وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ َهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ ُبِينٌ" [المائدة:110] فقد ورد فيهما النص على كلامه الناس في مرحلة الكهولة، والكهل في لغة العرب هو من كان بين الثلاثين والأربعين، وخصَّه بعضهم بابن الثالثة والثلاثين، وذكر الأزهري شاهداً على إطلاقه على من فوق الأربعين، لكن الأشهر الأول، قال الطبري وأما قوله: "كهلاً": محنكًا فوق الغُلُومة ودون الشيخوخة (جامع البيان 3: 271) .
ومن ثَمَّ، فإن الله أخبر في الآيتين أن عيسى -عليه السلام- يكلم الناس في المهد وفي هذا معجزة ظاهرة، ويكلمهم حال كهولته، وذلك بعد نبوته وإرساله إلى بني إسرائيل، حصل بهذا أن عيسى -عليه السلام- قد حصل منه التكليم في المهد ببراءة أمه، والتكليم حال الكهولة بالنبوة قبل رفعه إلى السماء، وعلى هذا جمهور تفسير السلف، كما ذكره الطبري وغيره عنهم في تفسير كلامه في مرحلة الكهولة. هذا وقد نصَّ بعض المفسرين على أن هذا التكليم يكون بعد نزوله؛ وهذا صحيح باعتبار كونه رُفِعَ كهلاً، وأنه ينْزل وهو في سنِّ الكهولة. وهذا القول ـ وهو أن يكون مكلمًا للناس بعد نزوله ـ هو من لوازم القول الأول؛ لأنه رُفِع في حال كهولته، وبعد تبليغهم الرسالة في هذه الحال، فإذا نزل فإنه ينزل على ما كان رُفِعَ عليه، والله أعلم. من ثَمَّ فإن هذا المعنى ـ وهو الإشارة إلى نُزوله ـ حصل باعتبارين:(3/301)
الأول: نصُّ بعض المتقدمين على أنه يكلمهم إذا قتل الدجال وهو يومئذ كهل، قاله ابن زيد من مفسري أتباع التابعين، ونصَّ على كونه من آيات عيسى العلامة اللغوي ثعلب، فقد نقل عنه الأزهري قوله: ذكر الله -جلَّ وعزَّ - لعيسى آيتين، إحداهما: تكليمه الناس في المهد فهذه معجزة.
والأخرى: نزوله إلى الأرض عند اقتراب الساعة كهلاً ابن ثلاثين سنة يكلم أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهذه الآية الثانية. تهذيب اللغة (6: 18) .
الثاني: أنه يلزم من رفعه أن يكون نزوله على حاله التي رُفع عليها، وهي مرحلة الكهولة، فيكون نزوله متمِّمًا لكلامه الناسَ في الكهولة، وعلى هذا تكون إشارة إلى نزوله إلى الأرض، وإتمامه بقية حياته فيها، والله أعلم.
وقد يرد السؤال عن سبب الإشارة إلى تكليمه في الكهولة مع أنه يقع من كل الناس.
فالجواب: أولاً: أن آية سورة آل عمران نزلت بشأن نصارى نجران، وفي ذكر تكليمه للناس في الكهولة أنه بشر يمرُّ بأطوار البشر، وليس كما يزعمه النصارى من كونه ولد الله، تعالى الله عن ذلك، أو كونه هو الإله، كما زعمته طائفة منهم أيضًا. وهذا المعنى أشار إليه محمد بن جعفر بن الزبير، ونصَّ عليه الطبري. (تفسير الطبري 3: 272) .
وأما آية المائدة ففيها الإشارة إلى تأييد روح القدس له في حال تكلمه في المهد وفي الكهولة، وكأن فيها إشارة إلى أنه مؤيد بالروح القدس في كل أحواله، والله أعلم.
وهذا يعني اختلاف الاعتبارين بسبب النظر إلى السياق فيهما. والله الموفق.(3/302)
حكم دراسة مادة تطعن في الأنبياء
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 18/12/1424هـ
السؤال
رجل يدرس مادة غربية ضمن دراسته الجامعية، وتحتوي هذه المادة على قصص وقصائد تطعن في كثير من الأنبياء -عليهم السلام-، وتقول: إن النبي محمداً -صلى الله عليه وسلم- في النار والعياذ بالله. هل يجوز متابعة هذه الدراسة أم لا؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإنه قبل الحديث عن جواز متابعة الدراسة فإنه يجب إنكار هذا المنكر بالوسائل المتاحة لكل من علم به أو قدر على إنكاره، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم (49) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
والسائل لم يخبرنا عن اسم الجامعة أو البلد الذي يدرس فيه هذه المادة، وليس هناك منكر أعظم من الطعن في رسل الله -صلوات الله وسلامه عليهم- بل يجب استعمال الوسائل النافعة لتغييره، ومنها مخاطبة المسؤولين بالجامعة، أو بوزارات التربية والتعليم العالي، أو المراكز الإسلامية، أو الغيورين في السفارات الإسلامية، بل وحتى اللجوء إلى القضاء ووسائل الإعلام بعد استشارة أهل الخبرة.(3/303)
أما دراسة تلك المادة فإذا كانت مادة إجبارية ولا بد منها فإنه لا يجوز السكوت على المنكرات التي تتضمنها، وقد قال سبحانه وتعالى: "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً" [النساء:140] ، وقال تعالى-: "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" [الأنعام:68] ، فلا يسع دراسة هذه المادة والجلوس لها إلا ببيان ما فيها من الباطل للأستاذ والطلبة. نسأل الله -تعالى- للسائل التوفيق، وأن يعينه على الصلاح والإصلاح. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(3/304)
فترة حمل وولادة عيسى - عليه السلام-
المجيب د. عبد العزيز بن علي الحربي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 1/1/1425هـ
السؤال
ما هي فترة الحمل والولادة لسيدنا عيسى بن مريم - عليه السلام-؟.
الجواب
الحمد لله، هذه المسألة لم ينص على تحديدها القرآن ولا السنة، ويروى فيها عن السلف أقوال مضطربة، لا يصح القطع بواحد منها، فمنهم من قال: كانت مدة حملها ساعة، ومنهم من قال: تسعة أشهر كسائر النساء، وهو مروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما- وقيل: ستة أشهر، وقيل: سبعة أشهر، وقيل: غير ذلك.
فإن كان ثمة ترجيح فهو للقول الأول، لأن الله قال في خلقه: "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون" [آل عمران: 59]] ، ففيه دليل محتمل على أن خلقه كان معجلاً، ويلي هذا القول، القول الثاني: والقائل به يقول: لو كانت مدة حمله مخالفة لعادات النساء لناسب ذكر ذلك ضمن هذه القصة الغريبة، ومع ذلك فليست هذه المسألة مما تحرك الهمم لاستقصاء الأقوال فيها والبحث عن الحق فيها ... فمهما كان فيها من العجب من قدرة الخالق - عز وجل-، فقد ذكر ما هو أعجب منها وأكبر، وهو خلق عيسى - عليه السلام- من غير أب، فإن هذا يطوي جميع ما هو دونه في أدراجه، وممن ذكر الخلاف وشيئاً مما ذكرته الألوسي في تفسيره روح المعاني (16/79-80) . والله أعلم.(3/305)
ارتكب الأنبياء عليهم السلام الصغائر
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن أبو سيف الجهني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 08/10/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أحتار عندما أسمع عن أخطاء الأنبياء الصغيرة مثل الكذبات الثلاثة المنسوبة إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، سورة عبس المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والقتل الخطأ من موسى عليه السلام، وغيرها. فهل ارتكبت الأنبياء الصغائر؟ مع التكرم بتقديم أمثلة.
الجواب
بسم الله، وصلى الله على رسوله ومصطفاه.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
انعقد الإجماع على عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام- من الكبائر ومما يصغِّر أقدارهم ويُوجب التعيير والازدراء من خوارم المروءات، ولكن نص القرآن على أن الأنبياء يقع منهم الذنب والخطيئة من الهفوات الصغيرة التي تقع منهم خطأً أو عن نسيان، أو غفلة، أو جهل، أو نحوه مما تقتضيه بشريتهم، ولم يذكر القرآن شيئًا من ذلك عن نبي إلا مقرونًا بذكر توبته منه، فهم معصومون من الإقرار على الذنب، بل يبادرون فور حدوث العوارض من جهل أو نسيان أو نحوه، إلى التوبة ويقبل الله منهم التوبة، وهذا لتتم منهم العبودية لله، فالتوبة عبادة وهي من أحب العبادات إلى الله، ولا تكون إلا من ذنب، ولذلك قال بعض السلف: لو لم تكن التوبة أحب الأعمال إليه لما ابتلى بالذنب أحب الخلق إليه.
ومن الأمثلة على ما وقع من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام- ما ورد في قوله سبحانه: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) [طه:122،121] . وهو أكله من الشجرة، وفي قول نوح عليه السلام: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ(3/306)
تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) [هود:47] . وهو شفاعته في ابنه. وورد نحوه عن داود وسليمان، وقال سبحانه لمحمد صلى الله عليه وسلم: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) [الفتح:2] .
أمَّا ما ذكرت من كذبات إبراهيم فلم تكن خطايا بل معاريض، والمعاريض مشروعة، وقتل موسى كان عن خطإٍ لا عن عمد. والله أعلم.(3/307)
حقيقة رفع عيسى -عليه السلام- إلى السماء
المجيب خالد بن عبد العزيز السيف
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 06/05/1426هـ
السؤال
بعض الأشخاص يروجون بأن المسيح -عليه السلام- مات ميتة طبيعية، ولم يرتفع إلى السماء ودفن في الأرض، وبعد البحث الموسع خلصتُ إلى مسألتين أحتاج مساعدتكم فيهما:
1- كلمة: "رفعه" مذكورة (29) مرة في القرآن، لكنها حين استخدمت في الكلام عن عيسى -عليه السلام- أضيف إليها كلمة (إلى) (سورة النساء: الآية 158) وبهذا الاستخدام إشارة من القرآن إلى الصعود إلى السماء.
2-كلمة "توفاه" أيضا مستخدمة في القرآن (29) مرة، ولكن المشكلة التي أواجهها أنه في الآية (55) من سورة آل عمران، وفي كل موضع في القرآن هذه الكلمة قد تعني "نوم" أو "يؤدي إلى الموت" في حال استخدامها في سياق الكلام عن عيسى عليه السلام.
ومن واقع فهمي فقد يكون الذي حصل أن الله بطريقة ما ذهب بعيسى -عليه السلام- إلى نوع من النوم (الآية 60: سورة النساء) .
أرجو تفسير الكلمتين فيما يتعلق بصعود عيسى -عليه السلام- حيًّا إلى السماء من الناحية اللغوية. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
معنى: "التوفي"
التوفي في لغة العرب معناه الاستيفاء، كاستيفاء المدة من الشهور والأيام في الدنيا، ويطلق التوفي على القبض أيضاً، كما يقال: توفيت المال واستوفيته، إذا قبضته وأخذته كاملاً، وكلاهما متقاربان.
والتوفي لا يعني الموت إلا بقرينة، فقد يطلق على الموت، وقد يطلق على غيره، والذي يحدد ذلك قرينة السياق.
ويطلق التوفي في لغة العرب على ثلاثة معانٍ:
الأول: يطلق التوفي على النوم: ومنه قوله تعالى:" الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى" [الزمر: 42] .(3/308)
والتوفي هنا قبض الأرواح عن التصرف في حال النوم، واستيفاء العقل والتمييز إلى وقت اليقظة، والذي ينام كأنه استوفى حركاته من اليقظة.
الثاني: يطلق التوفي على الموت، وذلك وقت انقضاء الأجل، وفيه استيفاء للروح دون البدن، فيستوفي الله الروح كما في قوله تعالى: " حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون " [الأنعام: 61] . أما البدن فليس فيه هنا استيفاء ولا قبض، بل يبقى في الأرض ويوارى في التراب.
الثالث: يطلق التوفي على توفي الروح والبدن جميعاً، أي قبضهما واستيفاؤهما جميعاً، وهذا الذي حصل للمسيح عليه السلام، وبذلك خرج عن حال أهل الأرض الذين يحتاجون إلى الأكل والشرب واللباس والنوم وغيرها، فحاله -عليه السلام- ليست كحال أهل الأرض في ذلك.
وعلى هذا فمعنى التوفي في قوله تعالى: " وإذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ... " [آل عمران: 55] . أي قابضك ورافعك في الدنيا من غير موت، وهذا التوفي يحتمل معنيين، وكلاهما صحيح:
الأول: أي رافعك إلي وافياً لم ينالوا منك شيئاً، كما يقال: توفيت من كذا وكذا واستوفيته: إذا أخذته تاماً.
الثاني: إني متسلّمك، كما يقال: توفيت منه كذا: أي تسلمته وقبضته.(3/309)
والله لم يذكر في القرآن عن المسيح أنه مات ولا قتل، ولو أراد الله الموت لقال: (وما قتلوه وما صلبوه بل مات) ، ولكن هذا لم يحصل، ولو أراد الله في معنى الوفاة المذكورة في القرآن الموت؛ لكان المسيح -عليه السلام- في ذلك كسائر المؤمنين والناس جميعاً في قبض أرواحهم والعروج بها إلى السماء، ولو فارقت روح المسيح بدنه لكان بدنه في الأرض كبدن سائر الأنبياء، ولذلك قال الله تعالى: " بل رفعه الله إليه ... "؛ ليبين أن الرفع للروح والبدن، ويشهد لذلك الحديث الصحيح كما عند الإمام مسلم وغيره في نزول المسيح -عليه السلام- في آخر الزمان بروحه وبدنه، وهذه الأحاديث كثيرة مشهورة ومتواترة ومعروفة في كتب السنة والحديث، ويشهد لذلك قوله تعالى: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً.." [النساء: 159] أي موته في آخر الزمان بعد نزوله عليه السلام، ولذلك قال: " ليؤمنن به " وهذا فعل مُقسم عليه، ولا يكون إلا في المستقبل، وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، كما عند البخاري (3448) ، ومسلم (155) : " والله لينزلن فيكم ابن مريم حكماً عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ... " وهذا دلالة على المستقبل بدلالة القسم.
وخلاصة الكلام هنا أن لفظ التوفي في اللغة العربية لا يدل بنفسه على توفي الروح دون البدن، ولا توفيهما جميعاً، ولا توفي النوم إلا بقرينة منفصلة ككثير من الألفاظ العربية.
معنى:" الرفع "
الرفع في لغة العرب ضد الوضع، وقد يستخدم في الأعيان (أي الأجسام) ، وقد يستخدم في المعاني.
والرفع في الأجسام حقيقة في الحركة والانتقال إلى جهة العلو، كما يقال: ارتفع الطائر، أو ارتفع موج البحر. فارتفاع الشيء ارتفاعاً بنفسه أي علا، وهكذا.(3/310)
وأما الرفع في المعاني فهو محمول على ما يقتضيه المقام، فمثلاً: قوله عليه الصلاة والسلام: " رفع القلم عن ثلاثة الصغير حتى يكبر و ... " أخرجه أبو داود (4398) ، والنسائي (3432) . معناه عدم التكليف الشرعي، ويقال: ارتفع الرجل بحسبه ونسبه أي شرُف وصار شريفاً.
وأما معنى الرفع في قوله تعالى في سورة النساء عن المسيح عليه السلام: " بل رفعه الله إليه "، فيدل على أن الرفع هنا بمعنى العلو الحسّي أي الارتفاع؛ لأن معنى الرفع في الأجسام حقيقة في الحركة والانتقال إلى أعلى، وهذا ما حصل للمسيح عليه السلام.
ومما يدل أيضاً أن الرفع كان حقيقة في أمر المسيح قرينة " إليه " في السياق، أي الرفع كان لمكان عالٍ؛ لأن الله أضاف جهة الرفع إليه، والله -جل وعلا- في جهة العلو كما تدل عليه النصوص والعقل والفطرة.
وخلاصة الكلام هنا أن الرفع الوارد في الآية رفع حقيقي إلى أعلى بالبدن والروح، لأن الرفع في اللغة حقيقة في الأعيان (أي الأجسام) ، وليس مجازاً، والمسيح كان كذلك، إضافة إلى أن جهة الرفع أضيفت لله -تعالى- وهو في جهة العلو، فيكون الرفع هنا: أي الانتقال إلى أعلى.(3/311)
يحب ابنه أكثر من النبي - صلى الله عليه وسلم-
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 18/7/1424هـ
السؤال
كنت في حديث مع أحد الزملاء، وتطرقنا إلى محبة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فذكر أنه يحب ابنه أكثر من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فأنكرت عليه ذلك، وذكرت له أنه من تمام الإيمان تقديم محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فرد قائلاً: إنه لا يستطيع التغلب على عواطفه، مع أنه حاول ذلك وقد عقد لساني لذلك، أرجو منكم الرد عليه مأجورين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فأقول وبالله التوفيق:
اعلم بارك الله فيك أن محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست من نوع الحب العاطفي المجرد، بل هي أمر وثيق الصلة بالإيمان وصحته؛ ولهذا بوب البخاري - رحمه الله - لذلك في صحيحه بقوله: (باب حب الرسول من الإيمان) ، ثم أورد حديث رقم (14) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده"، وحديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" رواه البخاري (15) ، ومسلم (44) .(3/312)
ونقل ابن حجر – رحمه الله – في شرحه في الفتح (1/58) من كلام القاضي عياض أن ذلك شرط في صحة الإيمان، قال ابن حجر (ومن علامة الحب المذكور أن يعرض على المرء أن لو خير بين فقد غرض من أغراضه، أو فقد رؤية النبي – صلى الله عليه وسلم -، (أن لو كانت ممكنة، فإن كان فقدها - أن لو كانت ممكنة - أشد عليه من فقد شيء من أغراضه فقد اتصف بالأحبية) المذكورة، ومن لا فلا، وليس ذلك محصوراً في الوجود والفقد، بل يأتي مثله في نصرة سنته والذب عن شريعته وقمع مخالفيها، ويدخل فيه باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي هذا الحديث إيماء إلى فضيلة التفكر، فإن الأحبية المذكورة تعرف به؛ وذلك أن محبوب الإنسان إما نفسه وإما غيره، أما نفسه فهو أن يريد بقاءها سالمة من الآفات، هذا هو حقيقة المطلوب، وأما غيرها فإذا حقق الأمر فيه فإنما هو بسبب تحصيل نفع ما على وجوهه المختلفة حالاً ومآلاً، فإذا تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول – صلى الله عليه وسلم – الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان إما بالمباشرة وإما بالسبب علم سبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي، وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات، فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره؛ لأن النفع الذي يثير المحبة حاصل منه أكثر من غيره، لكن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب استحضار ذلك والغفلة عنه، ولا شك أن حظ الصحابة – رضي الله عنهم – من هذا المعنى أتم؛ لأن هذا ثمرة المعرفة وهم بها أعلم، والله الموفق، وقال القرطبي: كل من آمن بالنبي – صلى الله عليه وسلم – إيماناً صحيحاً لا يخلو من وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة، غير أنهم متفاوتون فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى، ومنهم من أخذ منها بالحظ الأدنى كمن كان مستغرقاً في الشهوات، محجوباً في الغفلات في أكثر الأوقات، لكن الكثير منهم إذا ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – اشتاق إلى رؤيته بحيث يؤثرها(3/313)
على أهله وولده وماله ووالده، ويبذل نفسه في الأمور الخطيرة، ويجد مخبر ذلك من نفسه وجداناً لا تردد فيه" أ. هـ فليتأمل اللبيب قدر ذلك ومنزلته في نفسه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(3/314)
ملة إبراهيم عليه السلام
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 15/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي هو عن ملة إبراهيم أتمنى أن أرى إجابة مفصلة عن هذا الموضوع، وما هي أركانه، وهل هي خاصة لليهود والنصارى أم للعرب؟ ومن هم ذرية إبراهيم -عليه السلام- في الوقت الحالي؟ وهل يكفي اعتناقها عن الإسلام وأركانه؟ ومن هم بنو إسرائيل وما هو التفضيل الذي فضلهم الله به عن العالمين؟ حيث إني بحثت عن معنى هذه الآية في بعض التفاسير فلم أجدها موجودة.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(3/315)
ملة إبراهيم هي الحنفية، - أي التوحيد الخالص- كما قال –تعالى-: "ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً" [النساء: 125] ، وقال سبحانه واصفاً حاله: "إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين" [النحل: 120] ، وأمر نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - وأمته باتباع هذه الملة ولزومها، فقال: "قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً" [آل عمران: 95] ، وقال: "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً" [النحل: 23] ، فملة إبراهيم -عليه السلام- هي الإسلام: "إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين" [البقرة: 131] ، فالإسلام ملته، والمسلمون أتباعه، قال –تعالى-: "ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا" [الحج: 78] ، وذم الله من حاد عن ملة إبراهيم، ورغب عنها، فقال: "ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه" [البقرة: 130] ، وكان ممن رغب عن ملته اليهود، والنصارى، قال ابن جرير رحمه الله: (عنى الله بذلك اليهود والنصارى لاختيارهم ما اختاروا من اليهودية والنصرانية على الإسلام؛ لأن ملة إبراهيم هي الحنيفية المسلمة ... ثم ساق بسنده عن قتادة: رغب عن ملته اليهود والنصارى واتخذوا اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله، وتركوا ملة إبراهيم، يعني الإسلام حنيفاً، كذلك بعث الله نبيه محمداً – صلى الله عليه وسلم- بملة إبراهيم) جامع البيان (1/558) .(3/316)
فاليهود حرفوا التوراة، واستعاضوا عنها بتعاليم الحاخامات وتلمودهم واستطالوا على الله ورسله، والنصارى اتبعوا بولس وهجروا دين المسيح عيسى ابن مريم – عليه السلام- وقالوا بالحلول والتجسد والإبنية والتثليث، فأين هذا من ملة إبراهيم – عليه السلام-، لما كان الأمر كذلك برأ الله نبيه وخليله إبراهيم من اليهودية والنصرانية، فقال: "ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً" [آل عمران: 67] ، وأنكر الله –تعالى- على اليهود والنصارى انتحالهم إبراهيم والأنبياء من ذريته، فقال: "أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله" [البقرة: 14] .
إذا تقرر هذا تبين أن ملة إبراهيم ليست إرثاً تاريخياً يستحق بالنسب بل هي دين واتباع: "قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً" [الأنعام: 161] ، فمعتنق التوحيد الخالص على ملة إبراهيم ولو كان من العجم، والراغب عن التوحيد الواقع في الشرك والتثليث ليس على ملة إبراهيم ولو كان من ذرية إسماعيل أو إسحاق عليهما السلام من العرب أو اليهود.
واليهود يزعمون أنهم ينالون شرف الإبراهيمية لمجرد النسب التاريخي، وأن الله أعطاهم عهداً مطلقاً واختارهم، بصرف النظر عن التزامهم بملة إبراهيم، وهذا من كذبهم وإفكهم، فقد قال الله لإبراهيم لما جعله للناس إماماً، وسأله قائلاً: "ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" [البقرة: 124] .(3/317)
وأما التفضيل الذي أثبته الله لبني إسرائيل في مواضع من القرآن فهو تفضيل لهم على أهل زمانهم، حيث جعل الله فيهم الكتاب والحكم والنبوة، لكنهم لم يرعوا هذه النعمة ولم يشكروها، فسلبهم الله إياها، وجعلهم أرذل الأمم، حيث قال -تعالى-: "وإذا تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب" [الأعراف: 167] ، وأحل عليهم غضبه ولعنته، فقال تعالى: "ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة" [آل عمران: 112] ، وادخر الله هذا الفضل والخير لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- التي أحيا الله بها ملة إبراهيم، فقال تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" [آل عمران: 110] ، فلا يقبل الله ديناً سوى الإسلام: "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" [آل عمران: 85] وقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" رواه مسلم (153) . والله أعلم.(3/318)
هل نسبة بعض القبور إلى الأنبياء صحيحة؟
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 5/12/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: أحسن الله إليك، ما مدى صحة نسبة بعض القبور إلى الأنبياء غير نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - مثل قبر إبراهيم وسليمان في فلسطين، وأيوب وعمران في عمان. وهل يجوز زيارتها للسلام؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالذي اتفق عليه العلماء وأجمعت عليه الأمة ونقل إلينا بالتواتر هو قبر نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وما سواه من قبور تنسب إلى الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، فجلها لا يثبت بطريق يوثق به، وإنما وقع النزاع في قبر الخليل -عليه السلام-، والذي عليه الأكثر أن القبر المعروف اليوم في فلسطين هو قبر إبراهيم -عليه السلام-.
أما زيارة قبورهم -عليهم السلام- للسلام عليهم، فما علم أنه قبر نبي فلا إشكال في جواز زيارته، فإذا كانت زيارة قبور عموم المؤمنين مستحبة، فزيارة قبور الأنبياء والصالحين من باب أولى، وليجتنب المؤمن الأفعال المحظورة هناك، ذلك أن زيارة قبور الأنبياء وسائر المؤمنين على وجهين: زيارة شرعية، وزيارة بدعية.
فالزيارة الشرعية يقصد بها السلام عليهم، والدعاء لهم، والاتعاظ والاعتبار والتفكر في حال من مضى، وأين صاروا اليوم، وتذكر يوم الدين، فهذه جائزة، بل مستحبة، وقد ندبنا إلى هذا.
والزيارة البدعية: أن يزورها كزيارة المشركين وأهل البدع لدعاء الموتى وطلب الحاجات منهم أو لاعتقاده أن الدعاء عند قبر أحدهم أفضل من الدعاء في المساجد والبيوت، فهذا من الممنوع الذي لا يجوز فعله، ومن كان هذا قصده من الزيارة فلا شك أن فعله محرم.
هذا في حق من لم ينشئ سفراً لذلك.(3/319)
أما إنشاء سفر لأجل ذلك فالأمة مجمعة على جواز شد الرحل واستحبابه لأحد المساجد الثلاثة التي جاء بها النص، وهي: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، أما غير هذه من قبر وأثر نبي ومسجد وغير ذلك فليس بواجب ولا مستحب، وإنما وقع الخلاف بين المتأخرين في جواز شد الرحل لزيارة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، أما غيره فلا شك في منعه. والله أعلم.(3/320)
(هل لكل نبي دعوة لأمته يوم القيامة؟)
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 30/3/1425هـ
السؤال
قرأت أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- له دعوة جعلها لأمته في يوم القيامة، فهل لكل نبي دعوة لأمته؟ فإن كان الجواب بنعم، فهل هي معروفه دعواتهم؟ وهل صحيح أن كل الأنبياء دعوا على أممهم إلا نبينا صلى الله عليه وسلم. وجزاكم الله خير.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد أخرج البخاري (6304) ومسلم (198) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة". وعند مسلم (199) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا". وللحديث طرق كثيرة وفي بعضها زيادات عما هو مذكور هنا.
وظاهر الحديث أن الله جعل لكل نبي دعوة تستجاب في حق أمته أو نفسه، فنالها كل منهم في الدنيا, فمنهم من دعا على قومه، كقول نوح عليه السلام: "لا تذر على الأرض" [نوح:26] ، ومنهم من دعا لنفسه، كقول زكريا عليه السلام: "فهب لي من لدنك وليا يرثني" [مريم:5 -6] ، وقول سليمان عليه السلام: "وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي" [ص:35] ، ودعوات الأنبياء مذكورة في القرآن، ولا يقطع بأن جميع الأنبياء دعوا على أقوامهم بالهلاك، إذ لم يرد في ذلك نص يعول عليه، وإن ذكر بعض الشراح ذلك، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على أحياء من العرب، ودعا على أناس بأعيانهم، حتى قال له ربه سبحانه: "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم" [آل عمران:128] .(3/321)
والحديث فيه بيان فضل نبينا صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة, ولم يجعلها أيضا دعاء عليهم بالهلاك كما وقع لغيره ممن تقدم. قال ابن الجوزي: هذا من حسن تصرفه صلى الله عليه وسلم لأنه جعل الدعوة فيما ينبغي, ومن كثرة كرمه لأنه آثر أمته على نفسه, ومن صحة نظره لأنه جعلها للمذنبين من أمته لكونهم أحوج إليها من الطائعين. وقال النووي: فيه كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته بهم واعتنائه بالنظر في مصالحهم, فجعل دعوته في أهم أوقات حاجتهم.(3/322)
ما المراد بخاتم الأنبياء؟
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 17/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
تدعي الطائفة الأحمدية أن خاتم الأنبياء لا تعني أن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- هو آخر الأنبياء. فما صحة هذا القول، وما صحة ما روي عن عائشة -رضي الله عنها- "قولوا إنه خاتم الأنبياء ولا تقولوا لا نبي بعده" (تكملة مجموع البحر صفحة 88) ، وقال الإمام السيوطي: إن المغيرة قال بذلك (الدر المنثور) .
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد:
هذه الطائفة زائغة عن الحق، ضالة عن الصراط المستقيم، مكذبة للقرآن والسنة، وقد تواترت الأدلة من الكتاب والسنة أنه لا نبي بعد نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -سبحانه وتعالى-:"وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً" [الأحزاب: من الآية40] ، ومعنى خاتم النبيين: أي الذي ختمت به النبوة فطبع عليها، فلا تفتح لأحد بعده إلى قيام الساعة.
ودلت السنة المتواترة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه خاتم الأنبياء والمرسلين ومن ذلك:
- ما جاء في الصحيحين البخاري (3535) ، ومسلم (2286) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجلٍ بنى بيتاً، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ".(3/323)
- وفي الصحيحين البخاري (4896) ، ومسلم (2354) من حديث جبير بن مطعم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب"، والعاقب الذي ليس بعده نبي.
- عن ثوبان – رضي الله عنه-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " وإنه سيكون من أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، ولا نبي بعدي" رواه أبو داود (4252) ، وغيره.
- وفي صحيح مسلم (523) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " فضلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون ".(3/324)
قال الحافظ ابن كثير: " وقد أخبر الله -تبارك وتعالى- في كتابه، ورسوله في سنته المتواترة عنه أنه لا نبي بعده، ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل، ولو تخرق وشعبذ وأتى بأنواع السحر والطلاسم.." قال القاضي عياض: " نكفر من ادعى نبوة أحدٍ مع نبينا -صلى الله عليه وسلم-.. أو من ادعى النبوة لنفسه، أو جوز اكتسابها والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبتها كالفلاسفة وغلاة المتصوفة، وكذلك من ادعى منهم أنه يوحى إليه وإن لم يدع النبوة، فهؤلاء كلهم كفار مكذبون للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه أخبر -صلى الله عليه وسلم- أنه خاتم النبيين لا نبي بعده، وأخبر -صلى الله عليه وسلم- عن الله –تعالى- أنه خاتم النبيين ... " الشفاء (2 / 1070) وأما ما جاء عن عائشة والمغيرة -رضي الله عنهما- فقد أخرجهما ابن أبي شيبة في مصنفه (9 / 109 – 110) قال: من كره أن يقول: لا نبي بعد النبي –صلى الله عليه وسلم- حدثنا حسين بن محمد قال: حدثنا جرير بن حازم عن عائشة – رضي الله عنها- قالت: قولوا خاتم النبيين، ولا تقولوا: لا نبي بعده.
حدثنا أبو أسامة عن مجالد قال أخبرنا عامر قال: قال: رجل عند المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه-: صلى الله على محمد خاتم الأنبياء لا نبي بعده، قال المغيرة – رضي الله عنه-: حسبك إذا قلت خاتم الأنبياء فإنا كنا نحدث أن عيسى – عليه السلام- خارج فإن هو خرج فقد كان قبله وبعده. ومراد عائشة والمغيرة -رضي الله عنهما- واضح وهو الإشارة إلى نزول عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان.... وقد دل على هذا قوله تعالى: "وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً" [النساء: 159] ، ودل أيضاً على نزول عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان الأحاديث المتواترة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.(3/325)
قال ابن قتيبة: " وأما قول عائشة -رضي الله عنها-: قولوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خاتم الأنبياء، ولا تقولوا لا نبي بعده، فإنها تذهب إلى نزول عيسى -عليه السلام- وليس هذا من قولها ناقضاً لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا نبي بعدي" لأنه أراد لا نبي بعدي ينسخ ما جئت به كما كانت الأنبياء - عليهم السلام- تبعث بالنسخ، وأرادت هي لا تقولوا إن المسيح لا ينزل بعده " وهذا على تقدير صحة ما جاء عن عائشة والمغيرة -رضي الله عنهما-، فأثر عائشة - رضي الله عنها- منقطع، وفي أثر المغيرة - رضي الله عنه- مجالد بن سعيد وهو ضعيف. هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(3/326)
الطعن في أمية محمد صلى الله عليه وسلم
المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 18/1/1425هـ
السؤال
كيف أرد على شخص كافر يقول لي أن ما روي أن محمد- صلى الله عليه وسلم- لم يعرف القراءة والكتابة، وأنه لقي جبريل -عليه السلام- هو باطل؟.
الجواب
إن التشكيك في وقائع التاريخ الماضية منهج مرفوض، ولا يؤثر تشكيك المشككين في ثبوت الأحداث ووقوعها.
ووقائع التاريخ منها ما يثبت بالتواتر المعنوي وهو يفيد العلم كعلمنا بالأنبياء السابقين وعلمنا بوجود فلاسفة كأرسطو وعلمنا بكرم حاتم الطائي، وشجاعة علي -رضي الله عنه- وفقه الشافعي-رحمه الله-. وعليه فالعلم بوجود النبي - صلى الله عليه وسلم-، وأنه كان لا يقرأ ولا يكتب علم ضروري، ثبت بالتواتر وبنصوص الوحي.
وثبوت نبوته وأنه نبي قد أيدته المعجزات ومنها القرآن العظيم والبشارات التي صاحبت أحواله مما أظهر الإسلام على الدين كله، ومنها أحداث وقعت في زمنه كانشقاق القمر، ونبع الماء من أصبعه، وقد ألف أهل العلم كتباً في دلائل النبوة فلتراجع ... وعليه فهذا الشخص تبين له الأخبار، وأنه منها المتواتر ومنها الآحاد والمتواتر يفيد العلم القطعي كعلمنا بالبلاد النائية والأخبار الماضية ... هذا ما اتفق عليه العقلاء من جميع الملل.
وأما نبوة الرسول - صلى الله عليه وسلم- واتصال جبريل-عليه السلام- به فهي ظاهرة معروفة عند الأمم السابقين من اليهود والنصارى، فهم لا ينكرون هذه الظاهرة؛ لأنها وقعت للأنبياء الذين يؤمنون بهم.
وعليه فنقول لهم كيف تثبت نبوة الأنبياء السابقين دون محمد - صلى الله عليه وسلم-؟ فبالطريق الذي عرفتم نبوة الأنبياء السابقين تعرفون نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم-. والله أعلم.(3/327)
عصمة الأنبياء من الذنوب
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 24/09/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد سألني شابٌ نصرانيٌ أمريكي (يسأل من أجل المعرفة لا من أجل التحدي) ، يقول: كيف تقولون إن الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، معصومون من الخطأ والذنوب، والقرآن يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم، في سورة محمد الآية 19: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) . وكان النبي صلى الله عليه وسلم- يستغفر الله من الذنوب؟ ثم كيف تقولون إنه معصوم من الخطأ ثم تقولون في الحديث: قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فما هذه الذنوب التي غفرها الله له، والتي تقدمت؟ (زاد على ذلك أن سأل أيضًا عن قول إبراهيم عليه السلام في سورة (الشعراء: 82) : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) . فما خطيئة إبراهيم عليه السلام؟ أليس معصومًا من الخطأ؟ وسأل أيضًا عن قتل موسى عليه السلام- للمصري، والآية 16 من سورة القصص: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) .
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(3/328)
الذنب هو المعصية، ويشمل الكبائر- كالربا، والزنا- والصغائر- كالغضب غير الشديد، والضيق، والحزن، ونحو ذلك- والأنبياء، عليهم السلام، كلهم معصومون من الكبائر، ومن كل ما يخل بتبليغ الدين، لكنهم قد يقعون فيما دون ذلك من السهو والنسيان؛ (إلا أن الله يسددهم بما هو من الدِّين) ، وكذلك الصغائر قد تكون منهم لبشريتهم وما لا يتنافى مع تبليغ الرسالة، والله يسددهم في ذلك؛ كما قال تعالى: (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) [التوبة:43] . و: (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ) [التحريم:1] . و: (عَبَسَ وَتَوَلَّى) [عبس:1] . ومثلها. والله أعلم. والأنبياء، عليهم الصلاة والسلام- لشدة عبادتهم وتعظيمهم لله تعالى- يعدون الوقوع في الصغائر، والسهو والنسيان والغفلة من التقصير، ويخافون أن يكون خطيئة، فيستغفرون الله منها، كما أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام- لقوة معرفتهم بالله وحقوقه ونعمه- يرون أن كل أعمالهم الصالحة لا تكافئ نعم الله التي لا تعد ولا تحصى، فتفزع نفوسهم للشعور بالتقصير ويهرعون إلى الاستغفار، وهكذا يجب أن يكون عباد الله الصالحون. نسأل الله أن يجعلنا منهم، آمين. والله أعلم.(3/329)
المقصود بالحكمة في قوله "وآتاه الله الملك والحكمة"
المجيب د. محمد بن صالح الفوزان
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 19/08/1425هـ
السؤال
ما الحكمة من ذكر إيتاء الحكمة لداود بعد ذكر قتله لجالوت في سورة البقرة آية:
(251؟) .
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الحكمة هي النبوة على القول الراجح، وقد أعطى الله داود الحكمة والملك بعد قتله لجالوت: "وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء" [البقرة: من الآية251] ، والنبوة اصطفاء من الله لمن يشاء من عباده، وقد كان داود فتى صغيراً في بني إسرائيل لا شأن له، وقيل: إنه كان راعي غنم، فلعل من الحكم أن الله أراد أن يبين لبني إسرائيل أن الأمور تجري بحكمة الله لا على ظواهر الأشياء، فلم تمنح لا لطالوت ولا لجالوت، وإنما لهذا الراعي، وكما قال تعالى عن المشركين: "وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم" [الزخرف: 31] . والله أعلم.(3/330)
ختم النبوة بمحمد ونزول عيسى عليهما الصلاة السلام
المجيب خالد بن عبد العزيز السيف
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 25/12/1425هـ
السؤال
أحد المنكرين لرجوع عيسى (عليه السلام) في آخر الزمان أرسل إليّ رسالة طويلة فيها شبهات تقلقني ولا أستطيع الرد عليها. أرجو من فضيلتكم أن تجيبوا عن هذه الشبهات. ومنها: نقطع بأن ليس هناك أنبياء آخرون يأتون بعد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ولكن من الخطأ تحديد الأمر بأنبياء جدد. والبعض يحاولون التوفيق بين النزول الثاني للمسيح عليه السلام (ترجمة حرفية) وإيماننا بختم النبوة حيث يزعمون أن عيسى (عليه السلام) كان نبيًّا قديمًا وليس بنبي جديد، وفي إضافة لتوثيق ذلك يجادلون بأنه حيث إن عيسى عليه السلام سيتبع شرع محمد (صلى الله عليه وسلم) فلن يكون نبيًّا حقيقة في ذلك الحين. ومعنى ذلك أن عودة عيسى عليه السلام لن تمثل تهديدًا لختم النبوة، وليس في عقيدتنا مبدأ نزع النبوة عن نبي، ولا شك أن القاديانيون خرجوا من ملة الإسلام بالردة بسبب ما عندهم من وجهات نظر مشابهة عن ختم النبوة، بحيث يزعمون أنه قد يكون هناك أنبياء على نفس شريعة محمد (صلى الله عليه وسلم) ، ولكن ليس هناك أساس لتحديد ختم النبوة بظهور أنبياء جدد أو لأنبياء من نوع معين. فإن ختم النبوة تشمل جميع الأنبياء.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد..
من القواعد المقررة أن نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثبتت كما ثبتت نبوة غيره من الأنبياء السابقين ممن يؤمن بهم النصارى كموسى عليه السلام وسائر أنبياء بني إسرائيل؛ وإذا ثبتت نبوة نبي وأنه مرسل من عند الله وجب الإيمان به وأن كل ما يقوله حق يجب تصديقه.(3/331)
ومما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أنه خاتم الأنبياء لا نبي بعده، كما قال تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [الأحزب: 40] . وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ". أخرجه مسلم (523) . وقال أيضًا في الصحيح: "أَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ". أخرجه البخاري (3535) ومسلم (2286) .
ومن عقائد الإسلام أيضًا التي يجب تصديق محمد صلى الله عليه وسلم فيها- لأنه فرع عن نبوته- ما جاء في سورة الزخرف حكاية عن المسيح: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ) [الزخرف:61] . أي علامة على قربها. وفسرها الرسول صلى الله عليه وسلم بنزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان- انظر صحيح ابن حبان (6817) ومستدرك الحاكم 2/278.
أما عن شريعة المسيح بعد النزول فسيحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، كما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عند الإمام البخاري (2222) والإمام مسلم (155) : "وَاللَّهِ لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلًا فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ..". وفي الحديث الآخر: "كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ فَأَمَّكُمْ مِنْكُمْ". أخرجه مسلم (155) . أي: فأمكم بكتاب ربكم وسنة نبيكم. كما فسرها الصحابة.(3/332)
بل إن الذي يؤم الناس في الصلاة في ذلك الوقت ليس المسيح عليه السلام بل رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، كما أخبرت بذلك الأحاديث الصحيحة: انظر صحيح البخاري (3449) ومسلم (155) . وليس ذلك الرجل أفضل من المسيح عليه السلام، بل دلالة على أن المسيح بعد نزوله تابع لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم وحاكم بها. ومع ذلك فهو نبي ويدعى في ذلك الوقت بنبي الله، وليس في ذلك إشكال، والنصارى يؤمنون بنظير ذلك، فقد جاء في الكتاب المقدس من العهد القديم منه: اجتماع أكثر من نبي في وقت واحد ومكان واحد ويعملون بشريعة واحدة، وليس في ذلك ما يطعن في نبوة واحد منهم، وهذا له أمثلة كثيرة أشهر من أن تذكر، وهذا يؤمن به اليهود والنصارى، كما هو موجود عندهم.
وأما مسألة القاديانية فالأمر فيها يختلف من عدة أوجه:
1- أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم أخبر بنزول المسيح عليه السلام محكِّمًا لشريعته، ولم يخبر بغيره كالميرزا أحمد غلام القادياني.
2- يعتقد القاديانيون بأن النبوة لم تختم، بل هي مستمرة، وأن الله يرسل الرسل تباعًا حسب الحاجة، حتى بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الميرزا أحمد غلام القادياني أفضل الأنبياء.
3- أن القاديانية أتوا بمعتقدات بعيدة جدًّا عن الإسلام، فمع أنهم ألغوا فكرة ختم النبوة إلا أنهم قالوا بنزول كتاب آخر غير القرآن على نبيهم الميرزا أحمد غلام القادياني، واسمه الكتاب المبين، وهو المعتمد لا القرآن، ويعتقدون أنهم أصحاب دين جديد مستقل وشريعة مستقلة، وكل مسلم عندهم كافر حتى يدخل في القاديانية، إلى غير ذلك من المعتقدات، سواء في الله سبحانه وتعالى أو في التشريعات التي تخالف الإسلام.
وعلى هذا فخروج القاديانيبة عن الإسلام لأنهم ليسوا على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وأول شيء خالفوا فيه أصل الشريعة هو نفيهم لختم النبوة. والله أعلم.(3/333)
مس كتب التوراة والإنجيل
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالكتب
التاريخ 10/7/1424هـ
السؤال
قرأت في كتب الفقه القديمة المختلفة القول بحرمة مس كتب التوراة والإنجيل، وبعضهم قيَّد الحرمة بما لم يبدل، فهل هذا الكلام دقيق حاليا؟ حيث ثبت تحريف هذه الكتب، وبالتالي يجوز مسها للمحدث حدثا أصغر وحدثا أكبر؟
الجواب
لا أعرف أنه يحرم مسُّها على المحدث حدثاً أصغر أو أكبر، لأنها كلها مبدلة ومحرَّفة، وقد تلاعب اليهود بالتوراة، وتلاعب النصارى بالإنجيل.(3/334)
قصة قتل عمر للمنافق
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالكتب
التاريخ 08/05/1425هـ
السؤال
ما حكم القول: بأن القرآن ليس معجزاً؟ وأن العلم أثبت عدم صحة القرآن الكريم، وأن معجزته الوحيدة هي بقاؤه من غير تغيير!! علماً بأن قائلها مسلم، كما أنه قال التالي: "نتذكر قصّة "مشهورة مرة" لـ عُمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، عن ذاك الذي سألَ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - ثمّ أبا بكر - رضي الله عنه - عن حُكمٍ مُعين، ولم يكتف بهذا، بل ذهبَ لسؤالِ عُمر - رضي الله عنه - أيضا، فأجهز عليهِ حينَ عَلم بأنه لم يرض حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نعم! رسولُ اللهِ - عليه الصلاة والسلام - هوَ، وطاعتهُ واجبٌة علينا، لكن تصرف عُمر "الفردي" دونَ الرجوعِ إلى صاحبِ الشأن، ألم يكن قمّة الديكتاتورية "أو الاعتداء كما تسميهِ"؟ فما حكم هذا القول؟ أفيدوني مأجورين جزاكم الله خيرا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فأما ما حكاه السائل الكريم من قول ذلك المتكلم في وصف القرآن الكريم فهو قول خطير، ومنكر عظيم، يجب قبل الحكم عليه أن يوقف على نص كلامه حتى يتثبت منه، ويفهم مراده من قوله: (ليس القرآن معجزاً، وإن العلم أثبت عدم صحة القرآن الكريم) لأن هذا كلام لا يكاد يصدر عمن ينتسب إلى الإسلام، فأرى أن يرسل السائل نص كلامه قبل أن يحكم على قوله.(3/335)
وأما الحادثة التي نسبها إلى عمر – رضي الله عنه - فقد أوردها بعض المفسرين في بيان سبب قوله تعالى: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ... " إلى قوله: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ... " [النساء:60] ، فقد أخرج الثعلبي والواحدي والبغوي أنها نزلت في رجل من المنافقين نازع رجلاً من اليهود, فقال اليهودي: بيني وبينك أبو القاسم , وقال المنافق: بيني وبينك الكاهن. وقيل: قال المنافق: بيني وبينك كعب بن الأشرف, يفر اليهودي ممن يقبل الرشوة، ويريد المنافق من يقبلها. ويروى أن اليهودي قال له: بيني وبينك أبو القاسم. وقال المنافق: بيني وبينك الكاهن, حتى ترافعا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم - فحكم لليهودي على المنافق, فقال المنافق: لا أرضى, بيني وبينك أبو بكر; فأتيا أبا بكر فحكم أبو بكر لليهودي. فقال المنافق: لا أرضى, بيني وبينك عمر. فأتيا عمر فأخبره اليهودي بما جرى; فقال: مهلاً حتى أدخل بيتي في حاجة , فدخل فأخرج سيفه ثم خرج, فقتل المنافق ; فشكا أهله ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم - فقال عمر: يا رسول الله ; إنه رد حكمك. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنت الفاروق) وهذا الخبر لم يصح سنده؛ لأنه من رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس – رضي الله عنهما -، وطريق الكلبي عن ابن عباس – رضي الله عنهما - من أوهى الطرق وأضعفها، فالخبر لم يصح أصلاً، ثم لو صح هذا الخبر عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، لكنا جزمنا بصواب فعله – رضي الله عنه -؛ وذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قد أقره على ذلك ولم ينكره، بل سماه الفاروق، وما كان له عليه الصلاة والسلام أن يقره على فعله لو لم يكن صواباً، والمعلوم من سنته وهديه – عليه الصلاة السلام - أنه كان لا يقر أحداً على منكر مهما كانت منزلته ومحبته له، فهذا أسامة بن زيد – رضي الله عنها - مع محبة النبي – صلى الله عليه وسلم - له لما قتل رجلاً من بعد أن(3/336)
نطق بالشهادة، أنكر – صلى الله عليه وسلم - فعله ذلك غاية الإنكار، ففي الصحيحين البخاري (4269) ومسلم (96) وغيرهما أن أسامة بن زيد – رضي الله عنهما - قال: "بعثنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إلى الحرقة من جهينة قال فصبحنا القوم فهزمناهم قال ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم قال فلما غشيناه قال لا إله إلا الله قال فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته قال فلما قدمنا بلغ ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم - قال فقال لي يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قال قلت يا رسول الله إنما كان متعوذا قال أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قال فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم"، وكانت شبهة أسامة – رضي الله عنه - قوية حيث قال إنما قالها مخافة القتل، ومع هذا فقد أنكر عليه النبي – صلى الله عليه وسلم - إنكاراً شديداً، حتى قال أسامة من شدة ما يجد ـ مع ما له من سابقة عظيمة في الإسلام ـ ولله لقد تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.(3/337)
وبعد: فهذه المقالات وأمثالها المتضمنة الطعن في سلف هذه الأمة وخير القرون لا سيما صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما تصدر عن مرضى القلوب ممن لا يعرف لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدرهم ولا ينزلهم - رضي الله عنهم - منزلتهم، وهم الذين رضي الله عنهم وأثنى عليهم بقرآن يتلى، يقول تعالى ((لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة)) [الفتح:18] ، ويقول تعالى: ((محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود)) [الفتح:29] ، وفي الحديث الصحيح عند البخاري (3673) ومسلم (2540) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) ، فرضي الله عنهم وأجزل ثوابهم جزاء نصرهم لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وتبليغ هذا الدين غضاً طرياً كما أنزل، وأسأل الله بمنه وكرمه أن يحشرنا في زمرتهم وتحت لواءهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(3/338)
القتال بين موسى ومحمد عليهما السلام
المجيب د. عثمان بن جمعة عثمان ضميرية
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالكتب
التاريخ 25/10/1425هـ
السؤال
يدعي المسلمون أن موسى عليه السلام مسلم ونبي، لكن إحدى الوصايا العشر تنص على عدم القتال، لكن نبي الإسلام أُوحى إليه أن يقاتل في سبيل الله، فهل غير الله (سبحانه) رأيه. أم أن أحد النبيَّين ليس نبيًّا بحق؟
الجواب
الحمد لله، وبعد: فإن الإيمان بجميع الرسل والأنبياء عليهم السلام ركن من أركان العقيدة لا يتم الإيمان إلا به، فالمسلم يؤمن بجميع الرسل دون تفريق بينهم في الإيمان، وموسى- على نبينا وعليه أفضل السلام- رسول من أولي العزم من الرسل بعثه الله تعالى بدعوة التوحيد والإسلام، ولكن القوم غيّروا وبدّلوا في كتابهم. وليس هذا ادعاء يدعيه المسلمون. وقد بعث الله محمدًا عليه السلام بدعوة عامة خاتمة ناسخة لما سبقها، فلا يقبل الله تعالى من الناس دينًا غيره.(3/339)
وأما الوصايا العشر التي جاء ذكرها في سِفْر الخروج من التوراة التي بأيدي القوم فيما يسمى بالعهد القديم، فقد جاءت بصيغتين، إحداهما تتصل بالعقيدة والأخرى أكثر اتصالاً بالتشريع، وليس فيهما نص أو إشارة إلى عدم القتال. بل إننا نجد في سفر التثنية من العهد القديم (التوراة) وفي غيره أحكامًا كثيرة شديدة تتعلق بالحرب والقتال وما يترتب على ذلك من آثار في الأموال والأشخاص كالغنائم والأسرى والاسترقاق.. إلخ، وهذا واضح عندهم في نصوص كثيرة. كما أن قصة موسى عليه السلام في القرآن الكريم جاء فيها ما يدل على ذلك. ولهذا لا يصح القول بأن الوصايا العشر تدل على عدم القتال، على خلاف في أمر آخر وهو: هل القتال كان مفروضًا على القوم استقلالاً أم تبعًا لفرضيته على النبي. ومن ثَمَّ لا يقال: إن الله تعالى غيّر رأيه. فهذا مما لا يوصف الله تعالى به ولا يقال في حقّه سبحانه. ولو اختلفت شريعة نبي عن آخر في التشريع، فإن ذلك نسخ لبعض الأحكام، ولكل نبي شريعة تخصه، وقد تختلف عن الشرائع الأخرى لحكمة أرادها الله تعالى- كما هو معروف- وبعد هذا يظهر ما في الفقرة الأخيرة في السؤال من خطأ أو تجاوز في التعبير، فلا يقال: إن أحد النبيين ليس نبيًّا. لأنك تقول إنه أحد النبيين، وهذا اعتراف بنبوته بحق. والله أعلم.(3/340)
هل ترى المرأة ربها في الجنة؟
المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 13/7/1422
السؤال
لقد قرأت في كتب العقائد أن المرأة لاترى الرب يوم القيامة، أو على أقل تقدير فالمسألة خلافية، وأنا خائفة من هذا الأمر، فما ذنبي أن خلقني ربي امرأة ثم يحرمني لذة النظر إليه، وهالني الأمر عندما أخبرني أحدهم بقوله: إنك امرأة، ولايجوز أن ينظر إليك الرب، ومن ذلك الحين وأنا في قلق، وبدأت ألعن الساعة التي كنت فيها امرأة رجاء أخرجوني من حيرتي؟
الجواب
أحاديث الرؤية تشمل المؤمنين جميعاً من الرجال والنساء، فالوعد الكريم برؤية وجه الله -تعالى- الكريم يعمّ أهل الإيمان ذكوراً وإناثاً، فليست الأنوثة مانعاً من تحقيق هذا النعيم، كما أن الذكورة ليست شرطاً في ذلك.
فعلى الأخت السائلة أن تبادر إلى أسباب هذا الوعد الكريم من الإيمان والعمل الصالح، كما أن عليها أن تحذر من التسخّط على قدر الله، واختياره الذي لايكون إلا لحكمة بالغة، قال عز وجل: ((ولا تتمنوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب ما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليماً)) ، فإن الخير فيما اختاره الله تعالى.
كما أن عليها أن تتجنب سبّ الأيام ولعنها؛ لأن لعن الأيام والسبّ محرم لقوله -صلى الله عليه وسلم- يقول الله تعالى: " يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلّب الليل والنهار " أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة (2246) .(3/341)
هل ينادى الناس يوم القيامة بأسماء أمهاتهم؟
المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 22/7/1422
السؤال
هل قول من يقول أن الناس يوم القيامة ينادون بأسماء أمهاتهم قول صحيح؟
الجواب
أخرج أبو داود بسنده عن أبي الدرداء -رضي الله عنه - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم)) . ففي هذا الحديث ردٌّ على من قال إن الناس يوم القيامة إنما يدعون بأمهاتهم لا آبائهم. وقد ترجم البخاري في صحيحه لذلك فقال (باب يدعى الناس بآبائهم) وذكر فيه حديث ابن عمر -رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ((الغادر يرفع له لواء يوم القيامة؟ يقال له: هذه غدرة فلان بن فلان)) .
ونذكّر السائل وجميع إخواننا بالاستعداد ليوم الميعاد، والاشتغال بما ينفع من العلم النافع والعمل الصالح وبالله التوفيق.(3/342)
يا بني أوقف هذه التساؤلات
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 01/11/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.. ما الحكمة من اختيار الله النار للعذاب مع تعدد طرقه؟ فقد تكون الكهرباء أقوى في العذاب من النار ـ على سبيل المثال فقط لا غير ـ؟ ودمتم سالمين.
الجواب
أيها الابن الكريم
أولاً: سؤالك هذا وأنت في السابعة عشر من عمرك وهي سن نشاط ذهني ترد إلى الذهن فيها هذه التساؤلات وأكثر منها، ولذا فإني أنصحك بعدم الاستمرار مع هذه التساؤلات فإن تقدمك في السن ونضجك التعليمي والعملي في المستقبل سيكشف لك أن كثيراً من هذه التساؤلات غير واردة، وليست في محلها الصحيح، وستجد أن ذهنك يعرض عنها ويتجه إلى غيرها مما هو أجدى، وكثيراً ما يعيش الشباب في مثل سنك حمى هذه التساؤلات وإذا تقدمت السن واتسعت المدارك وأخذت الحقائق حجمها الحقيقي هدأت هذه التساؤلات وخف هذا التوتر في الذهن، وانشغل الذهن والفكر بما هو أجدى وأنفع وأخذت هذه التساؤلات حجمها الحقيقي.
ثانياً: إن التمادي مع هذه التساؤلات وتطلُّب الجواب ينقلك في الغالب إلى أسئلة أخرى فربما تقع في ورطات فكرية لا تستطيع الانفكاك منها. والسبب في ذلك اقتحام العقل ما ليس من مجاله، ونزوله إلى غير ميدانه، فإن الله - جل وعلا- رزقنا العقول لنحاكم بها أنفسنا ونعرف بها طريق هدايتها، لا لنحاكم بها حكمة الله وقدره وشرعه، وهناك فرق كبير ينبغي ألاّ يغيب عنك وهو التفريق بين مالا يفهمه العقل وبين ما يرده العقل؛ أمّا مالا يفهمه العقل فكثير، وسببه قصور العقل عن إدراكه، وأمّا ما يرفضه العقل ويرده فليس في كل ما أخبر الله به أو شرعه ما يمكن أن يكون مخالفاً للعقل ومصادماً له.(3/343)
ثالثاً: نقع في خطأ كبير عندما ننقل قوانين الأرض الفيزيائية والطبيعية إلى عالم البرزخ أو إلى ملكوت السماوات، أو إلى غيب الآخرة.
يا بني إن هذه الأرض التي تراها على امتدادها وانفساحها وسعتها ما هي إلا هباءة تسبح في ملكوت واسع، أو كما يقول بعض علماء الفلك: "الأرض بالنسبة للكون نقطة على كلمة في مجلد في مكتبة". فكيف تريد أن تنقل قوانينها الفيزيائية والطبيعية وتعممها في الكون كله وتنقلها إلى آفاق السماوات وغيب الآخرة.
يا بني إن المركبة الفضائية الصغيرة إذا خرجت من الأرض نظرت إليها عن بعد فإذا هي كالبرتقالة، وانفكت عن أول قوانين الأرض التي كانت تأسرها وهي الجاذبية، فكيف تنقل قوانين الأرض إلى ملكوت الله الفسيح، أو إلى غيب الآخرة المحجوب عنّا.
رابعاً: إنك تساءلت عن عذاب النار، ولماذا يكون بالنار ولا يكون بغيره من أنواع العذاب؟ والذي ينبغي علينا أن يكون تساؤلنا الحقيقي عندما نذكر النار هو: ما الذي يكون سبباً في اتقاء عذابها والفوز بالنجاة منها "فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز" [آل عمران:185] .
لا أن يكون تساؤلنا في اقتراح أنواع من العذاب فيها، ولذلك أُمرنا بالاستعاذة من عذاب النار في كل صلاة، نقول: اللهم إننا نعوذ بك من عذاب النار ومن عذاب القبر، وحكى الله عن عباده الصالحين دعاءهم "ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما" [الفرقان:65] .
إن الذي ينبغي أن نتساءل عنه كيف نتقي عذاب النار، وليس الانشغال بالتساؤل عن أنواع عذاب النار وكيفيتها وما هو الأشد منها عافانا الله وإياك وأعاذنا من النار.(3/344)
خامسا: أما إذا عدنا إلى سؤالك فعليك أن تعلم أن أنواع العذاب والنعيم التي في الآخرة لا تماثل مسمياتهما في الدنيا، ولذلك روى الطبري في تفسيره (490) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ليس في الدنيا مما في الآخرة إلاّ الأسماء، أي: أن حقائقها لا تتماثل وإنما يوجد تقارب في المعنى يوضح الحقيقة ولا يعني التطابق والتماثل، ولذلك أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن البون الشاسع بين نار الدنيا ونار الآخرة فقال:"ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم" قيل: يا رسول الله إن كانت لكافية؟ قال: "فضلت عليهن بتسعة وستين جزءاً كلها مثل حرها" رواه البخاري (3265) ومسلم (2843) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قالوا: يا رسول الله، وإن كانت لكافية.) فليس بين نار الآخرة ونار الدنيا تماثل حتى نقيس عليه باقي صنوف عذاب الدنيا.
سادساً: عندما ذكر الله ـ عز وجل ـ من عذاب جهنم عذاب النار كان هذا في وحي يخاطب جميع أجيال البشرية وفي بقاع الدنيا كلها والبشر كلهم على تعاقب الأعصار وتفرق الديار يدركون ما في النار من إحراق وعقوبة فما ظنك لو ذكر أموراً لا تدرك إلاّ في زمن دون زمن، أو في بلد دون بلد من نحو ما أشرت إليه ـ كالصعق الكهربائي ونحوه ـ فهل سيكون هذا في كتاب يخاطب البشرية في الدهور كلها، إن هذه الأمور التي تذكرها الآن غير مدركة في بلاد كثيرة، وغير مدركة في أعصار كثيرة، فكان من إعجاز هذا الكتاب العظيم ذكره الحقيقة التي يشترك فيها البشر والتي لا يضرها تعاقب الأجيال، ولا تفرق الأماكن.(3/345)
سابعاّ: من أين أتيت بأن الكهرباء أقوى في العذاب من النار، يا بني إن في الدنيا من عذاب النار ما لا يمكن تصوره، عذاباً بعضه أشد من بعض، ففي الدنيا التي نارها جزء من تسعة وستين جزءاً من نار جهنم مصاهر الحديد ومصاهر الصخور التي تصل درجة حرارتها إلى آلاف الدرجات المئوية فإذا كانت نار الدنيا فيها هذا القدر الشديد من الحرارة فما بالك بنار الآخرة، علماً بأن نار الآخرة ليس عذابها فقط في حرارتها ولكن في بقاء المعذبين في هذه الحرارة المحرقة بحيث يتعذبون بسعير جهنم من غير أن ينتج عن هذا السعير هلاك لهم، كما قال الله ـ عز وجل ـ: "لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها" [فاطر:36] . فنار الدنيا مهما كانت شدة العذاب فيها فإنه ينتهي سريعاً إلى الهلاك، أما نار جهنم -نسأل الله أن يجيرنا منها- فهي على هذه الدرجة من الحرارة ومع ذلك فإن حالهم كما أخبر الله: "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب" [النساء:56] ، وقال تعالى: "وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ" [فاطر:37] وهذه كيفية من العذاب غاية في الشدة والهول نسأل الله العافية.(3/346)
ثامناً: إن الذي خلق الخلق هو أعلم به، " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" [الملك:14] فهو -جل وعز- أعلم بخلقه وأعلم بأنواع نعيم المطيعين وأنواع عذاب المجرمين وهذا الرب الذي خلق وعلم ما خلق أخبر أن عذاب النار هو أشد العذاب فكل ما يرد في ذهنك من صور العذاب فما في النار أشد منه كما قال الله ـ عز وجل ـ:"أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " [غافر:46] فقوله: "أشد العذاب" يدل على أنه لا يوجد عذاب أشد من هذا العذاب الذي يصلاه آل فرعون في النار، وكل ما يخطر على بالك من أنواع العذاب فهو دونه في الشدة لأن الذي أخبر بذلك هو الذي خلق الخلق وهو أعلم بهم "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" [الملك:14] .
تاسعا: إن ما في النار من العذاب ليس مقصوراً على التهاب حرارة النار، ففي النار من أنواع العذاب شكول أخرى فيها الزمهرير وفيها الزقوم وفيها السلاسل والأغلال ومقامع من حديد، وماء كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم فحرارة النار هي نوع من عذابها، وفيها من أنواع العذاب أشياء أخرى نسأل الله أن يجيرنا منها.
أيها الابن الكريم وبعد هذا كله فإني أنصح نفسي وإياك بأن يكون في قلوبنا توقير للرب الذي نعبده وتعظيم للكتاب الذي أنزله، وذلك بأن نتوجه إلى المعنى الذي سيقت من أجله الأخبار فنملأ به قلوبنا، فأخبار النار إنما سيقت لتحذيرنا وتخويفنا منها وإنذارنا من الوقوع فيها، وحملنا على تجنب المعاصي والآثام والالتزام بطاعة الله ومرضاته التي هي طريق إلى جنته. فهذا الشيء الذي ينبغي أن يكون عامراً في قلوبنا وهذا الشيء الذي ينبغي أن تتحرك فيه قوانا العقلية والفكرية لا أن ننقل عقولنا إلى التفكير فيما هو وراء ذلك مما يقصر العقل عن إدراكه ويفوت الثمرة العظمى الحقيقية التي جاءت الأخبار وتنزلت الآيات من أجلها نسأل الله أن يأخذ بنواصينا إلى الحق وأن يهدينا سواء السبيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(3/347)
زوج المرأة في الآخرة
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 24/11/1423هـ
السؤال
الزوجة الصالحة التي تتزوج من بعد وفاة زوجها الأول وهما متحابان في عشرتهما، وكذلك الزوج الثاني على أحسن حال، السؤال، تكون من نصيب مَنْ في الجنة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
سئل فضيلته: إذا كانت المرأة لها زوجان في الدنيا فمع من تكون منهما؟ ولماذا ذكر الله الزوجات للرجال ولم يذكر الأزواج للنساء؟
فأجاب بقوله: إذا كانت المرأة لها زوجان في الدنيا فإنها تخير بينهما يوم القيامة في الجنة، وإذا لم تتزوج في الدنيا فإن الله - تعالى - يزوجها ما تقر به عينها في الجنة، فالنعيم في الجنة ليس مقصوراً على الذكور، وإنما هو للذكور والإناث ومن جملة النعيم الزواج.
وقول السائل "إن الله - تعالى - ذكر الحور العين وهن زوجات ولم يذكر للنساء أزواجاً".
فنقول: إنما ذكر الزوجات للأزواج؛ لأن الزوج هو الطالب، وهو الراغب في المرأة، فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة وسكت عن الأزواج للنساء، ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج بل لهن أزواج من بني آدم.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيح/ محمد بن عثيمين - رحمه الله -، ج2، ص:53] .(3/348)
رؤية أمهات المؤمنين في الجنة
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 21/10/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم كم أتمنى أن أجد إجابة لديكم على هذا السؤال.
هل بالإمكان أن يرى المسلم إحدى المسلمات في الجنة اللاتي كن أجنبيات عنه ولا يحللن له؟ هل يجوز أن يراهن في الجنة ويقابلهن؟ كأن يتمنى مسلم أن يقابل أمهات المؤمنين، خاصة وأن القلوب قد طهرت بدخول دار الطيبين، فقد دار حوار هادئ بين أناس ولم يخرجوا بنتيجة واضحة تفصل المسألة، فنأمل منكم إجابة شافية ولو بعد حين، بارك الله فيكم ونفع بعلمكم.
الجواب
إن أمور الغيب لا سبيل إلى معرفتها إلا بالخبر عن المعصوم، لأن أمور الغيب لا تدرك بالعقول والتفكير، فأمور الجنة من الغيب المستور، والواجب الوقوف عند ما جاءت به النصوص من الكتاب والسنة، فيجب الإيمان بالجنة وما أخبر الله به من أصناف النعيم فيها، مع العلم بأن حقائقها لا يعلمها إلا الله، ولم يأت في النصوص أن الرجل يلقى نساء الآخرة.(3/349)
فلم يرد نفي ولا إثبات للرؤية المسؤول عنها، وليس لنا أن نقول: إن الإنسان يمكن أن يرى أمهات المؤمنين أو نقول لا يمكن، بل يجب أن نمسك عن التفكير في هذا والخوض فيه، فإنه من الفضول وليس مما يشرع الدعاء به، ولا مما يشرع تمنيه، لكن الذي دل عليه القرآن أن المؤمنين يلتقون ويجلسون على السرر متقابلين، كما قال تعالى: "ثلة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين" [الواقعة:12-16] ، وفي الآية الأخرى: "ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين" [الحجر:47] ، فلا ينبغي الخوض في أمور الغيب بلا علم، بل إذا طرح مثل هذا السؤال فينبغي أن يجيب الإنسان بقوله: الله أعلم، ويوجه السائل إلى عدم الخوض في ذلك لأنه لا فائدة فيه، "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً" [الإسراء:36] وقالت الملائكة: "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم" [البقرة:32] .
نسأل الله أن يهدينا صراطه المستقيم وأن يجعلنا جميعاً من أهل جنات النعيم وصلى الله وسلم بارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.(3/350)
المذهب الحق في رؤية الله تعالى
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 14/10/1422
السؤال
كيف الرد على من قال أن المقصود بقوله - تعالى -: " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " أي منتظرة بدليل قوله - تعالى- في حكاية عن بلقيس " فناظرة بمَ يرجع المرسلون " والله يحفظكم.
الجواب
هذا جهل بلغة العرب وبالأدلة الشرعية، فإن النظر إذا عُدَّيَ بإلى كما في هذه الآية، فإنه يعني - عند العرب - النظر- بالعين الباصرة، وكل من عنده أدنى معرفة بالعربية يدرك الفرق بين قول القائل: (نظرت إلى الرجل) ، وقوله: (سأنظر بم يرجع الرجل) فالعبارة الأولى تفهم النظر إليه بالعين المبصرة، والعبارة الثانية تفهم الانتظار والترقب.
والأدلة الشرعية الأخرى تفسر الآية كذلك مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنكم سترون ربكم عياناً " والحديث في الصحيحين (البخاري "7435" ومسلم "633" وغيرهما، وقد تواترت الأحاديث في إثبات الرؤية، وأجمع على ذلك سلف الأمة وأهل السنة قديماً وحديثاً، وفسر النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله - تعالى- " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" [يونس 26] بأن الزيادة والمزيد هي النظر إلى الرب - تبارك وتعالى - انظر صحيح مسلم (181) .
والمسلم الذي لا يطمع في هذا النعيم (وهو النظر لوجه الله الكريم) محروم، نعوذ بالله من الحرمان، ونسأله - تعالى - أن ينعم علينا في الفردوس الأعلى، وأن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم. آمين.(3/351)
مم خلقت الحور العين؟
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 28/11/1422
السؤال
مم خلقت الحور العين؟
الجواب
01مثل هذا إنما يؤخذ من المبلَّغ عن الله شرعه، إذ لا مجال للرأي فيه، ولا أعلم شيئاً ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيان حقيقة خلقهن. غير أن الله - تعالى - ذكر أنه ابتدأ خلقهن وأنشأهن لأهل الجنة، يقول - تعالى -: " إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكاراً عرباً أتراباً لأصحاب اليمين [الواقعة: 35-36-37-38] " لكن قد ورد في الكتاب والسنة بعض صفات خَلْقِهِن وخُلُِقِهن، أسوق لك طرفاً منها:
أ. في جمالهن وحسن خلقهن جاء في القرآن الكريم تشبيههن باللؤلؤ المكنون في البياض والصفاء، قال - تعالى -: " وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون " [الواقعة: 22-23] ، وقال - تعالى: " كأنهن الياقوت والمرجان " [الرحمن: 58] .
ب. وفي حيائهن وعفتهن قال - تعالى -: " فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان " [الرحمن:56] ، وقال -تعالى-: " حور مقصورات في الخيام " [الرحمن: 72] قال ابن عباس - رضي الله عنه -: قاصرات الطرف على أزواجهن لا يرين غيرهم، والله ما هن متبرجات ولا متطلعات.
ج. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الشيخان (البخاري 3254، ومسلم 2834) وغيرهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وذكر ما أعد الله للمؤمن في الجنة، فقال: " لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين يرى مُخ ساقهن من
وراء العظم واللحم " قال ابن حجر - رحمه الله - في الفتح " والمراد وصفها بالصفاء البالغ وأن ما في داخل العظم لا يستتر بالعظم واللحم والجلد" أهـ.
د. وفي وضاءتها وطيب رائحتها صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه
البخاري (2796) وغيره من حديث أنس بن مالك قال: " ... ولو أن امرأة من(3/352)
أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحاً ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها" والنصيف الخمار الذي تجعله المرأة على رأسها.
فهذا بعض وصف الحور في الجنة أسأل الله - تعالى - أن يجعلنا جميعاً من أهلها، والله أعلم.(3/353)
هل يرى الرجال النساء في الجنة؟
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 11/12/1422
السؤال
هل يجوز أن أدعو أن يجمعني الله مع امرأة ليست من محارمي في الجنة؟ وهل يرى الرجل المرأة الأجنبية في الجنة؟ وهل يرى الرجل المرأة من محارمه كأخته مثلاً في الجنة؟ مع الدليل، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
- وصل سؤالك عن أحوال الناس في الجنة، وهل يرى الرجال النساء في الجنة، وهل يجمعك الله مع امرأة ليست من محارمك؟
وعلينا -وفقك الله- أن نعلم أن في الجنة غاية النعيم ومنتهاه، وقد بين الله - عز وجل- أن لأهل الجنة فيها ما يشتهون، فكل نعيم يشتهيه أهل الجنة ينالونه، ولن يوجد أحد في الجنة يتمنى شيئاً ولا يناله.
ولكن عليك أن تعلم أن هذه الرغبات التفصيلية لا يلزم أن تكون حاضرة في الجنة، ولا أن ما تشتهيه في الدنيا ستشتهيه في الجنة، فشهوات الطفل غير شهوات الشاب، غير شهوات الرجل، وهذا كله في الدنيا، فكيف بشهوات أهل الدنيا وأهل الآخرة؟
2- عندما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الناس يبعثون يوم القيامة حفاة عراة قالت عائشة -رضي الله عنها-:" يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: يا عائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذاك " رواه البخاري (6527) ومسلم (2859) . وهذا يبين لك أن شأن الآخرة غير شأن الدنيا، وأن الأمر أعظم من ترد فيه هذه الخواطر.
3- كونك تتمنى هذه المرأة في الدنيا لا يعني أن هذه الأمنية ستبعث معك يوم القيامة.
4- هناك أناس عندهم نوع انحراف في الشهوات كمن يتشهى المردان والمحارم، وربما تساءلوا هل هذه الشهوات في الجنة؟ ونحن نعلم أن أهل الجنة سيكونون بهيئات سوية وفطر سوية لا تشتهي هذه الأمور المنحرفة.(3/354)
5- ثم بعد ذلك أليس الأجدى لنا أن نتشاغل بأسباب دخول الجنة وسلوك الطريق الموصل إليها؟ فإذا أكرمنا الله بها فإن وراء ذلك النعيم كله، ولن تحرم في الجنة من شيء تشتهيه، ولكن الشأن في سلوك طريق أهلها، والبعد عما يبعد عنها.
6- سمع سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما- ابنه يدعو وهو يقول: "اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها، ونحواً من هذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها فقال: لقد سألت خيراً كثيراً، وتعوذت بالله من شر كثير، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:" إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء"وقرأ هذه الآية "ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين" [الأعراف:55] وإن بحسبك أن تقول: اللهم إني أسألك الجنة، وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار، وما قرب إليها من قول أو عمل" رواه أبو داود (1480) وأحمد (1483-1584) وإسناده حسن.
وورد نحوه عن عبد الله بن مغفل -رضي الله عنه- أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها فقال: أي بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:" إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطَّّهُور والدعاء" رواه أبو داود (96) وأحمد (16795-16801) وإسناده صحيح.
وكما أن هذا أدب في الدعاء، فهو أيضاً أدب في العلم، فعلينا التشاغل بما يعيننا بدءاً وهو العمل الصالح، والاستغناء بما أخبر الله به من نعيم يشوق إلى الجنة ويبعث على العمل، وترك التكلف بالسؤال عما كفينا، فلو كان هذا مما يحتاجه الناس لبينه الله لهم كما بين غيره من أحوال أهل الجنة.(3/355)
أما رؤية الرجل أخته في الجنة فقد ذكر الله حال أهل الجنة فقال -تعالى-:" فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون.." [الصافات:50-57] فأخبر سبحانه أن أهل الجنة يقبل بعضهم على بعض يتحدثون، ويسأل بعضهم بعضاً عن أحوالٍ كانت لهم في الدنيا، وهذا يدل على أن المعارف والأقارب يلتقون في الجنة، ويتحادثون ويتذكرون أحوالهم في دنياهم. وقد ذكر الإمام ابن القيم في الباب التاسع والخمسين في كتاب (حادي الأرواح) فصلاً طويلاً في تزاور أهل الجنة، أورد فيه أحاديث كثيرة لا تخلوا أسانيدها من ضعف ودلالة الآية ظاهرة -بحمد الله-.
أسأل الله أن يجعلنا وإياك من أهل كرامته، ويسلك بنا سبيل أوليائه، وأهل طاعته، وأن يجعل منقلبنا إليه في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، والسلام عليك.(3/356)
هل الأطفال طيور في الجنة؟
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 16/1/1423
السؤال
سمعت أن هناك حديثاً يقول: بأن الطفل إذا مات دون السنتين، أو دون سن البلوغ يكون في الجنة طيراً، فهل هذا صحيح؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه والتابعين، أما بعد:
أجمع أهل السنة والجماعة من علماء هذه الأمة أن أطفال المسلمين الذين ماتوا قبل البلوغ أنهم جميعهم في الجنة، هذا ما لا خلاف فيه، وقد دل على ذلك صراحة أحاديث صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، منها: حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أطفال المسلمين أنه قال عنهم: " صغارهم دعاميص الجنة" يتلقى أحدهم أبه، أو قال: أبويه فيأخذ بثوبه، كما آخذ أنا بِصَنِفَةِ ثوبك هذا، فلا ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة " أخرجه مسلم في صحيحه (رقم 2635) ، والدعموص: دُويبة لا تُفارق الماء، والمقصود أن أطفال المسلمين في الجنة لا يُفارقونها، والصَّنِفَة: طرف الثوب، وفي حديث قُرة بن إياس - رضي لله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأحد الصحابة لما توفي ابنه: " أما يسرك أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته عنده يسعى يفتح لك؟! " فقال رجل: أله خاصة أو لكُلَّنا؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: " بل لكلكم " أخرجه النسائي في (المجتبى رقم 2088،1870) ، وابن حبان في صحيحه (رقم 2947) ، والحاكم وصححه (1/384) ، فدل هذان الحديثان وغيرهما أن أطفال المسلمين في الجنة، ولذلك أجمع علماء الأمة على ذلك.(3/357)
أما أنهم يكونون من طيور الجنة، فلم أجده إلا في حديث عائشة - رضي الله عنها- فقد أخرج الإمام مسلم (رقم 2662) من طريق طلحة بن يحيى، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين، قالت: "دعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنازة صبي من الأنصار. فقلت: يا رسول الله، طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء ولم يدركه. قال: "أو غير ذلك يا عائشة؟ إن الله خلق للجنة أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم" وأخرج هذا الوجه الإمام أحمد (6/41، 208) وأبو داود (رقم 4680) ، والنسائي في المجتبى (رقم 1947) ، وابن ماجة (رقم 82) ، وابن حبان في صحيحه (رقم 6173) .
وقد حكم الإمام أحمد بتفرُّد طلحة بن يحيى بهذا الحديث، حيث قال في العلل (138) "طلحة بن يحيى أحب إلي من بُريد بن أبي بردة، بُريد يروي أحاديث مناكير، وطلحة حدَّث بحديث عصفور من عصافير الجنة" (قال عبد الله بن أحمد) حدثني أبي قال: حدثنا ابن فضيل عن العلاء أو حبيب بن أبي عَمر، قال أبي: وما أراه سمعه إلا من طلحة يعني ابن فضيل".
ولذلك أورد العقيلي هذا الحديث في الضعفاء في ترجمة طلحة بن يحيى، ثم قال (2/615 - 616) : " آخر الحديث فيه رواية من حديث الناس بأسانيد جياد، وأوله لا يُحفَظ إلا من هذا الوجه".
وتعقَّب ابن عبد البر هذا الحديث في التمهيد (6/350 - 351) بقوله: "وهذا الحديث ساقط ضعيف مردود بما ذكرنا من الآثار والإجماع، وطلحة بن يحيى ضعيف لا يحتج به، وهذا الحديث مما انفرد به، فلا يُعَرّج عليه"، وقال في موطن آخر من التمهيد (18/90) : "حديث ضعيف، انفرد به طلحة بن يحيى، فأنكروه عليه، وضعَّفوه من أجله".(3/358)
وقد صَرَّح الإمام أحمد بتضعيف هذا الحديث، كما في كتاب الجامع للخلاَّل، كتاب أهل الملل (1/67 - 68 رقم 16) وعنه ابن قدامة في منتخب علل الخلاَّل (53، رقم 10) ، وابن قيم الجوزية في أحكام أهل الذمة (2/612 - 613) فقد روى الخلاَّل عن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، أن الإمام أحمد ذكر له حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا في أطفال المسلمين، فقال: "هذا حديث ضعيف، وذكر فيه رجلاً ضعَّفه، هو طلحة. وسمعته يقول غير مرة وأحدٌ يشك أنهم في الجنة؟! ثم أملى علينا الأحاديث فيه وسمعته يقول هو يرجى لأبويه، كيف يُشَكُّ فيه؟!! "
وعلى هذا: فتضعيف الحديث قائم على أن طلحة بن يحيى تفرَّد بالحديث، وأن مثله - في ضبطه وإتقانه - لا يحتمل التفرُّد بمثل ما تفرَّد به، ومن رجع إلى ترجمة طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبد الله التيمي سيترجح لديه أنه خفيف الضبط، فانظر تهذيب التهذيب (5/27 - 28) ومثله ما أقل ما يقبل منه التفرُّد خاصة إذا تفرَّد بأصل، وبالأخص إذا كان ما تفرَّد به يخالف النصوص الثابتة والثابت من الدين، بل لقد أطلق ابن عبد البر القول في مفاريد طلحة بن يحيى، ونقل الإجماع على ذلك، عندما قال في التمهيد (12/79) : "ما انفرد به ليس بحجة عند جميعهم لضعفه".
لكن يعارض ذلك كله أن طلحة بن يحيى متابع (في الظاهر) متابعتين:
الأولى: ما أخرجه مسلم (2662) من طريق العلاء بن المسيب، عن فضيل بن عمرو، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين، قالت: توفَّى صبي، فقلت طوبى له، عصفور من - عصافير الجنة -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"أولا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلاً ولهذه أهلاً".
وأخرجه ابن حبان في صحيحه (138) ، والطبراني في الأوسط (4512) ، وقال عقبة: "لم يرو هذا الحديث عن الفضيل بن عمرو إلا العلاء بن المسيب"
وهذه المتابعة ظاهرها الصحة، وقد قدمها الإمام مسلم في صحيحه على رواية طلحة بن يحيى.(3/359)
وللعلماء والباحثين تجاهها ثلاثة مواقف:
الأول: قبولها وتصحيحها، باعتبارها متابعة لحديث طلحة بن يحيى. وهذا هو ظاهر موقف ابن حبان (بلا خلاف أعلمه) ، وهو ظاهر موقف مسلم (على خلافٍ يأتي ذكره) .
الثاني: تصحيحها وتقديمها على رواية طلحة بن يحيى، وهو ما فسر به أبو معاذ طارق بن عوض الله (محقق منتخب علل الخلال) تصرُّف مسلم، من تقديمه لرواية العلاء بن المسيب على رواية طلحة بن يحيى، مبتنياً حسب نظره الفرق في المعنى بين الروايتين، وأن رواية العلاء بن المسيب ليس فيها استدراك من النبي - صلى الله عليه وسلم - على عائشة، أي: ليس فيها ما قد يتمسك به من أن أولاد المسلمين متوقف فيهم، أو أن دخولهم النار محتمل. وعليه فليس في رواية العلاء بن المسيب النكارة التي في رواية طلحة بن يحيى.
الثالث: توهيم العلاء بن المسيب في ذكره لهذه المتابعة، اعتماداً على انفراده بها، كما نصَّ الطبراني عليه (أي على انفراده) ولعل هذا هو موقف الإمام أحمد، الذي سبق وأن ذكرنا كلامه في (العلل) ، وأنه ذكر رواية محمد بن فضيل بن غزوان عن العلاء (وهو ابن المسيب) أو عن حبيب بن أبي عمرة (وهو ممن روى عن عائشة بنت طلحة) ، ورأى أن هذا الحديث مرجعه إلى حديث طلحة بن يحيى.(3/360)
ولعل هذا هو موقف ابن عبد البر أيضاً، فإنه مع جزمه بتفرُّد طلحة بن يحيى، ومع حكمه القاطع بضعف الحديث وردَّه في موطنين من (التمهيد) - كما سبق - إلا أنه عاد ليقول التمهيد (18/106) ، في سياق ذكره لِحُجَج من تَوقَفَ في أطفال المسلمين: "وزعم قوم أن طلحة بن يحيى انفرد بهذا الحديث، وليس كما زعموا، وقد رواه فضيل بن عمرو ... " ثم أورده، والذي يدل على عدم اعتداده بهذه المتابعة تضعيفه الصريح وحكمه الواضح على رواية طلحة بن يحيى - كما سبق -، مع ترجيحه الأخير في هذه المسألة أيضاً (كما تراه في التمهيد) ويشهد لذلك قوله في الاستذكار (8/393 رقم 12066) : "وهو حديث رواه طلحة بن يحيى وفضيل بن عمرو، عن عائشة بنت طلحة عن عائشة، وليس ممن يعتمد عليه عند بعض أهل الحديث" ويشهد لذلك أيضاً ما نقله ابن قيم الجوزية عن ابن عبد البر في أحكام أهل الذمة (2/612) ، حيث قال: "أما حديث عائشة - رضي الله عنها -، وإن كان مسلم رواه في صحيحه، فقد ضعَّفه الإمام أحمد وغيره، وذكر ابن عبد البر علته، بأن طلحة بن يحيى انفرد به عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين، وطلحة ضعيف، وقد قيل إن فضيل بن عمرو رواه عن عائشة بنت طلحة، كما رواه طلحة بن يحيى سواء هذا كلامه".
والمتابعة الثانية: ما أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (رقم 1679) ، عن قيس بن الربيع، عن يحيى بن إسحاق، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة - رضي الله عنها - وقد تعقب هذا الإسناد محقق مسند الطيالسي، د. محمد التركي قائلاً: "في إسناد المصنف قيس بن الربيع، وهو ضعيف ويحيى بن إسحاق: لم أعرفه، وقد يكون مقلوباً من إسحاق بن يحيى بن طلحة".
قلت: بل أحسبه مقلوباً عن طلحة بن يحيى!!.(3/361)
وخلاصة القول: أن الحديث مختلف فيه هذا الاختلاف الطويل، وثمرة الخلاف في قريبة! فمن صحَّح الحديث وجهه بما لا يخالف الصحيح الثابت في أولاد المسلمين، ومن قبل إحدى روايتيه قبلها؛ لأنها لا تخالف الصحيح الثابت فيهم أيضاً، ومن ردَّ الحديث وماله من متابعة ردِّه لمخالفته الظاهرة للصحيح الثابت كذلك، مع ما لاح له من علة صناعية فيه. والذي يترجح عندي إعلال الحديث.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد. والله أعلم.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.(3/362)
عرض أعمال الأحياء على الأموات
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 4/2/1423
السؤال
حول مسألة عرض أعمال الأحياء على الأموات، وما هو الصحيح في ذلك مع الإحالة على المراجع قدر الاستطاعة.
-حول مسألة تزاور الأموات فيما بينهم وما الصحيح في ذلك؟ مع الإحالة على المراجع قدر الاستطاعة.
الجواب(3/363)
الحمد لله، الأموات في عالم البرزخ وهو ما بين الدنيا والآخرة من الموت إلى البعث، فلهم في هذه الدار أحوال وهم على منازلهم ومراتبهم من الخير والشر، قد دلت النصوص من الكتاب والسنة على جملة ذلك، فدلت على أن الأموات إما في نعيم وإما في عذاب، وهذا مما يجب الإيمان به، وهو من الإيمان بالغيب الذي أثنى الله به على المتقين، والعباد في هذه الدنيا لا يعلمون من أحوال أهل القبور شيئاً إلا النادر مما قد يكشف لبعض الناس، كما جاء في أخبار وروايات كثيرة منها الصحيح وغير الصحيح، وكذلك الأموات الأصل أنهم لا يعلمون من أحوال أهل الدنيا شيئاً؛ لأنهم غائبون عنها، فلا يجوز أن نثبت اطلاعهم على شيء من أحوال أهل الدنيا إلا بدليل، وقد جاءت آثار وروايات تدل على أن بعض الأموات يشعر بأحوال أهله، وما يكون منهم، ولا أعلم شيئاً عن صحّة هذه الآثار، وقد أوردها العلامة ابن القيم في كتباه المعروف كتاب (الروح) ، ومن أصح ما ورد مما يتعلق بهذا المعنى، حديث: "إن الميت ليعذّب ببكاء أهله عليه" رواه البخاري (1286) ومسلم (928) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، وكذلك ثبت أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تعرض عليه صلاة أمته وسلامهم عليه -صلى الله عليه وسلم-، انظر ما رواه أبو داود (1047-1531) والنسائي (1374) وابن ماجة (1636) من حديث أوس بن أوس -رضي الله عنه-، وأما مسألة تزاور الأموات فهو من جنس ما قبله، تذكر فيه آثار، وقد أورده ابن القيم في نفس الكتاب، ولا أذكر شيئاً مما يعول عليه لإثبات هذه الحال، ولكن نعلم أن أرواح المؤمنين مع بعضها في الجملة، وكذلك أرواح الكافرين، والله أعلم بالغيب، ومما يتعلق بمسألة عرض أعمال الأحياء على الأموات أو شعورهم بشيء عنها مسألة سماع الموتى، وقد دلّ القرآن على أن الأموات لا يسمعون، كما قال -سبحانه وتعالى-: "إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين" [النمل:80] ، وقال -سبحانه وتعالى-:(3/364)
"وما أنت بمسمع من في القبور" [فاطر:22] ، لكن ورد أن الميت إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، انظر ما رواه البخاري (1338) ومسلم (2870) من حديث أنس -رضي الله عنه-، وما صحّ من الأحاديث في زيارة القبور والسلام على أهلها يأخذ منه بعض أهل العلم أنهم يسمعون كلام المسلِّم عليهم بدليل التوجّه إليهم بالخطاب، وأضف على ذلك ما روي من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من رجل يمرُّ على قبر أخ له كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه فيرد عليه السلام"، أو كما جاء في الحديث، انظر العلل المتناهية (1523) ومعجم الشيوخ (333) وهذه الأحاديث لا يصح الاستدلال بها على أن الأموات يسمعون كل ما يقال عند قبورهم فضلاً عمّا بعد عنهم، فيجب الاقتصار على ما ورد به الدليل، فنقول: الأصل أن الأموات لا يسمعون شيئاً من أقوال الأحياء إلاّ ما دلّ عليه الدليل، ولا يسمعون من يناديهم ليخبرهم بشيء من الأمور، فضلاً أن يسمعوا من يناديهم يستغيث بهم، ويطلب منهم الشفاعة عند الله، ولو كان ذلك قريباً من قبورهم، فضلاً عمّا يكون بعيداً عنهم، ومع إثبات ما ورد من السماع فإننا لا نثبته إلا على الإطلاق، لا نشهد لمعين بأنه يسمع سلام المُسلِّم عليه أو يسمع مشي المشيِّعين له عند الانصراف عنه، لكن نثبت ذلك على وجه الإجمال والإطلاق، وقوفاً على حدّ ما يقتضيه الدليل، والدليل جاء مطلقاً ليس فيه تعيين لمن يحصل له ذلك، وإنما جاء مطلقاً عاماً، فيجب الوقوف مع دلالته دون زيادة، وبهذا يعلم أن ما يفعله القبوريون عند قبور من يعظمونه من دعائهم والاستغاثة بهم أو دعاء الله عند قبورهم أن ذلك دائر بين البدعة والشرك، فيجب الوقوف عند حدود الله في زيارة القبور وغيرها، فإن زيارة القبور إنما شرعت إحساناً للموتى بالدعاء لهم، وانتفاعاً للحيّ بتذكر الآخرة، نسأل الله البصيرة في الدين والفرقان المبين.(3/365)
تغليب الثواب الدنيوي على الأخروي
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 6/8/1423هـ
السؤال
إذا غلب الشخص رجاء ثواب الدنيا من الله على رجاء ثواب الآخرة، وذلك في عبادة كالصلاة، فهل يصير فيها خلل؟
الجواب
الصلاة رأس العبادات الشرعية ولا تصح إلا بنية، وهي داخلة في قوله - صلى الله عليه وسلم - "إنما الأعمال بالنيات" البخاري (1) ، ومسلم (1907) .(3/366)
وفعل الصلاة تنفيذاً لأمر الله تعالى بها في مثل قوله تعالى: "وأقيموا الصلاة" [البقرة: 43] ، والمسلم يبتغي بها وجه الله والدار الآخرة، وأداؤها شكراً لله على ما أنعم به من الهداية والصحة والعافية وغير ذلك، كما في قوله تعالى: "الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ" الآية، [الحج:41] . وهي سبب لصد ودفع المعاصي في الحياة الدنيا، كما في قوله سبحانه: "إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ" الآية، [العنكبوت:45] وهي وسيلة لتكفير السيئات ودخول الجنات، كما في قوله - تعالى -: "لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ" الآية، [المائدة: 12] وهي علامة الإيمان في الدنيا، كما في قوله تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" [التوبة:71] ، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان" الترمذي (3093) ، وابن ماجة (802) ، وأحمد (11651) .(3/367)
والصلاة يستعان بها في أمور الدنيا كما في قوله سبحانه: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ" [البقرة:45] ، بل إنها سبيل للخلاص من المهالك، وعدم التعرض للإساءة ونحوها، قال تعالى: "فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ" الآية، [التوبة:5] "فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ" الآية، [التوبة:11] ، وهي سبب للحفظ في الدنيا، فمن حفظها وحافظ عليها حفظته ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع من أموره الدنيوية والأخروية مما يقربه إلى الله ويبعده عن النار، لكن الخلاصة أن رجاء ثواب الدنيا لا يغلب على رجاء ثواب الآخرة في الصلاة، ومن رجا ثواب الآخرة وأدى الصلاة لذلك جاءه ثواب الدنيا بإذن الله، وسهل الله له أمور الدنيا الموصلة إلى رضوان الله، فيكون قد حصل على الأمرين إذا هو أبعد وأعظم في الهدف، فإنه يحصل له وهو في طريقه إلى الهدف الأسمى هدفه الأدنى، ومن العيب والنقص طلب الأدنى على حساب الأسمى، أو أن يبتغي المرء بعبادة كالصلاة الوصول إلى أهداف الدنيا ومقاصدها وشهواتها وملذاتها، ثم يتقاعس ويضعف بعد وصوله إلى ذلك في تحقيق أمر الله بذل وخضوع وإنابة ومحبة وإخلاص، ورجاء فيما عند الله وثوابه وخوفاً من مقته وعقابه، فإن ذلك يحدث خللاً في عبادته وصلاته، فيكون كما قيل في البيت الشعري:
صلى المصلي لأمر كان يقصده *** فلما انقضى الأمر ما صلى ولا صاما
والعياذ بالله من ذلك - وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(3/368)
نار جهنم هل تفنى؟
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 17/10/1423هـ
السؤال
ما حكم من قال: إن النار تفنى؟ وأول نعيم الجنة بأنه من قبيل المجاز والاستعارة؟
وزعم أن الكفار يخرجون من النار؟
الجواب(3/369)
قامت الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة على أن النار لا تفنى، وعلى تخليد الكافرين في النار، وأنهم لا يخرجون منها، قال الله تعالى: "ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ" [الجاثية:35] ، وقال: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً" [النساء:56] ، وقال: "وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً" [الإسراء:97 - 98] ، وقال: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" [التغابن:10] ، وقال: "إِلا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً" [الجن:23] ، وقال: "إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ" [الزخرف:74-78] ، وقال: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ(3/370)
أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ" [البقرة:165] ، إلى أن قال: "كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ" [البقرة:167] ، وقال: "إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ" [الأعراف:40-41] ، وقال: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ" [فاطر:36- 37] ، وقال: "إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً" [النبأ:21-22] ، إلى أن قال: "فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً" [النبأ:30] ، إلى غير ذلك من الآيات التي يدل كل منها على تخليد الكفار في النار وعدم خروجهم منها وعدم فنائها، فإذا اجتمعت كانت دلالتها على ذلك أقوى وأبعد عن التأويل.(3/371)
أما الجنة فدار الجزاء يوم القيامة لمن آمن وعمل الصالحات، فيها من النعيم ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، يتمتع بها من دخلها متاعاً حقيقياً حسياً وروحياً ويحيون فيها حياة أبدية فلا فناء ولا خروج منها ولا انقطاع لنعيمها ولا نغص ولا كدر بالنصوص القطعية وإجماع أهل العلم والإيمان، قال الله تعالى: "مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ" [الرعد:35] ، وقال تعالى: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ" [الحجر:45-48] ، وقال تعال: "هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ* إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ" [صّ:49-54] ، وقال تعالى: "الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ(3/372)
تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ" [الزخرف:67-73] ، وقال تعالى: "وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ" [هود:108] ، يعني الاستثناء: المدة التي شاء الله ألا تكونوا في الجنة قبل دخولها ولذا ختم الآية بقوله: "عطاءً غير مجذوذٍ" تأكيداً لدوام نعيمها يتمتع به من فاز بدخولها، ونظيره الاستثناء في سورة الدخان قال تعالى: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" [الدخان:51-57] ، فاستثنى موتة سابقة من موت منفي مستقبل لإفادة تأبيد الحياة وتأكيد دوامها، أو المراد بالاستثناء بيان عموم مشيئة الله ونفوذها في كل شيء فدخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وخلود كل من الفريقين فيما دخل فيه من نعيم أو عذاب إنما كان بمشيئة الله واختياره وفضله وعدله لا واجباً عليه عقلاً ولا يحصل كرهاً عنه ولا قهراً له تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.(3/373)
وثبت في السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ينادي منادٍ: يا أهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً" رواه مسلم، وثبت أيضاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح.." إلى أن قال: "فيؤمر به فيذبح ثم يقال: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت ... " إلخ، رواه مسلم في صحيحه، وأكد سبحانه خلود الجنة والنار وأبديتهما، وخلود المؤمنين في الجنة والكافرين في النار في آيات كثيرة من القرآن، وفصلت السنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تفصيلاً لا يدع مجالاً للشك في حقيقته ولا لتأويل النصوص الصريحة، فمن شك فيه أو تأوله فقد اتبع هواه وحرف الكلم عن مواضعه وكان من الكافرين.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (3/486-491) ] .(3/374)
رؤية الأخ لأخيه في الجنة
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 17/05/1425هـ
السؤال
هل يرى الأخ أخاه في الجنة؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:(3/375)
أخبر الله في كتابه أن أهل الجنة يتحدثون فيما بينهم، ويسأل بعضهم بعضاً عن أحوال كانت في الدنيا فقال تعالى: "فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ {50} قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ {51} يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ {52} أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ {53} قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ {54} فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ {55} قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ {56} وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ {57} (الصافات-57) قال ابن كثير: (يخبر الله عن أهل الجنة أنه أقبل بعضهم على بعض يتساءلون، أي عن أحوالهم وكيف كانوا في الدنيا، وماذا كانوا يعانون فيها، وذلك من حديثهم على شرابهم، واجتماعهم في تنادمهم ومعاشرتهم في مجالسهم وهم جلوس على السرر، والخدم بين أيديهم يسعون ويجيئون بكل خير عظيم من مآكل ومشارب وملابس وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) (تفسير ابن كثير 6/12) وقال سبحانه وتعالى: "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ" (الطور:21) ، فذكر الله في هذه الآية أنه يمن على الذرية المؤمنة بأن يجمعهم في الجنة، وذلك برفع منزلة الأبناء التي قصرت إلى منزلة الآباء، وهذا تفضل منه وتكرم. قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ"، قال: (هم ذرية المؤمن يموتون على الإيمان، فإن كانت منازل آبائهم أرفع من منازلهم ألحقوا بآبائهم، ولم ينقصوا من أعمالهم التي عملوها شيئاً) (ينظر: تفسير ابن كثير /433) ، وأخرج أبو نعيم عن حميد بن(3/376)
هلال قال: (بلغنا أن أهل الجنة يزور الأعلى الأسفل.....) ، وقد ورد في تزاور أهل الجنة أحاديث ضعيفة، ذكرها أبو نعيم في كتاب " صفة الجنة " (ص:258 - 260) ، والحافظ ابن القيم في كتابه " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " (ص: 332 - 336)
هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ...(3/377)
من هم أصحاب اليمين؟
المجيب د. محمد بن صالح الفوزان
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 12/11/1424هـ
السؤال
من هم أصحاب اليمين؟ ولم جعلهم الله من المقربين؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
لقد ذكر الله انقسام الناس إلى ثلاثة أصناف يوم القيامة، صنفان في الجنة وهم أصحاب اليمين والمقربون، وصنف في النار، وهم أصحاب الشمال، قال -تعالى-: "وكنتم أزواجاً ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون" [الواقعة:7-11] . وسمي أصحاب اليمين بذلك:
قيل: لأنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم.
وقيل: لأنهم يذهب بهم ذات اليمين إلى الجنة.
وقيل: لأنهم عن يمين آدم، كما رآهم النبي - صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء.
وقيل: لأنهم ميامين، أي: مباركون على أنفسهم أطاعوا الله فدخلوا الجنة، ولا مانع من حمله على كل ما سبق.
وهم غير السابقين المقربين، فهؤلاء أعظم درجة، وأصحاب اليمين لهم أجر عظيم، وهم يلون السابقين في الدرجة.(3/378)
جنة آدم وجنة الخلد
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 18/12/1424هـ
السؤال
قرأت في كتاب لابن القيم عن الجنة، وذكر أقوالاً كثيرة حول خلاف أن جنة آدم -عليه السلام-، وجنة الخلد فما هو القول الراجح؟.
الجواب
الحمد لله، يجب الإيمان بأن الله أسكن آدم وزوجه الجنة، وأن هذه الجنة لا يظمأ صاحبها، ولا يضحى، ولا يجوع، ولا يعرى، كمال قال -سبحانه وتعالى-: "فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى" [طه:117-119] ، وقال -تعالى-: "وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ" [البقرة:35] ، ففي هذه الجنة عيش رغد هنيء، ولكن في هذه الجنة شجرة نهى الله آدم وزوجه عن قربانها: " وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ"، وليس في هذه الآيات نص صريح بأن هذه الجنة هي جنة الخلد التي أعدها الله للمتقين، وليس فيها أنها غيرها، ولأجل ذلك اختلف الناس في هذه الجنةُ، ولكلٍّ من الفريقين حجج تؤيد ما ذهب إليه، وقد استوفاها العلامة ابن القيم في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، وضمن ذلك جملة أبواب من ذلك الكتاب، وكذلك ذكر القولين وحجج الفريقين في كتاب مفتاح دار السعادة، وقد رجح - رحمه الله- في بعض كلامه أن المراد بها جنة الخلد كما قال في ميميته المعروفة:
فحي على جنات عدن فإنها *** منازلك الأولى وفيها المخيم
ألم تر أننا سبي العدو فهل تر *** نعود إلى أوطاننا ونسلم
كما يستشهد في البيتين المعروفين وهما:(3/379)
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى*** فما الحب إلا للحبيب الأول
وكم منزل في الأرض يألفه الفتى *** وحنينه أبداً لأول منزل
والراجح عندي - والله أعلم- هو التوقف في ذلك، وعدم الجزم بأحد الرأيين لما ذكرت من أنه ليس في النصوص ما يوجب الجزم بأحدهما. والله أعلم.(3/380)
هل للمسلم أن يسأل عن مكان النار؟
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 15/8/1424هـ
السؤال
هل لنا أن نسأل أين النار؟ وهل ورد نص صريح أن النار موجودة في الأسفل وليس في السماء؟ أم هي أيضاً في السماء؟.
الجواب
ذُكِر أن بعض المشركين أو المجوس لما قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" [آل عمران:133] ، قالوا: فأين النار؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله، أين الليل إذا جاء النهار؟! " رواه أحمد في مسنده (15655) وغيره، فأثبت أيضاً أن الأفلاك واسعة، فالنار حيث وضعها الله - تعالى - وحيث جعلها، جاء في تفسير قوله تعالى: "ثم رددناه أسفل سافلين" [التين: 5] أنها النار، وأنها أسفل سافلين، وجاء في تفسير قوله تعالى: "كلا إن كتاب الفجار لفي سجين" [المطففين: 7] ، أن سجين تحت الأرض السابعة، وأنها اسم من أسماء النار، أو محبس النار، والله أعلم حيث يجعلها، ولا نشك أن النار والجنة موجودتان الآن.(3/381)
القنطرة بين الجنة والنار!
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 17/2/1425هـ
السؤال
ما هي القنطرة؟ وهل جميع الخلائق سيعرضون أو يمرون بها؟ وإذا كان لديك مخطط ببيان ما ستكون عليه مراحل يوم القيامة.
الجواب
الحمد لله، ففي البخاري (6535) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبُوا ونُقّوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده، لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا" وهذه القنطرة من أمور الغيب كالصراط والميزان، وأهل السنة والجماعة يؤمنون بهذا كله، فيؤمنون بكل ما أخبر الله به في كتابه، أو صح عن رسوله - صلى الله عليه وسلم-، والقاعدة أن أمور الغيب يؤمن بها ولا يطلب العلم بكيفيتها، فلا نعلم كيفية الصراط وحقيقته على ما هو عليه، ولا نعلم كذلك كيفية هذه القنطرة، وبهذا يعلم أن السؤال عن مخطط لمراحل يوم القيامة سؤال غير لائق، فعلى المسلم أن يؤمن بهذه المغيبات تصديقاً لله ورسوله، ولا يطلب كيفيتها، فحقائق الآخرة لا يعلمها إلا الله، وسيدرك الناس من ذلك ما شاء الله لهم يوم القيامة إذا باشروا هذه الأحوال وعاينوا ما كان غيباً، والإيمان الذي مدح الله أهله هو الإيمان بالغيب، أما الأمور المعاينة كالشمس والقمر والأرض والجبال فليس مما يمدح الإيمان بوجوده، ولهذا قال سبحانه وتعالى: "..هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون" [البقرة:2-4] . والله أعلم.(3/382)
القول بفناء الجنة
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 13/08/1425هـ
السؤال
يقول الحق تعالى: "وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ والأرض إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ" [هود:108] ، أرجو الجواب على سؤالي ربط الله -سبحانه وتعالى- الخلود بدوام السماوات والأرض، ثم ربط هذا الدوام بمشيئته بذكر كلمة "إلا مَا شَاءَ رَبُّكَ"، فهل هناك احتمال بالخروج من الجنة طبقًا للاستثناء؟ شكرًا لكم.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(3/383)
لقد أخبر - سبحانه وتعالى- أنه أعد الجنة التي عرضها السماوات والأرض للمتقين، وأعد النار التي وقودها الناس والحجارة للكافرين، فأخبر في آيات كثيرة بخلود أهل الجنة فيها أبداً، وأنهم لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى التي كانت قبل دخولهم الجنة، وأنهم منها لا يخرجون، وأما قوله تعالى: "وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ" [هود:108] ، فقوله تعالى: "ما دامت السماوات والأرض"، قيل: إن هذا تعبير عن الدوام الذي لا انقطاع له، وقوله تعالى: "إلا ما شاء ربك"، أظهر ما قيل في هذا الاستثناء أن المراد به بيان أن خلود أهل الجنة فيها هو بمشيئته - سبحانه وتعالى- فبقاؤهم بإبقاء الله، وأكد دوام نعيم الجنة بقوله: "عطاء غير مجذوذ"، كما قال في الآية الأخرى: "إن هذا لرزقنا ما له من نفاذ"، وقال تعالى: "أكلها دائم وظلها"، وأما القول بفناء الجنة هو قول (جهم بن صفوان) إمام المعطلة ومن تبعه، فالقول بفناء الجنة جحد لما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة فهو كفر، وكذلك النار، أخبر -سبحانه وتعالى- عن خلود أهلها فيها، وأنهم لا يقضى عليهم فيموتوا، وما هم بخارجين من النار، وأنهم كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها، وأما قوله سبحانه وتعالى: "فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد"، وهو كذلك يدل على خلود أهل النار فيها ما دامت السماوات والأرض، وقد تقدم معنا ذلك فيما جاء في شأن السعداء، وأما قوله تعالى: "إلا ما شاء ربك" فالقول فيه كالقول في آية الذين سعدوا، فمعناه أن خلود أهل النار فيها، وبقاءهم هو بمشيئته سبحانه وتعالى، وقد ذهب جمهور أهل السنة إلى أن النار لا تفنى، وأن أهلها مخلدون فيها للآيات التي سبقت الإشارة إليها،(3/384)
وكما سبق الجواب عن قوله: "إلا ما شاء ربك"، وقد قيل إن بعض أهل السنة قال: إن النار تفنى بعد أحقاب من الزمان، ومن الشبه في هذا قوله تعالى: "لابثين فيها أحقاباً"، وقوله تعالى: "إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد"، فلم يعقب قوله تعالى: "إلا ما شاء ربك" بمثل ما عقب به ما ورد في شأن السعداء، وهو قوله: "عطاء غير مجذوذ" والله أعلم أراد وهو فعال لما يريد، ونعوذ بالله من حال أهل الشقاء، ونقول كما قال عباد الرحمن: "رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً* إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً" [الفرقان:66] ، ونقول: "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" [البقرة: من الآية201] . والله أعلم.(3/385)
علاقة المحسن بالمسيئين من أقاربه يوم القيامة
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 15/9/1424هـ
السؤال
لو أن شخصاً عمل عملاً أوجب دخوله الجنة، ولكن هناك شخصاً قريباً له (أخوه أو أبوه) دخل النار والعياذ بالله، فهل دخول قريبه إلى النار من المنغصات له
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
ما ذكرت من المنغصات لا يلحق بأهل الجنة لأنها نعيم وسرور وحبور، أخبر الله عن أهلها أنه: "لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ" [الحجر:48] ، وأكد هذا المعنى بقوله في آية أخرى "الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ" [فاطر:35] ، وورد في صحيح مسلم / كتاب الجنة / باب صفة الجنة وأهلها/ حديث (2837) (ج4/ 2182) عن أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "ينادي منادٍ إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتو أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً" فذلك قوله عز وجل: "وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"
[الأعراف: من الآية43] .
ودخول قريبه في النار هو من عدل الله في حكمه وجزائه، وهو إن كان من الموحدين فإنه لا يخلد فيها، بل يعذب فيها ما شاء الله ثم يخرجه الله منها، ومن أسباب خروجه منها شفاعة الشافعين له عند الله أن يخرجه من النار، وهذا معلوم من مذهب أهل السنة والجماعة في أحكام الشفاعة، نسأل الله أن يجعلنا من أهل دار كرامته، وأن يعاملنا بفضله ومنَّه وكرمه وتجاوزه عنا، إنه سميع قريب مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(3/386)
هل تتزوج غير زوجها في الجنة
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 7/1/1424هـ
السؤال
أنا متزوجة وكنت أحب شخصاً قبل الزواج وتعاهدنا ألا نغضب الله ونعبده ونطيعه، وأن نكون لبعضنا البعض في الآخرة، والآن نحن لا علاقة لنا ببعض، فأريد أن أعرف أنه سيكون من نصيبي في الجنة إذا دخلنا نحن الاثنان الجنة، أم أنني سأكون من نصيب زوجي؟ أرجو الإفادة لأنني أحبه جداً، ولا أريد أن أغضب الله ولا زوجي مني.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، وبعد:
أختي في الله؛ أمور الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا وأمورها، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما- فيما صح عنه:"ليس في الآخرة مما في الدنيا إلا الأسماء"، وعلى هذا فتكيفات الإنسان ومراداته في الدنيا ليست بالضرورة كائنة في الآخرة، ويكفي أن الله نفى عن أهل الجنة أن يمسهم فيها نصب أو لغوب، أو هم أو حزن أو غل، فحياة الآخرة حياة أخرى نؤمن بها ولا نحيط بكيفياتها وتفاصيلها إلا بقدر ما جاءت به النصوص ودلت عليه، وبخصوص قضيتك؛ فالمشهور عند أهل العلم أن المرأة المسلمة لزوجها المسلم إذا دخلا جميعاً الجنة، فلهم زوجات من أهل الدنيا ولهم كذلك مما ينشئه الله تعالى في الجنة، والمعول -أختي- على الاستعداد والعمل لتلك الدار، التي أخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أن من دخلها:"ينعم ولا يبأس ويخلد ولا يموت" مسلم (2836) .(3/387)
هل المعاصي توجب الخلود في النار
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 13/3/1425هـ
السؤال
المسلم الذي يعمل الحسنات ويرتكب الذنوب فهل يخلد في النار أم أنه يعاقب على ما ارتكبه من ذنوب ومن ثم يدخل الجنة بسبب أعماله الأخرى؟ فهناك قول إن الفرد إما أن يخلد في النار أو يدخل الجنة ولا يوجد حل ثالث، نرجو الإفادة ولكم شكرنا.
الجواب(3/388)
الحمد لله، من مات مؤمناً بالله ورسوله عليه السلام موحداً لله لا يشرك به شيئاً، فإنه لابد من دخوله الجنة، فإن كانت له ذنوب مات وهو مصر عليها فإنه تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه؛ كما يشاء سبحانه وتعالى، ثم يخرجه من النار ويدخله الجنة؛ كما قال تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء:48] ، فمن مات على الشرك فهو الذي لابد له من دخول النار مخلداً فيها، وأما ما دون الشرك فمن مات عليه ولم يتب فترجى له المغفرة وإن عذب فإنه لا يخلد في النار كما تواترت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه شيء من الإيمان مثقال حبة من خردل من إيمان أو مثقال شعيرة كما هي ألفاظ للأحاديث الواردة في هذا المعنى انظر مثلاً ما رواه البخاري (44) ومسلم (193) من حديث أنس - رضي الله عنه -، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة أن أهل الكبائر لا يخلدون في النار إذا ماتوا وهم موحدون، وأما القول بأن من دخل النار لا يخرج منها وأن الناس فريقان إما من أهل النار خالداً مخلداً فيها، وإما من أهل الجنة فهذا القول هو قول المبتدعة من الخوارج والمعتزلة الذين يقولون: إن أهل الكبائر مستوجبون لدخول النار على وجه الخلود فيها، فخالفوا المذهب الحق من وجهين قطعهم بدخول كل أهل الكبار في النار، ثم قولهم بتخليدهم في النار، وعلى هذا فالناس ثلاثة أقسام: منهم من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، ومنهم من يدخل النار ولا يخرج منها وهم الكفار ومنهم من يدخل النار، فيمكث فيها ما شاء الله ثم يخرج منها ويدخله الله الجنة، وهذا الصنف تتفاوت مدة مكثهم في النار فمنهم من تطول مدة مكثهم ومنهم من تقصر والله - تعالى - أحكم الحاكمين، فجزاء الله - سبحانه وتعالى - لعباده دائر بين الفضل والعدل كما قيل:
إن عذبوا فبعدله أو نعموا *** فبفضله وهو الكريم الواسع
سبحانه وتعالى، والله أعلم.(3/389)
رؤية النساء لله في الجنة
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 15/2/1425هـ
السؤال
جاءت الأحاديث التي تثبت رؤية الله -عز وجل- وفيها أنهم بعد أن يروا الله سبحانه يرجعون إلى أزواجهم، هل هذا يعني أن النساء لا يرون الله -عز وجل-؟.
الجواب(3/390)
الحمد لله، لقد دلَّ القرآن والسنة المتواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- كما أجمع أهل السنة والجماعة على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة في عرصات القيامة، يعني: في مواقف القيامة، ويرونه بعد دخول الجنة كما يشاء - سبحانه وتعالى-، وهم في هذه الرؤية على مراتب؛ فبعضهم أعظم حظًّا في هذه الرؤية من بعض، وذلك لاختلاف منازلهم ودرجاتهم عند الله، ورؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة هي رؤية حقيقية عيانية، يرونه سبحانه وتعالى بأبصارهم كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته" رواه البخاري (7436) ، ومسلم (633) واللفظ له من حديث جرير - رضي الله عنه -، فشبه الرؤية بالرؤية، ولم يشبه المرئي بالمرئي، ووعد المؤمنين بهذه الرؤية التي هي أعلى مطالب المؤمنين وأعلى نعيمهم في الجنة، والوعد بذلك عام لكل المحسنين من الرجال والنساء، كما قال تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" [يونس:26] وجاء تفسير الزيادة بأنها النظر إلى وجه الله الكريم، وقال تعالى: "وأزلفت الجنة للمتقين" [ق:31] إلى قوله: "لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد" [ق:35] ، وفسر المزيد بما فسرت به الزيادة في الآية المتقدمة، ووصف المتقين في القرآن وفي السنة يعم الرجال والنساء، وكذلك الموصول في مثل: "والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون" [البقرة:82] ، وهكذا قوله سبحانه: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" [يونس:26] ، هو عام للرجال والنساء، ولكن الله أعلم كيف تكون رؤية المؤمنات لله - تعالى -، ولا يمتنع أن يكون للرجال مزية في رؤيته - سبحانه - لأن الرجال يمتازون في الدنيا على النساء بأعمال عظيمة كصلاة الجماعة والجمعة والجهاد، فلا بد أن يكون لذلك أثره في جزاء الآخرة، وقد ذكر شيخ الإسلام هذه المسألة (أي: مسألة رؤية النساء لله - تعالى - في الجنة) ، وذكر أن فيها اختلافاً، وذكر الأدلة ورجح(3/391)
القول بأنهن يرين الله؛ لأن ذلك هو ظاهر النصوص فهي عامة في المتقين والمحسنين والمؤمنين، فلا موجب لتخصيصها بغير دليل، ومن أراد المزيد من بحث هذه المسألة فليرجع إلى كلام الشيخ - رحمه الله- في المجلد السادس من مجموع الفتاوى. والله أعلم.(3/392)
متعة المؤمنات في الجنة
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 16/2/1425هـ
السؤال
ما هو نصيب المرأة المؤمنة في الجنة؟! هذا ما لم أر أو أقرأ أو أسمع عنه جواباً شافياً، أذكر أني سألت ذات السؤال لمعلم الدين وأنا في المرحلة الثانوية فلم يزد عن نظرة شرانية وعدوانية! ألححت عليه فقال: تتزوج المرأة في الجنة من زوجها في الدنيا! سكت على مضض ولم أقتنع بإجابته لسببين: أولاً: لم يؤصل قوله بدليل من الكتاب أو من السنّة.
ثانياً: الاحتمال هذا غير مقبول فما نعلمه أن الرجل سيكون له حور عين ولم يرد فيما أعلم ذكر زوجته في الدنيا من بينهن.
وهل في الجنة حور عين من الرجال للمؤمنات؟! طبعاً لم يرد في الكتاب أو السنة ما يشير لهذا الشيء فهل هو غير موجود قطعاً؟!
وإذا كانت المؤمنة ستتزوج من زوجها في الدنيا فما هو مصير من توفت دون أن تتمكن من الزواج؟! لا يستقيم معي هذا أيضاً، بقي احتمال وهو أن الحور العين في الجنة هنّ المؤمنات ولكن هذا يتعارض تماماً مع ظاهر نصوص الكتاب والسنة والتي تفيد بأن حور العين لسن المؤمنات في الدنيا بل هن خلق آخر..
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأود في البدء أن أعلمك يا أخي أنني لن أصادر سؤالك أو أعرض عن الإجابة عليه كما توهمت أن أستاذك الذي سألته قد فعل، غير أني لا أخفي تعجبي من فرط همك بمعرفة الجواب، والوقوف على حقيقة هذا الأمر الأخروي، وهنا لا بد من أقرر أمرين:(3/393)
أولهما: أن تعلم - وفقك الله- أن الأمور الغيبية ليس لنا علم إلا بما أطلعنا الله عليه منها، والله قد أخبر عن ذلك بقوله: "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً" [الجن:26-28] ، وامتدح الله المتقين لإيمانهم بالغيب فقال: "الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ" [البقرة:1-3] .(3/394)
ثانيهما: أن تعلم - أيضاً- أن الجنة دار نعيم وسرور وحبور، ليس فيها هم ولا غم ولا حزن، ولا ما يكدر صفو العيش، لا يمس أهلها نصب ولا لغوب، "وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ" [الزخرف: من الآية71] ، وجاء في الحديث: "إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة أن يقول له: تمنّ، فيتمنى ويتمنى، فيقول له: هل تمنيت؟ فيقول: نعم، فيقول له: فإن لك ما تمنيت ومثله معه" رواه مسلم في صحيحه (1/167) ، وبهذا يعلم أن النساء من أهل الجنة لا يتألمن ولا يؤذين ولا يكدر صفو عيشهن مكدر، وأما ما سألت عنه فسأنقل لك فيه نص جواب للشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله- وقد سئل عما ذكر من أن للرجال الحور العين، فما للنساء؟ فأجاب بقوله: يقول الله - تبارك وتعالى - في نعيم أهل الجنة: "وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ" [فصلت:31-32] ، ويقول تعالى: "وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [الزخرف: من الآية71] ، ومن المعلوم أن الزواج من أبلغ ما تشتهيه النفوس فهو حاصل في الجنة لأهل الجنة ذكوراً كانوا أم إناثاً، فالمرأة يزوجها الله تبارك وتعالى في الجنة بزوجها الذي كان زوجاً لها في الدنيا كما قال تبارك وتعالى: "رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
[غافر:8] .(3/395)
وسئل أيضاً عن المرأة التي لها زوجان في الدنيا فمع من تكون منهما؟ ولماذا ذكر الله الزوجات للرجال ولم يذكر الأزواج للنساء؟ فأجاب بقوله: إذا كانت المرأة لها زوجان في الدنيا فإنها تخير بينهما يوم القيامة في الجنة، وإذا لم تتزوج في الدنيا؛ فإن الله -تعالى- يزوجها ما تقر به عينها في الجنة، فالنعيم في الجنة ليس مقصوراً على الذكور، وإنما هو للذكور والإناث، ومن جملة النعيم الزواج.
وقول السائل: إن الله -تعالى- ذكر الحور العين وهن زوجات ولم يذكر للنساء أزواجاً فنقول: إنما ذكر الزوجات للأزواج؛ لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة، فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة وسكت عن الأزواج للنساء، ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج؛ بل لهن أزواج من بني آدم، انظر المجموع الثمين ج (1/149-150) . والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(3/396)
هل المسلمون هم الذين يعبرون الصراط وحدهم؟
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 30/3/1425هـ
السؤال
هل الصراط يعبره المسلمون فقط؟ وهل تحتها جهنم أو نار خاصة بالمذنبين؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فالراجح من قولي العلماء - والله تعالى أعلم- أن الصراط لا يعبره إلا المسلمون مؤمنوهم وعصاتهم؛ وذلك لأن الورود على النار ورودان، ورود الموحدين، وورود الكفار، أما ورود الكفار فهو الدخول فيها مباشرة من غير مرور بالصراط، نسأل الله العافية، كما قال تعالى في شأن فرعون: "يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود" [هود:98] .
أما الورود الأول: وهو ورود المسلمين فهو المرور على الجسر بين ظهراني جهنم وهو المراد بقوله تعالى: "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا" [مريم:71-72] .
والأصل في ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه- كما في صحيح مسلم (183) أن ناساً في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قالوا: يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ وساق الحديث إلى قوله: "ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة، ويقولون- أي الأنبياء والرسل-: اللهم سلم سلم"، قيل يا رسول الله: وما الجسر؟ قال: "دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك" إلى أن قال: "فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم ... " نسأل الله العافية.(3/397)
قال الحافظ ابن رجب في كتابه: (التخويف من النار ص232) : (واعلم أن الناس منقسمون إلى مؤمن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً، ومشرك يعبد مع الله غيره فأما المشركون فإنهم لا يمرون على الصراط، وإنما يقعون في النار قبل وضع الصراط"، وبذلك قال ابن الوزير اليماني في العواصم والقواصم (9/303) ، وابن عثيمين في شرح لمعة الاعتقاد (ص150) . رحمة الله على الجميع. والله تعالى أعلم.(3/398)
محاسبة الجن في الآخرة
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 14/7/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعلم -والعلم لله وحده-, أن الجن تماماً كالإنس هم أصناف، منهم المسلمون والكافرون وهناك الجن النصراني واليهودي وغيره. سؤالي هو: هل الجن يحاسبون في الآخرة كالإنس، أي بميزان الحسنات والسيئات؟ وهل جزاء المسلمين منهم الجنة والحور كالإنس؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات:56] وقال تعالى: "وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين" [الأحقاف: 29] إلى قوله تعالى: " يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به ... " [الأحقاف: 31] ، وقال تعالى: " ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" [السجدة: 13] ، وقال تعالى: "يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين" [الأنعام: 130] ، وقال سبحانه في سورة الجن: "وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأمّا القاسطون فكانوا لجهنم حطباً" [الجن: 13-14] ، وقد خاطب الله سبحانه في سورة الرحمن الجن والإنس في قوله تعالى: "فبأي آلاء ربكما تكذبان" [الرحمن: 13] واحدا وثلاثين مرّة، وقد تضمنت السورة الوعد والوعيد، وهذا كله يدل على أن الجن مكلفون بعبادة الله والإيمان برسله، وأنهم محاسبون يوم القيامة ومجزيون على أعمالهم ثواباً وعقاباً.(3/399)
ومعلوم أن الجن ليسوا كالإنس في خلقتهم، فلا نقول إنهم كالإنس من كل وجه، والأحكام الدينية والجزائية تتعلق بهم على ما يناسب حالهم وخلقتهم، ونحن لا نعلم كيفياتهم؛ لأنهم من عالم الغيب، وإن ظهروا لنا أحياناً بصور مختلفة فإننا لا نراهم على خلقتهم، كما قال سبحانه وتعالى عن إبليس وذريته وهم الجن: "إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم" [الأعراف: 27] .
وقد اتفق العلماء على أن الجن يحاسبون وكفارهم وعصاتهم معذبون بالنار، كما قال تعالى: "ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" [السجدة: 13] ، فهم يدخلون النار كالإنس، واختلف العلماء في دخولهم الجنة، فمنهم من يقول: إن المطيع ثوابه النجاة من النار.
وقال كثير من العلماء إنهم يدخلون الجنة ويثابون على إيمانهم وطاعتهم وهذا هو الصواب، ولا نعلم كيفية تنعمهم بالجنة؛ لأنهم كما تقدم يختلفون عن الإنس في خلقتهم، ومما يدل على ذلك -أي على دخولهم الجنة- قوله تعالى: "ولمن خاف مقام ربه جنتان" [الرحمن: 46] إلى آخر السورة.
ولا يمتنع أن يكون لهم نساء في الجنة تناسبهم، ولكن نمسك عن إثبات ذلك ونفيه لعدم ما ينص على ذلك بإثبات أو نفي، فلا نتجاوز ما بين الله لنا في كتابه، وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- والله أعلم.(3/400)
الرسوم التوضيحية للأمور الغيبية
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 04/05/1425هـ
السؤال
ينتشر في بعض المنتديات استخدام الأسهم والرسوم التوضيحية لما يتعلق بالحياة بعد الموت، وتتمثل في القبر، ثم النفخ في الصور، ثم البعث ثم الشفاعة إلى الجنة أو النار، فهل هذا الرسم التوضيحي الذي يشمل توضيح المراحل التي يمر بها الإنسان المؤمن والكافر من القبر إلى الجنة أو النار جائزة؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فاستخدام الوسائل المعينة والمقربة للأمور الغيبية والمعنوية في صورة محسوسة، كاستخدامات الخطوط والأسهم جائز، وهذا من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في استخدام الوسائل التعليمية - كما في لغة العصر- لتوضيح وتقريب بعض المسائل المعنوية أو الغيبية للأذهان، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- قال: كنا جلوساً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقرأ: "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" [الأنعام: 153] ، فخط خطاً فقال: هذا الصراط، ثم خط حوله خطوطاً فقال: وهذه السبل، فما منها سبيل إلا وعليه شيطان يدعو إليه.."الحديث رواه ابن ماجة (11) ، وأحمد (4131) ، وهناك أمثلة أخرى كثيرة.
والله -تعالى- أعلم، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.(3/401)
بم تحصل مجاورة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة؟!
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 20/3/1425هـ
السؤال
ماذا يفعل المرء ليكون جاراً للنبي -صلى الله عليه وسلم -في الجنة؟ أي في جنة الفردوس؟ البعض يقول بإعالة يتيم والبعض بفعل الصالحات. أرجو إعطائي الجواب الشافي.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد:(3/402)
حب الله ورسوله يحصل به القرب من النبي -صلى الله عليه وسلم- والكون معه في الجنة، ففي الصحيحين (البخاري ح (3688) ، ومسلم ح (2639)) من حديث أنس -رضي الله عنه- قَالَ بَيْنَمَا أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَارِجَيْنِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَلَقِينَا رَجُلًا عِنْدَ سُدَّةِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ " قَال: َ فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ وَلَا صَدَقَة، ٍ وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ: " فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ "، فَقُلْنَا: وَنَحْنُ كَذَلِكَ قَالَ: "نَعَمْ"، قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ"، وعلامة صدق المحبة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-اتباعه وطاعته، ولهذا رتب على اتباعه وطاعته مرافقته في الجنة، قال الله -عز وجل-: " وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً" [النساء:69] قال ابن كثير: " أي من عمل بما أمره الله به ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته، ويجعله مرافقاً للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة، وهم الصديقون ثم الشهداء ثم عموم المؤمنين، وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم. "تفسير ابن كثير (2/333) .(3/403)
وقال القرطبي في قوله -تعالى-: " أي هم معهم في دار واحدة ونعيم واحد يستمتعون برؤيتهم والحضور معهم........ " تفسير القرطبي (5/ 272)
فمن صدق في محبته واتباعه وطاعته للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فيرجى أن يكون معه في الجنة، وقد ذكرت بعض الأعمال على وجه الخصوص أن من عمل بها فإنه يحصل له مرافقة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-والقرب منه في الجنة، فعلى المسلم أن يحرص على الأخذ بها ومن ذلك:
1- كفالة اليتيم: ففي صحيح البخاري ح (6005) من حديث سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ - رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: " أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا " وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى قال ابن بطال: "حقٌ على كل مسلم يسمع هذا الحديث أن يرغب في العمل به؛ ليكون في الجنة رفيقاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولجماعة النبيين والمرسلين، ولا منزلة عند الله في الآخرة أفضل من مرافقة الأنبياء " شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/217) .
2- كثرة السجود: ففي صحيح مسلم (489) من حديث رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: "سَلْ" فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ قَالَ: "أَوْ غَيْرَ ذَلِك"َ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ قَالَ: " فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ "
3- عول البنات والقيام عليهن: ففي صحيح مسلم (2631) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:" مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ " وَضَمَّ أَصَابِعَهُ(3/404)
4- حسن الخلق: ففي جامع الترمذي (1941) من حديث جَابِرٍ - رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: " إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُون"َ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُون؛ َ قَال: َ "الْمُتَكَبِّرُونَ"، ولا يمنع أن تتعدد الخصال التي يتحقق بها القرب من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-في الجنة كما أن هناك أعمالاً عديدة يحصل بها دخول الجنة وأعمالاً عديدة يحصل بها تكفير الذنوب، وهذا من سعة فضل الله ورحمته بعباده، فالمؤمن الذي حقق الإيمان وأدى الواجبات، واجتنب الكبائر، وعمل بما تيسر له من هذه الأعمال يرجى له أن يكون مرافقاً للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-في الجنة.
هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(3/405)
هل أهل الجنة على صورة يوسف عليه السلام
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 3/6/1425هـ
السؤال
هل صحيح أن في الجنة يدخل المسلمون على هيئة يوسف- عليه السلام-؟ وإذا كان كذلك فكيف أكون نفس الشخص؟ وهل صحيح أن في القيامة أحاسب؟ وفي الجنة أحاسب بنفسي، ولكن ليست بنفس الروح التي عشت بها في الدنيا؟ أم أن هذا الكلام من أقوال الصوفية؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ورد في حديث -فيه ضعف- أن أهل الجنة يكونون في حسن يوسف- عليه السلام-، وإذا صحَّ ذلك فإنه ليس هناك ما يمنع أن يكون أهل الجنة على أحسن صورة، فإن الله -تعالى- قادر على ذلك، وخصائص الإنسان في الدنيا لا يلزم أن تكون كما هي في الآخرة من كل وجه، فإن الدنيا دار امتحان، والآخرة دار جزاء، فلكل دار حالها، ويهيأ الإنسان للحال التي يستحقها من عذاب أو نعيم خالص، والله أعلم.
أما الروح فأمرها غيب كما قال تعالى: "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" [الإسراء: 85] ، ودين المسلم لا يتوقف على معرفة هذه الأمور والحمد لله.(3/406)
في أي دركات النار يكون عصاة الموحدين؟
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 13/3/1425هـ
السؤال
سمعت أن هناك سبع طبقات في النار ستة منها لغير المسلمين، والطبقة العليا منها للمسلمين.
وبعد أن يعذب المسلمون في النار يذهبون إلى الجنة بينما يبقى غير المسلمين في الطبقات الستة في النار إلى الأبد، ما مدى صحة ما ذكرت؟ وقد قرأت حديثاً أن والد علي بن أبي طالب سيدخل الجنة بعد أن يلاقي أقل العذاب في النار لأنه مات على غير الإسلام.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فبخصوص السؤال عن طبقات النار، فقد قال الله -تعالى-:"إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" [النساء:145] فالنار دركات أي طبقات ومنازل، وإنما قيل "دركات" ولم يقل "درجات" لاستعمال العرب لكل ما تسافل "درك" ولما تعالى "درج" فيقال للجنة درجات، وللنار -أعاذنا الله منها- دركات، والمنافقون في الدرك الأسفل منها لغلظ كفرهم وكثرة غوائلهم وتمكنهم من أذى المؤمنين.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن أعلى دركات النار مختصة بالعصاة من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- وهي التي تخلو من أهلها فتصفق الرياح أبوابها، والله أعلم بصحة ذلك إلا أن من المقطوع به أنه لا يبقى أحد من أهل التوحيد فيها وإنما يخرجون إما بالشفاعة أو برحمة أرحم الراحمين ولا يبقى فيها خالداً مخلداً إلا الكفار.
أما الموحدون فيخرجون من النار ثم يلقون في نهر الحياة من الجنة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل كما ثبت بذلك الخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ويعرفون في الجنة بالجهنميين انظر ما رواه البخاري (806) ومسلم (182) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.(3/407)
أما السؤال عن والد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهم عم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه سيدخل الجنة بعد أن يلاقي أقل العذاب في النار لأنه مات على غير الإسلام، فالصحيح الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخفف عنه العذاب في النار لكنه لا يخرج منها فضلاً أن يدخل الجنة، لأن من المقطوع به أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، وأنه لا يخرج أحد من الكفار من النار فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال كما في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- الذي في البخاري (3885) ومسلم (210) عن عمه أبي طالب "لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يغلي منها دماغه" وهذا أخف عذاب في النار نعوذ بالله منها.
وهذا التخفيف ليس بسبب قرابته من النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنها لم تنفع قرابة عمه؟؟ الذي جعل الله مسبته والدعاء عليه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة "تبت يدا أبي لهب وتب" [المسد:1] ، وإنما لنصرته النبي -صلى الله عليه وسلم- والدفاع عنه وعن المسلمين أيام استضاعفهم في مكة، وإلا فإن أبا طالب قد مات على الكفر، والكافر مخلد في النار نعوذ بالله من حال أهل النار.(3/408)
رأي ابن تيمية في قدم العالم وفناء النار
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 04/11/1426هـ
السؤال
عندنا أناس يسيؤون الكلام عن شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأنه يقول بقدم العالم وفناء النار، فنريد منكم رأي شيخ الإسلام في هاتين المسألتين، وكيف نرد على هؤلاء؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالشغب على الأئمة والعلماء قديم جداً، وخاصة الأئمة الذين نصروا مذهب السلف، كابن تيمية -رحمه الله- وهاتان المسألتان من أشهر المسائل التي شنع عليه بسببها من قبل المتكلمين وعامة الأشاعرة والصوفية، وبيان الرد على هذه الدعوى يطول، ولكن أقول باختصار:
إن مذهب السلف -رحمهم الله- هو ما عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، وهو قوي بأدلته وحججه، وما الأئمة والعلماء إلا أدلاء عليه موضحين له داعين إليه، ومهما تعرضوا له من أذى أو فتن أو حصل منهم اجتهاد أخطأوا فيه فلا ينبغي أن يكون ذلك سبباً في ضعف الانتماء للحق أو التخاذل عنه، فالرجال يعرفون ويوزنون بالحق لا العكس، وهذه قاعدة في بيان معرفة الحق والفرق بينه وبين التعصب للرجال، بل هي ميزة لمذهب السلف، وهي عدم تقديس الأشخاص لذواتهم وجعل محك الاتباع والأخذ هو ما يصدر عنهم دون تمحيص ومعرفة للدليل، وإنما أهل البدع هم الذين تدور مذاهبهم على الرجال وفيهم، وعليهم يكون معاقد الاتباع والقبول والرد والولاء والبراء.(3/409)
ثانياً: بالنسبة لما نسب لشيخ الإسلام -رحمه الله- من كونه يقول بقدم العالم، فالقائلون لذلك إما كاذبون مفترون كبعض خصومه وأعدائه، وإما مخطئون متوهمون حملوا كلامه على غير مراده الصحيح، الذي إذا رُد مشتبهه إلى محكمه تبين وضوح منهج شيخ الإسلام -رحمه الله- وهذه المسألة من المسائل الكبيرة، وفيها مباحث جدلية طويلة ليس هذا الجواب مقام إيرادها والمقصود باختصار.
أن الذي كان يقوله -رحمه الله- هو مقتضى الأدلة من أن الله تعالى يفعل ما يشاء أزلاً وأبداً، وأن عموم مشيئته سبحانه وتعالى، وكونه فعالاً لما يريد، وكونه متصفاً بصفات الكمال الثابتة له، اللائقة بكماله سبحانه وتعالى، وبالتالي إمكان جواز -وليس وجوب- وجود حوادث ومخلوقات قديمة أزلية، وإلا فأي معنى لكونه خالقاً قادراً متى شاء وكيف شاء، ثم نعطل الصفة عن الفعل، والذين نفوا ذلك هم نفاة الصفات الفعلية الاختيارية من المعتزلة والأشاعرة، ومع ذلك فهم متناقضون، حيث يمنعون إمكانية وجود حوادث لا أول لها في طرف الماضي، ويجيزون إمكانها في المستقبل، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يرد عليهم في أكثر من موضع بأنه لا فرق بينهما، ثم هو يؤكد -رحمه الله- أن هذا القول لا يعني ولا يستلزم بوجه من الوجوه القول بقدم العالم وأزليته، بل هو يفرق في عامة كتبه بين قضيتين رئيسيتين في الموضوع، هما النوع والآحاد، ويرى أهمية التفريق بين دوام النوع وحدوث الأفراد والأعيان، وأن التفريق بينهما هو الذي نطق به الكتاب والسنة والآثار، وأن الرب -تعالى- أوجد كل حادث بعد أن لم يكن موجداً له، وأن كل ما سواه فهو حادث بعد أن لم يكن حادثاً، وذكر -رحمه الله- أن أهل الحديث ومن وافقهم لا يجعلون النوع حادثاً بل قديماً، ويفرقون بين حدوث النوع وحدوث الفرد من أفراده، كما يفرق جمهور العقلاء بين دوام النوع ودوام الواحد من أعيانه، فإن نعيم الجنة يدوم نوعه ولا يدوم كل واحد من الأعيان الفانية فيه.(3/410)
والقول بقدم النوع لا ينفيه شرع ولا عقل، بل هو من لوازم كماله كما قاله سبحانه: "أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون" [النحل:17] .
والخلق لا يزالون معه وليس في كونهم لا يزالون معه في المستقبل ما ينافي كماله، والعقل يفرق بين كون الفاعل يفعل شيئاً بعد شيء دائماً، وبين آحاد الفعل والكلام.
وكون الفاعل لم يزل يفعل فعلاً بعد فعل فهذا من كمال الفاعل.
