هي كراهية لما عليه الكافر من محادة لله ورسوله -عليه الصلاة والسلام-، وكل مؤمن يتمنى لو آمن الناس جميعاً، وعلى الأخ السائل أن يعود نفسه على تعظيم النصوص، وطرح الشك والتهمة عنها، وأن يتهم فهمه قبل أن يتهم النص حتى لا يقع في طائلة من قال الله فيهم: "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً" [النساء:65] .(7/501)
التسري وكيف يكون
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 1/11/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قرأت أن الله تعالى ذكر المباح وهو الزواج والتسري، وذكر المحرَّم من جنس ما أباحه (وهو النساء بلا زواج أو تسرٍّ) وأعرف أن خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام تزوج سارة وتسرى بهاجر.. وسؤالي هو: ما هو التسري؟ وما معناه؟ وهل هو حلال في عصرنا الحالي؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فالتسري هو ملك السيد للأمة، وبناء عليه يجوز له وطؤها بملك اليمين، كما يجوز للرجل وطء امرأته بعقد الزواج، والتسري لا يقع إلا على من ثبت عليه الرق، والرق لا يثبت إلا بأحد طريقين:
الأول: أن يقع الكافر أسيراً في أيدي المسلمين إثر حرب بين دولة الإسلام ودولة الكفر، ويأذن إمام المسلمين باسترقاقه، وله أن يأمر بقتله، أو إطلاق سراحه بمال أو بدون مال، حسب ما يراه من المصلحة للمسلمين، وهذه الأحكام سارية في هذا العصر وإلى يوم القيامة.
الثاني: أن يكون مستولداً من أمة مسترقة، إذا كان من غير سيدها فيكون رقيقاً- يعني العبد أو الأَمَة- حتى تتاح له فرصة فيعتق مجاناً أو بمكاتبة.
وعلى هذا فلا يثبت الرق في حرب وقعت بين طائفتين من المسلمين في أي عصر من العصور، ولا يثبت الرق على الأسير الكافر إذا أمر إمام المسلمين بقتله أو إطلاق سراحه بمال أو مجاناً، لمصلحة المسلمين، ولا يثبت الرق على العبد المعتق، ولا على الحر المسترق ظلماً وزوراً.(7/502)
ومما يجدر ذكره - هنا- أن الله -تعالى- قد شرع الرق لمصالح كثيرة، منها: أن الأسير الكافر إذا استرق وبقي بين أظهر المسلمين فإنه يبدأ حياة جديدة يتعرف فيها على أحكام الإسلام وآدابه، وعلى عدله وسماحته، فينشرح صدره للإسلام، ويحبب الله إليه الإيمان، ويكره إليه الكفر والفسوق والعصيان، لا سيما إذا كان أهل الإسلام على قدر من الخلق وحسن المعاملة، فإذا خالط الإيمان بشاشة قلبه، كان ممن يتشوق الإسلام إلى مكاتبته أو عتقه مجاناً، كما دل على ذلك تشريع سائر الكفارات، ومنها كفارة القتل الخطأ، كما في قوله -تعالى-:"ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة.." [النساء من الآية:92] ، والله تعالى أعلم.(7/503)
لبس الحرير للرجال في الحرب
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 19/8/1424هـ
السؤال
هل يجوز لبس الحرير للرجال في حالة الحروب؟.
الجواب
نعم يجوز للرجل لبس الحرير في الحرب عند ملاقاة العدو؛ لكسر قلوبهم وإدخال الرعب والخوف فيهم.(7/504)
اهتماماتنا تجاه الأحداث
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 19/1/1424هـ
السؤال
أصبحت أحداث الهجوم الأمريكي على العراق، وما يسببه من مآسي، وما يتوقع أن يتبعه من تطورات مثار تساؤل عمَّا يجب علينا فعله، وما هي الاهتمامات الأولية تجاه ما يجري؟
الجواب
من أهم الأمور التي يتعين الاهتمام بها في المرحلة التي نعيشها ونواجه فيها أحداثا جساما ما يلي:
(1) حث المسلمين على الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه أن يكشف هذه الغمة عن المسلمين سواء كان ذلك عن طريق القنوت في الصلوات أو في الخطب والمحاضرات والدروس وفي كل وقت ويتأكد في الأوقات التي ترجى الإجابة فيها.
(2) تذكير الناس بضرورة التكاتف والتوحد والتعاون مع العلماء وولاة الأمر من أجل استتباب الأمن وتفويت الفرصة على من يريد شق صف المسلمين.
(3) مناصحة أولي الأمر لإزالة المنكرات الظاهرة وتفعيل عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحقيق الإصلاحات التي نادى بها المصلحون من العلماء والدعاة، ورعاية الشباب الرعاية الحقة في تلمس همومهم ومعرفة تطلعاتهم والتجاوب معها بما يحقق المصلحة للمجتمع.
(4) ضرورة قيام العلماء- وبخاصة من أحيلت إليهم أمور إفتاء الناس- بواجبهم في بيان الموقف الشرعي للمسلم في هذه الأحداث حتى لا تضطرب أفكار الناس فيتجهوا إلى الأخذ بفتاوى شاذة أو آراء متعجلة يطالعونها في وسائل الإعلام المختلفة وينشأ عن ذلك ابتعادهم عن الاتصال بكبار العلماء وأهل الحل والعقد، وإذا ابتعد الناس عن أهل العلم التمسوا البديل في بعض الفتاوى التي لا يطمأن إليها أو إلى من أصدرها.(7/505)
وعلى العلماء أن ينزلوا إلى الشباب ويصبروا على محاورتهم والسماع منهم، وليعلموا أن حال الناس في السنوات الأخيرة اختلف كثيرا عما كان عليه قبل سنوات معدودة من حيث انتشار وسائل الإعلام في كل مكان تقريبا فأصبح يتوفر للمرء سماع ومطالعة كثير من الآراء والاجتهادات المتنوعة بخيرها وشرها، فيقتضي هذا من أهل العلم أن يواجهوا هذا السيل العارم بالبيان والتوجيه في النوازل التي تهم الأمة عبر وسائل الإعلام المتاحة، وبخاصة مع ازدياد مساحة حرية الكلمة عما كانت عليه سابقا. كما أن في بيان أهل العلم وتوضيحهم هذه الأحكام لعامة الناس وطلبة العلم ما يعزز الثقة بهم ويقوي الارتباط معهم ويساعد في القضاء على ما قد يحدثه الشيطان في النفوس من الظنون السيئة.
(5) نشر الفأل الحسن بين المسلمين والبعد عن حالة الإحباط والقنوط التي ربما تصيب من يتابع الأخبار الدامية في العالم الإسلامي فيستبطئ النصر أو يقع في اليأس التام، ويتم علاج هذه الحالة بعناية أهل العلم بذكر النصوص الدالة على تكفل الله تعالى بنصر دينه وإعزازه في آخر الزمان وأن الله تعالى وعد نبيه أنه لن يسلط على هذه الأمة من يستبيح بيضتها ويقضي عليها، والتنبيه على أن المحن تحمل منحا، ويستفيد المسلمون منها دروسا وعبرا، ويحصل فيها التمييز بين المؤمنين والمنافقين , ويضرب لذلك بعض الأمثلة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم- كما في غزوة الخندق- وسير الصحابة رضي الله عنهم ومن جاء بعدهم.(7/506)
(6) الدعوة إلى أخذ الأهبة والاستعداد لما يتوقع أن تؤول إليه الأمور في المستقبل في المنطقة، وهذه الدعوة تكون عامة لولاة الأمر وللمجتمع وأفراده كل فيما يخصه، بحسب ما أمر الله تعالى وأرشد إليه؛ لتتوافر أسباب الجهاد، والاستعداد يشمل جوانب كثيرة منها الجانب العسكري والاقتصادي والعلمي والتقني والاجتماعي وغير ذلك. ولا ينبغي أن تسكرنا الغفلة وتلهينا حياة الترف عما يراد بنا، وهذا يقتضي الانصراف عن كل ما يبعد عن حياة الجد، كالفن والرياضة وما أشبه ذلك.
(7) العناية في هذا الوقت بفضح خطط الأعداء من النصارى وبيان ارتباطهم مع اليهود والمنافقين، وكشف الوجه القبيح لهؤلاء الأعداء الذين يتسترون بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والشرعية الدولية، وهم أول من يكفر بها إذا تعارضت مع مصالحهم وأطماعهم، وتجلية هذا الأمر يكشف الغفلة عن كثير ممن خدع بثقافة هؤلاء الأعداء، فاتخذهم الأعداء بوقا وأداة لهم في تضليل المسلمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(7/507)
التعامل مع الجيش الأمريكي الغازي
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 04/11/1425هـ
السؤال
هل التعاقد والتأجير مع الجيش الأمريكي بالكويت حاليًّا حلال أم حرام؟ جزاكم الله خيرًا.
الجواب
التعاقد بالبيع أو التأجير مع الكفار الذين يحاربون المسلمين لا يجوز، والعقد باطل لا يصح، لأن هذا من إعانة الكفار على المسلمين، والجيش الأمريكي الذي حارب ويحارب المسلمين في العراق وغيرها لا يجوز التعامل معه ببيع أو تأجير وخلافه، لأنه إعانة له على الإثم والعدوان وتقتيل المسلمين وسلب أموالهم وثرواتهم، والله يقول: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2] . فيجب قتال الكفار المعتدين من الصليبيين وغيرهم بكل ما تستطيع من أنواع القتال الحسي، بالسلاح إن أمكن، أو بسلاح الإعلام والاقتصاد عن طريق مقاطعة المصنوعات الأمريكية، وهذه المقاطعة أثرها عليهم لا يقل عن مقاتلتهم بالسلاح، بل هي عليهم أشد وأنكى، وقتال الكفار المعتدين ومنهم الأمريكان والإنجليز واجب متعين على كل مسلم، خاصة بمقاطعة بضائعهم، وقد أمرنا رسولنا محمدصلى الله عليه وسلم- بمثل هذا في قوله: "جَاهِدوا المُشركين بأموالِكم وأنفسِكم وألسنتِكم". رواه أبو داود (2504) والنسائي (3096) ، من حديث أنس، رضي الله عنه، نقاتلهم بأموالنا لا أن ندعمهم بها. ومن لم يفعل واحدة منها، وهو قادر، فليس من الإسلام في شيء، فإن مقاطعتهم الاقتصادية وعدم إعانتهم على منكرهم ببيع أو تأجير هي من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخلاف ذلك يصبح أمرًا بمنكر ونهيًا عن معروف، وهذا حرام قطعًا، ولا يجوز بحال. والله أعلم.(7/508)
قبول هدايا النصارى في أعيادهم
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 3/8/1424هـ
السؤال
إذا كان لي جار نصراني، فهل يمكن لي قبول هداياه في المناسبات المختلفة الخاصة به كأعياد الميلاد؟ وهل لي أن أرسل له الهدايا في المناسبات المختلفة الخاصة بنا كمسلمين، كعيدي الفطر والأضحى وشهر رمضان أو عقيقة ... إلخ؟
ملاحظة: أقصد بالهدية بأنها قد تكون طبقاً من طعام ترسل في مناسبة معينة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: نقول وبالله التوفيق.
الأصل في هدايا أهل الكتاب وغيرهم من المشركين جواز أخذها؛ لما روى الإمام أحمد في المسند (1/96) عن علي - رضي الله عنه - قال: "أهدى كسرى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبل منه، وأهدى له قيصر فقبل منه، وأهدت له الملوك فقبل منهم" وهو عند الترمذي (1576) ، وقد بوب لذلك البخاري في كتاب: الهبة من صحيحه بقوله: باب: قبول هدية المشركين، قال: وقال أبو حميد- رضي الله عنه-: أهدى ملك أيلة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بغلة بيضاء وكساه برداً وكتب إليه ببحرهم. أي ببلدهم وهو في البخاري (1481) ، ومسلم (1392) ، وعن قتادة عن أنس - رضي الله عنه - أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - انظر حديث رقم (2616) من صحيح البخاري بشرحه الفتح ج 5/230، وهو في مسلم برقم (2469) .(7/509)
وهذا يدل على جواز قبول هدية الكافر إن لم تكن عينها محرمة، وقبول الهدية منهم لم يخص بعيد ولا غيره، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مسألة قبول الهدية منهم يوم عيدهم ونقل أثراً عن علي رضي الله عنه، أنه أتي بهدية في النيروز فقبلها، ونقل عن ابن أبي شيبة في المصنف (24361) بسنده أن امرأة سألت عائشة - رضي الله عنها - قالت: إن لنا أطياراً من المجوس وإنه يكون لهم العيد فيهدون لنا، فقالت: أما ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوا، ولكن كلوا من أشجارهم، وقال: حدثنا وكيع عن الحسن بن حكيم عن أمه عن أبي برزة - رضي الله عنه - أنه كان له سكان مجوس، فكانوا يهدون له في النيروز والمهرجان فكان يقول لأهله: ما كان من فاكهة فكلوه، وما كان من غير ذلك فردوه. في المصنف لابن أبي شيبة برقم (24362) ، قال ابن تيمية بعد هذا: (فهذا كله يدل على أنه لا تأثير للعيد في المنع من قبول هديتهم، بل حكمها في العيد وغيره سواء، لأنه ليس في ذلك إعانة لهم على شعائر كفرهم، لكن قبول هدية الكفار من أهل الحرب وأهل الذمة مستقلة بنفسها فيها خلاف وتفصيل ليس هذا موضعه، وإنما يجوز أن يؤكل من طعام أهل الكتاب في عيدهم بابتياع أو هدية أو غير ذلك مما لم يذبحوه للعيد، فأما ذبائح المجوس فالحكم فيها معلوم فإنها حرام عند العامة) انظر اقتضاء الصراط المستقيم / لابن تيمية / ج2/ 552 - 553.
ويقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في مجموع فتاواه في العقيدة / جمع ناصر السليمان/ 3/33: (واختلف العلماء فيما إذا أهدى إليك أحد من غير المسلمين هدية بمناسبة أعيادهم هل يجوز لك قبولها أو لا يجوز"؟ فمن العلماء من قال: لا يجوز أن يقبل هديتهم في أعيادهم، لأن ذلك عنوان الرضا بها، ومنهم من يقول: لا بأس به، وعلى كل حال: إذا لم يكن في ذلك محظور شرعي وهو أن يعتقد المهدي إليك أنك راض بما هم عليه فإنه لا بأس بالقبول وإلا فعدم القبول أولى) أ. هـ. بتصرف.
وأما إهداؤك أنت لهم فهذا جائز لا على سبيل الاحتفاء والرضا بأعيادهم، وعليك أن تحرص أن يكون ذلك من باب قصد تألفهم، وإنقاذهم مما هم عليه بدعوتهم إلى الإسلام، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(7/510)
جيوش الكفار في بلاد المسلمين هل هم أهل الذمة؟
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 18/7/1424هـ
السؤال
هل يجوز للمسلم الذي يعيش في بلاد الإسلام أن يدفع الجزية للكافر؟ وهل جيوش الكفار في بلاد المسلمين تعتبر من أهل الذمة؟
الجواب
الجزية هي ما يدفعه الكافر إلى المسلمين لقاء حمايتهم ودفع الأذى عنهم ماداموا تحت ولاية المسلمين وفي دارهم، ولا يجوز للمسلم أن يدفع جزية للكافر مطلقاً، وجيوش الكفار التي احتلت واستعمرت بلاد المسلمين كما هي الحال في العراق اليوم بعد سقوط نظام صدام ليس جنودها من أهل الذمة، بل هم محاربون معتدون على الأنفس والأموال والنساء والأطفال، يتعين قتالهم، ولا يجوز إعانتهم بأي نوع من الإعانة قليلة كانت أو كثيرة. أعانكم الله ونصركم على أعدائكم الغزاة والكفرة.(7/511)
إنشاء قاعة خاصة لاحتفالات لغير المسلمين
المجيب سامي بن محمد الخليل
مدير مركز الدعوة والإرشاد بعنيزة
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 13/10/1424هـ
السؤال
هل يجوز للمسلم إقامة صالة خاصة لحفلات زواج غير المسلمين؟ حيث يحتفلون حسب طقوسهم الكفرية. فهل في هذا إعانة لهم على الكفر؟ فقد عرض على أمي عمل شراكة في مشروع مشابه.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا العمل لا يجوز؛ لما فيه من إعانة لهم على ما عندهم من باطل وكفر، وبخاصة إذا كانت هذه الحفلات فيها شيء من شعائرهم الدينية، ففي هذا العمل إعانة لهم على ما يحصل في هذه الحفلات من منكرات وفسوق ومجون.(8/1)
موالاة الكفار ومعاملتهم
المجيب أ. د. ناصر عبد الله القفاري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 2/5/1424هـ
السؤال
هل موالاة الكفار لغرض دنيوي - مع سلامة الاعتقاد وعدم إضمار نية الكفر والردة - كفر أم من كبائر الذنوب؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فالمعاملة الحسنة والمداراة فيما يتعلق بأمور الدنيا ليست من الموالاة أصلاً، فلا تدخل في الممنوع، بشرط ألا تؤدي إلى المداهنة في دين الله، والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداهنة هي معاشرة الفاسق وإظهار الرضا لما هو فيه من غير نكير، والمداراة: هي حسن التعامل والترفق والتلطف بالقول والفعل في بيان الحق له، وأصل الفرق بينهما أن المداراة بذل الدنيا لصالح الدنيا أو الدين أو هما معاً، والمداهنة: ترك الدين لصالح الدنيا. ينظر فتح الباري (10/379-348) .
فيما يتعلق بآداب المجالس والمجاملات، وما يتعلق بتبادل المنافع الدنيوية والمعاملات، وما هو داخل في باب البر والإحسان لغير المحاربين، وما يدخل في باب العدل الذي هو واجب مطلقاً مع كل أحد، كل ذلك لا يدخل في باب الموالاة.
ففي باب الآداب والمجالس والمجاملات يحسن بالمسلم أن يعامل جلساءه بطلاقة الوجه وحسن القول ونحوهما، مما لا يؤدي إلى مداهنة أو نفاق أو تعظيم على النحو المنهي عنه.
والمداراة مع الناس والبعد عن الغلظة والفظاظة، وهذا داخل في باب الدعوة والمسلم ينبغي أن يكون داعياً إلى الله بقوله وفعله وفي كل أحواله.(8/2)
وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يتعامل في أمور التجارة مع الكفار، وقد توفي -صلى الله عليه وسلم- ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام لأهله فيما رواه البخاري (2068) ومسلم (1603) ، من حديث عائشة - رضي الله عنها- وعامل أهل خيبر في المساقاة، كما روى البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعطى خيبر لليهود على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها" رواه البخاري (2285) ، ومسلم (1551) من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما-.
وعن عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهما- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم جاء رجل مشرك مشعانٌُ طويلٌُُ بغنم يسوقها فقال -صلى الله عليه وسلم-:"أبيعاً أم عطية؟ " أو قال: "أم هبة" قال: لا، بل بيع فاشترى منه شاةً. أخرجه البخاري (2216) ومسلم (2056) وفي البخاري (2264) عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: استأجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر رجلاً من بني الديل هادياً خِرِّيتاً وهو على دين كفار قريش.... الحديث.
ومن أدلة حسن التعامل تبادل الهدايا معهم، فقد قبل -صلى الله عليه وسلم- الهدية من بعض الكفار؛ كقبوله من اليهودية التي أهدت إليه الشاة المسمومة فيما رواه البخاري
(2617) ، ومسلم (2190) ، من حديث أنس - رضي الله عنه- وقد روى البخاري
(3161) عن أبي حميد - رضي الله عنه- قال: وأهدى ملك أيلة للنبي -صلى الله عليه وسلم- بغلة بيضاء وكساه بُرداً.(8/3)
وكتب له ببحرهم أي: ببلدهم الذي كان بساحل البحر في طريق المصريين إلى مكة، وروى البخاري (2614) ، ومسلم (2071) ، واللفظ من حديث علي - رضي الله عنه- أن أكيدر بن عبد الله الكندي وكان نصرانياً وكان ملكاً لبلدة دومة أهدى للنبي -صلى الله عليه وسلم- ثوب حرير فأعطاه علياً، فقال: "شَقِّقْهُ خٌمٌراً بين الفواطم، وفي الترمذي (1576) عن علي -رضي الله عنه-: أن كسرى أهدى له -صلى الله عليه وسلم- فقبل الهدية، وأن الملوك أهدوا إليه فقبل منهم. قال الترمذي: وفي الباب عن جابر - رضي الله عنه- وزاد أحمد في مسنده (747) :"وأهدى له قيصر فقبل منه".(8/4)
وقد روى أبو داود في سننه (4035) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اشترى حُلَّةً ببضعة وعشرين قلوصاً (ناقة) فأهداها إلى ذي يزن، وكان ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيراً، أو ثلاث وثلاثين ناقة فقبلها. رواه أبو داود (4034) من حديث أنس - رضي الله عنه-، أما الموالاة المنهي عنها فهي موالاتهم في دينهم، أو مناصرتهم على المسلمين، قال سبحانه:"ومن يتولهم منكم فإنه منهم" [المائدة: 51] فمن تولاهم في جميع أمورهم التولي الكامل فهو منهم، ومن تولاهم في بعض أمورهم التي لا توصل إلى الكفر فعليه بقدر ما تولاهم به، ولمزيد من العلم أقدم لك بعض ما جاء في كتابي (مقدمة في الملل والنحل) حول موقف المسلم من أهل الملل، حيث جاء فيه: (في هذه المسألة ألفت مصنفات من أفضلها: أحكام أهل الملل للخلال، أحكام أهل الذمة لابن القيم، وكتب بعض المتأخرين والمعاصرين مصنفات في ذلك منها: جلاء الظلمة عن حقوق أهل الذمة لمصطفى الحنفي (لم يطبع) ، (أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام) لعبد الكريم زيدان، (حقوق أهل الذمة في الدولة الإسلامية) للمودودي، (غير المسلمين في المجتمع الإسلامي) ليوسف القرضاوي، (إرشاد أولي الألباب إلى ما صح من معاملة أهل الكتاب) لجمال إسماعيل، وغيرها.
وأشير هنا إلى بعض أحكام التعامل معهم:
(1) العمل على دعوتهم إلى الله -سبحانه- بالوسائل المشروعة، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإنقاذهم من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة "فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيٌُر لك من أن يكون لك حمر النعم" رواه البخاري (2942) ، ومسلم (2406) من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه-.(8/5)
(2) الحذر من ظلمهم؛ لأن الظلم حرام مطلقاً، فلا يجوز أن يظلم أحد منهم في نفس أو مال أو عرض، فالذمي والمستأمن والمعاهد في دولة الإسلام وظل شريعة الرحمن يؤدى إليه حقه، فلا يظلم مثلاً في عرضه بغيبة أو نميمة، ولا في ماله بسرقة أو غش أو خيانة، ولا في بدنه بضرب أو قتل؛ لأن كونه معاهداً أو ذمياً في البلد أو مستأمناً يعصمه.
(3) يجوز التعامل معه في البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك، فقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه اشترى من الكفار عباد الأوثان، واشترى من اليهود، وهذه معاملة، وقد توفي -صلى الله عليه وسلم- ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام لأهله. قالت عائشة -رضي الله عنها-:"اشترى النبي -صلى الله عليه وسلم- طعاماً من يهودي إلى أجل ورهنه درعاً من حديد" (سبق تخريجه) . قال ابن القيم -رحمه الله-: (ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه اشترى من يهودي سلعة إلى الميسرة، وثبت عنه أنه أخذ من يهودي ثلاثين وسقاً من شعير ورهنه درعه، وفيه دليل على جواز معاملتهم، ورهنهم السلاح، وعلى الرهن في الحضر، وثبت عنه أنه زارعهم وساقاهم) .
(4) ولا يجوز بدؤهم بالسلام، ولكن إذا سلم أحدهم أن يقال له: وعليكم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام" رواه مسلم (2167) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-. وقال - صلى الله عليه وسلم-:"إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم". متفق عليه عند البخاري (6258) ، ومسلم (2163) ، من حديث أنس - رضي الله عنه-.(8/6)
(5) برهم من غير مودة باطنة كالرفق بضعيفهم وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم وإكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل التلطف بهم والرحمة لا الخوف والذلة، ومن ذلك حسن الجوار، فإذا كان جاراً لك تحسن إليه ولا تؤذيه في جواره، وتتصدق عليه إن كان فقيراً، أو تهدي إليه إن كان غنياً، وتنصح له فيما ينفعه، وتحتمل أذاه؛ لأن الجار له حق عظيم، وربما يكون هذا من دواعي إسلامه، قال تعالى:"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [الممتحنة:8] .
(6) ليس للمسلم مشاركتهم في احتفالهم أو أعيادهم، لكن لا بأس أن يعزيهم في ميتهم إذا رأى المصلحة الشرعية في ذلك بأن يقول جبر الله مصيبتك، أو أحسن لك الخلف بخير، وأمثال ذلك من الكلام الطيب، ولكن لا تقول غفر الله له، أو رحمه الله، أي لا يدعو للميت الكافر، وإنما يدعو للحي بالهداية وبالعوض الصالح ونحو ذلك.
(7) يجوز أكل ذبائح أهل الكتاب ما لم يعلم أنها ذبحت على غير الوجه الشرعي كالخنق؛ لقوله تعالى:"الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ" [المائدة:5] . وهذا ما أجمع عليه أهل العلم أن ذبائح أهل الكتاب حلال، وفي البخاري (4249) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لما فتحت خيبر أهديت للنبي -صلى الله عليه وسلم- شاة فيها سم". وفي البخاري (2617) ، ومسلم (2190) من حديث أنس - رضي الله عنه -:"أن امرأة يهودية أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشاة مسمومة فأكل منها ... " الحديث. قال ابن حجر: (ومن أحكام قصة خيبر جواز الأكل من طعام أهل الكتاب، وقبول هديتهم) .(8/7)
(8) ويجوز نكاح نسائهم عند جمهور أهل العلم؛ لقوله -سبحانه-:"والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" [المائدة: 5] . قال ابن قدامة: (ليس بين أهل العلم اختلاف في حل نساء أهل الكتاب) ، ولكن ترك نكاحهن والاستغناء بالمحصنات من المؤمنات أولى وأفضل.
وكذا ذكرت في كتابي (البراءة من المشركين) تحت عنوان (البراءة لا تعني الظلم والاعتداء) ما نصه: البراءة في مفهومها الشرعي لا تعني الظلم والاعتداء، فإن الظلم حرام مطلقاً والعدل واجب في كل الأحوال؛ بل يذهب أهل الإسلام إلى أعلى من ذلك وأعظم في صورة سامقة ومرتبة عالية في موقفهم من المخالفين ليس لها مثيل، إنه موقف المشفق والمتسامح والعادل، يقول تعالى:"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ" [الممتحنة: 8] أي تفتضوا إليهم بالبر وهو الإحسان، والقسط وهو العدل، أو ما هو أعلى من العدل، وهو: أن تعطوهم قسطاً من أموالكم على وجه الصلة وليس مجرد العدل، فإن العدل واجب ممن قاتل وممن لم يقاتل، فلا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم، فإن الله -عز وجل- عم بقوله:"الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم" [الممتحنة: 8] جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصص به بعضاً دون بعض، فلا ينهاكم الله عن مبرة هؤلاء، وإنما ينهاكم عن تولي هؤلاء، وهذا رحمة لهم لشدتهم في العداوة.
بل إن مبادئ الإسلام توجب الدفاع عن أهل الذمة إذا قصدهم معتد؛ لأنهم في جوارنا وخفارتنا، وقد حكى ابن حزم في مراتب الإجماع على أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ...(8/8)
ويوضح القرافي بجلاء الفرق بين الموالاة والتودد الممنوع وبين البر والإحسان والعدل المشروع فيقول: (واعلم أن الله تعالى منع من التودد لأهل الذمة بقوله:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ" [الممتحنة:1] ، فمنع الموالاة والتودد، وقال في الآية الأخرى:"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ ... " [الممتحنة:8] ، فلا بد من الجمع بين هذه النصوص، وأن الإحسان لأهل الذمة مطلوب، وأن التودد والموالاة منهي عنهما، وسر الفرق أن عقد الذمة يوجب حقوقاً علينا لهم؛ لأنهم في جوارنا، وفي خفارتنا، وذمة الله -تعالى- وذمة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ودين الإسلام، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع ذمة الله -تعالى- وذمة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وذمة دين الإسلام.(8/9)
وكذلك حكى ابن حزم في مراتب الإجماع له: (أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك، صوناً لمن هو في ذمة الله -تعالى- وذمة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة، وحكى ذلك إجماع الأمة، فعقد يؤدي إلى إتلاف النفوس والأموال صوناً لمقتضاه عن الضياع إنه لعظيم، وإذا كان عقد الذمة بهذه المثابة فيتعين علينا أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على موادة القلوب، وتعظيم شعائر الكفر، فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع، وصار من قبيل ما نهي عنه في الآية وغيرها، ويتضح ذلك بالمثل، فإخلاء المجالس لهم عند قدومهم علينا، والقيام لهم حينئذ ونداؤهم بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى بها هذا كله حرام، وكذلك إذا تلاقينا معهم في الطريق، وأخلينا لهم واسعها ورحبها والسهل منها، وتركنا أنفسنا في خسيسها وحزنها وضيقها كما جرت العادة أن يفعل ذلك المرء مع الرئيس، والولد مع الوالد، فإن هذا ممنوع لما فيه من تعظيم شعائر الكفر، وتحقير شعائر الله -تعالى- وشعائر دينه، واحتقار أهله، ومن ذلك تمكينهم من الولايات والتصرف في الأمور الموجبة لقهر من هي عليه أو ظهور لعلو وسلطان المطالبة، فذلك كله ممنوع، وكذلك لا يكون المسلم عندهم خادماً ولا أجيراً يؤمر عليه وينهى.(8/10)
أما ما أُمر به من برهم من غير مودة باطنة: كالرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وإكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة، واحتمال أذيتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفاً منا بهم، لا خوفاً وتعظيماً، والدعاء لهم بالهداية، وأن يجعلوا من أهل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم.. وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم وإيصالهم لجميع حقوقهم، وكل خير يحسن من الأعلى مع الأفضل أن يفعله، فإن ذلك من مكارم الأخلاق، فجميع ما نفعله معهم من ذلك ينبغي أن يكون من هذا القبيل، لا على وجه التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم، وينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا، وتكذيب نبينا -صلى الله عليه وسلم- وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا، واستولوا على دمائنا وأموالنا، وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا -عز وجل-، ثم نعاملهم بعد ذلك بما تقدم ذكره امتثالاً لأمر ربنا ... ) . والله أعلم.(8/11)
غصب أموال الكفار وقتلهم
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 12/1/1425هـ
السؤال
يقوم بعض من ينتسب للدين بأعمال يعسر إدراجها تحت قواعد الشريعة، من الغصب والنهب والقتل للكفار ... وليس لديهم أي حجة في ذلك إلا شبهات يتمسكون بها، ثم أخيرا زعموا أن العلامة ابن جبرين صدر من فضيلته فتوى بإباحة ذلك. فهل هذا يصح؟ نرجو تفصيل النظر في هذا الأمر، جزاكم الله خير الجزاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
من دخل بلاداً في أي دولة، فإن عليه أن يحترم تعاليم البلاد إذا دخل البلد بأمان وبعهد وذمة، فلا يجوز له نقض العهد، ولا يجوز النهب ولا السلب ولا القتل ولا الغصب، ولا الاعتداء على الأموال أو الأعراض أو الأنفس، ولو كان أهل تلك الدولة كفاراً أو حربيين أو مخالفين في الدين، لأنه دخل بعهد وأمان، وقد قال الله تعالى: "وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً" [الإسراء: 34] ، وكما أنه لو دخل بلادنا أحد منهم بأمان حرم علينا قتله أو سلبه، وحرم عليه في بلادنا الاعتداء على الأنفس والأموال، فمن اعتدى جاز الانتقام منه، سواء كان الاعتداء في بلاد الكفار أو في بلاد المسلمين لقول الله تعالى: "فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ" [البقرة: 194] يفعل ذلك عقوبة له ودفعاً لشره. والله أعلم.(8/12)
تعذيب أسرى الحرب
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 6/10/1424هـ
السؤال
هل يجوز تعذيب أسرى الحرب على أي حال؟ وهل هناك أي مثال على فعل الصحابة - رضي الله عنهم- لذلك؟.
الجواب
من حكمة تشريع الجهاد في الإسلام دفع العدوان الواقع على المسلمين، ورفع الظلم المتوقَّع من الكفار، والإسلام في تشريعه لا يستشرف إزهاق الأرواح، أو سلب الأموال دون مبرر، وللأسرى الكفار في الإسلام أربعة أحكام يخير فيها الإمام (ولي الأمر) .(8/13)
1- الاسترقاق، ... 2- المن والعفو 3- المفاداة بالمال أو بأسير مسلم عند الكفار، 4- القتل. قال تعالى: "فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ ... " [محمد: من الآية4] ، والإحسان إلى الأسير صدقة يتقرب بها العبد كما يتصدق على أخيه المسلم تماماً قال تعالى: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً" [الإنسان:8] ، ولا يكون أسيرا إلاّ كافراً، أما المسلم فلا يجوز أسره بحال، وتعذيب الأسير لا يجوز بخلاف قتله، فإن قتله حد من حدود الله الشرعية لا تقبل الزيادة بحال، بل الإحسان إليه حال القتل إن رؤي قتله؛ كما جاء في الحديث: "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته"، ولما مثل المشركون بحمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه- عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد لم يمثل الرسول - صلى الله عليه وسلم- بأحد من زعماء قريش وقتلاهم، وهو يعلم قول الله تعالى "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ" [النحل:126] بل إن الرقيق (العبد) المسلم نهى الشرع عن إيذائه؛ كما في الحديث "من قتل عبده قتلناه ومن جدع أنفه جدعناه"، بل جاءت العناية بالرقيق ومساواته بالحر في القضايا المعاشية من طعام وشراب ولبس، وحسن خطاب، ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في الصحيح "إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم ويلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون فإن كلفتموهم فأعينوهم" بل وصلت العناية بالرقيق والرق سببه الأسر في الحرب، أن يتساوى مع مالكه بالسيادة والولاية(8/14)
فيخاطب بها كما يخاطب بها ذاك، ففي الحديث "لا يقل أحدكم أطعم ربك ووضئ ربك وليقل: سيدي ومولاي، ولا يقل عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي وغلامي" وإذا كانت معاملة من أسر في الرق بيد مالكه كما في هذه النصوص فإن تعذيب أسير الحرب لا يتفق مع دلالة هذه النصوص، ولم يؤثر عن أحد من السلف جواز ذلك، اللهم إلا أن يضرب ضرب المتهم ليستخرج ما عنده من أسرار العدو مما ينفع المسلمين وعليه يحمل قول النووي في شرح مسلم "ويجوز ضرب الكافر الذي لا عهد له وإن كان أسيراً" انظره في غزوة بدر. والله أعلم.(8/15)
التبرع لعلاج الكفار
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 16/7/1425هـ
السؤال
أنا أسكن في دولة غربية، وأحياناً يستوقفونني في الشارع، أو يأتون على البيوت لتجميع تبرعات لأطفالهم المرضى بأمراض خطيرة، أو لأطفال الصرب ونحو ذلك، هل يجوز لي أن أتبرع لهم؟ أو ماذا أقول لهم؟ . أفيدوني -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
نعم يجوز لك أن تتبرعي لهم، لقول الله - تعالى-: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" [الممتحنة: 8] ، وقوله - صلى الله عليه وسلم-: "في كل كبدٍ رطبة أجر" رواه البخاري (2363) ، ومسلم (2244) من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-، وذلك يكون من صدقة التطوع، أما الزكاة الواجبة فلا تدفع إلا للمسلمين.(8/16)
خدمة السجناء للجيش الكافر
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 6/11/1424هـ
السؤال
أسألكم عن موضوع يتعلَّق بزوجي، ومسلمين آخرين، وهم المساجين الذين يعملون في صنع الكيابل للجيش، ولا يعرف بماذا يستخدمها الجيش، فهل يجوز مثل هذا العمل؟ إضافة لدفعنا الضريبة نقداً، والتي تذهب للجيش وهو جيش كافر؟.
الجواب(8/17)
الأصل في معاملة الكافر فرداً كان أو دولة جائز شرعاً ما لم يكن العمل محرماً بعينه، كصنع المحرمات وتسويقها كالخمور، ولحم الخنزير، أما ما لم يحرم بعينه كالصناعات الحربية والمدنية التي يمكن أن توجه لضرب المسلمين، ويمكن ألا توجه لذلك فالعمل فيها حينئذ جائز كصناعة الكيابل للجيش كما في السؤال، وما دام لا يعرف هل سيستخدمها الجيش الكافر ضد المسلمين أو لا فالعمل في هذه الصناعة جائز شرعاً؛ لأن الأصل في الأشياء الحل حتى يرد المانع الشرعي، فمعاملة الكافر في أمور المعاش جائزة شرعاًً، كما تعامل النبي - صلى الله عليه وسلم- في البيوع والإجارة مع اليهود، والمشركين، مع أنه يعلم أنهم يأكلون الربا ويشربون الخمر، ويستحلون لحم الخنزير، ومات - صلى الله عليه وسلم- ودرعه مرهونة عند يهودي، واستعار من صفوان بن أمية - رضي الله عنه- وهو مشرك- درعاً يوم حنين، وكل هذه المعاملات يمكن أن يقال إنها تعد في صالح أعداء الإسلام، وربما تقووا بها على المسلمين، ومع ذلك أبيحت تبعاً للقاعدة الشرعية (الأصل في الأشياء الإباحة) أما دفع الضريبة نقداً فهي ضرورة شرعية والضرورات تبيح المحظورات، وإن استطعت التخلص من هذه الضريبة فلا حرج في ذلك إذا لم يلحقك ضرر بسبب الامتناع عن دفعها فإن لحق ضرر جاز دفعها، وعلى كل حال فالعمل في الجيش الكافر ودفع الضريبة له جائز إن لم تجد عملاً أفضل منه، فإن وجدت عملاً جديدا فخذه ودع هذا، لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" أخرجه أحمد (1723) والترمذي (2518) من حديث الحسن بن علي -رضي الله عنهما- وحديث: "إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه" أخرجه البخاري (52) ، ومسلم (1599) من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه-، وترك الشبهات - كما في السؤال - فعل مستحب وليس بواجب، حيث الفعل ليس من الحلال البين حله، ولا من الحرام البين حرمته. والله أعلم.(8/18)
الرد على من يسب الإسلام بمثل سبِّه
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 15/11/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
ماذا نفعل تجاه من يشتمنا ويشتم ديننا من غير المسلمين، هل يجوز لنا الرد عليهم بنفس لغتهم للدفاع عن الإسلام والمسلمين؟ هل نأثم إذا لعنّا أو شتمنا هؤلاء؟
أذكر أن أبا بكر -رضي الله عنه- واجه الكفار بكلمات بذيئة في صلح الحديبية. وأرجو بيان كيف نطبق ما فعله أبو بكر في مثل هذه الظروف.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ليس من منهج الدعوة إلى الله السب والشتم واللعن ابتداءً أو رداً، وقدوتنا في ذلك سيد الدعاة محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم- فلقد أوذي وسُخِر منه وطُرِد، ومع ذلك فقد كان - صلى الله عليه وسلم- رحمة للخلق كلهم، وحينما قالت عائشة - رضي الله عنها- لليهودي الذي سلم قائلاً: السام عليكم (وهو الموت) ، قالت عائشة - رضي الله عنها-: وعليكم السام واللعنة، فقال - صلى الله عليه وسلم-: "مهلا ً يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله" وفي لفظ: "وإياك والعنف والفحش"، قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال:"أولم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في" أخرج القصة الشيخان البخاري (6024، 6030) ومسلم (2165) ، وفي صحيح مسلم (2599) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قيل: يا رسول الله ادع على المشركين قال:"إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة" وفيه أيضاً لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً، وقال: "لا يكون المؤمن لعاناً" أخرجه الترمذي (2019) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- بسند صحيح.(8/19)
فالواجب الدعوة إلى الله ببيان حقائق الإسلام، عقائده وشرائعه وأخلاقه وسلوكه، وإذا لجأ أولئك إلى السب والشتم فالجأوا أنتم إلى الدليل والحجة، والعاجز المنقطع المغلوب في ميدان العلم دأبه السب والتجريح فاربأوا بأنفسكم عن هذا الميدان.
ولا يعني كل ذلك عدم رد الأذى عند وقوعه أو الترافع والمقاضاة لدفعه، خاصة إذا كان ذلك موجهاً إلى العقيدة والشريعة.
قال تعالى: "وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ" [الشورى: 41-42] ، والانتصار هو الانتصاف من المظلوم، ورد الأذى بلا ظلم أو اعتداء. وفق الله الجميع لسلوك سبيل السنة في القول والعمل والدعوة، وصلى الله على نبينا محمد.(8/20)
الإحسان إلى الكفار
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن العمير
عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل بالإحساء وعميد كلية التربية بالجامعة
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 24/12/1424هـ
السؤال
سأسافر في الفترة القريبة القادمة إلى إحدى الدول الأوربية؛ لغرض الدراسة، وأنوي أن أقوم أثناء فترة إقامتي ببعض الأعمال الخيرية، كزيارة مستشفيات المعاقين، أو دور المسنين، أو أي أعمال مشابهة، فما حكم الإحسان إلى ضعفاء الكفار؟ وكذلك ما حكم إعطائهم الصدقات؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله، أما بعد:
في البداية أسأل الله -تعالى- لك الثبات على الحق، وأن يهديك سبيل السعادة والرشاد، وأن يوفقك في دراستك؛ لترجع رائدا من ريادات العلم والخير في أمتك المسلمة.