وأختم ذلك بهذه الكلمة لشيخ الإسلام، حيث يقول: "كل ما سوى الرب حادث كائن بعد أن لم يكن، وهو سبحانه المختص بالقدم والأزلية، فليس في مفعولاته قديم وإن كان هو لم يزل فاعلاً، وليس معه شيء قديم بقدمه، بل ليس في المفعولات قديم البتة، بل لا قديم إلا هو سبحانه، وهو وحده الخالق لكل ما سواه، وكل ما سواه مخلوق، كما قال سبحانه: "الله خالق كل شيء" [الزمر:62] ، انظر درء تعارض العقل والنقل (8/272) ، وبهذا يتبين أن شيخ الإسلام يقرر حدوث العالم. وأن قدم النوع لا يستلزم قدم العالم ما دام الفعل مسبوقاً بفاعله كما عليه السلف والأئمة، ولمزيد من ذلك راجع كتاب الصفدية (1/65، 130و2/49، 140) ، ودرء التعارض (1/123-125، 2/148،206) . (3/51-52-4/160) (8/289) ، ومجموع الفتاوى (18/227) وما بعدها، ومنهاج السنة (1/160، 208) (2/138) ، وانظر دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ص (286) .
ثالثاً: فيما يتعلق بمسألة فناء النار فهي أيضاً من المسائل التي شنّع فيها على شيخ الإسلام، واتهم أنه كان يقول بقول الجهمية في فناء النار، حيث له مقالات تفهم أنه يميل إلى هذا القول، ولهذا انقسم الناس فيه إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الذين يقطعون بأنه يقول بفناء النار، وهذا قول عامة مناوئيه، وبعض من يوافقه في الاعتقاد.(3/411)
القسم الثاني: الذين ينفون عنه هذا القول مطلقاً، وأنه يرى خلودها كالجنة اعتماداً على أن هذا القول هو قول السلف وهو يقول به في عامة كتبه، بل هو من أكبر شراح عقيدة السلف، وهؤلاء اعتمدوا على نصوصه الصريحة في عامة كتبه التي تثبت أبدية النار.
القسم الثالث: القائلون بأن ابن تيمية يميل إلى القول بفناء النار لكنه لا يصرح بذلك، حيث وقفوا على بعض أقوال له تشعر بأنه يرتضي هذا القول، وهذه الأقوال جميعها مفهومة من كلام الشيخ في كتاب له بعنوان "الرد على من قال بفناء الجنة والنار".
والتحقيق -إن شاء الله- أن شيخ الإسلام يقول بقول جمهور السلف والأئمة من أبدية النار وعدم فنائها، وهذا هو الذي صرح به في عامة كتبه، بل ونقل اتفاق السلف على ذلك كما في المجموع (18/307) ، وبيان تلبيس الجهمية (1/581) ، وفي منهاج السنة (1/146) ، ونقل كلام الأشعري في المقالات من اتفاق أهل الإسلام جميعاً على أن الجنة والنار لا يزالان، وذكره مقراً له ومؤيداً. انظر درء التعارض (2/357) ، وفي مواضع كثيرة من الفتاوى يحكي هذا القول وينصره (2/428) ، (16/197) .(3/412)
ثم إن النصوص التي يستدل بها القائلون بأنه يقول بفناء النار هي من كتاب واحد، وهو (الرد على من قال بفناء الجنة والنار) ، وهو ليس من الكتب المشهورة لشيخ الإسلام والمحققون من أهل العلم لهم عليه ملاحظات علمية ومنهجية ليس هذا موضع ذكرها، وابن القيم -رحمه الله- قد نقل أغلب ما في هذا الكتاب في كتابه (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح) ولم يصرح بأن ذلك هو رأي شيخ الإسلام، ولو كان قولاً له لصرح به، ثم إن الكتاب ظاهر من عبارته أنه قائم على حكاية قول القائلين بفناء النار على هيئة مناظرة وحوار، فذكر أدلة الفريقين، وحين ذكر أدلة القائلين بفناء النار عرضها عرضاً يوحي بأنه منهم، لكنها قوة عرض ليس إلا، بدليل أن ابن القيم الذي نقل عامة هذا الكتاب حين ذكر أدلة الفريقين ومناقشة الأدلة صرح بأنه يحكي هذا القول: فقال: "قال أصحاب الفناء....."، وحين انتهى من ذكر مناقشاتهم قال: "فهذا نهاية إقدام الفريقين في هذه المسألة" حادي الأرواح (ص 255، 283) ، ثم على التسليم بأن كتاب ابن تيمية فيه تأييد ونصرة للقول بفناء النار، فالذي يترجح أن هذا الكتاب ليس من آخر ما كتب ابن تيمية، فإن الكتب المتأخرة مثل (درء التعارض) الذي ألفه في السنوات من عام (713-717) هـ ومنهاج السنة الذي كان تأليفه عام (710) هـ تقريباً، وكذا كتاب بيان تلبيس الجهمية ألفه في مصر من عام (705-712) ، وهذه الكتب قد صرح فيها شيخ الإسلام بأبدية النار، وصرح فيها برأيه بوضوح تام، والكتاب السابق يغلب على الظن أنه قد تم تأليفه في مرحلة مبكرة من عمره، وقد أشار الشيخ الألباني -رحمه الله- إلى شيء من ذلك في مقدمة كتاب رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (ص 25) .(3/413)
وعلى كل حال فأقواله -رحمه الله- المصرحة بأبدية النار بيّنة وصريحة، ومن القواعد المقررة عند أهل العلم أن المجمل مما في نصوص الكتاب والسنة يرد إلى المحكم، ولا يتعلق بالمتشابة والمجمل ويترك المحكم والمبين إلا أهل الأهواء، وكذلك مقولات أئمة العلم والدين ينبغي أن يحمل المجمل والمشتبه على المبيّن والمحكم، وأن تحمل أقوالهم على أحسن المحامل وأسلم المقاصد.
وأنبه في نهاية الجواب إلى أهمية معرفة أن القول بفناء النار لا يسلم بأنه كفر، كما يزعمه كثير من خصوم شيخ الإسلام الذين يكفرونه بذلك، بل هذه المسألة فيها اشتباه وآثار متعددة اشتبهت على كثير من العلماء ومنهم باحثون معاصرون، وقالوا بفناء النار، واستندوا إلى الآثار المروية في ذلك عن بعض الصحابة والتابعين التي يفهم منها القول بفناء النار، فاجتهدوا في هذه المسألة، وإن كانوا مخطئين لكنهم لا يكفرون بذلك.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(3/414)
صفة الحور العين من القرآن والسنة
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 17/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أرجو ذكر أوصاف الحور العين، كما وردت في القرآن والسنة.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن الآيات والأحاديث في وصف الحور العين كثيرة يطول المقام باستقصائها، ولكن أذكر جملة مما ورد في وصفهن في الكتاب والسنة، حسب ما طلب السائل، وفقنا الله وإياه.
قال الله جلَّ ثناؤه: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ* فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ* كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) [الرحمن: 56- 58] . وقال تعالى: (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ* فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ* حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ* فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ* لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) [الرحمن: 70- 74] . وقال تعالى: (وَحُورٌ عِينٌ* كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) [الواقعة: 22، 23] . وقال في الآية الأخرى: (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ) [الصافات: 49] . وقال تعالى: (إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء* فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا* عُرُبًا أَتْرَابًا) [الواقعة: 35-37] . وقال تعالى: (وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ) [ص: 52] . وقال تعالى: (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ) [البقرة: 25] . وقال تعالى: (وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) [الطور: 20] . وقال تعالى: (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) [النبأ: 33] .
والحور: جمع حَوْرَاء، وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين.(3/415)
والعِين: جمع عَيْنَاء، وهي العظيمة العين من النساء، التي جمعت أعينهن صفات الحسن والملاحة، ومن محاسن المرأة اتساع عينها في طول. قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ: والمعنى قصرن طرفهن على أزواجهن، فلا يطمحن إلى غيرهم. وقيل: قصرن طرف أزواجهن عليهن، فلا يدعهم حسنهن وجمالهن أن ينظروا إلى غيرهن. لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ: أي لم يمسَّهن. كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ: أي شبههن في صفاء اللون وبياضه بالياقوت والمرجان. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا* عُرُبًا أَتْرَابًا: عربًا: جمع عَرُوب، وهن المتحببات إلى أزواجهن. قال ابن الأعرابي: العروب من النساء: المطيعة لزوجها المتحببة إليه. أَتْرَاب: جمع تِرْب، وهو لِدَةُ الإنسان، والمعنى أي مستويات على سن واحد وميلاد واحد، ليس فيهن عجائز قد فات حسنهن، ولا ولائد لا يطقن الوطء. مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ: المقصورات المحبوسات، وفيه معنى آخر، وهو أن يكون المراد أنهن محبوسات على أزواجهن لا يُردن غيرهم. إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء: أي أنشأناهن بعد الكبر والعجز والضعف في الدنيا فصرن في الجنة شبابًا أبكارًا، يعني نساء أهل الدنيا. أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ: أي مطهرات من الحيض والغائط والبول والقذر والأذى وغير ذلك، بخلاف نساء أهل الدنيا. كَوَاعِب: جمع كاعب، وهي: الناهد، والمراد أن ثديهن نواهد كالرمان ليست متدلية إلى أسفل، ويسمين نواهد وكواعب.(3/416)
وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ، أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ- يَعْنِي سَوْطَهُ- خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". أخرجه البخاري (2796) . والنصيف: هو الخمار.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمْ الْأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا". أخرجه البخاري (3245) ومسلم (2834) .(3/417)
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُرَى بَيَاضُ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً حَتَّى يُرَى مُخُّهَا، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) . فَأَمَّا الْيَاقُوتُ فَإِنَّهُ حَجَرٌ لَوْ أَدْخَلْتَ فِيهِ سِلْكًا ثُمَّ اسْتَصْفَيْتَهُ لَأُرِيتَهُ مِنْ وَرَائِهِ". أخرجه الترمذي (2523) .
وعن عَلِيٍّ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمُجْتَمَعًا لِلْحُورِ الْعِينِ يُرَفِّعْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَسْمَعْ الْخَلَائِقُ مِثْلَهَا". قَالَ: "يَقُلْنَ: نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَبِيدُ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْؤُسُ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ، فَلَا نَسْخَطُ، طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ ". أخرجه أحمد (1343) والترمذي (2564) ، وقال: حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
نسأل الله تعالى الفردوس الأعلى من الجنة، ونعوذ به من النار، إنه سميع مجيب. هذا، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(3/418)
شهادة الجوارح يوم القيامة
المجيب سليمان بن عبد الله القصير
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان باليوم الآخر
التاريخ 19/09/1425هـ
السؤال
كما نعلم فإن أعضاءنا سوف تتكلم وتشهد على أعمالنا، وهناك حديث عن أول ثلاثة نفر يدخلون النار.. عالم، ومنفق ومجاهد، فكيف يتمكن هؤلاء الثلاثة من الكذب وأعضاؤهم تشهد عليهم؟ جزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
هؤلاء الثلاثة الوارد ذكرهم في الحديث الصحيح، إنما يكذبون في أول الأمر قبل أن تُستشهد عليهم أعضاؤهم؛ لأن الشاهد لا يتكلم قبل المشهود عليه؛ خصوصًا وأن هذه الأعمال التي عملوها ظاهرها أنها لوجه الله تعالى ولكن باطنها أنها لمراءاة الناس وطلب مدحهم، ولا يطلع على الباطن إلا الله.(3/419)
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: (وقوله تعالى: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [يس: 65] . هذا حال الكفار والمنافقين يوم القيامة حين ينكرون ما اجترحوه في الدنيا ويحلفون ما فعلوه، فيختم الله على أفواههم، ويستنطق جوارحهم بما عملت.. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَحِكَ، فَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟ ". قَالَ: قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، أَلَمْ تُجِرْنِي مِنْ الظُّلْمِ؟ ". قَالَ: "يَقُولُ: بَلَى". قَالَ: "فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي". قَالَ: "فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا". قَالَ: "فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي". قَالَ: "فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ". قَالَ: "ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ". قَالَ: "فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ". أخرجه مسلم (2969) . وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- في حديث القيامة الطويل؛ قال فيه: " ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرُسُلِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ. وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ، فَيَقُولُ: هَاهُنَا إِذًا". قَالَ: "ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ. وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ: انْطِقِي. فَتَنْطِقُ(3/420)
فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ، وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِ". أخرجه مسلم (2968) . والله أعلم. وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(3/421)
أثر فقد الولاء والبراء في التوحيد
المجيب د. محمد بن سعيد القحطاني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 5/5/1422
السؤال
هل يعد الولاء والبراء من ركائز التوحيد بمعنى، هل فقد الولاء والبراء من الشخص يعد ثلماً في التوحيد أم في كماله؟ وجزاكم الله عن أمة محمد خيراً
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وبعد: إن الولاء والبراء من أبرز عقائد وسمات الدين الإسلامي، بل لا يوجد مسألة عقدية وضحها القرآن الكريم بعد التوحيد ونقيضه وهو الشرك كما وضّح مسألة الولاء والبراء. فهو دين الأنبياء والمرسلين، به انقسمت الخليقة إلى أبرار وفجار، ومؤمنين وكفار، والولاء والبراء منه ما ينقض الإسلام بالكلية ومنه ما يدخل في الكبائر، فمن والى الكفار وأحب نصرتهم على الإسلام وأحب الكفر وظهوره فهو كافر كفراً ينقل عن الملة، ومن صور الموالاة ما هو دون ذلك، ويُعد من كبائر الذنوب، وإن لم يكن كفراً ناقلاً عن الملة، وهناك تفصيل دقيق لهذه المسائل مبسوط في كتابي "الولاء والبراء في الإسلام" فليراجعه السائل - إن شاء - والله ولي التوفيق.(3/422)
معاملة الزميل الكافر
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 3/8/1422
السؤال
أخ مصري مسلم، كان له زميل دراسة نصراني من المرحلة الابتدائية إلى الجامعة، وكان على صلة طيبة به، وبعد أن منّ الله على هذا الأخ بالتوجه الطيب للدين، قام بهجر ذلك النصراني وقطعه، بل وأساء له في المعاملة بحجة الحديث الذي معناه (فاضطروهم إلى أضيق السبل) ولكن هذا النصراني لا زال يعامل هذا المسلم بالجميل، فبماذا تنصحون الأخ؟
الجواب
المنهي عنه في علاقة المسلم بالكافر إنما هو الموالاة من دون المؤمنين.
أما الإحسان إلى غير المحاربين منهم ومعاملتهم بالعدل، وإنصافهم، وأداء حقوقهم فليس بمنهي عنه، بل هو داخل في عموم أمر المسلمين بهذه الخصال، وقد يكون الكافر قريباً، فيثبت له حق القرابة، وقد يكون جاراً فيثبت له حق الجوار، وكل ذلك في حدود الشرع، والدليل على ما تقدم قوله -تبارك وتعالى- في سورة الممتحنة: ((لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)) وبناء على هذا فإن الأخ ينصح بأن يعامل صديقه النصراني بالجميل ويكافئه بالمعروف، ويحسن إليه لعل الله أن يهديه ويشرح صدره للإسلام، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، حيث عاد يهودياً في مرض موته ودعاه للإسلام، فكتب الله له الفوز بقبوله دعوة الرسول -عليه الصلاة والسلام- وبالله التوفيق.(3/423)
حكم التجنّس بالجنسية الأوربية للمسلم
المجيب د. خالد بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/فقه الأقليات
التاريخ 6/5/1422
السؤال
ما حكم التجنّس بالجنسية الأوربية للمسلم الذي يأتي للبلاد الأوروبية فارّاً بدينه من الظلم الذي وقع عليه في بلده الأصلي، وفقد فيه هويته، وفقد أمل الرجوع إلى وطنه، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
ج: للجواب على هذا السؤال يلزم بيان أمرين:
الأول: كون الإقامة في بلد الكفار جائزة.
الثاني: قيام الحاجة إلى أخذ الجنسية.
تفصيل الأمر الأول: الإقامة في بلاد الكفار لا تجوز إلا بالشروط الآتية:
1- وجود الحاجة الشرعية المقتضية للإقامة في بلادهم ولا يمكن سدّها في بلاد المسلمين، مثل التجارة، والدعوة، أو التمثيل الرسمي لبلد مسلم، أو طلب علم غير متوفر مثله في بلد مسلم من حيث الوجود، أو الجودة والإتقان، أوالخوف على النفس من القتل أو السجن أو التعذيب، وليس مجرد الإيذاء والمضايقة، أو الخوف على الأهل والولد من ذلك، أو الخوف على المال.
2- أن تكون الإقامة مؤقتة، لا مؤبّدة، بل ولا يجوز له أن يعقد النية على التأبيد، وإنما يعقدها على التأقيت؛ لأن التأبيد يعني كونها هجرة من دار الإسلام إلى دار الكفر، وهذا مناقضة صريحة لحكم الشرع في إيجاب الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام.
ويحصل التأقيت بأن ينوي أنه متى زالت الحاجة إلى الإقامة في بلد الكفار قطع الإقامة وانتقل.
3- أن يكون بلد الكفار الذي يريد الإقامة فيه دار عهد، لا دار حرب، وإلا لم يجز الإقامة فيه.
ويكون دار حرب إذا كان أهله يحاربون المسلمين.
4- توفر الحرية الدينية في بلد الكفار، والتي يستطيع المسلم بسببها إقامة شعائر دينه الظاهرة.
5- تمكنه من تعلم شرائع الإسلام في ذلك البلد. فإن عسر عليه لم تجز له الإقامة فيه لاقتضائها الإعراض عن تعلم دين الله.(3/424)
6- أن يغلب ظنه بقدرته على المحافظة على دينه، ودين أهله وولده. وإلا لم يجز له؛ لأن حفظ الدين أولى من حفظ النفس والمال والأهل.
فمن توفرت فيه هذه الشروط -وما أعسر توفرها- جاز له أن يقيم في بلاد الكفار، وإلا حرم عليه؛ للنصوص الصريحة الواضحة التي تحرم الإقامة فيها، وتوجب الهجرة منها، وهي معلومة، وللخطورة العظيمة الغالبة على الدين والخلق، والتي لا ينكرها إلا مكابر.
ثانياً: تحقق الحاجة الشرعية لأخذ الجنسية، وهي أن تتوقف المصالح التي من أجلها أقام المسلم في دار الكفار على استخراج الجنسية، وإلا لم يجز له، لما في استخراجها من تولى الكفار ظاهراً، وما يلزم بسببها من النطق ظاهراً بما لا يجوز اعتقاده ولا التزامه، كالرضا بالكفر أو بالقانون، ولأن استخراجها ذريعة إلى تأبيد الإقامة في بلاد الكفار وهو أمر غير جائز - كما سبق -
فمتى تحقق هذان الأمران فإني أرجو أن يغفر الله للمسلم المقيم في بلاد الكفار ما أقدم عليه من هذا الخطر العظيم، وذلك لأنه إما مضطر للإقامة والضرورة تتيح المحظورة، وإما للمصلحة الراجحة على المفسدة، والله أعلم.(3/425)
العمل لدى الحكومة الكافرة
المجيب د. عبد العزيز بن أحمد البجادي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
المعاملات/العمل والعمال
التاريخ 22/7/1422
السؤال
ما حكم العمل لدى الحكومات الكافرة؟
الجواب
العمل لدى الحكومة الكافرة - إن لم يكن عملاً بالقانون - جائزٌ مالم يكن فيه إساءة للمسلمين، أو إعانة على ظلم مسلم أو كافر؛ لأنه عمل لأجل المال لا لأجل خدمتهم.
وأما إن كان عملاً بالقانون؛ فما كان فيه متعلقاً بالمصالح المرسلة - وهي التي لم يذكرها شرعنا بمدح ولا ذم - كالمتعلق بتخطيط المدن، وأنظمتها المادية من دوائر مرورية ونحوها فالعمل فيه جائز؛ لأنه لا يتعلق بشرع، ما لم يترتب عليه ظلم لأحد فإنه حينئذ محرم، ومثل ذلك في الجواز، العمل فيما يقدر المسلم من خلاله التخفيف على المسلمين وإعطائهم بعض حقوقهم التي لا يأخذونها لولا وجوده على هذا العمل، ومثل ذلك أيضاً العمل فيما يجد فيه مساغاً لإعمال شريعة الإسلام، كما لو كان في هيئة المحلَّفين، التي تقضي بتجريم المتهم أو ببراءته، ولك أن تقيس على ذلك مجالات العمل الأخرى، والله الهادي إلى سواء السبيل.(3/426)
تقسيم موالاة الكافر ومظاهرته
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 23/4/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما رأيكم في هذا التقسيم لموالاة الكفار ومظاهرتهم؟
(1) مظاهرتهم وموالاتهم في الظاهر مع حبهم ومودتهم في الباطن، وهو النوع المخرج من الملة المكفر.
(2) مظاهرتهم في الظاهر لمصلحة الشخص وخوفه على نفسه، أو ملكه وسلطته، وهذا النوع كبيرة من كبائر الذنوب ليس مخرجاً من الملة.
(3) موالاتهم ومظاهرتهم لمصلحة المسلمين، ودرء الشر والفتنة عنهم وهذا النوع جائز، والدليل على هذه التقسيمات حديث الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه-.
أفيدونا نفع الله بكم وجعلكم مصابيح هدى.
الجواب
هذا التقسيم جيد، ويتوافق مع النصوص والقواعد الشرعية، وعليه عمل جمهور علماء السلف في تنزيل الأحكام على الأشخاص والأصناف في الجملة، والله أعلم.(3/427)
موالاة الكفار وتوليهم
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 4/6/1424هـ
السؤال
ما الفرق بين موالاة الكفار وتوليهم؟ وما حكم كل منهما بالتفصيل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، لقد نهى الله عباده المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياء في آيات عدة كما قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً" [النساء:144] ، وقال: "لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً" الآية(3/428)
[آل عمران: 28] ، وقال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [المائدة:51] ، فاتخاذهم أولياء هو اعتبارهم أصدقاء وأحباباً وأنصاراً، وذلك يظهر بالحفاوة بهم وإكرامهم وتعظيمهم، ومما يوضح ذلك قوله -سبحانه وتعالى-: "لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" الآية [المجادلة: 22] وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ" الآية [الممتحنة: 1] فدلت الآيتان على أن اتخاذهم أولياء يتضمن مودتهم، وجاء ذكر التولي في آية واحدة وهي قوله تعالى: "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" الآية [المائدة: 51] ، والذي يظهر أن توليهم هو معنى اتخاذهم أولياء، وفسر "التولي" في قوله تعالى: "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" بنصرتهم على المسلمين، ولهذا كانت مظاهرة الكفار ومعاونتهم ضد المسلمين من أنواع الردة، لأن ذلك يتضمن مقاومة الإسلام، والرغبة في اضمحلاله، وذل أهله، وأما الموالاة فلم يأت لفظها في القرآن فيما أذكر، والذي يظهر أن الموالاة والتولي معناهما واحد أو متقارب، ولكن من العلماء من فرق بينهما فخصَّ الموالاة بتقديم الخدمات للكفار حفاوة بهم وإكراماً والتولي بنصرتهم على المسلمين، وأن الموالاة كبيرة، والتولي ردة كما تقدم، فالواجب على المسلمين أن يبغضوا الكافرين وأن يعادوهم في الله، وأن يجاهدوهم بالله ولإعلاء كلمة الله، وهذا لا يمنع من معاملتهم في أمور الحياة كالتجارة، ولا يوجب الغدر بما أعطوا من عهد، بل(3/429)
يجب الوفاء بعهدهم كما قال تعالى: "إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" [التوبة:4] فبغض الكفار والبراءة منهم هي من أصول الدين، وهي مقتضى الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، ولكن ذلك لا يوجب ولا يبيح الخيانة أو الظلم، فالظلم حرام، ونقض العهد حرام، " ... تلك حدود الله فلا تقربوها ... " [البقرة: 187] نسأل الله أن ينصر دينه ويعز المؤمنين ويذل الكافرين، والله أعلم.(3/430)
المشاركة في أعياد النصارى
المجيب
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 8/10/1422
السؤال
دخل بيني وبين إخواني المسلمين مناقشة دين الإسلام، وهي أن بعض المسلمين في غانا يعظمون عطلات اليهود والنصارى ويتركون عطلاتهم حتى كانوا إذا جاء وقت العيد لليهود والنصارى يعطلون المدارس الإسلامية بمناسبة عيدهم وإن جاء عيد المسلمين لا يعطلون المدارس الإسلامية ويقولون أن تتبعوا عطلات اليهود والنصارى سوف يدخلون دين الإسلام، يا شيخنا العزيز عليك أن تفهم لنا أفعلتهم هل هي صحيحة في الدين أم لا.
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ... وبعد:
الجواب:
أولاً: السنة إظهار الشعائر الدينية الإسلامية بين المسلمين، وترك إظهارها مخالف لهدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد ثبت عنه أنه قال: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ " الحديث.
ثانياً: لا يجوز للمسلم أن يشارك الكفار في أعيادهم، ويظهر الفرح والسرور بهذه المناسبة، ويعطل الأعمال سواء كانت دينية أو دنيوية؛ لأن هذا من مشابهة أعداء الله المحرمة، ومن التعاون معهم على الباطل، وقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" من تشبه بقوم فهو منهم " والله سبحانه وتعالى يقول: " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ".
وننصحك بالرجوع إلى كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فإنه مفيد جداً في هذا الباب.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، المجلد الثاني [ص: 72](3/431)
موافقة الكفار في أعيادهم
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 17/11/1425هـ
السؤال
ما الأدلة على تحريم المشاركة في أعياد الميلاد ورأس السنة، ونحوها من المناسبات وما وجه دلالتها؟
الجواب
من أوسع من تكلم في هذه المسألة وبسطها شيخ الإسلام (ابن تيمية) في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) ، وقد حشد لذلك الأدلة العامة والخاصة، وجمع النصوص من الكتاب والسنة وأقوال السلف وإجماع الأمة، والأدلة من الاعتبار والنظر مما لا يحيط به إلا من آتاه الله بسطة في العلم والفقه، ودقة النظر، وحسن الاستدلال، وهو ما جمعه شيخ الإسلام - رحمه الله -.
وأصل كلامه مبسوط واسع مفصل، فاختصرته في هذه الصفحات اختصاراً مع المحافظة على عبارته -ما أمكن- وهي صفحات تغري بالرجوع إلى أصلها ولا تغني عنه، يتضح من خلالها حكم هذه المسألة مزيلة كل لبس، كاشفة كل التباس.
قال رحمه الله:
موافقة الكفار في أعيادهم لا تجوز من طريقين: الدليل العام، والأدلة الخاصة:
أما الدليل العام: أن هذا موافقة لأهل الكتاب فيما ليس من ديننا، ولا عادة سلفنا، فيكون فيه مفسدة موافقتهم، وفي تركه مصلحة مخالفتهم، لما في مخالفتهم من المصلحة لنا، لقوله - صلى الله عليه وسلم - (من تشبه بقوم فهو منهم) فإن موجب هذا تحريم التشبه بهم مطلقا، وكذلك قوله (خالفوا المشركين) ، وأعيادهم من جنس أعمالهم التي هي دينهم أو شعار دينهم، الباطل.
وأما الأدلة الخاصة في نفس أعياد الكفار، فالكتاب والسنة والإجماع والاعتبار دالة على تحريم موافقة الكفار في أعيادهم.(3/432)
أما الكتاب فقوله – تعالى -: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما) قال محمد بن سيرين (لا يشهدون الزور) هو الشعانين – وهو من أعياد النصارى - وعن الربيع بن أنس قال: هو أعياد المشركين، وجاء عن غيرهم من السلف نحو ذلك.
وإذا كان الله قد مدح ترك شهودها، الذي هو مجرد الحضور برؤية أو سماع، فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك من العمل، الذي هو عمل الزور لا مجرد شهوده.
وأما السنة: الحديث الأول عن أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم – المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – (إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما، يوم الأضحى، ويوم الفطر) فوجه الدلالة أن اليومين الجاهليين لم يقرهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين، والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه.
الحديث الثاني: ما رواه أبو داود عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينحر إبلاً ببوانة، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم –فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد "، قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم، قالوا: لا، قال: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم " (وبوانه اسم مكان قريب ينبع شمال مكة) .
وهذا يدل على أن الذبح بمكان عيدهم ومحل أوثانهم معصية لله، وإذا كان الذبح بمكان عيدهم منهيا عنه فكيف الموافقة في نفس العيد بفعل بعض الأعمال التي تعمل بسبب عيدهم؟(3/433)
وهذا نهي شديد عن أن يفعل شيء من أعياد الجاهلية - على أي وجه كان - وأعياد الكفار من الكتابيين والأميين في دين الإسلام من جنس واحد.
وإذا كان الشارع قد حسم مادة أعياد أهل الأوثان؛ خشية أن يتدنس المسلم بشيء من أمر الكفار الذين قد أيس الشيطان أن يقيم أمرهم في جزيرة العرب، فالخشية من تدنسه بأوصاف الكتابيين الباقين أشد، والنهي عنه أوكد، كيف وقد تقدم الخبر الصادق بسلوك طائفة من هذه الأمة سبيلهم؟
الدليل الثالث من السنة: أن هذا الحديث وغيره قد دل على أنه كان للناس في الجاهلية أعياد يجتمعون فيها، ومعلوم أنه لما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محا الله ذلك، فلم يبق شيء من هذه الأعياد، ومعلوم أنه لولا نهيه ومنعه لما ترك الناس تلك الأعياد؛ لأن المقتضى لها قائم من جهة الطبيعة التي تحب ما يصنع في الأعياد، خصوصاً أعياد الباطل من اللعب واللذات، ومن جهة العادة التي ألفت ما يعود من العيد، فإن العادة طبيعة ثانية وإذا كان المقتضى قائماً قوياً فلولا المانع القوي لما درست تلك الأعياد، وهذا يوجب العلم اليقيني بأن إمام المتقين - صلى الله عليه وسلم - كان يمنع أمته منعاً قوياً عن أعياد الكفار، ويسعى في دروسها وطمسها بكل سبيل، بل قد بالغ - صلى الله عليه وسلم -في أمر أمته بمخالفة أهل الكتاب في كثير من المباحات وصفات الطاعات؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم؛ ولتكون المخالفة في ذلك حاجزاً ومانعاً من سائر أمورهم؛ فإنه كلما كثرت المخالفة بينك وبين أهل الجحيم كان أبعد لك عن أعمال أهل الجحيم، فليس بعد حرصه على أمته ونصحه لهم - بأبي هو وأمي - غاية وكل ذلك من فضل الله عليه وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون.(3/434)
والوجه الرابع من السنة: ما خرجاه في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها – قالت: دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، قالت وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك يوم عيد - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – (يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا) وهذا الحديث بدل على المنع من وجوه: أحدها قوله (إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا) فإن هذا يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم، كما أنه - سبحانه - لما قال:" ولكل وجهة هو موليها " وقال:" لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " أوجب ذلك اختصاص كل قوم بوجهتهم وبشرعتهم، فإذا كان لليهود عيد وللنصارى عيد كانوا مختصين به فلا نشركهم فيه، كما لا نشركهم في قبلتهم وشرعتهم.
الوجه الثاني: قوله:" وهذا عيدنا " فإنه يقتضي حصر عيدنا في هذا فليس لنا عيد سواه.
الوجه الثالث: أنه رخص في لعب الجواري بالدف وتغنيهن؛ معللاً بأن لكل قوم عيداً وأن هذا عيدنا، وذلك يقتضي أن الرخصة معللة بكونه عيد المسلمين، وأنها لا تتعدى إلى أعياد الكفار؛ ولأنه لا يرخص في اللعب في أعياد الكفار كما يرخص فيه في أعياد المسلمين، إذ لو كان ما يفعل في عيدنا من ذلك اللعب يسوغ مثله في أعياد الكفار أيضاً، لما (قال فإن لكل قوم عيدا وإن هذا عيدنا) ، وهذا فيه دلالة على النهي عن التشبه بهم في اللعب ونحوه.(3/435)
الدليل الرابع من السنة: أن أرض العرب ما زال فيها يهود ونصارى حتى أجلاهم عمر - رضي الله عنه - في خلافته، وكان في اليمن يهود كثير والنصارى بنجران وغيرها، والفرس بالبحرين، ومن المعلوم أن هؤلاء كانت لهم أعياد يتخذونها، ومن المعلوم أيضا أن المقتضي لما يفعل في العيد من الأكل والشرب واللباس والزينة واللعب والراحة ونحو ذلك قائم في النفوس كلها - إذا لم يوجد مانع - خصوصا نفوس الصبيان والنساء وأكثر الفارغين من الناس، ثم من كان له خبرة بالسير علم يقينا أن المسلمين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كانوا يشركونهم في شيء من أمرهم، ولا يغيرون لهم عادة في أعياد الكافرين، بل ذلك اليوم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسائر المسلمين يوم من الأيام لا يختصونه بشيء أصلا، فلولا أن المسلمين كان من دينهم الذي تلقوه عن نبيهم المنع من ذلك والكف عنه، لوجد من بعضهم فعل بعض ذلك.
الدليل الخامس من السنة: ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غداً والنصارى بعد غد " متفق عليه.
وقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - الجمعة عيداً في غير موضع، ونهى عن إفراده بالصوم؛ لما فيه من معنى العيد، وفي هذا الحديث ذكر أن الجمعة لنا، كما أن السبت لليهود والأحد للنصارى، فإذا نحن شاركناهم في عيدهم يوم السبت، أو عيد يوم الأحد خالفنا هذا الحديث، وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي فكذلك في العيد الحولي، إذ لا فرق بل إذا كان هذا في عيد يعرف بالحساب العربي فكيف بأعياد الكافرين العجمية؟ التي لا تعرف إلا بالحساب الرومي القبطي أو الفارسي أو العبري ونحو ذلك.
وأما الدليل من الإجماع والآثار فمن وجوه.(3/436)
أحدها: ما قدمت التنبيه عليه من أن اليهود والنصارى والمجوس ما زالوا في أمصار المسلمين ثم لم يكن على عهد السلف من المسلمين من يشركهم في شيء من أعيادهم، فلولا قيام المانع في نفوس الأمة كراهة ونهياً من ذلك وإلا لوقع ذلك كثيراً؛ فعلم وجود المانع، والمانع هنا هو الدين، فعلم أن دين الإسلام هو المانع.
الموقف الثاني: أنه في شروط عمر - رضي الله عنه - التي اتفق عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم، أن أهل الذمة من أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام، وسموا الشعانين والباعوث – وهي من أعياد النصارى -، فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها، فكيف يسوغ للمسلمين فعلها؟ أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها مظهرا لها؟ وعلى التقديرين فالمسلم ممنوع من المعصية ومن شعائر المعصية ولو لم يكن في فعل المسلم لها من الشر إلا تجرئة الكافر على إظهارها؛ لقوة قلبه بالمسلم، فكيف بالمسلم إذا فعلها؟ فكيف وفيها من الشر ما سنبنيه على بعضه؟ - إن شاء الله تعالى -.
الموقف الثالث: قال عمر – رضي الله عنه -:" لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم " وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال:" من بنى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت - وهو كذلك - حشر معهم يوم القيامة ".(3/437)
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه– " اجتنبوا أعداء الله في عيدهم " فهذا عمر - رضي الله عنه -نهى عن لسانهم وعن مجرد دخول الكنيسة عليهم يوم عيدهم، فكيف بفعل بعض أفعالهم أو بفعل ما هو من مقتضيات دينهم؟ أليست موافقتهم في العمل أعظم من الموافقة في اللغة؟ أو ليس بعض أعمال عيدهم أعظم من مجرد الدخول عليهم في عيدهم؟ وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم، فمن يشركهم في العمل أو بعضه أليس قد تعرض لعقوبة ذلك، ثم قوله: (اجتنبوا أعداء الله في عيدهم) أليس نهيا عن لقائهم والاجتماع بهم فيه؟ فكيف بمن عمل عيدهم؟ وأما عبد الله بن عمرو فصرح أنه من بنى ببلادهم وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم؟ وهذا يقتضي أنه جعله كافراً بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور أو جعل ذلك من الكبائر الموجبة للنار.
وأما الاعتبار في مسألة العيد فمن وجوه:
أحدها: أن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله – سبحانه -:" لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " وقال:" لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه " كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه، وأما مبدؤها فأقل أحواله أن تكون معصية، وإلى هذا الاختصاص أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله (إن لكل قوم عيدا وإن هذا عيدنا) .(3/438)
الوجه الثاني من الاعتبار: أن ما يفعلونه في أعيادهم معصية لله؛ لأنه إما محدث مبتدع وإما منسوخ، وأما ما يتبع ذلك من التوسع في العادات من الطعام واللباس واللعب والراحة، فهو تابع لذلك العيد الديني، كما أن ذلك تابع له في دين الإسلام، فموافقة هؤلاء المغضوب عليهم والضالين في ذلك من أقبح المنكرات.
الوجه الثالث من الاعتبار: أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس وتناسوا أصله، حتى يصير عادة للناس بل عيدا حتى يضاهى بعيد الله، بل قد يزيد عليه حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر، كما قد سوله الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام فيما يفعلونه في آخر صوم النصارى من الهدايا والأفراح والنفقات وكسوة الأولاد وغير ذلك مما يصير به مثل عيد المسلمين، بل البلاد المصاقبة للنصارى التي قل علم أهلها وإيمانهم قد صار ذلك أغلب عندهم وأبهى في نفوسهم من عيد الله ورسوله
الوجه الرابع من الاعتبار: أن الأعياد والمواسم في الجملة لها منفعة عظيمة في دين الخلق ودنياهم، كانتفاعهم بالصلاة والزكاة والصيام والحج ولهذا جاءت بها كل شريعة كما قال – تعالى -:" لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه " وقال:" ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام " ثم إن الله شرع على لسان خاتم النبيين من الأعمال ما فيه صلاح الخلق على أتم الوجوه، وهو الكمال المذكور في قوله - تعالى- اليوم أكملت لكم دينكم.(3/439)
ولا يخفى ما جعل الله في القلوب من التشوق إلى العيد والسرور به والاهتمام بأمره إنفاقا واجتماعا وراحة ولذة وسرورا، وكل ذلك يوجب تعظيمه لتعلق الأغراض به، فلهذا جاءت الشريعة في العيد بإعلان ذكر الله فيه، حتى جعل فيه من التكبير في صلاته وخطبته وغير ذلك مما ليس في سائر الصلوات، فأقامت فيه - من تعظيم الله وتنزيل الرحمة خصوصا - العيد الأكبر ما فيه صلاح الخلق كما دل على ذلك قوله –تعالى-: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم" فصار ما وسع على النفوس فيه من العادات الطبيعية عونا على انتفاعها بما خص به من العبادات الشرعية فإذا أعطيت النفوس في غير ذلك اليوم حظها أو بعض الذي يكون في عيد الله فترت عن الرغبة في عيد الله وزال ما كان له عندها من المحبة والتعظيم، فنقص بسبب ذلك تأثير العمل الصالح فيه، فخسرت خسرانا مبينا.
الوجه الخامس من الاعتبار: أن مما يفعلونه في عيدهم منه ما هو كفر ومنه ما هو حرام ومنه ما هو مباح لو تجرد عن مفسدة المشابهة، ثم التمييز بين هذا وهذا يظهر غالبا وقد يخفى على كثير من العامة، فالمشابهة فيما لم يظهر تحريمه للعالم يوقع العامي في أن يشابههم فيما هو حرام، وهذا هو الواقع فجنس الموافقة تلبس على العامة دينهم حتى لا يميزوا بين المعروف والمنكر.
الوجه السادس من الاعتبار: أن الله –تعالى- جبل بني آدم بل سائر المخلوقات على التفاعل بين الشيئين المتشابهين، وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم حتى يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن الآخر، إلا بالعين فقط.(3/440)
فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي، وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين هم أقل كفرا من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى هم أقل إيمانا من غيرهم ممن جرد الإسلام.
والمشاركة في الهدي الظاهر توجب أيضا مناسبة وائتلافا وإن بعد المكان والزمان فهذا أيضا أمر محسوس، فمشابهتهم في أعيادهم ولو بالقليل هو سبب لنوع ما من اكتساب أخلاقهم التي هي ملعونة، وما كان مظنة لفساد خفي غير منضبط علق الحكم به ودار التحريم عليه، فنقول مشابهتهم في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم في عين الأخلاق والأفعال المذمومة، بل في نفس الاعتقادات وتأثير ذلك لا يظهر ولا ينضبط ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قد لا يظهر ولا ينضبط، وقد يتعسر أو يتعذر زواله بعد حصوله لو تفطن له، وكل ما كان سببا إلى مثل هذا الفساد فإن الشارع يحرمه كما دلت عليه الأصول المقررة.
الوجه السابع من الاعتبار: أن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة؛ فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة، فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟ فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان، قال الله –تعالى-: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين ".
مواضيع ذات صلة:
(مشاركات في عيد الميلاد)(3/441)
(قبول هدايا النصارى في أعيادهم)
(هدايا الشركات بمناسبة رأس السنة)
(الاحتفال والتهنئة في أعياد الميلاد)
(عيد الكريسماس)(3/442)
محبة الكفار
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 18/4/1423
السؤال
لقد قرأت في موقعكم كما قرأنا لغيركم أن محبة الكفار أو غير المسلمين تدخل في باب المودة للكفار والتي حذر منها الله -تعالى- ووصف فاعلها بالكفر وأنه منهم ولا فرق بينه وبين الكفار، ولكننا نعلم أن الله إذا أراد شيئاً حقق أسبابه، وإذا لم يرد شيئاً منع أسبابه. بمعنى أنه لا يمكن أن يمنع الله -تعالى- العمل والاسترزاق ثم يحرم السرقة؛ لأنه وبهذا الحالة لا يمكن للإنسان أن يعيش وهو ممنوع من الاسترزاق، أو كالذي رمي به في الماء وقالوا له إياك إياكَ أن تبتل، وكذلك الحال في موضوع الموالاة، فلا أدري كيف نفسر نصوص الموالاة بأنها تعني: المحبة للكفار ثم نقول: إن الله -تعالى- حلل البر إليهم والسؤال عن حالهم والتعامل وتبادل الهدايا معهم ومعاودة مرضاهم، وبعد ذلك نقول: إنه يحرم محبتهم، فإن مثل الأعمال السابقة من التهادي والتعامل معهم وزيارتهم توجب محبتهم، ونحن نعلم أن المحبة شعور غير إرادي ولا يتحكم فيه الإنسان، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول:"تهادوا تحابوا"، فكيف نقول إن الله حلل الأولى وحرم علينا الثانية؟ مع أنها نتيجة طبيعية للأولى، ثم ماذا يفعل شخص تزوج من نصرانية والله -تعالى- وصف الزواج بأنه مودة ورحمة؟ فلا أدري كيف يستقيم هذا مع القول بأن محبة الكفار محرمة، وأنا هنا أتكلم عن الكفار المسالمين وليس عن غيرهم، ألا يدعونا هذا لإعادة التفكر في النصوص الشرعية والتي لا يمكن أن تكون تأمر بشيء وتحرم تبعاته؛ لأنها وبهذه الطريقة تكون شريعة قاصرة, وهذا محال في شريعة الله، وبارك الله فيكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:(3/443)
فإن من المقطوع به أن لـ (لا إله إلا الله) شروطاً لا تنفع صاحبها إلا بتحقيقها، ومن أهم شروط (لا إله إلا الله) شرط المحبة لهذه الكلمة ولمدلولها ولمن حققها، ومن لوازم هذه المحبة بغض من خالفها وبغض كل من لم يحققها كائناً من كان.
وهذه المسألة محسومة في كتاب الله –تعالى-، قال –عز وجل-:"لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ... " [المجادلة:22] .
وقال –تعالى-:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [المائدة:51] . وقال –تعالى-:"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ... " [النساء:144] . وقال –عز وجل-:"لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ" [آل عمران:28] .
وقد نهى الله –تعالى- عن ذلك نهياً صريحاً لا يقبل التأويل فقال –عز وجل-:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ... " [الممتحنة:1] .(3/444)
وهذه المحبة من أجلّ أعمال القلوب التي لا يتحقق إيمان العبد وتوحيده إلا بتحقيقها وإخلاصها والبراءة ممن خالفها، قال –تعالى-:"قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ... " [الممتحنة:4] .
بل قد تبرأ إبراهيم الخليل –عليه السلام- الذي لنا فيه أسوة حسنة من أقرب الناس إليه وهو أبوه لما لم يحقق لا إله إلا الله، قال –تعالى-:"وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ" [التوبة:114] .
إذاً فلا يمكن أن يجتمع في قلب عبد مسلم محبة الله –تعالى- ورسوله –عليه الصلاة والسلام- والمؤمنين مع محبة كافر محاد لله –تعالى- مكذب برسوله –صلى الله عليه وسلم- مهما كانت قرابته ومهما كانت علاقته بالمسلمين؛ لأنه لا يتصور تحقيق محبة الله وامتلاء القلب بتعظيم الله وإجلاله مع محبة من يزعم أن لله ولداً أو أن الله ثالث ثلاثة، كما لا يتصور تحقيق محبة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والشهادة الحقة له بالرسالة مع محبة من يكذب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ويطعن في رسالته، وهذه من المسلمات العقدية التي لا مجال فيها للخلاف.(3/445)
أما معاملة الكفار وما يتعلق بها من الأعمال الظاهرة فهذه قد فصلها القرآن الكريم وبينها لنا أكمل بيان لا مجال فيه للاختلاف، فقال –تعالى-:"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ*إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [الممتحنة:8-9] .
فأباح الله –تعالى- التعامل مع الطائفة الأولى بالبر والقسط وهو العدل، ومن ذلك الإحسان إليهم بالهدية ونحوها، ورحمتهم مما هم فيه من الكفر ومحاولة استمالة قلوبهم لإخراجهم مما هم فيه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
كما حرم –تعالى- تولي الطائفة الثانية وجعل ذلك من الظلم "ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون" [الممتحنة:9] وفي الآية الأخرى "ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" [المائدة:51] .
وحدد التعامل معهم بحسب حال المسلمين قوة وضعفاً، إما بـ"واهجرهم هجراً جميلاً" [المزمل:10] و"ودع أذاهم" [الأحزاب:48] ، وإما "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ... " [البقرة:190] أو بـ" وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة" [التوبة:36] وقوله:"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" [الأنفال:39] وقوله:"قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" [التوبة:29] .(3/446)
وعلى ضوء هذه القواعد الأساسية والنصوص المحكمة تفهم وتفسر النصوص الأخر؛ لأن من علامة الراسخين في العلم رد المتشابه إلى المحكم والإيمان بهما جميعاً؛ لأنها كلها من عند الله، وما كان من عند الله فهو الحق، وليس في الحق اختلاف أو تعارض أو تناقض، وإن بدر أحياناً فهو بسبب نظر الناظر، وليس في كتاب الله –تعالى- ولا في كلام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- اختلاف أو تناقض.
وعليه فما ذكره الأخ السائل من أن البر والإحسان والمعاملة الحسنة توجب محبة الكفار ... فهذا ليس على إطلاقه، نعم هو من مقتضيات محبة إيمانهم ودخولهم في دين الله الحق، وهذا مطلب شرعي، وليس موجباً لمحبة أشخاصهم وذواتهم فضلاً عما هم عليه من الكفر والضلال.
وكذلك حديث النبي –صلى الله عليه وسلم-:"وتهادوا تحابوا" مالك (1731) فيفهم على ضوء ما تقدم، وإن كان ظاهره الخطاب للمؤمنين، ونحوه "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم" مسلم (54) وهذا أيضاً خاص بالمؤمنين.
وكذلك ما أشار إليه الأخ السائل من المودة والرحمة بين الزوجين، وقد تكون الزوجة كتابية، فهذا يفهم أيضاً على ضوء ما تقدم، علماً بأن الأصل في التزاوج مع اختلاف الدين هو المنع قال –تعالى-:"ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ......ولا تُنْكِحُوا المشركين حتى يؤمنوا ... " [البقرة:221] وقوله –تعالى-:"لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن" [الممتحنة:10] و" ... لا تمسكوا بعصم الكوافر" إلا أن الشارع قد استثنى من هذا العموم جواز نكاح المسلم للكتابية المحصنة في قوله –تعالى-:"الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ... " [المائدة:5] .(3/447)
ولعل من الحكم البالغة في ذلك -والله تعالى أعلم- أن المرأة بطبيعتها تغلب عليها العاطفة فإذا غمرها الزوج المسلم ببره وإحسانه ورحمته لها فحري بها أن ينقذها الله -تعالى- على يديه بسبب هذه العاطفة الجياشة وبسبب هذا التعامل الحسن إلى الدخول في دين الله الحق، بخلاف الكتابي فلا يجوز له أن ينكح المسلمة؛ لقوة تأثير الرجل وغلبته على المرأة، فقد يخرجها من دينها الحق.
وبهذه المناسبة نذكر قصة ذلك النصراني الذي ناظر أحد المسلمين وادعى تعصب المسلمين بإباحتهم للمسلم أن ينكح النصرانية دون النصراني، فلا يجوز له أن ينكح المسلمة، فأجابه المسلم بقوله: لا تعصب في ذلك، فالمسلم جاز له أن ينكح النصرانية؛ لأنه يؤمن بنبيها الذي تؤمن به، ولا يجوز للنصراني أن ينكح المسلمة؛ لأنه لا يؤمن بنبيها الذي تؤمن به".
وعلى كل فلا يجوز معارضة النصوص المحكمة القطعية السابقة بمثل فهمنا لبعض النصوص المجملة التي ليست نصاً في المسألة، والمنهج الحق هو رد هذه النصوص إلى تلك المحكمات وفهمها على ضوئها.
وفق الله الجميع للفقه في دينه والعمل بسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(3/448)
الفرق بين التولي والموالاة
المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 22/12/1422
السؤال
ما الفرق بين ما يطلق عليه الموالاة والتولي في الولاء والبراء، حيث إنني قرأت لمن يفرق بينهما، ولكني لم أجد من كلامه فرقاً؟
الجواب
فرّق بعض العلماء بين التولي والموالاة، فجعلوا التولي - وهو مظاهرة الكفار على المسلمين- أخص من عموم الموالاة، مع أن جمهور المفسرين يفسرون التولي بالموالاة، ومن ثم فإن كانت موالاة الكفار شُعباً متعددة، فكذا التولي يكون على مراتب، والمقصود أن مظاهرة الكفار ونصرتهم ضد المسلمين ردة وخروج عن الملة، سواء سُمي ذلك تولياً أم موالاة؛ لقوله - تعالى -: " ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" [المائدة:51] ، والله أعلم.(3/449)
البقاء بين ظهراني الكفار
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 15/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نحن جماعة من الإخوة كتب الله - عز وجل - لنا أن نتغرب عن أوطاننا الإسلامية لنعيش في ديار الكفر. وقد اختلفت أسباب مجيئ كل واحد منا, فمنا المضطر ومنا غير ذلك. فهل تجوز لنا الإقامة والبقاء في هذه الديار بحجة حرية التدين وإقامة الشعائر والدعوة إلى الله؟ -مع العلم أن غالبية الإخوة لا هم لهم إلا الدنيا -، عكس ما يقابل ذلك في أوطاننا من قهر واستبداد وتضييق على الدعوة وكلمة الحق. وكثرة الفساد والفجور وضيق المعيشة (السكن ومصادر تحصيل الرزق) ؟؟ وهل إظهار الشعائر في ديار الكفر معناه إظهار العداوة والبغضاء لهم؟ كما جاء في القرآن: "قد بدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا ... " أم أن له معنى آخر؟؟(3/450)
البعض من الإخوة هنا يعتمدون في مصدر رزقهم على منحة حكومية (الضمان الاجتماعي) مصدرها الضرائب المختلفة، على جميع الأنشطة الاقتصادية الحلال منها والحرام، هذه المنحة تقدم للعاطلين عن العمل حتى يجدوا مصدر رزق. فهل يجوز لمن يتقاضاها أن يشتغل في الخفاء دون أن يصرح للسلطات للحفاظ عليها ويكتب مع الإمضاء في وثيقة طلب المنحة أنه لا عمل له ولا دخل مادي وهذا يتكرر كل مرة يطلبها؟؟ أو أن يصرح بدخل غير صحيح للحصول على جزء منها؟؟ أو أن يصرح ويملأ وثائق بذلك مع وجود شاهدين يشهدان أنه وزوجته يعيشان منفصلين عن بعضهما (ليس بمعنى الطلاق) من أجل حصول الزوجة والأولاد على المنحة لأنهم يفقدونها في حال حصوله على عمل وهو يعيلهم؟؟ ما حكم الاشتغال كسائق لسيارة الأجرة (التاكسي) ونقل الناس من مكان لآخر ولو كان محرما (مخمرة, لهو, قمار ... ) وركوب النساء معه دون محرم....أفتونا مأجورين بشيء من التوسعة وبارك الله فيكم وسدد خطاكم.
الجواب(3/451)
من ضيق عليه في معيشته أو دينه في بلده ولم يجد بلدة من بلاد المسلمين تأويه فرحل إلى بلاد الكفار فأقام بها طلباً للعيش والأمان فلا شيء عليه إن شاء الله في إقامته بين ظهراني الكفار، ما دام يقيم شعائر دينه، نتيجة حرية التدين في تلك البلاد، إن كان يستطيع فيها أن يظهر شعائر دينه الاعتقادية والتعبدية – دون منع أو اضطهاد - وشعائر الدين هي: أركان الإسلام وأركان الإيمان، وإظهار المسلم لشعائره التعبدية والعقدية في بلاد الكفار هو إظهار للعداوة والبغضاء والكفر بهم وبما يعبدون من دونه كما في قوله – تعالى -: "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ" الآية، [الممتحنة:4] وهؤلاء الصنف من الكفار هم الذين أعلنوا الحرب على المؤمنين دون غيرهم من المعاهدين المسالمين الذين أباح الله للمؤمنين أن يبروا بهم ويعدلوا فيهم"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [الممتحنة:8] وعداوة المسلم للكافر وبغضه لا تستلزم ظلمه، ولا إنكار المنكر الذي هو عليه باليد أو القوة، لأن ذلك ليس إليه، وقد تترتب عليه، مفسدة عظمى.
وما تصرفه الدولة (الكافرة) منحة للعاطلين عن العمل حتى يجدوا مصدر رزق يدر عليهم ما يسد حاجتهم أخذه حلال للآخذ، ولو كان غالب مصدره الحرام، وقبول المسلم منحة وهدية الكافر جائزة إذا كانت غير مشروطة بحرام.(3/452)
ولا يجوز لمن يتقاضى هذه المنحة أن يخفي على الدولة ما وجده من عمل - إذا كان هذا العمل يدر عليه ما يكفيه، أما إذا كان هذا العمل لا يدر عليه ما يكفيه فلا بأس عليه حينئذ ولا يجوز له أن يدلي بمعلومات ناقصة أو مغلوطة أو وثائق مكذوبة، أنه وزوجته يعيشان منفصلين من أجل حصول الزوجة والأولاد على هذه المنحة، لأن هذا من الحيل المحرمة والكذب الحرام، فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار، كما جاء في الحديث الصحيح أما اشتغال المسلم في ديار الغرب كسائق سيارة أجرة ينقل الناس من مكان لآخر، وقد تكون هذه الأمكنة محرمة يزاول فيها الحرام، فلا ينبغي للمسلم الاشتغال بهذه المهنة إذا كان له مندوحة عنها، وإن كان مضطرا ًلذلك فلا بأس عليه - إن شاء الله - بشرط أن ينكر ذلك بقلبه على الأقل.
أما ركوب النساء مع السائق دون محرم داخل البلد أو خارجه فحرام إذا كانت بمفردها مع السائق الأجنبي أما إذا كانت النساء اثنتان فأكثر فجائز لعدم تحقق الخلوة كما في الحديث المتفق عليه "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" البخاري (5233) ومسلم
(1341) وفي الحديث الآخر "لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما" أحمد (114) والترمذي (2165) والنسائي في الكبرى (9175) . وفقنا الله وإياكم للخير آمين.(3/453)
وضع الأزهار على القبور
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 27/4/1423
السؤال
ما حكم وضع الأزهار في أماكن مخصصة لذكرى يوم قتل هتلر اليهود، وذلك من طرف جمعية إسلامية؟ مع علمهم بالأحداث في فلسطين. وشكراً.
الجواب
لا يجوز للمسلم أن يضع أزهاراً على قبر كافر ولا مسلم، ووضعها على قبر كافر أشد حرمة فإن تعظيم الكافر حياً أو ميتاً لا يجوز.(3/454)
الاستشهاد بنصوص التوراة
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 27/05/1426هـ
السؤال
ألقيت درساً عن الإعجاز العلمي في الإسلام، وذكرت قصة أمريكي، وفي ثنايا القصة يوجد مقطع من التوراة فقرأته، فقيل لي: لا يجوز قراءة شيء من التوراة، فما الحكم؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة شيء من كتب أهل الكتاب على نوعين:
أحدهما: أن يقع ذلك بنية إقامة الحجة عليهم، بما تضمنته كتبهم من حق ثابت، أو حكم غير منسوخ، فهذا جائز، بل ربما تأكد فعله. قال تعالى: " قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين" [آل عمران: 93] . وقد سلك هذا المسلك كثير من علماء المسلمين المتقدمين والمتأخرين، في مقام المناظرة، وإلزام الخصم بالحجة، على قاعدة: من فمك أُدينك.
الثاني: أن يقع ذلك على سبيل الاحتفاء بها، والإعجاب، فهذا لا يحل، لما روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، أن عمر بن الخطاب، -رضي الله عنه- أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي -صلى الله عليه وسلم- فغضب، فقال: " أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتُكذِّبوا به، أو بباطل فتُصدِّقوا به، والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني" رواه أحمد (15156) ، وابن أبي عاصم في السنة (50) ، وحسَّنه الألباني. والله تعالى أعلم.(3/455)
أخوَّة الروافض
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 1/1/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يكثر في البال توك في غرف المناظرات المشهورة نداء ومخاطبة الروافض بـ يا أخي فما حكم ذلك بالتفصيل؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخوة قسمان:
(1) أخوة دينية وهي تعم كل من كان مسلماً حتى ولو كان مبتدعاً ما لم تكن بدعته مكفرة. والكفر نوعان:
أ-كفر أصلي أي أن صاحبه اختار الكفر عمداً وعن إرادة.
ب-كفر تأويل أي أن الشخص قال أو عمل أو اعتقد أمراً مكفِّراً عن تأويل.
الثاني يتسامح فيه ما لا يتسامح في الآخر.
(2) أخوة نسبية حتى ولو كان الأخ في النسب كافراً، وإطلاق الأخ على من يعتقد كفره من باب النسب بحكم الأخوة البشرية ليس فيه بأس على سبيل تأنيس المدعو، قال -تعالى-: "وإلى عاد أخاهم هوداً" [الأعراف: 65] وقال -تعالى-: "وإلى ثمود أخاهم صالحاً" [الأعراف: 73] . فأطلق الأخوة الإنسانية مع انقطاع الأخوة الدينية، والله أعلم.(3/456)
هل أضع شجرة الكريسمس في بيتي؟
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 2/2/1425هـ
السؤال
هل يجوز أن أضع في بيتي شجرة الكريسماس، وأنا مسلمة؟ علماً أنني أضعها لابني وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نشكر السائلة الكريمة حرصها على أمور دينها، ولا يخفى عليها أن شجرة الكريسماس هي أحد شعارات أعياد النصارى، والتي هي رمز لاحتفالاتهم بأكبر أعيادهم الدينية، والتي لا يجوز مشاركتهم فيها باتفاق المسلمين، وقد قال - صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم" أبو داود (4031) ، وأحمد (5093) وقال الألباني عنه حسن صحيح، ولا يخفى على السائلة أن الواجب على المسلم الدعوة إلى دينه، وإظهار شعائره فضلاً عن التأثر بأعياد النصارى والمشركين، التي هي جزء من أديانهم، والتي هي من أخص أمورهم، والتي تنبع عن عقيدة مخالفة للتوحيد، وفي ديننا من العبادات والأعياد الكفاية والكمال، وقد قال - سبحانه وتعالى-: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" [المائدة:3] . وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.(3/457)
المشاركة في أعياد الكفار
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 16/6/1425هـ
السؤال
أنا مسلم أعيش في دولة غربية، وزوجتي أسلمت قبل سنتين، ولديها ثلاثة أولاد غير مسلمين من زوجها الأول، والأولاد يعيشون معنا خمسة أيام في الأسبوع، ثم خمسة أيام في أسبوع آخر عند أبيهم، يوم عيد الميلاد دار بيني وبين زوجتي نقاشاً حاداً؛ لأنها أرادت قضاء هذا اليوم مع أولادها؛ بحجة أنهم غير مسلمين، ولهم الحق في الاحتفال بهذا العيد، وتبادلت معهم الهدايا، وهي تقول إنه ليس يوماً دينياً، وإنما هو يوم عائلي فقط، والذي أعرفه أنه يحرم على المسلم مشاركة غير المسلمين في أعيادهم، لكنها لا تريد أن تحزن أطفالها. فما حكم ذلك؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:(3/458)
فإن الأعياد في الإسلام عبادة، وليس في الإسلام عيد إلا عيد الجمعة، وعيد الفطر، وعيد الأضحى؛ فعن أنس – رضي الله عنه- قال: (قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم- المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، قال صلى الله عليه وسلم: إن الله – عز وجل- قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم النحر") رواه أحمد (3/103) ، وأبو داود (1134) ، والنسائي (1555) ، قال ابن تيمية – رحمه الله تعالى-: (هذا إسناد على شرط مسلم) ا. هـ، اقتضاء الصراط المستقيم (1/433) ، والاحتفال بعيد الميلاد فيه تشبه بأهل الكتاب، وقد نهينا عن التشبه بهم، قال عليه الصلاة والسلام: "لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى" رواه أحمد (1/261) ، وابن حبان (5473) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-، وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أحمد (5114) ، وأبو داود (4031) قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى-: (هذا إسناد جيد) ا. هـ، الاقتضاء (1/240) ، وقال -رحمه الله-: (وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم؛ كما في قوله تعالى: "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ") [المائدة: من الآية51] ا. هـ، وقد أجمع الصحابة –رضي الله عنهم- على تحريم التشبه بالكفار في أعيادهم، انظر: الاقتضاء (1/454) ، وأحكام أهل الذمة (2/722) ، قال ابن القيم – رحمه الله تعالى-: (وأما التهنئة بشعائر الكفار المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، مثل أن يقول: عيد مبارك عليك، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، وهو لا يدري قُبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه) ا. هـ، أحكام أهل(3/459)
الذمة (1/441-442) ، والذي يظهر أن زوجتك حديثة عهد بإسلام، وتعيش كذلك في بلاد غير إسلامية، لذا الواجب عليك نصحها وإرشادها بالتي هي أحسن من غير عنف ولا نقاش حاد، وإفهامها بخطورة ما فعلته من خلال الأدلة السابقة، وألا تكون النصيحة فقط عند قرب العيد، بل تكون قبل ذلك بمدة طويلة؛ بحيث تكون أقرب إلى الاستماع وقبول ما تذكره لها. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(3/460)
الإقامة في بلد الكفار
المجيب خالد بن عبد الله البشر
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 29/08/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ سلمه الله: أود من فضيلتكم الإجابة عن السؤال التالي: عرض علي العمل وفتح مكتب لإعانة المسلمين؛ للهجرة إلى دولة غربية، والقضية تشمل التالي:
أولاً: منهم المضطر وغير المضطر للهجرة.
ثانياً: المتدين دينياً، وغير المتدين.
ثالثاً: ومنهم من يريد مخرجاً لنفسه وأولاده من المعاناة، وليس قصده الهجرة بحد ذاتها والحصول على أوراق تسهل عليه المعيشة.
رابعًا: هل ينطبق عليهم حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - "أنا بريء ممن أقام بين ظهراني الكفار؟ ".
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:(3/461)
الهجرة في الإسلام: هي الانتقال من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام. وكل دار يحكمها الكفار، وتجري فيها أحكام الكفر فهي دار كفر. ودار الإسلام: هي كل بلاد يحكمها المسلمون، وتجري فيها أحكام الإسلام. ومن الخطأ أن يُسمى الانتقال من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر هجرة؛ لأن الانتقال إلى بلاد الكفر معصية وكبيرة من كبائر الذنوب وصاحبها متوعد من الله. قال تعالى: " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا، إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا " [سورة النساء 97-98] .وتبرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ممن يقيم بين الكفار كما في الحديث الذي أخرجه أبو داود (2645) ، والترمذي (1604) وغيرهما بإسناد حسن، قال عليه الصلاة والسلام: " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ".وقال عليه الصلاة والسلام: " من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله ". أخرجه أبو داود (2787) من حديث سمرة بن جندب -رضي الله عنه-. وقال عليه الصلاة والسلام: " لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فليس منا ". أخرجه الحاكم في المستدرك (2627) من حديث سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال الذهبي: صحيح على شرط البخاري.(3/462)
والهجرة من بلاد الكفر باقية إلى قيام الساعة وواجبة على كل مسلم في بلاد الكفر، وطاعة وقربة إلى الله -عز وجل- ويثاب فاعلها. قال عليه الصلاة والسلام: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " أخرجه أبو داود (2479) من حديث معاوية -رضي الله عنه-. وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يُقاتل". أخرجه أحمد (1674) من حديث عبد الله بن السعدي -رضي الله عنه- بإسناد حسن. فالأصل أن الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام واجبة على كل مسلم ومسلمة، ويستثنى من هذا المستضعفون الذين لا يستطيعون أن يهاجروا من بلاد الكفر، ولا يجدون السبيل إلى ذلك، كذلك لا يجوز السفر إلى بلاد الكفر إلا لحاجة لا تُقضى في بلاد الإسلام؛ كالعلاج والتجارة وطلب العلم والدعوة إلى الله، ونحوها من الحاجات التي لا يمكن تحصيلها في بلاد الإسلام، ويكون السفر قدر الحاجة، فإذا انتهت حاجته رجع إلى بلاد الإسلام.
كما لا يجوز إعانة أحد من المسلمين في الذهاب إلى بلاد الكفر واستيطانها من غير حاجة كما سبق بيانه. والإسلام يُحرّم السفر إلى بلاد الكفر واستيطانها؛ لما يترتب عليه من عواقب وخيمة، ونتائج خطيرة على دين المسلم وعلى أخلاقه، وعلى أهله وذريته الذين ينشؤن في بلاد الكفر، كما أن اتساع بلاد الإسلام فيه غنية لمن أراد من المسلمين الانتقال من بلاده الإسلامية، ولا يستطيع البقاء في بلاده، وعلى من اضطر إلى الانتقال عن بلاده البحث عن بلاد إسلامية أخرى، تتيسر فيها أسباب معيشته، ويأمن فيها على دينه، وأن يحتسب الأجر من الله في ذلك، ومن ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه. ونسأل الله أن يمنَّ علينا وعليكم بنعمه وفضله، وأن يغنينا وإياكم بحلاله عن حرامه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن تبعهم بإحسان.(3/463)
قول المسلم للكافر "أنا أحترم دينك"!
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن أبو سيف الجهني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 10/04/1427هـ
السؤال
هل يجوز القول لغير المسلم: "أنا أحترم دينكم، أو أنا أحترم الأديان" للمقاصد التالية:
لقصد التقرب إليه دنيوياً، أو لقصد دعوته للإسلام كبداية حوار، أو لدرء فساد منه وشر متوقع.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد شرع الله البراءة من الأديان غير دينه "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" [الكافرون:1-6] . وجعل إبراهيم عليه السلام أسوة حسنة للمسلمين في البراءة من الشرك وأهله، ونهى عن مداهنة المشركين "وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ" [القلم:9] . ونهى عن الركون إليهم، ولو شيئاً قليلاً "وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا" [الإسراء:74-75] .
فلا احترام للأديان الوثنية ولا للباطلة ولا ما كان أصلها دين سماوي صحيح لكنه حُرِّف وبُدِّل فيه، ولا يجوز بحالٍ أن يقوم في قلب المسلم احترامٌ لدين غير دين الله، فإذا كان ذلك كذلك فلا يجوز للمسلم الكذب وادعاء احترام دينٍ غير دين الله وليس ثمة ما يلزم معه قول هذا الكلام ولا تقتضيه مصلحة شرعية بحال. فلا يجوز قوله على أي حال علماً بأن الحال الأول وهي "قصد التقرب إليه دنيوياً" أشد الأحوال حرمة. والله أعلم.(3/464)
بيع بطاقات التهنئة بعيد الكريسماس
المجيب د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 22/11/1425هـ
السؤال
رجل يملك محلات سوبر ماركت كافر؛ فهل يجوز له أن يبيع على الكفار بطاقات عيد الكريسماس؟ المسلم صاحب هذا (السوبر ماركت) , فهل هو مأثوم؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
لا يجوز للمسلم بيع بطاقات التهنئة بأعياد الكفار ومناسباتهم الدينية، سواء بيعت لمسلم أو لغير مسلم؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [النساء:2] . ولما في ذلك من موافقتهم في أعيادهم وتأييدهم عليها مع ما فيها من الشركيات والبدع والإثم. والله أعلم.(3/465)
شعارات الأندية الرياضية التي فيها صلبان
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 07/06/1426هـ
السؤال
تصفحت بعض المنتديات الرياضية، وحصل تساؤل من بعض الأعضاء عن شعار لأحد النوادي عليه صورة صليب، فهل يجوز وضع شعار ذلك النادي الذي يحتوي شعاره على صورة صليب؟.
الجواب
نقول وبالله التوفيق: من المعروف أن الصليب معظَّم عند النصارى في كنائسهم وفي بيوتهم، ويعلقونه على صدورهم، فهو شعارهم، فلا يجوز لمسلم أن يجعل له شعاراً فيه صليب؛ لأنه تشبه بالنصارى، ونحن مأمورون بمخالفتهم، ولا يخفى أنه من أعظم أنواع التشبه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أحمد (5114) ، وأبو داود (4031) .
ويدل على وجوب تغيير ونقض وطمس الصليب ما جاء في صحيح البخاري (5952) ، من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه.
ولا يلزم قصد عبادته أو تعظيمه، بل مجرد جعله شعاراً هو تعظيم له، كما أنه تشبه بهم في أخص خصائص دينهم، وهو محرم في أقل أحواله، واقتداء الظاهر يقود إلى اقتداء الباطن كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، أما عبادته وقصد تعظيمه فهذا كفر أكبر.
والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(3/466)
هل في هذا تشبه بالكفار؟
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 26/07/1426هـ
السؤال
في حفلة تخرج لطالبات الثانوية العامة، تم وضع زي موحد للتخرج عبارة عن عباءة طويلة توضع على الكتف، لونها أسود مزينه بأقمشة ملونه وبعض الورود، فهل في ذلك تشبه بالكفار؟ علماً بأن زيهم يكون عبارة عن عباءة سوداء قصيرة إلى الركبة واسعة الأكمام مع قبعة سوداء (طربوش) وقطعة قماش بلون معين على الكتف.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
التشبه بالكفار المنهي عنه شرعاً في اللباس هو أن تكون هيئة اللبس أو شكله خاصاً بهم لا يشاركهم غيرهم فيه. وما دام لباس التخرج عند الكفار هو عباءة قصيرة سوداء تصل الركبة، وأكمامها واسعة مع قبعة سوداء على الرأس، فلباس التخرج عند المسلمات المسؤول عنه يختلف عن هذه الصفة، فهي طويلة وأكمامها ضيقة ومزينة بأقمشة ملونة وبعض الورود، فالصفة في اللبس مختلفة عن لبس الكفار في مثل هذه الاحتفالات، فلا أرى أن هذا الفعل من التشبه المنهي عنه. والله أعلم.(3/467)
رعاية المعوقين من الكفار
المجيب د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 02/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل يجوز لنا تشغيل بيت لرعاية المعوقين من غير المسلمين؟ علماً أن برنامج تشغيل هذا البيت يقتضي الذهاب بهؤلاء المعوقين لزيارة الكنيسة، والاحتفال بأعياد الميلاد الفردية، وعيد ميلاد المسيح -عليه السلام- وما شابه ذلك، وبعض الناس يعترض على التبرع لهذا البيت؛ لأن المالك يدفع أجوراً للموظفين الذين يقومون على هذا البرنامج.
هل يكون الدخل الناتج عن تشغيل هذا البيت حلالاً؟ أرجو بيان الأدلة من الكتاب والسنة؛ حتى يكون حجة لنا. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فهذا العمل لا يجوز:
1- لأنه يشتمل على إعانة هؤلاء المعاقين على حضور الطقوس الشركية، والمناسبات البدعية، وقد قال تعالى: "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة: 2] .
2-والله -تعالى- نهى المؤمنين عن حضور مجالس الكفار التي يظهرون فيها شركياتهم، فكيف إذا كان المسلم يقوم بعمل يعينهم فيه على ذلك، قال تعالى: "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأُ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم" [النساء: 140] .
3- ولأن هذا يعد نوعاً من موالاة الكفار، وقد قال تعالى: "ومن يتولهم منكم فإنه منهم" [المائدة: 52] ، وكون المسلم لا يباشر العمل بنفسه، وإنما يدفع أجور الموظفين الذين يقومون بذلك لا يعفيه ذلك من الإثم؛ لأنه قد أعان بماله الذي يدفعه للموظفين على هذه الأعمال، والدخل الذي يأتيه من هذا العمل محرم. والله أعلم.(3/468)
التشبه بالكفار
المجيب د. نذير بن محمد أوهاب
باحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 20/05/1426هـ
السؤال
أود أن تشرحوا لي النهي عن التشبه بغير المسلمين، وكيفية تطبيق ذلك، في حين أن هناك قاعدة في أصول الفقه تقول: إن الإسلام لا يعارض تقاليد قوم ما دامت هذه التقاليد لا تخالف مبادئ الإسلام؟ بارك الله فيكم.
الجواب
النهي عن التشبه بالكفار قاعدة شرعية بلا خلاف، أما مقولة: (إن الإسلام لا يعارض تقاليد قوم ما دامت لا تخالف مبادئ الإسلام) فهذه ليست قاعدة أصولية، بل إباحة شرعية، وهي حكم، والفرق بيّن. والتشبه بالكفار له صورتان:
الأولى، ولها حالتان:
الأولى: يحكم فيها بكفر المتشبه وردته، ويعاقبه ولي الأمر عليه، وذلك إذا كان التشبه ميلاً للكفر (والمراد الميل القلبي) ، كالتشبه بهم في أعيادهم، وتعظيم أيامهم كتعظيمهم لها، قال تعالى: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير" [البقرة: 120] ، ولقوله صلى الله عليه وسلم عند أحمد (5114) ، وأبي داود (4031) : "من تشبه بقوم فهو منهم"، وأورد ابن القيم في (أحكام أهل الذمة) أنه قد رُوي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: "من مرّ ببلاد الأعاجم، فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك، حشر معهم يوم القيامة"، ولا شك أن الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر كما قال شيخ الإسلام.
الحالة الثانية: لا يصل فيها المتشبه حالة الكفر، بل ينزل إلى درجة المحرم حتى يأثم على فعله، ومثاله الهدية للنصارى في أعيادهم، لأن فيه إقراراً على معتقدهم، وتشجيعاً لهم على ذلك.
الصورة الثانية: ولها حالتان كذلك:(3/469)
الأولى: التشبه المباح، كالتشبه بهم في اللباس ما دام هذا الأخير ليس شعاراً لهم، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- معلَّقاً على حديث أنس -رضي الله عنه- أنه رأى قوماً عليهم الطيالسة، فقال: "كأنهم يهود خيبر": وإنما يصلح الاستدلال بقصة اليهود في الوقت الذي تكون الطيالسة من شعارهم، وقد ارتفع ذلك في هذه الأزمنة، فصار داخلاً في عموم المباح [فتح الباري (10/275) ] .
الحالة الثانية: استحباب التشبه بهم، ووجوب ذلك في بعض هديهم، ومثاله التشبه بهم في هديهم الظاهر من أجل دعوتهم إلى الإسلام، أو دفع ضرر عن المسلم، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: " لو أن المسلم بدار الحرب، أو دار كفر غير حرب، لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر، لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر. إذا كان في ذلك مصلحة دينية، من دعوتهم إلى الدين.. أو دفع ضرر على المسلمين، ونحو ذلك من المقاصد الحسنة".
ولا شك أن مشابهتهم في جلدهم على العلم والتعلم، وإتقانهم لصناعتهم، وخدمتهم لأوطانهم، هو من أولويات ما يجب على المسلم التشبه بهم فيه.
والله أعلم وصلى الله على سيدنا وآله وصحبه وسلم.(3/470)
صداقة الكافر
المجيب د. عبد الله بن عمر السحيباني
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 10/03/1427هـ
السؤال
أنا طالب في إحدى الجامعات في فرنسا، وأبذل قصارى جهدي في سبيل الاستقامة في الدين، إلاّ أنّ علاقاتي تكثر مع الفرنسيّين من مسيحيّين وكفّار؛ حتّى إنّ صديقي الذي أقضي معه معظم وقتي في الجامعة كافر، وهو يعرف أنّني أعمل جاهدًا مع بعض الإخوة
لإحياء مسجد عندنا هنا بدروس في اللّغة العربيّة وتلاوة القرآن والمحاضرات، ومع ذلك لم يعب ديني ولا تصرّفاتي. وبالمقابل سمعت حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: "لا تصاحب إلاّ مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلاّ تقيّ". فأرجو أن تشرحوا لي هذا الحديث، وأن تبيّنوا لنا كيفيّة التعامل مع غير المسلمين، ثم ما واجبنا تجاه الإسلام، وما الذي يسعنا في ذلك مع نقصنا في العلم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمخالطة المسلم لغير المسلم مخالطة كثيرة -كما هو حال السائل مع صديقه فيما فهمت- لا تنبغي فيما يظهر، لأنه ربما أدخل الكافر الضرر في دين المسلم بسبب المخالطة، وإنما تجوز المخالطة بقدر الحاجة إلى دعوته وهدايته، وقد يندب إلى ذلك بحسب المصلحة المتوقعة، وعلى هذا يحمل قول رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: "لا تصاحب إلاّ مؤمنا ولا يأكل طعامك إلاّ تقيّ". ولذا قال أهل العلم: إنما حذر من صحبة من ليس بتقي وزجر عن مخالطته ومؤاكلته؛ لأن المطاعم توقع الألفة والمودة في القلوب.
والحديث أخرجه أحمد (10909) ، وأبو داود (4832) ، والترمذي (2395) ، والدارمي (1968) ، وابن حبان (554) ، والحاكم (4/128) ، وسكت عنه أبو داود والمنذري، وقال المناوي: أسانيده صحيحة.(3/471)
وعلى هذا فإن مخالطة المسلمين للكفار ومعاملتهم فيما تدعو إليه الحاجة الحياتية أو الدعوية أمر لا بأس به، بل قد يكون مندوباً إليه كما سبق، والواجب على المسلمين أن يظهروا لغير المسلمين المعاملة الطيبة والخلق الحسن الذي حثَّ عليه ديننا الحنيف، يقول المولى سبحانه: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" [الممتحنة:8] ، فأخلاق الإسلام ينبغي أن تظهر على أهله، وإذا علم الناس حقيقة الإسلام وصدق أهله فلن يترددوا في اعتناقه والدخول فيه، وبهذا تكون الدعوة العملية لهذا الدين العظيم. والله الموفق.(3/472)
ما الفرق بين الاتِّباع والابتداع؟
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/ضابط البدع والتحذير منها
التاريخ 7/9/1422
السؤال
ما هو الاتّباع وما الآيات والأحاديث الواردة فيه والكتب التي تكلمت عنه، وهل هو مخالف للابتداع، وأين أجد هذا الموضوع على الإنترنت؟
الجواب
الاتباع: هو اتّباع النبي - صلى الله عليه وسلم - أي التمسك بالقرآن والسنة،
والابتداع: هو إحداث أمر لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - أو لا يدل على جوازه دليل ويقصد صاحبه به التقرب إلى الله - عز وجل -.
أو كما قال الشاطبي - رحمه الله: " البدعة: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية) (الاعتصام) ، والآيات كثيرة منها قوله - تعالى - " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " [الأحزاب: 21] ، وكذلك الأحاديث ومنها: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " رواه أبو داود (4607) وابن ماجة (42) ومن أهم الكتب: (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) للالكائي الجزء الأول، والشريعة للآجري الجزء الأول، والإبانة لابن بطة، والحجة للمقدسي وغيرها.(3/473)
البدعة
المجيب د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/ضابط البدع والتحذير منها
التاريخ 6/4/1423
السؤال
بسم الله الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله
وصحبه أجمعين. أما بعد: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
السؤال 1: أريد تعريف البدعة؟
وبارك الله فيكم وجزاكم الله عنا كل خير.
الجواب
تعريف البدعة:
هي: كل ما يتعبد به المسلم لله من اعتقاد أو عمل وهو غير مشروع.
وقد تعددت ألفاظ أهل العلم في تعريف البدعة مع اتحاد المعنى أو تقاربه، ومن أجمع تعاريفها قول الإمام الشاطبي: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله -تعالى-. وأوجز منه تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية للبدعة بقوله: البدعة هي الدين الذي لم يأمر الله به ولا رسوله، فمن دان ديناً لم يأمر الله به ورسوله فهو مبتدع.
وقد ذم الله -عز وجل- في كتابه الابتداع في الدين وسماه تشريعاً لم يأذن به الله فقال -سبحانه-:"أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [الشورى:21] .
وقد أوضحت السنة النبوية خطر الابتداع في الدين بوصفه شر الأمور، وأنه يعني الضلال والهلاك، يقول النبي -في الحديث الذي رواه مسلم (867) وغيره عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته...." الحديث وفيه يقول: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة". رواه مسلم (867) ومعناه عند البخاري (7277) من حديث ابن مسعود.(3/474)
وقال -صلى الله عليه وسلم-:"فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة". رواه أحمد (17144) واللفظ له، وابن ماجة (42) والترمذي (2676) .(3/475)
حقيقة البدعة وضوابطها
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/ضابط البدع والتحذير منها
التاريخ 11/2/1423
السؤال
ما معنى الحديث: "كل بدعة ضلالة" بعض الناس يهاجمون كل جديد ويحرمونه استناداً بهذا الحديث على سبيل المثال: عيد الأم.
الجواب
الحديث الذي أشار إليه السائل حديث صحيح رواه مسلم (867) من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه "فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" وروى الترمذي (2676) وأبو داود (4607) واللفظ له وغيرهما من حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفيه: "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"، والبدعة في اللغة، هي: الأمر المخترع على غير أصل سابق ولا مثال يحتذى، أما في اصطلاح علماء الشريعة، فإن من أجمع ما عرفت به البدعة أنها: عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يقصد بها التعبد لله -تعالى-.
ومن خلال التعريف يظهر أنه لابد من تحقق أمرين في القول أو الفعل حتى يوصف بأنه بدعة، الأول: أن يكون طريقه في الدين، الثاني: أن يكون أمراً محدثاً لم يكن له أصل في الشريعة، وعلى هذا فإن ما أحدثه الناس من عادات وأمور جديدة تتعلق بمعاشهم وأمور دنياهم وحياتهم لا يدخل في مفهوم البدعة المذموم صاحبها.(3/476)
أما المثال الذي ذكره السائل، فإن النهي عنه من جهتين، الأولى: أنه أمر مبتدع لم يكن من أصل هذه الشريعة، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي أخرجه أبو داود (1134) والنسائي (1556) وأحمد (12006) واللفظ له بسند صحيح عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية، فقال: "إن الله -تبارك وتعالى- قد أبدلكم بهما خيراً منهما، يوم الفطر ويوم النحر" فدل الحديث على إبطال ما عدا عيد الفطر وعيد النحر.
الثاني: أن هذا العيد ونحوه مما أخذ عن النصارى ونحوهم، وقد أمرنا الله بمخالفة طريقتهم، ونهانا نبيه -صلى الله عليه وسلم- عن التشبه بهم، وفي ديننا ما يغنينا عن التشبه بهم، فإن نصوص الكتاب والسنة قد تكاثرت آمرة ببر الوالدين والإحسان إليهما، وجعل حقهما قرين حق الله -تعالى-، وبالله التوفيق.(3/477)
المداومة على سجود الشكر
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/ضابط البدع والتحذير منها
التاريخ 9/7/1424هـ
السؤال
ما حكم من يسجد سجود الشكر بشكل دائم في اليوم خمس مرات أو أكثر أحياناً بتجدد النعم وأحياناً بتذكر نعم موجودة؟ أو يسجد لمجرد السجود أو التعود أو ما شابهه، فهل ذلك وسوسة؟ أم بدعة؟ أم جائز؟ أو يؤجر عليه؟ وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب
هذا خلاف السنة، ولو كان خيراً لنقل عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته - رضي الله عنهم -، وإلا فإن نعم الله كثيرة، لا تحصى ولو أراد العبد شكرها لظل ساجداً بقية عمره، والذي أنصح به هذا الأخ أن ينتهي عن هذا؛ حتى لا يؤول به الأمر إلى الوسواس ثم الابتداع.(3/478)
متى يكون الرجل مبتدعاً؟
المجيب د. عبد العزيز بن عمر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/ضابط البدع والتحذير منها
التاريخ 14/10/1424هـ
السؤال
متى يكون الرجل مبتدعاً؟ وهل من يقرر أن الأشاعرة والماتريدية من الفرق الناجية مبتدعا أم لا؟ وبخاصة أن هناك من سبقه لذلك، أمثال ابن مفلح والسفاريني صاحب لوامع الأنوار، وكذلك ابن بدران رحمهم الله؟
الجواب
لا يكون الرجل مبتدعاً إلا إذا علم سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعمد مخالفتها لأي مبرر كان، أما من خالف السنة النبوية دون علمه فلا يكون مبتدعاً، إذ قد يكون عاصياً وقد يكون مأجوراً أجراً واحداً، وإطلاق البدعة على المخالف ليس بالأمر السهل، وأهل السنة والجماعة يفرقون بين القول وقائله، فناقل الكفر ليس بكافر، أما من قال بأن الأشاعرة والماتريدية من الفرق الناجية فقوله يحتاج إلى تفصيل، فقد تكون هذه الفرق من فرق أهل السنة والجماعة إذا قيست بغيرها من الفرق الضالة كالجهمية والرافضة ونحوها، والفرقة الناجية هي التي تكون على ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم-، لكن هذا لا يعني أنهم ليسوا من أهل القبلة.(3/479)
هل رفع الأيدي في القنوت بدعة؟
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/ضابط البدع والتحذير منها
التاريخ 12/11/1424هـ
السؤال
كما نعلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر: أن ديننا مكتمل، ومن يضف فيه شيئاً بعد ذلك فهو بدعة ويجب تركه، وقد علمت أن عمر -رضي الله عنه- رفع يديه في القنوت، وبالنظر إلى ضعف الحديث النبوي في هذا الباب يظهر لنا أن رفع اليدين في القنوت بدعة. أرجو توضيح المسألة.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
ما نقلته عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ليس بحديث، وإنما هو معنى الحديث الصحيح: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" أخرجه البخاري (2550) ، ومسلم
(1718) عن عائشة -رضي الله عنها-، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة في سورة المائدة: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ... " [المائدة:3] ، وأما بالنسبة لرفع اليدين في دعاء القنوت، فقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم- رفع يديه في دعاء قنوت النوازل، كما في مسند أحمد (3/137) ، ومعجم الطبراني الصغير (رقم 536) ، عن أنس - رضي الله عنه- في حديث القراء، وفيه: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في صلاة الغداة يعني: الفجر رفع يديه، فدعا عليهم ... " وسنده صحيح، كما قاله الألباني في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم- ص (178) في الهامش رقم (7) ، وغيره، وبهذا اتضح أن فعل عمر - رضي الله عنه- وافق سنة النبي - صلى الله عليه وسلم-. وعلى فرض أن الصحابي -رضي الله عنه- فعل شيئاً من العبادات لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فهل يعد فعله حجة، أم لا؟ خلاف بين العلماء؛ فقيل: إن فعل الصحابي -رضي الله عنه- مذهب له، وقيل: إن فعله إذا خرج مخرج القربة فإنه يقتضي المشروعية، والأول هو قول الجمهور، والأرجح من حيث النظر. والله تعالى أعلم.(3/480)
متى تحرم مجالسة المبتدعة
المجيب د. لطف الله بن عبد العظيم خوجه
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/ضابط البدع والتحذير منها
التاريخ 19/08/1425هـ
السؤال
ما ضابط المجالسة للمبتدعة التي يكون بها الشخص منهم؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، وبعد:
فالمبتدع هو من تبنى منهجًا بدعيًا، وليس من وقع في البدعة فحسب، إذ الواقع في البدعة قد يكون متأولاً، أو مخطئًا، أو ذاهلا، أو مكرها.. إلى غيرهًا من الأعذار، وقد عذر الشارع من وقع في الخطأ مجتهدًا.
فالمتبني منهجًا بدعيًا، هو الذي يصح إطلاق وصف الابتداع عليه، لإصراره، ولأنه يؤسس طريقة مخالفة للهدي النبوي، يبني عليها مخالفات لا تحصى، كمن تبنى المنهج العقلي، وقدمه على النص الشرعي، ومن تبنى المنهج الذوقي والكشفي، وقدمه على النص الشرعي، وكذا من تبنى منهج رد السنة جملة.
إذا علم هذا: فلا بد من التفريق بين قوم وقعوا في أمور مبتدعة، وبين آخرين أصحاب منهج بدعي، فليست مجالسة هؤلاء كهؤلاء.
وبعد هذا التعريف يقال في ضابط المجالسة ما يلي:
المجالسة إما أن تكون لقوم فيهم بدعة، وليسوا مبتدعة، أو قوم مبتدعة، أصحاب منهج بدعي. وفي كلا الحالتين: إما أن تكون المجالسة حال تلبسهم بالبدعة، أو بدون تلبس.. فهذه أربع أحوال:
-الحالة الأولى: مجالسة قوم فيهم بدعة، حال تلبس بالبدعة: وهذا لا يجوز إلا بشرط: أن يكون منكرًا عليهم، أو داعيًا، وناصحًا لهم، ومعلمًا.. فإن كان مكرهًا، أو مضطرًا، يخشى من مفسدة أكبر حال امتناعه من الجلوس، كما إذا كانوا من أهله، يخشى تقطع الصلات، ويأمل أن يكون في جلوسه خيرًا، ولو لاحقًا، في دعوتهم وإصلاحهم، فلا بأس إن كان الجلوس بهذه النية.
-الحالة الثانية: مجالسة أولئك، حال خلوهم من البدعة، فلا بأس من ذلك، ويكون بنية دعوتهم، وإصلاحهم.(3/481)
-الحالة الثالثة: مجالسة أصحاب منهج بدعي، حال تلبسهم: وهذا لا يجوز إلا بالشرط السابق، وللإكراه والاضطرار حكمه الخاص، كما تقدم، مع ملاحظة: أن دعوتهم، وإصلاحهم هو مهمة العالم، ومن عنده حظ من الفقه والدراية، ومن ليس عنده شيء من هذا، فيخاف عليه.
-الحالة الرابعة: مجالسة هؤلاء حال خلوهم من البدعة: فلا بأس من ذلك، ويكون بنية دعوتهم، وإصلاحهم، وهذا لأهل العلم والدعوة، أما العامي فيحذر، فإن المتبني منهجًا بدعيًا، هو في حال استعداد للدعوة.
إذن المجالسة المحرمة هي: التي يكون فيها الرضا بالمنكر، أو السكوت مع القدرة على الإنكار، أو المفارقة.
أما المجالسة مع قصد الدعوة، والإصلاح، فهذا خير وبر، وكذا من أكره، أو ترجحت عنده المصلحة الشرعية.
هذا وليعلم أن الإعراض وهجر المبتدعة كليًا، إنما يكون في زمن هيمنة سلطان الشريعة والسنة، لأنه حينئذ يفيد في زجره، أما في زمن الضعف، فلا يفيد.(3/482)
هل يدل هذا على مشروعية الابتداع؟
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن أبو سيف الجهني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/ضابط البدع والتحذير منها
التاريخ 07/06/1426هـ
السؤال
يحتجّ البعض على جواز إحداث أمور مثل المولد بما يلي:
1. موقع مقام إبراهيم -عليه السلام- من الكعبة. فقد روى البيهقي عن عائشة -رضي الله عنها- بسند قوي أن المقام كان متصلاً بالبيت على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى عهد أبي بكر، ثمّ أبعده عمر من البيت. وذكر ابن حجر في فتح الباري أن الصحابة لم يخالفوا عمر -رضي الله عنه- في ذلك.
2. إحداث عثمان -رضي الله عنه- الأذان الثاني للجمعة.
3. إحداث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- صيغة للصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- كما رواه سعيد بن منصور وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار والطبراني وغيرهم.
4. إضافة ابن مسعود -رضي الله عنه- كلمات للتشهّد. فإنه زاد: "السلام علينا من ربنا." بعد قوله: "ورحمة الله وبركاته". رواه الطبراني في المعجم الكبير، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواته ثقات.
5. إضافة عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- البسملة لبداية التشهّد، وإضافته للتلبية: "لبيك وسعديك والخير بيديك ... " كما رواه البخاري ومسلم.
فما الفرق بين هذه الأمور والمولد؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم(3/483)
أولاً: جميع ما ذكر في السؤال هو عن الصحابة -رضي الله عنهم- وقد قال فيهم إمامهم -صلى الله عليه وسلم-: "أصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون". رواه مسلم (2531) . فهم أمنة للأمة على دينها، لا يحدثون فيها ما ليس من دينها، ولا يظهر ويشيع في الأمة إحداث في الدين مع وجود واحد منهم فيها، قال: " فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون" فيقع بعدهم ما وعدت به الأمة من الافتراق عن الدين والإحداث فيه، ولذا أمكن للاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم- أن يظهر في الأمة لخلوها من الصحابة عند ظهوره.
ثانياً: لا يكون من الصحابة - رضي الله عنهم- إلا ما تبلغوه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمعوه منه، أو رأوه فعله، أو فعلوه بين يديه وأقرهم عليه، أو أذن لهم فيه أو في جنسه إذناً مطلقاً أو مقيداً، وما كان مرجعه إلى مثل هذا فهو من الدين ومن سنة سيد المرسلين وما الصحابة إلا ناقلون مبلغون.
وأما ما ثبت أنه اجتهاد صحابي وثبتت فيه مخالفة لرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالعمل بالرواية لا باجتهاد الصحابي وعمله لنفسه؛ لا يكون اجتهاده وعمله لنفسه والحال هذه سنة نبوية ولا شرعة ماضية، فلا يكون حجة، ولا يُقبل من أحد الاحتجاج به.
والاحتفال بالمولد لم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم- لا قولاً ولا فعلاً ولا إقراراً ولا أصل له في الشرع، وليس هو من جنس شيء من العبادات والقربات الشرعية، ولم يقع حتى باجتهاد أحد من الصحابة ولا عمله لنفسه، فلا هو سنة نبوية ولا شرعية ماضية ولا عهد للأمة به، حتى أحدثه الفاطميون العبيديون مضاهاة للنصارى في احتفالهم بمولد عيسى -عليه السلام- والعبيديون أصحاب شنائع كفرية لم يعرف عنهم إلا ما يُخرج من الملة أو ما يكون فجوراً فيها، وقد استنوا في بدعتهم هذه بالنصارى الكافرين الضالين.(3/484)
ثالثاً: ما سنه الخلفاء الأربعة -رضي الله عنهم- ووافقهم عليه الصحابة فهو سنة نبوية وشرعية ماضية، ليس هو بدعة ولا إحداثاً في الدين ما ليس منه، بل هو من الدين والشرعة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ" ولم يروا المولد عن واحد منهم ولا سنه أحدهم.
رابعاً: ما ذكر في السؤال عن عمر وعثمان - رضي الله عنهما- استدعته الحاجة الشرعية وألجات إليه الضرورة، ولا حاجة للاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا ضرورة تلجأ إليه، ليس فيه إلا منازعة الله في حقه ألا يعبد إلا بما شرع، وليس فيه إلا مقارفة الشهوات واتباع الشبهات.
خامساً: ما ذكر في السؤال عن علي -رضي الله عنه- في صيغة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- كالتلبية هو من جنس الأذكار الشرعية التي وسّع الشارع فيها، فأرشد إلى صيغة هي الأولى أذن بما يكون من جنسها، ففي الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- قال الله: " يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما". وترك لهم اختيار الصيغة حتى سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فأرشدهم إلى ما هو أولى، وشرع في التلبية الإهلال بالتوحيد مخالفة لأهل الجاهلية، والاحتفال بالمولد ليس في الشرع جنسه فضلاً عن أن يكون فيه التوسيع.
سادساً: يأخذ ما روي عن ابن مسعود وابن عمر -رضي الله عنهم- في التشهد حكم الرفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يأخذ الاحتفال بالمولد حكم الرفع.
أخيراً: من احتاج إلى السؤال عن الفرق بين ما تظهر مشروعيته وما تظهر بدعيته، فحاجته الأصلية أن يتفقه في أصول الدين وقواعده.
وفقنا الله لما يرضيه وجنبنا مخازيه.(3/485)
هل أعمل مرشداً سياحياً للآثار الإسلامية
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 1/6/1422
السؤال
هل يجوز لي أن أعمل في شركة سياحيّة مُرشداً سياحياً لطلاب المدارس، وبعض المسلمين الزائرين لبعض المناطق الأثريّة الإسلاميّة، مثل: (مقبرة البقيع _ جبل أحد _ جبل النور والغار الموجود فيه _ مدائن ثمود (المسمّاة بمدائن صالح) _ حصن كعب بن الأشرف اليهودي) ؟
الجواب
العمل في الإرشاد السياحي يختلف حكمه باختلاف حال السائحين، والأماكن التي يزورونها، فلكلّ حال ملابساتها المؤثرة في الحكم. ولذا نقصر الجواب على ما ورد في سؤال السائل.
* أولاً: مقبرة البقيع في المدينة النبويّة وغيرها من المقابر، يُسنّ زيارتها بدون شدّ الرحال إليها من أجل تذكر الموت وأخذ العظة والعبرة والدعاء لأهلها، لا من أجل النزهة والسياحة، علماً بأن زيارة القبور جائزة للرجال فقط.
* ثانياً: مدائن ثمود الواقعة في شمال المملكة العربية السعودية ديار قوم ظالمين معذّبين، أهلكهم الله عن آخرهم. وصحّ عنه -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيحين من حديث ابن عمر واللفظ لمسلم قوله: ((لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين حذراً أن يصيبكم مثل ما أصابهم)) .
وبناء عليه لا يجوز اتخاذ ديار ثمود معلماً سياحياً يزار للنزهة والتسلية. وإنما الواجب التزام ما جاء به النص، وأخذ العبرة والعظة مما حلّ بهم؛ بسبب كفرهم وطغيانهم وتمرّدهم.
كما أنها ليست آثاراً إسلاميةً، أي: لم تكن لقوم مؤمنين.(3/486)
* ثالثاً: قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ما نصّه: ((وأما صعود الجبل الذي بعرفة، ويُسمى جبل الرحمة، فليس سنّة، وكذلك القبة التي فوقه التي يقال لها (قبة آدم) لا يُستحب دخولها، ولا الصلاة فيها. والطواف بها من الكبائر، وكذلك المساجد التي عند الجمرات لا يُستحب دخول شيء منها، ولا الصلاة فيها)) (الفتاوى:26/133) . وقال في (ص: 144) من نفس المجلّد: ((أما زيارة المساجد التي بُنيت بمكة غير المسجد الحرام كالمسجد الذي تحت الصفا، وما في سفح أبي قبيس، ونحو ذلك من المساجد التي بُنيت على آثار النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، كمسجد المولد وغيره، فليس قصد شيء من ذلك من السنة، ولا استحبه أحد من الأئمة، وإنما المشروع إتيان المسجد الحرام خاصة، والمشاعر عرفة، ومزدلفة، ومنى، والصفا، والمروة. وكذلك قصد الجبال والبقاع التي حول مكة غير المشاعر: عرفة، ومزدلفة، ومنى مثل: جبل حراء، والجبل الذي عند منى، يُقال: إنه كان فيه قبة الفداء، ونحو ذلك، فإنه ليس من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيارة شيء من ذلك بل هو بدعة)) .
*رابعاً: أنصح السائل بمطالعة ردّ سماحة الشيخ العلامة ابن باز -رحمه الله على كلٍ من: مصطفى أمين، وصالح محمد جمال، والمنشورين تباعاً في (المجلد الأول ص: 391) من فتاوى سماحته (طبعة الإفتاء الثانية) . والله أعلم.(3/487)
عيد الأم
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 29/1/1425هـ
السؤال
هل يجوز إهداء الأم في ما يسمى بعيد الأم؟ مع العلم بعدم اعترافي به كعيد؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، - والصلاة والسلام - على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم وبعد..
من المعلوم أن الأعياد من شعائر الأديان، ومرتبطة بها ارتباطاً واضحاً، لهذا حدد الشرع المطهر لهذه الأمة الحنيفية عيدين، هما: الفطر والأضحى، وقد أبدلنا الله بهما عن سائر أعياد الجاهلية، كما أخبر بذلك المصطفى - صلى الله عليه وسلم- فيما رواه النسائي (1556) ، وأبو داود (1134) من حديث أنس -رضي الله عنه-، وعيد الأم هو من الأعياد الجاهلية الحديثة التي لا يجوز بحال أن يشارك فيه المسلمون، أو يحتفلوا بها، أو يقدموا فيها الهدايا أو الأطعمة، أو غيرها، وعلى هذا فلا يجوز تقديم الهدايا للأم بهذه المناسبة، بل الأم في الإسلام حقها متأكد على الدوام من البر والصلة، لكن لو وقع ذلك اتفاقاً وجهلاً بالزمن من غير قصد فلا حرج إن شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(3/488)
عيد النيروز
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 11/3/1424هـ
السؤال
أريد نبذة مختصرة عن عيد نيروز الشيعة؟.
الجواب
عيد النيروز الذي يهتم به الشيعة ويحتفلون به هو عيد جاهلي فارسي، ومعنى النيروز: الجديد، وفي اللغة السريانية: العيد، والنيروز أول السنة الفارسية، ويوافق الرابع عشر من آذار، وذكر المؤرخون أن أول من أحدثه: جمشيد من ملوك الفرس، وهو ستة أيام، وكانوا في عهد الأكاسرة يقضون حاجات الناس في الأيام الخمسة الأولى، وأما اليوم السادس فيجعلونه لأنفسهم وخواصهم ومجالس أنسهم ويسمونه النيروز الكبير، وهو أعظم أعيادهم.
وقد دعا إلى هذا العيد ونشره في بعض بلاد المسلمين العبيديون المسمون بالفاطميين، وقيل: قبل ذلك في السنة الثانية للهجرة، ولهذا جاء التحذير منه على لسان بعض الصحابة -رضي الله عنهم-، مثل ما جاء عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال:"مَنْ بنى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم" أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/234) عنه موقوفاً بسند صحيح، ويحتفل أيضاً بهذا العيد طوائف من الفرق الضالة؛ كالبهائية الذين يجعلونه آخر صيامهم؛ الذي مدته تسعة عشر يوماً. والله أعلم.(3/489)
عيد الميلاد وذكرى الميلاد
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 16/3/1424هـ
السؤال
أختكم في الله تجد بعض الالتباس لدى أعضاء أحد المنتديات في أنهم يجدون أن عيد الميلاد يختلف عن ذكرى الميلاد، بالرغم من أننا نرى أن ذلك هو فقط عملية تحريف في الاسم والحكم واحد، كقول بعضهم إن هنالك فرقاً عظيماً بين ما يسمى بـ (عيد الميلاد) وبين (ذكرى الميلاد) ، فأعياد الميلاد لا يشك أحد بحرمتها، أما (ذكرى الميلاد) فهي فرصة عظيمة لكي يتفكر الشخص، ويتدبر ما مضى من عمره ويعيد ترتيب حساباته وتصحيح مساره، انتهى كلامهم - ولا نجد في ذلك مبرراً- لأن محاسبة النفس ملازمة للإنسان، ولا ترتبط بذكرى ميلاده، لذا نود الإيضاح منكم، والرد على مثل هؤلاء فأفيدونا في ذلك أثابكم المولى وأحسن إليكم.
الجواب
الحمد لله، - والصلاة والسلام - على رسول الله وبعد..
فإن ما أطلق عليه في السؤال (ذكرى الميلاد) إن كان القصد منه تكرار عمل ما كل سنة في اليوم الموافق لميلاد الشخص فهو التزام أمر لم يرد به الشرع، حتى وإن كان المقصود التذكر والعظة، والعلة فيه هو الالتزام بيوم تكرر سنوياً كما تتكرر الأعياد، ولم يكن سلف الأمة مع عظيم محاسبتهم لأنفسهم وحرصهم على تهذيبها لم يكونوا يلتزمون هذا الفعل، وإنما المشروع هو المحاسبة والعظة على الدوام، أو كلما غفل العبد، وإلا وقع المرء في الإحداث المنهي عنه في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم-"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) من حديث عائشة - رضي الله عنها-، وعلى المسلم أن يكون متبعاً لا مبتدعاً، وأن تكون محاسبته لنفسه لا تتقيد بزمن معين، أو تلتزم بيوم محدد، ولا أن تكون على هيئة محدثة كمسمى (ذكرى الميلاد) ، ونحو ذلك، والله أعلم.(3/490)
زيارة الأهرامات
المجيب د. علي بن بخيت الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 25/9/1422
السؤال
ما حكم زيارة الأهرامات في مصر، والقبور في الداخل؟
الجواب
حكم زيارة قبور المشركين والكافرين جائزة في الجملة لتذكر الموت، لكن لا يدعو لهم ولا يستغفر لهم؛ لعدم جواز ذلك، ففي (صحيح مسلم 976) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي "، وفيه أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زار قبر أمه فبكى، وأبكى من حوله فقال: " استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور، فإنها تذكر الموت "، والقول بالجواز نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مواضع عديدة من مجموع الفتاوى (1/1666) (27/377,165) وغيرها.
وأما الزيارة التي يقصد بها الدعاء للميت فتلك لا تشرع إلا في حق المؤمنين، وأما زيارة الأهرامات فالأصل فيها الإباحة، لكن قد تكره إذا وجد هناك -كما هو الغالب- اختلاط بين الرجال والنساء اللواتي كثير منهن أشبه بالعاريات، وأيضاً إذا خشي من هذه الزيارة تعضيد النعرة الفرعونية الجاهلية، وتكثير سواد الداعين إليها. والله أعلم.(3/491)
قراءة آيات عند أول الحصاد
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 13/9/1424هـ
السؤال
عندنا عادة في عائلتنا وفي بلدنا أيضاً بحيث عندما نُدخِل أول الفاكهة (في بداية موسمها) في بيتنا تتلو أمي بعض الآيات ويسمى ذلك (ختام) ، ويفعل ذلك عند جلب بعض أنواع الطعام الأخرى. فما الحكم الشرعي في ذلك؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
لم يرد في الشرع دعاء مخصوص يقال عند إدخال الفاكهة إلى البيت في أول الموسم أو غيره، وإنما الوارد ذكر الله تعالى عند أول الأكل وعند الانتهاء منه، ولكن لو قال المرء عند رؤية فاكهة الموسم، أو دخل مزرعته ورأى فيها من خير الله فقال: مثلا ما شاء الله، أو تبارك الله. لما كان عليه في ذلك حرج، كما قال الرجل الصالح لصاحبه في سورة الكهف: "ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله" [الكهف: 39] ، ولكن أن يجعل المرء ورداً مخصوصاً ودعاء معينا فهذا ما لا أصل له، والله أعلم.(3/492)
الاحتفال بالمولد النبوي
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 10/3/1424هـ
السؤال
هل يحل للمسلمين أن يحتفلوا في المسجد ليتذكروا السيرة النبوية الشريفة في ليلة 12 ربيع الأول بمناسبة المولد النبوي الشريف؟
الجواب(3/493)
لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا غيره؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة -رضوان الله على الجميع-، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حباً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومتابعة لشرعه ممن بعدهم، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) من حديث عائشة -رضي الله عنها- أي: مردود عليه، وقال في حديث آخر:" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" رواه أبو داود (4607) والترمذي (2676) وابن ماجة (42) من حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه-. ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع، والعمل بها، وقد قال -سبحانه وتعالى- في كتابه المبين:" وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" [الحشر:7] . وقال - عز وجل-:" فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ". [النور:63] . وقال -سبحانه-:"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآْخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" [الأحزاب:21] . وقال -تعالى-:"وَالسَّابِقُونَ الأْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" [التوبة:100] . وقال -تعالى-:"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ(3/494)
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً" [المائدة:3] .
والآيات في هذا المعنى كثيرة. وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله –سبحانه- لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول –عليه الصلاة والسلام- لم يبلِّغ للأمة أن تعمل به، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به، زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على الله –سبحانه- وعلى رسوله –صلى الله عليه وسلم-، والله –سبحانه- قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم النعمة.
والرسول –صلى الله عليه وسلم- قد بلّغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة، ويباعد عن النار إلا بينه للأمة، كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:"إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم" رواه مسلم في صحيحه (1844) . ومعلوم أن نبينا –صلى الله عليه وسلم- هو أفضل الأنبياء وخاتمهم، وأكملهم بلاغاً ونصحاً، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبينه الرسول –صلى الله عليه وسلم- للأمة، أو فعله في حياته، أو فعله أصحابه –رضي الله عنهم-، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء، بل هو من المحدثات التي حذر الرسول –صلى الله عليه وسلم- منها أمته، كما تقدم ذكر ذلك في الحديثين السابقين. وقد جاء في معناهما أحاديث أخر، مثل قوله –صلى الله عليه وسلم- في خطبة الجمعة:" أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" رواه الإمام مسلم في صحيحه (867) من حديث جابر –رضي الله عنه-.(3/495)
والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها، عملاً بالأدلة المذكورة وغيرها، وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات، كالغلو في رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وكاختلاط النساء بالرجال، واستعمال آلات الملاهي، وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر، وظنوا أنها من البدع الحسنة، والقاعدة الشرعية: رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد –صلى الله عليه وسلم-، كما قال الله –عز وجل-:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" [النساء:59] . وقال –تعالى-:"وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ" [الشورى:10] . وقد رددنا هذه المسألة وهي: الاحتفال بالموالد إلى كتاب الله –سبحانه-، فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول –صلى الله عليه وسلم- فيما جاء به، ويحذرنا عما نهى عنه، ويخبرنا بأن الله –سبحانه- قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم- فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا، وأمرنا باتباع الرسول فيه، وقد رددنا ذلك –أيضاً- إلى سنة الرسول –صلى الله عليه وسلم-فلم نجد فيها أنه فعله، ولا أمر به، ولا فعله أصحابه –رضي الله عنهم- فعلمنا بذلك أنه ليس من الدين، بل هو من البدع المحدثة، ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم، وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق، وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام، بل هو من البدع المحدثات، التي أمر الله –سبحانه- ورسوله –صلى الله عليه وسلم- بتركها والحذر منها، ولا ينبغي للعاقل أن(3/496)
يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار، فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية، كما قال –تعالى- عن اليهود والنصارى:"وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" [البقرة:111] . وقال –تعالى-:"وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" [الأنعام:116] . ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد –مع كونها بدعة- لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى، كاختلاط النساء بالرجال، واستعمال الأغاني والمعازف، وشرب المسكرات والمخدرات، وغير ذلك من الشرور، وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك، وهو الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أو غيره من الأولياء، ودعائه والاستغاثة به، وطلبه المدد، واعتقاد أنه يعلم الغيب، ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس، حين احتفالهم بمولد النبي –صلى الله عليه وسلم- وغيره ممن يسمونهم بالأولياء، وقد صح عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" رواه النسائي (3057) وابن ماجة (3029) من حديث ابن عباس –رضي الله عنهما-، وقال –عليه الصلاة والسلام-:" لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله" رواه البخاري في صحيحه (3445) ، من حديث عمر –رضي الله عنه-. ومن العجائب والغرائب أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة، ويدافع عنها، ويتخلف عما أوجب الله عليه من حضور الجمع والجماعات، ولا يرفع بذلك رأساً، ولا يرى أنه أتى منكراً عظيماً، ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة، وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي، نسأل الله العافية لنا ولسائر المسلمين. ومن ذلك: أن(3/497)
بعضهم يظن أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يحضر المولد، ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، وهذا من أعظم الباطل، وأقبح الجهل، فإن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله –تعالى-:"ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ*ثم إنكم يوم القيامة تبعثون" [المؤمنون:15-16] .
وقال النبي –صلى الله عليه وسلم-:" أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع، وأول مُشَفَّعٍ" رواه مسلم (2278) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-، عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام، فهذه الآية الكريمة، والحديث الشريف، وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث، كلها تدل على أن النبي –صلى الله عليه وسلم- وغيره من الأموات، إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم، فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور، والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله به من سلطان، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به.(3/498)
أما الصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهي من أفضل القربات، ومن الأعمال الصالحات، كما قال الله -تعالى-:"إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً" [الأحزاب:56] . وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:" فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً"، رواه مسلم (384) من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- وهي مشروعة في جميع الأوقات، ومتأكدة في آخر كل صلاة، بل واجبة عند جمع من أهل العلم في التشهد الأخير من كل صلاة، وسنة مؤكدة في مواضع كثيرة: منها ما بعد الأذان، وعند ذكره -عليه الصلاة والسلام-، وفي يوم الجمعة وليلتها، كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة.
والله المسؤول أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يمن على الجميع بلزوم السنة، والحذر من البدعة، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- (1/178-182) ] .(3/499)
خصوصية رجب
المجيب د. صالح بن فوزان الفوزان
عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 06/7/1426هـ
السؤال
هل صحيح أن شهر رجب يفرد بعبادة معينة أو بخصوصية؟ أرجو إفادتنا؛ حيث إن هذا الأمر مُلتبسٌ علينا، وهل يُفردُ أيضاً بزيارة المسجد النبوي فيه؟
الجواب
شهر رجب كغيره من الشهور، لا يخصص بعبادة دون غيره من الشهور؛ لأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تخصيصه لا بصلاة ولا صيام ولا بعمرة ولا بذبيحة ولا غير ذلك، وإنما كانت هذه الأمور تفعل في الجاهليَّة فأبطلها الإسلام؛ فشهر رجب كغيره من الشهور، لم يثبت فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تخصيصه بشيء من العبادات؛ فمن أحدث فيه عبادة من العبادات وخصه بها؛ فإنه يكون مبتدعاً؛ لأنه أحدث في الدين ما ليس منه، والعبادات توقيفية؛ لا يقدم على شيء منها؛ إلا إذا كان له دليل من الكتاب والسنة، ولم يرد في شهر رجب بخصوصيته دليل يُعتمد عليه، وكل ما ورد فيه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل كان الصحابة - رضوان الله عليهم - ينهون عن ذلك ويُحذَّرون من صيام شيء من رجب خاصة.
أما الإنسان الذي له صلاة مستمر عليها، وله صيام مستمر عليه؛ فهذا لا مانع من استمراره في رجب كغيره، ويدخل تبعاً.
[المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان الجزء الأول 222 - 223](3/500)
ذبح الذبيحة لطرد الجن من البيت
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 30/1/1423
السؤال
هل يجوز لمن بنى بيتاً جديداً أن يذبح خروفاً ويدعو أصدقاءه على الوليمة، وعلى نيته أن يتخلص بها من الجن بالمنزل؟
الجواب
لا يجوز هذا العمل مطلقاً، بل إن كان قصد بالذبح الجن أي ذبحها لهم فهذا من الشرك الأكبر؛ لأن الذبح عبادة لا يتقرب بها إلا إلى الله -سبحانه وتعالى- وإن كان ذبحها لله بنية التخلص من الجن فهذا من البدع التي لا يجوز فعلها.(3/501)
حديث النهي عن الصيام بعد انتصاف شعبان
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 13/8/1423هـ
السؤال
هل ورد ما يدل على النهي عن صيام نصف شهر شعبان الأخير؟ أرجو بيان ذلك أثابكم الله.
الجواب
النهي عن صيام يوم النصف من شعبان وما بعده ورد في حديث مشهور عند العلماء، ونظراً لكثرة الكلام فيه، ولاختلاف المحدثين فيه ما بين مصحح ومضعف، فيفصل الكلام منه قليلاً بما يناسب المقام.
وقبل تفصيل الكلام، أذكر خلاصة القول في هذا الحديث، ثم أتبعه بالتفصيل:
(1) أن هذا الحديث مداره على العلاء بن عبد الرحمن، وهو صدوق ربما وهم، وقد تفرد بهذا الحديث عن أبيه.
(2) أن العلماء اختلفوا في صحة هذا الحديث وضعفه، فالذين صححوه أخذوا بظاهر السند، والذين ضعفوه أعملوا أموراً أخرى غير ظاهر السند، تتعلق بالمتن؛ حيث رأوا أنه معارض لأحاديث قولية وفعليه أصح منه وأثبت - كما سيأتي تفصيله -.
(3) أن اختلاف العلماء في صحته وضعفه، انبنى عليه اختلافهم في حكم صيام ما بعد النصف من شعبان، هل هو حرام أو مكروه أو مباح؟ كما ستأتي الإشارة إليه.
أما تفصيل الكلام عليه فهو كما يلي:
الحديث رواه أبو داود في (2/751) ، باب في كراهية ذلك (أي وصل شعبان برمضان) ح (2337) من طريق عبد العزيز بن محمد - وهو الدراوردي - قال: ((قدم عباد بن كثير المدينة، فمال إلى مجلس العلاء، فأخذ بيده فأقامه، ثم قال: اللهم إن هذا يحدث عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" إذا انتصف شعبان فلا تصوموا " فقال العلاء: اللهم إن أبي حدثني عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك)) .(3/502)
والحديث مداره على العلاء بن عبد الرحمن، مختلف فيه، وبالنظر في كلام الأئمة فيه نجد أن عبارة الحافظ ابن حجر فيه قد لخصت هذه الأقوال، وهي قوله: " صدوق ربما وهم "، (التقريب 5247) . وأما أبوه فثقة كما قال الذهبي، وابن حجر: " ثقة "، كما في (الكاشف 1/649) ، و (التقريب 4046) ، وتنظر بعض أقوال الأئمة فيه في (تهذيب الكمال) للمزّي (18/18) .
تخريجه:
أخرجه الترمذي (3/115) ، باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الثاني من شعبان ح (738) ، وأخرجه النسائي في (الكبرى 2/172) ، باب صيام شعبان ح (2911) ، وابن ماجة (1/528) باب ما جاء في النهي أن يتقدم رمضان بصوم ح (1650) ، وعبد الرزاق (4/161) ح (7325) ، وابن أبي شيبة (2/285) ح (9026) ، وأحمد (2/442) ، وأبو عوانة (98) ، وابن حبان (8/356) ح (3589) ، وفي (8/358) ح (3591) ، والبيهقي (4/209) ، من طرق عن العلاء بن عبد الرحمن به بنحوه.
وأخرجه الطبراني في (الأوسط 2/312) ح (1957) من طريق عبيد الله بن عبد الله المنكدري، قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده [عبيد الله بن عبد الله بن المنكدر بن محمد بن المنكدر] عن عبد الرحمن بن يعقوب به بنحوه.
وأخرجه ابن عدي في (الكامل 1/224) من طريق إبراهيم بن أبي يحيى، عن محمد بن المنكدر، والعلاء بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن يعقوب به بنحوه.
الحكم عليه:
إسناد أبي داود رجاله ثقات سوى الدراوردي والعلاء بن عبد الرحمن، أما الدراوردي فلا يضره – هنا – ما عنده من الأوهام؛ لأنه توبع من أئمة.
وقد اختلفت أنظار الأئمة في الحكم على هذا الحديث، فمنهم من صححه، ومنهم من ضعفه واستنكره، فأما من صححه فمنهم:
الترمذي حيث قال (3/115) :" حسن صحيح، لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ "، والطحاوي في (شرح المعاني 2/83) ، وأبو عوانة حيث أخرجه في مستخرجه على صحيح مسلم، وابن حبان (8/358) ، وابن عبد البر في (الاستذكار 10/238) ، وابن حزم (7/25) ، وغيرهم.(3/503)
لكن قال الحافظ ابن رجب – في (اللطائف 260) – عقب حكاية التصحيح عن هؤلاء الأئمة: " وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم، وقالوا: هو حديث منكر، منهم عبد الرحمن بن مهدي، والإمام أحمد، وأبو زرعة، والأثرم، وقال الإمام أحمد: لم يرو العلاء أنكر منه، ورده بحديث " لا تقدموا رمضان بصوم يوم ... " ا. هـ.
وقد نقل أبو داود عقب إخراجه الحديث عن ابن مهدي أنه كان لا يحدث بهذا الحديث، وهذا ظاهر في إنكاره إذ لم يحدث به الإمام أحمد.
وأما إنكار أبي زرعة، فقد نقله البرذعي في سؤالاته (2/388) ، ونقل أبو عوانة في (مستخرجه98) أن عفان بن مسلم كان يستنكره أيضاً.
ونقل أبو عوانة أيضاً – وذكره الحافظ ابن حجر في (الفتح 4/153) – أن ابن معين قال عنه: منكر، وإنكار أحمد للحديث نقله عنه المروذي في سؤالاته (117 رقم 273) ، وقال النسائي عقب إخراج الحديث في (الكبرى: 2/172) : (لا نعلم أحداً روى هذا الحديث غير العلاء بن عبد الرحمن " ا. هـ.
وقال الخليلي في (الإرشاد: 1/218) عن العلاء: "مديني، مختلف فيه؛ لأنه يتفرد بأحاديث لا يتابع عليها – ثم ذكر حديث الباب، ثم قال: - وقد أخرج مسلم في الصحيح المشاهير من حديثه دون هذا والشواذ " ا. هـ، وأشار البيهقي (4/209) إلى ضعفه.
وما ذكره الخليلي، فيه إشارة واضحة، أن مسلماً أعرض عن حديثه لما فيه من النكارة، مع أنه أخرج من هذه السلسلة: العلاء عن أبيه كثيراً، وقد أشار إلى هذا السخاوي، كما في (الأجوبة المرضية 1/37) .
وما ذكره بعض الأئمة من تفرد العلاء به، لا يعكر عليه ما رواه الطبراني – كما سبق تخريجه- من طريق محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن يعقوب؛ لأن هذه الطريق معلولة بثلاثة أمور:(3/504)
الأول: أن فيها المنكدر بن محمد المنكدر، وقال عنه أبو حاتم: " كان رجلاً صالحاً لا يفهم الحديث، وكان كثير الخطأ، ولم يكن بالحافظ لحديث أبيه "، وقال عنه أبو زرعة: " ليس بقوي "، وقال ابن معين: "ليس بشيء" وقد وثقه أحمد في رواية أبي طالب " نقل ذلك كله ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 8/406) .
الثاني: أن الطبراني قال عقب إخراج الحديث:" لم يرو هذا الحديث عن محمد بن المنكدر إلا ابنه المنكدر، تفرد به ابنه عبد الله " ا. هـ، فهو مع ضعفه تفرد أيضاً.
الثالث: قال ابن عدي في (الكامل 6/455) عن هذه السلسلة (عبيد الله بن عبد الله المنكدري قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده) .
"وهذه نسخة حدثناه ابن قديد، عن عبيد الله بن عبد الله بن المنكدر بن محمد، عن أبيه عن جده، عن الصحابة وعن غيرهم، وعامتها غير محفوظة ". ا. هـ.
وأما الطريق التي أخرجها ابن عدي من طريق إبراهيم بن أبي يحيى، فلا أثر لها؛ لأن إبراهيم هذا متروك الحديث، كما في الميزان 1/57، والتقريب (93) ، والله أعلم.
وبعد: فإن اختلاف أهل العلم بالحديث في الحكم على هذا الحديث انسحب على المسألة فقهياً، فقد اختلف العلماء في حكم الصوم بعد منتصف شعبان.(3/505)
فمن صح عنده هذا الحديث حكم بكراهة صوم السادس عشر من شعبان وما بعده، وبعضهم صرّح بالتحريم كابن حزم في (المحلى 7/25) إلا أنه خص النهي بصيام اليوم السادس عشر فقط – ومن ضعّف هذا الحديث لم يقل بالكراهة كما هو قول جمهور العلماء، محتجين بحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه ". أخرجه البخاري (2/34) باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين ح (1914) ، ومسلم (2/762) ح (1082) – واللفظ له -، وأبو داود (2/750) ، باب فيمن يصل شعبان برمضان ح (2335) ، والترمذي (3/69) ، باب ما جاء " لا تقدموا الشهر بصوم" ح (685) ، والنسائي (4/149) ، باب التقدم قبل شهر رمضان ح (2172، 2173) ، وابن ماجة (1/528) ، باب ما جاء في النهي أن يتقدم رمضان بصوم ح (1650) من طرق عن يحي بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة – رضي الله عنه -.
وقد احتج بهذا الحديث الإمام أحمد على ضعف حديث النهي عن الصوم بعد النصف، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: " إذا انتصف شعبان فلا تصوموا "، والله أعلم.
ويمكن أن يعلل الحديث أيضاً بحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان.
أخرجه البخاري (2/50) ، باب صوم شعبان ح (1969) ، ومسلم (2/810) ح (1156) ، وأبو داود (2/813) باب كيف كان يصوم النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ ح (2434) من طريق أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة -رضي الله عنها-.
ومقتضى هذا – بلا شك - أنه كان يصوم شيئاً من الأيام بعد منتصفه.
ومما ضعف به حديث العلاء أيضاً:(3/506)
الأحاديث الدالة على جواز صوم يوم وإفطار يوم، بعضها في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه -، وهي مشهورة كثيرة.
وقد أجاب بعض المصححين لحديث العلاء بأن النهي محمول على من لم يبتدئ صيامه إلا بعد النصف، أما من كان يصوم قبل النصف واستمر فلا يشمله النهي، ومنهم من حمل النهي على من يضعفه الصوم عن القيام بحق رمضان.
والظاهر - والله أعلم - هو رجحان قول الأئمة الذين حكموا عليه بالنكارة والضعف؛ لسببين:
الأول: لكونهم أعلم ممن صحّحه.
الثاني: لقوة الأدلة التي تخالفه، كحديث أبي هريرة، وعائشة، وعبد الله بن عمرو - رضي الله عنهم -، ومما يقوي هذا - أعني ضعفه - أن الإمام مسلماً - رحمه الله - كان يخرج من سلسلة العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة كثيراً، فما باله أعرض عن هذا الحديث؟! الأمر كما قال الخليلي - كما سبق نقل كلامه - إنما هو لشذوذ هذا الحديث.
وبناء عليه يقال: إن الصيام بعد النصف من شعبان لا يحرم ولا يكره، إلا إذا بقي يومان أو يوم، وليس للإنسان عادة في الصيام، فإنه ينهى عن ذلك لدلالة حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، والله -تعالى- أعلم.
وللمزيد ينظر: (شرح معاني الآثار للطحاوي 2/82 - 87) ، و (تهذيب سنن أبي داود لابن القيم - مطبوع مع مختصر السنن للمنذري 3/223 -225) ، و (فتح الباري 4/153) شرح الحديث (1914) ، و (تحفة الأحوذي 3/296) .(3/507)
الاحتفال بليلة النصف من شعبان
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 13/8/1423هـ
السؤال
هل توجد عبادات أو أعمال خاصة بليلة النصف من شعبان؟
الجواب
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد نبي التوبة والرحمة.(3/508)
أما بعد: فقد قال الله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً"الآية، [المائدة: 3] ، وقال تعالى: "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ" الآية، [الشورى: 21] ، وفي الصحيحين البخاري (2697) ، ومسلم (1718) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي صحيح مسلم (867) ، عن جابر رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يقول في خطبة الجمعة: "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم – وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي تدل دلالة صريحة على أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لهذه الأمة دينها، وأتم عليها نعمته، ولم يتوف نبيه عليه الصلاة والسلام إلا بعدما بلغ البلاغ المبيت وبين للأمة كل ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال، وأوضح – صلى الله عليه وسلم – أن كل ما يحدثه الناس بعده وينسبونه إلى دين الإسلام من أقوال أو أعمال فكله بدعة مردودة على من أحدثه، ولو حسن قصده، وقد عرف أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الأمر، وهكذا علماء الإسلام بعدهم، فأنكروا البدع وحذروا منها، كما ذكر ذلك كل من صنف في تعظيم السنة وإنكار البدعة، كابن وضاح والطرطوشي، وأبي شامة وغيرهم، ومن البدع التي أحدثها بعض الناس، بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان وتخصيص يومها بالصيام، وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه، وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة، لا يجوز الاعتماد عليها، أما ما ورد في فضل الصلاة فيها، فكله موضوع كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم، وسيأتي ذكر بعض كلامهم إن شاء الله، وورد فيها أيضاً آثار بعض السلف من أهل الشام وغيرهم، والذي أجمع عليه جمهور العلماء أن الاحتفال(3/509)
بها بدعة، وأن الأحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة، وبعضها موضوع، وممن نبه على ذلك الحافظ ابن رجب، في كتابه "لطائف المعارف" وغيره، والأحاديث الضعيفة إنما يعمل بها في العبادات التي قد ثبت أصلها بأدلة صحيحة، أما الاحتفال بليلة النصف من شعبان فليس له أصل صحيح حتى يستأنس له بالأحاديث الضعيفة.
وقد ذكر هذه القاعدة الجليلة الإمام أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وأنا أنقل لك أيها القارئ ما قاله بعض أهل العلم في هذه المسألة، حتى تكون على بينة في ذلك وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن الواجب رد ما تنازع فيه الناس من المسائل إلى كتاب الله وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فما حكما به أو أحدهما فهو الشرع الواجب الاتباع، وما خالفهما وجب إطراحه، وما لم يرد فيهما من العبادات فهو بدعة لا يجوز فعله، فضلاً عن الدعوة إليه وتحبيذه.(3/510)
كما قال سبحانه في سورة النساء: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" [النساء:59] ، وقال تعال: "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ" الآية، [الشورى:10] ، وقال تعالى: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ" الآية، [آل عمران: 31] ، وقال عز وجل: "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً" [النساء:65] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهي نص في وجوب رد مسائل الخلاف إلى الكتاب والسنة ووجوب الرضى بحكمها، وأن ذلك هو مقتضى الإيمان، وخير للعباد في العاجل، والآجل، وأحسن تأويلا أي عاقبة، قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله – ففي كتابه "لطائف المعارف" في هذه المسألة بعد كلام سبق ما نصه:
وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم، يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان، اختلف الناس في ذلك فمنهم من قبله منهم، ووافقهم على تعظيمها، منهم ظائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز، منهم عطاء ابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم وقالوا ذلك كله بدعة، واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:(3/511)
أحدهما أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد، كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم، ويتبخرون ويتكحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهوية على ذلك، وقال في قيامها في المساجد جماعة ليس ذلك ببدعة، نقله حرب الكرماني في مسائله.
والثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام، وفقيههم وعالمهم، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى، إلى أن قال: ولا يعرف للإمام أحمد كلام في ليلة نصف شعبان، ويتخرج في استحباب قيامها عنه روايتان، من الروايتين عنه في قيام ليلتي العيد، فإنه في رواية لم يستحب قيامها جماعة، لأنه لم ينقل عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه – رضوان الله عليهم – واستحبها في رواية لفعل عبد الرحمن بن يزيد بن الأسود لذلك، وهو من التابعين، فكذلك قيام ليلة النصف لم يثبت فيها شيء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا عن أصحابه – رضي الله عنهم – وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام.
انتهى المقصود من كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله، وفيه التصريح منه بأنه لم يثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا عن أصحابه – رضي الله عنهم - شيء في ليلة النصف من شعبان، وأما ما اختاره الأوزاعي رحمه الله من استحباب قيامها للأفراد، واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول فهو غريب وضعيف، لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية كونه مشروعاً لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين الله، سواء فعله مفرداً أو في جماعة، وسواء أسره أو أعلنه، لعموم قول النبي – صلى الله عليه وسلم –: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم (1718) وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها.
وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله في كتابه "الحوادث والبدع" ما نصه:(4/1)
(وروى ابن وضاح عن زيد بن أسلم، قال: ما أدركنا أحداً من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان، ولا يلتفتون إلى حديث مكحول، ولا يرون لها فضلا على ما سواها) وقيل لابن أبي مليكة: إن زياداً يقول إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر، فقال: (لو سمعته وبيدي عصا لضربته) وكان زياد قاصاً انتهى المقصود.
وقال العلامة الشوكاني – رحمه الله – في "الفوائد المجموعة" ما نصه:
حديث: "يا علي من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرات إلا قضى الله له كل حاجة.. إلخ" ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (2/127) ، فهو موضوع، وفي ألفاظه المصرحة بما يناله فاعلها من الثواب ما لا يمتري إنسان له تمييز في وضعه، ورجاله مجهولون، وقد روي من طريق ثانية وثالثة كلها موضوعة ورواتها مجاهيل، وقال في المختصر: حديث صلاة نصف شعبان باطل، ولابن حبان من حديث علي: "إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها" رواه ابن ماجة (1388) والبيهقي في الشعب (3822) ، وهو ضعيف: وقال في اللاليء: مائة ركعة في نصف شعبان بالإخلاص عشرة مرات مع طول فضله للديلمي وغيره فهو موضوع، وجمهور رواته في الطرق الثلاث مجاهيل ضعفاء، قال: واثنتا عشر ركعة بالإخلاص ثلاثين مرة فموضوع، وأربع عشرة ركعة موضوع أيضاً.(4/2)
وقد اغتر بهذا الحديث جماعة من الفقهاء كصاحب الإحياء وغيره، وكذا من المفسرين، وقد رويت صلاة في هذه الليلة؛ أعني ليلة النصف من شعبان على أنحاء مختلفة، كلها باطلة موضوعة، ولا ينافي هذا رواية الترمذي من حديث عائشة – رضي الله عنها – لذهابه – صلى الله عليه وسلم – إلى البقيع، ونزول الرب ليلة النصف إلى سماء الدنيا، وأنه يغفر لأكثر من عدة شعر غنم كلب " انظر الترمذي (739) وابن ماجة (1389) وأحمد (6/238) ، فإن الكلام إنما هو في هذه الصلاة الموضوعة في هذه الليلة، على أن حديث عائشة – رضي الله عنها – هذا فيه ضعف وانقطاع، كما أن حديث علي – رضي الله عنه - الذي تقدم ذكره في قيام ليلها لا ينافي كون هذه الصلاة موضوعة، على ما فيه من الضعف حسبما ذكرناه، انتهى المقصود.(4/3)
وقال الحافظ العراقي: حديث صلاة ليلة النصف موضوع على رسول الله – صلى الله عليه وسلم وكذب عليه وقال الإمام النووي في كتاب "المجموع" (الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب، وهي اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان ولا يغتر بذكرهما في كتاب (قوت القلوب) وإحياء علوم الدين، ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما، فإنه غالط في ذلك وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي كتاب نفيسا في إبطالهما، فأحسن فيه وأجاد، وكلام أهل العلم في هذه المسألة كثير جداً، ولو ذهبنا ننقل كل ما اطلعنا عليه من كل في هذه المسألة، لطال بنا الكلام، ولعل فيما ذكرنا كفاية ومقنعاً لطالب الحق، ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم، يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها، وتخصيص يومها بالصيام، بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم، وليس له أصل في الشرع المطهر، بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة – رضي الله عنهم ويكفى طالب الحق في هذا الباب وغيره قول الله عز وجل: "اليوم أكملت لكم دينكم" [المائدة:3] .(4/4)
وما جاء في معناها من الآيات، وقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (سبق تخريجه) ، وما جاء في معناه من الأحاديث، وفي صحيح مسلم (1144) عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال: رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يومها بالصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" فلو كان تخصيص شيء من الليالي بشيء من العبادة جائزاً لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها، لأن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس، بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلما حذر النبي – صلى الله عليه وسلم – من تخصيصها بقيام من بين الليالي، دل ذلك على أن غيرها من الليالي من باب أولى، لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة، إلا بدليل صحيح، يدل على التخصيص، ولما كانت ليلة القدر وليالي رمضان، يشرع قيامها والاجتهاد فيها، نبه النبي – صلى الله عليه وسلم – على ذلك، وحث الأمة على قيامها، وفعل ذلك بنفسه، كما في الصحيحين البخاري (2009) ، ومسلم (759) عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنوبه" فلو كانت ليلة النصف من شعبان أو ليلة أول جمعة من رجب، أو ليلة الإسراء والمعراج، يشرع تخصيصها باحتفال أو شيء من العبادة لأرشد النبي - صلى الله عليه وسلم – الأمة إليه، أو فعله بنفسه، لو وقع شيء من ذلك لنقله الصحابة – رضي الله عنهم – إلى الأمة، ولم يكتموه عنها، وهم خير الناس، وأنصح الناس بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ورضي الله عن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأرضاهم، وقد عرفت آنفاً من كلام العلماء أنه لم يثبت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم شيء من فضل ليلة أول جمعة من(4/5)
رجب، ولا في ليلة النصف من شعبان، فعلم أن الاحتفال بهما بدعة محدثة في الإسلام، وهكذا تخصيصها بشيء من العبادة بدعة منكرة، وهكذا ليلة سبع وعشرين من رجب التي يعتقد بعض الناس أنها ليلة الإسراء والمعراج لا يجوز تخصيصها بشيء من العبادة كما لا يجوز الاحتفال بها للأدلة السابقة، هذا لو علمت، فكيف والصحيح من أقوال العلماء أنها لا تعرف، وقول من قال: إنها ليلة سبع وعشرين من رجب قول باطل لا أساس له في الأحاديث الصحيحة، ولقد أحسن من قال:
وخير الأمور السالفات على الهدى *** وشر الأمور المحدثات البدائع
والله المسؤول أن يوفقنا وسائر المسلمين للتمسك بالسنة والثبات عليها والحذر مما خالفها، إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة (1 /191) ] .(4/6)
الاحتفال والتهنئة في أعياد الميلاد
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 1/11/1424هـ
السؤال
ما حكم الاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة؟ وما حكم التهنئة في ذلك؟ علماً بأن البعض يفعل ذلك، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
سئلت اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- عن حكم مشاركة الكفار في أعيادهم وحكم تهنئتهم بها، ونذكر لك فيما يلي نص السؤالين والإجابة عنهما:
سـ1/ هل يجوز للمسلم أن يشارك مع المسيحيين في أعيادهم المعروفة بـ (الكريسماس) الذي ينعقد آخر شهر ديسمبر أم لا؟ عندنا بعض الناس ينسبون لهم مناسبة بالعلم لكنهم يجلسون في مجالس المسيحيين في عيدهم ويقولون بجوازه، فهل قولهم هذا صحيح أم لا؟ وهل لهم دليل شرعي على جوازه أم لا؟(4/7)
جـ1/ لا تجوز مشاركة النصارى في أعيادهم، ولو شاركهم فيها من ينتسب إلى العلم؛ لما في ذلك من تكثير عددهم، ولا تجوز للمسلم تهنئة النصارى بأعيادهم؛ لأن في ذلك تعاوناً على الإثم وقد نهينا عنه قال تعالى:"ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة:2] كما أن فيه تودداً إليهم وطلباً لمحبتهم وإشعاراً بالرضى عنهم وعن شعائرهم وهذا لا يجوز، بل الواجب إظهار العداوة لهم وتبيين بغضهم؛ لأنهم يحادون الله جل وعلا ويشركون معه غيره ويجعلون له صاحبة وولداً، قال تعالى:"لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه" [المجادلة:22] ، وقال تعالى:"قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءوا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده" [الممتحنة:4] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (3/435) ] .(4/8)
الاحتفال بالموالد
المجيب د. صالح بن فوزان الفوزان
عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 24/10/1423هـ
السؤال
ما حكم الشرع في نظركم بالاحتفال بعيد الأم وأعياد الميلاد وهل هي بدعة حسنة أم بدعة سيئة؟
الجواب
الاحتفال بالمولد سواء موالد الأنبياء أو موالد العلماء أو موالد الملوك والرؤساء كل هذا من البدع التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان وأعظم مولود هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يثبت عنه ولا عن خلفائه الراشدين ولا عن صحابته ولا عن التابعين لهم ولا عن القرون المفضلة أنهم أقاموا احتفالاً بمناسبة مولده - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هذا من البدع المحدثة التي حدثت بعد القرون المفضلة على يد بعض الجهال، الذين قلدوا النصارى باحتفالهم بمولد المسيح عليه السلام، والنصارى قد ابتدعوا هذا المولد وغيره في دينهم، فالمسيح عليه السلام لم يشرع لهم الاحتفال بمولده وإنما هم ابتدعوه فقلدهم بعض المسلمين بعد مضي القرون المفضلة.
فاحتفلوا بمولد محمد - صلى الله عليه وسلم - كما يحتفل النصارى بمولد المسيح، وكلا الفريقين مبتدع وضال في هذا؛ لأن الأنبياء لم يشرعوا لأممهم الاحتفال بموالدهم، وإنما شرعوا لهم الاقتداء بهم وطاعتهم واتباعهم فيما يشرع الله سبحانه وتعالى، هذا هو المشروع.
أما هذه الاحتفالات بالموالد فهذه كلها من إضاعة الوقت، ومن إضاعة المال، ومن إحياء البدع، وصرف الناس عن السنن، والله المستعان.
[المنتقى من فتاوى الفوزان (2/187 - 188) ] .(4/9)
هدايا الشركات بمناسبة رأس السنة
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 2/11/1424هـ
السؤال
أسأل الله تعالى أن تكونوا وأهاليكم وجميع المسلمين بخير.
السؤال هو أن هناك هدايا تعطى بمناسبة كفرية، وهي رأس السنة الميلادية، وأخرى بدعية وهي مناسبة الهجرة المباركة، وهذه الهدايا تختلف من شركة إلى أخرى:
أ. فبعض الشركات ترسل مذكرات سنوية أو ساعات حائطية أو محافظ أو منتوجات أخرى إشهارية تحمل علامتها التجارية واسمها.
ب. شركات أخرى ترسل هدايا عبارة عن: كؤوس كريستال أو مجموعة صحون أو إبريق شاي أو صينية أو بعض أواني تستعمل للتزيين في المنازل.
ج. شركات أخرى ترسل الحلوى فقط.
فما مدى صحة ذلك؟ بارك الله تعالى فيكم وجزاكم خيراً والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الجواب
إن كانت الهدية من شركة أجنبية (غير إسلامية) فلا بأس بقبولها، ولو بمناسبة رأس السنة الميلادية أو الهجرية، لأنه ليس بعد الكفر ذنب - أي أن مسؤوليها لا يطالبون بالفروع قبل الأصول -، وأيضاً ثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم قبل هدية من (المقوقس) ملك مصر وهو نصراني، انظر ما رواه الحاكم في المستدرك (6901) ، والطبراني في الكبير (3497) والنبي - صلى الله عليه وسلم - أكل من شاة مسمومة لامرأة يهودية دعته إلى طعام فيما رواه البخاري (2617) ، ومسلم (2190) من حديث أنس - رضي الله عنه-.
أما إن كانت الشركة المهدية (غير أجنبية) يقوم عليها مسلمون فلا يجوز قبول الهدية بهذه المناسبات غير المشروعة، بل المحرمة في الإسلام.(4/10)
وقبول الهدية بمناسبة رأس السنة الميلادية فيه تأييد للمشركين أو تشبه بهم، وهذا حرام، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "من تشبه بقوم فهو منهم" أخرجه أحمد (5114) ، وأبو داود (4031) من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - صححه ابن تيمية وقال دلائل الصحة عليه بادية.
وإن كانت الهدية بمناسبة رأس السنة الهجرية فلا يجوز أيضاً، لأن في هذا تشبه بالنصارى وابتداع في الدين، وفي الحديث الصحيح "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" أخرجه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) . ولعل الحكم في قبول الهدية من أهل الكتاب في أي زمان دون غيره لقصد تأليفهم ودعوة لدخولهم في الإسلام.(4/11)
تخصيص ليلة النصف من شعبان بعبادة
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 8/8/1426هـ
السؤال
ما حكم تخصيص ليلة النصف من شعبان بشيء من العبادات؟ وهل ورد بفضلها حديث صحيح؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أما بعد: فجواباً عن سؤالكم عن ليلة النصف من شعبان، وعن مدى صحة ما ورد في فضلها، أقول وبالله التوفيق:
لقد رُويت أحاديث متعددة في فضيلة ليلة النصف من شعبان، وأحاديث في فضل تخصيصها بصلاة أو عبادة معينة.
أما الثاني: (وهو ما ورد في تخصيصها بصلاة أو عبادة) فلم يصحّ فيها شيء، بل كلها أحاديث موضوعة وباطلة، وحَكَمَ ببطلانها جمعٌ من أهل العلم، منهم ابن الجوزي في كتابه الموضوعات (2/440 - 440-445 رقم 1010-1014) ، والبيهقي في الشعب (3841) ، وأبو الخطاب ابن دحية في أداء ما وجب (79-80) ، وابن قيم الجوزية في المنار المنيف (174-177) ، وأبو شامة الشافعي في الباعث على إنكار البدع والحوادث (124-137) ، والعراقي في تخريج إحياء علوم الدين (582) ، ونقل شيخُ الإسلام الاتفاق على بطلان الصلاة المسماة بالألفية كما في اقتضاء الصراط المستقيم (2/138) .
وهذا أمرٌ لا يخفى على أحدٍ من أهل العلم: أن تخصيص ليلة النصف من شعبان بصلاة لم يرد فيه حديثٌ صحيح ولا حسنٌ ولا ضعيف خفيفُ الضعف، بل ما ورد فيه كله موضوع مكذوب على نبينا - صلى الله عليه وسلم-.
أمّا ما ورد في فضلها مطلقاً، فقد ورد فيه أحاديث اختلف فيها أهلُ العلم قديماً وحديثاً، وجَمَع كثيرٌ من الحفاظ طُرُقها، وخصها بعضهم بالتصنيف كأبي عبد الله ابن الدُّبَيْثي (ت637هـ) .(4/12)
فقد ورد فيها الحديث من حديث معاذ بن جبل، وعائشة، وأبي ثعلبة الخشني، وعثمان بن أبي العاص، وأبي موسى الأشعري، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وعبد الله بن عَمرو، وعوف بن مالك، وأُبيّ بن كعب، وأبيّ أمامة، وأبيّ بكر الصديق – رضي الله عنهم أجمعين -، ومراسيل لغيرهم.
واستيعاب الكلام عن طرقها وعللها لا يُناسبُ هذا المقام، وتَرْكُ ذلك بالكلية لا يُوضَّح الحق ولا يُقربُ إلى الصواب، لذلك رأيت أن أكتفي بالكلام عن أشهر طرقها باختصار، ثم يُقاسُ عليها ما هو أشد ضعفاً منها.
أولاً: حديث معاذ بن جبل – رضي الله عنه -، عن النبي –صلى الله عليه وسلم-، قال: يطّلعُ اللهُ ليلة النصف من شعبان إلى خلقه، فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن". أخرجه ابن حبان في صحيحه (5665) ، وغيره فانظر تخريجه في حاشية تحقيقه، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة (1144) .
لكن الحديث وقع فيه اضطراب كثير في إسناده، جعله من حديث أبي ثعلبة الخشني مَرّة (وانظر السلسة الصحيحة) ، ومن حديث أبي إدريس الخولاني مرسلاً، وعن كثير بن مُرّة مرسلاً، وعن مكحول مرسلاً.
وكلها مرجعها إلى إسناد واحد اضطُرب فيه هذا الاضطراب.
بيَّن ذلك ووضّحه غاية الوضوح الدارقطني في العلل (6/50-51 رقم 970) ، وقال أثناء ذلك عن روايتيه من حديث معاذ بن جبل: "وكلاهما غير محفوظ".
وقال عن الحديث بعد إيراده لطرقه السابقة: "والحديث غير ثابت".
وخصَّ الدارقطني في موطن آخر من علله (6/323-324 رقم 1169) حديث أبي ثعلبة بالذكر، ثم قال بعد عرْضِ طُرُقه: "والحديث مضطرب غير ثابت".
بل لقد قال أبو حاتم الرازي - وحسبك به- عن حديث معاذ بن جبل: "هذا حديث منكر بهذا الإسناد " العلل لابن أبي حاتم (2012) .
وبذلك ظهر أن حديث معاذ وأبي ثعلبة حديثان شديدا الضعف، لا ينفعان في باب الاعتبار، أي لا يرتقيان بالمتابعات والشواهد.(4/13)
ثانياً: حديث عائشة – رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال لها حين افتقدته فوجدته في البقيع – في حديث -: "إن الله – عز وجل – ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شَعْرِ غنم كَلْب ". أخرجه الإمام أحمد (26018) ، والترمذي (739) ، وابن ماجة (1389) من طريق الحجاج بن أرطاة عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة، عن عائشة به
ثم قال الترمذي عقبه: "حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الحجاج وسمعتُ محمداً (يعني: البخاري) يُضعّفُ هذا الحديث، وقال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة، والحجاج لم يسمع من يحيى "فهو إسنادٌ ضعيفٌ، ويشير كلام البخاري إلى ضعف الحديث من جميع وجوهه؛ لأنه ضعّف الحديث لا الإسناد وحده.
ولمّا عَرَضَ الدارقطني لعلل حديث عائشة هذا في العلل – المخطوط – (5/ق51/أ-ب) ، وبيّن الاضطراب فيه، وأنه رُوي من وجه آخر عن حجاج بن أرطاة عن كثير بن مُرّة الحضرمي مرسلاً، ثم قال: "وإسناد الحديث مضطرب غير ثابت".
لذلك فقد صرح أبو عبد الله الحاكم النيسابوري بالصواب في هذا الحديث بقوله: "إنما المحفوظ هذا الحديث من حديث الحجاج بن أرطاة عن يحيى بن أبي كثير مرسلاً" شعب الإيمان للبيهقي (3824، 3825، 3830، 3831) وللحديث عللٌ أخرى أبانها عَمرو عبد المنعم سليم في تحقيقه لكتاب ابن الدُّبَيْثي (54-66) .
بل لقد أشار الدارقطني إلى أن مرجع حديث عائشة إلى حديث مكحول الشامي السابق ذكره في حديث معاذ، وهذا ما مال إليه البيهقي في الشعب (3/382،383 رقم 3383، 3835) ، وقد نقل ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/561 رقم 921) عن الدارقطني أنه قال: "وقد رُوي من حديث معاذ ومن حديث عائشة، وقيل إنه من قول مكحول، والحديث غير ثابت".(4/14)
فعادت أحاديث معاذ وأبي ثعلبة وعائشة إلى أنها حديث واحد، مآله إلى أنه كلام لمكحول الشامي!!! .وبذلك تعرفُ الخطأ الجسيم لمن اعتبر هذه الروايات روايات متعددة يَتَقَّوى بها الحديث.
ثالثاً: حديث عبد الله بن عمرو، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-قال: "يطّلع الله عز وجل إلى خَلْقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لعباده إلا لاثنين: مشاحنٍ وقاتل نفس" أخرجه الإمام أحمد (6642) ، قال: "حدثنا حسن: حدثنا ابن لهيعة: حدثنا حُيَي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلِيّ، عن عبد الله بن عَمرو به.
ذكر هذا الإسناد الألباني - رحمه الله - في السلسة الصحيحة (3/136) ، وقال: "هذا إسنادٌ لا بأس به في المتابعات والشواهد".
ولعل هذا من الألباني - رحمه الله - لاعتماده على أن الحافظ ابن حجر قال عن حُيَيّ بن عبد الله: "صدوق.....".
ومع أن حُييّ هذا ممن اختُلف فيه، كما تجده في التهذيب (3/72) ، فالأهم من ذلك أن أحاديث ابن لهيعة عنه بالإسناد المذكور آنفاً مناكير، كما بيّن ذلك ابنُ عدي في ترجمة حيي بن عبد الله في الكامل (2/450) ، حيث ذكر بضعة أحاديث لابن لهيعة عن حُيَيّ عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عَمرو، ثم قال: "وبهذا الإسناد حدثناه الحسن عن يحيى عن ابن لهيعة بضعة عشر حديثاً عامتها مناكير".
وابن عدي يُعلّق نكارة هذه الأحاديث بابن لهيعة، لإحسانه الظن بحُيي بن عبد الله.(4/15)
وقد ذكر الألباني لابن لهيعة متابعاً، هو رشدين بن سعد، فلو سلم الإسناد إليه، فهو ضعيف، ولا يحتمل ضَعْفُهُ مثل هذا الحديث؛ هذا إن لم تكن نكارةُ الحديث من قِبَلِ شيخهما حُيي بن عبد الله! ثم إن ابن لهيعة قد اضطرب في هذا الحديث، فمرةً يرويه كما سبق، ومَرّةً يرويه من حديث أبي موسى الأشعري (سنن ابن ماجة 1390، 1391) ومرّة يرويه عن عوف بن مالك (مسند البزار 7/186 رقم 2754) وقد ذكر الألباني - رحمه الله - اضطراب ابن لهيعة هذا، في السلسة الصحيحة (1563) والغريب أن حديث ابن لهيعة المشار إليه أخيراً مرويٌّ من طريق كثير بن مُرّة الحضرمي، وقد سبق بيانُ أنّ أحدَ طرق حديث مكحول ترجع إلى أنه من حديثه عن كثير بن مُرّة فهل نعود إلى أن حديث ابن لهيعة يعود إلى حديث مكحول أيضاً؟! (وانظر السلسلة الصحيحة 3/137-138) هذا مع ما في حديث أبي موسى وعوف بن مالك من العلل الأخرى الإسنادية سوى اضطرابه المشار إليه.
وبهذا كله يتضح أنّ هذه الطرق شديدة الضعف غير صالحةٍ للتقوَّي.
رابعاً: حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ينزل الله - عز وجل - ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لكل شيء إلا الإنسان في قلبه شحناء، أو مشرك بالله " أخرجه البزار (1/157-158، 206-207 رقم 80) وابن خزيمة في التوحيد (1/325-327 رقم 200) ، من طريق ضعّفها جمعٌ من أهل العلم، منهم البخاري، وأبو حاتم الرازي، والعقيلي، وابن عدي، والبزار، وغيرهم - انظر التاريخ الكبير للبخاري (5/424-425) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (8/306-307) والضعفاء للعقيلي (3/788-789) ، والكامل لابن عدي (5/309) .(4/16)
ولا يظنّنّ أحدٌ أن ابن خزيمة قد صححه بإخراجه في (التوحيد) الذي اشترط فيه الصحة، فإن ابن خزيمة قد أشار إلى ضعفه بتعليقه الإسناد أوّلاً ثم بتأخير ذكر إسناده عقب إيراده للمتن، وهذا اصطلاحٌ له في كتابه الصحيح والتوحيد ذكره هو عن نفسه في التوحيد (2/637) ، ونص عليه الحافظ ابن حجر في مواضع من إتحاف المهرة (2/365 رقم 1905) ومن بين أحكام العلماء على هذا الإسناد حُكْمُ ابن عدي عليه بأنه منكر، والمنكر من أقسام الحديث الشديد الضعف الذي لا يصلح للتَّقوَّي.
هذه أشهر أسانيد أحاديث فضل ليلة النصف من شعبان الواردة في مشاهير كتب السنّة، ويبقى سواها أحاديث أخرى سبقت الإشارة إليها مقدمة هذا الجواب، وبالاطلاع عليها لم أجد فيها ما ينفع للتقوَّي فضْلاً عن أن يوجد إسناد مقبول أو خفيف الضعف، فهي بين إسناد منكر تفرد به ضعيف، وإسناد شديد الضعف فيه متهم، وحديث موضوع مختلق، لذلك فالراجح عندي أنه لم يصح في فضل ليلة النصف من شعبان حديث، ولم يُصب - عندي - من صحّحه بمجموع الطرق، فإن شرط التقوية ألا تكون الطرق أوهاماً أو مناكير أو بواطيل.
أما أحكام العلماء على أحاديث فضل ليلة النصف من شعبان، فقد سبق ذكر أحكامهم على أفرادِها؛ ولكن سأذكر هنا مَنْ قَوَّى الحديث ومن ضعّفه على وجه العموم.
فممن قَوَّى الحديث: ابن حبان، والمنذري في الترغيب والترهيب، وللبيهقي كلامٌ ليس صريحاً في التصحيح، ذكره أبو شامة في الباعث (132) ، ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلامٌ يدل على تصحيح أو قبول ماورد في فضائلها، وذكر أنه نصُّ الإمام أحمد وأكثر الحنابلة (اقتضاء الصراط المستقيم 2/136-137، واختيارات البعلي 65) ولشيخ الإسلام كلامٌ آخر يدل على توقُّفه عن تصحيح حديثها (مجموع الفتاوى 3/388) .
وصحح الحديث أخيراً: العلامة الألباني - رحمه الله - كما سبق.(4/17)
أمّا الذين ضعفوا الحديث من جميع وجوهه، فسبق منهم الدارقطني والعقيلي في الضعفاء (ترجمة عبد الملك بن عبد الملك 3/789) ، وابن الجوزي كما في العلل المتناهية (915-924) ، وأبو الخطاب ابن دحية في أداء ما وجب (80) ، وأبو بكر ابن العربي في أحكام القرآن (4/1690) وأقره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (16/128) . بل قال أبو الخطاب ابن دحية: "قال أهل التعديل والتجريح: ليس في حديث النصف من شعبان حديث يصح". الباعث لأبي شامة: (127) .
وقال ابن رجب: "وفي فضل ليلة نصف شعبان أحاديث متعدِّدة، وقد اختُلف فيها، فضعّفها الأكثرون، وصحّح ابن حبان بعضها". لطائف المعارف (261) .
بل صحّ عن جمع من السلف إنكار فضلها.
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (وهو من أتباع التابعين من أهل المدينة) : "لم أدرك أحداً من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان، ولم ندرك أحداً منهم يذكر حديث مكحول ولا يرى لها فضلاً على سواها من الليالي". أخرجه ابن وضاح بإسناد صحيح في ما جاء في البدع (119) .
وقال ابن أبي مُليكة (وهو من جِلّة التابعين وفقهائهم بالمدينة) ، وقيل له: إن زياداً النميري يقول: إن ليلة النصف من شعبان أجْرُها كأجر ليلة القدر، فقال: لو سمعته يقول ذلك وفي يدي عصاً لضربته بها". أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7928) ، وابن وضاح في ما جاء في البدع (120) بإسناد صحيح.
ولما سئل عبد الله بن المبارك عن النزول الإلهي ليلة النصف من شعبان قال للسائل: "يا ضعيف! ليلة النصف؟! ينزل في كل ليلة". أخرجه أبو عثمان الصابوني في اعتقاد أهل السنة (92) .(4/18)
وقال ابن رجب في لطائف المعارف (263) : "وليلةُ النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام، كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر وغيرهم يُعظّمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم يأخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها منهم طائفة من عُبّاد أهل البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبي مُليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كلّه بدعة".
وأما قول ابن رجب من أن مرجع تعظيم هذه الليلة إلى الإسرائليات فقد وجدت ما يشهد له، من أن مكحولاً الشامي (وهو مرجع أكثر طرق الحديث كما سبق) قد رُوي هذا الحديث عنه في بعض الوجوه عن كعب الأحبار!! كما تراه في كتاب النزول للدارقطني (162-164، 168 رقم 88) ، وانظر لطائف المعارف أيضاً (264) .
ومما نقله ابن رجب في لطائف المعارف (264) ويخالف ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وهو قول ابن رجب:" ولا يُعرف للإمام أحمد كلام في ليلة النصف من شعبان ".
وأما تعظيم أهل الشام لهذه الليلة، فقد خالفهم في ذلك فقيه الشام الإمام الأوزاعي، فيما ذكره السبكي، ونقله عنه الزبيدي في تخريج إحياء علوم الدين (1/521) ، وفيما ذكره ابن رجب أيضاً في لطائف المعارف (263) .
وأخيراً، فعلى فرَض صحة حديث فضل ليلة النصف من شعبان، فإن الذي أخبرنا بفضلها وهو النبي – صلى الله عليه وسلم -لم يخصها بعبادة معينة، فلو كان ذلك مشروعاً لكان هو - صلى الله عليه وسلم - أحرص على فعله وبيانه للناس، بل لو قيل: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد شرع ما يتقرب به تلك الليلة (على فرض الصحة) لكان هذا وجيهاً، وهو أن تنام تلك الليلة خالصاً قلبك من الشرك والشحناء على المسلمين!! .(4/19)
وفي كتاب الورع للمَرُّوذي (545) : "قلت لأبي عبد الله [يعني الإمام أحمد بن حنبل] : إن رجلاً من أهل الخير قد تركتُ كلامه، لأنه قذف رجلاً بما ليس فيه، ولي قرابة يشربون المسكر ويسكرون؟ وكان هذا قبل ليلة النصف من شعبان. فقال: اذهب إلى ذلك الرجل حتى تكلمه، فتخوّف عليَّ من أمر قرابتي أن آثم، وإنما تركت كلامهم أني غضبت لنفسي، قال: اذهب كلَّم ذلك الرجل، ودع هؤلاء، ثم قال: أليس يسكرون؟ وكان الرجل قد ندم؟ ".
وتنبه أن الإمام أحمد لم يكن هو الذي ذكر ليلة النصف من شعبان، ولا ذكر المروذي أنه ذكرها له أيضاً، وإنما هو خبر ذكره المروذي، ومراعاة ذلك (ولو لم يصح فيه شيء) مما لا يرى فيه بعض العلماء بأساً فهو عمل مشروع في كل ليلة، ولم يخصه المروذي بليلة النصف.
أما ما يفعله كثير من الناس من الاجتماع ليلة النصف من شعبان على صلوات معيَّنة وعبادات خاصة في كل عام فهذا من البدع التي اتفق على إنكارها من عامة العلماء، وذكر ذلك جماعة من أهل العلم. فانظر الحوادث والبدع لأبي بكر الطرطوشي (266-267) ، والباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة (142) ، واقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (2/138، 256-257) ، ولطائف المعارف لابن رجب (263) ولم يخالف في تبديع هذا الفعل إلا قلة من أهل العلم، منهم من ذكرهم ابن رجب من أهل الشام، وإسحاق بن راهويه. أما الشافعي فاستحب إحياءَها، كما في الأم (1/231) ، لكن لم يذكر أن ذلك يكون بالاجتماع لها، ولم يذكر الشافعي دليل ذلك الاستحباب.
وما دامت المسألة متنازعاً فيها فالمرجع فيها إلى الكتاب والسنة، كما قال الله –تعالى-: "فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" [النساء: 59] .(4/20)
وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ" أخرجه مسلم (1718) وليلة النصف من شعبان لم يثبت في فضلها حديث، وكل ما ورد في فضل تخصيصها بعبادة باطلٌ موضوعٌ، فليس في تعمُّد القيام فيها بعبادة ما، على وجه التعيين لها، وتخصيصها بتلك العبادة إلا ابتداعاً في الدين، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -:" كل بدعة ضلالة " أخرجه مسلم (867) .
فنسأل الله تعالى السلامة من كل بدعة، وأن يُنْعِشَ قلوب العباد بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والله أعلم. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.(4/21)
الاذكار الجماعية بعد الفريضة
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 24/1/1425هـ
السؤال
هناك مجموعة من الناس يجتمعون بعد صلاة العشاء يوميًّا ويقرؤون أذكارًا يسمونها الصلوات، يصلون فيها على النبي - صلى الله عليه وسلم - بصيغ مختلفة وكثيرة، كما يقرؤون شعراً يسمونه المنظومة يدعون فيها الله - تعالى- بالأسماء الحسنى كلها. السؤال: هل لما يفعلون من أصل في الكتاب والسنة، أم أن هذه الأشياء من البدع الضالة؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على محمد - صلى الله عليه وسلم - مشروعة كل حين خصوصاً عند ذكره أو سماع اسمه الشريف، وتتأكد هذه المشروعية ليلة الجمعة ويومها، وهذا من أسهل حقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم- على أمته، وأعظم منه وأوجب اتباع سنته، ولزوم هديه، كما قال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم" [آل عمران:31] ، وأما من أحدث في دينه ما ليس منه، فعمله مردود عليه، لا يزيده من الله إلا بعداً، قال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) من حديث عائشة - رضي الله عنها -، وفي رواية: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" عند مسلم (1718) ، وهذا الاجتماع المذكور في السؤال، ليس عليه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بل هو حدث في الدين، فهو بدعة، من عدة وجوه:
أولها: الاجتماع على هيئة مخصوصة من قبل عدة أشخاص بغرض الصلاة عليه، لم يكن من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه.
الثاني: كونه في زمن مخصوص والصلاة عليه مشروعة مطلقاً.(4/22)
الثالث: استعمال صيغ مخصوصة للصلاة والسلام عليه، لم ترد في السنة، والتزامها، فمن التزم ذكراً راتباً لم تثبت به السنة فقد وقع في البدعة، هذا إذا كانت ألفاظ هذا الذكر خالية من الغلو والمعاني الفاسدة، وإلا صار محرماً من الوجهين، وكذلك قراءة الأشعار المنظومة في أسماء الله الحسنى إذا اتخذها على سبيل التعبد واعتقاد فضل لهذه المنظومة فذلك من البدع، وإنما يكون دعاء الله بأسمائه الحسنى على وجهين:
- دعاء عبادة: بأن يثني على ربه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، ويحمده عليها دون سؤال.
- دعاء مسألة: بأن يسأل ربه حاجته بالاسم المناسب، فيقول: يا رحمن ارحمني يا رزاق ارزقني، ونحو ذلك.(4/23)
- وقد عني السلف بإنكار البدع العملية، كما البدع الاعتقادية، منذ زمن الصحابة الكرام - رضي الله عنهم-؛ فقد روى الدارمي (204) بسنده أن أبا موسى الأشعري قال لعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما-: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيراً، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً، ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مئة، فيكبرون مئة، فيقول: هللوا مئة، فيهللون مئة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مئة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك، وانتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم؟ ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصى نَعُدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامنٌ أن لا يضيع من حسناتكم شيء، وَيْحَكُمْ يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملةٍ محمد، أو مفتتحو باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حدثنا أن قوماً يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله، ما أدري، لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحِلَق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج.(4/24)
ذبح الثيران عند تأخر المطر
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 5/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كان في الجاهلية عند آبائنا عادة وهي أنه إذا تأخر نزول المطر، وأصاب الناس شدة، لجأوا إلى ذبح ثور أو بقرة في مكان معين عندنا، ويقولون إنه ما إن ينتهوا من ذبحها حتى ينزل المطر، ويسمون ذلك العمل (نشرة) ، فصار الأمر اعتقاد عندهم حتى إن المطر إذا تأخر في هذه الأيام، قال الناس سنأخذ بقرة ونذبحها في ذلك المكان، مع العلم أن من يطالب بذلك الفعل هم من الشباب المتعلم، محتجين بأن النية سليمة وإنما الأعمال بالنيات، فضيلة الشيخ/ أرجو الإجابة على سؤالين هما:
(1) ما حكم ذلك العلم إذا صاحبه اعتقاد في أن المطر لا ينزل إلا إذا ذبحت بقرة أو ثور في ذلك المكان.
(2) يزعم من يقوم بهذا الفعل أن نيته سليمة وليس هناك اعتقاد، فما حكم ذلك الفعل إن كانت النية سليمة كما يزعم.
أرجو التوضيح والتفصيل في هذه المسألة، وبيان السنة عند انحباس المطر، حتى نكون على بينة حين نبين للناس حقيقة ذلك الأمر، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
هذا الفعل لم أطلع على أن الجاهلية الأولى كانت تفعله.
وله احتمالات:
إما أن يريد أهله أن يتقربوا إلى الله عز وجل بصدقة بين يدي الاستسقاء فهذا لا حرج فيه.
وإما أن يعتقد خصوصية المكان أو الارتباط بين الذبح ونزول المطر فهذا بدعة.
والسنة عند انحباس المطر: الخروج للاستسقاء بأداء ركعتين ثم خطبة واحدة بعدها، والله الموفق.(4/25)
صيام يوم الميلاد
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 1/9/1424هـ
السؤال
بعض الناس يصومون كل سنة اليوم الذي يوافق يوم ميلادهم، ويقولون إن هذا سنة لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم يوم ميلاده الأسبوعي، علما أنهم يصومون اليوم الميلادي وليس الهجري، فهل ما يقولونه صحيح؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد أخرج مسلم (1162) في صحيحه عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن جملة من الأشياء ذكرها، ومنها عن صوم يوم الاثنين فقال: "ذلك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل علي فيه".
ولم يرد في شيء من كتب السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد يوم الاثنين بالصوم أو حث عليه استقلالا، ولا استحب ذلك أحد ممن يعتد برأيه من علماء الأمة، وإنما الذي ورد هو صيام يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرَّى صيام الاثنين والخميس، رواه أحمد (24508) ، والنسائي (2186) ، والترمذي (745) ، وابن ماجة (1739) ، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن أعمال العباد تعرض في هذين اليومين - أعني الاثنين والخميس - فأحب صلى الله عليه وسلم حين يعرض عمله أن يكون صائماً، فقد أخرج أحمد (8361) ، والترمذي (747) ، وابن ماجة (1740) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعرض أعمال العباد كل اثنين وخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم".
وحتى لو سلمنا بأن سبب صيام يوم الاثنين هو كونه اليوم الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في ذلك دليل على جواز صيام الإنسان اليوم الذي ولد هو فيه لأمرين:(4/26)
أولهما: لأن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومكانته لا تخفى على أحد، فلو قيل بصيام ذلك اليوم لكان من باب صيام يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي كانت تصومه يهود شكرا لله أن نجى فيه موسى وقومه من فرعون وجنده.
وثانيهما: أن العبادات أمرها توقيفي، فلا يجوز القياس فيها، بل يجب التوقُّف عند الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يزاد عليه.
وعليه فلا أساس لما ذكر في السؤال، ولا أبالغ إذا قلت إني لم أقف على هذا القول حتى عند الفرق المنحرفة، فقد رأينا من استحب صيام يوم ميلاد شيخ طريقته أو يوم وفاته، أما صيام يوم ميلاد الشخص على غرار الاحتفال به على عادة غير المسلمين فهذا ما لم أقف عليه البتة. ثم إن المستدَل به وهو صيامه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين يقتضي من هؤلاء المداومة على صيام اليوم الذي ولدوا فيه من كل أسبوع، وإلا خالفوا السنة التي زعموها. والله أعلم.(4/27)
عادة مرتبطة بتقاليد شعبية في شعبان
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 11/8/1424هـ
السؤال
مما جرت العادة به في بلدنا أن في ليلة النصف من شعبان يقوم الأطفال بالمرور على المنازل، حيث يتم توزيع الحلوى وغيرها عليهم. وهذه العادة مرتبطة بتقاليد شعبية قديمة فما حكمها؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أخي الكريم: اعلم وفقك الله أن ما ذكرته - مما يجري في ليلة النصف من شعبان من المرور على المنازل وتوزيع الحلوى - هو نوع من الاحتفال أو المشاركة في إحياء هذه الليلة، وموافقة لأهل البدع في إحياء شعائرهم المحدثة في الدين، والقول بأن هذه عادة مرتبطة بتقاليد شعبية قديمة وهم ظاهر، إذ حقيقة الأمر أن ذلك مرتبط ببدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان وإحيائها بنوع خاص من التعبد والصلاة، وهو أمر محدث استند محدثوه على أحاديث موضوعة نبه على وضعها عدد من العلماء. قال الشوكاني - رحمه الله - بعد أن ذكر حديث صلاة النصف من شعبان: "وقد اغتر بهذا الحديث جماعة من الفقهاء كصاحب الإحياء وغيره، وكذا من المفسرين، وقد رويت صلاة هذه الليلة - أعني ليلة النصف من شعبان - على أنحاء مختلفة كلها باطلة وموضوعة". الفوائد المجموعة (ص: 51) .(4/28)
وقال ابن القيم - رحمه الله -: (هذه الصلاة وضعت في الإسلام بعد الأربعمائة ونشأت من بيت المقدس فوضع لها عدة أحاديث) ، انظر المنار المنيف بتحقيق محمود استانبولي (ص:54) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - (والذي عليه جمهور العلماء أن الاحتفال بها بدعة، وأن الأحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة وبعضها موضوع، وممن نبّه على ذلك الحافظ ابن رجب في كتابه: لطائف المعارف وغيره، والأحاديث الضعيفة إنما يعمل بها في العبادات التي قد ثبت أصلها بأدلة صحيحة، أما الاحتفال بليلة النصف من شعبان فليس له أصل صحيح حتى يستأنس له بالأحاديث الضعيفة) انظر: التحذير من البدع للشيخ ابن باز ص (11 - 12) .
وعلى هذا فأوصيك يا أخي بعدم المشاركة في ذلك، وتنبيه الأطفال إلى خطورة الأمر؛ حتى لا تتأصل في نفوسهم تلك المخالفات، وفيما ثبتت مشروعيته من العبادات غنية عن الوقوع فيما اشتبه أمره أو كان من المحظورات، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(4/29)
قراءة سور مخصوصة قبل صلاة الجمعة
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 28/10/1424هـ
السؤال
يقوم بعض المصلين - بمنطقتنا قبل ساعة من خطبة الإمام للجمعة - بقراءة سورة الكهف ثم الملك والإخلاص والمعوذتين، وفي الختام بدعاء جماعي. فهل هذا الأمر بدعة؟. نرجو التوضيح.
الجواب
هذا لا إشكال أنه بدعة، لأن هذه الأشياء لم ترد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولم يفعلها، والأصل في العبادات أنها توقيفية.(4/30)
عيد الكريسماس
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 1/11/1424هـ
السؤال
ما حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسماس؟ وهل يجوز الاحتفال معهم بهذا العيد؟
الجواب
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن سؤال مشابه لسؤالك فإليك السؤال والجواب.
عن حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسماس؟ وكيف نرد عليهم إذا هنؤونا به؟ وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهذه المناسبة؟ وهل يأثم الإنسان إذا فعل شيئاً مما ذكر بغير قصد؟ وإنما فعله إما مجاملة أو حياءً أو إحراجاً أو غير ذلك من الأسباب؟ وهل يجوز التشبه بهم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: تهنئة الكفار بعيد الكريسماس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق، كما نقل ذلك ابن القيم - رحمه الله - في كتابه "أحكام أهل الذمة"، حيث قال: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالأتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن تهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه". انتهى كلامه - رحمه الله -.(4/31)
وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضا به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره، لأن الله تعالىلا يرضى بذلك، كما قال الله تعالى: "إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم" [الزمر: 7] وقال تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" [المائدة:3] . وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا.
وإذا هنؤونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك، لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، لأنها إما مبتدعة في دينهم، وإما مشروعة، لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً، صلى الله عليه وسلم، إلى جميع الخلق، وقال فيه: "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" [آل عمران:85] .
وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها.
وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم،: "من تشبه بقوم فهو منهم". قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) : "مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء". انتهى كلامه - رحمه الله -.
ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملة، أو تودداً، أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب، لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم.(4/32)
والله المسؤول أن يعز المسلمين بدينهم، ويرزقهم الثبات عليه، وينصرهم على أعدائهم، إنه قوي عزيز.
مواضيع ذات صلة:
(مشاركات في عيد الميلاد)
(قبول هدايا النصارى في أعيادهم)
(هدايا الشركات بمناسبة رأس السنة)
(الاحتفال والتهنئة في أعياد الميلاد)(4/33)
الاحتفال بيومين من يناير (الناير)
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 11/05/1425هـ
السؤال
في بلادي في كل يوم 10 أو 11 من شهر يناير نقوم بالاحتفال بشراء المأكولات وبعض الأطعمة من حبوب وفواكه خصيصاً لهذا اليوم، فبعض الناس يقول: إنها تقليد لسيدنا نوح عليه السلام. فما تفسيركم لهذا الاحتفال الذي يسمى عندنا بالناير؟. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن الله - سبحانه وتعالى- شرع للمسلمين عيدين يجتمعون فيهما ويظهرون الفرح، هما عيد الفطر، وعيد الأضحى، ولما وجد النبي - صلى الله عليه وسلم- الأنصار يخصصون يومين يلعبون فيهما ويعتبرونهما عيداً قال: "إن الله أبدلكما بهما خيراً منهما: عيد الفطر وعيد الأضحى" سنن أبي داود (1134) ، والنسائي (3/179) من حديث أنس- رضي الله عنه- بسند صحيح.
وكل اجتماع متكرر على وجه معتاد عيد، وتخصيص زمن معين واحتفال خاص جعل له عيداً، وكل عيد لم يشرعه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- فهو بدعة محدثة، قال عليه الصلاة والسلام: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس به فهو رد"رواه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) من حديث عائشة -رضي الله عنها-، وإذا عرف ذلك فإن الاحتفال المذكور في السؤال بدعة محدثة لا تجوز إقامتها ولا حضورها أو المشاركة فيها.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.(4/34)
الاحتفال بعيد الحب
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 21/12/1424هـ
السؤال
سئل فضيلته: انتشر بين فتياننا وفتياتنا الاحتفال بما يسمى عيد الحب (يوم فالنتاين) وهو اسم قسيس يعظمه النصارى يحتفلون به كل عام في 14 فبراير، ويتبادلون فيه الهدايا والورود الحمراء، ويرتدون الملابس الحمراء، فما حكم الاحتفال به أو تبادل الهدايا في ذلك اليوم وإظهار ذلك العيد جزاكم الله خيرًا.
الجواب
فأجاب حفظه الله:
أولاً: لا يجوز الاحتفال بمثل هذه الأعياد المبتدعة؛ لأنه بدعة محدثة لا أصل لها في الشرع فتدخل في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أخرجه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) أي مردود على من أحدثه.
ثانياً: أن فيها مشابهة للكفار وتقليدًا لهم في تعظيم ما يعظمونه واحترام أعيادهم ومناسباتهم وتشبهًا بهم فيما هو من ديانتهم وفي الحديث: (من تشبه بقوم فهو منهم) أخرجه أحمد (5115) ، وأبو داود (4031) .
ثالثاً: ما يترتب على ذلك من المفاسد والمحاذير كاللهو واللعب والغناء والزمر والأشر والبطر والسفور والتبرج واختلاط الرجال بالنساء أو بروز النساء أمام غير المحارم ونحو ذلك من المحرمات، أو ما هو وسيلة إلى الفواحش ومقدماتها، ولا يبرر ذلك ما يعلل به من التسلية والترفيه وما يزعمونه من التحفظ فإن ذلك غير صحيح، فعلى من نصح نفسه أن يبتعد عن الآثام ووسائلها.
وعلى هذا لا يجوز بيع هذه الهدايا والورود إذا عرف أن المشتري يحتفل بتلك الأعياد أو يهديها أو يعظم بها تلك الأيام حتى لا يكون البائع مشاركًا لمن يعمل بهذه البدعة والله أعلم.
مواضيع ذات صلة:
(عيد الحب قصته، شعائره، حكمه)
(فتوى الشيخ محمد العثيمين في عيد الحب)(4/35)
هدايا يوم الميلاد
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 26/04/1425هـ
السؤال
تلقيت هدية بمناسبة يوم ميلادي من فتاة من أقاربي، علماً أنه ليس بيني وبينها أية علاقة محرمة شرعاً، وهي عبارة عن عطور، فما حكم هذه الهدية أهي حرام أم حلال؟ أفيدوني أفادكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لا يجوز تخصيص يوم بأعمال أو أحوال معينة، وذلك مثل يوم الميلاد الذي يسمى عند بعض الناس بعيد الميلاد، فلا عيد في الإسلام إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، وقد جاء في السنن من حديث أنس -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة وجد أنهم يلعبون في يومين لهما، فقال: "قد أبدلكم الله بهما خيراً منها يوم الفطر ويوم الأضحى" رواه النسائي (1556) ، وأبو داود (1134) ، وكذلك لا يخصص يوم من أيام السنة عن باقي الأيام إلا ما جاء الشرع بتخصيصه، مثل يوم الجمعة، أما ما عدا ذلك من الأيام فهي أيام لا مزية ولا خصيصة ليوم على يوم آخر، وإن وقع بعض الأحداث لبعض الناس في يوم معين، إلا أنه لا يجوز تخصيص هذا اليوم، وبالنسبة للهدية فالأصل في الهدية أنها جائزة. والله أعلم.(4/36)
فتوى الشيخ محمد العثيمين في عيد الحب
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 24/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فقد انتشر في الآونة الأخيرة الاحتفال بعيد الحب - خاصة بين الطالبات - وهو عيد من أعياد النصارى، ويكون الزي كاملاً باللون الأحمر الملبس والحذاء ويتبادلن الزهور الحمراء..
نأمل من فضيلتكم بيان حكم الاحتفال بمثل هذا العيد، وما توجيهكم للمسلمين في مثل هذه الأمور والله يحفظكم ويرعاكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الاحتفال بعيد الحب لا يجوز لوجوه:
الأول: أنه عيد بدعي لا أساس له في الشريعة.
الثاني: أنه يدعو إلى العشق والغرام.
الثالث: أنه يدعو إلي اشتغال القلب بمثل هذه الأمور التافهة المخالفة لهدي السلف الصالح رضي الله عنهم.
فلا يحل أن يحدث في هذا اليوم شيء من شعائر العيد سواء كان في المآكل أو المشارب أو الملابس أو التهادي أو غير ذلك وعلى المسلم أن يكون عزيز بدينه ولا يكون إمَّعَةً يتبع كل ناعق. أسأل الله تعالى أن يعيذ المسلمين من كل الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يتولانا بتوليه وتوفيقه.
كتبه
محمد الصالح العثيمين
5/11/1420هـ(4/37)
التعلق بأستار الكعبة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 23/7/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي هو: ما حكم التعلق بأستار الكعبة بقصد التذلل لله والدعاء، وليس بقصد التبرك؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الواجب على المسلم أن يعبد ربه - تبارك وتعالى- على وفق سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقد شرع صلى الله عليه وسلم تقبيل الحجر الأسود واستلامه، والإشارة إليه، واستلام الركن اليماني، ومما ورد كذلك الالتزام، ولم يرد التعلق بأستار الكعبة، وقد أنكر ابن عباس - رضي الله عنهما- على معاوية - رضي الله عنه- عند استلام الركنين الشاميين، فقال له: ما هذا يا معاوية؟ فقال معاوية-رضي الله عنه-: ليس في البيت شيء مهجور، فقال ابن عباس - رضي الله عنهما-: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أحق أن تتبع، فقال معاوية - رضي الله عنه-: صدقت. والله أعلم.(4/38)
الاحتفال بيوم المعلم
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 29/2/1425هـ
السؤال
في هذه الأيام يوجد لدينا اليوم العالمي للمعلم فأرجو من سماحتكم إفتاءنا في حكمه والمشاركة فيه بأي حال من الأحوال؟
الجواب
الحمد لله وبعد:
فمن المعلوم المتقرر لدى عموم المسلمين أن الله -تعالى- قد أكمل لنا الدين وأتم لنا الشريعة وأقام معالم الملة. بحيث لم نعد بحاجة إلى إحداث أمور ومسالك لا أصل لها في دين الإسلام فكل بدعة ضلالة، ومن البيِّن الواضح أنَّ أعياد المسلمين ثلاثة لا رابع لها: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع وهو يوم الجمعة، وما عداها من الأعياد فهي أعياد بدعية باطلة سواء أسماه الناس عيداً، أو يوماً، أو مناسبة، أو ذكرى، أو غيرها فالعبرة بالمقاصد والحقائق في المقام الأول، وبناءً عليه فاليوم العالمي للمعلم، واليوم العالمي للأم، واليوم العالمي للبريد وغيرها من الأعياد، والأيام العالمية، والعربية، والوطنية أعياد محدثة في دين الإسلام لا يجوز الاحتفال بها، أو المشاركة في إحيائها، بأي شكل من الأشكال، أو الترويج والدعاية لها عبر أي وسيلة من الوسائل والله أعلم.(4/39)
اقتناء المجسمات لغرض فني
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 28/07/1425هـ
السؤال
ما حكم من يقتني المجسمات كالحيوان وغيره بغرض فني بحت؟ ولماذا لم يقم الفاتحون بتحطيم الأصنام المجسدة مثل ما حصل مع الصحابي عمرو بن العاص-رضي الله عنه- في مصر زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- علماً بأنه أخبره عنها فلم يأمر بإزالتها.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
فإن المجسمات والتماثيل هذه محرمة شرعاً؛ والدليل على ذلك أمور:
أولاً: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث بمحق الأوثان.
ثانياً: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما فتح مكة كسَّر الأوثان.
ثالثاً: عموم أدلة طمس الصور، وفيه أحاديث كثيرة جداً، منها حديث أبي الهياج أن علياً - رضي الله تعالى عنه- قال: ألا أبعثك على ما بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته" رواه مسلم (969) ، وقوله: "إلا طمستها" يشمل الصور على جميع أشكالها، وغير ذلك من الأدلة في تحريم الصور كثيرة جداً، وأول ما وقعت فتنة الشرك في العالم بسبب صور التماثيل، وأما قول السائل: لماذا بعض الصحابة - رضي الله عنهم- لم يحطم أو لم يكسِّر بعض الصور؟ فالجواب عن ذلك سهل بأن يقال: تركهم لهذا المنكر له عدة أجوبة:(4/40)
الأول: أن المصلحة قد تكون في ذلك الزمن ألا يبادوا بالإنكار، وإنما ينتظروا إلى أن تتهيأ الفرصة التي لا تكون أو تنعدم فيها الفتنة، ولهذا النبي - عليه الصلاة والسلام- ترك تغيير الكعبة وقال لعائشة - رضي الله عنها-: "لولا حداثة قومك بالكفر لنقصت البيت، ثم لبنيته على أساس إبراهيم -عليه السلام- ... " الحديث رواه البخاري (1585) ، ومسلم (1333) ، واللفظ للبخاري، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ترك تغيير الكعبة خشية الفتنة. الثاني: أن فعل الصحابي- رضي الله عنه- لا يعارض المرفوع للنبي - صلى الله عليه وسلم-.
الثالث: قد لا يكونوا اطلعوا عليها أو خفي عليهم أمرها.
الرابع: قد تكون هناك مشقة في تغييرها وإزالتها لا يستطيعون معها القدرة على ذلك. والله أعلم.(4/41)
زيارة الآثار المبنية على القبور!
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة ببعض الأمكان والأزمنة
التاريخ 29/09/1426هـ
السؤال
يوجد طراز معماري قديم في الهند اسمه "تاج محل"، وهو موقع بُني قبل مئات السنين، ويمثل تحفة معمارية فريدة، لكنه أقيم فوق قبر، فهل تجوز زيارة هذا الموقع؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فتجوز الزيارة لغير قصد التعبد وطلب الأجر والثواب، وإنما لغرض التسلية والسياحة وحب الاستطلاع على الفن المعماري؛ فقد أذن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بزيارة ديار ثمود "مدائن صالح"، مع أنها موطن عذاب، بشرط أن يكون الزائر يقصد في زيارته العظة والاعتبار بعاقبة أولئك الكفار، ومن علامة ذلك في الزائر البكاء أو التباكي، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري (433) من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم"، وهذا الحديث قاعدة في الزيارة والسياحة في المواقع الأثرية التي تمثل أو تحكي شيئاً عن الأمم الماضية. والله أعلم.(4/42)
عيد الشكر
المجيب د. عبد الله بن محمد الغنيمان
رئيس قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 7/4/1422
السؤال
عيد الشكر، هو من أيعاد الكفار المستحدثة، ولم أقف له على مرجع معتبر يبين علاقته بسقوط الدولة العثمانية، أو يناقشه بالتوضيح والبيان من حيث وقته والطقوس المصاحبة له. . وغير ذلك، فهل أفدتمونا أثابكم الله تعالى؟
الجواب
جميع أعياد الكفار باطلة، وقد جاء النهي عن المشاركة فيها عموماً وقد وضح ذلك وفصله شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله تعالى) في كتابه [اقتضاء الصراط المستقيم] وأعياد الكفار كثيرة ومختلفة وليس على المسلم أن يبحث عنها، بل يكفيه أن يعرف أنها لا أصل لها في الشرع وليس للمسلمين عيد سنوي سوى عيدي الفطر الأضحى.(4/43)
السجود من أجل الدعاء
المجيب أ. د. صالح بن محمد السلطان
أستاذ الفقه بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 2/5/1422
السؤال
هل يجوز السجود من أجل الدعاء فقط دون الصلاة، وذلك تحرياً لأوقات الإجابة مثل قبل دخول الإمام يوم الجمعة بقليل وآخر ساعة من يوم الجمعة، وبين الإقامة والصلاة..وغيرها من الأوقات الفاضلة.
الجواب
هذا من البدع؛ لأن السجود إما أن يكون سجود شكر أو سجود تلاوة أو سجوداً في الصلاة، أما السجود من أجل الدعاء فلم يأت في الشرع.
والذي جاء في الحديث"أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء" فهذا لأنه عندما ذكر أفعال الصلاة وجاء للسجود قال: اكثروا فيه من الدعاء.(4/44)
الصيام طوال أيام الحرب
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 6/2/1424
السؤال
هل يجوز نشر الاقتراح التالي بين الناس، إذا قامت الحرب نحث المسلمين بالالتزام بالصيام طوال أيام الحرب، وذلك تعبيرا عمليا على رفض الشعوب للحرب وللاستفادة من الصيام في الدعاء عند الإفطار على المعتدين الأمريكيين واليهود، وهل هذا الاقتراح يدخل في البدع؟
الجواب(4/45)
الحمد لله، لقد جاءت شريعة الإسلام التي بعث الله بها محمداً - صلى الله عليه وسلم-بكل ما فيه الخير والسعادة لمن قبلها وتمسك بها، فقد دل كتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام- على أنهم أصحاب السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، فشرع الله لعباده أنواع العبادات التي يتقربون بها إلى الله، ويستجلبون بها فضله سبحانه وتعالى، ومغفرته، ورحمته في الدنيا والآخرة، ويستجلبون بها النصر على الأعداء، وجماع ذلك تقوى الله في السر والعلانية، وهي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، والاستكثار من الأعمال الصالحة التي ندب الله إليها عباده في كتابه، وندب إليها رسوله - صلى الله عليه وسلم- في سنته، ومن أعظم الأسباب التي شرعها الله لجلب المنافع، ودفع المضار الدعاء، قال تعالى: "ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" [الأعراف:55] ، وقال تعالى: "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" [غافر: من الآية60] ، وأخبر عن رسله -عليهم السلام- بذلك، وأنهم - عليهم السلام- يدعون الله بكشف ضروراتهم ونصرهم على أعدائهم، وهكذا كان الرسول - عليه الصلاة والسلام- وأصحابه إذا اشتد بهم أمر لجأوا إلى الدعاء، لأن الأمر كله لله، والملك كله له، فبيده الملك، وبيده الخير، وهو على كل شيء قدير، فعلى المسلمين أن يقتدوا بنبيهم - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام -رضي الله عنهم-، ويهتدوا ويقتدوا بهدي الأنبياء، كما أمر الله بذلك نبيه -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ" [الأنعام: من الآية90] ، ولم يأت في كتاب الله ولا في سنة رسوله - عليه الصلاة والسلام- الأمر بوجوب أو استحباب الاتفاق على الصيام في أيام الشدائد، من أجل تحري الدعاء عند الإفطار، فالدعوة إلى ذلك دعوة إلى ما لم يشرعه الله ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم-، فهو بدعة، ولكن يغني عن ذلك حثَّ الناس على التوبة(4/46)
إلى الله، والاستكثار من الأعمال الصالحة، والإحسان إلى الخلق، والإكثار من الدعاء، والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، الذي لا يكشف الضر غيره، كما قال تعالى: "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ" [النمل:62] ، ومن الدعاء المشروع القنوت في النوازل، ولكن إذا كان يترتب على القنوت اختلافات وشقاق فيحسن تركه دفعاً للمفاسد الناشئة عن ذلك، وغاية الأمر أنه ترك لأمر جائز أو مستحب، ومن لم يتأتى أو لم يتيسر له القنوت فأوقات وأحوال الدعاء كثيرة ليست محصورة على هذا الوجه المعروف الذي هو الدعاء في صلاة الفجر، أو غيرها من الصلوات بعد الركوع، كما قنت الرسول - عليه الصلاة والسلام-، انظر: البخاري (804) ومسلم (675) ، فهذا نوع من أنواع الدعاء، فالله- سبحانه وتعالى- يسر لعباده طرق العبادة وطرق دعائه، فليدع المسلمون جميعاً رجالاً ونساءً برفع الشدة عن المسلمين، ونصرهم على أعداء الدين، وأن يرد كيد الكافرين والمنافقين، إنه تعالى على كل شيء قدير، "وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُون" [الأنفال:59] ، "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيرا" [فاطر:44] ، "ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ" [محمد:4] ، والله أعلم.(4/47)
الصلاة النارية
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 12/2/1424هـ
السؤال
ما حكم الصلاة النارية المشهورة عند الصوفية؟ أريد تفصيلاً في المسألة بارك الله فيكم.
الجواب
الحمد لله، لا أعرف شيئاً عمّا يسمى بالصلاة النارية، ولكن الصوفية أهل بدع قولية وعملية، فالصلاة النارية لا ريب أنها بدعة، إذ ليس في شريعة الإسلام صلاة تُعرف بهذا الاسم، وكلما أحدث في الدين مما لم يأمر الله به ورسوله -عليه الصلاة والسلام- فهو بدعة مردودة على صاحبها كما قال -صلى الله عليه وسلم-:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) ، وقال -صلى الله عليه وسلم-:"وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" رواه مسلم (867) ، وإنما الصلوات المشروعة الصلوات الخمس التي فرضها الله على عباده في كل يوم وليلة، ثم ما شرع الله من نوافل الصلوات ومن الصلوات ذوات الأسباب كصلاة الاستسقاء وصلاة الكسوف، فالواجب الحذر من البدع فإنها من شر الأعمال، ولهذا كان -صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبته:"وأحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" سبق تخريجه، فالبدع كلها ضلالة وليس شيء من البدع حسناً كما يظن بعض الناس، وفقنا الله وسائر المسلمين لاتباع هدي رسوله -صلى الله عليه وسلم- وجنبنا وإياكم محدثات الأمور، والله أعلم.(4/48)
حكم التسبيح بالسبحة
المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 7/11/1422
السؤال
ما حكم التسبيح بالسبحة في أي وقت؟
الجواب
الحمد لله، أجاز بعض العلماء التسبيح بالسبحة، ومنعها آخرون فحكموا ببدعيتها، وما قد يؤول إليه إظهارها من رياء ونحوه، والأكمل أن يُتأسى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي كان يعقد التسبيح بيمينه، والله أعلم.(4/49)
الدعاء الجماعي بعد الصلاة
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 13/3/1423
السؤال
ما حكم الدعاء الجماعي بعد الصلاة؟
الجواب
الدعاء الجماعي بعد الصلاة بدعة في دين الله؛ لأنه أمر لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يفعله الخلفاء الراشدون من بعده، وقد قال- صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". رواه الترمذي (2676) وأبو داود (4607) وابن ماجة (44) .
وفي الحديث الصحيح: "من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد"، رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) وفي الحديث الآخر: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". مسلم (1718)
ولا شك أن البدعة يعود أثرها على عقيدة المسلم بالقدح، فاحذر على دينك وسلامة عقيدتك.(4/50)
الاغتسال بالماء والسدر
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 15/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم الغسل بالماء والسدر لمدة سبعة أيام وإتباع الغسل في كل مرة بصدقة؟
الجواب
الحمد لله، هذا بدعة، فالصدقة عبادة، وتوقيت العبادات هو من صفاتها التي يجب أن تتلقى من الكتاب والسنة، ولا أصل لهذا الترتيب، أما الاغتسال بالماء والسدر فهو علاج، فليرتبه الإنسان كيف شاء كل يوم، أو يوم بعد يوم أو في الصباح، أو في المساء كل هذا من الأمور العادية، فهناك فرق بين العادات والعبادات، فالعادات تختلف باختلاف أحوال الناس وتجاربهم، وأما العبادات فهي توقيفية، في أصلها وفي صفاتها، نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يوفقنا للاتباع ويجنبنا الابتداع، والله أعلم.(4/51)
تخصيص صيام يوم وقيامه لنصرة فلسطين
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 7/2/1423
السؤال
هل يجوز إرسال تحديد يوم معين للصوم من أجل الفلسطينيين مثل هذه الرسالة:
علينا صيام يوم الاثنين القادم من أجل نصرة فلسطين والمسلمين الموافق 27/01/1423هـ، ونصلي التهجد ليلة الأحد؛ لأن كل المسلمين اتفقوا على هذا.
الجواب
إنه من المتفق عليه بين عموم أهل السنة والجماعة أن الله -تعالى- قد أكمل للأمة دينها، وأتم عليها نعمته، ورضي لها الإسلام ديناً، فليس لأحد حق الزيادة أو الانتقاص من هذه الشريعة الوافية الكاملة.
وقد حذّر -عليه السلام- من الإحداث في الدين أو الابتداع في العبادة مهما كانت الدوافع، وأياً كانت المقاصد، ففي الصحيح من حديث عائشة -رضي الله عنها-: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) ، وفي الصحيح من حديث جابر -رضي الله عنه- كان يخطب -عليه السلام-،فيقول: "وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ... " الحديث رواه مسلم (867) .
ولم يكن من هدي السلف الصالح تخصيص أيام معينة للصيام، أو ليال محددة للقيام عدا ما تعلّموه من نبيهم -عليه الصلاة والسلام-، وعدوه من سنة خير الأنام، ومن ذلك صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وفي ذلك أحاديث في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وعائشة وجماعة، وكذلك صيام يوم الاثنين والخميس، ويوم عرفة، والتاسع والعاشر من محرم، وغيرها مما دلت عليه السنة الصحيحة الصريحة.
وأما قيام الليالي فأصله مسنون بل مستحب استحباباً شديداً، لكن لا يشرع تخصيص ليال معينة بالقيام إلا في حدود المنصوص عليه أو الوارد من سنته -صلى الله عليه وسلم- كقيام العشر الأواخر من رمضان تحرياً لليلة القدر على سبيل المثال.(4/52)
وقد ثبت عنه –عليه الصلاة والسلام- النهي عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام أو يومها بصيام، فقال: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" أخرجه مسلم (1144) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-.
ومن هنا يتبين أن أصل التطوع بالصيام والقيام مشروع، لكن التخصيص بأيام أو ليال معينة لا يجوز إلا في حدود المنصوص عليه والوارد شرعاً.
وبناءً عليه فإن تخصيص يوم الاثنين الموافق السابع والعشرين من شهر الله المحرم بالصيام، وليلة الأحد بالقيام لنصرة فلسطين أمر محدث لا يجوز بالكيفية التي قصدت.
وبهذه المناسبة فإنني أود التذكير بما يلي:
أن النصرة الحقيقية لقضية المسلمين الشائكة مع اليهود أو مع غيرهم من أعداء الملة تتمثل في العودة الصادقة إلى الإسلام بكافة أصوله وجذوره، ونواحيه ومناحيه، والأخذ بأسباب النصر الواضحة البينة في كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم-، والبعد عن الاطروحات الفارغة، والشعارات الزائفة التي مجّتها الآذان وسئمتها النفوس.
إنّ على الأمة أن تدرك أنه لا أمل في تحقيق أدنى نصر يذكر أو الظفر بأقل تقدم ذي بال بدون العودة الجادة إلى مكمن العزة، ومنبع السؤدد والمجد، أعني الإسلام العظيم بصورته الناصعة، وصفائه الباهر، الخالي من الدخيل والمحدث.
لا بد من اليقين بأن ما أصاب الأمة من نكبات، وما ألّم بها من جراحات، وما حصل لها من تتابع المحن، وتراكم الفتن إنما هو بسبب تخليها عن دينها وعبثها بثوابتها، واستخفافها بأعز ما تملك وأثمن ما تحوز قال –جل ذكره-: "أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُصِيبةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِثْلَيْهَا قُلْتُم أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُم" [آل عمران:165] .(4/53)
إن الأمة التي ما زالت تحتضن مئات الأندية الرياضية يفخر بالانتماء إليها مئات الألوف من الشباب والكهول وغيرهم تهدر طاقاتها، وتستنزف قدراتها على مدرجات الكرة، إن أمة كهذه لا تستحق النصر، وإن بينها وبينه مفاوز تنقطع لها أعناق الإبل، وتنقصم لها ظهورها!
وإن أمة تنتشر فيها مواخير الخلاعة، ومسارح المجون، وشواطئ الفتنة والعري الفاضح لهي أمة صمّاء عمياء بكماء عن كل سبب يمكنها من الوقوف على قدميها لتواجه عدوها ولو بنظرات ساخطة وألسنة حداد، فضلاً عن مناجزة بسيف أو مطارحة بسنان!
والأمة التي ما زالت تلهث وراء أحلام السلام، وسراب الوئام، وما فتئت تثق بعهود اليهود ومواثيق النصارى لهي أمة غارقة في سبات عميق، وغفلة تامة عن مراجعة تاريخها وتصفح فلسفة عداوتها مع خنازير اليهود وعلوج النصارى لتدرك كم هي كثيرة نقاط الخلاف بينهم، وكم هي مستحيلة عملية الالتقاء بهم في طريق وسط!
لا بد أيها المسلمون أن نأخذ بذات الأسباب التي أخذ بها النبي –صلى الله عليه وسلم- في بدر، والخندق، وحنين، وأخذ بها خلفاؤه وأتباعه في القادسية، واليرموك، وعين جالوت، وحطين.
لا بد من تحقيق العبودية الخالصة لله –تعالى-، الخالية من كل شائبة، المتجردة من كل هوى، المتبرئة من كل محدث، وإليها أشار الله –جل ذكره- بقوله: "وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لهم دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِنْ بَعْد خَوفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنَي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً" الآية [النور:55] .
وحين تتحقق تلك العبودية فوق أرض الواقع مشاهدة ملموسة فساعتها ما أقرب النصر، بل ربما جاز أن نحلف عليه ولا نستثني.(4/54)
إن الطريق إلى القدس والجولان وغيرهما يبدأ من الصلوات الخمس في المساجد، وصيحات الله أكبر في ميادين الجهاد، ونبذ للأهواء المنحرفة، ودفن للآراء الشاذة، والتوجهات المشبوهة.
الطريق إلى القدس بل إلى روما يبدأ من خلال التربية الجادة، والحضانة الفاعلة لبراعم الأمة، والتوعية الصحيحة المؤثرة لكافة الطبقات الاجتماعية بأحسن أسلوب وأخصر طريق وبذات الكيفية التي جربت بنجاح مع الرعيل الأول، ولله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.
والله المسؤول أن يلهمنا صوابنا، ويحقق آمالنا، ويكبت أعداءنا إنه سميع مجيب، وهو أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه.(4/55)
العمرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 1/8/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يجوز أن أقوم بأداء العمرة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟
الجواب
لا يجوز لك ذلك؛ لأنه لم يرد في السنة، ولم يعمله الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين -، ولم يعمله أحد من السلف الصالح فيما أعلم، وينبغي أن نعلم أن كل عمرة أو عمل صالح يعمله مسلم فللنبي - صلى الله عليه وسلم - مثل أجره لأنه هو الذي دل أمته عليه فله - صلى الله عليه وسلم - مثل أجورهم في كل عمل صالح يعملونه. انظر: مسلم (1017) ، والنسائي (2554) ، وابن ماجة (203) والإمام أحمد (19156) .(4/56)
وضع جدول للنوافل
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 2/7/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نحن ستة أصدقاء، نجتمع كل 15 يوماً في بيت أحدنا على برنامج يتضمن القرآن والأربعين النووية، ومنهاج المسلم، وموعظة صاحب البيت، ورجال حول الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟ والافتتاح بالقرآن والختم بالدعاء، ومن بين برامجنا ورقة نملؤها كل شهر نسميها جدول التنافس، وتتضمن ورداً من القرآن، والصلوات الخمس في المسجد، والصيام وصلة الرحم، وعندما نواظب على ملئها تكون النتائج طيبة، وعند عدم ملئها تكون النتائج سلبية، من تفريط في تلاوة القرآن، فما حكم الشرع في هذا الجدول؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، الذي يظهر لي أن اتخاذ هذا الجدول والتنافس على فقراته بدعة، لأنه يتضمن التفاخر والإعجاب بالعمل، ويتضمن كذلك إظهار العمل الذي إخفاؤه أفضل؛ لأن إخفاء العمل من الصدقة وتلاوة القرآن أو الذكر أبعد عن الرياء، قال تعالى:"ادعوا ربكم تضرعاً وخفية" [الأعراف: 55] ، وقال:"ذكر رحمت ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفياً" [مريم: 2-3] ، وأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله "رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" انظر: البخاري (660) ، ومسلم (1031) ، فالذي ينبغي التواصي بالتزود من نوافل الطاعات، والإكثار من ذلك، وكل يعمل ما تيسر له فيما بينه وبين ربه، وبهذا يحصل التعاون على البر والتقوى، وتحصل السلامة مما يفسد العمل، أو ينقص ثوابه، والله الموفق، والهادي إلى سبيل الرشاد، والله أعلم.(4/57)
توحيد الصيام والدعاء للعراق
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 4/2/1424هـ
السؤال
تنتشر هذه الأيام رسائل على الجوال مفادها (سوف نخصص يوم الاثنين للصيام وتوحيد الدعاء عند الإفطار على أمريكا ونصرة العراق ... انشرها) ، فما حكم هذه الرسالة والعمل بها؟
الجواب
إنه من المتفق عليه بين عموم أهل السنة والجماعة أن الله -تعالى- قد أكمل للأمة دينها، وأتم عليها نعمته، ورضي لها الإسلام ديناً، فليس لأحد حق الزيادة أو الانتقاص من هذه الشريعة الوافية الكاملة.
وقد حذّر -عليه السلام- من الإحداث في الدين أو الابتداع في العبادة مهما كانت الدوافع، وأياً كانت المقاصد، ففي الصحيح من حديث عائشة -رضي الله عنها-: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) ، وفي الصحيح من حديث جابر -رضي الله عنه- كان يخطب -عليه السلام-،فيقول: "وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ... " الحديث رواه مسلم (867) .
ولم يكن من هدي السلف الصالح تخصيص أيام معينة للصيام، أو ليال محددة للقيام عدا ما تعلّموه من نبيهم -عليه الصلاة والسلام-، وعدوه من سنة خير الأنام، ومن ذلك صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وفي ذلك أحاديث في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وعائشة وجماعة، وكذلك صيام يوم الاثنين والخميس، ويوم عرفة، والتاسع والعاشر من محرم، وغيرها مما دلت عليه السنة الصحيحة الصريحة.
وأما قيام الليالي فأصله مسنون بل مستحب استحباباً شديداً، لكن لا يشرع تخصيص ليال معينة بالقيام إلا في حدود المنصوص عليه أو الوارد من سنته -صلى الله عليه وسلم- كقيام العشر الأواخر من رمضان تحرياً لليلة القدر على سبيل المثال.(4/58)
وقد ثبت عنه –عليه الصلاة والسلام- النهي عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام أو يومها بصيام، فقال: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" أخرجه مسلم (1144) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-.
ومن هنا يتبين أن أصل التطوع بالصيام والقيام مشروع، لكن التخصيص بأيام أو ليال معينة لا يجوز إلا في حدود المنصوص عليه والوارد شرعاً.
وبناءً عليه فإن تخصيص يوم بصيام وتوحيد الدعاء عند الإفطار على أمريكا ونصرة العراق أمر محدث لا يجوز بالكيفية التي قصدت.
وبهذه المناسبة فإنني أود التذكير بما يلي:
أن النصرة الحقيقية لقضية المسلمين الشائكة مع الأمريكان أو مع غيرهم من أعداء الملة تتمثل في العودة الصادقة إلى الإسلام بكافة أصوله وجذوره، ونواحيه ومناحيه، والأخذ بأسباب النصر الواضحة البينة في كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم-، والبعد عن الاطروحات الفارغة، والشعارات الزائفة التي مجّتها الآذان وسئمتها النفوس.
إنّ على الأمة أن تدرك أنه لا أمل في تحقيق أدنى نصر يذكر أو الظفر بأقل تقدم ذي بال بدون العودة الجادة إلى مكمن العزة، ومنبع السؤدد والمجد، أعني الإسلام العظيم بصورته الناصعة، وصفائه الباهر، الخالي من الدخيل والمحدث.
لا بد من اليقين بأن ما أصاب الأمة من نكبات، وما ألّم بها من جراحات، وما حصل لها من تتابع المحن، وتراكم الفتن إنما هو بسبب تخليها عن دينها وعبثها بثوابتها، واستخفافها بأعز ما تملك وأثمن ما تحوز قال –جل ذكره-: "أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُصِيبةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِثْلَيْهَا قُلْتُم أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُم" [آل عمران:165] .(4/59)
إن الأمة التي ما زالت تحتضن مئات الأندية الرياضية يفخر بالانتماء إليها مئات الألوف من الشباب والكهول وغيرهم تهدر طاقاتها، وتستنزف قدراتها على مدرجات الكرة، إن أمة كهذه لا تستحق النصر، وإن بينها وبينه مفاوز تنقطع لها أعناق الإبل، وتنقصم لها ظهورها!
وإن أمة تنتشر فيها مواخير الخلاعة، ومسارح المجون، وشواطئ الفتنة والعري الفاضح لهي أمة صمّاء عمياء بكماء عن كل سبب يمكنها من الوقوف على قدميها لتواجه عدوها ولو بنظرات ساخطة وألسنة حداد، فضلاً عن مناجزة بسيف أو مطارحة بسنان!
والأمة التي ما زالت تلهث وراء أحلام السلام، وسراب الوئام، وما فتئت تثق بعهود اليهود ومواثيق النصارى لهي أمة غارقة في سبات عميق، وغفلة تامة عن مراجعة تاريخها وتصفح فلسفة عداوتها مع خنازير اليهود وعلوج النصارى لتدرك كم هي كثيرة نقاط الخلاف بينهم، وكم هي مستحيلة عملية الالتقاء بهم في طريق وسط!
لا بد أيها المسلمون أن نأخذ بذات الأسباب التي أخذ بها النبي –صلى الله عليه وسلم- في بدر، والخندق، وحنين، وأخذ بها خلفاؤه وأتباعه في القادسية، واليرموك، وعين جالوت، وحطين.
لا بد من تحقيق العبودية الخالصة لله –تعالى-، الخالية من كل شائبة، المتجردة من كل هوى، المتبرئة من كل محدث، وإليها أشار الله –جل ذكره- بقوله: "وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لهم دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِنْ بَعْد خَوفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنَي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً" الآية [النور:55] .
وحين تتحقق تلك العبودية فوق أرض الواقع مشاهدة ملموسة فساعتها ما أقرب النصر، بل ربما جاز أن نحلف عليه ولا نستثني.(4/60)
إن صد العدوان الأمريكي واليهودي عن الأمة وسلوك الطريق إلى القدس والجولان وغيرهما يبدأ من الصلوات الخمس في المساجد، وصيحات الله أكبر في ميادين الجهاد، ونبذ للأهواء المنحرفة، ودفن للآراء الشاذة، والتوجهات المشبوهة.
الطريق إلى القدس بل إلى روما يبدأ من خلال التربية الجادة، والحضانة الفاعلة لبراعم الأمة، والتوعية الصحيحة المؤثرة لكافة الطبقات الاجتماعية بأحسن أسلوب وأخصر طريق وبذات الكيفية التي جربت بنجاح مع الرعيل الأول، ولله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.
والله المسؤول أن يلهمنا صوابنا، ويحقق آمالنا، ويكبت أعداءنا إنه سميع مجيب، وهو أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه.(4/61)
دقيقة الصمت
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 11/3/1424هـ
السؤال
ما حكم مشروعية دقيقة صمت؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فما يفعله بعض الناس من الوقوف صمتاً دقيقة، أو أكثر، حداداً على موت أحد عملٌٌٌُُُ لا يجوز؛ لأنه من شعائر الكفر، ما عرفناه إلا منهم، والتشبه بهم منكر عظيم، وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أبو داود (4031) ، من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما-، وفي الحديث الذي رواه البخاري (5892) ، ومسلم (259) ، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم قال: "خالفوا المشركين" وفي لفظ "خالفوا اليهود"، عند أبي داود (652) من حديث شداد بن أوس - رضي الله عنه- وفي لفظٍ: "خالفوا المجوس"، عند مسلم (260) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- كما أن العقل يأبى مثل هذه الأعمال التي لا ينتفع منها الحي ولا الميت، ولا تدفع بلاء، ولا ترفع مصيبة، وليس فيها أي صورة من صور الوفاء للميت.
الذي ينفع الميت هو الدعاء له والصلاة عليه، والصدقة عنه، وقضاء ديونه، بل ومنع كل مظهر من مظاهر النياحة عليه، والتي يظنها من يفعلها ضرباً من الوفاء، وصدق الحزن على فقد الميت.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(4/62)
يقيمون الليل جماعةً كل ليلة سبت
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 23/1/1425هـ
السؤال
يقوم مجموعة من الأفراد بصلاة ركعتين بعد عشاء يوم الجمعة من كل أسبوع، ويطلقون عليها صلاة القيام، وقد قمت بحضور هذه الصلاة معهم، فوجدتهم يقولون إنهم بهاتين الركعتين يذكِّرون أنفسهم والناس بقيام الليل، كما أنهم بعد الفراغ من الركعتين يكون هناك درس خفيف يكون بعده الانصراف، ولكن قيل لي من أحد أصدقائي -حيث وجدته يقاطعها-: إنها بدعة إضافية؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يصلي القيام بهذه الصورة أبداً. فهل هذه بدعة أم لا؟ هل أقاطعها، أم أحرص عليها؟ وماذا أقول لصديقي هذا لو لم تكن بدعة؟ وماذا أقول لهم لو كانت بدعة؟ . هذا وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إن خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم-، والعبادة لكي تكون صحيحة مقبولة لا بد أن تكون خالصة لوجه الله تعالى، وعلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وتخصيص ما بعد عشاء يوم الجمعة من كل أسبوع بركعتين تعبد لا دليل عليه، والقول بأن في ذلك تذكيراً للنفس وللناس بقيام الليل ليس بمبرر؛ فإن أحرص الخلق على الخلق صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل ذلك ولا صحابته - رضي الله عنهم-، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، ومعلوم أن العبادات توقيفية لا يتعبد المسلم عبادة يتقرب بها إلى الله إلا إذا كان عليها دليل، وقيام الليل قد بينه العلماء المستنيرون بنور النبوة المهتدون بهديها الواقفون عند حدودها، وبينوا صورها، وليس من بينها هذه الصورة المذكورة في السؤال، ولو كان كل من استحسن شيئاً فعله وتعبد به لكان الدين فوضى واجتهادات واستحسانات.(4/63)
المسلم مأمور أن يعبد الله كما شرع الله فقط، وكما جاء في الحديث "وكل بدعة ضلالة" رواه مسلم (867) من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً" رواه مسلم (2674) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وفق الله الجميع لاتباع السنة واجتناب البدعة. والله المستعان.(4/64)
أذكار عبر الجوال
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 29/6/1424هـ
السؤال
ما حكم هذه الرسالة من الهاتف الجوال: " قل سبحان الله وبحمده 100 مرة، وابعثها لـ 10 غيرك هي أمانة في ذمتك ".
الجواب
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، الذي يظهر لي أن مثل هذا لا ينبغي؛ لأن هذا عندي أن له شبهاً بمن جاء ذكرهم بالتعليق في عهد الصحابة، إذ كانوا يتحلقون، ويقول أحدهم: سبحوا مائة، هللوا مائة، كبروا مائة، فأنكر عليهم ابن مسعود - رضي الله عنه - وفرَّق جمعهم، وعدَّ ذلك بدعة منهم، لا موجب أن تقول: سبّح مائة، ولا أن تقول سبّح، إذا كان هناك رغبة في استغلال هذه الوسائل فيما يقرب إلى الله، فيمكن أن تتضمن الرسائل وصايا: يا أخي أوصيك بتقوى الله، يا أخي لا تغفل عن ذكر الله، ولا تقيد ذلك بقول، ولا بفعل، كما لا يليق أن تقول: قم يا أخي صِّل ركعتين، وقل للآخرين صلوا ركعتين، لا، قل: يا أخي اجتهد في أداء ما فرض الله عليك، وتزود من النوافل، وصايا تكون عامة، وأصل البدع قائمة على الاستحسان وما يساوي الاستحسان، وليس كل ما يستحسنه الإنسان بعقله يكون حسناً، وإن كان جنسه حسناً، وبعض الأمور إن لم تكن بدع كانت وسيلة إلى بدعة، أو مقربة إلى البدعة البينة، فالواجب الحذر، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله.(4/65)
ركعتي الشكر
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 26/5/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء وأشرف المرسلين.
سؤالي: لي صديقة تخصص كل يوم صلاة ركعتين شكراً لله على نعمه عليها، وهي لا تخصص لها وقتاً معيناً، وإنما مرة تصليها بعد العشاء، ومرة بعد المغرب، أو قبل صلاة الفجر، وعند السجود تحمد وتشكر الله على نعمه عليها، وتسمي بعض النعم، كنعمة الإسلام، والمال، والجمال، والصحة، والبصر، والسمع، وهكذا، فهل هذا فعل حسن ومستحب؟.والسلام عليكم، وجزاكم الله عنا كل الجزاء.
الجواب
الذي يظهر أن تخصيص ركعتين للشكر لا أصل له، ولم ترد به السنة، والأصل في العبادات التوقيف، فهي تصلي هاتين الركعتين بنية التنفل المطلق لا بنية الشكر، لأن ذلك لم يرد، والذي ورد هو سجود الشكر، "كان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا أتاه أمر يَسُرُّه خر ساجداً شكراً لله تعالى على ذلك" رواه أبو داود (2774) ، وغيره من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه- أما هذا العمل فلم يرد من السنة ما يدل عليه.(4/66)
إهداء الأعمال الصالحة للنبي - صلى الله عليه وسلم -
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 19/6/1424هـ
السؤال
هل يجوز صيام يومي الاثنين والخميس وإهداء الثواب للرسول الكريم؛ وذلك من شدة حبي له -صلى الله عليه وسلم- أم لا؟ أفيدوني وجزاكم الله خيراً.
الجواب
حبك للرسول -صلى الله عليه وسلم- قربة إلى الله تعالى، وثوابه عظيم عند الله -عز وجل- وعلى المحب المتابعة للرسول -صلى الله عليه وسلم- فحبك لله تعالى وحبك لرسوله -صلى الله عليه وسلم- يحصل بمتابعته قال-جل وعلا-:"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ... " [آل عمران: 31] ، والعبادات توقيفية، فلا يجوز أن نتقرب إلى الله تعالى إلا بما ثبت، ولم يثبت أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يهدون إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثواب شيء من أعمالهم الصالحة سوى الصلاة والسلام عليه -صلى الله عليه وسلم-، وذلك أنه ما من مسلم يعمل عملاً صالحاً إلا وللرسول -صلى الله عليه وسلم- مثل عمله ومثل ثوابه، لأنه -صلى الله عليه وسلم- هو الذي دلنا على كل خير ونهانا عن كل شر، فعليك -أخي- بحسن المتابعة، والإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واجتهد في حسن العمل، وليكن ثوابه لك، والله يثيب رسوله -صلى الله عليه وسلم- بمثل أي عمل يعمله مسلم من المسلمين ذكراً كان أو أنثى.(4/67)
التعبد بتلاوة أسماء الرسول - صلى الله عليه وسلم -
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 10/05/1425هـ
السؤال
ما رأيكم في فحوى هذه الرسالة:
"قاسم، محمود، حامد، أحمد، محمد، رشيد، حاشر، نور، فاتح، عاقب، شفيع، داع، ناصر، بشير، منير، شافي، ماحي، مهدي، هادي، هاشمي، تهامي، أمي، نبي، رسول، رحيم، رؤوف، حريص عليكم، عزيز، نصير، مرتضى، مجتبى، طه، ولي، مزمل، ياسين، مصطفى، مطيع، مصدق، متين، مدثر، صاحب، يتيم، برهان، مقتصد، عالم، منصور، ناصر، طيب، عربي، مكين، قرشي، صادق، حجازي، كريم، حكيم، عالم، أمين، حافظ، فصيح، أول، ذاكر، قيم، بيان، مختار، حبيب، هاشمي، خليل، ديان، ناصر، منتحي، بر، شهيد، معراج، شفيع، مهدي، فصيح، غني، مطهر، حميد، كتوم، مشكور، رسول، متوسط، مذكر، ظهير، إمام، خطيب، عادل، جواد.
لنقرأ هذا الدعاء ولنقل آمين من قلوبنا: يا الله أنا أحبك وأحتاج إليك، أرجو أن تكون في قلبي، أرسل هذه الرسالة إلى 17شخصاً غيرك وغيري، وستأتيك معجزة غداً ولا تتجاهلها يرحمك الله.
الجواب(4/68)
الحمد لله، هذه الرسالة صادرة إما من جاهل مُضَّلل، أو من قاصد للتضليل، فإن ما ذكر مما قيل إنها أسماء للرسول -عليه الصلاة والسلام- منها ما هو اسم له وعلم عليه مثل: محمد وهو أشهر أسمائه - صلى الله عليه وسلم-، ومن أسمائه التي ذكرت في القرآن مما جاء في الخبر عن عيسى عليه السلام، في قوله سبحانه وتعالى: "ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد" [الصف: 6] ، ومنها أسماء الأشبه أنها صفات للرسول - صلى الله عليه وسلم- وليست أعلاماً عليه، مثل الرؤوف الرحيم، ومنها ما يظنه بعض الناس اسماً وليس اسماً كطه، ولم نتعبد بإحصائها واتخاذها ذكراً في الصباح وفي المساء، وما ذكر بعد هذه الأسماء في هذه الرسالة ليس من الدعاء المشروع الذي يفضل على غيره، وتخصيصه بفضل هو من الابتداع في الدين، والحاصل أن هذه الرسالة دعوة إلى بدعة فلا يجوز نشرها، ولكن معرفة الرسول - صلى الله عليه وسلم- ومعرفة صفاته الكريمة - صلى الله عليه وسلم- هي من العلم النافع، ومما ينبغي للمسلم أن يتلقاه من القرآن ومن سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم-، ولا يحتاج إلى جمع، ولا يشرع جمع أسمائه وصفاته ثم التعبد بتلاوتها، بل هذا لم يشرع في أسماء الله، إنما يشرع من الذكر والدعاء ما أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم-، وما أثنى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- على أهله، فمن الذكر: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ومن الدعاء: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" [البقرة:201] ، ومن الذكر والدعاء ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- من الأذكار في الصباح والمساء وسائر الأحوال. والله أعلم.(4/69)
قراءة آيات بعدد معين
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 9/1/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي هو: قد طلب مني أحد الإخوة أن أسجل أشرطة بها آية الكرسي (70 مرة) ،
والآية (29) من سورة الفتح 35 مرة ... إلخ، فما الحكم الشرعي في ذلك؟.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، آية الكرسي هي أفضل آية في كتاب الله، وتشرع قراءتها في أحوال وأوقات معينة، وأما تقييد قراءتها بهذا العدد فلا أصل له فلا يشرع في حال من الأحوال قراءتها سبعين مرة، فتخصيص هذا العدد بدعة، وكذا الآية الأخيرة من سورة الفتح ليس لقراءتها في وقت من الأوقات خصوصية، إنما تختص بالمعنى الذي اشتملت عليه، وكذا تحري في قراءتها هذا العدد بدعة، بل قراءتها مرة واحدة في وقت معين أو حالة معينة لا أصل له، وهكذا تخصيص السور المذكورة، ولا ندري ما مقصود من طلب تسجيل هذه الآيات والسور حتى يتحدد الحكم عليه، وعلى كل حال لا يجوز لمن طلب منه أن يسجل هذه الآيات وهذه السور على هذا الوجه أن يسجلها؛ لأن هذا من التعاون على نشر البدع في الدين، نسأل الله أن يلهمنا رشدنا، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا إنه تعالى على كل شيء قدير. والله أعلم.(4/70)
تخصيص بعض الليالي ببعض الطاعات
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 8/11/1424هـ
السؤال
أنا من دولة سيرلانكا، هناك عادة تتبع في ليالي أيام الخميس ليلة الجمعة ما بين صلاتي المغرب والعشاء، حيث يقوم كثير من الناس بالصلاة وقراءة القرآن، ويجعلون ذلك حدثاً مهما ويواظبون عليه، والبعض يشعل عوداً من البخور لكي تعم رائحته في المكان أثناء تلاوة القرآن، وفي المساجد يحدث تجمُّع للناس بعد صلاة العشاء، ويلقي إمام المسجد خطبة عليهم، هل مثل هذا الفعل جائز أم هو بدعة
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.(4/71)
هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها العلماء، فبعضهم يرى أن الاجتماع للقراءة والذكر يراه بدعة، وبعضهم يراه أمراً مستحسناً، وكل يعتمد على بعض الأدلة، فهناك من يعتمد على قول ابن مسعود -رضي الله عنه-:"لقد أتيتم بدعة ظلماً، أو لقد فقتم أصحاب محمد علماً"، ومن يعتمد على ظاهر الحديث الصحيح الذي رواه ابن عباس -رضي الله عنهما-:"وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده" رواه مسلم (2699) ، وهو بظاهره يدل على جواز الاجتماع للقراءة وللتذاكر، وجاء عن الأوزاعي أنه سُئل عن الدراسة بعد الصبح والاجتماع بعد الصبح، وقال: إن ذلك لا بأس به، وقال: أخبرني حسان بن عطية أن أول من أحدثها هشام بن إسماعيل المخزومي في خلافة عبد الملك بن مروان فأخذ الناس بذلك، فالمسألة فيها خلاف بين العلماء، فبعضهم أنكر ذلك على هشام كمالك رحمه الله تعالى، وبعضهم قال: إن ذلك لا بأس به، وقد ذكر حرب أنه رأى أهل دمشق وأهل حمص وأهل البصرة يجتمعون على القراءة بعد صلاة الصبح، ولكن أهل الشام يقرأون القرآن كلهم جملة من سورة واحدة بأصوات عالية، وأهل البصرة وأهل مكة يجتمعون ويقرأ أحدهم عشر آيات والناس ينصتون، ثم يقرأ آخر عشر آيات حتى ينفضوا، قال حرب: وكل ذلك حسن جميل، يراجع لذلك ابن رجب الحنبلي (جامع العلوم والحكم) ، إذاً المسألة فيها خلاف بين العلماء، وبالنسبة لقضية سيرلانكا أنا أميل إلى القول بأن هذا حسن، فقد زرت تلك البلاد ووجدت فيها عبدة أصنام فلا تتجاوز مكاناً إلا وفيه صنم منصوب ونصب منصوب يعمد الناس إليه، فأن يجتمع المسلمون في وقت من الأوقات ويتذاكرون ويقرأون كتاب الله أو ليذكروا الله سبحانه وتعالى بدون أن يكون هناك أمر محرم من اختلاط أو رقص وغيره سائر المفاسد فهذا حسن، وينبغي ألا يضيق عليهم.(4/72)
شبهة في تشريع البدعة
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 18/08/1425هـ
السؤال
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
كثير من الناس ممن يبالغون في التعبد لله من خلال عبادات مخترعة يستندون إلى أدلة، منها قول ذلك الصحابي، رضي الله عنه، خلف النبي في الصلاة بعد الرفع من الركوع: ربنا ولك الحمد. فهو قد اخترع هذا الذكر من تلقاء نفسه. الثاني: بلال، رضي الله عنه- عندما كان يتوضأ يصلي ركعتين أيضًا من تلقاء نفسه، وغير هذه الأمثلة التي تقر مثل هذا الابتداع. أرجو ذكر رد علمي مقنع يقطع حججهم، وجزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده، وبعد:
فإنه لا يصح الاحتجاج بمثل هذه الأحاديث لتبرير الابتداع في الدين بما لم يأذن به الله تعالى؛ وذلك لما يلي:(4/73)
أولاً: أنه باستقراء هذه الأحاديث وما جاء في معناها، نجد أن ما اشتملت عليه من عبادة قد وقع في دائرة المشروع، فمثلاً قول الصحابي، رضي الله عنه، عقب رفعه من الركوع: ( ... حمدًا كثيرًا طيبًا) . أخرجه البخاري (799) . هو في معنى الحمد المأثور في هذا المحل، ولذا قال الشوكاني– رحمه الله- في نيل الأوطار (2/371) تعليقًا على هذا الحديث: (استدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور) ا. هـ، وكذا ما التزمه بلال، رضي الله عنه- من صلاة ركعتين بعد كل وضوء. انظر صحيح البخاري (1149) وصحيح مسلم (2458) . فإنه جاء وفق المشروع، وهذا ما أشار إليه ابن التين فيما حكاه عنه الحافظ ابن حجر- رحمه الله- في الفتح (3/34) حيث قال تعليقًا على هذا الحديث: ( ... إنما اعتقد بلال، رضي الله عنه، ذلك؛ لأنه علم من النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة أفضل الأعمال، وأن عمل السر أفضل من الجهر ... ) ا. هـ.(4/74)
ثانيًا: أن ما وقع من تلك الأخبار كان في العهد النبوي وفي زمن التشريع، وما يمكن أن يقع من مخالفة شرعية، فإنه لا يقر عليها المخالف، ولهذا اعتبر أهل العلم هذه الأعمال التي أقرها النبي صلى الله عليه وسلم، كسنة الوضوء، وكصيغة التحميد، اعتبروها من السنن المرغَّب فيها؛ بدليل الإقرار- وهو أحد أدلة السنة-بل وبما رتبه النبي صلى الله عليه وسلم، على بعضها من ثواب، كما في حديث بلال، رضي الله عنه، وكما في قصة التحميد، وأنه صلى الله عليه وسلم قد رأى بضعا وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يرفعها، وهذا بخلاف ما يقع من اجتهاد في العبادة بعد عصر التشريع وبعد إكمال الدين؛ فإنه لا يمكن أن يكون عبادة إلا إذا كان وفق السنة، ويشهد لدليل الإقرار هذا حديث جابر، رضي الله عنه، الوارد في صحيح مسلم (1218) قال: (فَأَهَلَّ- يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم- بالتلبية: لبيك اللهم لبيك ... وأهلَّ الناس بهذا الذي يهلون به- يعني بقولهم: لبيك وسعديك ... فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليهم شيئًا منه، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم- تلبيته ... ) ا. هـ، والشاهد هنا: أنهم زادوا على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقرهم على هذه الزيادة، وهذا ممكن في عصر التشريع، لا بعده، ومع هذا، فقد كره مالك والشافعي- في أحد قوليه- هذه الزيادة، وذهب الجمهور إلى الجواز، لهذا الحديث، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح (3/410) .(4/75)
ثالثًا: أنه قد جاء في بعض هذه الأحاديث المشار إليها ما يدل على إنكار الصحابة، رضي الله عنهم، بعض أعمال القرب التي توحي أنها مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأن فيها زيادة على ما جاء به الشارع، كما دل على ذلك حديث عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- بعث رجلاً على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ "قل هو الله أحد"، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم- يعني: كالمنكرين لهذا الصنيع- فقال صلى الله عليه وسلم: "سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ ". وهذا التساؤل يحمل نوعًا من الاستنكار أيضًا - فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن عز وجل، فأنا أحب أن أقرأ بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّهُ". انظر صحيح البخاري (7375) وصحيح مسلم (813) . وهنا أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الصحابي، رضي الله عنه، على هذا الفعل، فأصبح تكرار القراءة لهذا الغرض جائزًا أو مشروعًا عند بعض أهل العلم؛ لهذا الحديث.
وبكل حال، فإنه لا ينبغي للعامة أن تستند إلى مثل هذه الأحاديث التي ربما أشكلت على بعض أهل العلم، فضلاً عن العامة، وتدع الأحاديث المحكمة التي دلت صراحة على تحريم البدعة، ومنها حديث عائشة، رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أحْدَث في أَمْرِنَا هذا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ". أخرجه البخاري (2697) ومسلم (1718) . وحديث: "كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ". أخرجه مسلم (867) . ونحوهما، فكيف يعدل عن الصريح والمحكم إلى المتشابه؟! والله تعالى أعلم.(4/76)
البدعة الحسنة!!!
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 24/10/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
بالنسبة لموضوع البدعة الحسنة وجوازها، ليس عندي ما أرد به على من يجيز البدعة الحسنة ويحتجون في ذلك برفع الأذان مرتين قبل صلاة الجمعة، فمن المعلوم أن أول من شرع ذلك عثمان رضي الله عنه، وكذلك الرد على من يقول بأن الصلاة التي نصليها الآن بدعة، ويدعون أن الصلاة التي نؤديها الآن تشبه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس على هيئتها الحالية. فالصلاة على هيئتها الحالية لم تظهر إلا في وقت الأئمة الأربعة.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(4/77)
ليس في الدين بدعة حسنة؛ لأن لفظ البدعة يدل على إحداث شيء في الدين ليس منه، ولكن في الدين سنة حسنة- كما ورد في صحيح مسلم (1017) ، عن جرير بن عبد الله قال: ثم جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- عليهم الصوف، فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة، فحثَّ على الصدقة، فأبطؤوا عنه حتى رؤى ذلك في وجهه، قال: ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصرَّة من ورق، ثم جاء آخر، ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنةً فَعُمِل بها بعدَه كُتِب له مِثْلُ أَجْرِ مَن عَمِل بها، ولا يَنْقُصُ مِن أُجُورِهم شَيْءٌ، ومَن سَنّ في الإسلامِ سُنَّةً سَيِّئةً فعُمِل بها بعدَه كُتِب عَلَيه مِثْلُ وِزْرِ مَن عَمِل بها، ولا يَنْقُصُ مِن أَوْزارِهِم شَيْءٌ". وهذا يدل على أن من سن أو بدأ بفعل موافق للشرع فهو من السنة الحسنة، وليس هذا بدعة، والبدعة لا تكون حسنة؛ لأنها العمل المخالف للشرع، ولم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، أو من سار على سنته، كالاحتفال بالمولد، أو بليلة الإسراء والمعراج، وغير ذلك من البدع التي أحدثت.
وأما الصلاة التي يصليها أهل الإسلام الذين يقتدون فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم، عملاً بقوله: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُموني أُصَلِّي". أخرجه البخاري (631) . فليست بدعة، ولكن أخذها الصحابة، رضي الله عنهم، مِن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك مَن بعدهم أخذوها من الصحابة، رضي الله عنهم، والأئمة الأربعة أخذوها عن التابعين وغيرهم من أهل العلم والفضل. والله الهادي إلى سواء السبيل.(4/78)
هل هذه الطريقة مشروعة في صلاة النوافل؟!
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/البدع المتعلقة بالعبادات
التاريخ 01/05/1427هـ
السؤال
أنا عند كل صلاة أصلي ركعتين رحمة لوالدتي وركعتين لله، وركعتين شكرا لله، وركعتين استغفار، وأيضاً عند كل صلاة فجر وعشاء ركعتين استخارة بنية توجيهي إلى الخير في اليوم والليلة؛ فهل يصح هذا، أم لا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(4/79)
فالصلاة المفروضة عمود الدين، وصلاة النافلة من أعظم العبادات، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" صحيح البخاري (631) وتعلم التابعون الصلاة من الصحابة، وتعلم مَنْ بَعْدَهُمْ من التابعي، ن وهكذا إلى اليوم، فلابد لك من أن تجلس مع عالم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم فتتعلم منه متى كان يصلي، وكيف يصلي، فأنت في كل صلاة تصلي قبل الفجر بعد الأذان ركعتين سنة الفجر، ثم إذا صليت الفجر فلا صلاة حتى ترتفع الشمس قدر رمح، ثم لك أن تصلي، وأفضل الصلاة بعد طلوع الشمس صلاة الضحى ركعتين، أو أربعاً، ثم إذا كانت الشمس في وسط السماء فلا تصلِّ حتى تزول الشمس، ثم صل قبل الظهر بعد الأذان أربعاً ركعتين ركعتين، ثم إذا صليت الظهر فصل ركعتين بعدها، ثم إذا صليت العصر فلا تصلِّ حتى تغرب الشمس وتصلي المغرب، ثم تصلي ركعتين بعدها، وإذا صليت العشاء فصل ركعتين سنة العشاء، ثم صل الوتر ركعتين ثم ركعة، وإن أردت أن تزيد فزد، وهذه الصلوات والسنن لا تجعل منها لأمك ولا غيرها ولا الشكر ولا الاستغفار ولا الاستخارة، فإن صلواتك كلها فرائضها وسننها هي من شكر الله، وهي دعاء، واستغفار، وأما الاستخارة فهي صلاة عندما تريد فعل أمر مهم جدًّا أنت فيه محتار بين الفعل والترك، فأنت محتاج إلى تعلم الصلاة ممن هو طالب علم، عالم بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى تكون أفعالك، وصلاتك على الوجه الصحيح. والله الموفق.(4/80)
قول (حرماً) ، و (تقبّل الله) بعد الصلوات
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 7/7/1422
السؤال
ما حكم قول الشخص لأخيه بعد الصلاة (حرماً) أو (تقبل الله) وأحياناً تقال قبل الصلاة مثل: (حرماً مقدماً) أو (تقبل الله مقدماً) والله يجزاكم كل خير.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ومساك الله بالخيرات وأعطاك من العافية ألوفاً.
أما كلمة (حرماً) التي تقال بعد الصلاة، فإنها منتشرة في بعض البلدان البعيدة كمصر، والمغرب، والشام، فأهل تلك البلاد في تشوّق وحنين إلى زيارة بلد الله الحرام، فإذا صلوا في مساجدهم أقبل بعضهم إلى بعض قائلاً: (حرماً) أي: أدعو الله أن تصلي مثل هذه الصلاة في الحرم.
فيجيبه الآخر: (جمعاً) أي: وأنا أدعو الله لي ولك جميعاً. وأنت عليم بمشقة الوصول إلى الحرم بالنسبة لأهل تلك البلاد -خصوصاً في السابق- فكانت هذه الدعوة عندهم منبعثة من الشوق واللهفة لزيارة الحرم.
وأما حكم قولها بعد الصلاة، فلا بأس به إذا كان على سبيل الاتفاق من غير أن يلازمه التزام ومواظبة، أو اعتقاد أن ذلك من السنن المرتبطة بأداء الصلاة.
أما التزامها بعد الصلوات كما هو الحال في بعض البلدان الإسلامية، بحيث أن المصلين بمجرد السلام من الصلاة يصافح بعضهم بعضاً قائلين: (حرماً، جمعاً) ، فلا شك أن هذا الفعل على هذا النحو من البدع المحدثة، وانظر (معجم المناهي اللفظية) للشيخ بكر أبو زيد (229) . وينبغي لمن حصل معه ذلك أن ينبه صاحبه بالرفق واللين إلى الأذكار المشروعة بعد الصلوات، والتي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إليها، وليس أفضل ولا أزكى من الأذكار النبوية التي دلّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم أمته لتقال أدبار الصلوات، ومنها:(4/81)
قول (استغفر الله، أستغفر الله، استغفر الله)
(اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام)
(لاإله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)
(لاحول ولا قوة إلا بالله)
(لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن)
(لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون)
(اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ)
(سبحان الله (33) والحمد لله (33) والله أكبر (33))
وفقك الله وسدّدك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(4/82)
طلب الدعاء عبر رسائل الجوال
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 5/2/1424هـ
السؤال
يقوم بعض الإخوة وخاصة عند النوازل -كما هو حادث الآن للعراق- بإرسال رسائل عن طريق الجوال يحث بعضهم البعض، الدعاء للمسلمين، ويحمله أمانة نشرها لغيره من إخوانه، ويكون أحيانا نص الرسالة كما يلي: (سنوحد الدعاء على أمريكا هذه الليلة في قيام الليل أرسلها لخمسة آخرين أمانة في عنقك) ، فهل من مخالفة شرعية في ذلك؟ أرجو الإفتاء عاجلا وجزاكم الله خيراً؛ لأن بعض الإخوة يقول إن هذا بدعة وشرك.
الجواب
أولاً: إرسال مثل هذا للتعاون والتذكير بالدعاء يظهر أنه لا بأس به؛ لأن هذا من التذكير بالدعاء لإخوانه المسلمين، وهو من باب نصرتهم.
لكن المحذور في هذا أن بعض الناس يوقع الآخرين في حرج، بأن يقول أسألك بالله أن ترسلها، أو يقول: أمانة أن ترسلها وغير ذلك، فالأحسن إذا ذكّر إخوانه بعبادة أو بنحو ذلك، ألا يأتي بمثل هذه الألفاظ.(4/83)
دعاء سورة "يس"
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 16/12/1423هـ
السؤال
كانت زميلة لي في العمل تقوم بأداء العمرة وأثناء الطواف تعرفت على سيدة تقوم بالخدمة في ركن حجر إسماعيل بجوار الكعبة تدعى الهاشمية فأعطت زميلتي دعاء مأثوراً يسمى دعاء سورة يس وقالت إنه مستجاب وأوصتها بأنها لا تعطيه لأي شخص.
وتريد زميلتي أن تنفع به الناس ولكنها خائفة لأن السيدة الهاشمية قد أوصتها بعدم الإباحة به لأحد.
وزميلتي حائرة ماذا تفعل؟ هل تنفع به الناس؟ أم تعمل بالوصية؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فما ذكرته السائلة من الدعاء المسمى دعاء سورة يس وأنه دعاء مستجاب هذا الدعاء لا نعلم له أصلاً، ومن العجب أن توصي هذه المرأة بأن لا يُعطى لأحد مع دعواها بأنه دعاء مستجاب، فأين النصح وسلامة القصد في هذا.
والذي ننصح لك به هو عدم الدعاء بهذا الدعاء ولا أن تعطيه أحداً، وفيما ثبت وقام الدليل على مشروعيته من الأدعية والأذكار غُنية عن هذا، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(4/84)
هذه الرسالة كذب وضلال
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 25/10/1422
السؤال
وصلتني اليوم هذه الرسالة فأفيدونا بشرعيتها - جزاكم الله خيراً-، باسمه - تعالى - قال - تعالى -:" بل الله فاعبد وكن من الشاكرين " [الزمر: 66] ، " فالذين ءامنوا به واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون " [الأعراف: 157] ، " لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخر لا تبديل لكلمات الله ذلك الفوز العظيم " [يونس: 64] ، " يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " [إبراهيم: 27] .
تم إرسال هذه الآيات لتكون مجلبة الخير والفلاح، وقد تم توزيعها بدول العالم تسع مرات، وستجلب لك الخير والفلاح بعد (4) أيام بإذن من وصولها إليك، وليس الأمر بدعة وكذباً، أو اتخاذاً بالآيات الكريمة هراء، بل سترى ما يصلك خلال (4) أيام في البريد، فعليك أن ترسل هذه النسخة من الرسالة لمن هو بحاجة إلى الخير والفلاح، وإياك أن ترسل نقوداً، وإياك أن تحتفظ بهذه الرسالة، بل يجب أن تتخلص منها بعد (66) ساعة من قراءتك لها، سبق أن وصلت هذه الرسالة إلى أحد رجال الأعمال فوزعها فجاءت أخبار صفقة تجارية بسبعين دينار كويتي زيادة كما يتوقعه، ووصلت إلى أحد الأطباء فأهملها فلقي مصرعه بحادث سيارة أدت إلى تشويهه بالكامل أصبح جثة هامدة؛ لأنه كبّر على خالقه وأبى توزيع الرسالة، فوجئ أحد المقاولين عندما قرأ الرسالة، وقام بتوزيع مئة وخمسين ألف دينار بحريني؛ لأنه تمهل في توزيعها فتوفي ابنه الأكبر بحادث.(4/85)
يرجى إرسال عدد (35) رسالة، فاستبشر بما يصلك في اليوم الرابع، وحيث إن هذه الرسالة مهمة الطواف حول العالم كله يجب توزيعها (35) نسخة مطابقة إلى أصدقائك ومعارفك وأقربائك، وبعد أيام ستفاجأ بالنتيجة الطيبة، والله الموفق.
الجواب
السؤال الذي فيه ثلاث آيات، ويزعم الذي كتبها أن من كتبها ووزعها فإنه يصل إليه خير، ومن لم يفعل فإنه يحصل له شر ... إلخ.
أولاً: الآية الثانية المنقولة من سورة الأعراف " 157" قد أسقط منها كلمتين، وهما: " وعزروه ونصروه".
فالآية الموزعة لفظها: " فالذين آمنوا به واتبعوا النور ... " والصحيح: " فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتبعوا ... " الآية [الأعراف: 157] .
فكاتب الآية: إما أنه تعمد نشرها ناقصة؛ ليطعن في كتاب الله - عز وجل- قاصداً أنه غير محفوظ، ويأبي الله إلا أن يحفظ كتابه.
وإما أنه جاهل.
ثانياً: ما ورد في الرسالة من الحث على توزيعها، وما يحصل من الخير ... إلخ، فهذا كذب وافتراء، ولا علاقة لدين الله - عز وجل- بهذا الدجل، وينبغي للمسلم أن يكذب كل دعاية من هذا القبيل، ونتحدى كاتبها أن يفصح عن اسمه ويثبت دعواه، والله الحافظ والهادي إلى سواء السبيل. أ. هـ.(4/86)
الأذكار عبر الجوال!
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 28/10/1422
السؤال
ما حكم هذه الرسالة من الهاتف الجوال: " قل سبحان الله وبحمده 100 مرة، وابعثها لـ 10 غيرك هي أمانة في ذمتك ".
الجواب
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، الذي يظهر لي أن مثل هذا لا ينبغي؛ لأن له شبهاً بمن جاء ذكرهم في عهد الصحابة إذ كانوا يتحلقون، ويقول أحدهم: سبحوا مائة، هللوا مائة، كبروا مائة، فأنكر عليهم ابن مسعود - رضي الله عنه - وفرق جمعهم، وعدَّ ذلك بدعة منهم، انظر ما رواه الدارمي (210) فلا موجب لأن تقول: سبّح مائة، وإذا كان هناك رغبة في استغلال هذه الوسائل فيما يقرب إلى الله، فيمكن أن تتضمن الرسائل وصايا مثل: يا أخي أوصيك بتقوى الله، يا أخي لا تغفل عن ذكر الله، ولا تقيد ذلك بقول، ولا بفعل، كما لا يليق أن تقول: قم يا أخي صلَّ ركعتين، وقل للآخرين صلوا ركعتين، ولكن تقول: يا أخي اجتهد في أداء ما فرض الله عليك، وتزود من النوافل، ونحو ذلك من الوصايا العامة، وأصل البدع قائمة على الاستحسان، وليس كل ما يستحسنه الإنسان بعقله يكون حسناً، وإن كان جنسه حسناً، وبعض الأمور إن لم تكن بدعاً كانت وسيلة إلى بدعة، أو مقربة إلى البدعة البينة، فالواجب الحذر، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله.(4/87)
تخصيص يوم للدعاء للمجاهدين
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 17/05/1425هـ
السؤال
كلنا يعرف الأحداث التي وقعت على إخوان لنا في أرض الجهاد، وكما هو معلوم فإن الدعاء هو السلاح الحقيقي والذي يحتاجه المسلم ممن لا يستطيع الجهاد، فما حكم من خصص يوماً واحداً مثل يوم الاثنين (كما هو معروف بفضله) وخصصه للدعاء للإخوة المجاهدين؛ لأن الصائم يعف نفسه عن الزلل وغيره، ويخصص هذا اليوم بالدعاء؟
الجواب
الدعاء للمسلمين عامة، ولمن نزل بهم بلاء خاصة مطلوب من كل مسلم أن يدعو لإخوانه وهو مأجور - إن شاء الله - على ذلك، ولكن تخصيص يوم بعينه خلاف السنة، والسنة أن يدعو كل يوم حتى يرتفع البلاء، ولا بأس بتخصيص إحدى الصلوات في اليوم لذلك، ومنها يوم الاثنين فإن موافقة السنة أدعى للقبول.
نسأل الله - عز وجل - أن يرفع عن الأمة ما حل بها، وأن يرزقنا الفهم الصحيح لدينه إنه سميع مجيب.(4/88)
العلماء الذين صنفوا البدع
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 22/4/1423
السؤال
من العلماء الذين قرروا أن كل شيء كان سببه موجوداً في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يأت به النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو بدعة؟ وهل خالفهم أحد من السلف أو الخلف؟ أرجو التفصيل في المسألة مع الاعتناء -إن أمكن- بأسماء العلماء، حيث إني سأطرح موضوع البدعة في مسجدنا هنا في أمريكا، وأتوقع الكثير من الاعتراض من الحاضرين، حيث إنهم يعملون بعض البدع التي توارثوها، مثل: التجمع في المسجد، وقراءة كل شخص لجزء من القرآن عندما يكون هناك مريض، ويريدون بهذه القراءة طلب الشفاء له من الله، وعندما اعترض عليهم أحد الإخوة وجد هناك استهجاناً منهم، وبعد ذلك اليوم بعدة ليال مرض شخص آخر واجتمعوا مرة أخرى. عذراً شيخنا على الإطالة، ولكن أردت أن أحيطكم علماً بالتفاصيل لترى مدى صعوبة الوضع، فأرجو أن تولي اهتماماً للموضوع كما عهدنا فضيلتكم، ودمتم بألف عافية.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأقول، وبالله التوفيق:
أولاً: تعريف البدعة هي: ما فعل أو ترك بقصد القربة إلى الله -تعالى- وليس له أصل في الدين.
ثانياً: من الأصول المقررة عند أهل العلم أن الأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على الأمر، والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم.
انظر: (إعلام الموقعين) لابن القيم (1/344) ، و (فتاوى ابن تيمية 1/80-334) ، (22/510) ، و (اقتضاء الصراط المستقيم) لابن تيمية (2/579) .(4/89)
ثالثاً: إن السنة كما أنها تكون بفعله -صلى الله عليه وسلم- وتقريره، فإنها تكون بسكوته كذلك، وهذا ما يسمى بالسنة التركية، وهي: أن يسكت الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الفعل غير الجبلي مع قيام المقتضي وعدم المانع، فسكوته -عليه الصلاة والسلام- هو المعتبر، وكذلك تركه للأمر بشرط ألا يكون الأمر المتروك أو المسكوت عنه جبلياً، فإن ترك الفعل الجبلي لا يعد سنة تركية، وبشرط أن يكون المقتضي للفعل موجوداً، والمانع مفقوداً، وهذا يتصور في كل أمر عبادي يراد به القربة لله -تعالى-، فإن تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يعمل به فإن ذلك دليل على أن تركه هو السنة وفعله هو البدعة؛ لأن المقتضي موجود في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو التقرب من الله، أو الاستشفاء بالقرآن على طريقة قراءة أجزاء من القرآن -كما جاء في السؤال-، والوقت في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت التشريع، والنبي -صلى الله عليه وسلم- معصوم من الكتمان، فتركه -صلى الله عليه وسلم- مع وجود كل هذه المقتضيات، وانتفاء الموانع دليل على أن المشروع هو الترك.
وبناء على ما سبق يتضح أن ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- للفعل مع وجود الداعي إليه وانتفاء المانع منه يعد قسماً من أقسام السنة؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- مشرع، ولا يجوز أن يترك ما شرعه الله؛ لأن ذلك يعد تقصيراً في البيان، وتأخيراً له عن وقت الحاجة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- معصوم من هذا، وعلى هذا فلا بد أن يكون لسكوت النبي -صلى الله عليه وسلم- دلالة ولتركه معنى، وهو أنه لا زيادة ولا نقصان على ما صدر منه، وأن السنة ترك ما تركه -عليه الصلاة والسلام-، ويشترط -أيضاً- لاعتبار الترك سنة مواظبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الترك.(4/90)
انظر (الموافقات) للشاطبي (1/161) ، (4/58) ، و (إرشاد الفحول) للشوكاني (42) ، و (السنن والمبتدعات 15) ، و (الإبداع) لعلي محفوظ (34-51) ، و (الاعتصام) للشاطبي (1/360) ، (2/135) ، و (المستصفى) للغزالي (2/223) ، و (القواعد النورانية) لابن تيمية (102) .
ولا أعلم لهذه القاعدة مخالفاً يعتد بقوله من أهل السنة، اللهم إلا في بعض تفصيلاتها.
رابعاً: يشكر الأخ على غيرته على الدين وحرصه على سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وأوصيه مع ذلك بحسن الأدب مع المخالفين، وحسن التلطف معهم، والإنكار بلا غلظة، والتغيير بغير شدة، وإبداء النصح من غير جدال، والبعد عن أسباب التفرق ودواعي البغضاء، فإن العادات متأصلة، وعسير اقتلاعها إلا لمن وفق للمعالجة باللين والمحبة والتودد، ودلالة الناس على البديل الصالح النافع، وهي الرقية الشرعية، والدعاء للمريض، وبذل الأسباب الحسية، وغير ذلك من المشروع أو المباح.(4/91)
ختم الدعاء بالفاتحة
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 14/5/1423
السؤال
رأيت في إحدى القنوات الفضائية شيخاً فاضلاً تكلم كلاماً جميلاً اقشعرت منه جلود السامعين، وذلك في محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولكني رأيت في ختام محاضرته أن دعا إلى قراءة الفاتحة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، والصحابة -رضوان الله عليهم-، فهل هذا جائز، أو ورد عن السلف رحمهم الله هذا؟
الجواب
قراءة الفاتحة عند ختم الدعاء بدعة لا أصل لها من كتاب، ولا سنة، ولا من فعل الصحابة، ولا من تبعهم بإحسان، فلا يجوز تحري ذلك، فإن تخصيص الذكر أو القراءة في وقت، أو حال، أو مكان لا يجوز إلا بدليل، وقراءة الفاتحة أوجبها الله في الصلاة، وهي رقية يرقى بها المريض، وتلاوتها عبادة كسائر سور القرآن، بل إنها أفضل سور القرآن، ولا أذكر موضعاً يشرع فيه قراءة الفاتحة على وجه الخصوص إلا ما ذكر، ويكفي دلالة على عظم شأن الفاتحة أن الله افترض قراءتها في كل ركعة، فالمسلم يقرؤها سبع عشرة مرة في صلاة الفريضة، ويقرؤها في سائر النوافل في كل ركعة، إذ لا تصح صلاة لا فرض، ولا نفل إلا بقراءتها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" البخاري (756) ومسلم (394) ، والله أعلم.(4/92)
دعاء رد الضالة
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 25/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ: أستفتيكم في أمر دعاء الضالة الذي تعلمته من والدي وهو كالآتي:
بسم الله وبالله ومن الله وعلى الله يا على العرش استوى يا خالق الطير في الهوى يا راد الفوت بعد الفوت يا محيي الأرض بعد الموت يا راد عيسى على أمه يا راد موسى على قومه اردد لي ضال فلان بن فلانة أسرع من البرق الخاطف والريح العاصف الأرض تقلعها والسماء تظلها، الأرض بها ترجف، والسماء بها تقذف، أين ما تكون يأتي بها الله إن الله على كل شيء قدير، العاجلة العاجلة الوحي الوحي الساعة الساعة وما أمر الساعة إلا كلمح البصر إن الله على كل شيء قدير. لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون.
هذا هو نص الدعاء فما رأي فضيلتكم في هذا الدعاء هل هو من الرقى الحلال أم لا؟ وإذا كانت لا فما الضرر فيها؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب(4/93)
الحمد لله، هذا دعاء مبتدع وهو مشتمل على حق وباطل وعلى ما لا معنى له فلا يجوز الدعاء بهذه الصيغة لاشتماله على الباطل وعلى ما لا معنى له وما لا مناسبة له، فأما قوله: بسم الله وبالله ومن الله وعلى الله، فقوله: بسم الله وبالله ذكر معروف وظاهر المعنى، وأما قوله: ومن الله وعلى الله فهو حق إذا ذُكر متعلق الجار والمجرور من الله وعلى الله فالواجب أن يقول: أرجو من الله وأتوكل على الله، وأما بهذه الصيغة فلا يظهر له معنى، وقوله: يا على العرش استوى أيضاً تركيب غير مستقيم فكان الواجب أن يقول: يا من على العرش استوى، أما بهذه الصيغة فليس بصحيح فالله تعالى هو الذي على العرش استوى كما قال تعالى:"الرحمن على العرش استوى" [طه: 5] وقوله: يا خالق الطير في الهوى يا راد الفوت بعد الفوت يا محيي الأرض بعد الموت لا معنى لهذا التقييد خالق الطير في الهوى وفي الأرض وخالق كل شيء فلا معنى لتخصيص الطير، وراد الفوت بعد الفوت يغني عن ذلك يا من هو على كل شيء قدير ويا محيي الأرض بعد الموت وهذا حق هو الذي يحيي الأرض بعد موتها كما أخبر بذلك في كتابه، وقوله: راد عيسى على أمه وراد موسى على قومه، عيسى -عليه السلام- لم يغب عن أمه ولم يضع فهو كلام يدل على معنى لا أصل له فلو أنه قال: يا راد يوسف على والده يعقوب لكان لهذا أصل، وكذلك موسى -عليه السلام- لم يكن في غيبته عن قومه لميعاد ربه تائهاً ولا ضائعاً حتى يقال: وراد موسى على قومه فهذا يوهم أن موسى قد ضل عن قومه وهذا باطل، وقوله: اردد لي ضال فلان بن فلانة نسبة معين إلى أمه أيضاً خلاف المشروع، فالمشروع نسبة الناس إلى آبائهم، وقوله: أسرع من البرق ... إلخ، هذا تحكم في دعاء الله وتعدٍ في الدعاء، وما بعد ذلك من الكلمات ألفاظ مبتدعة تشتمل على تحكم وعدوان في الدعاء، وبهذا يُعلم أنه لا يجوز الدعاء بهذا الذي تعلمته من والدك، والله أعلم.(4/94)
الدعاء (اللهم ارحمنا بأسرار الفاتحة)
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 25/12/1422
السؤال
ما حكم صيغة هذا الدعاء: (اللهم بأسرار الفاتحة ارحمنا أو فرج عنا) ؟
الجواب
الحمد لله، هذا الدعاء بدعة لا أصل له، وليس له نظير في الأدعية المأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح، فالواجب التوسل بما جعله الله وسيلة من الأسماء والصفات كأن تقول: اللهم برحمتك أستجير، وبرحمتك أستغيث، وتقول: يا أرحم الراحمين ارحمنا، وتقول: اللهم فرّج عنا يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، قال الله - تعالى-:" ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" [الأعراف:180] فهذا الدعاء المسؤول عنه من الأدعية البدعية التي يخترعها بعض الناس ويعجبون بها، وهذا من تسويل الشيطان، فالخير كله في الاتباع والشر كله في الابتداع.(4/95)
الدعاء الجماعي
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 12/10/1423
السؤال
ما حكم الدعاء الجماعي بعد الصلاة؟
الجواب
هذا عمل بدعي لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا صحابته - رضوان الله عليهم - ولا التابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" البخاري (2697) ، ومسلم (1718) ، وقال أيضاً: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم في صحيحه (1718) عن عائشة -رضي الله عنها-، والواجب عليك بعد انتهاء الصلاة قراءة الأذكار المشروعة على انفراد، ومنها قول: أستغفر الله (ثلاثاً) مسلم (591) ، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام كما في مسلم (591) ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (ثلاث مرات) البخاري (6473) ومسلم (593) ، سبحان الله والحمد لله والله أكبر (ثلاثاً وثلاثين) البخاري (843) ومسلم (595) ، ثم بعدهما تقول: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مسلم (597) ، وقراءة آية الكرسي والمعوذات انظر الأحاديث الصحيحة للألباني (2/698) والأحاديث في الأوراد بعد الصلاة كثيرة.(4/96)
دعاء العزاء في المسجد
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 10/10/1423هـ
السؤال
هل يجوز قراءة دعاء العزاء للميت في المسجد إذا كان المتوفى قد مات في بلد آخر ودفن به؟ علماً أن الدعوة لأخذ العزاء لأهل الميت فقط من عامة من يحضرون الصلاة في المسجد وقت قراءة الدعوة؟
الجواب
الحمد لله، هذا السؤال مبني على عادة أو بدعة وهي ما سماه السائل دعاء العزاء، فليس للعزاء دعاء مخصوص، نعم يشرع الدعاء لكل من مات من المسلمين عند موته وبعد موته وفي الصلاة عليه، ويدعى للمصاب عند مقابلته تسلية وتصبيراً له على مصيبته، مثل أن يقال له: أحسن الله عزاءك، وجبر مصيبتك، ورحم ميتك، وما أشبه ذلك، وعلى هذا فلا يجوز قراءة هذا الدعاء المخصوص في المسجد ولا في أي مجتمع آخر؛ لأنه كما ذكرتُ لا أصل له، وسواء كان الميت حاضراً في البلد أو في بلد آخر فإنه يُصلى عليه في البلد التي مات فيها، وأما الصلاة عليه غائباً فهذا محل خلاف كبير بين أهل العلم، والذي عليه عمل المسلمين أنهم لا يصلون على كل ميت غائب، لكن باب الدعاء واسع، فيدعو المسلم لأخيه بظهر الغيب حياً وميتاً، فإذا علم بموته دعا له وترحم عليه بما يحسنه من الدعاء، مثل أن يقول: اللهم اغفر له وارحمه، اللهم أدخله الجنة وأعذه من عذاب في النار وعذاب في القبر، نحو ما ورد من الدعاء في صلاة الجنازة، والله أعلم.(4/97)
الدعاء بجاه الله
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 3/3/1423
السؤال
ما حكم دعاء الله بقولنا: "إلهي أنت جاهي"؟
الجواب
هذا دعاء مبتدع لا يجوز فليس الله جاهاً لأحد، وجاه الإنسان هو ماله من المنزلة عند الله أو عند المخلوقين، وأما الله -جل وعلا- فليس جاهاً لأحد، وهذا الدعاء مبتدع إنما يصدر من جاهل لا يعرف دلالات الكلام.
فالواجب تجنب مثل هذا، قل يا الله أنت إلهي وأنت ربي لا إله غيرك أنت الحي القيوم، يا ذا الجلال والإكرام قال -جل وعز-: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" [الأعراف:180] ، والله أعلم.(4/98)
سؤال الله بجاهه الكريم
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 17/6/1423هـ
السؤال
ما حكم قول الرجل في الدعاء: (اللهم إني أسألك باسمك الأعظم وجاهك الكريم) ؟
الجواب
أما السؤال باسم الله الأعظم هذا حق، لكن ينبغي أن يذكره إذا كان يعرف شيئاً مما ورد أنه اسم الله الأعظم، فيقول ويأتي به صريحاً، وقد قيل: إن اسم الله الأعظم الحي القيوم، فالحاصل أن التوسل إلى الله باسمه الحي القيوم، أو باسمه ذو الجلال والإكرام، أو بأنه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، كل هذا من دعائه -سبحانه وتعالى- بأسمائه الحسنى، كما قال -تعالى-:"ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" [الأعراف:180] ، ودعاؤه بها ينبغي أن يكون هكذا: يا الله، يا رحمن، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
وأما قول القائل: وبجاهك، فهذا دعاء لا أصل له، والله -تعالى- لا يقال له جاه؛ لأن هذا لم يرد، ومثل هذا اللفظ إنما يستعمل للاستشفاع بالله إلى أحد من خلقه وهو محرم، كما قال -صلى الله عليه وسلم-:"إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه" أبو داود (4726) ، كذلك لا يتوسل إلى الله بهذا، إذ لم يرد في شيء من النصوص لفظ الجاه مضافاً إلى الله، فهو سؤال بدعي يجب الاستغناء عنه بأسماء الله وصفاته، والله أعلم.(4/99)
الذكر بـ:"الله.. الله"
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 9/4/1424هـ
السؤال
هل يجوز الذكر بالاسم المفرد (الله، الله) ؟ أرجو الإجابة.
الجواب
ألفاظ الذكر ينبغي أن تكون مشروعة، ولا يجوز للمسلم أن يبتدع صورة للذكر لم يرد بها الشارع، ثم إن الذكر له معان يدل عليها، فمثلاً:
لا إله إلا الله: إثبات الألوهية لله -عز وجل-.
سبحان الله: تنزيه لله عز وجل عن النقائص.
الله أكبر: تعظيم لله سبحانه.
لكن الذكر بكلمة الله ما هو المعنى الذي يدل عليه، فهو اسم للخالق سبحانه، ما المعنى الذي يريد الذاكر أن يقرره؟ ولهذا فإنه لم يرد عن الأنبياء -عليهم السلام- ولا الصحابة -رضي الله عنهم- ولا علماء الأمة -رحمهم الله- أنهم ذكروا الله عز وجل بذلك، وإنما ابتدعها بعض المتصوفة، والله الموفق.(4/100)
قراءة سورة الأنعام في الحرب
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 12/6/1424هـ
السؤال
انتشر الكلام عند بداية الحرب عن رؤيا تدعو إلى قراءة سورة الأنعام، وتوصي بذلك أهل الخليج، وانتشرت عبر رسائل الجوال، فما هو الحكم في مثل ذلك؟
الجواب
الحمد لله، الدعوة إلى قراءة سورة الأنعام عندما بدأت الحرب في العراق زعمها البعض استدلالاً برؤيا قالوا إنها صالحة، وهذا الداعي مجهول، والرؤيا صاحبها مجهول، فقد يكون الداعي إلى ذلك كاذباً، وقد يكون مكذوباً عليه، فالرؤيا إن كانت صحيحة فليست رؤيا صالحة، بل هي من وحي الشيطان، فإن الرؤيا الصالحة لا تتضمن تشريعاً، فالدعوة إلى قراءة سورة الأنعام في وقت مخصوص وحال مخصوصة دعوة إلى بدعة لا أصل لها في شرع الله، فيجب على من قرأ سورة الأنعام استجابة لهذه الدعوة أن يستغفر الله ويتوب إليه، ومن دعا إليها يجب عليه أن يتوب ويستغفر الله، وإن كان هو المفتري لهذه الدعوة فإثمه أعظم، وعليه أن يتوب، ويعلم أنه إن أصر على ذلك فعليه مثل آثام من قلده، فيجب الاحتراس من هذه الدعوات الصادرة عن من لا يعرف بواسطة الهاتف الجوال، نسأل الله أن يعصمنا من أسباب الضلال، والله أعلم.(4/101)
قراءة الفاتحة بعد الدعاء
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 23/8/1424هـ
السؤال
هل ما نسمعه من قول بعض العامة من بعد الدعاء قولهم: الفاتحة. وهل وقراءتها جائز شرعاً؟ وهل هو من السنة؟.
الجواب
لا، هذا ليس من السنة، الإنسان بعد الدعاء يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان بعد الدعاء يقرأ الفاتحة، وإن كانت الفاتحة هي أعظم سورة، وهي السبع المثاني، لكن مواطنها محدودة ومعروفة، وليس ما ذكر في السؤال من مواطنها. وبالله التوفيق.(4/102)
طريقة صوفية
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 5/11/1424هـ
السؤال
انتشرت في ماليزيا طريقة صوفية يعمل أهلها أعمالاً منها: قراءة الأذكار في أيام معدودة، وهم لا يشهدون الجمعة حين قراءة هذه الأذكار بحجة أنهم من المرضى، ويقصد بالمرض مرض القلوب كالرياء. فما حكم الدين في ذلك؟.
الجواب(4/103)
الحمد لله، إن ذكر الله من أجل العبادات، ومنه ما هو فرض ومنه ما هو مستحب، فيجب التقيد فيه بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- فمن ابتدع في دين الله ما ليس منه فعمله باطل مردود لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه عند البخاري (2697) ومسلم (1718) من حديث عائشة -رضي الله عنها-، وفي رواية لمسلم (1718) : "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، وإذا انضاف إلى ذلك ترك شيء مما أوجبه الله كالجمع والجماعات كان ذلك أقبح كهؤلاء الذين تذكر عنهم أنهم لا يشهدون صلاة الجمعة، فهؤلاء جمعوا بين ما ابتدعوه من الذكر وترك ما أوجب الله من شهود الجمع والجماعات، فالواجب الإنكار عليهم والتحذير من طريقتهم وعدم الاغترار بما يدعونه عذراً لهم في ترك الجمعة، وهو ما ابتدعوه من الذكر، وصلاة الجمعة فرض على الأعيان لا يجوز تركها لنافلة من النوافل، فالتخلف عنها بحجة الاشتغال بالذكر - ولو كان أصله مشروعاً - حرام، فكيف إذا كان ذكراً مبتدعاً، وما يفعله هؤلاء هو من تلبيس الشيطان عليهم، فقد زين لهم الباطل وهو ترك ما أوجبه الله وفعل ما حرمه الله، فهم من "الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً" [الكهف:104] ، ومن الذين "اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون" [الأعراف: من الآية 30] . نعوذ بالله من سبيل الغاوين والضالين، والله أعلم.(4/104)
أذكار لرؤية الرسول
المجيب د. علي بن عبد الله الجمعة
رئيس قسم السنة وعلومها بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 14/4/1424هـ
السؤال
لقد سمعت شريطاً لأحد المشايخ بحرمة قراءة أذكار وآيات بعدد معين أو بطريقة معينة، وأن هذا مجرد تعب، وكلام بدون فائدة، فأنا أحاول دائماً قراءة بعض الآيات والأذكار لرؤية الرسول عليه الصلاة والسلام، أرجوكم أفيدوني بما هو جائز وما هو غير جائز؟ وجزاكم الله كل خير.
الجواب
بسم الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده: وبعد:(4/105)
فأقول وبالله التوفيق: لا شك أن الذكر من أمنع ما يتحصن به المسلم من عدوه المبين الشيطان الرجيم، فإن المسلم متعرض لوخس الشيطان ووساوسه، فإذا تحصن المسلم بالآيات القرآنية والأذكار الثابتة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كانت له حصناً حصيناً من عدوه المتربص له، لذا كان المسلم مأموراً أن يكون مشتغلاً بالذكر في جميع أحواله في ليله ونهاره ويقظته وعند نومه، وغير ذلك من أحواله، وقد جاء فضل الذكر والحض عليه في نصوص كثيرة، لأن العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله، فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقاً بالعبد ألا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى، وألا يزال لهجاً بذكره، فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة، لأن الشيطان يرصده فإذا غفل وثب عليه وافترسه، وإذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله وتصاغر حتى يكون كالذباب، وقد جاء في فضل الذكر أنه من أوصاف عباد الله وأوليائه كقوله تعالى: "والذاكرين الله كثيراً والذاكرات" [الأحزاب: 35] وقوله: "واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار" [آل عمران: 41] ، وفي صحيح مسلم (2676) ، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له: جُمْدَانُ فقال: "سيروا هذا جمدان سَبَقَ المفَرِّدون" قيل: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات".
والأذكار على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ذكر مطلق يقال في جميع الأحوال كقراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتكبير، وكل ذكر فيه تعظيم للرب -جل وعلا- والذي دل عليه قوله – صلى الله عليه وسلم –: "لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله" رواه الترمذي (3375) ، وابن ماجة (3793) ، من حديث عبد الله بن بسر –رضي الله عنه-.(4/106)
والقسم الثاني: ذكر مقيد بأسبابه وأحواله، بمعنى أنه يقال عند سببه؛ كالأذكار التي تقال في الصلاة، وعند النوم والاستيقاظ، ودخول الخلاء والخروج منه، وعند الغضب، وركوب الدابة، وعند وقوع المصيبة، وتجدد النعمة، وعند الجماع، والسفر، وقدوم البلد، وغير ذلك مما هو مبسوط في كتب الأذكار.(4/107)
والقسم الثالث: أذكار الصباح والمساء، وهذه الأذكار الازدياد منها خير، لكن يجب أن يكون على هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - لفظاً وأداءً، فلا يؤتى بذكر لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجعل لسبب لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كونه سبباً، ولا يؤدى بصفة جماعية كما تفعله المتصوفة، وقد ورد في أذكار الصباح والمساء تكرار المعوذتين ثلاثاً، وبسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاثاً، وأعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وأعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر، وأعوذ بكلمات الله التامات اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وأعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة، إلى غير ذلك من أذكار الصباح والمساء المدونة في الكتب الخاصة بها، السنة تكرارها ثلاثاً ثلاثاً، وأما تكرار ذكر من الأذكار من أجل أن يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فلا أعلم شيئاً صح فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يرد عن أصحابه وزوجاته - رضي الله عنهم جميعاً -، والذين عز عليهم فراقه وكانوا في شوق شديد إلى رؤيته، وكل ذكر لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن متضمناً لتوحيد الرب وتعظيمه وتقديسه وتنزيهه فالاشتغال به عبث، وهو مردود على صاحبه، لما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، رواه مسلم (1718) ، من حديث عائشة - رضي الله عنها- وإذا لم يكن الذكر على الصفة والهيئة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(4/108)
افتتاح المنتديات بالتهليل والتكبير
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 7/9/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أما بعد:
نلاحظ في كثير من المنتديات مواضيع يبدأ العضو الأول بقول سبحان الله، والثاني: الله أكبر، وهكذا يستمرون في التسبيح والتهليل في كل مرة يتم الدخول إلى المنتدى.
فما الحكم في ذلك بارك الله فيكم؟.
الجواب
الحمد لله.
وعليكم السلام ورحمة والله وبركاته. وبعد:
فالذي أراه أن هذا العمل من قبيل الذكر الجماعي البدعي، بل ربما كان من اتخاذ آيات الله هزواً. نسأل الله العافية. والله أعلم.(4/109)
الذكر بـ (الله الله الله)
المجيب د. صالح بن عبد العزيز التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 1/05/1425هـ
السؤال
هل يجوز ذكر الله باسم الذات فقط؟ مثل أن أقول: (الله، الله، الله ... ) .
الجواب
الحمد لله، وبعد:
هذا العمل لا يجوز؛ لأنه لا معنى لذلك، وهو من أعمال الصوفية حين يختصرون الذكر بشكل مخل، والله -تعالى- إنما شرع دعاءه بأسمائه، حيث قال - سبحانه-: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها.." [الأعراف: 180] ، ومثل ذلك أن تُسبق بتعظيم وتنزيه، كأن تقول: (سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) ؛ لأن هذا الذكر له معنى، أما الاسم المجرد، فلا معنى لذكره. والله -تعالى- أعلم.(4/110)
البدعة وحديث "من سن في الإسلام سنة حسنة"
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 08/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم
أنا أعرف أن الذكر الجماعي بدعة، لكن هناك من يحتج بحديث مسلم في الصدقة: "من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها بعده". وهناك من يقول إن هذا الحديث ورد حين امتنع الناس عن تقديم الصدقة فجاء صحابي وتصدق فشجع الآخرين على أن يحذوا حذوه، ومن ثم يقول هؤلاء الصوفيون إن الناس كانوا يتصدقون بالخفاء فجعلوها في العلن، ونفس الشيء ينطبق على إعلان الذكر للفائدة لكي يستفيد الناس كما استفادوا من جعل الصدقة في العلن.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الواجب على المسلم المحافظة على السنة، والبعد عن البدعة، والمراد من السنة الحسنة- والله أعلم- إحياء سنة حسنة قد أميتت، أو نسيت، أو ترك العمل بها، لا الإتيان بشيء جديد ليس له أصل في الشرع، بل هذا يعتبر من البدع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنا هذا مَا لَيْسَ مِنه فَهُو رَدٌّ". أخرجه البخاري (2697) ومسلم (1718) . وفي رواية: "مَن عَمِل عَمَلاً لَيْسَ عَلَيه أَمْرُنَا فَهُو رَدٌّ". أخرجها مسلم (1718) . والله أعلم.(4/111)
هل مجالس الذكر من الذكر الجماعي
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 02/07/1426هـ
السؤال
كثيراً ما يقال: إنه ليس هناك دليل على الذكر الجماعي بصوت واحد، فما الحكم إذا لم يكن بصوت واحد، بحيث تجتمع فئات مختلفة من الناس للذكر ما بين رجل يحمد وآخر يكبر وثالث يهلل، فيكون هناك اختلاف في أذكارهم، ويفعلون ذلك دون التشويش على بعضهم، ولا تشبه مجالسهم مجالس غيرهم من صوفية ومن شابههم.
أي أن الذكر لا يكون بصورة جماعية بصوت واحد، لكنه مجلس مقصوده التجمع معاً لذكر الله بكلمات من صلب الشريعة وموافقة للسنة.
ويقال إن الصحابة لم يفعلوا الذكر الجماعي، بينما ثبت من الحديث وجود مجالس الذكر، أفلا يكون هذا كافياً لإثبات المسألة، ويكون حديث معاوية -الذي رأى فيه الناس مجتمعين في مجالس الذكر مثالاً واضحاً على مشروعية مجالس الذكر الجماعي؟
أرشدوني مأجورين، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
الاجتماع للقراءة والذكر مستحب، سواء في مسجد أو بيت أو مدرسة أو غيرها من المواضع إذا لم يقترن بذلك بدعة، مثل كونه بصوت واحد، أو يصاحب الذكر حركات مبتدعة كالتمايل والدوران ونحو ذلك، أو إفراده بزمان أو مكان معين، واتخاذ ذلك سنة راتبة، وقد وردت أحاديث تدل على فضل الاجتماع لقراءة القرآن وذكر الله، ومن ذلك ما يأتي:
- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ" أخرجه مسلم (2699)(4/112)
- حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ –رضي الله عنه- أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: "مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا –قَالَ: "آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟ " قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ، قَال: َ "أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ" أخرجه مسلم (2701) .(4/113)
- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ، قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ: مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا: يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا. قَالَ: يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟ قَالَ: يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟! قَالَ يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: مِنْ النَّارِ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً، قَالَ: فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ: يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَالَ: هُمْ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ "(4/114)
أخرجه البخاري (6408) ، ومسلم (2689) .
قال شيخ الإسلام – رحمه الله -: " الاجتماع لذكر الله واستماع كتابه والدعاء عمل صالح وهو من أفضل القربات والعبادات في الأوقات.... لكن ينبغي أن يكون هذا أحيانا في بعض الأوقات والأمكنة فلا يجعل سنة راتبة يحافظ عليها " [ينظر: مجموع الفتاوى (22/520) ] .
وقال الشاطبي: "وإذا اجتمع القوم على التذكر لنعم الله، أو التذاكر في العلم - إن كانوا علماء – أو كان فيهم عالم فجلس إليه متعلمون، أو اجتمعوا يذكر بعضهم بعضاً بالعمل بطاعة الله والبعد عن معصيته ... وما أشبه ذلك مما كان يعمل به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أصحابه، وعمل به الصحابة والتابعون، فهذه المجالس كلها مجالس ذكر، وهي التي جاء فيها من الأجر ما جاء " [ينظر: الاعتصام (1/341) ] .
ويجوز الجهر ورفع الصوت بالذكر إذا لم يترتب عليه تشويش وأذى لمن حوله، ففي الحديث القدسي، يقول الله عز وجل: " أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ...." الحديث أخرجه البخاري (7405) ، ومسلم (2675) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- السابق: "إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ ... " الحديث.(4/115)
وورد رفع الصوت بالذكر عقب الصلوات المكتوبة، ففي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال إِنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ" أخرجه البخاري (84) ، ومسلم (583) ، هذا والله أعلم.(4/116)
هل أجاز ابن تيمية الذكر الجماعي؟
المجيب عبد الله بن علي الريمي
ماجستير كلية الشريعة من جامعة الإمام
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 25/07/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل أجاز ابن تيمية الذكر الجماعي؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فالواجب على الإنسان أن يسأل عن حكم الله في الأمر من أجل العمل به على بصيرة, ولا يكن همه معرفة كلام الرجال ليجد المخارج والذرائع لمخالفة السنة, ولا شك أن العلم يؤخذ من العلماء, وكلام العلماء ما هو إلا مبين لحكم الله، فإن أقام العالم دليلاً معتبراً على ما قال من حكم قُبِل قوله, وإلا ردَّ قوله كائناً من كان, مع الأخذ بالاعتبار أن العلماء يتفاضلون بقدر حظهم من الأخذ بالأدلة من الكتاب والسنة، ومن أعيان هؤلاء العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فالنفوس تطمئن وتسكن إلى أقواله؛ لما عرف به -رحمه الله- من الحرص الشديد على اتباع الدليل من كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وما منحه الله من سعة الاطلاع وحسن الفهم.
ومن باب مدارسة العلم والانتفاع بأقوال الأئمة من العلماء يكون الجواب كالتالي:
جاء في مختصر الفتاوى المصرية -للإمام أبي عبد الله البعلي -رحمه الله- المتوفى سنة (777هـ) (ص 92) - قول شيخ الإسلام ابن تيمية: "والاجتماع على القراءة والذكر والدعاء حسن, إذا لم يتخذ سنة راتبة ولا اقترن ببدعة" ا. هـ.