وأهنئك على ما وقر في قلبك من حب الخير، والتفكير في الوقوف مع المحتاج، فهذا من علامات جودة معدنك.
أما ما يتصل بسؤالك فإني أرى لك أن تبحث أول ما تبحث في غربتك عن صحبة صالحة ترتبط بالمسجد، تقيم معهم الصلاة، وتتعاونون على البر والتقوى.(8/21)
وأما الإحسان إلى ضعفاء الكفار فأمر لا جناح فيه، يقول الله -تعالى-: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" [الممتحنة: 8] ،وزيارة دور المعاقين والمسنين ونحوهم من البر، وإن لم يكونوا مسلمين، وهو من الأعمال الصالحة التي يثاب فاعلها، خاصة إذا كان من مقاصد الزيارة دعوتهم إلى الإسلام؛ اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حين حضر عمه أبا طالب حال وفاته وعرض عليه الإسلام، فيما رواه البخاري (1360) ، ومسلم (24) من حديث المسيب بن حزن وكذا حين حضر -صلى الله عليه وسلم- الغلام اليهودي فدعاه إلى الإسلام فأسلم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- متهلل الوجه يقول:"الحمد لله الذي أنقذه من النار" رواه البخاري (1356) من حديث أنس -رضي الله عنه-.
وفي ظني أن هذا الباب مما يغفل عنه الكثيرون حين تتوجه هممهم في دعوة الشباب، والأقوياء رغبة في استثمار طاقاتهم إن هم أسلموا، وينسون أن من أهداف الدعوة تعبيد الناس لله -سبحانه- والعمل على تخليصهم من سبب الوقوع في النار، يستوي في ذلك القوي والضعيف، ولنا في عتاب الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم- عبرة ودرس حين قال سبحانه: "عبس وتولى أن جاءه الأعمى" [عبس:1-2] ، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- مشغولاً بدعوة الملأ حين ناداه الأعمى فأعرض -صلى الله عليه وسلم- عنه، فعاتبه ربه.
والصدقة على الكفار المحتاجين لا بأس بها ما لم تكن صدقة واجبة، فإنها لا تدفع إلا لمسلم، أو كافر من المؤلفة قلوبهم. ومن الفقه عند دفعها لهم أن يغلب على الظن أنهم لن يستفيدوا منها في حرام.(8/22)
وقبل الختام أهمس في أذنك: استثمر إقامتك في أوربا في الدعوة إلى الله، لكن لا تنس أن الإقامة بين ظهراني الكفار ليست مغنماً، وأن السبب الرئيسي في سفرك هو الدراسة، فأقبل عليها، وأعطها وافر اهتمامك، فحصِّل أكبر ما تستطيع من علم في أقصر ما تستطيع من وقت، فإذا قضيت مهمتك فعجل إلى أهلك ووطنك. حفظك الله ورعاك.(8/23)
شبهة حول التسري
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 18/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا في حيرة بشأن الحديث: (2542) في صحيح البخاري: عن ابن محيريز قال: رأيت أبا سعيد - رضي الله عنه- وسألته فقال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في غزوة بني المصطلق وأسرنا منهم بعض العرب، وقد اشتهينا النساء وكان طول تغيبنا قد أثر فينا وأردنا أن نعزل، فسألنا النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: ليس هناك حاجة لذلك فما من نفس أراد الله خلقها إلى يوم القيامة إلا وستخلق.
وفي حديث آخر أنهم أسروا بعض النساء وأرادوا اللقاء بهن بدون أن يحملن منهم، فسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم- عن العزل فقال: لا حاجة لذلك فالله قدر من سيخلق إلى يوم القيامة.
وسؤالي عن جواز الجماع مع زوجات الغير، هل يجوز في الإسلام أن يجامع المسلم زوجة رجل آخر بعد أسرها؟ نحن لا نحب أن يحدث ذلك لنا، فكيف نحب أن يقع لغيرنا؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه والتابعين. أما بعد:
أقول وبالله التوفيق: لا يخفى على مسلم أن نكاح الحرة المتزوجة بآخر حرام قطعاً، وهو الزنا الذي هو من أكبر الكبائر. وقد قال تعالى في ذكر المحرمات في النكاح: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" [النساء: 24] .(8/24)
لكن جاء في هذه الآية استثناء السبايا من المتزوجات، فيكون المعنى: إن ذوات الأزواج محرمات، إلا ما ملكت اليمين بالسبي في الحرب أو بالشراء، فإنهن مباح نكاحهن، ولو كن ذوات أزواج، بشرط أن لا يكون زوجها معها. أما إذا كان زوجها مسبياً معا، فهي زوجة له، ما داما تحت ملك رجل واحد، أما إذا بيع أحد الزوجين، فقد انفسخ نكاحهما بهذا البيع، وجاز نكاح المسبية بعد استبرائها.
هذه خلاصة حكم المسبية من النساء، على خلاف في بعض مسائلها بين الفقهاء.
إذاً فالحديث الذي في البخاري (2542) ، ومسلم (1438) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- الذي سأل عنه السائل في السبايا خاصة، لا في مطلق نساء غير المسلمين. والسبي لا يكون إلا للمحاربين ومن معهم في دار الحرب من النساء والأطفال، أما غير المحاربين من غير المسلمين، فلا سبي عليهم.
وبهذا تعلم أن هذا السبي خاص بمن حارب المسملين وبمن كان معه من النساء والأطفال. ولا شك أن من سعى في قتلك ومحاربتك، فقد سعى في الاعتداء عليك بأكثر من سجنك له فيما لو قدرت عليه، ولو كان حكماً بالسجن المؤبد. كيف والسباء أقل ضرراً وأهون على النفس في منع الحرية من السجن، خاصة في الإسلام، الذي له في أحكام الرقيق ما لا يعرفه الغرب أو الشرق من غير المسلمين، ولا أظنهم يتصورونه من إيجاب حسن المعاملة للرقيق، والرفق بهم، وأن يطعموا مما نطعم، وأن يكسوا مما نكتسي، وأن لا يكلفوا من الأعمال إلا ما يطيقون. مع حث الله -تعالى- ورسوله - صلى الله عليه وسلم- على العتق، وإيجابه في أحوال، وترتيب عظيم الأجر عليه.(8/25)
وخطأ الغرب لما حارب الرق، أنه ظن أن أحكام الرقيق عند المسلمين مثل أحكامه عندهم، وهذا بعيد كل البعد عن الحق والواقع. مع أن كثيراً من دول الغرب (أو بعضها) تحرم استعباد الأفراد، ثم هي تستعبد شعوباً بأكملها: باحتلال أوطانها (بغزو عسكري صريح، أو بوضع حكومات تنفذ رغباتها) ، وباستنزاف ثروات بلادها، وبتعمد منع الشعوب من كل ما قد يرتقي بها إلى مصاف الدول المتقدمة حضارياً في مجال العلوم الكونية والصناعة، لكي تبقى سوقاً لبضائعها. إن هذه الصور من الاستعباد للشعوب، لم يزل الغرب يمارسها بأبشع صورة في بلاد المسلمين.
وهنا أذكِّر السائل أن الحديث الذي ذكره، والخبر الذي ورد فيه، كان في زمن السبي والاسترقاق فيه قانون معمول به لدى جميع الشعوب على مختلف الديانات. فالسبي جائز لا عند المسلمين وحدهم، بل هو جائز عند اليهود والنصارى أيضاً، فقد امتلأ الكتاب المقدس عند اليهود والنصارى بذكر سبي أنبياء بني إسرائيل لأعدائهم، بل فيه تسخير شعوب بأكملها، كما في سفر الملوك الأول (9/15-23) .
وعلى هذا فقول السائل: نحن لا نحب أن يحدث ذلك لنا، فكيف نحب أن يقع لغيرنا؟! سؤال في غير محله؛ لأن الذي وقع في ذلك الحديث وقع مع قوم كانوا يسبون النساء وينكحوهن بذلك ولو قدروا- وقد قدروا مرات أخرى - على نساء المسلمين بالسبي، وبغير السبي، لاعتدوا عليهن. فلو لم يكن في نكاح نسائهم إلا المعاملة بالمثل، لكفى بذلك جواباً على السؤال الذي طرحه الأخ السائل.
وأنا أنصح الأخ السائل بنصيحتين:
الأولى: أنه ما دام مسلماً، فعليه أن يعلم أن الحكم الشرعي، ما دام أنه حكم شرعي، فهو حكم الله -تعالى-. فلا يعترض عليه، ولا يكون في القلب منه حرج؛ لأننا خلق الله -تعالى-، وهو بنا أعلم وأرحم وأحكم.. سبحانه وتعالى. قال الله -تعالى-: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" [الأحزاب: 36] .(8/26)
وعليه أن يستحضر في علمه وقلبه أدلة صدق نبوة خاتم الأنبياء محمد -صلى الله عليه وسلم-، فما دام أنه -صلى الله عليه وسلم- رسول الله -تعالى-، فأحكام الدين الذي بلغه للناس هي أحكام الله -تعالى-. وما دامت أحكام الله -تعالى-، فالله -تعالى- أعلم وأحكم وأعدل من أن يجري في أحكامه غير الخير كله والعدل كله.
الثانية: أنه على كل عاقل حصيف، أن يتَّسع أفق أحكامه على الأمور، ولا يسمح لبيته ومجتمعه وحضارته وتقاليده وزمنه أن يضيِّقوا عليه ذلك الأفق. فإنه لا يفعل ذلك إلا قليل العقل، مغرور ببيئته ومجتمعه وحضارته وتقاليده وزمنه، فلا يظن إلا أنها هي وحدها موازين الحسن والقبح والقبول والرد، وكأنها خالدة إلى الأبد. أَوَما درى هذا المسكين أنه قد سبقه أناس في عصور بعيدة كانوا يظنون كما يظن، فبادوا، وبادت بيئتهم وحضارتهم وتقاليدهم، واستقبح الناس بعدهم ما كانوا يستحسونه، وردُّوا ما كانوا يقبلونه. وستبيد هذه البيئة وتقاليدها وحضارتها، وسيتبدل كثير من موازينها.
فلا يحق لأحد أن يستهجن أمراً (كالسبي والرق) ، دامت عليه البشرية كلها، لألوف السنين؛ لأنه أصبح من قرن واحد أو قرنين فقط أمراً مستهجناً عند بعض الشعوب التي كانت لا تعرف في الرق إلا السخرة والتعذيب والاحتقار وانعدام جميع الحقوق.(8/27)
لا يحق له ذلك؛ أولاً: لأنه ضيق أُفق تفكيره وأحكامه (كما سبق) ، وقد يأتي اليوم الذي تستهجن فيه الناس استهجانه هذا، كما وقع له هو مع البشرية كلها لألوف السنين الماضية. وثانياً: لأنه قاس على صورة الرق عند غير المسلمين صورته وحالته عند المسلمين، وهذا قياس غير صحيح، كما تقدم ذكره باختصار بالغ. وإلا فالفرق كبير جداً، يحتاج بيانه إلى بسط أحكام الرق في الإسلام بصورة كاملة، مع بيان أوضاع الرقيق البغيضة عند غير المسلمين. وإذا كان الأخ السائل على غير اطلاع بذلك، فعليه أن يطلع على ذلك كله. فهو - أعني الاطلاع- شفاء صدره، وريُّ ظمئه. والله أعلم.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.(8/28)
المقاطعة
المجيب عبد الله بن سليمان بن منيع
عضو هيئة كبار العلماء
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 2/1/1425هـ
السؤال
توجد عندي رغبة كبيرة في فتح مركز تجاري (سوبر ماركت) ، ولكن هناك سبباً يجعلني أتردد كثيراً في هذه المسألة، وهو موضوع المقاطعة، وكما تعلم فضيلة الشيخ أن هذا الأمر يصعب على كثير ممن لديهم هذه الرغبة، حيث إن الزبون يطلب هذه البضائع، ولا يرغب في البديل، مع العلم أن البديل في بعض السلع يكون صعباً، ولكن يا فضيلة الشيخ أريد منكم الجواب الكافي والشافي -بإذن الله- وإن شاء الله سوف أعمل -بإذن الله- بمقتضى ما تفتونني به، وأرجو منكم إرسال هذه الفتوى في القريب العاجل.
الجواب
الذي يظهر لي أنه لا مانع من بيعها طالما أنها بضائع مباحة الاستعمال كملابس أو أغذية، أو أدوات منزلية، أو غسالات، أو ثلاجات، أو نحو ذلك، ولو كانت بضائع أمريكية، فإن وجد أن مصلحته مترتبة على وجود هذه البضائع وأنه إن لم يتاجر فيها فستترتب عليه خسارة فنقول: لا بأس بذلك، والعبرة بالمتاجرة بالأمور المباحة، وأما إن كان يستطيع أن يستعيض عن هذه البضائع ببضائع أخرى أوربية أو يابانية، أو صينية، أو نحو ذلك، بحيث لا تتأثر تجارته ويكون له قصد في محاربة مثل هذه البضائع التي غالبها من إنتاج مصانع مملوكة لليهود الذين يقومون بتمويل متطلبات إسرائيل وهي العدو اللدود للإسلام والمسلمين فنقول: جزاك الله خيراً على شعورك وعلى غيرتك، وعلى محاربتك ما في ربحه ونتائجه الاقتصادية قوة للعدو على المسلمين. والله المستعان.(8/29)
دار الحرب
المجيب خالد بن عبد الله البشر
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 9/2/1425هـ
السؤال
أريد أن أعرف شيئاً عن أحكام دار الحرب، وما هي بعض الكتب التي فصلت في هذا الأمر؟ وهل تعتبر أمريكا دار حرب؟. جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قبل البدء لا بد من تأسيس أصلين يقوم عليهما الجواب:
الأول: أن وصف (الإسلام) من جهة و (الكفر) من جهة أخرى أوصاف شرعية اختص الله بحكمها، دون غيره من خلقه، فليس لأحد من الناس أن يدخل في (الإسلام) إلاّ من أدخله الله، ولا يخرجه منه إلاّ من أخرجه الله. وكذلك الكفر لا يَدخلُ فيه إلاَّ من أدخله الله. وإذا كان هذا في الأشخاص، فكذلك في الأراضي والبقاع، فإما (دار إسلام) ، وإما (دار كفر) ، ولا دار غيرهما كما نصَّ عليه الفقهاء (أحكام أهل الذمة لابن القيم (1/366) (الآداب الشرعية لابن مفلح 1/190) .فإذا تقرر ذلك فليس لأحد من الناس أن يُنزِّل أحد الحُكْمين (الإسلام) أو (الكفر) على شخص أو أرض إلاَّ إذا توفرت شروطهما، وانتفت موانعهما (أي الإسلام أو الكفر) .
الثاني: أن أحكام سياسة الأمة وتدبيرها في شؤونها الداخلية والخارجية، كإعلان الجهاد وإبرام المعاهدات، المخاطب في ذلك هم: أولو أمر المسلمين من: العلماء والأمراء، وليس لآحادهم، فاعتبار تلك البقعة (دار إسلام) أو (دار كفر) يقضي به أولو أمر المسلمين وليس لآحادهم.(8/30)
ومصطلح (الدار) مصطلح إسلامي يقابله في الوقت الحاضر مصطلح (الدولة) .وكانت مكة قبل فتح النبي صلى عليه وسلم (دار كفر) ، والمدينة بعد هجرته صلى الله عليه وسلم (دار إسلام) وقال تعالى:" والذين تبوؤا الدار والإيمان ... " الآية. والدار أي: المدينة. أما تعريف دار الإسلام عند عامة الفقهاء فهي: البلاد التي تكون فيها الغلبة والسلطة للحاكم المسلم، وتظهر فيها أحكام الإسلام في الحاكم والمحكومين، بغض النظر عن أكثرية سكانها.
ودار الكفر: هي البلاد التي تكون فيها الغلبة والسلطة للحاكم الكافر، وتظهر فيها أحكام الكفر في الحاكم والمحكومين، بغض النظر عن أكثرية سكانها. و (دار الكفر) و (دار الحرب) عند الفقهاء بمعنى واحد، أما كونها (دار كفر) فلأن الغلبة والسلطة للكافر. وأما كونها (دار حرب) فهو بالنسبة لمآلها، وتوقع الحرب منها، حتى ولولم تكن هناك حرب فعلية مع (دار الإسلام) . وهذا الأصل في (دار الكفر) أنها (دار حرب) ما لم ترتبط مع دار الإسلام بعهود ومواثيق؛ فإن ارتبطت فتصبح بعد ذلك (دار كفر معاهدة) ، وهذه العهود والمواثيق لا تُغيِّر من حقيقة دار الكفر. ويحسن التنبيه ههنا: أن تعريف (دار الكفر) هو للدار الأصلية التي لم يسبقها إسلام، وليست المتحولة من (دار الإسلام) ، فلينتبه له!.
أما أمريكا هل هي (دار حرب أم لا) ؟ الجواب: تأسيساً على ما سبق فالجواب فيه تفصيل:
أما بالنسبة لمن دخلها من المسلمين بتأشيرة دخول (الفيزا) فهذا عهد وميثاق يجب الوفاء به، ولا يحل لأحد دخلها من المسلمين أن ينقض العهد والميثاق حتى ولو كانت دولة الداخل إليها في حرب معها؛ قال الله تعالى:" وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا " الإسراء: آية 34.-(8/31)
أما الدول الإسلامية التي دخلت في عهود ومواثيق مع أمريكا، تتضمن عدم الاعتداء من الطرفين؛ فيجب الوفاء بها، وهذه العهود والمواثيق لا تُغيّر من حقيقة (دار الكفر) من حيث الأحكام المتعلقة بها من: وجوب الهجرة منها، وحرمة البقاء فيها لغير ما ضرورة تستوجب ذلك من: الدعوة إلى الله، وتعلم علمٍ يحتاج إليه المسلمون، أو تطبب لا يُنال في بلاد الإسلام ... وغيرها من الضرورات.
وأنبه إلى أن اختلاف الدارين (دار الإسلام ودار الكفر) لا يُغيّر من أحكام الله شيئاً فما كان محرماً في دار الإسلام: كالأنفس والأعراض والأموال المعصومة بالإسلام أو العهد والمحرمات: الربا والزنى والسرقة ... وغيرها من المحرمات فهو محرم في دار الكفر قال الشافعي - رحمه الله -: " ومما يوافق التنزيل والسنة، ويعقله المسلمون، ويجتمعون عليه: أن الحلال في دار الإسلام حلال في بلاد الكفر، والحرام في بلاد الإسلام حرام في بلاد الكفر، فمن أصاب حراماً فقد حدَّه الله على ما شاء، ولا تضع عنه بلاد الكفر شيئاً ". (الأم 4/165) .وقال أيضاً:" لا فرق بين دار الحرب ودار الإسلام فيما أوجبه الله على خلقه من الحدود ". (الأم 7/354) .وقال الشوكاني - رحمه الله -: " إن دار الحرب ليست ناسخة للأحكام الشرعية أو بعضها ". (السيل الجرار 4/552) وأما الكتب التي تناولت هذا الموضوع فمنها: (مجموعة بحوث) للدكتور عبد الكريم زيدان، و (اختلاف الدارين) لإسماعيل فطاني، و (الاستعانة بغير المسلمين) للدكتور عبد الله الطريقي، و (تقسيم الدار في الفقه الإسلامي) لأخيك المجيب. عصمنا الله وإياكم من الزلل في القول والعمل. آمين.(8/32)
مقاطعة محلات (ماركس- سبنسر)
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 24/04/1425هـ
السؤال
لله الحمد، فأنا من المقاطعين لمحلات (ماركس وسبنسر) منذ أكثر من 15 سنة تقريباً-؛ لأن هذه المحلات تفتخر بأنها تساهم في تمويل المجهود الحربي الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعندما أقول لأهلي وصديقاتي بأن هذه المحلات يهودية يقولون الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان يشتري منهم، وأن أغلب المحلات الأمريكيية والبريطانية مُلاكها يهود! فأقول لهم: نعم هذا صحيح، ولكن محلات (ماركس وسبنسر) بالذات تفتخر بتبرعاتها لليهود، وللمجهود الحربي الإسرائيلي، لدرجة أن هناك يهوداً معارضون لهذا المحل، ويقومون بمظاهرات؛ لأنهم يتبرعون للصهيونية من هذه المحلات، خاصة في بريطانيا، وأننا في زمن حرب معهم، فلا يجوز الشراء من محلاتهم. فما حكم الشراء من محلات ماركس وسبنسر؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(8/33)
رأيك هو الصواب، فلا يجوز الشراء من المحلات التجارية التي تدعم وتمول اليهود، بل يجب ويتعين مقاطعتها؛ لأن اليهود محاربون للمسلمين في كل مكان، إما حرباً عسكرية سياسية كما في فلسطين، أو حرباً سياسية واقتصادية على جميع الدول الإسلامية، وقد جاء في الأثر النهي عن بيع السلاح في الفتنة انظر ما رواه البخاري في كتاب: البيوع. باب بيع السلاح في الفتنة وغيرها.، والمسلمون اليوم لا يصنعون السلاح فضلاً أن يبيعوه للكفار، وإنما المعنى إعانتهم اقتصادياً بتشجيع منتجاتهم، لا سيما إذا وجد المسلم ما يقوم مقامها فيحرم عليه شراؤها - وهذه فتوى كثير من العلماء اليوم في عامة الدول الإسلامية- وإذا كان في الشرع: "الدال على الخير كفاعله" رواه الترمذي (2670) من حديث أنس -رضي الله عنه-، فيكون عكسه كذلك، أي الدال على الشر والمعين عليه كفاعله، وخاصة في هذا العصر الذي تكالبت فيه الأعداء على المسلمين، وأذكركم بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم"رواه أبو داود (2504) ، والنسائي (3069) من حديث أنس -رضي الله عنه-، وأعظم قتال يستطيعه المسلمون مع ضعفهم مقاطعة أعدائهم اقتصادياً، والرد على أقاويلهم وشبهاتهم في جميع وسائل الإعلام. والله أعلم.(8/34)
هل الإسلام يعلِّم العنف؟
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 22/1/1425هـ
السؤال
شخص نصراني يصر على أن الإسلام يعلِّم العنف، واستند إلى حديث الرجل الأعمى الذي قتل أم ولد كانت عنده؛ لأنها كانت تقع في النبي -صلى الله عليه وسلم- فأهدر النبي -صلى الله عليه وسلم- دمها، أرجو التكرم بشرح الحديث؟ وما دلالة هذا الحديث على ما يقول الرجل النصراني؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد:(8/35)
الحديث أخرجه أبو داود (4361) والنسائي (7 / 107) من طريق إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَال: َ حَدَّثَنِي إِسْرَائِيلُ عَنْ عُثْمَانَ الشَّحَّامِ عن عِكْرِمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- أَنَّ أَعْمَى كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ وَكَانَ لَهُ مِنْهَا ابْنَانِ وَكَانَتْ تُكْثِرُ الْوَقِيعَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَسُبُّهُ فَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ وَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ذَكَرْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَعَتْ فِيهِ فَلَمْ أَصْبِرْ أَنْ قُمْتُ إِلَى الْمِغْوَلِ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا فَاتَّكَأْتُ عَلَيْهِ فَقَتَلْتُهَا فَأَصْبَحَتْ قَتِيلًا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَمَعَ النَّاس، َ وَقَالَ أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا لِي عَلَيْهِ حَقٌّ فَعَلَ مَا فَعَلَ إِلَّا قَامَ فَأَقْبَلَ الْأَعْمَى يَتَدَلْدَلُ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا صَاحِبُهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدِي، وَكَانَتْ بِي لَطِيفَةً رَفِيقَة، ً وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تُكْثِرُ الْوَقِيعَةَ فِيكَ وَتَشْتُمُكَ، فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، فَلَمَّا كَانَتْ الْبَارِحَةُ ذَكَرْتُكَ فَوَقَعَتْ فِيكَ، فَقُمْتُ إِلَى الْمِغْوَلِ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا فَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ"، ورجال إسناد هذا الحديث ثقات، وقد أخرجه الحاكم في المستدرك (4 / 394) ، من طريق إسرائيل به وقال: هذا حديث صحيح الإسناد(8/36)
على شرط مسلم ولم يخرجاه. وهذه القصة يمكن أن تكون هي التي جاء ذكرها مختصرة فيما رواه الشعبي عن علي - رضي الله عنه-: أن يهودية كانت تشتم النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقع فيه، فخنقها رجلٌ حتى ماتت، فأبطل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دمها. رواه أبو داود (4362) ، وفي رواية عن الشعبي قال: "كان رجل من المسلمين - يعني أعمى - يأوي إلى امرأة يهودية، فكانت تطعمه وتحسن إليه، فكانت لا تزال تشتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتؤذيه، فلما كان ليلة من الليالي خنقها فماتت، فلما أصبح ذُكِرَ ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فنشد الناس في أمرها، فقام الأعمى فذكر أمرها فأبطل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-دمها.
وقوله في الحديث أم ولد: يحتمل أن تكون زوجة له أو مملوكة، والظاهر أنها كانت كافرة، وكان لها العهد بملك المسلم إياها أو بتزوجه بها، فإن أزواج المسلمين من أهل الكتاب لهم حكم أهل الذمة بالعصمة، ويبعد أن تكون مسلمة؛ لأن مثل هذا السب الدائم لا يفعله مسلم إلا عن ردة.(8/37)
"يزجرها": أي يمنعها "فلا تنزجر": أي فلا تمتنع. "المِغْوَل": بالغين المعجمة: سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه فيغطيه، وقيل: حديدة لها حد ماض. وفي رواية: "معول" وهي: آلة حديدية تستعمل للحفر في الأرض أو الجبل فاتكأ عليها: أي تحامل عليها، "أنشد الله رجلاً": أي أسأله بالله وأقسم عليه "يتدلدل": أي يضطرب في مشيه، "دمها هدر": الهدر الذي لا يضمن بقصاص ولا دية ولا كفارة، وقد استُدِلَ بهذا الحديث أن الذمي يقتل إذا سب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وينتقض عهده بذلك حيث أهدر النبي -صلى الله عليه وسلم- دم هذه المرأة وأبطله، ويظهر أن هذه المرأة كانت ذمية، وكانت تكثر الوقيعة بالرسول- صلى الله عليه وسلم-، وكانت أم ولد لهذا الرجل الأعمى فينهاها ويزجرها فلا تنتهي ولا تنزجر فعند ذلك قتلها، قال ابن تيمية: وهذه المرأة إما أن تكون زوجة لهذا الرجل أو مملوكة له، وعلى التقديرين فلو لم يكن قتلها جائزاً لبيَّن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له أن قتلها كان محرماً، وأن دمها كان معصوماً..... فلما قال: " اشهدوا أن دمها هدر"، والهدر الذي لا يضمن ولا دية ولا كفارة علم أنه كان مباحاً مع كونها ذمية، فعلم أن السب أباح دمها، لاسيما والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما أهدر دمها عقب إخباره بأنها قتلت لأجل السب، فعلم أنه الموجب لذلك، والقصة ظاهرة الدلالة في ذلك.
قال السندي: وفيه دليل على أن الذمي إذا لم يكف لسانه عن الله ورسوله فلا ذمة له فيحل قتله والله أعلم.
وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع أن ساب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-إن كان مسلماً فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وإن كان ذميًّا فإنه يقتل أيضاً في مذهب مالك وأهل المدينة، وهو مذهب أحمد وفقهاء الحديث.(8/38)
قال ابن حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: كل من شتم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو تنقصه - مسلماً كان أو كافراً - فعليه القتل، وأرى أن يقتل ولا يستتاب، وقال: سمعت أبا عبد الله يقول: كل من نقض العهد وأحدث في الإسلام حدثاً مثل هذا رأيت عليه القتل، ليس على هذا أعطوا العهد والذمة، وكذلك قال أبو الصفراء: سألت أبا عبد الله عن رجل من أهل الذمة شتم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماذا عليه؟ قال: إذا قامت البينة عليه يقتل من شتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مسلماً كان أو كافراً، وقال في رواية عبد الله وأبي طالب، وقد سئل عن شتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: يقتل، قيل له: فيه أحاديث؟ قال: نعم أحاديث كثيرة منها: حديث الأعمى الذي قتل المرأة، قال: سمعتها تشتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.(8/39)
ومن خلال ما سبق يتبين أن هذه المرأة التي سبت الرسول وأكثرت الوقيعة فيه قد نقضت عهدها وأصبحت غير معصومة الدم فحل قتلها، وأما كون هذا الرجل هو الذي باشر قتلها؛ فهي إن كانت مملوكة له فقد جاء ما يدل أن السيد له أن يقيم الحد على أرقائه كما جاء في الحديث: " أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " أخرجه أحمد (698) ، وفي صحيح مسلم (1705) خَطَبَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُمْ الْحَدَّ مَنْ أَحْصَنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ ... "، وإن كانت زوجة ذمية فيكون هذا الرجل قد حملته غيرته الدينية على قتلها، حيث لم يصبر لما أكثرت من سب الرسول والوقيعة فيه -صلى الله عليه وسلم- وهو ينهاها ويزجرها فلم تستجب، ولما علم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك جمع الناس، وبحث عن قاتلها حتى أخبره هذا الرجل بما حدث وصدقه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما قال، والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس كغيره فهو مؤيدٌ بالوحي من الله، والحاصل أن هذه القصة ليس فيها ما يدل على العنف، بل إن هذه المرأة فعلت ما يوجب القتل؛ لأن سب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معناه الاستخفاف والاستهانة به وتكذيب ما جاء به....؛ فإن صدر من مسلم فهو كفر وردة، وإن صدر من ذمي فهو نقض للعهد.(8/40)
يقول ابن تيمية: إن سب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تعلق به عدة حقوق: حق الله سبحانه من حيث كَفَرَ برسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعادى أفضل أوليائه وبارزه بالمحاربة، ومن حيث طعن في كتابه ودينه فإن صحتهما موقوفةٌ على صحة الرسالة، ومن حيث طعن في ألوهيته فإن الطعن في الرسول -صلى الله عليه وسلم- طعن في المرسِلِ وتكذيبه تكذيبٌ لله -تبارك وتعالى- وإنكار لكلامه وأمره وخبره وكثير من صفاته، وتعلق به حق جميع المؤمنين من هذه الأمة، ومن غيرها من الأمم فإن جميع المؤمنين مؤمنون به خصوصاً أمته فإن قيام أمر دنياهم ودينهم وآخرتهم به بل عامة الخير الذي يصيبهم في الدنيا والآخرة بواسطته وسفارته، فالسب له أعظم عندهم من سب أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وسب جميعهم، كما أنه أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم وآبائهم والناس أجمعين، وتعلق به حق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من حيث خصوص نفسه، فإن الإنسان تؤذيه الوقيعة في عرضه أكثر مما يؤذيه أخذ ماله، وأكثر مما يؤذيه الضرب بل ربما كانت عنده أعظم من الجرح ونحوه، خصوصاً من يجب عليه أن يظهر للناس كمال عرضه وعُلو قدره لينتفعوا بذلك في الدنيا والآخرة، فإن هتك عرضه قد يكون أعظم عنده من قتله، فإن قتله لا يقدح عند الناس في نبوته ورسالته وعلو قدره، كما أن موته لا يقدح في ذلك بخلاف الوقيعة في عِرْضِه فإنهاقد تؤثر في نفوس بعض الناس من النُّفرة عنه وسوء الظن به ما يفسد عليهم إيمانهم ويوجب لهم خسارة الدنيا والآخرة.(8/41)
والأصل أن إقامة الحدود والقصاص والجنايات إلى السلطان؛ فقد كانت الحوادث ترفع إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم إلى خلفائه من بعده. وما وقع في هذه الحادثة من النوادر والمتأمل - بعين الإنصاف والبعد عن الهوى والمقاصد السيئة - في تشريعات الإسلام وأحكامه يجد أنها مبنية على الرحمة والعدل والإحسان والرفق، قال الله -عز وجل-:(8/42)
"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" [الأنبياء: 107] ، وقال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ" [النحل: 90] ، وجاءت الشريعة بحفظ الأنفس والأموال والأعراض والوفاء بالعهود والمواثيق، ففي حجة الوداع قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَا إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، وَكَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، وَكَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا " أخرجه أحمد ح (18198) ، وفي بعض غزوات النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة مقتولة فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. أخرجه البخاري (3015) ، ومسلم (1744) ، وأخرج البخاري (3166) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: " مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا "وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتألف أهل الكتاب ولا يقابل إساءتهم بالعقوبة؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَعَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَقْتُلُهُ قَالَ: لَا إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ. أخرجه البخاري (6926) ، وفي الصحيحين البخاري (6024) ، ومسلم (2165) من حديث عَائِشَةَ(8/43)
-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَهْلًا يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ"، والسام: هو الدعاء بالموت، وقد تركهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يعاقبهم لمصلحة تأليفهم، ولأن هذا القول منهم ليس بصريحٍ في السب بل هو دعاء بالموت الذي لا بد منه والله أعلم.
وإن كان بعض العلماء استدل بحديث أنس وعائشة -رضي الله عنهما- على أن أهل الذمة لا يقتلون بمجرد السب للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لأن ما هم فيه من الكفر أعظم، وهو قول الكوفيين وأبي حنيفة والثوري، ولعلهم لا يرون صحة ما جاء في حديث الأعمى لاسيما وأن مداره على عثمان الشحام وهو وإن كان بعض الأئمة وثقه، فقد تكلم فيه يحيى بن سعيد القطان، فقال: عثمان الشحام تعرف وتنكر ولم يكن عندي بذاك، وقال النسائي: ليس بالقوي.
والله أعلم، هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(8/44)
هل يطرد اليهود من منتداه؟
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 24/09/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا مشرف عام على منتدى كبير، وهذا المنتدى تقنيٌّ بحت، أي لا يبحث أي مواضيع خارجة عن المواضيع التِّقنية، مثل المواضيع الدينية أو غيرها، طبعًا هو منتدى مفتوح للجميع، ويشترك لدينا بعض العرب من النصارى، وأحيانًا يهود، يضغط عليَّ بعض الأعضاء ويطالبونني بطردهم، وأنا أقول: ما دمنا لم نر منهم أي سوء ولم يتعدوا أبدًا على الإسلام، فلماذا يتم طردهم؟ يقول: إن مجرد السماح لهم بالاشتراك والسماح لهم بالاستفادة من معلومات المنتدى هو تعاون معهم، ولا يجوز, وأنت آثم عليه! فأردت تبرئةً للذمة استفتاءكم....هل أقوم بطردهم؟ أفيدوني مأجورين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن التعاون في المواضيع المفيدة كتعاون أصحاب الاختصاص الواحد، كالأطباء مثلاً، أو المهندسين هو أمر طيب، ولا يشترط أن يكونوا جميعًا مسلمين، بل هذا التعاون من البر الذي يأمرنا به ديننا حتى مع الكفار غير المعادين؛ (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ
وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة: 8] .
ولا يخفى فوائد هذه المنتديات من الناحية التقنية، وهي خير مثال على خلق المسلم واهتمامه بالعلم وتقديمه لمن يحتاجه، وهي تعطي صورة خيرة للمسلم الحق، وربما أدت إلى هداية غير المسلمين.(8/45)
وأما إذا تبين أن المستفيد من هذه التقنيات يسيء استخدامها أو يصدر منهم ما يسيء إلى ديننا فإنه في هذه الحالة يتعامل معهم بما أمر به ديننا من نصحهم وبيان الحق لهم، سواء كان مسلمًا أو غير مسلم، وإذا لم يفلح معه ذلك وتكررت منه الإساءة وكانت هذه المعلومات عونًا له على الإثم والعدوان فلا يسوغ تقديمها له بل يحجب عنها؛ لقوله سبحانه: (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2] .
نسأل الله تعالى- كل خير، وأن يوفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.(8/46)
السرقة من اليهود
المجيب د. عبد الغني بن أحمد التميمي
أستاذ في السنة وعلومها
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 20/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
شيخنا الفاضل: تعلمون الأوضاع السائدة في فلسطين، احتلال، وقهر، وتعذيب ... وأيضاً لدينا عمال يعملون داخل الخط الأخضر عند متعهدين يهود. ما حكم سرقة اليهود في فلسطين بشكل عام، وسرقة هذه العمالة من الذين استأمنوهم بشكل خاص؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ السائل:
أولاً: لا يجوز دعم اليهود المحاربين المغتصبين بأي نوع من أنواع الدعم أو ما يتقوون به على المسلمين.
ثانياً: من ذلك العمل في مصانعهم أو مزارعهم، أو غيره؛ لأن ذلك يصب ضمن معاونتهم، ويؤدي إلى موالاتهم ومحبتهم، والتآلف والتعايش معهم.
ثالثاً: لا تجوز سرقتهم بشكل عام؛ لأن هذه ليست من أساليب جهادهم وإضعافهم، بل المقصود بها نفع نفسه لا إضعاف عدوه، إلا غذاء كان ضمن خطة تتفق عليها فصائل المقاومة أو بعضها.
رابعاً: من أؤتمن على عمل أو مصلحة أو نحوها لا يجوز أن يخون أمانته، ولو مع حربي، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" والله -تعالى- أعلم.(8/47)
القبض على المجاهدين وتعذيبهم
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 29/10/1425هـ
السؤال
ما حكم من يقبض على مجاهد ترك ماله وعمله وبيته وأولاده وملذات الدنيا ومغرياتها، وذهب ليجاهد مع إخوانه في العراق ضد اليهود والنصارى، وقد سفكوا دماء إخوانه المسلمين، وانتهكوا أعراض أخواته المسلمات، وعذبوا ونكل بهم، هل يجوز منعه وسجنه وتعذيبه لأنه اختار طريق الجهاد؟ بينما تفرش الأرض، وتوزع الهدايا، ويمجد المغني الماجن أو اللاعب وغيرهما؟!