فمن يعرف مسلك شيخ الإسلام في اتباع السنة يحمل هذا القول على أن المراد الاجتماع المشروع للقراءة والذكر والدعاء على الوجه المشروع, ويبين ذلك النص الكامل لكلامه رحمه الله كما ورد في [مجموع الفتاوى (22/ 520-521) ] ، والشاهد منه ما يلي:(4/117)
قال رحمه الله: "الاجتماع لذكر الله واستماع كتابه والدعاء عمل صالح، وهو من أفضل القربات والعبادات في الأوقات، ... لكن ينبغي أن يكون هذا أحيانا في بعض الأوقات والأمكنة، فلا يجعل سنة راتبة يحافظ عليها إلا ما سنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المداومة عليه في الجماعات من الصلوات الخمس في الجماعات، ومن الجمعات والأعياد ونحو ذلك.
وأما محافظة الإنسان على أورادٍ له من الصلاة أو القراءة أو الذكر أو الدعاء طرفي النهار وزلفًا من الليل وغير ذلك.... فهذا سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصالحين من عباد الله قديمًا وحديثًا، فما سنَّ عمله على وجه الاجتماع كالمكتوبات فعل كذلك، وما سنَّ المداومة عليه على وجه الانفراد من الأوراد عمل كذلك. " ا. هـ.(4/118)
وتأمل قوله رحمه الله تعالى: "فما سنَّ عمله على وجه الاجتماع كالمكتوبات فعل كذلك، وما سنَّ المداومة عليه على وجه الانفراد من الأوراد عمل كذلك" فهو قاعدة في بابه، وقال رحمه الله تعالى: "لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع لا على الهوى والابتداع، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان ولا يحيط به إنسان وما سواها من الأذكار قد يكون محرما وقد يكون مكروها وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس وهي جملة يطول تفصيلها. وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس؛ بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به؛ بخلاف ما يدعو به المرء أحيانا من غير أن يجعله للناس سنة، فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنى محرما لم يجز الجزم بتحريمه؛ لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به. وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت فهذا وأمثاله قريب. وأما اتخاذ ورد غير شرعي واستنان ذكر غير شرعي، فهذا مما ينهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ونهاية المقاصد العلية ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد". ا. هـ.
ومن أمثلة ما نهى عنه شيخ الإسلام -رحمه الله- من الذكر والقراءة المحدثة، قال رحمه الله: "لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو هو والمأمومون عقيب الصلوات الخمس كما يفعله بعض الناس عقيب الفجر والعصر؛ ولا نقل ذلك عن أحد، ولا استحب ذلك أحد من الأئمة" [مجموع الفتاوى (22/. 512) ] .(4/119)
وقال رحمه الله: "ولم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وخلفاؤه يجهرون بعد الصلاة بقراءة آية الكرسي ولا غيرها من القرآن، فجهر الإمام والمأموم بذلك والمداومة عليها بدعة مكروهة بلا ريب" [مجموع الفتاوى (ص 508) ] .
وقال رحمه الله:"فقراءة القرآن كل واحد على حدته أفضل من قراءته مجتمعين بصوت واحد، فإن هذه تسمى قراءة الإدارة، وقد كرهها طوائف من أهل العلم " [مجموع الفتاوى (30/ 50) ] وينظر كذلك (جزء 4، ص 428) .
والمراد هنا للتعبد، وأما للتعليم فقد رخص فيه كثير من أهل العلم.
مما تقدم يتضح منهج شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الذكر الجماعي، وأنه كما قرره بعبارته -رحمه الله- حيث قال: "فما سن عمله على وجه الاجتماع كالمكتوبات فعل كذلك، وما سنَّ المداومة عليه على وجه الانفراد من الأوراد عمل كذلك".
فوائد:
(1) عندما يرد لفظ الذكر الجماعي أو الاجتماع للذكر في كلام العلماء أو ما يدل على هذا المعنى في النصوص الشرعية فهو لا يعني الذكر بصوت واحد من تسبيح ونحوه بل المراد مطلق الاجتماع للذكر من مذاكرة علم أو استماع لقراءة أو نحوه, أما الذكر بصوت واحد فأمر زائد على مطلق الاجتماع.(4/120)
(2) بما أن العبادات توقيفية بمعنى أن كل عبادة لم ترد في كتاب الله ولا سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فهي مردودة على صاحبها كما قال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" أخرجه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) . والإحداث قد يكون في توقيت العبادة أو مكانها أو حال صاحبها أو كيفيتها، فمن أضاف قيدًا لعبادة سواءً ادعى وجوب هذا القيد أو استحبابه أو حتى إباحته فيلزمه الدليل وإلا فقيده هذا بدعة, وبما أن الذكر عبادة فيلزم فيها الاتباع لما جاء في الكتاب والسنة وعدم إحداث كيفيات معينة للذكر لم ترد في الكتاب والسنة، كالذكر بصوت واحد أو بلحن خاص للمناسبات سواء كان فردياً أو جماعياً، كما قد يفعل من قبل بعض الناس في الحج والعمرة والعيدين.
(3) كل ما ورد من النصوص مما يدل على مشروعية الذكر الجماعي ظاهره فضيلة الاجتماع لذكر الله, وهذا يتحقق بمذاكرة العلم والاستماع للقرآن، والتحدث بما منَّ الله على عباده من النعم الكثيرة ونحو ذلك، وليس فيها دلالة على مشروعية الذكر بصوت واحد.
وأما ما ورد في بعض النصوص مما قد يفهم منه الذكر بصوت واحد خلف إمام أو نحوه، مثل ما جاء عن عمر -رضي الله عنه- من أنه كان يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد، فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيراً"، ونحوه عن ميمونة -رضي الله عنها- فالمعنى يسمعون تكبيره فيذكرهم التكبير فيكبرون كل بمفرده، وهذا معنى محتمل من ظاهر النص فيجب حمله عليه؛ لأن المتحقق عند العلماء عدم نقل هذه الكيفية (الذكر الجماعي بصوت واحد) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مطلقاً، فوجب علينا أن نحمل المتشابه على المحكم. بدلا من أن نبطل الشيء الثابت بشيء محتمل مظنون.
(4) وفي الختام سؤال لنا جميعا , هل عملنا بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة الثابتة حتى نذهب فنتلمس الزيادة عليها؟!
والله المستعان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(4/121)
حكم التهنئة بشهر رمضان
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 29/08/1425هـ
السؤال
ما حكم التهنئة بقدوم شهر رمضان المبارك حيث سمعنا من ينكر ذلك، ويرى أنه من البدع؟ نرجو الإفادة مشكورين.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذا بحث مختصر حول: حكم التهنئة بدخول شهر رمضان، حاولت أن أجمع فيه أطرافه، راجياً من الله تعالى التوفيق والسداد.
وقبل البدء بذكر حكم المسألة لا بد من تأصيل موضوع التهنئة
فيقال: التهاني ـ من حيث الأصل ـ من باب العادات، والتي الأصل فيها الإباحة، حتى يأتي دليل يخصها، فينقل حكمها من الإباحة إلى حكم آخر.
ويدل لذلك ـ ما سيأتي ـ من تهنئة بعض الصحابة بعضاً في الأعياد، وأنهم كانوا يعتادون هذا في مثل تلك المناسبات.
يقول العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ مبيناً هذا الأصل في جواب له عن حكم التهاني في المناسبات؟ ـ كما في "الفتاوى" في المجموعة الكاملة لمؤلفاته (348) ـ:
" هذه المسائل وما أشبهها مبنية على أصل عظيم نافع، وهو أن الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز، فلا يحرم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الشارع، أو تضمن مفسدة شرعية، وهذا الأصل الكبير قد دل عليه الكتاب والسنة في مواضع، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.
فهذه الصور المسؤول عنها وما أشبهها من هذا القبيل، فإن الناس لم يقصدوا التعبد بها، وإنما هي عوائد وخطابات وجوابات جرت بينهم في مناسبات لا محذور فيها، بل فيها مصلحة دعاء المؤمنين بعضهم لبعض بدعاء مناسب، وتآلف القلوب كما هو مشاهد.(4/122)
أما الإجابة في هذه الأمور لمن ابتدأ بشيء من ذلك، فالذي نرى أنه يجب عليه أن يجيبه بالجواب المناسب مثل الأجوبة بينهم، لأنها من العدل، ولأن ترك الإجابة يوغر الصدور ويشوش الخواطر.
ثم اعلم أن هاهنا قاعدة حسنة، وهي: أن العادات والمباحات قد يقترن بها من المصالح والمنافع ما يلحقها بالأمور المحبوبة لله، بحسب ما ينتج عنها وما تثمره، كما أنه قد يقترن ببعض العادات من المفاسد والمضار ما يلحقها بالأمور الممنوعة، وأمثلة هذه القاعدة كثيرة جداً " اهـ كلامه.
وقد طبق الشيخ ـ رحمه الله ـ هذا عملياً حينما أرسل تلميذه الشيخ عبد الله ابن عقيل خطاباً له في أوائل شهر رمضان من عام 1370هـ، وضمنه التهنئة بالشهر الكريم فرد الشيخ عبد الرحمن ـ رحمه الله ـ بهذا الجواب في أول رده على رسالة تلميذه: "في أسر الساعات وصلني كتابك رقم 19/9 فتلوته مسروراً، بما فيه من التهنئة بهذا الشهر، نرجو الله أن يجعل لنا ولكم من خيره أوفر الحظ والنصيب، وأن يعيده عليكم أعواماً عديدة مصحوبة بكل خير من الله وصلاح " اهـ. كما في الأجوبة النافعة (ص:280) ، وفي صفحة (284) ضمن الشيخ رسالته المباركة في العشر الآواخر.
وللشيخ ـ رحمه الله ـ كلام في منظومة القواعد ـ كما في المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي 1/143 ـ يقرر فيه هذا المعنى، وللمزيد ينظر (الموافقات) للشاطبي 2/212 ـ 246 ففيه بحوث موسعة حول العادات وحكمها في الشريعة.
فإذا تقرر أن التهاني من باب العادات، فلا ينكر منها إلاّ ما أنكره الشرع، ولذا: مرّر الإسلام جملة من العادات التي كانت عند العرب، بل رغب في بعضها، وحرّم بعضها، كالسجود للتحية.
وبعد هذه التوطئة يمكن أن يقال عن التهنئة بدخول الشهر الكريم:
قد ورد في التهنئة بقدومه بعض الأحاديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أذكرها جملة منها، وهي أقوى ما وقفت عليه، وكلها لا تخلو من ضعف، وبعض أشد ضعفا من الآخر:(4/123)
1- حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: "أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم ". أخرجه النسائي 4/129 ح (2106) ،وأحمد 2/230،385،425 من طرق عن أيوب، عن أبي قلابة ـ واسمه عبد الله بن زيد الجرمي ـ عن أبي هريرة – رضي الله عنه -.
والحديث رجاله رجال الشيخين إلا أن رواية أبي قلابة عن أبي هريرة مرسلة، أي أن في الإسناد انقطاعاً ينظر: تحفة التحصيل لأبي زرعة العراقي (176) .
والحديث أصله في الصحيحين ـ البخاري 2/30 ح (1899) ،ومسلم 2/758 ح (1079) ـ ولفظ البخاري: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين " ولفظ مسلم: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ـ وفي لفظ (الرحمة) ـ وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين ".
قال ابن رجب (رحمه الله) في "اللطائف" (279) : " وكان النبي ح يبشر أصحابه بقدوم رمضان،.... ثم ساق هذا الحديث، ثم قال: قال العلماء: هذا الحديث أصلٌ في تهنئة الناس بعضهم بعضاً في شهر رمضان ".
2- حديث أنس – رضي الله عنه - قال: دخل رمضان، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم".
أخرجه ابن ماجه ح (1644) من طريق محمد بن بلال، عن عمران القطان، عن قتادة، عن أنس – رضي الله عنه -.
وهذا الإسناد ضعيف لوجهين:
الوجه الأول: أن فيه محمد بن بلال البصري، التمار.(4/124)
قال أبو داود: ما سمعت إلاَّ خيراً، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العقيلي ـ في "الضعفاء "4 / 37 ترجمة (1584) ـ: " بصري يهم في حديثه كثيراً "،وقال ابن عدي ـ في "الكامل"6/134 ـ: "له غير ما ذكرت من الحديث، وهو يغرب عن عمران القطان، له عن غير عمران أحاديث غرائب، وليس حديثه بالكثير، وأرجو أنه لا بأس به ".
وحديث الباب من روايته عن عمران، فلعله مما أغرب به على عمران.
وقد لخص الحافظ ابن حجر حاله بقوله في "التقريب" (5766) : "صدوق يغرب ".
الوجه الثاني: أن في سنده عمران بن داوَر، أبو العوام القطان، كان يحيى القطان لا يحدث عنه، وقد ذكره يوماً فأحسن الثناء عليه ـ ولعل ثناء عليه كان بسبب صلاحه وديانته، جمعاً بين قوله وأقوال الأئمة الآتية ـ، لكن قال أحمد (أرجو أن يكون صالح الحديث) ،وقال مرةً (ليس بذاك) ،وضعفه ابن معين، وأبو داود، والنسائي، وقال الدارقطني: كثير الوهم والمخالفة، وقد ذكره ابن حبان في الثقات. ينظر:
"سؤالات الحاكم للدار قطني" (261 رقم 445) ،"تهذيب الكمال" 22 / 329،"الميزان " 3 / 236، "موسوعة أقوال الإمام أحمد في الرجال " 3 / 121.
وقال الحافظ ابن حجر ملخصاً أقوال من سبق: "صدوق يهم، ورمي برأي الخوارج " كما في "التقريب": (5150) .
وعمران هذا روى الحديث عن قتادة، ولم أقف له على متابع، فهذا مظنة الضعف والغرابة.
وذكر الإمام البرديجي كلاماً قوياً يبين فيه حكم الأحاديث التي يتفرد فيها أمثال هؤلاء الرواة عن الأئمة الحفاظ، فيمكن أن ينظر: "شرح العلل " 2 / 654،697،لابن رجب، ونحوه عن الإمام مسلم في مقدمة صحيحه 1/7.(4/125)
وقتادة بلا ريب من كبار الحفاظ في زمانه، روى عنه جمعٌ كبير من الأئمة، كما قال الذهبي في "السير" 5/270:"روى عنه أئمة الإسلام، أيوب السختياني وابن أبي عروبة، ومعمر بن راشد، والأوزاعي، ومسعر بن كدام، وعمرو بن الحارث المصري وشعبة،. . . . ." ثم ذكر جملة منهم فأين هؤلاء من هذا الحديث؟
3- حديث سلمان – رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في آخر يومٍ من شعبان، فقال "أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء ".
قالوا ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم؟! فقال: "يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة، أو شربة ماء، أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار، واستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لاغنى بكم عنها: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار، ومن أشبع فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة ".
أخرجه في صحيحه 3/191ح (1887) ، وهو حديث لا يصح، فقد سئل أبو حاتم عنه –"العلل" لابنه 1/249 – فقال: "هذا حديث منكر"،وقال ابن خزيمة ـ في الموضع السابق ـ: "إن صح الخبر"، وقال ابن حجر في إتحاف المهرة 5/561: "ومداره على علي بن زيد، وهو ضعيف".
وخلاصة تضعيف هؤلاء الأئمة لهذا الخبر تعود إلى أمرين:(4/126)
ـ ضعف علي بن زيد.
ـ ومع ضعفه فقد تفرد به، كما قال الحافظ ابن حجر.
وبهاتين العلتين يتضح وجه استنكار أبي حاتم ـ رحمه الله ـ.
وقد ذهب الجمهور من الفقهاء إلى أن التهنئة بالعيد لا بأس بها، بل ذهب بعضهم إلى مشروعيتها، وفيها أربع روايات عن الإمام أحمد (رحمه الله) ، ذكرها ابن مفلح (رحمه الله) في (الآداب الشرعية 3/219) وذكر أن ما روي عنه من أنها لا بأس بها هي أشهر الروايات عنه.
وقال ابن قدامة في "المغني" 3/294: "قال الإمام أحمد (رحمه الله) قوله: ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد: تقبّل الله منا ومنك، وقال حرب: سئل أحمد عن قول الناس: تقبل الله منا ومنكم؟ قال: لا بأس، يرويه أهل الشام عن أبي أمامة، قيل: وواثلة بن الأسقع؟، قال: نعم، قيل: فلا تكره أن يقال: (هذا يوم العيد) ؟، قال: لا....".
فيقال: إذا كانت التهنئة بالعيد هذا حكمها، فإن جوازها في دخول شهر رمضان الذي هو موسمٌ من أعظم مواسم الطاعات، وتنزل الرحمات، ومضاعفة الحسنات، والتجارة مع الله.. من باب أولى، والله أعلم.
ومما يُستدَل به على جواز ذلك أيضاً: قصة كعب بن مالك – رضي الله عنه - الثابتة في الصحيحين من البشارة له ولصاحبه بتوبة الله عليهما، وقيام طلحة (رضي الله تعالى عنه) إليه.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ ضمن سياقه لفوائد تلك القصة في "زاد المعاد" 3/585:
" وفيه دليل على استحباب تهنئة من تجددت له نعمة دينية، والقيام إليه إذا أقبل، ومصافحته، فهذه سنة مستحبة، وهو جائز لمن تجددت له نعمة دنيوية، وأن الأَوْلى أن يقال: يهنك بما أعطاك الله، وما منّ الله به عليك، ونحو هذا الكلام، فإن فيه تولية النعمة ربّها، والدعاء لمن نالها بالتهني بها ".(4/127)
ولا ريب أن بلوغ شهر رمضان وإدراكَه نعمةٌ دينية، فهي أولى وأحرى بأن يُهنّأ المسلم على بلوغها، كيف وقد أثر عن السلف أنهم كانوا يسألون الله عز وجل ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، وفي الستة الأخرى يسألونه القبول؟، ونحن نرى العشرات ونسمع عن أضعافهم ممن يموتون قبل بلوغهم الشهر.
وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: " ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة، أو يندفع من نقمة: بمشروعية سجود الشكر، والتعزية ـ كذا في الموسوعة الفقهية التي نقلت عنها ـ، وبما في الصحيحين عن كعب بن مالك ... ) نقلاً عن الموسوعة الفقهية الكويتية، 14/99ـ100، وينظر: وصول الأماني، للسيوطي وقد بحثت عن كلام الحافظ في مظنته ولم اهتد إليه، وينظر: وصول الأماني، 1/83 (ضمن الحاوي للفتاوى) .
خلاصة المسألة:
وبعد هذا العرض الموجز يظهر أن الأمر واسع في التهنئة بدخول الشهر، لا يُمنع منها، ولا ينكر على من تركها، والله أعلم.
هذا، وقد سألت شيخنا الإمام عبد العزيز بن ابن باز ـ رحمه الله ـ عنها قال: "طيبة"،وكذلك سألت شيخنا العلامة (محمد بن صالح العثيمين) رحمه الله عن التهنئة بدخول شهر رمضان، فقال: (طيبة جدّاً) ، وذلك في يوم الأحد 8/9/1416هـ، حال بحثي في هذه المسألة.(4/128)
وقد سئل العلامة محمد الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله ـ (صاحب الأضواء) عن الصفة الشرعية للتهنئة برمضان والمناسبات الأخرى كالعيدين؟ فأجاب رحمه الله بجواب مطول، خلاصته: أنه لا يعلم صفة معينة في هذا الشأن إلا ما ورد في العيدين ـ كما سبق نقله ـ وأن الإنسان إذا اقتصر على الوارد كان أفضل، لكن لو ابتدأه غيره فلا حرج أن يجيبه من باب رد التحية بخير منها، فلو اتصل الإنسان على أخيه، أو زاره وقال له: نسأل الله أن يجعل هذا الشهر عونا على طاعته، أو يعيننا وإياكم على صيامه وقيامه، فلا حرج إن شاء الله، لأن الدعاء كله خير وبركة، لكن لا يلتزم بذلك لفظاً مخصوصاً، ولا تهنئة مخصوصة. نقلاً من شريط: (آداب الاستئذان) .
أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا البحث، وما كان فيه من صواب، فإن كان كذلك فمن الله وحده، وإن أخطأت فأنا أهلٌ لذلك، وأستغفر الله وأتوب إليه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتب أصله في شهر شعبان عام 1417هـ، وأعيدت كتابته وصياغته بإضافات كثيرة في 27/8/1422هـ(4/129)
الاشتراك في جمعيات المآتم
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/مسائل متفرقة
التاريخ 3/9/1424هـ
السؤال
ما حكم الاشتراك في جمعيات المآتم؟ وذلك بأن يتفق مجموعة من الناس تربطهم رابطة نسب على أن يدفعوا مبلغا من المال كل شهر، على أن تدفع قيمة من المبلغ متفق عليها لكل من حدث له حالة وفاة، مع العلم أن الجمعية تتكفل بمصاريف المأتم لمدة أربعة أيام متتالية.
أرجو منكم الإجابة بالتفصيل مع الأدلة الشرعية.
الجواب
إنشاء جمعيات للمآتم أو الاشتراك بها حرام، لا يجوز، وبدعة محدثة في الدين، حيث لم تكن من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم- من قريب أو بعيد، فما يتعلق بالميت من الصلاة عليه وتكفينه ودفنه، وتعزية أقاربه، كل هذا من العبادات المحضة المبنية على التوقيف، ولا يجوز فيها الاجتهاد؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" البخاري (2697) ، ومسلم (1718) ، والله تعالى يقول:"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" [الحشر: 7] والسنة أن يعزى أهل الميت، وأن يصنع لهم طعام يأكلونه، لأنهم قد شغلوا بميتهم عن أنفسهم في مدة العزاء، والمعمول به في هذه العصور كما في السؤال خلاف السنة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- في معركة مؤته قال: "اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم" أحمد (1751) ، وأبو داود (3132) ، وابن ماجة (1610) ، والترمذي (998) ، وقال حسن صحيح وكذلك حسنه الألباني، ودفع النقود لأهل الميت لا يجوز، إلا إن كانوا فقراء، فتدفع إليهم لفقرهم، لا بسبب موت صاحبهم.
وفقنا الله وإياك للقول النافع والعمل الصالح. آمين.(4/130)
البدع أشد أم المعاصي؟
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/مسائل متفرقة
التاريخ 13/3/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: هناك من يقول: إن اتباع الجماعات مثل الإخوان والتبليغ أشد من أهل الكبائر؛ لأن هؤلاء عندهم بدع، والبدعة أشد من الكبيرة، وعلى هذا فالشاب المهمل في أداء الصلاة مثلاً، والشارب للخمر، والمفرط في أداء بعض الواجبات، والذي لا يلتزم بالدين عموماً أو كما يقولون (عادياً) أفضل، وأهون من أولئك الواقعين في البدع، فهل هذا القول مبني على علم صحيح؟ أتمنى إجابة علمية تأصيلية مفصلة قدر الاستطاعة. -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب(4/131)
كل فرقة تحمل لواء بدعة من البدع في دين الله، أو منهجاً عقدياً منحرفاً عن جادة الصواب، فلاشك أن اتباع مثل هذه الفرقة أضر على الدين من فعل المعصية؛ وذلك لأن البدع تقدح في عقيدة المسلم، وتهوي بصاحبها في جهنم، روى في حديث معاوية - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة، وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء، كما يتجارى الكَلَب لصاحبه، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله" رواه أبو داود (4597) وأحمد (16490) ، وأما المعاصي فإن كانت من صغائر الذنوب فكفارتها الاستغفار وفعل الطاعات، قال - تعالى-: "إن الحسنات يذهبن السيئات" [هود:114] ، وإن كانت من كبائر الذنوب، فالتوبة تجبُّ ما قبلها، وفي الحديث: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" رواه ابن ماجة (4250) عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، ولذلك رُوي عن عبد الله بن مسعود وقيل: ابن عمر - رضي الله عنهم-: "لئن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً"، رواه عبد الرزاق في مصنفه (15929) وذلك لأن الحلف بالله كاذباً معصية ترتقي إلى درجة الكبائر، والحلف بغير الله شرك أصغر إذا لم يقصد المرء بحلفه بغير الله التعظيم، ومع ذلك فقد جعل ابن مسعود - رضي الله عنه- المعصية التي هي من كبائر الذنوب دون ما هو شرك أصغر، وهذا هو مصداق قول الحق - سبحانه-: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء:48] ولذلك روي عن بعض السلف قوله لابنه لما رآه يخرج من بيت مبتدع: والله لئن أراك تخرج من حانة خمار أحب إلي من أن أراك تخرج من بيت هذا المبتدع، ثم تأمل أخي المسلم أن العاصي بذنبه مآله التوبة والاستغفار، وما أكثر قوافل التائبين بينما مآل أهل البدع إفساد غيرهم وتدمير المجتمع بانحرافهم(4/132)
عن جادة الحق، ونشر بدعهم وضلالاتهم، ولله در ابن عباس- رضي الله عنهما- حيث يقول: "ما أحدث في الأرض بدعة إلا رفعت محلها سنة".(4/133)
إحداد الأقارب على ميتهم أربعين يوماً
المجيب د. سليمان بن قاسم العيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/مسائل متفرقة
التاريخ 7/10/1424هـ
السؤال
توفي أحد أقاربي، وبقي على حفل زفافي ما يقارب العشرين يوماً ... أواجه صعوبة في إقناع أقاربي بحضور زواجي، بحجة أن الأربعين يوماً لم تنته بعد! فما قصة هذه الأربعين وهل هي بدعة؟ وإذا أخَّرت حفل زفافي بعد الأربعين فهل عليَّ إثم؟ أرجو توجيهي لطريقة أنصح بها أقاربي. . . وجزيتم خيراً؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإنه لم يثبت لا في الكتاب ولا في السنة تحديد أيام معينة ينتظرها أهل الميت بعد موته حداداً عليه أو انتظاراً للتعزية، إلا ما ورد في شأن المرأة التي تحد على زوجها مدة عدتها، لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً" البخاري (1280) ، ومسلم (1486) من حديث أم حبيبة - رضي الله عنها-. وأما الحامل فإذا انقضى حملها سقط وجوب الإحداد عليها.
وأما من يحدد مدة بعد وفاة القريب مثل أربعين يوماً أو أكثر أو أقل فهذا من البدع التي لا أصل لها في الكتاب ولا في السنة، فعليك ببيان ذلك لأقربائك، ومن أصرَّ منهم فربما اعتقد أن ذلك من الدين فعليه بالدليل، لأن الدين لا يؤخذ من العادات والتقاليد، إنما يؤخذ من الأدلة الشرعية.
وأما إذا أخَّرت زواجك من أجل أن يتمكَّن أقرباؤك من الحضور، وخشية من حصول بعض المفاسد كقطيعة الرحم ونحوها فلا إثم عليك - إن شاء الله - إذا كان هذا التأخير عن غير اعتقاد منك بالمدة المذكورة، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.(4/134)
شرب غسيل ملابس الميت
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/مسائل متفرقة
التاريخ 19/11/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
سؤالي: توفي لي ابن في الجامعة الأسبوع الماضي وأشار عليَّ كثير من الناس بغسل ثوبه أو غترته أو طاقيته وشرب مائها حتى يذهب الحزن، وقد شككت في ذلك ولم أفعل خشية أن تقدح في عقيدتي واتكلت على الله إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، فهل مشورتهم صحيحة أم خاطئة لأنصح الناس؟ وفقكم الله وسدد خطاكم.
الجواب
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وآله وصحبه.
من ابتلي بمصيبة كفقد حبيب أو قريب أو مصيبة أخرى من مصائب الدنيا فالواجب عليه الصبر والاحتساب وذلك بكبح نفسه عن الجزع والتسخط، فليؤمن بالله وليرضى بحكمه سبحانه كما قال:"ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه" [التغابن: 11] قال بعض السلف: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.
ومجرد الحزن أمر طبيعي لا إثم على الإنسان به، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-:"إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا" البخاري (1303) ومسلم (2315) ، وما يحصل للإنسان من حزن بسبب المصيبة هو مما يكفِّر الله به عنه، كما في الحديث الصحيح:"لا يصيب المؤمن من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها عنه" البخاري (5641) ومسلم (2573) أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-، وقال -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر -رضي الله عنه-:"ألست تحزن ألست تنصب ألست تصيبك اللأواء فذلك مما تجزون به" أحمد (68) .(4/135)
وما ذكرت من أن بعض الناس أشار عليك أن تغسل شيئاً من ملابس ابنك -جبر الله مصيبتك- وأن ذلك مما يذهب بالحزن أو يخففه فهذا لا أصل له في الشرع وهو عمل قبيح، لأن الثوب لا بد أن يشتمل على الوسخ، فشرب مثل هذا فيه قذارة وربما كان سبباً في حدوث مرض نفسي أو مرض عضوي، وقد أحسنت في رفضك للفكرة الخاطئة، وقد وفقك الله حيث توكلت على ربك ولم تستجب لهذه الخرافة، والله تعالى هو حسب من توكل عليه كما قال:"ومن يتوكل على الله فهو حسبه" [الطلاق:3] ، فالمقصود أن الواجب على من تصيبه مصيبة أن يصبر ويسلم ويحتسب مصيبته ليظفر بأجر ذلك وحسن عاقبته، نسأل الله أن يعوضك عن ابنك خيراً، إنه تعالى على كل شيء قدير، والله أعلم.(4/136)
ما هي البدعة الحسنة
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/مسائل متفرقة
التاريخ 21/10/1423هـ
السؤال
من مِنْ العلماء قال بتحسين البدع؟ وهل الخلاف بين الشاطبي والعز بن عبد السلام في التقسيم لفظي؟ أرجو الإجابة بالتفصيل، لأنني طالب في كلية الشريعة.
الجواب
هذه المسألة ليست من مسائل الفتوى.
وتحرير المسألة يحتاج إلى بحث، والنص قد ورد بذم البدع ولا يجوز أن يقيد النص إلا بنص أو إجماع.
ولكن الخلاف حول المعنى المراد بالبدعة المذمومة.
فقد يُتفق على جواز فعل ويُختلف في تسميته هل يسمى بدعة أم لا؟ وهذا الذي يسمى بالاختلاف اللفظي فيكون الفعل في صورته بدعة وفي حقيقته يستند إلى دليل إما خاص، وإما عام، وأما الفعل الذي لا يشهد له أصل عام ولا دليل خاص فهو بدعة مذمومة.
وتحرير المسألة في كتب العلماء، ويراجع كتاب (حقيقة البدعة وأحكامها) للدكتور: سعيد بن ناصر الغامدي. والله الموفق.(4/137)
حمل الشعلة النارية في الافتتاح الرياضي
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/مسائل متفرقة
التاريخ 23/7/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم الجري مع حمل شعلة النار في حفلة الافتتاح الرياضية؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ينبغي أن يُسأل: هل لحملها معتقد معين أو أصل في ديانة من الديانات؛ أم هي عادة وعرف في مثل هذه الاحتفالات؟
فإن كانت الأولى فلا يجوز؛ لما ثبت من تحريم موافقة المشركين في خصائص عباداتهم, ومشابهتهم في شعائرهم الخاصة بهم، ومن ذلك النهي سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم- لمن نذر أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأله هل فيها صنم من أصنام الجاهلية، أو عيد من أعيادهم، قالوا: لا، قال صلى الله عليه وسلم: "هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ "، قالوا: لا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم"رواه أبو داود (3313) ثابت بن الضحاك-رضي الله عنه-، وبسط ذلك في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) لابن تيمية - رحمه الله-، وإن كانت الأخرى بأن كانت عادة وعرفاً جرت عليها المحافل الرياضية، ومنظماتها، فلا أرى بأساً في فعلها؛ لأنها ليست شعاراً خاصاً للكفار في شيء من عاداتهم ودياناتهم، وإنما هي شعار خاص لهذه المناسبات، فهي مقيدة بها مبتكرة لأجلها غير مقصود أن يكون خاصاً بأمة أو أهل ديانة ... إلخ، فهي إلى أعراف الأنظمة أقرب. والله الموفق.(4/138)
تبليغ السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/مسائل متفرقة
التاريخ 05/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ، بعض الإخوة يقولون لي عند سفري إلى المدينة بلغ السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأي فضيلتكم بهذا، وهل يجوز لي إبلاغ السلام؟ والله يحفظكم ويرعاكم.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(4/139)
إرسال السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، مع من يسافر إلى المدينة لا أصل له، فلم يكن من عادة السلف الصالح من الصحابة، رضي الله عنهم، والتابعين وأهل العلم إرسال السلام، ولم ينقل عن أحد منهم شيء من ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يُبلَّغُ صلاة أمته وسلامها عليه، كما في الحديث الصحيح: "لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ". أخرجه أبو داود (2042) . وفي لفظ: "فإنَّ تَسْلِيمَكُمْ يَبْلُغُنِي أَيْنَمَا كُنْتُمْ". أخرجه أبو يعلى (469) . وعلى هذا فالتعبد بإرسال السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بدعة، بل ولا يشرع إرسال السلام إلى الميت، وإنما يسلم على الميت من يزوره، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم، يزور أهل البقيع ويسلم عليهم ويدعو لهم، ويُعلِّمُ أصحابه، رضي الله عنهم، كيف يقولون إذا زاروا القبور، كقوله صلى الله عليه وسلم: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ". أخرجه مسلم (975) . وإنما يبلغ السلام من الغائب للحي. والمقصود أن الله يسَّر على هذه الأمة أن يصلوا ويسلموا على نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويكثروا من ذلك في أي بقعة من الأرض، وقد ورد أن الله وكّل بقبره صلى الله عليه وسلم ملائكة يبلغونه من أمته صلاتهم وسلامهم عليه- انظر مسند البزار (1425، 1426) ، وصحيح الترغيب والترهيب (1664-1667) . صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.(4/140)
مجالسة المبتدعة
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/مسائل متفرقة
التاريخ 10/08/1426هـ
السؤال
جاءت عن السلف آثار كثيرة في إلحاق المصاحب للمبتدع أو المجالس له بحكم المبتدع نفسه، فهل هذا الحكم على الحقيقة أم على سبيل التنفير والزجر من مجالسة المبتدعين، وما الفرق بين الأمرين؟ وهل هذه الآثار تحمل على كل مجالسة، أم ينظر في أسباب المجالسة عند الحكم؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(4/141)
قال الله تعالى: "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم" [النساء: 140] ، ففي هذه الآية دلالة صريحة على أن من جلس في مجلس يكفر فيه بآيات الله ويُستهزأ بها فإنه مثل أولئك الكافرين المستهزئين، وهكذا يقال في مجالسة المبتدع في حال تكلمه ببدعته ودعوته إليها، فإن الذي يجلس معه وهو يتكلم بالباطل ويضلل الناس هو مثله؛ لأن قعوده معه -من غير نكير- يدل على رضاه عنه ورضاه بالباطل، فمن لم يستطع أن يمنع المنكر فعليه ألا يحضره، بل يقوم من المجلس الذي يُعصى الله فيه، أما إذا لم يتكلم المبطل بباطله من كفرٍ أو بدعةٍ أو معصية فالجلوس حينئذ يختلف حكمه باختلاف المقاصد والأسباب والآثار، فقد يكون مشروعاً كما إذا قصد التآلف والدعوة من غير أن يخشى الإنسان ضرراً يلحقه في دينه، وقد يكون مكروهاً، وقد يكون مباحاً إذا كان لحاجةٍ مباحة، وقد يكون الجلوس حراماً إذا ترتب على ذلك مفسدةٌ في الدين تلحق الشخص المجالس أو غيره ممن يقتدي به، وهجر العصاة والمبتدعة تارة يكون لاتقاء شرهم وتارة يكون للإنكار عليهم وزجرهم ليتوبوا، وما جاء عن السلف من التحذير عن مجالسة أهل البدع إنما ذلك لأجل ما يُخشى من شرهم لتأثيرهم على من يجالسهم، وأكثر الناس ليس عندهم من العلم وقوة الإيمان ما يكون واقياً لهم من شر المبتدعين ودعاة الضلال، وكما قيل الوقاية خير من العلاج، والله أعلم.(4/142)
أخذ الحكم الشرعي من المنامات!؟
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/مسائل متفرقة
التاريخ 17/07/1426هـ
السؤال
كثير من أهل البدع يحتجون على بدعتهم بأنهم رأوا النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام وأقرهم على ذلك، فما هي ضوابط رؤية النبي صلى الله عليه وسلم؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
من الأمور المتقررة لدى العلماء أن الأحكام والأوامر والنواهي لا تؤخذ عن طريق الرؤى والمنامات، وأن من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في منامه يأمره بفعل أو ينهاه فعليه أن يعرض ذلك على شريعته فما وافقها فهو حق، وما خالفها فالخلل من الرائي، قال الإمام القرافي في الفروق: "إخباره صلى الله عليه وسلم في اليقظة مقدم على الخبر في النوم لتطرق الاحتمال للرائي بالغلط.... فلو قال له عن حلال: إنه حرام، أو عن حرام: إنه حلال، أو عن حكم من أحكام الشريعة، قدمنا ما ثبت في اليقظة على ما رأى في النوم" [ينظر: الفروق (4/245- 246) ] .
وقال في الآداب الشرعية: "قال أبو زكريا النواوي: نُقل الاتفاق على أنه لا يُغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع… ولا يجوز إثبات حكم شرعي به...." [الآداب الشرعية (3/447) ] .
وقال العلّامة المُعلِّمي - رحمه الله -: "اتفق أهل العلم على أنّ الرؤيا لا تصلح للحجة، وإنما هي تبشير وتنبيه، وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حُجّة شرعية صحيحة" [التنكيل (2/242) ] .
وبهذا يتبين ضلال أهل البدع والصوفية الذين يزعمون أنهم رأوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه أمرهم ونهاهم بأمور تخالف الشريعة أو لم تثبت في الشريعة، لأن الرؤى لا يُعول عليها في إثبات الأحكام الشرعية.(4/143)
وأما حديث: "من رآني في المنام". فقد أخرجه البخاري (110) ومسلم (2266) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي". وللعلماء في تفسير هذا الحديث أقوال أُجملها فيما يلي:
1- أن المراد بهذا الحديث أن من رأي النبي -صلى الله عليه وسلم- في منامه على صورته المعروفة وأوصافه الجسمانية التي دلت عليها الأحاديث فكأنه رآه في اليقظة، وكان محمد بن سيرين إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: صف لي الذي رأيته فان وصف له صفة لا يعرفها قال: لم تره" ذكره البخاري في الصحيح معلقاً وسنده صحيح.
وأخرج الحاكم (8186) من طريق عاصم بن كليب: حدثني أبي، قال: قلت لابن عباس: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام، قال: صفه لي، قال: ذكرت الحسن بن علي فشبهته به. قال: قد رأيته. وسنده جيد.
وقال القاضي عياض: "يحتمل أن يكون معنى الحديث: إذا رآه على الصفة التي كان عليها في حياته لا على صفة مضادة لحاله، فإن رؤي على غيرها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة، فإن من الرؤيا ما يخرج على وجهه، ومنها ما يحتاج إلى تأويل".
2- وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بهذا الحديث أن كل من رأي النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام فإنه يراه حقيقة، سواء كانت رؤيته على حقيقته المعروفة أو غيرها، قال القرطبي: "الصحيح في تأويل هذا الحديث أن مقصوده أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثا بل هي حق في نفسها، ولو رؤي على غير صورته فتصور تلك الصورة ليس من الشيطان بل هو من قبل الله".(4/144)
3- وذهب بعض العلماء إلى أن هذا الحديث خاص بأهل عصره صلى الله عليه وسلم ممن آمن به قبل أن يراه، قال المازري: " إن كان المحفوظ: " فسيراني في اليقظة " احتمل أن يكون أراد أهل عصره ممن يهاجر إليه، فإنه إذا رآه في المنام جعل ذلك علامة على أنه يراه بعد ذلك في اليقظة وأوحى الله بذلك إليه صلى الله عليه وسلم".
4- وذهب بعض العلماء إلى أن هذا الحديث خاص بالصحابة الذين رأوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وعرفوا صفته، فمن رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم في منامه بعد وفاته فإنه رآه حقاً؛ لأنهم رأوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وعرفوه، ويشعر بهذا قوله: "من رآني"، قال ابن جزي المالكي: "تنبيه: قال صلى الله عليه وسلم: "من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي"، وقال العلماء: لا تصح رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- قطعاً إلا لصحابي رآه حافظ صفته حتى يكون المثال الذي رآه في المنام مطابقاً لخلقته صلى الله عليه وسلم" [ينظر القوانين الفقهية لابن جزي (ص 379) ] .
وقال الإمام القرافي: " قال العلماء: إنما تصح رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأحد رجلين أحدهما صحابي رآه فعلم صفته فانطبع في نفسه مثاله فإذا رآه جزم بأنه رأى مثاله المعصوم من الشيطان، فينتفي عنه اللبس والشك في رويته عليه السلام، وثانيهما رجل تكرر عليه سماع صفاته المنقولة في الكتاب حتى انطبعت في نفسه صفته عليه السلام، ومثاله المعصوم كما حصل ذلك لمن رآه فإذا رآه جزم برؤية مثاله عليه السلام كما يجزم به من رآه فينتفي عنه اللبس والشك في رؤيته عليه السلام، وأما غير هذين فلا يحصل له الجزم، بل يجوز أن يكون رآه عليه السلام بمثاله، ويحتمل أن يكون من تخييل الشيطان، ولا يفيد قول المرئي لمن يراه أنا رسول الله، ولا قول من يحضر معه هذا رسول الله؛ لأن الشيطان يكذب لنفسه ويكذب لغيره ... "، هذا والله أعلم.(4/145)
إطلاق البدعة على المسائل الاجتهادية
المجيب د. محمد بن حسين الجيزاني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/مسائل متفرقة
التاريخ 25/03/1427هـ
السؤال
هل كل ما قام على أصل ضعيف من العبادات يدخل في مفهوم البدعة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن كل عبادة استندت إلى أصل صحيح فإنها لا تكون بدعة من هذا الوجه.
وكذلك كل عباده استندت إلى أصل باطل فهي بدعة.
لكن الأصل الضعيف منه ما هو شديد الضعيف فيلحق بالأصل الباطل، ومنه ما يكون ضعفه مما ينجبر فهذا لا يجزم بإلحاقه بالأصل الباطل، ومنه ما يكون ضعفه محتملاً للانجبار ومورداً لاجتهادات العلماء.
والمقصود أن الضعف درجات، ومن الأمثلة على ذلك الحديث الذي اختلف الأئمة في تضعيفه وتحسينه، وكذا القياس الذي يتفاوت العلماء في إعماله وإهماله.
ومن ذلك أيضاً الاختلاف الحاصل في الاستدلال بالعمومات والمفاهيم والتأويلات، فإنها دلالات تحتمل القبول والرد في أغلب الأحيان.
والقاعدة المحكمة في هذا الباب: أن الابتداع لا يدخل في الأمور الاجتهادية، فمتى صحَّ تصنيف الخلاف تحت باب الاجتهادات لم يجز إطلاق وصف البدعة على أحد القولين.
ومن الأمثلة على ذلك الخلاف في وضع اليدين في الصلاة بعد الرفع من الركوع، والتسبيح بالمسبحة، ومسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء.
فهذه المسائل لا يدخلها الابتداع من هذا الوجه، ولا يقال لمن أخذ بأحد القولين إنه مبتدع؛ نظراً لكونها من المسائل الاجتهادية. والله أعلم.(4/146)
رؤية المهدي
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/المعجزات والكرامات
التاريخ 8/6/1424هـ
السؤال
إحدى الفتيات، وذكر اسمها في الجرائد، وقيل إنها قد رأت المهدي، فهل هذا من الممكن؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. وبعد:
فهذه الفتاة التي زعمت الجرائد عنها أنها رأت المهدي، هل هذه الرؤية رؤية عين أو منامية؟ وهل تعرف المهدي حتى تحكم بأنه هذا الذي رأت؟!!
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الله تبارك وتعالى يبعث في آخر الزمان خليفة يكون حكماً عدلاً، يلي أمر هذه الأمة من آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم- من سلالة فاطمة يوافق اسمه اسم الرسول - صلى الله عليه وسم- واسم أبيه اسم أبي النبي - صلى الله عليه وسلم- وقد وصفته الأحاديث بأنه أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً. انظر مثلاً ما رواه الترمذي (2231-2232) ، وأبو داود
(4282-4285) من حديث ابن مسعود وأبي سعيد الخدري -رضي الله عنهما-
فليس كل من كان اسمه محمد بن عبد الله أجلى الجبهة، أقنى الأنف هو المهدي الموعود في الأحاديث.
وليس الناس هم الذين يبعثونه، بل يبعثه الله، ولا يعرف متى حتى تكتمل فيه المواصفات ومنها ولايته واستخلافه على المسلمين، وملؤه الأرض عدلاً بعد استخلافه بعد أن ملئت جوراً، وظهوره يكون قرب نزول المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام-.(4/147)
فنصيحتي لإخواني المسلمين عدم الاشتغال بمثل هذه الأمور لأنها مضيعة للوقت، وإنما عليهم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم- للذي يسأل عن الساعة؟ قال له - صلى الله عليه وسلم-: "وماذا أعددت لها؟ " رواه البخاري (3688) ، ومسلم (2639) من حديث أنس -رضي الله عنه- فيجب أن نشغل أنفسنا بالسؤال عما أعددنا للساعة، أما الكبرى أو الصغرى، وهي موت الإنسان ومغادرته هذه الحياة، وقد كثر أدعية المهدي من قديم الزمان، فيجب الحذر وعدم الاهتمام والانشغال بمثل هذه الإشاعات. والله أعلم.(4/148)
سماع الرسول السلام عند قبره
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-
العقائد والمذاهب الفكرية/المعجزات والكرامات
التاريخ 15/8/1423هـ
السؤال
هل عندما أسلم على الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند قبره يرد السلام؟ أفيدونا - جزاكم الله خيراً -.
الجواب
ورد سؤال مشابه على اللجنة الدائمة فأجابت عنه فإليك السؤال والإجابة.
السؤال: هل يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - كل دعاء ونداء عند قبره الشريف أو صلوات خاصة حين يصلى عليه كما في الحديث "من صلى علي عند قبري سمعته" إلى آخر الحديث، أهذا الحديث صحيح؟ أو ضعيف؟ أو موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
الجواب: الأصل أن الأموات عموماً لا يسمعون نداء الأحياء من بني آدم ولا دعاءهم كما قال - تعالى -: "وما أنت بمسمع من في القبور" [فاطر:22] ولم يثبت في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ما يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع كل دعاء أو نداء من البشر حتى يكون ذلك خصوصية له، وإنما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه يبلغه صلاة وسلام من يصلي ويسلم عليه فقط سواء كان من يصلي عليه عند قبره أو بعيداً عنه، كلاهما سواء في ذلك؛ لما ثبت عن علي بن الحسين بن علي - رضي الله عنهم - "أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيدخل فيها فيدعو فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم" أبو داود (2042) ، وأحمد (8804) بدون ذكر قصة علي بن الحسين - رضي الله عنهم -.(4/149)
أما حديث "من صلى عليّ عند قبري سمعته ومن صلى عليّ بعيداً بلغته" انظر الضعيفة (203) فهو حديث ضعيف عند أهل العلم، وأما ما رواه أبو داود (2041) بإسناد حسن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام" فليس بصريح أنه يسمع سلام المسلم، بل يحتمل أنه يرد عليه إذا بلغته الملائكة ذلك، ولو فرضنا سماعه سلام المسلم لم يلزم منه أن يلحق به غيره من الدعاء والنداء.
[فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، المجلد الأول، ص: 314] .(4/150)
كشف الحجاب ورؤية الجان
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/المعجزات والكرامات
التاريخ 22/6/1424هـ
السؤال
هل صحيح أنه يوجد من البشر أناس مكشوف عنهم الحجاب، وبذلك يستطيعون أن يروا الجان؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
قضية الكشف: أصلها مصطلح صوفي، والكشف كشفان:
أحدهما: لأولياء الرحمن؛ وهو ما يجريه الله تعالى من الكرامات على يد ولي من أوليائه لمصلحة في الدين، أو حاجة في الدنيا.
والثاني: لأولياء الشيطان؛ وهو ما يدعيه بعض أهل الشطح من الكشوفات والتجليات للحضرة الإلهية، وكذلك ما يدعيه السحرة والممخرقون من انكشاف الحجب، وزوال الأسباب.
وعليه فالمسؤول عنه هو من النوع الثاني، لأن الجان لا يمكن رؤيتهم بالصورة التي خلقوا عليها في هذه الدنيا، أما حين يتشكلون ويتصورون بصور بعض المخلوقات والحيوانات والطيور كما ثبت ذلك في النصوص، فإنه والحالة هذه يراهم كل أحد، لكن الشأن في معرفة أنهم في نفس اللحظة قد تشكلوا بهذه الهيئات. والله أعلم.(4/151)
إغاثة الأولياء بعد موتهم
المجيب د. عثمان بن جمعة عثمان ضميرية
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/المعجزات والكرامات
التاريخ 2/3/1425هـ
السؤال
سمعنا أحد الدعاة يقول: إن الأولياء قادرون على إغاثة الناس بأرواحهم بعد موتهم؛ لأنه قد ثبتت لهم الكرامات، والكرامة شيء خارق للعادة، والله -عز وجل- قدير على أن يعطيهم هذه القدرة، فما رأيكم؟ أرجو التفصيل لأهمية الموضوع. -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(4/152)
فإن النصوص الشرعية قد جاءت ببيان أن لله –تعالى- أولياء؛ كقوله – سبحانه وتعالى-: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون" [يونس:62-63] ، وغير ذلك من الآيات الكريمة، والولي هو من والى الله –تعالى- وتقرَّب إليه بمرضاته وبموافقته فيما يحب – سبحانه-، والمؤمنون المتقون الذين هم أولياء الله –تعالى- يجعل الله لهم مخرجاً مما ضاق على الناس ويرزقهم من حيث لا يحتسبون، فيدفع الله عنهم المضار، ويجلب لهم المنافع، ويعطيهم الله –تعالى- أشياء من الكرامات، وخوارق العادات، وهذه الكرامات للأولياء ثابتة بالكتاب والسنة، كما وقع لعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد -رضي الله عنهما- وكما وقع لغيرهما من الصحابة –رضي الله عنهم- والتابعين، وأعظم الكرامات: الاستقامة على طاعة الله –تعالى- والالتزام بكتابه وسنة نبيه –صلى الله عليه وسلم-، ولذلك قال بعضهم: (كن طالباً للاستقامة لا طالباً للكرامة، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة) ،وليس من شأن الولي أن يتحدث بالكرامة، ويباهي بها، فإن ذلك من حب الظهور والسمعة، مما يتنافى مع أصل التقوى والولاية، فإذا ثبت حصول الكرامة لشخص فعندئذ نصدق بها، ولذلك ينبغي التثبت والتيقن، فما كل ما يتحدث به الناس ويتناقلونه في هذا الباب يكون ثابتاً وصحيحاً، وما ينقل من الخوارق عن غير المؤمنين المتقين – مما يقع لبعض الناس من المسلمين وغير المسلمين- فهو قضاء حاجات استدراجاً لهم في الدنيا، وعقوبة لهم في الآخرة، ووقوعه ممكن في الدنيا، ولا يستطيع الأولياء بعد موتهم أن ينفعوا أنفسهم ولا غيرهم، كما لا يستطيعون أن يدفعوا ضراً عن أنفسهم، ولا عن غيرهم، والله –تعالى- هو النافع الضار، المتفرد بإجابة الدعاء عند الاضطرار، فمن زعم أن أحداً من الخلق بيده شيء من ذلك خارج السنن الكونية التي أجرى الله –تعالى- الكون عليها، فهو مخطئ، ولذلك فالذي يتخذ(4/153)
كائناً ما من الكائنات ولياً ونصيراً وكاشفاً عنه السوء، كل ذلك بالمعاني الخارجة عن نطاق السنن الطبيعية التي أوجدها الله -تعالى-، يكون السبب لاعتقاده ذلك: ظنه أن لهذا الكائن نوعاً من أنواع السلطة والتدبير، والتصرف بنظام الكون، فيكون بذلك قد جعله إلهاً مع الله أو من دون الله، فينبغي الحذر من ذلك. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(4/154)
مِنْ معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-
المجيب خالد بن عبد العزيز السيف
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/المعجزات والكرامات
التاريخ 15/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
كثير من النصارى لا يؤمنون بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه -كما يعتقدون- لم يأت بنبؤات كثيرة في الماضي. وأنا أعرف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء بنبؤات كثيرة. فأرجو منكم تزويدي بقائمة توضح هذه النبؤات، وذكر أكبر عدد ممكن منها، مع توضيح مصدرها بذكر الآيات والسور. وإذا كانت من الحديث فأرجو إيراد الصحيح منها، أو تحديد درجة صحة الحديث، وفيما إذا كان يمكنني الوثوق به تمامًا. أرجو الإحاطة؛ فأنا في وضع بالغ الخطورة على ديني، لذا فأنا بحاجة ماسة لمساعدة منكم بهذا الخصوص، تزيل الشكوك وتكون حجة لي في دعوة الغير.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أجرى الله على يد رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- معجزات باهرات وآيات مبصرات، إذا نظر إليها مريد الحق دلته على صدق من جاء بها، وأنه مرسل من عند الله، لأن هذه الآيات لا يمكن أن تُجرى على يد كذَّاب، وهذه المعجزات كثيرة جداً، وأُلِّفَ فيها المؤلفات، وتناولها العلماء بالجمع والدراسة. فمن هذه المعجزات ما يلي:
1- القرآن:
وهو أعظم هذه المعجزات، بل وأعظم معجزات الأنبياء على الإطلاق، وهو القرآن الكريم والكتاب المبين، وهو آية تخاطب النفوس والعقول، وهو باقٍ دائم إلى يوم الدين لا يطرأ عليه التبديل ولا التغيير، قال الله تعالى: " وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" [فصلت:41ـ42] وقد تحدَّى الله به فصحاء العرب، وقد كانت الفصاحة والبلاغة وجودة القول هي بضاعة العرب، ولكنهم مع ذلك لم يأتوا بمثله.
2 ـ الإسراء والمعراج:(4/155)
ومن آياته أيضا إسراء النبي -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في فلسطين، قال الله تعالى: " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع العليم " [الإسراء:1] . ومن المسجد الأقصى عرج به إلى السماء، وهناك رأى من آيات الله الكبرى.
وقد استعظم الكفار من قريش دعوى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حادثة الإسراء، حيث كانت القوافل تمضي الأسابيع في الذهاب إلى فلسطين والعودة منها، فكيف يتسنى لرجل أن يمضي ويعود في ليلة؟! ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبرهم عن صفات المسجد الأقصى لما سألوه عنه، فأجابهم مع أنهم يعرفون أنه لم يذهب إليه قبل ذلك وقد جاء في الحديث عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد رأيتني في الحِجْرِ وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثله قط، قال: فرفعه الله لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به". أخرجه مسلم (172) .
3 ـ انشقاق القمر:
وهذه المعجزة أيضاً من أعظم المعجزات، وقد سأل أهل مكة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر، قال الله تعالى:"اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر" [القمر:1ـ2] . وينقل الإمام ابن كثير الإجماع على حدوث هذه الآية.
وجاء عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن أهل مكة سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر مرتين. أخرجه البخاري (3637) ومسلم (2802) وفي بعض روايات الحديث عن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- قال: بينما نحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنى إذا انفلق القمر فلقتين، فكانت فلقة وراء الجبل وفلقة دونه، فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اشهدوا" رواها مسلم (2800) .(4/156)
وقد شاهد انشقاق القمر الناس في أنحاء الجزيرة العربية، وقد ظن الكفار من أهل مكة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سحرهم، وقالوا: اسألوا المسافرين فإن محمدًا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، وفي اليوم التالي سألوا من وفد إليهم ممن كان مسافراً خارج مكة فأخبروهم أنهم رأوا القمر انشق.
4ـ تكثير الطعام:
وهذه المعجزة وقعت مراراً منه -صلى الله عليه وسلم-، فمن ذلك:(4/157)
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمَصًا، يعني: جوعًا- شَدِيدًا، فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي فَقُلْتُ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمَصًا شَدِيدًا، فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ، فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتْ الشَّعِيرَ فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: لَا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِمَنْ مَعَهُ، فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا، وَطَحَنَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا، فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ، فَصَاحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا-أي طعامًا- فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ، وَلَا تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ، فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْدُمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي، فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ، فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ، فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا، فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعِي، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلَا تُنْزِلُوهَا وَهُمْ أَلْفٌ-كان عددهم ألف رجل- فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا،(4/158)
وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ، وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ". أخرجه البخاري (4102) ومسلم (2039) .
وحوادث تكثير الطعام كثيرة جداً، لكن هذا مثال منها يغني عن البقية.
5 ـ نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم:
وقد حصلت هذه المعجزة أكثر من مرة في ظروف مختلفة منها:
فقد جاء عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بالزوراء ـ مكان في المدينة ـ دعا بقدح فيه ماء، فوضع كفه فيه، فجعل ينبع من بين أصابعه، فتوضأ جميع أصحابه، قال قلت: كم كانوا يا أبا حمزة؟ قال: كانوا زهاء الثلاثمائة. أخرجه البخاري (3573) ومسلم (2279) .
6 ـ كف الأعداء عنه:
وهذه المعجزة حصلت للنبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة، سواء في مكة أو في المدينة أو في خارجهما، فمن ذلك:
عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته، قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيده، قال: فقيل له مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهولاً وأجنحة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا". قال: فأنزل الله -عز وجل- لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه: "كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى. أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ـ يعني أبا جهل ـ ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه" أخرجه مسلم (2797) .(4/159)
وأيضا في غزوة حنين كما رواه سلمة بن الأكوع –رضي الله عنه- قال: فلما غشوا-أي الكفار- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم فقال:"شاهت الوجوه" فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينيه ترابًا بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم الله -عز وجل- وقسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غنائمهم بين المسلمين. أخرجه مسلم (1777) .
ومنها أيضاً: كما جاء عن جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- قال: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزوة قبل نجد، فأدركنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وادٍ كثير العضاه، فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت شجرة، فعلَّق سيفه بغصن من أغصانها، قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"إن رجلًا أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتا في يده، فقال لي: من يمنعك مني؟ قال: قلت: الله، ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟ قال: قلت: الله، قال: فشام السيف فها هو ذا جالس". ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري (2910) ومسلم (843) .
وغيرها كثير.
7 ـ إبراء المرضى:
وهذا أيضاً وقع للنبي -صلى الله عليه وسلم- مرات عدة منها:
انكسرت رجل عبد الله بن عتيك –رضي الله عنه- فأتى للرسول -صلى الله عليه وسلم- فمسحها فعادت كأن لم يصبها أذى. صحيح البخاري (4039) . ومنها أيضاً أن علي بن أبي طالب اشتكى عينيه، فبصق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في عينيه، فبرأ كأن لن يكن به وجع. صحيح البخاري (3009) ومسلم (2406) .
وغيرها كثير.
8ـ إخباره بالأمور المغيبة:(4/160)
وهذا أيضاً حصل أكثر من مرة، فعلى سبيل المثال: أخبر باستشهاد قادة المسلمين الثلاثة -رضي الله عنهم- في معركة مؤته، واستلام خالد بن الوليد -رضي الله عنه- الراية من بعدهم في نفس اليوم الذي وقع فيه الحدث. صحيح البخاري (3757) .
وعندما توفي النجاشي ملك الحبشة أخبر بوفاته في نفس اليوم. صحيح مسلم (953) .
ومنها أيضاً إخباره بأماكن مصرع صناديد قريش في معركة بدر، كما جاء عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"هذا مصرع فلان". قال: ويضع يده على الأرض ههنا وههنا، قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخرجه مسلم (1779) .
هذه بعض المعجزات مع بيان مصادرها الأصلية، وقد اعتمدت في مصادرها على صحيح البخاري ومسلم، الذين هما أصح الكتب بعد القرآن الكريم.
وهذه المعجزات والدلائل اشتهرت عند من شاهدها، بل وتناقلها الناس وحضرها جمع كبير أكثر ممن حضر معجزات المسيح عليه السلام.(4/161)
بين كرامات الأولياء ومعجزات الأنبياء
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/المعجزات والكرامات
التاريخ 12/3/1425هـ
السؤال
هناك قول نسمعه وهو ما صح أن يكون معجزة لنبي صح أن يكون كرامة لولي، من قائل هذا الكلام؟ وما معناه؟ وهل هذا يعني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد شق له القمر وعرج به إلى السماء، وأن الولي الصالح يمكن أن يكون له هذه الكرامة أيضاً؟. أفيدونا بارك الله بكم.
الجواب
الحمد لله، معجزات الأنبياء وهي الآيات والبينات والبراهين على صدقهم، وكرامات الأولياء كلها من خوارق العادات، وكل الخوارق يرجع إلى نوع القدرة والتأثير، أو العلم، أو الغنى.
فالخوارق تتنوع بحسب هذه المعاني، فمعجزات الأنبياء منها ما يكون علمياً، ومنها ما يكون من قبيل القدرة، ومنها ما يكون من قبيل الغنى، وهكذا كرامات الأولياء.
وقول القائل: (ما صح أن يكون معجزة لنبي صح أن يكون خارقاً لولي) ، معناه: أن ما كان معجزة للنبي إن حصل مثله للولي فهو كرامة، وليس المقصود أن كل معجزة من معجزات الأنبياء يكون مثلها للأولياء، لكن إن حصل للولي من الخوارق ما يشبه بعض معجزات النبي فهو في حقه كرامة، وما كان كرامة لولي فإنه معجزة للنبي الذي يتبعه هذا الولي؛ لأنه إنما حصل له هذا الخارق بسبب اتباعه، فتكون الكرامة حجة على صحة الدين الذي هو عليه، وبهذا يعلم أنه لا يلزم أن كل خارق حصل لنبي يكون مثله لأحد من الأولياء، فانشقاق القمر وعروج النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحصل لغيره ولن يحصل.
وقد ذكر شيخ الإسلام بن تيمية أن خوارق الأنبياء لا يقدر على مثلها أحد من البشر، فلا بد أن تتميز خوارق الأنبياء على كرامات الأولياء.(4/162)
وأما صاحب هذه المقولة فأنا لا أعرفه، ويمكن الرجوع لمعرفته إلى الكتب المعنية بالمعجزات والكرامات مثل كتاب النبوات لابن تيمية. والله أعلم.(4/163)
علم الأبراج
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/المعجزات والكرامات
التاريخ 27/2/1425هـ
السؤال
أريد أن أستفسر عمن يهتم بتاريخ ميلاد الآخرين، بحجة أنه بذلك يعرف بعضاً من جوانب شخصية الآخرين لانتمائهم للبرج الفلاني، كأن يقول: إن من كان من برج (الأسد) فهو يمتاز بشخصية قيادية!، ويقول: إن شخصية برج (الدلو) تتعلق بـ (الجوزاء) ، وتكون علاقتهم قوية، وغيرها من التحليلات. كيف يمكنني أن أرد على هؤلاء بالدليل من القرآن والسنة؟ أرجو مساعدتي لأن الظاهرة واسعة الانتشار، ويقول من يعتقد بهذا الشيء أنه لا يؤمن بالأبراج من ناحية الحظوظ والغيبيات! ولكن يؤمن بأنه كل من ينتمون لبرج معين يشتركون في صفاتهم الشخصية! وأمر آخر بدأ يتفشى بحجة أنها فراسة، سمعت عن امرأة أنها ما إن تنظر إلى صورة شخص حتى تعطى تفاصيل عن شخصيته على الرغم من أنها لا تعرفه، وأنها شاهدت صورة لعروسين في حفلة زفافهما فقالت عن شخصيتهما ومدى قوة علاقتهما ستكون وغيرها من الأمور التي جعلت إحدى قريبات الزوجين تقول بتعجب: لقد ذكرت تفاصيل وكأنها عاشت معهما ... ! أرجو إفادتنا ... هل هذه المرأة لديها فراسة كما شاع بين الناس ... أم هي دجالة؟ -جزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
من الأمور المقررة في عقيدة الإسلام أن الخلق والإيجاد والتدبير، وعلم الغيب مما يختص به الرب -تعالى- لا يجوز منازعته في ذلك، ولا أن يضاف ذلك إلى شيء من الخلق وبالتالي فإن الأبراج والأنواء، وكذا الأعوام والأيام هي ذوات مخلوقة مربوبة، وهي ظروف وأزمنة وأفلاك خلقها الله -تعالى- وأوجدها لحكم عظيمة، ولم يجعل إليها شيئاً من التأثير على الخلق بذواتهم أو صفاتهم، ومن حكم خلق النجوم، وهي أكثر ما يتعلق بها هؤلاء وغيرهم:(4/164)
1- أنها الزينة للسماء 2- رجوماً للشياطين 3- علامات للمسافرين؛ قال -تعالى-: "وعلامات وبالنجم هم يهتدون" [النحل:16] ، وقال -تعالى-: "ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين" [الملك:5] ، وكون الإنسان يولد في نجم معين أو برج معين، لا علاقة لشقاوته أو سعادته بها، وبالتالي فمن اعتقد أن هذه الأبراج تؤثر بذاتها على الناس فذلك نوع من الشرك الأكبر وهو شرك في الربوبية؛ لأنه أضاف الخلق والتأثير إليها.
ومن لم يعتقد ذلك ولكنه يخبر عن أحوال الناس، وماذا سيحصل لهم بناء على أبراجهم فهذا من التكهن وادعاء علم الغيب، وعلم الغيب اختص به الرب -تعالى-؛ قال تعالى: "قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله" [النمل:65] ، وقال -صلى الله عليه وسلم -: "خمس لا يعلمهن إلا الله، وقرأ: "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير" [لقمان:34] .. الحديث رواه البخاري (50) ومسلم (9) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. أما دعوى أن الذين يولدون في برج معين فيكون بينهم قاسم مشترك من الصفات، فهذا مع كونه جرأة على الغيب، وربطاً للصفات بالأبراج، فهو أيضاً يكذبه الواقع، حيث ترى أشخاصاً ولدوا في يوم واحد، بل؛ ونجدهم أحياناً توأمين، ويكون بينهم من الاختلاف في صفاتهم وأخلاقهم الشيء الكثير، وعلى كل حال فالواجب الإعراض عن هذا المسلك، وعدم تصديق أدعيائه أو الاستماع إليهم، أو قراءة ما ينشرون، فكثير منهم جعل ذلك باباً لأكل أموال الناس بالباطل، والضحك على البسطاء والسذج من الناس.
أما فيما يتعلق بحال تلك المرأة فإن الفراسة حق، وتثبت في كثير من الأحوال لأهل الإيمان والصلاح، ولكن لم يجعلوها مهنة أو عادة يتعرضون بها للناس فيميزون صفاتهم، ويقارنون بين بعضهم البعض، ولا يبعد عمن يمتهن هذه المهنة الدجل والشعوذة. والله أعلم.(4/165)
هل هذه كرامة أم خرافة؟!
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/المعجزات والكرامات
التاريخ 17/04/1425هـ
السؤال
السلام عليكم
ماذا تقولون في شخص غير ملتزم بدين الله، يؤخذ إلى أحد المشايخ فيضع الشيخ يده على رأس هذا الشخص فيصبح ملتزما بالدين! هل هذا ممكن على ضوء كرامات الأولياء؟ فتكون من كرامات الشيخ أن يهتدي الناس على يده؟.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
من حكمة الله -تعالى- أن يخرق العادة المطردة التي جرت عليها سنة الله الكونية في ارتباط الأسباب بمسبباتها، ونتاج الآثار عنها، وتخلفها عند انعدامها يكون ذلك لولي من أولياء الله الصالحين لمصلحة في الدين أو حاجة في الدنيا، ولا يصح ادعاؤها من أي أحد أو التطلع إليها، أو تطلبها بالمجاهدات والرياضات، وإجهاد النفس بما لم يشرعه الله لأجل الحصول على الكرامات، وإنما الكرامة هي محض منة الله -تعالى- يؤتيها من يشاء بمقتضى حكمته، وكل من كان تقياً فهو لله -تعالى- ولياً، والمدح والحمد معلق على وصف التقوى لا على حصول الكرامة، إذ ليس من شرط الإمامة في الدين، والصلاح في القلب أن يكون لصاحبها كرامات، ولا يلزم من وجود الخوارق قد تحقق صاحبها بالتقوى، إذ بعض هذه الخوارق قد تكون من أفعال السحرة والكهان، ولا يعرف الفرق بينهما إلا من أنار الله بصيرته بالعلم النافع والمعتقد الصحيح، وهذه الحالة الواردة في السؤال لها تعلق بالقلوب، إذ هداية القلوب بيد علام الغيوب، ولو كان ذلك ممكناً لبشر لحصل لخير الناس محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم- الذي كان حريصاً على هداية الخلق ودعوتهم، وحريصاً على دعوة عمه أبي طالب حتى بذل له كل ما استطاع لأجل أن يسلم، حتى أنزل الله عليه: "إنك لا تهدي من أحببت" [القصص:56] .(4/166)
فهذه دعاوى لبعض شيوخ الطرق الصوفية يزعمون أن من يتذلل للشيخ، وينطرح أمامه، ويقبل تربته، وربما حلق شعر رأسه إعلاناً للتوبة، فذلك علامة على توبته واستقامته، والحقيقة أن هذه ليست استقامة، ولا التزاماً، وإنما ارتكاس في التبعية لهذه الطرق البدعية، وانخراط في منهجها، ومن ثم يسمونه التزاماً واستقامة.
والمشايخ المستقيمون على السنة هم الذين يهدون الناس بالبيان، والدليل، وينيرون لهم الطريق بالكتاب والسنة. وفق الله الجميع للزوم السنة والدعوة إليها، والسلام وعليكم ورحمة الله وبركاته.(4/167)
اهتزاز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ رضي الله عنه
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن أبو سيف الجهني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
العقائد والمذاهب الفكرية/المعجزات والكرامات
التاريخ 07/10/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
ثبت في الحديث أن عرش الرحمن اهتز لموت سعد بن عبادة، رضي الله عنه، ما حقيقة هذا؟ وما المقصود منه؟ لأن عرش الرحمن أعظم من أن يهتز لموت أحد، مع عظيم احترامنا للصحابي الجليل، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
بسم الله، وصلى الله على رسوله ومصطفاه.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اهتزاز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ- لا ابن عبادة- رضي الله عنهما، حقٌّ ثابت، وقع على كيفية نجهلها تليق بعظمة العرش ولا تقتضي نقصًا ولا عيبًا، ويجب على المسلم الإيمان بذلك يقينًا؛ لأن إيمانه به هو مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أخبرنا بلسانه عن ذلك، قاله لصحابته، رضي الله عنهم، وسمعوه منه يقينًا؛ إذ الأحاديث عنه بذلك متواترة، ومعلوم أن المتواتر أثبت أنواع الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم، ولو لم يقله صلى الله عليه وسلم لما علمناه ولما قلنا به، ولو كان غير ثابت عنه صلى الله عليه وسلم لرددناه على قائله ولم نقبله منه؛ لأن الإخبار عن المغيبات لا سبيل إليه إلا من قبله صلى الله عليه وسلم؛ (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ(4/168)
أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ) [الجن:27،26] . فيجب التسليم لخبره صلى الله عليه وسلم بالتصديق واليقين من غير حرج من خبره، ولا ضيق صدر به، والتسليم له تسليمًا تامًّا، (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) [النساء:65] . والمقصود من اهتزاز العرش الاستبشار بقدومه، رضي الله عنه. انظر كتب المتواتر وأقربها (نظم المتناثر من الحديث المتواتر) للكتاني.(4/169)
كرامة المشي على الماء
المجيب د. فوزي محمد ساعاتي
أستاذ التاريخ بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/المعجزات والكرامات
التاريخ 10/10/1425هـ
السؤال
أستاذنا الجليل: هل هناك في تاريخ الصحابة، رضي الله عنهم، والتابعين والأمم السابقة من كانت له كرامة السير على الماء؟ وهل يمكن أن يتكرر مثل هؤلاء الصحابة، رضي الله عنهم، أو التابعين في أمة محمد، صلى الله عليه وسلم- مرة أخرى؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم(4/170)
حصل المشي على الماء مع الصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي، رضي الله عنه، في مسيره إلى أهل الردة ونشر الإسلام، فساروا على الماء وهم يتحدثون دون أن يفقدوا شيئًا، وكذلك مع العلاء، رضي الله عنه، أيضًا حينما كان في الصحراء ليلًا ونفرت إبلهم وخيولهم، وباتوا بشر ليلة، وفي الصباح وبعد الصلاة دعا العلاء، رضي الله عنه، ربه، فجاءت سحابة وأمطرت حولهم لا تتعداهم، فجاءت إليهم إبلهم وخيولهم، وحصل ذلك أيضًا مع الصحابي سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، حينما عبر نهر دجلة على الماء حتى أذهل الحامية الفارسية المرابطة على الضفة الأخرى، فصاحوا: (ديواني) - أي مجانين- كيف تعبرون وسوف تغرقون. ولكنهم وصلوا إلى الضفة الأخرى دون أن ينال أحدهم أذى، حتى أنهم فقدوا كوب ماء لأحدهم، فجاء المد وألقاه إليهم، فلم يفقدوا شيئًا، وكان سعد، رضي الله عنه، مستجاب الدعوة، حيث دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم- له بقوله في غزوة أُحد: "اللهُمَّ اسْتَجِبْ لِسَعْدٍ إذَا دَعَاكَ". أخرجه الترمذي (3751) . والخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إلى يوم الدين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "خَيرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الذين يَلُونَهُم، ثم الذين يَلُونَهُمْ". أخرجه البخاري (2652) ومسلم (2533) . فما أرجح حصول ذلك الآن، فعصر الصحابة، رضي الله عنهم، له ميزته، ولهم فضلهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ". أخرجه البخاري (3673) ومسلم (2541) . إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن لبعض الصحابة، رضي الله عنهم، كرامات، وقد نشرت بحثًا في مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الآداب والعلوم الإنسانية، م (1417- 1997) ، بعنوان: (بشارات النبي صلى الله عليه وسلم) . وأيضًا في مجلة جامعة أم القرى بعنوان: (دلائل نبوية إلى الأحداث المستقبلية) . سوف ينشر- إن شاء الله تعالى.(4/171)
رفع القرآن في آخر الزمان
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 18/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما معنى رفع القرآن الذي ورد في إحدى فتاوى الموقع أنه من العلامات الكبرى للقيامة؟.وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فإن معنى رفع القرآن الوارد في علامات الساعة أنه يرفع من الصدور والمصاحف، فلا يبقى في الصدور منه آية، ولا في المصاحف منه حرف، وهذا هو الذي عناه العلماء بقولهم: (منه بدأ وإليه يعود) ،وقد ورد من حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها" أخرجه ابن ماجة في سننه/ كتاب الفتن، باب ذهاب القرآن والعلم برقم (4048) ، والحاكم في المستدرك (4/473) ، وصححه ووافقه الذهبي، وأورده ابن حجر في شرحه الفتح (13/16) ، وعزاه إلى ابن ماجة وقوى إسناده ثم قال: "وعند الطبراني عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- ولينزعن القرآن من بين أظهركم يسرى عليه ليلاً فيذهب من أجواف الرجال فلا يبقى في الأرض منه شيء" قال ابن حجر وسنده صحيح لكنه موقوف. وانظر للمزيد مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (3/174، 3/198، 6/529) ، وانظر لوامع الأنوار البهية للسفاريني (2/131-132) . والله الموفق.(4/172)
نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 19/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
نحن نؤمن أن عيسى -عليه الصلاة والسلام- سيكون من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما ينزل إلى الأرض، وسوف يتبع شريعة القرآن. هل هذا صحيح؟ أرجو تقديم بعض الأدلة من القرآن والسنة على كون عيسى- عليه السلام- من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وبعد:(4/173)
فإن نبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- هو آخر الأنبياء والمرسلين لم يجعل الله –تعالى- بعده نبياً يقوم مقامه ويغني غناءه، وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بأمور من الغيب كثيرة وقع منه أمور منها وبقيت أمور، ومما بقي أشراط الساعة الكبرى، والتي منها نزول عيسى -عليه السلام- الذي وقع بسبب رفعه إلى السماء وصلب شبيه له، فتنة عظيمة لبني إسرائيل ومن اتبع دين النصارى، حتى يومنا هذا، فاعتقدوا فيه العقائد الباطلة ونسبوه ابنا لله –تعالى- وعبدوا ما ظنوا أنه صلب عليه، وقد بين الله الحق في شأنه في آيات كثيرة منها ما جاء في سورة مريم ومنها ما جاء في سورة النساء "وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً" [النساء:159] ، وجاءت أحاديث كثيرة في شأن نزوله في آخر الزمان بلغت حد التواتر، ومنها ما جاء في الصحيحين وغيرهما عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة – رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ" البخاري (2222) ، ومسلم (155) ، زاد عند مسلم: وفي رواية ابن عيينة: "إماماً مقسطاً، وحكماً عدلاً". وفي رواية يونس: "حكماً عادلاً". ولم يذكر "إماما مقسطاً". وفي حديث صالح: "حكماً مقسطاً" كما قال الليث، وفي حديثه من الزيادة: "وحتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها". صحيح البخاري (3448) . ثم يقول أبو هريرة- رضي اله عنه-: (اقرؤوا إن شئتم وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) ، وعند أبي داود (4324) ، وابن ماجة (4078) ، وأحمد في مسنده (9270) واللفظ له من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ(4/174)
أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ نَازِلٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ رَجُلًا مَرْبُوعًا إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ وَتَقَعُ الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسُودُ مَعَ الْإِبِلِ وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ وَيَلْعَبَ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ لَا تَضُرُّهُمْ فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ"، وفي صحيح مسلم (1252) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا "، وفي صحيح مسلم أيضاً (2937) الحديث الطويل الذي فيه تفصيل لبعض أحوال ذلك الحدث الكبير عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: "ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ؟ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَقَالَ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ(4/175)
دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ قَالَ كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ(4/176)
الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمْ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمْ الْيَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ فَيَغْسِلُ(4/177)
الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنْ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنْ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنْ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنْ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنْ النَّاسِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ "، ومن النصوص الدالة على أنه يحكم بالإسلام ما جاء في أبي داود (4324) ، وأحمد (9270) ، وابن أبي شيبة (37526) بسند صحيح، عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: " لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ يَعْنِي عِيسَى وَإِنَّهُ نَازِلٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ فَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ وَيُهْلِكُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ "، والأحاديث الصحيحة في هذا كثيرة بلغت حد التواتر، وقد جمعها في كتاب نفيس العلامة محمد أنور شاه الكشميري، سماه التصريح بما تواتر في نزول المسيح، وقد اعتنى به وحققه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة.(4/178)
الرايات السود في أحاديث الفتن
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 23/7/1423هـ
السؤال
ما تحقيق القول في مرويات الرايات السود الواردة في أحاديث الفتن المرفوعة والموقوفة؟ وكذا الأحاديث التي ورد فيها ذكر السفياني؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
إن أحاديث وروايات ظهور (الرايات السود) و (السفياني) من الأحاديث التي تعددت طرقها وألفاظها في كتب الملاحم وأشراط الساعة، حتى إن طرقها لتكاد تملأ مصنفاً كاملاً، وقد فرح بها فرق وطوائف، فزادوا فيها، وما زالوا!!
ومن طالع تلك الأحاديث تذكر قول الإمام أحمد:"ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير" (الجامع) للخطيب رقم (1536) ، وهو يعني بذلك: كثرة الكذب والروايات المردودة في هذه الأبواب الثلاثة، وقلة ما يصح فيها من الأحاديث.
فحديث (الرايات السود) له طرق وألفاظ بالغة الكثرة، وقد امتلأ بها كتاب (الفتن) لنعيم بن حماد.
لكني لم أجد فيها حديثاً صالحاً للاحتجاج، لا مرفوعاً، ولا موقوفاً على أحد الصحابة.
وأقوى ما ورد فيها من المرفوع -وليس فيها قوي-، الأحاديث التالية:
أولاً: حديث ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من خراسان فأتوها، فإن فيها خليفة الله المهدي"، وله ألفاظ أخرى مطولة.
وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد (5/277) من طريق شريك بن عبد الله، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي قلابة، عن ثوبان به.
وهذا إسناد منقطع، حيث إن أبا قلابة لم يسمع من ثوبان شيئاً، كما قال العجلي رقم (888) .
وقد ذكره ابن الجوزي من هذا الوجه في (العلل المتناهية رقم 1445) ، وأعله بعلي بن زيد بن جدعان.(4/179)
وأخرجه ابن ماجة رقم (4084) ، والبزار في مسنده (المخطوط –النسخة الكتانية- 223) ، من طرق صحيحة عن عبد الرزاق الصنعاني، عن الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، بنحوه مطولاً مرفوعاً.
وقال البزار عقبه:"إسناده إسناد صحيح".
وقال البيهقي عقبه في (الدلائل 6/515) :"تفرد به عبد الرزاق عن الثوري".
قلت: إسناده أقل أحواله الحُسن في الظاهر، وحتى التفرد الذي ذكره البيهقي منتقض بما أخرجه الحاكم في (المستدرك 4/463-464) ، قال:"أخبرنا أبو عبد الله الصفار: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أورمة: حدثنا الحسين بن حفص: حدثنا سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان ... "، وقال الحاكم عقبه:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين".
وقد نقل هذا الإسناد –كما ذكرته- الحافظ ابن حجر في (إتحاف المهرة 3/53 رقم 2513) ، مما يُبعد احتمال وقوع خطأ مطبعي فيه.
وإسناد الحاكم رجاله ثقات، إلا محمد بن إبراهيم بن أورمة، فلم أجد له ذكراً، إلا في هذا الإسناد الذي صححه الحاكم.
لكن للحديث وجه آخر أخرجه الحاكم (4/502) ، وعنه البيهقي في (الدلائل 6/516) ، من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان موقوفاً عليه غير مرفوع إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-.
قلت: فمع هذا الاضطراب في إسناده، مع نكارة متنه، وعدم قيام إسناد من أسانيده، بتحمل هذا الحد من التفرد لا أستطيع أن أطمئن إلى قبول هذا الحديث، خاصة مع عبارات لبعض أئمة النقد، تدل على تضعيف الحديث من جميع وجوهه.(4/180)
بل قد وقفت على إعلالٍ خاصّ واستنكار خاص لهذا الحديث على خالد الحذاء (مع ثقته) فقد جاء في العلل للإمام أحمد برواية ابنه عبد الله رقم (2443) : "حدثني أبي، قال: قيل لابن عُليّة في هذا الحديث: كان خالد يرويه، فلم يلتفت إليه، ضعف ابن عليّه أمره. يعني حديث خالد عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في الرايات" وانظر الضعفاء للعقيلي – ترجمة خالد بن مهران الحذاء – (2/351 رقم 403) والمنتخب من علل الخلال لابن قدامة (رقم 170) .
ثانياً: حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:"إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً، حتى يأتي قوم من قبل المشرق، معهم رايات سود، فيسألون الخير، فلا يُعطونه، فيقاتلون فيُنصرون، فيُعطون ما سألوا، فلا يقبلونه، حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها قسطاً، كما ملؤوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم، فليأتهم ولو حبواً على الثلج".
أخرجه ابن ماجة (رقم 4082) ، والبزار في مسنده (رقم 1556-1557) ، والعقيلي في (الضعفاء) ترجمة يزيد بن أبي زياد (4/1494) ، وابن عدي، ترجمة يزيد بن أبي زياد (7/276) ، من طريق يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس النخعي، عن عبد الله بن مسعود به مرفوعاً.
وقال عنه ابن كثير في (البداية والنهاية 9/278) :"إسناده حسن"، وحسنه الألباني أيضاً في (سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم 85) .
قلت: وهو كما قالا عن إسناده، في الظاهر قابل للتحسين.
لكن أول ما يلفت الانتباه إلى ما في هذا الإسناد من النكارة هو ما قاله البزار عقب الحديث، حيث قال:"وهذا الحديث رواه غير واحد عن يزيد بن أبي زياد، ولا نعلم روى يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود إلا هذا الحديث".(4/181)
ومع هذا التفرد الذي صرح به ابن عدي أيضاً عقب الحديث، فإن المتفرد به –وهو يزيد بن أبي زياد- لئن رجحنا حسن حديثه، فإن مثله لا يحتمل التفرد بمثل هذا الإسناد والمتن.
ولذلك ضعف هذا الحديث جماعة، وعدوه في مناكير يزيد بن أبي زياد.
فقد قال وكيع بن الجراح –وذكر هذا الحديث-:"ليس بشيء".
وقال الإمام أحمد:"ليس بشيء" أيضاً.
وبلغ إنكار أبي أسامة حماد بن أسامة لهذا الحديث أن قال عن يزيد بن أبي زياد بخصوص روايته لهذا الحديث:"لو حلف عندي خمسين يميناً قسامة ما صدقته!! أهذا مذهب إبراهيم؟! أهذا مذهب علقمة؟! أهذا مذهب عبد الله؟! " (الضعفاء) للعقيلي (4/1493-1495) .
ولما أنكر الإمام الذهبي هذا الحديث في (السير 6/131-132) ، قال بعد كلام أبي أسامة:"قلت: معذور والله أبو أسامة! وأنا قائل كذلك، فإن من قبله ومن بعده أئمة أثبات، فالآفة منه: عمداً، أو خطأ".
لذلك فإن الراجح ضعف هذا الحديث بل إنه منكر.
ومع هذه الأحكام من هؤلاء النقاد، لا يصح الاعتماد على المتابعة التي أوردها الدارقطني في (العلل) معلقة (5/185 رقم 808) ، وأنه قد رواه، عمارة بن القعقاع عن إبراهيم، موافقاً يزيد بن أبي زياد.
وللحديث أوجه أخرى عن ابن مسعود –رضي الله عنه-، كلها ضعيفة، ومرجعها إلى حديث يزيد بن أبي زياد، كما يدل عليه كلام الدارقطني في العلل –الموطن السابق-.
وانظر: الأحاديث الواردة في المهدي للدكتور: عبد العليم البستوي (قسم الصحيحة: 158-162، وقسم الضعيفة: 30-39) .
ثالثاً: حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:"تخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء، حتى تنصب بإيلياء" أخرجه الإمام أحمد (رقم 8775) والترمذي (رقم 2269) والطبراني في (الأوسط رقم 3560) ، والبيهقي في (الدلائل 6/516) ، كلهم من طريق رشدين بن سعد، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب، عن أبي هريرة به.(4/182)
وأشار الترمذي إلى ضعفه بقوله عقبه:"غريب".
وقال الطبراني:"لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا يونس، تفرد به رشدين".
قلت: ورشدين بن سعد اختلف فيه بين الضعف والترك، وانفراده بهذا الحديث يقتضي نكارة حديثه.
ولذلك تعقبه البيهقي بقوله:"ويروى قريب من هذا اللفظ عن كعب الأحبار، ولعله أشبه" ثم أسند رواية كعب الأحبار موقوفة عليه.
وبهذا تبين أن أصل هذا الحديث من الإسرائيليات.
وللحديث بعد ذلك روايات أشد ضعفاً من التي سبقت فإني اخترت أمثل الروايات، ليقاس عليها ما هو دونها.
وبذلك يُعلم أنه لم يصح في الرايات السود حديث مرفوع، ولا حديث موقوف على الصحابة –رضي الله عنهم-.
وأما أحاديث السفياني:
فلم أجد فيه حديثاً ظاهر إسناده القبول، إلا حديثاً واحداً، أخرجه الحاكم في (المستدرك 4/520) من طريق الوليد بن مسلم الدمشقي، قال: حدثنا الأوزاعي، عن يحيي بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة –رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:" يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق، وعامة من يتبعه من كلب، فيقتل حتى يبقر بطون النساء، ويقتل الصبيان، فتجمع لهم قيس، فيقتلها، حتى لا يمنع ذنب تلعة، ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة، فيبلغ السفياني، فيبعث إليه جنداً من جنده، فيهزمهم، فيسير إليه السفياني بمن معه، حتى إذا صار ببيداء من الأرض، خُسف بهم، حتى لا ينجو منهم إلا المخبر عنهم".
وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ولم يتعقبه الذهبي.
ولكن تدليس الوليد بن مسلم تدليس التسوية، مع نكارة حديثه هذا الذي لم أجده إلا من طريقه، يجعلني أتوقف في حديثه، إذ لعله أسقط ضعيفاً بين الأوزاعي ويحيي بن أبي كثير، وهذا هو تدليس التسوية.(4/183)
وهناك حديثان آخران فيهما ذكر السفياني، أخرجهما الحاكم وصححهما (4/468-469-501-502) ، لكن تعقبه الذهبي فيهما، فانظر: مختصر استدراك الذهبي لابن الملقن، مع حاشية تحقيقه (7/3325-3326 رقم 1109) (7/3387 رقم 1127) .
هذه أقوى أحاديث السفياني، وأنت ترى أنه لم يصح منها شيء، والله أعلم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.(4/184)
تكليم الرجل شراك نعاله
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 1/12/1422
السؤال
ورد في أشراط الساعة يكلم الرجل شراك نعاله أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - ما هو المقصود بذلك؟
الجواب
ورد حديث يرويه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس وحتى تُكَلَّم الرجلَ عَذَبَةُ سوطه وشراكُ نعله وتخبره فخذه بما أحدث أهله من بعده " رواه الترمذي (2181) . وقال: (حسن صحيح) وقال الشيخ الألباني: (سندٌ صحيح رجاله ثقات) والحديث يدل على أنه قبل قيام الساعة يحدث أمور خارقة للعادة وذلك من علامات قرب قيام الساعة، ومنها إحدى علامات الساعة الكبرى وهي: (خروج دابة تكلم الناس) نص عليها القرآن الكريم. وليس للعقل هنا مدخل، وإنما التسليم وعدم الخوض في كيفية ذلك، والله أعلم.(4/185)
موقف المسلم من الفتن في هذا العصر
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 23/11/1422
السؤال
ما موقف المسلم من الفتن في العصر الحاضر؟
الجواب
الفتنة في العصر الحاضر لها وجهان: وجه ظاهر ووجه مخفي وتسمى فتنة؛ لأن الجوانب الخفية أكثر من الجوانب الظاهرة، ولهذا فإن المسلم يجب أن يتأنى في تقييم الأمور والحكم عليها حتى تكتمل الصورة، ومثال ذلك: المرض الذي يعرض للإنسان فإنه لا يوصف العلاج إلا بعد الكشف الدقيق، وتبين نوعية المرض، وأعراض الأمراض تتشابه، ولهذا نجد كثيراً ما يعطى المريض علاجاً ولا ينتفع به؛ لأن التشخيص كان خاطئاً إما لأن الطبيب استعجل في تحديد نوعية المرض، وإما لأنه خفي عليه بعض جوانبه، وإما لأن معلوماته الطبية غير كافية ... إلى غير ذلك من الأسباب. وهكذا الفتن تتشابه ويخفى كثير من حقائقها، ولهذا يجب التثبت والتبين قبل إطلاق الأحكام، ولا ينبغي للإنسان أن يصغي لكل من يتكلم في الفتن، فإن كثيراً منهم لا يدرك الحقيقة ولا يدرك الحكم الشرعي، وإنما يتحدث من خلال العاطفة أو الهوى، وغوغاء الناس يميلون إلى من يداعب عواطفهم، ويهيج مشاعرهم وهذا لضعف التربية الدينية، والتربية العقلية، ولهذا فإن المسلم ينبغي له في مثل هذه الظروف أن يكون له الموقف الآتي:
01 أن يرجع إلى أهل العلم الذين يتحلون بالعلم الشرعي والحكمة في معالجة الأمور والتثبت، قال - تعالى-: " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ... الآية " [النساء:83](4/186)
فالله - عز وجل - يوجه المؤمنين إلى أن يرجعوا في التحقق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى أهل العلم الذين لديهم خاصية الاستنباط أي: الذين يستشفون ما وراء الأمور ولا يقفون مع الظواهر التي قد تخفى وراءها الحقيقة.
02 أن لا يتحدث في الأمور قبل أن تتضح له الحقيقة ويعلم أن الكلام بدون إدراك للحقيقة مسؤولية أمام الله - عز وجل - ولا ينخدع بكثرة الخائضين، قال - تعالى-: " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا "
[الإسراء:36] .
فإن الإشاعات والأخبار الكاذبة تكثر في ظروف الفتن مما يجعل المسلم الذي يحرص على دينه يتوقف في قبول أو نقل كل ما يسمع.
03 الاشتغال بالعمل الصالح والدعوة، ففيهما ما يشغل عن أمر الكلام فيه والسكوت عنه، بل ربما يكون السكوت أرجح وأفضل.
04 اليقين بأن الله ناصر أولياءه ومنتقم من أعدائه، ولكن لله - عز وجل - سنن وحكم تخفى على كثير من الناس، وعندما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤذى ويفتن من كفار قريش، وهو على الحق وكفار قريش على الباطل، والبلاء قد ازداد، والنفس تترقب نزول العقاب قال - عز وجل-:" فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم إن كيدي متين " [القلم: 44-45] .
أي: لا تشغل نفسك بهم دعهم لي فإن لي سنة أعاقب من خلالها المكذبين وهي الاستدراج، واشغل نفسك بما كلفت به من الدعوة.
05 الحذر من اتهام العلماء فإنهم حملة ديننا، والطعن فيهم طعن في الدين، ويستغل بعض السيئين بعض المواقف لينزع الثقة منهم، والعلماء قد تعتريهم صفات النقص البشري من جهة، وقد يدركون ما لا ندرك، وإن أخطؤوا مرة فقد أصابوا مرات.
وأخيراً الدعاء والتضرع إلى الله - عز وجل - أن يرفع عن الأمة ما حل بها، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، والله المستعان وعليه التكلان.(4/187)
صحة حديث المهدي
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 18/12/1422
السؤال
ما مدى صحة الحديث الذي يستشهد بوجوده في الدارقطني: عن محمد بن علي قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - " إن لمهدينا آيتين لم تكونا منذ خلق السموات والأرض، ينخسف القمر لأول ليلة من رمضان وتنكسف الشمس لنصف منه. وهل صحيح أن الأمر تحقق في رمضان 1984م، وما هو اعتقاد أهل السنة والجماعة فيما يخص المهدي ورفع عيسى - عليه السلام - أمات أم رفع، خصوصاً أن من يعتقد أنه توفي يستشهد بأن ذلك قول ابن مسعود - رضي الله عنه -، وشيخ الأزهر، ومحمد عبده، وابن حزم، وغيرهم؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: أقول، وبالله التوفيق:
أولاً: الأثر المنسوب إلى أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (وهو الملقب بالباقر) باطل النسبة إليه؛ لأنه من رواية عَمرو بن شِمْر عن جابر بن يزيد الجُعفي، عن أبي جعفر الباقر، كما في سنن الدارقطني (2/65) ، وعمرو بن شِمْر رجل رافضي متروك الحديث مُتهم بالكذب كما تجده في ترجمته في (لسان الميزان) لابن حجر (4/366-367) ، وجابر بن يزيد الجعفي، قال عنه الحافظ: " ضعيف رافضي " (التقريب: رقم 878) ، وبذلك تبين أن هذا الأثر لا يصح عن محمد بن علي، بل هو شديد الضعف عنه، أضف إلى ذلك أنه غير منسوب في سنن الدارقطني إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو منسوب إلى أبي جعفر الباقر نفسه من كلامه هو، لا من روايته فلو كان - افتراضاً - صحيح النسبة إلى أبي جعفر الباقر فإنه لا يكون حجة، ولا يلزم تصديق خبره، ولا يصح الجزم بصحته.(4/188)
ثانياً: أما سؤاله عما لو أن القمر انخسف في أول ليلة من رمضان، وأن الشمس انكسفت للنصف منه عام 1984م (وهي الموافقة لسنة 1404هـ كما ينبغي علينا أن نؤرخ) ، فهذا لم يقع لا في هذا العام ولا في غيره من الأعوام؛ لأن الخسوف القمري لا يكون إلا في وقت الإبدار، وهو الليالي البيض من الشهر القمري، وهي: ليلة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، والكسوف الشمسي لا يكون إلا وقت الاستسرار وهو آخر الشهر القمري، وهما يوما 28/29 من الشهر، وعلى ذلك علم الفلك قديماً وحديثاً، وقد قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً في (مجموع الفتاوى 24/257) ، وما ذُكر من وُقُوع خلاف ذلك في حادثتي موت إبراهيم ابن نبينا – صلى الله عليه وسلم –، وموت الحسين بن علي – رضي الله عنهما – فمما لا يصح من جهة النقل ومن جهة مخالفته للسنن الكونية.
ثالثاً: أما معتقد أهل السنة والجماعة في المهدي، فهو معتقد مبني على الأحاديث الثابتة في شأنه من النبي – صلى الله عليه وسلم – من كونه سيظهر عند امتلاء الأرض بالظلم رجل من ذرية الحسن أو الحسين ابني علي – رضي الله عنهم – (وهم عترة النبي – صلى الله عليه وسلم – وذريته) يوافق اسمه اسم النبي – صلى الله عليه وسلم- ومن صفته أنه أجْلى الجبهة (أي: أن شعر رأسه منحسر عن جبهته منكشفٌ عنها) أقنى الأنف (أي: في أنفه طول مع رقة أرنبته – وهي قمة الأنف – مع حدب وبروز في وسط الأنف) ،فيبايع بالخلافة ويحكم سبع سنين أو نحوها، فيكثر الخير والمال في زمنه، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ويخرج الدجال في زمنه، وينزل عيسى – عليه السلام – في فترة حكمه.
هذا مجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة في المهدي، من زمن الصحابة – رضي الله عنهم – والتابعين وأتباعهم إلى يوم الناس هذا، ولم يخالف أحد ممن يعتد بخلافه في أصل ظهور المهدي حتى لقد صنف العلماء في جمع أحاديثه مصنفات عديدة، ووصفوا أحاديث المهدي بالتواتر.(4/189)
رابعاً: أما عيسى – عليه السلام – رسول الله وعبده، فإن الله – تعالى – قد قص علينا من شأنه أصدق القصص وأحسنها، فقال – تعالى -: " فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ربنا أمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليَّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إليَّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون " إلى آخر الآيات من سورة آل عمران [52 إلى 55 فما بعدها] ، وقال – تعالى- في عده لمخازي اليهود وافتراءاتهم على الله ورسله: " وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبَّه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شكٍ منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً " [سورة النساء: 157-159] فقد بين الله – عز وجل – في هذه الآيات أوضح البيان أن عيسى – عليه السلام – لم يُسلط عليه أعداؤه من اليهود وغيرهم بالقتل أو الصلب، بل نجاه الله منهم فلم يصلوا إليه، وإنما صلبوا شبيهاً له ظنوه أنه هو، وعندها كان عيسى – عليه السلام - قد طهره الله من ذلك كله ورفعه إليه، وهذا كله مما أجمع المسلمون عليه.(4/190)
وإنما وقع الخلاف بينهم في تفسير قوله – تعالى-: " إني متوفيك " هل المقصود بالتوفي هنا الموت أم النوم كما قال – تعالى-: " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها" [الزمر: 42] ، وكقوله – تعالى-: " وهو الذي يتوفاكم بالليل " [الأنعام:60] ، أم أن المقصود بالتوفي الاستيفاء بمعنى أن الله – عز وجل – رفعه وافياً تاماً من غير أن يُنال بشيءٍ من السوء المراد به، ومع كون القول الأول وهو تفسير وفاته بموته قولاً مرجوحاً، وأن القولين الآخرين أقوى منه وأرجح عند عامة المحققين من المفسرين وغيرهم، كابن جريرالطبري (جامع البيان: 6/458) ، والواحدي (الوجيز:1/213) ، وابن كثير (تفسير القرآن العظيم: 2/44) ، إلا أن تفسير الآية به لا يُناقض الإيمان بنزول عيسى – عليه السلام – آخر الزمان في زمن المهدي وقتاله وقتله الدجال، فالله على كل شيء قدير وما إحياؤه وإنزاله إلى الأرض بعد هذه الأزمنة البعيدة بأغرب ولا أعجب من إبقائه حياً إلى زمن نزوله!! فلا علاقة بين تفسير الآية بأي واحدٍ من الأقوال السابقة والإيمان بنزول عيسى – عليه السلام – في آخر الزمان، فقد دل على نزول عيسى – عليه السلام – ثلاث آيات في كتاب الله – تعالى – الأولى: قوله – تعالى- كما في الآيات السابقة: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً" [النساء:159] ، ومعنى الآية: وما من أحد من أهل الكتاب – اليهود والنصارى – إلا سيؤمن قطعاً وجزماً بعيسى نبياً ورسولاً قبل موت عيسى – عليه السلام – ويوم القيامة يكون شاهداً عليهم أنه قد بَلَّغ الرسالة وأقر بالعبودية على نفسه.(4/191)
والثانية: قوله - تعالى-: - بعد ذكره عيسى - عليه السلام -: " وإنه لعلم للساعة فلا تَمْتَرُنَّ بها واتبعونِ هذا صراط مستقيم " [الزخرف: 61] ، ومعنى الآية: إن عيسى - عليه السلام - شرطٌ وعلامة من علامات الساعة تُعْلم به، فسُمَّي الشرط علماً لحصول العلم به.
والثالثة: قوله - تعالى- عن عيسى - عليه السلام -:" يُكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين " [آل عمران: 46] .
فالله - سبحانه وتعالى - يُعدد خصائص هذا النبي الكريم ألا وهو عيسى - عليه السلام- فذكر من عجائبه كلامه في المهد، ولا شك أنه من الخوارق أن يتكلم الوليد الذي في المهد، ثم ذكر كلامه في سن الكهولة، وسن الكهولة هو: بداية سن ظهور الشيب وقيل هو: ما بعد ثلاث وثلاثين، والكلام في سن الكهولة، لا غرابة فيه ولا يختص ذلك بعيسى - عليه السلام- فدل هذا المساق أن كلامه في الكهولة المقصود في الآية هو عند نُزُوله - عليه السلام-،كما ذهب إلى ذلك بعض السلف وأهل اللغة (تفسير الطبري 6/420) ، و (تهذيب اللغة) للأزهري (6/18) ، (وزاد المسير) لابن الجوزي (1/390) ، وأحاديث نزول عيسى - عليه السلام - من أصح الأحاديث وأثبتها، منها: ما هو في صحيحي البخاري ومسلم اللذين تلقتهما الأمة بالقبول، وفي غيرهما من صحيح السنة ومشهورها حتى لقد أجمعت الأمة عليه، فلا خلاف في ذلك بين أهل السنة والجماعة بل بين عامة المسلمين.
تنبيه:
ذكر السائل أن ابن مسعود - رضي الله عنه - كان يرى أن عيسى - عليه السلام- قد مات قبل رفعه، والصواب: أن الذي فسر قوله - تعالى-: " إني متوفيك " بالموت هو ابن عباس - رضي الله عنهما -، أخرجه الطبري في تفسيره (رقم 7141) ،وابن حاتم (رقم 637) . وأسأل الله - تعالى - لي وللمسلمين علماً نافعاً وعملاً صالحاً متقبلاً، والله أعلم، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.(4/192)
(اللحيدي) وادعاء المهدوية
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 14/5/1424هـ
السؤال
ما قولكم في الذي يدعي المهدوية على صفحات الإنترنت، وأنه هو المهدي المنتظر؟ أدعواه صحيحة أم ماذا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. اسم المهدي المزعوم: اللحيدي. بارك الله فيكم.
الجواب
هذا شخص غالباً أنه كاذب، وهو يدعي رتبة لم يبلغها، فالمهدي هو المتعارف عليه في كتب أهل السنة، وهو رجل صالح يأتي في آخر الزمان، وهذا الرجل الصالح يكون إماماً للمسلمين عندما ينزل عيسى ابن مريم - عليه السلام -، وعيسى - عليه السلام - يصلي خلفه، فإذا كان هذا الرجل يدعي أنه مهدي بمعنى أنه عالم يهدي الناس إلى طريق الحق، وكانت الدلائل تدل على أنه عالم فعسى أن يكون مهدياً من المهديين، يعني من العلماء الهداة، إذا كان عالماً بالكتاب والسنة، بصيراً بهما متبعاً لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذه علامة هداية، أما إذا كان المراد بهذا هو ما ورد في كتب السنة من أخبار بعضها صحيح غير صريح، وبعضها صريح غير صحيح، وهي كلها تدل على ظهور رجل صالح في آخر هذه الأمة، وأن هذا الرجل الصالح يقوم بأعمال جليلة، منها أنه سيكون إماماً للمسلمين عند نزول عيسى -عليه السلام-، فهذه العلامات التي ذكرت لعلها لا تتوفر في هذا الشخص، وهناك علامات كثيرة يمكن أن تراجع في كتاب التذكرة للقرطبي وفي غيره من الكتب، مع أن أكثرها ليس صحيحاً كما قلت. فهذه الدعوى غالباً أنها من نوع الكذب والدجل، والله -سبحانه وتعالى- أعلم.(4/193)
نزول عيسى بعد ظهور الدجال
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 13/3/1424هـ
السؤال
سؤالي يتعلق بعلامات الساعة الكبرى، عند ظهور الأعور الدجال، وبعد أن تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً, لماذا ينزل الله -عز وجل- عيسى -عليه السلام- دون غيره من الرسل؟ أي أعني ما هي العلاقة التي بين عيسى -عليه السلام- والمسيح الدجال؟
الجواب
خروج الدجال ثم نزول عيسى - عليه السلام- حكماً عدلاً من العلامات الكبرى الثابتة بالنص والإجماع، أما العلاقة بين عيسى والمسيح الدجال أو الأصح أن نقول: الحكمة في نزول عيسى - عليه السلام- دون غيره، فهذه المسألة تلمس لها العلماء عدداً من الحكم:
(1) الرد على اليهود الذين زعموا أنهم قتلوه فينزل ويقتلهم ويقتل رئيسهم مسيح الضلالة، كما دل عليه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- في الصحيحين البخاري (2222) ، ومسلم (155) ، وحديث النواس بن سمعان -رضي الله عنه- في صحيح مسلم (2937) ، ورجح الحافظ ابن حجر هذه الحكمة على غيرها.
(2) ومنها أنه ينزل مكذباً للنصارى فيظهر زيفهم في ما ادعوه عليه، ويحاربهم ويكسر شعارهم الصليب، كما أخبر - صلى الله عليه وسلم- "ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير.." متفق عليه عند البخاري (3448) ، ومسلم (155) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-، وعند الطبراني في الأوسط (1342) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه- "فيكسر الصليب ويقتل الخنزير والقرد" قال الحافظ في الفتح (6/491) ، إسناده لا بأس به.(4/194)
(3) أن خصوصيته بذلك لقربه من النبي - صلى الله عليه وسلم- زماناً وبشارة وتصديقاً، كما يدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم- "أنا أولى الناس بعيسى، الأنبياء أبناء عَلاَّتٍ، وليس بيني وبين عيسى نبي" أخرجه البخاري (3442) ومسلم (2365) ، واللفظ له من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-.
فرسول الله - صلى الله عليه وسلم- أخص الناس به وأقربهم إليه وقد بشر به ودعا إلى الإيمان به، قال -تعالى-: "وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ" [الصف: من الآية6] ، وقال - صلى الله عليه وسلم- " أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى"، أخرجه الحاكم في المستدرك (3619) ، واللفظ له، والإمام أحمد في مسنده (17150) عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه- وله شاهد عند أحمد في مسنده (22261) ،من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه- وجوّد سنده ابن كثير في التفسير.
(4) أن نزوله - عليه السلام - من السماء لدنو أجله ليدفن في الأرض، إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيره، ولهذا سيموت في الأرض ويصلي عليه المسلمون، كما في سنن أبي داود (4324) عن أبي هريرة - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- "ثم يتوفى فيصلِّي عليه المسلمون" وهو في صحيح الجامع (5/90) .
(5) أنه هو الذي بشر بالنبي - صلى الله عليه وسلم-، فهو الذي يدعو إلى الإسلام دين محمد - صلى الله عليه وسلم- ويقضي على جميع الأديان، ويدل عليه أول الحديث السابق عند أبي داود (4324) : "فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام....." الحديث. وفق الله الجميع لرضاه.(4/195)
مدة حصار العراق
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 9/8/1424هـ
السؤال
هناك بعض الكتب والمحاضرات الصوتية التي تشير إلى تحديد مدة حصار العراق، وقد سمعت هذا أيضاً في سلسلة علامات الساعة للدكتور طارق السويدان، وتشير في مجملها أن مدة الحصار تكون 10 إلى 18 عاماً، هل هذا وارد فعلاً في الأحاديث الصحيحة؟ وهل هناك ما يشير إلى كيفية نهاية هذا الحصار؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فإنه قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم" وقال جابر بن عبد الله - رضي الله عنه-: "يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم، قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قبل العجم، يمنعون ذاك، ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبي إليهم دينار ولا مدي، قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل الروم ثم سكت هنيةً ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حَثْياً، لا يَعُدُّه عَداً"، أخرجهما مسلم في صحيحه (2896-2913) من حديث أبي هريرة وجابر -رضي الله عنهما- ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تحديد مدة ذلك شيء، وعلى الناس شدة التحري فيما ينسبونه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-؛ حيث إن نسبة شيء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- دون تثبت إثم، فإذا كان المنسوب إليه - صلى الله عليه وسلم- كذباً كان ذلك من أكبر الكبائر التي توعد أصحابها بالنار، أعاذنا الله وإياكم من عذابه. والله أعلم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.(4/196)
ما وقع من علامات الساعة
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 6/10/1424هـ
السؤال
إلى الشيخ د. علي بن حسن الألمعي (عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد) ، لقد أجبت على سؤال: (ما هي علامات الساعة الصغرى) ؟ أرجو من فضيلتكم تحديد العلامات التي ظهرت، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن أشراط الساعة الصغرى كثيرة، وتزيد على الستين، وقد وقع منها الكثير، ولم يبق إلا القليل، وقد وقع على سبيل المثال منها ما يلي:
(1) فتح بيت المقدس.
(2) طاعون عمواس.
(3) استفاضة المال.
(4) ظهور الفتن من المشرق.
ومقتل عثمان - رضي الله عنه - وموقعة الجمل وصفين، وظهور الخوارج، وموقعة الحرة، وفتنة القول بخلق القرآن.
(5) ظهور مدعي النبوة.
(6) انتشار الأمن
(7) ظهور نار تخرج من أرض الحجاز
(8) ضياع الأمانة.
(9) انتشار الربا والزنا.
(10) ولادة الأمة ربتها.
(11) كثرة الزلازل.
(12) انتفاخ الأهلة.
(13) ظهور الكاسيات العاريات.
(14) ارتفاع الأسافل.
(15) فتح القسطنطينية الأول.
(16) ظهور الفحش وقطيعة الرحم وسوء الجوار.
(17) كثرة موت الفجأة.
(18) صدق رؤيا المؤمن.
(19) كثرة النساء وقلة الرجال.
(20) التطاول في البنيان.
(21) ظهور الشرك في هذه الأمة.
(22) كثرة الكتابة وانتشارها.
وغيرها من التي قد ظهرت، والله أعلم.(4/197)
تنزيل الأحاديث على الوقائع والأشخاص
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 27/3/1424هـ
السؤال
جزاكم الله خيراً على ما تقدمونه للإسلام والمسلمين، فقد قرأت في صحيح مسلم بعض الأحاديث التي تتكلم عن واقعنا اليوم المرير المؤلم.
ومن هذه الأحاديث حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم"، شهد على ذلك لحم أبي هريرة - رضي الله عنه - ودمه، وقد قرأت في شرح هذا الحديث أن بلاد العراق سوف تحتل وقد احتلت بالفعل، وقد أصابني الحزن الشديد والإحباط عند قراءتي لهذا الحديث، حيث استنتجت أن كلاً من مصر والشام سوف تحتل أيضاً، أرجو أن تفيدوني حول هذا الموضوع، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن هذا السؤال يحتاج منا إلى بيان ما يلي:
أولاً: أن تنزيل أمثال هذه الأحاديث؛ وهي الأحاديث الواردة في الفتن وأشراط الساعة تنزيلها على حوادث بعينها أو أشخاص بأعيانهم فيه خطورة، حيث لا يمكن الجزم بذلك.
ثانياً: أن الانشغال بهذا التنزيل لا حاجة إليه، ولا فائدة منه، بل ربما جر إلى التعجل في أمور قد كان للمسلم فيها أناة.(4/198)
وقد تأملت أمثال هذه الأحاديث فلم أجد فيها طلب التحري والبحث عنها، بل الظاهر أنها إذا وقعت تبينت، وعرف حينها من كان على علم بما ورد فيها أن تلك هي التي حدث عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -، لقد ورد في الدجال أحاديث في التحذير منه، ولكن ليس فيها تحري خروجه، والاجتهاد في تنزيل صفاته على أحد بعينه، بل الظاهر أنه إذا خرج تبين للمؤمن أنه الدجال، حتى قد ثبت في أكثر من حديث أنه مكتوب بين عينية كافر، يقرؤها كل مؤمن حتى لو كان أمياً لا يعرف القراءة انظر مثلاً ما رواه البخاري (7131) ، ومسلم (2933) ، من حديث أنس - رضي الله عنه-، مع أن هذا التحذير إنما ورد في الدجال، ولم يرد في غيره مثله، فلا ينبغي الاشتغال بمثل هذا التنزيل، فلربما شغل عما هو أهم.
ثالثاً: مما يبين خطأ التنزيل المشار إليه وخطورته أن السائلة حين نَّزلت حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي في مسلم (2896) على الواقع المعين وهو حالة العراق، واستنتجت شيئاً آخر هو احتلال الشام فأعقبها حزناً شديداً، ولم يكن بها حاجة إلى ذلك، إذ الجزم بهذا لا يستند إلى منهج صحيح دال عليه.
رابعاً: أن تنزيل مثل هذه الأحاديث إن ادعى أحد تحققه في هذا الزمن فقد وجد في الأزمان المتقدمة ما يشبه ذلك، وربما وجد من الناس من ظن تحقيق الحديث فيها ثم تبين بعد خلاف ذلك. وربما أتى أيضاً في أزمان لاحقة ما يظن تحقق الحديث فيه إلى أن تحقق تماماً، وانظري في شرح الحديث، فقد قال النووي (مسلم بشرح النووي 18/20) : وهذا قد وجد في زماننا في العراق وهو الآن موجود (والنووي قد توفي عام 676هـ) وقال القنوجي (من علماء القرن الماضي) في السراج الوهاج (11/368) بعدما نقل كلام النووي: وقد وجد ذلك كله في هذا الزمان الحاضر في العراق والشام ومصر واستولى الروم - يعني النصارى- على أكثر البلاد. أ. هـ.(4/199)
مثال ذلك ما سألت عنه الأخت، فالاحتلال للعراق والشام قد حدث في حملات الاستعمار الشاملة لكثير من بلاد الإسلام بعد سقوط الخلافة، كما أشار صديق حسن القنوجي آنفاً.
ومن الأمثلة الخطيرة ما مرّ في التاريخ من دعاوي المهدي، والتي قد يكون المدعي فيها وقع في لبس حتى مع نفسه، ثم تبين بعد ذلك أنه ليس المهدي الوارد في الأحاديث، وهذا مما تتضح به خطورة تنزيل مثل هذه الأحاديث.
خامساً: أن تفسير الحديث باحتلال العراق والشام قول من عدة أقوال في تفسير الحديث وشرحه، فقد ذكر من شرحه أن من معانيه أن يسلم من كان في العراق والشام من الكفار الذين كانوا يؤدون الجزية فتسقط عنهم الجزية، وقيل: إنه تقوى شوكتهم فيمنعون الجزية، ويمكن مراجعة شرح الحديث في المصادر السابقة، وقد أشرت في محاضرة ولعلها تنزل قريباً في الإنترنت بعنوان (الاعتماد على تواطئ الرؤى) إلى شيء من هذه المعاني والله أعلم.(4/200)
إنكار خروج المهدي لضعف أحاديثه
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 16/7/1424هـ
السؤال
قرأت في كتاب محمد المقدم (المهدي وفقه أشرط الساعة) ، أن البعض قد أنكر المهدي؛ لكون أحاديثه أحاديث آحاد، ولكنه لم يذكر هذا البعض، وقد رجعت لكلام (رضا آل محمود، أحمد أمين، وجدي) ، ولم أعثر على هذه الشبهة لديهم، سؤالي من قال بهذه الشبهة؟ وأين ذكر ذلك؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
عن منكري أحاديث المهدي، فأقول (وبالله التوفيق) : إن منكري أحاديث المهدي طوائف مختلفة، وأسباب إنكارهم لها مختلفة، وهم مخطئون في ذلك ولا شك، ولا شك أن من فرق المسلمين من ادعوا عدم الاحتجاج بأخبار الآحاد مطلقاً، ومن هؤلاء المعتزلة قديماً، وبعض أدعياء العقلانية أو القرآنية حديثاً، وهؤلاء كلهم سيردون أحاديث المهدي لهذا البناء الفاسد الذي لديهم، على أن من العلماء مَنْ وصف أحاديث المهدي بالتواتر، لكن المهم أن أحاديث المهدي منها ما هو ثابت، واعتقاد ظهوره مما أجمع عليه عامة أهل السنة والجماعة. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(4/201)
علامات القيامة الكبرى
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 17/8/1424هـ
السؤال
ما هي العلامات الكبرى ليوم القيامة؟ وهل المسيح الدجال موجود؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد ذكر السفاريني - رحمه الله - في كتابه (لوامع الأنوار البهية) أن أشراط الساعة الكبرى هي:
1. المهدي.
2. الدجال.
3. نزول عيسى - عليه السلام-.
4. خروج يأجوج ومأجوج.
5. هدم الكعبة.
6. الدخان.
7. رفع القرآن.
8. طلوع الشمس من مغربها.
9. خروج دابة الأرض.
10. خروج نار من قعر عدن أو غيره تسوق الناس إلى أرض المحشر.
وأما السؤال عن الدجال فلم يظهر بعد، وقبله آيات لم تظهر، نسأل الله أن يعصمنا من فتنته، والله أعلم.(4/202)
العلامات الصغرى للساعة
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 10/2/1424هـ
السؤال
ما هي علامات الساعة الصغرى؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد ذكر العلماء (من خلال تتبعهم للنصوص الصحيحة الواردة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-) أن للساعة علامات صغرى كثيرة، وذكروا منها:(4/203)
1- بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-. 2- موته -عليه الصلاة والسلام-. 3- فتح بيت المقدس. 4- طاعون عمواس. 5- استفاضة المال، والاستغناء عن الصدقة. 6- ظهور الفتن من المشرق، ومقتل عثمان -رضي الله عنه-، وموقعة الجمل، وموقعة صفين، وظهور الخوارج، وموقعة الحرة، وفتنة القول بخلق القرآن، واتباع سنن الأمم الماضية. 7- ظهور مدعي النبوة. 8- انتشار الأمن. 9- ظهور نار الحجاز. 10- قتال الترك. 11- قتال العجم. 12- ضياع الأمانة. 13- قبض العلم، وظهور الجهل. 14- كثرة الشرط وأعوان الظلمة. 15- انتشار الزنا. 16- انتشار الربا. 17- ظهور المعازف واستحلالها. 18- كثرة شرب الخمر واستحلالها. 19- زخرفة المساجد. 20- التطاول في البنيان. 21- ولادة الأمة لربتها. 22- كثرة القتل. 23- تقارب الزمان. 24- تقارب الأسواق. 25- ظهور الشرك في هذه الأمة. 26- ظهور الفحش، وقطيعة الرحم، وسوء الجوار. 27- كثرة الزلازل. 28- ظهور الخسف، والمسخ، والقذف. 29- ذهاب الصالحين. 30- كثرة موت الفجأة. 31- حسر الفرات عن جبل من ذهب. 32- كلام السباع، والجمادات. 33- ظهور الكاسيات العاريات. 34- فتح القسطنطينية. 35- عود أرض العرب مروجاً وأنهاراً 36- خروج القحطاني. 37- قتال اليهود. 38- كثرة الروم، وقتالهم للمسلمين. 39-كثرة الكتابة، وانتشارها. 40- صدق رؤيا المؤمن. 41- كثرة الكذب، وعدم التثبت في نقل الأخبار. 42- كثرة شهادة الزور. 43- كثرة النساء، وقلة الرجال. 44- استحلال البيت الحرام، وهدم الكعبة. 45- نفي المدينة لشرارها. 46- بعث الريح الطيبة لقبض أرواح المؤمنين. والله أعلم.(4/204)
خسوف رمضان وظهور المهدي
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 22/1/1425هـ
السؤال
قبل سنة من الآن قرأت أن من علامات ظهور المهدي عليه السلام (خسوف للقمر وكسوف للشمس في شهر رمضان المبارك) والآن الفلكيون يقولون: إن هذه الظاهرة ستحدث في شهر رمضان المقبل، فما رأيكم؟ هل هذا صحيح؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
ليس ذلك بصحيح، والخسوف والكسوف آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده، ولا يدل ذلك على أمور غيبية؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته" رواه البخاري (1044) ، ومسلم (901) عن عائشة -رضي الله عنها-، ولا يدل خسوفهما على أمور مستقبلة فإن الغيب لا يعلمه إلا الله.(4/205)
هل ظهرت دلائل خروج المهدي؟!
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 21/04/1425هـ
السؤال
هل حقاً ولد المهدي المنتظر, وهل ظهرت الدلائل المؤشرة على خروجه؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المهدي الذي وردت الأحاديث الصحيحة في أخباره، وهو المهدي الذي يقاتل معه المسلمون الدجال، وينزل في عهده عيسى - عليه السلام- لا يعلم أحد عن ولادته ولا مكانه، بل إنه يظهر فجأة مع أحداث آخر الزمان، حيث جاء في السنة أنه (يصلحه الله في ليلة) ، وهو من آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- واسمه (محمد بن عبد الله) ، ولا يمكن لأحد أن يعلم أو يتكهن بوقت ولادته ولا مكانه، ولا ظهوره على جهة التحديد والتعيين، ومن ادعى شيئاً من ذلك فهو كاذب دجال، أما الدلائل على خروجه فهي دلائل وعلامات الساعة، وهي نوعان:
الأول: الدلائل الصغرى، وقد حدث الكثير منها على مدار الزمان السابق منذ بعث النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا، ولا يزال منها ما لم يقع، والله أعلم.
الثاني: الدلائل الكبرى ويتخللها خروج المهدي، ولم يقع منها شيء إلى الآن، ولا أحد يستطيع أن يحدد متى تقع ربما بعد عشرات السنين أو مئات السنين، أو ما يشاء الله سبحانه، فهو وحده الذي يعلم الغيب، وقد قال سبحانه عن الساعة: "لا يجليها لوقتها إلا هو" [الأعراف: 187] ، ثم قال: "لا تأتيكم إلا بغتة"، أما ما يشيعه بعض الناس من أن المهدي موجود ويعينون شخصه ومكانه ونحو ذلك، فهو قول على الله بغير علم، ورجم بالغيب وتخرصات ودجل يجب الحذر والتحذير منه. والله أعلم.
للمزيد أنظر:
الانتظار عقدة أم عقيدة [1/3]
الانتظار عقدة أم عقيدة [2/3]
الانتظار عقدة أم عقيدة [3/3](4/206)
نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 06/07/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
نرجو إفادتنا بالأحاديث الصحيحة والسنة النبوية المؤكدة التي تخص موضوع نزول المسيح في آخر الزمان سيدنا عيسى - عليه والسلام-؛ لأن كثيراً من الناس يعتقد بكذب هذا الموضوع.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
فإن الأحاديث الواردة في نزول المسيح - عليه السلام- كثيرة ومتواترة، ومنها ما رواه البخاري (3448) ومسلم (155) عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده ليوشكنَّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها" فتح الباري (6/490) ، وشرح النووي لصحيح مسلم (2/189) ، وفي الصحيحين البخاري (3449) ، ومسلم (155) قال صلى الله عليه وسلم: "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم"، وقد وردت أحاديث كثيرة في السنن والمسانيد، وكلها تدل دلالة صريحة على ثبوت نزول عيسى ابن مريم - عليه السلام- في آخر الزمان، وقد جمعت الأحاديث في كتاب مستقل للشيخ محمد أنور شاه الكشميري المتوفى سنة: 1352هـ، وعنوانه كناية التصريح بما تواتر في نزول المسيح، وحققه شيخنا الشيخ عبد الفتاح أبو غدة - رحمه الله-، فمن أراد الوقوف عليها كلها فلينظر الكتاب المذكور.(4/207)
وقد بين العلماء - رحمهم الله- أن هذا من المعلوم من الدين بالضرورة حتى قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله-: (نزول عيسى - عليه السلام- في آخر الزمان مما لم يختلف فيه المسلمون؛ لورود الأخبار الصحاح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وهذا معلوم من الدين بالضرورة، لا يؤمن من أنكره) انظر تفسير الطبري (6/460) ، تخريج الشيخ أحمد شاكر، ومن قبل قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله-: (والإيمان أن المسيح الدجّال خارج مكتوب بين عينيه (كافر) ، والأحاديث التي جاءت فيه والإيمان بأن ذلك كائن، وأن عيسى - عليه السلام- ينزل فيقتله بباب لدّ) طبقات الحنابلة (241) للقاضي أبي يعلى. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(4/208)
من هو ابن صياد؟
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 19/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
جاءت أحاديث في ذكر ابن صياد، أنه هو المسيح الدجال؟ ما صحة هذه القصص التي تروى عنه، مثل: كان عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- يقسم بالله أمام النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه هو المسيح، ولا ينكر عليه النبي، صلى الله عليه وسلم. وفي يوم رآه ابن عمر-رضي الله عنهما- وعينه مفقوعة، فقال له: متى حدث لك هذا؟ قال: لا أدري واستفز ابن عمر-رضي الله عنهما- فقام يضربه بعصاه، فوجده قد انتفخ وانتفخ حتى ملأ السكة التي يمشي فيها، فأخبر ابن عمر-رضي الله عنهما- أخته حفصة أم المؤمنين -رضي الله عنها- بذلك، فقالت: لماذا ضربته، ألا تعلم أن المسيح الدجال سيخرج من غضبة شديدة يغضبها؟. وفي ذات يوم وفي رحلة رجوعه من الحج من مكة إلى المدينة جلس يقول لأبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-: كيف تقولون أني المسيح الدجال وهو غير مسلم وأنا مسلم؟، وهو لا يدخل مكة ولا المدينة وأني قادم من مكة وإلى المدينة، وهو ليس له أولاد وأنا لدي أولاد؟ فقال أبو سعيد-رضي الله عنه-: صدقت. قال له: إني أعرف المسيح الدجال وأمه وأباه، وأين هو، فقال أبو سعيد-رضي الله عنه-: هل تقبل أن تكون أنت الدجال؟ قال: إن عرض علي لما رفضت! في آخر عمره فقد جميع أولاده بالكامل- في إحدى المعارك التي دارت بين المسلمين وفقد الصحابة-رضي الله عنهم- (ابن صياد) ولم يجدوا له أثرًا، ليس مع الأموات وليس مع الأسرى ولا الحياء. وجزيتم خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
ورد في ذكر ابن صياد أحاديث عديدة، منها الأحاديث التي استفسر عنها السائل - وفقه الله - وهذا تخريجها وبيانها:(4/209)
1- أخرج البخاري (7355) من حديث مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّ ابْنَ الصَّائِدِ الدَّجَّالُ قُلْتُ تَحْلِفُ بِاللَّهِ قَال: َ إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- وأخرج مسلم (2932) من طريق ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ نَافِعٌ يَقُول: ُ ابْنُ صَيَّادٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَقِيتُهُ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ لِبَعْضِهِمْ: هَلْ تَحَدَّثُونَ أَنَّهُ هُوَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، قَالَ: قُلْتُ كَذَبْتَنِي، وَاللَّهِ لَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُكُمْ أَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَكُمْ مَالًا وَوَلَدًا فَكَذَلِكَ هُوَ زَعَمُوا الْيَوْمَ، قَالَ: فَتَحَدَّثْنَا ثُمَّ فَارَقْتُهُ، قَالَ: فَلَقِيتُهُ لَقْيَةً أُخْرَى وَقَدْ نَفَرَتْ، عَيْنُهُ، قَالَ: فَقُلْتُ مَتَى فَعَلَتْ عَيْنُكَ مَا أَرَى؟ قَالَ لَا أَدْرِي قَالَ قُلْتُ: لَا تَدْرِي وَهِيَ فِي رَأْسِكَ؟ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ خَلَقَهَا فِي عَصَاكَ هَذِهِ، قَالَ فَنَخَرَ كَأَشَدِّ نَخِيرِ حِمَارٍ سَمِعْتُ، قَالَ: فَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِي أَنِّي ضَرَبْتُهُ بِعَصًا كَانَتْ مَعِيَ حَتَّى تَكَسَّرَتْ، وَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ مَا شَعَرْتُ، قَالَ: وَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَحَدَّثَهَا، فَقَالَتْ: مَا تُرِيدُ إِلَيْهِ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يَبْعَثُهُ عَلَى النَّاسِ غَضَبٌ يَغْضَبُهُ.(4/210)
وأخرجه عبد الرزاق (20832) عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: لقيت ابن صياد يوما ومعه رجل من اليهود فإذا عينه قد طفيت وكانت عينه خارجة مثل عين الجمل فلما رأيتها قلت: يا ابن صياد أنشدك الله متى طفيت عينك - أو نحو هذا – قال: لا أدري والرحمن، فقلت: كذبت لا تدري وهي في رأسك؟ قال: فمسحها، قال: فنخر ثلاثا فزعم اليهودي أني ضربت بيدي على صدره قال: ولا أعلمني فعلت ذلك أخس فلن تعدو قدرك قال أجل لعمري لا أعدو قدري قال: فذكرت ذلك لحفصة، فقالت: اجتنب هذا الرجل فإنا نتحدث أن الدجال يخرج عند غضبة يغضبها. وقد حسن إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح (13/325) .
3- وأخرج مسلم (2927) من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ صَائِدٍ وَأَخَذَتْنِي مِنْهُ ذَمَامَةٌ: هَذَا عَذَرْتُ النَّاسَ مَا لِي وَلَكُمْ يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، أَلَمْ يَقُلْ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ يَهُودِيٌّ وَقَدْ أَسْلَمْتُ، قَالَ: وَلَا يُولَدُ لَهُ، وَقَدْ وُلِدَ لِي، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ مَكَّةَ، وَقَدْ حَجَجْتُ، قَالَ: فَمَا زَالَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَأْخُذَ فِيَّ قَوْلُهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ الْآنَ حَيْثُ هُوَ وَأَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، قَالَ: وَقِيلَ لَهُ: أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ ذَاكَ الرَّجُلُ، قَالَ: فَقَالَ لَوْ عُرِضَ عَلَيَّ مَا كَرِهْتُ.(4/211)
ومن طريق الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا وَمَعَنَا ابْنُ صَائِدٍ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَبَقِيتُ أَنَا وَهُوَ فَاسْتَوْحَشْتُ مِنْهُ وَحْشَةً شَدِيدَةً مِمَّا يُقَالُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَجَاءَ بِمَتَاعِهِ فَوَضَعَهُ مَعَ مَتَاعِي، فَقُلْتُ: إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ فَلَوْ وَضَعْتَهُ تَحْتَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَفَعَلَ، قَالَ: فَرُفِعَتْ لَنَا غَنَمٌ فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِعُسٍّ فَقَالَ: اشْرَبْ أَبَا سَعِيدٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ وَاللَّبَنُ حَارٌّ مَا بِي إِلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَشْرَبَ عَنْ يَدِهِ أَوْ قَالَ: آخُذَ عَنْ يَدِهِ، فَقَالَ: أَبَا سَعِيدٍ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آخُذَ حَبْلًا فَأُعَلِّقَهُ بِشَجَرَةٍ ثُمَّ أَخْتَنِقَ مِمَّا يَقُولُ لِي النَّاسُ، يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَسْتَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-َ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُوَ كَافِرٌ. وَأَنَا مُسْلِمٌ؟ أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُوَ عَقِيمٌ لَا يُولَدُ لَهُ. وَقَدْ تَرَكْتُ وَلَدِي بِالْمَدِينَةِ؟ أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلَا مَكَّةَ. وَقَدْ أَقْبَلْتُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَأَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ؟ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: حَتَّى كِدْتُ أَنْ أَعْذِرَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ(4/212)
وَأَيْنَ هُوَ الْآنَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ.
4- وأخرج أبو داود (3771) عَنْ جَابِرٍ قَالَ: فَقَدْنَا ابْنَ صَيَّادٍ يَوْمَ الْحَرَّةِ. وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح (13/328)
وابن صياد أمره مشكل وكان بعض الصحابة يظنه الدجال الأكبر، وهو دجال من الدجاجلة وليس بالدجال الأكبر، والله أعلم.
وقد دل على هذا حديث فاطمة بنت قيس المتضمن لذكر خبر تميم الداري، وهو ما يعرف بحديث الجساسة أن ابن صياد ليس هو المسيخ الدجال، قال الحافظ ابن كثير: " ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعاً، لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية، فإنه فيصل في هذا المقام، والله أعلم".
وقال أيضاً: " والأحاديث الواردة في ابن صياد كثيرة، وفي بعضها التوقف في أمره، هل هو الدجال أم لا؟ والله أعلم، ويحتمل أن يكون هذا قبل أن يُوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الدجال وتعيينه، وحديث تميم الداري فاصل في هذا المقام.
وقال البيهقي: ليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي -صلى الله عليه وسلم- على حلف عمر، فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان متوقفاً في أمره، ثم جاءه الثبت من الله –تعالى- بأنه غيره على ما تقتضيه قصة تميم الداري، وبه تمسَّك من جزم بأن الدجال غير ابن صياد وطريقه أصح، وتكون الصفة التي في ابن صياد وافقت ما في الدجال.(4/213)
وقال البيهقي أيضاً- بعد قصة الجساسة -: (فيه أن الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان غير ابن صياد وكان ابن صياد، أحد الدجالين الكذابين الذين أخبر صلى الله عليه وسلم بخروجهم وقد خرج أكثرهم، وكان الذين يجزمون بابن صياد هو الدجال لم يسمعوا بقصة تميم، وإلا فالجمع بينهما بعيد جداً، إذ كيف يلتئم أن يكون من كان في أثناء الحياة النبوية شبه المحتلم – يعني ابن صياد - ويجتمع به النبي -صلى الله عليه وسلم- ويسأله أن يكون في آخرها شيخاً كبيراً مسجوناً في جزيرة من جزائر البحر موثقاً بالحديد يستفهم عن خبر النبي -صلى الله عليه وسلم- هل خرج أو لا؟ فالأولى أن يحمل على عدم الاطلاع، أما عمر فيحتمل أن يكون ذلك منه قبل أن يسمع قصة تميم، ثم لما سمعها لم يعد إلى الحلف المذكور، وأما جابر فشهد حلفه عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستصحب ما كان اطلع عليه من عمر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ... ) .(4/214)
وحديث فاطمة بنت قيس في ذكر الدجال أخرجه مسلم (2942) من حديث فاطمة بنت قيس قالت: خَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنْتُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِي تَلِي ظُهُورَ الْقَوْمِ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ: لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ، حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ فَلَعِبَ بِهِمْ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبْ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا وَيْلَكِ مَا أَنْتِ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ. قَالَ: لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى(4/215)
عُنُقِهِ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ، قُلْنَا: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟ قَالَ: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ: قَالُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لَا يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَر، ِ فَقُلْنَا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قُلْنَا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ، فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا وَفَزِعْنَا مِنْهَا وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً، فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ؟ قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا هَلْ يُثْمِرُ، قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ؟ قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِيهَا مَاءٌ، قَالُوا: هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، قَالَ: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ قَالَ أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ؟ قَالُوا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِر؟ ُ قَالَ: هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا، قَالَ أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ؟ قَالَ: أَقَاتَلَهُ(4/216)
الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ، قَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِي عَنْهَا وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ يَعْنِي الْمَدِينَةَ أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِك؟ َ فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ، فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنْ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ أَلَا إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّأْمِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ لَا بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ قَالَتْ فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هذا والله أعلم.
وينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري (13/ 325 - 329) ، شرح النووي على صحيح مسلم (18/46- 48) ، البداية والنهاية لابن كثير (19/120 - 141) .(4/217)
شبهات حول نزول المسيح آخر الزمان
المجيب خالد بن عبد العزيز السيف
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الفتن والملاحم
التاريخ 14/11/1425هـ
السؤال
أحد المنكرين لرجوع عيسى (عليه السلام) في آخر الزمان أرسل إليّ رسالة طويلة فيها شبهات تقلقني ولا أستطيع الرد عليها. أرجو من فضيلتكم أن تجيبوا عن هذه الشبهات. ومنها: فهم المسلمون من كلمة رفع معناها الحرفي في الحديث بخصوص النزول الثاني المسيح (عليه السلام) وتشكيل معتقدات لا أساس لها عن هبوطه في دمشق وتجهيز الجيش لحرب الدجال و 70 ألفًا من القوات اليهودية وفرار هذه القوات من المسيح ثم تعقب المسيح للدجال وقتله له في معركة اللد. ثم ذبح كل يهودي على وجه الأرض (برغم "لا إكراه في الدين" وتحريم قتل المدنيين) فكيف ينسب المسلمون القتل العلني لرجل راشد صالح؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد..
أما عن رفع المسيح عليه السلام ومن ثم نزوله في آخر الزمان فالأصل في ذلك ما جاء في ظاهر الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم- انظر صحيح البخاري (2222) ومسلم (155) - وتصديق ذلك فرع عن صدق المُخبِرِ به وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي ثبتت نبوته بنفس الأدلة التي ثبتت بها نبوة الأنبياء قبله، كما قال تعالى: (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ) [الأحقاف: 9] .
والمعتقدات وما يحصل يوم نزول المسيح مما يؤمن به المسلمون ليس أغرب مما يؤمن به النصارى في نهاية العالم مما هو مدون في سفر رؤيا يوحنا، بل غالب سفر رؤيا يوحنا في ذكر مثل هذه الحكايات، فإذا كان ذلك معقولًا؛ فما يعتقده المسلمون في أخبار المسيح بعد نزوله من باب أولى.(4/218)
أرواح الأموات هل تؤذي الأحياء؟
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/البعث وأحوال القبور
التاريخ 24/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو منكم إفادتي بما ساد في بعض مجتمعاتنا الإسلامية في جنوب شرق آسيا من الاعتقاد بأن بعض أرواح الناس إذا خرجت من أبدانهم تتجول فيما بين السماء والأرض، تشوش على الأحياء حياتهم، وتكدر عليهم صفاء معيشتهم، هذا إذا كانت أرواحاً شريرة أو مما لا تقبلها السماء، فهل له مستند من النصوص الشرعية؟ أو من كلام بعض العلماء؟ أو من كلام أناس لا دين لهم؟ أخشى أن يكون مما توارثه جيل بعد جيل، فقد كان سكان هذه المناطق يعتنقون البوذية والهندوسية قبل وصول الإسلام إليهم، فلدى البوذية والهندوسية اعتقاد سائد بأن الأحياء إذا ماتوا تبحث أرواحهم في أجسام الأحياء أو الحيوانات أو الحشرات أو النباتات أو غير ذلك لتحل فيها كتكملة لدورة حياتها! وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
فقد أجبت أيها الأخ عن نفسك في آخر سؤالك، فإن هذا الاعتقاد هو كاعتقاد تناسخ الأرواح وهو معتقد لبعض الديانات والفرق الضالة كما في الهندوسية وغيرها، وليس له أي مستند شرعي إطلاقاً، بل هو مخالف لعقيدة أهل الإسلام في الموت والبعث والنشور والقبر وغيرها.(4/219)
قال الله سبحانه:"ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون" [المؤمنون: 15-16] ، والأرواح إذا خرجت من الجسد بعد الموت لا تعلق لها بالأحياء ولا تؤثر عليهم، وإنما تنتقل إلى حياة البرزخ؛ وهي الحياة ما بين الموت إلى قيام الساعة وبعث الناس من قبورهم، وهذه الحياة البرزخية لا نعلم كيفيتها، وإنما جاءت النصوص بأن العبد يكون فيها إما في نعيم أو في عذاب - نعوذ بالله من ذلك- والأصل أن الروح لها تعلق في هذه الحال بالجسد ولكنه تعلق يختلف عن تعلقها قبل الموت كما أن تعلقها به أيضاً بعد قيام الساعة يختلف عنهما، وأما مستقر الأرواح؛ فكما أشرت قبل قليل إلى أن الأصل هو تعلقها بالجسد، ولكن قد تنتقل من أجل النعيم أو العذاب انتقالاً لا نعلم كيفيته، كما جاء في أرواح الشهداء مثلاً كما في صحيح مسلم (1887) عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-"أن أرواحهم في أجواف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل ... " الحديث. وغيرها كثير في هذا الشأن.
وكما في تفسير قوله تعالى في آل فرعون:"النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" [غافر: 46] ، حيث فسرت بعذاب القبر على اختلاف في كيفيته، ومن العلماء من فسرها أن أرواحهم تنتقل فتعذب في جهنم ثم ترجع إلى قبورها.
والحاصل من هذا أن الأرواح حتى لو فرض تنقلها أحياناً فإن أرواح المعذبين (أو ما سمي في السؤال الأرواح الشريرة) لا تكون مطلقة هكذا، وإنما هي في عذاب - نسأل الله السلامة والعافية- ثم هي لا يمكن أن تؤثر على الناس بتكدير أو تشويش، فهذا اعتقاد باطل وليس ببعيد أن يكون ناشئاً عن اعتقاد تناسخ الأرواح أو من بقايا هذه الخرافات، والله أعلم.(4/220)
وأنصح السائل إن كان يرغب في التعرف على ما يتعلق بالروح، وما ورد من نصوص وأقوال للعلماء في ذلك أن يرجع إلى كتاب (الروح) لابن القيم فإنه كتاب جامع، وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح.(4/221)
هل من سبيل لتخفيف العذاب عن الميت؟
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/البعث وأحوال القبور
التاريخ 10/1/1425هـ
السؤال
توجد قرية بها مقبرة قريبة من الأهالي، ويقول بعض الأهالي من الثقات إنه يسمع صوتاً ينبعث من أحد القبور.
وسؤالنا الآن عن كيفية مساعدة هذا الميت، وهل توجد طريقة نعرف بها سبب ما يحدث له في قبره؟.
الجواب
ليس هناك أية طريقة يعرف بها ما يحدث للمقبور في قبره إلا عن طريق الوحي الإلهي لأحد أنبيائه ورسله، كما حصل للنبي -صلى الله عليه وسلم- في الرجلين الذين أخبر عنهما أنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، فكان أحدهما لا يستنزه من البول، والثاني يمشي بالنميمة بين الناس. انظر: البخاري (216) ، ومسلم (292) . أو ما أوحي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في أصحاب القبور من اليهود الذين يعذبون في قبورهم. انظر: البخاري (1050) ، ومسلم (586) .
كما أنه لا مجال لمساعدة المقبور في قبره إلا إذا كان مسلماً، فينفعه ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" مسلم (1631) . فلا مجال لنفع الميت المسلم إلا بالصدقة الجارية أو الدعاء له.
كما أنه لا يلزم من هذا الصوت المسموع من المقبرة أو تلك الرؤيا أن المذكور يعذب في قبره، والرؤى لا يبنى عليها أحكام، وإنما هي مبشرات كما قال -صلى الله عليه وسلم-.
أما شق الجريد الأخضر ووضعه على القبر كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فالصحيح أن هذا خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كما قرره المحققون من أهل العلم. والله أعلم.(4/222)
إحياء بني إسرائيل بعد موتهم
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/البعث وأحوال القبور
التاريخ 16/11/1425هـ
السؤال
ذكر الله سبحانه وتعالى، أنه كتب على الإنسان موتة واحدة فقط في الدنيا لا يذوقها إلا مرة واحدة، إذًا كيف نفسر قوله تعالى في قصة أصحاب موسى عندما أحياهم، حيث قال سبحانه: (ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون) . أي أنهم بعد هذا الإحياء ماتوا الموتة الثانية كسائر البشر؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فقد جرت سنته تعالى في خلقه أن يتوفاهم بعد أن أوجدهم في هذه الحياة ثم يعيدهم مرة أخرى للحساب والجزاء، يقول تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الروم:40] . هذه سنته تعالى في خلقه عمومًا، لكن لا يمتنع على الله تعالى، أن يعيد بعض خلقه مرة أخرى في هذه الدنيا بعد أن أماته، وقبل يوم الحساب، ذلك أنه تعالى هو الذي أوجده أول مرة، فإعادته أهون عليه، وله في ذلك الحكمة البالغة، وهذا كما أنه غير ممتنع عقلاً، فقد ثبت نصًّا، في صور منها:
ما ذكره تعالى في خبر الذين خرجوا من ديارهم فرارًا من الموت فأماتهم الله ثم أحياهم، يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) [البقرة: 243] .(4/223)
ومنها أيضًا ما ذكره تعالى من إماتة بعض بني إسرائيل ثم أحياهم يقول تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ* ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 55، 56] .
ومنها كذلك خبر القتيل من بني إسرائيل الذي أحياه الله، يقول تعالى: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [البقرة: 73] .
ومنها ما ذكره تعالى من خبر الرجل الذي مر على القرية الخاوية، يقول تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) [البقرة: 259] .
فهذه الصور كلها تضمنت إحياء الموتى في هذه الدنيا، وأكثر من هذا أن الله تعالى جعل بعض آيات أنبيائه الدالة على صدق نبوتهم ورسالتهم، قدرتهم على إحياء الموتى بإذنه، كما هو معروف عن عيسى عليه السلام، يقول تعالى في شأنه عليه السلام: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ) [آل عمران: 49] .(4/224)
وإذا تقرر هذا فالأصل أن الخلق عمومًا لا يموتون إلا موتة واحدة، كما يشير إليه قوله تعالى: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) [الدخان: 56] . إلا ما ورد من تخصيص بعض البشر بأن الله تعالى يعيد خلقهم مرة أخرى في هذه الدنيا، ولعل من حكمة ذلك إقامة البرهان على قدرة الله تعالى على بعث خلقه ونشرهم للحساب والجزاء، وإلى هذا يشير قوله تعالى في خبر القتيل من بني إسرائيل: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [البقرة: 73] .
أسأل الله تعالى أن يهدينا سبيل الرشاد. والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(4/225)
معاملة الزميل الكافر
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 3/8/1422
السؤال
أخ مصري مسلم، كان له زميل دراسة نصراني من المرحلة الابتدائية إلى الجامعة، وكان على صلة طيبة به، وبعد أن منّ الله على هذا الأخ بالتوجه الطيب للدين، قام بهجر ذلك النصراني وقطعه، بل وأساء له في المعاملة بحجة الحديث الذي معناه (فاضطروهم إلى أضيق السبل) ولكن هذا النصراني لا زال يعامل هذا المسلم بالجميل، فبماذا تنصحون الأخ؟
الجواب
المنهي عنه في علاقة المسلم بالكافر إنما هو الموالاة من دون المؤمنين.
أما الإحسان إلى غير المحاربين منهم ومعاملتهم بالعدل، وإنصافهم، وأداء حقوقهم فليس بمنهي عنه، بل هو داخل في عموم أمر المسلمين بهذه الخصال، وقد يكون الكافر قريباً، فيثبت له حق القرابة، وقد يكون جاراً فيثبت له حق الجوار، وكل ذلك في حدود الشرع، والدليل على ما تقدم قوله -تبارك وتعالى- في سورة الممتحنة: ((لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)) وبناء على هذا فإن الأخ ينصح بأن يعامل صديقه النصراني بالجميل ويكافئه بالمعروف، ويحسن إليه لعل الله أن يهديه ويشرح صدره للإسلام، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، حيث عاد يهودياً في مرض موته ودعاه للإسلام، فكتب الله له الفوز بقبوله دعوة الرسول -عليه الصلاة والسلام- وبالله التوفيق.(4/226)
الحكم في العامي إذا تربّى على عقيدة فاسدة
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 3/8/1422
السؤال
إننا نرى الكثير والكثير من أصحاب المذاهب الفاسدة والملل المنحرفة والطرق الخاطئة في أمور العبادة والتوسل والدعاء، فما ذنب هؤلاء الجهلة بالدين الصحيح، وهم منذ أن ولدوا تربوا على طرق آبائهم وعباداتهم إلى أن تغلغلت في نفوسهم وغرست في قلوبهم غرساً من التكرار من الصغر إلى درجة أنهم حين يرون طرق عبادتنا يعتقدون أننا ضالون، وهم مهتدون، وإن كانت الحجة تقام على المتعلم منهم، خصوصاًً في الدين، فكيف تقام وهو يقرأ كتب فرقته، ويحفظها، وطريقة تفكيره رسمت له رسماً من صغره، وتكوّنت طرق تفكيره بما يناسب معتقد أهله وذويه.
الجواب
العامي الذي تربى على عقيدة فاسدة ولم يجد من يصحح له عقيدته فلا مؤاخذة عليه، وإنما المؤاخذة على من أتاه الحق فردّه، أو كان عالماً يدرك خطأ المعتقد، ولكنه يتمسك بالباطل حفاظاً على مصلحة دنيوية، فهو يحمل وزره ووزر من ضلله.
قال - تعالى -: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "، وقال - صلى الله عليه وسلم - لهرقل:" فإن أعرضت فإن عليك إثم الأريسيّين " أي العوام من الزراع وغيرهم. أخرجه البخاري (7) .(4/227)
عقيدة ابن حجر والنووي
المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ 5/7/1422
السؤال
سمعت بعض طلاب العلم يصف ابن حجر والنووي بأنهما أشاعرة، ونحن نعلم أن لديهم تأويل في بعض الأسماء والصفات، لكن هل يستقيم بأن ينسبون إلى الأشاعرة على الإطلاق، أفيدونا أحسن الله إليكم؟
الجواب
فإن الإمام النووي -رحمه الله- من الأئمة الكبار والعلماء الربانيين، وقد كتب الله لمؤلفاته القبول والانتشار، ولم يكن الإمام النووي -رحمه الله- أشعرياً محضاً، فإنه وإن وافق الأشاعرة في تأويل جملة من صفات الله -تعالى- أو تفويضها، إلا أن اشتغاله بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حفظه عن الوقوع في كثير من مزالق الأشاعرة.
وكذا الحافظ ابن حجر، فإنه من الأئمة الأعلام، والجهابذة المحققين، وقد وافق الأشاعرة في تأويل صفات ٍ لله -تعالى- أو تفويضها، لكن نقد الأشاعرة في جملة من عقائدهم كمسألة الإيمان وأول واجب على المكلف.
ونوصي السائل وسائر إخواننا بالاشتغال بما ينفع، والاهتمام بكتب هذين الإمامين لاسيما (رياض الصالحين) و (الأذكار) و (شرح صحيح مسلم للنووي) ، (وفتح الباري) لابن حجر، وأن لا يحكم على الأشخاص إلا بعلم وعدل، وبالله التوفيق.(4/228)
كمال الإيمان الواجب
المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 13/7/1422
السؤال
ما معنى (الإيمان الواجب الكمال والإيمان الواجب المستحب) ؟
الجواب
معنى الإيمان الواجب الكمال ما يكون فعله من الواجبات الشرعية، أو مايكون تركه من المحرمات الشرعية، فأداء الأمانة واجب لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: " لا إيمان لمن لا أمانة له " أخرجه أحمد (12383) .
والزنا وشرب الخمر من المحرمات الشرعية، فمن فعلها انتفى عنه كمال الإيمان الواجب؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولايشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " أخرجه البخاري (6772) ، ومسلم (57) .
وأما الإيمان الواجب المستحب فلعل السائل يعني كمال الإيمان المستحب، فإن كان كذلك فهو ما يكون فعله من المستحبات، مثل: إماطة الأذى عن الطريق، فمن تركه فقد فاته كمال الإيمان المستحب، والله أعلم.(4/229)
حكم التجنّس بالجنسية الأوربية للمسلم
المجيب د. خالد بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/فقه الأقليات
التاريخ 6/5/1422
السؤال
ما حكم التجنّس بالجنسية الأوربية للمسلم الذي يأتي للبلاد الأوروبية فارّاً بدينه من الظلم الذي وقع عليه في بلده الأصلي، وفقد فيه هويته، وفقد أمل الرجوع إلى وطنه، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
ج: للجواب على هذا السؤال يلزم بيان أمرين:
الأول: كون الإقامة في بلد الكفار جائزة.
الثاني: قيام الحاجة إلى أخذ الجنسية.
تفصيل الأمر الأول: الإقامة في بلاد الكفار لا تجوز إلا بالشروط الآتية:
1- وجود الحاجة الشرعية المقتضية للإقامة في بلادهم ولا يمكن سدّها في بلاد المسلمين، مثل التجارة، والدعوة، أو التمثيل الرسمي لبلد مسلم، أو طلب علم غير متوفر مثله في بلد مسلم من حيث الوجود، أو الجودة والإتقان، أوالخوف على النفس من القتل أو السجن أو التعذيب، وليس مجرد الإيذاء والمضايقة، أو الخوف على الأهل والولد من ذلك، أو الخوف على المال.
2- أن تكون الإقامة مؤقتة، لا مؤبّدة، بل ولا يجوز له أن يعقد النية على التأبيد، وإنما يعقدها على التأقيت؛ لأن التأبيد يعني كونها هجرة من دار الإسلام إلى دار الكفر، وهذا مناقضة صريحة لحكم الشرع في إيجاب الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام.
ويحصل التأقيت بأن ينوي أنه متى زالت الحاجة إلى الإقامة في بلد الكفار قطع الإقامة وانتقل.
3- أن يكون بلد الكفار الذي يريد الإقامة فيه دار عهد، لا دار حرب، وإلا لم يجز الإقامة فيه.
ويكون دار حرب إذا كان أهله يحاربون المسلمين.
4- توفر الحرية الدينية في بلد الكفار، والتي يستطيع المسلم بسببها إقامة شعائر دينه الظاهرة.
5- تمكنه من تعلم شرائع الإسلام في ذلك البلد. فإن عسر عليه لم تجز له الإقامة فيه لاقتضائها الإعراض عن تعلم دين الله.(4/230)
6- أن يغلب ظنه بقدرته على المحافظة على دينه، ودين أهله وولده. وإلا لم يجز له؛ لأن حفظ الدين أولى من حفظ النفس والمال والأهل.
فمن توفرت فيه هذه الشروط -وما أعسر توفرها- جاز له أن يقيم في بلاد الكفار، وإلا حرم عليه؛ للنصوص الصريحة الواضحة التي تحرم الإقامة فيها، وتوجب الهجرة منها، وهي معلومة، وللخطورة العظيمة الغالبة على الدين والخلق، والتي لا ينكرها إلا مكابر.
ثانياً: تحقق الحاجة الشرعية لأخذ الجنسية، وهي أن تتوقف المصالح التي من أجلها أقام المسلم في دار الكفار على استخراج الجنسية، وإلا لم يجز له، لما في استخراجها من تولى الكفار ظاهراً، وما يلزم بسببها من النطق ظاهراً بما لا يجوز اعتقاده ولا التزامه، كالرضا بالكفر أو بالقانون، ولأن استخراجها ذريعة إلى تأبيد الإقامة في بلاد الكفار وهو أمر غير جائز - كما سبق -
فمتى تحقق هذان الأمران فإني أرجو أن يغفر الله للمسلم المقيم في بلاد الكفار ما أقدم عليه من هذا الخطر العظيم، وذلك لأنه إما مضطر للإقامة والضرورة تتيح المحظورة، وإما للمصلحة الراجحة على المفسدة، والله أعلم.(4/231)
القول بقدم العالم
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 29/10/1425هـ
السؤال
ما حكم من يقول بأن الله يمكن أن يستوي على ظهر بعوضة، كما يقول الإمام ابن تيمية في صريح المنقول؟ وأين الدليل من الكتاب والسنة في ذلك؟ وما حكم القائل بقدم العالم؟ وهل يجوز قراءة هذا الكلام الخطير؟ وشكرًا.
الجواب
الحمد لله، وصلى الله وبارك على عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:(4/232)
فقد أخبر- سبحانه وتعالى- أنه استوى على العرش في سبعة مواضع من القرآن، فآمن بذلك أهل السنة، وأثبتوا الاستواء بمعناه، وقالوا: الاستواء معلوم- يعني: معلوم معناه في اللغة العربية؛ لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين- والكيف مجهول. فكيفية الاستواء على العرش هي مما استأثر الله بعلمه، كما يقولون إن استواء الله تعالى لا يماثل استواء المخلوق. وقالوا: إن استواءه فعل من أفعاله التي تكون بمشيئته سبحانه وتعالى، وهو فعَّال لما يريد، والذي قال إنه يمكن استواؤه على بعوضة، أو لو أخبرنا أنه استوى على بعوضة لسلمنا بذلك- هو عثمان بن سعيد الدارمي، لا ابن تيمية- رحمهما الله- وقال هذا مبالغةً في الرد على من أنكر استواء الله على عرشه، ولا أذكر نص عبارته، ولو لم يأت بهذا التعبير لكان أولى، فهو- سبحانه وتعالى- على كل شيء قدير، والظاهر أنه لم يقل إنه تعالى يمكن استواؤه على ظهر بعوضة، بل لعله قال: لو أخبرنا بذلك لآمنا به. فإنه- سبحانه وتعالى- أصدق الصادقين، ولا يلزم من هذا الافتراض أن يكون ممكنًا فضلاً عن أن يكون واقعًا، فإنه- تعالى- قد قال: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) [الأنبياء:22] . وأما القول بقدم العالم، أي: بقدم هذا العالم المشهود الذي منه السماوات، فقول باطل، فإن هذا العالم مخلوق في ستة أيام، كما أخبر الله، بل إن السماوات والأرض كان خلقها بعد تقدير مقادر الخلائق بخمسين ألف سنة، فهو محدث وليس بقديم، والقول بقدم هذا العالم الموجود هو قول ملاحدة الفلاسفة الذين يسمون الخالق سبحانه وتعالى- العلةَ الأولى، ومبدأَ الوجود، ويقولون إنه علة تامة للموجودات، والعلة التامة تستلزم معلولها، فهذا العالم قديم بقدم علته، ومعناه أن وجوده لم يُسبق بعدم، وكأن السائل يُعرض بالإمام ابن تيمية حيث يقول بقدم جنس العالم أو جنس المخلوقات، أو بتسلسل الحوادث، أو بدوام الحوادث بالأزل، وهذه عبارات مؤداها(4/233)
واحد، ومعنى هذا: أن الله لم يزل يخلق ويفعل ما يشاء، فما من مخلوق إلا وقبله مخلوق إلى ما لا نهاية؛ لأن الله لم يزل موجودًا، ولم يزل على كل شيء قدير، ولم يزل فعَّالاً لما يريد، فيقتضي ذلك أن المخلوقات لم تزل أو أقل ما يقال إنه يمكن ذلك، فإنه لا يلزم تسلسل الحوادث؛ لأنه لا يستلزم أن يكون شيء من الموجودات مشاركًا لله في قدمه؛ لأن كل مخلوق حادث بعد أن لم يكن، فهو مسبوق بعدم نفسه، والله تعالى- لم يسبق وجوده عدم، بل هو- سبحانه وتعالى- قديم أزلي، فلا بداية لوجوده، ولا نهاية، ومن أسمائه الأول والآخر، فهو الأول فليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والذين ينكرون على ابن تيمية هذا القول- وهو ليس قول ابن تيمية وحده، بل قول كل من يؤمن بأن الله لم يزل على كل شيء قديرًا، ولم يزل فعَّالاً لما يريد- فالذين ينكرون هذا القول لم يفهموا حقيقته، ولو فهموا حقيقته لما أنكروه، فالذين ينكرون تسلسل الحوادث في الماضي أو دوامها في الماضي، وأن ذلك ممتنع يلزمهم أن الله كان غير قادر، ثم صار قادرًا، وغير فاعل ثم صار فاعلاً، وهذا يقول به كثير ممن يقول بامتناع حوادث لا أول لها، ومن قال بامتناع دوام الحوادث في الماضي وقال مع ذلك بأن الله لم يزل قادرًا وفاعلاً كان متناقضًا ويلزمه الجمع بين النقيضين.(4/234)
وبسبب اعتقاد أن دوام الحوادث في الماضي أو المستقبل ينافي أوليته- سبحانه- وآخريته، قيل بامتناع الحوادث في الماضي وفي المستقبل فنتج عن ذلك القول بفناء الجنة والنار، وهذا ما ذهب إليه جهم بن صفوان ومن تبعه، وهذا ضرب من الكفر بما أخبر الله به، ورسوله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء، كما في عبارة الإمام الطحاوي، أما ما سوى الله فكلٌّ مسبوق بعدم نفسه، ومن شاء - سبحانه وتعالى- بقاءه على الدوام، وأنه لا يفنى فهو باقٍ بإبقاء الله وبمشيئته- سبحانه وتعالى- فلا يكون شيء من المخلوقات مشابهًا لله في خصائصه؛ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:11] .(4/235)
الأصول الثلاثة وأدلتها
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 20/3/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما هي الأصول الثلاثة وأدلتها؟ وهل الدعوة فرض عين أم هي فرض كفاية؟
الجواب(4/236)
الحمد لله، الأصول الثلاثة، هذا عنوان لمؤلف للشيخ: محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-، وأراد بالأصول الثلاثة: معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، ولا ريب أن هذه أصول عظيمة، عليها مدار المعرفة الشرعية، وهي معرفة العبد ربه، الذي أرسل الرسل وأنزل الكتب، وأرسل خاتم النبيين محمداً –صلى الله عليه وسلم-، أرسل الرسل بدين الإسلام، فإن دين الإسلام هو دين الرسل جميعاً، ولكن الشريعة التي جاء بها محمد –صلى الله عليه وسلم- هي أكمل الشرائع وأشملها وأيسرها، لأنه رسول الله إلى الناس جميعاً، وهذه الأصول الثلاثة هي التي يسأل عنها الإنسان في قبره، فيقال للميت إذا وضع في قبره: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فالمؤمن الموقن يقول: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد –صلى الله عليه وسلم-، وأما المنافق الشاك فإنه يتحير ويقول: هاه هاه، لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فالمؤمن يكون قبره عليه روضة من رياض الجنة، والكافر والمنافق يصير قبره حفرة من حفر النار، يعذب في قبره، وأما المؤمن فإنه ينعم في قبره، وبهذه المعرفة يعرف الإنسان الرسول محمد –صلى الله عليه وسلم-، والمُرْسِلُ الذي هو الله، والرسالة التي هي دين الإسلام الذي تضمن أحكامه وشرائعه وعقائده كتاب الله وسنة رسوله –عليه الصلاة والسلام-، وقد قال الشيخ: محمد بن عبد الوهاب في ذلك الكتاب: فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التي يجب على العبد معرفتها؟ فقل: معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمد –صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: إذا قيل لك: من ربك، فقل: ربي الله، الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه، وهو معبودي، ليس لي معبود سواه، ثم بين المراد بالإسلام وأنه: الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك وأهله، ثم ذكر الأصل الثالث: وهو معرفة محمد –صلى الله عليه وسلم- وأنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وهاشم من قريش، وقريش من العرب،(4/237)
والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم –عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام-، وأنه –صلى الله عليه وسلم- ولد بمكة، وأنه نزل عليه القرآن، وأول ما نزل عليه سورة اقرأ وسورة المدثر، ثم إنه هاجر –صلى الله عليه وسلم- بعدما أنذر وبلغ رسالة ربه بمكة ثلاث عشرة سنة، ثم هاجر إلى المدينة فأظهر الله به دين الإسلام، تحقيقاً لقوله تعالى:"هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" [التوبة: 33] ، والملاحظ أن مثل هذه الآية تتضمن ذكر الأصول الثلاثة فقوله:"هو الذي أرسل" هذا هو ربنا -سبحانه وتعالى-، وقوله:"رسوله" هذا محمد –صلى الله عليه وسلم-، وقوله:"بالهدى ودين الحق" هذا هو دين الإسلام، فقد اشتملت هذه الآية على الأصول الثلاثة، وأمثالها كثير، وقد ذكر الشيخ أن دين الإسلام يشمل أركان الإسلام الخمسة وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، وأن الإيمان يشمل الأمور الستة وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، ويشمل كذلك الإحسان وهو: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهذا التفصيل دل عليه حديث جبريل الذي رواه مسلم في صحيحه (8) عن عمر –رضي الله عنه- كما رواه البخاري (50) ، ومسلم (9) أيضاً من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-، فمن عرف ربه بأسمائه وصفاته، وأنه الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه، وعرف محمداً –صلى الله عليه وسلم- وأنه رسول الله إلى الناس كافة، وعرف ما جاء به، وآمن بذلك كله، واستقام على طاعة الله ومات على ذلك كان من السعداء المفلحين، فنسأل الله - سبحانه وتعالى- أن يمن علينا بالعلم النافع والعمل الصالح والثبات على دينه إنه تعالى على كل شيء قدير.(4/238)
وأما الدعوة إلى الله فالأصل أنها فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، لكن فرض الكفاية قد يكون فرض عين إذا قام السبب الموجب للدعوة، ولم يكن هناك من يقوم بذلك الواجب، فإنه يصير على من قدر على الدعوة فرض عين بالنسبة إليه، فينبغي للمسلم أن يجتهد في الدعوة إلى الله بحسب حاله، وكلما سنحت له الفرصة يقوم بهذا العمل الصالح ليكون من أتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذين قال الله فيهم:"قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" [يوسف: 108] وكما قال -سبحانه-:"وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" [فصلت: 33] ، والله أعلم.(4/239)
رد شبهة التناسخ
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 10/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب مسلم أقوم بالاشتراك في مجموعات بريدية -ضمن ياهو وإم إس إن - يشرف عليها غير المسلمين، بهدف الدعوة إلى الله، وإعطاء صورة حسنة عن الإسلام، ولله الحمد.
في إحدى المجموعات، نجحت في أن أكون عضواً بارزاً ومحبوباً بعد مشاركة الأعضاء في حل مشكلاتهم، ومبادلتهم عبارات المجاملة والتودد -طبعاً ليس على حساب الدين- وحصلت على الثناء من المشرف على الموقع.
في هذه المجموعة، أغلب الأعضاء يؤمنون أو يميلون إلى الإيمان بتناسخ الأرواح، وقد حاولت مناقشتهم في هذا الموضوع، لكن أحد الأعضاء ذكر أنه يوجد تجارب تنويم مغناطيسي، تجعل الإنسان يتذكر أموراً حدثت قبل مئات أو آلاف السنين، وهناك أشخاص يرون في منامهم أنهم كانوا يعيشون في أزمنة قديمة - كزمان الفراعنة مثلاً وقد ذكرت له أن الأحلام إما من الله أو من الشيطان، وأن هذا قد يكون من الشياطين، لكن لا يبدو أنه اقتنع بهذه الفكرة.
فهل هناك تفسير علمي لمثل هذه التجارب؟ وما هو أفضل رد على هذا الشخص؟ جزاك الله خيراً، ونفع بك الإسلام والمسلمين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
يُشكر لك العناية والاهتمام بأمر الدعوة إلى الله؛ مع ما يتعين عليك الأخذ به من البصيرة والفقه في الدين، والحذر من الوقوع في شرك المبطلين، وليكن نصب عينيك إنقاذهم من وحل الكفر بالله ما استطعت إلى ذلك سبيلاً قبل الدخول في تفاصيل الأمور التي يعتقدونها.(4/240)
وأما عقيدة الإيمان بتناسخ الأرواح فهي عقيدة سائدة، لكنها باطلة، والقول بتحضير الأرواح عن طريق التنويم المغناطيسي قول لا سند له، وإنما هي دعاوى وأوهام خاض غمارها أناس فلما اهتدوا اكتشفوا عوارها، وبان لهم زيفها، وقد بين سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- ذلك، وأشار إلى ما ذكره الدكتور محمد محمد حسين في كتابه (الروحية الحديثة حقيقتها وأهدافها) حيث كان ممن خُدع بهذه الشعوذة زمناً طويلاً، ثم هداه الله للحق، وانظر تفاصيل ذلك في الكتاب المشار إليه وفي مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز (3/309-316) ، وانظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (2/1032) ، والله الموفق.(4/241)
عقوبة المرتد ... وحرية المعتقد
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 26/1/1424هـ
السؤال
كيف نرد على الشبهة القائلة بأن: "عقوبة المرتد في الإسلام تتنافى مع حرية العقيدة"؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
أولاً: أنصح السائل الكريم أن يبتعد عن مجالسة أهل الزيغ والأهواء ممن يثيرون الشبهات في مجالسهم، ويُلبسون على الناس عقائدهم.
كما أنصحه بعدم إضاعة وقته بقراءة كتب ذوي التوجهات الفكرية المشبوهة، والمذاهب المنحرفة الهدامة، سيما تلك المتدثرة بجلابيب ذات صبغة إسلامية في الظاهر فقط، وإفلاس حقيقي في الأصالة، والاتباع لما كان عليه سلف الأمة عقيدة ومنهجاً.
ثانياً: ليعلم السائل أن أحكام الشريعة مفروضة من لدن حكيم عليم، وبلغها رسولنا الأمين -صلى الله عليه وسلم- للأمة كما أرادها الله تعالى.
فليس في أحكام الله وشريعته تناقض أو تصادم قال الله تعالى:"ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً".
ثالثاً: أن الأصل في المسلم الرضا بأحكام الله وشرائعه والتسليم بها، سواء عقل الحكمة أم لم يعقل، فهم المقصود أم لم يفهم، إذ العقل البشري قد يقصر عن إدراك بعض أسرار الشريعة وأحكامها، فلا يسعه إلا أن يقول كما قال أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-:"سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير".
وأنا أضرب لك مثالاً: تُرى لم كانت ركعات الظهر والعصر والعشاء أربعا، ً بينما المغرب ثلاثاً والفجر اثنتين؟ ولم كانت الظهر والعصر سرية القراءة وكانت البواقي جهرية؟
الجواب: إنها إرادة الله وحكمته وكفى!
رابعاً: بالنسبة لما أثرته من تساؤل حول عقوبة المرتد -وهي القتل- وأنها تتنافى مع حرية العقيدة؟
فالجواب من وجوه:(4/242)
(1) أولاً: إن المرتد بعد أن أقر بالإسلام والتزم به وتسمى به، فقد رضي بكل ما تضّمنه الإسلام من أحكام ومنها حكم المرتد.
(2) ثانياً: إن المرتد لا يقتل إلا بعد استتابته ثلاثاً- أي: ثلاثة أيام- مع خلاف في بعض المسائل كمن سب الله تعالى أو رسوله -عليه الصلاة والسلام-. فإصراره على الردة، والسيف مروض على رقبته، يدل على عدم استحقاقه البقاء، إذ لو بقي لكان عامل فتنة مهدم لضعيفي الإيمان من أبناء الأمة، بما قد يلقيه عليهم وبينهم من الشبه والأغلوطات، فقتل المرتد حماية لغيره من اقتفاء أثره والتشبه بمسكله. وتأمل كيف سمى الله تعالى قتل القاتل حياة حين قال:"ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون".
(3) ثالثاً: لو تُرك المرتد بلا قتل؛ لاتخذ الناس دين الله هزواً ولعبا؛ ً فيسلم أحدهم اليوم ويكفر غداً ويسلم غداً ويكفر بعد غد بلا مبالاة، بدعوى حرية المعتقد، وفي ذلك مفاسد لا تخفى والله المستعان.
وفقك الله وأعانك، والسلام عليكم.(4/243)
الرسالات السماوية والهنود الحمر
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 23/5/1424هـ
السؤال
قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا". من المعروف أن قارة أمريكا يسكنها أناس يسمون (الهنود الحمر) ، وذلك قبل اكتشاف القارة بواسطة أحد المستكشفين الأوربيين في العصر الحديث، وأن الهنود الحمر سكنوا القارة وأقاموا بها حضارة تعود إلى آلاف السنين، السؤال: هل أولئك الناس كانوا يدينون بدين سماوي؟ أم أنهم عاشوا على وثنيه منذ أن وجدوا على تلك الأرض؟ وهذا مالا أعتقده. أرجو الإفادة والإيضاح.
الجواب
معرفة أديان الهنود الحمر وتغيرات أحوالهم في حقب التاريخ يحتاج إلى دراسة تاريخية استقصائية، والمعروف من تاريخهم القريب أنهم عباد أوثان، وفيهم من دخل في النصرانية أو في الإسلام في العهود القريبة.
والمستقر في عقائد أهل الإسلام - بحسب نصوص القرآن والسنة- أن من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر، ويعامل في الدنيا معاملة الكافر بحسب حاله.
وفي كفار هذا الزمان من بلغه دين الإسلام، وفيهم من لم يبلغه، فمن بلغه دين الإسلام بلاغاً واضحاً غير مشوه، وعلم بنبي الإسلام محمد - صلى الله عليه وسلم- علماً غير مشوه فهذا نحكم بأنه من أهل النار في الآخرة، أما من لم يبلغه دين الإسلام فحكمه حكم أهل الفترة في الآخرة، وإطلاق وصف الكفر عليه في الدنيا لا يقتضي أنه من أهل النار في الآخرة، وعلى ذلك أدلة منها قوله تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"
[الإسراء: 15] وقوله تعالى: "كلما أُلقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير"(4/244)
[الملك: 8] وقوله تعالى: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم" [النساء: 115] ، وأهل الفترة ومن في حكمهم يختبرون في الآخرة، فمن أطاع الله واستجاب نجا ودخل الجنة، ومن أبى واستكبر أدخل النار، وقد صح في هذا المعنى أحاديث مرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-، وهو من مقتضيات عدل الله تعالى، ومن لوازم الآيات المذكورة آنفاً، والله أعلم.(4/245)
الدخول لمواقع اكترونية تسب الدين
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 2/1/1424هـ
السؤال
ما حكم الاستماع للذين يسبون الدين ويسبون القرآن والرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة -رضي الله عنهم- وذلك في الإنترنت؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا يجوز دخول أي موقع يسب فيه الدين أو يسخر به أو بالله عز وجل أو بنبيه -عليه الصلاة والسلام- أو بكتابه أو بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهم- أو بعلماء الأمة إلا بشروط:
(1) أن يكون عالماً.
(2) أن يُمكن من الرد ويعطى الوقت الكافي.
أما غير العلماء أو حين لا يُمكّن أحد من الرد من أهل العلم فقد قال تعالى:"وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذن مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً".
فالجالس معهم يشاركهم في الإثم بل مثلهم ساب للدين، والله الهادي.(4/246)
الفرق بين الدين والاعتقاد
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 16/9/1424هـ
السؤال
ما هو الدين؟ وما هو الاعتقاد؟ هل هناك فرق بين الدين والاعتقاد؟
الجواب
الحمد لله، وبعد:
الدين: ما يدين به المرء ربه كما في حديث:"رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً" رواه مسلم (386) من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه.
والإسلام: الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك، والإسلام إذا أطلق شمل أركان الإسلام وأركان الإيمان والإحسان، وهذا ما دل عليه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث جبريل -عليه السلام- لما سأل الصحابة -رضوان الله عليهم-:"أتدرون من هذا؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:"هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم" رواه البخاري (50) ، ومسلم (9) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- فهذا هو الدين.
أما الاعتقاد: فهو ما يعتقده العبد، فإن كان صحيحاً فهو عمل القلب وتصديقه وإخلاصه الموافق للكتاب والسنة الداعي إلى العمل بما ورد فيهما وهو من الإيمان، وإن كان فاسداً فالعمل معه باطل وليس من الإيمان، والله أعلم.(4/247)
معنى العقيدة والدين
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 13/3/1424هـ
السؤال
ما هي العقيدة؟ وما هو الدين؟ هل هناك فرق بين العقيدة والدين؟
الجواب
العقيدة هي ما يدين به العبد ربه، أو التصديق الجازم بأصول الاعتقاد أو أصول الإيمان الستة والعمل بمقتضاها.
وعلى هذا فهي الدين الذي قال الله عنه:"إن الدين عند الله الإسلام" [آل عمران:19] ، والإسلام هو: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك وأهله. وهذه هي العقيدة أو الاعتقاد الصحيح، وهذا هو الدين الصحيح الذي ورد في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً" رواه مسلم (386) من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه-، فهما لفظان متقاربان في المعنى بعضهما يدل على الآخر أو يتضمنه.(4/248)
الشكوك الإيمانية
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز المجيدل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 4/12/1423هـ
السؤال
أنا شاب -والحمد لله- متدين وأؤدي كل العبادات المفروضة وأزيد عليها تطوعاً ابتغاء الأجر والثواب -والحمد لله- على ذلك كثيراً، واللهم لا منة ولا رياء.
مشكلتي أنني تنتابني الشكوك الإيمانية بعض الأحيان مما يجعلني تضيق علي الدنيا ويضيق صدري -والحمد لله- أرجع إلى ربي داعياً ألا أكون من الضالين وأن أكون من المهتدين، ويطمئن قلبي بعد ذلك وأنسى هذه مدة من الزمن، ولكن الشيطان يعاودني فطلبي أولاً الحل في نظر الشرع لمشكلتي، ثانياً: وهذا طلب خاص من أصحاب هذا الموقع وكل من يقرأ سؤالي الدعاء والإلحاح في الدعاء بالثبات على الإيمان والإسلام. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
أحمد الله إليك، والصلاة والسلام على معلم الناس الخير، وبعد:
يسر القلب أن الشيطان انكسرت حدّته وضعفت حيلته معك فاستنجد بالوساوس، وقد شكا مثلما شكوت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى من هو بالمؤمنين رحيم -صلوات الله وسلامه- عليه فأجابهم بقوله:" الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة" أبو داود (5112) وأحمد (2097) وقد أرشدهم إلى أمور آمل أن تكون محل عناية لديك:
(1) أن تقول آمنت بالله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- انظر: مسلم (134)
(2) أن يستعيذ بالله من الشيطان انظر: البخاري (3276) ومسلم (134) .
(3) أن يقرأ قل هو الله أحد أبو داود (4722) والنسائي في الكبرى (10422) .
(4) أن ينتهي عن هذا التفكر - أي يترك التفكر في الله لكن في آلائه "نعمه" فإن كان مصدر هذه الوساوس قراءات في كتب معينة فليتركها، أو مجلات أو أشخاص فليتباعد عنهم، ويستغرق في هموم تنفعه في دينه ودنياه وقد صدرت لك مجموعة من النصوص في هذا الباب حفظك الله وحفظ بك:(4/249)
(1) إن أحدكم يأتيه الشيطان فيقول: من خلقك؟ فيقول: الله؟ فيقول: فمن خلق الله؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت بالله ورسوله، فإن ذلك يذهب عنه.
(2) إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت بالله ورسوله.
(3) تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله.
(4) تفكروا في خلق الله، ولا تفكروا في الله.
(5) قال الله -تعالى- في الحديث القدسي:"إن أمتك لا يزالون يقولون: ما كذا ما كذا؟ حتى يقولوا: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله -تعالى-؟
(6) لن يبرح الناس يتساءلون: هذا الله خالق كل شيءٍ، فمن خلق الله؟
(7) من وجد من هذا الوسواس، فليقل: آمنا بالله ورسوله؛ فإنَّ ذلك يذهب عنه.
(8) لا يزال الناس يتساءلون، حتى يقال: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله ورسوله.
(9) يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه، فليستعذ بالله، ولينته.
(10) يوشك الناس يتساءلون، حتى يقول قائلهم: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ فإذا قالوا ذلك فقولوا:"الله أحد. الله الصمد لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد" ثم ليتفل عن يساره ثلاثاً وليستعذ من الشيطان.(4/250)
حقوق آل البيت
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 12/11/1422
السؤال
لي صديق يقول إنه من آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ودائماً أسمعه يردد: إن آل البيت لهم خمس بيت مال المسلمين، ويقول أيضاً: إنه توجد آيات وأحاديث تدل على ذلك، وعندما أردت أن أبحث في الموضوع وجدت قول الله - تعالى -: (واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى ... الآية) إذاً الخمس من المغنم في حالة الجهاد ليس لأهل البيت فقط، إنما لمن ورد في الآية أيضاً، وأيضاً ما أخذ بغير قتال كما في قول الله في الآيات عموماً، هل صحيح أن دخل بيت المال الآن لهم فيه الخمس؟ وإذا كان صحيحاً فهل من الواجب على كل من ينتسب إلى آل البيت أن يثبت لدولته نسبه؟ آمل التفصيل في هذه المسألة للأهمية.
كما أن صديقي هذا دائماً يقول إذا اختلف مع أحد: يا شيخ أنت تصلي علينا في صلاتك يومياً، يقصد الصلاة الإبراهيمية، مع أنه ليس عليه علامات الصلاح، لكن يحب دائماً أن يثير موضوع أنه من آل البيت، وينبغي أن يعامل معاملة خاصة، آمل من فضيلتكم التفصيل في كل هذا، وإرشادنا إلى الكتب التي تتحدث عن هذا الأمر للاسترشاد. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
آل البيت هم قرابة الرسول - صلى الله عليه وسلم -المؤمنون به، وإكرامهم واجب لحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمته، وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - التأكيد على هذا الحق في أدلة كثيرة منها:
1- الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم (2408) وغيره عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه- والمعروف بحديث غدير خمّ وقد جاء فيه قوله - عليه السلام-: " أذكركم الله في أهل بيتي" قالها - عليه السلام - ثلاثاً.(4/251)
2- وكذلك الحديث الذي رواه الترمذي (3758) وأحمد (1772) وغيرهما عن العباس بن عبد المطلب – رضي الله عنه – عم النبي – صلى الله عليه وسلم – عندما شكا له من تجهم بعض الناس لهم، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: " والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله " وفي بعض الروايات: "حتى يحبكم لله ولقرابتي" رواها الإمام أحمد (1777) والحاكم (7043) ، وقد حرم الله عليهم أخذ الصدقة تكريماً لهم، وعوضهم بأن جعل لهم خمس خمس المغنم، وخمس الفيء، ويدخل في الفيء عند كثير من العلماء المعادن الجامدة والسائلة التي توجد في باطن الأرض وتستخرج منها، وكذلك الكنز الذي يوجد من دفين الجاهلية.
وقد ذكر العلماء في كتب الأحكام السلطانية أن من واجبات ولي أمر المسلمين عمل نقابة لبني هاشم تثبت أنسابهم حتى لا يدخل معهم غيرهم، ولا يضيع أحد منهم، ليتمكن بواسطة هذه النقابة من إيصال حقوقهم الشرعية لهم.
وما ذكر صديقك من أنه يصلي عليهم كل مسلم في الصلاة الإبراهيمية في صلاته حق لا ريب فيه. ومع ذلك كله فإن هذا لا يعني إسقاط الواجبات أو بعضها عنهم أو التغاضي عن اقترافهم المآثم ومخالفتهم لشرع الله؛ لأنهم في هذا كغيرهم من الناس، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -:" وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " رواه البخاري (3475) ومسلم (1688) وهم أحق الناس باتباع هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – والاستمساك به، وإنما المقصود إكرامهم والتلطف معهم، والتغاضي عما يمكن التغاضي عنه من هفواتهم على حد قوله - عليه السلام -: " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود " رواه أبو داود (4375) وأحمد (25474) .(4/252)
وننبه هنا إلى فئتين خالفتا منهج الشرع في حقوق آل البيت، فئة ابتليت بكراهيتهم، وغمط حقوقهم وإيذائهم، ففرطوا فيما يجب لهم من المحبة المشروعة، وفئة بالغت وأفرطت في دعوى حبهم حتى خالفوا شرع الله، والحق بين الغالي والجافي، وقد ذُكرت حقوق آل البيت في كتب السنة في أبواب الفضائل، وألف فيها العلماء كتباً مفردة، ومن ذلك:
01 استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذوي الشرف للإمام شمس الدين السخاوي.
02ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى للطبري.
03 إحياء الميت بفضائل أهل البيت للإمام السيوطي.
04 فضائل آل البيت للمقريزي.
05 الذرية الطاهرة للدولابي.
وغيرها كثير، وللإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم - رحمهما الله - كلام حسن جداً في هذا الباب في كتبهما. والحمد لله أولاً وآخراً.(4/253)
حكم القسم على الله
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 16/11/1422
السؤال
ما حكم القسم على الله؟ وهل يحق لأي مسلم أن يقسم على ربه أم لا؟
الجواب
لا يجوز القسم على الله نحو: (أقسم عليك يا رب أن تفعل كذا) ، إذ لم يرد في القرآن والسنة ما يدل على ذلك، وإنما الذي ورد نصوص تدل على أن المسلم قد يقسم على شيء فيكرمه الله - عز وجل - بتحقيق ما أقسم عليه، مثال ذلك ما ورد في أنس بن النضر الذي أقسم ألا تكسر ثنيّة أخته الرُّبَيّع وكانَتْ قد كسرت ثَنيّةَ جاريةٍ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بالقصاص، ثم رضي القوم بالأرش - أي قيمة السن - فعجب النبي - صلى الله عليه وسلم - من رضا القوم بالأرش وتحقق قسم أنس فقال -صلى الله عليه وسلم: " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره " رواه البخاري (2703) . ووردت أحاديث أخرى تصف بعض الصالحين بأنه لو أقسم على الله لأبره فيفسر على نحو ما سبق.
وأما حديث أنس في أخيه: " البراء بن مالك " الذي رواه الترمذي (3854) : " كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك " فهو حديث ضعيف فيه: " سيار بن حاتم العنزي " قال القواريري: " لم يكن له عقل " وقال العقيلي: " أحاديثه مناكير ضعيفة " والله أعلم.(4/254)
هل ينال الجنَّ عذابُ القبر؟
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 26/11/1424هـ
السؤال
هل عذاب القبر يكون حتى على الجن؟
الجواب
أنصح الأخ السائل بأن يسأل عما ينفعه ويترتب عليه عمل.
أما مثل هذه المسائل فالعلم بها لا ينفع، والجهل بها لا يضر، وأخشى أن يكون السؤال عنها من التنطع، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "هلك المتنطعون"، قالها ثلاثاً رواه مسلم (2670) .
ولما سئل علي -رضي الله تعالى عنه- عن السواد الذي في القمر قال للسائل: "ويلك، سل تفقهاً، ولا تسل تنطعاً"، ثم أجابه بأن ذاك محو الليل.
والجن ما عرفنا حياتهم الدنيوية حتى نعرف حياتهم البرزخية، وهم مكلفون وعد الله الصالحين منهم بالجنات، وتوعد المخالفين بالعذاب الأليم، نسأل المولى -عز وجل- العفو والعافية، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.(4/255)
الفرق بين المسلم والمؤمن
المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 15/3/1423
السؤال
من المؤمن ومن المسلم، وما الفرق بينهما؟
الجواب
الإيمان قول وعمل، فيشمل قول القلب وهو التصديق، وعمل القلب وهي العبادات القلبية كالتوكل على الله، ومحبته، وخشيته، ورجائه، وقول اللسان وعمل الجوارح، والإسلام، هو: الاستسلام والخضوع لله -تعالى- وحده، ومقام الإيمان أعلى وأخص من مقام الإسلام، وذلك عند اقترانهما كما في آية: "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا" [الحجرات:14] فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً، وأما إذا افترقا فيكون الإيمان متضمناً للإسلام، كما أن الإسلام متضمن الإيمان، والله أعلم.(4/256)
حكم الرق في الإسلام
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 30/1/1423
السؤال
كيف نرد على هذه الشبهة وهي العبيد وحكم بيعهم في الإسلام على من يدعي بذلك عدم المساواة في الإسلام؟
الجواب
مسألة الرق والعبودية مما أثير فيه الجدل من قبل المرجفين على الإسلام، وخير وسيلة للدفاع الهجوم.
01 فينبغي أن يثار في وجوههم الاستعباد الجاني للشعب الأفريقي، وتحويلهم إلى جيش من العبيد في أمريكا، وأن من يفعل ذلك عليه أن يكفر عن خطيئته بدل أن يثير اللغط على الآخرين.
02 الإسلام لم يبتكر مسألة الرق، وإنما كانت أمراً قائماً في العالم فجاء الإسلام بتنظيمها، وذلك بحصر أسبابها بسبب واحد فقط وهو الأسر من الأعداء المحاربين، ووسع طرق التخلص منها، فرغب في إعتاق الرّقاب ابتداء، ً وجعل تحرير الرقاب كفارة ملزمة للقتل الخطأ، والجماع في نهار رمضان، والظهار، واختيارية لكفارة اليمين، فضيقت أحكام الشريعة مصدر الرق ووسعت مصارفه ووسائل التخلص منه.
03 حفظت أحكام الشريعة حقوق الرقيق التي كانت مهدرة قبل الإسلام، وأبقت لهم حق الأخوة والمواساة، فقال -صلى الله عليه وسلم-:" إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ".. الحديث رواه البخاري (30) ومسلم (1661) .
04 وإذا كان الموضوع يهمك أكثر فعليك مراجعة كتاب شبهات حول الإسلام للأستاذ محمد قطب (ص 37-63) فإنك واجد ثم ما يكفي -إن شاء الله-.(4/257)
شبهة حول قتل المرتد
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 14/2/1423
السؤال
زميل دراستي نصراني يسأل: لماذا يقتل من يرتد عن الإسلام؟ ويقول: أنا حر في تغيير ديني.
الجواب
ينبغي للمسلم ألاّ يشرّب قلبه الشبهات، بل يكون قوياً في الحق الذي يحمله، ولا يكن همه الدفاع والتبرير، فالنصارى يعتقدون جملة عقائد لا يتقبلها منطق ولا عقل فمناقشتهم فيها وبيانها أولى من ذلك.
وعلى كلٍ فإن كل حكم شرعه الله فهو لحكمة عظيمة، فالله -تعالى- حكيم عليم، وقد يعرف الإنسان هذه الحِكم وقد لا يعرفها.
والحقيقة أن حد الردة هو من تمام الحرية لمن تأمل في ذلك، فإن الإسلام لا يكره أحداً على الدخول فيه، بل ويفهم الناس بخطر الردة وعقوبتها، فلا يقدم أحد على اعتناق الإسلام إلا بعد تمام الاقتناع وتمام التروّي والتأني، فهو إرشاد له أن يفكر في الأمر تمام التفكير.
وأما تشديد العقوبة فلعظم الجريمة حتى لا تكون الردة وسيلة لأعداء الإسلام أن يدخل منهم جماعة كثيرة في الدين ثم يرتدوا جملة واحدة ليوقعوا الشك في قلوب المؤمنين، كما قال -تعالى-: "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون" [آل عمران:72] .
وهذه العقوبة موجودة حتى عند النصارى، فقد كانت الكنيسة تطبقها وقت سيطرتها.
وأخيراًَ هل يعقل أن يكون الدين الذي يعتقده الإنسان متنزهاً يدخله، فإذا لم يرق له تركه وبحث عن غيره؟ وهل يكون ديناً هكذا؟، وفق الله الجميع لهداه.(4/258)
أهل الأهواء وأحكامهم
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 8/3/1423
السؤال
من هم أهل الأهواء وما أحكامهم؟
الجواب
أهل الأهواء مصطلح يطلق -غالباً- على كل من خالف السنة والجماعة في أصل أو أكثر من أصول الدين، من الفرق كالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة والمعتزلة والجهمية وأهل الكلام، والطرق الصوفية، أو الأفراد الذين يخرجون عن السنة والجماعة، فأهل الأهواء هم أهل الافتراق والبدع.
ويدخل فيهم الأنداد والفرق الخارجة عن الملة الذين ينتسبون للإسلام، كالمنافقين والفلاسفة المنتسبين للإسلام، والباطنية والزنادقة ونحوهم.
أما أحكامهم فهي تتفاوت بتفاوت بدعهم:
فالباطنية وغلاة الشيعة أو الباطنية وغلاة الجهمية وغلاة القدرية والفلاسفة الخلّص كفار بعضهم مرتد وبعضهم كافر أصلي، يتجنبهم المسلم ويحذر من مناهجهم ويحذِّر منها.
أما الفرق الإسلامية غير الغالية من الخوارج والقدرية والمرجئة والمعتزلة وأهل الكلام ونحوهم فهم من أهل الملة لكنهم فارقوا السنة والجماعة، فهم من أهل الوعيد حكمهم حكم أهل الكبائر من المسلمين.
والمسلم عليه أن يتمسك بالسنة والجماعة ويلزم أهلها ويواليهم، وينقض البدع والأهواء ويتجنبها وينكر على أهلها ويناصحهم، ويسأل الله الثبات والعافية.(4/259)
الشهادة على الكافر المعين بالنار
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 12/1/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم الشهادة على الكافر بعينه أنه من أهل النار وهل هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة؟ ودمتم على طاعة الله.
الجواب
القاعدة أنه لا يشهد لمعين بأنه في الجنة أو في النار إلا من قام الدليل على حكمه في الآخرة وقد نص أهل العلم في كتب العقائد أنه لا يشهد لمعين من أهل القبلة بجنة ولا نار إلا لمن شهد له الرسول - عليه الصلاة والسلام -، فمن قام الدليل على أنه في الجنة وجب الإيمان بأنه في الجنة، ومن قام الدليل على أنه بعينه في النار وجب الإيمان بأنه في النار، وإلاّ فالواجب إطلاق الحكم العام بأن المؤمنين في الجنة والكفار في النار، لأن الكافر المعين لا يدرى على ماذا يموت، أو لا يدرى ما مات عليه، فالله أعلم بأحوال عباده، وكذلك
لا يعلم عن حاله بينه وبين ربه هل هو ممن يعذره الله أو لا يعذره، فلهذا أقول إن الواجب هو الجزم بالحكم العام بأن الكفار من اليهود والنصارى والمشركين وسائر أمم الكفر في النار، كما نطق بذلك القرآن: "الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ" [النحل:88] "لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [المجادلة:17] ، نعوذ بالله من الكفر بالله، ونسأله سبحانه وتعالى الثبات على الإسلام بمنه وكرمه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(4/260)
الأكل مع النصارى في أعيادهم
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 21/10/1423هـ
السؤال
ما حكم أكل الطعام الذي يعد من أجل عيد النصارى؟ وما حكم إجابة دعواتهم عند احتفالهم بمولد المسيح عليه السلام؟
الجواب
لا يجوز الاحتفال بالأعياد المبتدعة، كعيد الميلاد للنصارى، وعيد النيروز والمهرجان، وكذا ما أحدثه المسلمون كالميلاد في ربيع الأول، وعيد الإسراء في رجب ونحو ذلك، ولا يجوز الأكل من ذلك الطعام الذي أعده النصارى أو المشركون في موسم أعيادهم، ولا تجوز إجابة دعوتهم عند الاحتفال بتلك الأعياد، ذلك لأن إجابتهم تشجيع لهم، وإقرار لهم على تلك البدع، ويكون هذا سبباً في انخداع الجهلة بذلك، واعتقادهم أنه لا بأس به، والله أعلم.
[اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين (ص:27) ] .(4/261)
حمل الجن للأمانة مع الإنس
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 26/10/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شيخنا الجليل ورد في القرآن، أن الإنسان هو الذي رضي بحمل الأمانة من دون المخلوقات، فلماذا ألزم الله بها الجن أيضا؟ أفتونا مأجورين.
الجواب(4/262)
قال الله تعالى في سورة الأحزاب: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً" [الأحزاب:72] فهذا تعظيم لشأن الأمانة التي ائتمن الله عليها المكلفين من الجن والأنس، والتي هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي في السر والخفية، كحال العلانية، وأنه تعالى عرضها على المخلوقات العظيمة: كالسماوات والأرض والجبال عرض تخيير لا تحتيم، وقال لها: إنك إن قمت بها وأديتها على وجهها فلك الثواب وإن لم تؤديها وتقومي بها فعليك العقاب، فالمخلوقات خفن ألا يقمن بهذه الأمانة لا عصياناً لربها ولا زهداً في ثوابه، وعرضها الله على الإنسان على ذلك الشرط فقبلها وحملها مع ظلمه وجهله، فحمل هذا الحمل الثقيل جهلاً بعظم ما يترتب على ذلك، والله أعلم، فالناس منقسمون في هذا إلى ثلاثة أقسام: منافقون أظهروا أنهم قاموا بهذا ظاهراً لا باطناً، ومشركون تركوها ظاهراً وباطناً وهذا من أظلم الظلم وأجهل الجهل بحقيقة المصير وعظم الأمانة، ولذلك قال الله عنهم بعد هذه الآية "لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً" [الأحزاب:73] فالتوبة والمغفرة للقسم الثالث وهم الذين قاموا بأوامر الله وانتهوا عن نواهيه، القائمون بالأمانة العالمون بعظم شأنها.(4/263)
وإلزام الجن بالتكليف مع الإنس يتضح من قوله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات:56] ، ولأن الله سبحانه ميزهم عن بقية المخلوقات هم والإنسان بالإرادة والإدراك والقدرة على حمل التبعة وهي ميزة عظيمة يتميزون بها على كثير مما خلق الله، إذ إن الإنس والجن قادران على اختيار الطريق الموصل إلى عبادة الله ومرضاته فعندهما قدرة الاختيار التي وهبها الله تعالى لهما فيدخلان مع المخلوقات في تدبير الله وتسييره لها، ويتميزان بأن لهما إرادة واختياراً، والجن تبع للإنس في كونهم مأمورين بما يأتي به الأنبياء من الإنس، والله أعلم.(4/264)
لماذا يتعذب الأطفال؟
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 25/12/1423
السؤال
السلام عليكم.
إنني إنسانة مؤمنة بالله وملتزمة بديني -إن شاء الله- والحمد لله، وأحاول أن أحافظ على إيماني ولا أسأل على كل سبب لكل الأمور، أنا أعلم وأؤمن بأن الله لا يظلم إنساناً أو حتى حيواناً أو جماداً، ولكن هناك أمر لا أستطيع أن أتماسك عن السؤال عنه وفي نفس الوقت أخاف من أن أذنب بسؤالي هذا بيني وبين نفسي، سؤالي هو: عندما أرى طفلاً يتعذب بسبب مرض أو ظلم ظالم أسأل في نفسي لم؟ وما هي الحكمة في هذا؟ هل أنا مذنبة؟ وماذا أفعل حتى لا أتساءل في هذا الأمر؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: اعلمي أنه من المتقرر عند أهل الحق ألا يقال في صفات الله كيف ولا في أفعاله لِم فالله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
ثانياً: أن الله لا يظلم أحداً كائناً من كان والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
ثالثاً: أن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولله حكمة في الخلق والتدبير والله لا يخلق شراً محضاً لا خير فيه بوجه من الوجوه بل كل ما يخلقه له فيه حكمة هو باعتبارها خير وإن كان فيه شر لبعض الناس فهذا شر جزئي إضافي أما الشر المطلق فالله تعالى منزه عنه.
رابعاً: اعلمي أنه "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به سيئاته" أخرجه البخاري (5642) ومسلم (2573) وغيرهما فما يصيب هؤلاء وغيرهم من المؤمنين مكفر لذنوبهم ومدخر لهم أجره عند ربهم.(4/265)
خامساً: اعلمي أن العبد قد يحسن منه إيقاع الألم بغيره ويُحمد على فعله كمن يسعى لأن تكون له ماشية فيربيها ويسمنها حتى إذا ازّينت في نظره أوقع الألم بها فذبحها أضحية أو إكراماً للضيف وعند ذلك يحسن منه هذا الفعل لمصلحة راجحة فما بالنا نستحسن ذلك من المخلوق ونعذره عند فعله ثم نتساءل لم يفعل ربنا كذا وكذا مع ماله في خلقه وتدبيره من الحكم.
وختاماً أبعدي عن نفسك هذه الخواطر ودافعيها بالذكر والاستغفار، والله الموفق والهادي، وانظري للتوسع في هذا (مختصر الصواعق المرسلة 1/325) .(4/266)
سكرات الموت
المجيب د. حمود بن غزاي الحربي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 18/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شيخنا الجليل، تحدثت كثير من الكتب عن شدة سكرات الموت وفظاعة ألمها، ووجدت عامتها تورد شواهد لا تقوم بها الحجة، مثل منامات بعض الصالحين، لكني لم أجد دليلاً صحيحاً واحداً على هذا، بل وجدت في الحديث الصحيح أن العبد المؤمن إذا جاءه ملك الموت تسيل روحه كما تسيل القطرة من في السقاء، فما هو القول الفصل في ألم الموت؟ وهل من دليل على ذلك؟.
الجواب
أخرج البخاري في صحيحه (4449) في الرقاق أن عائشة رضي الله عنها- كانت تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم- كان بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ثم نصب يديه فجعل يقول: اللهم في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده، وعند الترمذي (978) وابن ماجة (1623) عن عائشة -رضي الله عنها- بسند حسنه الحافظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يقول "اللهم أعني على سكرات الموت"، وعند الترمذي (978) من حديث عائشة السابق: "اللهم أعني على غمرات الموت أو سكرات الموت" وقد بوب الترمذي في هذا بقوله (ما جاء في التشديد عند الموت) لكن شدة الموت وآلامه لا تدل على نقص في المرتبة بل هي للمؤمن إما زيادة في حسناته وإما تكفير لسيئاته كما أشار إلى ذلك الحافظ في الفتح، والله أعلم - وصلى الله وسلم على نبينا محمد-.(4/267)
ما الذي يفعله من أراد الدخول في الإسلام؟
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 26/8/1424هـ
السؤال
ما جعلني أكتب هو موقف حصل معنا، أتتنا سيدة تريد إعلان إسلامها، فعلمناها الشهادة ونطقتها، وعلمناها معناها، وأعطيناها فكرة عامة عن الإسلام، ما حدث هو حوار حول الذي ينطقها الشهادة، مع العلم أنه ليس لدينا إمام! وأن أحدهم يناقش الشخص ويسأله أسئلته, ثم هو بذلك يقرر إن كان جاهزاً للشهادة أم لا, لكني أرى أن الله وحده يطَّلع على القلوب ولا نحكم بذلك، علما أن السيدة قالت إنها لن تعود عن قرارها بالإسلام, وأنها مستعدة له، ولذلك جعلناها تنطق الشهادة، فالإنسان لا يضمن عمره.
الخلاف الثاني هو أنها يجب أن تغتسل أولاً ثم تشهد, علما أننا كنا في المسجد، وسؤالي هو: هل ما فعلناه صحيح?وما رأيكم بموضوع الأسئلة هذه? وما هي الخطوات التي يجب اتخاذها في حال أظهرت سيدة رغبتها في الإسلام؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فمن نطق (أو نطقت) بلفظ الشهادة عارفاً معناها وما تدل عليه فهو مسلم، ولا يحتاج إلى من يفيد بجاهزيته لذلك، ولا إلى طقوس أخرى.
وأما الغسل فإنه مستحب لمن دخل في الإسلام، وليس شرطاً للدخول فيه، عن طارق بن أشيم - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله، ودمه، وحسابه على الله"، رواه مسلم (23) .
وعليه فإن المرأة المذكورة في السؤال مسلمة يجب عليها ما يجب على المسلمات، ويحرم عليها ما يحرم على المسلمات، والله الموفق.(4/268)
من مات قبل أن تبلغه الدعوة
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 30/4/1424هـ
السؤال
ما حكم من مات من النصارى على كفره وذلك لأحد سببين
أولاً: لأنه لم يُدْعَ إلى الإسلام.
ثانياً: أنه دعاه مسلم ضعيف بالدعوة، فلم يقتنع بالإسلام بسبب ضعف الداعي في دعوته.
الجواب(4/269)
الحمد لله، اليهود والنصارى وسائر الأمم من الوثنيين المشركين أو الدهريين كل أولئك كفار، وإن كان بعضهم أكفر من بعض، وكل من مات منهم على كفره فإنه في نار جهنم، كما قال -سبحانه وتعالى-: " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ" [محمد:34] ، وقال سبحانه وتعالى: "وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً" [النساء:18] ، ومن لم يدع منهم للإسلام أو لم يعرف الإسلام على وجهه فإن الله تعالى يحكم فيه يوم القيامة بحكمه العدل، وهو أعلم بأحوال عباده الظاهرة والباطنة، فمن لم تبلغه دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه من جنس أصحاب الفترة، وأهل الفترة ومن أشبههم كالمجانين فإنه قد جاءت أحاديث تدل على أنهم يمتحنون يوم القيامة بما يكشف حقائقهم، فيتبين المطيع منهم من العاصي، فيجزون بحسب ذلك، فالمقصود أن من مات من الكفار فهو في النار، لكننا لا نشهد على معين من الكفار أنه من أهل النار، لعدم علمنا بما ختم له به، وبحقيقة حاله، والله الذي يعلم حقائق العباد، وهو الذي يجزي عباده على الحسنات بفضله وعلى السيئات بعدله،: "مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ" [الأنعام:160] ، والله أعلم.(4/270)
هل الإيمان في القلب دون الجوارح
المجيب د. أحمد بن عبد العزيز الحليبي
رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 27/3/1424هـ
السؤال
ما هو الرد على من قال إن الإيمان في القلب، وليس في إطالة اللحية وتقصير الثوب؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد. .(4/271)
فإن نصوص القرآن والسنة دلت على أن الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، قال –تعالى-: "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون" [الحجرات: 15] ، وقال –تعالى-: "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون. ." [المؤمنون 1-7] وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" رواه البخاري (9) ، ومسلم (35) ، واللفظ له من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه-، وقال -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس من المغنم" رواه البخاري (87) . فإقرار اللسان بالشهادتين، وإيمان القلب الجازم، والجهاد في سبيل الله بالنفس والمال، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وغيرها من أعمال الجوارح هي من شعب الدين، فتسمية الإيمان عملاً، وإطلاق الإيمان على العمل متقرر عند السلف الصالح، لورود النصوص الدالة على ذلك، منها قوله –تعالى-: "وما كان الله ليضيع إيمانكم" [البقرة:143] ، وسئل الرسول -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أفضل؟ فقال: "إيمان بالله ورسوله". قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله". قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور" رواه البخاري (26) ، ومسلم (83) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه-؛ لذا فإن العمل بأحكام الإسلام التي أمر الله بها ورسوله – عليه الصلاة والسلام - من الإيمان، ومن هذه الأحكام(4/272)
إعفاء اللحية، فقد ورد في الحديث الأمر به، قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بإحفاء الشوارب، وإعفاء اللحية" رواه مسلم (259) ومنها تقصير الثوب دون الكعبين، لنهي الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن تجاوز الكعبين "ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار" رواه البخاري (5787) ، ولا بد من التنبه إلى خطورة هذا القول واعتقاده؛ لأنه مناقض لدلالة القرآن والسنة، وهو من عقائد المرجئة المبتدعة الذين خالفوا به معتقد أهل السنة والجماعة.(4/273)
علامات حسن الخاتمة
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 3/4/1424هـ
السؤال
ما هي علامات حسن الخاتمة؟ وهل الوفاة في أيام التشريق لها أي فضل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
من علامات حسن الخاتمة الاستقامة حال الحياة، وهذه أهمها وأوكدها؛ لأنها الأمر الذي جاء الشرع بالأمر به، قال -تعالى- عن إبراهيم -عليه السلام-: "يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" [البقرة: من الآية132] ، أما العلامات عند الوفاة فهي مبشرات وليست قطعيات، ومنها: سهولة خروج الروح، وقد جاء الخبر بإثبات ذلك، كما حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - وفيه ذكر عن المؤمن حال النزع "كما تسيل القطرة من في السقاء" رواه بهذا اللفظ أحمد في مسنده (18534) وغيره وفيه رواية: "كما تُسَلُّ الشعرة من العجين" عند الطبراني في الأوسط (742) ، وغيره من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- ومن ذلك أيضا عرق الجبين، ودل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث بريدة - رضي الله عنه -: "المؤمن يموت بعرق الجبين" رواه الترمذي (982) ، والنسائي (1828) ، وابن ماجة (1452) وكذلك الموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، انظر ما رواه الترمذي (1074) من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما-، ومع ذلك لا يعني تفقدها وتطلبها وغيرها من العلامات في الأموات، وأنها إذا لم توجد فذلك يدل على عدم حسن الخاتمة، والوفاة على غير الإسلام مع كونه مستقيماً حال الحياة، فهذا ليس بلازم أبداً، وكذلك لا يعني وجودها القطع للمعين بالجنة، وإنما يرجى لصاحبها، كما يخاف على العاصي ولا يقطع له بالنار.(4/274)
أما أيام التشريق فالوفاة فيها لا يعرف لها مزية أو فضل؛ إلا إن كان الإنسان فيها حاجاً ولم يزل محرماً ومات على ذلك، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً، انظر ما رواه البخاري (1265) ، ومسلم (1206) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما-. ولكن ذلك لأجل الإحرام، وليس لذات الأيام. والله أعلم.(4/275)
الانحناء في التدريب الرياضي
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 25/4/1424هـ
السؤال
أريد أن أقوم بفريضة الإعداد للجهاد في سبيل الله، وذلك بممارسة إحدى الرياضات الحربية، إلا أن هناك مسألة التحية (وهي بالانحناء أو طأطأة الرأس، سواء للمعلم أو للدخول في الإعداد، أو للخروج منه، أو عند مواجهة الخصم، أو عند الانتهاء من المواجهة) ، والتي يتخذها واضعو هذه الرياضات من الكفار، طقساً تعبدياً ويمارسها من تعلم هذه الرياضات من بني جلدتنا، على أنها حركات من بين الحركات الأخرى، أو على أنها شكل من أشكال الاحترام للمعلم وللقاعة الرياضية، وإذا ناقشتهم في المسألة وقلت لهم إنه لا داعي لهذه التحية في التدريبات على الأقل, لأنه لا يمكننا اجتياز الامتحانات بدونها للمرور للمرحلة الموالية من التدريب, قالوا نحن ليس في نيتنا ما تقول. ولا يمكننا العثور على نادٍ من الأندية يمارس من الرياضة ما لا يخالف الشرع، ويدع ما يخالفه. فهل مثل هذه الحركات مخالفة للشرع؟ وإذا كانت مخالفة للشرع فهل لنا رخصة في القيام بها، مع الأخذ بعين الاعتبار تعذر إيجاد من يعلمنا دون الوقوع في مثل هذه المسائل؟ وأرجو ذكر الأدلة وجزاكم لله عنا خير الجزاء.
الجواب(4/276)
الاستعداد للجهاد بكل وسيلة تعين عليه أمر مطلوب شرعاً، وهو داخل في قوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ... " [الأنفال: 60] ولكن القاعدة الشرعية أن الوسيلة تتبع الغاية، فإذا كانت الغاية شريفة مشروعة فإن وسيلتها التي تؤدي إليها يجب أن تكون كذلك، ولا يتوسل لتحصيل الأمر المشروع بالوسيلة الممنوعة، والانحناء الذي ذكرته في هذه اللعبة لا يجوز، لكونه طقساً تعبدياً عند أهل هذه الرياضة، فهو بهذا أمر محرم لا يجوز ارتكابه، وليس داخلاً في حقيقة هذه الرياضة، وليست هناك ضرورة تلجئ إليه، علماً بأن إعداد المرء المسلم نفسه للجهاد يمكن أن يحصل بوسائل أخرى ليس فيها محذور شرعي، وليس محصوراً في هذه الرياضة المشتملة على المحرم.
ولتعلم أن التعظيم والسجود كله لا يجوز إلا لله، ومن صرف شيئاً منه لغير الله فقد أشرك معه غيره، وفقنا الله وإياك لمرضاته.(4/277)
أما عن قتال المسلمين لليهود فما جاء به الحديث أنه: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ". أخرجه مسلم (2922) . وليس في الحديث إفناء اليهود من على وجه الأرض، والتقيد بظاهر الحديث أولى.
أما عن القول في قول الله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة: 256] . فهذا في وقت الدعوة، والنص الذي فيه قتال اليهود يبيّن أن القتل سيقع في معركة بين اليهود والمسلمين، كما يعتقد النصارى الإنجيليين بمعركة (هيرمجدون) في آخر الزمان، ووقت الإعذار انتهى ولم يبق لأحد عذر.
أما كون القتل ينسب إلى رجل صالح كالمسيح فليس فيه إشكال لأن المسيح مأمور بذلك من عند الله، وهذا ليس بأقل مما ورد في الكتاب المقدس من نسبة القتل، بل الإسراف فيه، إلى رجل صالح أيضًا كيوشع وداود وغيرهم، فعلى سبيل المثال:
في سفر التثنية (13: 20، 16) يقول الرب في وصاياه لليهود في محاصرة المدن: (وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًّا التي ليست من مدن هؤلاء هنا. وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا فلا تستبق منها نسمة ما) .
وكما يذكر سفر أشعيا (13: 15، 16) بقوله: (كل من وجد يطعن وكل من انحاش يسقط بالسيف. وتحطم أطفالهم أمام عيونهم وتنهب بيوتهم وتفضح نساؤهم) .(4/279)
الوقوف للسلام الملكي
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 21/11/1424هـ
السؤال
ما حكم الوقوف للسلام الملكي؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد فالوقوف عند سماع صوت ما يسمى (السلام الوطني أو الجمهوري أو الملكي) لا يجوز؛ لأن فيه تشبهاً بغير المسلمين الذين أحدثوا لكل بلدة شعاراً مسموعاً، وجعلوا علامة احترامه القيام له، والوقوف عند سماعه، كما أن الشرع منع من القيام على الرجل الجالس؛ في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من سرَّه أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه أبو داود (5229) والترمذي (5229) من حديث معاوية -رضي الله عنه-، وهذا في أن يقوموا له وهو قاعد، ونهى عن القيام عنده فقال:"لا تقوموا كما تقوم الأعاجم، يعظم بعضها بعضاً" رواه أبو داود (5230) وابن ماجة (3836) من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-، كما أن القيام عبادة تصرف لله -تعالى- تذللاً وتعبداً له، كما قال -تعالى-:"وقوموا لله قانتين" [البقرة:238] ، وفي القيام عند السلام الوطني منافاة لإخلاص التعظيم لله وحده.
وقد أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بتحريم ذلك أيضاً، وقررت أن فيه منافاة لكمال التوحيد الواجب، وأنه ذريعة إلى الشرك بفتواها رقم (2123) . والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.(4/278)
المناداة بـ (سيدي ومولاي)
المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 7/07/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أهل زوجتي يقولون عن أنفسهم إنهم من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهم ينادون بعضهم دائمًا بـ: (سيدي ومولاي فلان) . تناقشت مع زوجتي وقلت لها: إن ذلك لا يجوز شرعًا، حتى وإن كانوا من آل البيت. وهي ترفض ذلك، هل يجوز شرعًا التنادي بهذه الألقاب؟ وهل من حقي الطلب من زوجتي ألا تستعمل هذه الألقاب، وما قول الشرع إن رفضت ذلك مع علمها أني أكره ذلك؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد اختلف أهل العلم في جواز إطلاق لفظ السيد على المخلوق، وذلك نظرًا لما جاء في الحديث أن وفدًا قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم, فقالوا: أنت سيدنا. فقال: "السَّيِّدُ اللهُ ... "الحديث. رواه البخاري في الأدب المفرد (211) وأبو داود (4806) والنسائي في الكبرى (10074) وغيرهم.
كما جاء في تفسير اسم الله (الصمد) بأنه السيد الذي تصمد إليه الخلائق.. (راجع تفسير سورة الإخلاص) .
وبالمقابل جاءت نصوص أخرى أطلق فيها لفظ سيد على بعض المخلوقين مثل:
* قوله صلى الله عليه وسلم: "أنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يومَ القِيامَةِ". رواه مسلم (2278) وغيره.
* وقوله صلى الله عليه وسلم: "قُومُوا إلَى سيِّدِكُمْ". رواه البخاري (3043) ومسلم (1768) .
* وقوله صلى الله عليه وسلم, في الحسن: "إنَّ ابْنِي هَذا سَيِّدٌ..". رواه البخاري (2704) .
* وقوله صلى الله عليه وسلم, في الحسين: "الحسَنُ والحُسَينُ سَيِّدا شَبابِ أهلِ الجنةِ". رواه الترمذي (3768) .
* وقوله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة، رضي الله عنها: "أَلَا تَرْضَيْنَ أنْ تَكُوني سيدةَ نساءِ المُؤمنين، أو سيدةَ نساءِ هذه الأُمَّةِ؟ ". رواه البخاري (6285) ومسلم (2450) .(4/280)
* وقول عمر، رضي الله عنه: أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا. [يعني بلالاً] رواه البخاري (3754) .
وعند التأمل في هذه النصوص يظهر – والله أعلم – أن السيادة على نوعين:
النوع الأول: سيادة مطلقة، بمعنى الملك المطلق التام، والتدبير المطلق والتصرف المطلق، ونحو ذلك من المعاني التي لا تليق إلا بذي الجلال والإكرام، فهذه لا تكون إلا لله تعالى، فليس لأحد غير الله ملك مطلق، ولا تصرف مطلق، ولا نحو ذلك من المعاني.
وعلى هذا تفهم النصوص التي جاء فيها أن (السيد الله) .
النوع الثاني: سيادة مقيدة، بمعنى الشرف والطاعة والإمرة، ونحو ذلك من المعاني المقيدة بنسبة، أو إضافة إلى شيء معين، كالعلم والنسب والكرم والشجاعة، والرئاسة، فهذا النوع من السيادة محدود زمانًا ومكانًا، وعلى قوم دون قوم، وعلى نوع دون نوع.
وعلى هذا تفهم النصوص الواردة بإطلاق لفظ سيد على بعض المخلوقين.
وإذا تبين هذا فلا مانع من إطلاق هذا النوع من السيادة على من يستحقه من المخلوقين، بل ومخاطبته بذلك، وفق الشروط التالية:
1. أن تكون السيادة مقيّدة لا مطلقة.
2. أن يكون من تطلق عليه أهلاً للسيادة، بأن يصدق عليه معنى من معاني السيادة أو أكثر، مما يتعارف عليه الناس.
3. أن يكون من تطلق عليه صالحًا تقيًّا، فلا يصح إطلاقها على من ليس كذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ: سَيِّدُنَا". أخرجه أحمد (22939) وأبوداود (4977) والنسائي في الكبرى (10073) . ويلتحق بالمنافق الكافر؛ لأن السيادة فيها نوع رفعة لا يستحقها الكافر، لقوله تعالى: (وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ] النساء: من الآية141 [. ولحديث: "الإسلامُ يَعْلُو ولا يُعْلَى عَلَيْه". أخرجه الدارقطني 3/252 والبيهقي 6/205، وكذلك الفاسق المجاهر بمعاصيه، فلا يجوز تسويده، إذ ليس لفاسق رفعة على الصالحين.(4/281)
وقد يستثنى من هذا حالة الإخبار، فيطلق على الكافر ونحوه لفظ سيد قومه، وسيد الشعب الفلاني، على سبيل الإخبار بأنه سيد لقومه فحسب، لا على سبيل الإكرام والإجلال.
4. أن يكون المقصود من إطلاق هذا اللقب التقدير والاحترام فحسب.
5. ألا يترتب على إطلاقه محذور شرعي، كإعجاب المخاطَب، وخنوع المخاطِب، لأنها حينئذٍ تكون وسيلة إلى أمر محرَّم شرعًا، وما أدى إلى الحرام فهو حرام.
وقد تعارف الناس منذ زمنٍ على تلقيب أولاد فاطمة، رضي الله عنهم، بنت النبيّ صلى الله عليه وسلم – بالسادة، وهذا اللقب أخص من لقب الشريف، لأن الشريف يطلق من قديم على كل هاشمي، فيدخل فيه أولاد فاطمة وغيرهم من بني هاشم، رضي الله عنهم، بخلاف (السيد) فلا يطلق إلا على أولاد فاطمة، رضي الله عنها.
وعليه فلا مانع من تلقيب من كان من ذرية فاطمة، رضي الله عنها- بلفظ (سيد) ، بشرط صحة نسبه إلى فاطمة، رضي الله عنها، بحيث لا يكون منتحلاً لهذا النسب الكريم، ولا دَعِيًّا..، إضافة إلى الشروط السابق ذكرها وهي:
1.أن تكون السيادة مقيّدة لا مطلقة، وتقييدها هنا بالنسب، أي أنه سيد في نسبه.
2.أن يكون أهلاً للسيادة، وأهليته هنا صحة نسبه إلى فاطمة، رضي الله عنها، فكيف إذا انضم إلى ذلك أنواع أخرى من السيادة؟!
3.وأن يكون صالحًا تقيًّا.
4. وأن يكون المقصود من إطلاقه عليه التقدير والاحترام لا غير.
5. وألا يترتب على ذلك محذور شرعي.
وبعد هذا التقعيد نقول للأخ السائل – حفظه الله:
ينبغي عليك، أخي الكريم: أن تتفاهم مع زوجتك في هذه المسألة - وغيرها - بالحسنى، حتى تصلا إلى حلٍّ مشترك يرضي الطرفين، ويحفظ الودَّ بينكما، مع مراعاة العرف الاجتماعي لديكم بما يحققُ المصلحة للجميع، وذلك وفق الشروط المذكورة في الجواب أعلاه.(4/282)
وعلى الزوجة الفاضلة تَفَهُّمُ موقف زوجها، وطاعته بالمعروف، والنزول عند رغبته، إذا لم يمكن حسم الموضوع إلا بذلك؛ فإن لقب السيادة ليس من الأمور الواجب التقيد بها، كما أنه ليس من الألقاب المحرَّمة بإطلاق، بل هو من الأمور المباحة، حسب التفصيل السابق.
فعلى الزوجين الكريمين التفاهم بالمعروف، بما يديم العشرة الحسنة بينهما، ولا يُخِلُّ بعلاقتهما بأقاربهما. والله أعلم وأحكم.(4/283)
الفرق بين الإسلام والإيمان
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 18/4/1424هـ
السؤال
ما هو الفرق بين الإسلام والإيمان؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - عن تعريف الإسلام والفرق بينه وبين الإيمان؟
الجواب:
فأجاب - رحمه الله - بقوله: الإسلام بالمعنى العام هو: "التعبد لله تعالى بما شرعه من العبادات التي جاء بها رسله- عليهم السلام، منذ أن أرسل الله الرسل - عليهم السلام - إلى أن تقوم الساعة، فيشمل ما جاء به نوح - عليه الصلاة والسلام - من الهدى والحق، وما جاء به موسى- عليه السلام -، وما جاء به عيسى - عليه السلام- ويشمل ما جاء به إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - إمام الحنفاء، كما ذكر الله - تبارك وتعالى - ذلك في آيات كثيرة تدل على أن الشرائع السابقة كلها إسلام لله - عز وجل-.(4/284)
والإسلام بالمعنى الخاص بعد بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – يختص بما بعث به محمد – صلى الله عليه وسلم – لأن ما بعث به - صلى الله عليه وسلم – نسخ جميع الأديان السابقة فصار من اتبعه مسلماً، ومن خالفه ليس بمسلم؛ لأنه لم يستسلم لله بل استسلم لهواه، فاليهود مسلمون في زمن موسى – عليه الصلاة والسلام – والنصارى مسلمون في زمن عيسى -عليه الصلاة والسلام-، وأما حين بعث محمد – صلى الله عليه وسلم – فكفروا به؛ فليسوا بمسلمين، ولهذا لا يجوز لأحد أن يعتقد أن دين اليهود والنصارى الذين يدينون به اليوم دين صحيح مقبول عند الله مساو لدين الإسلام، بل من اعتقد ذلك فهو كافر خارج عن دين الإسلام؛ لأن الله – عز وجل – يقول: "إن الدين عند الله الإسلام" [آل عمران: 19] ويقول: "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه" [آل عمران: 85] ، وهذا الإسلام الذي أشار الله إليه هو الإسلام الذي امتن الله به على محمد – صلى الله عليه وسلم – وأمته، قال الله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" [المائدة: 3] ، وهذا نص صريح في أن من سوى هذه الأمة بعد أن بعث محمد – صلى الله عليه وسلم – ليسوا على الإسلام، وعلى هذا فما يدينون الله به لا يقبل منهم ولا ينفعهم يوم القيامة، ولا يحل لنا أن نعتبره ديناً قائماً قويماً، ولهذا يخطئ خطأ كبيراً من يصف اليهود والنصارى بقوله إخوة لنا، أو أن أديانهم اليوم قائمة لما أسلفناه آنفاً.(4/285)
وإذا قلنا إن الإسلام هو التعبد لله - سبحانه وتعالى - بما شرع شمل ذلك الاستسلام له ظاهراً وباطناً، فيشمل الدين كله عقيدة وعملاً وقولاً، أما إذا قرن الإسلام بالإيمان؛ فإن الإسلام يكون الأعمال الظاهرة: من نطق اللسان وعمل الجوارح، والإيمان الأعمال الباطنة: من العقيدة وأعمال القلوب، ويدل على هذا التفريق قوله تعالى: "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ" [الحجرات: من الآية14] ، وقال تعالى في قصة لوط: "فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" [الذاريات:35-36] ، فإنه فرق هنا بين المؤمنين والمسلمين لأن البيت الذي كان في القرية بيت إسلامي في ظاهره، إذ إنه يشمل امرأة لوط التي خانته بالكفر وهي كافرة، أما من أخرج منها ونجا فإنهم المؤمنون حقاً الذين دخل الإيمان في قلوبهم، ويدل لذلك - أي للفرق بين الإسلام والإيمان عند اجتماعهما - حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وفيه أن جبريل سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام والإيمان؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت" وقال في الإيمان: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره" رواه مسلم (8) .
فالحاصل أن الإسلام عند الإطلاق يشمل الدين كله ويدخل فيه الإيمان، وأنه إذا قُرن مع الإيمان فُسِّر الإسلام بالأعمال الظاهرة من أقول اللسان وعمل الجوارح، وفُسِّر الإيمان بالأعمال الباطنة من اعتقادات القلوب وأعمالها.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين (1/47-49) ] .(4/286)
ما يجب تعلمه من العقيدة
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 27/07/1425هـ
السؤال
ما يجب تعلمه في العقيدة وكيف نفهمها؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
فإنه يجب على كل مسلم أن يعتقد ما دل عليه حديث جبريل- عليه السلام- المشهور، حين سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وعلاماتها، وبين صلى الله عليه وسلم أنه أتاهم يعلمهم دينهم، فيما رواه مسلم (8) من حديث عمر -رضي الله عنه- ففي أمر الاعتقاد يجب:
1- الإيمان بالله وتوحيده بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
2- الإيمان بالملائكة الكرام، وما صح من صفاتهم وأعمالهم وأسمائهم.
3- الإيمان بكتب الله، وتصديق ما صح من أخبارها، والعمل بما لم ينسخ من أحكامها.
4- الإيمان برسل الله، وأن دينهم واحد، وهو الإسلام، وشرائعهم متنوعة منسوخة بالإسلام.
5- الإيمان باليوم الآخر، وفتنة القبر وعذابه أو نعيمه، والبعث، والحشر، والحساب، والجنة والنار.
6- الإيمان بالقدر، وعلم الله السابق لكل شيء، وكتابته، ومشيئته النافذة، وخلقه لكل شيء، وما يتصل بذلك، وما يلتحق به، ومعرفة ما ينافيه من الكفر والشرك والنفاق.(4/287)
وأما كيفية فهم العقيدة، فكما فهمها السلف الصالح من الصحابة - رضي الله عنهم- والتابعون وتابعيهم من أهل القرون المفضلة، الذين اعتمدوا على ناطق الكتاب وصحيح السنة، ولم يسلكوا السبل المحدثة التي جاء بها المتكلمون والفلاسفة، وشوهوا بها جمال العقيدة، وكدروا صفوها، فعلى كل مؤمن أن يسعه ما وسع الرعيل الأول، وأن يقبل على كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم- فيستقي من نبعها الصافي، مستعيناً بمؤلفات السلف الصالح وتقريراتهم، ككتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ونحوه من كتب السلف في هذا المجال.(4/288)
نسخ الإسلام للأديان السابقة
المجيب أ. د. جعفر الشيخ إدريس
رئيس الجامعة الإسلامية الأمريكية المفتوحة
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 19/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أدرس في فرنسا منذ سبع سنين، ولي مسؤول فرنسي منذ أن قدمت إلى فرنسا وهو يحمل لي معزة كبيرة، ويعتبرني كابنه نتناقش كثيراً عن الإسلام وعن المسيحية، بعد سنتين من النقاش يعترف أن الإسلام حق وأن القرآن حق، ولكنه يقول إن دينه أيضا صحيح، في يوم من الأيام طلب مني أن أوضح له الصلاة وصليت أمامه، والله يا شيخ إنه بكى وتعلم الصلاة بعدها وأتاني بعدها يقول أنا الآن أقوم بالصلاة وأشهد أن لا اله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ومستعد أصوم وأزكي وأحج، لكن ديني لم أتركه، وضحت له أن دينهم ضد توحيد الله، وبينت له في ترجمة القرآن بالفرنسي الآيات التي بينت بطلان دينهم، وجدت كتاب "أصول في الإيمان"للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله - مترجم بالفرنسي وطلبت منه قراءته، وبعد أن قرأه رأيت فيه تغييراً، ويقول لي أنا الآن في حيرة كبيرة وهو لا يريد كتباً بالإنجليزية، ويريد أن يتعلم عن طريقي فقط أحس إنها مسؤولية كبيرة ملقاة على كتفي، أعينوني أعانكم الله، واسمحوا لي بطرح سؤاله التالي: لماذا الإسلام نسخ جميع الأديان السابقة؟ ما هو دليل موت مريم كباقي الناس؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبارك الله في جهودكم وضاعف أجركم.(4/289)
الإسلام لم ينسخ الأديان السابقة بمعنى أنه أبطل كل ما فيها، بل إنه أقر كل ما فيها من أصول الإيمان والأخلاق وكثير من العبادات، لكنه نسخ بعض ما جاء فيها مما هو خاص بزمانها أو مكانها، لأن الإسلام بما أنه الدين العالمي الخاتم لا يرتبط بزمان ولا مكان. ثم إنه الدين الأكثر شمولا. وأنت تجد في كثير من آيات القرآن، مثل قوله تعالى: "وهو الحق مصدقا لما معهم" [البقرة: 91] وقوله: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم" [البقرة: 183] أما سؤالك عن موت مريم -رضي الله عنها- فإنه هو نفسه يتضمن الإجابة، لأنه إذا كان كل الناس يموتون، بل كل الرسل يموتون كما قال الله تعالى لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- "إنك ميت وإنهم ميتون" [الزمر: 30] ، بل إذا كان عيسى نفسه سيموت بعد مجيئه الثاني فلماذا لا تموت أمه؟ ألم يقل الله تعالى: "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" [الرحمن: 26-27] .(4/290)
الاستثناء في أصل الإيمان
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 7/10/1424هـ
السؤال
نفع الله بكم وبعلمكم، هل يجوز الاستثناء في "أصل الإيمان"؟ أفتونا مأجورين بشيء من التفصيل بارك الله فيكم.
الجواب
الحمد لله، من منّ الله عليه بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره، فلا يجوز له أن يستثني على وجه الشك في إيمانه، وكيف يستثني وهو يعلم أنه مؤمن بالله ورسوله -عليه السلام-، ولكن إنما يشرع للإنسان أن يستثني على وجه الاحتراز من تزكية نفسه ووصفها بالإيمان المطلق، كأن يقول أنا مؤمن فاحترازاً من تزكية النفس، وادعاء الكمال شرع له أن يستثني فيقول أنا مؤمن إن شاء الله، فإذا قيل للإنسان: هل أنت مؤمن، فليقل: نعم، أنا أؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله - عليهم السلام-، وعلى هذا فيحرم الاستثناء على وجه الشك، ويجب أو يستحب احترازاً عن تزكية النفس؛ لأن الإنسان مهما كان قائماً بطاعة الله فلا يليق به دعوى الكمال، والمؤمنون الكمل أبعد ما يكونون عن الدعوى، بل يخافون على أنفسهم ويشعرون بالتقصير ويلزمون الاستغفار وذلك من كمال تحقيق الإيمان ومن كمال البصيرة، وكمال المعرفة بالله - سبحانه وتعالى -وبعظيم حقه على عباده، نسأل الله أن يمن على الجميع بالهداية والمغفرة فهو أهل التقوى وأهل المغفرة. والله أعلم.(4/291)
شبه حول نزول الباري عز وجل
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 22/4/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
إن مما يجب علينا نحن المسلمين الإيمان به هو الإيمان بما أخبر به الله -تبارك وتعالى- من صفاته وأسمائه، وكذلكم ما وصفه به رسوله الأمين محمد -صلى الله عليه وسلم- من غير تحريف أو تأويل أو تعطيل أو تكييف! وإن مما ورد في صفاته تعالى المجيء والنزول والضحك وغير ذلك، فيجب علينا الإقرار بها كما وصف بها -تبارك وتعالى- نفسه، وكما وصفه بها الرسول -عليه الصلاة والسلام- وإن مما يتفلسف به البعض لمّا سمع حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم عن نزوله -تبارك وتعالى- بعد مضي ثلث الليل أنه قال: كيف يعقل ذلك في زماننا مع علم الجميع بأن الدول العالمية تختلف بينها الساعات والأوقات من ليل ونهار كما هو مشاهد! وكيف ينزل ربنا في السعودية مثلاً في ليلة والشمس قد أشرقت في اليابان، ثم بعد وقت سينزل في روما أو بولندا أو الولايات المتحدة الأميركية بعد مضي أثلاث الليل في كل من الدول التي يتعاقب فيها الليل وهكذا إلى أن تشرق الشمس على الجميع"؟ فكان الأولى أن يؤول نزول الباري بنزول رحمته أو أمره ". والسؤال: كيف الإجابة عن هذا السؤال المحيِّر؟ وما هو الفهم الصحيح لهذا الحديث وما يشبهه من صفات الله تعالى؟ والله يجزيكم عني خيراً.
الجواب(4/292)
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، الجواب عن هذا السؤال: أن نقول كما قال ربنا -عز وجل-: "ليس كمثله شيء" [الشورى: 11] وقال: "ولم يكن له كفواً أحد" [الإخلاص: 4] ، وقال تعالى: "فلا تضربوا لله الأمثال" [النحل: 74] وغيرها من النصوص الدالة على نفي مماثلة الله لخلقه، والواجب على المؤمن التصديق والقبول بما أخبر الله به عن نفسه أو أخبر عنه نبيه - صلى الله عليه وسلم- وأنه حق على حقيقته، والحذر من أربعة أمور:
الأول: التمثيل: بأن يعتقد مماثلاً لله تعالى في ذاته أو صفاته أو أفعاله.
الثاني: التكييف: بأن يعمل ذهنه القاصر في تصور كيفية صفات الله، ومحاولة تعيينها وقد قال الإمام مالك - رحمه الله - لمن سأله عن كيفية الاستواء (الاستواء معلوم - أي معلوم المعنى في لغة العرب وهو العلو - والكيف مجهول - أي أن عقولنا لا يمكن أن تتعقل كيفية صفات الله، وإن كانت تتعقل معناها من حيث اللغة - والإيمان به واجب - لأن الله أخبر به ورسوله عليه السلام - والسؤال عنه بدعة - لأن الصحابة - رضي الله عنهم - لم يكونوا يسألون عن الكيفيات، وهذا السؤال الذي يلقيه بعض المتفلسفة - كما ذكر السائل - من هذا القبيل فنقول: "النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) .
الثالث: التعطيل: بأن ينفي دلالة النصوص، ولا يعتقد شيئاً، بل يقتصر على الإيمان بالألفاظ دون ما تضمنته من المعاني، كما يفعل أهل التجهيل الذين يسمون أنفسهم (أهل التفويض) .
الرابع: التحريف: بأن يصرف النصوص عن معانيها المرادة لله تعالى، التي دلت عليها لغة القرآن إلى معان يقترحها هو، ويزعم أنها مرادة لله - عز وجل - دون دليل، كما جاء في السؤال من تحريف نزول الله تعالى إلى نزول أمره ورحمته، فهذا تحريف باطل من وجوه:
أ- أنه قول على الله بغير علم، في مقام خطير، قال تعالى: "وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" [الأعراف: 33] .(4/293)
ب- أنه تنقص لنبيه - صلى الله عليه وسلم - واتهام ضمني له بعدم البيان والتلبيس، على الأمة وقد كان يسعه أن يقول - وحاشاه - ينزل أمر ربنا. ونحو ذلك.
ج- أن هذا التحريف يقتضي أن في الكلام حذفاً، والأصل عدم الحذف.
د- أن نزول أمره أو رحمته -سبحانه- لا يختص بالثلث الأخير من الليل، بل هما ينزلان كل وقت.
هـ- أنه أخبر أن منتهى هذا النزول السماء الدنيا، فأي فائدة من نزول الرحمة مثلاً إلى السماء الدنيا فقط.
ودل الحديث أن الذي ينزل يقول: "من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له" رواه البخاري (1145) ، ومسلم (758) ، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- وهذا لا يكون إلا من الله -سبحانه-.
فالفهم الصحيح لهذا الحديث ولغيره من الآيات والأحاديث الصحيحة المتعلقة بصفات الباري - عز وجل - الإيمان بها وقبولها وإجراؤها على ظاهرها اللائق بالله تعالى، المبني على لسان العرب، والحذر من ردها وتحريفها فراراً مما يسبق إلى ذهن بعض السامعين من لوثة التشبيه، بل نقول كما قال ربنا: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"
[الشورى: 11] فنثبت لله تعالى إثباتاً بلا تمثيل، وننزه الله تنزيهاً بلا تعطيل، والله أعلم.(4/294)
"لماذا نعبد الله تعالى؟ "
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 13/2/1425هـ
السؤال
سألني شخص مسلم: لماذا نعبد الله؟ فأجبته لأنه هو المستحق للعبادة وما خلقنا إلا لعبادته, فلا معبود بحق إلا الله، فسألني وقال: أنا أقصد أنه لماذا نعبده, ما دمنا نعلم أننا لن نفيده؟ وكتب عنده من سيدخل الجنة ومن سيدخل النار، بعد هذا السؤال تذكرت إجابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- للصحابة - رضي الله عنهم- حينما سألوه نفس السؤال فقال: كل ميسر لما خلق له، أتمنى أن تتضمن الإجابة شرحاً لـ (كل ميسر لما خلق له) . وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، قول القائل لماذا نعبده؟ جوابه كما ذكرت بأنه سبحانه وتعالى هو المستحق للعبادة لأنه خالقنا ورازقنا، وهو ربنا ورب كل شيء، ولأنه خلقنا لعبادته وأمرنا بها، كما قال: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات:56] ، وقال تعالى: "يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم ... " [البقرة:21] ، ولم يخلقنا لعبادته ولم يأمرنا بعبادته لحاجة به إلى ذلك فإنه الغني عن خلقه، لكنه تعالى يحب من عباده أن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن يطيعوه ويطيعوا رسله عليهم السلام، ولكن منفعة العبادة راجعة إلى العباد ومضرة تركها واقعة عليهم، فالعباد لا ينفعون الله ولا يضرونه بل هو النافع الضار، وفي الحديث القدسي: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني" مسلم (2577)
وقد بين سبحانه وتعالى أنه لم يخلق الجن والإنس ليرزقوه أو يطعموه، أو يتقوى بهم من ضعف فقال سبحانه: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين" [الذاريات:56-58] .(4/295)
أما قول القائل: لماذا أمرنا الله بعبادته؟ وقد علم من يدخل الجنة ومن يدخل النار فجوابه أيضاً كما ذكرت أن على العباد أن يعملوا ولا يتكلوا على القدر كما قال -صلى الله عليه وسلم- لمن قال له: إذا كان ما نعمله قد فرغ منه ومضى به القدر فلماذا العمل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" انظر البخاري (4949) ، ومسلم (2647) وتفسير هذا أن من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة، هكذا جاء في الحديث وجاء هذا المعنى في القرآن في قوله سبحانه: "فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى" وهذا التيسير لعمل أهل السعادة، أو عمل أهل الشقاوة هو الهدى والإضلال المذكوران في مثل قوله تعالى: "يضل من يشاء ويهدي من يشاء" [النحل:93] فيهدي من يشاء بتوفيقه فضلاً منه، ويضل من يشاء بعدم التوفيق عدلاً منه، فهو تعالى يهدي من يشاء بفضله وحكمته ويضل من يشاء بعدله وحكمته، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
فالواجب على العباد أن يؤمنوا بشرع الله وقدره وأن يطيعوا أمره ونهيه، وأن يأخذوا بأسباب السعادة، وأن يحذروا من أسباب الشقوة وهذا ما فطر الله عليه العباد من الأخذ بالأسباب النافعة، وتجنب الأسباب الضارة، وإن كان ذلك كله مقدراً كما في طلب الرزق وطلب العلم، وطلب الأولاد، فلا يقول عاقل: إن كان الله قد قدر أن أكون عالماً، أو قدر أن يكون لي رزق، أو قدر أن يكون لي أولاد فسيحصل ذلك كله دون سعي ولا عمل، فهكذا سعادة الآخرة موقوفة على أسباب، وهي الإيمان والعمل الصالح، ولن تتحقق هذه السعادة إلا بأسبابها التي شرعها الله وقدرها سبحانه وتعالى، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. والله أعلم.(4/296)
أرواح الحيوانات بعد الموت إلى أين؟
المجيب د. عبد العزيز بن عمر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 20/11/1424هـ
السؤال
ما مصير أرواح الحيوانات بعد موتها؟.
الجواب
أرواح الحيوانات في الآخرة مصيرها إلى التراب، كما أخبر الله تعالى بذلك كما في قوله عز وجل:"إنا أنذرناكم عذاباً قريباً يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً" [النبأ:40] ، وذلك حينما يعاين البهائم قد عادت إلى التراب بعد أن حكم الله بينها، ولم أجد كلاماً لأهل العلم في أرواح البهائم قبل يوم القيامة سوى ما في بعض التفاسير نحو تفسير البيضاوي، كما في قوله ( ... ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف، أو في هذا اليوم فلم أبعث، وقيل يحشر سائر الحيوانات للاقتصاص ثم ترد تراباً فيود الكافر حالها ... ) انظر تفسير البيضاوي (5/444) ، وما أخرجه السيوطي في الدر المنثور عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله: "ثم إلى ربهم يحشرون" [الأنعام:38] قال: موت البهائم حشرها، وفي لفظ: قال يعني بالحشر الموت. وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "ما من دابة ولا طائر إلا ستحشر يوم القيامة، ثم يقتص لبعضها من بعض، حتى يقتص للجلحاء من ذات القرن، ثم يقال لها كوني تراباً، فعند ذلك يقول الكافر يا ليتني كنت تراباً" النبأ. انظر: الدر المنثور (3/267) ، أما قبل يوم القيامة فلعلها في برزخ حتى يوم البعث، والله أعلم.(4/297)
رؤيا الأموات المذكورة في كتاب الروح
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 4/12/1424هـ
السؤال
نرجو منكم -يا شيخنا- أن تفيدونا برأيكم في كتاب الروح لابن القيم، خاصة فيما يتعلق برؤيا الأموات التي أوردها الشيخ الجليل، ففي قلبي منها شيء، خاصة ذكره لبعض المتصوفة مثل رابعة العدوية.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الرؤى والمنامات ما كان منها مندرج تحت أصل ثابت مثل مسألة عذاب القبر ونعيمه، وسؤال الملكين، ورد روح الميت إليه في وقت معين، وغيرها، فلا بأس بها للاستشهاد والاستئناس، لكنها لا تستقل بإثبات حكماً تأسيساً وابتداءً، وما كان منها في غير ذلك فلا عبرة بها، ولا يلتفت إليها، خاصة ما يستند إليه بعض المتصوفة من زعمهم رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- أو أحد من الصحابة - رضي الله عنهم- أو الصالحين وادعائهم أنه ذكر حكماً أو دعاءً أو قبولاً لعمل معين مما ترده الأدلة الظاهرة، وأما الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له، ثم يفسرها عالم أو ناصح فهذه إحدى المبشرات كما صح الخبر بذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري (6988) ، ومسلم (2263) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- على كل حال المسلم وطالب العلم يقرأ بروية وانتقاء وتدبر للدليل والمدلول، ويسأل أهل العلم حوله عما يجده ويشكل عليه. والله الموفق، والسلام عليكم.(4/298)
هل اليقين يزيد وينقص
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 21/10/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
فهمت أن الإيمان يزيد وينقص؛ لأنه مشتمل على العمل، لكن هل اليقين أيضاً يزيد وينقص؟ كيف يمكن لشخص أن يؤمن بالله بدرجة أقل؟ فهو إما مؤمن به أو غير مؤمن، هل يمكن لشخص أن يؤمن بمقدار 99% أو 101%؟ أرى أنه ليس هناك حلول وسط في مسألة الإيمان إذا تعلق الأمر باليقين.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
اليقين درجات بعضها أعلى من بعض وهي متعلقة بالبصيرة التي هي رؤية القلب، فهناك علم اليقين: وهو المستفاد من التصديق للخبر الذي لا يتطرق إليه شك، إما لصدق المخبر أو لوجود قرائن كتواتر الخبر أو لجميع ذلك.
الثاني: عين اليقين وهو المستفاد والمحصل عن طريق الرؤية مع الخبر.
الثالث: حق اليقين وهو أعلاها ومستفاد من التصديق والرؤية والمباشرة ويمثل العلماء لذلك بمثال: لو أن أحداً أخبرك بنهر جار في مكان معين، فإن قامت قرائن على تصديقه فذلك العلم المستفاد، علم اليقين، فإذا ذهبت ورأيت النهر بعينك فذلك عين اليقين، فإن باشرته وخضت فيه فذلك حق اليقين، والواجب في الإيمان هو علم اليقين، وقد يزداد إيمان المسلم حتى كأنه يرى الله ويرى الجنة والنار كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم- في حديث جبريل الصحيح: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" البخاري (50) ومسلم (8) ، والإحسان درجة كمال الإخلاص ودوام المراقبة، وإبراهيم عليه السلام خليل الرحمن وإمام الحنفاء طلب من ربه أن يوصله درجة عين اليقين وهي الرؤية، لا شكاً حاشاه عليه السلام- وإنما ليزداد إيمانه طمأنينة وكمالاً "قال رب أرني كيف تحي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي" [البقرة: 260] والله أعلم.(4/299)
الجمع بين حديث استغفار النبي لأمته، وإخباره بمنع بعضهم من ورود حوضه
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 26/10/1424هـ
السؤال
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فيما معناه أن أعمال أمة محمد صلى الله عليه وسلم تعرض عليه كل اثنين، فإن وجد خيراً حمد الله عليه، وإن وجد غير ذلك استغفر الله لأمته، أو كما قال صلى الله علية وسلم، والحديث الثاني قوله: صلى الله علية وسلم يوم القيامة يأتي أقوام من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فتبعدهم الملائكة، فيقول صلى الله عليه وسلم أمتي أمتي، فتقول الملائكة: لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم سحقأً سحقاً: أولا ما صحة الحديثين وما نصهما؟ ثانياً: كيف يجمع بين الحديثين، إذ يستغفر الرسول صلى الله علية وسلم لأمته في الحديث الأول، ويمنعون عن الحوض يوم القيامة؟.
الجواب(4/300)
الحديث الأول حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- وفيه: " ... ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم" قال الهيثمي أخرجه البزار ورجاله رجال الصحيح، وجود إسناده الزرقاني وأخرجه الحارث ابن أبي أسامة في مسنده مرسلاً عن بكر بن عبد الله المزني - رضي الله عنه- ومن حديث أنس - رضي الله عنه-، وقال الحافظ العراقي إسناده ضعيف، انظر: السلسلة الضعيفة (2/404) ح (975) والحديث الثاني في قصة الحوض في القيامة، وهو في الصحيحين البخاري (6585) ومسلم (2295) وغيرهما عن جمع من الصحابة - رضي الله عنهم- منهم سهل بن سعد وأنس وابن مسعود وأبي هريرة وغيرهم - رضي الله عنهم-، ومن حيث الجمع بينهما فعند القائلين بضعف الحديث الأول فلا دلالة فيه ولا معارضة، وعلى القول بصحته فالجمع بينهما من وجوه:
(1) أن الاستغفار عام لجميع أمته ولا يعارض ذلك أحوال أقوام بخصوصهم غيروا وبدلوا فيحمل الأول على العموم والثاني على الخصوص.
(2) وقيل: إنها تعرض على النبي - صلى الله عليه وسلم- عرضاً مجملاً، أو أنها تعرض عليه دون تعيين عاملها وهذان الوجهان ذكرهما لأُبِّي في شرح مسلم.
(3) وقيل: المطرودون عن الحوض نوعان: قوم ارتدوا عن الإسلام بالكلية من المنافقين فخرجوا عن أمة النبي - صلى الله عليه وسلم- (أمة الإجابة) ، فلا يشملهم الاستغفار أصلاً، والثاني: قوم من العصاة وأهل البدع والأهواء ولا يلزم من طردهم عن الحوض وبعدهم خلودهم في النار، بل يحرمون من الحوض والشرب منه كما يحرم شراب الخمر من خمر الجنة، وهؤلاء داخلون في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم- لكن لم تشملهم المغفرة، ولعل هذا الوجه في الجمع والوجه الأول أيضاً هما الأقرب في نظري. والعلم عند الله تعالى.(4/301)
هل بين هذه المصطلحات فروق: العقيدة، الإيمان، التوحيد؟
المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 04/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما هو التعريف العلمي لمصطلحات (العقيدة) ، (الإيمان) ، و (التوحيد) ، وهل هناك فرق بينها في الاستعمال؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فالعقيدة: في اللغة مأخوذة من العقد، وهو نقيض الحل، مما يدل على الشدَّة والوثوق، والعقد وصل الشيء بغيره، سواء كان وصلاً حسياً أم معنوياً، فمن الحسي عقد الحبل وشده، وعقد النظام (للقلادة ونحوها) ، ومن المعنوي عقد اليمين والعهد والنكاح ونحو ذلك ...
والعقيدة في الاصطلاح (الذي يصدق على كل عقيدة صحيحة أم فاسدة) تطلق على الأمر الذي يعزم عليه الإنسان، ويجزم به (حقاً أو باطلاً) ويعقد عليه قلبه وضميره، بحيث يصير عنده حكماً لا يقبل الشك، فهي الإيمان الذي لا يحتمل النقيض، وهي بهذا المعنى مرادفة للإيمان.
كما أن من معانيها في اللغة الجمع بين أطراف الشيء، فكأن المعتقد قد جمع أطراف قلبه وعقد ضميره على معتقده، فأحكم وثاقه بالبراهين والأدلة القاطعة لديه.
والمقصود بها شرعاً (في دين الإسلام) عزم القلب وجمعه وتوثيقه وتوكيده على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ويدخل فيها اعتقاد وجوب طاعة الله وحرمة معصيته، والإيمان بقطعيات الدين ...
أما الإيمان: فهو في اللغة: التصديق الجازم المستلزم للإذعان والانقياد، وليس هو مجرد التصديق الخبري النظري المعرفي.(4/302)
واصطلاحاً: يأتي بمعنى الاعتقاد القلبي، فهو مرادف لمعنى العقيدة من هذه الناحية، أي أنه يصدق على كل دين وعقيدة يؤمن بها بشر، فأتباع كل عقيدة ودين هم مؤمنون بتلك العقيدة وذلك الدين، بمعنى أنهم قد عقدوا قلوبهم وضمائرهم على التصديق الجازم بها.
والإيمان الشرعي الذي أمر الله به عباده: يراد به الدين كله، أصوله وفروعه، إذ كلها شعب للإيمان، فكل طاعة شعبة منه، كما جاء في الحديث: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة". صحيح البخاري (9) ، وصحيح مسلم (35) .
وإذا اجتمع لفظ الإيمان ولفظ الإسلام في سياق واحد، كان معنى الإيمان اعتقاد القلب ومحبته وإخلاصه، وكل ما هو من عبادات القلب الباطنة، ومعنى الإسلام حينئذٍ الأمور الظاهرة.
وإذا انفردا في اللفظ كان كل منهما شاملاً للدين كله باطنه وظاهره، أصوله وفروعه، وقد عبّر السلف -رحمهم الله- عن هذا المعنى الشمولي للإيمان بقولهم: (الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص) وأرادوا بالقول مجموع أمرين:
1) القول الظاهر وهو الشهادتان.
2) القول الباطن وهو الاعتقاد.
وأرادوا بالعمل مجموع أمرين:
1- عمل الباطن، وقصدوا به انقياد القلب وإذعانه بتحقيق أعمال القلوب، كالنية والخوف والرجاء والمحبة ... ونحو ذلك.
2- عمل الظاهر، وأردوا به أعمال الجوارح التي تؤدى بواسطتها، كالصلاة والزكاة والحج والجهاد ... ونحو ذلك
ودلائل هذا التفصيل مبثوثة في كتب العقيدة الموسعة.
وهذا المعنى الشمولي للإيمان أوسع من مفهوم العقيدة؛ لأنه يشمل الأمور العلمية (النظرية) والأمور العملية.
وأما التوحيد: فهو في اللغة: مأخوذ من وحَّد يوحِّد توحيداً، والواحد هو المنفرد بخصائصه عما سواه، يقال فلان واحد دهره، ووحيد زمانه؛ أي المنفرد فيه إما بعلم أو عقل أو شجاعة أو نحو ذلك.
والمقصود به شرعاً: إفراد الله –تعالى- بما هو من خصائصه كالربوبية والألوهية والأسماء والصفات والأفعال.(4/303)
والتوحيد بهذا المعنى جزء من مفهوم العقيدة والإيمان، إذ يتعلق بالإيمان بالله ووحدانيته، وليس كل عقيدة ولا كل إيمان يعد توحيداً، إذ هناك من العقائد التي يؤمن بها كثير من الناس ما يكون شركاً مخالفاً لتوحيد الله، فاعتقاد ألوهية غير الله، أو الإيمان بأن بعض المخلوقات يملك النفع والضر من دون الله , ونحو ذلك، فإن هذه الأمور وإن سميت عقائد إلا أنها عقائد باطلة مضادة للتوحيد.
وتجتمع العقيدة والإيمان مع التوحيد فيما جاء به الأنبياء والمرسلون، فإنهم قد جاءوا بالتوحيد الخالص، وعقائدهم التي دعوا الناس إليها توحيدية، وإنما حصل الانحراف عن التوحيد في الأتباع من بعدهم.
والعقيدة والإيمان، يشتملان على الإيمان بالملائكة والكتب والنبيين واليوم الآخر، فهما أوسع مفهوماً من التوحيد، كما أن الإيمان (بمعنى الدين كله) أوسع مفهوماً من العقيدة ومن التوحيد.
وعلى كل حال فكثير من الفروق التي تذكر بين هذه المصطلحات اعتبارية.(4/304)
موت الفجأة وسكرات الموت
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 16/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل الشدة في سكرات الموت، هي للكافر والعاصي، من المؤمنين فقط؟ وإن كان كذلك فكيف الجمع بين هذا ومن يأتيه الموت في حادث سيارة مثلاً من الكفرة أو فساق المؤمنين ومع ذلك لا يرى أثراً لما يعانيه من شدة السكرات بل تفيض روحه سريعاً.
شكر الله لكم وبارك فيكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد..
الشدة وسكرات الموت ليست خاصة بالكفرة والفساق، ولا تدل على غضب الله تعالى أو رضاه على الميت، كما أن سل الروح من غير شدة ولا سكرات لا تدل على رضا الله تعالى أو غضبه، وما يلاقيه الإنسان من الشدة والسكرات، عند الموت فهي كالأمراض والمصائب، التي تصيب الإنسان في الحياة، فتصيب المسلم والكافر، قال تعالى: "فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كلا" [الفجر:16] أي: ليس الأمر كذلك، ولكن هذه الابتلاءات ومنها سكرات الموت وشدته قد يصاب بها المؤمن تكفيراً لذنوب اقترفها، فيجازى بها في آخر حياته حتى يلقى الله وليس عليه ذنب، وقد تكون لرفعة الدرجات والمنزلة عند الله تعالى؛ كابتلاءات الأنبياء، وقد عانى - صلى الله عليه وسلم- من سكرات الموت، وهو المعصوم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن للموت لسكرات، اللهم أعني على سكرات الموت"، وهذا يدل على أنها ليست خاصة بالفسقة من المسلمين أو الكفرة.(4/305)
وكذلك الحوادث المفاجئة في السيارات ونحوها، فهذه مثل ما ذكر أعلاه، وإن كانت الشدة والسكرات أفضل في حق المؤمن، وذلك لعدة أمور منها:
(1) أن النبي - صلى الله عليه وسلم استعاذ من موت الفجاءة وقال:"إنها أخذة آسف" أو كما قال - صلى الله عليه وسلم-.
(2) أن الله تعالى اختار لنبيه - صلى الله عليه وسلم- الشدة والسكرات، والله تعالى لا يختار لنبيه إلا أفضل الأمور وأعلاها.
(3) أن في الشدة والسكرات تكون الفرصة مهيأة للاستعداد للموت بالشهادة والتوبة والاستعداد لملاقاة الله تعالى، وهذه عادة لا تكون في موت الفجأة.
(4) أن الإنسان يؤجر إذا كان مسلماً محتسباً على ما يلاقيه من الشدة في النزع والسكرات.
نسأل الله المولى - عز وجل- أن يحيينا على الإسلام ويتوفانا عليه، وأن يجعل آخر قولنا في الدنيا شهادة إلا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين-.(4/306)
التعبيد لغير الله في الأسماء
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 25/4/1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو منكم الإفادة حول هذا القول:"أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" فإن كان صحيحاً، هل يكون هذا دليلاً على جواز التسمية بمثل هذه الأسماء كـ (عبد النبي، وعبد الرسول) ؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
هذه الجملة "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" قالها النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين -كما ورد في (صحيح البخاري في كتاب المغازي برقم 4316) -.
وقد انتسب -عليه الصلاة والسلام- إلى جده عبد المطلب دون أبيه؛ لشهرة عبد المطلب بين الناس بخلاف عبد الله (أبيه) فإنه مات شاباً، ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب، وأما التسمية بعبد النبي، وعبد الرسول فلا تجوز، كما لا يجوز التسمية بعبد المطلب فهو من أسماء الجاهلية، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال:"أنا ابن عبد المطلب" كان هذا من باب الإخبار عما مضى وليس إنشاء -كما ذكر العلماء-، وعلى هذا فإنه يحرم كل اسم معبَّد لغير الله -تعالى-، مثل: عبد الرسول، وعبد النبي، وعبد علي، وعبد الحسين، وعبد الأمير، وقد غير النبي -صلى الله عليه وسلم- كل اسم معبد لغير الله -تعالى-.
والصواب والصحيح في عبد المطلب كذلك أنه لا يجوز، وليس في الحديث ما يدل على الجواز، وإنما هو اسم قد اشتهر بين الناس، وهو من أسماء الجاهلية، والله أعلم.
*وللمزيد من الفائدة انظر (معجم المناهي اللفظية صـ380) .
و (فتح الباري 8/31) .(4/307)
هل أفعال البشر مخلوقة؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 8/11/1423هـ
السؤال
هل أفعال الناس مخلوقة؟
الجواب
الحمد لله، نعم، أفعال الناس مخلوقة لله، فالله تعالى خالق كل شيء، فهو خالق السماوات والأرض وما فيهن وما بينهما، وهو خالق العباد وخالق قدرتهم وأحوالهم وأقوالهم وأفعالهم، فلا يخرج عن ملك الله وقدرته وخلقه شيء، وإنما الذي قال بأن أفعال العباد مخلوقة لهم وأنها لا تدخل في قدرة الله ولا في مشيئته هم المعتزلة، فنفوا تعلق مشيئة الله وقدرته بأفعال العباد، وهذا مذهب باطل مخالف لنصوص الكتاب والسنة وللفطر والعقول وهو يتضمن تعجيز الرب فلا يكون على كل شيء قدير، ولا هو خالق كل شيء تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً "فما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً" [فاطر:44] سبحانه وتعالى، ولكن يجب مع الإيمان بأن أفعال العباد مخلوقة لله إثبات مشيئة العبد وفاعلية العبد فالعبد له مشيئة واختيار وأفعاله هي أفعال حقيقية، فالعبد هو المصلي والصائم والقاعد والقائم والمؤمن والكافر، فقد ضل في أفعال العباد طائفتان، المعتزلة -كما تقدم- حيث أخرجوها عن ملك الله وقدرته ومشيئته، والجبرية الذين يقولون إن العبد لا مشيئة له ولا قدرة ولا فعل وأنه مجبور على أفعاله الاختيارية كحركة المرتعش وكالريشة في مهب الريح، والقولان باطلان والحق أن أفعال العباد أفعال لها حقيقة وأنها صادرة عن قدرتهم ومشيئتهم وأن الله سبحانه وتعالى خالقهم وخالق قدرتهم وخالق أفعالهم، والله أعلم.(4/308)
إيقاد شعلة النار في المناسبات الرياضية
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 26/5/1425هـ
السؤال
هل هناك من كان يحمل شعلة النار في تاريخ الإسلام؟ وهل يحرم على المسلم فعل ذلك في المناسبات الرياضية، وما هو الحكم الشرعي في عمل شعلة نار للمناسبات الرياضية مع الدليل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فحمل شعلة النار هو من شعار اليونان قديماً، وليس عملاً جاء به الإسلام حتى يكون هناك من يحمله، فالنار في الإسلام وسيلة للانتفاع بالضوء والدفء، وإنضاج الطعام، ونحو ذلك من المنافع دون أن تكون شعاراً لشيء محترم أو ينظر إليها على اعتبار قدسية خاصة، وفعلها في المناسبات الرياضية حرام؛ لأنه تشبه بالكفار في شيء هو من خصائصهم واعتقاداتهم، والمسلم مأمور بالترفع عن ذلك، قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم" سنن أبي داود (4031) مسند أحمد (2/50) ، بسند صحيح، وأصل إيقاد النار في الألعاب الأولمبية أنه كانت تكرم آلهة اليونان قديماً كل أربع سنوات.
فأسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين إلى اجتناب كل ما فيه إضرار بأديانهم وعقائدهم، وأن يلهمنا رشدنا. وصلى الله وسلم على محمد وآله.(4/309)
حكم من لم يبلغه الإسلام
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 5/11/1424هـ
السؤال
سألني صديق لي سؤالاً حيرني كثيراً، وأرجو منكم بيان وجهة ديننا الحنيف فيه.
السؤال هو: ما حكم الإسلام على ملايين الناس من الذين لا يعتنقون الإسلام ديناً لهم من الفقراء في الصين والهند والدول الأخرى؟ ولماذا كل الأنبياء المرسلين أو معظمهم نزلوا في الجزيرة العربية وما حولها؟ ولم نسمع عن نبي أو رسول في الهند أو الصين أو اليابان أو الكوريتين....الخ، علما أن معظم الناس غير المؤمنين بالله وبالإسلام موجودون بالبلدان التي لم يرسل لها رسول على الأقل في الثلاثة آلاف سنة الماضية. أرجو الإجابة على هذا السؤال؛ لأنني لا أعرف الجواب فعلاً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبر الله -تعالى- في محكم كتابه أنه أقام الحجة الرسالية على جميع الأمم السالفة، فقال سبحانه: "وإن من أمة إلا خلا فيها نذير" [فاطر:24] ، وقال: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" [النحل:36] .
وبين سبحانه أن الاحتجاج الوحيد الذي يسوغ للناس أن يحتجوا به على ربهم هو عدم إرسال الرسل، وأنه قطع حجتهم، فقال: "رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" [النساء:165] ، وقال:"أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير" [المائدة:19] وعلق سبحانه استحقاق العذاب ببلوغ الرسالة فقال: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" [الإسراء:15] ، وقال - صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" رواه مسلم (153) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، فعلق الحكم عليه بالنار بالسماع به على وجه تقوم به الحجة. فيتبين من هذه النصوص وأمثالها ما يلي:(4/310)
(1) أن أمم الأرض وشعوبها المختلفة قد نالت حظها من أنبياء الله، وعدم علمنا بهم لا يعني عدمهم، قال -تعالى- لنبيه: "ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك" [غافر:78] ، ولكن الشعوب المذكورة في السؤال طمس مشركوها نور التوحيد والنبوة وحرفوها.
(2) أن كل شخص لا يدين بالإسلام فإننا نحكم عليه بالكفر، ونجري عليه أحكام الكفار في الدنيا، أما في الآخرة، فإنه إذا كان لم تبلغه الدعوة، أو بلغته على وجه مشوه، فأمره إلى الله -تعالى-، وأقرب الأقوال أنه يمتحن في الآخرة بما يتبين به حاله، والله أعلم بما هو عامل، ولا يظلم ربك أحداً. والله أعلم.(4/311)
وتبلغ الوحشية مداها في قمع داود للموابيين في أرض بني عَمون بعد أن هدم المدينة فقد ذكر سفر أخبار الأيام الأول عن داود (20: 2، 3) : (وأخرج غنيمة المدينة وكانت كثيرة جدًّا. وأخرج الشعب الذين بها ونشرهم بمناشير ونَوارِج حديد وفؤوس، وهكذا صنع داود لكل مدن بني عمون ُثم رجع داود وكل الشعب إلى أورشليم) .
فكيف ينسب النصارى في كتابهم المقدس هذه الأعمال الوحشية إلى رجال صالحين بل أنبياء مرسلين من عند الله!!
وأيًّا كان ذلك ليس بأقل مما ورد في الكتاب المقدس من الدينونة على يد المسيح نفسه عندما يرجع في نهاية العالم ليدين الخلائق- على حسب معتقدات النصارى- فقد جاء في سفر متى (27: 16) : (فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله) . ويصف يوحنا كيفية هذه الدينونة وكيف يدين المسيح الخلائق، فقد جاء في سفر رؤيا يوحنا: (13: 20 ـ 15) : (ورأيت الأموات صغارًا وكبارًا أمام الله، وانفتحت أسفار، وانفتح سفر آخر وهو سفر الحياة، ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم. وسلم البحر الأموات الذين فيه، وسلم الموت والهاوية الأموات الذين فيهما، ودينوا كل واحد بحسب أعماله. وطرح الموت والهاوية في بحيرة النار. هذا هو الموت الثاني. وكل من لم يوجد مكتوبًا في سفر الحياة طرح في بحيرة النار) .
فإذا كان هذا عمل المسيح في نهاية الزمان وآخر العالم؛ فأيهما أحسن حالًا؛ مَن يجبر الناس على الدخول في دينه- على فرض القول بذلك- حتى يتمتعوا بالنعيم ويسلموا من العقاب، أو مَن لا يجبر أحدًا على الدخول في دينه لكنه يفاجئه يوم الدينونة بالعقاب والعذاب والشقاء الأبدي؟
والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله.(4/312)
قص الشريط عند افتتاح المشاريع والاحتفالات
المجيب عبد الله بن سليمان بن منيع
عضو هيئة كبار العلماء
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 13/10/1424هـ
السؤال
ما حكم قص الشريط في محافل الافتتاح
الجواب
الذي يظهر لي جواز ذلك؛ لأن هذا ليس من الأمور الشرعية حتى نقول ببدعيته؛ لأن البدعة شيء مختلق في الدين تضاهى به الشريعة، وإنما هو من الأمور المبنية على التقاليد والمسالك الاجتماعية.
فطالما أنها من الأمور الدنيوية، وفي نفس الأمر لا يترتب عليها أمور منكرة وأمور محرمة وإنما هي تقاليد وأعراف يراد منها نتائجها إما من حيث التشجيع، أو من حيث الحوافز لهذه المشاريع الاجتماعية أو الحضارية، وبناءً على هذا فلا يظهر لي مانع من ذلك ولو كانت مستوردة من الغرب، والذي ينبغي لنا أن نميز فيه هو ما يتعلق بما يستورد من الغرب إن كان مبنياً على رفعة شأن هؤلاء الذين تم استيراد هذه الأخلاق منهم، وأن ما يتخلقون به من عوائد وأعراف هو مصدر كمال لهم، ونقوم بتقليدهم على سبيل استحصال المصالح من وراء ذلك، وإنما على سبيل شعورنا بالنقص وشعورنا بكمالهم، وهذا لا شك أنه إسقاط لهويتنا وتنقص لمكانتنا، وبناء على هذا فنحن نقول: لا يجوز لنا ذلك، ويمكن أن ينطبق على هذا قوله - صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم" أخرجه أبو داود (4031) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، أما ما يتعلق بأمور الدنيا وما فيه مصالح سواء أكانت هذه المصالح مصالح اقتصادية أو مصالح اجتماعية، أو مصالح إنسانية، وليست لدينا نصوص شرعية تعارضه فلا يظهر لي مانع من الأخذ بها، وإن كان أصل وجودها بدأ من غير المسلمين، فالمسلم دائماً ضالته الحكمة وضالته المصلحة، فمتى وجدت المصلحة فينبغي له أن يأخذها وأن يسعى في تحقيقها ما لم تكن فيها مخالفة لنصوص شرعية، أو لقواعد وأصول عامة تتعلق بأصل الشريعة الإسلامية. والله أعلم.(4/313)
الموتى كثرٌ فكيف يسألهم الملكان؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 21/08/1426هـ
السؤال
من المعلوم أن الملكين الموكلين بسؤال الميت في القبر عن ربه ودينه ونبيه هما منكر ونكير، فهل ورد شيء عن كيفية سؤالهما للأموات إذا دفن أكثر من شخص؟ خصوصاً أن الميت تعود له روحه بمجرد انصراف أهله عنه، ثم يسأل، كما ورد عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بالدعاء للميت بالثبات لأنه يسأل؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الملائكة عالم من عوالم الغيب الذين أخبر الله عنهم في كتابه في آيات كثيرة، وأخبر عنهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد دلت النصوص على أنهم أصناف، فمنهم الموكل بالوحي كجبريل -عليه السلام- ومنهم الموكل بالقطر كميكائيل، ومنهم الموكل بنفخ الصور وهو إسرافيل، ومنهم خزنة الجنة وخزنة النار، ومنهم الموكل بنفخ الروح في الجنين، ومنهم الموكل بقبض أرواح العالمين وهو ملك الموت وأعوانه، ومنهم الموكل بسؤال الميت في قبره.
وأكثر الأحاديث فيها ذكر سؤال الميت في قبره عن ربه ونبيه ودينه، وأنه يأتيه ملكان يسألانه، وهذه هي فتنة القبر، فأما المؤمن فيقول: ربي الله ونبيي محمد وديني الإسلام، وأما المنافق فيقول: ها ها لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.
وقد جاء في سنن الترمذي (1071) تسمية الملكين بالمنكر والنكير.(4/314)
وعالم الملائكة لا تحيط به عقول البشر، فالله تعالى أعطاهم من القدر مالا يخطر بالبال، فملك الموت الموكل بقبض الأرواح يتولى قبض كلِّ من حضر أجله مهما كانوا كثرة، وإن اتحد الزمان وتباعد المكان، وهذا فوق تصور عقول البشر، وفي بعض المخترعات الحديثة التي يمكن أن يتعامل معها ملايين الناس كالإنترنت ما يعطي شيئاً من التصور عن بعض أمور الغيب ويقربها للعقول، فهي آية من آيات الله، وهذه الغيوب التي أخبرت عنها النصوص فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال، وكما قلنا في ملك الموت وما أعطاه الله من القدرة على قبض أرواح الألوف أو مئات الألوف في لحظة واحدة، نقول مثله في الملكين الموكلين بسؤال الميت في قبره، والواجب على المسلم الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله والتسليم لذلك، وإن عجزت العقول عن تصوره، وفي مثل هذا تتجلى حقيقة الإيمان، فإن الإيمان هو الإيمان بالغيب، كما قال تعالى: "هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب" [البقرة: 3-2] . فلا يجوز معارضة النصوص بتصورات العقول القاصرة الناقصة، بل يجب أن تكون العقول تابعة منقادة لهدى الله الذي بعث به رسله، فبه العصمة من الضلال والشقاء، قال تعالى: "اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى" [طه: 123] . والله أعلم.(4/315)
الحكم على الكافر المعين بأنه من أهل النار
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 20/09/1426هـ
السؤال
ما حكم من حكم على كافر بعينه بعد موته أنه في النار؟ وهل يُنكَر عليه قوله؟ نأمل منكم الإجابة مع الدليل، وفقكم الله لما يحبه ويرضاه.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالحكم على الكافر الذي يموت على الكفر الخالص إن كان المقصود به أنه يدخل في جملة الكافرين دون الجزم على المعين فلا حرج.
أما الجزم في مصير الكافر المعين باسمه فلا يجوز إلا ما ثبت في حقه النص الشرعي كفرعون وأبي لهب مثلاً، لا شكًّا في مصير الكافر الخالص، لكن لا أحد يجزم على أية حال مات في آخر لحظة، فإن ذلك لا يعلمه إلا علاَّم الغيوب.
وقد يكون الكافر الذي يَحكُم عليه بعض الناس بأنه من أهل النار قد يكون من أهل الفترة الذين يمتحنون في الآخرة، علماً بأن الكافر الذي يحكم عليه شرعاً بالنار هو الكافر الخالص، الذي لا يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله (غير المسلم) ، ولا يدخل في ذلك المسلم الذي يقع في الكفر الذي دون ما يوجب الردة، لأن أكثر المكفرات التي يقع فيها بعض المسلمين لا تخرجهم من الملة وأكثرها من الكبائر، ولا توجب الخلود في النار. والله أعلم.(4/316)
الفرق بين الموت والقتل
المجيب د. محمد بن سريّع السريّع
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 5/6/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، ما الفرق بين الموت والقتل، هل يعني أن المقتول انتهى أجله الذي كتبه الله له، وما معنى الأجل والأجل المسمى عنده؟
الجواب
الموت والقتل يلتقيان في أن كلاً منهما هو زوال للروح عن الجسد، لكن إذا نظر إلى فعل المتولي لذلك يقال: قتل، وإذا نظر إلى ذهاب الحياة يقال: موت، وكل قتل فهو موت، وليس كل موت قتل باعتبار فعل الإنسان.
والمقتول لا شك أنه قد انتهى أجله الذي كتبه الله له، فالله تعالى قد كتب له أن يعيش إلى هذا الأجل، وأن تكون نهاية عمره بالقتل.
وأما الأجل والأجل المسمى المذكور في قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ" [الأنعام:2] فقد اختلفت فيه عبارات المفسرين، وكثير منهم على أن المراد بالأجل هو مدة المقام في هذه الدنيا والذي ينتهي بالموت، وأما الأجل المسمى فالمراد به الآخرة، والله أعلم.(4/317)
أثر التوحيد في وحدة المسلمين
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 18/6/1424هـ
السؤال
ما هو دور التوحيد في اتحاد المسلمين؟
الجواب
قال تعالى: "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" [الأنبياء:92] .
لما كان المعبود واحداً وهو الله سبحانه وتعالى، والعبادة واحدة، وهي ما شرعه الله على لسان كل رسول، وهي توحيد الله بالعبادة، ونفي ما سواه، كان لزاماً أن تتحد الأمة المؤمنة ولا تختلف. قال تعالى: "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ" [الشورى:13] .
فأمر الله بإقامة الدين، وهو توحيده بالعبادة، ونهى عن التفرق، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد". متفق عليه البخاري (3443) ، ومسلم (2365) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
فإذا وقع تنازع واختلاف بين أفراد الأمة الواحدة، لزم الرد والرجوع إلى الأصل الثابت.
قال تعالى: "فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" [النساء: من الآية59] .
فمن وحد الله بالعبادة، ووحد الرسول بالاتباع، كان عامل وحدة للأمة.
ومن أخل بتوحيد الله فانحرفت نيته، أو أخل باتباع نبيه فأحدث في الدين ما ليس منه، كان عامل فرقة واختلاف، وبالله العصمة ومنه السداد.(4/318)
الإيمان بعذاب القبر
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 19/12/1424هـ
السؤال
سمعت أن عذاب القبر لا يلزم الإيمان به، وذلك لأن الأحاديث الواردة فيه ليست متواترة، وليس فيه نص قرآني، ما مدى صحة ذلك؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الإنسان يمر في رحلته من يوم خروجه من بطن أمه إلى مستقره النهائي بثلاث مراحل: الحياة الدنيا، والحياة البرزخية، والحياة الآخرة.
والحياة البرزخية هي التي تلحق الإنسان بعد وفاته إلى حين مبعثه ليوم الحساب، ولا إشكال في الحياة الأولى؛ لأنه لا ينكرها إلا معتوه، ولا في الحياة الآخرة، إذ لا ينكرها إلا جاحد بالله، وبقي الإيمان بالحياة البرزخية المتوسطة بين الحياتين، وأهل السنة قاطبة على أن حياة البرزخ ثابتة بنصوص الكتاب والسنة في الجملة، وإن لم يرد نص صريح في الكتاب بتسمية هذه الحياة وبيان عذابها ونعيمها، ولم ينكر عذاب القبر إلا الملاحدة، والزنادقة، والخوارج، وبعض المعتزلة، ومن تمذهب بمذهب الفلاسفة، وخالفهم جميع أهل السنة في ذلك، ذكر ذلك غير واحد من الأئمة منهم القرطبي وابن حجر رحمهم الله.
ولم ينقل عن سلف الأمة التشكيك في عذاب القبر، بل المنقول عنهم الحث على الإعداد لتلك الحياة وكيف ينجو الإنسان في قبره من العذاب.
وأكثر العلماء يستدلون بآية سورة غافر في عذاب آل فرعون، وهي قوله - تعالى -: "النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" [غافر:46] على إثبات عذاب القبر.
أما الأحاديث فهي كثيرة جداً تبلغ مبلغ التواتر المعنوي في إثبات الحياة البرزخية، وأن الإنسان إما منعم في قبره وإما معذب.(4/319)
ولا يشترط يا أخي في إثبات مسائل الاعتقاد التواتر اللفظي لكل مسألة، فأحاديث الآحاد متى صحت وجب العمل بها والإيمان بمقتضاها، فكيف إذا وردت نصوص كثيرة صحيحة عن جمع من الصحابة -رضي الله عنهم- في قضايا مختلفة كلها تفيد بوقوع العذاب أو النعيم في القبر.(4/320)
ما هي شعب الإيمان السبعون؟
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 14/10/1424هـ
السؤال
الإيمان سبعون شعبة أولها الشهادة، وآخرها إبعاد الأذى عن الطريق، فما هي السبعون شعبة؟ وشكراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
الحديث الوارد في السؤال أخرجه البخاري ح (9) بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الإِيمَان"، ومسلم ح (35) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الإِيمَانِ"، وفي رواية:"الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الإِيمَانِ".
معنى البضع: هو عدد مبهم مقيد بما بين الثلاث إلى التسع، وقيل: إلى عشرة.
والشعبة: القطعة من الشيء، وتطلق على ما يتفرع من الشجرة من أغصان، والمراد بالشعبة في الحديث الخصلة، أي أن الإيمان ذو خصال معدودة، وهي متفاوتة في مراتبها، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضلها: التوحيد الذي هو أساس الإيمان، ولا يصح شيء من الشعب إلا بعد تحققه، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.
ولم يرد في الأحاديث حصر هذه الشعب، وقد اجتهد بعض العلماء في عدها، ولكن لا يجزم بأنها هي المقصودة على وجه التحديد في الحديث.(4/321)
قال الحافظ ابن حجر - في الفتح (1 / 52) -: (وَلَمْ يَتَّفِق مَنْ عَدَّ الشُّعَب عَلَى نَمَط وَاحِد, وَأَقْرَبهَا إِلَى الصَّوَاب طَرِيقَة اِبْن حِبَّانَ, لَكِنْ لَمْ نَقِف عَلَى بَيَانهَا مِنْ كَلامه, وَقَدْ لَخَّصْت مِمَّا أَوْرَدُوهُ مَا أَذْكُرهُ, وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الشُّعَب تَتَفَرَّع عَنْ أَعْمَال الْقَلْب, وَأَعْمَال اللِّسَان, وَأَعْمَال الْبَدَن.
فَأَعْمَال الْقَلْب فِيهِ الْمُعْتَقَدَات وَالنِّيَّات, وَتَشْتَمِل عَلَى أَرْبَع وَعِشْرِينَ خَصْلَة: الْإِيمَان بِاَللَّهِ, وَيَدْخُل فِيهِ الإِيمَان بِذَاتِهِ وَصِفَاته وَتَوْحِيده بِأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء، وَاعْتِقَاد حُدُوث مَا دُونه. وَالإِيمَان بِمَلائِكَتِهِ, وَكُتُبه, وَرُسُله, وَالْقَدَر خَيْره وَشَرّه. وَالإِيمَان بِالْيَوْمِ الآخِر, وَيَدْخُل فِيهِ الْمَسْأَلَة فِي الْقَبْر، وَالْبَعْث, وَالنُّشُور, وَالْحِسَاب, وَالْمِيزَان, وَالصِّرَاط, وَالْجَنَّة وَالنَّار.