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(8/48)
يجب أن يُعلم أن دعوة الكافر إلى الإسلام بتألُّفه وتعريفه بأحكام الشرع ومقاصده، مقدم على قتله ومقاتلته، ودعوته إلى الإسلام قبل القتال أو بعده لا يقل أجرها عن أجر قتله إذا امتنع عن الإسلام ففي الحديث: "لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِن أنْ يَكُونُ لَكَ حُمْرُ النَّعَمْ". أخرجه البخاري (3701) ومسلم (2406) . ومن المعلوم في أحكام الجهاد أن الكافر متى رغب في الدخول في الدين أو نطق بالشهادة، وجب الكف عن قتاله، وتأمينه حتى يسمع كلام الله، ولا يجوز التشكيك في قصده؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. . .) [النساء: من الآية94] . أما إذا بدأ العدو المسلمين بالقتال أو لم يقبل دعوة الحق التي عرضت عليه وجب قتله ومقاتلته؛ (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) [البقرة: 190- 191] . ولاشك أن قتال أمريكا وحلفائها في العراق قتال مشروع وعمل مبرور، ومن قتله الأمريكان وحلفاؤها من المسلمين فله أجر شهيدين- إن شاء الله- كما جاء في حديث قيس بن شماس، في سنن أبي داود (2488) : لما جاءت أم خلاد تسأل عن ابنها وهو مقتولٌ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابْنُكَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ". قالت: ولِمَ ذلك يا رسول الله؟ فقال: "لَأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ الكِتَابِ". فالله الله يا أهل العراق خاصة، أثخنوا في الأمريكان قتلًا وأسرًا، ولا تأخذكم في ذلك لومة لائم؛ (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا(8/49)
أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا. . .) [محمد: من الآية4] . واحذروا أن يوقع عدوكم الفتنة بينكم فيقتل بعضكم بعضًا، فإنكم مهما اختلفت توجهاتكم تقفون اليوم أمام عدو مشترك يريد أن يستأصل شأفتكم، ويأخذ خيراتكم، ويفسد عليكم دينكم ودنياكم، والله يقول لعباده المؤمنين: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46] .(8/50)
أما الشباب غير العراقيين فلا أنصح بذهابهم للقتال هناك، وإنما عليهم العمل بنصرة إخوانهم، وهم مقيمون في أوطانهم بما يستطيعونه من مال أو رأي ومشورة، أو دعاء، أو طعام ودواء، فنصرتهم بهذه الأمور أهم وأولى من الذهاب للقتال معهم، فهم إلى الدعم بهذه الأمور أحوج من غيرها، ويجب أن نستفيد- معشر المسلمين- من واقع الجهاد في أفغانستان مع الاتحاد السوفيتي، ولقد كان قادة المجاهدين آنذاك (رباني وسيَّاف وحكمت يار) يقولون: لسنا بحاجة للرجال غير الأفغان، وإنما نحن بحاجة ماسة إلى الدعم بالمال والدعاء. فكان هذا عين الصواب والحكمة، وليته تم- غير أن حماس شباب العرب وعاطفتهم طغت على حكمة وشجاعة العجم، فكان ما كان مما أصاب العالم كله والمسلمين خاصة حكومات وشعوبًا مما لا يجهله اليوم إنسان، لقد اجتيح بسبب هذا في مدة وجيزة دولتان (أفغانستان والعراق) ، قتل وجرح، وشرد فيها مئات الألوف من الأنفس البريئة، علاوة على انتهاك الأعراض وإفساد الأموال والممتلكات ما الله به عليم، ولا يزال الحبل على الجرار، فالدور قادم- إلا أن يشاء الله- على دول الجوار، وكل ما حصل ويحصل للمسلمين من كل مكان من الذل والهوان والتخلف إنما هو بسبب المعاصي والذنوب من عامة الحكومات والشعوب، وصدق الله العظيم: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرعد: من الآية11] . ومن أعظم هذه المعاصي الجهل بالدين والدنيا معًا، وأعظم الجهل بالدين الجهل بتوحيد الله من بناء الأضرحة على القبور والدعاء عندها، والطواف عليها، وتشريع القوانين والأنظمة بتحريم ما أحل الله، وإباحة ما حرم الله، والحكم بها والتحاكم إليها، وهذا الجهل له مظهران:
(1) مظهر روحي شخصي- بفضل الله أمسكناه.(8/51)
(2) وآخر مدني- مع الأسف فرطنا به وأضعناه، فراح بعضنا يبكيه، والبعض الآخر جاهل به، معرض عنه كأنه لا يعنيه، أو ما يدري هؤلاء وأولئك أن جهلهم بأحكام أدى بهم إلى رهبانية كرهبانية النصارى؛ (دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر) . فصاروا لا يتناهون عن منكر فعلوه، ولا يتناصحون فيما يصلح العباد والبلاد من أمور الحياة كالطب والهندسة، والصناعة، والزراعة، وسائر الخدمات الضرورية، ونتيجة جهلهم بالدين أخرجوها منه قولًا وفعلًا، وحصروه بمظاهر العبادة من صلاة وصيام، وصدقة، وإحسان، بل راح بعض الناس نتيجة جهله ينظر إلى أن كثرة ورود النصوص الشرعية في موضوع ما، وقلتها في موضوع آخر تدل على أهمية هذا على ذاك، وتقديمه عليه لكثرة ما ورد فيه من نصوص؛ كالجهاد في سبيل الله ورد فيه من النصوص الشرعية من القرآن والسنة ما يكاد يساوي أو يزيد على ما ورد في الصلاة والزكاة، مع أنهما من أركان الإسلام، وإذا كانت الصلاة عماد الدين فإن الجهاد فرع عنها لا يصح إلا بها، وأيضًا لو كانت الكثرة والقلة مقياسًا للأهمية لكان السواك للناس أهم من الشورى، ومعرفة المواريث أهم من دراسة الطب، وإعفاء اللحية أولى من الزراعة والصناعة، وهكذا، فالشورى والطب والهندسة والصناعة، والزراعة لم يرد فيها من النصوص الشرعية مجتمعة عشر ما ورد في صدقة التطوع، مع أن تعلم مثل هذه الفنون وتعليمها من فروض الكفاية، لو أجمع أهل بلد على ترك واحد منها وجب على الحاكم الشرعي قتالهم، بخلاف لو تركوا صدقة التطوع، لقد بلغت الحماسة والغيرة عند الشباب مبلغها حتى غطت على العقل والروية- أو كادت- فراحوا يأخذون بفتاوى العلماء السابقين، وكأنهم يعيشون تحت ظل الخلافة الراشدة أو بعدها حين كان هارون الرشيد يخاطب السحابة: (أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك) . ونسوا أنهم يعيشون زمن الضعف والفرقة، ففي كل شبر من المعمورة أمير للمؤمنين ومنبر، إن أول ما يصطدم به هؤلاء الشباب إغلاق الحدود(8/52)
أمامهم، فلا يمكن لهم أن يعبروها إلى دولة أخرى دون جواز وتأشيرة، ولن يستطيعوا الحصول عليها إلا بعد تعب واحتيال وتعريض أنفسهم للسجن والتعذيب قبل خروجهم أو بعد عودتهم إن عادوا، وإن كان الأولى عدم الخروج من بلادهم؛ غير أن سجنهم وتعذيبهم لو خرجوا حرام لا يجوز، قد يكون نصرة للعدو وصدًّا عن سبيل الله مؤذنًا بالعقوبة في الدنيا قبل الآخرة (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58] . والله أعلم.(8/53)
حراسة المسلم للكافر
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 09/05/1425هـ
السؤال
عرض ابن عم زوجي - وهو غير مسلم- عملاً على زوجي، بأن يكون له حارساً شخصياً ليتولى حمايته، هل يجوز لزوجي قبول مثل هذا العمل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
يجوز للمسلم أن يعمل عند الكافر أجيراً وعكسه كذلك، مثال الأول فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- وصحابته - رضي الله عنهم - مع المشركين وعامة الكفار، فقد كانوا يبايعونهم ويؤاجرونهم، فآجر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- نفسه من كافر ليسقي له كل يوم بتمرة. انظر: الترمذي (2473) ، ومات رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ودرعه مرهونة عند يهودي بصاع من شعير. انظر: البخاري (2916) ، ومسلم (1603) ، ومثال الثاني: استئجار النبي - صلى الله عليه وسلم- يوم الهجرة عبد الله بن أريقط وهو مشرك يومئذ ليدله الطريق. انظر: البخاري (2263) ، وعلى هذا يجوز لزوجك أن يعمل عند ابن عمه حارساً له ولو كان كافرا، وكذلك عكسه ما دام أميناً ويأمنه على نفسه. والله أعلم.(8/54)
اختطاف الأجانب وقتلهم
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 30/04/1425هـ
السؤال
لقد ظهرت في الآونة الأخيرة عمليات قتل الأجانب واختطافهم داخل البلاد الإسلامية، وآخرها ما حصل في الرياض، فما رأي فضيلتكم بمثل هذه الأعمال؟
الجواب
لقد سمعنا وقرأنا ما نادت به هذه الفئة الضالة المجرمة من اختطاف أحد الأمريكان المستأمنين في الرياض، وتهديدهم بقتله في موعد حددوه إن لم تُستجَب مطالبهم، وهذا فعل شنيع وجريمة نكراء يأباها الشرع والعقل والشهامة والرجولة والعرف، أما الشرع فيحرم قتل النفس المعصومة إلا بحقها، فهذا الرجل الأجنبي المختطف دخل البلاد بعهد وأمان، ففي صحيح البخاري (3166) عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً" وكل الأجانب - غير المسلمين - الذين يعملون في المملكة مستأمنون، قدموا واستقدموا لحاجتنا إليهم، يقول ابن القيم في كتابه أحكام الذمة: "المستأمن هو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها "يعني إقامة دائمة"، وهم أربعة أقسام: رسل، وتجار، ومستجيرون حتى يعرض عليهم الإسلام، وطالبو حاجة من زيارة أو غيرها، وحكم هؤلاء (الأصناف) ، ألا ينافروا ولا يقتلوا، ولا تؤخذ منهم الجزية، ويعرض على المستجير منهم الإسلام والقرآن، فإن دخل فيه فذاك، وإن أحب اللحاق بمأمنة ألحق به" أ. هـ.(8/55)
أما العقل السليم فلا يفارق الشرع، بل هو ملازم له في كل حال، فالعقل الصريح مع النقل الصحيح دوما وأبداً، أما العقل البليد الأحمق فهو ينأى عن الحق والهدى، أما الشهامة والرجولة فلا تجتمع مع الخيانة والغدر. فما ذنب هذا المستأمن البريء يؤخذ بجريرة غيره والله - تعالى - يقول: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" [الأنعام:164] .
والعرف المحمود ضمن دائرة الشرع، والقاعدة تقول: (ما عرف عرفاً كما اشترط شرطاً) وإكرام الغريب واحترامه معلوم في تاريخ الأمة العربية في الجاهلية والإسلام، ففي الجاهلية كانت تقوم الحروب بين القبائل عندما تمس كرامة الضيف والغريب، ثم جاء الإسلام، ودعا إلى إكرام الغريب، بل ودعوته وتعليمه الإسلام إن رغب ذلك دون إكراه، قال -تعالى-: " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون" [التوبة:6] .(8/56)
فأين هؤلاء القتلة قساة القلوب من هذه النصوص الشرعية من القرآن والسنة؟ إن كانوا يقصدون الخير -كما يزعمون- فإن قتل الأبرياء أو ترويعهم، وتضييع وإهدار الأموال المعصومة بعصمة دماء أهلها لمن أعظم الفساد في الأرض الذي لا ينفع معه عمل ما لم يتب صاحبه منه توبة نصوحاً. وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، ويتعين على ولي الأمر تطبيق شرع الله على من قبض عليه متلبساً في القتل أو الفساد، وعدم المساس بمن تاب وأقلع قبل أن يقبض عليه، وإننا لنناشد العقلاء من هؤلاء الشباب الرجوع إلى الصواب، كما نناشد ولاة الأمر بتطبيق آية الحرابة على المتلبسين بالجريمة، والعفو عمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه، وعلينا جميعاً أن نتأمل كلام الله ونقف عنده نحكم به ونتحاكم إليه، قال - تعالى -: " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم" [المائدة:33-34] ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة لما عفا في فتح مكة عمن أشرك بالله وقاتل المسلمين، لما قال لهم: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى السلام فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن.."رواه مسلم (1780) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وقال- صلى الله عليه وسلم:"اذهبوا فأنتم الطلقاء" رواه البيهقي في السنن الكبرى (9/118) .
اللهم ارزقنا الأمان واهدنا سواء الصراط. آمين.(8/57)
السرقة من دار الكفر
المجيب خالد بن عبد الله البشر
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 1/6/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما تقولون فيمن يدعون جواز السرقة من دار الحرب، هل لهم في ذلك دليل من السنة، ومن أين جاءوا بمثل هذا الحكم (أنه يجب بذل الخمس من المبالغ المسروقة) . هل لذلك ذكر في السنة؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السرقة كبيرة من كبائر الذنوب لا تجوز بأي حال من الأحوال، ولا تجوز السرقة من الكافر، كما لا تجوز من المسلم، ولا تجوز السرقة من دار الكفر، كما لا تجوز من دار الإسلام؛ لأن اختلاف الدار لا يُحل الحرام كما بيناه في جوابنا على سؤال سابق (دار الحرب) . أما الذين أجازوا لأنفسهم جواز السرقة من دار الكفر فقد بنوا هذا على ظنهم الفاسد، وأن ما يأخذونه هو في حكم الغنيمة التي يغنمها المسلمون باستيلائهم على أموال دار الحرب، فإن إمام المسلمين إذا أخذ مال حربي قهراً بقتال فإنه يخرج من هذه الغنيمة الخُمُس الذي لله ولرسوله- صلى الله عليه وسلم- وهو سهم لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم واليتامى والفقراء والمساكين وأبناء السبيل، ثم يقسم الإمام الأخماس الأربعة الباقية على المقاتلين. كما في قول الله تعالى: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ... " [الأنفال:41] .
يظهر لنا أن الأموال المأخوذة من دار الحرب تكون بطريق القتال، والذي يتولاها إمام المسلمين أخذاً وتوزيعاً. هذه هي الطريقة الشرعية في أموال الحربيين.
وأما ما يقوم به بعض المسلمين - هداهم الله - في بلاد الكفر من استحلال السرقة من أموال تلك البلاد، ثم يُخرجون الخُمُس من هذه الأموال مخرج الغنيمة، فهذا الفعل معصية وجريمة، واستحلال لما حرم الله من السرقة، ونقض للعهد والميثاق الذي دخلوا به تلك البلاد. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.(8/58)
هل هذا من موالاة الكفار؟
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 10/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
يعمل أخي في معسكر للقوات المتعددة الجنسيات بسيناء، والذي وضع بعد اتفاقية السلام بين مصر واليهود، ومن المعلوم أن هذا المعسكر يأخذ طابع الجيش الأمريكي حتى في زي الجنود، وقد استمعت أخيراً أنه لا يجوز العمل في المعسكرات، فهل من أصر على العمل معهم بحجة أنه يتقاضى راتباً عالياً أو بحجة أنه لا يعاونهم على المسلمين يعتبر قد تولاهم من دون المؤمنين، وبالتالي ارتد عن الإسلام، أم هل هناك تفصيل في المسألة؟.أفتونا مأجورين وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(8/59)
من أعان العدو على قتل المسلمين أو إيذائهم، فقد ارتكب إثماً عظيماً وجرماً كبيراً، لا يكفِّره إلا التوبة، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضلّ سواء السبيل" [الممتحنة:1] ، فالآية وسبب نزولها في قصة حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه- كما هو معلوم-انظر صحيح البخاري (4890) ومسلم (2494) فتشمل الآية كل من أعان كافراً أو عدواً على مسلم لقاء مصلحة مادية يتكسب من ورائها حتى ولو كان يبغض هؤلاء الكفار ودينهم وقلبه مطمئن بالإيمان الصحيح. أما وصف من هذه حاله بالسؤال: بأنه والى الكفار بعمله فنعم، ولكن موالاة الكفار المحرمة والموجبة للردة عن الإسلام هي الموالاة القلبية سواء ظهرت على الجوارح بنطق أو فعل أو لم تظهر، أما الموالاة الفعلية دون اعتقاد القلب فليست بردة عن الدين، ولكنها كبيرة من كبائر الذنوب، وإذا كانت إعانة للكافر في قتل أو أذى مسلم فيستحق بها العقوبة المناسبة لفعله حسب حكم الحاكم الشرعي فيها، وإذا كان عمل المسلم في مثل هذه المعسكرات ليس بذي أثر في تقوية العدو على المسلمين أثناء الحرب كأن يكون حارساً أو سائقاً ينقل لهم الماء والطعام، ونحو ذلك، ولم يجد له عملاً يعول منه نفسه وأهله - فلا بأس عليه في هذا إن شاء الله- على أن يكون حريصاً على البحث عن عمل آخر لا يلحقه منه إثم أو ضرر. والله أعلم.(8/60)
هل يناقض معاداة الكفار اللعبُ معهم؟!
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 25/08/1425هـ
السؤال
كنت ألعب كرة القدم مع بعض الإخوة، وقد قام بعض الإخوة بدعوة بعض الشباب من الكفار للعب معنا، وقد حصل أن غضب بعض الإخوة وكرهوا أن يلعب الكفار معنا؛ لأن المسلمين يجب ألا يتخذوا اليهود والنصارى أولياء، وعلى هذا فلا يجوز اللعب معهم، لكن إخوة آخرين قالوا: إن هذا يدعونا لدعوتهم إلى ديننا وهم يلعبون معنا، فما رأيكم في الموقف السديد في هذا الأمر؟ ونرجو أن يكون ذلك بالأدلة الواضحة.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(8/61)
لقد نهى الله عن موالاة الكفار نهيًا صريحًا، ولكن ليس من التولي في شيء اللعب معهم والتبسم لهم، ومخالقتهم بالخلق الحسن، كما ليس من مقتضى البراءة منهم أن نظلمهم ونسيء إليهم ونُضارّهم ونمنعهم حقهم، وإنما توجب البراءة كره ما هم عليه من الكفر، وموالاتهم المحرمة هي إعانتهم على المسلمين وحب ظهورهم على الإسلام وأهله، أو حمايتهم من المسلمين إذا طلبوهم بحق. وأما الإحسان إليهم والتحبب إليهم بكريم الأخلاق والمعاملة بالحسنى والبشاشة في وجوههم، بقصد تحبيبهم إلى الإسلام ودعوتهم إليه فهو مشروع، وعلى ذلك يدل هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد عاد جاره اليهودي وأهداه. أخرجه البخاري (1356) . كما يدل على مشروعيته قوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) [الممتحنة: 8] . والشاهد قوله: "أن تَبَرّوهم"، وعموم قوله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِيهِيَ أَحْسَنُ) [النحل: 125] . والدعوة إلى الإسلام والترغيب فيه لا ينحصر طريقه بالخطاب الوعظي المباشر، بل له طرقه المتشعبة إن لم يُجدِ بعضها أجدى بعضها الآخر، منها الخطاب الوعظي المباشر، ومنها كذلك التودد والإحسان، والتلطف والترغيب بالإهداء والإرفاق والممازحة، والإعانة، والإغاثة، ونحن نعجب ممن يعيش بين ظهراني المشركين وهو يريد أن يعتزلهم اعتزالاً تامًّا، ظنًّا منه أن هذا هو مقتضى البراءة، ويتحرج أن يشاركهم بعض المشاركة المباحة كاللعب والخوض معهم في بعض الأحاديث تقوية للعلاقة ونفوذًا إلى قلوبهم! وتأمل كيف أن الله لم ينهنا عن القعود مع الذين يخوضون في آياته بالاستهزاء واللمز إذا خاضوا في أحاديث أخرى لا تمس الدين بسخرية، ولا المؤمنين بأذى؛ "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي(8/62)
الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ... ) [النساء:140] . وقال الله: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ... ) [الأنعام: 68] . ومفهوم هذا جواز أن يقعد معهم إذا خاضوا في غير الكفر.
والحاصل: أن اللعب مع الكفار ليس من التولي ولا من الموالاة المنهي عنها، بل هي علاقة مباحة بريئة، ويؤجر عليها من يتخذها طريقًا ينفذ من خلاله إلى قلوبهم، فيحبّبهم إلى الإسلام بأخلاقه وتعامله وإحسانه وتلطفه، والنية الصالحة أساس كل عمل صالح، وقد تبلغ النية الصالحة مبلغ العمل الصالح نفسه. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(8/63)
هل كان في عهد الرسول الله صلى الله عليه وسلم جواسيس؟
المجيب د. عثمان بن جمعة عثمان ضميرية
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 19/09/1425هـ
السؤال
هل كان في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم- جهاز مباحث عامة؟ وما تفسير الآية: "ولا تجسسوا ... ؟ ".
الجواب
الحمد لله، وبعد: فإن الإعداد والاستعداد للجهاد ومواجهة الأعداء يتطلب أن يكون بين يدي القائد معلومات صحيحة صادقة سليمة عن الأعداء من حيث كفاءتهم القتالية، وأسلحتهم، وأساليب قتالهم، ومصادر قوتهم وأهدافهم،… إلى غير ذلك من المعلومات الضرورية من أجل التخطيط للمعركة، وعملية جمع تلك المعلومات تسمى (الاستطلاع) ، ويقوم بها عادة أفراد أو دوريات قليلة العدد، يتّسم الواحد منهم بالصبر، والتحمل، والانضباط، والشجاعة، والذكاء، ويحرصون على أداء مهمتهم بسرية تامة ويتجنبون القتال.
وقد كان هذا واقعاً عملياً في حروب النبي - صلى الله عليه وسلم- فقد كان يُعنى أشد العناية بهذه الناحية، وله في ذلك فراسة هي مضرب الأمثال في هذا المجال، ففي غزوة بدر - مثلاً - عندما وجد شيخاً من العرب عند أحد المياه سأله عن قريش وعن محمد، ليعرف الأخبار عن قريش، انظر ما رواه أحمد في مسنده (951) من حديث علي -رضي الله عنه-(8/64)
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قد بعث بَسْبَسَ بن عمرو -رضي الله عنه- عيناً (متجسساً ورقيباً) ينظر ما صنعت عِيْر أبي سفيان -رضي الله عنه-، فجاء وما في البيت عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحد غير أنس بن مالك -رضي الله عنه-، فحدَّثَه الحديث، أي خبر أبي سفيان -رضي الله عنه- والعِيْر، انظر ما رواه مسلم (1901) من حديث أنس -رضي الله عنه-. وعندما عسكر بأصحابه -رضي الله عنهم- عند ماء بدر بعث ثلاثة من رجاله المعتمدين، هم الزُّبَيْرُ بن العوَّام، وعليُّ بن أبي طالبٍ، وسعدُ بن أبي وقَّاصٍ - رضي الله عنهم-، على رأس جماعة من المسلمين؛ ليستطلعوا جليَّة الأخبار ويعرفوا شيئاً عن مصير قافلة أبي سفيان -رضي الله عنه-، فقبضوا على اثنين من سقاة قريش، جاءوا بهما إلى رسول الله -رضي الله عنه- معتقدين أنهما من أتباع أبي سفيان -رضي الله عنه-، إلا أنهما أكدا انتماءهما للجيش القرشي الذي يعسكر الآن قريباً من المسلمين، تحجبهم التلال والكثبان عنهم، وضربوهما ظناً منهما أنهما يكذبان … وكان صلى الله عليه وسلم يصلي، فلما سلَّم، قال لهم: إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما، صَدَقا والله، إنهما لِقريش، أخبِراني عن قريش؟ قالا: هم والله وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعُدْوَة القصوى. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "كم القوم؟ " قالا: كثير، قال: "ما عِدَّتُهم؟ " قالا: لا ندري. قال: "كم ينحرون من الإبل كل يوم؟ " قالا: يوماً تسعاً ويوماً عشراً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "القوم ما بين التسعمائة والألف"، قال لهم: "فمن فيهم من أشراف قريش؟ " قالا: عُتْبَةُ بن ربيعة، وشَيْبَةُ بن ربيعة، وأبو البَخْتَرِيّ بن هشام، وحكيم بن حِزَام، بل إن الاهتمام بمعرفة أخبار العدو، تمتد إلى ما قبل هذه الغزوة حيث كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- من يستطلع له أخبار مكة، وهم جماعة بقيادة عمه العباس بن عبد المطلب -(8/65)
رضي الله عنه- الذي كان ـ فيما يبدو ـ يخفي إسلامه، وبشير بن سفيان العَتَكِيُّ، وكانت هذه الجماعة وكأنها تعمل في سرِّية تامة، كانت مثالاً عفاً كريماً لما تذهب إليه، وكانت أعمالها محصورة فيما ينبغي معرفته عن العدو بطرق شريفة لا تتنافى مع الخلق والشرع، ومن ذلك: الإشراف على المؤمنين سراً في مكة، وبث الدعوة سراً، والقيام بمهمة المراسلة، والتبليغ بين المهاجرين في المدينة وذويهم في مكة، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم- وبين المؤمنين الأخفياء في مكة، وجمع الأخبار الصادقة وتبليغها للنبي- صلى الله عليه وسلم- بدقة ونظام، وفي غزوة الأحزاب أيضاً أراد - صلى الله عليه وسلم- أن يكشف خبر قريِظة فقد روى البخاري (2846) ، ومسلم (2415) من حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من يأتينا بخبر القوم؟ " فقال الزبير-رضي الله عنه-: أنا، ـ ثلاثاً ـ ثمَّ قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إن لكل نبي حواريَّاً وحواريَّ الزبير"، ثمَّ ذهب الزبير-رضي الله عنه- إلى قريظة مرتين أو ثلاثاً، بكل حذر؛ حتى لا يعرف أمره أحد، لذلك عندما سأله ابنه عبد الله قائلاً: رأيتك تختلف إلى قريظة؟! قال له رضي الله عنه: أو هل رأيتني يا بني؟ قال: نعم. ولما اشتد الحصار على المسلمين وتمالأت عليهم الطوائف، ثمَّ وقع بين الأحزاب الاختلاف، وحذرت كل طائفة من الأخرى وأرسل الله -تعالى- عليهم الريح، واشتد البرد تلك الليلة، انتدب النبي -صلى الله عليه وسلم- من يأتيه بخبر قريش، فانتدب له حذيفة بن اليمان-رضي الله عنه- بعد تكراره طلب ذلك، وقال له: يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ما يصنعون ولا تحدثن شيئاً حتى تأتينا، فذهب ودخل ـ في قصة مشهورة تعتبر من أروع الأمثلة في التعرف على العدو واليقظة والحذر ـ فلما قال أبو سفيان، وقتها: يا معشر قريش لينظر كل امرئ مَنْ جليسه. قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت: من(8/66)
أنت؟ قال: فلان بن فلان، وفي هذا أكبر التمويه على هذه العملية الفدائية بحق، انظر ما رواه مسلم (1788) ، وأحمد في مسنده (33334) من حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-.
وهكذا كانت عادته عليه الصلاة والسلام في كل غزواته، أن يكثر من العيون التي تأتي له بالأخبار، حتى إنه أمر زيد بن ثابت ت-رضي الله عنه- أن يتعلَّم لغة يهود وكتابتهم، وقال له: "إني لا آمن يهوداً على كتابي"، فلم يمرَّ نصف شهر حتى تعلم لغتهم وكتابتهم، كما في الحديث الذي رواه الترمذي (2715) ، وأبو داود (3645) فكان يكتب إلى يهود، وإذا كتبوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ كتابهم، وفي هذا معرفة للعدو وتعرُّف على لغته ليمكن أيضاً الاطلاع على ما يكتبونه وما ينشرونه.
وسئل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ عن الطلائع فقال: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- طليعة. وكلُّ ما كان فيه قوة للمسلمين فله فضل كبير.
ولذلك نصَّ الفقهاء على أنه إذا عاقد الإمام واحداً من الكفار على أن يدلَّه على شيء من أسرار الكفار، أو أن يأتيه بخبر عنهم على أن يعطيه جعلاً على ذلك، فإنه يستحق هذه الجعالة. وهذا كله يدل على أصل عمل الاستخبارات في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومجال ذلك العمل ونطاقه. ولا يتنافى ذلك مع قوله تعالى: "ولا تجسسوا" [الحجرات:12] ؛ لأن النهي هنا عن البحث عن عيوب الناس من المسلمين، وعن المستور من أمورهم، وتتبع عوراتهم حتى لا يظهر على ما ستره الله منها، والأحاديث الشريفة توضح ذلك وتبينه. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.(8/67)
هل أذهب إلى الفلوجة؟
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 04/10/1425هـ
السؤال
لا يخفى عليكم ما يتعرض له إخواننا العراقيين في الفلوجة من القتل والتدمير والإبادة على يد الأمريكان وحلفاؤهم وإني أشعر بالخجل الشديد أن أبقى بين أهلي بينما إخواننا هناك يقاومون ويقاتلون....
وإني أسألكم بالله أن توجهوني توجيهًا تريدون به وجه الله والدار الآخرة، ولا تأخذكم في الله لومة لائم، فهل ذهابي إلى الفلوجة خير لي ولهم، أم ماذا؟ أفتوني مأجورين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإني أعتقد أن الدافع إلى هذه التساؤلات ما في نفوس هؤلاء الشباب من حرارة الغيرة، وشدة الحمية، وأشواق الشهادة، وأحتسب لمن كان كذلك البشرى النبوية "من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه"، ومن حق هؤلاء أن يصدقوا القول، ويمحضوا النصح، وتستبرأ لهم الذمم في الاجتهاد في بيان وجه الحق، والدلالة عليه، مستهدين الله مستعينين به.
فأولاً: إن مظاهر العدوان الغاشم والاحتلال السافر الأمريكي مستعلنة ظاهرة، وأبلغ من كل بلاغة، وأبين من كل بيان، رؤية المشاهد حية على الهواء، بحيث لا أحسب أن قلبًا فيه إيمان إلا وفيه حزن وألم لما يجري هناك، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
ثانيًا: إن النظرة إلى هذه القضايا وفي ظل هذه الأحداث تؤثر فيها مرارة الألم وحرارة الغضب، إلا أن الانقياد ينبغي أن يكون لدلائل الكتاب والسنة، ومقاصد الشريعة التي جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، ودفع المفاسد وتقليلها، مع فهم الظرف والواقع والمؤثرات الداخلية والخارجية وتداخلاتها، بعيدًا عن الانفعالات الوقتية والاندفاع مع ردة الفعل الآنية.(8/68)
ثالثًا: أما بالنسبة لذهاب غير العراقيين إلى العراق ودخولهم في القتال فقد سبق بيان الرأي في ذلك منذ بداية العدوان الأمريكي، وأنه ليس من المصلحة في شيء ذهاب جماعات الشباب من هذا البلد أو غيره إلى هناك لاعتبارات كثيرة منها:
أن أهل البلد هم أعرف به، وأحرص عليه، وأدرى بالطريقة المناسبة للتعامل مع المحتل، وأعلم بظروف بلدهم واحتياجاته، ومجيء أطراف من بلدان مختلفة برؤى ومشارب متنوعة هو عامل إرباك وتشتيت، وفي التجارب السابقة في بلدان أخرى عبرة وعظة، ثم إنه وإن كان المحتل واحداً إلا أن خارطة العداوات شائكة وغير واضحة، والقوى المتصارعة أكثر من أن تكون محصورة في المحتل الأمريكي، والذاهب إلى هناك قد يكون مستهدفًا من كثير من هذه القوى، كما أن وجود مقاتلين أجانب في حي أو بلدة سيتحول إلى ذريعة للبطش والقصف والحصار، وربما الإبادة للمدنيين العزل، وليس من السائغ أن تُقدم الذرائع لآلة الموت الأمريكية لتقتيل المدنيين وتشريد المستضعفين، وهذا أمر في غاية الخطورة والأهمية.
لقد كف الله يد نبيه والمؤمنين معه يوم الحديبية عن مشركي مكة من بعد أن أظفرهم عليهم حفاظًا على أرواح بعض المؤمنين المستضعفين المستخفين بمكة أن يصابوا في هذه المعركة بغير علم من المؤمنين "وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَأُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ" [الفتح: من الآية25] ، وإذا كان هذا الحكم ينزل على جيش يقوده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه الصحابة رضوان الله عليهم في مواجهة مع أهل مكة وهي بلدهم الذي أخرجوا منه وكانوا أحق بها وأهلها فإنه حكم باق للمسلمين في كل أقطارهم وأعصارهم.
وقد تتابعت فتاوى العلماء وتوجيهاتهم في تحذير الشباب من الذهاب إلى هناك وتبصيرهم بالمفاسد المترتبة عليه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.(8/69)
رابعًا: لابد ـ مع بذل الجهد للوصول إلى الحق في هذه الأمور ـ من اللياذ بالله وسؤاله الهدى والسداد، وأن يهدينا فيمن هدى، وأن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، وقد كان من وصاة النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي -رضي الله عنه- "لا تدع أن تقول: اللهم اهدني وسددني، وتذكر بالهداية هداية الطريق وبالسداد سداد السهم".
نسأل الله -عز وجل- أن يهدينا فيمن هدى، وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، وأن يعيذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله رب العالمين.
للمزيد اطلع على ملف فتاوى عراقية.(8/70)
قبول هدايا الكفار
المجيب خالد بن عبد العزيز السيف
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 14/01/1426هـ
السؤال
عندنا في إحدى الدول الغربية يقوم النصارى بتوزيع هدايا من طعام وملابس على ذوي الدخل المحدود. فهل يجوز لنا كمسلمين قبول هذه الهدية منهم؟ علماً بأن هذه الهدايا توزع قبل أسبوع واحد من عيد الميلاد، ولكننا لا نأخذها كهدية عيد ميلاد؛ لأنها لا تقدم في ذلك اليوم.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
الأصل في هدايا الكفار جواز قبولها، وقد قبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الهدايا من بعض الكفار، كما قبل من المقوقس حاكم مصر.
وأما هدايا الكفار في أعيادهم وما يقدمونه من الطعام فيجوز أيضا قبولها، وقد أجاز ذلك غير واحد من أهل العلم، منهم ابن تيمية -رحمه الله-.
ويجوز للإنسان رد الهدية إذا أحس أن في قبوله لها ضرراً عليه إما حسياً أو معنويا؛ كأن يحصل في ذلك منّة، أو تعالي المهدي عليه، أو إظهار ضعف المهدى إليه، وأنه بحاجة إلى مساعدة، أو غير ذلك فله ردها، وقد يكون والحالة هذه ردها أفضل من قبولها، والحاكم فيها الحال؛ فقد يختلف فيها باختلاف المكان والزمان والأشخاص، فللإنسان رد الهدية من المسلم إذا كانت كذلك، وأما هدية الكافر فمن باب أولى إذا رأى فيها ما سبق.
والله أعلم.(8/71)
الشروط العمرية في معاملة الذميين
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 18/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
أريد أن أسأل عن طريقة معاملة غير المسلمين في الدولة الإسلامية، قرأت شيئاً عن الشروط العمرية بألا يركب غير المسلمين الخيل أو السير في نفس الطرق مع المسلمين ويكون لهم ملابس خاصة يعرفون بها. فهل يجب تطبيق هذه الشروط في هذا الوقت؟ ولماذا فرض عمر- رضي الله عنه- مثل هذه الشروط مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفعل ذلك؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الجواب من عدة أوجه:
أولاً: الشروط العمرية المذكورة ليس لها أسانيد صحيحة.
ثانياً: معاملة غير المسلمين، أثبت التاريخ أن غير المسلمين في المجتمع المسلم كانت حقوقهم الدينية والدنيوية محفوظة ولم يجبروا على ما يخالف دينهم، ولهذا نرى الأقباط كانوا يعيشون في المجتمع المسلم ولا زالوا إلى اليوم.
ثالثاً: إلزام غير المسلمين بزيهم وعدم التشبه بالمسلمين هذا من مصلحتهم لعدة أمور:
1- للمحافظة على هويتهم.
2- ليعرفوا لأنهم قد يقع منهم مخالفات لديننا، فيظن أنهم مسلمون فيعاقبون لكن مظاهرهم تحميهم من ذلك.
رابعاً: كثير من المجتمعات غير المسلمة تمنع المسلمين من زيهم كما هو الحاصل اليوم، فأيهما أفضل؟.
خامساً: كثير مما في الشروط العمرية لم يعمل بها أصلا في تاريخ المسلمين، مما يدل على عدم صحتها أو أنها كانت لفترة زمنية، ولكل فترة ما يناسبها من الاعتبارات. والله أعلم.(8/72)
هل منع المشركين من دخول مكة يقتضي إخراجهم من الجزيرة؟
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 04/03/1426هـ
السؤال
هل منع المشركين من دخول مكة، كإخراجهم من جزيرة العرب؟ وهل منعهم من دخول مكة يقتضي الأمر بإخراجهم من جزيرة العرب كلها؟!
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالخلاف في جواز إقامة المشركين في جزيرة العرب أقوى من الخلاف في جواز دخولهم حرم مكة، فالكلام في تحديد جزيرة العرب يطول، والخلاف في ذلك مشهور، وأما الخلاف في دخولهم مكة فضعيف، ومن الفرق بين المسألتين أن منع المشركين من المسجد الحرام هو منع قربان "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا" [التوبة: من الآية28] ، ومنعهم من جزيرة العرب إنما هو منع استيطان لا منع دخول لإقامة مؤقتة لعمل مباح أو تجارة أو حاجة، فلا يُخرج من جزيرة العرب إلا من قصد استيطانها من المشركين، وأما المسجد الحرام فلا يدخله كافر مطلقاً سواء أراد دخوله لحاجة أو لعمل مؤقت أو للاستيطان، وعلى هذا فمنعهم من دخول مكة لا يلزم منه وجوب إخراجهم من جزيرة العرب إلا إذا أرادوا الاستيطان في جزيرة العرب فإنهم يمنعون من ذلك، والدليل على جواز إقامتهم بها إقامة مؤقتة بحاجة وجود العبيد والإماء من النصارى في جزيرة العرب بعد الفتوحات الإسلامية في عهد الصحابة، ولم ينقل عن أحد من الصحابة الأمر بإخراجهم. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(8/73)
تقسيم خُمس الغنائم
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 24/06/1426هـ
السؤال
الرجاء تفسير آية الخمس في سورة الأنفال، وهل لها علاقة بالزكاة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
آية الخمس التي في سورة الأنفال ليس لها علاقة بالزكاة، والمقصود أن ما غنمه المسلمون من الكفار فإنه يقسم أخماسًا، أربعة أسهم للجيش، والسهم الخامس يقسم على خمسة أقسام، فسهم منه لله ولرسوله يكون فيئاً يدخل في بيت المال، ويصرف في مصالح المسلمين، وسهم لقرابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم بنو هاشم وبنو المطلب، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل.(8/74)
فقه الأقليات(8/75)
حكم التجنّس بالجنسية الأوربية للمسلم
المجيب د. خالد بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/فقه الأقليات
التاريخ 6/5/1422
السؤال
ما حكم التجنّس بالجنسية الأوربية للمسلم الذي يأتي للبلاد الأوروبية فارّاً بدينه من الظلم الذي وقع عليه في بلده الأصلي، وفقد فيه هويته، وفقد أمل الرجوع إلى وطنه، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
ج: للجواب على هذا السؤال يلزم بيان أمرين:
الأول: كون الإقامة في بلد الكفار جائزة.
الثاني: قيام الحاجة إلى أخذ الجنسية.
تفصيل الأمر الأول: الإقامة في بلاد الكفار لا تجوز إلا بالشروط الآتية:
1- وجود الحاجة الشرعية المقتضية للإقامة في بلادهم ولا يمكن سدّها في بلاد المسلمين، مثل التجارة، والدعوة، أو التمثيل الرسمي لبلد مسلم، أو طلب علم غير متوفر مثله في بلد مسلم من حيث الوجود، أو الجودة والإتقان، أوالخوف على النفس من القتل أو السجن أو التعذيب، وليس مجرد الإيذاء والمضايقة، أو الخوف على الأهل والولد من ذلك، أو الخوف على المال.
2- أن تكون الإقامة مؤقتة، لا مؤبّدة، بل ولا يجوز له أن يعقد النية على التأبيد، وإنما يعقدها على التأقيت؛ لأن التأبيد يعني كونها هجرة من دار الإسلام إلى دار الكفر، وهذا مناقضة صريحة لحكم الشرع في إيجاب الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام.
ويحصل التأقيت بأن ينوي أنه متى زالت الحاجة إلى الإقامة في بلد الكفار قطع الإقامة وانتقل.
3- أن يكون بلد الكفار الذي يريد الإقامة فيه دار عهد، لا دار حرب، وإلا لم يجز الإقامة فيه.
ويكون دار حرب إذا كان أهله يحاربون المسلمين.
4- توفر الحرية الدينية في بلد الكفار، والتي يستطيع المسلم بسببها إقامة شعائر دينه الظاهرة.
5- تمكنه من تعلم شرائع الإسلام في ذلك البلد. فإن عسر عليه لم تجز له الإقامة فيه لاقتضائها الإعراض عن تعلم دين الله.(8/76)
6- أن يغلب ظنه بقدرته على المحافظة على دينه، ودين أهله وولده. وإلا لم يجز له؛ لأن حفظ الدين أولى من حفظ النفس والمال والأهل.
فمن توفرت فيه هذه الشروط -وما أعسر توفرها- جاز له أن يقيم في بلاد الكفار، وإلا حرم عليه؛ للنصوص الصريحة الواضحة التي تحرم الإقامة فيها، وتوجب الهجرة منها، وهي معلومة، وللخطورة العظيمة الغالبة على الدين والخلق، والتي لا ينكرها إلا مكابر.
ثانياً: تحقق الحاجة الشرعية لأخذ الجنسية، وهي أن تتوقف المصالح التي من أجلها أقام المسلم في دار الكفار على استخراج الجنسية، وإلا لم يجز له، لما في استخراجها من تولى الكفار ظاهراً، وما يلزم بسببها من النطق ظاهراً بما لا يجوز اعتقاده ولا التزامه، كالرضا بالكفر أو بالقانون، ولأن استخراجها ذريعة إلى تأبيد الإقامة في بلاد الكفار وهو أمر غير جائز - كما سبق -
فمتى تحقق هذان الأمران فإني أرجو أن يغفر الله للمسلم المقيم في بلاد الكفار ما أقدم عليه من هذا الخطر العظيم، وذلك لأنه إما مضطر للإقامة والضرورة تتيح المحظورة، وإما للمصلحة الراجحة على المفسدة، والله أعلم.(8/77)
ضوابط العمل في المهجر
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/فقه الأقليات
التاريخ 5/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما الضوابط الشرعية للعمل في المهجر؟ أي إذا أنا هاجرت إلى بلاد الغرب، فهل يحل لي هناك (على سبيل المثال) العمل في البنوك الربوية، بناءً على أن هذه الأماكن مملوكة لغير المسلمين؟ وماذا عن العمل في المطاعم أو السوبر ماركت والتي يتم فيها على الأغلب بيع لحوم الخنزير والخمور والعياذ بالله؟
أرجو من فضيلتكم إفادتي بالتفصيل مع الدليل، حيث إني وجدت العديد من الفتاوى غير المكتملة (من حيث الدليل أو طريقة العرض) أو غير الواضحة التي تبيح وتحرم ما ذكرت، هداني الله وإياكم إلى خير ما يحب ويرضى.