وَمَحَبَّة اللَّه. وَالْحُبّ وَالْبُغْض فِيهِ وَمَحَبَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَاعْتِقَاد تَعْظِيمه, وَيَدْخُل فِيهِ الصَّلاة عَلَيْهِ, وَاتِّبَاع سُنَّته. وَالإِخْلَاص, وَيَدْخُل فِيهِ تَرْك الرِّيَاء وَالنِّفَاق. وَالتَّوْبَة. وَالْخَوْف. وَالرَّجَاء. وَالشُّكْر. وَالْوَفَاء. وَالصَّبْر. وَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالتَّوَكُّل. وَالرَّحْمَة. وَالتَّوَاضُع. وَيَدْخُل فِيهِ تَوْقِير الْكَبِير وَرَحْمَة الصَّغِير. وَتَرْك الْكِبْر وَالْعُجْب. وَتَرْك الْحَسَد. وَتَرْك الْحِقْد. وَتَرْك الْغَضَب.
وَأَعْمَال اللِّسَان: وَتَشْتَمِل عَلَى سَبْع خِصَال: التَّلَفُّظ بِالتَّوْحِيدِ. وَتِلاوَة الْقُرْآن. وَتَعَلُّم الْعِلْم. وَتَعْلِيمه. وَالدُّعَاء. وَالذِّكْر, وَيَدْخُل فِيهِ الاسْتِغْفَار, وَاجْتِنَاب اللَّغْو.(4/322)
وَأَعْمَال الْبَدَن: وَتَشْتَمِل عَلَى ثَمَان وَثَلاثِينَ خُصْلَة.
مِنْهَا مَا يَخْتَصّ بِالأَعْيَانِ وَهِيَ خَمْس عَشْرَة خُصْلَة: التَّطْهِير حِسًّا وَحُكْمًا, وَيَدْخُل فِيهِ اِجْتِنَاب النَّجَاسَات. وَسَتْر الْعَوْرَة. وَالصَّلاة فَرْضًا وَنَفْلاً. وَالزَّكَاة كَذَلِكَ.
وَفَكّ الرِّقَاب. وَالْجُود, وَيَدْخُل فِيهِ إِطْعَام الطَّعَام وَإِكْرَام الضَّيْف. وَالصِّيَام فَرْضًا وَنَفْلاً. وَالْحَجّ, وَالْعُمْرَة كَذَلِكَ، وَالطَّوَاف. وَالاعْتِكَاف. وَالْتِمَاس لَيْلَة الْقَدْر. وَالْفِرَار بِالدِّينِ , وَيَدْخُل فِيهِ الْهِجْرَة مِنْ دَار الشِّرْك. وَالْوَفَاء بِالنَّذْرِ, وَالتَّحَرِّي فِي الإِيمَان, وَأَدَاء الْكَفَّارَات.
وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّق بِالاتِّبَاعِ: وَهِيَ سِتّ خِصَال: التَّعَفُّف بِالنِّكَاحِ, وَالْقِيَام بِحُقُوقِ الْعِيَال; وَبِرّ الْوَالِدَيْنِ, وَفِيهِ اِجْتِنَاب الْعُقُوق. وَتَرْبِيَة الأَوْلاد وَصِلَة الرَّحِم، وَطَاعَة السَّادَة أَوْ الرِّفْق بِالْعَبِيدِ.(4/323)
وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّق بِالْعَامَّةِ: وَهِيَ سَبْع عَشْرَة خُصْلَة: الْقِيَام بِالإِمْرَةِ مَعَ الْعَدْل. وَمُتَابَعَة الْجَمَاعَة، وَطَاعَة أُولِي الأَمْر. وَالإِصْلَاح بَيْن النَّاس, وَيَدْخُل فِيهِ قِتَال الْخَوَارِج وَالْبُغَاة، وَالْمُعَاوَنَة عَلَى الْبِرّ, وَيَدْخُل فِيهِ الأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر وَإِقَامَة الْحُدُود. وَالْجِهَاد, وَمِنْهُ الْمُرَابَطَة. وَأَدَاء الأَمَانَة, وَمِنْهُ أَدَاء الْخُمُس. وَالْقَرْض مَعَ وَفَائِهِ. وَإِكْرَام الْجَار. وَحُسْن الْمُعَامَلَة, وَفِيهِ جَمْع الْمَال مِنْ حِلّه. وَإِنْفَاق الْمَال فِي حَقّه, وَمِنْهُ تَرْك التَّبْذِير وَالإِسْرَاف. وَرَدّ السَّلام. وَتَشْمِيت الْعَاطِس. وَكَفّ الأَذَى عَنْ النَّاس. وَاجْتِنَاب اللَّهْو وَإِمَاطَة الأَذَى عَنْ الطَّرِيق. فَهَذِهِ تِسْع وَسِتُّونَ خُصْلَة, وَيُمْكِن عَدّهَا تِسْعًا وَسَبْعِينَ خُصْلَة بِاعْتِبَارِ إِفْرَاد مَا ضُمَّ بَعْضه إِلَى بَعْض مِمَّا ذُكِرَ. وَاَللَّه أَعْلَم. هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(4/324)
هل يدخل أبناء المسلمين الجنة، وأبناءُ الكفار النارَ؟
المجيب د. محمد العروسي عبد القادر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 25/1/1425هـ
السؤال
البعض يقول إنه لا عدل في أن يدخل الجنة ابن العائلة المسلمة لأنه تربى على ذلك، ولا يدخل الجنة ابن الأسرة غير المسلمة لأنه لم يتربَّ على ذلك. ما الرد؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً -. أما بعد:
فإن هذا السؤال يحتمل أن يكون المقصود من قوله: "من أسرة مسلمة" الرجل البالغ ويحتمل أن يريد أن من مات قبل البلوغ وهو الطفل، وجوابنا بإذن الله يكون عن هذين الاحتمالين:(4/325)
أما الأول: فإن الله - عز وجل - وعد (ووعده الحق) أن الجنة لا يدخلها إلا مؤمن فقال سبحانه: "وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجنة" [غافر: من الآية40] ، وقال سبحانه: "وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ" [النساء: من الآية124] ، وقال سبحانه: "وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا" [التوبة: من الآية72] ، فكل من آمن بالله وعمل صالحاً ومات على ذلك فهو من أهل الجنة، والآيات في ذلك كثيرة وحرم الله الجنة على من مات كافراً ومأواه النار وبئس المصير، كما قال نبي الله عيسى عليه السلام: " إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ" [المائدة: من الآية72] ، فهذه الآيات تدل على أن كل من آمن بالله وعمل صالحاً من أسرة كافرة أو مسلمة فإنه يدخل الجنة، ومن لم يعمل صالحاً ومن لم يؤمن؛ فإنه يدخل النار سواء كان من أسرة مسلمة أو كافرة.(4/326)
وأما الثاني: فإن أراد بقوله ابن العائلة المسلمة: أي الطفل الذي لم يبلغ، فإن هذا لا يحكم عليه في الآخرة بجنة ولا بنار كما جاء في الحديث في مصير هؤلاء: "الله أعلم بما كانوا عاملين" البخاري (1383) ، ومسلم (2658) ، فإنه صلى الله عليه وسلم لما قال: "كل مولود يولد على الفطرة" البخاري (1359) سأله المسلمون فقالوا: يا رسول الله: أرأيت من يموت من أطفال المشركين؟ فقال - صلى الله عليه وسلم- "الله أعلم بما كانوا عاملين"، وهذا الحديث يدل على أن من بلغ منهم فهو مسلم أو كافر، ومن مات منهم فإنه يتوقف في الحكم عليهم، فمن علم الله منه أنه إذا بلغ أطاع أدخله الجنة، ومن علم منه أنه يعصي أدخله النار، والله سبحانه لا يجزيهم بمجرد علمه فيهم، بل يمتحنهم يوم القيامة كما يمتحن سائر من لم تبلغه الدعوة في الدنيا كأهل الفترة، ومن عاش في مكان ناء ولم يسمع برسول ولا كتاب ولا دين وكالمجنون، فمن أطاع منهم حينئذ دخل الجنة ومن عصى دخل النار. والله أعلم.(4/327)
العاصي هل تقبض روحه ملائكة العذاب أم الرحمة؟
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 15/04/1426هـ
السؤال
ما حال المسلم المؤمن العاصي ساعة الوفاة؟ هل تقبض روحه ملائكة العذاب أم ملائكة الرحمة؟ خاصة إذا كان من الذين قدّر لهم بعض العذاب في القبر أو في الآخرة؟.
الجواب
ملائكة العذاب تقبض أرواح الكافرين الذين في علم الله وحكمه أنهم مخلدون في النار، وملائكة الرحمة إنما تقبض أرواح المؤمنين كاملي الإيمان، والعصاة منهم الذين قضى الله لهم بالجنة مباشرة أو بعد عذابهم في القبر أو في النار على قدر ذنوبهم، وكل الخلق أجمعين يفتنون ويعذبون في قبورهم على قدر ذنوبهم، كما في حديث عائشة في مسند أحمد (24283) "إن للقبر ضغطة ولو كان أحد ناجياً منها لنجا منها سعد بن معاذ".
وسعد بن معاذ هو الذي اهتز عرش الرحمن لموته، والخلق كلهم يمرون على النار عند مرورهم على الصراط الممدود على متنها على قدر ذنوبهم، فالناس بين ناجٍ ومكردس، كما قال الله: "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً" [مريم: 71] . والله أعلم.(4/328)
هل قال ابن تيمية بفناء النار؟
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 8/11/1424هـ
السؤال
هل قال شيخ الإسلام ابن تيمية بفناء النار؟ وهل أثبت الإمام الألباني أنه قاله وخطَّأه فيها؟ وإذا كان ابن تيمية قال بفناء النار، ففي أي كتبه أو فتاويه أجد ذلك؟ ولماذا كثر الترويج لهذه المقولة من الخصوم خاصة حسن السقاف وأتباعه من متعصبي الأشاعرة؟. جزاكم الله خيراً.
الجواب
القول بفناء النار عزي إلى بعض العلماء، كما ذكره عبد بن حميد في تفسيره، والرازي في تفسيره، ويظهر من كلام ابن تيمية وابن القيم وابن الوزير أنهم يميلون إليه ولم يصرحوا بترجيحه. ولو قال به ابن تيمية ورجحه ثم كان قولاً خاطئاً فليس في ذلك حرج فإن العالم ليس معصوماً، وما من عالم إلا له قول خالف فيه المذهب الراجح، ولا ينقص ذلك من قدره. فإن العالم إذا اعتقدنا أنه لا يخطئ فقد ساويناه بالنبي - صلى الله عليه وسلم-. والله أعلم.(4/329)
حساب من لم يبلغه الإسلام
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 23/3/1425هـ
السؤال
لدي سؤال قد يكون غريبا بعض الشيء ولكنه يراودني كثيرا ألا وهو: الإسلام هو دين رب العالمين، والرسول -صلى الله عليه وسلم- هو رسول للعالمين جميعا. فهل وصل الإسلام كاملا وصحيحا لكل أهل الأرض؟ فالكثير من الناس في العالم قد لا يصل إليهم الإسلام صحيحا، فهم لا يعرفونه أو يعرفونه مشوها بطريقة قد تنفرهم حتى من البحث والقراءة عنه، فضلا عن عدم الترجمة الأمينة للإسلام لكل اللغات فكيف يحاسبهم الله -سبحانه وتعالى- على أمر لم يعرفوا عنه؟ وأيضا هل يعرف أهل الكتاب أنهم على خطأ، وأن الإسلام هو دين الله؟ فأنا أجد الكثير منهم يعتقدون أنهم على صواب، ويقول البعض لي إن عليهم أن يبحثوا، وأتساءل هل إذا سمعت عن دين جديد يقول عنه شخص ما، هل ستذهب وتبحث عنه، أم لأنك تعتقد وتؤمن أنك على صواب فإنك لن تبحث في هذا الأمر فكذلك هم، فإنهم يعتقدون أنهم على صواب، فلماذا يبحثون؟ وأيضا، أيعتبر هذا الأمر ابتلاء من الله -سبحانه وتعالى- لأهل الكتاب قد عافى الله منه من يولد لأسرة مسلمة ويجد نفسه مسلما بلا عناء؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:(4/330)
يبدو أن السؤال يرجع إلى: هل الإسلام يصل إلى الناس كافة؟ والجواب: أن الإسلام لم يصل إلى الناس كافة، لكنه قد يصل إلى الناس كافة، لأنه جاء في الحديث: "لا تقوم الساعة حتى لا يبقى بيت شعر ولا مدر إلا ودخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل" رواه الإمام أحمد (16957) والبيهقي في السنن (9/181) والطبراني في الكبير (1280) . فالدين سيدخل، ووسائل الإعلام الآن وما يسمى بالعولمة الإعلامية وأن تكون الأرض كالقرية الواحدة كل هذا يمثل سبيلا إلى إدخال الإسلام إلى كل بيت، فيجب على المسلمين أن يبذلوا جهدا لإيصال الإسلام إلى الغير.(4/331)
أما هل وقع ذلك فعلاً فقد لا يكون كذلك. والذين يعاقبون، ويستحقون النار هم من بلغهم هذا الدين ولم يؤمنوا به، يقول الله -سبحانه وتعالى-: "وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ" [الأنعام:19] أي: لأنذر به من بلغه، حتى ولو لم يرني ولم يشافهني فيه، فمن بلغه القرآن فهو منذر به، إذاًً القرآن بين أيدينا فيجب أن نبلغه إلى الناس كافة، فإذا بلغ إليهم القرآن قامت عليهم الحجة، ومن لم يبلغ إليهم القرآن لا تقوم عليهم حجة ويصبح حالهم مشابها لحال أهل الفترة، وهم الذين سبقوا عهد الرسالة، والله -سبحانه وتعالى- يقول:"وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" [الإسراء:15] ويقول:"كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير" [الملك:8-9] فالله -سبحانه وتعالى- أرسل الرسل لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، والشخص الذي لم يَُبلَّغ فهذا لا تقوم عليه الحجة، إنما الحجة تكون قائمة وتامة وبالغة،"ولله الحجة البالغة" [الأنعام:149] إذا بلغت الرسالة ولم يؤمن بها، إما تعصباً أو إعراضاً عنها، أو بغضاً لها، أو كفرا بها وجحداً، كما قال -سبحانه وتعالى-:"وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا" [النمل:14] جحدوا بالآيات مع أن النفوس مستيقنة والبواطن ترى الحقيقة، بصائر لكنهم يعمون عنها أبصارهم، "يستغشون ثيابهم" [هود:5] لا يريدون أن يروا الحقيقة، وقد يكون كثير من الكفار الآن في هذا الوضع، قد يكون بعضهم قد استبصر، أي: ظهرت له الحقائق ولكنه ألف العادة ولمحبته الرئاسة ولبغض المسلمين يعلوه التعصب وتغشاه عماية الضلالة فيعرض عن التدبر في كتاب الله، فهذا الإعراض عن التدبر مع إمكانه والاعراض عن الرسالة مع القدرة على التعرف عليها صاحبه لا شك سيكون معاقباً "إن الدين عند الله الإسلام" [آل عمران:19] "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" [آل عمران:85] ، طبعاً التعبد في الدنيا(4/332)
هو تعايش، ولا يكره أحد على دينه "لا إكراه في الدين" [البقرة:256] وهذا هو موقفنا وهو خطاب هنا ودعوة هناك ولكن ليس معنى ذلك أن يكون الحق متعدداً، وكل من يؤمن بشيء فالحق عنده واحد، فالحق هو هذا الدين الذي هو الدين الخاتم وهو الدين المهيمن على الديانات الأخرى هذا باختصار هو جواب هذا السؤال.(4/333)
وسوسة عقدية
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 09/05/1425هـ
السؤال
شاب ابتلي بوسواس في العقيدة، وتطور به الأمر إلى أنه أصبح يفكر في خلق هذا الكون، وشبهته أنه موقن بأن هذا الكون مخلوق، ولكن كيف يثبت أن الله قد خلقه؟ كيف يمكنني أن أرد عليه؟ وهل هناك أدلة حسية على ذلك؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(4/334)
معلوم أن الإنسان مبتلى بعدو خفي هو الشيطان، وهو قرين للإنسان يلقي في قلبه الوساوس من شبهات تشوش إيمان المؤمن الضعيف، أو شهوات تعوق الإنسان عن أداء ما أوجب الله عليه، وتغريه بفعل ما حرم الله عليه. وأعظم وأخطر ما يوسوس به الشيطان ما يتعلق بخالق هذا الوجود، وقد شكى بعض الصحابة -رضي الله عنهم- ما يجده في نفسه من ذلك من هذه الهواجس والأفكار، وما يحصل له بسبب ذلك من الضيق من شدة كراهيته لذلك وخوفه من عواقبه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"أوجدت ذلك، الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة" وفي رواية "ذلك صريح الإيمان" رواه مسلم (132) يعني كراهية ذلك الوسواس وبغضه، وقال -صلى الله عليه وسلم-:"يأتي أحدكم الشيطان فيقول من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق الله، فإذا وجد أحدكم ذلك فلينته وليستعذ بالله" وفي رواية: "فيقل: آمنت بالله ورسوله" رواه البخاري (3276) ، ومسلم (134) . وذلك بالإعراض عن هذه الأفكار السيئة، وبالاستعاذة بالله واللجأ إليه وبتذكر الإيمان، ومادمت ولله الحمد تؤمن بأن لهذا العالم خالق، وهذا هو مقتضى الفطرة، ولا بد أن يكون خالق هذا الوجود عليم حكيم قدير، وذلك أن هذا الوجود مشتمل على غاية الإحكام والانتظام، فإيجاده يدل على قدرة من أوجده، وما فيه من الإحكام يدل على كمال علمه، وما فيه من التنويع والتفصيل يدل على أنه صدر عن مشيئة وقدرة تامة، وأما ما أشكل عليك، وهو أن خالق هذا الوجود هو الله، فغاية ذلك أنك لم تهتد لاسمه بعقلك، فنقول إن الله فطر عباده على الإقرار بربوبية خالق هذا الخلق وإلاهيته كما ذكرت عن نفسك، وأما أن اسم خالق الوجود الله فذلك ما نطقت به الرسل والكتب المنزلة. وقد قامت البراهين على صدقهم فوجب الإيمان بما جاءوا به وما أخبروا به من أسماء الله وصفاته وسائر ما أخبروا به عمّا كان أو يكون من أمر هذا العالم، فنؤمن بأن لهذا العالم خالق عليم حكيم بموجب الفطرة والعقل(4/335)
السليم، ونؤمن بأن اسم هذا الخالق: الله، وأن له أسماء حسنى كثيرة منها ما علمه لمن شاء من عباده، ومنها ما استأثر بعلمه -سبحانه وتعالى-، والله أعلم.(4/336)
علم الكشف عن أسرار الناس
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 6/3/1425هـ
السؤال
هل هناك من وصل إلى سر الله بمعرفة أسرار الناس، أو الكشف عما بداخلهم ونواياهم من خلال (الخيرة المنامية - خيرة اليقظة - فتح الكتاب) ؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
اعلمي - وفقك الله وهداك - أن علم الغيب من الخصائص التي تفرد بها المولى - سبحانه- وكل من يدعي علم الغيب فهو كاذب دجَّال؛ قال -تعالى-: "قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله" [النمل:65] ، "عالم الغيب فلا يُظهر على غيبه أحداً" [الجن:26] ، "عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم" [التغابن:18] ، "قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ... " [الأنعام:50] ، وما تخفيه ضمائر الناس وطوايا صدورهم، وقلوبهم غيب لا يعلمه إلا الله، وهو علم ذاتي لدني قد تفرد الله به، وليس علماً مكتسباً بالتعلم أو الدربة.
وما يخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من علم الغيب؛ كأمارات الساعة والفتن، والملاحم المستقبلة إنما علمها - صلى الله عليه وسلم- من طريق الوحي، وما كان قادراً على أن يحيط بها علماً لولا إطلاعه سبحانه عليها، كما قال - سبحانه- "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك ... " الآية [الجن:26-27] .(4/337)
وقد يتنبأ بعض الدجالين والمنجمين والمشعوذين ببعض الحوادث في المستقبل، أو يخبر بشيء من واقع الإنسان وهو لا يعرفه، ولم يتلق به، ولكن ليس هذا من كشف الغيب المحجوب؛ لأنه يتلقف ذلك من الشياطين التي تسترق السمع من كلام الملائكة، فتلقيه الشياطين في أذن الكاهن أو الدجال، وعند التأمل فليس ذلك من كشف الغيب الذي استأثر الله بعلمه؛ لأن هؤلاء الكهان إنما يكشفون بعض ما علمته الملائكة بتعليم الله لها، فيسترقون منها السمع، وهو عند التحقيق ليس من محض الغيب الذي استأثر الله بعلمه، فلا يعلمه أحد من الخلق، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل.
والحاصل: أن علم الغيب علم رباني لدني، تفرد به الرب -سبحانه-، ولا سبيل إلى اكتسابه، أو الدربة على تحصيله، أو القدرة على كشف شيءٍ منه، وما يقال في هذا الباب فهو من التحريف والدجل الذي يصل بالإنسان إلى الكفر والزندقة. والله أعلم.(4/338)
حقيقة الروح
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 05/04/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال تعالى: "وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً"، سبحان الله، مع كل هذا التطور ولم نؤتي من العلم إلا قليلاً! فضيلة الشيخ: أريد شرحاً مفصلاً ودقيقاً عن خروج الروح، وهل هي في كل أعضاء الجسم، كما أريد أن أعرف خروج الروح بالنسبة للمؤمن والكافر، وعند السؤال، اللهم ثبتنا عند المسألة، ومروراً حتى ينفخ في الصور، كما أرجو ألا تدلني على كتاب أو جهة معينة؛ لأنه ليس لي متسع من الوقت لذلك. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أخي الكريم: أود ألا تعجب من دلالة هذه الآية الصريحة التي نص الله فيها على قلة علم السائلين عن الروح، حيث قال جل من قائل: "وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً" [الإسراء: 85] ، وما أشرت إليه في سؤالك من التطور الذي نعيشه فإن ذلك لا ينهض دليلاً على العلم بما استأثر الله بعلمه، وكم يخفى على الناس في مختلف العلوم والفنون مما لا يحصى عدّه.
وقل لمن يدعي في العلم معرفةً*** عرفْتَ شيئاً وغابتْ عنك أشياء(4/339)
وأما الروح فإنا نجيبك عنها بما وقفنا عليه مما ذكره أهل العلم في ذلك، ومما قالوه: إن حقيقة الروح مختلف فيها والذي يدل عليه الكتاب والسنة والإجماع والمعقول أنها جسم نوراني علوي حي متحرك يسري في الأعضاء سريان الماء في الورد والدهن في الزيتون، والنار في الفحم وأنها مخالفة في الماهية لهذا الجسم المحسوس، فما دامت أعضاء الإنسان صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم سارياً في هذه الأعضاء، وإذا فسدت وخرجت عن قبولها فارقت البدن.
وقد أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- "أن الروح إذا قبض تبعه البصر"، رواه مسلم (920) وغيره من حديث أم سلمة – رضي الله عنها-، وفي هذا وصف للروح بالقبض، وأن البصر يراه، وفي حديث آخر: "أن روح المؤمن تسيل كما تسيل القطرة من فيّ "فم" السقاء، وأنها تصعد ويوجد منها كأطيب ريح، وورد أنها تتفرق في جسد العبد الكافر فينتزعها ملك الموت كما ينتزع السفّود من الصوف المبلول، وذلك كله في حديث البراء بن عازب–رضي الله عنه- الطويل وفيه وصف دقيق لحال خروج الروح من جسد المؤمن وجسد الكافر فتأمله في المسند للإمام أحمد (4/287-288) . واختلف في موت الأرواح وبقائها، فقيل إنها تموت لأنها نفس وكل نفس ذائقة الموت، وقيل لا تموت بل خلقت للبقاء، والصواب أن يقال: موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها، فإن أريد بموتها هذا الفراق فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تفنى بالكلية فهي لا تموت بهذا الاعتبار بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب، كما ذكروا أن للروح بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام:
أحدها: تعلقها به في بطن الأم حياً.
الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.
الثالث: تعلقها به في حال النوم.
الرابع: تعلقها به في البرزخ.
الخامس: تعلقها به يوم البعث وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن، لأن البدن لا يقبل بعده موتاً ولا نوماً ولا فساداً.(4/340)
واعلم أن البحث في تفاصيل هذه الأمور التي ذكرتها في سؤالك إنما يناسبها الاطلاع والقراءة على أهل العلم، وفي الكتب التي عُنيت بذلك، ولا تتعلل، وقد شغفت بمعرفة الجواب بالانشغال وعدم اتساع الوقت، وانظر على سبيل الذكر لا الحصر، كتاب الروح لابن القيم، وكتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح له أيضاً، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي، وتفسير ابن كثير للآيات التي ورد فيها ذكر الروح. والله الموفق.(4/341)
أين الله؟
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 27/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد أن أسأل سؤالاً، وأرجو التكرم والإجابة عليه بوضوح: هل الله يوجد في السماء؟ أنا أعرف أنه استوى على العرش، ولكن أين العرش؟ هل هو في السماء أي فوقنا؟ بمعنى أين يوجد السماء السابعة، هل هي فوق السماء الأولى التي فوقنا؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن عقيدة أهل السنة والجماعة، عقيدة أهل القرون المفضلة، سهلة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، لا لبس فيها ولا غموض ولا تعقيد، يفهمها العالم والعامي، والصغير والكبير، وإن جاء فيها ما تحار فيه العقول فهو غير محال في ذاته، وإنما مرجعه إلى قصور العقل البشري عن إدراك كنه الأشياء وكيفياتها، وإن كان يعقل معناها ويتصوره.
والذي جاءت به النصوص الشرعية في الكتاب والسنة أن الله -تعالى- مستو على عرشه، وقد ورد ذكره في سبعة مواضع من القرآن الكريم، وورد في السنة أن عرشه سبحانه هو سقف الفردوس، وأن الفردوس هو أعلى الجنة.
وحين سأل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية: "أين الله، قالت في السماء، أقرها على ذلك وأمر بعتقها" رواه مسلم (537) من حديث معاوية السلمي - رضي الله عنه - وأنه -صلى الله عليه وسلم - قال في دعائه: "وأنت الظاهر فليس فوقك شيء"رواه مسلم (2713) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.(4/342)
فهذا ما يجب على المسلم اعتقاده. أما غير ذلك من التفاصيل التي لم يرد بها نص ولا تعبدنا الله -تعالى- بها فهي من الأمور التي يحرص المسلم على اجتنابها وعدم الخوض فيها، لأن العقل البشري غير مؤهلٍ لذلك، إذ كيف يعرف المرء حدود السموات، بداية السماء الدنيا ونهايتها، ثم بداية السماء الثانية ونهايتها، ثم الثالثة وهكذا ... فهذه من الأمور التي تشوش على الناس عقائدهم، فلا أجر في البحث فيها، ولا وزر على من جهلها. والله يعصمنا من الزلل ويلهمنا الصواب في القول والعمل.(4/343)
هل الإيمان يزيد وينقص؟
المجيب د. عبد العزيز بن عمر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 10/1/1425هـ
السؤال
في جدال مع أحد المبتدعة ذكر شيئاً عن الإيمان، وأنه لا يزيد ولا ينقص، بل هو ثابت ولا يكون في الأفعال وهذا خطأ، وأعرف الحجج الداحضة لذلك، وقد بينت له بعض الأدلة لكنه لم يقتنع، أرجو المساعدة بتقديم بعض الأدلة من طرفكم.
(1) عندما نذكر لهم الآية في القرآن عن طلب إبراهيم - عليه السلام- أن يزداد إيمانه إن الإيمان المذكور هو التصديق وليس التقوى، وهم يجادلون بأن كلمة إيمان في القرآن تشير إلى التقوى، وعندما نقول لهم ما ورد في الحديث عن أضعف الإيمان يقولون إن ذلك يعني التقوى؛ لأن "لا إله إلا الله" لا ترتفع وتنخفض، فإما أن تصدق بها أو لا.
(2) هناك رأي غريب للإمام أبي حنيفة بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن الأفعال ليست جزءاً من الإيمان، وفي المذهب الحنفي يفصلون بين الإيمان والأفعال، ويحتجون بآيات مثل: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات" ويقولون إن ذلك يعتبر دليلاً وقولاً يعمل به بما أن الإمام أبا حنيفة قاله وأن أهل السنة والجماعة مختلفون في ذلك.
(3) رأيت كلاماً للإمام ابن تيمية يشير فيه لكلام الشافعي أن الأمة اتفقت أن الإيمان شهادة وعمل ونية، (مجموع الفتاوى 7/309) ، فهل يكون للإمام أبي حنيفة رأي مخالف للإجماع؟.
الجواب
ج2- الإيمان: هو اعتقاد، وعمل، ونية يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وهذا ما يقوله أهل السنة والجماعة، وهو القول الحق؛ لأن الأدلة من الشرع تعضده وتؤيده، ومن هذه الأدلة:(4/344)
قوله –تعالى-: "هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم" [الفتح: 4] ، وقوله –تعالى-: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون" [الأنفال: 2] ، وقوله –تعالى-: "ويزيد الله الذين اهتدوا هدى" [مريم: 76] ، وقوله –تعالى-: "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل" [آل عمران: 173] ، وقوله –تعالى-: "وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون" [التوبة: 124] .
وفي الحديث قوله – صلى الله عليه وسلم-: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-، "والحياء شعبة من الإيمان" متفق عليه عند البخاري (9) ، ومسلم (35) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-،وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"أخرجه مسلم (49) من حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه-وقوله – صلى الله عليه وسلم-: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خُلُوقٌ، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" رواه مسلم (50) من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه-.
وقال – صلى الله عليه وسلم-: "من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان" أخرجه الترمذي (2521) ، وأحمد في المسند (15190) من حديث معاذ الجهني –رضي الله عنه- وأبو داود (4681) من حديث أبي أمامة –رضي الله عنه-، وهو صحيح.(4/345)
وكلام العلماء في زيادة الإيمان ونقصه كثير جداً، والواقع يشهد بذلك، فالواحد منا يعلم زيادة إيمانه ونقصانه من وقت لآخر، فمثلاً نجد إيماننا أكثر في أوقات مخصصة كشهر رمضان وأيام الحج ونحو ذلك، أو في أماكن مخصصة كالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة الأخرى مثل عرفات، ومزدلفة، ونحوها.
أما الخلاف مع الإمام أبي حنيفة – رحمه الله تعالى- في الإيمان فهو اختلاف لفظي لا يترتب عليه فساد في الاعتقاد، فهو متفق مع بقية أهل السنة على وجوب العمل، وأن تارك العمل معاقب مؤاخذ، ومتفق معهم أيضاً على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان بل هو تحت مشيئة الله –تعالى- إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه، وأما أن كلمة التوحيد لا ترتفع ولا تنخفض وأنه يصدق بها العبد أو لا يصدق فهذا حق بالنظر إلى معناه من الناحية اللغوية، فإن الإيمان من الناحية اللغوية معناه التصديق، والتصديق لا يتبعض، ومما يدل عليه قوله –تعالى- حكاية عن إخوة يوسف -عليه السلام-: "وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين" [يوسف: 17] ، والتصديق بالقلب هو الواجب على العبد حقاً لله تعالى.
وأما ما استدل به نفاة زيادة الإيمان ونقصانه بقوله تعالى: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات" [البقرة: 277] على التفريق بين الإيمان والعمل فليس سديداً، فالعمل أفرد هنا لأهميته نحو قوله تعالى: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين" [البقرة: 238] ، وقوله –تعالى-: "تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر" [القدر: 4] ، والصلاة الوسطى هي صلاة العصر أفردت لأهميتها لا لأنها غير الصلاة، والروح هو جبريل -عليه السلام-، وهو رئيس الملائكة -عليهم السلام-، وهذا مثل قوله –تعالى-: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات" [البقرة: 277] أفرد العمل لأهميته لا لمخالفته لمسمى الإيمان.(4/346)
وأما قول شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - أن الأمة قد اتفقت على أن الإيمان شهادة وعمل ونية فهذا حق وصدق، والإمام أبو حنيفة - رحمه الله تعالى- لم يخالف الأمة؛ لأن خلافه كان صورياً فقط كما سبق بيانه، والله -تعالى- أعلم وأحكم.(4/347)
تعليق المعصية بالمشيئة
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 1/2/1425هـ
السؤال
هل يجوز استخدام قول: "إن شاء الله" حين يقول قائل مثل: (سوف أترك ديني) ، أو: (سأسرق محلاً أو بنكاً غداً) ؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:(4/348)
فالأصل في قول "إن شاء الله" أنها تعني تعليق أمر مستقبلي بمشيئة الله -تعالى- فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولذلك ورد الأمر بتعليق الأمر المستقبلي بالمشيئة دون القطع بتحقيقه، قال الله -تعالى-: "وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ" [الكهف: 23-24] ، و (شَيْءٍ) نكرة في سياق النفي، فتعم كل شيء من خير أو شر، وقد تأتي " إن شاء الله" والمراد بها التحقيق دون شك كما في قوله -تعالى-: "لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين" [الفتح:27] ، وقد ورد التأكيد على تحقيق هذا الدخول بالمؤكدات المعروفة في "لتدخلن"، وكما في قوله - صلى الله عليه وسلم- في السلام على أهل القبور: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" رواه مسلم (249) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه، وقد يستعملها بعض الناس، ويعنون بها الترجي، ولعله يشهد لهذا الاستعمال قوله -صلى الله عليه وسلم- في زيارة المريض: "لا بأس عليك طهور إن شاء الله" رواه البخاري (3616) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، أما قول السائل (سوف أترك ديني) ، أو سأسرق، ونحوها، فلا يجوز الهمَّ بمثل هذه المنكرات ولا تعليقها بالمشيئة، سواء كانت بمعنى التعليق أو بمعنى الترجي، وهو أعظم، إلا إذا كان يعني أنه لا يمكن أن يُقدَّر عليَّ، أو يقع مني عمل سيئ كالسرقة، أو ترك الدين إلا بمشيئة الله، فهذا حق حتى في العمل الحسن، وإن كان لا ينبغي للإنسان استعمال مثل هذه العبارات وإن كان يريد المعنى الأخير، بل يسأل الله السلامة والحماية والثبات. وصل اللهم وسلِّم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/349)
التخلص من أوراق بها اسم الجلالة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 23/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا وبعض الإخوة ندرس في إحدى الكليات الخاصة من خلال بعثة حكومية في دولة أجنبية، وتتكون لدينا بين فترة وأخرى مجموعة أوراق تحتوي على لفظ الجلالة، ونعلم أن أفضل وسيلة للتخلص من هذا الورق هو حرقها، ولكن المشكلة تكمن في أن الكلية تمنع بشدة أي عملية حرق صغيرة، فما بالك بالكبيرة! وتوفر لنا سلة خاصة للأوراق لإعادة تصنيعها، ولا تختلط بأي قاذورات، فهل يجوز أن نضع الأوراق المحترمة التي فيها لفظ الجلالة في هذه السلة بدل حرقها؟. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا لم يتيسر لك حرقها أو دفنها في مكان طاهر فلعل تمزيقها يكفي، بحيث لا يبقى فيها شيء من لفظ الجلالة يقرأ، ولا ينبغي أن ترمي هذه الأوراق -وفيها لفظ الجلالة يقرأ بوضوح - في الدعاء الذي ترمى فيه المخلفات؛ لأنها قد تؤخذ منه وتوضع فيما لا يليق بها. والله أعلم.(4/350)
هل يصح هذا العبارة: (عرفنا ربنا بالعقل)
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 18/08/1425هـ
السؤال
ما مدى جواز قول القائل: (عرفنا ربنا بالعقل) . تفصيلاً؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
لقد فطر الله عباده على معرفته، فإن الإنسان بفطرته يعلم أن كل مخلوق لا بد له من خالق، وأن المُحدَث لا بد له من مُحدِث، وقد ذكر الله الأدلة الكونية من آيات السماوات والأرض على وجوده، وقدرته، وعلمه، وحكمته، ولهذا يذكر الله عباده بهذه الآيات، وينكر على المشركين إعراضهم عنها، قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف:105] .(4/351)
وهذه المعرفة الحاصلة بالآيات الكونية هي من معرفة العقل، فتحصل بالنظر والتفكُّر؛ ولهذا يقول تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) [الأعراف: من الآية185] . ويقول تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) [الروم: من الآية8] . والآيات بهذا المعنى كثيرة، ومع ذلك فالمعرفة الحاصلة بالعقل هي معرفة إجمالية؛ إذ الإنسان لا يعرف ربه بأسمائه وصفاته، وأفعاله على وجه التفصيل، إلا بما جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، فالرسل– صلوات الله وسلامه عليهم- جاؤوا بتعريف العباد بربهم بأسمائه وصفاته وأفعاله، وبهذا يُعلم أن العقول عاجزة عن معرفة ما لله من الأسماء والصفات، وما يجب له، ويجوز عليه على وجه التفصيل، فطريق العلم بما لله من الأسماء والصفات تفصيلاً هو ما جاءت به الرسل، ومع ذلك فلا يحيط به العباد علمًا مهما بلغوا من معرفة، كما قال تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ
عِلْمًا" [طه: 110] . وقال صلى الله عليه وسلم: "لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ" أخرجه مسلم (486) . وبهذا يتبين أن من طرق معرفة الله طريقين: العقل، والسمع، وهو النقل، وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة، وأن من أسمائه وصفاته ما يعرف بالعقل والسمع، ومنها ما لا يعرف إلا بالسمع.
وبهذه المناسبة يحسن التنبيه إلى أنه يجب تحكيم السمع، وهو الوحي، وجعل العقل تابعًا مهتديًا بهدى الله، ومن الضلال المبين أن يعارض النقل بالعقل، كما صنع كثير من طوائف الضلال من الفلاسفة والمتكلمين.(4/352)
ووفق الله أهل السنة والجماعة للاعتصام بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واقتفاء آثار السلف الصالح، فحكّموا كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ووضعوا الأمور في مواضعها، وعرفوا فضيلة العقل، فلم يعطلوا دلالته، ولم يقدموه على نصوص الكتاب والسنة، كما فعل الغالطون والمبطلون، فهدى الله أهل السنة صراطه المستقيم، فنسأل الله أن يسلك بنا سبيل المؤمنين، وأن يعصمنا من طريق المغضوب عليهم، والضالين. والله أعلم.(4/353)
متى خلقت الجنة والنار؟
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 23/10/1425هـ
السؤال
متى خلق الله النار والجنة؟ هل قبل خلق آدم أم بعده؟ وهل يوجد اختلاف بين العلماء؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الجنة والنار مخلوقتان قبل الخلق، وهما موجودتان الآن، ولم يزل على ذلك أهل السنة والعلم، وخالفت بعض الطوائف، فأنكرت ذلك، وقالت: بل ينشئهما الله يوم القيامة. لأنهم يظنون ظنًّا فاسدًا في الله تعالى، فقالوا: خلق الجنة قبل الجزاء عبث؛ لأنها تصير معطَّلة مددًا متطاولاً. وهذا ضلال، فردوا من النصوص ما خالف هذه المقولة الباطلة التي وضعوها للرب تعالى، وحرَّفوا النصوص عن مواضعها، وضلَّلوا وبدَّعوا من خالف شريعتهم، فمن نصوص الكتاب قوله تعالى، عن الجنة: (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133] . وقوله: (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) [الحديد:21] . وعن النار قال تعالى: (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة:24] . وقال تعالى: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلْطَّاغِينَ مَآبًا) [النبأ:21-22] . وقال تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى) [النجم:13-15] .(4/354)
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم- سدرة المنتهى، ورأى عندها جنة المأوى، كما في الصحيحين: البخاري (349) ومسلم (163) ، من حديث أنس، رضي الله عنه، في قصة الإسراء، في آخره: "ثم انطَلَق بي جبريلُ حتَّى أتَى سِدرةَ المنتَهَى، وغَشِيَها ألوانٌ لا أدْرِي ما هِيَ". قال: "ثم دخَلتُ الجنةَ، فإذا فيها حَبَايلُ اللؤلؤِ، وإذا تُرابُها المِسْكُ". وفي الصحيحين: البخاري (1379) ومسلم (2866) ، من حديث عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إنَّ أحَدَكم إذا مات عُرِض عَلَيه مَقْعَدُه بالغَدَاةِ والعَشِيِّ ... ". والأحاديث في هذا كثيرة. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(4/355)
ما الحكمة من خلق الكون؟
المجيب د. محمد بن إبراهيم دودح
باحث علمي في هيئة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 28/08/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال غريب نوعاً ما، ولكن لا حياء في الدين، ومن حبي لخالقي -سبحانه- تجرأت لكي يطمئن قلبي, السؤال: ما حاجة الله -سبحانه وتعالى- في أن يخلق الكون؟ ولماذا المسابقة التي نحن نعيشها وهو الله القادر على كل شيء، إنس وجن وعبادة، ثم حساب وثواب أو عقاب؟ ما حكمته سبحانه من هذا كله؟. وشكرًا لكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
يُولد الإنسان مفطورًا على جملة تساؤلات: من أنا؟ وكيف جئت؟ وإلى أين المصير؟ ولماذا أبدع الله كل هذا؟ , وتظل تلك التساؤلات تجول في النفس، إلاَّ أن يسترها الإلف وتطمسها التقاليد والعادات, أما السؤال: كيف؟ فالسبيل لمعرفة جوابه وبلوغ الاطمئنان هو التطلع والنظر بتجرد إلى المخلوقات, ذلك هو طريق العلم وبه يَسْلَم الإنسان من الأوهام والخرافات, وأما السؤال: لماذا؟ وكل ما يتعلق بالخالق فلا سبيل لمعرفة جوابه بيقين، سوى الوحي الصادق المؤيد بالبينة, أما الاجتهاد المجرد فلا يسلم من الزلل ولا يصلح كدليل, فقد أدى التسليم بالمعتقد بمجرد الادعاء إلى الخلط بين صفات الخالق والمخلوق، فشاعت في تاريخ البشرية المنحوتات، وعُبدت خلائق كالأبقار وأجرام السماوات، وجُعل الخالق بشراً يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق.(4/356)
وعندما تعتمل إذن في نفسك التساؤلات فابتهج؛ لأنها علامة على أنك حي مطلبك الدليل لم يأسرك التقليد، فلم تنلك الضلالات التي أصابت الكثير من أدعياء الفطنة, وتحقيق الاطمئنان وراحة البال مضمون على ألا تغفل عن معالم الطريق واتباع قواعد السير منذ البَدء وعمادها التمييز بين صفات الخالق والمخلوق, أما الدليل العلمي القائم على التطلع إلى المخلوقات فهو ينصر القرآن، ويقدم البينة على أنه الوحي المحفوظ بلا اختلاف في المحتوى أو تحريف في المضمون أو التقيد بزمن أو بيئة المكلفين, ولا يوجد اليوم أي كتاب يُنسب للوحي يداني القرآن في سلامة المحتوى وأصالة المضمون وفطرية التشريع والتطابق التام مع مفاخر العلم, ذلك هو مرجعك الوثيق في كل أمر، ولك أن تدعه يجيبك عن كل ما يحيرك وأنت واثق مطمئن.(4/357)
والتساؤل: لماذا خلق الله العالم والإنسان؟ , أو وفق تعبير القرآن: لماذا (خَلَق السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ) ؟ و (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ) ؟ , جوابه واحد، وهو كما يقول العلي القدير: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [هود 7 والملك 2] , فالعالم ليس إلا ساحة النظر والتأمل والاستدلال وتجليات القدرة الطليقة والمشيئة النافذة أمام ذوي الأبصار, وللسيد أن يتفضل ويبين لعبده قبل أن يسأل: كيف؟ , ولكن هل يملك العبد أن يراجع سيده الحر المشيئة ويسأل: لماذا؟؛ في الحقيقة لا يملك العبد سوى طاعة من يملك الأمر, فما بالك بمن يملك السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير! , يقول العلي القدير: (لاَ يُسْأَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء:23] , وفي بيان الوظيفة التي قامت من أجلها السماوات العامرة بالساجدين المستورين، والأرض الزاخرة بدعوة المرسلين يقول تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ. مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ) [الذاريات:56-57] , وبهذا يعفيك القرآن من التشاغل عن التوجه لمن خضع لمشيئته كل شيء، والمستحق وحده الحمد, يقول سبحانه: (ذَلِكُمُ اللهُ رَبّكُمْ لآ إِلََهَ إِلاّ هُوَ خَالِقُ كُلّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الأنعام 102] . والله تعالى أعلم.(4/358)
درجات أهل الإيمان في الجنة
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 9/3/1425هـ
السؤال
كما هو معلوم هناك تفاوت في الدرجات فيأتي في الدرجة الأولى الأنبياء ثم الصحابة ثم التابعون ثم تابعو التابعين، فأين تكون درجة أشخاص صالحين آخرين مثل عزير والخضر وأمهات المؤمنين؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
إعلم يا أخي أن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض، وقد ذكر ابن القيم - رحمه الله - في كتابه حادي الأرواح باباً في درجات الجنة، وذكر في ذلك ما يناسب المقام من الآيات والأحاديث والآثار من ذلك ما ثبت في الصحيحين البخاري (3256) ، ومسلم (2830) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق، من المغرب أو المشرق لتفاضل ما بينهم"، قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: "بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين". وفي البخاري (2790) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة أراه فوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة".(4/359)
وإذا كان الله قد امتن على الأنبياء والرسل بأعلى الدرجات فإنه قد بيّن أن غيرهم ممن أطاع الله ورسوله يكون في معيتهم حيث قال جل من قائل: "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا" [النساء: 69] . وهؤلاء الذين ذكرت في سؤالك من أمثال الخضر، وعزير ونساء النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نشك في أن الله سينزلهم منازلهم التي يتسحقونها وهو بهم أعلم وأرحم أو يرفعهم فوقها تفضلاً منه وإحساناً.
وإذا أردت المزيد في بيان صفة الجنة وأحوال أهلها فانظر كتاب (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح) ؛ طريق الهجرتين وباب السعاديين، فإنه ذكر في آخره طبقات المكلفين في الآخرة وعدها ثماني عشرة حلقة وكلاهما لابن القيم -رحمه الله وفيهما ما يشفي ويكفي بإذن الله. والله الموفق.(4/360)
هل الاستعانة بالمخلوق تقدح في الاستعانة بالله؟!
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 02/03/1426هـ
السؤال
السلام عليم ورحمة الله.
أنا مقيم في بلاد الغرب، ولي أخ يحبني كثيراً في الله وأنا كذلك, ولم أر منه إلا الحرص على تعلم وتطبيق دينه ونصحي في ديني، أخي هذا لا يتردد في بذل قصارى جهده كلما طلبت منه العون في أمور ديني ودنياي، ويقول لي بأن ذلك يدخل السرور على قلبه، بصراحة أنا أستثقل طلب العون من الناس، وذلك حتى لا أثقل عليهم، وأيضاً خوفاً من مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا استعنت فاستعن بالله".
فسؤالي: هل يجوز أن أستعين بأخي على قضاء شؤوني؟ أم أن ذلك مخالف للحديث المذكور? وهل من الأفضل لي عدم طلب العون والتشدد على نفسي?.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:(4/361)
الاستعانة نوعان: نوع لا يقدر عليه إلا الله، ونوع يقدر عليه المخلوق، فما جاء في قوله تعالى: "إياك نعبد وإياك نستعين"، هذا عبادة خاصة بالله، وما يحصل للمخلوق من عون المخلوق له ليس هذا حاصلاً بحول المخلوق، وإنما هو من تسخير الله -تعالى- لك أن يقوم فلان بمساعدتك وإعانتك على ما تحب، وأحوال الناس في هذه الدنيا كلها مبنية على تبادل المنافع، فالإنسان إذا ذهب يشتري يحتاج إلى من يعينه على تحصيل البضاعة التي يريدها، والعامل الذي يحتاج إلى عمل يحتاج إلى من يساعده في إكمال عمله، وغير ذلك من الأمور، فكل شئون العباد فيما بينهم مبنية على تبادل المنافع ومعاونة بعضهم لبعض، لكن هذا إنما هو تسخير من الله -تعالى- حيث يقوم بعض الناس بمساعدة الآخرين مما ييسر الله -تعالى- للجميع تحقيق مرادهم وتحصيل منافعهم، وكون صديقك وزميلك يسر بأن يقدم لك خدمة، هذا أمر يشكر عليه، وأمر حسن، ولا يتنافى مع النهي عن الاستعانة بالمخلوق؛ لأن هذا العمل الذي يقوم به هذا الإنسان يقوم به مما يستطيع تحصيله ويقدر عليه، وليس من الأمور التي هي مما لا يقدر عليها إلا الله، وكونك تقبل هذا إنما يجب عليك أن تقبله على أنه من عون الله -تعالى- لك حيث سخر لك هذا الإنسان ليحقق لك بعض الخدمة وينفعك في بعض الأمور. والله ولي التوفيق.(4/362)
تقسيم ابن تيمية للإيمان
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 14/04/1425هـ
السؤال
هل قسم شيخ الإسلام ابن تيمية الإيمان إلى ثلاثة أقسام؟ وما هي هذه الأقسام؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن المعروف في كتب العقيدة تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات ... ولم يعهد تقسيم الإيمان بهذه الكيفية. ولم ينقل تصنيف الإيمان إلى أقسام عن أحد من أهل السنة في حدود معرفتي واطلاعي.
اللهم إلا أن يكون مراد السائل الاستفسار عن مسمى الإيمان فيكون الجواب نعم، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - وهو في ذلك تابع لمن سلفه من علماء الأمة - أن الإيمان: قول وعمل.
وأن القول يدخل فيه قول اللسان والقلب، وقول اللسان هو النطق بالشهادتين، وقول القلب هو التصديق، وهو الاعتقاد الجازم بوجود الله، وما يلزم عن ذلك من التصديق بجميع ما أخبر الله به.
وأن العمل يدخل فيه عمل القلب وهو النية والإخلاص، وعمل الجوارح، وهو الإتيان بما أمر الله به، والانتهاء عما نهى عنه، وللسلف عبارة مأثورة في ذلك، وهي أن الإيمان: تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان، فيكون الجواب بهذا الاعتبار أن أقسام الإيمان ثلاثة، وهي:
(1) تصديق القلب.
(2) نطق اللسان.
(3) عمل بالأركان. والعمل يكون بالقلب والجوارح الظاهرة. والله أعلم.(4/363)
ترجمة ما فيه بعض المخالفات الشرعية
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 05/08/1425هـ
السؤال
أقوم حالياً بترجمة كتاب فلسفي، وورد به بعض العبارات والأفكار المنافية للتوحيد والعقيدة, فهل يجوز ترجمة مثل هذا الكتاب؟ مع الأخذ في الاعتبار عدم قدرتي على التعليق على الكتاب، وبيان ما به من أخطاء؛ لعدم سماح الكاتب بذلك.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لا بد من معرفة نسبة المنافاة للتوحيد والعقيدة فيما يراد ترجمته، فإن كان الكتاب مشتملاً على أفكار مخالفة للمعلوم من الدين بالضرورة، كوحدانيته - سبحانه- والإيمان بالرسل، والكتب المنزلة، والملائكة، والجنة والنار، ونحو ذلك من أركان الإسلام والإيمان، إذا كان الأمر كذلك فلا تجوز ترجمة هذا الكتاب أو نشره، أو الإعانة على ذلك بأي صورة كانت، وإن كانت أفكار الكتاب عامتها سليمة وقليل فيها المخالفة لبعض أمور الاعتقاد كتأويل بعض صفات الله، وكذلك هذه الكتب المراد ترجمتها مفيدة للأمة في دينها أو دنياها، جاز حينئذ ترجمتها ما دام النفع فيها أكبر من الضرر، كما يوجد في كتب بعض السلف كالحافظ ابن حجر، والسخاوي، والنووي، كتأويل بعض الصفات على مذهب الأشاعرة والعز بن عبد السلام، وابن الجوزي، والوفاء بن عقيل، وغيرهم، فإن كانت أخطاء صاحب الكتاب المراد ترجمته كأخطاء هؤلاء العلماء فلا أرى بترجمته بأساً، وإن كنت أنصح لك بعدم ترجمته؛ فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. والله أعلم.(4/364)
مقولة: " بلغ الرسول -صلى الله عليه وسلم- الكمال البشري"
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 19/09/1425هـ
السؤال
ما الكمال البشري؟ وهل يصح أن يقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ الكمال البشري. بمعنى أنه كامل كمالاً بشريًّا أم لا؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب(4/365)
الحمد لله، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56] . وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:21] . فدلت الآيتان على أن الله خلق الجن والإنس لعبادته، وأن العبادة فرض على جميع الناس، ووصف أولياءه وأنبياءه وملائكته بالعبودية، فقال سبحانه للملائكة: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء:26] . وقال: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) [الفرقان: من الآية63] . وقال سبحانه: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى) [النمل: من الآية59] . ووصف محمدًا صلى الله عليه وسلم- بالعبودية في أعلى المقامات؛ في مقام النِّذارة والدعوة وفي الإسراء، وفي مقام التحدي بالقرآن، فقال سبحانه: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) [الجن:19] . وقال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ) [الإسراء: من الآية1] . وقال: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [الفرقان:1] . وقال: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) [البقرة: من الآية23] . وشرف الإنسان وكماله بحسب تحقيقه لمقام العبودية، وأكمل البشر عبودية هم الأنبياء والرسل، وأكملهم على الإطلاق محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان سيد ولد آدم، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم (2378) ، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يومَ القيامةِ، وأَوَّلُ مَن يَنْشَقُّ عنه القَبْرُ، وأولُ شَافعٍ وأولُ مُشَفَّعٍ". ومن كمال عبوديته كمال خلقه، وقد أقسم الله على(4/366)
ذلك في قوله: (نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) [القلم:1] . إلى قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4] . ومما يظهر الله به كماله يوم القيامة أن يبعثه المقام المحمود الذي يحمده به الأولون والآخرون، كما قال تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) [الإسراء:79] . وذلك حين يتراد الأنبياء الشفاعة، ثم ينهض بها- صلى الله عليه وسلم- فيأتي ربه، قال: "فَإذا رأيتُ رَبِّي خَرَرْتُ له ساجدًا". ثُمَّ يقال له: "ارفَعْ رأسَكَ، وقُلْ تُسْمَعْ، وسَلْ تُعْطَهْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ". رواه البخاري (4476) ومسلم (193) ، من حديث أنس، رضي الله عنه. والله أعلم.(4/367)
ادعاء خلق آدم من أب وأم
المجيب د. عبد العظيم بن إبراهيم المطعني
رئيس قسم التفسير والحديث بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 29/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نأمل منكم التكرم بتوضيح الفتوى التي يتحدث بها الناس في هذه الأيام بشأن أن آدم عليه السلام ولد من أب وأم (فتوى الدكتور عبد الصبور شاهين إن صحت عن الدكتور) نأمل إفادتنا بكيفية الرد عليها بالدليل. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هذا الموضوع من الموضوعات الغيبية، التي حدثت في أزمنة سحيقة، وبعُد بيننا وبينها العهد، بل هو موضوع يقع الآن خارج ذاكرة الوعي التاريخي، وهو أشد الأمور الغيبية غموضًا، وكل حديث عنه يخوض فيه الباحثون، إنما هو رجم بالغيب، وطحن في الهواء، بل هو ضرب من الظنون أو الأوهام التي لا تغني من الحق شيئًا، ولا يبنى عليها عمل، وليست من المسؤول عنه يوم الحساب.
والأمور الغيبية التي لا يكون للبحث فيها جدوى الآن، لانقطاع صلة الناس فيها، كثيرة، منها هذه القضية (قضية خلق آدم) ، ومنها البحث عن عمر الأرض، وعن اللغة "الأم" ما هي؟ وعن كيفية نشأة هذه اللغة، ثم البقعة التي هبط إليها آدم وحواء، وكيف تمت هجرات الناس منها إلى ربوع الأرض؟
ومنها التحديد الزماني لعهود الرسل والأنبياء، والفترات التي بين كل رسولين، وأصل اللغات السامية، أهي العربية أم العبرية؟ والموطن الأصلي للساميين، وكيف تمت الهجرات منه؟ إلخ.. إلخ.
والبحث حول هذه الأمور لم ولن يؤدي فيها إلى طائل، والنماذج التي عرفها الناس منها، إنما هي ركام هائل من الفرضيات والأقوال المتضاربة.(4/368)
وحيث إن موقف سلفنا الصالح من مثل هذه القضايا هو الموقف الأحكم والأسلم؛ إذ يدور مع ما ورد في محكم الكتاب العزيز، وما صح سنده ومتنه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن موقفهم يتلخص في أن هذه القضية أمر غيبي، يجب الإيمان بها كما وردت في كتاب الله، وما أشارت إليه أحاديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، والوقوف في الإيمان بها عند دلالات النصوص المقدسة دون تحريف، أو تأويل تأباه دلالات اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، أو تأباه حقائق الإسلام الواضحة، وأن هذه القضية لا يحتاج المسلم في الإيمان بها جملة وتفصيلاً إلى مصادر أخرى غير المصادر الإسلامية المقدسة. وأنهم لا يقولون فيها غير ما قاله الله ورسوله، شأنهم فيها شأنهم في كل أمر غيبي لا يملك الحديث عنه إلا علاَّم الغيوب.
ففي أوائل القرآن الكريم يأتي كلام الله تبارك وتعالى عن صفات المؤمنين التي لا يصح منهم إيمان بدونها وهي (.. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ..) [البقرة:3] . ويقول تعالى: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) [النمل:65] . ويقول تعالى: (مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) [الكهف:51] .(4/369)
وعقيدة الأمة أن الله عز وجل هو الذي سمى أبانا آدم بهذا الاسم لأنه أول مخلوق بشري على وجه الأرض، كتسميته لابن زكريا بيحيى (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا) [مريم:7] . وفي لسان العرب أن علة التسمية بآدم لأنه خلق من الأرض، يعني خلقه المباشر كان من الأرض (اللسان 1/46) . وأما عن قول الملائكة: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ... ) [البقرة:30] . فإن الملائكة ـ كما قال علماء التفسير ـ قاست حال الإنسان على حال الجان؛ لأن الجان كانوا يعمرون الأرض قبل خلق آدم، فكانوا يسفكون الدماء ويفسدون في الأرض، والبشر مثلهم ذوو شهوات تحمل على الصراع والمنازعة، فوجه الشبه بين الجان والإنسان شديد القوة والوضوح، أما الملائكة فهم أشكال نورانية لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون، وقد جاء في القرآن أن الجان مخلوق قبل الإنسان، قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ) [الحجر 26-27] .
فآدم ـ عليه السلام ـ هو "البشر" المخلوق من تراب، وليس من أب وأم، وهو "البشر" الذي سواه الله ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة أن تسجد له. وفي صحيح البخاري (6227) وصحيح مسلم (2841) ، مرفوعًا، عن أبي هريرة، رضي الله عنه: "خَلَقَ اللهُ عزَّ وجلَّ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ". أي هكذا كما هو وبدون سابقة من أصل أب أو أم.(4/370)
أما القائلون بغير هذا فيزعمون أن آدم عليه السلام ليس هو أبا البشر، ولا أول مخلوق عاقل من غير الجن والملائكة، بل هو "أبو الإنسان"، وأن الله خلق قبله من جنسه خلائق كثيرين عاشوا قبل آدم "هذا" ملايين السنين، وكانوا في تلك الأزمان خاضعين للتصرف الإلهي من التسوية والتعديل والتهذيب، ثم انقرضوا جميعًا بعد أن اختار الله منهم آدم "هذا" من أب وأم "منهم"، كما اختار حواء زوجة آدم من "أب وأم" كذلك من آخر أجيال البشر الأولين الذين انقرضوا تمامًا ولم يصبح في الوجود منهم أحد، وأن آدم وحواء وحدهما هما اللذان بقيا ليكونا أبوين لنوع جديد من ذلك الجنس الذي انقرض، أي نوع من الإنسان المستمر توالده حتى الآن إلى قيام الساعة. وهم يضعون- حسب زعمهم ـ عدة فروق بين "البشر" وبين "الإنسان"، وهي:
1. أن البشر أقوام همجيون، لا سمع لهم ولا بصر لهم ولا عقل.
2. الإنسان هو النوع المنتخب المهذب الراقي، لهم سمع وإبصار وعقول.
3. البشر لم يرسل الله فيهم رسولا، ً ولم يكونوا من أهل التكليف الإلهي؛ فلا إيمان بالله ولا أوامر ولا نواهٍ.
4. البشر مخلوقون من تراب أو طين.
5. أما الإنسان فإنه هو المخلوق من ماء أو من علقة أو من نطفة.
وهي شبهة مردودة، وحجة داحضة، القول بها يتشابه مع نظرية التطور لدى اليهودي الملحد دارون التي من عناصرها:
1- أن الإنسان ليس مخلوقًا لأول مرة وإنما متطور عن مخلوق آخر هو القرد.. الإنسان أصله قرد.. ويرده قوله تعالى: (خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) [ص:75] . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "النَّاسُ بَنُوآدَمَ, وآدَمُ مِنْ تُرَابٍ". أخرجه أبو داود (5116) والترمذي (3956) .(4/371)
2- أن الأجناس البشرية متفاوتة في قدرها وذكائها وأهميتها، فاليهود أفضل من الآريين، والآريون أفضل من العرب، والعرب أفضل من الزنوج وهكذا.. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَد، َ وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى ". أخرجه أحمد (23489) . ورُوي عنه صلى الله عليه وسلم: "الناسُ سَوَاءٌ كَأَسْنَانِ المُشْطِ". أخرجه ابن عدي 3/248، والقضاعي في مسند الشهاب (195) . وانظر السلسلة الضعيفة (596) .
3- البقاء للأصلح، بمعنى وجوب قتل الضعفاء والمرضى وعدم مراعاة الأخلاق ولا أوامر الدين بالإحسان إليهم ونواهيه عن الإساءة إليهم، وقد تبلورت هذه النظرة غير الإنسانية بشكل لافت لدى الملحد الألماني "فريدريك نيتشه" الذي زعم أن إلهه نزل إلى الأرض ومات.
أما من حيث اللغة فإن كلمات "البشر"، "الإنسان"، "الناس"، "الإنس" تطلق على بني آدم، وكل أهل العلم من اللغويين والفقهاء على ذلك لم يخالف منهم واحد سوى عبد الصبور شاهين صاحب كتاب "أبي آدم.. قصة الخليقة" الذي يقول إن البشر غير آدم الذي هو أبو الإنسان، ومن ثم فالإنسان- في زعمه ـ غير البشر؛ إلا أن العلماء ردوا حجته وفندوا زعمه بالأدلة الدامغة والحجج البالغة، ومنها قوله تعالى: (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ) [ص:71] . يعني (خلقت في الماضي) ، وسائر المفسرين ومقتضى لغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم الذي منه هذه الآية على أن معناها: سوف أخلق في المستقبل. في إعلام الله تعالى ملائكته عليهم السلام بخلق آدم (الإنسان أبي الناس والبشر جميعًا) ، وأخيرًا فالله هو العليم بما خلق ومن خلق (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14] .(4/372)
الفرق بين عذاب القبر وفتنة القبر
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن أبو سيف الجهني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 11/10/1425هـ
السؤال
من الثابت في عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بعذاب القبر، فما الفرق بين عذاب القبر وفتنة القبر كما جاء في الدعاء؟ وهل عذاب القبر للروح أم الجسد أم كلاهما؟ أرجو أن يعرض السؤال على متخصص في العقيدة.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
المقصود بفتنة القبر: سؤال الملكين العبد في القبر عن ربه ودينه ونبيه. أما عذاب القبر: فهو المشاق التي تقع على العبد فيه، وهي نوعان:
(1) مشاق العقوبات النازلة على العبد لمعاصيه.
(2) مشاق هي من طبيعة القبر تنال كل أحد وليست عقوبة على ذنب كضغطة القبر.
وعذاب القبر نوعان:
(1) عذاب يقع على الروح مفردة.
(2) عذاب يقع على الروح والجسد جميعًا، ولا يقع عذاب على الجسد مفردًا.
وصلى الله وسلم على النبي محمد.(4/373)
الاستغفار للكافر وتوبته.
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 13/09/1425هـ
السؤال
(1) الآية 53 من سورة الزمر "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" [الزمر:53] هل تعني المسلمين أم تشمل غيرهم؟.
(2) هل يجوز الاستغفار لغير المسلم أثناء حياته؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:(4/374)
فهذه الآية من سورة الزمر رقم: (53) ، " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"، هذه عامة لجميع العصاة من المسلمين وغيرهم، كما صرح بذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره (6/100) ، حيث قال: (هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة ... ) ا. هـ، وأما الاستغفار للكافر فلا يجوز أثناء حياته، ولا بعد مماته؛ كما تدل عليه الآية الكريمة في سورة التوبة: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم" [التوبة:113] مع قوله تعالى في سورة الممتحنة: "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك ... " [الممتحنة: من الآية4] .. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (6/625) ، تعليقاً على هذه الآية: " أي: لكم في إبراهيم وقومه أسوة حسنة تتأسون بها إلا في استغفار إبراهيم لأبيه، فإنه إنما كان عن موعدة وعدها إياه ... "يعني فلا تتأسوا به في هذا القول، وعلى هذا، فيكتفي المسلم بالدعاء للكافر أن يهديه إلى الصراط المستقيم، وأن يوفقه للدخول في الإسلام، ونحو ذلك. والله -تعالى- أعلم.(4/375)
الله غني عن عبادتنا.. فلماذا خلقنا؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 21/06/1426هـ
السؤال
هنالك سؤال يلح علي خصوصاً عند قراءتي للآية: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وهو ما حاجة الله -سبحانه وتعالى- للعبادة؟ وإذا كانت الملائكة قد عبدت الله -عز وجل- قبل خلق البشر، فلماذا خلق البشر؟ (أجد نفسي أجيب عن هذا السؤال تحديداً بأن الملائكة قد جبلت على الطاعة فقط، بعكس الإنسان الذي إن شاء آمن وإن شاء كفر، ولكن هذه الإجابة أجدها تعيدني للسؤال الأول: "ما حاجته سبحانه من خلقه للمخلوقات لكي يعبدوه"؟ فهل هناك إجابة شافية لهذا السؤال؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب(4/376)
الحمد لله، قد بيّن سبحانه وتعالى حكمته من خَلقِ السماوات والأرض، وخلقِ ما على الأرض وخَلقِ الموتِ والحياة، وهي الابتلاء للجن والإنس، كما قال سبحانه وتعالى: "وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" [هود: 7] ، وقال تعالى: "إنا جعلنا ما على الأرض زينةً لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً" [الكهف: 7] ، وقال تعالى: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" [الملك: 2] . فعُلم من هذه الآياتِ أن الله خلق ما خلق لابتلاء العباد ليتبين من يكونُ منهم أحسنَ عملاً، ويظهرُ ذلك في الواقع حقيقة موجودة، بل بيّن سبحانه في كتابه أن ما يجري في الوجود من النعم والمصائب لنفس الحكمة وهي الابتلاء الذي يُذكر أحياناً بلفظ الفتنة، قال الله تعالى: "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" [الأنبياء: 35] ، وقال تعالى: "أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" [العنكبوت: 2] .فبهذا الابتلاءِ يتبينُ الصادقُ من الكاذبِ، والمؤمن من الكافر مما هو معلوم للرب قبل ظهوره في الواقع، وقد أخبر سبحانه وتعالى في موضع من القرآن أنه خلقَ الناسَ ليختلفوا ويكونُ منهم المؤمن والكافر، ويترتبُ على ذلك ما يترتبُ من ابتلاءِ الفريقين بعضهم ببعض، قال تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" [هود: 117، 118] ، وقال تعالى: "وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين" [الأنعام: 53] . وقال تعالى: "ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض" [محمد: 4] .(4/377)
وبيّن سبحانه وتعالى أن من حكمته في القتال بين المؤمنين والكافرين ومداولة الأيامِ ما ذكره في قوله: "وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين" [آل عمران: 140- 141] .
وأما قوله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات: 56] فقد قيل: إن المعنى لآمرهم وأنهاهم فيعبدوني، وأمره ونهيه سبحانه وتعالى هو ما بعث به رسله، وفي هذا ابتلاء للعباد يكشف به حقائقهم حتى يميز الله الخبيث من الطيب، قال تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء" [إبراهيم: 4] ، وقال تعالى: "وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم" [آل عمران: 179] .
وقد ذكر سبحانه أن من حكمته من خلق السماوات والأرض أن يعلم العباد كمال علمه وقدرته قال تعالى: "الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما" [الطلاق: 12] ولم يكن خلقُ الله لآدم أو للجن والإنس لحاجةٍ به إليهم ولا لحاجةٍ إلى عبادتهم –كما توهم السائل- بل لا حاجةَ به إلى عبادة الملائكة ولا غيرهم؛ لأنه الغني بذاته عن كل ما سواه، لكنه تعالى يحب من عباده أن يعبدوه ويطيعوه، وعبادته هي محبته والذل له والافتقار إليه سبحانه، ونفع ذلك عائد إليهم.(4/378)
كما جاء في الحديث القدسي: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخْيَط إذا أدخل البحر" رواه مسلم (2577) .
وقول السائل: (إذا كانت الملائكة قد عبدتِ -اللهَ عز وجل- قبل خلق البشر، فلماذا خُلق البشر؟)
جوابه في قوله تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفةً قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون" [البقرة: 30] ، فقوله تعالى: "إني أعلم ما لا تعلمون" يتضمن أن له حكمة في خلق آدم واستخلافه في الأرض، وإن كان يحصل من بعض ذريته ما يحصل من الإفساد وسفك الدماء، قال تعالى: "إني أعلم ما لا تعلمون" إلى قوله عن الملائكة: "قالوا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم" [البقرة: 31-32] ففوضت الملائكة الأمر إلى علمه وحكمته "إنك أنت العليم الحكيم".
فقد تبين مما تقدم أن قول السائل: "نحن المسلمين نعلم أن الإنسان خُلق لسبب واحد وهو عبادة الله وحده" ليس بصحيح؛ لأن الله بيّن أنه خلق الجن والإنس لعبادته، وليبتليهم بأنواع الابتلاء، وليعرفوه بأسمائه وصفاته كما تقدم ذكر ما يدل على ذلك كله، والله أعلم.(4/379)
القول فيمن يعبد الله بالحب وحده
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن أبو سيف الجهني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 03/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي هو: ما رأيكم في من يقول أنني لا أعبد الله خوفاً من ناره, أو أنال جنته, وإنما عبدت الله محبة في وجهه الكريم؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده لا شريك له، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
لا تكون عبادة لله إلا بخوف وطمع، قاله الله في كتابه حين أمر عابديه بهما في مواضع: "وادعوه خوفاً وطمعاً" [الأعراف:56] ، "واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة" [الأنعام:63] ، وامتدحهما في عابديه: "تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً" [السجدة:16] "إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً" [الأنبياء: 90] ، فلا تخلو عبادة الله من الرغب والرهب، ومن الخوف والطمع، والرغب لا يكون إلا في رضا الله وثوابه، والرهب لا يكون إلا من غضب الله وعقابه، ومن ادعى أنه لا يرغب في ثواب الله ولا يرهب عقابه لم تصدق منه دعوى عبوديته لله إلا أن يدعي أنه مستغن عن ثواب الله وآمن من عقابه، فتكون عبوديته تفضلاً منه على رب لا يملك أن يعاقبه ولا حاجة به لثوابه، فلا يكون هذا رباً ولا ذاك عابداً على الحقيقة، بل هما ندّان متساويان، وتفضّل أحدهما على الآخر بمحبته له، ومن ذا يكون مؤمناً ثم يقول ذلك؟!(4/380)
وفي هذه الدعوى من الباطل أيضاً: الإعراض عن دعوة الله عباده إلى السعي إلى الجنة والاستخفاف بها، "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض" [آل عمران:133] ، "سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض" [الحديد:21] ، وفيها الإعراض عن دعوة الله عباده إلى اتقاء النار والاستخفاف بها: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً" [التحريم:6] ، "فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة" [البقرة:24] ، ومثل هذه الدعاوى شطحات تنفسخ عند وجود الحقائق، فإذا أشرف مدعي هذه الدعوى على النار علم كذب دعواه. نسأل الله السلامة من الضلال.(4/381)
اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء عليهم السلام ليلة الإسراء
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 16/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الروح إما أن تكون في عذاب وإما أن تكون في نعيم، في القبر، فلا تذهب هنا أو هناك. فكيف اجتمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنبياء في السماوات في الإسراء والمعراج؟
هل خرجت أرواح الأنبياء لذلك الوقت فقط؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذا السؤال له صلة بمسألة تعلق الروح بالبدن، وقد ذكر ابن القيم، رحمه الله، أن للروح مع البدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام:
أحدها: تعلقها بالبدن في بطن الأم جنينًا.
الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.
الثالث: تعلقها به في حال النوم، فلها به تعلّق من وجه ومفارقة من وجه.
الرابع: تعلقها به في البرزخ.
الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد، وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن.
وموضوع سؤالك هو عن تعلقها بالبدن في البرزخ، فإنها وإن فارقت البدن وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقًا كليًّا لا يُبْقِي لها التفاتًا إليه.(4/382)
وما سألت عنه من رؤيته صلى الله عليه وسلم، الأنبياء ليلة الإسراء والمعراج، قال عنه ابن القيم: (وأما إخبار النبي صلى الله عليه وسلم، عن رؤيته الأنبياء ليلة أسري به فقد زعم بعض أهل الحديث أن الذي رآه أشباههم وأرواحهم. قال: فإنهم أحياء عند ربهم، وقد رأى إبراهيم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور- أخرجه مسلم (162) - ورأى موسى قائمًا في قبره يصلي- أخرجه مسلم (2375) . ونازعهم في ذلك آخرون وقالوا: هذه الرؤية إنما هي لأرواحهم دون أجسادهم، والأجساد في الأرض قطعًا، إنما تبعث يوم بعث الأجساد، ولم تبعث قبل ذلك إذ لو بعثت قبل ذلك لكانت قد انشقت عنها الأرض قبل يوم القيامة وكانت تذوق الموت عند نفخة الصور، وهذه موتة ثالثة. وهذا باطل قطعًا) .
قال ابن القيم: (وقد علمنا عنه أنه رأى موسى قائمًا يصلي في قبره ليلة الإسراء، ورآه في السماء السادسة- أخرجه البخاري (3207) ومسلم (164) - أو السابعة، فالروح كانت هناك ولها اتصال بالبدن في القبر وإشراف عليه وتعلق به، يصلي في قبره ويرد سلام من سلّم عليه، وهي في الرفيق الأعلى، ولا تنافي بين الأمرين فإن شأن الأرواح غير شأن الأبدان، وليس نزول الروح وصعودها وقربها وبعدها من جنس ما للبدن، فإنها تصعد إلى ما فوق السماوات ثم تهبط إلى الأرض ما بين قبضها ووضع الميت في قبره، وهو زمن يسير لا يصعد البدن وينزل في مثله، وكذلك صعودها وعودها إلى البدن في النوم واليقظة) .
وخلاصة القول أن التسليم بما ثبت من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم، بما يكون من حال البرزخ وأحوال القيامة وسائر المغيبات واجب، والتعمق في البحث عن كيفيات ذلك من التكلف. وانظر بسط هذه المسألة في كتاب الروح لابن القيم، رحمه الله، ففيه ما يشفي ويكفي. والله الموفق.(4/383)
هل كل ما في اللوح المحفوظ لا يتغيَّر؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 11/06/1426هـ
السؤال
أرجو منكم إفادتي بأصح قولي العلماء في مسألة (اللوح المحفوظ) فقد قيل: إن ما فيه من الأقدار ثابت لا يتغير، كما قيل: إنه يمكن أن يتغير؟ والكل مستدل بقوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) ؟
الجواب
الحمد لله، اللوح المحفوظ هو أم الكتاب، وهو الكتاب المبين، وهو كتاب الأقدار، قال الله تعالى: "بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ" [البروج: 21-22] ، وقال تعالى: "إنا جعلناه قرآناً عربيًّا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب" [الزخرف: 3-4] ، وقال تعالى: "ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب" [الحج: 70] ، وقال تعالى: "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها" [الحديد: 22] .
وروى مسلم في صحيحه (2653) عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء".
وهذا الكتاب مطابق لعلم الله السابق، وعلمه بالأشياء مطابق لما هي عليه ومعلوماته لا تتغير عما علمه، وقد قرن سبحانه وتعالى بين علمه وكتابه في آيات من القرآن، قال تعالى: "وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب" [فاطر: 11] ، وقال تعالى: "ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب" [الحج: 70] .(4/384)
وما في هذا الكتاب هو تقدير عام لكل ما هو كائن إلى يوم القيامة، وهناك تقديرات خاصة منها ما يختص بآدم وذريته كما جاء في حديث احتجاج آدم وموسى، حيث قال آدم: "أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء، وقربك نجياً، فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى: بأربعين عاماً". صحيح البخاري (3409) ، وصحيح مسلم (2652) .
ومنها ما يختص بكل فرد من بني آدم كالتقدير الذي يكون عند نفخ الروح في الجنين، وهذه التقديرات لا تتعارض مع التقدير العام، وأما قوله تعالى: "يمحو الله ما يشاء ويثبت" [الرعد: 39] ، فقد اختلف المفسُرون في متعلق المحو والإثبات، فقيل: المراد بذلك الشرائع ما يُحْكِِمُ الله منها وما ينسخ، وقيل المراد صحف الأعمال التي في أيدي الملائكة، وكل ما يكون من محو وإثبات في الشرائع أو صحف الملائكة قد سبق به علم الله وكتابه الأول.
وعلى هذا فالصواب أن اللوح المحفوظ لا تغيير فيه، وما سبق في علمه وكتابه أنه كائن لا بد أن يكون كما علمه سبحانه وتعالى بالأسباب التي قدَّرها، فالقدر شامل للأسباب والمسببات، ويدخل في ذلك الكون كله، وما يجري فيه من صغير وكبير، بما في ذلك أفعال العباد طاعاتهم ومعاصيهم " الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً" [الطلاق: 12] . والله أعلم.(4/385)
تعزية المسلم للكافر
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 30/02/1426هـ
السؤال
ما حكم تعزية المسلم للكافر (بمناسبة وفاة بابا الفاتيكان) ؟
الجواب
أصل التعزية هي التسلية للمصاب الذي نزلت به مصيبة من موت قريب ونحو ذلك- لغرض تخفيف ما ألم به أو نزل من مصيبة أو كارثة، وأكثر ما تجري التعزية عادة في الوفاة. ويجوز للمسلم أن يعزي الكافر -سواء كان كتابياً أو غيره- بموت قريب أو عزيز لديه. ويدعو لولي الميت أو صديقه بدوام الصحة والبقاء وكثرة الولد والمال. ولا يدعو له بالمغفرة والأجر وجبر المصيبة لأن هذا لا يكون إلا للمؤمن، ولو قال: (أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطى أحداً من أهل دينك) أو نحوه - لكان حسناً، وتعزية المسلم للكافر من حسن الخلق، وهي وسيلة من وسائل التآلف والدعوة إلى الإسلام، لا سيما في مثل هذا الظرف.
أما إذا كانت تربط المسلم بالكافر رابطة قرابة -من نسب أو صهر أو زمالة عمل ونحوه- تعين العزاء حينئذ، وعزاء المسلم لأهل الكتاب من يهود ونصارى المجوس أولى من غيرهم.
أما تعزية المسلم لأخيه المسلم عند موت قريبه الكافر فهي مشروعة ويدعو للحي بعظم الأجر وحسن العزاء وجبر المصيبة، ولا يدعو لميته الكافر بشيء من هذا، وإنما يدعو له بنحو ما سبق من دوام البقاء وكثرة المال والولد.
قال الإمام مالك بن أنس في تعزية المسلم بأبيه الكافر - يقول: (بلغني مصابك بأبيك وألحقه الله بكبار أهل دينه وخيار ذوي حلته) ، وسئل ابن عبد الحكم كيف يعزى المسلم بأمه النصرانية؟ قال يقول: الحمد لله على ما قضى قد كنا نحب أن تموت على الإسلام حتى تسر بذلك.(4/386)
أما تعزية المسلمين بعضهم لبعض بموت الكافر- إذا لم يكن الميت قريباً لمسلم فحرام لا تجوز بحال لقول الله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) والتعزية في هذا من الاستغفار المنهي عنه في الآية جزماً كالصلاة عليه في قوله تعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) .والله أعلم.(4/387)
إذا كان أحدنا لا يدخل الجنة بعمله؛ فلِمَ العمل؟!
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن أبو سيف الجهني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 20/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
من المعلوم أنه لا يدخل الجنة أحد بعمله، بل برحمة الله وفضله، ومعلوم أيضا أن الله -سبحانه- صرح بأن الجنة هي ثواب من يقوم بالعمل الصالح، وذكر طائفة من الأعمال التي سيكون أجرها دخول الجنة، وفي هذا السياق يوجد كثير من الأحاديث النبوية. فكيف نوفق بين هذين الوجهين؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأعمال سبب في دخول الجنة وليست ثمناً لها، ودخول الجنة فضل من الله ورحمة وليس عوضاً عن الأعمال وبدلا عنها، فلا ينال العبد الجنة بمجرد العمل، بل العمل سبب، والله يتفضل على من حصَّله بالجنة إن شاء، ولو حرمه منها لم يكن ظالماً له، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " لَا يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِه"ِ قَالُوا: وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّه؟ ِ قَالَ: "وَلا أَنَا إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَفَضْلٍ" أخرجه أحمد (7479) واللفظ له، والبخاري (5673) ، ومسلم (2816) ، فالباء في قوله "بعمله" باء المقابلة والعوض، وقال الله: "ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون" [النحل:32] أي بسبب عملكم. والله أعلم.(4/388)
المقصود بالحنيفية
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن أبو سيف الجهني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 09/03/1426هـ
السؤال
أرجو توضيح المقصود بالحنيفية، وهي دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، هناك كاتب يقول إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان حنيفاً قبل أن يصبح خاتم الأنبياء.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحنيفية هي ملة التوحيد التي بُعث بها الأنبياء جميعاً صلى الله عليهم وسلم، ومنهم محمد - صلى الله عليه وسلم-، فملته الحنيفية منذ ابتداء نبوته حتى موته صلى الله عليه وسلم، وهي هدية لأمته، قال له ربه: "قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" [الأنعام:161] ، وقال له: "وأن أقم وجهك للدين حنيفاً ولا تكونن من المشركين" [يونس:105] ، وهو صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء من ابتداء بعثته، منذ نبئ صلى الله عليه وسلم كانت نبوته خاتمة النبوات.
ولفظ (الحنيفية) في اللغة هو من الحنف وهو الميل، والحنيفية في الشرع هي الميل إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة غيره، ومعلوم أن من مال إلى شيء أعطى ظهره لغيره، لا يكون الميل إلا كذلك، فلا يكون مستقبلاً شيئاً غير ما مال إليه، وكل شيء غيره فوراء ظهره.(4/389)
إذا علمت ذلك، فاعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قبل نبوته، وكان لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان كما قال الله: "وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان" [الشورى:52] كان صلى الله عليه وسلم يتحنف في غار حراء انظر صحيح مسلم (160) ، أي يميل إلى الانقطاع فيه بالتوجه إلى خالق السماوات والأرض، ويترك ما كان عليه قومه من التوجه إلى الأصنام والأشجار، وهذا منه تحنف فطري وسلوك شخصي سبق النبوة ثم نبئ صلى الله عليه وسلم، وكان في أهل الجاهلية من يفعل ذلك، وهو من بقايا ملة إبراهيم عليه السلام فيهم. وصلى الله وسلم على النبي.(4/390)
تعريض أسماء الله للامتهان
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 16/07/1426هـ
السؤال
شاهدت في الفضائيات سيارة -ضمن سباق السيارات- وضع سائقها على غطاء المحرك علم -المملكة العربية السعودية- وعليه كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ، ومن جنس هذا التصرف الأعلام السعودية التي يحملها مشجعو كرة القدم، فهل مثل هذا العمل -بغض النظر عن نية صاحبه- يعتبر مباحاً، أم أن فيه نوعاً من الإهانة لهذه الكلمة العظيمة؟ أرجو الإفادة مشكورين.
الجواب
من المعلوم أن عَلَم المملكة العربية السعودية يحتوي على كلمة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وهي تشتمل على لفظ الجلالة، وأسماء الله -تعالى- يجب توقيرها واحترامها، والبعد بها عن أماكن الامتهان، فإذا كان وضع العلم على السيارة سيعرض اسم الله تعالى للامتهان والابتذال، كالجلوس عليه أو وطئه، أو إصابته بما لا يليق، فالواجب البعد عن وضعه في هذا المكان توقيراً لأسماء الله تعالى، ويمكن الاستعاضة عن ذلك بوضع العلم دون كلمة التوحيد، والاكتفاء بأي شعار آخر يرمز للدولة.(4/391)
رؤية الملائكة
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 28/10/1426هـ
السؤال
هل من الممكن للإنسان رؤية الملائكة، وهل من الممكن الاتصال بين الإنس والجن؟ وهل من الممكن رؤية أو مقابلة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والتحدث معه وأخذ التوجيهات منه حال اليقظة، وما حكم مَنْ يدعي هذه الأمور؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد:
فإن الملائكة الكرام عالم غيبي، خلقهم الله من نور، وحجبهم عن أعين خلقه، إلا من -شاء الله- كرؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- جبريل على صفته التي خلقه الله عليها.
كما أن الملائكة الكرام قد تتشكل بأمر الله على هيئة بني آدم، كما وقع لمريم -رضي الله عنها- وكما أتوا لوطاً -عليه السلام- على هيئة شبان صباح الوجوه، وكما كان جبريل -عليه السلام- يأتي نبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- على صورة دحية الكلبي.
لكن ليس لأحد أن يدعي أنه رأى الملائكة أو خاطبهم، كما يزعم بعض المهوسين، فإن ذلك من تلاعب الشياطين بهم.
أما إمكانية الاتصال بين الإنس والجن؛ مسلمين أو كافرين، فالظاهر أنه ممكن من ناحية الوجود، لكن الغالب أنه يقع على وجه شركي، أو استمتاع محرم.
وأما إمكانية رؤية أو مقابلة، أو التحدث مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحياة الدنيا بعد وفاته، يقظةً لا مناماً، فأمر مستحيل، ومن ادعى ذلك فهو كاذب، ومن ادعى أنه يأخذ منه التوجيهات مباشرةً فهو كافر زنديق، لأن دعواه تلك تتضمن إضافة شيء إلى دين الله، ليس منه، وقول على الله وعلى رسوله بمحض الكذب، واتهام للشريعة بالنقص وعدم الكمال، حتى أحوجه الأمر إلى أن يتلقى منه مباشرة، بزعمه الكاذب. والله أعلم.(4/392)
هل يغتسل المرتد لدخوله الإسلام؟
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 08/07/1426هـ
السؤال
إذا ارتدّ شخص عن الإسلام هل يجب عليه أن يغتسل وينطق بالشهادة للدخول فيه مرة أخرى؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالمرتد مثل الكافر الأصلي، وقد اختلف في وجوب الغسل على الكافر، فقال قوم: يجب عليه الغسل استدلالاً بأنه -صلى الله عليه وسلم- أمر قيس بن عاصم لما أسلم أن يغتسل بماء وسدر". أخرجه أبو داود (355) ، والترمذي (605) وغيرهما، وصححه النووي.
وقال آخرون لا يجب؛ لأنه لو كان واجباً لاشتهر مع كثرة من يسلم، والقول الأول أحوط.
وأما النطق بالشهادتين فلا بد أن يأتي بهما المرتد كالأصلي؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ... " الحديث. صحيح البخاري (25) ، وصحيح مسلم (22) .
لكن قال العلماء في المرتد: إن ارتدَّ بجحود فرض أو استباحة محرم لم يصح إسلامه حتى يرجع عما اعتقده، ويعيد الشهادتين، وعلى هذا فلابد أن يزيل سبب الردة إن كان يتعلق بسبب من الأسباب التي تقتضي ردة صاحبها ويأتي بالشهادتين، وإن كان ارتدَّ ورجع عن الإسلام مطلقاً فدخوله فيه كدخول الكافر الأصلي يكون بالشهادتين والإقرار بالإسلام وأحكامه.
انظر المهذب في فقه الشافعية (2/224) ، والروض المربع بحاشية ابن قاسم في فقه الحنابلة (7/410، 411) . والله تعالى أعلم.(4/393)
الفرق بين "الملة" وبين "الدين"
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 23/08/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما معنى كلمة "ملة"، وما الفرق بينها وبين كلمة "دين"؟.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
لفظ "الملة" و"الدين" لفظان متقاربان في المعنى، فيقال: هذا على ملة الإسلام، وعلى دين الإسلام، وقد وردت كلتا العبارتين في القرآن العظيم، كما في قوله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) [البقرة:120] ، وقوله تعالى: (ذلك دين القيمة) [البينة:5] ، وهذه ليست من قبيل المترادف اللغوي، بل لكل منها معنى يخصه مع وجود الاشتراك في المعنى العام، بحيث إذا وجد أحد اللفظين دل على الآخر، وإذا اجتمعا معاً في سياق واحد فإن الملة هي معظم الدين وجملة ما يجيء به الرسل، وأما الدين فمن دان يدين إذا ذل وخضع وأطاع، مأخوذ من الدينونة وهي الطاعة والاتباع التي هي العبادة على وجه الخصوص. والله أعلم.(4/394)
لماذا يحتكر المسلمون الجنة؟!
المجيب خالد بن عبد العزيز السيف
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 06/03/1427هـ
السؤال
أنا طالب بإحدى الجامعات الغربية، وتقتضي دراستي الاختلاط والتعامل مع غير المسلمين، ومع مسلمين عاشوا مدة طويلة في الغرب، وهناك شبهات يطرحونها فلم أستطع الرد، وأكثر الشبهات جدلاً: لماذا الجنة للمسلمين وحدهم دون النصارى، ولماذا مصير النصراني -بعد وفاته- النار، فقد يكون لم يصل إليه الإسلام؟
كما أن في الإسلام إذا ترك الرجل دينه يدخل النار فكذلك في النصرانية، ويقولون: لماذا يدخل النار بينما هو رجل طيب يقدم المساعدة لأي كان؟ فإن قلنا لهم: مكتوب في كتبكم: إن هناك نبيًّا اسمه محمد: يقولون: ليس موجوداً. فيرون كل شخص طيب يدخل الجنة، ولا يشترط فيه أن يكون مسلمًا.
أرجوكم ساعدوني في حل هذه المشكلة، خصوصاً وأن البعض قد انساق خلفهم!
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فالديانات بشكل عام -سواء منها السماوي أو غير السماوي- تقوم على مبدأ الحقيقة الواحدة، بمعنى أن الدين الصحيح الموجب للنجاة هو دين واحد، والمتبع لما سواه متعرض للهلاك الأخروي والعذاب الأبدي، ولأجل ذلك كان تغيير الدين يعد جرماً لا مغفرة له، وربما يكون عقوبته القتل كما عند المجتمعات الشرقية.
وعندما نأخذ الدين النصراني أنموذجًا فإن المتبع لغير الدين النصراني -حسب رأي معتنقيه- يعتبر غير ناجٍ النجاة الأخروية، بل العذاب السرمدي الأبدي ينتظره في الآخرة كما نطق بذلك الكتاب المقدس، وحكمه في الدنيا أنه غير مؤمن بالمسيح (أي كافر) ، وهذا لن يكون كمن آمن به بالمعتقد الذي تبنته النصرانية من معتقد التثليث والصلب وغيره، فمن آمن به فله النجاة (الجنة بلغة المسلمين) ، ومن لم يؤمن به فله الهلاك والعذاب الأبدي (النار بلغة المسلمين) .(4/395)
وما يعتقده النصارى في يوم الدينونة صارخ بذلك، ومضمونه أن المسيح -على حد زعمهم- سينزل في آخر الزمان ليدين الخلائق، فمن آمن به فله الخلاص والنعيم الأبدي، ومن لم يؤمن به فله العذاب والشقاء الأبدي، وغالب أسفار الكتاب المقدس أشارت إلى هذا، فعلى سبيل المثال لا الحصر ما جاء في سفر يوحنا (3: 36) : "الذي يؤمن بالابن -أي المسيح- له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة، بل يمكث عليه غضب الله".
وفي إنجيل متى (12: 31،32) : "كل خطيئة وكفر يُغفر للناس، وأما الكفر بالروح القدس فلن يغفر لهم. ومن قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له، وأما من قال على الروح القدس فلن يغفر له لا في الدنيا ولا في الآخرة ".
والنص المشهور الذي يحفظه كل المسيحيين ما جاء في إنجيل يوحنا (3: 16) : "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية". ومفهوم هذا أن الذي لا يؤمن به فسوف يهلك.
ويوم الدينونة موجود بشكل أوسع في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي، فقد جاء في سفر متى (27:16) : "فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله".
ويصف يوحنا كيفية هذه الدينونة، وكيف يدين المسيح الخلائق، فقد جاء في سفر رؤيا يوحنا: (13:20-15) : "ورأيت الأموات صغاراً وكباراً أمام الله وانفتحت أسفار، وانفتح سفر آخر وهو سفر الحياة، ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم. وسلم البحر الأموات الذين فيه، وسلم الموت والهاوية الأموات الذين فيهما، ودينوا كل واحد بحسب أعماله. وطرح الموت والهاوية في بحيرة النار. هذا هو الموت الثاني. وكل من لم يوجد مكتوباً في سفر الحياة طرح في بحيرة النار".(4/396)
وعلى ما سبق ذكره فليس الإسلام غريباً من بين الديانات التي لا تلتزم بنجاة من لم يؤمن بها، بل الإسلام أفضل منها، بحيث إنه لا يقول بتعذيب من لم يصل إليه الإسلام، ولا من وصل إليه الإسلام مشوشاً، وهؤلاء وأمثالهم حكمهم إلى الله، وليس في الأديان مثل الإسلام في هذا التشريع المعتدل، وهذا خلاف ما يدعيه النصارى عن الإسلام.
وأما كون حسن الأخلاق والمعاملة كافية في المعادلة بين المؤمن وغير المؤمن فهذا لا يقول به النصارى أنفسهم، فهل معنى ذلك أن المسلم إذا كان طيب الخلق وحسن المعاملة ويقدم المساعدة للآخرين هل يعني ذلك أنه ناج في الآخرة على المعتقد النصراني، أو هل يتساوى مع من يؤمن بالمسيح على معتقد النصارى!! هذا لا يقول به نصراني أبداً، ومن قال بخلاف ذلك فهو مغالطٌ نفسه، بل الكتاب المقدس ناطق بالتفريق، وأن الخلاص مشروط بالإيمان بالمسيح على معتقد النصارى من القول بالصلب والتثليث وغيرها من المعتقدات.
وأما وجود اسم النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في كتب النصارى فهذا لا يؤمن به النصارى، ولو آمنوا بذلك لانتهت المشكلة ولم يوجد إلا الإسلام، وهم ينكرون ذلك، وسواء أنكروه أو أثبتوه فنبوته -عليه الصلاة والسلام- ثابتة بنفس الأدلة التي أثبتوا بها ألوهية المسيح، فإذا طعنوا في تلك الأدلة فقد طعنوا في أدلة ألوهية المسيح؛ وتفصيل ذلك يحتاج ورقة أخرى.(4/397)
وفي مثل هذه الحال التي ذكر السائل لا بد للسائل أن يتفقه في هذا الموضوع، وأن يقرأ الشبه التي تثار ضد الإسلام، وهذه الشبهات ليست جديدة، بل من يطالع الكتب التي كتبت في القرن الثاني الهجري يجدها نفس الشبهات التي تثار اليوم، وهذا يعنى أنه بإمكان الإنسان غير المتخصص في العلوم الشرعية أن يطلع على جملة كبيرة من الشبهات والأسئلة المحتملة التي يمكن أن تثار ضد دينه، وكون الإنسان غير متخصص في العلوم الشرعية أو الديانات على وجه الخصوص لا يعفيه من تعلم العلم الذي به يحفظ دينه، والاطلاع على مثل ذلك ليس من الصعوبة بمكان.
ونقطة مهمة تقال في هذه المناسبة: إنه على الإنسان أن يحرص على الدعوة في هذه الأوساط بالذي يستطيعه، ومن خلال التجربة فإن أكثر ما يؤثر في مثل هذه المجتمعات حسن الخلق وطيب المعشر كما كان هديه -عليه الصلاة والسلام- حتى مع الذين خالفوا دينه ونصبوا له العداء، وفي هذه الحالة أفضل ما يقوم به الإنسان إبراز محاسن الإسلام، وتصحيح ما يلصق به من تهم، والبعد عن النقاشات التي تدخل في جوهر العقيدة إلا في حالات ضيقة، فبحث مثل هذه المواضيع مما يزيد في النفرة والتعصب، ويبعد عن روح العقل. والله أعلم.(4/398)
خطورة لعبة اليوغي
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 15/05/1427هـ
السؤال
أنا معلمة في إحدى المدارس، ومشرفة على المصلى، وتنشيط الحلقات الدينية، ولقد طلب مني من قِبَل مكتب التوجيه والإشراف بالمنطقة بتعميم وارد لجميع المدارس ولمشرفات مواد الدين بالتحديد، أن أفعل وأنبه طالباتي عن خطورة لعبة اليوغي (اليوقي) ، كما يطلقون عليها بالعامية، وأنا لا أعرف ماهية هذه اللعبة وخباياها وخطورتها، كما تم تنبيهنا من قبل مكتب التوجيه بضرورة النصح؛ لخطورة محتواها التنصيري ولقد بحثت في الإنترنت وقرأت العجب العجاب، فهناك من يستخدم مصطلحات الإنقاذ والسحر والإنقاذ من القبور بهذه اللعبة، فأرجو مساعدتي بهذا الموضوع أو بمعلومات قد تفيدني، علماً أني -يا أستاذي الكريم- أرى تهافت الطالبات بشكل لا معقول على هذه اللعبة، فما أن تسنح لهم الفرصة لدقائق حتى يجتمعن ويلعبن بهذا الورق، ولم أجد من أستعين به وأثق بمشورته بعد الله غيركم وجزاكم الله عنا كل خير.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فما دام أنه صدر تعميم بتنبيه الطالبات على خطورة هذه اللعبة، ومنعها؛ لما فيها من أضرار عقدية، فيجب الامتثال لهذا التعميم، وجزاهم الله خيراً على غيرتهم وحرصهم على سلامة عقيدة أبنائنا وبناتنا. وهم لم يحذروا من خطورتها إلا بناء على علم ومعرفة بذلك.
ثم إن هذه اللعبة شبيهة إلى حد ما بلعبة مسلسل (بيكيمون) ، الذي صدرت فتاوى العلماء بتحريمها.(4/399)
وهذه اللعبة جزء من الغزو الفكري، الذي يروجه أعداء الإسلام، بصرف المسلمين عن دينهم، وخلخلة عقيدتهم، خاصة وأنها معروضة في مسلسل (يوغى بوه) المعروض على قناة (M.B.C) . وهي ضرب من جنون (الانيمي) الياباني المعروف عن حبه للأساطير والخرافات. وهي كما ذكرتِ تستخدم مصطلحات الإنقاذ، والسحر، والإنقاذ من القبور، باستخدام واستدعاء الوحوش المدمجة ببطاقة سحر. والفائز الأول هو الذي يمتلك بطاقات الإله الفرعوني.
وعلى كل، فلا يجوز اللعب بهذه اللعبة، ويجب التحذير منها وبيان خطورتها العقدية، ومن له سلطة فعلية بمنعها في المدارس والأسر وغير ذلك.
حمى الله المسلمين من كل سوء ومكروه، ورد كيد أعدائهم في صدورهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/400)
الديانات الإبراهيمية
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 21/10/1426هـ
السؤال
بعض الناس يطلق تسمية "الديانات الإبراهيمية" على النصرانية واليهودية والإسلام، فماذا ترون في جواز هذه التسمية؟
نحن نقرأ في القرآن الكريم: "ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانيا ًولكن كان حنيفاً مسلماً"، وقوله تعالى: "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا"
أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فمصطلح (الإبراهيمية) مصطلح أطلقه لأول مرة المفكر الفرنسي، (روجيه جارودي) حين دعا في جمادى الآخرة من عام (1407هـ) ، (فبراير 1987م) ، إلى ما أسماه: (الملتقى الإبراهيمي) ، وقال: (لقد عرفت الإيمان الإبراهيمي عن طريق (كيركجارد) ، فيلسوف دنمركي، واليوم أقوم بهذه المبادرة بالاشتراك مع أصدقائي اليهود والكاثوليك والبروتستانت، فإنني أتابع المسير بقصد تجميع الإيمان الإبراهيمي) .
وأفصح عدد من المتحدثين في الملتقى -وعلى رأسهم جارودي- عن الهدف المبيت، وهو القضاء على الخصوصية المميزة لكل دين، والوصول إلى صيغة مشتركة بين الديانات تحت مسمى (الإبراهيمية) ، والسعي إلى تحقيق الوحدة بين الديانات بكل ما تحمله من تنوع وتضاد.(4/401)
ولا يستريب مسلم أن هذه الدعوة كفرية، أرادت أن تتدرع باسم خليل الرحمن إبراهيم، عليه السلام، الذي برأه الله من أن يكون يهودياً أو نصرانياً، تماماً كما برأه من أن يكون من المشركين، واستهجن انتحال أهل الكتاب لإبراهيم، وادعاء كل طائفة أنه منهم، مع سبقه لهم، فقال: (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده، أفلا تعقلون ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين" [آل عمران: 65-67] .
وتأسيساً على ما تقدم، فإنه لا يحل إطلاق هذه التسمية المحدثة، وتسليكها بين المسلمين لما في ذلك من الإحداث، والتلبيس، والاستجابة لاستزلال الزنادقة والملحدين من دعاة وحدة الأديان. وبالله التوفيق.(4/402)
هل ما فعله الخضر إلهام؟!
المجيب خالد بن عبد العزيز السيف
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 20/03/1427هـ
السؤال
ما حكم من استدل على قصة الخضر في قتل الغلام بأن هذا من الإلهام، ويجوز أن يكون في أي عصر؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقصة الخضر مع موسى -عليه السلام- جاءت في القرآن، وجاءت أيضاً مفصلة أكثر في السنة، كما عند البخاري ومسلم وغيرهما، وسبب لقاء موسى بالخضر -كما جاء في الصحيحين- أن موسى -عليه السلام- قام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال: فعتب الله عليه؛ إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، فسأل موسى ربه: كيف له به، فدله عليه.
وفي الحديث أيضاً أن الخضر قال لموسى لما التقيا: "إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه".
أي كل منهما عنده من العلم ما ليس عند الآخر وكله من علم الله، وقال الخضر في نفس الحديث لما وقع عصفور على حرف السفينة ونقر في البحر، قال: "ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر" صحيح البخاري (3401) ، وصحيح مسلم (2380) .
وفي تفسير قصة الخضر -كما جاءت مفصلة في الصحيحين- أن الخضر كان على علم علمه الله إياه، كما قال تعالى: "فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً" [الكهف:65] وهذا العلم لا يعلمه موسى، ولذلك أنكر على الخضر في كثير من الأعمال التي عملها، ولذلك قال الخضر لموسى: "وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا" [الكهف:68] .(4/403)
فما فعله الخضر -سواء من قتل الغلام أو غيره مما ذكر في القصة- كان من العلم الذي علمه الله إياه، ولم يكن تصرفاً مجرداً، وقتل الخضر للغلام إنما كان بأمر الله، وهو قتله دفاعاً لصولته على أبويه في الدين، كما قال تعالى في نفس السياق: "فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً " [الكهف:80] والصبي لو صال على مسلم في بدنه أو ماله ولم يندفع عن المسلم إلا بالقتل جاز قتله، بل الصبي إذا قاتل المسلمين قُتِل، ولكن من أين يُعلم أن هذا الصبي سيصول على أبويه يفتنهما في دينهما؟ فهذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وهو العلم الذي علمه الله للخضر، ولذلك قال ابن عباس –رضي الله عنهما- لنجدة الخارجي لما استفتاه في قتل الغلمان قال: "إن علمت منهم ما علم الخضر من ذلك الغلام فاقتلهم وإلا فلا".
أما موضوع الإلهام فالإلهام كلمة فضفاضة يدخل فيها كثير من المعاني الصحيحة والفاسدة، مع العلم أن الإلهام قد يكون في الخير وقد يكون في الشر أيضاً، كما في قوله تعالى: "فألهمها فجورها وتقواها" [الشمس:8] .
والإلهام على فرض حصوله فهو يقع بغير حجة ولا استدلال ولا نظر وهو ليس بحجة إطلاقاً، كما يدعيه بعض المتصوفة، وليس لهذا الادعاء أي أساس لا من عقل ولا من نقل، بل هو ادعاء يناقضه الدليل العقلي والنقلي، وعلى هذا لا يمكن أن يدعي أي إنسان -بعد انقطاع الوحي- أن أعماله تقع من باب الإلهام، فقد تكون من حديث النفس أو قد تكون من شهوة النفس أيضاً، وقد تكون وساوس شيطانية، فالإلهام ليس مصدراً لتقييم صواب العمل من خطئه، فالاتصال بين الله والبشر انقطع بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس لأحد أن يدعي أي نوع من الاتصال سواء سُمي وحياً أو إلقاء في الروع أو إلهاماً أو كشف الحجاب أو غيرها من الأسماء التي تزعم اختصاص بعض النفوس بشيء من العلم اللدني دون بقية الناس.(4/404)
والاستدلال بقتل الغلام في قصة الخضر على أن هذا من الإلهام، وأنه يجوز أن يكون في كل عصر قول بعيد عن الصواب لما تقرر. والله أعلم.(4/405)
الاحتجاج بالعهد المكي لتسويف بعض التكاليف!
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 22/04/1427هـ
السؤال
كيف السبيل إلى معرفة الله عز وجل؟ لأنني سمعت أنه على المسلم أن يعرف الله أولاً، ثم ينتقل بعد ذلك إلى تطبيق شرع الله، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يهتم في العهد المكي بتعليم الصحابة الصيام والعبادات! ولكنه كان يركز على معرفة الله، فكيف نربي أنفسنا كما ربى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصحابة؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
ثبت في الصحيحن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تُنْتَجُ البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ ". ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) صحيح البخاري (1358) ، وصحيح مسلم (2658) .
وهذه الفطرة هي الإسلام، وهذا الحديث صريح في أن كل مولود يولد مسلماً، فإذا كان أبواه غير مسلمين، فإن أطاعهما فيما يدعوانه إليه من يهودية، أو نصرانية، أو مجوسية، خرج عن الفطرة إلى ما يدعوانه إليه ويربيانه عليه، وإن هداه الله إلى الإسلام فهو مسلم، باقٍ على الفطرة التي فطره الله عليها.
إذا عرفت هذا فاعلم أن الإنسان يولد مسلماً، ثم إذا وصل إلى السن التي يكون فيها مخاطباً شرعاً فإن أسلم بلسانه وقلبه وجوارحه، -لله تعالى- فهو مسلم، وإن اختار غير ذلك فهو على ما اختار.(4/406)
لكن لا بدّ أن يُعلم أن الفطرة لا تكفي وحدها لهداية الناس، فالشريعة مكملة للفطرة، ومفصلة للأحكام التي لا تستقل الفطرة بإثباتها، فمثل الفطرة مع الشريعة، كمثل العين مع النور، فإن العين إذا غاب النور عنها لم تبصر شيئاً، وكذلك الفطرة إذا غابت عنها الشريعة المنزلة!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فالفطرة مُكَمَّلَةٌ بالشريعة المنزلة، فإن الفطرة تعلم الأمر مجملاً، والشريعة تفصله وتبينه، وتشهد بما لا تستقل الفطرة به) . [مجموع الفتاوى (4/45) ] . انتهى
ويقول أيضاً: (فإن الله فطر عباده على الحق، والرسل بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها، لا بتحويل الفطرة وتغييرها) . [مجموع الفتاوى (5/260) ] . ووجود الله تعالى ثابت ومستقر بدلالة الكتاب، والسنة، والإجماع، ودلالة العقل، والفطرة، والحس.
فإذا تقرر لك هذا جلياً، أَنتقِلُ إلى الجانب الآخر من السؤال، فأقول:
اعلم -رعاك الله- أنه ليس هناك مرحلة معرفة دون عمل، ثم مرحلة عمل، فمن معرفة الله وقدره حق قدره أن تعبده، وأن تجتهد لما خُلقت له "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات: 56] .
أما القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يهتم بالعبادة في أول الإسلام، فهذا غير صحيح، فشريعة الله عز وجل كانت تتنزل شيئا فشيئا، ففرضت الصلاة، ثم الصيام، والزكاة، والحج، والحدود. قال تعالى: "وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً" [الإسراء: 106] ، حتى اكتملت الشريعة، فأنزل الله عز وجل: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً" [المائدة:3] . فالشريعة كملت، والمسلم مأمور بها كلها بعد ذلك.(4/407)
أوضح لك أكثر، فأقول: اعلم -أرشدك الله لطاعته– أن الرسول صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة، وكما هو معلوم لم يفرض صيام رمضان في مكة، وإنما فرض بعد الهجرة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة بعد الهجرة إذا أتاه أحد وأسلم. هل يقول له: لا تصم رمضان ثلاث عشرة سنة ثم بعد ذلك صم؟!.
لا شك أنه لا يقول له ذلك، وإنما يأمره بشرائع الإسلام كلها، ومنها الصيام. وقل مثل هذا الكلام في بقية شعائر الدين.
فالله عز وجل أنزل القرآن في ثلاث وعشرين سنة، يأمر بأوامر، وينهى عن نواهي، ويشرع، وينسخ، ويفعل الله ما يشاء، حتى إذ اكتملت الرسالة قال: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً".
فلا يأتينّ قائل ويقول في مكة: لم يشرع صيام رمضان، ولا حرم الخمر، ولا شرع الحج والزكاة، إلى آخر ذلك ... ويهدم بذلك الإسلام.
فأحكام الفترة المكية التي نسخها الله بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، لا يجوز للمسلم أن يعمل بها؛ لأنها بعد نسخها لم تعد أحكاماً شرعية، فمن عمل بها وترك العمل بما نسخها كان فيه شبه بمن عمل بدين منسوخ، وأعرض عن دين الإسلام الذي نسخ ما سواه من الأديان، كما أن هذا يفتح الباب لترك كل الأحكام التي شرعت في المرحلة المدنية، ولا شك أن ذلك هدم للإسلام وتغيير لأحكامه، فليحذر المسلم من هذا.
وفي قول السائل –وفقه الله– كيف يمكن أن يربي الواحد منا نفسه على العبادات؟ فأختصر الكلام حول هذه القضية فأقول إن للمسلم أعداء يمنعونه من الطاعات، وهم:
أولاً: نفسه التي بين جنبيه، قال تعالى: "إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ" [يوسف:53] .(4/408)
والسلاح في دفع هذا العدو، هو: جهاده وكبح جماحه، قال الله تعالى: "وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى" [النازعات:40-41] .
وقال الله تعالى: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" [العنكبوت:69] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله". رواه أحمد (22840) ، وغيره.
ثانياً: الجهل، وأخطره الجهل بالله تعالى، وعظيم رحمته، وشدة عذابه ونقمته، والجهل بحقيقة الدنيا، وأنها دار زيف وزوال، والآخرة وأنها دار نعيم مقيم، أو عذاب أليم، والسلاح الذي يدفع به هذا العدو، هو: العلم.
ثالثاً: الشيطان، قال الله تعالى: "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ" [فاطر:6] .
والسلاح الذي يدفع به هذا العدو، هو: الذكر، والاعتصام بحبل الله تعالى، والاستعاذة به من كيد الشيطان، وقد بين الله لنا ضعف كيد الشيطان، فقال الله تعالى: "إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً" [النساء:76] .
رابعاً: الدنيا، وعلاجها: الزهد فيها، والإقبال على الآخرة.
خامساً: رفقة السوء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل". رواه أحمد (7685) وأبو داود (4833) وغيرهما.
وأختم فأقول –رعاك الله– ملاك الأمر؛ في مجاهدة النفس على طاعة الله، وتذكر دائماً وأبداً ما أعده الله لأوليائه المؤمنين في دار كرامته، كذلك تذكر ما أعده الله للعصاة في دار الهوان والخزي والندامة –وقانا الله عذاب جهنم-.
ولا بدّ للسالك في هذا الدين أن يتحلى بالجدية في التمسك بهذا الدين، قال تعالى: "يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً" [مريم:12] .(4/409)
وقال تعالى: "وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ" [الأعراف:145] .
روى مسلم (145) عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا فطوبى للغرباء".
وهذه بشارة من النبي صلى الله عليه وسلم للغرباء في وقت الغربة، فإنهم يشبهون في تمسكهم بالإسلام السابقين من الصحابة، الذين ثبتوا على الدين في غربته الأولى.
ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصفات هؤلاء الغرباء فقال: "بدأ الإسلام غريبًا، ثم يعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء". قيل: يا رسول الله! ومن الغرباء؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس". رواه أحمد (6094) وصححه الألباني.
نسأل الله أن يجعلنا هداةً متقين، صالحين مصلحين. والله أعلم.(4/410)
عبارة: أنا مؤمن إن شاء الله!
المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 06/03/1427هـ
السؤال
هل يجوز قول: أنا مؤمن إن شاء الله؟ وهل هذا التعليق بالمشيئة جائز؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه المسألة متفرعة عن القول بزيادة الإيمان ونقصانه، ومذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
أما مسألة الاستثناء في الإيمان، وهي أن يقول الشخص: (أنا مؤمن إن شاء الله) ، فالناس في حكم المسألة على ثلاثة أقوال:
منهم من يوجب هذا الاستثناء.
ومنهم من يمنع الاستثناء ويحرمه.
ومنهم من يجيزه باعتبار ويمنعه باعتبار، وهذا أصح الأقوال.
أما من أوجبوا الاستثناء فيحتجون بأن الإيمان هو ما مات الإنسان عليه، والإنسان لا يدري بالخاتمة فوجب عليه أن يستثني.
ويحتجون أيضاً بأن الإيمان المطلق يتضمن فعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه، فقول الإنسان: (أنا مؤمن) فيه تزكية لنفسه بأنه مؤمن كامل الإيمان، ولا ينبغي أن يزكي الإنسان نفسه.
ويحتجون أيضاً بأنه يجوز الاستثناء فيما لا شك فيه، كقوله تعالى: "لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ" [الفتح:27] ، وقوله صلى الله عليه وسلم لأهل المقابر: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون". صحيح مسلم (249) .
وأما من يحرمه فهم الذين لا يرون زيادة الإيمان ولا نقصانه ويرونه شيئاً واحداً.
فيقول: أنا أعلم أني مؤمن كما أعلم أني حي متكلم، فمن استثنى في إيمانه فهو شاك، وسُمّي الذين يستثنون في إيمانهم شُكَّاك.
والمذهب الصحيح من يجوز الاستثناء باعتبار ويمنعه باعتبار؛ فهو أسعد الدليل.
فإن أراد المستثني الشك في أصل الإيمان فهذا لا يجوز ويحرم استثناؤه.(4/411)
ومن أراد أنه مؤمن بمعنى كامل الإيمان، كالذين وصفهم الله تعالى بقوله: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ" [الأنفال:2-4] .
فالاستثناء حينئذ واجب، ولذلك من استثنى تعليقاً للأمر بمشيئة الله لا شكًّا فهذا جائز.
ويجوز إذا كان الاستثناء من باب التحقيق لا التعليق، كما في قوله تعالى: "لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ" [الفتح:27] .
وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون". والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.(4/412)
هل في البيتين محذور؟!
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 15/05/1427هـ
السؤال
هل هذا القول صحيح؟ وهل فيه محاذير عقدية؟ مع العلم أن هذين البيتين من متن زيد بن رسلان.
فاقطع يقيناً بالفؤاد واجزم*** بحدث العالم بعد العدم
أحدثه لا لاحتياجه الإله *** ولو أراد تركه لما ابتداه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا ألاحظ في هذين البيتين محذوراً، ومضمونهما أن هذا العالم حادث ليس بقديم، وهذا حق خلافاً للفلاسفة، القائلين بقدم العالم، وقد أخبر سبحانه وتعالى عن خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كتب الله مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة" أخرجه مسلم (2653) ، وعند الترمذي (2156) ، بلفظ: "قدر الله ... ".
فيجب الإيمان بأن هذا العالم مخلوق بعد عدم، والله تعالى خالقه بقدرته ومشيئته، وما خلقه عبثًا؛ قال تعالى: "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" [الدخان: 38-39] .
وقول الناظم: "أحدثه لا لاحتياجه الإله". معناه أن الله ما أحدث هذا العالم لحاجة به إليه، وهذا حق؛ لأنه تعالى هو الغني عن كل ما سواه، كما قال تعالى في شأن الجن والإنس: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" [الذريات:56-58] .
ومصلحة العبادة راجعة إلى العابدين من الجن والإنس، وهو تعالى لا تنفعه طاعة المطيعين، ولا تضره معصية العاصين.(4/413)
وقوله: "ولو أراد تركه لما ابتداه". معناه أن الله لو شاء ألا يخلق هذا العالم لما خلقه، ولكن حكمته اقتضت خلق هذا الوجود، وهو الحكيم العليم الفعال لما يريد. والله أعلم.(4/414)
اعتقاد بعض الصوفية بحياة الرسول!
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 24/04/1427هـ
السؤال
هل الرسول -صلى الله علية وسلم- حي يرزق يقوم واقفا، ويصلي الصلوات الخمس كل يوم، كما يدعي الصوفية! أرجو الإجابة لأن الخلاف طال لعدم وجود الجواب الشافي؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالرسول صلى الله عليه وسلم مات حقيقة، ودفن في مكان موته، ولا شك في ذلك، وأدلة ذلك من الحس، والمشاهدة، والعقل، والنص عديدة، منها: أن الصحابة صلوا عليه، ودفنوه، وشاهدوا ذلك عيانا، ولم يقل أحد منهم أنه في قبره يقوم يصلي ويحضر ويمد يده ويكلم الناس، وفي القرآن العظيم قوله تعالى: "إنك ميت وإنهم ميتون" [الزمر:30] . وقوله سبحانه: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم" [آل عمران:114] . وهي الآية التي استشهد بها الصديق رضي الله عنه أمام الصحابة، فسكت عمر الذي كان يظن وفاة الرسول مجرد غشية أصابته، قال: فما إن سمعت الآية من أبي بكر حتى سُقِطَ في يدي وعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات. صحيح البخاري (3670) .(4/415)
أما أقوال الصوفية في هذا الباب، وفي جملة من القضايا المتعلقة بالقبور فهي أقوال منافية للحق والصواب، والعقل والنقل، ومدعاة لسخرية الأمم بنا وسبب في ضعف الإيمان؛ ذلك أنهم يستخدمون هذه الطرائق لتعليق الناس بالقبور وأصحابها، بدلا من تعليقهم بالله تعالى، وقد يأتون على أقوالهم هذه ببعض النصوص المجملة، مثل النصوص الدالة على حياة خاصة لأهل البرزخ، ونصوص كونه عليه السلام يرد السلام على من سلم عليه من قريب أو بعيد، ويخلطون في هذه المسألة بين قانون الغيب، وقانون الشهادة ويجعلونهما سواء، وهذا خطأ كبير، وفساد في التصور، يصلون من خلال مسالكه إلى دعاء النبي والولي، والطواف بالقبور، والسجود لها، والاستغاثة بالمقبورين، والتوسل الشركي بهم، مما هو مخالف لعقائد الإيمان المحكمة، وقواعد الملة الثابتة.
وخلاصة القول أن وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من الأمور الثابتة بالنص والعقل والحس والإجماع، وهو عليه الصلاة والسلام لا يملك لنفسه، ولا لغيره ضرا ولا نفعا، كما قال الله تعالى: "قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون" [الأعراف:188] . وفي سورة الجن: "قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا" [الجن:21] .
هذا هو الدين المحكم القويم، والصراط المستقيم، الذي سار عليه الصحابة، والتابعون، وأتباعهم إلى يومنا هذا، نسأل الله لجميع المسلمين سلامة التوحيد، وصحة الاعتقاد.(4/416)
أصول الفقه(4/417)
هل ما تأنف منه النفس حرام؟
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/الأحكام التكليفية
التاريخ 5/7/1422
السؤال
أعلم أن هناك أفعالاً تأنف منها النفس، ويرفضها الذوق، وتأباها التقاليد. فهل يكون هذا مسوغاً لتحريمه؟ المثال التطبيقي لذلك في هذا السؤال: ماحكم الأكل أو الشرب في الحمام أثناء قضاء الحاجة؟
الجواب
اعلمْ وفقك الله لطاعته أن دائرة المباح الواسعة لايخرج منها شيء إلا بدليل واضح يرفع حكم البراءة الأصلية، وليس الذوق والمزاج النفسي مما تثبت به أحكام شرعية يترتب عليها الحرمة والتأثيم، قال العلامة الشوكاني في (السيل الجرار 68/1) تعليقاً على قول صاحب كتاب (الأزهار) بكراهة النظر إلى الأذى الخارج أثناء قضاء الحاجة والبصق قال -رحمه الله-:" وأما كراهة نظر الأذى وبصقه فهذا من أعجب ما يسمعه السامع من تساهل أهل الفروع في إثبات الأحكام الشرعية فيما لادليل عليه، فإن كان سبب ذكر ذلك هنا لكون النفس تستكرهه وتنفر عنه فليس موضوع الكتاب المكروهات النفسية، بل المكروهات الشرعية، ومثل ذلك الحكم بكراهة الأكل والشرب " إ. هـ
وأنت عليم أن مسألة الذوق تختلف من زمان إلى زمان، ومن بلد إلى بلد، بل ومن شخص إلى شخص؛ فهي وصف غير منضبط. والله أعلم.(4/418)
العبادات.. وظني الثبوت
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/الأحكام التكليفية
التاريخ 20/3/1424هـ
السؤال
سؤالي هو أننا تعبدنا بغلبة الظن (ظني الثبوت) ، والله تبارك وتعالى يقول:"وإن الظن لا يغني من الحق شيئا"، كيف التوفيق بينهما؟
وجزاكم الله كل الخير.
الجواب
ورد في القرآن الكريم عدد من الآيات التي تحذر من الظن وتنهى عن اتباعه، ومن ذلك قوله -تعالى-: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم" [الحجرات: 12] وقوله: "وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً " [النجم: 28] .
كما ورد في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- عددٌ من الأحاديث التي تدل على نفس ما
دل عليه الكتاب، ومن ذلك: ما ثبت في الصحيحين البخاري (5144) ، ومسلم (1413) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ". والمقصود بالظن المنهي عنه في هذه النصوص: الظن المذموم الذي لا أساس له من الصحة، ولا مستند له إلا التوهمات والخيالات التي لا تستند إلى شيءٍ من العلم والمعرفة، ويؤيد هذا الأمر الرجوع إلى أسباب نزول تلك الآيات الناهية عن اتباع الظن، وكذلك معرفة أسباب ورود الأحاديث التي تحذر من الظن واتباعه، أما الظن الذي يعمل به العلماء، ويذكرون أننا متعبدون باتباعه فهو الظن الغالب المستند إلى ما يقويه ويقدمه على غيره، وليس مجرد الظن، ويوضح هذا الأمر أن الظن قسمان، ذكرهما القرطبي في كتابه (الجامع لأحكام القرآن) عند تفسيره لقوله -تعالى-:"يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم" [الحجرات: 12] حيث قال: "للظن حالتان: حالة تعرف وتَقوَى بوجه من وجوه الدلالة فيجوز الحكم بها، وأكثر أحكام الشريعة مبنية على غلبة الظن؛ كالقياس وخبر الواحد وغير ذلك من قيم المتلفات وأروش الجنايات، والحالة الثانية: أن يقع في النفس شيءٌ من غير دلالة فلا يكون ذلك أولى من ضده، فهذا هو الشك، ولا يجوز الحكم به، وهو المنهي عن اتباعه " ا. هـ (16/217) ومن خلال ما سبق يتبين أن الظن منه ما هو مقبول ومنه ما هو مردود، فإن كان ظناً غالباً عليه دلالة تقويه وتعضده فهو المحمود، وهو الذي تُعبدنا بالعمل به، وإن كان ظناً مجرداً ليس له ما يسنده فهو الظن المذموم الذي نهينا عن اتباعه، وقد بين العلماء أن العمل بالظن الغالب من رحمة الله بعباده؛ لأن العلم القطعي في كل الأحكام من الأمور المتعذرة، فلو طُلب منا العلم القطعي في كل الأمور لأصابنا من الحرج والمشقة والضيق ما لا يخفى على أحد، ولتعطلت كثير من الوقائع عن الأحكام؛ لتعذر العلم القطعي فيها، وهذا لا تقره الشريعة، التي جاءت بياناً شافياً لكل ما يحتاج إليه الناس، ومما يدل على أن الظن الغالب بمنزلة العلم أن الله -سبحانه وتعالى- أطلق لفظ العلم وأراد به الظن الغالب، ومن ذلك قوله -تعالى-: "فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار" [الممتحنة: 10] أي: إذا غلب على ظنكم أنهن مؤمنات؛ لأن الإيمان الحقيقي لا يعلمه إلا الله. والله أعلم، -وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه-.(4/419)
التذرع بالخلافات الفقهية
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/الأحكام التكليفية
التاريخ 6/8/1423هـ
السؤال
لدينا شخص كلما نصحناه في عمل معين، كتخفيف اللحية أو إطالة الثوب أو استماع الأغاني أو غيرها، قال المسألة خلافية، فكيف الرد عليه؟ وبما تنصحونه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فأنصحكم أنتم أولاً بالصبر في دعوته، وعدم اليأس من استجابته، والدعاء له بالهداية وقبول الحق؛ وذلك أن الذين لا يريدون الحق يتمسكون بالرخص، ويميلون إلى الترخص دائماً، وإلى الأقوال المخالفة للحق.
وثانياً: يذكر بالنصوص الصريحة الواضحة في هذه المسائل ويبين له أن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو المتبع والملزم للجميع، وليس قول فلان أو علان، ولا يحق لأحد كائناً من كان أن يعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ويطلب منه - أيضاً -الدليل إذا قال في المسألة قولاً مخالفاً، فيقال له ما دليلك على هذا؟
والخلاصة أن هوى النفس يعمي ويصم، وأن عليكم أن تذكروه دائماً وتخوفوه بالله جل وعلا، وتبينوا له خطر المعصية، وتنصحونه بأن يتقي الله، ويأخذ بالحق، ويجاهد نفسه على قبوله والعمل به، حتى يكون من المتقين. والله أعلم.(4/420)
المقصود باقتضاء النهي للتحريم
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/الأحكام التكليفية
التاريخ 13/5/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ.. أود أن أطرح عليكم هذا السؤال ونرجو منكم المساعدة، وهو: ما المقصود بالنهي يقتضي التحريم ما لم تصرفه قرينة؟ وشكراً.
الجواب
قول العلماء: النهي يقتضي التحريم ما لم تصرفه قرينة، قاعدة مهمة من قواعد أصول الفقه، وهي معتبرة عند جمهور أهل العلم. قال ابن النجار الفتوحي في الكوكب المنير (3/83) (فإن تجردت صيغة النهي عن القرائن فهي للتحريم عند الأئمة الأربعة وغيرهم) . والمقصود بهذه القاعدة أن النصوص الشرعية من القرآن الكريم أو السنة النبوية إذا وردت فيها أدلة تنهى عن أي أمرٍ فإنه يحرم على الإنسان الإقدام عليه؛ لأن النهي يقتضي التحريم، والمحرّم لا يجوز للإنسان الإقدام عليه. هذا هو الحكم العام، وذلك عند تجرد النهي عن القرائن التي قد تصرفه من التحريم إلى غيره. ومن الأمثلة التي ورد فيها النهي وكان مقتضياً للتحريم - لعدم وجود قرائن تصرفه عن التحريم - قوله تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم" [النساء: 29] ، وقوله: "لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" [النساء: 29] ، وقوله: "ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاَ" [الحجرات: 12] ، وقوله عليه -الصلاة والسلام-: "لا تأكلوا بالشمال" رواه مسلم (2019) من حديث جابر -رضي الله عنه- وقوله: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة " متفق عليه عند البخاري (5633) ومسلم (2067) من حديث حذيفة -رضي الله عنه-متفق عليه، وغير ذلك من النصوص التي ورد النهي فيها وكان مقتضياً للتحريم؛ لعدم وجود ما يصرفه عن التحريم. ومن الأمثلة التي لم يقتضِ النهي فيها التحريم - لوجود قرائن تصرفه عنه -قوله- صلى الله عليه وسلم-: "لا يشربن أحدٌ منكم قائماً " رواه مسلم (2026) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال أهل العلم: إن النهي في هذا الحديث محمول على الكراهة، فيكره للإنسان أن يشرب قائماً، وقالوا: إن الذي صرف التحريم هنا إلى الكراهة ما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال:"سقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من زمزم فشرب وهو قائم" متفق عليه عند البخاري (1637) ومسلم (2027) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- بهذا يتبين أن نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الشرب قائماً محمولٌ على الكراهة، وفعله دالٌ على جواز الشرب قائماً. ومما ينبغي التنبيه عليه أن النهي وإن كان يقتضي التحريم عند عدم القرينة، والكراهة عند وجودها، إلا أنه قد يأتي وتُراد به معان أخرى غير التحريم والكراهة، ومن ذلك:
(1) الأدب في قوله تعالى:"ولا تنسوا الفضل بينكم" [البقرة: 237] .
(2) التحقير لشأن المنهي عنه، ومن ذلك قوله تعالى: "لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به" [الحجر: 88] .
(3) الدعاء ومنه قوله تعالى:" لا تؤاخذنا إن نسينا " [البقرة: 286] وقوله:" ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا" [البقرة: 286] .
(4) اليأس ومن ذلك قوله تعالى: "لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم" [التوبة: 66] .
(5) بيان العاقبة ومنه قوله تعالى:"ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون"
[إبراهيم: 42] .
ونحو ذلك. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/421)
من هو المكلف شرعاً؟
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/الأحكام التكليفية
التاريخ 12/04/1425هـ
السؤال
من هو المكلف؟ وهل صحيح أن نقول إن المكلف هو كل من يميز بين الحق والباطل؟ أو الحرام من الحلال؟ والله من وراء القصد.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد تحدث العلماء عن التكليف وما يتعلق به في كتب أصول الفقه، في مباحث الحكم الشرعي، حيث قسم العلماء الحكم الشرعي إلى قسمين: تكليفي، ووضعي، والذي يهمنا من هذين القسمين هو الحكم التكليفي، ومن جملة المسائل التي تناولها العلماء في الحكم التكليفي: مسألة من المكلف؟ ومتى يكون الإنسان مكلفاً؟ وما هي الشروط اللازم توفرها في الإنسان ليكون مكلفاً؟ ونحو ذلك، مما يقدم تصوراً واضحاً لحقيقة الشخص المكلف، والذي يتلخص من كلامهم أن المكلف: البالغ العاقل المختار الذي يفهم الخطاب ولذلك فقد ذكر العلماء الشروط التي إذا توفرت في الإنسان أصبح مكلفاً، وإذا فقدت كلها أو بعضها لم يثبت التكليف، وفيما يأتي أذكر هذه الشروط مع توضيح بسيط لكل شرط:
الشرط الأول: أن يكون بالغاً، والبلوغ هو: انتهاء حد الصغر، ويتحقق البلوغ بإحدى الأمارات التالية: بالنسبة للذكور:
(1) بلوغ خمس عشرة سنة.
(2) الاحتلام وهو: إنزال المني دفقاً بلذة.
(3) إنبات شعر خشن في القبل.
أما بالنسبة للإناث: فإن بلوغهن يتحقق بأحد الأمور الثلاث السابقة، وبأمرين آخرين وهما: الحيض والحمل، ولأجل هذا الشرط فإن الصبي غير مكلف، لفقده شرط البلوغ، ولضعفه عن احتمال الأوامر والنواهي قال الرسول - صلى الله عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة: ... وعن الصبي حتى يكبر" وفي رواية: "حتى يحتلم" وفي رواية: "حتى يبلغ"، رواه أحمد (24172) ، وأبو داود (4398) والنسائي (3432) من حديث عائشة - رضي الله عنها - ورواه الترمذي (1423) وابن ماجة (2042) من حديث علي - رضي الله عنه -، وقال السيوطي: حديث صحيح.
الشرط الثاني: أن يكون عاقلاً والعقل هو: آلة التمييز والإدراك، وهو الذي ميّز الله به بين الإنسان والحيوان، وهو الذي يميز الإنسان به بين النافع والضار، ويقول العلماء العقل مناط التكليف، ولذلك فإن فاقد العقل كالمجنون والمعتوه، ونحوهما غير مكلفين، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتقدم: "وعن المجنون حتى يعقل".
الشرط الثالث: أن يكون فاهماً للخطاب والفهم هو مقدرة الذهن على تصور ومعرفة ما يطلب منه فعلاً أو تركاً، لأن المطلوب من المكلف بأحكام الشرع، إما الإقدام على الفعل أو الإحجام عنه، وإذا كان الإنسان لم يتصور، ولم يعرف ما طلب منه فكيف يمتثل ما أمر به، ولذلك فإن الغافل والساهي والنائم ليسوا بمكلفين؛ لأنهم لا يفهمون ما يخاطبون به، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتقدم: "وعن النائم حتى يستيقظ".
والخلاصة: أن الشخص المكلف هو الشخص الذي وصل إلى الحد الذي ينتقل فيه عن مرحلة الصبا والطفولة، وتوفر فيه العقل الذي يميز بين النافع والضار، والحق والباطل، وكان مقتدراً على إدراك وتصور ما يطلب منه، ومما ينبغي أن أشير إليه أن هناك مسائل كثيرة متعلقة بهذه الشروط وقع فيها خلاف بين أهل العلم، كمسألة تكليف الصبي المميز، وتكليف المكره، والسكران، والمخطئ، والمغمى عليه ... إلخ، والكلام عن هذه المسائل مسطور في كتب أهل العلم، فمن أراده فعليه بكتب أصول الفقه، فقد أشبعت هذه المسائل وما يتعلق بها، بالبحث والدارسة.
والله الموفق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(4/422)
الفرق بين المطلق والعام
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/الأحكام التكليفية
التاريخ 14/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد بحثاً وافياً للتفريق بين المطلق والعام مدعماً بالأمثلة. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
العام والمطلق مصطلحان من المصطلحات الأصولية، وقد تكلم عنهما الأصوليون في مباحث دلالات الألفاظ، حيث يخصصون لكل مصطلح منهما مبحثاً خاصاً، ويتناولون فيه هذا المصطلح من جميع الجوانب التي يحتاج إليها، ومع ذلك فإن هذين المصطلحين بينهما قدر من التشابه، مما يجعل أحدهما قد يلتبس بالآخر في نظر بعض الناس، ولأجل ذلك فإني سأعرف هذين المصطلحين قبل أن أتكلم عن الفرق بينهما، فأقول: عرف الأصوليون العام بتعريفات كثيرة، ومن أجودها أنه: اللفظ الدال على جميع أجزاء ماهية مدلوله. مثل: قوله تعالى:"إن الإنسان لفي خسر" [العصر: 2] فالإنسان لفظ عام دال على جميع ما يصدق عليه أنه إنسان، فكل إنسان في خسر إلا من آمن وعمل صالحاً، وقوله تعالى:"كل نفس ذائقة الموت" [الأنبياء: 35] فيعم كل نفس، ولذلك فإنه لا توجد نفس لا تذوق الموت، ونحو ذلك، أما المطلق فقد عرفه الأصوليون بتعريفات كثيرة، ومن أجودها أنه: اللفظ الدال على الماهية المجردة عن وصف زائد، مثل قوله تعالى:"فتحرير رقبة" [النساء: 92] ، فالرقبة هنا مطلقة من حيث الإسلام والكفر، والطول والقصر، والسواد والبياض، والذكر والأنثى، وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الترمذي (1101) ، وأبو داود (2085) ، وابن ماجة (1881) وغيرهم:"لا نكاح إلا بولي" فالولي في هذا الحديث مطلق من حيث إنه لم يشترط فيه أي شرط، ونحو ذلك.
أما الفرق بين هذين المصطلحين: فقد جرت عادة العلماء حينما يتعرضون لبيان الفرق بين المصطلحات أنهم يفرقون بينهما من جهتين: الأولى: من حيث حقيقة كل منهما. والثانية: من حيث الأحكام المتعلقة بكل منهما. وعلى هذا نسير في بيان الفرق بين هذين المصطلحين.
أولاً: من حيث الحقيقة، فالعام: اللفظ الدال على جميع أجزاء ماهية مدلوله. والمطلق: اللفظ الدال على الماهية المجردة عن وصف زائد، وقد سبق ضرب الأمثلة على هذين التعريفين. أما الفرق بينهما من حيث الحكم فالمطلق إذا ورد في التركيب لا يلزم منه أن يتناول جميع الأفراد التي تصلح للدخول تحته، بل يكفي للخروج من العهدة أقل ما يطلق عليه الاسم، فمثلاً قوله تعالى:"فتحرير رقبة" [النساء: 92] لا يلزم المكلف تحرير كل الرقاب -ولو كان من قبيل العام للزمه تحرير كل الرقاب-، وإنما يكفيه للخروج من العهدة تحرير رقبة واحدة، أما العام فإنه يتناول جميع الأفراد الصالحة للدخول تحته، ولا يخرج المكلف من العهدة إلا بفعل الجميع، فمثلاً قوله تعالى:"فسجد الملائكة كلهم أجمعون" [الحجر: 30] دلت هذه الآية على العموم فكل الملائكة يدخلون في هذا العموم، ولم يخرج أحد منهم، ولو كان من قبيل المطلق لكفى واحد للخروج من العهدة.
وهذا الفرق يذكره بعض العلماء بعبارة أخرى، كما نقله الأنصاري في تهذيب الفروق المطبوع مع الفروق للقرافي (1/172) حيث يقول:" وعين ما فرّق به الأصوليون بين العام والمطلق: أن عموم العام شمولي؛ لأنه يشمل جميع الأفراد الداخلة تحته بخلاف عموم المطلق نحو رجل وأسد فإنه بدلي، لأنه لا يشمل جميع الأفراد الداخلة تحته وإنما يكفي واحد منها، فليس ما صدق المطلق والعام واحداً، بل ما صدق المطلق ألفاظ عمومها بدلي، وما صدق العام ألفاظ عمومها شمولي.
ومن أراد الاستزادة من كلام أهل العلم في هذه المسألة فعليه بالكتب التالية:
(1) شرح مختصر الروضة للطوفي (2/448) .
(2) كشف الأسرار للبخاري (2/24-25) .
(3) شرح الكوكب المنير لابن النجار (3/101) .
(4) الفروق للقرافي (1/95-96) .
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/423)
الجلوس بين الظل والشمس
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/الأحكام التكليفية
التاريخ 28/2/1424هـ
السؤال
هل نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- (أن يجلس أحدنا بين (الظل والشمس؟) وما درجة الكراهة؟ هل هي تحريمية، أم ماذا؟
الجواب
أولاً: فيما يتعلق بتخريج الحديث: هذا الحديث رواه أحمد (24/147) (15421) من حديث رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- وله شاهد عند أحمد
(14/531) (8976) وأبي داود (4821) - وفيه انقطاع - من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بلفظ "إذا كان أحدكم في الشمس، فقلص عنه الظل وصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم" وشاهد من حديث بريدة -رضي الله عنه- عند ابن ماجة (3722) ، وفيه ضعف يسير.
والحديث صححه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه- كما في مسائل المروزي عنهما
(223) ، وقال: المنذري عن حديث الرجل عند الإمام أحمد: إسناده جيد في الترغيب والترهيب.
ثانياً: وهل النهي للتحريم أم للكراهية؟ الظاهر أنه للتحريم لثلاثة أمور:
الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- نسب هذا المجلس للشيطان، وقد قال ربنا تبارك وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر ... ِ" [النور: من الآية21] .
الثاني: أن هذا يضر بالجسم، خصوصاً إذا اعتاده، قال ابن القيم - رحمه الله- في
"زاد المعاد" (4/242) والنوم في الشمس يثير الداء الدفين، ونوم الإنسان بعضه في الشمس وبعضه في الظل رديء". وقال المناوي - رحمه الله- في "فيض القدير"
(6/351) : (لأن الإنسان إذا قصد ذلك المقعد فسد مزاجه؛ لاختلاف حال البدن من المؤثرين المتضادين) .
الثالث: أنه مناف للعدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، فإما أن يكون جميع البدن في الشمس أو في الظل، وهذا من كمال هذه الشريعة، حيث راعت هذه الأمور الدقيقة، والله أعلم.(4/424)
التفريق بين مسائل العقيدة والفقه
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/الأحكام التكليفية
التاريخ 19/07/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
شيوخنا وأساتذتنا الأفاضل: -حفظهم الله ونفعنا بعلمهم-.
هل هناك قاعدة أصولية أو شرعية نحكم من خلالها على مسألة شرعية بأنها عقدية أو فقهية؟ وإن كان هناك قاعدة فهل علماء أهل السنة متفقون جميعهم عليها؟
أسأل هذا السؤال لأن الصوفية يدعون أن قضية التوسل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبالصالحين هي قضية فقهية وليست من باب العقيدة. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإني لا أذكر أن العلماء وضعوا قاعدة فقهية أو أصولية تفرق بين مسائل العقيدة وبين مسائل الفقه، ولكن الذي يظهر من كلام أهل العلم وصنيعهم في مؤلفاتهم: أن المسائل العقدية هي المسائل التي تتعلق بأركان الإيمان: كالمسائل المتعلقة بالإيمان بالله، وأسمائه، وصفاته، وما يجب أن يصرف إليه وحده دون سواه، والمسائل المتعلقة بالإيمان باليوم الآخر، والملائكة، والكتب المنزلة من عند الله، والرسل والأنبياء، والقدر، وما إلى هذه المسائل مما هو مدون في كتب العقيدة.
أما المسائل الفقهية فهي المسائل المتعلقة بأفعال العباد، من صلاة، وصيام، وحج، وزكاة، وجهاد، ونكاح، ونحو ذلك مما هو مبحوث عند الفقهاء في كتبهم، وبهذا يتبين أن مسألة التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم- أو بغيره من الصالحين من مسائل العقيدة؛ لتعلق مسألة التوسل - عموماً - بالإيمان بالله وأسمائه وصفاته، ولذلك فإن الأصل في التوسل أن يكون بالله، أو باسم من أسمائه، أو بصفة من صفاته.
ومما يدل على أن مسألة التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم- أو بغيره من الصالحين من مسائل العقيدة، أن العلماء يتكلمون عن التوسل وأحكامه في مؤلفاتهم في العقيدة، حيث يخصونه بباب يبحثون فيه أحكامه وما يجوز منه، وما لا يجوز، وما إلى ذلك، ولا تجد للتوسل ذكراً في كتب الفقه، ولو كان من مسائل الفقه لتعرض له الفقهاء بالبحث كما تعرضوا لغيره من موضوعات الفقه المتعددة، ولو فرضنا أن هذه المسألة من المسائل الفقهية، فإن ذلك لا يؤثر في حكمها؛ لأن الواجب على المسلم أن يكون متبعاً لأدلة الكتاب والسنة، ممتثلاً لأحكامهما واقفاً عند حدودهما، وقد دلّت الأدلة الشرعية على عدم جواز التوسل بذوات الأنبياء وغيرهم من الصالحين، ولذلك يجب على المسلم الالتزام بما دلت عليه تلك الأدلة، بغض النظر عن كون المسألة عقدية أو فقهية.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/425)
البلوغ والتكاليف الشرعية
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/الأحكام التكليفية
التاريخ 30/1/1425هـ
السؤال
لا شك أن من المقرر شرعًا وعقلاً أنه لا تكليف إلا بعد البلوغ، ومن ميز من الغلمان فإنه يحط عنه التكليف تخفيفًا، كما قرر ذلك أهل الأصول، إلا أنه أشكلت علي قصة حصلت في عهد الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في قصة الغلام اليهودي الذي يحتضر، وعنده النبي-صلى الله عليه وسلم- فدعاه إلى الإسلام فنظر الغلام إلى وجه أبيه، فقال أبوه أطع أبا القاسم فاستجاب فأسلم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه بي من النار".
ووجه الإشكال - مشايخنا الكرام: كيف يكون هذا الغلام قد أنقذه الله بنبيه من النار مع أنه غلام، والتكليف عنه مرفوع؟ والله يحفظكم ويرعاكم.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فمن المقرر عند أهل الأصول أن البلوغ شرط من شروط التكليف، والبلوغ هو: انتهاء حد الصغر، ويتحقق البلوغ بإحدى علامات ثلاث عند الذكور، وهي: بلوغ خمس عشرة سنة، أو الاحتلام، أو إنبات شعر خشن في القبل. أما بالنسبة للإناث، فإن بلوغهن يتحقق بأحد الأمور الثلاثة السابقة، وبأمرين آخرين، وهما: الحيض، والحمل. ولأجل هذا الشرط فإن الصبي غير مكلف؛ لفقده شرط البلوغ، ولضعفه عن احتمال الأوامر والنواهي، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة: …وعن الصبي "حتى يكبر" وفي رواية "حتى يحتلم"، وفي رواية "حتى يبلغ" رواه أحمد (943) وأبو داود (4402) والترمذي (1423) من حديث علي - رضي الله عنه -، وقال السيوطي: حديث صحيح. والأحاديث الصحيحة توافق هذا الأمر ولا تخالفه، ومن ذلك حديث اليهودي - محل السؤال والاستشكال - ونصه كما رواه البخاري (1356) وغيره عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فمرض، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: "أسلم" فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم- فأسلم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه من النار".
فهذا الحديث لا يدل على أن غير البالغ مكلف بالأحكام الشرعية حتى يكون هذا الحديث مشكلاً، ويحكم بتعارضه مع حديث رفع القلم المذكور قريباً، وعلى فرض أن هذا الحديث مشكل؛ فإن العلماء قد تكلموا عنه وبينوا المخرج من هذا الإشكال، ومن ذلك:
(1) أن الصبي إذا كان يعقل ويفهم فهماً مستقيماً فإنه يكون مكلفاً، قال ابن حجر وفي قوله "أنقذه من النار" دلالة على أنه صح إسلامه، وعلى أن الصبي إذا عقل الكفر ومات عليه أنه يعذب (فتح الباري 3/284) . وهذا التوجيه موافق لمن قال: إن الصبي المميز يكون مكلفاً ولو لم يبلغ؛ لأنه يفهم الخطاب ويرد الجواب، وهذا القول هو أحد الأقوال في مسألة تكليف الصبي المميز، وهي من المسائل الخلافية المشهورة في الأصول.
(2) أن أولاد المشركين يتبعون آباءهم في الآخرة فيكونون من أهل النار، وبناءً على هذا القول فإن هذا الغلام لو لم يسلم لكان من أهل النار، لا لأنه مكلف؛ بل لأنه يهودي تبعاً لأبيه اليهودي، ومن مات وهو يهودي بعد بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو من أهل النار، ومسألة مصير أولاد المشركين من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم على أقوال عديدة ذكرها ابن حجر في فتح الباري (3/314-316) .
(3) أن الغلام المذكور في الحديث قد بلغ فيكون مكلفاً؛ لأنه ليس في الحديث ما يدل على عدم بلوغه، قال شيخنا عبد العزيز بن باز تعقيباً على ما ذهب إليه ابن حجر في توجيه حديث الغلام المذكور قريباً ما نصه: في هذه الفائدة نظر؛ لأنه ليس في الحديث المذكور دلالة صريحة على أن الغلام المذكور لم يبلغ، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "رفع القلم عن ثلاثة… وذكر منهم: الصغير حتى يبلغ" (سبق تخريجه) والله أعلم. وهذا التوجيه للحديث هو الأقرب لموافقته الأحاديث الصحيحة الصريحة الدالة على أن الصغير الذي لم يبلغ غير مكلف، وليس في حديث الغلام ما يخالف ذلك؛ لأن لفظ الغلام ليس محصوراً في الدلالة على الصغير الذي لم يبلغ، بل له معانٍ متعددة، ومنها: الخادم، فإن الغلام يطلق على الخادم، والغلام المذكور في الحديث كان يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في رواية البخاري المتقدمة، وكما في رواية أحمد (12381) لهذا الحديث، ومحل الشاهد منها قوله: "كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم-، يضع له وضوءه، ويناوله نعليه"، وبناءً على هذا يكون معنى الغلام في الحديث: الخادم وبهذا يزول الإشكال، والحمد لله رب العالمين.
والله الموفق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/426)
العبادات الواجبة والمسنونة
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/الأحكام التكليفية
التاريخ 5/11/1424هـ
السؤال
هنا في الغرب نرى البعض يمارسون أنواعاً من العبادات من صيام وصلاة وفقاً لما هو مذكور في الشرع، مثل صوم يوم عاشوراء، وهناك بعض الناس يمارسون أنواعاً من العبادات مشكوك في صحتها، نرجو التكرم بتوضيح جميع العبادات المسنونة من صيام أو صلاة بخلاف المفروضة علينا. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
أولاً: ننصح السائل بأن يقرأ في كتب العبادات وفي كتب الفقه وفي كتب الحديث؛ ففيها بيان أنواع العبادات كالمستحبات من صيام أو صلاة أو زكاة أو غيرها من سائر أنواع القربات، وأنصح السائل أن يقرأ كتاب بلوغ المرام وأحد شروحه، أو كتاباً في الفقه في أقسام العبادات ليتبين هذه الأمور، ولعلي أذكر شيئاً منها على سبيل الإجمال: فمن العبادات المستحبة -والتي ليست واجبة- صلاة الوتر وهو قيام الليل، فيصلي الإنسان ما شاء ما بين صلاة العشاء وصلاة الفجر ويختم ذلك بركعة، يصلي ركعتين ركعتين ويختم ذلك بركعة هذا يسمى صلاة الليل ويسمى الوتر إذا ختمها بركعة، أيضاً من الصلوات المستحبة الرواتب، وهي ركعتان قبل الفجر وأربع قبل الظهر وركعتان بعد الظهر وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء، ومن الصلوات المستحبة سنة الضحى، وأقلها ركعتان وأكثرها ثمان، وقيل: لا حد لأكثرها، ووقتها ما بعد ارتفاع الشمس مقدار مترين، أي: بعد طلوعها بحوالي ربع ساعة أو ثلث ساعة إلى ما قبل الزوال بحوالي عشر دقائق، كل هذا الوقت يصلح أن تصلى فيه سنة الضحى، وهناك نوافل مطلقة يؤديها الإنسان في أي وقت شاء إلا أوقات النهي، والأوقات التي ينهى فيها عن الصلاة هي الأوقات ما بعد صلاة الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس وارتفاعها بمقدار مترين، وما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، وحين يقوم قائم الظهيرة وهو وقت الزوال، فهذه الأوقات التي لا يصلى فيها، وهناك صلوات أخرى منها صلاة الاستسقاء وصلاة الكسوف والخسوف وصلاة الاستخارة إذا همّ إنسان بعمل فإنه يصلي ركعتين من غير الفريضة ثم بعدها يدعو بالدعاء الوارد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنه قوله:"اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر -ويسميه- شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني، واصرفني عنه، ثم اقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به".
فإن انشرحت نفسه إليه يعمل به، هذه هي جملة العبادات المستحبة، بالإضافة إلى ما يشرع في رمضان من صلاة التراويح وتعقد لها الجماعة بعد صلاة العشاء وهي ركعتان ركعتان، أما الصيام فإن الإنسان يشرع له صيام تسعة الأيام من ذي الحجة وأفضلها يوم عرفة، ويشرع للإنسان صيام يوم عاشوراء وهو العاشر من محرم مع يوم قبله أو يوم بعده، أو كليهما، ويشرع للإنسان صيام ثلاثة أيام من كل شهر في أي وقت شاء وأفضلهما أن تكون أيام الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، ويشرع للإنسان صيام يومي الاثنين والخميس، وأفضل الصيام هو صيام يوم وفطر يوم وهو صيام داود عليه السلام، وكذلك يشرع للإنسان صيام ستة أيام من شوال بعد إكمال الإنسان لرمضان، وإذا كان أفطر شيئاً منه يكون قد قضى ما أفطر من رمضان فيصوم ستة أيام من شوال هذه هي الأيام المستحب صيامها، ونسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.(4/427)
الحر والعبد أمام الأحكام الشرعية
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/الأحكام التكليفية
التاريخ 24/06/1425هـ
السؤال
لماذا فرَّق الإسلام بين الأحكام الفقهية المتعلِّقة بكل من الحر والعبد؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولاً: نفهم أن الأحكام الفقهية بين الحر والعبد كثير منها لم يفرق فيها الإسلام، وإنما فرق بعض الفقهاء - رحمهم الله-، فمثلاً: في باب العبادات الأصل تساوي الأرقاء والأحرار في العبادات البدنية المحضة، ولا يفرق بينهما إلا بدليل، وما يتعلق بالعبادات المالية يفرق بينهما؛ لأن الحر يملك، والرقيق لا يملك، فالرقيق إنما هو مال فلا تجب عليه الزكاة، ولا يجب عليه الحج ... إلى آخر، الأمور التي تتعلق بالمال، كما أن المعاملات الأصل فيها الصحة من الأحرار والأرقاء جميعاً؛ لأن الرقيق مكلف بالغ عاقل يصح تصرفه، لكن لا بد من إذن السيد لأن العبد لا يملك- كما تقدم- فلا فرق بينهم، وكذلك في الأنكحة فالأصل تساوي الأرقاء والأمراء فيما يتعلق بالنكاح والطلاق على الصحيح، وفي تعدد الزوجات وفي القسم، وفي الإيلاء والخلع والظهار ... إلخ، هذا هو الصواب أنه لا يفرق، فنقول: المتأمل في الأدلة الشرعية يجد التساوي إلا فيما يتعلق بالمال فقط؛ لأنه لا يملك كما تقدم، وأيضاً بالنسبة للحدود والقصاص فإذا قُتل الرقيق فإنه يقتل قاتله كما يقتل قاتل الحر، وإذا قُذف يجلد قاذفه، وإذا زنى فهو الذي ورد فيه أنه على النصف من الحر، وكما ذكر الأصل في ذلك التساوي، وهذا ما ذهب إليه ابن حزم - رحمه الله- كثيراً، ويؤيده ما في المغني، ثم هو اختيار بعض المالكية-رحمهم الله - كما في كتبهم. والله أعلم.(4/428)
التكاليف..والتخلف العقلي
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/الأحكام التكليفية
التاريخ 24/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم
ما هي التسهيلات والإعفاءات التي تمنح للمتخلف عقلياً في الإسلام؟ قرأت مقالاً أن من يفقد عقله في رمضان فليس عليه إعادة صوم الأيام التي أفطرها، وأريد أن أعرف باقي التساهلات والإعفاءات التي تمنح لي في هذه الحالة.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فكل الواجبات التعبدية لا يطالب بها من يفقد عقله، فالمتخلف عقلياً والمجنون لا يكلف في الإسلام بشيء من العبادات، وهذا التخفيف سببه عدم تمكنه من أداء العبادة؛ لأن معنى العبادة التوجه إلى الله والخضوع له، وهذا غير ممكن ممن فقد عقله، فلا تجب عليه الصلاة ولا الصيام، ولا الحج.
أما الواجبات المتعلِّقة بأمواله فإنها لا تسقط عنه، فلو كان له مال وهو فاقد لعقله فإنه يؤخذ منه الزكاة ونفقة أولاده، أو زوجته، إن كان له زوجة أو أولاد، وكذلك لو اعتدى على أحد أو أتلف شيئاً فإنه لا يعاقب، لكن يكلف بإصلاح ما أتلف، والتعويض من ماله. والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.(4/429)
الحد الشرعي والحكم القبلي
المجيب سلمان بن عبد الله المهيني
القاضي بوزارة العدل
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/الأحكام الوضعية
التاريخ 28/12/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
هل يجوز استبدال حد شرعي مثل القذف أو الزنا أو السرقة بحكم قبلي يرضى به الشخص المتضرر صاحب الحق؟ كذبح أربع ذبائح ودفع مبلغ من المال استرضاء للمتضرر بنية الإصلاح.
الجواب
الحمد لله وحده، أما بعد:
فإن الحدود الشرعية الواجبة حقاً لله جل وعلا كالزنا والسرقة لا يجوز إسقاطها بعوض من المال إذا ثبتت وقد حذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من التهاون بحدود الله وأخبر أن التهاون بشيء منها صفة من صفات الكفار، وأخبر أنه لو سرقت فاطمة ابنته لقطع يدها انظر: البخاري (2648) ومسلم (1688) ، وأما ما يفعله بعض الجهال من ذلك فينبغي نصحهم وتحذيرهم، وأما ما كان حقاً للآدميين كالقصاص قوداً فلا بأس بالتنازل عنه في مقابل عوض مالي ولو بأكثر من الدية، والله أعلم.(4/430)
معنى عدم قبول صلاة شارب الخمر
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/الأحكام الوضعية
التاريخ 13/7/1425هـ
السؤال
ما حكم شرب الخمر؟ وهل من شربها لا تقبل له صلاة أربعين يوماً؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فشرب الخمر كبيرة من كبائر الذنوب، وشارب الخمر ملعون على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ومن شربها لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما في الحديث الذي أخرجه أحمد (4898) والنسائي (5664) وغيرهما بسند حسن: "من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، فإن تاب تاب الله عليه.. الحديث".
وليس معنى عدم قبول صلاته أنها لا تنفعه إذا صلاها وهو لم يتب من شرب الخمر، وإنما "معناه: أنه لا يؤجر عليها إذا صلاها، وإن كانت صحيحة في نفسها، قال النووي: معناه: لا ثواب له فيها، وإن كانت مُجزئة في سقوط الفرض عنه" ا. هـ.
كما أن العقوبة بعدم قبولها منه أربعين ليلة مشروطة بألاّ يتوب أثناء الأربعين، فإن تاب أثناءها فإنه يرتفع عنه هذا الوعيد، وتقبل صلاته كما تقبل صلاة من لم يشرب الخمر، لأن التوبة تجب ما قبلها، وهو المظنون بالشارع الحكيم، فإنه ودود رحيم، يتشوف إلى توبة العباد، ويغريهم بها بمحو السيئات وتبديلها حسنات، ولا شك أن عدم قبول صلاة شارب الخمر أربعين ليلة حتى وإن تاب أثناء الأربعين مُبَطِّئ ومثبط له عن التوبة، وهذا مناف لمقصود الشرع، إذ ما فائدة التوبة إذا كانت صلاته لن تقبل منه أربعين ليلة سواء تاب أم لم يتب.
والمقصود أن وجوب الصلاة لا يسقط عن شارب الخمر، وإذا صلاها فصلاته صحيحة تجرئه في سقوط الفرض عنه، فلا يعاقب على تركها، لكنه لا يثاب عليها أربعين ليلة حتى يتوب من شرب الخمر، فإن تاب أثناء الأربعين رفعت عنه عقوبة حرمانه من ثواب الصلاة، وصار كمن لم يشربها وصلاته صحيحة ومثاب عليها.
والله أعلم، وصلى الله على بنينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(4/431)
المجاز في القرآن
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
القرآن الكريم وعلومه/مسائل متفرقة
التاريخ 24/7/1422
السؤال
ما حكم تأول المجاز عند تفسير القرآن فنقول مثلا عند تفسير قوله تعالى: ((إن الأبرار لفي نعيم)) إن استعمال النعيم في الآية مجاز؛ لأن النعيم لايحلَّ فيه الإنسان لأنه معنى من المعاني، وإنما أطلق فيه الحال وأريد المحل، وهل يعتبر المجاز في القرآن من باب القول على الله بغير علم؟
الجواب
مسألة تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز من المسائل التي نقل الخلاف فيها قديماً، وجماهير أهل العلم من المفسرين، والأصوليين، وأهل اللغة على إثباته، ولايفرقون بين مورده في اللغة، ومورده في القرآن الكريم، وفيهم أئمة لهم قدم صدق في تقرير عقيدة السلف والذود عنها.
والذين ذهبوا إلى نفي المجاز -خصوصاً من أهل السنة- حملهم على ذلك مارأوه من تسلط المبتدعة بدعوى المجاز على نصوص الوحيين، فعطلوها عن دلالاتها في مسائل الغيبيات، وصفات الخالق -عز وجل- خصوصاً.
وفي الحق، فإن القول بالمجاز لاخطر وراءه، ذلك أن الأصل في الكلام أن يحمل على حقيقته إلا بقرينة بإجماع أهل العلم، ولا قرينة تصحّح قول المعطل، وإنما أُتوا من توهّم كيفيات معينة لتلك النصوص، ثم سلّطوا التأويل عليها لدفع توهمهم الفاسد. على أن تلك الأخبار المتعلقة بالله -تعالى- لاتقبل دعوى المجاز من جهة اللغة وتراكيب الكلم، وهذا مبسوط تقريره في كلام أهل السنة -والحمد لله-.
والمقصود أنه لاضير من القول بالمجاز، ولايعدّ من القول على الله بغير علم، إذ القرآن الكريم نزل بلغة العرب، فجرى على طرائقهم في التعبير، وأساليبهم في تركيب الكلم، وإنما يكون قولاً على الله بغير علم إذا تعلق بأمور غيبية لاتدرك، ولم تشاهد تُعطل عن ظواهرها، ويُلحد فيها.
بقي أن يقال: إن الأسلوب المجازي ضرورة لبقاء أي لغة وحياتها، إذ الألفاظ وإن كثرت فهي محدودة لا تستوعب كل ما يطرأ من المعاني في حياة الناس، ومن تأمل هذا الأمر زال عنه ـ بإذن الله ـ كل تردد في هذه المسألة، والله ولي التوفيق.(4/432)
يقين الحل لا يزول بشك الحرمه
المجيب د. عبد الله بن ناصر السلمي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 22/7/1422
السؤال
لديَّ أحد الزملاء في العمل اشتركت أنا وهو في شراء أرض على أننا بعد فترة سنبيعها ونقسم الربح بيننا بالتساوي، وبالفعل اشترينا أرض، ولكن اكتشفت أن المبلغ الذي معه نتيجة لشراء سيارة من أحد البنوك ولا أدري هل ماله حرام أم حلال؟ وما مصير تجارتي معه؟ وكذلك سلفته مبلغ من المال - إذا سددني من المال الذي حصل عليه من البنك - فهل فيه شيء؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الأصل أن مال الإنسان إذا اشترك مع غيره ولم يتقن حرمه ذلك المال بعينه والغالب عليه الحلال لكثرته أو قله الربا المحرم، فالأصل في ذلك أن ماله يجوز كما ذكر ذلك أبو العباس ابن تيميه ونسبه إلى جماهير أهل العلم. ثم إن شراء سيارة من البنك ثم يبيعها نقداً فالأصل فيها الجواز إذا توفرت فيها الشروط بحيث يملكها البنك ثم يبيعها إلى العميل.(4/433)
إنكار أدلة القياس في التحريم
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 15/8/1424هـ
السؤال
ما حكم من ينكر أدلة القياس في التحريم؟ أحد الإخوة يقول إنه لا يستدل بالقياس فيما يحرمه الإسلام، فما حكم من ينكر أدلة القياس في التحريم؟ وماذا يترتب على ذلك؟ بارك الله فيكم.
الجواب
قسَّم جمهور العلماء الأدلة التي يستدل بها على الأحكام - إيجاباً وندباً وتحريماً وكراهةً وجوازاً - إلى قسمين:
(1) أدلة متفق على الاحتجاج بها، وبناء الأحكام عليها، وهي: الكتاب والسنة، والإجماع، والقياس.
(2) أدلة مختلف في الاحتجاج بها، وبناء الأحكام عليها، وهي كثيرة، ومنها: الاستصحاب والاستحسان، والمصلحة المرسلة، وسد الذرائع، وقول الصحابي وشرع من قبلنا، وغير ذلك.
هذا التقسيم الذي سار عليه جمهور العلماء، حيث عدوا القياس من الأدلة المتفق على الاستدلال بها على الأحكام الشرعية، ويستوي في ذلك الاستدلال بها في إباحة الأحكام، أو وجوبها، أو تحريمها؛ لأن الإباحة والوجوب والتحريم كلها أحكام شرعية، فتكون طرق إثباتها واحدة، ومن خلال ما سبق يتضح أن القياس دليل شرعي معتبر، وقد ورد في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- العملُ به، انظر ما رواه أحمد (2438) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- وأصله في البخاري (2135) ، ومسلم (1525) كما أن سيرة الصحابة - رضوان الله عليهم - ومن بعدهم شاهدةٌ على اعتباره والعمل به، ومن تأمل كتب العلماء الذين تحدثوا عن الأحكام يتضح له أنهم اعتمدوا على القياس في إثبات الأحكام الشرعية في مواطن لا يمكن عدها ولا حصرها.
ولهذا فإنه لا يجوز لأحد أن ينكر العمل بهذا الدليل؛ لأنه حينئذٍ يكون مخالفاً لما استقر عليه الأمر عند العلماء من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى عصرنا الحاضر، ثم إن العمل بالقياس ليس عملاً بالرأي المجرد، وإنما هو توسيع لما دلت عليه النصوص الشرعية.
ولكن يجب التنبيه إلى أمر مهم، وهو: أن العمل بالقياس ليس على إطلاقه، بل له شروط ذكرها أهل العلم، لا بد من توفرها، فإن توفرت صح العمل به، وإن لم تتوفر كلها أو بعضها لم يجز العمل به، وهذه الشروط مذكورة في كتب أهل العلم، خصوصاً ما ذكروه في كتب أصول الفقه.
ثم إن الأخ الذي ذكرت أنه لا يستدل بالقياس في التحريم، هل يستدل به في الإيجاب أو الجواز، أو لا، فإن كان يستدل به في الإيجاب والجواز، فما الفرق بين التحريم وبينهما؛ لأن كلاً منها أحكام شرعية، والقول في واحد منها كالقول في الآخر، وإن كان لا يستدل بالقياس مطلقاً فقد ورد في الجواب ما تناقشه به.
والله أعلم، -وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم-.(4/434)
النسخ في القرآن الكريم
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 7/9/1422
السؤال
أرجو التكرم بالإجابة بالتفصيل عن موضوع الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم؛ لأنه يوجد من يدعي أنه لا نسخ في القرآن، وأن من يقول ذلك يعد كافراً، مع العلم أن هذا الأمر مذكور في الصحيحين، فضلاً عن كتاب الله العزيز وفي أكثر من موضع، ولكنه الجدل الذي لا دليل معه.
الجواب
أجيب عن السؤال بخمس نقاط على الإيجاز والاختصار، فأقول:
الأولى: المعنى اللغوي للنسخ: النسخ في اللغة مصدر للفعل الثلاثي نسخ ينسخ نسخاً، ويطلق في اللغة على معانٍ أربع، هي:
(1) الإزالة تقول: نسخت الشمس الظل إذا أزالته، ومنه قوله - تعالى -:".. فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ". [الحج: 52] .
(2) التبديل والتغيير كقولك: نسخت الريح آثار الديار أي: بدلتها وغيرت هيئتها، ومنه قوله - تعالى -: " وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر " [النحل:101] .
(3) التحويل كالمناسخات في المواريث، وهو: أن يموت الميت، ثم يموت وارثه قبل أن تقسم تركة الميت الأول، وهكذا.
(4) بمعنى: النقل من موضع إلى آخر، تقول: نسخت الكتاب إذا نقلت ما فيه إلى موضع آخر من كتاب ونحوه حاكياً للفظه، ومنه قوله - تعالى -:" إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ". [الجاثية: 29] .
الثانية: أجمعت الأمة من السلف والخلف على جواز النسخ ووقوعه في القرآن الكريم بدليل قوله - تعالى -:" ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير " [البقرة: 106] ، وقوله:" يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " [الرعد: 39] ، وقوله: " وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعقلون " [النحل: 101] . فهذه الآيات نصت على أن الله إذا أراد نسخ حكم أو تأجيله أتى بحكم مثله أو أفضل منه؛ لأن علمه محيط بكل شيء في هذا الكون، ومسطور عنده في اللوح المحفوظ، ويمحو الله منه ما يشاء ويثبت ما يشاء ممّا فيه مصلحتهم، وهو العليم في إبداله آية مكان أخرى، وحكماً مكان آخر، وبهذا يتبين أن كل المعاني اللغوية في النسخ متحققة في معناه الشرعي، على أن السلف من الصحابة والتابعين أكثر ما يطلقون لفظ النسخ في القرآن يريدون به التخصيص وهو غير ما يريده أو عرفه به علماء الأصول، حيث هو عندهم: (رفع الحكم السابق بحكم لاحق بدليل شرعي متراخياً عنه) ، فالمعنى عند السلف حين فسروا النسخ بالتخصيص أوسع من تعريف المتأخرين، وقد بالغ بعض المفسرين في تعيين المنسوخ من آيات القرآن حتى عدوا جميع آيات الجهاد في القرآن وقالوا: نسختها آية واحدة هي آية السيف " وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة " [التوبة: 36] ، وقالوا: إن هذه الآية نسخت ما يقرب من (500) آية من القرآن، وهذه المبالغة في هذا التوجه إنما هو مسايرة للمفهوم الأول للنسخ، المعروف عند السلف من الصحابة والتابعين كعبد الله بن عباس، وابن عمر، ومجاهد، والحسن البصري، ولو طبق على كل هذا العدد من الآيات التي يقال إنها منسوخة. - الاصطلاح الثاني - اصطلاح المتأخرين من علماء أصول التفسير والفقه لا نحصر هذا إلى عدد رؤوس الأصابع، فمثلاً الإمام محمد بن جرير الطبري شيخ المفسرين يرى أن آيات الجهاد والقتال ليس فيها ناسخ ومنسوخ، بل تحمل آيات القتال والغزو على حال ما إذا كانت الأمة المسلمة قوية، وتحمل آيات الصبر والموادعة والمهادنة على ما إذا كانت الأمة ضعيفة مغلوبة على أمرها، وهذا رأي راشد وسديد، وعليه لا تكون آية السيف ناسخة لذلك العدد الكبير من آيات القتال.
وقد تتبع الحافظ بن جرير الطبري الآيات التي يمكن أن يقال إنها منسوخة فوجهها توجيهاً سديداً، وبقي عنده قرابة إحدى عشرة آية فقط هي منسوخة الحكم قطعاً لتغير الحكم اللاحق عن السابق بنص قطعي من القرآن الكريم، أو السنة الصحيحة، وهي معروفة عند أهل الاختصاص في علوم القرآن.
وعلم الناسخ والمنسوخ من أهم علوم القرآن، روي عن علي بن أبي طالب أنه سمع واعظاً يعظ الناس، فقال له: أتعرف الناسخ من المنسوخ في القرآن؟ قال: لا، فقال له: لقد هلكت وأهلكت.
الثالثة: قال بمنع وقوع النسخ في القرآن قديماً اليهود - عليهم لعائن الله - وتبعهم أبو مسلم الأصبهاني المعتزلي (ت 459هـ) ، وبعض الكتاب المعاصرين كعبد الكريم الخطيب، وعبد المتعال الجبري، ووجه منع وقوعه في القرآن الكريم عند اليهود أن القول بالنسخ يعني القول بالبداء، وهو: الظهور بعد الخفاء، أما من جاء بعدهم فوجه منعه عندهم لئلا يأتي أحد فيغير حكم الله، ثم يقول: إن هذا كان منسوخاً، ودليل هؤلاء وأولئك في المنع ظاهر قوله - تعالى - في وصف القرآن:" لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " [فصلت: 42] ، والباطل ضد الحق.
ولكن أولئك نسوا أن الله هو منزل القرآن وهو المتكفل بحفظه " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " [الحجر: 9] . كما نسوا أو تناسوا أن الحافظ لهذا الكتاب من أن يقع فيه باطل أو تحريف، هو الذي أوجد فيه الناسخ والمنسوخ لحكمة يعلمها- سبحانه -.
واليهود قد تذرعوا ظاهراً لما منعوا وقوع النسخ في كلام الله - بالبداء، وهو: الظهور بعد الخفاء، وتبعهم الرافضة الغلاة، ويروون عن جعفر الصادق أنه قال:" البداء ديني ودين أبائي "، ومتى كان اليهود يقصدون التنزيه للباري - سبحانه -، وهم الذين وصفوه بأحط الصفات - تعالى - الله عن ذلك علواً كبيراً، وقالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء، وقالوا: عزير ابن الله، وقالوا: الملائكة بنات الله.. إلخ. وإنما كان قصد اليهود في مقالتهم تلك لما منعوا وقوع النسخ في كلام الله كتمان الحق، وكراهية أهله، وبغضاً لمحمد - صلى الله عليه وسلم - الذي يعرفونه حق المعرفة " الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ... " [الأعراف:157] .
أما إنكار أبي مسلم الأصبهاني المعتزلي (ومخالفته لجمهور المعتزلة أيضاً) ، وبعض الكتاب المعاصرين إنما كانت مخالفتهم لجهلهم باللغة العربية، وأقوال سلف الأمة، ومحبتهم للتجديد والمخالفة طلباً للشهرة واتباعاً لكل قول مطمور مهجور.
الرابعة: سبق أن ذكرت بأن التخصيص (النسخ عند السلف) أعم من النسخ عند المتأخرين؛ لأن التخصيص قد يكون بالتقييد بعد الإطلاق، أو بالتفصيل بعد الإجمال، أو بالوصف، أو الاستثناء.. إلخ، وهذا معلوم في مظانِّه وعند أهله المتخصصين به.
ويجب أن يعلم أن النسخ في القرآن لا يقع إلا في خطاب الأمر والنهي، ولا يقع في الأخبار، فلم يقع في قصص الماضين، ولا في أمور الاعتقاد؛ كالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ولا في أسماء الله وصفاته، كما لا يقع النسخ في الأمور الكونية كقوله:" الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت " [الملك: 3] . ونحو قوله:" وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون " [يس: 37] .
الخامسة: بعض الآيات المنسوخة حكماً عند جمهور الأمة من السلف والخلف:
1) نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة في المسجد الحرام.
2) عدة المرأة المتوفى عنها زوجها كانت عدتها من أول الأمر سنة كاملة، ثم نسخ ذلك فصارت أربعة أشهر وعشراً.
3) المصابرة في مقابلة العدو كان في أول الأمر يجب أن يثبت المسلم أمام عشرة من الكفار، ثم نسخ ذلك بأخف منه لما علم الله ضعف المسلمين، فلزم أن يثبت المسلم أمام اثنين من الكفار فقط.
4) كانت الخمر حلالاً في مثل آية البقرة، ثم نسخ ذلك بآية الخمر في سورة المائدة.
5) نسخ الصدقة عند إرادة مناجاة الرسول كما في سورة المجادلة.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.(4/435)
الأخذ بالكتاب والسنة دون فهم السلف
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 29/10/1425هـ
السؤال
قال لي أحد الإخوة: إن علينا فقط الأخذ بالكتاب والسنة دون فهم الصحابة- رضي الله عنهم- والتابعين؛ فإن فهمهم ملزم لهم ومناسب لعصرهم، أما نحن فنأخذ القرآن والسنة بفهمنا وباعتبار واقعنا، مثلاً مرة قال إن هنالك حديثًا أذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم- لامرأة بأن تؤم أهل بيتها في الصلاة. فقلت له: ماذا قال العلماء في الحديث؟ فقال لي: إنني آخذ النص من القرآن والسنة ولا شأن لي بأقوال العلماء.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الواجب على جميع الناس اتباع الكتاب والسنة، والامتثال لأوامرهما، والاجتناب عن نواهيهما، والمسلم متعبد بما جاء فيهما، ولا يُقبل من أي أحدٍ قولٌ يخالف قول الله أو قول رسوله صلى الله عليه وسلم- مهما بلغ هذا المخالف من العلم والدين؛ لأن الله عز وجل تعبدنا باتباع شرعه الوارد في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا هو الحكم العام في تلقي نصوص الشريعة وأدلتها، إلا أنه يجب معرفة أن هذه الطريقة لا تتيسر لكل أحدٍ، وإنما هي طريقة أهل العلم الذين أحاطوا بالأدلة، وتمكنوا من العلوم الشرعية التي تمكنهم من استنباط الأحكام من الأدلة، كما هو مذكور في باب الاجتهاد من كتب أصول الفقه، فإذا كان الإنسان بهذه المنزلة فإن له أن يسلك هذه السبيل في العمل بالأدلة الشرعية.
ومن المهم جدًّا لمن أراد النظر في الأدلة من الكتاب والسنة أن يكون مطلعًا على أقوال أهل العلم، لا ليقلدها ويتبعها، ولكن ليعرف آراء العلماء وينظر في أدلة كلٍّ منهم، وليكون مطلعًا على مواطن الخلاف؛ ليأخذ بما يوافق الدليل، ومواطن الإجماع؛ لئلا يخالفها.
وثمة أمرٌ مهم، وهو: أن هناك أدلةً لا يجوز العمل بها؛ لأنها قد تكون منسوخة أو مؤوَّلة أو معارضة بما هو أقوى منها، والإنسان الذي لم يطلع على أقوال العلماء لا يدرك هذا الأمر، فقد يقع في الخطأ نتيجة تقصيره في الاطلاع على أقوال أهل العلم في المسألة، ونتيجةً لهذا فإنه قد يعمل بدليل منسوخ، أو يعمل بدليل ويترك ما هو أقوى منه.
أما ما يتعلق بفهم الصحابة رضي الله عنهم، فإن المقرر عند العلماء قديمًا وحديثًا أن لأقوال الصحابة من المنزلة والفضل ما ليس لغيرهم من العلماء على مر العصور، وهذا الأمر هو الذي جعل كثيرًا من أهل العلم يعدون قول الصحابي من الأدلة التي يحتج بها على الأحكام؛ لأنهم عاصروا تنزل الوحي وشاهدوا الوقائع مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذا الباب ما ذكره الإمام الشاطبي حيث قرر أن الواجب على الناس عمومًا أن يفهموا نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة مثل ما فهمها الصحابة، رضي الله عنهم؛ لأنهم هم الذين خوطبوا بهذه الأدلة أولاً، فلابد أن نفهمها كما فهموها؛ لنعمل بها كما عملوا هم بها.
وإذا نظرنا إلى واقع الصحابة، رضي الله عنهم، نجد أنه قد صدر منهم عدد كبير من الأقوال والأحكام والفتاوى والاجتهادات، والمسلم عمومًا مأمور باتباع الصحابة، رضي الله عنهم، إلا إن ذلك يختلف بحسب اختلاف الأحوال المصاحبة لتلك الأقوال، وقد فُصِّل القول في هذه المسألة في جواب آخر بعنوان: (التوفيق بين اجتهادات الصحابة) ، وخلاصته أن اتباع الصحابة، رضي الله عنهم، واجب فيما اتفقوا عليه قولاً أو سكوتًا، أما ما اختلفوا فيه فإنه لا يجب اتباع قول معين، وإنما الواجب علينا ألّا نخرج عن مجموع أقوالهم، ولذلك فإنه لا يجوز لنا إحداث قول لم يقل به أحد منهم.
وهذا الكلام عام في كل ما نقل عن الصحابة، رضي الله عنهم، سواءٌ أكان قول الصحابي في مسألة معينة، أو في تفسيرٍ لآيةٍ، أو في شرحٍ لحديث، فأقوالهم متبعة في كل ذلك، ويجب علينا أن نفهم النصوص كما فهمها أولئك القوم المباركون علَّنا أن نلحق بهم، وهذا هو صنيع العلماء على مر العصور، حيث كانوا يستنيرون بأقوال الصحابة، رضي الله عنهم، واجتهاداتهم، ولا أدل على ذلك من نقلهم لأقوال الصحابة، رضي الله عنهم، وأفعالهم في كتب الآثار والسنن والمسانيد والتراجم، ومن ذلك ما يتعلق بفهم نصوص الكتاب والسنة، فقد حملت لنا كتب التفاسير والسنن والمصنفات والآثار عددًا كبيرًا من الأقوال الصادرة عن الصحابة، رضي الله عنهم- فيما يتعلق بتأويل النصوص من الكتاب والسنة وتفسيرها، بل إن كثيرًا من المفسرين اهتموا بأقوال الصحابة؛ حيث إنهم يفسرون القرآن بالقرآن وبالسنة وبأقوال الصحابة، رضي الله عنهم.
والله الموفق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/436)
سنة الخلفاء الراشدين
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 16/11/1422
السؤال
ما المقصود بالحديث " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " هل جميع ما يصدر من الخلفاء الراشدين سنة؟ أم هي مقتصرة على سنة الخلافة والحكم؟ وهل السنة أخذ فعل النبي أم فعل الخليفة بعد وفاة النبي - عليه أفضل الصلاة والسلام -؟
الجواب
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله الشرفا وعلى أصحابه الوفا، ومن لآثارهم اقتفى، أما بعد:
فجواباً على سؤال السائل عن حديث: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " وعن المقصود بسنة الخلفاء وما إلى ذلك، أقول وبالله التوفيق:
هذا جزء من حديث صحيح مشهور وهو من أصول الدين العظمى، وهو حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - الذي جاء فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم-:
" أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " رواه أبو داود (4607) والترمذي (2676) وابن ماجة (43) والدارمي (96) وأحمد (17142) واللفظ لأبي داود. والمقصود بالسنة في هذا الحديث: الطريقة المسلوكة، فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه - صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السنة الكاملة، وفي الأمر بالتمسك بسنته - صلى الله عليه وسلم - وسنة الخلفاء الراشدين بعد أن أمر بطاعة ولاة الأمور إشارة إلى أنه لا طاعة لأولي الأمر إلا في طاعة الله، وفيه أيضاً دليل على أن سنة الخلفاء الراشدين متبعة كاتباع سنته - صلى الله عليه وسلم - بخلاف غيرهم من ولاة الأمور الذين إنما يطاعون في الطاعة. وعلى هذا فسنة الخلفاء الراشدين حجة يلزم اتباعها في حالات، منها:
الأولى: مع موافقة النص من الكتاب والسنة.
الثانية: مع إجماع أربعتهم - رضي الله عنهم - (وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، دون مخالف لهم من الصحابة)
الثالثة: إذا اجتهد أحد الخلفاء في مسألة لا نص فيها ولا نعلم له مخالفاً من الصحابة.
الرابعة: إذا اجتهد أحد الخلفاء في مسألة لا نص فيها، ولم يخالفه منهم أحد، بل خالفه غيره من الصحابة، فأكثر السلف على تقديم قول أحد الخلفاء على من سواه.
وهذه المسألة مسألة كبرى من أصول السنة، وفيها كلام طويل لأهل العلم، والله أعلم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.(4/437)
صفة السلام على الجماعة
المجيب د. سعد بن عبد الله الحميد
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الملك سعود
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 20/7/1424هـ
السؤال
عندما يدخل أحدهم المجلس والناس جالسون، ويراهم كل أسبوع تقريباً، هل من السنة أن يسلِّم لفظاً وإشارة بدون مصافحة ويجلس حيث انتهى به المجلس (للحديث الوارد) ، أم يصافحهم فرداً فرداً ثم يجلس ويأخذ الفضل الوارد في الحديث "تحاتت ذنوبهما"؟ أرجو التفصيل؛ لأن عندي درساً عن السلام سوف ألقيه على بعض طلبة العلم، وما المراجع التي ترونها مناسبة للبحث في هذه المسألة تفصيلاً؟.
الجواب
هذه المسألة من المسائل التي طال الخلاف فيها بسب ورود بعض أحاديث النهي عن ذلك، وبعض الأحاديث التي يفهم منها الإباحة، ولم يخرّج صاحبا الصحيح شيئاً من أحاديث النهي، وبوّب البخاري في صحيحه (11/49) بقوله: "باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:" قوموا إلى سيدكم"، قال الحافظ ابن حجر:" هذه الترجمة معقودة لحكم قيام القاعد للداخل، ولم يجزم فيها بحكم؛ للاختلاف، بل اقتصر على لفظ الخبر كعادته" أ. هـ.
وقد ورد في النهي حديث معاوية -رضي الله عنه-، يرويه عنه أبو مجلز حميد بن لاحق قال: خرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر، فقام ابن عامر، وجلس ابن الزبير، فقال معاوية لابن عامر: اجلس فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار"، أخرجه أبو داود (5229) ، والترمذي (2755) ، وقال: "هذا حديث حسن"، وصححه الشيخ الألباني.
وأخرج الترمذي (2754) من طريق عفان، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس - رضي الله عنه - قال: "لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك".
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه".
كما ورد في الإباحة قوله -صلى الله عليه وسلم- للأنصار: "قوموا إلى سيدكم" يعني: سعد بن معاذ - رضي الله عنه -، أخرجه البخاري (3043) ، ومسلم (1768) .
وفي حديث قصة توبة كعب بن مالك وصاحبيه -رضي الله عنهم-، وهي مخرجة في الصحيحين البخاري (4418) ، ومسلم (2769) ، وجاء في رواية مسلم لها قول كعب: "فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره".
وهناك أحاديث أخرى استدل بها من يرى الجواز غير هذه تجدها في كتاب النووي (الترخيص في القيام) ، وفي (تفسير القرطبي 9/265، و19/256) ، و (تفسير ابن كثير 4/326) ، ومن أحسن ما يمكنك الرجوع إليه كلام الحافظ ابن حجر في (فتح الباري 11/49-54) ، فإنه أطال جداً في هذه المسألة، ونقل عن ابن رشد أن القيام يقع على أربعة أوجه:
الأول: محظور، وهو أن يقع لمن يريد أن يقام له تكبُّراً وتعاظماً على القائمين عليه.
الثاني: مكروه، وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين، ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر، ولما فيه من التشبه بالجبابرة.
الثالث: جائز، وهو أن يقع على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك، ويؤمن معه التشبه بالجبابرة.
الرابع: مندوب، وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحاً بقدومه ليسلِّم عليه، أو إلى من تجددت له نعمة فيهنِّئه بحصولها، أو مصيبة فيعزيه بسببها أ. هـ.
ولعل من أقوى ما يستدل به مما يؤيد أحاديث النهي: ما أخرجه مسلم في صحيحه (413) من حديث جابر - رضي الله عنه - في قصة مرضه -صلى الله عليه وسلم-، وصلاته وهو قاعد، والصحابة -رضي الله عنهم- قيام، فلما سلّم قال: "إن كدتم آنفاً لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا".
وهو أيضاً مما يؤيد قول من جعل القيام المحرّم ما أشبه قيام الأعاجم، والقيام للسلام على الداخل لا يشبه ذلك القيام.
وبكل حال: فلعل من أحسن ما يخرج من الخلاف، ولا يوقع شيئاً في نفس الداخل: إلقاء السلام على الجالسين، والجلوس حيث انتهى به المجلس، أو في فرجة يجدها، دون القيام على مصافحة الحضور، مما يضطرهم للقيام له ولغيره، فيلحق من المشقة ما لا يخفى، وبالأخص إذا تقاربت مدة دخولهم، وإن جلسوا أو بعضهم ربما أوقع ذلك في النفوس شيئاً من الدغل، والله أعلم.(4/438)
استخدام الواقي هل يدرأ حد الزنى
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 25/7/1423هـ
السؤال
هذا سؤال وسوس لي به أحدهم، وقد احترت فيه: ما هو ضابط الزنا الذي فيه الحد، هل هو الإيلاج أم اللمس، بمعنى هل إذا زنى أحدهم مستعملا عازلا طبيا يكون زناه غير موجب للحد؟ بما أن عضوه لم يلمس المرأة حقيقة، أم أنه يستوجب الحد بما أنه أدخل عضوه؟ هب أني أناقش فقيها أصوليا، كيف أقنعه بالجواب مدعوما بالدليل النقلي الصحيح؟ وقد عثرت على فتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتاب " لقاءات الباب المفتوح " يسأل فيها عن وجوب الغسل لمن جامع بالعازل الطبي ولم ينزل، فأجاب " أن الأحوط أن يغتسل، وأن بعض العلماء قالوا إنه لا غسل عليه، لأن الختانين لم يلتقيا ". فلست أدري إن كان هذا يجيب عن هذا!
الجواب
الحمد لله وحده وبعد:
فقد اتفق أهل العلم على أن الزنى يحصل بإيلاج الذكر في الفرج ولو لم يمس الذكر جدار الفرج، ولو كان هناك حائل بين الذكر والفرج، ما دام الحائل لا يمنع اللذة والإحساس.
وهذا بحمد الله لا إشكال فيه ومما يمكن الاستدلال به حديث عائشة مرفوعاً (إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل) رواه أحمد (22046) والترمذي (108) وصححه الألباني (إرواء الغليل 1/121) ، فجعل مجرد مجاوزة الختان موجباً للغسل، وفي حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمن أقر بالزنا: "دخل ذلك منك في ذلك منها"؟ قال نعم، قال "كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر"؟ قال: نعم صحيح البخاري (6824) وله روايات فسؤاله عن ذلك دليل على اعتباره مناطاً لإقامة حد الزنا وذلك هو الإيلاج في الفرج. ثم بالنظر المجرد أن العازل المعروف لا يمنع لذة ولا إحساساً فلا فرق بينه وبين الاتصال بدونه، والشرع لا يفرق بين المتماثلات.
أما الغسل فالخلاف في العازل الذي يمنع اللذة والإحساس بحرارة الفرج، فهذا عند جملة من أهل العلم لا يوجب الغسل، وهذا مراد الشيخ محمد - رحمه الله - بفتواه، وأما العازل المعروف فلا يمنع شيئاً من ذلك.
وأنصح السائل أن لا يشرب قلبه شبهة، وأن يحرص على طلب العلم والتزود منه. وفقه الله وزاده من فضله.(4/439)
مضاعفة الذنب في زمان أو مكان
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 9/1/1424هـ
السؤال
هل الذنب يتضاعف في مكان أو زمان معين؟
الجواب
قال الله تعالى: "مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ" [الأنعام:160] ، وقال سبحانه وتعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا" [النساء: 40] ، فجزاء الله تعالى على الحسنات يقوم على الفضل، وجزاؤه على السيئات يقوم على العدل، فيجزئ على الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ويجزئ على السيئة سيئة مثلها أو يعفو، وبهذا يعلم أن الذنب لا يضاعف أبداً لا في زمان ولا في مكان، بمعنى أنه يجزى على السيئة سيئتين أو ثلاث أو أكثر، لكن السيئة في المكان الفاضل كالحرم، والزمان كرمضان والأشهر الحرم أعظم من السيئة في سائر الزمان أو سائر الأمكنة. وليست هذه مضاعفة للسيئات ولكن تغليظ وتعظيم لها، وكلما قويت الأسباب الموجبة لتغليظ التحريم كان التحريم أعظم كما أن الذنب من العارف بدين الله وبما حرم الله أعظم من الذنب الذي يقع من الجاهل. والله - تعالى أعلم-.(4/440)
الفرق بين حجاب الحرة والأمة
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 01/07/1425هـ
السؤال
ما العلة في تخصيص الأمة بعدم ارتداء الحجاب؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالأصل أن الحجاب للحرائر، أما الإماء فالأصل أنه لا يجب عليها تغطية وجهها ولا رأسها، والحكمة في هذا التخفيف عن الإماء هو ـ والله أعلم ـ لأجل ابتذالهن بالبيع والشراء، واستخدامِهن في المهنة، وهي محتاجة في مثل هذا إلى أن تكشف عن وجهها ورأسها وكفيها.
ولذا فرق بعض أهل العلم ـ كما في الإنصاف 1/450 ـ بين الأمة البَرْزَة (وهي التي تبرز كثيراً كالرجل، وبين الأمة الخَفْرَة (وهي التي لا تظهر غالباً، وإنما تكون في البيت) .
ولذا فرَّق ابن القيم بين إماء الاستخدام والابتذال، وبين إماء التسري اللاتي جرت العادة بصونهن وحجبهن، فقال رحمه الله ـ إعلام الموقعين 2/46 ـ: "وأما تحريم النظر إلى العجوز الحرة الشوهاء القبيحة، وإباحته إلى الأمة البارعة الجمال فكذب على الشارع, فأين حرم الله هذا وأباح هذا؟ والله سبحانه إنما قال: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} لم يطلق الله ورسوله للأعين النظر إلى الإماء البارعات الجمال, وإذا خشي الفتنة بالنظر إلى الأمة حرم عليه بلا ريب, وإنما نشأت الشبهة أن الشارع شرع للحرائر أن يسترن وجوههن عن الأجانب, وأما الإماء فلم يوجب عليهن ذلك, لكن هذا في إماء الاستخدام والابتذال , وأما إماء التسري اللاتي جرت العادة بصونهن وحجبهن.
فأين أباح الله ورسوله لهن أن يكشفن وجوههن في الأسواق والطرقات ومجامع الناس وأذن للرجال في التمتع بالنظر إليهن؟ فهذا غلط محض على الشريعة " ا. هـ كلامه رحمه الله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (مجموع الفتاوى 15/372) : "ثبت في الصحيح: {أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل بصفية قال أصحابه: إن أرخى عليها الحجاب فهي من أمهات المؤمنين، وإن لم يضرب عليها الحجاب فهي مما ملكت يمينه، فضرب عليها الحجاب} وإنما ضرب الحجاب على النساء لئلا ترى وجوههن وأيديهن. والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أن الحرة تحتجب والأمة تبرز، وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة مختمرة ضربها، وقال: أتتشبهين بالحرائر أي لكاع. فيظهر من الأمة رأسها ويداها ووجهها".
ثم قال رحمه الله: "وكذلك الأمة إذا كان يخاف بها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب، ووجب غض البصر عنها ومنها. وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن، ولكن القرآن لم يأمرهن بما أمر الحرائر، والسنة فرقت بالفعل بينهن وبين الحرائر، ولم تفرق بينهن وبين الحرائر بلفظ عام، بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء، واستثنى القرآن من النساء الحرائر القواعد فلم يجعل عليهن احتجاباً، واستثنى بعض الرجال وهم غير أولي الإربة، فلم يمنع من إبداء الزينة الخفية لهم لعدم الشهوة في هؤلاء وهؤلاء، فأن يستثنى بعض الإماء أولى وأحرى، وهن من كانت الشهوة والفتنة حاصلة بترك احتجابها وإبداء زينتها. وكما أن المحارم أبناء أزواجهن ونحوه ممن فيه شهوة وشغف لم يجز إبداء الزينة الخفية له، فالخطاب خرج عاماً على العادة، فما خرج عن العادة خرج به عن نظائره، فإذا كان في ظهور الأمة والنظر إليها فتنةٌ وجب المنع من ذلك، كما لو كانت في غير ذلك. وهكذا الرجل مع الرجال والمرأة مع النساء: لو كان في المرأة فتنة للنساء وفي الرجل فتنة للرجال، لكان الأمر بالغض للناظر من بصره متوجهاً كما يتوجه إليه الأمر بحفظ فرجه. فالإماء والصبيان إذا كن حسانا تختشى الفتنة بالنظر إليهم كان حكمهم كذلك كما ذكر ذلك العلماء" انتهى كلامه رحمه الله.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(4/441)
التدرج في التقوى
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 9/1/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
شيخي الفاضل: لقد قرأت مرة في كتاب الإسلام ما هو للأستاذ: مصطفى محمود، عن تدرج أحكام الشرع كما في حالة تحريم الخمر وكيف أنها بدأت بالنهي عنها، حين الصلاة ثم تحريمها، وتحدث عن التدرج في التقوى، وقال إنه نزل قوله: "فاتقوا الله ما استطعتم"، وبعدها نزلت "اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، وبعدها سمعت من أحدهم في أحد المحاضرات وكان الموضوع عن التقوى أنه نزلت (اتقوا الله حق تقاته) هي الأولى، فكانت صعبة على المسلمين فخففها الله وقال: (اتقوا الله ما استطعتم) رأفة ورحمة من الله -عز وجل- فأي الرأيين أصح؟ وبارك الله فيكم.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فقد أنزل الله سبحانه وتعالى قوله في سورة آل عمران: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" [آل عمران: 102] ، ومعنى: "حق تقاته" كما رواه الحاكم (3213) عن ابن مسعود -رضي الله عنه- "أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر" وقال ابن عباس - رضي الله عنه-: "ألا يعصى طرفة عين" ولأن هذا الأمر لا يطيقه البشر ولا يستطيعون إليه سبيلاً خفف الله عن المسلمين فأنزل قوله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن: 16] ، وبهذا يتبين أن الصحيح في نزول هاتين الآيتين: أن آية آل عمران: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" أنزلت قبل آية التغابن" فاتقوا الله ما استطتعم" وقد صرح بهذا الأمر أكثر المفسرين، ومما يدل على ذلك ما نقله القرطبي (الجامع لأحكام القرآن: 4/101-102) ، عن المفسرين أنهم قالوا: (إنه لما نزلت هذه الآية - يعنون آية آل عمران- قال الصحابة - رضي الله عنهم- يا رسول الله من يقوى على هذا؟ وشق عليهم، فأنزل الله عز وجل-: "فاتقوا الله ما استطعتم" وكذلك ما رواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قال: "لما نزلت يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" اشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم، فأنزل الله تخفيفاً على المسلمين: "فاتقوا الله ما استطعتم" اهـ، نقل هذا الأثر السيوطي في أسباب النزول (387) ، ولكن وقع خلاف بين المفسرين في أمر آخر، وهو: هل آية آل عمران منسوخة أو محكمة؟ حيث اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين هما: القول الأول: إنها منسوخة، ونقل المفسرون عن مقاتل أنه قال: ليس في آل عمران من المنسوخ شيء إلا هذه الآية. القول الثاني: إنها غير منسوخة، ويكون قوله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم" بياناً لآية آل عمران، والمعنى: فاتقوا الله حق تقاته ما استطعتم، قال القرطبي وهذا أصوب، لأن النسخ إنما يكون عند تعذر الجمع، والجمع ممكن فهو أولى، وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أنه قال: قوله "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" لم تنسخ، ولكن حق تقاته، أن يجاهد في سبيل الله حق جهاده، ولا تأخذكم في الله لومة لائم وتقوموا بالقسط، ولو على أنفسكم وأبنائكم. اهـ. والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/442)
الحكمة من قضاء الحائض الصيام دون الصلاة
المجيب البندري بنت عبد العزيز العمر
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 28/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي: ما الحكمة من أن المرأة لا تقضي ما فاتها من الصلاة بعد الحيض والنفاس وتقضي ما فاتها من الصيام؟ أرجو التوضيح.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحكمة من ذلك واضحة، وهو رفع الحرج عن الأمة والتيسير عليهم، فرمضان لا يكون في السنة إلا مرة واحدة، وعدد أيام الحيض أو وقوع النفاس فيه قليل، فليس في القضاء مشقة، بخلاف الصلاة، فإن الحيض يتكرر في كل شهر وفي كل يوم خمس صلوات، فحصيلة الأسبوع الواحد فقط 35 صلاة، وفي قضائها حرج على المرأة، فلله الحمد أولاً وآخراً. والله أعلم.(4/443)
العقل ونصوص الشريعة
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 12/05/1425هـ
السؤال
ما رأيكم فيمن يستخدم العقل في التعامل مع النصوص المترتبة على أحكام شرعية، على اعتبار أنه ليس كل ما نُقل قد وصل صحيحاً، وعملاً بمبدأ أخذ المعقول من المنقول؟ فإذا افترضنا أن هذا الشخص هو من أهل الذكر والعلم، ولكنه حين يقدم اجتهاده على شكل فتوى فإنه يستخدم مفتاحين لفتح خزانة الفتاوى، الأول هو: النص الشرعي، والثاني هو: العقل البشري، ولا يعتقد بإمكان فتح الخزنة إلا بهذين المفتاحين معاً، فما رأيكم في ذلك؟.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الأدلة الشرعية لا تنافي ما تقتضيه العقول السليمة، وهذا الأمر مقطوع به، والأدلة عليه كثيرة، ومن أهمها:
(1) أن الأدلة الشرعية لو جاءت على خلاف ما تقتضيه العقول لكان التكليف بمقتضاها تكليفاً بما لا يطاق، وذلك من جهة التكليف بتصديق ما لا يصدقه العقل ولا يتصوره، بل يتصور خلافه ويصدقه.
(2) أن مناط التكليف هو العقل، ولذلك رفع التكليف عن فاقد العقل كالمجنون والمعتوه، ونحوهما، ولو جاءت الأدلة الشرعية على خلاف ما تقتضيه العقول لكان لزوم التكليف على العاقل أشد من لزومه على المجنون والمعتوه، لأنه لا عقل لهؤلاء يصدق أو لا يصدق، بخلاف العاقل الذي يأتيه ما لا يمكن تصديقه به.
(3) أنه لو كان كذلك لكان الكفار أول من رد الشريعة به، لأنهم كانوا في غاية الحرص على رد ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم-، فلو كانت على خلاف ما تقتضيه العقول لقالوا: إن هذا لا يعقل، لكنهم لم يقولوا شيئاً من ذلك، فدل على موافقتها للمعقول.
وإذا ثبت أن أدلة الشريعة وأحكامها جارية على ما يوافق العقول السليمة، فإنه لا يمكن ولا يتصور أن يقع تعارض أو تناقض بين النقل الصحيح والعقل الصريح، لما سبق ذكره من ملاءمة الشريعة للعقول السليمة، وإذا حصل عند الإنسان تعارض بينهما فإن هذا التعارض إنما هو في نظر الإنسان، وليس في نفس الأمر وحقيقته والمقدم هنا هو النقل، لأن النقل الصحيح لا يعتريه ما يعتري العقل من الأهواء والآفات والأمراض.
ولأجل هذا فإن المرجع في استنباط الأحكام وتحرير الفتاوى والبحث في النواحي الشرعية هو النصوص الشرعية الصحيحة، سواء وافق ذلك عقولنا أم خالفها، لأننا في هذا المجال لا نبحث عن حكم عقولنا، وإنما نبحث عن حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم-، وطريق معرفة حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- هو الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة.
ومما يؤيد هذا الأمر أن الأحكام الشرعية منها ما هو معقول المعنى وهو الكثير، ومنها ما ليس كذلك، بحيث لا يهتدي العقل إليها، بل يتلقاها المسلم بالقبول من غير أن يكون للعقل مدخل فيها، كأعداد الركعات في الصلوات، وأعداد الحصى في رمي الجمرات، والغسل من بول الجارية، والنضح من بول الغلام، ومسح أعلى الخف، وترك أسفله، وأشباه ذلك مما لا مجال للعقل فيه.
ولو جعلنا العقل حاكماً في المسائل الشرعية لما قبلنا هذا النوع من الأحكام؛ لأن العقل لا يهتدي إليها، ولا يفهم مما سبق ذكره أن الإسلام لا يجعل للعقل اعتباراً واهتماما، بل اهتم الإسلام بالعقل وأمر بإعماله في فهم سنن الله في الكون، وفي التدبر في أحكامه وشرائعه وآياته، ولذلك فإن كثيراً من الآيات تختم بما يدل على الاهتمام بالعقل نحو قوله: "أفلا تعقلون" [البقرة: 44] و"أفلا تتفكرون" [الأنعام: 50] ، ونحو ذلك، إلا أن الإسلام جعل للعقل حدوداً لا يتعداها ولا يقصر عنها، وهذه الحدود موضحة في نصوص الكتاب والسنة، والمجال لا يتسع لذكرها.
ومما تحسن الإشارة إليه أن أهل العلم بحثوا هذه المسألة وتكلموا عنها في كتبهم المختلفة، ومن أهم هذه المؤلفات وأحسنها: كتاب درء تعارض العقل مع النقل، لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- وهو كتاب نادر وفريد في بابه، ينصح بالاطلاع عليه لمن أراد الاستزادة حول موضوع موافقة المعقول للمنقول.
والله الموفق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/444)
الزندقة وتتبع الرخص
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 9/3/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ.. أرجو أن توضح لنا المقصود بـ "من تتبع الرخص فقد تزندق"، حيث إنني اختلفت أنا وزملائي في الجمع والقصر في القرية التي نسكنها، وهي تبعد عن بلدتنا 160 كلم، فأخذت برأي الجمع وأنا في تلك القرية، فأجمع الصلوات؛ بل حتى إننا نصلي في البيت إذا كنا جماعة لأننا مسافرون، وهذا أخذاً برأي أحد المشايخ المعروفين عندنا، فقالوا أنت تتبع الرخص، فأرجو منكم إيضاح الحق في هذا؟ وفقكم الله.
الجواب
أما معنى قولهم: "من تتبع الرخص فقد تزندق"، أي أن من تتبع الأقوال الشاذة والآراء المطروحة من شذوذات بعض أهل العلم، التي لا يكاد يسلم منها أحد من أهل العلم، فإن هذه علامة نفاق (تزندق) ، لأنه حينئذ يكون ممن اتبع هواه، وليس غرضه اتباع الحق من الكتاب والسنة، واعلم يا محب أن كل من لم يتبع الدليل من الكتاب والسنة بعد تبينه له ووضوح الدلالة من النص؛ فهو متبع لهواه ولابد، يقول تعالى: "فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [القصص:50] ، أما فيما يخص مسألتك، فالذي فهمت من سؤالك أنك مقيم في القرية، وساكن فيها، واتخذت بيتاً أنت وزملاؤك يصلح لمثلكم، فعلى هذا فقد انقطع السفر في حقكم، ولا يجوز لك الترخص برخص السفر، وهذا هو قول أكثر أهل العلم - رحمهم الله-، وأنت في هذا كأهل القرية الأصليين، لأنك اتخذت سكناً وأثثته بما يناسب حالك، وهذا نوع إقامة بلا شك، ولا يوجد في الشرع إلا مسافر ومن في حكمه أو مقيم، وأنت من المقيمين، أما إن كنت قد ضربت في الأرض وسافرت بسيارتك، فأنت في مسيرك مسافر، تترخص برخص السفر كلها، والله أعلم.(4/445)
التكني بأبي القاسم
المجيب د. أحمد بن محمد أبا بطين - رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 2/1/1424هـ
السؤال
هل يجوز أن يُكنى المرء بـ (أبو القاسم) تيمناً وتأسياً واقتداءً بالحبيب -صلى الله عليه وسلم-؟ وما أفضل ما يكنى به المرء نفسه من الأسماء؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب
كان النهي عن الكنية بـ (أبو القاسم) في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- على الراجح من أقوال أهل العلم -أما الآن فلا بأس بالإطلاق بكنية (أبو القاسم) ، والله أعلم.
أما أفضل ما يُكنى المرء نفسه فهذا يحتاج إلى عدم التكرار في المجتمع الصغير بكنية واحدة.
والكنية بـ (أبو عبد الله) أو (أبو عبد الرحمن) مناسبة إذا لم تسبق إليها في مجتمعك الصغير.(4/446)
استخدام الميل الفضي
المجيب د. عبد الله بن عمر السحيباني
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 9/1/1424هـ
السؤال
هل يجوز استخدام ميل الكحل إذا كان مصنوعاً من فضة لأنه لا يصدأ ولا يؤثر سلباً على العين كما لو كان من معادن أخرى؟
الجواب
ذهب عامة الفقهاء إلى تحريم اتخاذ آلة الاكتحال من الفضة أو الذهب، واستدلوا بحديث أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنها:"الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" متفق عليه البخاري (5634) ، ومسلم (2065) ، ووجه الدلالة من الحديث: أن منفعة استعمال آلة الاكتحال عائدة إلى البدن، فأشبه الأكل والشرب لاستواء ذلك في الاستعمال، ثم إن كل ما كان خارجاً عن جسد المرأة فلا يباح اتخاذه من أحد النقدين (الذهب والفضة) ، وآلة الاكتحال خارجة عن الجسد.(4/447)
الحكمة من تحريم الأغاني والموسيقى
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 23/9/1424هـ
السؤال
ما هي الحكمة من تحريم الأغاني أو الموسيقى؟
الجواب
الأخت سمية السلام عليكم، وشكرا لمراسلتك لنا على موقع الإسلام اليوم، ثم اعلمي بارك الله فيك انه ليس بالضرورة العلم بحكمة ما يحرم علينا؛ لأن ذلك من باب الاختبار والامتحان، هل نلتزم بما نؤمر به وننهى عنه أم لا؟ وهل نسلم بما يحرم علينا ولو لم نعلم الحكمة أم لا؟ وتأملي معي قول الله عز وجل: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" [النساء: 65] لا حظي ويسلموا تسليما لا بد من التسليم الكامل لله ولرسوله في كل أمر أمرنا به، أو نهي نهينا عنه علمنا فيه الحكمة أو لم نعلم، وكذلك قوله تعالى: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا" [الأحزاب:36ٍ] وتأملي قوله: "يكون لهم الخيرة من أمرهم" وقارنيه بما عليه كثير من الناس من التردد من قبول أمر الله وأمر رسوله؛ لأنهم لم يقتنعوا بالحكم وهنا تكمن الخطورة وأصبحنا نرى أناسا يقترحون على الدين أحكاما ويتساهلون بالتحليل والتحريم بما يوافق هواهم؛ لمجرد انهم لا يجدوا في ذلك الحكم حكمة أو غير مقتنعين بالحكمة التي يمكن أن تظهر منها؛ لذلك عجبت من قول عائشة بنت الصديق - رضي الله عنهما- كما في البخاري (321) ، ومسلم (335) لما سئلت ما بال المرأة إذا حاضت تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة؟ تأملي معي جوابها: أنها لم تقل الصلاة كثيرة ومتكررة في كل يوم فخفف عن الحائض ذلك واقتصر على قضاء الصيام؛ لأنه شهر واحد في السنة أنها لم تقل من ذلك شيئا لقد قالت: (كنا يصيبنا ذلك على عهد رسول الله فنؤمر بقضاء الصيام دون الصلاة) ما الحكمة إذاً أنه الأمر والامتثال له، هكذا يغلقون أبواب الشيطان على أنفسهم وأبواب التردد في العمل بالحكم بحجة عدم فهم الحكمة؛ لذلك ينبغي يا أختي أن نوطن أنفسنا على العمل بالأحكام الشرعية سواء أدركنا الحكمة أم لم ندرك وإذا كان هناك أمر ذكروه أهل العلم في الحكمة من الأمر أو النهي دون تكلف فهو نور على نور ومما يمكن ذكره هنا من حكمة تحريم الغناء ما يمكن أن يجلبه على النفس من التعلق بغير ذكر الله والصد عن القرآن، وتحديث النفس بما يغنى به من ذكر الحبيب والهيام به؛ ولذلك وجدنا اليوم أن الغناء أصبح حقيقة بريد الزنا بسببه تهيج النفوس للحرام وتبعث الشهوات بتلك الأصوات الداعية للخنا والبعد عن الله، وكم وجدنا من أناس يرددون الأغاني ويخشعون لها اعظم من تردادهم لذكر الله أو خشوعهم بسماع القرآن، بل وجدنا من يعرض عن سماع القرآن؛ لأنه لا يجد فيه لذة ولا متعة بخلاف حاله مع مزمار الشيطان والحال اليوم تشهد بضحايا الأغاني وظهور حكمة التحريم منه اعظم من الحديث حولها والله الموفق وهو الهادي لسواء السبيل والسلام عليكم.(4/448)
الاشتغال بالإعجاز العلمي في النصوص الشرعية
المجيب د. محمد بن إبراهيم دودح
باحث علمي في هيئة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 17/1/1425هـ
السؤال
هل يوجد دليل على مشروعية الاشتغال بمسألة الإعجاز العلمي في القرآن أو السنة النبوية الصحيحة؟ وهل نجد مثالا في عهد (خير القرون) على ذلك؟ لأن الموضوع بين الذين يؤيدونه بشكل مطلق والذين ينفونه بشكل مطلق أيضا ضاع عليهم الاحتكام إلى الشرع كما أمر بذلك العزيز الحكيم. وجزاكم الله خيرا ً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لقد ادخر القرآن الكريم كثيراً من الآيات للأجيال في عبارات معلومة الألفاظ، لكن الكيفيات والحقائق لا تتجلى إلا حيناً بعد حين، يقول -تعالى-: "إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين" [ص:87 - 88] ، وقد فسر الطبري معنى الحين بقوله: (فلا قول فيه أصح من أن يطلق كما أطلقه الله من غير حصر ذلك على وقت دون وقت) انظر تفسير الطبري (23/21) ، فلكل نبأ في القرآن زمن يتحقق فيه، فإذا تجلى الحديث ماثلاً للعيان أشرقت المعاني وتطابقت دلالات الألفاظ والتراكيب مع الحقائق، وهكذا تتجدد معجزة القرآن على طول الزمان، يقول العلي القدير: "وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل لكل نبأٍ مستقر وسوف تعلمون" [الأنعام: 66-67] ، ونقل ابن كثير عن ابن عباس - رضي الله عنهما- تفسيره للمستقر بقوله: "لكل نبأ حقيقة أي لكل خبر وقوع ولو بعد حين"، وقد تردد هذا الوعد كثيراً في القرآن الكريم بأساليب متعددة كما في قوله -تعالى-: "ثم إن علينا بيانه" [القيامة: 19] ، وقوله: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" [فصلت: 53] وقوله: "وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها" [النمل: 93] ، قال ابن حجر: (ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة وخرقه للعادة في أسلوبه وفي بلاغته وإخباره بالمغيبات فلا يمر عصر من العصور إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه) فتح الباري (9/7) ، قال محمد رشيد رضا: (ومن دلائل إعجاز القرآن أنه يبين الحقائق التي لم يكن يعرفها أحد من المخاطبين بها في زمن تنزيله بعبارة لا يتحيرون في فهمها والاستفادة منها مجملة وإن كان فهم ما وراءها من التفصيل الذي يعلمه ولا يعلمونه يتوقف على ترقي البشر في العلوم والفنون الخاصة بذلك) ، وقال جوهري: (أما قولك كيف عميت هذه الحقائق على كثير من أسلافنا؟، فاعلم أن الله هو الذي قال: "سأريكم آياتي فلا تستعجلون" [الأنبياء: 37] ، وقال: "وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها" [النمل: 93] ، إن الله لا يخلق الأمور إلا في أوقاتها المناسبة وهذا الزمان هو أنسب الأزمنة، والمدار على الفهم، والفهم في كل زمان بحسبه، وهذا زمان انكشاف بعض الحقائق) تفسير الجواهر (8/30-10/65) ، وفي قوله -تعالى-: "سأريكم آياتي فلا تستعجلون" [الأنبياء: 37] ، قال ابن عاشور: (وعد بأنهم سيرون آيات الله في نصر الدين) وهي كما قال الرازي: (أدلة التوحيد وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم- ولذلك قال سبحانه: "فلا تستعجلون"، أي أنها ستأتي لا محالة في وقتها، واستعجال المنكرين يعني كما قال جوهري: (استبعاد ما جاء في هذه الآيات من الأمور العلمية التي أوضحها علماء العصر الحاضر، فهم يستبعدونها طبعاً لأنهم لا يعقلونها فقال الله تعالى لا تستبعدوا أيها الناس: "سأريكم آياتي فلا تستعجلون" [الأنبياء: 37] ، فإذا لم تفهمها أمم سابقة، سيعرفها من بعدهم، فقد ادخرنا هذه الأمور لأمم ستأتي؛ لتكون لهم آية علمية على صدقك فتكون الآيات دائماً متجددة، قال الرافعي: (والكلام في وجوه إعجاز القرآن واجب شرعاً وهو من فروض الكفاية، وقد تكلم فيه المفسرون والمتكلمون، فإن كان ذلك قد وفى حاجة تلك الأزمنة، فهو لا يفي بحاجة هذا الزمان إذ هي داعية إلى قول أجمع وبيان أوسع، وبرهان أنصع في أسلوب أجذب للقلب وأخلب للب، وأصغى للأسماع، وأدنى إلى الإقناع) (إعجاز القرآن ص20) .(4/449)
تأويل حديث: (القاتل والمقتول في النار)
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 27/04/1425هـ
السؤال
الجمع بين حديث: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" وبين الآية: "وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما.." وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد:
الحديث المذكور في السؤال أخرجه البخاري ح (31) ، ومسلم ح (2888) ، من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، فقلت: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه، وليس هناك تعارض بين الآية وهي قوله - عز وجل-: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [الحجرات:9] ، وبين الحديث؛ بل يؤخذ من الآية دلالة على أن ما يحصل بين المؤمنين من قتال: فإنه لا يخرجهم عن الإيمان، فقد سماهم الله مؤمنين مع الاقتتال، وقال بعد ذلك: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" [الحجرات:10] ، وأخرج البخاري ح (2704) من حديث الحسن عن أبي بكرة - رضي الله عنه- قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خطب يوماً ومعه على المنبر الحسن بن علي - رضي الله عنهما- فجعل ينظر إليه مرة وإلى الناس أخرى، ويقول: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"، فكان كما أخبر عليه الصلاة، والسلام أصلح الله به بين أهل الشام والعراق بعد الحروب التي وقعت بينهم، وعلى هذا فمرتكب الكبيرة من قتل - وهذا إذا كانت المقاتلة بغير تأويل سائغ- وزنى وشرب خمر هو تحت المشيئة، ولا يخرج عن الملة، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة، كما قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ" [النساء: من الآية48] ، وقد بوب البخاري في كتاب الإيمان بقوله: باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها إلا بالشرك، ثم بوب أيضاً بقوله: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا" [الحجرات: من الآية9] ، قال البخاري: فسماهم المؤمنين، وذكر حديث أبي بكرة: "إذا التقى المسلمان...." الحديث قال ابن بطال: (غرض البخاري الرد على من يكفر بالذنوب كالخوارج ويقول إن من مات على ذلك يخلد في النار، والآية ترد عليهم، لأن المراد بقوله: "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء: 48] ، من مات على كل ذنب سوى الشرك) ، قال الحافظ ابن حجر: (واستدل المؤلف يعني البخاري أيضاً على أن المؤمن إذا ارتكب معصية لا يكفر بأن الله تعالى أبقى عليه اسم المؤمن فقال: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا" [الحجرات: 9] ، ثم قال: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم" [الحجرات: 10] ، واستدل أيضاً بقوله - صلى الله عليه وسلم- "إذا التقى المسلمان بسيفيهما" (سبق تخريجه) فسماهما مسلمين مع التوعد بالنار) ، والمراد هنا إذا كانت المقاتلة بغير تأويل سائغ. والحاصل أن ما جاء في هذا الحديث من توعد الملتقيين بسيفيهما بالنار، هذا الوعيد تحت مشيئة الله - عز وجل- إن شاء عذبهما وإن شاء غفر لهما؛ لعموم قوله: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء: 48] . لكن لا يخلدان في النار، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة في حكم مرتكب الكبيرة إذا مات من غير توبة؛ لأن التوبة تجب ما قبلها هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(4/450)
هل يقع التعارض بين نصوص الكتاب والسنة؟
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 7/10/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل يمكن أن يعارض حديث صحيح القرآن الكريم؟ هل يمكن أن ينسخ حديث صحيح حكماً من أحكام القرآن، أو يضيف حكماً إضافياً لحكم ثابت بالقرآن؟ أرجو التوضيح بأمثلة على كل مسألة، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: يقول الله سبحانه وتعالى:"ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً" [النساء: 82] ، وانطلاقاً من هذه الآية الكريمة ومثيلاتها فإن النصوص الشرعية-من الكتاب والسنة- يصدق بعضها بعضاً، ويؤكد بعضها ما يدل عليه البعض الآخر. ونتيجةً لهذا الترابط بين الأدلة الشرعية فإنه لا يمكن ولا يتصور أن يقع تعارض حقيقي بين دلالات النصوص الشرعية، بحيث يدل بعضها على حكم وبعضها الآخر على حكم مخالف للحكم الأول، بحيث لا يمكن الجمع بينهما.
وقد يقول قائل: كيف يقرر هذا الأمر ونحن نجد كثيراً من الأدلة الشرعية حكم العلماء بوقوع التعارض بينها، ومصداقاً لذلك فإنهم وضعوا القواعد والضوابط التي يجب أن يراعيها الإنسان عندما يعرض له دليلان متعارضان كل منهما يدل على خلاف ما يدل عليه الآخر؟ وهذا يدل على وقوع التعارض بين الأدلة الشرعية. فيقال: إن التعارض بين الأدلة الشرعية ليس واقعاً في نفس الأمر وحقيقته؛ لأن الأدلة الشرعية منزَّهة عن الاضطراب والخلل؛ لأنها منزلة من أحكم الحاكمين الذي خلق فأحسن ما خلق وشرع فأحكم ما شرع، وإنما هو في نظر الإنسان فقط، نتيجةً لقصور فهمه، ويؤيد هذا أنه قد يتعارض عند إنسان أدلةٌ لا تتعارض عند غيره، مما يدل على أن هذا التعارض ليس في حقيقة الأمر. ومن خلال ما سبق يتبين أنه لا يمكن أن يتعارض دليلان صحيحان أبداً سواءٌ أكانا من الكتاب أو من السنة أو منهما، ولكن إذا عرض للإنسان دليلان يظهر أنهما متعارضان، فإن الواجب عليه أن يسلك طرق دفع التعارض ورفعه التي قررها أهل العلم، وهي:
(1) الجمع بينهما، وهو أول الطرق وأولاها؛ لأن الجمع بين الدليلين فيه عمل بكلا الدليلين، وهو المتعين عند القدرة عليه، قال الخطيب البغدادي في كتاب الفقيه والمتفقه (المجلد الثاني 222-223) : (ما من نصين صحيحين متخالفين إلا ويمكن الجمع بينهما) .
ويمكن التمثيل لهذا الطريق بالتعارض الذي يظهر بادئ الأمر بين قوله تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" [المائدة: 38] .
وقوله عليه الصلاة والسلام:"لا تقطع اليد إلا في ربع دينارٍ فما فوقه" أخرجه البخاري (6790) ، ومسلم (1684) من حديث عائشة -رضي الله عنها- ووجه التعارض هنا: أن الآية تفيد قطع يد كل سارق سواءٌ أسرق كثيراً من المال أو قليلاً، والحديث يفيد أن القطع لا يكون إلا لمن سرق ربع دينارٍ فصاعداً، ولكن هذا النوع من التعارض ليس حقيقياً، ولذلك فإنه يدفع بوجهٍ من وجوه الجمع، وهو حمل العام على الخاص، حيث نخصص عموم الآية بالحديث فنقطع يد كل من سرق ربع دينارٍ فصاعداً ولا نقطع يد من سرق أقل من ذلك، وفي هذا الجمع عمل بكلا الدليلين. فإن تعذر الجمع بين الدليلين المتعارضين بأي وجهٍ من وجوه الجمع انتقلنا إلى الطريق الثاني، وهو:
(2) النسخ، فنحكم بأن أحد الدليلين المتعارضين ناسخٌ لحكم الدليل الآخر، فنعمل بالدليل الناسخ ونترك الدليل المنسوخ، ولكن هذا الطريق مشروط بمعرفة تاريخ كلٍ من النصين؛ لأن النسخ عبارة عن رفع حكم الدليل الأول بالدليل الثاني المتأخر عنه، وإذا جهلنا التاريخ لم نعرف المتقدم من المتأخر، فلا نستطيع معرفة الناسخ من المنسوخ. ويمكن التمثيل لهذا الطريق بقوله تعالى:"واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهم أربعةً منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً " فإن هذه الآية دالة على أن المرأة إذا اقترفت الفاحشة وثبتت عليها فإنها تمسك في البيوت حتى يتوفاها الموت أو يجعل الله لها سبيلاً، إلا أن هذه الآية منسوخة بقول النبي صلى الله عليه وسلم:" خذوا عني، خذوا عني، خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة أو الرجم ". (رواه مسلم، كتاب: الحدود، باب: حد الزنى، رقم الحديث: 4414) ، وكذلك آية الوصية للوالدين والأقربين، وهي قوله تعالى:" كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين" نُسخت بقوله صلى الله عليه وسلم:" إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث" (رواه أبو داود، كتاب: الوصايا، باب: ما جاء في الوصية للوارث، رقم الحديث: (2870) ، والترمذي، كتاب: الوصايا، باب: ما جاء لا وصية لوارث، رقم الحديث: (2120) ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح) فإن تعذَّر معرفة الناسخ من المنسوخ من الدليلين المتعارضين فإنا ننتقل إلى الطريق الثالث، وهو:
3- الترجيح، فإذا تعارض عند الإنسان دليلان ولم يستطع الجمع بينهما، وتعذَّر عليه معرفة الناسخ من المنسوخ، فإن عليه حينئذٍ المصير إلى الترجيح بينهما، فينظر في الدليلين المتعارضين ويعمل بوجوه الترجيح التي ذكرها أهل العلم، فما ترجح منهما وجب أخذه والعمل به؛ لأن العمل بالراجح متعين، ومن نظر في أحوال الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين ومن بعدهم وجدهم متفقين على العمل بالراجح وترك المرجوح. فإن تعذر عليه معرفة الراجح من المرجوح، فإن العلماء قد اختلفوا فيما يجب عليه، والذي يظهر من أقوالهم أن الدليلين يتساقطان ويطلب الحكم من غيرهما. وهذا الكلام المذكور يسري في جميع الأدلة التي يظهر منها التعارض، سواءٌ أكان الدليلان المتعارضان من الكتاب أو من السنة أو أحدهما من الكتاب والآخر من السنة. ما سبق ذكره هو الواجب عندما يعرض للإنسان دليلان يظهر منهما التعارض، وقد ذكرت هذه الطرق على سبيل الإيجاز والاختصار، وإلا فلأهل العلم فيها كلام طويل لا يناسب المقام ذكره، ومن أراده فعليه بالرجوع إلى مباحث التعارض والترجيح المذكورة في كتب أهل العلم خصوصاً ما كتبوه في مؤلفاتهم في أصول الفقه.
ثانياً: ذهب كثير من أهل العلم إلى جواز أن تكون السنة ناسخة للقرآن الكريم، سواء أكانت السنة متواترةً أو آحاداً، واستدلوا بأدلة عديدة، أهمها وأولاها: الوقوع، وهو أقوى أدلة الجواز عموماً. ومن أمثلة نسخ السنة المتواترة للقرآن الكريم ما تقدم ذكره، وهو نسخ عقوبة الزنا الواردة في القرآن الكريم بقوله عليه الصلاة والسلام:"خذوا عني ……وكذلك نسخ الوصية للوالدين والأقربين الواردة في القرآن الكريم بقوله عليه الصلاة والسلام:" لا وصية لوارث". ومن أمثلة نسخ السنة الآحادية للقرآن الكريم: قوله تعالى:" قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة" الآية، فإنها منسوخة بأن النبي عليه الصلاة والسلام:" نهى عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير " (رواه مسلم، كتاب: الصيد والذبائح، باب: تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، رقم الحديث: 4994) ، وهو خبر آحاد.
ثالثاً: أما ما سألت عنه من جواز أن تضيف السنة حكما إضافيا لحكم ثابت بالقرآن؟ فهذه المسألة تكلم عنها أهل العلم في المباحث المتعلقة بالسنة وبحثوها تحت عنوان: استقلال السنة بالتشريع، أي: هل يجوز أن تثبت السنة أحكاماً غير ثابتة في القرآن؟ وهذه المسألة وقع فيها خلاف بين أهل العلم، حيث أجازه قوم ومنعه آخرون، والراجح - والله أعلم - هو الجواز، ويدل للجواز أدلة عديدة قوية، ومن أهمها:
1- عموم عصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن الخطأ في التبليغ لكل ما جاء به عن الله تعالى، ومن ذلك ما روته السنة وسكت عنه الكتاب.
2- عموم آيات الكتاب الدالة على حجية السنة، فهي دالةٌ على حجيتها: سواءٌ أكانت مؤكدةً لما في الكتاب، أم مبينةً له، أم مستقلة.
3- الوقوع، فقد ثبتت أحكام كثيرة لم يكن لها ذكر في القرآن، وإنما كان مستندها السنة المستقلة عن القرآن، وأجمع المسلمون على مشروعيتها، ولو لم يكن هذا النوع من السنة محتجاً به لما ثبتت هذه الأحكام، ولما أجمع المسلمون عليها، ومن هذه الأحكام:
أ - ميراث الجدة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس (رواه أبو داود، كتاب: الفرائض، باب: في الجدة، رقم الحديث:2894، والترمذي، كتاب: الفرائض، باب: ما جاء في ميراث الجدة، رقم الحديث: 2100، وقال ابن قدامة في المغني (9/54) :قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح) .
ب - مشروعية الشفعة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم (متفق عليه، رواه البخاري، كتاب: الشفعة، باب: الشفعة فيما لم يقسم، رقم الحديث: (2257) ، ومسلم، كتاب: المساقاة والمزارعة، باب: الشفعة، رقم الحديث: (4128) .
ج - تحريم الجمع بين المرأة وعمتها في النكاح، فقد ثبت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه (متفق عليه، رواه البخاري، كتاب: النكاح، باب: لا تنكح المرأة على عمتها، رقم الحديث: (5110) ، ومسلم، كتاب: النكاح، باب: تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، رقم الحديث: (3443) .
د - تحريم لحوم الحمر الأهلية، فقد ثبت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أكلها (متفق عليه، رواه البخاري، كتاب: الذبائح والصيد، باب: لحوم الحمر الإنسية، رقم الحديث: (5521) ، ومسلم، كتاب: الصيد والذبائح، باب: تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، رقم الحديث: (5009) .
وغير ذلك من الأحكام التي ثبتت، وعمل بها المسلمون قديماً وحديثاً، وكان مستندهم في ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يكون لها ذكر في القرآن الكريم. ومن أراد الاستزادة حول موضوع استقلال السنة بالتشريع فعليه بكتاب: حجية السنة، للدكتور عبد الغني عبد الخالق -رحمه الله- فقد جمع في كتابه هذا كلام أهل العلم في المسألة ووجهه بطريقة علمية متميزة. والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(4/451)
دلالة الاقتضاء والإيماء
المجيب عبد الله بن سعد الكليب
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 9/2/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: يذكر الأصوليون ويقولون دلالة الاقتضاء ودلالة الإيماء ومفهوم المخالفة ومفهوم الموافقة، وغير ذلك من الدلالات، نريد القول الراجح في العمل بهذه الدلالات مع خلاصة مبسطة لكي يسهل علينا حفظها وفهمها مع ذكر أمثلة وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على رسوله. وبعد:
فتنقسم دلالة اللفظ على الحكم عند الجمهور إلى قسمين هما: منطوق ومفهوم ولكل منهما أقسام:
المنطوق وأقسامه:
المنطوق هو: ما دل عليه اللفظ في محل النطق، وذلك كدلالة قوله: "لا يغتب بعضكم بعضا" [الحجرات:12] على النهي عن الغيبة وهو قسمان: صريح وغير صريح، والصريح هو: هو ما وضع اللفظ له فيدل عليه بالمطابقة أو التضمن، كالمثال السابق وكما في قوله تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا" [البقرة:275] ، فإنه يدل بمنطوقه الصريح على حل البيع وحرمة الربا. والمنطوق غير الصريح هو: ما لم يوضع اللفظ له، بل هو لازم لما وضع له، أي هو دلالة اللفظ على الحكم بطريق الالتزام لا بطريق المطابقة والتضمن وله أقسام:
1- دلالة اقتضاء وهي دلالة اللفظ على ما يكون مقصودا للمتكلم ويتوقف عليه صدق الكلام أو صحته عقلا أو شرعاً، ومثال الأول قوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" أخرجه ابن ماجة (2043) وصححه الألباني، فإن الخطأ والنسيان لم يرفعا بدليل وقوعهما من أمته إذن فلا بد من تقدير شيء حتى يكون الكلام صادقا وذلك بأن نقول رفع إثم الخطأ والنسيان أو نحو ذلك.
ومثال الثاني: قوله تعالى: "واسأل القرية" [يوسف:82] فإن هذا الكلام لا بد فيه من تقدير لفظ لكي يصح عقلا وهو لفظ الأهل إذ القرية وهي الأبنية المجتمعة لا يصح سؤالها عقلاً.
ومثال الثالث: قوله تعالى: "فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر" [البقرة:184] فتقدير الكلام فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر إذ إن المريض والمسافر إذا صاما فلا قضاء عليهما شرعاً. فاحتجنا إلى تقدير لفظ فأفطر.
ودلالة الإيماء هي: دلالة اللفظ على لازم مقصود للمتكلم لا يتوقف عليه صدق الكلام أو صحته عقلاً أو شرعاً بسبب اقتران الحكم بوصف لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان اقترانه به غير مقبول ولا مستساغ فيفهم منه التعليل ويدل عليه وإن لم يصرح به، ومثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق" أخرجه الترمذي (1378) وأبو داود (3073) ، وأحمد (22272) ، ومالك (1456) وصححه الألباني فهنا اقترن تملك الأرض بوصف الإحياء فلو لم يكن وصف الإحياء علة في التملك لكان ذكر هذا الوصف لا معنى له، دلالة الإشارة هي: دلالة اللفظ على لازم غير مقصود للمتكلم، ومثاله قوله تعالى: "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً" [الأحقاف:15] مع قوله تعالى: "وفصاله في عامين" [لقمان:14] فإنه يدل على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وهذه الدلالة ليست هي المقصود بالآيتين، وإنما المقصود في الآية الأولى هو بيان حق الوالدة وما تقاسيه من التعب في الحمل والرضاع، والمقصود في الآية الثانية بيان أكثر مدة الرضاع، ولكن هذه الدلالة لازم للمقصود من الآيتين.
القسم الثاني: المفهوم وهو: ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، وهو قسمان: مفهوم الموافقة، ومفهوم المخالفة.
مفهوم الموافقة: هو دلالة اللفظ على ثبوت حكم المنطوق به للمسكوت عنه لاشتراكهما في معنى يدرك من اللفظ بمجرد معرفة اللغة دون الحاجة إلى بحث واجتهاد، ومثاله قوله تعالى: "فلا تقل لهما أف" [الإسراء23] فإنه يدل على تحريم الضرب - وهو المسكوت عنه - لاشتراك التأفف والضرب في معنى الإيذاء.
ومفهوم المخالفة: هو دلالة اللفظ على ثبوت حكم للمسكوت عنه مخالف لما دل عليه المنطوق، ومثاله: قوله تعالى:" ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات" [النساء:25] ، فإنه يدل على تحريم الزواج بالإيماء عند استطاعة طول الحرة، وكقوله تعالى: "وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن" [الطلاق:6] ، فإنه يدل على عدم وجوب النفقة للمعتدة غير الحامل، وهذه الدلالات جميعها صحيحة ومعتبرة على تفاوت بينها في قوة الدلالة.(4/452)
حدود الله في (الطلاق- والمعاملات- والعبادات)
المجيب راشد بن فهد آل حفيظ
القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 15/6/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
أخي الكريم -أعزكم الله- ما هي حدود الله في (الطلاق - والمعاملات - والعبادات؟) وجزاكم الله عنا وعن الأمة الإسلامية خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فالجواب: أن هذا سؤال مهم جداً، ونافع ومفيد لطالب العلم، وجوابه يحتاج إلى بسط، فأقول مستعيناً بالله، مراعياً جانب الاختصار ما يلي:
أولاً: العبادة ومفهومها: إن للعبادة مفهوماً عاماً، ومفهوماً خاصاً: أما العام فهو التذلل لله -تعالى- محبة وتعظيماً، بفعل أمره واجتناب نهيه على الوجه الشرعي.
أما الخاص: ويتعلَّق بتفاصيلها فهو أن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، والأصل فيها المنع والحظر، فلا يجوز لأحد أن يتعبد لله -تعالى- إلا بما شرعه، أو شرعه لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" [الشورى: 21] .
فمن تعبد الله بشيء لم يشرعه الله، أو بشيء لم يكن عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه الراشدون فهو مبتدع، سواء كان ذلك التعبد فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، أو فيما يتعلَّق بأحكامه وشرعه؛ قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور"رواه أبو داود (4607) ، والترمذي (2776) ، وابن ماجة (42) ، والعبادة مبنية على أمرين:
الأول: الحب، فبه تطلب مرضاة المعبود، تحبه فتطلبه.
الثاني: التعظيم، فبه يُهرب من معصية المعبود، تعظمه فتخافه.
ولا تقبل العبادة إلا بشرطين:
الأول: الإخلاص لله -تعالى- بأن يقصد المرء بعبادته التقرُّب إلى الله -تعالى- والوصول إلى دار كرامته.
الثاني: موافقة الشريعة، فلا بد من المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم- بأن يعبد الله -تعالى- على وفق ما شرعه -صلى الله عليه وسلم- أو قلَّ.
والأدلة على هذين الشرطين كثيرة منها: قوله -تعالى-: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا" [الكهف: 110] ، وقوله -تعالى-: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء" [البينة: 5] ، وقال صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"رواه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) من حديث عائشة-رضي الله عنها-.
ثانياً: الطلاق، وحكمه:
الطلاق: هو حل قيد النكاح أو بعضه، فإن كان بائناً فهو حل لقيد النكاح كله، ولا يكون إلا بعد نكاح، والأصل فيه الكراهة؛ لقوله -تعالى-: "فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم" [آل عمران: 226-227] ، فقوله: "سميع عليم" فيه شيء من التهديد، وهذا في الطلاق، أما في الفيء فقال: "فإن الله غفور رحيم"، فدل هذا على أن الطلاق غير محبوب إلى الله -عز وجل- وأن الأصل فيه الكراهة، وقال صلى الله عليه وسلم: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" رواه أبو داود (2178) ، وابن ماجة (2018) من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما- لكن هذا الحديث ضعيف، وفي معناه نظر واضح - ولأن في الطلاق تشتيت للأسرة غالباً- ويباح الطلاق للحاجة، مثل ألا يستطيع الزوج الصبر على زوجته، ويستحب لضرر المرأة؛ لما في ذلك من الإحسان إليها لإزالة الضرر عنها، ويتأكد ذلك جداً في بعض الأحوال ويجب إذا آلى من زوجته بأن حلف ألَّا يجامعها أكثر من أربعة أشهر، فإذا تمت أربعة أشهر فإما أن يرجع ويكفر كفارة يمين، وإما أن يطلق وجوباً، وكذلك يجب أن يطلق إذا اختلت عفتها، ولم يستطع الإصلاح، وكذلك يجب أن يفارقها إذا كانت لا تصلي، وقد أصرَّت على ذلك، ويحرم أن يطلقها طلاقاً بدعياً، إما في الوقت كأن يطلقها في الحيض، أو في طهر جامعها فيه وهي ممن تحيض، ولم يتبين حملها، وإما في العدد بأن يطلق أكثر من واحدة.
إذاً فالطلاق السني أن يطلقها طاهراً من غير جماع، أو قد تبين حملها طلقة واحدة.
وهل يقع الطلاق البدعي أم لا؟
خلاف بين العلماء، وقاعدة شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم وتبعهما العلامة الشيخ/ محمد بن عثيمين: أن الطلاق البدعي لا يقع؛ لأدلة كثيرة معلومة، وبالإمكان الرجوع إليها في (مجموع الفتاوى) (وزاد المعاد) ، و (إغاثة اللهفان) ، و (الإعلام) ، وفتاوى الشيخ محمد بن عثيمين وشرحه للزاد وللبلوغ.
ويصح الطلاق ممن يعقل معناه من زوج مكلف، وصبي مميز.
ثالثاً: المعاملات، والأصل فيها: الأصل في المعاملات الحل؛ لقوله -تعالى-: "وأحل الله البيع وحرم الربا" [البقرة: 275] ، فكل مبايعة أو معاوضة فالأصل فيها الحل، وهكذا بقية العقود، وقال تعالى: "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً" [البقرة: 29] ، ولا يحرم منها إلا ما دل الدليل على تحريمه، ومدار ذلك على أمور ثلاثة:
1- الربا.
2- الغرر.
3- الظلم.
فكل معاملة تضمنت ربا أو غرراً أو ظلماً، أو أدت إلى ذلك فهي محرمة، كما قرره شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، والشيخ العلامة محمد بن عثيمين - رحمة الله على الجميع-؛ لأن المعاملات مبناها على العدل والقسط.
أما الربا ففروعه كثيرة، ومنها مسألة العينة: وهي بيع بيعتين في بيعة؛ بأن يبيع سلعة بثمن مؤجل، ثم يرجع فيشتريها ممن باعها عليه بثمن حالٍّ أقل.
أما الغرر فكل بيع فيه ميسر وقمار ومخاطرة، ومن ذلك كل بيع مجهول.
أما الظلم فهو أعم مما تقدم إذ يشملهما، فكل ما اشتمل على أحدهما من المعاملات دخله الظلم، كما أنه يشمل غير ذلك مما دخله الظلم الظاهر، كبعض المعاملات المعاصرة، ومنها على سبيل المثال: مسألة الإيجار المنتهي بالتمليك، ومنها اشتراط حلول الثمن المؤجل بتأخر سداد أحد الأقساط، كما يحصل في بيع التقسيط أحياناً، ووجه الظلم فيه أن التأجيل يكون له أثر معلوم في زيادة ثمن السلعة على ثمنها لو بيعت بثمن حال، أما قوله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلمين على شروطهم ... " رواه الترمذي (1352) ، وابن ماجة (2353) من حديث عمرو بن عوف المزني -رضي الله عنه- فالمقصود بذلك الشروط الصحيحة التي لا تتضمن ربا، أو غرراً، أو ظلماً، وقد علل الشيخ العلامة محمد بن عثيمين تحريم هاتين المسألتين بذلك - يعني بالظلم-، وذلك حين سألته - رحمه الله-.
المراجع:
1- مجموع فتاوى شيخ الإسلام.
2- القواعد النورانية لشيخ الإسلام.
3- نظرية العقد (العقود) لشيخ الإسلام.
4- زاد المعاد.
5- الإعلام.
6- إغاثة اللهفان (كلها لابن القيم) .
7- مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين.
8- شرحه للزاد والبلوغ المطبوع والمسجل بالأشرطة.
9- الفتاوى السعدية.
10- المختارات الجلية (كلاهما للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي) على الجميع - رحمة الله-. والله أعلم.(4/453)
ما فائدة الإجماع مع ورود النص في المسألة؟!
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 11/05/1426هـ
السؤال
أرجو التوضيح: أحيانا نجد إجماع أهل العلم على أمر ورد فيه نص، فما معنى الإجماع مع ورود النص من الشارع الحكيم؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الإجماع عند الأصوليين: هو اتقاق جميع مجتهدي أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته على حكم شرعي في واقعة، في عصر من العصور، وهو المصدر الثالث من مصادر الاستدلال، بعد الكتاب والسنة. ويحكى الإجماع، عادة في حالين:
إحداهما: في الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، كفرضية الصلاة ونحوها، بغرض تأكيد الثبوت، وحصول الاستفاضة بالعلم بذلك.
والثانية: في مسائل واقعة بعده -صلى الله عليه وسلم-، إذ إن اتفاق الصحابة في عهده لا يعد إجماعاً من حيث كونه دليلاً، لأن الدليل حصل بالسنة النبوية.
وجميع مسائل الإجماع إما تستند إلى دليل، أو لا تخالف دليلاً. فلا يمكن أن تجمع الأمة على خلاف دليلٍ صحيح صريح غير منسوخ. وعليه فحكاية الإجماع على أمرٍ ورد فيه نص يفيد ما يلي:
1 - تكثير الأدلة على إثبات الحكم الشرعي.
2 - الاتفاق على تنزيل النص على واقعة معينة حدثت بعد عصر النبوة.
3 - إثبات فهم السلف للنص على نحو معين.
4 - منع حدوث خلاف لاحق.
والله أعلم.(4/454)
الفرق بين الحكمة والعلة
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 01/11/1425هـ
السؤال
ما الفرق بين العلة والحكمة؟ أرجو ضرب أمثلة حتى يتضح الفرق، مثل العلة أو الحكمة من النوم على الشق الأيمن، وتحريم الخمر، والوضوء من أكل لحم الإبل.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
العلة والحكمة مصطلحان من المصطلحات الأصولية، وقد تكلم عنهما الأصوليون في مواضع مختلفة من كتبهم الأصولية، وأكثر ما يكون ذلك في مباحث القياس ومباحث المصلحة.
وهذان المصطلحان بينهما قدرٌ من التشابه، مما يجعل أحدهما قد يلتبس بالآخر، والبحث في الفرق بين هذين المصطلحين من المسائل الشائكة التي اختلفت النقول فيها عن أهل العلم، ونحاول فيما يأتي أن نبين بعض الجوانب المتعلقة بكل منهما مما قد يساعد في إبراز الفرق بينهما، فأقول: اختلف أهل العلم في تعريف العلة على أقوال كثيرة، من أشهر هذه الأقوال: أن العلة: الوصف الظاهر المنضبط المعرِّف للحكم، فمثلًا: جعل الشارع قطع يد السارق حدًّا من الحدود الشرعية، وإذا بحثنا عن علة هذا الحكم نجد أنها: السرقة، والسرقة من الأوصاف الظاهرة التي لا تخفى على أحد، كما أنها منضبطة لا تختلف من شخص لآخر أو من مكان لآخر، وإذا تحققنا من وجود السرقة فإنها تعرّفنا على وجود الحكم الذي هو قطع اليد إذا تمت شروطه.
أما الحكمة فهي: ما يترتب على مشروعية الحكم من جلب مصلحة أو دفع مفسدة، أوهي: المصلحة التي قصد الشارع من تشريع الحكم تحقيقها أو تكميلها, أو المفسدة التي قصد الشارع بتشريع الحكم دفعها أو تقليلها، وكما قلنا في قطع يد السارق: إن علته السرقة، فإن الحكمة من تشريع هذا الحد: حفظ أموال الناس وحمايتها وصيانتها.
وبهذا يتبين أن حكمة الحكم: هي الباعث على تشريعه, والغاية المقصودة منه, أما علة الحكم فهي الأمر الظاهر المنضبط الذي بنى الشارع الحكم عليه، وربطه به وجودًا وعدمًا; لأن من شأن بنائه عليه وربطه به أن يحقق حكمة تشريع الحكم.
ويترتب على هذا أن الحكمة مبنية على العلة، فإذا عرفنا العلة أمكننا معرفة الحكمة، أما إذا خفيت علينا العلة فإنه لا يمكننا التعرف على الحكمة، وهذا الأمر يجعلنا نتعرض لأقسام الأحكام الشرعية من حيث معرفة العلة، وهي قسمان:
القسم الأول: أحكام معقولة المعنى، وهذه الأحكام يمكن معرفة عللها، مثل: تحريم الخمر، ومشروعية القصاص، وما إلى ذلك، وهذا القسم يمكن معرفة الحكمة من مشروعيته.
القسم الثاني: أحكام غير معقولة المعنى، فلا يمكننا معرفة العلة فيه، وهذا لا يدل على أن هذه الأحكام ليس لها علل، بل لها علل لكن خفيت علينا، ويطلق العلماء على هذا النوع من الأحكام: الأحكام التعبدية، مثل عدد ركعات الصلاة، وتقبيل الحجر الأسود، ومسح أعلى الخف، ونحو ذلك، وفي هذا القسم لا يمكن معرفة الحكمة من مشروعيته؛ لعدم التعرف على العلة، لكن يجب الإيمان به، واعتقاد أنه لم يُشرع لنا إلا لحكمة خفيت علينا.
ومما يحسن التنبيه إليه أن العلة نوعان:
الأول: العلة بمعناها المتقدم، وهي التي يستخدمها أهل العلم في عملية القياس الشرعي المعروف.
الثاني: العلة الغائية، وهي بمعنى الأهداف المرجوة من أي حكم من الأحكام، والعلة بهذا المعنى تكون مرادفةً للحكمة، فمثلًا: جاء الشرع بمشروعية قصر الصلاة في السفر، والعلة الاصطلاحية في هذا الحكم: السفر. والعلة الغائية التي بمعنى الحكمة: دفع المشقة والضيق عن الناس، وكذلك الإفطار في السفر، فإن علة هذا الحكم: السفر. والعلة الغائية التي بمعنى الحكمة: دفع المشقة والضيق عن الناس.
أما تحريم الخمر، ومشروعية النوم على الشق الأيمن- انظر صحيح البخاري (247) ومسلم (2710) - والوضوء من لحم الإبل- انظر صحيح مسلم (360) - فهذه الأحكام، ولا شك، لها علل شرعية معتبرة، قد نعرفها وقد تخفى علينا، وقد اجتهد أهل العلم في بيان عللها وحِكمها، وفيما يأتي ذكرٌ لشيء من ذلك:
- تحريم الخمر، العلة فيه: الإسكار، فمتى ما وجد الإسكار وجد التحريم، وهذا معنى قول العلماء: إن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا. أما حكمة تحريم الخمر فهي: المحافظة على عقول الناس والبعد بها عمّا يفسدها.
- الوضوء من أكل لحوم الإبل، وهو من الأحكام التعبدية، ومع هذا فقد حاول بعض أهل العلم تعليل هذا الحكم، كابن القيم حيث بين أن لحوم الإبل لها تأثير على من يأكلها؛ لأن الإبل فيها الفخر والخيلاء، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- أخرجه البخاري (3301) ومسلم (52) - ولأنه قد جاء أن على ظهر كل بعير شيطان- أخرجه أحمد (16039) - وما إلى ذلك، فهذا الذي ذكره ابن القيم هو بمثابة علة الأمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل، والحكمة من ذلك البعد عن القسوة وبقاء المسلم على فطرته، فإن المسلم هيّن ليّن.
- استحباب النوم على الشق الأيمن، فقد بين أهل العلم حكمة المشروعية من هذا الحكم، وبينوا أن النوم بهذه الكيفية مفيد من الناحية الصحية، ودعموا ما ذهبوا إليه بكلام علماء الطب، ومن أراد الاستزادة فيما يتعلق بالحكمة من مشروعية النوم على الشق الأيمن فعليه بالكتب المؤلفة في الطب النبوي، خصوصًا كتاب ابن القيم، رحمه الله.
ومحاولة التعرف على علل الأحكام وحِِِِِِِكَمِها نوع من أنواع الاجتهاد المطلوب شرعًا، ولذلك اجتهد كثير من أهل العلم في استنباط علل الأحكام وحكمها، وهو أمر مطلوب له أثره البالغ في امتثال هذه الأحكام، كما أنه طريق من طرق معرفة مقاصد الشارع، ولاشك أن العلم بالمقاصد الشرعية من مهمات العلوم، ولأجل هذا عدّ بعض أهل العلم معرفة مقاصد الشريعة شرطًا من شروط الاجتهاد.
هذا. والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/455)
الفرق بين العاصي والفاسق والفاجر
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 4/6/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
لقد سمعنا عن فتوى تحريم شرب الدخان، ففيه من يقول إنه معصية، أي أن شاربه عاص، وفيه من يقول إنه فسق، أي أن شاربه فاسق، وفيه من يقول إنه فجور، فما الفرق بين العاصي والفاسق والفاجر؟ جزاكم الله كل خير عن الإسلام.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المعصية والفسق والفجور كلمات مترادفة تؤدي غالباً إلى معنى واحد، والفروق بينها قليلة، فالمعصية أهم هذه المصطلحات، فهي تشمل الكبائر والصغائر، والفسق أخص من المعصية، وقد يفسَّر بها، فالفسق هو معصية الله وترك أمره، لكن غالباً يكون الفسق في فعل الكبائر وترك الواجبات، والفجور أخص منها فهو من قبائح الذنوب، وعظائم المعاصي، وهتك الحرمات. نعوذ من ذلك كله، والله أعلم.(4/456)
أدلة مضاعفة دية الرجل لدية المرأة
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 28/09/1425هـ
السؤال
سمعت في إحدى الندوات أن الأدلة التي بنى العلماء رأيهم عليها في جعل دية المرأة نصف دية الرجل غير ثابتة، فهل هذا صحيح؟ وما علة جعل دية المرأة نصف دية الرجل؟ جزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فلم يثبت- فيما أعلم- دليل صحيح على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل، ولكن ثبت هذا بدليل الإجماع، وهو من أقوى الأدلة، كما لا يخفى، حيث قال ابن عبد البر في الاستذكار (8/67) : (أجمعوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل) ا. هـ. وكذا حكى هذا الإجماع ابن المنذر في الإقناع (1/358) بلفظ: (لا أعلمهم يختلفون فيه) . وكذا حكاه الشوكاني في السيل الجرار (4/439) ، وغيرُهم، هذا بالنسبة للجناية عليها في النفس.
أما فيما دون النفس من الجراح، فقد وقع خلاف بين أهل العلم على قولين:
الأول: أن دية المرأة قيل مثل دية الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها، ثم تكون على النصف من ديته، وقد رجح هذا القول ابن القيم في إعلام الموقعين (3/419) .
الثاني: أنها على النصف من ديته فيما قل عن الثلث وفيما زاد. وقد استدل أصحاب القول الأول بدليل ضعيف أخرجه النسائي في الكبرى (7008) وغيره: عن عمر بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَقْلُ المرأةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجلِ حتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا". ثم قال النسائي: (إسماعيل بن عياش ضعيف كثير الخطأ) ا. هـ وهو كما قال، والأقرب ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، وهو ما رجحه ابن المنذر في الإقناع (1/358) ، وغيره.
هذا وقد ذكر العلامة ابن القيم في إعلام الموقعين (3/418) الحكمة في كون دية المرأة على النصف من دية الرجل، حيث قال: (وأما الدية فلما كانت المرأة أنقص من الرجل، والرجل أنفع منها، ويسد ما لا تسده المرأة من المناصب الدينية، والولايات، وحفظ الثغور، والجهاد، وعمارة الأرض، وعمل الصنائع التي لا تتم مصالح العالم إلا بها، والذب عن الدنيا والدين، لم تكن قيمتها مع ذلك متساوية، وهي الدية ... ) ا. هـ. والله أعلم.(4/457)
عن حديث "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة"
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن أبو سيف الجهني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 16/11/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ، ورد في الحديث أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة، أولًا: هل المقصود كل البيت أم الغرفة التي فيها الصورة؟ ثانيًا: إذا ألبس الطفل ملابس عليها صور، هل يعني ذلك عدم حفظ الملائكة لهذا الطفل؟ وهل يمنع ذلك القراءة على الطفل؟ وجزاكم الله خيرًا، ولا حرمكم الأجر.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
لفظ (البيت) يطلق على المسكن بما فيه من نواح، المنعزل بنواحيه عن غيره، ولا يعرف إطلاق البيت على ناحية فيه دون جميعه، وقد جزم عدد من أهل العلم كابن وضاح والخطابي وآخرين أن المراد بالملائكة في هذا الحديث ملائكة الرحمة والبركة دون الكاتبين والحافظين ونحوهم، فلا يمنع لبس الطفل أو غيره ملابس عليها صور محرمة حفظ الملائكة الموكلين بحفظه، والكاتبان يكتبان إثم لبس هذا على ولي الطفل وعلى المكلف، والأولى نزع لباس الطفل في الحال المذكورة؛ لأن فيه تعظيم شعائر الله بالبراءة من المحرم، وهو أدعى لحصول البركة والانتفاع بالقراءة، إن شاء الله، والقراءة في ذاتها صحيحة نافعة، وعلى المسلم تقوى الله بالاحتراز من حصول الإثم ونقص البركة بالامتناع عن اقتناء الصور وتعليقها. والله أعلم.(4/458)
حجية القياس
المجيب وليد بن إبراهيم العجاجي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 12/08/1425هـ
السؤال
هناك بعض طلبة العلم ينكرون القياس ويدعون اتباع السلف. هل أنكر السلف القياس؟ وما حكم منكري القياس؟ وجزاك الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم"، وبعد:
فإن القياس هو: مساواة فرع لأصل في علة حكمه، ويقسِّم أهل العلم القياس باعتبار قوته وضعفه إلى قسمين رئيسين، هما:
القسم الأول: القياس الجلي، وهو ما قطع فيه بنفي الفارق المؤثِّر بين الأصل والفرع، أو كانت العلة فيه منصوصاً عليها، أو مجمعاً عليها، فهذا النوع لا يحتاج فيه إلى التعرض لبيان العلة الجامعة؛ لذلك سمي بالجلي، ومن أمثلته:
(1) قياس إحراق مال اليتيم على أكله في التحريم بجامع الإتلاف فيهما، وهنا الأصل هو أكل مال اليتيم الذي جاء النص بتحريمه في قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً" [النساء:10] ، والفرع هو إحراقه، والعلة هي الإتلاف، والحكم هو التحريم، ولا فرق بين الأصل والفرع هنا فهما متساويان في الضرر بمال اليتيم.
(2) قياس ضرب الوالدين على قول: "أُفٍّ" لهما، في التحريم، بجامع الإيذاء، ولا شك أن ضرر الوالدين بالضرب أشد من ضررهما بالكلام، فيكون أشد وأعظم في كونه محرماً. وهذا النوع من القياس ينبغي ألا يخالف فيه أهل العلم أحد من أهل العلم، وإن لم يسمه قياساً.
القسم الثاني: القياس الخفي: وهو بخلاف ما سبق في القياس الجلي، ويمثلون له: بقياس القتل بالمثقل على القتل بالمحدد في وجوب القصاص بجامع كونه قتلاً عمداً عدواناً. وهذا النوع لا بد فيه من التعرض لبيان العلة، وبيان وجودها في الفرع. وهذا متفق على تسميته قياساً، وهو حجة في الأمور بالاتفاق فيما يلي:
(1) الأمور الدنيوية: كقياس دواء على دواء وسعر بضاعة على سعر بضاعة أخرى، ونحوه.
(2) القياس الصادر منه صلى الله عليه وسلم بالاتفاق؛ لأن مقدماته قطعية، لوجوب علم وقوعه. كما اتفق أهل السنة على عدم إجراء القياس في التوحيد والعقائد إن أدّى ذلك إلى تشبيه الخلاق بالمخلوق، وإنما يصح إذا استدل به على معرفة الصانع وتوحيده، ويستخدم في ذلك قياس الأولى؛ لئلا يدخل الخالق والمخلوق تحت قضية كلية تستوي أفرادها، ولئلا يتماثلان في شيء من الأشياء، فـ "لله المثل الأعلى"، و "ليس كمثله شيء". بل الواجب أن يعلم أن كل نقص ثبت للمخلوق فالخالق أولى بنفيه عنه، وكل كمال ثبت للمخلوق فالخالق أولى به. وقد وقع النزاع في إجراء القياس في الأحكام الشرعية: فذهب كافة الأئمة من الصحابة - رضي الله عنهم- والتابعين، وجمهور الفقهاء، والمتكلمين إلى أن القياس الشرعي أصل من أصول الشرع، يستدل به على الأحكام التي لم يرد بها السمع، حتى قال الإمام أحمد: (لا يستغني أحد عن القياس) .
وأنكره النظام المعتزلي، وتابعه قوم من المعتزلة كجعفر بن حرب، وجعفر بن مبشر، ومحمد بن عبد الله الإسكافي، وتابعهم من أهل السنة على نفيه في الأحكام داود الظاهري. ثم المنكرون اختلفوا في طريق نفيه، فمنهم من نفاه عقلاً، فقالوا: الخوض فيه قبيح لعينه، أو أن الأحكام الشرعية طريقها المصالح، ولا يعرف المصالح إلا صاحب الشرع، فلا يجوز إثباتها إلا من جهة التوقيف، إلى غير ذلك مما عللوا به رأيهم، ومنهم من قال: الشرع يمنع من إجراء القياس، وإن أجازه العقل، وهم فرقتان:
(1) فرقة قالت: نصوص الكتاب والسنة قد وفت وأثبتت فلا حاجة إلى القياس، وهو رأي ابن حزم.
(2) وفرقة قالت: بل حرم القول بالقياس.
قال الدبوسي: (نفاة القياس أربعة: منهم من لا يرى دليل العقل حجة والقياس منه، ومنهم من لا يراه حجة إلا في موجبات العقول، والقياس ليس منها، ومنهم من لا يراه حجة لأحكام الشرع، ومنهم من لا يراه حجة فيها إلا عند الضرورة، ولا ضرورة، لأنا نحكم فيما لا نص فيه باستصحاب البراءة الأصلية) . والصحيح الاحتجاج به، وما وقع من خلاف فهو خلاف حادث بعد أن تقدم الإجماع بإثبات القياس من الصحابة - رضي الله عنهم- والتابعين قولاً وعملاً. ولكن للعمل بالقياس ضوابط أسوقها لك مختصراً:
- ألا يخالف نصاً أو قاعدة شرعية؛ إذ القياس عند عدم النص.
- أن يصدر من عالم مؤهل قد استجمع شروط الاجتهاد.
- أن يكون القياس في نفسه صحيحاً قد استجمع شروط الصحة التي يذكرها الأصوليون في بحثهم لهذا الدليل.
فإذا خلا من هذه الضوابط فهو القياس الباطل الذي ذمه سلف الأمة. وأما حكم من أنكر القياس الصحيح، فقد قال فيه الغزالي: (ومن ذهب إلى رد القياس فهو مقطوع بخطئه من جهة النظر، محكوم بكونه مأثوماً) .
وقال ابن المنير: (ذكر القاضي بكر بن العلاء من أصحابنا أن القاضي إسماعيل أمر بداود - منكر القياس- فصفع في مجلسه بالنعال، وحمله إلى الموفق بالبصرة؛ ليضرب عنقه؛ لأنه رأى أنه جحد أمراً ضرورياً من الشريعة في رعاية مصالح الخلق والجلاد في هؤلاء أنفع من الجدال) . والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.(4/459)
(المصلحة: ضوابطها وتطبيقاتها..)
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 7/6/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أحيطكم علماً بأني طالب في كلية القانون في إحدى الجامعات، وقد اخترت عنوان
(نظرية المصلحة، ضوابطها وتطبيقاتها في الشريعة الإسلامية) كموضوع لبحث التخرج كجزء من متطلبات درجة البكالوريوس في القانون، لذا أرجو منكم أن تساعدوني بما يمكن من آراء ومقترحات ومصادر وإرشادات ضرورية، لإتمامه وإنجازه على الوجه المطلوب. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن موضوع المصلحة أو نظرية المصلحة من المواضيع الأصولية المهمة والشائكة في الوقت نفسه، والمصلحة في الحقيقة دليلٌ من الأدلة الشرعية المختلف في الاحتجاج بها بين أهل العلم، وغالباً ما يعبرون عنها بمصطلح (المصالح المرسلة) ، وسبب هذه التسمية أن المصلحة على ثلاثة أقسام:
1- مصالح اعتبرتها الشريعة، فهي معمول بها؛ لأن أدلة الشريعة اقتضت اعتبارها.
2- مصالح ألغتها الشريعة، فلا يجوز العمل بها؛ لأن أدلة الشريعة أبطلت العمل بها.
3- مصالح مرسلة لم يأتِ في الشريعة دليل خاص يقتضي اعتبارها أو إلغاءها، ولكن الغالب أنها توافق الأحكام العامة للشريعة، وهذا القسم هو الذي حصل فيه خلاف بين أهل العلم، وإذا أُطلقت المصلحة فالمراد بها هذا القسم.
وإذا نظرنا في حقيقة اختلاف العلماء في الاستدلال بالمصالح المرسلة نجد أنه من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية والتطبيقية فالأمر مختلف؛ لأن أغلب أهل العلم يعتبرونها ويعملون بمقتضاها، وإن كانوا لا يصرحون بذلك.
وعلى كلٍ فإن هذا الموضوع قد تكلم عنه عدد من العلماء قديماً وحديثاً، ومن أهم ما يثار في هذا الموضوع: ما قاله نجم الدين الطوفي في كتابه (شرح الأربعين) حينما شرح قوله عليه الصلاة والسلام: "لا ضرر ولا ضرار "، حيث تكلم عن المصلحة، وبين الحكم عندما تتعارض المصلحة مع النص الشرعي، وما الواجب فعله وقتئذ؟ وهذه النقطة من أهم النقاط التي يجب أن يتعرض لها من أراد الكلام عن المصلحة.
أما بالنسبة للمراجع والمصادر التي تناولت هذا الموضوع، فإن جميع الكتب الأصولية القديم منها والجديد تتحدث عن موضوع المصلحة وما يتعلق بها، وذلك في باب الأدلة المختلف في الاحتجاج بها أو في مباحث التعليل في باب القياس، وهذه الكتب الأصولية تعد المرجع الرئيس في هذا الموضوع، أما المؤلفات المعاصرة التي تناولت المصلحة بالبحث والدراسة فهي كثيرة، ومن أهمها:
1- المصلحة في التشريع الإسلامي للدكتور/ مصطفى زيد، من منشورات: دار الفكر العربي.
2- المصلحة المرسلة، للشيخ/ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، من منشورات: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
3- نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي، للدكتور/ حسين حامد حسان، من منشورات:
مكتبة المتنبي في القاهرة.
4- ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، تأليف: محمد سعيد رمضان البوطي، رسالة دكتوراه، وهي مطبوعة.
إضافةً إلى عدد من المؤلفات الأصولية التي لها علاقة بموضوع المصلحة، مثل المؤلفات التي أُلفت في مسألة تعليل الأحكام، أو الكتب التي أُلفت في مقاصد الشريعة، ومن أهم هذه المؤلفات:
1- تعليل الأحكام، لمحمد مصطفى شلبي، من منشورات: دار النهضة العربية بلبنان.
2- رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، للدكتور/يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين، من منشورات: مكتبة الرشد بالرياض.
3- رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، للدكتور/صالح بن عبد الله بن حميد، من منشورات: دار الاستقامة.
4- مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة، للدكتور/محمد سعد اليوبي، من
منشورات: دار الهجرة بالرياض.
5- المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، للدكتور/يوسف العالم، من منشورات: المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
ومن أراد الكتابة في هذا الموضوع فإن من الأحسن والأفضل أن يشبع المسائل الآتية بالبحث والدراسة والمعالجة:
تحديد المصلحة المعتبرة التي تبنى عليها الأحكام، وضبطها بالضوابط الشرعية التي تسندها الأدلة الشرعية الصحيحة الصريحة؛ لأن الناس فيما يتعلق بالمصلحة على طرفي نقيض: فمنهم من يأخذ بكل ما يحقق مصالحه بغض النظر عن موافقتها للأدلة الشرعية أو مخالفتها لها، ومنهم من يمنع من الأخذ بأي مصلحة وإن كانت لا تخالف الأدلة الشرعية، ولا شك أن كلاً من الطرفين قد تطرف في هذه القضية، ولذلك فإنه لا بد من وضع ضوابط واضحة تحدد المصلحة المعتبرة التي تبنى الأحكام عليها والمصلحة الباطلة التي لا يجوز الاستناد إليها.
الاستفادة من الفتاوى والأحكام والأقوال الصادرة عن عدد من الأئمة والعلماء المتقدمين لا سيما في المسائل التي ليس فيها نص خاص من الكتاب والسنة، حيث يلاحظ الباحث أن هؤلاء العلماء قد بنوا أحكامهم على عدة أصول، منها:
المصلحة، وهذا أمر مشاهد وواقع، ومما لا شك فيه أن الباحث إذا استطاع أن يثبت أن العلماء كانوا يعملون بالمصلحة ويبنون عليها الأحكام، فإن ذلك له أثره البالغ في إظهار أهمية المصلحة ومشروعية العمل بها، كما أن هذا الأمر يساعد كثيراً في بيان ضوابط المصلحة ومجال العمل بها.
دراسة عدد من الأمور النازلة، وبيان أثر الأخذ بالمصلحة المعتبرة بشروطها وضوابطها في تيسير الوصول إلى معرفة حكمها بأيسر الطرق وأسهل الأسباب،
وإذا استطاع الباحث تحقيق هذا الأمر فإنه سيعطي هذا الموضوع أهمية بالغة؛ لأنه -والحالة هذه- ذريعة إلى الوصول إلى معرفة الحكم الشرعي.
بيان العلاقة القائمة بين المصلحة المعتبرة ومقاصد الشريعة؛ لأن الشارع لم يكلف الناس عبثاً، وإنما أمرهم بما يحقق مصالحهم الدينية والدنيوية، وهذا الأمر يساعد كثيراً في ربط أحكام الشريعة بعضها ببعض.
هذا ما تيسر الكلام عنه فيما يتعلق بموضوع المصلحة، وأسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يكون النجاح حليفك في هذا البحث وسائر أمورك، كما أسأله أن يصلح الأمور في بلدكم وبلدنا الحبيب: العراق، وأن يخرج الغزاة المحتلين منه أذلةً صاغرين، وأن يعز الله أهل الحق ويظهرهم على عدوهم، آمين.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/460)
النقاب..وكشف الوجه
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 14/08/1425هـ
السؤال
قرأت في الموقع أن النقاب واجب وأن وجه المرأة عورة، وليس هذا ما ذهب إليه جمهور العلماء على اختلاف المذاهب والعصور..حتى جمهور الصحابة-رضوان الله عليهم أجمعين- (الدر المنثور للسيوطي) - والغريب أن علماء المملكة الأجلاء- حفظهم الله- يجمعون على أن الوجه عورة، على الرغم من أن إمامهم الإمام مالك إمام أهل المدينة قد فصَّل أن الوجه والكفين ليسا بعورة، وكذا سار نهج الجمهور حتى عصرنا الحالي (راجع كتاب حجاب المرأة المسلمة للألباني) ، سؤالي هو: إذا كان الإجماع كشف الوجه والكفين, فلم تُحرِّمون ما أحلَّ الله لكم؟ وإذا عرفنا أن للنقاب أساسًا إسلاميًّا أيضًا, فينبغي هنا احترام رأي الجمهور أيضًا واختلاف العلماء الثقات أنفسهم في تلك المسألة..وشكرًا.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الواجب على المسلم اتباع ما دلت عليه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، بغض النظر عن أقوال الرجال؛ لأن الحق لا يُعرف بأقوال الرجال، وأقوال الرجال ليست دليلاً على الشرع، والله سبحانه وتعالى يقول: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) [النساء:59] .
وعلى كلٍّ فإن مسألة تغطية وجه المرأة ويديها من المسائل التي كثُر فيها كلام أهل العلم، والذي يرجحه المحققون من أهل العلم هو وجوب تغطية المرأة لوجهها ويديها عند الأجانب، فلا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها ويديها عند غير محارمها، ولا يجوز لأي رجلٍ من غير محارمها أن ينظر إلى ذلك منها، وهذا القول هو الموافق لأدلة الكتاب والسنة، ولفهم خير هذه الأمة، وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم; وهذه الأدلة كثيرة جدًّا، أذكر بعضًا منها طلبًا للاختصار: الدليل الأول: قال تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ) [النور: 31] . ووجه الشاهد من هذه الآية قوله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) . والجيب هو فتحة الرأس، والخمار ما تخمر به المرأة رأسها وتغطيه به، فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهها، إما لأنه من لازم ذلك أو بالقياس، فإنه إذا وجب ستر النحر والصدر كان وجوب ستر الوجه من باب أولى؛ لأنه موضع الجمال والفتنة.
الدليل الثاني: قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب: 59] . قال ابن عباس، رضي الله عنهما: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب. وتفسير الصحابي حجة، بل قال بعض العلماء: إنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة. الدليل الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم- لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن يا رسول الله: إحدانا لا يكون لها جلباب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِن جِلْبَابِهَا". رواه البخاري (351) ومسلم (324) . فهذا الحديث يدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة ألا تخرج المرأة إلا بجلباب، وأنها عند عدمه لا يمكن أن تخرج، وفي الأمر بلبس الجلباب دليل على أنه لابد من التستر.
الدليل الرابع: عَن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: "يُرْخِينَ شِبْرًا". فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ. قَالَ: "فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لا يَزِدْنَ عَلَيْه". رواه الترمذي (1731) وصححه الألباني. ففي هذا الحديث دليل على وجوب ستر قدم المرأة، وأنه أمرٌ معلوم عند نساء الصحابة، رضي الله عنهم، والقدم أقل فتنة من الوجه والكفين بلا ريب. فالتنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه وما هو أولى منه بالحكم، وحكمة الشرع تأبى أن يجب ستر ما هو أقل فتنة ويرخص في كشف ما هو أعظم منه فتنة، فإن هذا من التناقض المستحيل على حكمة الله وشرعه.
الدليل الخامس: عَن عَائِشَةَ، رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم; مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ. رواه أبو داود (1833) .
ففي هذا الحديث دليل على وجوب ستر الوجه؛ لأن المشروع في الإحرام كشفه، فلولا وجود مانع قوي من كشفه حينئذٍ لوجب بقاؤه مكشوفًا حتى مع مرور الركبان.
وبيان ذلك: أن كشف الوجه في الإحرام واجب على النساء عند الأكثر من أهل العلم، والواجب لا يعارضه إلا ما هو واجب، فلولا وجوب الاحتجاب وتغطية الوجه عند الأجانب ما ساغ ترك الواجب من كشفه حال الإحرام، وقد ثبت في الصحيح: أن المرأة المحرمة تُنهى عن النقاب والقفازين. صحيح البخاري (1838) .
والأدلة الدالة على وجوب تغطية وجه المرأة كثيرةٌ جدًّا، وإنما ذكرت طرفًا منها؛ لأن المقام لا يتسع لذكرها جميعًا. وقد شمل سؤال الأخ وفقه الله أمورًا ينبغي التنبيه عليها، وهي:
الأول: قال السائل: إن الإجماع منعقدٌ على جواز كشف وجه المرأة ويديها. أقول: هذا غير صحيح، وعلى السائل أن يتفضل مشكورًا بذكر من نقل هذا الإجماع من أهل العلم المعتبرين، وأين نقله، وما مستنده؟ وإذا كان الإجماع غير منعقد على جواز ذلك فماذا ينقم السائل على قومٍ اتبعوا ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعملوا بما جاء فيهما، كما سبق ذكره، ولا شك أننا متعبدون باتباع ما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا ما قاله فلان وفلان.
بل نستطيع أن نقول إن الإجماع منعقدٌ على وجوب ستر وجه المرأة ويديها عند خوف الفتنة، وذلك عند فساد الزمان، ورقة الديانة، والبعد عن الدين، كما هو حال غالب المسلمين اليوم، وهذا الإجماع هو الأقرب والأصلح لما عليه المسلمون اليوم، ثم إن من قال بجواز كشف الوجه واليدين من أهل العلم إنما قال بذلك بشرط الأمن من الفتنة وعدم تزين المرأة وتجملها، ومن المعلوم أن هذين الشرطين قلَّما يتحققان في هذا الزمن.
الثاني: قال السائل: إن الإمام مالكًا يقول بجواز كشف الوجه واليدين. أقول له: أين قال الإمام مالك ذلك؟ ومن نقله عنه؟ بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية قد نقل عن الإمام مالك أنه يرى حرمة كشف وجه المرأة ويديها.
وعلى فرض أن الإمام مالكًا قال بذلك فإننا لسنا متعبدين باتباع أقوال الإمام مالكٍ أو غيره من أئمة الإسلام، كيف وقد خالفت الأدلة الشرعية الصحيحة التي سبق ذكر طرفٍ منها، والإمام مالك وغيره من أئمة المسلمين كثيرًا ما يقولون: (إذا خالف قولي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم; فاضربوا بقولي عرض الحائط) .
الثالث: قال السائل: إن جمهور أهل العلم على أن وجه المرأة ليس بعورةٍ ولا يجب ستره. أقول له: هذا غير صحيح، ومن تتبع أقوال أهل العلم يجد أن كثيرًا منهم على القول بوجوب ستر وجه المرأة وكفيها، حتى قال الإمام أحمد: إن ظفر المرأة عورة. وقال شيخ الإسلام: إن هذا قول الإمام مالك. وعلى هذا كان عمل المسلمين قديمًا، ويدل على ذلك النقول التالية:
1- قال أبو حامد الغزالي في الإحياء (6/159مع شرحه) : (لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن متنقبات) .
2- نقل ابن رسلان اتفاق المسلمين على منع النساء من أن يخرجن سافرات الوجوه (نيل الأوطار6/114) .
3- قال ابن حجر في الفتح (9/224) : (لم تزل عادة النساء قديمًا وحديثًا أن يسترن وجوههن عن الأجانب) .
وأنصح السائل بقراءة كتاب: حراسة الفضيلة، للشيخ الدكتور/ بكر بن عبد الله أبو زيد؛ فهو كتابٌ قيمٌ مفيدٌ في هذا الباب.
هذا والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(4/461)
أصل العبادات والمعاملات
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 16/11/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرًا ما نناقش هنا في التحريم علته وسببه، أو الحكمة منه، وسؤالي يتقرر في تفاصيل متفرقة: ما الأصل في العبادات، وما الأصل في المعاملات، ما الأصل في اللباس، ما الأصل في المطعوم والمشروب، ما الأصل في الألعاب والترفيه؟ ثم إذا كان هناك تحريم، فهل على المسلم تطبيقه دون فهم ووعي لعلته، أم يجب عليه الفهم ثم التطبيق؟ وإن كان مطبقًا لأمر الله لا محالة، فهل من الأفضل له أن يعي ثم يطبق، أم يمتثل على غير فهم؟ ومن ذلك مثلًا علة تحريم أكل لحم الخنزير أو غيرها مما لم يرد فيه توجيه لتحريمه إلا النص المتبع. والله يرعاكم.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
دلَّت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على الأصل المقدَّم في سائر الأمور، ومنها: العبادات، والمعاملات، واللِّباس، والأطعمة والمشروبات، والألعاب والترفيه، ومعرفة الأصل في هذه الأمور مهمٌّ جدًّا؛ لأن الإنسان إذا أشكل عليه حكم أمرٍ من الأمور فإنه يعمل بما هو الأصل فيها، فإن كان الأصل الإباحة أقدم عليه، وإن كان الأصل التحريم أحجم عنه. وأذكر الآن الأصل في الأمور التي سأل عنها السائل.
الأصل في العبادات التوقيف، ومعنى التوقيف أننا لا نتعبَّد لله تعالى، بأي عبادةٍ إلا إذا دلَّ الدليل المعتبر على مشروعيتها، فإن لم يدلّ على مشروعيتها دليلٌ معتبر فإنها لا تكون مشروعةً، ولا يجوز أن نتعبدَّ لله بها، مثلًا: لا يُشرع للإنسان أن يتقرَّب إلى الله عز وجلَّ، بالاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا الأمر عبادة، والأصل في العبادات التوقيف، ولم يأتِ في النصوص الشرعية ما يدل على مشروعية هذا الأمر، فلا يكون مشروعًا.
والأصل في المعاملات واللِّباس والأطعمة والمشروبات والألعاب والترفيه الحلُّ والإباحة، فإذا جاء دليلٌ من الشارع يحرِّم شيئًا منها فإنه محرَّمٌ؛ لورود الدليل على تحريمه، وإن لم يأتِ دليلٌ من الشارع يدل على تحريم شيءٍ منها فإنه جائزٌ مباحٌ؛ لأن الأصل في هذه الأمور الجواز والإباحة، فمثلًا: يجوز للناس التعامل بكل المعاملات التي لم يحرِّمها الشارع، ويجوز لهم لبس جميع الملابس التي لم يحرِّمها الشارع، ويجوز لهم أكل وشرب كل ما لم يحرِّمه الشارع، وهكذا في الألعاب والترفيه.
أما ما يتعلَّق بمعرفة العلة: فإذا جاء أمرٌ أو نهيٌ من الشارع فإن الواجب على المكلفين امتثال الأمر واجتناب النهي، ولا يتوقف ذلك على معرفة علة الأمر والنهي، ولا يُفهم من هذا الكلام أن الإنسان لا يُشرع له البحث عن علة الأحكام الشرعية، بل هو مطلوبٌ ومرغَّبٌ فيه شرعًا، لأن الإنسان إذا عرف علة الأمر أو النهي فإن هذا يكون دافعًا ومشجعًا على الامتثال، إضافةً إلى أن معرفة علة الأحكام الشرعية طريقٌ من طرق معرفة أحكام الحوادث والنوازل التي لم يُنصَّ على حكمها، وذلك عن طريق القياس، فإذا عرفنا علة تحريم أمرٍ ما، ثم وجدنا هذه العلة في أمرٍ آخر لم يُنصَّ على حكمه، فإنا نقيسه على ذلك الأمر المحرم، فيكون محرَّمًا؛ لاشتراكهما في علة التحريم.
ونحن نقول إن الواجب على المسلم امتثال أوامر الشارع واجتناب نواهيه من غير أن يتوقف على معرفة العلة وفهمها؛ لأن كثيرًا من الأحكام لا يمكن معرفة العلة فيه، وهي الأحكام التعبدية، كما يسميها بعض أهل العلم، مثل: علة مسح أعلى الخفِّ وترك أسفله، وعلة الوضوء من المذي مع نجاسته والغسل من المني مع طهارته، وعلة نضح بول الصبي وغسل بول الجارية، والحكمة من تقبيل الحجر الأسود، ونحو ذلك. ولو كان الأمر متوقفًا على معرفة العلة وفهمها لما أمكن تطبيق هذه الأمور وامتثالها.
وأختم الجواب بالإشارة إلى أن هناك كتبًا عديدة تناولت مسألة تعليل الأحكام الشرعية، وبيَّنت أهميتها وأثرها وما يتعلق بها، وهذه الكتب على صنفين:
الصنف الأول: الكتب المؤلفة في أصول الفقه، حيث تكلم الأصوليون عن هذه المسألة في مباحث القياس، وذلك في باب العلة وما يُشترط لها.