الجواب(8/78)
إذا تعاقد المسلم مع الكافر، على أن يعمل المسلم للكافر أعمالاً مباحة كالخياطة والحدادة، والحراثة، والصيانة، ونحو ذلك، فهو جائز بإجماع المسلمين، فقد روى الإمام أحمد (687) في مسنده "أن علياً بن أبي طالب - رضي الله عنه- أجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة"، أما إذا أجر المسلم نفسه لكافر يقوم بخدمته خدمة فيها مهانة كأن يكون له كناساً، أو زبالاً، ونحوه فلا يجوز، قاله مالك وأحمد، وعند الحنفية والقول الجديد للشافعي ورواية لأحمد يجوز ذلك، ما دام المسلم تدعوه الحاجة المادية لذلك وفقاً للقاعدة الشرعية: (تنزل الحاجة منزلة الضرورة عند الاقتضاء) ، ولا يوجد فرق له اعتبار بين جواز تأجير المسلم نفسه للكافر يعمل له عملاً ما، وبين حرمة أن يعمل خادماً عنده إذ الخدمة نوع من العمل، ولولا الحاجة التي هي بمنزلة الضرورة ما رضي مسلم أن يعمل تحت إمرة كافر، ولا يجوز للمسلم إن أجر نفسه للغير أن يباشر الحرام القطعي بنفسه؛ كأن يقدم الخمر، أو لحم الخنزير للزبائن، أو يتولى البيع والشراء، أو التصنيع، أو التعليب لها؛ للحرمة القطعية لهذا في القرآن والسنة، مما لا يكاد يجهله مسلم، أما إذا تولى في المطعم أو المحل التجاري أعمالاً أخرى مباحة كالمشروبات، واللحم الحلال، فهذا جائز ولو كان المحل التجاري والمطعم يقدم لزبائنه الحلال والحرام، هذا كله من حيث الحل والحرمة والإثم وعدمه في الشرع، أما فعل الأفضل والأحوط فهو الابتعاد عن مواطن الشبهات والريب كما في حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" البخاري (52) ، ومسلم
(1599) ، والله أعلم، - وصلى الله على نبينا محمد-.(8/79)
أخذ الجنسية الأمريكية
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/فقه الأقليات
التاريخ 11/4/1423
السؤال
لدي ابنة في العشرين من عمرها تزوجت منذ بضعة أشهر، وسافرت إلى أمريكا مع زوجها، وهي الآن حامل، وتريد أن تضع مولودها هناك لكي تحصل على الجنسية الأمريكية، وتعمل لتعيش هناك هي وزوجها، فهل يجوز ذلك؟ علماً أنني غير موافقة على ذلك.
الجواب
النظام الأمريكي يعطي الجنسية لكل من ولد في أمريكا، وإذا كان للمسلم حاجة إلى الإقامة في ديار الغرب، مثل: العلاج، أو الدراسة، أو العمل بقصد كسب الرزق لمدة ثم يعود إلى بلاده، أو الاشتغال بالدعوة إلى الله ونحوه، فلا حرج على المسلم في ذلك مع مراعاة ما يلي:
-أن يأمن على دينه وتربية أهله وأبنائه في تلك الديار.
-ألاّ يقصد الإقامة الدائمة فيما إذا كانت ظروفه ميسّرة للعودة إلى بلاده، أو إلى بلاد إسلامية أخرى.(8/80)
السفر للتعلم في بلاد الكفار
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/فقه الأقليات
التاريخ 10/5/1423هـ
السؤال
سأبتعث إلى بريطانيا لدراسة الهندسة الإلكترونية، والشهادة التي سأكمل بها الدراسة غير معترف بها في بلدي، والمكان الذي أعمل به لا يبعث إلا للدول الغربية، وأنا شديد الطموح لأحصل على الدرجات العالية، وهمي هو إفادة الإسلام بهذا التخصص، مع العلم أنني كنت في تلك البلاد لمدة سنتين، وبفضل الله كنت محافظاً على ديني، ولكن سمعت أن هناك أحاديث تشدد بعدم الجلوس بين ظهراني المشركين، وأنا محتار وقد قرب موعد السفر، أرجو يا شيخ أن تفيدني بالإجابة بأسرع وقت.
الجواب
عدم الاعتراف بالشهادة العلمية في المجال الوظيفي لا يقلل من أهمية التخصص في مجال الهندسة الإلكترونية، ما دام همتك وقصدك من هذه الدراسة هو نفع الإسلام والمسلمين في هذا التخصص، والسفر إلى بلاد الكفار لغرض الدراسة أو العلاج أو التجارة جائز لا شيء فيه، بل إن سفرك لغرض الدراسة مأجور عليه -إن شاء الله-، وعليك بالملازمة على الطاعات وفعل الخيرات، ودعوة من تستطيع دعوته من أهل تلك البلاد والمقيمين فيها، ومجالات الدعوة والنفع العام ميسرة في تلك البلاد في المساجد والمراكز الإسلامية، أما خوفك من النهي الوارد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كحديث: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" أخرجه أبو داود (2645) ، والترمذي (1604) من حديث جرير - رضي الله عنه - فقد فسَّره العلماء على ما إذا كانت رغبة الإقامة بين الكفار دون سبب شرعي، كالسفر لطلب العلم، أو العلاج، أو للتجارة وطلب الرزق، أو الدعوة إلى الله، ونحو ذلك، وإذا قصد المسافر إلى بلاد الكفار محبتها أو محبة أهلها فقط، فهذا هو المنهي عنه في هذا الحديث ونحوه، وفقك الله وأعانك ونفع بك.(8/81)
حكم الدراسة في بلاد الغرب
المجيب د. محمد الشايع
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بالرياض
التصنيف الفهرسة/فقه الأقليات
التاريخ 19/11/1422
السؤال
أنا شاب ملتزم - إن شاء الله - في بداية الطريق، أود متابعة الدراسة في بلاد الغرب (أوروبا) نظراً لارتفاع نسبة البطالة في بلادي، وأريد أن تفتوني في هذا. بالإضافة إلى أني أريد معرفة حكم لبس الملابس الغربية، وحلق اللحى وتهذيبها، ولا أقصد هنا قص البعض عن الآخر، هذا بالإضافة إلى أن صديقاً لي يوجه لي دعوات كثيرة لتناول العشاء معه، وأنا أشك في مصدر أمواله حلال هي أم حرام؟ أرجو منك أن تغيثني بالجواب المقنع لهذه الأسئلة بالكتاب والسنة إذا أمكن ذلك.
الجواب
وفقك الله وهداك، وسدد على طريق الحق خطاك. أحسن النية والقصد في دراستك ولا شيء في ذلك -إن شاء الله- ما لم تخف على نفسك خطراً. ولا بأس من اللباس لستره ولعموم لابسيه وكونه غير خاص بهم في هذا العصر، ولا علامة عليهم. وأما حلق اللحى فلا يجوز فهو مخالفة لفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقوله. وأما شكك في مصدر أموال صديقك وكونها حلالاً أو حراماً وتركك إجابة دعوته لذلك، فلست مطالباً بتقصي حل أمواله أو حرمتها، فأجب دعوته ما دامت على غير حرام من خمر أو خنزير ونحوه وإذا علمت أكله للحرام فانصحه.(8/82)
الهجرة إلى بلد غير مسلم
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/فقه الأقليات
التاريخ 5/4/1424هـ
السؤال
في كل يوم يشتد الظلم في العالم العربي من قبل الحكومات، فهل يجوز للمسلم أن يهاجر إلى بلد آخر يتوفر فيه العدل بين الناس؟ مع العلم بأن غالبية سكان هذا البلد من غير المسلمين.
الجواب
الأصل ألا يترك الإنسان بلداً إسلامياً، من أجل ظلم لا يتعلق بالدين، أو من أجل ظلم غير كبير جداً، لكن إذا كان الإنسان يخاف على نفسه أو دينه أو ماله؛ فلينتقل إلى بلد، ولو كان هذا البلد غير إسلامي، بشرط أن يكون قادراً على إقامة شعائر دينه، وبذلك ينطبق عليه الحديث الذي ذكره ابن حبان في صحيحه (4861) وهو حديث فديك - رضي الله عنه - وكان قد أسلم، وأراد أن يهاجر فطلب منه قومه وهم كفار أن يبقى معهم، واشترطوا له أنهم لن يتعرضوا لدينه، ففر فديك بعد ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنهم يزعمون أنه من لم يهاجر، هلَكَ فقال النبي - عليه الصلاة والسلام - حسب الحديث الذي يرويه ابن حبان: "يا فديك أقم الصلاة، وآت الزكاة واهجر السوء، واسكن من أرض قومك حيث شئت"، وظن الراوي أنه قال: "تكن مهاجراً".
إذاً يجب أن نعي هذه الألفاظ كاملة: (أقم الصلاة) ، فمن يريد أن يقيم في دار الكفر فعليه أن يجعل من هذا الحديث دستوراً لحياته.(8/83)
"أقم الصلاة واهجر السوء"، اترك الأعمال السيئة، لا ترتكب الفواحش، ولا تشرب خمراً، وأقم من دار قومك حيث شئت، وحديث ابن حبان رجاله ثقات، والحديث الذي يرويه الإمام أحمد في مسنده (1420) وفيه: "البلاد بلاد الله، والعباد عباد الله، وحيثما أصبت خيراً فأقم"، فهذا الحديث أصل في الإقامة في بلاد الكفر لمن يستطيع أن يظهر شعائره، وبصفة عامة فإن ثلاثة من المذاهب تميل إلى جواز هذه الإقامة، وهي: الشافعية، والحنابلة والأحناف، مع خلاف داخل هذه المذاهب، أما مالك - رحمه الله تعالى - والظاهرية فهؤلاء لا يجيزون الإقامة في دار الكفر، ويعملون بأحاديث أخرى منها: "لا تراءى ناراهما"، رواه أبو داود (2645) ، والترمذي (1604) ، والنسائي (4780) من حديث جرير بن عبد الله مع اختلاف في صحة هذه الأحاديث، وفي تأويلها أيضاً.
فحاصل الجواب: أنه إذا كان في بلاد العرب أو بلاد الإسلام يلقى عنتاً وظلماً فإنه يجوز له أن يقيم في ديار غير المسلمين، بشرط أن يكون قادراً على إقامة شعائره، ولعلنا أن نضيف شرطاً آخر، هو: أن يستطيع أن يربي أولاده تربية إسلامية.(8/84)
الإقامة في بلاد الكفر لتحصيل الجنسية
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/فقه الأقليات
التاريخ 17/7/1424هـ
السؤال
السلام عليكم, أنا شاب حديث الزواج أعيش في كندا، وزوجتي تعمل في بلدي الأصل، وأدرس في الوقت الراهن، حيث سأنهي دراستي في العام القادم إن شاء الله، لكن أمامي عرض أخذ الجنسية الكندية إذا ما بقيت عاما آخر هنا, هل أعود إلى زوجتي، أم أصبر لأخذ الجنسية من أجل الحصانة في بلادي?.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا كان حصولك على الجنسية الكندية لا يتضمن محذوراً شرعياً، ولا التزاماً يخل بأمر دينك حاضراً ومستقبلاً، وفيه مصلحة لك، فلا حرج أن تبقى عاماً إضافياً، ملتزماً بتقوى الله ما استطعت، ويمكنك زيارة أهلك أو دعوتهم للحضور إليك، ولو لمدة محدودة. وفقك الله.(8/85)
التجنس بجنسية الدولة الكافرة
المجيب خالد بن عبد الله البشر
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/فقه الأقليات
التاريخ 06/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
ما حكم الاشتراك في منافسة اللوتري (lottery) الأمريكية للحصول على الهجرة والدراسة هناك، وما حكم التجنس الأمريكية؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
في هذا السؤال ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: حكم التجنس بجنسية دولة كافرة.
المسألة الثانية: حكم الهجرة إلى بلاد الكفر.
المسألة الثالثة: حكم الاشتراك بمسابقة اللوتيري [lottery] .
أما المسألة الأولى: حكم التجنس بجنسية دولة كافرة.
الجنسية عقد بين الدولة (صاحبة الجنسية) والفرد (طالب الجنسية) ، وفي حقيقتها دخول الفرد تحت ولاية الدولة، وقد حرّم الله عز وجل الدخول في ولاية الكفر فقال سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" [المائدة:51] .(8/86)
وينتج عن هذه الجنسية حقوق وواجبات، ومن هذه الواجبات التحاكم إلى قانون الدولة المخالف للإسلام، وهو محرم؛ قال تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" [النساء:65] ، وأن يدافع عن الدولة ولو كانت في حرب ضد دولة إسلامية وهو محرم؛ قال صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح فليس منا" أخرجه البخاري (7070) ومسلم (98) . كما أن هذه الواجبات تمنح الفرد حق الإقامة الدائمة في الدولة الكافرة مع أن أصل إقامة المسلم في بلاد الكفر حرام قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" أخرجه أبو دادو (2645) ، والترمذي (1604) بسند صحيح. وكذلك دخول أبنائه مدارسهم التي يُدرَّس فيها دين النصرانية، وما يتبع ذلك من الانحلال الأخلاقي بشتى صوره.
وبناء على ما سبق فإن الأصل العام في المسألة أنه: يحرم على المسلم أن يتجنس بجنسية دولة كافرة.
وأما حالات الضرورة في التجنس: فإن المفتي ينظر كل حالة على حده؛ ليتحدد الضرورة من عدمها، فإن من المسلمين من يدّعي الضرورة في التجنس؛ ولا ضرورة؛ بل هو من قبيل الحصول على الامتيازات الدنيوية.
وحيث إن السائل من بلد عربي مسلم، يأمن أهله المسلمون على دينهم ودمائهم وأعراضهم وأموال، فإنه يحرم عليك التجنس بالجنسية الأمريكية.
المسألة الثانية: حكم الهجرة إلى بلاد الكفر.
فمن الخطأ تسمية الانتقال إلى بلد الكفر هجرة؛ لأن الهجرة في الإسلام هي: الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، بل الانتقال إلى بلد الكفر معصية وكبيرة من كبائر الذنوب، وقد فصلتُ في هذا المسألة في جواب سابق من خلال هذا الموقع.
(الإقامة في بلد الكفار)
المسألة الثالثة: حكم الاشتراك بمسابقة اللوتيري [lottery] .(8/87)
مسابقة اللوتيري [lottery] : عبارة عن لعبة تُبَاع فيها تذاكر مرقمة؛ مقابل ربح جوائز للذين تُختار أرقامهم، على أساس عشوائي.
وهذا ما يسمى باليانصيب، وهو القمار المحرم الذي سماه الله في كتابه بالميسر فقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون" [المائدة 90-91] .
والله أعلم.(8/88)
السياحة في بلاد الكفر
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/فقه الأقليات
التاريخ 30/4/1424هـ
السؤال
أنا فتاة، وأهلي سوف يسافرون لقضاء عطلة الصيف في بلد أوربية (بريطانيا) ، ما حكم ذهابي معهم لهذه البلد (لندن) ، مع العلم أنني لا أستطيع أن أمنعهم من السفر إلى هذه البلد، ولا أستطيع أن امتنع عن السفر بالرغم من وجود أبي وبعض إخواني في البيت، إلا أنني مرتبطة بوالدتي ولا أستطيع أن أمكث في البيت بدونها؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
أختي الفاضلة! قرأت سؤالك، وتأملت معاناتك مليِّاً، فتوارد عليّ شعوران، تجاذباني وهما في غاية التنافر والاختلاف:
يتملَّكني شعورٌ بالإعجاب والإكبار لعقلك، فإني لأرى نضجه وأتلمس رجحانه في موقفك من مسألة السفر هذه، وكأني بك راغبة عنه لولا تعلّقك بأمِّك.
لقد أعجبني منك هذا التعقُّل وأكبرت فيك هذا التردد؛ فقلَّ أن تتردد فتاةٌ في مثل عمرك في هذا السفر، فضلاً عن أن تستفتي فيه أحداً!
وينتابني شعورٌ بالأسى والحسرة لهذه الظاهرة الخطيرة، ألا وهي السفر لبلاد الكفر بالمال والأهل والولد، فالمال يذهب إلى الأعداء، والأهل والولد يرجعون بغير ما ذهبوا به، محمَّلين بالأوزار والشبهات والعادات السيئة، ويكفي منها التسخط على أوضاع المجتمع المحافظ نوعاً ما.
أختي الفاضلة! قد تكون المقاصد والبواعث بريئة لا تخرج في بداياتها عن مجرد النفرة من حر الصيف اللافح، وقصدِ التمتُّع بالطبيعة، وتغيير نمط الحياة الرتيب!
لكن هل الذي يحدث هو فعلاً هذا، وهل تنتهي كما بدأتْ؟!
الغالب ـ وبشاهدة الواقع ـ من أحوال هؤلاء السائحين في بلاد الكفر هو التجوُّزُ في كثير من المنكرات، والتردّد على مواطن ترتادها شياطين الإنس والجن؛ لتستثير كوامن الفتنة والشهوة.(8/89)
ولذا فنصيحتي إليك أن تجتهدي في صرف أهلك عن السفر إلى بريطانيا (أو غيرها من بلاد الكفر) إلى بلاد إسلامية محافظة، ولا تستيئسي في دعوتهم ونصحهم، ولكن باللين والرفق.
فإن أبوا إلا السفر إلى هنالك فعليك بتذكيرهم بوجوب الاحتشام والبعد عن مواطن الرذيلة، وتذكيرهم بأن تقوى الله والالتزام بشرعه لا يحده حدود دولة، ولا يختص بمكان دون مكان، ولا بزمانٍ دون زمان. بل الأمر على قاعدة: (اتق الله حيثما كنت) .
إن كونهم عازمين على السفر لا يعفيك من النصيحة لهم، وتذكيرهم بتقوى الله وتحذيرهم من مغبة معصيته.
كما أن رفضهم لنصحك إياهم بترك السفر لتلك الديار لا يعني أنهم لن ينتصحوا لك فيما سوى ذلك، ولا يعني أنه لا خير فيهم، ولا جدوى من نصحهم، فليكن أمرك معهم كما قال الأول: حنانيك بعض الشر أهون من بعض.
أما سؤالك: هل تذهبين معهم أم تمكثين في البيت مع أبيك وبعض إخوتك؟
فالذي أنصحك به ـ أختي الفاضلة ـ هو ألا تسافري إلى تلك البلاد ما دمت قادرة على عدم السفر، فالسفر إلى تلك البلاد ـ كما تعلمين ـ لا يكاد يخلو من بعض المفاسد والفتن، خاصة لمن يقصد المدن الكبرى منها، والتي تعج بألوان من الفساد ومظاهر من التفسخ في دعوة إلى الفاحشة بطريقة صارخة فجة، تلاحق حتى الذاهل عنها.
وإن كنت لا تصبرين على فراق أمك وتحتاجينها في ضرورات حياتك اليومية فألحي عليها بعدم السفر ... إلحاحاً لا يفتقد اللطف ولا يفارقه الأدب.
فإن هي أبتْ إلا السفر فعسى أن تكوني معذورة في مرافقتها إلى هناك، ولكن بشرط المحافظة على الصلوات في وقتها، والتزام الحجاب الشرعي الكامل، فلا كشف للوجه، ولا لبس للضيق. وعليك بالبعد عن الاختلاط بالشباب وعن مواطن الفتن.(8/90)
وليكن قضاء وقتك في التمتع بما حباه الله تلك البلاد من جمال الطبيعة الخلابة، والتفكرِ فيما بثه الله فيها من بديع خلقه، واشغلي وقتك بما يفيدك: من القراءة في كتاب الله، وحفظ بعض السور، والقراءة في الكتب النافعة، فسوف تجدين في ذلك لذة تضارع لذة المقيمين على الشهوات والمعاصي، ولسوف تجدين في ذلك أُنساً لا يجده أولئك في معاقرة الخمرة ومنادمة القينة.
وعليكِ أولاً وآخراً بتقوى الله في السر والعلن، والإقامة والظعن، فإن الله لا تخفى عليه خافية.
وفقكِ الله وهداك، وثبتك وحباك حب طاعته، واستعملك في مرضاته.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(8/91)
الدراسة في بلاد الغرب
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/فقه الأقليات
التاريخ 11/11/1424هـ
السؤال
أنا مستقيم إن شاء الله، وعسكري في هندسة الطيران، وقد ترشحت في بعثة دراسية لمدة أربعة أشهر في بلاد الغرب، وأنا أجيد اللغة الإنجليزية، وقد نهاني أحد الإخوة، حيث إني سأسكن في سكن عسكري.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
من شروط السفر إلى بلاد الكفار عند أهل العلم، أن يكون السفر مباحاً في طلب علم ينتفع به، ويعود نفعه على المسلمين عامة، وأن يلتزم من يريد السفر إلى هذه البلاد أحكام الإسلام الظاهرة من صلاة، وصيام، وأن يأمن على نفسه من الوقوع في الفتن، فإن القلوب ضعيفة والشبه خطافة كما قيل، ويبدو من السؤال توفر هذه الشروط في السائل - إن شاء الله- وإذا كان الأمر كذلك فسافر يا أخي، وتوكَّل على الله واسأل ربك أن يثبتك على الحق، والزم الطاعات وأكثر منها، وإن استطعت أن تأخذ معك زوجتك فهو أحسن وأجود، وعليك الحرص بملازمة أهل الصلاح من المسلمين من الجاليات الإسلامية هناك، فإن الرفيق يهون عليك السفر، ويؤنسك في الغربة، واعلم أن السفر إلى بلاد الكفار لدراسة هندسة الطيران ونحوها مما يحتاجه المسلمون جائز شرعاً ولا حرج فيه، وربما كان واجباً بعد تعينه عليك، واعلم أنه لا يجوز لك أن تسكن مع امرأة، لو دعيت إلى ذلك، وكلما أظهرت لهؤلاء الكفار، الأمريكان بأنك مسلم ملتزم بدينك لا تشاركهم في مقارفة الحرام كشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، ومصادقة النساء، ونحو ذلك، احترموك وقدروك، وفقنا الله وإياك إلى الخير، وثبتنا وإياك على الحق ونفع بك الإسلام والمسلمين. آمين.(8/92)
الهجرة إلى بلد مسلم
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/فقه الأقليات
التاريخ 05/08/1425هـ
السؤال
نريد أن نهاجر لدولة مسلمة، كيف نستطيع الخروج من بلد كافر إلى بلد مسلم، والبلد المسلم لا يقبل بنا، والأسوأ أنهم يفضلون الكفار في العمل لديهم، مع أن لدينا شهادات أفضل من الكفار، نريد أن نتوقف عن دفع الضرائب لهم، فهم يستخدمون هذه الأموال لضرب المسلمين، وتبقى معهم في بلدهم، في نفس الوقت نريد من يقف معنا في هذه الشدائد ويساعدنا في التوجه لبلد مسلم، ونهاجر في سبيل الله.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
هذا السؤال ذو شعب مختلفة:
أولاً: السائل يسأل عن كيفية الخروج من بلد غير مسلم إلى بلد مسلم، وهذه الكيفية كما هو معروف تحكمها أنظمة وقوانين وأعراف تخضع لتأشيرة، وتخضع لطلب عمل، وتخضع لأشياء قد لا يكون موقعنا هذا (موقع الإسلام اليوم) ، قادرًا على توفيرها لكل مسلم يريد أن يخرج من بلد كفر إلى بلد إسلام؛ لأن الدول الإسلامية لها أنظمتها ولها جهات مختصة بهذا.(8/93)
الأمر الآخر هو: أن السائل يقول: إنه لا يريد أن يقيم في دار الكفر، وهذا شعور طيب، لكن مع ذلك نقول له: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) ] البقرة: من الآية286 [. وإذا كان يستطيع إقامة شعائره، ويستطيع أن يعبد الله سبحانه وتعالى، في هذه الديار - ديار الكفر- فلا يجب عليه أن يخرج منها؛ لحديث فديك، رضي الله عنه، وهو حديث رواه ابن حبان (4861) ورجاله ثقات، وفيه يقول عليه الصلاة والسلام: "يا فُدَيْكُ أَقِمْ الصَّلاةَ، واهْجُرِ السُّوءَ، واسْكُنْ مِن أرضِ قَوْمِكَ حَيْثُ شِئْتَ". وظن الراوي أنه قال: "تَكُنْ مُهَاجِرًا". وكانت قبيلة فديك كافرةً، وكان يسكن معهم، وكان يسأل ويستفتي عن الهجرة، لهذا بنى ثلاثة من الأئمة، وفي أغلب المذاهب الثلاثة مذهب الشافعي والحنبلي والحنفي بأن الخروج إذا كان الإنسان قادرًا على إقامة شعائره ليس واجبًا، وأن الهجرة ليست واجبة، ورأى مالك - رحمه الله تعالى- وأهل الظاهر وجوبها، فالمسألة فيها سعة، و (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) . فإذا استطاع أن يذهب إلى بلد مسلم يقيم الدين، فهذا شيء حسن، لكن إذا لم يستطع ذلك - أيضًا- فليعلم أنه في سعة من أمره، ويرى بعض العلماء كالماوردي والشافعية أنه إذا كان يستطيع أن يؤدي شعائر دينه فلا يجوز له الخروج أصلاً، بل يجب البقاء في ذلك البلد؛ لأن البلد بخروجه ستخلو من المسلمين، أي لا يبقى فيها مسلم، والمسألة فيها سعة، ونسأل الله أن يوفقنا ويوفقه، ويوفق ديار المسلمين على أن تستقبل أبناء المسلمين بدلاً من أن تستقبل غيرهم، وأن تستعملهم بدلاً من استعمال غيرهم، وبخاصة إذا كانوا يتمتعون بالكفاءات التي أشار إليها السائل.
أما قضية أنه يدفع الضرائب لهم، فهذا عليه أن يدفع ضرائبه لحماية نفسه وحماية ممتلكاته، وهذا أمر لا بأس به- إن شاء الله تعالى. والله أعلم.(8/94)
الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة(8/95)
الطيور ولا آكلها
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 5/7/1422
السؤال
أنا أقوم بالتدريب على الصيد في الجو، وبعد الصيد أعطي الطيور لأحد الأصدقاء، فهو يحبها أو لصاحب (صقر ـ أو كلب) ليطعمها إياه، ولكن قال لي أحد الزملاء أن هذا الفعل حرام، مع العلم لا ألقيها في القمامة ... أرجو إفادتي عن عملي هذا؟
الجواب
لا حرج على المرء أن يتدرب في الصيد بصيد الطيور، المباحة الأكل فيأكلها، أو يعطيها لمن يأكلها، أو لمن يطعمها للحيوانات، فلا بأس بهذا؛ لأن هذا من باب التدرب وتعلم الصيد، إنما النهي عن أن يتخذ المسلم الطائر ونحوه غرضاً، ثم يقتله ويتركه، أما إذا صاده وقدمه لمن يأكله، فلا حرج في هذا، والحمد لله.(8/96)
توجيه الذبيحة للقبلة
المجيب أ. د. صالح بن محمد السلطان
أستاذ الفقه بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 2/5/1422
السؤال
هل يشترط في صحة الذبح توجيه الذبيحة بكامل جسمها تجاه القبلة؟ حيث أن في مسالخ الذبح لا يوجهون إلا الرأس فقط؟
الجواب
توجيه الذبيحة إلى القبلة سنة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وليس بشرط لصحة الذبح.
وأما هل تحصل السنية بتوجيه وجه الذبيحة فقط، فالظاهر أن هذا كاف، لكن لا يمكن هذا لمن يريد الرفق بالذبيحة، كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم وقوله ((إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)) .(8/97)
الأواني المطلية بماء الذهب
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 26/5/1424هـ
السؤال
هل يجوز استخدام الأواني المطلية بماء الذهب عيار 24، أيدي الأواني هي المطلية؟
الجواب
أجاب سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز - رحمه الله تعالى-، عن سؤال شبيه بسؤالك وإليك نص السؤال والجواب.
سـ/ إذا كان الإناء مطلياً بالذهب وليس مصنوعاً من الذهب الخالص، فهل يحرم استعماله؟ وهل ينطبق عليه الحديث الذي ينهى عن الأكل والشرب، في آنية الذهب والفضة؟
جـ/ نص العلماء على أن هذا ينطبق عليه النهي، والنبي - صلى الله عليه وسلم- قال:
"لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة"، متفق عليه عند البخاري (5426) ، ومسلم (2067) من حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- وقال - صلى الله عليه وسلم- "الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب إنما يجرجر في بطنه نار جهنم"، متفق على صحته عند البخاري (5634) ، ومسلم (2065) من حديث أم سلمة -رضي الله عنهما- واللفظ لمسلم في الصحيح، وأخرجه الدارقطني في سننه (1/40) وصحح إسناده من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما- مرفوعاً: "من شرب في إناء ذهب أو فضة، أو في إناء فيه شيء من ذلك، فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم".
فقوله - صلى الله عليه وسلم-:" من شرب في إناء ذهب أو فضة ... " نهي يعم ما كان من الذهب أو الفضة، وما كان مطلياً بشيء منهما، ولأن المطلي فيه زينة الذهب وجماله، فيمنع ولا يجوز بنص الحديث، وهكذا الأواني الصغار، كأكواب الشاي، وأكواب القهوة، والملاعق، ولا يجوز أن تكون من الذهب أو من الفضة، بل يجب البعد عن ذلك، والحذر منه.(8/98)
وإذا وسع الله تعالى على العباد، فالواجب التقيد بشريعة الله تعالى، وعدم الخروج عنها، وإذا كان عنده فضل من المال فلينفق على عباد الله المحتاجين، وفي مشاريع الخير،
ولا يسرف ولا يبذر.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/22) ] .(8/99)
منتجات مستخلصة من الخنزير
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 17/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعيش حاليا في أمريكا، وسمعت أن بعض المنتجات عندهم يدخل في تركيبها شيء من الخنزير فماذا أفعل؟ حيث إنني أحاول التأكد من المحتويات على حسب لغتي البسيطة، ويقولون إن هناك ألفاظاً علمية قد تدل على ذلك، لكننا لا نعرف مدلولاتها، وهل يلزم الاتصال بالشركات؟ وهل يتساوى في ذلك المأكول؟ وغيره من أدوات الزينة؟ والصابون؟ والكريمات؟ وغيرها؟ وهل لديكم علم بالمؤتمر الذي انعقد في أمريكا؟ وأصدروا خلاله بياناً حول المنتوجات التي تحتوي على الخنزير؟ ثم ما معنى أن النجاسات إذا استحالت تماما عن أصلها تصبح طاهرة؟ وهل يدخل الخنزير في ذلك؟
الجواب
إذا كانت هذه المنتجات تحتوي على مواد مستخلصة من الخنزير فهي محرمة؛ لقوله تعالى في لحم الخنزير "حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير" [المائدة: 3] ، والحرمة تتناول جميع أجزائه، وإنما خص اللحم لأنه المقصود الأساسي في الأكل، والتناول والاستخدام، فما علمت اشتماله على المشتقات المستخلصة من الخنزير فيجب عليك الامتناع عنه، وما لم تعلميه فلا حرج عليك، وما شككت فيه شكاً قوياً فاسألي دون مبالغة ووسواس، والله أعلم.(8/100)
أكل ما طبخ فيه من لحم نجس
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 28/1/1424هـ
السؤال
هل يجوز أكل طعام مطهو بلحم لم يذبح وفق الشريعة؟ (أكل الخضار أو المرقة دون أكل اللحم ذاته) وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا يجوز أكل طعام قد طُهي بلحم لم يذبح، بحسب أحكام الشريعة الإسلامية، لأن اللحم حينئذ يكون نجساً، قال الله تعالى: "قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ" [الأنعام: 145] ، والنبي - صلى الله عليه وسلم- لما نزل تحريم لحوم الحمر الأهلية، أمر بالقدور التي فيها لحمها فأكفئت انظر: البخاري (2991) ، ومسلم (1937) ، ولو كان مرقها جائزاً شُربه لألقى اللحم وأبقى المرق، واعلم أن الإسلام لا يحرم شيئاً ولا طعاماً إلا لخبثه وضرره على الإنسان، كمال قال تعالى عن نبيه - صلى الله عليه وسلم-: "وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ" [الأعراف: 157] ، وإذا كان لحم الذبيحة، غير طيب بسبب طريقة الذبح المخالفة للشريعة فكذلك مرقه ... إلخ. والله تعالى أعلم.(8/101)
الأكل من طعام القاديانيين
المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 17/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا حالياًً في أمريكا، ويوجد في المدينة التي أسكن فيها مطعم باكستاني، وهذا المطعم يذكر أن اللحم الذي لديه حلال.
ولكن بعد فترة اكتشفت أن صاحب المطعم وعماله جميعهم قاديانيون، فهل يجوز الأكل من طعامهم؟. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا كان صاحب المحل أو عماله القاديانيين هم الذين يباشرون الذبح فلا يجوز الأكل من ذبيحتهم؛ لأن أهل العلم أجمعوا على كفر القاديانيين، وعليه فلا يجوز الأكل من ذبيحتهم، وأما إذا كان المباشر للذبح من المسلمين، أو أهل الكتاب فيجوز الأكل من ذبيحتهم، والله أعلم.(8/102)
الذبح عن طريق إطلاق النار
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 30/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالب أعيش في أمريكا للدراسة في هذه البلاد يتم ضرب البقر بطلقة في الرأس ثم يقوم الذابح بذبح البقرة مباشرة بعد هذه الطلقة، وذلك لأن البقرة حجمها كبير جداً ولا يستطيعون التمكن من ذبحها إلا بهذه الطريقة، حيث تسقط على الأرض مباشرة بعد الطلقة فيسهل ذبحها، فهل يجوز لي الأكل من لحم هذه الذبيحة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فما ذكره السائل من ضرب الحيوان قبل ذبحه في بعض البلدان حرام لا يجوز؛ لأنه إيذاء له وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم (1955) ، وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته".
أما حكم أكل هذا الحيوان الذي ضرب أو صعق وأدرك حياً وذبح على الكيفية الشرعية فهو حلال لقوله تعالى:"حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم" [المائدة:3] فدلت الآية على تحريم الموقوذة والمنخنقة وما في حكمهما كالمصعوقة والمضروبة في رأسها أو غيره إذا ماتت قبل إدراك ذبحها، وعلى حل ذلك إذا أدركت وتم ذبحها على الكيفية الشرعية مع توفر شروط الذكاة التي هي أهلية المذكي بأن يكون مسلماً أو كتابياً، وقطع الحلقوم والمريء وذكر اسم الله تعالى، والله أعلم.(8/103)
الأكل في المطاعم الصينية
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 2/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالب أعيش في أمريكا للدراسة هل يحل لي الأكل في المطاعم الصينية أو الهندية في هذه البلاد؟ باعتبار أنهم ليسوا من أهل الكتاب، ولكن اللحوم تؤخذ من هذه البلاد النصرانية، وماذا لو جاءني طعام من بعض الجيران الهنود أو الصينيين؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا كانت هذه المطاعم تقدم اللحم الذي ذبحه أهل الكتاب في البلد الذي تعيش فيه، وغلب على ظنك ذلك فسم الله وكل، وإن كانت تقدم لحماً من ذبح الهنود أو الصينيين الوثنيين فلا يجوز لك الأكل منه لأن الحلال هو اللحم الذي ذبحه المسلم وذكر اسم الله عليه، أو الذي ذبحه الكتابي ولم يذكر اسم غير الله عليه، وذبائح الوثنيين وبقية الكفار لا تؤكل بحكم الشرع.
وإن كانت تقدم الأسماك ونحوها فلا حرج عليك في أكلها لأنها لا تحتاج إلى ذبح، وهذا الحكم أيضاً فيما أهداه لك جيرانك من الهنود أو من الصينيين، وبالله التوفيق.(8/104)
الأكل في مطاعم تقدم الخمور
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 9/3/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالب أعيش في أمريكا للدراسة، وتوجد بعض المطاعم التي تقدم الخمور في جزء منها، وتقدم الطعام في الجزء الآخر، فهل يجوز لي الأكل في الجزء الذي لا تقدم فيه الخمور فيه؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
غالب المطاعم في الغرب - إن لم تكن كلها- تقدم الخمور، فإن وجدت مطعماً لا يقدم ذلك وتمكنت من الأكل فيه فهذا هو المتعين، وإن لم تجد أو احتجت في بعض الظروف للأكل في هذه المطاعم التي تقدم الخمور فلا تأكل في الجانب الذي تقدم فيه الخمور، ولا تجلس على مائدة فيها الخمر، أعاننا الله وإياك.(8/105)
التسمية عند الصيد
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 5/11/1423هـ
السؤال
هل التسمية عند الصيد واجبة؟ وما الحكم إذا تركتها سهواً؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب
التسمية واجبة عند الصيد، وتسقط إذا تركها سهواً على الصحيح - إن شاء الله -.(8/106)
الصيد المقتول بالنشاب أو البندقية
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 06/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عندي صديق يصيد الغزلان والتيوس والديوك الحبشية بالسهم النشاب، والرشاش أحياناً، ويدعوني إلى طعامه، فهل يجوز الأكل من هذه اللحوم؟ علماً بأنه يقول: إذا قتل بالسهم فإن الحيوان المصاب يسير قليلاً ثم يموت، فيفتح صدره ويخرج الدم.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إذا كان هذا السهم أو النشاب مُحددًا، أو مُدببًا، يعني: (شوكي) ، وأدمى الصيد، فلك أن تأكل، بشرط كون الصائد مسلماً أو كتابياً، أي: يهودياً، أو نصرانياً، وسُمي على الصيد اسم الله. والله أعلم.(8/107)
الأطعمة التي تحتوي على منتجات الخنزير
المجيب أ. د. صالح بن محمد السلطان
أستاذ الفقه بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 5/11/1422
السؤال
يوجد كتاب متداول في أمريكا وهو يحوي الأطعمة المحرمة التي على المسلم تجنبها ومن ضمنه مادة توضع مع الخبز والكعك والايسكريم ويرمز لها بـ (E471) واسمها بالإنجليزي هو MONO DEL GRESEED والأخوان في أمريكا يحذرون منها لأنها من منتجات الخنزير أو مستحلب منه ووجدت بعض الأخوة هناك يقول هذا الكلام لم يبني على أساس علمي وهذا المنتج يستخدم كثيراً في أطعمتنا في العالم العربي. فما الحكم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحكم مبني على حقيقة هذه المادة وثبوت ما ذكر، فإن تبين أنها مستخلصة من الخنزير فهي حرام لعموم الأدلة الواردة في تحريم الخنزير، أما إذا لم يثبت ما ذكر فالأصل الحل حتى يتبين ما يوجب التحريم والله الموفق.(8/108)
أحكام الذبائح
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 17/9/1422
السؤال
ما حكم اللحم في الإسلام؟ وما الواجب اتباعه عند أكل اللحم؟ وهل الأصل فيها الحرمة؟
الجواب
ما ذبحه المسلم فهو حلال، وما ذبحه كتابي - وهو: اليهودي والنصراني - فالأصل أنه حلال. وأما إذا علمت كيفية ذبحهم، وأنهم ذبحوا ذبحاً غير شرعي - كالصعق بالكهرباء، أو الضرب على الرأس، أو التغطيس بالماء - أو غير ذلك، مما يجعل الذبيحة حراماً لو فعله مسلم، فكذلك الحال بالنسبة للكتابي، فليست حاله بأحسن من حال المسلم في هذا المجال، وأما ذبائح من ليسوا مسلمين، ولا أهل كتاب كالمشركين وسائر الكفرة على اختلاف مللهم، فلا تحل ذبائحهم بحال، ولو ذبحوا ذبحاً صحيحاً بقطع الحلقوم والمريء وأنهروا الدم.(8/109)
كلب الحراسة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 11/4/1423
السؤال
نحن في منطقة قروية وفيها يقل الأمن، ولدينا من الأغنام والمزارع -ولله الحمد-، ولدينا كلاب لغرض الحراسة ليلاً، فهل علينا إثم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا إثم عليك باتخاذ الكلب لذلك؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-:"من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان" متفق عليه البخاري (5481) ومسلم (1574) واللفظ له من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، وفي رواية:"قيراط"، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"من أمسك كلباً فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط إلا كلب حرث أو ماشية" متفق عليه البخاري (2322) ، وفي رواية لمسلم (1575) :"من اقتنى كلباً ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم"، فدلت هذه الأحاديث على إباحة اقتناء الكلب للحراسة والصيد، وغير ذلك من الأمور التي يحتاج إليها المسلم.(8/110)
الكحول والجيلاتين الحيواني في الأطعمة
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 25/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
أحرص دائماً على اختيار المكونات الحلال في الأطعمة، وخاصة الحلويات، فأحرص ألا يكون فيها شيء من الكحول أو الجيلاتين الحيواني، أو شحم الخنزير، قبل مدة أخبرتني إحدى الأخوات أننا يجب أن لا نكثر السؤال عن المكونات في الحلويات؛ لأنها حلال في الأصل، وكثرة السؤال تحولها لتصبح غير حلال، ثم جاءت بأحاديث النهي عن كثرة السؤال لرفع الحرج عن الأمة، ثم من بعد الابتعاد عن الحق. أرجو توضيح هذه المسألة.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا كان السؤال عن مكونات الأطعمة ناتج عن وجود دليل قوي بأن بعض هذه المنتجات في ذات البلد تحتوي على مواد محرم استخدامها كالكحول والخنزير، فهو سؤال مشروع، استبراء للذمة، وطلباً للحلال.
أما إذا كان من المعلوم أن الأطعمة الواردة إلى هذا البلد لا تحتوي في العموم على مواد محرمة، أو أن هناك جهة رقابية تشرف على مكونات هذه الأطعمة وأعضاء هذه اللجنة من المسلمين الثقات فلا ينبغي السؤال هنا؛ لأن الأصل هو الحل، أما الجيلاتين الحيواني فهو في الحكم بحسب المصدر الذي أخذ منه، فإن كان مصدره الخنزير فهو حرام، وإن كان مأخوذاً من بهيمة الأنعام التي أحلها الله فلا بأس به إذا كانت هذه الأنعام مذكاة ذكاة شرعية. والله أعلم.(8/111)
طعام غير الكتابيين ومعاملتهم
المجيب د. محمد بن سريّع السريّع
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 12/5/1423
السؤال
عندنا معلمة هندية ليست مسلمة وليست كتابية كذلك، أحضرت لنا يوماً طعاماً فانقسمنا بين مجاملة لها ورافضة مد يدها للطعام، هل يجوز الأكل من طعام هؤلاء؟ وكذلك هل يجوز مجاملتهم حتى نبين لهم أخلاق المسلمين؟
وهل يجوز مصافحتها أم يؤدي ذلك إلى نقض الوضوء؟
الجواب
يجوز الأكل من طعام الكفار غير الكتابيين ما لم يكن من ذبائحهم التي ذبحوها أو يكون مشتملاً على ما هو محرم كالخمر والخنزير، وأما معاملتهم فالأصل معاملتهم بالحسنى لغرض تأليفهم ودعوتهم إلى الإسلام؛ لقوله -تعالى-: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من ديارهم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" [الممتحنة:8] ، ومصافحتهم لا تؤدي إلى نقض الوضوء؛ لأن نجاستهم الواردة في قوله -تعالى-: "إنما المشركون نجس" [التوبة:28] ، نجاسة معنوية، والمراد بها: نجاسة الكفر، كما هو قول جمهور أهل العلم.(8/112)
أطعمة وأشربة فيها كحول
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 3/5/1423
السؤال
هناك بعض الأشربة والأطعمة التي تحتوي على نسبة قليلة جداً من الكحول، مثل: الخبز، علماً أنك لو أكلت منه الكثير لا تسكر، فهل يجوز تناولها؟ وشكراً لكم.
الجواب
الكحول مادة مسكرة أو مخدرة، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن نجاسة الخمر نجاسة حسية، ويلحق الكحول بها في ذلك، واستدلوا بقوله -تعالى-:"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" [المائدة:90] ، وقالوا:" الرجس، هو: النجس".
وذهب بعض أهل العلم إلى أن طهارة الخمر طهارة حسية مع بقاء نجاستها المعنوية؛ لأن الرجس المقصود في الآية السابقة هو الرجس العملي المقتضي للتحريم، وليس الرجس العيني الذاتي المقتضي للنجاسة، وقالوا: من المعلوم أن الميسر والأنصاب والأزلام الواردة في الآية ليست نجسة نجاسة حسية، فإذا كانت نجاستها معنوية وليست حسية فالخمر كذلك؛ لأنه من عمل الشيطان، وقد قرن بهذه الثلاثة، ولأن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يوجد الدليل على النجاسة، ولا دليل هنا، وكذلك قالوا: إنه لما نزل تحريم الخمر أراقها المسلمون في الأسواق، ولو كانت نجسة ما جازت إراقتها في الأسواق؛ لأن تلويث الأسواق بالنجاسات محرم لا يجوز، وهذا القول هو الأرجح -إن شاء الله-.
وعلى هذا فالكحول ليست نجسة العين، وإن كانت خبيثة من الناحية المعنوية، بمعنى أنها لو وجدت على ثوب الإنسان أو بدنه فلا يجب عليه التنزه عنها كما يتنزه عن المواد النجسة.(8/113)
وبقيت مسألة، وهي: وجود الكحول في المأكول والمشروب، فمن المعلوم أن الكحول مادة مسكرة أو مخدرة، وبالتالي فإذا وجدت في الأكل أو الشرب، وكانت مؤثرة فيه بمعنى أنه يترتب على التناول إسكار فالتناول في هذه الحالة حرام قطعاً؛ لأن علة تحريم الخمر، هي: الإسكار، وقد وجدت هنا، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
أما إذا كانت مادة الكحول الموجودة في المأكول أو المشروب قليلة ويسيرة، ولا يظهر أثرها، واستهلكت في المشروب ونحوه، فالصحيح أن هذه الكمية اليسيرة من الكحول لا أثر لها في تحريم هذا الطعام أو الشراب، فهو مثل النجاسة المستهلكة في الماء، فعلى القول الصحيح -إن شاء الله- أن هذه النجاسة ما لم يظهر أثرها في الماء، في طعمه، أو لونه، أو ريحه، فالماء باق على طهوريته قليلاً كان أو كثيراً، وفي (صحيح البخاري، ك72، ب12) – تعليقا- قَال أَبُو الدَّرْدَاء فِي الْمُرِي: ذَبَحَ الْخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ"، والنينان: جمع نون، وهو: الحوت، والمري: أكلة تتخذ من السمك المملح، يوضع في الخمر ثم يعرّض للشمس فيتغير طعمه عن طعم الخمر، ومعنى قول أبي الدرداء هذا: أن الحوت لمّا ملِّح ووضع في الشمس أذهب الخمر فصار حلالاً، ومما يدل على عدم الحرمة هنا: أن الخمر إنما حرمت لوصف الإسكار الموجود فيها، فإذا انتفى هذا الوصف انتفت الحرمة.
ومما يشار إليه هنا أن البعض يظن أن المخلوط بالخمر حرام مطلقاً، سواء قلّت نسبة الخمر - بحيث لا تؤثر في المخلوط– أو كثرت، وظنوا أن ذلك هو معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-:"ما أسكر كثيره فقليله حرام"رواه أحمد (5648) واللفظ له، وابن ماجة (3392) ، والدارقطني (4/254) ، وهو صحيح (الإرواء برقم 2375) .(8/114)
فقالوا: هذا فيه قليل من الخمر الذي يُسكر كثيره فيكون حراماً، وقد أجاب الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في مجمع فتاويه (4/260) عن هذا الفهم، فقال: يقال هذا القليل من الخمر استهلك في غيره فلم يكن له أثر وصفي ولا حكمي، فبقي الحكم لما غلبه في الوصف، وأما حديث "ما أسكر كثيره فقليله حرام" (سبق تخريجه) فمعناه: أنه إذا كان الشراب إن أكثر منه الشارب سكر، وإن قلل لم يسكر، فإن القليل منه يكون حراماً؛ لأن تناول القليل وإن لم يسكر ذريعة إلى تناول الكثير، ويوضح ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها-: قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"كل مسكر حرام، ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام" أخرجه أبو داود (3687) ، والترمذي (1866) ، وأحمد (24992) ، وهو صحيح (الإرواء برقم 2376) ، والفرق: مكيال يسع ستة عشر رطلاً. ومعنى الحديث: أنه إذا وجد شراب لايسكر منه إلا الفرق، فإن ملء الكف منه حرام، فهو معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-:"ما أسكر كثيره فقليله حرام" (سبق تخريجه) اهـ.
ومع ذلك فالأولى فيما يظهر لي -والله أعلم- أن يتجنب الإنسان تناول الأطعمة والأشربة المحتوية على هذه المواد المسكرة المستهلكة في الطعام والشراب ما لم يحتج إلى ذلك، لكن هذا من باب الورع لا التحريم، والله أعلم.(8/115)
لماذا حُرم لحم الخنزير؟
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 19/6/1423هـ
السؤال
أريد جواباً شافياً لأسئلة دائماً يطرحها عليَّ أصدقائي الصينيون:
لماذا يحرم على المسلمين أكل لحم الخنزير؟ ويدّعون أنهم دائماً يأكلون الخنزير ولا يوجد بهم أمراض، ويعملون بجد ومتوسط أعمارهم أكثر من غيرهم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أقول وبالله التوفيق:
أما سؤالك الأول فاعلم يا أخي أن من المتقرر في ديننا أننا إذا نُهينا عن شيء لزمنا الانتهاء عنه، وإذا أُمرنا بشيء أتينا منه ما استطعنا، اتباعاً لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" رواه مسلم (1337) ، وقد نُِهينا بنصوص القرآن والسنة عن أكل لحم الخنزير، وسواء أدركنا الحكمة في التحريم أم لم ندركها، فإن النهي عن أكل لحم الخنزير صريح لا يحتمل التأويل، ومع ذلك فإنا إذا التمسنا الحكمة في النهي وجدناها ظاهرة، فقد ذكر الأطباء أن في الخنزير أضراراً كثيرة، ومن ذلك:
(1) كثرة الديدان في لحمه.
(2) لحم الخنزير ينقل مرض التريخينا.
(3) كثيراً ما يأكل الخنزير الفئران الميتة التي كثيراً ما تكون عضلاتها محلاً لأجنة دودة تسمى الشعرة الحلزونية.
(4) لحم الخنزير أعسر هضماً؛ لأن أليافه العضلية محاطة بخلايا شحمية عديدة، وقد أجريت عدة تجارب على أربعة وعشرين حالة مرض وتبين أن (22) حالة منها كان سببها لحم الخنزير المطبوخ.
(5) أن الخنزير بذاته منفّر للطبع السليم فهو قذر؛ لأن أشهى غذائه القاذورات الضارة التي يأنف منها الإنسان.(8/116)
(6) لحم الخنزير يسبب ارتفاعاً في مستوى الجلسريد في بلازما الدم، وكذلك ارتفاع نسبة الكولسترول في الجسم.
(7) ومما يذكر أيضاً أن له أثراً في تبلد إحساس الإنسان بالغيرة فتراه لا يأنف من وقوع محارمه في الرذيلة.
وانظر للمزيد المراجع التالية:
1- تحريم لحم الخنزير في العلم والدين لـ د/ سليمان قوش
2- روح الدين الإسلامي تأليف/ عفيف طبارة
3- مجلة الفكر الإسلامي، العدد التاسع، السنة الثامنة 1399هـ.(8/117)
التسمية عند الذبح
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 19/11/1422
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أعمل في مذبح بأستراليا وعلي أن أذبح أربعمائة وعشرين خروفاً في الساعة، وأنا أعمل لمدة ثمان ساعات في اليوم، فهل يجب علي أن أذكر اسم الله في كل رأس؟ وماذا لو نسيت في إحداها هل تجوز هذه الذبيحة؟
الجواب
جب على المسلم أن يذكر الله -جل وعلا- قائلاً: باسم الله عند ذبح الذبيحة، فإن نسي فذبيحته حلال، ولا حرج عليه والحمد لله في هذا، وأما أن يتركها تعمداً فلا يجوز له ذلك.(8/118)
حكم تعاطي القات
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 1/12/1422
السؤال
ما حكم تعاطي القات؟
الجواب
سئل الشيخ / عبد العزيز بن باز - رحمه الله - عن سؤال مشابه لسؤالك، نذكر لك فيما يلي نص السؤال والإجابة:
السؤال: ما الحكم في القات والدخان الذين انتشرا بين بعض المسلمين، وما حكم صحبة من يتناول أحدهما أو كليهما؟ وماذا يجب على رائد الأسرة نحو ابنه أو أخيه إن كان يتعاطى شيئاً من هذين الصنفين؟
الجواب:
لا ريب في تحريم القات والدخان لمضارهما الكثيرة وتخديرهما في بعض الأحيان، وإسكارهما في بعض الأحيان، كما صرح بذلك الثقات العارفون بهما، وقد ألف العلماء في تحريمهما مؤلفات كثيرة، ومنهم شيخنا العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي البلاد السعودية سابقاً - رحمه الله -.(8/119)
فالواجب على كل مسلم تركهما والحذر منهما، ولا يجوز بيعهما ولا شراؤهما ولا التجارة فيهما، وثمنهما حرام وسحت، نسأل الله للمسلمين العافية منهما. ولا تجوز صحبة من يتناولهما أو غيرهما من أنواع المسكرات؛ لأن ذلك من أسباب وقوعه فيهما، والواجب على المسلم -أينما كان- صحبة الأخيار والحذر من صحبة الأشرار، وقد شبه النبي - صلى الله عليه وسلم - الجليس الصالح بحامل المسك وقال:" إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة". وشبه الصاحب الخبيث بنافخ الكير وأنه إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة انظر ما رواه البخاري (2101) ومسلم (2628) ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " رواه الترمذي (2378) وأبو داود (4833) من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-والواجب على رب الأسرة أن يأخذ على يد من يتعاطى شيئاً من هذه الأمور المنكرة ويمنعه ولو بالضرب والتأديب أو إخراجه من البيت حتى يتوب، وقد قال الله -سبحانه -:" فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن:16] وقال - عز وجل-:" ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا " [الطلاق:4] أصلح الله أحوال المسلمين ووفقهم لكل ما فيه صلاحهم وصلاح أسرهم، إنه خير مسؤول.
[سلسلة كتاب الدعوة (2) فتاوى الشيخ / عبد العزيز بن باز - رحمه الله - الجزء (2) ص (257) ] .(8/120)
حكم الأكل من الأطعمة المتكدسة في الجمارك
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 22/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رجل يعمل في معمل لتحليل الأطعمة المستوردة، بحيث لا يسمح لها بالدخول إلا بعد موافقة المواد للمواصفات المسموح بها، والرجل يتحرى الحلال في مصدر رزقه، ويخاف الله -أحسبه كذلك-، فهو لا يأخذ الرشوة رغم كثرتها، ولكن يسأل عن العينات التي تؤخذ للتحليل والاختبار، وهذه العينات تكون بعبوة صندوق مثلاً، وبعد تحليلها ومطابقتها للمواصفات المطلوبة تتكدس هذه المواد، فيتم توزيعها على العاملين معه لأخذها لبيوتهم وبعلم صاحبها، فما حكم هذا التصرف؟
وما حكم من يأخذها من الجيران وذوي القربى؟ وهل من الضرورة إخطار صاحب البضاعة بأنه سيتم توزيعها بعد التحليل؟ أرشدونا بارك الله فيكم وفي علمكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن العينات التي تؤخذ للتحليل والتأكد من مطابقتها للمواصفات، إما أنها تعاد لصاحبها بعد الانتهاء من التحليل أو لا.
فإن كانت تعاد لأصحابها، وكان هذا الإجراء هو المعمول به نظاماً، فإنه لا يجوز أخذ شيء منها إلا بعد استئذان صاحبها.
وأما إن كانت تقدم من أصحابها للمعاينة، وهم يعلمون أنها لا تعود إليهم بحكم النظام أو العرف الجاري بين الناس في مثل هذا العمل، فلا حرج على العمال في تقاسمها بينهم بعد الانتهاء من التحليل والمطابقة؛ لأن مصيرها بعد تكديسها إلى الإتلاف، والإفادة منها أولى من رميها، اللهم إلا أن تنص الجهة المنظمة للعمل على منع إخراج المواد من المختبرات لأي سبب كان، فهنا يلزم الجميع بتطبيق النظام.(8/121)
والسؤال الثاني يبنى على التفصيل السابق، فإذا كان الأخذ يشترط له الإذن، فإذا علم الأقارب أو الجيران بأن صاحبهم يأخذ بغير إذن فلا يأخذوا منه شيئاً، وإلا جاز لهم ذلك. والله أعلم.(8/122)
أكل الحلزون
المجيب د. محمد العروسي عبد القادر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 3/12/1424هـ
السؤال
طريقة طبخ الحلزون يوضع في الماء الساخن حتى يطبخ جيدا فيصير ميتا بفعل الماء الساخن فوق الفرن. -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان، أما بعد:
فإن الله -سبحانه- أباح لنا صيد البحر وطعامه، وصيده ما أخذ منه وطعامه الميتة منه.
وما يصاد منه قد يبقى حياً كالسلاحف والقواقع، ومنه الحلزونيات، وقد يموت إذا حبس عنه الماء، فما أخرج منه ومات فهو حلال، وما مات فيه من حيوان فهو حلال، وما صيد منه ووضع وهو لم يزل فيه حياة في الماء المغلي أو على النار بقصد الشواء والطهي فهو حلال، ويروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:" كل شيء في البحر مذبوح" رواه البخاري تعليقاً كتاب: (الذبائح والصيد) ، باب: قول الله -تعالى-: "أحل لكم صيد البحر ... " [من سورة المائدة: 96] موقوفاً عن شريح -رضي الله عنه-، وعند الدارقطني في سننه (4/267) مرفوعاً بلفظ آخر، وهذا يدل على أن صيده ذكاته، وصيده يقوم مقام تذكيته، وعلى هذا فإنك لو أخذت سمكة وأكلتها وهي تضطرب، فلا بأس.
ولو وجدتها في بطن سمكة أخرى فأكلتها فلا بأس، وما وجدته ميتاً في البحر من دوابه فأكلته فلا بأس.
وما ورد في السؤال بأن هذا الحيوان إذا وضع على النار أو الماء المغلي يصير ميتاً خطأ في صياغة السؤال؛ لأنك جزمت بأنه ميتة بهذا الفعل، وهو وضعه على النار أو الماء المغلي، وقد تبين وجه الحق من الجواب. نسأله -سبحانه- التوفيق والسداد، والله المستعان.(8/123)
حكم الإنفحة الموجودة في الأجبان
المجيب د. عبد الله بن ناصر السلمي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 11/1/1423
السؤال
ما حكم أكل الإنفحة الحيوانية الموجودة في الأجبان وغيرها، وخاصة أن غالب الأجبان مستوردة وغير مذكاة؟
الجواب
الإنفحة هي جزء من معدة صغار العجول والجداء ونحوهما، ومادة خاصة تستخرج من الجزء الباطني من معدة الرضيع من العجول أو الجداء أو نحوهما بها خميرة تجبن اللبن، كما في المعجم الوسيط (2/938) وأهميتها في صناعة الجبن هو أن الإنفحة إذا وضع قليل منها في اللبن فإنه ينعقد ويتكاثف ويتجمع ويصير جبناً.
أما حكمها ففيه تفصيل:
الحالة الأولى: إذا كان الجبن قد صنعت بإنفحة خنزير أو ميتة بأن تكون ذكاة غير شرعية، فهذا يحرم أكل الجبن الذي فيه، وهذا مذهب جماهير أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة لقوله -تعالى-:" حرمت عليكم الميتة " [المائدة:3] فالله تعالى حرم الميتة، وهو عام يشمل كل ما في الميتة من أجزاء، ولا يخرج منه شيء إلا بدليل، ولا دليل.
ويدخل في ذلك إنفحة الحيوان الذي ذكاته من المجوس وأهل الأوثان أو ما كان فيه مادة خنزيرية.
الحالة الثانية: إذا كان الجبن قد صنعت بإنفحة حيوان مذكى ذكاة شرعية من مسلم وكتابي فهذا حلال، إذ إن طعام أهل الكتاب حلّ لنا ما لم نتيقن أنهم ذبحوه بغير الطريقة الشرعية، وهذا هو مذهب الجمهور -رحمهم الله-.
قال النووي: أجمعت الأمة على جواز أكل الجبن ما لم يخالطه نجاسة بأن يوضع فيه إنفحة ذبحها من لا تحل ذكاته، فهذا الذي ذكرناه من دلالة الإجماع هو المعتمد في إباحته " أ. هـ.
وروى البيهقي في السنن الكبرى (10/7) عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سئل عن الجبن والسمن، فقال: "سم الله وكل"، فقيل إن فيه ميتة فقال:" إن علمت أن فيه ميتة فلا تأكله "(8/124)
وروى البيهقي في السنن الكبرى (10/6) أيضاً عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كلوا الجبن ما صنع المسلمون, وأهل الكتاب.
وقول السائل وغالب الأجبان مستوردة وغير مذكاة " أما قوله مستوردة، فإن كانت مستوردة من المجوس وأهل الأوثان فيحرم الأكل إلا أن يعلم أنها قد ذكيت ممن تحل ذكاته وهو المسلم والكتابي، وإن كانت مستوردة من الغرب فإن الأصل حل ذبائحهم، مالم يعلم المسلم أن ذكاتهم غير شرعية فيحرم حينئذ وإلا فالأصل الجواز. والله أعلم(8/125)
طعام الكفار
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 17/5/1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيراً، أما بعد:
ما حكم الشرع في طالب جامعي في أوروبا يسكن بصفة مؤقتة في حي جامعي مختلط، ولكنه لا يختلط معهم ويتحرى في أكله الحلال، يأكل الفواكه والأرز والسمك والخضروات؟ علماً أن هذه المأكولات تحضر في مطاعم كافرة ومن طرف كفار، فهل علي من حرج فيما أفعله؟
الجواب
يجوز الأكل من طعام الكفار، فإن كانوا أهل كتاب وهم اليهود والنصارى فيجوز أكل ذبيحتهم، إلا أن يتحقق المسلم من أنهم لا يذكرون اسم الله عليها فلا يجوز أكلها والحالة هذه، وأما باقي طعامهم وشرابهم فهو جائز، وقد أكل النبي -صلى الله عليه وسلم- من طعام اليهود حيث دعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة، كما في حديث أنس الذي رواه ابن حبان (4539) وغيره، وقِبَل دعوة اليهودية التي دعته إلى ذبيحة سمتها في ذراعها كما في حديث حرملة الذي رواه البيهقي انظر: (10/11) وغيره، وشرب من مزادة مشركة انظر: الفتح (1/452) .(8/126)
أكل الضبع والجربوع والهدهد
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 22/1/1425هـ
السؤال
أريد أن أسأل عن الضبع، والهدهد، والجربوع، هل أكلهما حلال أو حرام؟
الجواب
أكل الضبع يجوز لحديث جابر-رضي الله عنه- رواه الترمذي (851) ، والنسائي (2836) ، وأبو داود (3801) ، وابن ماجة (3085) ، وأكل الجربوع أيضا جائز شرعاً، وأما أكل الهدهد فهو محل خلاف بين العلماء، فمنهم من يرى حلّه، ومنهم من يرى حرمته لنتن ريحه وأكله النجاسات، والورع في ذلك الترك؛ لأن الأصل في اللحوم الحرمة، وهذه قاعدة شرعية أشار إليها ابن سعدي في قوله:
والأصل في الأبضاع واللحوم*** والنفس والأموال للمعصوم
تحريمها حتى يجيء الحلّ *** فافهم هداك الله ما يحلّ(8/127)
أكل السلحفاة المائية
المجيب د. عبد الله بن فهد الحيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 26/10/1423هـ
السؤال
ما حكم أكل السلحفاة المائية (الترسة) ؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
ينظر إن كانت من أنواع السمك الذي لا يعيش إلا في الماء فإنه يباح بغير ذكاة، وإن كانت من حيوان البحر وتعيش في البر فقد اشترط بعض العلماء ذكاتها كما روي عن الإمام أحمد أنه قال: لا أرى بأساً بالسلحفاة إذا ذبح. والله أعلم.(8/128)
الأطعمة الموزعة في المناسبات البدعية
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 27/5/1424هـ
السؤال
ما حكم أكل الشكولاته أو أي شيء سواء من الطعام أو الأشربة التي توزع بمناسبة المولد النبوي، أو العودة من زيارة القبور مثلا على قبر (النبي يونس) -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- في العراق، أو (الشيخ عبد القادر الجيلاني) -رحمه الله-؟ وإذا كان ذلك الأكل حراما، فهل يجوز رميه إذا جاء لك شيء منه. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. وبعد:
فأكل ما يهدى يوم المولد أو بعد الزيارة لقبر ونحوه فيه تفصيل: فإن كانت الهدية من مأكول لا لحم فيه كما سأل السائل عن الشكولاته، أو الفاكهة أو العصير وغير ذلك فهذا لا بأس به إن شاء الله، وليس فيه إعانة على شعائر بدعتهم.
أما إن كان المأكول مذبوحاً فهذا فيه تفصيل أيضاً بأن كان ذبح على القبر، وخاصة القبور التي تعبد من دون الله تعالى، فهذا لا يبعد أن يكون داخلاً في قوله تعالى: "وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ" [المائدة: من الآية3] ، قال الإمام أحمد: كل شيء ذبح على الأصنام لا يؤكل، أما إن كان المأكول مذبوحاً تقرباً لصاحب القبر أو باسمه سواء كان نبياً أو صالحاً، أو غير ذلك، فهذا داخل في معنى قوله تعالى: "وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ" [البقرة: من الآية173] ، فلا يجوز أكله. وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الذبح في مواضع الأصنام ومواضع أعياد الكفار، كما في قصة الرجل الذي نذر أن يذبح إبلاً ببوانة فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم- "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ " قالوا: لا، قال: "فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ " قالوا: لا، قال: "أوفِ بنذرك" رواه أبو داود(8/129)
(3313) من حديث ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه-، ولا شك أن قبور بعض الأنبياء والصالحين التي تعبد من دون الله تعالى أن حكمها حكم الأوثان كما قال - صلى الله عليه وسلم- اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، والله أعلم.(8/130)
أسماك تتغذى على النجاسة
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 28/4/1424هـ
السؤال
ما حكم الشرع في أكل نوع من الأسماك يتغذى على القاذورات والنجاسة والفئران؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: الأصل في حيوانات البحر الإباحة، ودليل ذلك قول الله - عز وجل -: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة" [المائدة: 96] حتى ولو كان يتغذى بما ذكر السائل؛ لأن مثل هذه النجاسات تستحيل وتنقلب دماً ولحماً، والنجاسة تطهر بالاستحالة، إلا إن كان أكل مثل هذه الأشياء يضر، أو ظهر أثر النجاسة في رائحة هذا السمك أو طعمه، أما إذا لم يكن هناك ضرر، ولم يظهر أثر النجاسة فالأصل الحل.(8/131)
شراب الشعير بلا كحول
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 11/6/1424هـ
السؤال
ما حكم شراب الشعير بلا كحول؟
الجواب
الأصل في مثل هذا الشراب الحل، ويدل لذلك قول الله - عز وجل -: "ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث"، وأيضاً قول الله - عز وجل -: "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً" [البقرة: من الآية29] ، وأيضاً قول الله: "والأرض وضعها للأنام" [الرحمن: 10] ، فهذا هو الأصل، ما لم يكن هناك محرم كخمر ونحوه.(8/132)
شروط الذكاة وآدابها
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 1/2/1425هـ
السؤال
ما هي شروط الذكاة وآدابها ومكروهاتها؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فإن الذكاة تفتقر إلى خمسة أشياء:
1- ذابح.
2- وآلة.
3- ومحل.
4- وفعل.
5- وذكر.
فأما الذابح فيعتبر له شرطان:
الأول: دينه، وهو أن يكون مسلماً أو كتابيًّا.
الثاني: عقله، وهو أن يكون ذا عقل يعرف الذبح ليقصده، فإن كان لا يعقل كالمجنون والسكران لم يحل ما ذبحه.
وأما الآلة فلها شرطان:
الأول: أن تكون محددة، تقطع أو تخرق بحدِّها، لا بثقلها.
الثاني: ألا تكون سنًّا ولا ظفراً؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر" أخرجه البخاري (5503) ، ومسلم (1968) من حديث رافع بن خديج - رضي الله عنه -.
وأما المحل: فالحلق واللّبَّة، وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، ولا يجوز الذبح في غير هذا المحل بالإجماع؛ كما قاله ابن قدامة في المغني (13/303) .
وأما الفعل: فيعتبر قطع الحلقوم والمريء، فالأول هو مجرى النفس، والثاني هو مجرى الطعام والشراب، وقيل: يعتبر مع قطعهما، قطع أحد الودجين، وقيل: أو كلاهما، هذا هو الأكمل في الذبح، وبه يخرج من الخلاف.
وأما الذكر: فيشترط ذكر اسم الله -تعالى- على الذبيحة؛ لقوله -تعالى-: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق" [الأنعام:121] ، فإن ترك الذابح - مسلماً كان، أو كتابيًّا على الأصح- التسمية عمداً، أو ذكر اسم غير الله، لم تحل الذبيحة، وإن تركها سهواً، فعلى قولين في المسألة، ذهب الجمهور إلى الحل، وذهب آخرون إلى التحريم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (35/239) ، والله أعلم بالصواب، هذا بالنسبة لشروط الذكاة، أما آدابها فهي عديدة منها:(8/133)
أولاً: أن ينحر البعير ويذبح ما سواه، ولا خلاف بين أهل العلم في هذا، كما قاله ابن قدامة في المغني (13/304) .
ثانياً: أن يذبح بسكين حاد؛ لما روى مسلم في صحيحه (1955) ، عن شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ... وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته".
ثالثاً: أن يعجِّل إمرار السكين حال الذبح، وهو من إحسان الذبح، وإراحة الذبيحة؛ كما صرح به النووي في شرح مسلم (13/107) .
رابعاً: أن يستقبل بها القبلة حال الذبح، قال في المغني (13/305) ، واستحب ذلك ابن عمر - رضي الله عنهما- وابن سيرين، وعطاء، والثوري، والشافعي، أصحاب الرأي. ا. هـ. هذا بالنسبة لآداب الذكاة، وكل ما خالف أدباً من هذه الآداب، فهو معدود من المكروهات.
ومن مكروهات الذكاة أيضاً:
1- أن يسن السكين والحيوان يبصره.
2- وأن يذبح الشاة أو غيرها، والأخرى تنظر إليه.
3- وأن يقطع عضواً منها بعد الذكاة قبل أن تزهق روحها، قال في المغني (13/310) (كرهه أهل العلم، منهم عطاء، وعمرو بن دينار، ومالك، والشافعي، ولا نعلم لهم مخالفاً) ا. هـ.
4- ويكره أيضاً سلخ الحيوان قبل أن يبرد؛ لما فيه من التعذيب، ولما تقدم في المغني من حكاية الكراهة عن أهل العلم في قطع العضو قبل زهوق الروح. والله -تعالى- أعلم.(8/134)
ذكاة البرمائيات
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 18/06/1425هـ
السؤال
هل تشترط الذكاة للحيوانات البرمائية مثل السلحفاة، والتمساح، وكلب البحر؟ أم تلحق بحيوان البحر باعتبار طول مكثها فيه؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
كل ما يعيش في البر من دواب البحر لا يحل بغير ذكاة، كطير الماء، والسلحفاة، وكلب الماء، إلا ما لا دم فيه كالسرطان، فإنه يباح بغير ذكاة.(8/135)
أكل لحم الخيل
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 16/10/1424هـ
السؤال
ما حكم أكل لحم الخيل؟ أنا سمعت حادثة في معركة خيبر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- أمر المسلمين بقلب القدور التي طبخوا فيها لحم الخيل، وسمعت أن العلماء لم يحرموها ولم أدر ما الدليل؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. وشكراً.
الجواب
لحم الخيل مباح الأكل كالإبل والبقر والغنم وغيرها من اللحوم المباحة الأكل في شريعتنا، وذلك لحديث جابر - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن بلحوم الخيل"، رواه البخاري (4219) ومسلم (1941) من حديث جابر - رضي الله عنه-، وروى البخاري (5519) من حديث أسماء - رضي الله عنها- قالت: "نحرنا فرساً على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكلناه"، وأما لحم الحمر الأهلية فكما تقدم في الخبرين من نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن لحومها وأخبر أنها رجس، وأما ما ذكر من خبر إكفاء القدور في غزوة خيبر فهذه لحوم الحمر وليست لحوم الخيل.(8/136)
الأطعمة التي تحتوي على جوزة الطيب
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 28/9/1424هـ
السؤال
بعض الأطعمة التي تباع في المحلات التجارية تحتوي على جوزة الطيب، فهل أكلها حلال أم حرام؟.
الجواب
الأصل في الأطعمة الحل، ولا يحرم شيء منها إلا بدليل، لعموم قوله -تعالى-: "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً" [البقرة: 29] .
أما بالنسبة لجوزة الطيب المذكورة في السؤال فقد قرأت أنها مصنفة ضمن المخدرات الطبيعية أي: الموجودة في الطبيعة دون تركيب من قِبل الإنسان، وهي ثمرة يسبب تعاطيها الفتور والنوم، وذكر ابن دقيق العيد أنه يقال: إنها مسكرة وأفتى بتحريمها ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الكبرى (4/229) ، فإذا كان الأمر كذلك فلا يحل أكلها ولا إدخالها في الأطعمة، لعموم حديث أم سلمة - رضي الله عنها- قالت: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن كل مسكر ومفتر" أخرجه أحمد (26634) وأبو داود (3686) ، وصححه الهيثمي والعراقي والشوكاني، والله أعلم.
وانظر المزيد في أنواع المسكرات والمخدرات وأحكامها في كتاب (فقه الأشربة وحدها) لعبد الوهاب عبد السلام طويلة- دار السلام - القاهرة - حلب.(8/137)
شبهة: "وحشية طريقة الذبح الإسلامي"
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 23/7/1425هـ
السؤال
قرأت مقالاً في إحدى الصحف يتحدث عن وحشية ذبح الحيوانات في الإسلام، وأن الحيوان يذبح وهو بكامل وعيه، ووجوب التصدي لهذه الطريقة أريد أن أرد على هذا المقال، وأحتاج لمساعدة منكم في ذكر بعض الحقائق العلمية المناسبة.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فالإسلام أمر بالإحسان في كل شيء، ومن ذلك ذبح الحيوانات، ويظهر ذلك من أمور:
الأول: أنه لا يجوز قتل الحيوان إلا لغرض صحيح مثل أكل لحمه، ولا يجوز قتله لغير مصلحة كاللهو الحاصل من مناطحة الديكة وصراع الثيران، ونحو ذلك، وحتى الصيد كره الإسلام قتل الطيور وغيرها إلا بقصد أكلها، وهذا من أنواع الإحسان المفقودة كثيراً في هذا الزمن.
الثاني: أن الشرع أمر بالإحسان في طريقة ذبح الحيوان، فأمر بأن تكون السكين حادة غير كالة، وأن يريح الذبيحة بإسراع الإجهاز عليها؛ قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" رواه مسلم (1955) من حديث شداد بن أوس-رضي الله عنه-.
الثالث: أنه نهى عن سن آلة الذبح والحيوان يراه، كما نهى عن ذبح الحيوان وحيوان آخر يبصره، وهذا من أنواع الإحسان الكبيرة التي تتضمن مراعاة الإحسان حتى فيما لا يضر الحيوان.
الرابع: أن الإسلام لما أمر بذبح الحيوان بطريقة إنهار الدم قصد إلى أمرين، إراحة الذبيحة بسرعة موتها، وإبعاد ما يفسد لحم الحيوان، فإن احتباس الدم في الحيوان يسبب فساده، وأما إذا أنهر الدم وخرج كان لحم الحيوان أبعد عن الفساد كما يعرف هذا بالطب.(8/138)
الخامس: إذا ذبحت البهيمة بعد إفقادها لوعيها فليس هذا محرماً في الإسلام، بشرط أن يكون ذبحها هو سبب موتها، وليس إفقادها الوعي هو سبب الموت.
وإذا تأمل منصف ما سبق وجد أن هذا الدين جاء بأنواع من الإحسان للحيوان لم يأت بمثلها مذهب ولا فكر آخر، ولا عجب في ذلك؛ فهو دين رب العالمين الذي هو أرحم الراحمين سبحانه، وهو الأعلم بمصالح خلقه.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(8/139)
أطعمة تسبب الإدمان، فهل تحرم؟!
المجيب أ. د. عبد الحي الفرماوي
أستاذ التفسير والحديث بكلية أصول الدين - جامعة الأزهر
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 27/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل يمكن النظر إلى بعض المواد الغذائية والمأكولات والتبغ على أنها محرمة؛ بسبب إمكانية الإدمان عليها؟ مثل مادة (الكافيين) الموجودة في القهوة والكوكاكولا، وهي ليست مسكرة. وإن لم يكن ذلك محرمًا فهل يختلف الحكم لمواد غير مسكرة أشد في قوة الإدمان من مادة الكافيين؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فزادك الله حرصًا على تحري الحلال فيما تأكل وتطعم، فذلك دليل ورع، أسأل الله -تعالى- أن يسكنه قلبك ما حييت، ثم إن تعود أي شيء من الأطعمة أو الأغذية أو المشروبات -طالما كان غير مسكر أو مفتر أو ضار بالصحة أو بالمال-؛ فلا حرمة فيه؛ لكنه يكون حرامًا إذا توفر فيه شيء مما سبق ذكره، أو كان حلالاً في ذاته، لكنك أسرفت في تناوله فآذاك إسرافك. هنا يكون الإسراف حرامًا مع بقاء أصل الطعام حلالاً طيبًا، يقول الله -تعالى-: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" [الأعراف: من الآية31] .
كما يقول -عز وجل-: "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [الأعراف: من الآية32] .
والله الموفق.(8/140)
الخل المصنع
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 19/04/1425هـ
السؤال
أفتى بعض مشايخنا أن الخل المصنع في المصانع حرام؛ لأن به نسبة من الكحول، ولا أدري إن كان ذلك حقيقة أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأصل في الأطعمة أنها مباحة، لقول الله - عز وجل -: "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً" [البقرة: من الآية29] ، وقوله - عز وجل-: "وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ" [الرحمن:10] ، وعلى هذا فالخل الأصل أنه مباح، ولكن إن ثبت أن فيه نسبة من الكحول فلا يخلو هذا من أمرين:
الأمر الأول: أن تكون هذه النسبة يسيرة بحيث تضمحل وتستهلك في المباح فإنه مباح لأن هذه النسبة أصبح وجودها كعدمها.
الأمر الثاني: أن يكون أثرها لا يزال باقياً فإنه محرم لأن ما أسكر كثيره فقليله ولو نقطة واحدة محرم.(8/141)
التخمير بمواد أصلها شعر الإنسان
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 26/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو منكم الإجابة على استفساري وهو: في إحدى دول الغرب يستخدم عامل تخمير للعجين اسمه ل - سيستين (L، Cystine) ، وقد سمعت أن ما نسبته 99% من مواد التخمير هذه مستخرج من شعر الإنسان والباقي من مواد بروتينية أخرى، فما حكم استخدام مثل هذه المادة؟ وهل هي جائزة؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا كان الأمر على ما ذكر في السؤال من أن هذه المادة التي تخمّر العجين مستخرجة من شعر الإنسان فلا يظهر لي جواز استعمالها في طعام الإنسان؛ لأنها جزء من جسم الآدمي، وتناوله عمومًا لا يحل لعموم قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: 70] . وتكريمه يقتضي عدم المساس به وتناول شيء منه بالأكل. والله أعلم.(8/142)
التحري عن شخصية القائم بالذبح
المجيب د. فيحان بن شالي المطيري
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 3/12/1424هـ
السؤال
يوجد عندنا خلاف في حكم تذكية اللحوم، ففي المذبح الذي تكون فيه عملية الذبح يوجد من يسب الدين، والذي لا يصلي، فلذلك أفتى بعض المشايخ عندنا بعدم جواز
الأكل، إذا لم أعرف من الذي ذبح، وقالوا: إن اللحوم الأصل فيها التحريم، فإذا شككنا في شيء يرجع إلى أصله، ورأى آخر أنه يجوز الأكل؛ لأن العبرة بالذابح، والأصل في الذابحين الإسلام؛ لأننا في بلد إسلامي، وإذا شككنا في الذابح يرجع الحكم إلى أصله أنهم مسلمين؛ لأننا لم نتأكد من شخصيه الذابح؛ لأن الأصل فيهم الإسلام. فأي الرأيين هو الراجح؟.
الجواب
الصواب عندي هو القول الثاني، وهو جواز الأكل من الذبيحة إذا ذبحت في بلاد المسلمين، وذلك لما يلي:
أ- لم ينقل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالتحري عند أكل الذبائح مع وجود الاحتمال المشار إليه في القول الأول، وهو مما تعم به البلوى، فلو كان ذلك مشروعاً لنقله عنه - صلى الله عليه وسلم- ولو واحداً من الصحابة -رضي الله عنهم-.
ب- من المعلوم الذي لا شك فيه أن العبرة بالذابح، والأصل بالذابحين في بلاد المسلمين الإسلام؛ لكون الذبح في بلاد المسلمين.
لا يثبت التحريم بالشك في أهلية الذابح، والأصل في المسلمين الخير، وعند الشك يعود الحكم إلى أصله، وهو أنَّ الذابح مسلم؛ لأن الأمر لم يتضح بالنسبة لأهلية الذابح، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(8/143)
الجهل بحال المذكي
المجيب أ. د. صالح بن محمد السلطان
أستاذ الفقه بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 15/12/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
من العلم أن الذبائح في الدول الإسلامية والعربية يشرف عليها نسبة من الذبّاحين غير المصلين، وهناك المصلون كما هو الحال عندنا، ومن المعلوم أن ذبائح غير المصلين لا تقبل، وندخل السوق (سوبر ماركت) وتكون اللحوم مختلطة مع ذبائح غير المصلين وغيرهم من المسلمين، كما هو الحال بتقسيم الأيدي لوحدها والأرجل والصدور والظهور..إلخ, فما حكم الأكل من هذه اللحوم؟ وهل هي شبهة؟ وإذا كانت شبهة فما الحكم؟ رغم أنني في ورطة وحيرة من ذلك، وأصبح لي ما يقرب ستة أشهر لا أتناول اللحوم، أفيدونا مأجورين، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الأصل فيما يذبح في الدول الإسلامية وكذلك أهل الكتاب الأصل فيها الحل، لكن متى علم بأن من يذبح من المسلمين تارك للصلاة مداوم على تركها فإن ذبيحته لا يجوز أكلها، وإلا فالأصل الحل ومتى قويت عندك الشبهة فالورع تركه.(8/144)
صيد الوبر والضبع والقنفذ والنيص
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 14/2/1424هـ
السؤال
ما حكم صيد الوبر والضبع والقنفذ والنيص؟ علماً أن الوبر والنيص من آكلات النباتات, وشكراً.
الجواب
ذكر العلماء -رحمهم الله تعالى- ضوابط تبين ما لا يجوز أكله من الحيوانات، فإذا تحققت هذه الضوابط في أي حيوان فإنه لا يجوز أكله، وهذه الضوابط كما يأتي:
(1) كل ذي ناب من السباع، مثل: النمر، والفهد، والأسد، والكلب، ونحوها.
(2) كل ماله مخلب من الطير، مثل: العقاب، والبازي، والصقر، والشاهين، والبومة، ونحو ذلك؛ لما روى ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-:" نهى عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير" رواه مسلم (1934) .
(3) ما نص عليه بذاته، حيث نص النبي -عليه الصلاة والسلام- على تحريم لحوم الحمر الأهلية، حيث روى جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-:"نهى يوم
خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل" متفق عليه البخاري (3155) ، ومسلم (1407) .
(4) ما كانت العرب تسميه خبيثاً فهو حرام؛ لقوله تعالى:"ويحرم عليهم الخبائث" [الأعراف: 157] .
(5) ما أمر الشارع بقتله، أو نهى عن قتله فإنه لا يجوز أكله.
وبناءً على ما سبق فإن ماعدا ما ذُكر فهو مباح؛ لعموم النصوص الدالة على الإباحة.
أما بالنسبة للحيوانات المذكورة في السؤال فحكمها كالآتي:
(1) الوبر: وهو: حيوان من ذوات الحوافر، في حجم الأرنب، وقد نص عدد من أهل العلم على أنه مباح؛ لعموم الأدلة الدالة على أن الأصل الإباحة، ولم يرد دليل يقتضي حريمه، وهو شبيه بالأرنب فيأخذ حكمه.
(2) الضبع: مباح؛ لما روى جابر -رضي الله عنه- قال: سألت الرسول -صلى الله عليه(8/145)
وسلم- عن الضبع، فقال: "هو صيد" رواه أبو داود (3801) ، والضبع وإن كان له ناب إلا أنه لا يدخل في نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كل ذي ناب من السباع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد نص على حله، فيكون مستثنى مما له ناب من السباع.
(3) القنفذ: من الحيوانات المحرمة؛ لأنه من الخبائث، وقد روى أبو داود (3799) في كتاب الأطعمة عن أبى هريرة -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذُكر عنده القنفذ، فقال:"هو خبيث من الخبائث".
(4) النيص: وهو كما قال بعض أهل العلم: كبير القنافذ قدر السخلة، وعلى هذا يكون حكمه حكم القنفذ فيكون محرماً.
والكلام السابق فيما يتعلق بصيد الحيوان من أجل الأكل، أما إذا كان هناك غرض آخر للصيد فإن الحكم قد يختلف، والله أعلم.(8/146)
الحشيش والخمر
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 12/11/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
ما حكم الحشيش وهو نوع من أنواع المخدرات؟ وهل المبتلى به يسمى خارجاً عن الملة؟ وهل الذي يستحله يسمى كافراً أم لا؟ وهل يعد كافراً من شرب خمراً؟ وما حكمه في الإسلام ومن الناحية الشرعية؟ أفيدونا أفادكم الله، وجزاكم الله خيراًَ.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن أكل الحشيش كبيرة من كبائر الذنوب، وهي مسكرة فيها حد الخمر، ولكن أكلها لا يُخرج من الملة، والذي يستحلها يُفسق ولا يكفر لما في ذلك من الشبهة، بخلاف من يستحل شرب خمر العنب لأن تحريمه مما علم من الدين بالضرورة.
ومن أكلها يعتبر كمن شرب الخمر "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام"البخاري (5575) ومسلم (2003) ويدخل آكلها في كل وعيد ورد في شرب الخمر.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(8/147)
هل أكل لحم البقر مكروه؟
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 10/05/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
ما رأيكم ورأي أهل العلم من مشايخنا في كراهية لحم البقر؟ لحديث صحيح فيه ذكره الشيخ العلامة الألباني -رحمه الله- ما نصه: (إياكم ولحوم البقر فإنها داء) .. الحديث
وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لحوم البقر الأصل فيها الحل، لقول الله - عز وجل-: "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً" [البقرة: 29] ، وأيضاً قول الله - عز وجل-: "والأرض وضعها للأنام" [الرحمن: 10] ، وأما بالنسبة لكراهة أكلها استناداً على الحديث، فهذا الحديث موضع خلاف بين أهل العلم بين مثبت وعدم مثبت، والأظهر عدم إثباته، ويدل لذلك حديث جابر - رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذبح عن عائشة -رضي الله عنها- بقرة يوم النحر. رواه مسلم (1319) ، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نسائه بالبقر. رواه البخاري (5559) ، ومسلم (1211) " فالذي يظهر أنه لا يُكره.(8/148)
مداواة الحيوان بسقيه الخمر
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 13/7/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
هل يجوز مداواة الحيوان بسقيه الخمر؟ وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
سقي الحيوان خمراً للعلاج لا بأس به إن شاء الله، لأن أكل البهيمة للنجاسة - إذا قلنا بنجاسة الخمر - لا يحرمها، بل إن البهيمة مباحة ما لم يظهر أثر النجاسة عليها، مع أن القول الصواب من أقوال أهل العلم - رحمهم الله - أن الخمر ليست نجسة، فحينئذ إذا كانت هناك حاجة ومصلحة فلا بأس إن شاء الله.(8/149)
شرب الماء قائماً
المجيب د. عبد الله بن محمد الغنيمان
رئيس قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 16/10/1424هـ
السؤال
هل في السنة نص يكره أو يحرم شرب الماء واقفاً؟.
الجواب
ثبت في صحيح مسلم (2024) عن أنس - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- زجر عن الشرب قائماً، وفي صحيح البخاري (5615) عن علي -رضي الله عنه- أنه شرب قائماً، وقال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يفعله، فحمل بعض العلماء النهي عنه عن الكراهة والفعل على الجواز.(8/150)
تعليف الدواجن بمخلفات
المجيب د. زيد بن سعد الغنام
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 19/10/1424هـ
السؤال
جزار آلي للدواجن يقوم بتصنيع علف للدواجن من مخلفات أحشاء الدواجن، والأرجل ورأس الدجاج، وبعض العظام، وذلك بطحنها وتحويلها إلى سماد وعلف للدواجن ما مدى مشروعية ذلك؟.
الجواب
أما تحويلها إلى سماد فجائز، أما تحويلها إلى علف ففيه خلاف بين العلماء؛ لأن بعض هذه الأشياء نجسة، ولعل الراجح- والله أعلم - حل هذه الدواجن، بشرط ألا يترتب على ذلك ضرر، ولا يبقى أثر لهذه النجاسة؛ بل تتحوَّل إلى شيء آخر.(8/151)
تخلل الخمر
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 11/11/1424هـ
السؤال
ما حكم استخدام الخل المصنَّع يدوياً من الخمر؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فهنا مسألتان مشهورتان عند الفقهاء:
الأولى: تخلل الخمر بنفسه بدون علاج، يعني: استحالته من خمر إلى خل بدون فعل فاعل، وقد اتفق الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، على جواز استعمال هذا الخل وشربه، انظر بدائع الصنائع (5/113) ، وحاشية الدسوقي (1/52) ، والمجموع
(2/526) ، والمغني (1/72) .
والمسألة الثانية: تخلل الخمر بفعل فاعل، يعني: استحالته من خمر إلى خل بالعلاج، وهذا هو مقصود السائل، كما أشار إليه بقول: (المصنَّع يدوياً) ، وهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم على قولين:
الأول: ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية في الراجح عندهم والشافعية، والحنابلة: وهو عدم جواز تخليل الخمر بالمعالجة، فإذا عولجت وتخللت بذلك، فإنه يجوز استعمالها وشربها عند المالكية، ويحرم ذلك عند الشافعية والحنابلة، والقول بالتحريم هو الأرجح دليلاً، لما رواه مسلم في صحيحه (3/1573) ، عن أنس - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- سئل عن الخمر تتخذ خلاً؟ فقال:"لا"، قال النووي في شرحه على صحيح مسلم (13/152) تعليقاً على هذا الحديث: (هذا دليل الشافعي والجمهور، أنه لا يجوز تخليل الخمر، ولا تطهر بالتخليل، هذا إذا خللها بخبز، أو بصل، أو خميرة، أو غير ذلك مما يلقى فيها، فهي باقية على نجاستها، وينجس ما ألقي فيها، ولا يطهر هذا الخل بعده أبداً، لا بغسل ولا بغيره.." أ. هـ.(8/152)
ومن أدلة التحريم أيضاً ما رواه أحمد (3/119) ، وأبو داود (3/326) ، عن أنس بن مالك -رضي الله عنهما- أن أبا طلحة -رضي الله عنه- سأل النبي - صلى الله عليه وسلم- عن أيتام ورثوا خمراً؟ فقال: أهرقها، قال: أفلا أجعلها خلاً؟ قال: لا"، وهو حديث صحيح، كما قاله النووي في المجموع شرح المهذب، قال الخطابي في معالم السنن (5/260) تعليقاً على هذا الحديث: (في هذا دليل واضح أن معالجة الخمر حتى تصير خلاً غير جائز، ولو كان إلى ذلك سبيل لكان مال اليتيم أولى الأموال به، لما يجب من حفظه وتثميره والحيطة عليه، وقد كان نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن إضاعة المال، وفي إراقته إضاعته، فعلم بذلك أن معالجته لا تطهره، ولا ترده إلى المالية بحال) أ. هـ.
القول الثاني: ما ذهب إليه الحنفية، والمالكية في قول مرجوح في المذهب، وهو جواز تخليل الخمر بالمعالجة، وإذا عولج جاز شربه واستعماله، واستدلوا بأدلة لا تنهض إلى القول بالجواز؛ لأنه إما استدلال بدليل صحيح غير صريح، وإما بدليل صريح غير صحيح، ولهم أدلة أخرى من جهة المعنى، ولكنها لا تقوى على مخالفة الأحاديث الصحيحة الصريحة في ذلك. وأحيل السائل إلى مرجعين مهمين في هذه المسألة، وهما كتاب الاضطرار إلى الأطعمة والأدوية المحرمة للدكتور: عبد الله الطريقي، وكتاب المواد المحرقة والنجسة في الغذاء والدواء بين النظرية والتطبيق للدكتور: نزيه حماد، وقد رجح الثاني القول بالجواز، ورجح الأول القول بالتحريم، وهو ما صححه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى [ (21/481) ] . والله تعالى أعلم.(8/153)
أكل فضلة الطعام
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 20/11/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل هناك حديث عن أكل الطعام المتبقي من الآخرين؟ أنا أب، وآكل الطعام المتبقي من أولادي بدلاً من التخلص منه.
الجواب
أولاً: ينبغي للإنسان إذا أكل طعاماً ألا يبقي منه شيئاً، لئلا يرمى هذا الطعام مع النفايات أو مع المصارف العمومية التي تختلط فيها الأطعمة مع النجاسات، فالإنسان إذا ترك شيئاً من الطعام يكون قد عرض نفسه لشيء من هذا الأمر، وهذا الأمر محذور، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما رأى في الطريق تمرة مرمية أخذها ورفعها على الحائط وقال:"لو أعلم أنها ليست من الصدقة لأكلتها" البخاري (2055) ومسلم (1071) ، فينبغي للإنسان أن يحترم نعمة الله، وأن يجتهد في أكل ما بدا من الطعام، وألا يترك هناك طعاماً مبعثراً.
أما أن هذا الأب يأكل ما تبقى عن أولاده فإنه إن شاء الله على أجر وخير، حيث إنه صان هذا الطعام عن أن يبتذل أو يهان، والله ولي التوفيق.(8/154)
(مشروب السوبيا)
المجيب د. فيحان بن شالي المطيري
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 17/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ينتشر في بعض الدول العربية مشروبات تحتوي على نسبة من الخميرة مثل (السوبيا) في رمضان وغيره، وفي السودان يستعملون خميرة الذرة لصنع مشروب شعبي آخر، فهل مثل هذه المشروبات جائز شربها، خاصة أنه إذا تركت هذه المشروبات مدة طويلة فإنها تتخمَّر؟ نرجو منكم توضيح حكم الشرع فيها. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هذا الأمر يحتاج إلى تفصيل، وبيان ذلك أن يقال لا مانع من شرب المشروبات المشار إليها قبل تخمُّرها؛ لعدم الدليل على تحريمها في هذه الحالة، ولأن الأصل الإباحة فلا يعدل عنه إلا بدليل، أما بعد تخمرُّها فلا يجوز شربها؛ لوجود علة الإسكار فيها؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً. والله أعلم.(8/155)
الأطعمة المحرمة
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 23/1/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أرجو أن تبينوا لي بالتفصيل ما هي الأطعمة المحرم أكلها في الإسلام، وكيف يؤثر ذلك على طبيعتنا أو سلوكنا؟.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الأصل في الأطعمة النافعة الطاهرة على اختلاف أنواعها وأصنافها هو الحل والإباحة، ولا يحرم منها إلا ما دل على تحريمه دليل من الأدلة الشرعية المعتبرة، قال تعالى: "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة ... " [الأنعام: 145] ، ولذلك فإن كل طعام لم يرد الدليل بتحريمه فهو مباح أخذاً بهذه الآية الكريمة.
والأطعمة على نوعين: حيوانات ونباتات؛ أما الحيوانات فقد تكلم أهل العلم عن المحرمات منها، وجعلوا لذلك ضوابط تبين ما لا يجوز أكله منها، فإذا تحققت هذه الضوابط في أي حيوان فإنه لا يجوز أكله: وهذه الضوابط كما يأتي:
(1) كل ذي ناب من السباع، مثل: النمر، والفهد، والأسد، والكلب، ونحوها.
(2) كل ماله مخلب من الطير، مثل: العقاب، والبازي، والصقر، والشاهين، والبومة، ونحو ذلك، لما روى ابن عباس - رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم-:"نهى عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير" رواه مسلم (1934) .(8/156)
(3) ما نص عليه بذاته، كالحمر الأهلية، حيث نص النبي عليه الصلاة والسلام، على تحريم لحوم الحمر الأهلية في حديث جابر – رضي الله عنه- وفيه: "أن النبي – صلى الله عليه وسلم- نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل" متفق عليه عند البخاري (4219) ، ومسلم (1941) ، وكالخنزير، لقوله تعالى: "حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ... " [المائدة: 3] .
(4) ما كانت العرب تسميه خبيثاً فهو حرام، لقوله تعالى: "ويحرم عليهم الخبائث" [الأعراف: 157] ، كالحشرات والنسر والرخم؛ لخبث ما يتغذيان به.
(5) ما أمر الشارع بقتله، أو نهى عن قتله فإنه لا يجوز أكله، كالفواسق الخمس، ونحوها.
وبناءً على هذه الضوابط فإن ما عدا ما ذكر فيها- كالخيل، وبهيمة الأنعام، والدجاج، والنعام، والأرنب، والحمر الوحشية، ونحو ذلك- فهو مباح؛ لعموم النصوص الدالة على الإباحة كما سبق بيانه.
أما المطعومات غير الحيوانات كالنباتات والفواكه والحبوب، والأطعمة، والمشروبات المصنوعة منها ونحو ذلك فإنها مباحة، عملاً بالأصل فيها وهو الإباحة، إلا ما كان مسكراً كالحشيش والأفيون، ونحوهما من المخدرات، أو كان ضارًّا كالسم والدخان ونحوهما من المطعومات التي ثبت ضررها وشرها؛ فإن ذلك محرم، لكونه مسكراً أو ضارًّا.
ولا شك أن الله -سبحانه وتعالى- لم يحرم علينا هذه الأشياء إلا لمصلحتنا ومنفعتنا، لأن الله لا يأمر بالشيء إلا لحكمة، ولا ينهى عن الشيء إلا لحكمة، وقد يحيط البشر علماً بهذه الحكمة، وقد يغيب عنهم علمها، وعدم علم الإنسان بهذه الحكمة لا يدل على عدمها.
ولما كان الطعام يتغذى به جسم الإنسان، وينعكس أثره على أخلاقه وسلوكه، فالأطعمة الطيبة يكون أثرها طيباً على الإنسان، والأطعمة الخبيثة بضد ذلك.(8/157)
ولذلك أمر الله العباد بالأكل من الطيبات، ونهاهم عن الخبائث، وقد تحدث العلماء عن المقصد الشرعي من النهي عن بعض الحيوانات والمشروبات، والمطعومات في كتبهم عندما تصدوا لبيان حكمها مما لا يتسع المجال لذكره هنا، ومن أراد الاطلاع عليه فليرجع إلى ما كتبه الفقهاء في كتاب الأطعمة من مؤلفاتهم الفقهية، وكذلك البحوث والرسائل المؤلفة في الأطعمة وأحكامها، والله الموفق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(8/158)
بعض مالهم من الحرام، فهل يأكل عندهم؟
المجيب عبد الله بن سعد الكليب
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 22/2/1425هـ
السؤال
ما حكم زيارة الأهل والأقارب والأكل معهم؟ مع أن مالهم حرام، علماً أني في مدينة أخرى، وإذا زرتهم لا بد من الأكل معهم والمبيت عندهم.
الجواب
بسم الله، والصلاة والسلام على رسوله وبعد:
فزيارة الأهل مشروعة إلا إذا رأيت مصلحة شرعية راجحة في هجرهم، وأما الأكل من طعامهم فإن علمت أن هذا الطعام بعينه محرم ككونه مغصوباً أو مسروقاً، أو نحو ذلك لم يحل لك أكله، وإن لم تعلم ذلك، ولكنك تعرف أن الغالب في مالهم كونه حراماً جاز لك أكله، والأحوط تركه احتياطاً. والله أعلم.(8/159)
السنة عند شرب زمزم
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 2/2/1425هـ
السؤال
ما السنة عند شرب ماء زمزم؟ وهل هناك دعاء معين؟.
الجواب
ماء زمزم ماء مبارك، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه: "إنها مباركة، إنها طعام طعم وشفاء سقم" أخرجه الطيالسي (459) ، ومسلم (2473) ، والبيهقي (5/147) ، واقتصر مسلم على "طعام طعم". وقد ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أنه إذا شرب ماء زمزم قال: "اللهم أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً، وشفاء من كل داء" انظر المصنف لعبد الرزاق (9112) ، والمستدرك (1782) . والنبي - صلى الله عليه وسلم- قال عن زمزم: "إن ماء زمزم لما شرب له" أخرجه أحمد (14849) ، وابن ماجة (3062) وانظر الإرواء (4/320) . والله ولي التوفيق.(8/160)
وضع بقايا الطعام في القمامة
المجيب سامي بن محمد الخليل
مدير مركز الدعوة والإرشاد بعنيزة
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 19/10/1425هـ
السؤال
ما حكم وضع باقي الطعام والخضار في الزبالة؟ علمًا أننا نضعها في مكان خال بجوار منزلنا، فتأتي البهائم والجمال، فتأكله حتى تعودت على ذلك، ولكن تأذيت منها، لأنها تأكل الأشجار التي قد زرعتها بجوار بيتنا، فقلت لأهلي بوضعها في الزبالة، وقالوا إنه حرام، أرجو التوضيح لأن الأشجار لم تنبت بسبب الحيوانات. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يجوز امتهان الطعام، والواجب شكر نعمة الله تعالى، وذلك باحترامها ووضعها في المكان اللائق بها، وإذا كان وضعها بجوار منزلكم يسبب لكم ضررًا فيمكنكم وضعها في مكان بعيد حتى لا تأكل البهائم أشجاركم. والله أعلم.(8/161)
شرب حليب الجلالة
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 18/5/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما رأيكم بشرب حليب الجلالة؟ علماً بأن تحاشي ذلك سيسبب حرجاً ومشقة على المسلمين في الغرب، فالمعروف أن أكثر المزارع يطعمون الأبقار مخلفات، وبقايا لحوم حيوانات ميتة، مع أن هناك نوع آخر من الحليب ليس فيه بأس لكنه مرتفع الثمن جداً فوق طاقة الكثيرين شراؤه.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الجلالة موضع خلاف بين أهل العلم، وهي التي تأكل العذرة - النجاسة- واختلف أهل العلم - رحمهم الله- متى تحرم؟ فقال بعض العلماء: تحرم إذا كان أكثر علفها النجاسة، فإذا فرضنا أنها تطعم ثلاثة الأرباع- 75%- من الميتة، والدم المسفوح فإنه محرم، أما إذا كان أكثر علفها الطاهر بأن تطعم - مثلاً- خمسة وسبعين بالمائة من الطاهر، وخمسة وعشرين بالمائة من الميتة، ونحو ذلك فإنها جائزة، أو كان - مثلاً- النصف والنصف فإنها جائزة، هذا هو الرأي الأول.
الرأي الثاني: أن لحم الجلالة ولبن الجلالة وحليبها لا يحرم إلا إذا كان للنجاسة أثر في اللحم أو اللبن، ونحو ذلك وهذا القول هو الصواب، فالصواب في هذه المسألة أنه إذا كان للنجاسة أثر في طعم اللحم أو رائحته، أو اللبن، أو يسبب أمراضاً، ونحو ذلك، فإنه محرم، وأما إذا لم يكن لها أثر فإنه جائز؛ لأن النجاسات تطهر بالاستحالة، وهذه الأشياء قد استحالت إلى دم، ولحم، وحليب، ونحو ذلك، هذا هو الصواب الأقرب من قولي العلماء -رحمهم الله- فيما يتعلق بالجلالة. والله أعلم.(8/162)
الخل المصنع
المجيب راشد بن فهد آل حفيظ
القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 25/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سمعت بأن القول الراجح في مسألة الخل إذا تم تحويله من الخمر بتصرف الإنسان أنه لا يحل. والسؤال الآن حيث إن الخل الوحيد المتوفر أمام المسلمين هو الذي يباع في المحلات التجارية، وهو -بلا شك- مصنع بتعمد باستخدام الكحول وخلافه. والآن ألا يعني هذا الحكم أنه لا يمكن للمسلم أن يحصل على الخل عملياً؟ أي أنه وبناءً على هذا الحكم هل يجب علينا تجنب الخل، وأي منتج غذائي يحتوي على مقدار كبير من الخل، وتلك المنتجات كثيرة جداً مثل صلصلة الطماطم (كتشاب) والمايونيز، ومعظم الأغذية المصنعة والمعلبة؟ أم أن ذلك ينطبق عليه حكم عموم البلوى؟.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إن تخليل الخمر لا يخلو من حالين:
الأولى: أن يخللها مسلم، فحينئذ لا تحل، ولا يجوز بيعها، ولا شراؤها، لنهي الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الخمر تتخذ خلاً. أخرجه مسلم برقم (1983) من حديث أنس -رضي الله عنه-.
الثانية: أن يخللها من يعتقد حلّها، كأهل الكتاب (اليهود والنصارى) ، فحينئذ تحل، ويجوز بيعها، وشراؤها، بلا حرج -إن شاء الله- هذا أولاً.
ثانياً: أن نسبة الخل المضافة إلى الأغذية المباحة إذا استهلكت لم يبق لها تأثير في حل أو حرمة، وهكذا كل نسبة قليلة استهلكت في مباح، كشحم خنزير، وأنفحة ميتة، وبعض الكحول، ذات نسبة قليلة استهلكت في مباح، وهذا ثالثاً.
رابعاً: أن الخل قد يصنع بدون أن يحصل قبله تخمر، وذلك إذا أضيف إليه ما يمنع ذلك. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد.(8/163)
النفخ في الشراب
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 19/07/1425هـ
السؤال
هل يجوز النفخ على الطعام والشراب بسبب كونه حاراً؟
الجواب
لا أعلم أن هناك نهياً عن النفخ في الطعام، وإنما يكون هذا من قبيل الأمور التي يفعل فيها الشخص ما هو الأصلح له.
فإذا كان خاصاً به جاز ذلك له، ولكن النهي عن النفخ في الشراب العام الذي يشربه هو وغيره؛ لأنه إذا فعل ذلك قذَّر هذا الشراب على غيره من الناس، ولذا جاء النهي عن النفخ في الشراب "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينفخ في الشراب" رواه الترمذي (1888) ، وأبو داود (3728) ، وابن ماجة (3430) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.(8/164)
إطعام الحيوان الطعام المحرم
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 19/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل يجوز إطعام القطط من لحم غير حلال؟ علماً أنها لا تدخل البيت، بل تأكل خارجه.
الجواب
الحمد لله وحده وبعد:
فإنه لا حرج في إطعام القطط اللحم (غير الحلال) ، كما أشار إلى ذلك الفقهاء في مسألة إطعام الحيوان -المأكول وغير المأكول- النجاسة، ومن ذلك ما صرَّح به الكاساني في بدائع الصنائع (1/78) حيث قال: وعند أبي حنيفة: لا يؤكل - يعني الدقيق المعجون بماء وقعت فيه نجاسة - وإذا لم يؤكل، ماذا يصنع به؟ قال مشايخنا: يطعم للكلاب؛ لأن ما تنجس باختلاط النجاسة به - والنجاسة معلومة - لا يباح أكله، ويباح الانتفاع به ... ا. هـ. وهذا هو قول عامة الفقهاء.
هذا بالنسبة للحيوان غير المأكول كالهرة والكلب ونحوهما، فأما الحيوان المأكول (كالشاة والبعير ... ) فقد اختلف العلماء في جواز إطعامها النجاسة على أقوال:
القول الأول: أنه يجوز إطعام الحيوان المأكول النجاسة، وهو قول في مذهب أحمد - رحمه الله- كما في الفروع (6/272) .
القول الثاني: أنه يكره إطعامه النجاسة إذا كانت عيناً، فأما إذا كانت مختلطة بماء ونحوه فيجوز، وهو مذهب الشافعية كما في المجموع (9/27) .
القول الثالث: أنه يجوز إطعامه النجاسة إذا لم يذبح، ولم يجلب قريباً على معنى الجلالة، وهو رواية عند أحمد - رحمه الله- كما في الفروع (6/272) ، والمغني (9/341) .
القول الرابع: أنه لا يجوز مطلقاً، وهو قول في مذهب أحمد - رحمه الله- حكاه صاحب الفروع (6/272) .(8/165)
والأصح - والله أعلم- القول بالجواز، مع وجوب حبس الجلالة إذا كان أكثر علفها النجاسة) ، حتى يطيب لحمها قبل ذبحها، وقد استدل للقول بجواز إطعام الحيوان النجاسة -سواء كان مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم- بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما- الثابت في صحيح البخاري (3199) ومسلم (2981) : أن الناس نزلوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أرض ثمود - الحجر - فاستقوا من بئرها، واعتجنوا به، فأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يهريقوا ما استقوا من بئرها، وأن يعلفوا الإبل العجين ... هذا لفظ البخاري ووجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر أن تعلف الإبل العجين، وهو محرم الأكل، فيقاس عليه كل محرم وخبيث، وإذا جاز إطعام الحيوان المأكول ما حرم أكله، جاز إطعام غير المأكول من باب أولى، وقد أشار إلى الاستدلال بهذا الحديث ابن مفلح في الفروع (6/272) وغيره.
والقول بجواز إطعام الحيوان النجاسة يخرج منه القول بجواز إطعامه اللحم غير الحلال، بجامع كونهما محرمين على الآدميين، وأيضاً فإن تحريم إطعام اللحم غير الحلال خاص بالآدميين، فيبقى إطعام ما سواهم على أصل الجواز. والله تعالى أعلم.(8/166)
التداوي بأكل الثعابين
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 25/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم أكل الثعابين والأفاعي، وذلك لغرض العلاج والتداوي؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأصل حرمة تناول الثعابين والأفاعي؛ لما فيها من السموم المضرّة بالبدن، والتي جاء الشرع بتحريم تناولها، كما في قوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء: 29] . ولما في البخاري (5778) ومسلم (109) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه: "مَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّه فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أَبَدًا". لكن لو كان تناول هذه السموم على وجه لا يضر- كما يوجد في بعض الأدوية- وكذلك تناول أجزاء من جسم الثعابين أو الأفاعي، ولم يوجد هناك علاج غيره، أو علاج في كفاءته فلا بأس بتناول ما لا ضرر فيه من ذلك للحاجة أو الضرورة الداعية لذلك. والله أعلم.(8/167)
توزيع ماء الشرب في المقابر
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 17/09/1425هـ
السؤال
حكم توزيع الماء البارد في المقابر على مشيعي الجنازة من أجل الإبراد عليهم وإذهاب العطش عنهم، وهل هو داخل في النهي عن صنع الطعام عند موت الميت؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الماء ليس طعامًا في اللغة، ولا في اصطلاح الشرع، فالطعام اسم لما يطعم، والشراب اسم لما يشرب، والنهي إنما هو لصنع الطعام من أهل الميت للمعزين أو المشيعين، وليس العكس، بل إن وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء زمزم بأنه "طَعَامُ طُعْمٍ"- أخرجه مسلم (2473) - يدل على أن غير ماء زمزم ليس بطعام، وعلى هذا فإن منع تقديم الماء وشربه للمشيعين للجنازة قياسًا على صنع أهل الميت الطعام للمعزين قياس مع الفارق، كما أن منعه استنادًا لقاعدة (سد الذريعة) ، لو قيل بذلك، غير صحيح؛ لأن الذريعة لا تُمنع أو تُسد إلا إذا أفضت إلى حرام أو مكروه، وليس الأمر كذلك، فإن (الأصل في الأشياء الإباحة) حتى يرد دليل المنع أو الحظر، ولا يوجد دليل على ذلك، فتقديم الماء للناس في المقبرة عند حاجتهم إليه يعظم الله به الأجر، كما في حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه- في مسند أحمد (11101) : "أَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا شَرْبَةَ ماءٍ عَلَى ظَمَأٍ سَقَاهُ اللهُ يومَ القِيامَةِ مِنَ الرَّحِيقِ المَخْتُومِ..".
ومنعه أو تحريمه أخشى أن يكون من القول على الله بغير علم، ومن التشدد المنهي عنه في الدين، قال تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) [النحل:116] .(8/168)
الأدوية المشتملة على الجلاتين
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 19/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
أود أن أسأل عن حكم تناول أدوية الكبسولات الجيلاتينية المصنعة هناك، حيث لا أعلم ما مصدر هذا الجيلاتين. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا كانت هذه الكبسولات يمكن أن تصنع من الخنزير أو مشتقاته فيلزم السؤال عن مصدرها، فإن كانت من الخنزير لم تحل؛ لأنه محرم التناول، وإن كانت من غيره من الحيوانات المباحة فلا حرج في استعمالها - إن شاء الله- والله أعلم.(8/169)
الدعاء الجماعي بعد الأكل
المجيب د. رفعت فوزي عبد المطلب
رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 25/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
يا أستاذ: أعيش في سكن طلاب، وهناك نأكل بشكل جماعي، وفي أثناء الطعام يقوم أحد الطلاب بالدعاء، والكل يؤمن معه، فهل هذا من السنة أم لا؟ وما علي فعله؟ أفتنا جزاك الله خيرًا.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه. وبعد:
فما تقومون به من تكثير الأيدي على الطعام، والاجتماع عليه شيء طيب، تحث عليه السنة النبوية، فقد وردت أحاديث تحض على تكثير الأيدي على الطعام؛ منها ما جاء عن جابر، رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، قال: سمعت رَسُول اللَّهِ صلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلم يقول: "طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ". رَوَاهُ مُسلِمٌ (2059) .
كما أن الاجتماع على الطعام يساعد في تأليف القلوب والتقريب بين النفوس، كما أنه سبيل للاستفادة من الطعام والانتفاع به والشبع منه، فعن وحشي بن حرب، رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ. قَالَ: "فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ". قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ". رواه أبو داود (3764) وابن ماجه (3286) .(8/170)
أما الدعاء الجماعي في أثناء الطعام فلم يرد عليه دليل خاص، بل ورد في ذلك أحاديث تتعلق بآداب الطعام كالحث على التسمية في أوله والحمد بعد الانتهاء منه- انظر صحيح البخاري (5458) - وليس فيها الدعاء في أثناء ذلك، ومن ذلك ما جاء في صحيح البخاري من كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام، فعن عمر بن أبي سلمة، رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، قال: قال لي رَسُول اللَّهِ صلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلم: "سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ؛ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ: البخاري (5376) ومسلم (2022) .
وعن معاذ بن أنس، رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، قال: قال رَسُول اللَّهِ صلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلم: "مَنْ أَكَلَ طَعَامًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ. غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". رواه أبو داود (4023) والترمذي (3458) وابن ماجه (3285) وَقَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
أما ما يجب عليك فعله فأن تبين لصاحبك أن ما يفعله ليس مسنونًا، وبالأخص إن كان يواظب على هذا العمل، ولتكن نصيحتك بالمعروف مع قراءة الدليل، وإلا فالدعاء في كل وقت مشروع، وهو باب عظيم من أبواب العبادة. . وفقكم الله لطلب العلم النافع، وجمعكم على البر والتقوى. . والله أعلم.(8/171)
أكل الشاة الملدوغة
المجيب وليد بن إبراهيم العجاجي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 03/02/1426هـ
السؤال
إذا لدغت الحية شاة وقاربت الشاة على الهلاك، فهل يجوز ذبحها وأكلها، أم نتركها؟ لأنه خالطها سم الحية، هل هناك نص في حكم العمل في هذه المسألة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، وبعد:
ففي الصحيحين من حديث رافع بن خديج -رضي الله عنه-; أنه قال: يا رسول الله إنا لاقو العدو غدا وليست معنا مدي، قال صلى الله عليه وسلم: "أعجل أو أرني ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل، ليس السن والظفر، وسأحدثك أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة". قال: وأصبنا نهب إبل وغنم فندَّ منها بعير فرماه رجل بسهم فحبسه. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش فإذا غلبكم منها شيء فاصنعوا به هكذا" أخرجه البخاري (5509) ، ومسلم (1968) .
ومعنى أنهر الدم: أساله وصبه بكثرة، وهو مشبه بجري الماء في النهر.
ومما دلّ عليه الحديث أن من شروط حل الذبيحة: أن تكون الآلة مما ينهر الدم ويسيله كالسكين ونحوها.
وبناءً عليه: فإذا أدركت الشاة ونحوها مما يؤكل قبل أن تموت حتف أنفها فذكيتها حلّ لك الأكل منها.
لكن يبقى هنا أمر مهم في سؤالك، وهو أن الشاة قد لدغتها حية، والحية تقتل بسمها، فإذا استطعت أن تجز موضع اللدغ بعد تذكيتها حتى لا ينتقل السم إلى سائر جسدها، ويتأثر به لحمها، فهذا جائز، وإن لم تفعل فإني أخشى أن يكون لحمها قد تأثر بسمها؛ فيضرك الأكل منها، فيكون المنع حينئذ من هذا الوجه، أي: من جهة الضرر لا غير. والله أعلم.(8/172)
الأحذية المصنوعة من جلود السباع
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 14/04/1426هـ
السؤال
هل يجوز استخدام جلود الحيوانات المفترسة -كالنمور وغيرها- في صنع الحقائب والأحذية؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
جاء النهي عن جلود السباع في السنن: أن النبي صلى الله عليه وسلم، "نَهَى عَن جُلُودِ السِّبَاعِ". أخرجه أبو داود (4132) والترمذي (1771) والنسائي (4253) .
وفي سنن أبي داود (4130) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لَا تَصْحَبُ المَلائِكةُ رفقةً فِيهَا جِلْدُ نَمِرٍ". كما أن جلود السباع على أصح أقوال أهل العلم أنها لا تطهر بالدباغ، بل هي نجسة. والله أعلم.(8/173)
ذبائح الدول الوثنية
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 13/05/1426هـ
السؤال
نحن نعيش في دولة تغلب عليها الوثنية، وفيها بعض المسلمين وبعض النصارى، فما الحكم في تناول اللحم الموجود في المطاعم العامة؟ حيث لا يعرف إن كانت مذبوحة أم لا، ولا يُعرف من الذي ذبحها، وهل كان الذبح على الطريقة الشرعية أم لا. أفيدونا أفادكم الله.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنه يشترط في صحة الذكاة أن يكون المذكي مسلماً أو كتابياً، أما المسلم فهو محل إجماع بين المسلمين، وأما الكتابي فلقول الله -عز وجل-: "اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" [المائدة: 5] وعلى هذا إذا كان المذكي ليس ذا دين، أي ليس مسلماً ولا كتابياً (يهودياً أو نصرانياً) فإن تذكيته لا تحل، ومثل هذه الدولة التي تغلب عليها الوثينة ويظهر -والله أعلم- أن الذبائح التي توجد في أسواقها من تذكية أهلها، تكون لحومها في حكم الميتة والقرينة في ذلك هي أن غالبية أهل البلد وثنيون. وإذا كان كذلك فإن ذبائحهم في حكم الميتة ولا تجوز.
وأنصح الأخ السائل أن يكون له اجتماع مع بعض المسلمين لتدارس هذا الأمر، وأن يعنوا بإيجاد مجزرة يقوم عليها مسلمون يقومون بالتذكية أسوة بإخوانهم في بعض بلاد أوروبا وأمريكا.(8/174)
الأكل في مطعم يبيع الخمر
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 24/07/1426هـ
السؤال
دُعيتُ إلى مطعم للأكل، والمشكلة أن المطعم يقدم المشروبات الكحولية. فهل يجوز أن يذهب المسلمون إلى تلك المطاعم للأكل؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
الأصل أن المسلم لا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر، كما ورد في الحديث الصحيح النهي عن ذلك، انظر مسند أحمد (14124) ، وجامع الترمذي (2801) . لكن إذا كانت فيه فهذا من محرمات الوسائل التي يقول عنها العلامة ابن القيم إنها تجيزها الحاجة، يقول: إن محرمات الوسائل ليست كمحرمات المقاصد؛ فمحرمات الوسائل تجيزها الحاجة، ومحرمات المقاصد لا تجيزها إلا الضرورة. فهذا من هذا النوع ولهذا عبر بعض العلماء عن محرمات الوسائل بأنها من باب المكروهات.
فإذا كان يحتاج إلى أن يجلس في مثل هذا المطعم فلا يجلس على المائدة التي يدار عليها الخمر، وإذا جلس عليها لا يجلس بأبنائه الصغار الذين قد يتأثرون من ذلك المشهد، فإذا هو احتاج وكان لا يجد مكاناً ليأخذ فيه وجبة طعامه إلا في هذه الأمكنة فالأمر يدور على المشقة وعلى الحاجة، مع أن النهي وارد، وقد يحمل على الكراهة ويحمل على التحريم لكنه من باب تحريم الحاجات، ومن باب تحريم الوسائل والضرائر، وما كان كذلك فإنه يرتفع بالحاجة، كما يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-.(8/175)
الأكل في مطاعم يُشرب فيها الخمر
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الأطعمة والأشربة والصيد والذكاة
التاريخ 20/09/1426هـ
السؤال
دُعيتُ إلى مطعم للأكل، والمشكلة أن المطعم تُقدَّم فيه المشروبات الكحولية. فهل يجوز للمسلم الذهاب إلى تلك المطاعم للأكل؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا وجدت مطاعم أخرى لا تقدم فيها المشروبات الكحولية أو المأكولات المحرمة، فلا يجوز الذهاب إلى مثل هذه المطاعم؛ لأن في ذلك دعماً لها وإعانة على الإثم والعدوان، أما إذا لم توجد في البلد مطاعم تقدم الحلال، ويمكن الوصول إليها دون مشقة، فلا حرج عليك -إن شاء الله- ويتعين عليك عند الذهاب إليها أن تنصح أصحابها بالامتناع عن تقديم الحرام، ولتكن النصيحة باللين والحكمة، فإن قبل منك فالحمد لله، وإن لم يقبل نصحك فلا شيء عليك حينئذ.
وما دام المسلم لم يأكل أو يشرب حراماً، ولم يجلس على مائدة الحرام فلا إثم عليه -إن شاء الله- والمائدة المذكورة في الحديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائده يدار عليها الخمر" أخرجه الترمذي (2801) ، وغيره، هي ما يوضع على الطاولة من طعام وشراب، فمن جلس على مائدة حلال -وقريباً منه مائدة أخرى فيها خمر -فلا إثم عليه، مادام منكراً للمنكر بقلبه أو لسانه، وكثيراً ما يحصل مثل هذا في المطاعم المختلطة بين المسلمين والكفار، وخاصة في البلاد التي تعيش فيها الأقليات المسلمة في أنحاء العالم.
وفقنا الله وإياكم إلى كل خير وثبتنا عليه.(8/176)
الأيمان والنذور(8/177)
وعدٌ وليس بنذر
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 3/8/1422
السؤال
أجرى ابني عملية جراحية، فقلت إن شاء الله إذا أنجاه الله منها أصوم كل اثنين وخميس ماحييت، حاولت الوفاء لكن ذلك صعب عليّ، هل هناك من كفارة أقوم بها لحل هذا النذر؛ لأن الصيام فيه مشقة عليّ، أرجو إفادتي لأني في حيرة من أمري، وجزاكم الله خيراً
الجواب
قولها هذا ليس بنذر، وإنما هو وعد حسن، فيحسن لها أن تفي به، وأما من حيث الوجوب فلا يظهر الوجوب؛ لأنها علقت ذلك بمشيئة الله - تعالى- فقالت: "إن شاء الله إذا أنجاه الله منها، أصوم كل اثنين وخميس" وهذا اللفظ ليس بنذر، فلا يجب فيه شيء، وأمّا إذا نذر المسلم نذراً وعجز عن الوفاء به، فكفارته كفارة يمين، لما روى عقبة بن عامر قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله _ r فاستفتيته فقال: "لتمش ولتركب" متفق عليه أخرجه البخاري (1866) ، ومسلم (1644) ، ولأبي داود: "ولتكفّر عن يمينها" (3295) وللترمذي: "ولتصم ثلاثة أيام" (1544) وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً يطيقه فليف الله بما نذر" رواه أبو داود (3322) .(8/178)
تكفير الأيمان
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 3/8/1422
السؤال
1- نذرت زوجتي صيام شهر إذا تحقق أمر ما، ولم تحدد هل الصيام متصل أم لا؟ ما حكم ذلك وهل يجب عليها الصيام قبل رمضان أم لا؟
2-ما حكم من أقسم أيماناً كثيرة ولم يعلم عددها، مع العلم أن غالبها في
وقت غضب؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا أقسم المرء على أن يفعل شيئاً ففعله، أو أقسم ألا يفعل شيئاً فلم يفعله، فلا كفارة عليه لأنه أتى بما حلف عليه، وأمَّا إذا حلف ألا يفعل شيئاً ففعله، أو حلف أن يفعل شيئاً فلم يفعله فحينئذ عليه كفارة يمين، وإذا كثرت الأيمان على موضوع واحد، فكفارتها واحدة، وإذا تعددت الأيمان في مواضيع متعددة فلكل يمين كفارته، وعلى المرء إذا تيقن الأيمان ولم يدرِ عددها أن يحتاط، وكفارة كل يمين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة كما ذكر الله -جلَّ وعلا- في كتابه العزيز، فإن لم يستطع واحداً من هذه الثلاثة، فيصوم ثلاثة أيام، ولا يجزيء الصيام مع القدرة على الإطعام، أو الكسوة، أو العتق، أما الثلاثة: الإطعام، والكسوة، والعتق، فهو مخيّر بينها، وكفارة كل يمين إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين كيلو غرام ونصف من قوت البلد، أي نصف صاع نبوي، فإذا أخرج كيلو غرام ونصف فهو أحوط، وإن جمع عشرة مساكين وأطعمهم طعاماً يشبعهم فلا بأس، وإن أخرج أكثر مما يجب فحسن؛ لأن الزيادة في الصدقة سواء كانت واجبة، أو تطوعاً مستحبة.(8/179)
عليها صوم نذر، فهل تصوم وهي حامل؟
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصيام/ أحكام القضاء والكفارة/هل يلزم التتابع في القضاء؟
التاريخ 5/7/1422
السؤال
زوجتي نذرت أن تصوم شهراً كاملاً إذا تحقق أمر ما، ولما تحقق صامت أسبوعاً، ولكني منعتها من الصيام؛ لأنها حامل، فماذا يجب عليها؟
الجواب
أولاً: ينظر إن كانت نذرت شهراً وأطلقت، أي: لم تنوِ التتابع، فيجزؤها أن تصوم ثلاثين يوماً ولو متفرقة، وإن كانت نوت صوم شهر متتابعاً فلا بد أن تستأنف من جديد، وتصوم شهر كاملاً متتابعاً، وهي مخيّرة بين أن تصوم ثلاثين يوماً متتابعة، وبين أن تصوم بحسب الهلال، ولا يجزؤها أن تصوم شهر رمضان عن نذرها، والله أعلم.(8/180)
مقدار الإطعام في كفارة اليمين
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 13/7/1422
السؤال
ما مقدار الإطعام في كفارة اليمين؟
الجواب
مقدار الإطعام في كفارة اليمين إشباع الفقير إذا قدم له الطعام الجاهز المهيأ للأكل، لما ورد أن أنس بن مالك-رضي الله عنه- كان في السنتين الأخيرتين من حياته لا يستطيع صيام رمضان لكبر سنه، فكان إذا دخل رمضان جمع ثلاثين مسكيناً، وأطعمهم طعاماً يشبعهم، وأفطر -رضي الله عنه- سائر الشهر. أخرجه أبو يعلى (7/4194) والطبراني في الكبير (1/675) ، وذكره الهيثمي في المجمع (3/164) وقال: رجاله رجال الصحيح.
أما إذا كان الإطعام بغير هذه الصفة، فيحسن أن يكون بمقدار كيلو ونصف من قوت البلد، غير الخبز ونحوه من الأشياء التي يسرع إليها الفساد. والله أعلم.(8/181)
حلف أيماناً كثيرة على أمر واحد
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 10/8/1422
السؤال
حلفت يميناً على أمر وكررت اليمين عدة مرات وذلك من أجل أن أجعل الأمر صعباً على نفسي ولكي لا أفعله مرة أخرى، ورغم ذلك فعلته مرة ناسياً ومرة بإرادتي ومدركاً على ما يترتب على ذلك من قطع لليمين، وكررت الفعل ذاته عدة مرات، فما رأي سماحتكم في ذلك وجزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء؟
الجواب
عليك كفارة يمين واحدة، ما دام اليمين في موضوع واحد؛ لأن المرء إذا حلف ألاّ يفعل شيئاً ثم فعله أو حلف أن يفعل شيئاً فلم يفعله، فعليه كفارة يمين؛ وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم يستطع واحداً من الثلاثة صام ثلاثة أيام.(8/182)
نذر مازحاً فهل يلزمه شيء؟
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 1/05/1425هـ
السؤال
قلت لزميل لي على سبيل المزح: إن شغلت برنامج في الكمبيوتر فعلي نذر أن أذبح خروفاً، مع العلم أني كنت أمزح، فهل يلزمني شيء؟
الجواب
النذر هو إلزام الإنسان نفسه شيئاً لا يلزمه بأصل الشرع، وإذا كان هذا النذر نذر طاعة وجب الوفاء به، وإذا كان النذر نذر معصية فإنه لا يجوز الوفاء به، ويكفِّر عنه كفارة يمين، وإذا كان النذر مباحاً فإنه يخير بين الوفاء به، وأن يكفِّر كفارة يمين، وأما ما ذكر السائل من أنه لم يقصد النذر، وإنما كان يمزح وهو يعرف معنى النذر، فالذي يظهر لي أنه لا يترتب على كلامه هذا شيء؛ لأن النذر هو إلزام الإنسان نفسه شيئاً لا يلزمه بأصل الشرع، وهذا كان يمزح فمعنى هذا أنه لم يلزم نفسه عندما قال تلك الكلمة، ولم يقصد ما تدل عليه، فلا يترتب عليه شيء فيما يظهر لي من سؤال السائل. والله ولي التوفيق.(8/183)
نذر فلم يستطع الوفاء
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 21/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ.. لقد نذرت أني إذا حصلت على وظيفة أهدي لأمي حزاماً من الذهب بمبلغ عشرة آلاف ريال، وعندما حصلت على الوظيفة تزوجت وكونت أسرة ولم أستطع الوفاء بالنذر، وذكرت أمي بذلك، فسامحتني وقالت لا أريد منك أي شيء، فهل أنا ملزم بوفاء هذا النذر؟ وما هو العمل؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
أولاً: يجب أن يعلم هذا السائل وغيره أن النذر لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل، فالإنسان إذا أراد أن يبر بأمه بأي نوع من أنواع البر فإنه يجتهد في ذلك، والبر بالأم أو بالأب هذا أمر واجب، والله تعالى يقول: "وبالوالدين إحساناً" [البقرة: 83] وأما كونه نذر أن يشتري لها أو يهدي لها هذا الحزام من الذهب، وكان هذا النذر معلقاً على أمر وقد تحقق فالأصل أنه يجب الوفاء بهذا النذر، ولكن لأن هذا النذر حق لمخلوق، وهذا المخلوق سامحه في حقه فبقي حق الله - تعالى- يكفر عنه كفارة يمين، ولا شيء عليه حينئذ، والله أعلم.(8/184)
إخراج قيمة الإطعام في الكفارة نقداً
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 25/4/1424هـ
السؤال
كفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين، ولكن هل يمكن إخراج القيمة نقداً؟ وهل يمكن دفعها إجمالياً لمسكين واحد أم تدفع إلى عشرة مساكين؟ وإذا كان يمكن دفعها فكيف أحسبها؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا يجوز لك إخراج كفارة اليمين نقداً للفقراء، وإنما يمكن أن تسلم النقد لمن تثق به، أو لإحدى الجمعيات الخيرية لينوبوا عنك في شراء الطعام وتسليمه للفقراء، ويكون لعشرة مساكين لكل واحد كيلو ونصف من قوت البلد، ولا بأس في الزيادة، لأن الزيادة في الصدقات مأجور عليها المرء.(8/185)
القسم بآيات الله
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 2/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كنا ذات يوم في مجلس مع مجموعة من الشباب، وكان أحدنا يقسم بآيات الله أنه حصل كذا وكذا، فقال له آخر لا يجوز ولا ينبغي لك أن تقسم بآيات الله، فآيات الله هي مخلوقاته، ولا يجوز لك أن تقسم بمخلوق، واستشهد بآيات من القرآن تدل على أن الآيات هي السماوات والأرض والشمس والقمر ... إلخ، ولا تحضرني الآيات التي ذكرها لنا.
سؤالي هنا: هل في هذا القسم محظور شرعي؟ مع التوضيح، وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
آيات الله منها ما هو آيات كونية من مخلوقاته - سبحانه وتعالى - كآيات الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم وغيرها، وهذه الآيات لا يجوز للمخلوق أن يقسم بها؛ لأنها مخلوقة وقد نهينا عن الحلف بغير الله من هذه المخلوقات.
ومن آيات الله الآيات القرآنية التي هي كلامه - سبحانه وتعالى - وهذه يجوز القسم بها؛ لأنها كلام الله، وكلامه صفة من صفاته يجوز الحلف بها. والله الموفق.(8/186)
الحلف بـ (لعمري)
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 14/1/1424هـ
السؤال
ما هو حكم القسم بلفظة لعمري أو لعمرك، حيث أننا نسمع كثيراً من العلماء من يردد هذا اللفظ، ومن هذا قول الإمام الشافعي: هذا لعمرك في القياس بديع.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، قول القائل لعمري أو لعمرك، يقول أهل اللغة أن هذا صريح في القسم لأن النحاة يقدرون لعمري: قسمي، أو يميني، وقد جاء في القرآن قوله تعالى: "لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون" وجاء في تفسيرها عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن الله حلف بحياة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وقد اختلف أهل العلم في حكم هذا اللفظ، منهم من قال إنه لا يجوز التعبير به لأنه من نوع الحلف بغير الله، والحلف بغير الله شرك، وأكثر العلماء على أنه جائز، وذلك أنه ليس عندهم صريحاً في القسم كما قال النحاة، بل هو لفظ يؤتى به للتأكيد، وما دام الأمر ما ذكر فالأولى تجنبه، لكن لا ريب أن من قال ذلك مريداً للقسم فإنه قد حلف بغير الله، وإن جرى على لسانه على أنه أسلوب عربي في تأكيد الكلام فليس من قبيل الحلف بغير الله فلا يكون شركاً، وعلى كل حال قد قال: - صلى الله عليه وسلم- "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" والله أعلم.(8/187)
كلما فعل ذنباً قال إنه كافر إن عاوده
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 8/6/1424هـ
السؤال
ما حكم شاب كلما ارتكب ذنباً قال: أنا كافر إن فعلت ذلك الذنب، ثم يعود إلى ذلك الذنب؟ مع العلم أنه تاب منذ زمن بعيد.
الجواب
الحمد لله، لا ينبغي للمسلم أن يحلف بقوله هو كافر إن فعل كذا، أو إن لم يفعل كذا، فهذا من نوع الحلف بغير ملة الإسلام، وهذا الذي تكلم بهذه اليمين يريد أن يمنع نفسه عن أمر من الأمور؛ كأن يريد إن منع نفسه من معصية ثم خالف فإن الواجب عليه الكفارة أي كفارة يمين، أي: إطعام عشرة مساكين ... ، وعليه أن يتوب من هذا الحلف المحرم، وما دام أنه تاب من المعصية التي كان يريد أن يمنع نفسه منها فقد أحسن، وقد وفقه الله لما فيه الخير له في العاجل والآجل، ولا يجب عليه الآن بعد التوبة إلا كفارة اليمين، لأن الذي يظهر أنه لم يكفر في السابق، فليكفر الآن، والحمد لله رب العالمين.(8/188)
اليمين حال الغضب
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 5/11/1422
السؤال
ما حكم الحلف بالله ثم لا تعمل به وأنا في حالة الغضب؟ (بالتفصيل) .
الجواب
من حلف بالله على أمر ثم لم يعمل بمقتضى اليمين فقد حنث، وعليه الكفارة هو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإذا لم يستطع التكفير بواحدة من هذه الثلاث كفّر بصوم ثلاثة أيام ولا يجزئه التكفير بالصيام، وهو قادر على الأنواع الثلاثة الأول.
ولا تأثير للغضب في إسقاط الكفارة إلاّ إذا كان الغضب يوصله إلى حال لا يعقل معها تصرفاته وألفاظه.(8/189)
اللعان والمباهلة
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 5/11/1422
السؤال
السلام عليكم، لدي سؤال: سمعت عن حلف يمين يسمى التلاعن أو نحو ذلك يحلف فيه طرفان أنهما لا يكذبان على بعضهما ومن يكذب تأتيه عقوبة؟ هل صحيح حدوثه في زمن الرسول؟ وما صيغته؟ أريد معلومات عنه. وجزيتم عني خيراً.
الجواب
لعل الأخ السائل اشتبهت عليه مسألتان:
الأولى: اللعان، وهو الذي يكون بين الزوجين عندما يقذف الزوج زوجته بالزنا، فيتلاعنان، وصفة اللعان: أن يحلف كل واحد منهما أربعة أيمان أنه لم يقع منه ما رماه به الطرف الآخر ويقول الزوج في الخامسة: إن لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين، وبينما تقول الزوجة: إن غضب الله علي إن كنت من الكاذبين، ثم يفرق بينهما القاضي، ولا يجتمعان إلى الأبد.
الثانية: المباهلة، وهي لغة واصطلاحاً تدور على المعاني الآتية:
باهل مباهلة، أي لعن كل منهما الآخر، ويقال ابتهل إلى الله: أي تضرع إليه واسترسل في الدعاء، ويقال: باهل بعضهم بعضاً: أي اجتمعوا فتداعوا فاستنزلوا لعنة الله على الظالم منهم، ومنه قوله تعالى: " ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين" [آل عمران: 61] .
وبهذا يعلم السائل أن طلب المباهلة كان موجوداً على عهد النبي-صلى الله عليه وسلم- كما في الآية السابقة التي جاءت في سياق محاجة نصارى نجران، ويمكنك أخي أن تراجع كلام المفسرين حول هذه الآية الكريمة.(8/190)
نذر أن يترك التدخين ولم يوفِ بنذره فما الحكم؟
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 5/9/1422
السؤال
حاولت أن أترك عادة التدخين السيئة، وفي إحدى محاولاتي جعلت هناك نذراً ليمنعني من العودة إلى هذه العادة، وكان نصّ نذري، هو: (عليّ نذر أن أذبح عشر ذبائح إذا رجعت للتدخين) ، وبعد مدة قصيرة أغواني الشيطان فعدت إلى هذه العادة، فما الحكم في ذلك؟ وماذا يتوجّب علي فعله؟
الجواب
أولاً أود أن أنبه إلى أن التدخين عادة سيئة، ومحرمة؛ لأن الدخان مادة سامة وقاتلة، وسبب رئيسي لعدد من الأمراض الخبيثة كمرض السرطان، وقد قال الله - تعالى -: ((ويحلّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث)) [الأعراف: 157] والدخان من الخبائث، فلا يجوز تعاطيه ولا بيعه، ولا التعاون على نشره بين الناس.
ولهذا على الإنسان أن يبتعد عن المواطن التي تدعو للدخان، وعليه بالصحبة الطيبة التي تعينه على البعد عن التدخين، لا الصحبة السيئة التي تزين له هذا الفعل، وتدعوه للعودة إليه.
أما ما جاء في نذره، فإن هذا من القرب التي يتقرّب بها لله - تعالى -، وقد قال - عز وجل-: ((يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً)) [الإنسان: 7] . والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه)) رواه البخاري (6696) وهذه الذبائح التي نذرها هذا السائل هي من أجل أن تعينه على طاعة الله، فعليه أن يفي بنذره، وأن يحتاط لمستقبل حياته.(8/191)
تغيير النذر
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 5/5/1423
السؤال
لقد أنعم الله على زوجتي وتحققت الأمنية، وفى هذه اللحظة وعدت الله -سبحانه وتعالى- أن تصوم كل خميس إلى أن تلقى الله وهي على عهدها، هل إذا بدلت الخميس إلى الاثنين، هل في هذا شيء مما يتناقض مع العهد؟ ثم إذا أصبح الحفاظ على العهد يعرضها لتعب أو يشق عليها، هل هناك بديل آخر مما يمكن فعله بدون أن يعرضنا إلى غضب الله؟ أفيدونا.
الجواب
النذر كما في حديث ابن عمر في الصحيحين البخاري (6608) ومسلم (1639) لا يقدم شيئاً ولا يؤخره، وإنما يستخرج به من البخيل، وعلى ذلك فلا ينبغي للمسلم أن ينذر، فإن نذر طاعة وجب الوفاء بها؛ لحديث عائشة في البخاري (6696) وغيره: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه"، وقد مدح الله المؤمنين بالوفاء بالنذور في كتابه العزيز، وعلى ذلك فيلزمها صيام يوم الخميس، ولا يجوز لها تبديله إلى الاثنين، فإن أفطرته بعذر فعليها الكفارة؛ لعدم الوفاء بالنذر، وعليها القضاء لفوات ما نذرت صومه، وإن أصبح ذلك النذر يوقعها في المشقة والحرج والعنت، كفرت عن ترك النذر كفارة يمين وحلت منه أبداً.(8/192)
كيف يكون الوفاء بالنذر
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 5/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد نذرت نذراً إذا انتهت كربة ومصيبة كنت أعاني منها وأني سوف أقوم بعدة أمور لوجه الله -عز وجل-، ولكن السؤال هو: أنني نسيت بعض الأمور التي كنت نذرتها، والأمور الأخرى التي تذكرتها قد قمت بتأديتها -والحمد لله- فماذا أفعل؟ وهل يجوز نذر أكثر من شيء في مصيبة واحدة أو كربة؟ وما الدعاء المأثور عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند وقوع الكربة أو المصيبة، وخصوصاً أننا في بلد غير مسلم للدراسة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا تحقق لك ما نذرت من أجله فأوفِ بنذرك وما نسيته فلا حرج عليك، واعلم أن النذر لا يأتي بخير، وإنما كما قال -صلى الله عليه وسلم-:"يستخرج به من البخيل" البخاري
(6608) ومسلم (1639) والأفضل للمسلم أن يتصدق أو يؤدي ما نوى أن يفعله من نذر ثم يسأل الله -جل وعلا- ما أراد من خيري الدنيا والآخرة، والدعاء المأثور عند الكرب ما رواه البخاري (6345) ومسلم (2730) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول عند الكرب:"لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم".(8/193)
قَسَم الاخلاص للوطن
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 10/05/1425هـ
السؤال
في مدارسنا في بلدنا قبل النشيد الوطني قسمٌ يحمل عبارات أحتاج إلى معرفة حكمها، القسم: أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للوطن، وأن أعمل على رفعته ... إلخ. فهل هذا القسم مشروع؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فلم يذكر - أخي السائل- سوى هذه الجملة، وهي: (الحلف بالله على الإخلاص للوطن والعمل على رفعته) ، وهذا القسم ليس فيه محظور، فالإخلاص للوطن معناه عدم خيانته، وهذا مطلوب شرعاً، وكذلك العمل على رفعته أمر حسن، وقد يقصد بعض الناس من هذا القسم ما ليس بجيد، كأن يقصد بالإخلاص ألا يغير الباطل الذي في الوطن، أو ألا يسعى المسلم لإصلاح ما فيه مما يخالف الشرع- تلاعباً بالألفاظ واستعمالاً لها في غيرما وضعت له-، لكن المسلم عندما يتلفظ بهذا القسم فهو يقصد المعنى الحسن، ولا شيء عليه إن استعمله غيره في معنى وضيع. والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.(8/194)
هل هذا يمين أم نذر؟
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 21/2/1425هـ
السؤال
شخص كان يطالع صور النساء ويمارس العادة السرية، ثم حلف على نفسه أن لا يرى مثل هذه الصور، وإذا نظر إليها مرة أخرى فسيصوم شهراً كاملاً، وفي زيارة له لأحد محلات برامج الكمبيوتر وجد أسطوانة عليها صور نساء عاريات، وقد شاهد هذه الأسطوانة بدهشة لا بشهوة، مستغرباً وجود بيع مثل هذه الأسطوانات مع ألعاب الأطفال مباشرة، بعد ذلك ألقى الأسطوانة باشمئزاز، ثم تذكر حلفه الذي حلفه على نفسه بصيام شهر، فهل يجوز له أن يحلف مثل هذا الحلف؟ أم أن ذلك بدعة؟ وهو يقول الآن إنه لم ينظر في الأسطوانة بشهوة، وأنه في ذلك الوقت نسي التزامه فلا يجب عليه الصوم؟ هل هذا من تلاعب الشيطان به؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فما فعله يعد نذراً وإن خرج مخرج اليمين، وهو شبيه بنذر اللجاج والغضب، وهو أن يقصد به منع نفسه من شيء، فيلزم نفسه بأمر من الأمور الثقيلة عليه إن فعل ذلك الشيء؛ كأن يحلف أن يصوم كذا وكذا، أو يتصدق بكذا إن نظر إلى محرم أو تخلف عن صلاة....إلخ، وإنما مقصوده الامتناع، وليس غرضه أن يتقرب إلى الله بصدقة أو صيام.
والمعتبر فيه نيته عند الحلف، والذي يظهر أن نيته أنه لا ينظر إلى شيءٍ من تلك الصور نظر شهوةٍ، فيرجع الأمر إلى نيته، ولا يحنث إذا نظر إليها نظراً عابراً بدون قصد التشهي والتلذذ.
وعلى هذا لا يلزمه ما حلف عليه من صيام شهرٍ إذا نظر للصور لغير شهوة، أو بغير قصد.
ومثل هذا الحلف ليس ببدعة، لكن لا ينبغي أن يلجأ إليه لمنع نفسه من الحرام، والأولى أن يصرف همه وهمته إلى تعظيم أمر الله وخشيته ومراقبته في نفسه، وأن يتسبب بكل سبب يقوي إيمانه ويحصنه من وساوس الشيطان.(8/195)
أما أن يسلك هذا النذر لأجل أن يمنع نفسه من الحرام ويزجرها عنه فلم يعهد عن أهل التقوى والورع والخوف من الله، إنما هي حيلة الضعفاء الذين لم يخافوا الله حق خوفه، ولم يتقوه حق تقاته.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(8/196)
كفارة اليمين
المجيب د. سعود بن محمد البشر
عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 15/8/1423هـ
السؤال
حلفت على عدم فعل شيء ثم فعلته، فهل عليَّ إثم أو كفارة؟ والله يحفظكم ويرعاكم.
الجواب
نعم، عليك كفارة يمين، وهي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن عجزت عن الإطعام أو الكسوة أو العتق فصم ثلاثة أيام، وفق الله الجميع.(8/197)
نذرت صيام الست ثم عجزت
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 15/11/1424هـ
السؤال
امرأة نذرت صيام الست من شوال، ولكبر سنها عجزت عن الصيام فماذا عليها؟
الجواب
عليها أن تكفّر كفارة اليمين، وبهذا تبرأ ذمتها -إن شاء الله-، إذا كانت عاجزة حقيقة عن الصيام.
وبالمناسبة، فإن النذر مكروه ولو كان نذر طاعة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن النذر، وقال: "إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل" البخاري (6608) ومسلم (1639) من حديث ابن عمر - رضي الله عنه -، وكون الإنسان يؤدي العمل منقاداً راغباً، أولى من أن يكون مجبراً مكرهاً بسبب إيجابه على نفسه، وصيام ست من شوال لا تجب وإنمّا هي المستحبات، فلو أن الإنسان نذرها صارت عليه واجبة، وتكون عليه فيها مشقّة حينئذ، كما حصل لهذه السائلة.(8/198)
هل هذه العبارة طلاق أم ظهار أم يمين؟
المجيب محمد بن صالح الدحيم
القاضي في محكمة الليث
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 2/1/1423
السؤال
ما حكم هذا الكلام بين الرجل وزوجته في ساعة غضب: " لو ما بقي غيرك في الدنيا ما بقربك وتحرمي عليّ حياتي كلها ". وهل يحق للزوجة في هذه الحالة ما يحق لأي زوجة عادية من حيث الميزات ونحو ذلك؟
الجواب
الحمد لله وبعد: الذي يظهر من سؤال السائل أن ما تلفظ به خرج مخرج اليمين فعليه كفارة اليمين، وهي كما قال الله - تعالى -: " فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم ... الآية " [المائدة:89] .(8/199)
كفارة اليمين الغموس
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 2/9/1424هـ
السؤال
في إحدى المرات سألتني قريبة لي عن سبب عدم حضوري حفلة ما، فقلت بأنني كنت متعبة، وقد حلفت بالله كذباً بأنني كنت متعبة على الرغم بأن هذا غير صحيح، والآن أنا نادمة، فما كفارتي؟.
الجواب
أولاً: نسأل الله -سبحانه وتعالى- للجميع الثبات على طاعة الله.
والإنسان إذا أراد أن يحلف فإنما يحلف على أمر يعلمه، أمّا إذا كان يحلف على أمر يكذب فيه فإن هذه هي اليمين الغموس، وهذه اليمين لا كفارة فيها، وهذه السائلة حلفت على شيء مضى وهي كاذبة، فيمينها غموس، وسميت اليمين بالغموس، لأنها تغمس صاحبها في النار وهي من كبائر الذنوب، فعلى هذه السائلة أن تتوب إلى الله -تعالى- ومثل هذه اليمين أعظم من أن تكفّر، وأما اليمين المكفرة فإنها الحلف على المستقبل بألاّ يفعل كذا ثم يفعله، أو بأن يفعل كذا ثم لا يفعله، أمّا الحلف على شيء مضى كاذباً فهذه لا كفارة لها، وهي أعظم من أن تكفّر، فعليها التوبة إلى الله، وتندم على فعلها ولا تعدْ إلى مثل هذا.(8/200)
ما يلزم في نذر اللجاج والغضب
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 14/11/1424هـ
السؤال
لقد وقعت في معصية قبل سنوات وكنت كارها لها، ولم أستطع الابتعاد عنها، فنذرت أن أتصدق ب50 ريالاً كلما فعلتها، ولكني وللأسف لم أتغلب على معصيتي، فقد استمريت حتى تراكم علي مبلغ من المال وأنا لا أملكه شخصياً في ذلك الوقت، ثم قمت بإطعام ستة مساكين ظناً مني أن ذلك سيزيل النذر الذي علي، ومازلت حتى الآن وأنا أحاول ترك المعصية ولم أتركها، ما الذي علي فعله تجاه النذر؟
الجواب
هذا النذر يسمى نذر اللجاج والغضب، وهو أن يعلق الإنسان نذره بشرط يقصد منه الحمل على فعل شيء أو تركه أو التصديق أو التكذيب، فالواجب عليك أن تتقي الله وتوفي بما عاهدت عليه ربك من ترك المعصية، فإن الذنوب ما تزال بالعبد حتى تلقيه في جهنم، ويجب عليك أن تكفر عما مضى كفارة يمين؛ لحديث عمران بن حصين:"لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين" رواه النسائي (3840) وأبو داود (3292) .(8/201)
كفارة اليمين من مال الزوج
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 26/5/1423
السؤال
امرأة تريد أن تكفر كفارة يمين، هل تأخذ من مال زوجها إذا كانت لا تملك مالاً؟ وإذا كانت لم تستطع إلا الصوم، فهل يجب أن تكون ثلاثة أيام متتالية؟
الجواب
إذا أعطاها زوجها من ماله ما تكفر به صح، وإلا فتكفر بالصيام، ويرى كثير من العلماء وجوب التتابع في صيام الثلاثة الأيام، ويرى بعضهم عدم الوجوب، فالأولى التتابع خروجاً من الخلاف.(8/202)
الإكثار من الحلف
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 25/1/1423
السؤال
أصبحت كثيرة الحلف على أبنائي بأني سوف أضربهم وغير ذلك من التهديد والوعيد، وبصراحة حلفي أصبح كثيراً جداً وأنا خائفة من ذلك، ماذا عليّ فعله مع العلم أني لا أحصي كثرة هذا الحلف؟
الجواب
إذا كان هذا الحلف يأتي على لسانك من غير قصد فهو من لغو اليمين، وليس فيها كفارة، أما إن كنت تقصدين اليمين فعلاً وهو على مستقبل ولم يحصل ففيه كفارة يمين، لكن يظهر من السؤال أنه من لغو اليمين وهو كثير عند الأمهات.
وعلى كل حال يجب أن تبتعدي عن عادة الحلف والإكثار منه كما قال - تعالى -: " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ... " [البقرة:224] . والله الموفق.(8/203)
يمين الغضبان
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 19/04/1425هـ
السؤال
ما حكم الحلف إذا كان الشخص غضبانَ ولا يعي ما يقول؟ وهل يُكفِّر؟
الجواب
إذا حلف الشخص في حال الغضب الشديد الذي لا يعي فيه ما يقول، ولا يدري ما حلف فلا كفارة عليه؛ لأنه في حكم المكره، فيدخل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ابن ماجة (2043) وصححه الألباني، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا طلاق في إغلاق" ابن ماجة (2046) وأحمد (25828) وحسنه الألباني.(8/204)
نذر إحياء العرس بفرقة شعبية
المجيب د. خالد بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 9/2/1423
السؤال
لقد نذر والدي -رحمه الله- أنه عندما سيتزوج أبناؤه سوف يحضر لهم فرقة شعبية لإحياء العرس، فهل لنا أن نوفي له بهذا النذر؟
الجواب
إن وجد من الفرق الشعبية من يحيي العرس بما أحل الله، كما يفعل بعض أهل الخير، ممن يوفر للناس اللهو المباح بدلاً عن اللهو المحرم فهذا نذر مباح، تخير بين الوفاء به بإحضارها، وبين عدم الوفاء به، لما روى البخاري (6074) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "بينما النبي -صلى الله عليه وسلم-يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه. فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال: مره، فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه" فلم يلزمه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بالاستمرار في الطاعة، وهو الصوم، دون غيره، فدل على أن نذر المباح لا يلزم الوفاء به.
فإن لم تجد إلا الفرق الشعبية التي تحيي العرس بمعصية الله، كالغناء، وآلات اللهو، كالموسيقى، والطبول فلا يجوز أن تفي بنذر والدك؛ لأنه نذر معصية، وهو لا يجوز الوفاء به؛ لما رواه البخاري (6696) من حديث عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:" من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه"، وما رواه مسلم (1641) عن عمران -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:" ... لا وفاء لنذر في معصية ... "، ولذا من أهل العلم من يرى أن هذا النذر المحرم غير منعقد أصلاً.(8/205)
وإن كفّرت عن عدم الوفاء بهذا النذر، سواء في الصورة المباحة، أو المحرمة فحسن، وكفارته كفارة الحنث في اليمين؛ لأن طائفة من أهل العلم ذهبوا إلى إيجاب كفارة الحنث في اليمين، على ترك الوفاء بالنذر، ولو كان نذر معصية، مستدلين بذلك بما رواه أبو داود (3322) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" ... ومن نذر نذراً في معصية فكفارته كفارة يمين ... " قال ابن حجر: وإسناده صحيح، إلا أن الحفاظ رجحوا وقفه على ابن عباس، ولما رواه الخمسة (أبو داود (3293) والترمذي (1544) والنسائي (3815) وابن ماجة (2134) وأحمد (17306)) وحسنه الترمذي من حديث عقبة بن عامر قال: "نذرتْ أختي أن تمشي حافية غير مختمرة، فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن الله -عز وجل- لا يصنع بشقاء أختك شيئاً، مرها فلتختمر، ولتركب، ولتصم ثلاثة أيام".
وقد روي القول بالكفارة عن طائفة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم: ابن مسعود، وابن عباس، وعمران بن حصين، وسمرة بن جندب -رضي الله عنهم-.(8/206)
القسم على الله
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 22/9/1423هـ
السؤال
ما ضابط الحلف على الله؟ "قوم لو حلفوا على الله لأبرهم".
الجواب
الوارد في هذا حديث حارثة الخزاعي: "ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جوَّاظٍ مستكبر" (رواه البخاري 4918) .
وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "ربّ أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" (رواه مسلم 2854) .
وحديث أنس في قصة الربيع بنت النضر التي كَسَرت ثنية جارية، فطالب أهلها بالقصاص، فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنية الربيع يا رسول الله، لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال يا أنس كتاب الله القصاص، فرضي القوم وعفوا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره" (رواه البخاري 2703) .
والمقصود: أن من عباد الله من لو حلف يميناً على وقوع شيء طمعاً منه في كرم الله بإبراره لأبره، أي أوقعه الله إكراماً له، وصيانة له من الحنث لعظم منزلته عند الله.
وليس مراد أنس بن النضر في القصة السابقة رد حكم النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل المراد الرغبة إلى مستحق القصاص أن يعفو، وإلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في الشفاعة إليهم في العفو، وإنما حلف ثقة بهم ألا يحنثوه، أو ثقة بفضل الله ولطفه ألاّ يحنثه بل يلزمهم العفو، فعلم بهذا أن هذا القسم لا يتأتى من كل أحد، بل من المؤمنين الصالحين في حدود ضيقة، ولذلك لم يشتهر مثل هذا القسم عند السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وهم من نزل القرآن وجاءت السنة بالثناء عليهم والرضا عنهم، وأنّى لنا بمثل هؤلاء؟(8/207)
كفارة النذر
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 19/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا نذرت إذا عملت ذنبا وهو (النظر إلى النساء) أن أصوم ثلاثة أيام كل مرة أنظر فيها إلى النساء, ولكن بعدها نظرت إلى النساء أكثر من مرة, الذي عملته:- أنني في البداية صمت ثلاثة أيام متقطعة عن كل يوم نظرت فيه إلى النساء، (لعدم علمي بالصوم لثلاثة أيام متواصلة للنذر) , ولكن بعد ذلك بدأت أصوم ثلاثة أيام متواصلة عن كل يوم نظرت فيه إلى النساء. سؤالي:
(1) لقد كثر علي الصيام, فهل أستطيع أن أوقف النذر؟
(2) لقد صمت في بداية أمري ثلاثة أيام متقطعة عن كل نذر, فهل يقبل صومي؟
الجواب
الأولى لك في هذا الأمر أن تبقى على ما عاهدت عليه الله من عدم النظر، لما صح في البخاري (6696) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنه قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه"، وعليه فإن خالفت فوقعت فيما نذرت تركه من المعصية فعليك كفارة يمين فحسب، وذلك لأن نذرك هذا يسمى نذر اللجاج والغضب، وهو: أن يعلق المسلم نذره بشرط يقصد منه الحمل على فعل شيء أو التصديق أو التكذيب، لحديث عمران - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين" رواه النسائي (3842) ، والبيهقي (10/70) وغيرهما، والله أعلم.(8/208)
وقت الاستثناء في اليمين
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 7/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما هو القول في الاستثناء في اليمين أو في الكلام هل يصح الاستثناء بعد مدة طويلة أو بعد سنة مثلاً؟ وإن قال للحالف أحد: قل إن شاء الله فقال: هل يصح هذا الاستثناء؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله، جاء في الحديث الصحيح أن "من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث" انظر البخاري (5242) ، ومسلم (1654) ، وقال سبحانه وتعالى:"ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله" [الكهف: 22-23] ، والمعروف أنه يشترط لترتب الأحكام على الاستثناء إذا اتصل بالكلام، أما إذا انقطع الكلام قبل الاستثناء لم يكن للاستثناء أثر في تقييد اليمين أو غيره مما يدخله الاستثناء، نعم الاستثناء المتأخر يمكن أن يتحقق به امتثال قوله تعالى:"ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله"، كما جاء هذا المعنى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير هذه الآية، أما أن يكون لهذا الاستثناء المتأخر أثر في مقتضى الكلام المتقدم فلا، لأنه قد انقطعت صلته به، ولو حلف الإنسان ولم يقل إن شاء الله ثم ذُكر فقال إن شاء الله، فهذا يرجى أن ينفعه فيما يرجوه من الله، كما جاء في قصة نبي الله سليمان كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فطاف عليهن جميعاً فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجل، وأيم الذي نفس محمد بيده، لو قال: إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون" رواه البخاري
(6639) ومسلم (1654) .(8/209)
نذرت تركيب لولب لمنع الحمل
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 26/5/1424هـ
السؤال
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد: أنا فتاة متزوجة وخلفت بنتاً واحدة، وبعدها بأربع أشهر انقطعت عني الدورة لمدة شهرين، ولم أكن أرغب في الحمل فقلت (نذرا علي إن لم أكن حاملاً سوف أركب اللولب المانع للحمل) ، وبعدها نزلت الدورة ولم أكن حاملاً، ولم أركب اللولب، فماذا يترتب عليَّ في النذر الذي نذرته بتركيب اللولب؟ ولكم جزيل الشكر، وجزاكم الله عني وعن المسلمين خير الجزاء.
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
الجواب
هذا النذر يتردد بين أمرين: إما أن يكون نذراً محرماً، أو نذراً مكروهاً، فأقل أحوال هذا النذر الكراهة، فحينئذ فالأرفق بها والأفضل لها أن تكفر عنه كفارة يمين، ولا تفي بهذا النذر، لأن تكثير الأمة ندب إليه الشرع، فالنبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" رواه أبو داود (2050) ، والنسائي
(3227) من حديث معقل بن يسار -رضي الله عنه- والمرأة يجوز لها أن تركب اللولب عندما تتضرر بتوالي الحمل من الناحية الصحية، أو من الناحية الاجتماعية، كما لو شق عليها تتابع أولادها وتقارب أعمارهم، وأرادت أن تؤجل سنة أو سنتين، حتى تتحسن صحتها، ويرتفع ولدها، فهذا من الأمور الجائزة، وعلى كل فهذه عليها كفارة يمين؛ تطعم عشرة مساكين، لكل واحد كيلو ونصف من طعام أهل البلد، أو أن تكسوهم، هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(8/210)
النذر إن فاز فريقه
المجيب نزار بن صالح الشعيبي
القاضي بمحكمة الشقيق
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 30/3/1424هـ
السؤال
زميلي في العمل مشجع لفريق كرة قدم، قال في أحد المباريات: إنه (إذا فاز فريقه فسيذبح ذبيحة) ، هل في هذا اللفظ منكر؟ وهل يؤكل من هذه الذبيحة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد: أخي السائل أسال الله أن يهدي زميلك إلى السمو باهتماماته، وأن لا يضيع ماله في مثل هذه الأمور التافهة، ولو أن هذا المال الذي بذله لانتصار فريق كرة قدم بذله فيما يعود إليه بالنفع في دنياه أو دينه لكان خيراً له، وليته يسأل نفسه ما المنفعة التي سيجنيها هو أو فريقه من هذا التصرف المذموم شرعاً؟!
وزميلك أخي السائل نذر بأنه إذا فاز فريقه بأن يذبح ذبيحة "ولا نزاع في صحة النذر ولزوم الوفاء به في الجملة" [المرداوي في الإنصاف باب النذر] وقال الله -تعالى- "يوفون بالنذر" [الإنسان:7] وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" رواه البخاري (6696) ، وغيره من حديث عائشة - رضي الله عنها-، ولكنه مكروه، قال ابن قدامة في الشرح الكبير باب الفقر فصل: "ولا يستحب النذر" لأن ابن عمر - رضي الله عنهما - روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النذر، وقال: "إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل" متفق عليه عند البخاري (6608) ، ومسلم (1639) ، واللفظ له، وهذا النهي للكراهة، لا نهي تحريم، لأنه لو كان حراماً لما مدح الموفين به، لأن ذنبهم في ارتكاب المحرم أشد من طاعتهم في الوفاء به، ولأن النذر لو كان مستحباً، لفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفاضل أصحابه) أ. هـ.
وما تقدم يشمل ما لو علق النذر على أمر فيه منفعة له فكيف بحال السائل، فسيكون بلا شك مكروهاً، وعلى كل حال فإن على زميلك الذبيحة إذا فاز فريقه؛ لأنه نذر أن يطيع الله -تعالى-، فعليه أن يطيعه، كما عليك نصحه أن يكف عن النذر عموماً، وأحرى إذا كان في أمور تافهة، والله أعلم.(8/211)
نذر فلم يستطع الوفاء
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 06/04/1426هـ
السؤال
نذرت نذراً، لئن أتم الله لي مسألتي لأصومنَّ يوماً، وأفطر يوماً، ثم أجاب الله مسألتي، لكنني لم أستطع أن أفعل ذلك، فماذا أفعل؟.
الجواب
أولاً: إن كان يقدر على صيام يوم وفطر يوم فإنه يلزمه ذلك؛ لأن هذا نذر طاعة، ونذر الطاعة يجب الوفاء به، والنبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه" رواه البخاري (6696) من حديث عائشة-رضي الله عنها-.
وأما إذا كان لا يستطيع، بمعنى أنه يشق عليه مشقة لا يتمكن معها من الاستمرار على ذلك، فإنه يكفر كفارة يمين، وهي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو عتق رقبة، فإن لم يجد هذه الأشياء الثلاثة فإنه يصوم ثلاثة أيام.(8/212)
حلف ألا يدخل منزلاً ودخله
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 17/9/1424هـ
السؤال
عقدت اليمين على ألا أدخل منزل شخص قريب لي بسبب خلاف حصل لي معه في يوم من الأيام، وبعد ذلك اضطررت إلى دخوله مرة أخرى، فهل علي كفارة لذلك؟ مع العلم أنه تكرر معي ذلك في منزل شخص آخر، وهل يلزمني قضاء كفارتين أم الاكتفاء بواحدة؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الأولى لك أن تكفر عن يمينك الأولى فتدخل منزل قريبك، وكذلك تكفر عن يمينك الثانية كفارة أخرى وتدخل منزله، وكفارة اليمين خير من اللجاج بها، والاستمرار عليها، ما دام قريباً لك، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إني والله إن شاء الله ما حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها"، وإذا تعددت الأيمان في موضوع واحد فكفارة واحدة، وإذا تعددت الأيمان في موضوعين أو مواضيع متعددة فلكل يمين كفارة، فمثلاً إذا حلفت ألا تدخل دار زيد فنقول: عليك كفارة، وإذا حلفت ألا تدخل دار عمرو فعليك في هذا كفارة واحدة، إلا إن كنت حلفت عليهما بيمين واحدة بألا تدخل دار زيد ولا دار عمرو فحينئذ تكون كفارة واحدة.(8/213)
نذر الصوم إن عصى
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 8/6/1424هـ
السؤال
قلت لنفسي والله إن فعلت كذا (وهي معصية) فسوف أصوم ثلاثة أيام. وذلك رغبة مني، كي لا أعمل هذا العمل، ولكن للأسف فعلته، فماذا علي؟ هل أصوم كما قلت أم عليَّ كفارة يمين. جزاكم الله خيراً.
الجواب
عليك أن تصوم ثلاثة أيام وتستغفر الله وتتوب إليه عما عملت، ولا تعد إلى معصية الله مرة أخرى.(8/214)
اليمين بالكفر على ترك الخمر
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 29/11/1424هـ
السؤال
هو سؤال لصديق لي. كان صديقي يشرب الخمر، ولكنه أقلع عنها، ولكن والده اضطره أن يقول هذه اليمين: والله العظيم لأكونن كافراً لو شربت ثانياً. وهو الآن يعيش في دولة أجنبية، فإذا شرب في يوم ما الخمر فما هو حكم اليمين الذي قاله؟ هل سيكون كافراً أم يصوم ثلاثة أيام؟
الجواب
شرب الخمر محرم، ولا يجوز وهو من كبائر الذنوب، والله - عز وجل - يقول:"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه" [المائدة:90] ، وأيضاً النبي -عليه الصلاة والسلام- لعن الخمر وشاربها وعاصرها ومعتصرها ... ، انظر: الترمذي (1295) وأبا داود (3674) وابن ماجة (3380) والإجماع منعقد على ذلك، ولهذا وجب فيها الحد على من شربها، وأنصح أخي السائل أن يقلع عن المحرم، وأن يستعين بالله، ويتوكل عليه.
أما إذا شربها فإنه لا يكون كافراً، وإنما يجب عليه أن يكفر كفارة يمين، وكفارة اليمين هي أن يطعم عشرة مساكين أو أن يكسوهم أو يعتق رقبة، فإذا لم يجد ذلك يرجع إلى الصيام فالصيام لا يكفِّر به حتى يعجز عن التكفير بالمال، يعجز عن التكفير بالإطعام أو الكسوة أو التحرير.(8/215)
الحلف بالقرآن الكريم
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 10/6/1425هـ
السؤال
ما حكم الحلف بالقرآن الكريم؟ أو بسورة من سوره، كأن يقول: بحق سورة يس لأفعلن كذا؟.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
فهاتان مسألتان:
الأولى: الحلف بالقرآن أو ببعضه فهذا جائز؛ لأن القرآن كلام الله، وكلامه صفة من صفاته -سبحانه وتعالى- والحلف بالله أو بصفة من صفاته جائز.
ودليل ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله وإلا فليصمت" رواه البخاري (6108) ، ومسلم (1646) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
الثانية: الحلف بحق القرآن أو بعضه، فهذا جائز إن كان المقصود بحق القرآن صفة من صفات الله كحفظ الله -تعالى-للقرآن.
أما إن كان المراد بحق القرآن ما هو صفة للمخلوق كتعظيم المخلوق للقرآن فلا يجوز الحلف به بهذا المعنى؛ لأن صفة المخلوق مخلوقة، ولا يجوز الحلف بالمخلوق بل هو من الشرك.(8/216)
الحلف بالعهد
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 23/10/1424هـ
السؤال
أسأل عن العهد، وهل إذا قلت: إني أعاهد ألاّ أدخل بيت فلان فإني أكون مجبور على عدم الدخول مهما حصل، ومهما طالت المدة؟ أرجوكم أريد الإجابة الشافية؛ لأني سمعت أني لو عاهدت بشيء وعملته سوف أتضرر ويتضرر أبنائي، أرجوكم أريد جواباً سريعاً وأكيداً.
الجواب
إذا كنت قد حلفت بالعهد فقلت:"وعهد الله" فذلك يمين يجب تكفيرها إذا حنثت فيها على الراجح من أقوال أهل العلم، وهذا مذهب مالك والحنابلة وغيرهم.
وأنت إذا عاهدت ألا تدخل بيت أحد من الناس ففيه تفصيل كما يلي:
1-إن كان هذا البيت لأحد ذوي رحمك الذين تلزمك صلتهم فالواجب الحنث باليمين وأداء الكفارة وزيارتهم.
2-وإن كان هذا البيت لمن لا يلزمك دخول بيتهم شرعاً فلا يخلو من حالتين:
أ-أن تكون زيارتهم فيها مصلحة شرعية، وبيتهم خالٍ من المنكرات والمعاصي فالأفضل الحنث باليمين وأداء الكفارة وزيارتهم.
ب-ألا يكون في زيارتهم مصلحة شرعية، وبيتهم غير خال من المنكرات والمعاصي، ولا تقوى على الإنكار عليهم أو لا يستجيبون لمن أنكر عليهم فلا تحنث بيمينك.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني"، أخرجه البخاري (6623) ، ومسلم (1649) من حديث أبي موسى -رضي الله عنه-، والله أعلم.(8/217)
الفرق بين اليمين والنذر
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 13/09/1425هـ
السؤال
ما الفرق بين اليمين والنذر في كتب الفقه؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اليمين هو توكيد المحلوف عليه بذكر اسم من أسماء الله أو صفة من صفاته وما ألحِق بذلك.
وأما النذر فهو: إيجاب المكلف على نفسه أمرًا غير واجب.
هذا هو الفرق بينهما، والنذر له أحكام، وقد يأخذ حكم اليمين إذا قصد فيه الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، ولو كان بالصدقة على عباد الله، مثل لو قال: إن لم أسافر اليوم إلى مكة فعليّ أن أصوم شهرًا، أو أتصدق بألف ريال، فهذا حكمه حكم اليمين. والله أعلم.(8/218)
نذرت التبرع لجهة فوجدت أحوج منها
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 5/10/1424هـ
السؤال
لقد قمت بالحلف بالله بأنني إذا أنجبت دون إجراء عملية قيصرية سوف أتبرع بمبلغ من المال لجهة معينة، وبالفعل والحمد لله أنجبت كما تمنيت بدون إجراء عملية وكانت الولادة طبيعية، ولكنني عندما أردت أن أفي بنذري وجدت أن هناك أسرة فقيرة وهي أحوج إلى المال من الجهة الأخرى التي كنت أنوي التبرع لها، أفتوني ماذا أفعل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا كانت هذه الجهة التي نذرت لها تستعين بالمال على طاعة الله فعليك الوفاء بالنذر كما نذرت ولا تصرفيه إلى غيرها، لأن الله تبارك وتعالى امتدح الموفين بالنذر، قال تعالى: "يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً" [الإنسان:7] واعلمي أن النذر كما قال عليه الصلاة والسلام: "لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل" البخاري (6608) ، ومسلم (1639) ، والأفضل للمسلم والمسلمة أن يتصدق بما يريد أن ينذر به، ويسأل الله ما أحب من خيري الدنيا والآخرة، أما إذا نذر وتحقق له ما نذر من أجله فيجب عليه الوفاء بالنذر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" البخاري (6696) .(8/219)
اليمين على عدم تأخير الصلاة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 30/4/1424هـ
السؤال
أنا كنت قد قطعت يميناً على أن لا أؤخر الصلاة عن وقتها لعذر تافه، لكني أحس أنني لم أفِ بيميني، علماً بأنني أحاول، لكن أحياناً أنام عن صلاة العصر إلى الساعة الرابعة، وبالمدرسة أنا أريد أن أصلي أول ما يدخل الوقت وإذا لم أفعل هذا أحس أنني لم أفِ بيميني ماذا أفعل؟ أفيدوني.
الجواب
الواجب على المسلم الاهتمام بالصلاة وأداؤها في وقتها سواء قطع يميناً بذلك أو لا؛ لقوله تعالى:"إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً" [النساء: 103] أي: مفروضاً في الأوقات، وما دمت تصلي الصلاة قبل خروج وقتها فقد وفيت بيمينك وإذا صليت العصر في الوقت الذي ذكرت فهي في وقتها، ولا يخرج وقت العصر إلا بغروب الشمس، ولا يخرج وينتهي وقت الاختيار إلا باصفرار الشمس.(8/220)
النذر لمنع النفس من المعصية
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 8/6/1425هـ
السؤال
نذرت أكثر من نذر بصوم شهرين متتابعين، وأيضاً بصوم أربعين يوماً، وبصوم عشرين يوماً إن أنا عدت لعادة التدخين, ولكن -للأسف- ضعفت نفسي وعدت إليه، وأنا مستعد لصوم عشرين يوماً، وأيضاً أربعين يوماً، ولكن الشهرين المتتابعين أجد نفسي غير قادر على صيامهما. فما هي كفارتي؟ أفيدوني -جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إذا نذرت صوم الشهرين، وقلت: إن أنا عدت إلى التدخين فعلي صيام شهرين متتابعين، فهذا النذر قٌصد به المنع والامتناع عن التدخين، فيكون حكمه حكم اليمين، كما ورد عن الصحابة -رضي الله عنهم-، وعلى هذا تكفِّر كفارة يمين، إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم تستطع فصم ثلاثة أيام متتابعة، ومثل ذلك أيضاً بقية النذور إذا كان قصدك الامتناع بها عن التدخين، فإن حكمه حكم اليمين، تكفر كفارة يمين كما سلف، أما إذا كان النذر ليس كذلك، وإنما نذرت لله عبادة، قلت: لله عليَّ أن أصوم شهرين متتابعين، أو أصوم عشرة أيام، أو أصوم عشرين يوماً ... إلخ، ففي حديث عائشة -رضي الله عنها- في البخاري (6696) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه ... " الحديث..، وأنصح الأخ السائل ألا يجعل النذر على لسانه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- نهى عن النذر وقال: "إنه لا يرد من القدر، وإنما يستخرج به من البخيل" رواه البخاري (6609) ، ومسلم (1640) من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-، وأخبر أنه لا يرد القدر.(8/221)
نذرت أن تهب زوجها جميع ما تملك
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 13/8/1424هـ
السؤال
امرأة تحتاج لعلاجات كثيرة حتى يحدث عندها الحمل، وفي وقت كانت فيه يائسة سألها زوجها إن رزقها الله بولد هل تعطيه كل ما لديها من أموال وذهب وكل ما تملك فقالت: نعم، فسألها من يشهد على ذلك فقالت: الله يشهد على ذلك، والآن وقد رزقها الله بالولد فهو يطالبها بهذا الوعد وهي امرأة غربية في بلد زوجها، وتعلم من خلال عشرتها لزوجها أنه إذا حصل على المال فإنه سيتركها وأولادها ويتزوج بغيرها، وأنه إذا أعطته مالها فإنه سيصرفه على مزاجه، فهل هي ملزمة بهذا الوعد وعليها تنفيذه؟ أم أن هناك مخرجاً لا سيما وأنها أشهدت الله سبحانه وتعالى على ذلك؟ أفيدونا وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالجواب: أن ما ذكرتيه في سؤالك شبيه بالنذر، لا سيما وأنك علقت ما وعدت به على حصول الولد، وقلت يشهد الله على ذلك، هذا والنذر يجب الوفاء به إذا كان طاعة أما إذا كان معصية فلا يشرع الوفاء به بل فيه كفارة يمين، هذا وليعلم أنه لا ينبغي للإنسان أن يتصدق بكل ماله مع حاجته إليه، هذا وأرى أنك غير مُلزمة بهذا الوعد الذي تعهدت به لزوجك إن رزقك الله بولد ما دمت تعلمين حسب ما ورد في سؤالك أنه إذا حصل على المال فإنه سيتركك وأولادك، وأنه سيصرفه على مزاجه أو في غير وجهه الشرعي.
هذا ولك أن تعطيه ما تجود به نفسك من مالك تطييباً لقلبه ما دمت قد وعدتيه فيما إذا كان محتاجاً وسينفقه عليك وعلى أولادك، ولا يلزمك ذلك، هذا وأرى أن تكفري كفارة يمين لأن ما ذكرتيه في سؤالك شبيه بالنذر كما تقدم إيضاحه، والله أعلم.(8/222)
عبارة: بالحرام لن تفعلي كذا
المجيب أ. د. حسين بن خلف الجبوري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 23/1/1425هـ
السؤال
ما الحكم الشرعي فيما يلي؟
إذا قال الرجل لزوجته في لحظة غضب: "بالحرام لن تفعلي كذا أو كذا"، ثم قال لها بعد فترة من ذلك: لا مانع إن فعلت. بمعنى أنه يسمح لها أن تفعل ما قد قال لها من أجله بالحرام لن تفعلي. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده، وبعد:
فأقول وبالله تعالى التوفيق والسداد:
أخي السائل: إن الحكم الشرعي المتعلق بسؤالك هو: أن هذا اليمين لا يجوز شرعاً لأنه قسم بغير الله تعالى أو إحدى صفاته - عز وجل- وذلك لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم-: "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" رواه البخاري (2679) ، ومسلم (1646) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- ويمينك هذا يمين بغير الله تعالى، لهذا فهي غير جائزة شرعاً، وبالتالي ليست واقعة لأنك قلت: بالحرام لن تفعلي كذا وكذا فهو يمين باطل، وأنت مؤاخذ وآثم عند الله تعالى؛ لأنك خالفت أوامر الشارع وهي الحلف بغير الله تعالى، فعليك بالاستغفار والتوبة والندم، وألا تعود إلى هذا ثانية، أما السماح للمرأة بعد ذلك بفعل ما نهاها عنه فلا شيء فيه ولا بأس به، ولا يترتب على هذا الفعل مخالفة شرعية. هذا والله أعلم بالصواب.(8/223)
النذر المعلق
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 22/2/1425هـ
السؤال
نذر شخص نذرا - وحينها كان يجهل حكم النذر ولما عرف الحكم ندم على ذلك- والنذر هو أنه قال إن قتل شخص من العدو فسوف أتصدق بكذا، الإشكال أنه لا يحب أن يفعل شيئا مكروها وثانيا أن العدد لن يكون معروفا بالتحديد، وثالثا أن المدة لبقاء العدو مجهولة. فهل يجوز له أن يكفر كفارة يمين لتبرأ ذمته والله يحفظكم ويرعاكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولاً: النذر مكروه، لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - نهى عن النذر، وقال: "إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل" رواه البخاري (6608) ، ومسلم (1639) من حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-. وذهب بعض أهل العلم إلى تحريمه، وأما إذا نذر الإنسان طاعة، فإنه يجب عليه أن يوفي بها، لحديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" رواه البخاري (6696) فيجب عليه أن يوفي بذلك، وما دام أنه نذر إذا قتل أحد من الأعداء أن يتصدق، فعليه أن يتصدق حين يعلم بقتله أي عدو من الأعداء، إلا إذا خصص ذلك بمكان أو في زمان، أما إذا لم يخصص فإنه إذا علم فإنه يجب عليه أن يتصدق، أما إذا جهل فإنه لا يجب عليه؛ لأن الأصل براءة ذمته.
وأما كونه يكفر كفارة يمين فهذا ليس ظاهراً، لأن هذا نذر قربة وطاعة يجب عليه أن يوفي به، ما دام مستطيعاً.(8/224)
القسم بغير الله
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 9/3/1425هـ
السؤال
قرأت البيت التالي:
قسماً بالنازلات الماحقات***والدماء الزاكيات الطاهرات
فهل يجوز القسم بغير الله هنا؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
القسم بالشيء تعظيم له، فالعبد يجب ألا يعظم غير الله، فلا يقسم إلا بالله - سبحانه- ولذلك لا يجوز القسم بالأشياء المذكورة في سؤالك، ولا بغيرها من المخلوقات؛ لأن ذلك شرك، كما في الحديث الصحيح: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" رواه التمرذي (1535) وأبو داود (3251) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، ولشناعة القسم أو الحلف بغير الله قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "لئن أحلف بالله كاذباً أهون علي من أحلف بغيره صادقاً" رواه عبد الرزاق في المصنف (15405) وغيره، فالكذب منكر عظيم؛ كما في الحديث: "وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً"، رواه البخاري (6094) ومسلم (2606) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - وفي الحديث قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيكون المؤمن جباناً؟ فقال: "نعم"، فقيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ فقال: "نعم" فقيل له: أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال: "لا" رواه مالك في الموطأ (1819) ، فابن عمر مع سوء الكذب كما سبق رأى أنه أهون من القسم بغير الله، وأرى أن صحة البيت المذكور في السؤال من حيث المعنى:
قسماً برب النازلات الماحقات*** والدماء الزاكيات الطاهرات. والله أعلم.(8/225)
هل هذه يمين غموس؟
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 07/04/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت أقيم مع أسرتي في إحدى البلاد العربية، ثم التحقت بالجامعة في بلدي الأصل، وألغيت إقامتي وتخرجت من الجامعة، ثم أتيحت لي فرصة لزيارة ذلك البلد، ليس للعمل، وهناك قانون في بلدنا يحظر السفر من دون تأدية الخدمة الوطنية لكل خريج، مع العلم أني ذاهب لزيارة الأسرة فقط، ليس للعمل، فحظر جوازي، ومن ثم جئت بما يثبت أنني مازلت طالباً في الجامعة، وحلفوني بالله على ما قلت، واضعاً يدي على المصحف، فحلفت على ذلك وهو كذب، هل يعد هذا يمينا غموساً؟ مع العلم أنني لم أتعد على حق أحد، ولا أريد العمل هناك، وكان من الصعب جداً أن أتمكن من السفر من غير ذلك الأسلوب الذي اضطررت إليه، وكيف لي أن أبرئ ذمتي من هذا الذنب الكبير؟ علماً أني لا اعتراض لي على أداء هذه الخدمة التي تبلغ عاماً أو يزيد، ولا يمكنني أداؤها إلا بعد عام ونصف؛ لأنني تخرجت من كلية الطب، مع العلم أني ذاهب لزيارة والدي. أرجو الإفادة، والسلام عليكم ورحمة الله.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نعم عملك هذا فعل محرم؛ فكون الإنسان يحلف على شيء مضى وهو كاذب هذه هي اليمين الغموس، التي تغمس صاحبها في النار، وهو من كبائر الذنوب، وليس له كفارة؛ لأنه أعظم أن يُكفَّر، وإنما عليك أن تتوب إلى الله، وتبكي على خطيئتك، وتكثر من العمل الصالح؛ لعل الله -تعالى- أن يتوب عليك، وما ذكرته من تعليلات كلها لا تسوغ لك الحلف بالله كاذباً. وبالله التوفيق.(8/226)
الحلف على ما غلب عليه الظن
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 14/08/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ، حفظه الله:
ما حكم من ألزم الحلف على المصحف من قبل الدولة لإنهاء إجراء معين، وهل الحلف على أني مولود في مكان معين حسب ما سمعت من والدتي فيه شيء. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لا يجوز للمسلم أن يحلف على ما يعلم كذب نفسه فيه، ويجوز له أن يحلف على ما استفاض وعلى غلبة ظنه، وعلى ما سمعه من أهله فيما ليس بكذب، لقول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: واللهِ مَا بينَ لاَبَتَيْهَا أهلُ بيتٍ أَفْقَرُ مِن أَهْلِ بَيْتِي. أخرجه البخاري (1936) ومسلم (1111) . والله أعلم.(8/227)
نذرت ترك المحرمات إن شفي ابنها
المجيب د. محمد بن عبد العزيز المبارك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 26/10/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: نذرت أخت لي، مرض ابنها بالقلب، إن شفي ابنها بعد العملية أن تقاطع كل المحرمات من أغان، أو تلفاز، أو أعراس يغنى بها، وبعد أن شفي ابنها طبقت ما نذرت به، ولكنها وجدت نفسها بدأت تبتعد عن أهلها والناس لمقاطعتها لحفلاتهم وجلساتهم، علمًا أنها عندما تذهب لهذه الأماكن لا تقصد المتعة إنما تلبية دعوة أخت.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
بداية أود أن أحذر إخواني الكرام من التمادي والتساهل في النذر، حتى لو كان نذر طاعة أو ترك معصية؛ فإن النذر أقل أحواله أن يكون مكروهًا، ومن العلماء من حرمه، وذلك لما جاء في الأحاديث الصحيحة من النهي عنه، ومن ذلك: ما صح عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يَنْهَانَا عَنْ النَّذْرِ وَيَقُولُ: "إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الشَّحِيحِ". أخرجه البخاري (6608) ومسلم (1639) . وما صح من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه نهى عن النذر. وقال: "إِنَّهُ لَا يَرُدُّ مِنْ الْقَدَرِ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ". أخرجه البخاري (6609) ومسلم (1640) .(8/228)
وبالنسبة للسؤال الوارد هنا: فإن النذر فيه نذر واجب الوفاء؛ لأن المنذور هنا ترك معصية من الأغاني ونحوها، وهذا الترك واجب ولو لم يحصل نذر، فإن حصل النذر بتركه كان أشد تحريمًا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله: (الذي يحلف على فعل ما يجب عليه، من الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وطاعة السلطان، ومناصحته وترك الخروج، ومحاربته، وقضاء الدَّين الذي عليه، وأداء الحقوق إلى مستحقيها والامتناع من الظلم والفواحش، وغير ذلك، فهذه الأمور كانت قبل اليمين واجبة، وهي بعد اليمين أوجب، وما كان محرمًا قبل اليمين فهو بعد اليمين أشد تحريمًا، ولهذا كان الصحابة، رضي الله عنهم، يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم على طاعته والجهاد معه، وذلك واجب عليهم ولو لم يبايعوه، فالبيعة أكدته، وليس لأحد أن ينقض مثل هذا العقد) .
لكن لا يلزم من الوفاء بهذا النذر (الذي هو واجب ,وإن لم تنذره) قطيعة الرحم وترك الزيارة والمناصحة، بل تزورهم في الأوقات التي لا منكر فيها وتؤدي الواجب الذي لهم، مع تمام الحرص والشفقة والمناصحة. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.(8/229)
الحلف بحياة الله
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 7/07/1425هـ
السؤال
هل يجوز القسم بحياة الله؟ أفيدونا أفادنا وأفادكم الله.
الجواب
الواجب على المسلم -إذا أراد أن يحلف- ألاّ يحلف إلا بالله؛ لأن الحلف بالمخلوق شرك، كما قال صلى الله عليه وسلم: "مَن كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ باللهِ، أوْ لِيَصْمِتْ". أخرجه البخاري (2679) ومسلم (1646) ، وقال: "مَن حلَف بغيرِ اللهِ فقَدْ كفَر أو أَشْرَك". أخرجه أبو داود (3215) ، والترمذي (1535) ، والحلف بصفاته هو في حكم الحلف به، فيجوز أن يحلف الإنسان بعزة الله، وقدرة الله، وحياة الله، وعظمة الله، وبكلمات الله، كما جاء التعوذ بكلمات الله، ولا يجوز التعوذ بمخلوق كما لا يجوز القسم بمخلوق، وكلام الله ليس بمخلوق بل هو صفة من صفات الله سبحانه وتعالى.
ومن الحلف المنهي عنه الحلف بالرسول صلى الله عليه وسلم، أو بالكعبة، كما هي عادة كثير من الناس، فالواجب طاعة الله ورسوله، وذلك بفعل ما أمر الله به، وترك ما نهى عنه، وبهذا تتحقق التقوى التي أمر الله بها جميع الناس ووصى بها المؤمنين ووصى بها نبيه صلى الله عليه وسلم، فتقوى الله جماع الخير، فيجب على المسلم أن يتقي ربه فيما يقول ويفعل، ويأتي ويذر؛ ليفوز بحسن العاقبة، والعاقبة للمتقين. والله أعلم.(8/230)
حلفت على الكذب حياءً!
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 24/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
لدي سؤال، والله إني أخجل من طرحه، حدث موقف لي مع أخي الذي هو أصغر مني بسنين، سألني: هل صليتِ؟ وقد كنت حائضًا، سألني: صليتِ؟ قلت: نعم، وخاصة أن أمي حرصتنا ألا نقول له شيئًا، يعني لا نستطيع الصلاة، وتقول: لا، لا تقلن له ذلك. إجابتي كانت: نعم صليت. وبعدها سألني باستهتار: قولي: والله. فما ملكت إلا أن أقول: والله. وأنا أصلي لست تاركة للصلاة، ولكن سبب تركي عذر الدورة الشهرية، أشعر بالحزن، لماذا حلفت على الكذب، بعدها قلت: صليت على النبي. وأخذت أقولها في خاطري بدون أن يسمعها وأكررها، وأشعر بالحيرة، هل أكفِّر عن قسمي، أم ماذا؟ أريد منكم النظر في مشكلتي، جزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(8/231)
إذا كنتِ قد حلفتِ على أنكِ تقصدين أنكِ صليتِ على النبي صلى الله عليه وسلم- فلا شيء عليك، وأنبهك إلى أن الحلف الذي تجب الكفارة بالحنث فيه، هو الحلف على فعل شيء في المستقبل أو على تركه، ثم يفعل ما حلف على تركه أو يترك ما حلف على فعله، فهذا هو الذي تجب فيه كفارة اليمين، أما الحلف على أمر ماضٍ فلا كفارة فيه، حتى ولو كان الحالف كاذبًا، ولا يعني هذا أنه من الصغائر، أو أنه لهوانه لا تجب فيه الكفارة، بل هو حلف على الكذب وهو من الكبائر، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم- اليمين الغموس. أخرجه البخاري (6675) - أعني الحلف على الكذب على أمر ماضٍ- وقال أهل العلم: سُميتْ غموسًا لأنها تغمس صاحبها في النار. فلكِ مندوحة عن الكذب في اليمين بالتأوُّل فيه، كأن تقولي: والله قد صليت- وتعنين على النبي صلى الله عليه وسلم، أو تعنين صلاة معينة قد صليتِها، وإذا ألزمك تعيين صلاة معينة لم تصليها بأن تقولي: والله قد صليت صلاة المغرب هذا اليوم. وأنت لم تصليها للحيض، فأرى أن تتفادي الوقوع في اليمين الغموس بأن تصرحي له بحقيقة الأمر، ويجب أن يكون حياؤنا من الله أعظم من حيائنا من الناس. والله أعلم.(8/232)
حلف عليها بالطلاق ألا تُكلم أختها
المجيب البندري بنت عبد العزيز العمر
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 21/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي هو: أن زوجي اختلف مع زوج أختي في موضوع، وأدى ذلك إلى حلف زوجي علي بيمين الطلاق إن اتصلت بأختي سواء عن طريق المكالمة أو الزيارة لها، علمًا بأن أختي تتصل لكن لا أستطيع أن أكلمها. أفيدونا أثابكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أختي الفاضلة: الحلف بيمين الطلاق ليس طلاقًا في أصح قولي أهل العلم، وذلك أن المراد منه المنع عن إتيان المحلوف عليه، وعليه: فلو خالفتِ لا يقع الطلاق، وإنما يلزم الزوج كفارة يمين تُخرَج من ماله أو يُتبرع بها عنه، وأنصحك بالبحث عمن يتوسط ليصلح بينه وبين زوج أختك، فلا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق الثلاث، وكما تعلمين أن عمل من وقع بينه وبين أخيه المسلم شحناء لا يُعرض على الله عز وجل، بل يقول سبحانه: "أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا". أخرجه مسلم (2565) . فذكِّريه بذلك، أما أختك فصِلِيها؛ فهي من الرحم التي يجب أن تُوصَل، وحاولي التوفيق ما استطعتِ، وسددي وقاربي حتى لو دعت الحاجة إلى إخفاء الأمر عن الزوج والتورية وما أشبه ذلك؛ "لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ". كما ورد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، أخرجه مسلم (1840) . فالطاعة العمياء ليست من الدين في شيء. يسر الله أمرك، وأصلح زوجك، وهداه والمسلمين إلى خير ما يحبه ويرضاه.(8/233)
نذر أن يتصدق وراتبه لا يكفي نفقته
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 16/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد نذرت على نفسي قبل أن أعمل إذا تحصلت على عمل بأن أقوم بالتصدق بنسبة عشرة بالمائة من مرتبي شهريًّا، والحمد لله، حتى الآن أنا موفٍ بنذري, وإني أيضًا قد خصصت مبلغًا لعائلتي وهو مائة وخمسون دينارًا شهريًّا, لكن في معظم الأحوال يقوم أهلي بصرف المبلغ قبل نهاية الشهر, مع العلم بأني شاب مقدم على الزواج, سؤالي هو: هل يجوز إعطاء الصدقة أو النذر لأهلي؟ علمًا بأني أعمل في الصحراء شهرين ثم أعود للبيت أسبوعين. وشكرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإذا كنت محتاجًا لهذا المبلغ الذي نذرت أن تتصدق به، وترى أن في إخراجه ضررًا عليك من حيث نقص نفقتك على أهلك، أو من حيث تأخير زواجك، فلك أن تتحللّ من نذرك بأن تكفِّر كفارة يمين، وإذا تيسرت أمورك تعود إلى الصدقة، ولك أن تكفر كفارة يمين، وتجعل هذا المبلغ نفقة على أهلك، ولا توقع نفسك في الحرج، والحديث والقاعدة الشرعية يقولان: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ". أخرجه أحمد (2865) وابن ماجه (2341) . ثم إنك تصدقت في شهور مضت وأنت لم تحدد في نذرك أنه مدى الحياة. والله أعلم.(8/234)
إنشاء النذر مستحب أم مكروه؟
المجيب عبد العزيز بن أحمد الدريهم
رئيس كتابة العدل بمحافظة المزاحمية
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 25/02/1426هـ
السؤال
هل النذر بالصوم حلال أم حرام، بمعني أن أقول: إذا أكرمني الله ونجحت فإني أنذر أن أصوم 3 أيام؟ فهل صومي هذا مقبول أم لا؟ وهل هو حلال أم حرام؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عقد النذر في الأصل مكروه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام عن النذر: "إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل" أخرجه البخاري (6608) ، ومسلم (1639) ، وقد قال بعض أهل العلم: إنه محرم.
أما إذا نذر الشخص، فإن كان نذره على عمل طاعة وجب الوفاء به؛ لقوله تعالى: "يوفون بالنذر ويخافون يوماً...." الآية.. [الإنسان:7] ، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "من نذر أن يطيع الله فليطعه.." الحديث أخرجه البخاري (6696) .
وعلى هذا يجب على من نذر الصيام أن يصوم، فإن كان نوى التتابع في صيامه وجب عليه التتابع وإلا فلا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(8/235)
لم يستطع أن يوفي بنذره
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 05/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يا شيخي الكريم: لقد ذهبت إلى العمرة, وفي المدينة المنورة عزمت على ختم القرآن ولم أستطع, فأقسمت أو نذرت (لا أذكر) على ختمه في مكة المكرمة, ولقد حاولت جهدي ولم أستطع، فماذا علي في حالة القسم أو النذر؟ وكيف أدي كفارة اليمين في حالة الإطعام, فإني مثلاً أقسمت في المدينة وأنا الآن في ألمانيا, وقيمة الإطعام لعشرة مساكين هنا في ألمانيا تختلف عنها في مكة المكرمة.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فالجواب: أن على السائل ما دام لم يستطع ختم القرآن بمكة أن يكفِّر كفارة يمين، سواء أكان قسماً أو نذراً؛ لما رواه أبو داود عن ابن عباس - رضي الله عنهما-: "من نذرً نذرًا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين"، وقد روى مرفوعاً وموقوفاً على ابن عباس - رضي الله عنهما-، والموقوف أصح.
هذا وكفارة اليمين هي كما جاء في قوله تعالى: "فكفارته إطعام عشرة مساكين" [الآية رقم 89 من سورة المائدة] .
فعلى من وجبت عليه إخراجها طعاماً أو كسوة؛ لما في الآية ولا يخرج القيمة، ولا تختص بمكان، بل يخرجها في البلد الذي هو فيه أو في غيره. والله أعلم.(8/236)
هل هذا نذر أم وعد؟
المجيب سليمان بن عبد الله القصير
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 25/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
كنت مع أختي نشتري لوازم ولادة لأختنا الصغيرة، وبينما نحن في محل نشاهد الملابس نطقت، وقلت لأختي: يا الله، عندما تنجبين سأجهز لك غرفة المولود، فهل هذا دين علي؟ لا أذكر إذا كنت حلفت أم لا. وأيضاً حينها كنت أعمل لكن عندما أنجبت أختي كنت قد تركت العمل، فهل عندما يتوفر لدي المال يجب أن أفعل ما قلت، أم يسقط عني ذلك؟ لا أدري هل هذا نذر شفهي أم وعد؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن النية معتبرة شرعاً في تحديد ما يلفظ به الإنسان؛ فإن كان ما تلفَّظت به نويت به النذر فإنه يكون نذراً، ويجب عليك الوفاء متى قدرت على ذلك؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" أخرجه البخاري (6696) .
وإن كان وعداً فقط فإنه ينبغي لك الوفاء به ولا يجب؛ قال الإمام النووي: (أجمع العلماء على أن من وعد إنسانا شيئاً - ليس بمنهي عنه - فينبغي أن يفي بوعده , وهل ذلك واجب أم مستحب؟ فيه خلاف بينهم.
ذهب الشافعي وأبو حنيفة والجمهور إلى أنه مستحب , فلو تركه فاته الفضل , وارتكب المكروه كراهة تنزيه شديدة , ولكن لا يأثم. وذهب جماعة إلى أنه واجب , قال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي: أَجَلُُّ من ذهب إلى هذا المذهب: عمر بن عبد العزيز. قال: وذهبت المالكية مذهباً ثالثاً: أنه إن ارتبط الوعد بسبب كقوله: تزوج ولك كذا , أو احلف أنك لا تشتمني ولك كذا, أو نحو ذلك, وجب الوفاء, وإن كان وعداً مطلقاً لم يجب.(8/237)
واستدل من لم يوجبه بأنه في معنى الهبة , والهبة لا تلزم إلا بالقبض, وإنَّ من وعد وفي نيته الإخلاف - يعني لوعده - فهو آثم قطعاً, ويصدق عليه أنه على شعبة من النفاق; لقوله صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا أؤتمن خان". والله أعلم, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(8/238)
يمين الغضبان
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 16/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل صحيح أن الذي يحلف بالله وهو غاضب يجوز له أن يتراجع، ولا يعمل ما حلف عليه إذا كان ذلك أفضل؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا حلف الإنسان بالله وهو غاضب، فإنه لا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون الغضب شديداً، بحيث يغطي على عقله، ولا يشعر بما يقول، فهذا لا يترتب على يمينه شيء.
الثانية: أن يكون الغضب في بداياته؛ بحيث إنه يتصور ما يقول، ويملك نفسه، فهذا يمينه منعقدة، فإن كان حلف على فعل محرم فلا يجوز له أن يفعله، وإن كان على ترك واجب أيضاً لم يجز له تركه، وإن كان على مستحب، فالأولى أن يحنث فيه، ولا يفعل ترك المستحب؛ لقول الله - عز وجل-: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس" [البقرة: 224] ، وأيضاً قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي موسى - رضي الله عنه-: "إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين ثم أرى خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير" رواه البخاري (3133) ومسلم (1649) ، ويكفر الحانث في هذه الحالة عن يمينه كفارة يمين.
الثالثة: أن يكون الغضب متوسطاً؛ بحيث إنه يدرك ما يقول ويتصوره، لكن لا يستطيع أن يملك نفسه، فأوقع اليمين، فهذا لا ينعقد يمينه على الصواب من أقوال أهل العلم. والله أعلم.(8/239)
هل يسوغ التأويل والتورية في الحلف؟
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 13/10/1426هـ
السؤال
رجل طلب من شخص مبلغاً من المال، علماً أن هذا الرجل معروف بالمماطلة في التسديد وادعاء الإعسار، فيطلب منه الدائن أو المقرض أن يحلف أنه ليس معه جنيهٌ واحد، وفعلاً لا يوجد معه جنيه، لكن أقل ورقة نقدية معه هي مائة جنيه أو دولار، فهل يدخل هذا في الكذب في الحلف؟ أم هو من التورية الجائزة؟ وإذا كان حنثا فما الكفارة المستحقة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيرجع في الأيمان إلى نية الحالف إلا في الدعاوى، فلا ينفع التأويل ولا التورية عند الحلف في أداء حقوق الآخرين، بل اليمين تنعقد صحيحه على نية المستحلف، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك" رواه مسلم (1653) ، وعنه - رضي الله عنه - قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اليمين على نية المستحلف" رواه مسلم (1654) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ونظير هذا أن يتأول الحالف في يمينه إذا استحلفه الحاكم لفصل الخصومة، فإن "يمينك على ما يصدقك به صاحبك"، والنية للمستحلف في مثل هذا باتفاق المسلمين، ولا ينفعه التأويل وفاقاً". انتهى من الفتاوى الكبرى (3/192) .
وتكفيره لهذه اليمين لا يُسقط عنه الإثم؛ لأنها من اليمين الغموس، واليمين الغموس لا كفارة لها إلا التوبة لعظمها، قال ابن القيم -رحمه الله-: "التأويل في اليمين نوعان: نوع لا ينفعه ولا يخلصه من الإثم، وذلك إذا كان الحق عليه فجحده، ثم حلف على إنكاره متأولاً، فإن تأويله لا يسقط عنه إثم اليمين الغموس، والنية للمستحلف في ذلك باتفاق المسلمين، بل لو تأول من غير حاجة لم ينفعه ذلك عند الأكثرين" انتهى من إغاثة اللهفان (1/389) .
وأختم بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة"، فقال له رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: "وإن قضيبا من أراك" رواه مسلم (137) من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-. وقال عليه الصلاة والسلام: "من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان" رواه البخاري (2285) ، ومسلم (138) من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصبحه وسلم.(8/240)
تكرار اليمين قبل التكفير
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 21/10/1426هـ
السؤال
أنا -للأسف الشديد-كثيرة الحلف والحنث بيميني التي أقطعها على نفسي وأنا غاضبة؛ لأني سرعان ما أنسى وأسامح، وأريد الآن التكفير عن أيماني أرجو أن تفيدوني بالطريقة الصحيحة، وهل صحيح أن الأيمان المتشابهة تدخل تحت كفارة واحدة؟ وهل يجوز دفع مال مقابل الكفارة، حيث إن هيئة الإغاثة الإسلامية لديها مشروع إفطار صائم، وأفكر أن أدفع لهم الكفارة للمنكوبين في النيجر، فهل عملي صحيح، وإذا كان لديكم طريقة أكثر أماناً لوصول كفارتي أرجو أن تدلوني عليها، وجزاكم الله عنا كل خير.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يعظم اليمين، وأن لا يكثر من الأيمان، وليجاهد نفسه على تركها إن كان قد اعتاد على المبادرة بها حال غضبه أو حديثه مع غيره.
واليمين التي تجب لها الكفارة ما توفر فيها ثلاثة شروط:
الأول: أن تكون مقصودة، بأن يقصد الحالف عقدها على أمر مستقبل ممكن.
الثاني: أن يحلف مختاراً غير مكره.
الثالث: أن يحنث فيها.
وإذا كرر الأيمان ففي ذلك تفصيل:
أولاً: إذا كان تكرار اليمين قبل التفكير على فعل واحد، وموجبُها واحد ثم حنث فيها فعليه كفارة لكل يمين على الراجح، وهو قول أكثر العلماء.
مثاله: أن يقول مرة: والله لا آكل طعام فلان، ومرة أخرى يقول: والله لا أشتري ذلك الشيء، ومرة ثالثة يقول: والله لا أبيت في المكان الفلاني. فهذه أيمان متعددة على أشياء مختلفة، فالصحيح أنه يجب لكل يمين كفارة.
ثانياً: أن تتعدد اليمين والمحلوف عليه واحد، مثل أن يقول: والله لا كلمت فلاناً، ثم يقول والله لا أكلم فلاناً. ويعيده ثالثة، فهذا يجب فيه كفارة.
ثالثاً: أن تكون اليمين واحدة والمحلوف عليه متعدد، مثل: والله لا أكلم فلاناً، ولا أُهدي لفلان، ولا أزور ذلك المكان، فهذا فيه كفارة واحدة.
وأما أنك لا تذكرين عدد الأيمان فتجتهدين وتتحرين عددها وتخرجين كفارات بناء على تَحرِّيك.
ولا يجوز دفع الكفارة نقداً لتفطير الصائمين؛ لأن من الصائمين من لا يكون مسكيناً، ولابد من مراعاة العدد. ولكنه يمكن الاتصال بجمعية خيرية في بلدكم، فإنهم يأخذون مبلغاً من المال ويشترون به طعاماً يطعمون به عشرة مساكين وكالة عمن وجبت عليه اليمين. والله أعلم.(8/241)