الثاني: الكتب المؤلفة في مقاصد الشريعة، حيث تكلم مؤلفو هذه الكتب عن مقاصد الشارع في كثيرٍ من الأحكام، وبينوا أن معرفة مقاصد الشريعة من أحكامها متوقفٌ على معرفة علل هذه الأحكام، فإن عُرفت عرف مقصد الشارع فيها، وإن جُهلت جُهل مقصد الشارع فيها.
والله الموفق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(4/462)
الأصل الشرعي لعقوبة السجن
المجيب ناصر بن محمد آل طالب
القاضي بمحكمة عرعر
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 02/02/1426هـ
السؤال
لي سؤالان مرتبطان معاً:
الأول: هل لعقوبة السجن أصل شرعي، وهل سبق تطبيقها في أيام الرسول-صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم؟. الثاني: قرر العلماء أن من حق السجين أن تزوره زوجته في فترات محددة، وان تهيئ لهما إدارة السجن ما يسمح لهما بممارسة الجماع، وأن هذا حق شرعي للزوج وللزوجة لا يجوز حرمان السجين منه ولو بالعقوبة؛ فهل هذا صحيح؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نعم عقوبة السجن لها أصل شرعي، فقد حبس النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمامة بن أثال الحنفي-رضي الله عنه- في المسجد ثلاثة أيام، وربطه في سارية من سواري المسجد، كما في صحيح البخاري (462) ، وصحيح مسلم (1764) . كما اشترى عمر -رضي الله عنه- دار صفوان بن أمية في مكة واتخذها سجناً، انظر أخبار مكة للفاكهي (2076) ، وسنن البيهقي 6/34، وقد سجن أولاد علي -رضي الله عنهم- قاتل أبيهم عبد الرحمن بن ملجم حتى قتل، ومن حق السجين أن تزوره زوجته في السجن متى تيسر ذلك وكان المكان مناسباً، وهذا هو المعمول به في سجون المملكة العربية السعودية. والله أعلم.(4/463)
الفرق بين قياس الشمول وقياس التمثيل
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 06/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما الفرق بين قياس الشمول وقياس التمثيل، مع شرح كل نوع مع الأمثلة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، أمَّا بعد:
فإن الأصوليين تكلموا عن القياس، وبينوا حقيقته، وذكروا له أنواعاً كثيرة، إلا أنهم لا يذكرون هذين النوعين غالباً، وإن أشاروا إليهما فإنما هي إشارة عابرةٌ من غير بيان لحقيقتهما، وعلى كلٍ فإنه يمكن أن يُقال في تعريفهما ما يأتي:
قياس الشمول: إلحاق جزءٍ بقاعدةٍ كليةٍ، وهو القياس المنطقي المكوَّن من مقدمة صغرى ومقدمة كبرى ونتيجة، وقد عرَّفه شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه القياس المؤلف من المقدمات اليقينية، وأشار -رحمه الله تعالى- إلى أن الأفراد في هذا النوع من القياس متساوية. (الفتاوى الكبرى: 1/129) .
من أمثلة هذا النوع من القياس: حكم بيع الحمل في بطن أمه، حيث حكم أهل العلم بتحريم ذلك، مستدلين بعددٍ من الأدلة، منها قياس الشمول، وبيانه: أن بيع الحمل فيه غررٌ غير يسير، وكل بيع فيه غررٌ غير يسير باطل، فيكون بيع الحمل باطلاً، فالمقدمة الصغرى: (بيع الحمل فيه غررٌ غير يسير) ، والمقدمة الكبرى: (كل بيع فيه غررٌ غير يسيرٍ باطل) ، والنتيجة: (بيع الحمل باطل) .
أما قياس التمثيل: فهو القياس الاصطلاحي المشهور، وقد اختلفت عبارات العلماء في تعريفه، ومن أحسن هذه التعريفات أنه: إلحاق فرعٍ بأصلٍ في حكم؛ لاشتراكهما في مناط ذلك الحكم.
ومن أمثلة هذا النوع من القياس: حكم من أُحْصِرَ بمرض، هل يجوز له التَّحلل بذلك؟ أجمع العلماء على أن المحُرِمَ إذا حصره عدوٌ ومنعه من البيت الحرام أنه يجوز له التحلل بذلك؛ لقوله تعالى: "فإن أُحصرتم فما استيسر من الهدي" [البقرة:196] .
لكن إذا أُحْصِرَ المُحْرِمُ بغير العدو كالمرض، فهل يجوز له التَّحلل بذلك، أو لا؟ محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من منع من التَّحلل بذلك، وألزمه بالتَّحلل بالطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ومنهم من قال بأن له أن يتحلل بذلك، واستدل بعددٍ من الأدلة. منها: قياس التمثيل، وبيانه: أن الإحصار بالمرض مثل الإحصار بالعدو، فيكون حكمهما واحداً. وهنا أُلحِقَ الفرع: (الإحصار بالمرض) بالأصل: (الإحصار بالعدو) في الحكم: (التَّحلل) ؛ لاشتراكهما في مناط الحكم: (المنع من وصول البيت الحرام) .
ومن أراد الاستزادة حول هذا الموضوع فعليه بالرجوع إلى مباحث القياس في كتب أصول الفقه، أو كتب المنطق، أو كتب الجدل والمناظرة.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(4/464)
ثبوت الأحكام بفعل النبي صلى الله عليه وسلم
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 13/05/1426هـ
السؤال
ما هي السنة الفعلية، وما دورها في إثبات الأحكام الشرعية؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، أمَّا بعد:
فإن السنة المأثورة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تنقسم إلى ثلاثة أقسام من حيث طريقة بيانه -صلى الله عليه وسلم- للأحكام:
القسم الأول: سنة قولية، وهي: ما بينه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأحكام بقوله، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات". صحيح البخاري (1) ، وصحيح مسلم (1907) ، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". صحيح البخاري (756) ، صحيح مسلم (394) .
القسم الثاني: سنة فعلية، وهي: ما بينه الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الأحكام بفعله، كبيانه -صلى الله عليه وسلم- أحكام الحج بفعله كما جاء في الحديث: "لتأخذوا مناسككم". صحيح مسلم (1297) . وبيانه لأحكام الصلاة بفعله كما جاء في الحديث: "صلوا كما رأيتموني أصلي". صحيح البخاري (631) . ومن هذا النوع ما كان يحكيه الصحابة رضي الله عنهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وغالباً ما يكون ذلك بلفظ: (كان رسول الله يفعل كذا) ، كقول عائشة -رضي الله عنها- عند البخاري (1170) : (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة, ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين) ، وقول ابن عمر -رضي الله عنهما- عند البخاري (928) ، ومسلم (861) : (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب خطبتين، يقعد بينهما) .
القسم الثالث: سنة تقريرية، وهي: ما بينه الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الأحكام بسكوته وإقراره، كقول أنس -رضي الله عنه- عند مسلم (836) : (كنا نصلي على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ركعتين بعد غروب الشمس, قبل صلاة المغرب, فقيل له: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما, فلم يأمرنا, ولم ينهنا) .
وهذه الأقسام الثلاثة كلها محتجٌ بها في إثبات الأحكام، لا فرق بينها في ذلك.
وبهذا يتضح أن أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- طريق من الطرق الدالة على الأحكام الشرعية، إلا أنها تختلف في الدلالة على كون الفعل واجباً أو مندوباً حسب القرائن والأحوال، وقد بين الأصوليون هذا الأمر في مباحث السنة من كتبهم الأصولية، أو في ما أفردوه من مؤلفات في هذه المسألة بخصوصها، ككتاب: المحقق من علم الأصول فيما يتعلق بأفعال الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لأبي شامة.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد(4/465)
المسكوت عنه في الشرع
المجيب أ. د. حسين بن خلف الجبوري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 10/06/1426هـ
السؤال
أود الحصول على تعريف الأصوليين لمصطلح (المسكوت عنه) . وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فأقول وبالله التوفيق والسداد:
المسكوت عنه عند الأصوليين: هو الأمر الذي سكت عنه الشارع فلم يبين حكمه، إلا أن علماء الأصول لا يرد عندهم ذكر المسكوت عنه في الغالب إلا عند تعريفهم لمفهوم الموافقة والمخالفة، فيقولون في تعريف مفهوم الموافقة: هو إثبات حكم المنطوق للمسكوت، مثل إثبات تحريم ضرب الوالدين المفهوم من تحريم التأفيف عليهم في قوله تعالى: "ولا تقل لهما أفٍّ" [الإسراء: 23] ، وكذا يقولون عند تعريف المفهوم المخالف: هو إثبات خلاف حكم المنطوق للمسكوت عنه، مثل: إثبات عدم وجوب الزكاة في الغنم المعلوفة، مخالفة لإثباتها في حق الغنم السائمة؛ استدلالاً بمفهوم قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- " في سائمة الغنم زكاة" أخرجه بلفظه ابن قانع في معجمه - كما في الإصابة (2/56) - وأخرج البخاري (1454) وغيره في حديث الصدقات: "وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ... ". هذا والله أعلم بالصواب.(4/466)
متى يسوغ تأويل النص؟
المجيب محمد الحسن الدَّدَوْ
الداعية الإسلامي المعروف
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 27/10/1426هـ
السؤال
هل هناك ضابط يوضّح لنا متى نؤول نصاً من نصوص القرآن والسنة على غير ظاهره، أو على أنه من المجاز؟ مثل حديث نزول المسيح -عليه السلام- فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، قال فيه الشيخ أبو الأعلى المودودي: "إن النزول على الحقيقة، ولكن قتل الخنزير وكسر الصليب يجب أن تُفهم كتعبيرات مجازية".
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالتأويل هو حمل الدليل المحتمل لمعنيين، أحدهما مرجوح على المعنى المرجوح. فإن كان لدليل يقتضيه، وصدر من مجتهد فهو سائغ. وإلا لم يكن سائغاً.
فتأويل قتل الخنزير -بأن معناه تحريم الخنزير ومنع أكله وتربيته، مما يدل على أن عيسى -عليه السلام- سيأتي مجدِّداً لملة محمد -صلى الله عليه وسلم- لا لملته هو، وتأويله كسر الصليب بأن معناه إبطال دعوى الصلب؛ لأن كل الناس سيرون عيسى عياناً، فيعلمون أنه لم يصلب ولم يقتل- من التأويل السائغ، إلا أنه لا حاجة إليه. والله أعلم.(4/467)
الخروج عن المذاهب الأربعة
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
أصول الفقه /الاجتهاد والتقليد
التاريخ 19/1/1424هـ
السؤال
ما حكم الخروج عن المذاهب الأربعة؟
وما هو قصد الإمام ابن رجب في رسالته في الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد أجاب سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله على سؤال حول هذا، وأجاب كما ورد في مجموع فتاواه (3/2) "لا يجب تقليد أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم مهما كان علمه؛ لأن الحق في اتباع الكتاب والسنة لا في تقليد أحد من الناس.
فالذي يتمكن من الأخذ بالكتاب والسنة يتعين عليه ألا يقلد أحداً من الناس، ويأخذ عند الخلاف بما هو أقرب الأقوال لإصابة الحق، والذي لا يستطيع ذلك فالمشروع له أن يسأل أهل العلم، وفي موضع آخر يزيد الأمر وضوحاً، ويفرق بين من كان أهلاً للأخذ من الكتاب والسنة وتحقيق المسائل، واستنباطها من الأدلة وبين القاصر الذي ليس أهلاً لأن يجتهد فهذا عليه أن يسأل أهل الفقه، ويتفقه في الدين ويعمل بما يرشدونه إليه" (7/238) وللمزيد ينظر مجموع فتاوى ابن تيمية - رحمه الله - (20/208-210) ، أما قصد الإمام ابن رجب رحمه الله في رسالته التي أشار إليها السائل فلم أقف على الرسالة حتى أعرف مقصده والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(4/468)
الموقف من الأئمة المجتهدين
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
أصول الفقه /الاجتهاد والتقليد
التاريخ 20/1/1423
السؤال
ماذا تقولون في بعض الأشخاص أو أهل العلم الذي يرمون الإمام أبا حنيفة باتهامات كاذبة وباطلة، متذرعين باختلاف الرأي في مسائل معينة؟ هناك الكثير من السلفيين وأهل الحديث يشنّعون عليه، فماذا ترون في مثل هذه الجماعات؟
الجواب
نقول كما قال الله -عز وجل-: " ... ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم" [الحشر:10] .
ونقول عن الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- إنه إمام هدى، ومعلم خير، وفقيه من فقهاء الإسلام العظام، ومجتهد يبتغي إصابة الحق فيما يجتهد فيه، ونسأل الله له الرحمة، ونحبه ونعظم مذهبه وأتباعه من أهل العلم.
ثم نعلم في الوقت ذاته أنه ليس بمعصوم، وأنه يجتهد فيصيب ويخطئ كما يجتهد غيره من الأئمة مالك والشافعي وأحمد، وكل يؤخذ من قوله ما وافق الدليل ويترك ما خالفه، فلا نتعصب لإمام دون غيره، ولا نقع في إمام عصبيةً لآخر، ولكن نرى أنهم كلهم اجتهدوا، ونحن مأمورون باتباع الحق سواء قال به أبو حنيفة أو الشافعي أو مالك أو أحمد -رحمهم الله ورضي عنهم-.(4/469)
تقليد العامي لأحد الأئمة
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /الاجتهاد والتقليد
التاريخ 7/2/1425هـ
السؤال
قبل أيام كنت أصلي جنب رجل مسلم، وكان يضع يده على بطنه، فقلت له: يا أخي من السنة أن تضع يدك على صدرك، فرد علي قائلاً: أنا حنفي، فسكت عنه. وسمعت بعد ذلك أن الرجل العامي يجوز له؛ بل يجب عليه أن يقلد إماماً ويتبعه في شيء. فهل هذا الكلام صحيح لكي أعتذر للرجل؟ جزاكم الله عني وعن الإسلام خير الجزاء. وبارك الله فيكم. والسلام.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مسألة وضع اليدين في الصلاة من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم - وهي من الأفعال التي تسن في الصلاة، ولم يقل أحدٌ من العلماء بوجوب شيءٍ في ذلك، فقال بعضهم بوضع اليدين على الصدر كما هو مذهب الشافعية ورواية عن أحمد، ومنهم من قال بوضعهما أسفل من السرة كما هو مذهب أبي حنيفة، ومنهم من قال بإرسالهما كما هو مذهب مالك، وذهب بعضهم إلى أن المصلي مخير بين الوضع والإرسال وهو رواية عن أحمد.
والذي تدل عليه السنة وتشهد له الأحاديث والآثار هو: وضع اليدين على الصدر؛ لما روى أبو بكر بن خزيمة في صحيحه (479) بسنده عن وائل بن حجر-رضي الله عنه- أنه قال::"صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره".
أما مسألة التزام عوام الناس بمذهب إمامٍ معين للعمل به وعدم الخروج عنه، فهي من المسائل التي طال فيها الكلام قديماً وحديثاً، والناس فيها طرفان ووسط؛ فمنهم من يلزم الناس باتباع مذهب إمام معين ولا يسوّغ الخروج عنه إلى مذهب غيره مهما كان السبب الداعي إلى ذلك، ومنهم من يحرّم هذا الأمر ويشنِّع على من يقول به، وهناك من توسط في الأمر فجعله جائزاً في حق من لم يستطع النظر في الأدلة من عامة الناس. وقيل هذا في حق عامة الناس لأنهم لا يستطيعون النظر والاجتهاد، ومن أجل ألاّ يختار أحدهم الأسهل والأهون من أقوال أهل العلم من المذاهب المختلفة.
أما طلاب العلم والقادرون على النظر في الأدلة والاجتهاد في النوازل والحوادث ولو بالاجتهاد الجزئي - وهو القدرة على الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض - فإن الواجب عليهم النظر في الأدلة والعمل بما يوافقها وطرح ما يخالفها؛ لأن الواجب على جميع المكلفين معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها، ولكن تُرك هذا الأمر في حق عامة الناس لعدم قدرتهم عليه؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول:" لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" [البقرة:286] .
فيبقى الأمر على ما هو عليه فيمن عداهم من أهل العلم وطلابه، وبهذا يتضح أن الشخص العامي الذي لا يستطيع النظر في الأدلة يجوز له أن يقلّد أحد الأئمة المجتهدين المشهود لهم بالعلم والصلاح، ويتبعه في كل ما لم يعلم بطلانه.
أما إذا علم بطلان قوله في أي مسألة من المسائل بأن تبين له فيها دليل يخالف قول إمامه؛ فإن الواجب عليه العمل بما دل عليه الدليل، ولا يجوز له حينئذٍ الاستمرار على ما ذهب إليه إمامه؛ لأن التقليد إنما جاز لهذا العامي لأنه جاهل بالدليل، أما إذا عرفه أو أُخبر به وجب عليه ترك التقليد والعمل بالدليل؛ لعدم الحاجة إلى التقليد. ومن أجل ما سبق ذكره فإنك تخبر صاحبك بما دلّ عليه الدليل الثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتبين له أن الواجب على المسلم اتباع النبي المصطفى - عليه الصلاة والسلام - في كل ما ثبت عنه، وأن الله لم يتعبد أحداً من الناس باتباع الأشخاص مهما بلغوا من العلم إلا إذا كان الإنسان جاهلاً لا يعلم من الأدلة ما يستطيع العمل به، وفي هذه المسألة اتضحت فيها سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجب على الجميع العمل بها. والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.(4/470)
هل يجب التزام مذهب معين؟
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /الاجتهاد والتقليد
التاريخ 11/11/1424هـ
السؤال
هل يجوز لي أن أكون شافعياً؟ ولكن متبعا للدليل، وما الحكم لو خالفتهم في مسألة فقهية مثلا ولو لم يظهر لي الدليل الصريح الصحيح فيها؟
مثلاً: مسألة وجوب الإتيان بالقنوت في صلاة الفجر، فهم يقولون من لم يأت بدعاء القنوت في الفجر يسجد سجود السهو، وغير ذلك.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في حكم التزام مذهب معين من المذاهب المعتبرة على أقوال عديدة، والذي يرجحه المحققون منهم: جواز ذلك في حق العامي وغير العالم بأحكام الشريعة؛ لأن هؤلاء لا يستطيعون النظر والاجتهاد، ومن أجل ألاّ يختار أحدهم الأسهل والأهون من أقوال أهل العلم من المذاهب المختلفة.
أما طلاب العلم والقادرون على النظر في الأدلة والاجتهاد في النوازل والحوادث ولو بالاجتهاد الجزئي - وهو القدرة على الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض - فإن الواجب عليهم النظر في الأدلة، والعمل بما يوافقها، وطرح ما يخالفها؛ لأن الواجب على جميع المكلفين معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها، ولكن تُرك هذا الأمر في حق عامة الناس لعدم قدرتهم عليه؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول:"لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" [البقرة من الآية:286] ، فيبقى الأمر على ما هو عليه فيمن عداهم من أهل العلم وطلابه، وبهذا يتضح أن الشخص العامي الذي لا يستطيع النظر في الأدلة يجوز له أن يقلّد أحد الأئمة المجتهدين، المشهود لهم بالعلم والصلاح، ويتبعه في كل ما لم يعلم بطلانه، أما إذا علم بطلان قوله في أي مسألة من المسائل بأن تبين له فيها دليل يخالف قول إمامه فإن الواجب عليه العمل بما دل عليه الدليل، ولا يجوز له حينئذٍ الاستمرار على ما ذهب إليه إمامه؛ لأن التقليد إنما جاز لهذا العامي؛ لأنه جاهل بالدليل، أما إذا عرفه أو أٌخبر به وجب عليه ترك التقليد والعمل بالدليل؛ لعدم الحاجة إلى التقليد. وإذا ثبت أن العامي يُشرع له تقليد أحد الأئمة المعتبرين فإن مخالفته له حينئذٍ تكون على قسمين:
الأول: أن يخالف العامي مذهب إمامه لظهور دليلٍ صحيح يدل على خلاف ما ذهب إليه إمامه، وهنا يجب على العامي العمل بما دل عليه الدليل وترك التقليد.
الثاني: أن يخالف مذهب إمامه من غير ظهور دليل يدل على خلاف ما ذهب إليه إمامه، وهنا لا يجوز للعامي أن يخالف إمامه؛ لأنه لا يخالفه حينئذٍ على علم-كما في القسم الأول- وإنما على هوى، واتباع الهوى لا يجوز.
أما مسألة القنوت في صلاة الفجر بصفة دائمة، فقد اختلف أهل العلم فيها، وذهب كثير من أهل العلم إلى عدم مشروعية ذلك، وهو الحق؛ لعدم الدليل على ذلك، وإنما دل الدليل على مشروعية القنوت في النوازل التي تنزل بالمسلمين؛ لما ثبت في صحيح مسلم (677) عن أنس -رضي الله عنه-: "أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قنت شهراً يدعو على أحياء من أحياء العرب، ثم تركه"، ولما رواه الترمذي (402) والنسائي (1080) وابن ماجه (1241) عن أبي مالك الأشجعي أنه قال لأبيه -رضي الله عنه-: إنك صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي - رضي الله عنهم- هاهنا بالكوفة نحواً من خمس سنين، أكانوا يقنتون؟ قال: أي بني مُحْدَثٌ، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم.
ومما يدل على أن القنوت في غير الوتر مختصٌ بالنوازل التي تنزل بالمسلمين ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: " إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -كان لا يقنت في صلاة الفجر إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم " انظر تهذيب الآثار (549) .
ولكن الإنسان إذا صلى خلف إمام يرى مشروعية القنوت في صلاة الفجر بصفة دائمة، فإنه يتابعه في الصلاة والقنوت، ويؤمِّن على دعائه، وإن كان المصلي لا يرى مشروعية هذا الأمر؛ لأن مصلحة اجتماع الناس والتفاف بعضهم ببعض خير من التفرق من أجل أمرٍ مختلف فيه، وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إلى قريبٍ من هذا المعنى، حيث قال:" ولهذا ينبغي للمأموم أن يتبع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد، فإذا قنت قنت معه، وإن ترك القنوت لم يقنت، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما جُعل الإمام ليؤتم به" رواه البخاري (378) ومسلم (411) من حديث أنس -رضي الله عنه-، وقال: "لا تختلفوا على أئمتكم" انظر ما رواه البخاري (722) ومسلم (414) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وثبت عنه في الصحيح أنه قال: "يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم" رواه البخاري (694) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، فإذا قنت لم يكن للمأموم أن يسابقه، فلابد من متابعته، ولهذا كان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- قد أنكر على عثمان -رضي الله عنه- التربيع بمنى، ثم إنه صلى خلفه أربعاً، فقيل له في ذلك، فقال: الخلاف شر " ا. هـ. ولذا فإن الواجب عليك إذا صليت خلف إمام يرى مشروعية القنوت في صلاة الفجر أن تتابعه في القنوت وتؤمن على دعائه، وإذا نسي القنوت وسجد للسهو فعليك متابعته في ذلك؛ لما سبق ذكره.
أما إذا صليت وحدك فلا تقنت؛ لأن الأدلة الصحيحة التي سبق ذكرها تدل على عدم
مشروعيته إلا في النوازل.
والله الموفق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/471)
تقليد العامي لأحد المذاهب
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
أصول الفقه /الاجتهاد والتقليد
التاريخ 6/11/1424هـ
السؤال
هل يجب على الشخص العامي تقليد مذهب معين من المذاهب الأربعة؟ أم يجوز له أن يأخذ حكماً من هذا وحكماً من ذاك؟ وأرجو أن تذكروا الأدلة أيضا ليطمئن قلبي. ولكم جزيل الشكر.
الجواب
العامي مذهبه مذهب من يفتيه، والواجب عليه أن يسأل من يثق في دينه وعلمه وأمانته ثم يعمل بفتواه، أما أن يتنقل بين الكتب وأهل العلم يأخذ من كل شيخ أو كتاب ما فيه رخصة له فهذا لا يجوز، ولذلك يقول الإمام أحمد: (من تتبع زلة كل عالم فهو رجل قد اجتمع فيه السوء كله) ، انتهى كلامه.
ولأنه بذلك قد جمع زلات العلماء، وتتبع الرخص، وخرج بمنهج مستقل ملفق لم يقل به أحد من أهل العلم.(4/472)
التقليد عند اختلاف العلماء
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
أصول الفقه /الاجتهاد والتقليد
التاريخ 9/3/1425هـ
السؤال
نرجو أن تعرفوا لنا معنى العامي الذي يجوز له تقليد من يطمئن إلى علمه وتقواه، وما رأيكم فيمن يقول: إذا اختلف الشيخ الألباني مع الشيخ ابن عثيمين رحمهما الله فإنني آخذ بفتوى ابن عثيمين حتى لو كان الدليل القوي مع الألباني، ولو اختلف ابن باز مع ابن عثيمين رحمهما الله فإنني آخذ بفتوى ابن باز؛ لأنه عندي أعلم حتى لو كان الدليل والحجة مع ابن عثيمين، وبشكل عام هل يجوز للشخص العادي غير المجتهد أن يرجح فتوى من عالم على فتوى من عالم آخر إذا كان يفهم استدلالات كليهما دون النظر إلى أيهما أتقى أو أعلم؟ أم أن ذلك واجب عليه؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
العامي هو الذي لم تتوفر فيه أهلية الاجتهاد، ويجب عليه أن يقلد لعموم قوله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" [الأنبياء:7] ، وقد أجمع الصحابة- رضي الله عنهم- والتابعون على ذلك، فقد كانوا يفتون العوام الذين يسألونهم دون نكير على ذلك، وإذا كان هناك جماعة من المفتين والعلماء فالواجب على العامي استفتاء الأفضل في العلم والورع فإن استووا تخير بينهم، والعامي الذي لم يحصل شيئاً من العلوم التي يرتقي بها إلى مرتبة الاجتهاد الجزئي أو الكلي، ولم يفهم مقاصد الشرع العامة ولم يمارس الأدلة التفصيلية فهماً واستنباطاً واستدلالاً فهذا لا يجوز له أن يرجح فتوى على فتوى لأن ذلك منه تحكم بلا مستند صحيح. والله أعلم.(4/473)
التقليد وبراءة الذمة
المجيب د. إبراهيم بن محمد قاسم رحيم
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
أصول الفقه /الاجتهاد والتقليد
التاريخ 9/2/1425هـ
السؤال
هل إذا قلَّد العامي عالماً ما تبرأ ذمته بذلك؟ أم أنه لا بد له أن يقوم ببحث خاص؟ ثم إذا قلد عالما من علماء الضلا ل يكون آثما بذلك أم لا؟ ثم نود أن تبينوا لنا حكم التقليد بصفة عامة، وحكم التقليد في العقيدة بصفة خاصة. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
مما لا شك فيه أن الله سبحانه فاوت بحكمته بين العباد، ولم يوجب على الجميع التوجيه إلى نشاط معين ليتحقق بذلك الاستخلاف في الأرض وعمارتها، وأحكام الشريعة منها ما يكون تعلمه واجباً عينياً على كل مسلم مكلف، وذلك في أمور العبادات، وما يتوقف عليه صحتها، وما يحتاج إليه في تعامله، وبقية أحكام الشريعة على سبيل فرض الكفاية، والعامي لا شك أنه لا يمكنه الاستنباط والاجتهاد ففرضه التقليد، ولكن يقلد من هو أتقى منه وأشد ورعاً وعلماً، ويمكنه أن يعرف ذلك بالتحري، كما أنه في أمور دنياه يتحرى، فأمور دينه يجب عليه فيها التحري أكثر، وفي هذا العصر اختلطت الأمور، وكثرت مصادر الفتوى، ولذلك لا بد من سلوك سبيل الاحتياط والبعد عن الشبهات، وإذا اختلفت الفتوى لديه وكان كل من المفتين على درجة واحدة أو متقاربة فإنه يأخذ بالأحوط، ولا بأس أن يطلب دليلاً أو مرجحاً يعتمده في العمل بأحد القولين، وأما إذا كان المستفتي من علماء الضلال كما قال السائل، فلا يجوز العمل بقوله ولا أخذ فتواه، ولو وافقت الدليل؛ لأن كونه من علماء البدعة أو الضلال موجب لرد قوله، وقد حذر علماء السلف من الأخذ عن علماء البدعة والضلال؛ لأن في الأخذ منهم إظهاراً لشأنهم، وإعلاماً بهم، وهذا مخالف لما دلت عليه النصوص.
أما مسائل العقيدة فقد ذكر العلماء أنها مما لا يدخل في مجال التقليد، بل يجب فيها معرفة الحق بدليله، وهي ظاهرة، وما استقر عليه أهل السنة والجماعة مما يجب اعتقاده في الإلهيات أو النبوات أو السمعيات، وكله مدون بأسلوب واضح سهل، ولله الحمد، والسؤال المذكور يتطلب تفصيلاً أكثر ويمكن للسائل الرجوع إلى كلام لابن القيم في إعلام الموقعين. والله أعلم.(4/474)
أسباب اتباع كل بلد لإمام معين
المجيب عبد الله بن سعد الكليب
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /الاجتهاد والتقليد
التاريخ 21/2/1425هـ
السؤال
ما هو سبب أخذ بلد معين بمذهب معين؟ مثلا بلاد الشام تأخذ بمذهب الإمام الشافعي, السعودية تأخذ بمذهب الإمام أحمد. فهل هناك سبب معين لاختيار إمام معين؟ وهل هناك رؤية واضحة بأن إماماً معيناً يصلح في بلد معين أكثر من غيره, وجزاكم الله كل خير.
الجواب
بسم الله، والصلاة والسلام على رسوله وبعد:
فلأخذ بلد ما مذهبا فقهيا معينا أسباب كثيرة، أهمها: تبني السلطة السياسية في القائمة البلد لذلك المذهب، فبلاد الشام ساد فيها مذهب الشافعي لتبني الدولة الأيوبية له، وبعدها دولة المماليك - وإن كان بدرجة أقل، وكذلك الأمر في المملكة العربية السعودية. ومن الأسباب نشاط أتباعه وكثرة الأوقاف المحبوسة عليهم، وتوليهم للمناصب الشرعية كالقضاء والحسبة والتدريس، وكل المذاهب الفقهية صالحة لجميع بلاد المسلمين، ولا يبعد أن يكون بعضها أنسب من بعض في بعض البلدان لظروفها السياسية أو الاجتماعية.(4/475)
الحق واحد أم متعدد؟؟
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
أصول الفقه /الاجتهاد والتقليد
التاريخ 28/08/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ الفاضل: كثيرًا ما نسمع من بعض إخواننا هذه العبارة: (الحق واحد) . فهل هذه قاعدة من الفقه أو الحديث؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فلا شك أن الحق في المسائل الخلافية واحد، والحق لا يتعدد على الصحيح من قولي أهل العلم، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ". متفق عليه البخاري (7352) ومسلم (1716) ، ففي هذا الحديث قسَّم النبي صلى الله عليه وسلم- المجتهدين إلى مصيب ومخطئ، فالحكم في كل مسألة عند الله تعالى- واحد، يوفق إليه من شاء من عباده، ولذا كان الفقهاء يرد بعضهم على بعض، ويخطئ بعضهم بعضًا، قال ابن عبد البر: (والصواب مما اختلف فيه وتدافع: وجه واحد، ولو كان الصواب في وجهين متدافعين ما خطأ السلف بعضهم بعضًا في اجتهادهم وقضائهم وفتواهم، والنظر يأبى أن يكون الشيء وضده صوابًا كله) . جامع بيان العلم وفضله (2/88) . وإذا اختلف أهل العلم في مسألة من مسائل الدين فإن الواجب على من استطاع الاجتهاد وتمكن منه باجتماع آلاته عنده أن يجتهد في معرفة الصواب) ، فإن لم يكن من أهل الاجتهاد فإنه يتبع من يثق به أكثر ويعتقد أنه الأعلم، ولتكن حاله كحالة المريض الذي وصف له طبيبان علاجًا فإنه يستعمل وصفة الأكثر علمًا الذي يعتقد أنه أوثق وأتقن في فنه، فإن استويا لديه ولم يتمكن من ذلك فله أن يختار ما شاء من القولين. والله الموفق والهادي، لا إله إلا هو.(4/476)
اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم واختلافهم
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /الاجتهاد والتقليد
التاريخ 09/05/1425هـ
السؤال
كيف نوفِّق بين وجوب اتباع آراء السلف من الصحابة - رضي الله عنهم- واختلافهم في اجتهاداتهم في بعض الأحيان؛ وهل اختلف الصحابة - رضي الله عنهم- في تأويل النصوص من الكتاب والسنة؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن المقرر عند أهل العلم أن أفضل هذه الأمة -بعد النبي صلى الله عليه وسلم- هم صحابته رضي الله عنهم، كيف لا وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه قد رضي عنهم وأرضاهم، وانطلاقاً من فضلهم وعدالتهم ومصاحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم فإن لأقوالهم من المنزلة والفضل ما ليس لغيرهم من العلماء على مر العصور، وهذا الأمر هو الذي جعل كثيراً من أهل العلم يعدون قول الصحابي من الأدلة التي يحتج بها على الأحكام؛ لأنهم عاصروا تنزل الوحي، وشاهدوا الوقائع مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذا الباب ما ذكره الإمام الشاطبي، حيث قرر أن الواجب على الناس عموماً أن يفهموا نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة مثل ما فهمها الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنهم هم الذين خوطبوا بهذه الأدلة أولاً، فلا بد أن نفهمها كما فهموها؛ لنعمل بها كما عملوا هم بها.
وإذا نظرنا إلى واقع الصحابة -رضي الله عنهم- نجد أنه قد صدر منهم عدد كبير من الأقوال والأحكام والفتاوى والاجتهادات، والمسلم عموماً مأمور باتباع الصحابة رضي الله عنهم، إلا أن ذلك يختلف بحسب اختلاف الأحوال المصاحبة لتلك الأقوال، ويمكن تقسيم المسألة إلى الأقسام التالية:
1- إن كان الصحابة متفقين على حكم معين في مسألة من المسائل، فهذا يعد إجماعاً منهم، والواجب على كل من جاء بعدهم أن يصير إلى قولهم ولا يجوز له مخالفتهم؛ لأنهم مجمعون على هذا القول، ومن خالفهم والحالة هذه فإنه يكون متبعاً غيرَ سبيل المؤمنين، والله سبحانه وتعالى يقول:"ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ".
2- إن صدر من أحد الصحابة قولٌ وانتشر بين الصحابة-رضي الله عنهم-، ولم يخطِّىء أحد من الصحابة-رضي الله عنهم- هذا القول، ولم يصدر من أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- إنكار على صاحب هذا القول، فإن الواجب علينا اتباع هذا القول؛ لأن القول المنتشر الذي لم يخالفه أحد يعد نوعاً من أنواع الإجماع، وهو الإجماع السكوتي، وأكثر أهل العلم على أن الإجماع السكوتي يجب اتباعه ولا تجوز مخالفته.
3- إن صدر قول من أحد الصحابة، ولم ينتشر هذا القول، ولم يُنقل إلينا أن غيره من الصحابة قد خالفه، وهذا القسم حصل فيه خلاف بين أهل العلم، والذي عليه كثيرٌ من أهل العلم أن قول الصحابي بهذه الحالة يجب اتباعه، وذكروا عدداً من الأدلة الدالة على وجوب الأخذ بقول الصحابي بهذه الحالة، والمقام لا يتسع لذكرها.
4- إن صدر من أحد الصحابة قول معين في أي مسألة من المسائل، وخالفه غيره من الصحابة، فإنه ليس قول بعضهم حجة على بعض، ولذلك فإنه لا حرج على من اتبع أيّاً من القولين.
والخلاصة: أن اتباع الصحابة رضي الله عنهم واجب فيما اتفقوا عليه قولاً أو سكوتاً، أما ما اختلفوا فيه فإنه لا يجب اتباع قول معين منه، وإنما الواجب علينا ألاَّ نخرج عن مجموع أقوالهم، ولذلك فإنه لا يجوز لنا إحداث قول لم يقل به أحد منهم، مثلاً: إذا اختلف الصحابة رضي الله عنهم في مسألة من المسائل على قولين: الأول: الجواز، والثاني: الكراهة، فيجب علينا اتباعهم في أحد هذين القولين، ولا يجوز لنا أن نحدث قولاً جديداً لم يقل به أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- كأن نقول بالتحريم مثلاً؛ لأن اختلافهم على هذين القولين فقط هو بمثابة الإجماع منهم بعدم جواز قول ثالث.
وهذا الكلام عام في كل ما نقل عن الصحابة رضي الله عنهم، ومن ذلك ما يتعَّلق بتأويل النصوص من الكتاب والسنة، فقد حملت لنا كتب التفاسير والسنن والمصنفات والآثار عدداً كبيراً من الأقوال الصادرة عن الصحابة -رضي الله عنهم- فيما يتعلق بتأويل النصوص من الكتاب والسنة وتفسيرها، بل إن كثيراً من كتب التفسير اهتمت بأقوال الصحابة رضي الله عنهم؛ حيث إنهم يفسرون القرآن بالقرآن، وبالسنة، وبأقوال الصحابة رضي الله عنهم.
والأقوال المنقولة عن الصحابة رضي الله عنهم فيما يتعلق بتأويل النصوص منها ما هو متفق عليه بين الصحابة-رضي الله عنهم-، ومنها ما وقع فيه خلاف بينهم، وموقفنا من هذه الأقوال يكون على وفق التقسيم السابق ذكره.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/477)
الاجتهاد في استنباط الأحكام من النصوص
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /الاجتهاد والتقليد
التاريخ 11/6/1425هـ
السؤال
هل الاجتهاد واستنباط الحكم من النصوص الشرعية أمر جائز؟ أم يجب عدم الخروج عن محتوى النص؟ وما الدليل الشرعي على ذلك؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الله -سبحانه وتعالى- تعبَّد الناس باتباع شرعه، وأمرهم بالتحاكم إليه في كل أمورهم، ولم يكلهم في ذلك إلى أهوائهم وشهواتهم، وإنما أنزل إليهم كتابه تبياناً لهم، وأمرهم بالرجوع إليه، وإلى ما أنزل على رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
إذا نظرنا في نصوص الكتاب والسنة من حيث دلالتها على الأحكام وجدناها قسمين:
القسم الأول: نصوص خاصة دلت على أحكام خاصة، مثل آيات التوحيد وإثبات صفات الله -تعالى-، والأمر بفرائض الإسلام، ومقادير المواريث، والزكوات، وما إلى ذلك، وهذه النصوص دلت على أحكام واضحة جلية، ولذلك فإنها لا تحتاج إلى اجتهاد في إثباتها أو في أحكامها الأساسية، ولذلك تضافرت النقول عن أهل العلم في المنع من الاجتهاد في هذه المسائل، حتى جعلوا من ذلك قاعدةً معتبرةً، وهي قولهم: (لا مساغ للاجتهاد في مورد النص) .
الثاني: نصوص عامة، هي عبارة عن كليات وعمومات، يدخل فيها ما لا حد له من المسائل والأحكام، وهذا القسم هو الغالب في النصوص الشرعية، وهذه النصوص تحتاج إلى أن يجتهد العالم في دلالتها، وأن يبذل وسعه في استنباط ما تدل عليه من أحكامٍ، والاجتهاد في هذه النصوص ليس أمراً جائزاً فحسب، بل هو مأمور به؛ لأنه هو طريق معرفة حكم الشريعة في أغلب المسائل، بل هو السر في بقاء هذه الشريعة المباركة واستمرارها، وصلاحها لكل زمان ومكان؛ لأن النصوص الشرعية محصورة ومتناهية، والحوادث غير متناهية، ولا طريق لمعرفة أحكام الحوادث إلا بالاجتهاد في عمومات الشريعة وكلياتها من أجل استنباط الأحكام منها، ويمكن التمثيل لهذا القسم بقوله -تعالى-:"ويحرم عليهم الخبائث"، فإن هذا النص لا يمكن الحكم بمجرده على تحريم شيءٍ معين إلا بعد الاجتهاد في إثبات كون هذا الشيء ضاراً، ومن ثم يمكن تطبيق هذا الدليل على ما لا يُحصر من المسائل والفروع، وكقوله -عليه الصلاة والسلام-:"لا ضرر ولا ضرار" فإنه يحتاج إلى اجتهاد في إثبات الضرر ووقوعه، وبالتالي نستطيع أن نطبقه على ما لا حد له من المسائل.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/478)
التمذهب واتباع الدليل
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /الاجتهاد والتقليد
التاريخ 23/06/1425هـ
السؤال
أنا رجل مسلم زائرٌ يوميٌّ لموقعكم "موقع الإسلام اليوم". فأشكر كل من يعمل في هذا الموقع الذي يطلع عليه الناس من نواحٍ شتى؛ ليجدوا الحل لمشكلاتهم، وأدعو الله أن يجزي كل من يعمل على هذا الموقع أحسن الجزاء. ففضيلة الشيخ عندي سؤال واحد. أتمنى منكم أن تردوا عليه في أقرب وقت.
فيا فضيلة الشيخ العلماء وجمعياتهم كثيرة عندنا، ولكنهم مختلفون في آرائهم. فبعض العلماء يزعمون أن تقليد أحد المذاهب الأربعة واجب على كل مسلم، وكذلك لو رأى أحدٌ - إن كان عالماً أو عامياً - الأدلةَ القاطعةَ من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ضد مذهبه المُتَّبَعِ فلا يجوز له أيضا الفعل به؛ لأن أئمة المذهب رأوا من الأحاديث التي لم نرها في العصر الحالي، ولكن لما أمعنتُ نظري إلى موقعكم فقرأتُ فيه مرةً (إذا وَجد مُتَّبِعُ المذهب دليلاً قاطعاً من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ضد مذهبه فعليه أن يَعمل حسبَ حديثِ النبي -صلى الله عليه وسلم-) ، فمثلا أنا متبع المذهب الشافعي، ففي هذا المذهبِ القنوتُ في صلاة الفجر مِن أبعاضِ السنة للصلاةِ. فلذلك لو نَسي أحدٌ أن يَقنتَ في الصبح فعليه أن يسجد للسهو. ولكن إذا نظرنا إلى الأحاديث التي عندنا الآن لا نستطيع أن نرى فيها الأمرَ للقنوت مِن طرفِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا من أصحابه الكرام- رضي الله عنهم-، فالقنوت أمر لم يَفعله صلى الله عليه وسلم، فتركُ القنوتِ أحسنُ على ما فهمتُ من موقعكم؛ لأنا لا نستطيع أن نَستدلّ بأي من الأحاديث للقنوت، ولكنَّ بعضَ العلماء يقولون: لا يجوز لشافعيٍّ أن يَترك القنوتَ، ويتبع حديثَ النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي ضد مذهبه؛ لأن الناس في العصر الحديث مُقلِّدون وليسوا بمجتهدين، فماذا يفعل المؤمنُ إذا رأى حديثاً ضد مذهبه؟ أعينوني بالإفتاءِ على هذه القضية في أقرب وقت. والله الموفق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الواجب على جميع المكلفين- في سائر الأزمان - اتباع الأدلة الشرعية من الكتاب، وما صحّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمصير إلى ما تدل عليه، وليس لقول أي أحدٍ من الناس -مهما كان علمه وقدره- وزن مع قول الله أو قول رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا وجدنا قولاً لأحد العلماء يعارض قول الله أو قول رسوله -صلى الله عليه وسلم- فإننا نضرب به عرض الحائط، وهذا الأمر هو معنى ما ورد عن عدد من أئمة الإسلام التي تفيد طرح أقوالهم وفتاواهم إذا خالفت الأدلة الشرعية كالإمام مالك والشافعي وغيرهم.
ولكن إذا لم يكن الإنسان من أهل النظر في الأدلة الشرعية، وتمييز الصحيح منها من الضعيف، وليس من أهل استنباط الأحكام من الأدلة، فإنه يجوز له أن يقلد أحد الأئمة المشهود لهم بالعلم والورع؛ لأن هؤلاء العامة لا يستطيعون النظر والاجتهاد، ومن أجل ألاّ يختار أحدهم الأسهل والأهون من أقوال أهل العلم من المذاهب المختلفة، ولذلك فإنه يُلزم باتباع مذهب من مذاهب أهل العلم المعتبرة.
أما طلاب العلم والقادرون على النظر في الأدلة والاجتهاد في النوازل والحوادث فإن الواجب عليهم النظر في الأدلة والعمل بما يوافقها وطرح ما يخالفها؛ لأن الواجب على جميع المكلفين معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها، ولكن تُرك هذا الأمر في حق عامة الناس لعدم قدرتهم عليه؛ لأن الله -سبحانه وتعالى -يقول:" لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" [البقرة: 286] ، فيبقى الأمر على ما هو عليه فيمن عداهم من أهل العلم وطلابه.
وبهذا يتضح أن الشخص العامي الذي لا يستطيع النظر في الأدلة يجوز له أن يقلّد أحد الأئمة المجتهدين المشهود لهم بالعلم والصلاح، ويتبعه في كل ما لم يعلم بطلانه، أما إذا علم بطلان قوله في أي مسألة من المسائل، بأن تبين له فيها دليل يخالف قول إمامه فإن الواجب عليه العمل بما دل عليه الدليل، ولا يجوز له حينئذٍ الاستمرار على ما ذهب إليه إمامه؛ لأن التقليد إنما جاز لهذا العامي؛ لأنه جاهل بالدليل، أما إذا عرفه أو أٌخبر به وجب عليه ترك التقليد والعمل بالدليل؛ لعدم الحاجة إلى التقليد.
وهنا يجب التنبيه إلى أن العامي لا يسوغ له ترك مذهب إمامه في أي مسألة من المسائل، وإنما يتركه عندما يظهر له دليل صحيح صريح يخالف مذهب إمامه، ويتبعه فيما عدا ذلك. أما إذا لم يظهر له دليلٌ يدل على خلاف ما ذهب إليه إمامه، فإنه لا يجوز له أن يخالف إمامه؛ لأنه لا يخالفه حينئذٍ عن علم، وإنما مستنده في ذلك الهوى، واتباع الهوى لا يجوز.
على أنه يجب علينا أن نحسن الظن بأئمة الإسلام وعلمائه عندما نجد لهم أقوالاً تخالف أدلة الكتاب والسنة، ونعتذر لهم بأن هذه الأدلة لم تبلغهم أو لم تصح عندهم؛ لأنهم لو بلغتهم هذه الأدلة وصحَّت عندهم فإنهم -ومن دون شك- سيصيرون إليها وسيقولون بمقتضاها.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/479)
التعارض بين النصوص الشرعية
المجيب محمد بن صالح الدحيم
القاضي في محكمة الليث
أصول الفقه /التعارض والترجيح
التاريخ 14/2/1424هـ
السؤال
أنا مسلم وأحب الإسلام حتى الموت، ولكني حينما أطلع على كثير من الأحاديث النبوية أرى بعضها يناقض بعضاً أحياناً ويناقض بعضها القرآن أحياناً أخرى، وحينما أنظر في تعليل ذلك من قبل العلماء السابقين أو الحاضرين لا أراني مقتنعاً، ولا أجد لها تفسيراً إلا قوله تعالى:"ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً" فهل نظريتي سليمة؟
الجواب
الحمد لله، وبعد:
مسألة التعارض، من المسائل الكبار، ولكن من أهم المهم أن تعلم ما يلي:
(1) أن كثيراً مما يظن فيه التعارض هو في نظر الناظر، وراجع إلى نقص في الفهم.
(2) أن كثيراً منه أيضاً يكون سببه أن أحد الدليلين المتعارضين صحيح والآخر ضعيف أو أحدهما صريح والآخر غير صريح، فالصحيح الصريح يندر أن يعارض مثله، ومع ذلك فإن وجد فيصار إلى الترجيح.
(3) أن يكون أحد الدليلين عاماً والآخر خاصاً، فيبقى العام على عمومه ويخص منه ما ورد الدليل الخاص بتخصيصه ولا تعارض، ولذلك بسط في مصنفات مستقلة.
وسؤالك جاء عاماً ولو ذكرت لنا مثالاً لأمكن تفصيل الجواب حوله، ولذا فنصيحتي لك التوجه إلى ما أجدى في العلم والعمل، والتزود من العلم النافع، والمشاركة في العمل الجاد وستصيب من ذلك خيراً كثيراً بإذن الله، بارك الله فيك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(4/480)
احترنا بين أقوال العلماء!
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
أصول الفقه /التعارض والترجيح
التاريخ 16/2/1425هـ
السؤال
على أي أساس نقول هذا الرأي هو الأقوى أو الأصح؟ وهل يجوز اتباع رأي أحد المشايخ في يوم ورأي شيخ آخر في يوم آخر؟ بمعنى أن نصلي على المذهب الشافعي في يوم، وعلى المذهب الحنفي في يوم آخر.
الجواب
الأصل أن الإنسان متبع لما جاء في القرآن والسنة، ويدل لهذا أدلة كثيرة من ذلك: قول الله - عز وجل-: "ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين" [القصص:65] ، لا يقول: ماذا أجبتم فلاناً أو فلاناً من العلماء، وأيضاً قول الله - عز وجل-: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" [الشورى:21] ، وأيضاً من السنة حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه-، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ" رواه الترمذي (2676) ، وأبو داود (4607) ، وابن ماجة (42) ، وأيضاً ما ثبت في صحيح مسلم (867) عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يقول في خطبته: "أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم-" وحديث عائشة - رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"رواه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) واللفظ له، وأيضاً قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله" رواه البخاري (7137) ، ومسلم (1835) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، والنصوص في هذا كثيرة جداًّ، وإذا اختلف العلماء - رحمهم الله- على قولين فأكثر فإن الإنسان لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يتبين له الحق من الكتاب والسنة، فهذا يجب عليه أن يتبعه؛ لما تقدم من الدليل.
الأمر الثاني: ألا يتبين له كأن يكون عامياً، أو تتكافأ عنده الأدلة، ونحو ذلك، فهذا يأخذ بقول أوثق العالمين علماً وورعاً، فإن تساوى عنده العالمان في العلم والورع، قال بعض الأصوليين: بأنه يتخير من أقوالهما، وقال بعض الأصوليين بأنه يأخذ بالأشد. والله أعلم.(4/481)
الجمع بين البراءة من النصارى والزواج بنسائهم
المجيب أ. د. محمد بن أحمد الصالح
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /التعارض والترجيح
التاريخ 11/4/1424هـ
السؤال
كيف علينا ألا نود النصارى وألا نسلم عليهم، ولا نتعامل معهم، وقد سمح الله
تعالى للمسلمين بالزواج منهم؟ ما يعني حبهن وإنجاب الأطفال منهن وتركهن على دينهن إذا أبين أن يسلمن، وهن اللواتي يربين الأطفال، فكيف ذلك الفاصل
الشعوري الذي يجب أن يكون بين الفئتين؟ ووصفهم بالكفار، مع العلم أنني
أتكلم عن فئة النصارى التي لا تشرك بالله تعالى، والتي تؤمن بأنه واحد
أحد، وأن عيسى -عليه السلام- رسول الله. الكثير من الفتاوى تنص على أن النصارى هم من أهل النار، لأنهم لم يؤمنوا بسيدنا محمد - عليه الصلاة والسلام- فكيف يكون للزوج حق القوامة، وتوجيه امرأته في أمور دينها ومعاشها، وأن يتزوج نصرانية بذات الوقت ويبقيها على دينها؟
الجواب
أحل الله -تبارك وتعالى- للمسلمين الزواج بالكتابيات المحصنات، العفيفات، كما جاء في الآية الخامسة من سورة المائدة؛ فالكتابية العفيفة التي ليس لها صديق، وإنما كانت في مسلك رشيد بعيد عن الفواحش يحل الزواج بها وتتولى الإنجاب وتربية الأولاد. والنصارى واليهود المسالمون -إن وجدوا- لا ينهانا الله عن معاملتهم بالحسنى، وإكرامهم واحترامهم، كما قال تعالى: "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [الممتحنة:8] ، وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" [المائدة:8] ، وفئة النصارى وصفهم الله بالكفر في قوله: "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [المائدة:73] ، وقال تعالى: "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ" [المائدة: من الآية17] ، وقال تعالى: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ" [التوبة:30] ، وإذاً فالمشهور عن النصارى اعتقادهم عقيدة التثليث، وليس فيهم من يؤمن بالله رباً، وأن عيسى عبد الله ورسوله، ولا أدري من أين جئت بمفهومك هذا؟!.(4/482)
استبدال الكفارات بالأدعية
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
أصول الفقه /التعارض والترجيح
التاريخ 7/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم، ورد في بعض الكفارات عتق رقبة فهل يجوز استبدالها بما ورد في الأحاديث الصحيحة أن قول دعاء معين لا أذكره بمثابة عتق رقبة من ولد إسماعيل وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا كان على المرء عتق رقبة وهو قادر على ذلك فلا يجزئ عنه الإتيان بالذكر الوارد، وإنما الذكر الوارد فضله عظيم، وينال به المرء ثواب العتق وفضله بخبر الصادق - صلى الله عليه وسلم - ولكنه لا يكفي عن إعتاق الرقبة الواجبة، وإليك أخي الحبيب الوارد في فضل الذكر وأنه ينال به فضل العتق، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه"، وقال: "ومن قال في يوم سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر "متفق عليه البخاري
(6403-6405) ، ومسلم (2691) ، وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرار كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل" متفق عليه البخاري (6404) ، ومسلم (2693) ، ولا تخالف بين الحديثين لأن مقابل المئة عشر رقاب وكتابة مائة حسنة ومحو مئة سيئة وكانت حرزه من الشيطان يومه ذلك، وفي حديث أبي أيوب ثواب العشر مرات كمن أعتق أربعة أنفس ولم يذكر معها غيرها.(4/483)
الجمع بين إيجاب حد الردة وآية "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"
المجيب سليمان بن عبد الله القصير
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
أصول الفقه /التعارض والترجيح
التاريخ 1/6/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
وفقاً لحديث متفق على صحته: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" وذكر منها المرتد"، ألا يكون ذلك مناقضاً لقوله تعالى: "لا إكراه في الدين"؟ أرجو بيان وجه التعارض. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيظهر من السؤال أن السائل على معرفة، ويحتاج إلى بيان وتوضيح في الإجابة؛ ولذا سأبسط الجواب وأوضحه له إن شاء الله؛ فأقول:
ليس بين الآية والحديث تعارض - بحمد الله -؛فإن الحديث، وكذا الأحاديث الأخرى التي جاءت في قتل المرتد كحديث: "من بدَّل دينه فاقتلوه" رواه البخاري (3017) من حديث علي -رضي الله عنه- كلها في من كان مسلماً، وذاق حلاوة الإيمان، ثم ارتدَّ عنه- والعياذ بالله- إلى الكفر مختاراً له ومفضلاً له على الإيمان، وردته هنا وكفره تستلزم تنقصه لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- ولدينه القويم، فلذا استحق القتل عقوبة له؛ فإن فعله هذا جريمة لا يعدلها جريمة. وقد نقل الإجماع على وجوب قتله ابن قدامة في (المغني9 /16) .
كما أن المفسدة التي تترتب على ردة المسلم عن دينه أعظم بكثير من مفسدة بقاء الكافر الأصلي على كفره.
أما الآية وهي قوله تعالى: "لا إكراه في الدين" [البقرة:256] ، فهي في الكافر الأصلي الذي لم يدخل الإسلام أصلاً، وقد جاء في تفسير هذه الآية قولان للمفسرين:
أحدهما: أنها منسوخة بآيات القتال، - فلا تكون معارضة للحديث - وعلى القول بنسخها فإنه يكره جميع الكفار على الإسلام؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أكره العرب على دين الإسلام، ومن أبى منهم الدخول فيه أو بذل الجزية قاتله - وهذا هو الإكراه -، ومن أدلة هذا أيضاً: قول الله -تعالى-: "ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون" [الفتح: 16] ، وقوله تعالى: "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم" [التوبة: 73] ، وقوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار" [التوبة: 123] .
وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري (3010) عن أبي هريرة-رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عجب الله من قومٍ يدخلون الجنة في السلاسل". يعني الأسارى الذين يقدم بهم بلاد الإسلام في الوثاق والقيود ثم بعد ذلك يسلمون فيدخلون الجنة وهذا القول ذهب إليه بعض المفسرين.
والقول الثاني: أنها محكمة غير منسوخة، وأنها نزلت في أهل الكتاب خاصة (اليهود والنصارى والمجوس، وهم من تؤخذ منهم الجزية) ، وأنهم لا يكرهون على الإسلام إذا بذلوا الجزية، وأما المشركون والكفار فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو يقاتلون؛ لأنهم الذين نزل فيهم قوله تعالى: "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين" [التوبة: 73] ، وهذا قول أكثر المفسرين منهم: سعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وقتادة والحسن والضحاك، وهو قول عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-، فقد روى زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر -رضي الله عنه- يقول لعجوز نصرانية: أسلمي أيتها العجوز تسلمي؛ إن الله بعث محمداً بالحق، قالت أنا عجوز كبيرة، والموت إلي قريب، فقال عمر-رضي الله عنه-: اللهم اشهد وتلا:" لا إكراه في الدين" [البقرة: 256] .
وجاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما-: أن هذه الآية نزلت فيمن دخل اليهودية من أبناء الأنصار أنهم لا يكرهون على الإسلام. رواه أبو داود في سننه ح (2682) وهذا القول رجحه شيخ المفسرين ابن جرير الطبري.
وقال ابن حزم الظاهري - رحمه الله -: (وأما قول الله -تعالى-: "لا إكراه في الدين" [البقرة: 256] ، فلم يختلف أحد من الأمة كلها في أن هذه الآية ليست على ظاهرها؛ لأن الأمة مجمعة على إكراه المرتد عن دينه - يعني بالرجوع إلى الإسلام - ... الخ) .
وليس قول العلماء هنا بإكراه الكفار يشمل إكراه كل كافر على الدخول في الإسلام، بل المراد الكفار المحاربين الذين وقع بينهم وبين المسلمين قتال، أما من لم يقع بين المسلمين وبينهم قتال فلا يكرهون، وقد نص العلماء على الذمي والمعاهد والمستأمن - وهم كفار - أنهم لا يجوز إكراههم، قال ابن قدامة في (المغني 9 /30) : (الدليل على تحريم الإكراه قوله تعالى: "لا إكراه في الدين" [البقرة: 256] ، وأجمع أهل العلم على أن الذمي إذا أقام على ما عوهد عليه والمستأمن لا يجوز نقض عهده، ولا إكراهه على ما لم يلتزمه) . والله أعلم، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وينظر للزيادة في هذا المراجع التالية:
1- تفسير ابن جرير 3/ 14.
2- تفسير ابن كثير 1/ 311.
3- تفسير القرطبي 3/ 279.
4- المحلى لابن حزم 9/ 225.(4/484)
كيف نجمع بين هذين النصين؟!
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
أصول الفقه /التعارض والترجيح
التاريخ 26/04/1425هـ
السؤال
كيف نجمع بين قوله -تعالى-:"والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون.." الآية في سورة آل عمران. وحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-:"يأتي أقوام يوم القيامة بأعمال كالجبال يجعلها الله هباء منثورا"، فقال الصحابة - رضي الله عنهم- لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- جلهم لنا يا رسول الله، فقال: "أما إنهم يصلون كما تصلون ويصومون كما تصومون ويقومون من الليل كما تقومون لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها". الحديث ... نرجو الإيضاح. ولكم جزيل الشكر.
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
دلت نصوص الكتاب والسنة على أن التوبة النصوح التي استكملت الشروط يحصل بها مغفرة الذنوب وتكفير السيئات ودخول الجنات، كما جاء في الآية التي ذكرها السائل، وهي قوله -تعالى-: "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ" [آل عمران:135] ، وكما في قوله -تعالى-: "وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً" [الفرقان:68-70] ، وكما في قوله -تعالى-: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" [الزمر:53] ، وقد ورد في سبب نزول هاتين الآيتين ما أخرجه البخاري (3855) ، ومسلم (122) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أَنَّ قَوْمًا كَانُوا قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا وَانْتَهَكُوا، فَأَتَوْا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَر"َ إِلَى: "فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ" قَالَ: يُبَدِّلُ اللَّهُ شِرْكَهُمْ إِيمَانًا وَزِنَاهُمْ إِحْصَانًا، وَنَزَلَتْ: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ" الْآيَةَ، وأما ما جاء في الحديث المذكور في السؤال فهو محمول - والله أعلم - على أن هؤلاء الذين انتهكوا محارم الله قد وافتهم المنية ولم يتوبوا من هذه الذنوب، أو لم يستوفوا شروط التوبة، وهي: الإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العود، والندم على مافات، وإذا كانت الحقوق للعباد لم يقوموا بأدائها، والخروج من المظالم، فبقيت السيئات والذنوب من غير توبة، فقدموا على ربهم وهم يحملونها على ظهورهم، فعند الموازنة تغلب سيئاتهم حسناتهم، كما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم (2581) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ"، وكما أخرجه البخاري (6534) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ"، ويحتمل أن هؤلاء الذين جاء وصفهم في الحديث المذكور في السؤال فعلوا هذه المحرمات فعل المستحل لها الآمن من مكر الله وعقوبته، ويؤيد هذا أن معنى الانتهاك المبالغة في خرق محارم الله، والحديث المذكور من أفراد ابن ماجة (4235) أخرجه من حديث ثَوْبَانَ رضي الله عنه أن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: " لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا" قَالَ ثَوْبَانُ -رضي الله عنه-: "يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ: "أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا"، وقال البوصيري: إسناده صحيح. هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(4/485)
أقل الجمع
المجيب وليد بن إبراهيم العجاجي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /التعارض والترجيح
التاريخ 9/2/1425هـ
السؤال
ما أقل الجمع على القول الراجح مع ذكر مثال للتوضيح؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه المسألة مما وقع فيها الخلاف قديماً وحديثاً، بل إن بعض محققي أهل العلم كالقرافي، لا تزال المسألة عنده محل إشكال، وقال عن نفسه: إن له نحو من عشرين سنة يورده، ولم يتحصل عنده جواب.
والراجح- والله أعلم - أننا ننظر في المراد بالجمع في قولنا: (أقل الجمع) هل المراد به الجمع لغة وهو ضم أمر إلى آخر، أو أن المراد به مدلوله، وهو كل ما يسمى جمعاً، فإن كان المراد الأول فأقل الجمع يصدق على اثنين لحصول الضم بالثاني.
وإن كان المراد به مدلوله - وهو كل ما يسمى جمعاً- فإن صيغ الجموع على قسمين: جموع قلة، وجموع كثرة، والخلاف حينئذ في جموع القلة، إذ هو موضوع للعشرة فما دونها إلى الاثنين والثلاثة على الخلاف، أما جموع الكثرة فموضوعة لأحد عشر فما فوق بالاتفاق بين النحاة.
والذي يبدو لي في أقل جموع القلة هو ثلاثة وهو رأي الأكثر، ويؤيده قول ابن عباس - رضي الله عنهما- لعثمان - رضي الله عنه- (ليس الإخوة أخوين بلغة قومك) .
ثم إن الله قد أعطى الأم السدس في حالة وجود جمع من الإخوة فقال تعالى: "فإن كان له إخوة فلأمه السدس" [النساء:11] ، ومعلوم أن الأم تحجب بأخوين من الثلث إلى السدس، إلا أنه يستثنى من ذلك، أنه يعبر عن عضوين متصلين من جسدين بلفظ الجمع قصداً للتخفيف، كما قال الله: "فقد صغت قلوبكما" [التحريم:4] ، فإنه لو قال: "قلبكما" لثقل اجتماع ما يدل على التثنية فيما هو كالكلمة الواحدة مرتين، ومن فروع هذه المسألة وتصلح أن تكون مثالاً توضيحياً لها، لو أقر الإنسان على نفسه بدراهم، فهل يحمل على درهمين أو ثلاثة، ولو قال رجل: إن اشتريت سيارات فامرأتي طالق، فهل تطلق امرأته بشراء سيارتين أو ثلاثة؟. والله أعلم.(4/486)
هل اختلاف الأمة رحمة؟
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
أصول الفقه /التعارض والترجيح
التاريخ 16/6/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كثر الحديث بين الخطباء والمحدثين بأن اختلاف الأمة رحمة، واختلاف العلماء والفقهاء رحمة لأمة محمد -عليه الصلاة والسلام-، والسؤال هو: كيف يستقيم ذلك إن كان الإسلام يدعو دائماً للوحدة ونبذ الاختلاف؟، كما أن الفطرة تبين لكل ذي لب بأن الاختلاف ليس دائماً ممدوحاً ومفيداً، فما الموقف الصحيح في هذه المسألة من حيث الشرع والدين والفتيا واتباع الحق؟ وفقنا الله وإياكم للطريق المستقيم، وجعلنا وإياكم من عباده الصالحين، والحمد لله رب العالمين.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هذه المسألة مهمة، فإن مسألة اختلاف الأمة وكونه رحمة، قد وردت في حديث غير ثابت، رواه البيهقي بسند منقطع عن ابن عباس - رضي الله عنهما- بلفظ: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به، لا عذر لأحدكم في تركه، فإن لم يكن في كتاب الله، فسنة مني ماضية، فإن لم يكن سنة مني ماضية، فما قال أصحابي، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء، فأيها أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة" وخرجه الألباني في الضعيفة (59) وقال: إنه موضوع.
وكذلك أورد هذا الحديث ابن الحاجب بلفظ: "اختلاف أمتي رحمة"، وكذلك الملا علي القاري الذي قال: إن السيوطي قال: أخرجه نصر المقدسي في الحجة، والبيهقي في الرسالة بغير سند، ورواه القاضي حسين، وإمام الحرمين وغيرهم، ولعله خُرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا، ونقل السيوطي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقول: "ما سرني أن أصحاب النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- لم يختلفوا؛ لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة"، وكذلك أخرج الخطيب أن هارون الرشيد قال لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله نكتب هذا الكتاب - يعني الموطأ-، ونحمل الناس عليه، ونفرقه في آفاق الإسلام لنحمل عليه الأمة، فقال يا أمير المؤمنين: إن اختلاف العلماء رحمة من الله -تعالى- على هذه الأمة، كل يتبع ما صح عنده، وكلهم على هدى، وكل يريد الله -تعالى-.فهذه الأقوال تدل على أن حديث: "اختلاف الأمة رحمة" ليس ثابتاً، ولكن مع ذلك هناك ما يدل على أن المسألة لها أصل، فكلام عمر بن عبد العزيز، وكلام مالك - رحمهما الله تعالى- يدل على أن المسألة لها أصل، ومعنى ذلك: أن الاختلاف الحميد الذي تكون له أسباب وجيهة من دلالات الألفاظ، ومن معقول النص، هي اختلافات حميدة وسائغة، ولهذا سماها ابن القيم - رحمه الله-: الخلاف السائغ بين أهل الحق، فهذا النوع من الاختلاف لا حرج فيه، ويجب على المسلم أن يوسع صدره لتلك الحكمة التي كتبها العالم يوصى بها ابنه: اعرف الخلاف يتسع صدرك، فإذا عرف اختلاف العلماء، وأسباب هذا الاختلاف لوجود دلالات الألفاظ المختلفة، ولوجود مسائل معقول النص، فالاختلاف في الاجتهاد -كما يقول ابن القيم - رحمه الله- إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع، وللاجتهاد فيها مساغ لم ينكر على من عمل به مجتهداً ومقلداً، ويقول العز بن عبد السلام: من أتى شيئاً مختلفاً في تحريمه اعتقد تحليله، فلا ينكر عليه إلا أن يكون قول المحلل ضعيفاً جداً.
إذاً الاختلاف بهذه المثابة يكون توسعة على الناس في الفروع، فمن عمل بشيء من أقوال العلماء في ذلك يكون إن شاء الله مصيباً، وحتى لو كان مخطئاً فإنه معفو عنه، ومن اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري (7352) ، ومسلم (1716) عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، فحينئذ لا ينكر هذا الاختلاف، وهذا هو الاختلاف الذي يمثل الرحمة؛ لأنه يمثل سعة واتساعاً لحل قضايا الأمة ومشاكلها، وكذلك يحمل الناس على التعايش مع بعضهم دون وجود ضغن وأحقاد لا مبرر لها.
أما الاختلاف المنهي عنه، والذي يمثله قوله تعالى: "وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" [الأنفال: من الآية46] ، هذا الاختلاف الذي يؤدي إلى التباغض والتدابر، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: "لا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا تناجشوا، وكونوا عباد الله إخواناً" رواه البخاري (6066) ، ومسلم (2563) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، هذا الاختلاف الذي يؤدي إلى التباغض والتدابر هو الاختلاف الذي يمس العقائد الكبرى، وهو أمر يتجاوز -على حد التعبير المعاصر- الخطوط الحمراء، وبمعنى أنه يتجاوز الاختلاف المقبول إلى التناحر وإلى أن يضرب بعض الأمة بعضها، وألا تتحد سياساتها، وألا تواجه عدوها معاً، هذا الاختلاف مذموم.
إذاً الاختلاف منه حميد، ويكون علامة صحية، هو اختلاف عرفت أسبابه وظهرت آثاره الطيبة على الأمة، وأحدث يسراً، وهناك اختلاف ظهرت آثاره السيئة على الأمة وهو الاختلاف المذموم، فعلى المجتهد العالم أن يعرف ذلك ببصيرته، وأن يكون بصيراً بأنواع الخلاف التي يتسامح بها، وخبيراً بأنواع الخلاف التي تؤدي إلى تدمير وحدة الأمة، وتؤدي إلى التباغض والتدابر الذي نهى الشرع عنه.
أرجو أن يكون قد فهم ذلك السائل، والله - سبحانه وتعالى- أعلم.(4/487)
هل هناك إجماع يعارض نصاً؟
المجيب وليد بن إبراهيم العجاجي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /التعارض والترجيح
التاريخ 06/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
سؤالي هو: هل يعارض الإجماع حديثاً صحيحاً؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن الإجماع إذا ثبت فإنه يترتب عليه أحكام، منها: أنه لا يقع على خلاف نص، ومن ادعى ذلك فلا يخلو الحال من أمرين: إما أن يكون الإجماع غير صحيح، وإما أن يكون النص منسوخاً، فبالإجماع الصحيح يعرف بطلان غيره من الأدلة؛ فمحال على الأمة أن تضيع دليلاً تحتاج إليه؛ إذ هي معصومة، لكن قد يجهل بعض الأمة بعض النصوص، ولا تجهله كل الأمة، والإجماع قول كل مجتهدي الأمة. يقول الإمام الشافعي: (لا نعلم رجلاً جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء، فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن، وإذا فرق علم كل واحد منهم ذهب عليه الشيء منها، ثم ما كان ذهب عليه منها موجوداً عند غيره) . ويقول الخطيب البغدادي في كلامه على طرق معرفة الناسخ والمنسوخ: (وقد يعلم بالإجماع، وهو أن تجمع الأمة على خلاف ما ورد من الخبر؛ فيستدل بذلك على أنه منسوخ؛ لئلا تجتمع على الخطأ) . ويقول ابن القيم: (ومحال أن تجمع الأمة على خلاف نص له إلا أن يكون له نص آخر ينسخه) . والله أعلم.(4/488)
الطعن في فتاوى كبار العلماء
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /الفتوى والإفتاء
التاريخ 14/2/1425هـ
السؤال
دار الحديث في إحدى المنتديات حول قيادة المرأة وعرضت فتوى الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين والشيخ ابن باز - رحمهما الله تعالى- رد عليها من يدعي العلم بلا علم، وقال العلماء يصيبون ويخطئون، وكم من فتوى اكتشفوا أنها خاطئة فيما بعد ثم استشهد لي بأن امرأة أتت إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وردت عليه في مسألة، فقال عمر - رضي الله عنه- أخطأ عمر وصدقت المرأة.
سؤالي: هل هذه الرواية صحيحة؟ وهل نجعلها قاعدة في الدين نقيس عليها؟ وهل كل من هب ودب يأتي ويستشهد بهذه الرواية نتبعه في عدم الأخذ من العلماء؟ وهل رد فتوى العلماء بلا علم جائز؟ ألا يصح أن نقول على هؤلاء بأنهم خالفوا أمراً إلهياً وهو: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".
ملحوظة أولية: للأسف اتصلت ببعض الدعاة ولم يتحمس للموضوع، وكان الأمر سهلاً وأنا أرى أن الأمر خطير جداً لأن الناس سيبدؤون في التشكيك بالعلماء فيصبح كل عالم فيه شبهة، وبالتالي سيكون علماؤهم ومشايخهم ومفتوهم هم الأسماء المستعارة في المنتديات التي خلفها ربما يكون يهودي أو نصراني أو منافق أو جاهل لا يعي ما يقول أو إمعة، لكن عندما نقارعهم بالحجة، ونبين لهم الحق بوضوح وجلاء، وبالأدلة الشرعية فإن ذلك بمشيئة الله سيكون سبباً في إنقاذ الكثير من أخواتك نساء المسلمين.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:(4/489)
أولاً: روى أبو داود (2106) والترمذي (1114) والنسائي (3349) عن أبي العجفاء السلمي قال: خطبنا عمر - رضي الله عنه- يوماً فقال: "ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإن ذلك لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما أصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- امرأة من نسائه ولا أصدق امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية".(4/490)
وقال القرطبي في تفسيره: وخطب عمر - رضي الله عنه- فقال:"ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ما أصدق قط امرأة من نسائه ولا بناته فوق اثنتي عشرة أوقية، فقامت إليه امرأة فقالت: يا عمر: يعطينا الله وتحرمنا؟ أليس الله سبحانه وتعالى يقول: "وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً" [النساء:20] ، قال عمر - رضي الله عنه-: "أصابت امرأة وأخطأ عمر" وفي رواية فأطرق عمر - رضي الله عنه- ثم قال: "كل الناس أفقه منك يا عمر"، وفي أخرى: "امرأة أصابت ورجل أخطأ والله المستعان"،وروى الحافظ أبو يعلي هذا الأثر فقال: "حدثنا أبو خيثمة حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني محمد بن عبد الرحمن عن خالد بن سعيد عن الشعبي، عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "أيها الناس: ما إكثاركم في صداق النساء، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه - رضي الله عنهم- لا تعدو الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها، فلأعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم فما دون ذلك، قال: ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش، فقالت يا أمير المؤمنين: نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم؟ قال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال وأي ذلك؟ قالت أما سمعت الله يقول: "وآتيتم إحداهن قنطاراً" [النساء:20] ؟ فقال عمر - رضي الله عنه-: اللهم غفراً، كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر، فقال أيها الناس: إني كنت نهيتكم أن تزيدوا في صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب".(4/491)
قال أبو يعلي: وأظنه قال: "فمن طابت نفسه فليفعل"، إسناد جيد وقوي، ومن طرق هذا الأثر: قال ابن المنذر: حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن قيس بن ربيع عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-: "لا تغالوا في مهور النساء، فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر، إن الله يقول: "وآتيتم إحداهن قنطاراً" فقال عمر: إن امرأة خاصمت عمر فخصمته".
ومن طرقه كذلك وفيه انقطاع قال الزبير بن بكار: حدثني عمي مصعب بن عبد الله عن جدي قال: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-: "لا تزيدوا في مهور النساء، فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال، فقالت امرأة من صفة النساء طويلة في أنفها فطس: ما ذاك لك، قال ولم؟ قالت: إن الله قال: (وآتيتم إحداهن قنطاراً) [النساء:20] ، فقال عمر: امرأة أصابت ورجل أخطأ".
من خلال هذا العرض السريع لمجريات هذه الواقعة كما وردت في الطرق المختلفة يتضح أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فعل الواجب في هذه المسألة، حيث رجع إلى الحق لما بُيِّن له، ولم يمتنع من ذلك لمنصبه ومكانه بين الصحابة - رضي الله عنهم- لأنه كان يبحث عن الحق، وهو هنا لم يرجع إلى مجرد قول المرأة، لأنه لا حجة في قولها ولا في قول غيرها من الناس، وإنما رجع إلى الآية التي ذكرتها المرأة.(4/492)
ثانياً: الواجب على الإنسان عموماً أن يكون باحثاً عن الحق متلمساً له في كل أحواله، وإذا قال شيئاً أو حكم بشيء ثم تبين له أن الحق بخلافه فإن الواجب عليه الرجوع إلى الحق ولا غضاضة في ذلك، وهو خير من التمادي في الباطل، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- في كتابه إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- "والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل"، وذلك بغض النظر عمّن أرشدك إليه سواء أكان امرأة أو رجلاً عالماً أو عامياً، صغيراً أو كبيراً، لأن الحكمة والحق ضالة المؤمن بغض النظر عن قائلها، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة -رضي الله عنه-: "صدقك وهو كذوب" يعني: إبليس لما ذكر لأبي هريرة - رضي الله عنه- فضل آية الكرسي، والحديث رواه البخاري (3275) من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -.
ثالثاً: هذه القصة الواردة عن عمر - رضي الله عنه- تعد قاعدة من قواعد الإفتاء والاجتهاد، والعلماء متفقون على مضمونها، ولم يقل أحد من أهل العلم بأن الإنسان يجوز له البقاء على قوله مع تبين خطئه ومجانبته للصواب، لكن العالم إذا اجتهد في أي مسألة من المسائل وتبين له الحق فيها وجب عليه العمل بما ظهر له من الحق وإفتاء من سأله عن حسب ما يراه حقاً في المسألة، ولا يرجع عما توصل إليه لقول أي إنسان كائناً من كان، ولكن إذا تبين له دليل يخالف ما توصل إليه سواء أذكره هو أم ذكره غيره به وجب عليه العمل بما يقتضيه هذا الدليل.
رابعاً: ينقسم الناس بحسب علمهم بالأدلة الشرعية إلى قسمين: علماء، وعامة؛ فالعلماء: هم أهل النظر في الأدلة الشرعية واستنباط ما اشتملت عليه من الأحكام، وهم الذين يجوز لهم مناقشة بعضهم البعض فيما ذهب إليه كل منهم في المسائل المختلف فيها، ولا يلزم أحد بما ذهب إليه غيره من العلماء، بل الواجب على كل منهم العمل بما أداه إليه اجتهاده.(4/493)
أما العامة: فالواجب عليهم سؤال العلماء فيما يعرض لهم من أمور دينهم امتثالاً لقوله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" [النحل:43] ، وليس من شأن العامي رد فتاوى أهل العلم أو عدم الأخذ بها أو تخير ما شاء منها، لأنه إن فعل ذلك فإنه لا يفعله عن علم ومعرفة، وإنما منطلقه في ذلك الهوى والتشهي، كما أنه لا يجوز للعامي أن يترك الأخذ بفتاوى أهل العلم بحجة أنهم ربما يكونوا مخطئين، لأننا لو أجزنا له ذلك لبقي العامي بغير تكليف، لأن كثيراً من المسائل اجتهادية والعلماء مختلفون فيها واحتمال الخطأ قائم في حق كل فريق، وإنما الواجب على العامي أن يقلّد العلماء المشهود لهم بالعلم والتقوى، ولا يتجاوز أقوالهم إلا إذا تبين له خطؤها بدليل صحيح واضح، وإذا كان ليس من حق العامي رد كلام العلماء، فإن من حقه أن يسأل العالم عن دليل المسألة ومستندها الذي اعتمده العالم في فتواه، لأن العامي ليس متعبداً باتباع أشخاص العلماء، وإنما هو متعبد باتباع الأدلة التي يعرفها العلماء ويبينونها للعامة.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(4/494)
متى استفتى؟
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /الفتوى والإفتاء
التاريخ 7/4/1424هـ
السؤال
إذا عرض لي سؤال في الدين، فهل يجب عليّ الاستفتاء فوراً؟
الجواب
الأصل والقاعدة في ذلك أن يسارع المرء في سؤال أهل العلم عن كل ما أشكل عليه من أمر دينه؛ لأن ذلك من حسن الصالحات التي أمر الله بالمبادرة إليها يقول - تعالى -:" وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض" [آل عمران:133] غير أنه يجب عليه أن يبادر على الفور في سؤال أهل العلم في صور منها:
- إن أشكل عليه أمر في عبادة قد أداها، فهذا يلزمه أن يسأل على الفور؛ حتى يقيم نقص عبادته إن أمكن ذلك، أو يكفر إن صح التكفير أو يعبد إن لزم ذلك.
- إن وجبت عليه عبادة على الفور وهو يجهل شيئاً مما لا تصح إلا به، فيجب عليه السؤال على الفور حتى تكون عبادته على بصيرة وعلم.
- إن وقع منه أمر لا يدري هل يترتب عليه حكم شرعي أم لا؟ فيجب عليه السؤال على الفور حتى تبرأ ذمته، وهذه الصورة عامة لا تختص بالعبادات ونحوها. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(4/495)
أخذ الأجرة على الفتوى
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
أصول الفقه /الفتوى والإفتاء
التاريخ 24/10/1423هـ
السؤال
في مدينتي شيخ من أهل الصلاح والتقوى ومؤهله عالٍ في الشريعة - ضاق به الحال - فمال إلى طلب مقابل نقدي على الفتوى حين يستفتى- وهذا أمر مقزز جدا في بلادنا، وفي ظني أنه استند إلى أصل شرعي في هذا التصرف آمل أن تفيدونا بالجوانب الشرعية- لأخذ الأجرة على الفتوى.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فقد اختلف أهل العلم في أخذ المفتي الأجرة على فتياه من أعيان من يفتيهم إذا كان فقيراً وليس له كفاية ولا رزق من بيت المال.
والجمهور على المنع، وهو اختيار العلامة ابن القيم رحمه الله وغيره.
ولا شك أن هذا هو الأولى. وعلى كل فهذه المسألة من مسائل الخلاف فلعله اختار القول بالجواز.
ويمكن للسائل أن يتفق مع أثرياء البلد وأعيانه على إعطاء هذا المفتي مبلغاً كل مدة نظير فتياه وتعليمه للناس، ففي ذلك سعي في حاجة أخ مسلم، وفيه كف له عن الأخذ من كل مستفت، وفق الله الجميع لهداه - وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمين.(4/496)
جرأة غير المختصين على الفتوى
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /الفتوى والإفتاء
التاريخ 16/3/1424هـ
السؤال
أريد إجابة وافية شافية رداً على من يقول إن الحديث عن الدين لا يحتاج إلى مختص؟
فيفتون ويجيبون ويقولون وجهات نظرهم كما يشاءون، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
من الأمور المسلمة عند أهل العلم: أن الكلام في الأحكام الشرعية وما يتعلق بها ليس متاحاً لكل أحد، كما أنه ليس مقصوراً على أناسٍ محددين معينين لا يشاركهم غيرهم، وإنما هناك حدٌ من العلم من حصّله جاز له أن يتكلم في أمور الدين في حدود ما يعلم، وحرُم عليه الكلام فيما يجهل من الأحكام.
وذلك لأن الكلام في أمور الدين إنما هو إخبارٌ عن حكم الله، أو حكم رسوله -صلى الله عليه وسلم- في المسألة، وإذا كان الإنسان لا يحيط علماً بما ورد عن الله وعن -رسوله صلى الله عليه وسلم-، فإن إخباره عنهما لا يكون مطابقاً لما جاء عنهما، وإنما يكون من تلقاء نفسه، واعتماداً على عقله، وبذلك يجعل عقله حاكماً على الشرع، وهذا باطل، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوةٌ حسنة، حيث كان يجيب السائل إذا كان عنده علم بالمسألة، وإذا لم يكن عنده علم بها فإنه ينتظر الوحي، ولم يتكلم فيها إذ كان غير عالمٍ بحكمها.
وكذلك الأمر بالنسبة للصحابة والتابعين -رضي الله عنهم أجمعين- حيث كانوا لا يتكلمون إلا فيما يعلمونه من أمور الشرع، وقد حفظت لنا سيرهم توقف كثير منهم وامتناعهم عن الكلام فيما جهلوا من الأحكام، ومما حُفِظَ عنهم في ذلك: قول أبي بكر -رضي الله عنه-: " أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا تكلمت في كتاب الله بغير علم" رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1561) وغيره، وقد سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله عن أربعين مسألة، فأجاب عن أربعٍ منها، وقال في ستٍ وثلاثين: لا أدري، ونحو ذلك من الأخبار التي يتبين فيها أن العلماء الربانيين والأئمة المجتهدين لم يكونوا يتكلمون في أمور الدين إلا في حدود ما علموه واطلعوا عليه.
وإذا كان الأمر كذلك في حق العلماء والأئمة المجتهدين، فالواجب على غيرهم ممّن لم يطلب العلم ولم يكن من أهله الموصوفين به ألا يتكلم فيما يتعلق بالأحكام الشرعية؛ لأنه غير عالم بها، وغير العالم لا يجب عليه السكوت فحسب، بل يجب عليه مع السكوت أن يسأل العلماء؛ استجابةً لقوله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" [النحل: 43] ، ويحرم عليه أن يتصدى ويتصدر في أمورٍ هو جاهلٌ بها؛ عملاً بقوله تعالى:"ولا تقف ما ليس لك به علم " [الإسراء: 36] .
وهذا الأمر هو المتبع عند الناس في أمور دنياهم، فنجدهم لا يرضون بكلام الإنسان إلا فيما يعلم، فمثلاً: إذا أصاب أحدَهم مرضٌ فإنه لا يسأل إلا الطبيب، ولا يعتمد على كلام غيره من الناس، وإذا أراد أحدهم البناء فإنه لا يسأل إلا المهندسين الذين يمتهنون البناء والتصميم، وهكذا فكل إنسان يتكلم فيما يحيط بعلمه في أمور الدنيا، وإذا كان الأمر كذلك في أمور الدنيا فأمور الدين من باب أولى ألّا يتكلم فيها إلا أهل العلم وطلبته الذين أخذوا منه بحظٍ وافر.
وقد يقول قائل: إن الإنسان وإن لم يكن من أهل العلم، إلا أنه قد يبحث عن أدلة المسألة المعينة، ثم يتكلم فيها بناءً على ما علمه من أدلتها، فيقال له: إن الأدلة الشرعية مترابطة، وبعضها مبنيٌ على بعض، ثم إن الدليل المعين يحتاج إلى عدة أمور من أجل أن يصح الاستدلال به، كأن يكون صحيحاً ثابتاً عن الله أو عن رسوله -صلى الله عليه وسلم-، غيرَ معارضٍ بغيره من الأدلة الأخرى، سالماً من النسخ والتأويل، ونحو ذلك مما لا يعرفه إلا أهل العلم الذين نهلوا منه، وهذه الأمور بلا شك لا تتوفر في عامة الناس.
ونحن لا نقول هذا الكلام بناءً على أن الدين له رجالٌ محددون معينون لا يتكلم فيه غيرهم، كما هو الأمر في بعض الديانات الأخرى، ولكن نقول: إنه لا يتكلم في أمور الدين إلا العلماء الذين حازوا شروط العلم التي ذكرها أهل العلم، فكل من حصّلها جاز له الكلام في الأحكام الشرعية في حدود ما يعلم كما سبق ذكره.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/497)
الأجرة مقابل الفتوى
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
أصول الفقه /الفتوى والإفتاء
التاريخ 17/5/1424هـ
السؤال
ظهر في إحدى الدول، ظاهرة جديدة خاصة بإفتاء الجمهور وهو هاتف الفتوى، ومعناه أن العالم يمكنه تلقي الفتاوى عن طريق الهاتف الخلوي أو العادي، لا أعلم بالضبط ويرد عليها مباشرة.
وذلك مقابل مبلغ مالي للدقيقة الواحدة يدفعها السائل، أي أنها تضاف إلى فاتورته الشخصية، ما حكم هذا؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فقد اختلف أهل العلم في أخذ المفتي أجرةً على فتواه من أعيان من يفتيهم، والجمهور أن ذلك ممنوع، ولا شك أن المنع هو الأولى، لكنها مسألة خلافية، فلعل من فعلها يرى الجواز فيها.
لكن إذا لم يوجد من يتفرغ لإفتاء الناس احتساباً، ولم يعين ولي الأمر من يتولى ذلك برزق يعطيه له، وتفرغ مؤهل لإفتاء الناس بمقابل فإني أرجو أن هذا يسير، والله الموفق والهادي.(4/498)
شروط المفتي
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /الفتوى والإفتاء
التاريخ 16/4/1424
السؤال
ما هي الشروط العلمية التي حدد العلماء لطالب العلم أن يحوزها شرطا ليفتي الناس في أمور دينهم؟ وهل يجب أن يزكي العالم طالب العلم ويجيزه؟ وما هو الحال لمن تدرج في العلم عن طريق الكتب ولم يجلس في حلقات العلم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: عرَّف أهل العلم الإفتاء بأنه: "الإخبار بحكم الله تعالى عن دليل شرعي". ولما كان الإفتاء بهذه المنزلة من الأهمية اشترط له العلماء شروطاً عديدة، لا بد من توفرها فيمن أراد التصدي لهذا المنصب الخطير. والشروط - باختصار- هي:
(1) الإسلام. (2) البلوغ.
(3) العقل. (4) العدالة.
وهذه الأربعة شروط لقبول فتواه والعمل بها، وهي مجمعٌ على اشتراطها لذلك. قال ابن حمدان: " أما اشتراط إسلامه وتكليفه (أي أن يكون بالغاً عاقلاً) وعدالته فبالإجماع؛ لأنه يخبر عن الله تعالى بحكمه، فاعتبر إسلامه وتكليفه وعدالته؛ لتحصل الثقة بقوله ويُبنى عليه كالشهادة والرواية ". (صفة الفتوى والمفتي والمستفتي: 13) .
(5) الاجتهاد.
وقد ذكر العلماء للمجتهد عدة شروطٍ، منها ما هو محل وفاق، ومنها ما هو محل خلاف، وأهم هذه الشروط إجمالاً:
(1) العلم بآيات الأحكام من القرآن الكريم.
(2) العلم بأحاديث الأحكام من السنة الشريفة.
(3) العلم باللغة العربية.
(4) العلم بأصول الفقه.
(5) العلم بمسائل الإجماع حتى لا يخالفها.
وللعلماء كلام طويل حول تحقق هذه الشروط في المفتين قديماً وحديثاً، وهل هذه الشروط معتبرة في حق كل مفتٍ، أو أنها تشترط لما يُسمى بالمجتهد المطلق؟ وهذه المسألة من المسائل المشكلة التي كثر الكلام حولها.
ولمن أراد الاطلاع على كلام أهل العلم فيها، فعليه بالكتب التي تناولت هذه المسألة وما يتعلق بها، ومن أهم هذه الكتب ما يأتي:
(1) صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، لابن حمدان.
(2) أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح.
(3) كتاب الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي.
(4) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم.
إضافةً إلى ما كتبه العلماء في مؤلفاتهم في أصول الفقه، وذلك في كتاب الاجتهاد والتقليد، حيث يتطرقون لهذه المسألة بشيءٍ من التفصيل عندما يتكلمون عن شروط المجتهد، أو عندما يتكلمون عن مسألة تجزؤ الاجتهاد، ويعنون بهذه المسألة: هل من شرط الاجتهاد أن يكون الإنسان مجتهداً في جميع المسائل والأبواب، أو يجوز أن يكون مجتهداً في بعضها دون بعض؟.
ثانياً: إن الإنسان الذي يفتي الناس فيما يسألون عنه من أحكام الشريعة ويبين لهم أمور دينهم يقوم بعمل مهم جداً، وهو من أهم الأعمال وأعظمها، ولما كان هذا العمل بهذه المنزلة، كان من الواجب معرفة هذا الشخص الذي يؤدي هذا العمل، ولا بد من اتصافه بالعلم والتقوى والورع ونحو ذلك من الصفات الحسنة، وهذا الأمر يُعرف من شهادة الناس له وثنائهم عليه، فالناس كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -:"أنتم شهداء الله في الأرض...." الحديث رواه البخاري (1367) ، ومسلم (949) من حديث أنس -رضي الله عنه-، ولا شك أن تزكية العلماء لطالب العلم وشهادتهم له باستحقاق منصب الفتوى دليلٌ أكيد على صلاحية هذا الإنسان للقيام بهذا العمل العظيم.
ثالثاً: أما بالنسبة لمن تدرج في العلم عن طريق الكتب ولم يجلس في حلقات العلم، فإنه وإن أصاب علماً كثيراً بهذه الطريقة، إلا إنه قد يحصل له الخلل والخطأ من حيث لا يدري، فإنه قد يفهم الشيء على خلاف ما هو عليه، وقد تستغلق عليه بعض الأمور المشكلة فلا يجد من يفتحها عليه، وقد يتجه إلى كتب تضر أكثر مما تنفع، وغير ذلك من المحاذير التي تنتفي إذا أخذ العلم عن أهله. ولذلك فإن السلف الصالح ومن بعدهم لم يتلقوا العلم عن طريق الكتب فقط، وإنما أخذوا العلم عن أهله، حيث جلسوا عند العلماء وتتلمذوا على أيديهم، وهم في ذلك يقتدون بالصحابة - رضي الله عنهم -، إذ كانوا يلازمون النبي صلى الله عليه وسلم ويأخذون العلم عنه، وكذلك الأمر بالنسبة للتابعين، حيث لازموا الصحابة - رضي الله عنهم - حتى فقهوا في الدين، وبلغوا ذروة الكمال في العلوم الشرعية.
وقد تكلم الشاطبي رحمه الله عن هذه المسألة، ثم قال بعد أن قرر هذا الأمر: " …وحسبك من صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالماً اشتهر في الناس الأخذ عنه إلا وله قدوة اشتهر في قرنه بمثل ذلك، وقلما وُجِدت فرقةٌ زائغة ولا أحدٌ مخالف للسنة إلا وهو مفارق لهذا الوصف. وبهذا الوجه وقع التشنيع على ابن حزم االظاهري، وأنه لم يلازم الأخذ عن الشيوخ ولا تأدب بآدابهم، وبضد ذلك كان العلماء الراسخون كالأئمة الأربعة وأشباههم " (الموافقات1/66-67) .
ولا يُفهم من هذا الكلام أن طالب العلم لا يلتفت إلى الكتب ولا يطَّلع على ما فيها، كلا ليس هذا هو المقصود، ولكن المقصود أن الأصل أن طالب العلم يلازم العلماء ويأخذ عنهم، ومع هذا فإنه يطَّلع على الكتب التي كتبها أهل العلم ويقرأ ما فيها، وإذا أشكل عليه شيءٌ أو استغلق عليه فهمه سأل أهل العلم عنه، وبهذا يحصل له الأخذ عن العلماء المتقدمين والمعاصرين، فيأمن من الغلط والخطأ، وقد أشار الشاطبي إلى هذا المعنى، حيث قال: إن العلم لا بد أن يؤخذ من أهله، وهذا الأخذ له طريقان، هما:
(1) المشافهة، وهي أنفع الطريقين وأسلمهما.
(2) مطالعة كتب المصنفين ومدوني الدواوين، فإنه نافع في بابه بشرطين:
أ - أن يحصل للمطَّلع من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب، ومعرفة اصطلاحات أهله، ما يمكنه من فهم ذلك العلم.
ب - أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد، فإنهم أفضل من غيرهم من المتأخرين. ثم أخذ في شرح هذه الأمور وبيان المراد منها. والمقام هنا لا يحتمل التفصيل، فمن أحب الاطلاع على كلامه في هذه المسألة فليرجع إلى كتاب الموافقات (1/67-68) . والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/499)
الأصوب في منهج الإفتاء
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /الفتوى والإفتاء
التاريخ 11/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا معلم تربية إسلامية في إحدى المدارس وأحمل شهادة بكالوريوس شريعة / الفقه وأصوله، وأتعرض لكثير من الأسئلة الفقهية فأجيب بما أعرف، ونحن نعلم بأن الفقهاء رحمهم الله قد اختلفوا في كثير من المسائل الفقهية وهذا من رحمة الله تعالى بالمسلمين، أرجو مساعدتكم في أن تعلموني طريق الصواب في عملية الإفتاء، هل أتبع مذهباً معيناً وأفتي به؟ أم أختار في كل مسألة المذهب الأسهل وأجيب به؟
ثم أرجو منكم أن تدلوني على أسماء أفضل الكتب في الفقه والعقيدة والتفسير، وجزاكم الله كل خير، وجعل هذا العمل في ميزان حسناتكم يوم القيامة إنه سميع مجيب الدعوات.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإذا عُرِضَ على طالب العلم سؤالٌ عن حكم شرعي، فإن كان يعرف الجواب مسبقاً، فإنه يفتي السائل بما يدين لله بأنه هو الحق، والمعتمد في ذلك هو الأدلة الشرعية، فما وافق الأدلة الشرعية وجب الأخذ به بغض النظر عن موافقة الحكم لمذهب إمام معين؛ لأن الله تعبدنا باتباع الأدلة ولم يتعبدنا باتباع الأشخاص، وما خالف الأدلة الشرعية وجب طرحه؛ لأنه قول فاسد فلا اعتبار له البتة. أما إذا كان طالب العلم لا يعرف جواب المسألة، فإن عليه أن يبحث عنه فيما كتبه أهل العلم حول المسألة، وليس المراد من هذا البحث معرفة رأي مذهب معين أو إمام معين ليقلَّده ويفتي به، ولكن المراد معرفة كلام أهل العلم في المسألة والاطلاع على ما استدلوا به والنظر فيما يعرض لهذه الأدلة من مناقشات واعتراضات من أجل أن يأخذ الباحث الحكم الذي تعضده الأدلة السالمة من الاعتراضات. وينبغي على طالب العلم - مع ما تقدم- ألّا يغفل عن سؤال العلماء المشهود لهم بالعلم والصلاح عن حكم المسألة والاستنارة بما يقررونه، مع الحرص على معرفة الدليل الدال على الحكم، ومعرفة الدليل أمرٌ في غاية الأهمية؛ لأن الغرض من السؤال ليس معرفة الحكم فحسب، وإنما الاستفادة من طريقة أهل العلم في الحكم على المسائل والحوادث. وإذا لم يتبين لك الحق في المسألة أو تعارضت لديك الأدلة ولم تستطع الترجيح بينها، فعليك أن تعتذر عن الجواب؛ لأن الذي يجيب إنما هو العالم بالحكم، أما غير العالم ففرضه أن يقول لا أدري، وهي نصف العلم كما قيل، ولا عيب فيها، فقد قالها علماء الأمة وأئمتها من الصحابة ومن بعدهم، وهاهو الإمام مالك إمام دار الهجرة سئل عن أربعين مسألة، فأجاب في أربع منها، وقال في ستٍ وثلاثين: لا أدري. أما مسألة الالتزام بمذهب معين للعمل والإفتاء به، فهي مسألة طال فيها الكلام قديماً وحديثاً، والناس فيها طرفان ووسط، فمنهم من يلزم الناس باتباع مذهب إمام معين ولا يسوّغ الخروج عنه إلى مذهب غيره، ومنهم من يحرّم هذا الأمر ويشنِّع على من يقول به، وهناك من توسط في الأمر فجعله جائزاً في حق من لم يستطع النظر في الأدلة من عامة الناس، وقيل هذا في حق عامة الناس لأنهم لا يستطيعون النظر والاجتهاد ومن أجل ألاّ يختار أحدهم الأسهل والأهون من أقوال أهل العلم من المذاهب المختلفة، أما طلاب العلم والقادرون على النظر في الأدلة والاجتهاد في النوازل والحوادث ولو بالاجتهاد الجزئي فإن الواجب عليهم النظر في الأدلة وترجيح ما وافق الدليل؛ لأن الواجب على جميع المكلفين معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها، ولكن تُرك هذا الأمر في حق عامة الناس لعدم قدرتهم عليه؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول:" لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" [البقرة: 286] ، فيبقى الأمر على ما هو عليه فيمن عداهم من أهل العلم وطلابه. أما ما ذكرته من الإفتاء بأسهل المذاهب في المسألة من أقوال أهل العلم، فإن هذا الأمر لا يستقيم إطلاقه على كل حال، بل عليك أن تجعل الحاكم في ذلك الأدلة الشرعية، فإن ألزمت الأدلة الشرعية بحكم معين في المسألة فعليك الإفتاء به سواءً أكان هو الأسهل أم الأصعب، أما إذا كان في الأمر سعةٌ فعليك الأخذ بالأسهل؛ اقتداءً بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، فإنه " ما خير بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه " (متفق عليه، رواه البخاري، كتاب: المناقب، باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث:3560، ومسلم، كتاب: الفضائل، باب: مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام واختياره من المباح أسهله، رقم الحديث:6045) .أما أفضل الكتب في الفقه والعقيدة والتفسير، فكتب أهل العلم المشهود لهم بسعة العلم وصلاح المعتقد كلها فيها خير عظيم ونفع عميم، ولكن أشير إلى أهم هذه الكتب في الفنون التي سألت عنها: أولاً: العقيدة، وعليك الاهتمام بالكتب التي ألفها أصحاب المعتقد السليم الموافق لما جاء في الكتاب والسنة، ومن أهمها:
(1) كتب شيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728هـ) ، وتلميذه ابن القيم (751هـ) فهي من أنفع الكتب وأكثرها فائدة، وأبعدها عن البدع ومحدثات الأمور.
(2) شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي.
ثانياً: التفسير، وعليك بكتب التفسير بالمأثور، وهي التي تهتم بتفسير القرآن الكريم بالقرآن والسنة وأقوال الصحابة والتابعين، مع العناية بالكتب المهتمة باستنباط الأحكام المختلفة من نصوص القرآن الكريم، ومن أهمها:
(1) الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (ت:671هـ) .
(2) تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء إسماعيل ابن كثير (ت:774هـ) .
(3) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين الشنقيطي (ت:1392هـ) .
ثالثاً: الفقه، وأحسن الكتب في هذا العلم ما كان صاحبه مبتعداً عن التعصب
والتقليد، مهتماً بالدليل والتأصيل، ومن أهم هذه الكتب:
(1) المغني، لموفق الدين ابن قدامة الحنبلي (ت:620هـ) .
(2) المجموع شرح المهذب، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي (676هـ) ، والإمام
النووي لم يكمل هذا الشرح، وإنما وصل إلى كتاب الربا من المتن، ثم أكمل
الكتاب غيره.
(3) الذخيرة، لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (684هـ) .والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين(4/500)
بفتوى مَن نأخذ؟
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /الفتوى والإفتاء
التاريخ 19/10/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
موضوع سؤالي هو: مسألة الأخذ بالفتوى عندما تختلف من عالم إلى عالم في نفس الإشكالية، وسؤالي تحديداً عن شراء المسكن بالفائدة البنكية؛ فقد وجدت عدة آراء في هذه المسألة بين من حرمها قطعاً، ومن أجازها للضرورة حتى داخل الدول الإسلامية،
فهناك من العلماء من لهم وزنهم على الساحة العالمية، ويجيزون شراء البيت بالقروض البنكية بدعوى أن البيت من الضرورات التي تبيح المحظورات، وهناك من يرى من العلماء الكبار أيضا أن الضرورات لا حد لها وتقدر حسب الأشخاص، وبالتالي فإن فتح هذا الباب سيجعل من الاقتراض الربوي حالة شائعة وعامة، بالإضافة إلى أدلة أخرى تجعل هذا الفريق الثاني يحرم الاقتراض الربوي بشكل عام، أمام هذا الوضع أتساءل -جزاكم الله خيراً- عن حكم من أخذ بفتوى الفريق الأول من العلماء الذين يجيزون الاقتراض الربوي لشراء مسكن، وهو غير مقتنع برأيهم ولكنه يحملهم وزر فتواهم، فهل يعتبر آثما؟ أم لا؟. وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى تعبد الخلق باتباع شرعه وتطبيق أحكامه، ونصب على ذلك الأدلة البينة والبراهين الواضحة، وطلب من الناس النظر فيها واستنباط أحكامها وآدابها وأسرارها، ولما كان العامي من الناس لا يستطيع النظر في الأدلة واستخراج ما اشتملت عليه من أحكام وشرائع، فإن عليه أن يقلّد أحد الأئمة المجتهدين المشهود لهم بالعلم والصلاح، ويتبعه في كل ما لم يعلم بطلانه، أما إذا علم بطلان قوله في أي مسألة من المسائل بأن تبين له فيها دليل يخالف قول إمامه، فإن الواجب عليه العمل بما دل عليه الدليل، ولا يجوز له حينئذٍ الاستمرار على ما ذهب إليه إمامه؛ لأن التقليد إنما جاز لهذا العامي؛ لأنه جاهل بالدليل، أما إذا عرفه أو أٌخبر به وجب عليه ترك التقليد والعمل بالدليل، وإذا تعدد العلماء والمجتهدون فعلى العامي أن يقلد الأعلم والأفضل؛ لأن قول الأعلم والأفضل أرجح وأقرب إلى الصواب من قول غيره، ولا يجوز للعامي أن يختار من الأقوال أسهلها أو أحبها إلى نفسه، أو أقربها إلى تحقيق مآربه؛ لأن في ذلك تتبعاً للرخص، وهو يؤدي إلى الانحلال من التكليف، ولو فعل ذلك مع اقتناعه بعدم صحة القول الذي أخذ به فإنه مخطئ وآثم، وليس على من أفتى بهذا القول شيء؛ لأنه مجتهد، والمجتهد مأجور على كل حال، إلا إن كان الذي أفتى بهذا القول غير عالم، فإن أفتى وهو جاهل فهو آثم على كل حال ولا يجوز تقليده أبداً.
أما مسألة شراء البيت بالفائدة الربوية، فهي من التعامل الصريح بالربا، وهذه المسألة ليست من المسائل التي يُضطر إليها الناس حتى يُقال بإباحتها، ومن قال بجواز التعامل بالربا في شراء البيوت نظراً لاضطرار الناس فقوله باطل وليس له مستند من الأدلة الشرعية، ولو أخذنا بهذا القول لأجزنا كثيراً من الأمور المحرمة؛ لأن كل إنسان يزعم أنه مضطر إلى ذلك الأمر المحرم.
وإذا نظرنا إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم نرى شدته في التحذير من الربا والنهي عنه بكافة صوره وأشكاله، بل إنه ردّ كثيراً من المعاملات الربوية التي حصلت من بعض الناس في ذلك العصر مع جهلهم بتحريمها، ولم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم حاجة الناس في ذلك العصر سبباً لجواز التعامل بالربا، مع أن أكثر الناس في ذلك العصر كانوا من الفقراء، بل إن بعضهم أو كثيراً منهم لا يجد ما يسد رمقه من الجوع.
ولذلك فإنه لا يجوز شراء البيوت ولا غيرها عن طريق البنوك الربوية، ومن فعل ذلك فقد اقترف كبيرة من كبائر الذنوب، وعرّض نفسه لغضب الله وسخطه، وأذكرك بأن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ملعونون كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظر مسلم (1597) ، وهل يرضى أحد من المسلمين أن تحل عليه لعنة الله؟.
ثم إن الله سبحانه وتعالى لم يحرم علينا شيئاً إلا أباح لنا غيره مما يحقق المقصود نفسه، وإن كان الله حرم علينا الربا فقد أباح لنا كثيراً من المعاملات والعقود التي تساعد الإنسان على تحقيق ما يصبو إليه، ومن هذه المعاملات: البيع بالأجل وبيع التقسيط، والتورق، والاستصناع، والسلم، ونحو ذلك من المعاملات الجائزة التي يعتاض بها الإنسان عن المعاملات المحرمة، وختاماً أقول: من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.(4/501)
الموقف عند اختلاف الفتوى
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
أصول الفقه /الفتوى والإفتاء
التاريخ 3/2/1425هـ
السؤال
ماذا نفعل تجاه مسألة اختلف العلماء فيها فبعضهم أحلها وبعضهم حرمها؟ علماً بأن جميعهم متساوون في العلم والتقوى (نحسبهم كذلك) فهل نتبع الرأي الذي حرمها؟ أم الذي حللها؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فالواجب عند حصول الاختلاف الرد للكتاب والسنة كما قال تعالى: "فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" [النساء: من الآية59] ، والرد إلى الله والرسول - صلى الله عليه وسلم- بالرجوع للكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة فهو الذي يجب اتباعه وموافقته، وإنما يعرف ذلك أهل العلم.
وأما غير العالم فإنه يقلد من يفتيه، قال تعالى: "فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" [النحل: من الآية43] ، وإذا أفتاه لزم قوله إلا أن يعلم أنه غير صحيح، ومتى سأل أحداً من أهل العلم، فإنه لا يسأل غيره بل يكتفي بجوابه، لأنه فعل ما وجب عليه، فإذا اختلف مفتيان فإنه يتبع أعلمهما، ويعرف ذلك بخضوع أهل العلم لأعلمهما وتقديرهم إياه ومراجعتهم له، ثنائهم عليه، ونحو ذلك، مما يدل على مكانته وتقدمه، كما يفعل المريض عند اختلاف الأطباء فإنه يقلد أعلمهم بفنه ويعرف هذا بالطرق المذكورة.
فإن لم يعلم ذلك ولم يعرف فهو مخير في تقليد من شاء منهم، لكن إن قلده في بعض فروع المسألة فلا بد أن يقلده في جميعها لئلا يفضي به ذلك إلى عمل ما لا يفتي به أحد، فيختار أحد العلماء ويسأله في هذه المسألة وما شابهها. والله أعلم.(4/502)
هل في التيسير جناية على الشريعة؟!
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
أصول الفقه /الفتوى والإفتاء
التاريخ 1/05/1425هـ
السؤال
أحس -يا فضيلة الشيخ- بأن هناك فهماً خاطئاً - مجرد إحساس وخواطر وليس جزماً - من بعض المشايخ، وطلبة العلم، والدعاة، لحقيقة يسر الدين وسماحته, وخطأً في فهم بعض القواعد والأصول -،أرى ميل بعضهم إلى أقوال مرجوحة، أو ضعيفة؛ بحجة التخفيف والتيسير, وأزعم بأن خوف بعضهم من اتهام الدين بالشدة - من المنافقين والعلمانيين - يحملهم على الميل إلى الأسهل، وإلى محاولة التقريب بين الدين وبين أقوال بعض أعدائه، كما نسمع عن الشيخ محمد عبده -رحمه الله- بأنه كان جسراً لدعاة تحرير المرأة من غير أن يشعر, وبعضهم يحمله ضعف الناس عن قبول الحق والعمل به إلى أيسر الأقوال، وأضعفها.
إني أخشى - حقاً يا فضيلة الشيخ - أن يكونوا قد أخطأوا - وبحسن نية - في بعض فهمهم وآرائهم، هناك قاعدة مشهورة: (قاعدة سد الذرائع) ، وكما تشدد فيها قوم, أرى مؤخراً تساهلا بها والقول بأن (منع الناس سيؤدي إلى ارتكابهم المحظور فلنتساهل ولا نضيق على الناس!)
إني أظن أنك تراني متشائماً، ولست كذلك، ولكن هذا ما يدور برأسي من خواطر أحببت سماع رأيكم فيها، والله يحفظكم ويوفقنا وإياكم لكل خير.
الجواب
لقد صدقت مع نفسك حين وصفت ما بدا لك بأنه خواطر -جمع خاطرة- دارت في ذهنك، إذ مادة (خطر) ، بجميع اشتقاقاتها، وتصريفها تدور على الوهم، والظن، والتردد، وعدم الجزم، وما دار في ذهنك عن بعض الدعاة، والصالحين في هذا العصر من كونهم إنما ركبوا موجة التسامح، والتيسير من أجل التقريب بين الدين، وبين أقوال أعدائه، ضرب من الوهم والتجني على معظم الدعاة والوسطية في أسلوب دعوتهم، وكأنك تميل إلى الشدة وتحبذ التعسير على الناس في الفتوى، وكيف يكون هذا والإسلام دين اليسر، والسماحة والرخصة، والإباحة؛ قال -تعالى-: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، وقال: "وما جعل عليكم في الدين من حرج" [الحج: 78] ، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم-: "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق" رواه أحمد (27318) من حديث أنس -رضي الله عنه-، ويقول: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن شق عليهم فاشقق عليه" رواه مسلم (1828) من حديث عائشة-رضي الله عنها-، ويقول أيضاً - صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته" رواه أحمد (5832) من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما-، وقاعدة: (سد الذرائع) ، لا يعمل بها في كل حال، كما قرر العلماء كابن القيم الجوزية في كتابه: (أعلام الموقعين) حيث يقول: إن الذرائع كما يجب سدها حيناً يتعين فتحها، في أحيان أخرى، والفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، والأحوال، والنيات، ويقول بعض العلماء: إن إعمال قاعدة (سد الذرائع) يتعين في جانب العقيدة دون سائر الأحكام الفرعية، وإفتاء العالم الناس بالرخصة والتيسير هو عين الصواب، وضد ذلك التشدد والتعسير في الدين، في الحديث قصة النفر الذين جاءوا إلى بيت النبوة يسألون عن عبادته - صلى الله عليه وسلم- فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقال أحدهم: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: فأقوم الليل ولا أرقد، وقال الثالث: لا آكل اللحم، ولا أتزوج النساء، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم- مقالهم فجمع الناس، وخطبهم، فقال: "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، أما إني والله لأتقاكم لله، وأعلمكم به، وإني أصلي، وأرقد، وأصوم، وأفطر، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" رواه البخاري (5063) ، ومسلم (1401) من حديث أنس -رضي الله عنه-، ثم إن الناس يتفاوتون في تدينهم، كما يتفاوتون في إيمانهم زيادة ونقصاً، وقوة وضعفاً، فالمفتي والعالم يعطي كلاً من هؤلاء ما يناسبهم، كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل مع صحابته -رضي الله عنهم-، حيث يعطي الإمارة البعض ويمنعها عن البعض الآخر، كما منعها أبا ذر الغفاري - رضي الله عنه-، فالفتاوى بالرخصة والتيسير هي الفقه الذي أمر الله به، قال سفيان الثوري: (العلم أن تسمع الرخصة من ثقة، أما التشديد فكل يحسنه) ، وبناء على ما سبق فإن الظن ببعض الدعاة والمصلحين اليوم بأنهم إنما ييسرون لقصد موافقة الأعداء من الظن السوء المنهي عنه، وأما رفع الدعوة والمناداة بفقه التيسير والتسامح وتجديد الخطاب الديني بما يناسب العصر، مع التمسك بالثوابت والمسلمات فهو عين الصواب الذي هو فقه الواقع الذي يدخل إلى القلوب بلا استئذان، كما يقول ابن قيم الجوزية - رحمه الله-: (بل هو اليسر والتوسط في كل الأمور بين إفراط المتحللين، وتفريط المتشددين) ، ومقولة: (هم رجال ونحن رجال) ، صحيحة إذا كان القائل لها معه دليل صحيح وفهم صريح، حيث الرجال يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال، فكل يؤخذ منه ويرد غير النبي - صلى الله عليه وسلم - المعصوم فيما يبلغه عن ربه -صلوات الله وسلامه عليه- ولا يجوز في الدين تقليد الرجال ابتداءً إلا من لم يعرف أدلة أولئك الرجال. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، آمين.(4/503)
إذا لم يجد المستفتي إلا مفتياً فاسقاً!
المجيب وليد بن إبراهيم العجاجي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /الفتوى والإفتاء
التاريخ 21/04/1425هـ
السؤال
ماذا يفعل العامي إذا لم يجد في البلد سوى مجتهد أو مفتٍ فاسقٍ؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم" [البقرة: 32] ، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الكلام في المسألة مبني على اشتراط العدالة في المفتي، والعدالة كما يفسرها كثير من أهل العلم كأبي العباس بن سريج وغيره: (أن يكون حراً مسلماً بالغاً عاقلاً، غير مرتكب لكبيرة، ولا مصر على صغيرة، ولا يكون تاركاً للمروءة في غالب العادة) .
وبعض العلماء يفرقون بين المجتهد والمفتي من ناحية اشتراط العدالة فيهما أولا، فلا يشترطونها في المجتهد، ويشترطونها في المفتي، وليس معنى ذلك أن المفتي لا يكون مجتهداً، بل هو مجتهد وعدل، أما المجتهد الفاسق فلا تتعدى فتياه إلى غيره؛ لأنه ليس بأمين على ما يقول، والفتوى أمانة، وحكى بعضهم الإجماع على ذلك، وفيه نظر.
والذي أراه هنا الأخذ بقول ابن القيم - رحمه الله تعالى- في هذه المسألة ومراعاته للمصلحة، وأما فُتيا الفاسق فإن أفتى غيره لم تقبل فتواه، وليس للمستفتي أن يستفتيه، وله أن يعمل بفتوى نفسه، ولا يجب عليه أن يفتي غيره.
ثم قال ابن القيم بجواز استفتاء الفاسق، لكنه استثنى المعلن فسقه، وعلق الحكم على قبول فتواه على اختلاف الأمكنة والأزمنة والقدرة والعجز؛ فقال رحمه الله كلاماً نفيساً أسوقه لك، يقول ابن القيم رحمه الله: (إلا أن يكون معلناً بفسقه، داعياً إلى بدعته، فحكم استفتائه حكم إمامته وشهادته، وهذا يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والقدرة والعجز، فالواجب شيء، والواقع شيء، والفقيه من يطبق بين الواقع والواجب، وينفذ الواجب بحسب استطاعته، لا من يلقي العداوة بين الواجب والواقع، فلكل زمان حكم، والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم، وإذا عم الفسوق وغلب على أهل الأرض فلو منعت إمامة الفساق وشهاداتهم وأحكامهم، وفتاويهم، وولاياتهم؛ لعطلت الأحكام، وفسد نظام الخلق، وبطلت أكثر الحقوق، ومع هذا فالواجب اعتبار الأصلح فالأصلح، وهذا عند القدرة والاختيار، وأما عند الضرورة والغلبة بالباطل فليس إلا الاصطبار والقيام بأضعف مراتب الإنكار) . والله أعلم.(4/504)
درجات المفتين في الاجتهاد
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
أصول الفقه /الفتوى والإفتاء
التاريخ 26/5/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
قرأت في كتب عديدة أن المجتهدين درجات، وعدّ النووي وابن حجر العسقلاني وغيرهم في أدنى درجات الاجتهاد. وهو الذي لا يجوز له أن يفتي إلا أن يجد لإمام مذهبه نصاً فيقيس عليه. فإذا كان هذا صحيحاً فكيف نعرف درجات المفتين اليوم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الأخ السائل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
هناك المجتهد العام، الذي يتمكن من الإفتاء في كل المسائل، أصولاً أو فروعاً، ويعرف الأدلة ووجه دلالتها، مثل الأئمة الأربعة، فإن الله فتح عليهم، وتمكنوا غالباً من معرفة النصوص وفهمها، فهؤلاء يفتون في كل مسألة بحسب ما فتح الله عليهم، ومع ذلك فإنهم قد يخطئون وتفوتهم بعض الأدلة، ولأجل ذلك ورد نهيهم عن تقليدهم لمن عرف الحق وعرف الأدلة، ولاشك أن النووي، وابن حجر العسقلاني، وابن تيمية، وابن عبد السلام، والسيوطي، وابن عبد الوهاب، ونحوهم، قد بلغوا رتبة يتمكنون فيها من الاجتهاد، ولكن يغلب على كثير منهم التقليد والتقيد بأحد المذاهب، ومنهم من يجتهد ويفتي ولو خالف مذهب إمامه، كابن تيمية -رحمه الله- فإنه كثيراً ما يخالف مذهب أحمد، ويخالف أيضاً علماء زمانه في مسائل اجتهد فيها بما يناسب الحال، ثم إن هناك في هذه الأزمنة علماء يتمكنون من بحث المسألة في جميع المذاهب، والمقارنة بين الأدلة؛ حتى يعرفوا الراجح ويعتمدوه، فمثل هؤلاء اجتهادهم نسبي، وليس في كل المسائل أصلية أو فرعية، فإذا بحث أحدهم مسألة في الصلاة أو في الزكاة أو في الحج، وأتى على جميع ما يتعلق بها، وفهمها فهماً كاملاً، فله أن يفتي فيها، ولو خالف مذهب إمامه، ولا يفعل ذلك في كل المسائل التي لم يتمكن من بحث مواضعها.(4/505)
المشاركة في الانتخابات في الغرب
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
أصول الفقه /السياسة الشرعية
التاريخ 20/4/1423
السؤال
نحن نعيش في بلاد الغرب، هل يجوز لنا أن نشترك في نظام الحكم الغربي الكافر، وننتخب على رئيس الجمهورية، أو على مجلس النواب؟
الجواب
المسلمون الذين يعيشون في بلاد غير إسلامية يجوز لهم على الصحيح المشاركة في
انتخاب رئيس للبلاد أو انتخاب أعضاء المجالس النيابية إذا كان ذلك سيحقق مصلحة للمسلمين أو يدفع عنهم مفسدة، ويحتج لذلك بقواعد الشريعة العامة التي جاءت بتحقيق
المصالح ودرء المفاسد، واختيار أهون الشرين، وعلى المسلمين هناك أن يقوموا بتنظيم
أنفسهم وتوحيد كلمتهم لكي يكون لهم تأثير واضح وحضور فاعل يؤخذ في الحسبان عند
اتخاذ القرارات الهامة التي تخص المسلمين في تلك البلاد أو غيرها.(4/506)
التأريخ بالهجرة والميلاد
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
أصول الفقه /السياسة الشرعية
التاريخ 1/1/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
هناك بعض المنتديات تعمل بالتاريخ الميلادي، وأعلم أنه يجب عدم العمل به؛ لأنه من الولاء والبراء، وهذه المنتديات قادرة تماماً على تحويل التاريخ من الميلادي إلى الهجري، فهل العمل بالتاريخ الميلادي مع القدرة على تحويله إلى الهجري مباح؟ ويحتج البعض منهم أن الموقع يدخله أناس من جميع العالم، والتاريخ الميلادي تاريخ عالمي ويعرفه جميع العالم، وأن التاريخ الميلادي أفضل وأسهل، أما التاريخ الهجري فلا يعرفه إلا قليل من الناس، فما حكم هذا؟ وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
التاريخ الهجري هو تاريخ المسلمين، والشهور الهجرية هي المعتبرة عند الله -تعالى-:"إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم" [التوبة:36] ، وفيها تقام شعائر الحج والصيام وأعياد المسلمين، والعدول عنها إلى غيرها استبدال الذي أدنى بالذي هو خير.
ولا مانع من استخدام التاريخ الميلادي إلى جانب التاريخ الهجري إذا تحققت مصلحة معتبرة.
أما سوى ذلك فلا يسوغ بل هو تقليد للغرب، والواجب الاعتزاز بتاريخ الإسلام وشهوره.
نسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يعز دينه، ويعلي كلمته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(4/507)
بين بيعتي العقبة والرضوان
المجيب د. حسن بن صالح الحميد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
أصول الفقه /السياسة الشرعية
التاريخ 26/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله لكم في جهدكم، وجعله في ميزان حسناتكم، ووفقكم الله للعمل على نصرة الإسلام والمسلمين.
أريد أن أسأل فضيلتكم: ما الفرق بين بيعة العقبة الأولى والثانية وبيعة الرضوان؟ ولماذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عمه العباس - رضي الله عنه- أن ينادي في غزوة حنين بـ (يا أصحاب بيعة العقبة) ؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
الفرق بين بيعة العقبة الأولى والثانية: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عرض الإسلام على بعض الحجاج القادمين من المدينة فأسلم منهم ستة رجال، فلما كان العام الذي يليه قدم هؤلاء إلى الحج مع قومهم، وكان قد أسلم معهم جماعة في المدينة، فالتقوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند العقبة وبايعوه ببيعة سميت بيعة النساء؛ لأنها نفس بيعة النساء التي أخذها النبي - صلى الله عليه وسلم- على النساء بعد الفتح من حيث النص.
وهذا نص البيعة كما ذكرها عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - وكان ممن شهدها قال عبادة: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألاّ نشرك بالله شيئاً, ولا نسرق, ولا نزني, ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن وفيتم فلكم الجنة, وإن غشيتم من ذلك شيئاً فأمركم إلى الله إن شاء عذب وان شاء غفر" انظر البخاري (18) ، ومسلم (1709) ، وأما تسميتها ببيعة العقبة فلأنها كانت عند العقبة بمنى وسميت بها, وكانت أول بيعة بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبين الأنصار ولهذا سميت الأولى.
أما بيعة العقبة الثانية فقد كانت في العام الذي يليه، حيث قدم أهل المدينة إلى الحج وفيهم عدد كبير من المسلمين، فواعدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند العقبة ثاني أيام التشريق، وكانوا سبعين رجلاً، واختار منهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اثني عشر نقيبا يمثلونهم، فبايعوه على حرب الأحمر والأسود، وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وأثرة عليهم، وألا ينازعوا الأمر أهله، وأن يقولوا كلمة الحق أينما كانوا، وألا يخافوا في الله لومة لائم.
هذه هي الفروق بين بيعة العقبة الأولى والثانية باختصار، ولمزيد من التوسع انظر كتاب البداية والنهاية لابن كثير ج3/ص147 وما بعدها
أما بالنسبة لبيعة الرضوان
ففي شهر ذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يريدون العمرة، فلما وصلوا إلى الحديبية في طريقهم إلى مكة، وكانوا محرمين ملبين بالعمرة، بعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن عفان - رضي الله عنه - سفيراً إلى قريش لبيان هدفه من المجيء، وأنه لا يريد قتالاً، وإنما جاء للعمرة، فاحتجزت قريشٌ عثمان، وأشيع بين الناس أنه قُتل، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أصحابه إلى البيعة، فقاموا إليه ملبين دعوته، ومبايعين له على الجهاد وعدم الفرار، وبايعته جماعة على الموت، وكان أول من بايعه أبو سنان الأسدي، وبايعه سلمة بن الأكوع على الموت ثلاث مرات، في أول الناس، ووسطهم، وآخرهم، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد نفسه، وقال: هذه عن عثمان، ولم يتخلف عن هذه البيعة إلا رجل من المنافقين، يقال له: جد بن قيس.
وقد أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هذه البيعة تحت شجرة بالحديبية، وقد أنزل فيها قوله تعالى: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة" [الفتح: 18] ،ومن ذلك سميت بيعة الرضوان، وفيه دلالة على صحة إيمان الذين بايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بيعة الرضوان بالحديبية، وصدق بصائرهم, وأنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة أولياء لله ; إذ غير جائز أن يخبر الله برضاه عن قوم بأعيانهم، إلا وباطنهم كظاهرهم في صحة البصيرة، وصدق الإيمان, وقد أكد ذلك بقوله تعالى: "فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم" [الفتح: 18] , وهذا يدل على أن التوفيق يصحب صدق النية,
أما بالنسبة لعددهم، فيروى عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أنهم: "كانوا ألفين وخمسمائة", وعن جابر - رضي الله عنهما- أنهم: "ألف وخمسمائة".
وتعتبر بيعة الرضوان فتحاً للمسلمين، ففي صحيح البخاري عن البراء رضي الله عنه قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية.
وذلك لما ترتب عليها من مصالح وفوائد، فعندما علمت قريش بتلك البيعة، ومدى صلابة المسلمين، وقوتهم، وصبرهم، وثباتهم مع قائدهم صلى الله عليه وسلم، أرسلت إليهم للتفاوض معهم، وقبول الصلح.
ومما يستفاد من هذه الحادثة قوة العلاقة بين القائد وأتباعه؛ حتى إنهم بايعوا على الموت، إضافة إلى سرعة إجابة طلب القائد وعدم التردد، وأن الصدق في الإيمان سبيل إلى تحصيل رضا الرحمن، وتأييده.
أما يوم حنين فلم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عمه أن ينادي يا أصحاب العقبة، وإنما أمره أن ينادي يا أصحاب السمرة - أي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان وفي رواية يا أصحاب الحديبية, وناداهم بذلك لأنهم بايعوه فيها على الموت وعدم الفرار، ففيه حث لهم على الثبات والقتال حتى الموت.
والله أعلم.(4/508)
هل الربا أعظم من الزنى؟
المجيب د. سامي بن إبراهيم السويلم
باحث في الاقتصاد الإسلامي
أصول الفقه /السياسة الشرعية
التاريخ 14/7/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الربا أشد عند الله -عز وجل- من ست وثلاثين زنية، وفي حديث آخر أشد من زنية واحدة، وفي القرآن الكريم أن من أكل الربا ومات دون توبة فهو من الخالدين في جهنم، السؤال: لماذا جعل الله -عز وجل- جريمة الربا أعظم من جريمة الزنا؟ وجزاكم الله عنا وعن المسلمين كل خير.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
لم يرد في القرآن أن المرابي مخلد في النار، وإنما ورد أن المرابين "لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" [البقرة:275] وأن الذين يأكلون الربا معلنون للحرب على الله ورسوله - عليه الصلاة والسلام -:"فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله" [البقرة: 279] ، وفي الصحيحين البخاري (2766) ومسلم (89) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"اجتنبوا السبع الموبقات" وذكر منها "الربا" ولم يذكر الزنا، وروى أحمد (21957) والطبراني (11/94) : إلا أنه قال:"ثلاث وثلاثون" بدل "ست وثلاثون" - أنه -صلى الله عليه وسلم- قال:"درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية"، قال الهيثمي: سنده صحيح (الزواجر عن اقتراف الكبائر، ص 379) .
وأما وجه تغليظ العقوبة الأخروية على الربا أكثر من الزنا، فهو لحكمة يعلمها الله -تعالى-، وقد يكون ذلك لأن الشهوة في أصلها رغبة فطرية جبل عليها الإنسان، فإن وَضَعها في حلال أجر، وإن وضعها في حرام أثم، لكن أصل الشهوة أمر جبلي فطري، أما الربا فليس من الفطرة، بل هو مناف للفطرة؛ لأنه ظلم والإنسان مفطور على بغض الظلم، وهو استغلال للآخرين، والإنسان مفطور على حب مساعدة الآخرين وليس استغلالهم، فالربا مناقض للفطرة، ومناقض لسنن الكون والحياة، ومناقض لأسس العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، فلا غرابة أن تكون عقوبته أعظم وأشد عند الله -تعالى- من الزنا، والله أعلم.(4/509)
هل تقتضي الشورى المحاسبة؟
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
أصول الفقه /السياسة الشرعية
التاريخ 20/2/1425هـ
السؤال
هل يوجد في الشورى محاسبة الرئيس، أو أعضاء مجلس الشورى في حالة ما ارتكبوا خطأ ما؟ ومن يقوم بمحاسبة المذنب؟ بمعنى وجود مجلس للحكم والقضاء كهيئات منفصلة عن بعضها البعض في الحكم؟ هل يجوز لمجلس الشورى أن يقبل ببعض القوانين الوضعية، حتى لو كانت متشابهة مع القوانين الإسلامية؟.
الجواب
قبل الجواب، أحب أن أحدد بعض معاني الشورى في الإسلام باختصار غير مخل لأهمية الموضوع، فأقول: لقد عنى الإسلام بالشورى عناية عظيمة، دعوةً وتعليماً، وتطبيقاً، فسُميت واحدة من سور القرآن الكريم باسم (الشورى) ، وسواء كانت تسمية السور توقيفية أو اجتهاداً، تبقى تسمية هذه السورة دالة على أهمية الشورى بين المسلمين وسوطاً مسلطاً على الاستبداد بالرأي في كل مجال من مجالات الحياة، وقد ذُكِرت قضية الشورى في القرآن الكريم مجملة لمبدأين أساسيين الأول لفظ الشورى المرتبط بأصل وجود السلطة وشرعيتها، وتداولها، والثاني: لفظ "وشاورهم" المرتبطة بأداء السلطة وإدارتها وتسييرها جاء المبدأ الأول في سورة الشورى مخاطب به عامة المسلمين، قال -تعالى-: "والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون" [الشورى:38] .(4/510)
وجاء المبدأ الثاني في سورة آل عمران: "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين" [آل عمران:159] ، ويلاحظ في آية الشورى حكمة التشريع في الربط بين الصلاة والنفقة، وبين الشورى، حيث جاءت الشورى بينها، وذلك أن أداء الصلاة استجابة لله- سبحانه- توجب اتحاد الأبدان والأفعال بين المصلين، فالشورى كذلك استجابة لله، توجب الاتحاد في الأقوال بين المسلمين وعبَّر عن الصلاة بالجملة الفعلية "وأقاموا الصلاة" الدالة على الحدوث والتجدد؛ لتكرارها في اليوم والليلة خمس مرات أو أكثر، وعبر عن الشورى بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والدوام؛ نظراً لأن الشورى لا تدخل إلا في الأمور الاجتهادية، أما الأمور النصية القطعية فلا مجال للشورى فيها، وإذا كان إنفاق المال من الواجدين - الأغنياء- على المعدومين الفقراء أمراً مستحباً حيناً ومتعيناً حيناً آخر فإن الشورى بين المسلمين متعينة في كل الأحوال والأزمان، وتوسط الشورى بين الصلاة والنفقة ويشير إلى أن إقامة الصلاة، يستوجب من فاعلها المشاورة لغيره، وعدم الاستبداد بالرأي، كما أخبر الله - سبحانه وتعالى-عن الصلاة بقوله: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" [العنكبوت:45] ، وإذا كان لدى المسلم رأي يفيد به إخوانه أو يدفع عنهم به سوءً، يتعين عليه نشره واطلاعهم عليه، ومناقشتهم في مدى نتائجه وجدواه وهذا لا يفي عن النفقة المادية على حد قول الشاعر:
لا خيل عندك تهديها ولا مال *** فليشهد النطق إن لم تسعد الحال(4/511)
وإن النطق بالرأي السديد أعظم من بذل المال، حيث هو نفقة وصدقة جارية؛ استجابة لله، "وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خيرٍ يوف إليكم وأنتم لا تظلمون" [البقرة:272] ، ولفظ: أمر، في آية الشورى اسم جنس مثل كلمة شيء فهي عامة وإضافته إلى الضمير تفيد تأكيد العموم، ومعنى الآية على هذا أن جميع أمور المسلمين التشاور فيها مستقر عندهم، ولفظ (بينهم) صفة للشورى، والتشاور لا يكون عادة إلا بين طرفين فردين أو جماعتين، وفي إضافة الظرف إلى الضمير إشارة إلى أن الشورى سر بين المتشاورين لا يجوز إفشاؤها، أما آية آل عمران: "....وشاورهم في الأمر" فالأمر فيها للوجوب عند المالكية والحنفية، وللندب عند الشافعية والحنابلة، والجميع متفقون على أن الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم- وليس من خصائصه، فإذا كان واجباً على الرسول - صلى الله عليه وسلم- مشاورة أصحابه - رضي الله عنهم- مع أنه ليس بحاجة لهم؛ لأنه يتلقى الوحي من السماء، فالمشاورة من غيره وعلى غيره أوجب؛ لحاجة الجميع إليها، وإذا كانت مندوبة في حق الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهي في حق غيره أشد ندباً، بل قد يرقى إلى الوجوب بأدلة أخرى؛ كقوله -تعالى-: "مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" [الحشر:7] ، وقوله - صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ" رواه الترمذي (2676) وأبو داود (4607) ، وابن ماجة (42) من حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - وعلى هذا فالشورى عند المسلمين قضية أساسية تتعلق في كل شأن من شؤون حياتهم، تبدأ من الأسرة في حق الطفل الرضيع إذا اختلف الأبوان في إرضاعه: "فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما"،ومروراً بمصالح المجتمع، وضروراته، وانتهاءً بالتشاور باختيار رئيس الدولة ودستور البلاد، فلقد شاور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أناساً في أمر عائلي: "قصة عائشة - رضي الله عنهما- في حادثة الإفك"،وشاور في أمر طائفي، يخص الأنصار- عندما شاورهم في التنازل عن نصف ثمرة تمر المدينة؛ ليدفع عنهم العدو فأبوا، فنزل على رأيهم، وشاور في أمور عامة للأمة في شأن السلم والحرب.(5/1)
إن مبدأ الشورى راسخ ومتجذر في فطرة الإنسان منذ قرر الله خلق آدم أبي البشر- عليه السلام - وقد حكى الله لنا هذا التشاور مع ملائكته - سبحانه- في سورة البقرة: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ" [البقرة:30-33] ، فالله - سبحانه وتعالى- أعلم بخلقه، وهو غني عنهم، ولكنه عرض على الملائكة مراده في خلق آدم - عليه السلام- ليكون التشاور سنة في البشر، فالشورى مقارنة للإنسان في وجوده، ومقارنة الشيء بالشيء توجب الألفة بينهما، فالإنسان يألف الشورى، ويأنس بها بطبعه، ويحب من يوافقه على رأيه، ففرعون استشار قومه في شأن نبي الله موسى - عليه السلام- "قَالَ لِلْمَلأِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ" [الشعراء:34-37] ،واستشارت بلقيس ملكة سبأ قومها: "قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ" [النمل:32] ، وفي حياة الناس اليوم انشغلوا(5/2)
أو شغلوا عن معرفة الشورى والعمل بها؛ حباً للاستبداد وكراهية سماع ما يخالف الهوى، وذلك من انحراف الطبائع وليس من أصل الفطرة، وإنما يهرع المستبد إلى الشورى عندما تضيق عليه الأمور، وقد طبقت الشورى في العهد الراشدي أحسن تطبيق، فكانت عاقبتها حميدة للأمة، فقد تشاور أبو بكر الصديق مع الصحابة -رضي الله عنهم- في قتال المرتدين، وفي بعث جيش أسامة - رضي الله عنه -وجاء بعده عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فجعل الأمر من بعده شورى بين ستة من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رضي عنهم، وجعل خمسين من الأنصار - رضي الله عنهم- يراقبونه، وكان كثيراً ما يكتب لعماله يأمرهم بالتشاور مع الناس في أمورهم، وقضية الشورى في الإسلام تعم الرجال والنساء؛ لأن أوامر الشرع ونواهيه هي للجنسين جميعاً إلا ما نهى عنه الشارع في تخصيص أحدهما كاختلاف في الميراث والشهادة، والقوامة للرجل خاصة ونحوها، والشورى ليست من هذه المستثنيات فقد استشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زوجته زينب في شأن عائشة - رضي الله عنهما- في قصة الإفك، فأثنت عليها خيراً، انظر ما رواه مسلم (2770) من حديث عائشة - رضي الله عنها- واستشار زوجته أم سلمة -رضي الله عنها- في موقف الصحابة - رضي الله عنهم- من التحلل في صلح الحديبية، فقد جاء في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه - رضي الله عنهم- انحروا ثم احلقوا، وكانوا أحرموا بالعمرة، ولم يرضوا عن شروط الصلح مع قريش، فرد عليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم- أمره لهم ثلاثاً، فوالله ما قام منهم رجل، فلما لم يقم منهم أحد دخل على زوجته أم سلمة -رضي الله عنها- مغضباً، فسألته عن حاله، فذكر لها ما لقي من الناس، وعدم امتثالهم له، فقالت: يا نبي الله، أتحب أن يفعلوا ذلك؟ قال: نعم، فقالت: أخرج لا تكلم منهم أحداً بكلمة؛ حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك، فيحلقك فخرج فلم يكلم منهم أحداً حتى فعل ذلك،(5/3)
فلما رأوا الصحابة - رضي الله عنهم- منه ذلك، قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، يقول الراوي: حتى كاد أن يقتل بضعهم بعضاً بالموسى من الغضب انظر ما رواه البخاري (2734) من حديث المسور بن مخرمة - رضي الله عنه -.
وإذا كانت الحال في الشورى من الخطورة والأهمية، فإن محاسبة الرئيس وأعضاء مجلس الشورى سائغة شرعاً، حيث المحاسبة هي المساءلة لكل من قصر، أو ظُن تقصيره في عمله على وجه الاستطاعة أو الاستنكار.
والمحاسبة من النصيحة التي هي الدين كله كما في الحديث: "الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة ... " رواه مسلم (55) من حديث تميم الداري - رضي الله عنه - كما هي داخلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كقوله - صلى الله عليه وسلم- "لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقصرنه على الحق قصراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض، ... " الحديث رواه أبو داود (4336) ، والترمذي (3047) ، وابن ماجة (4006) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وكل ما لحق بالعالم الإسلامي اليوم من تخلف إنما مرجعه إلى استبداد المستبد برأيه وإطراحه للشورى، وعدم النصيحة من الناس والإنكار عليه،.(5/4)
ومن دقائق فوائد آية آل عمران أن الاستشارة ليست خاصة بالمؤمنين الملتزمين بل هي حتى للعصاة المذنبين، كما يدل عليه سياق الآية وسبب نزولها، وفي استشارة هؤلاء وغيرهم تطييب لنفوس الناس خاصة المذنبين والعصاة منهم، مما يدل على صفاء قلب ولي الأمر نحوهم، وفي استشارتهم استظهار لرأيهم عن سبب معصيتهم، ومخالفتهم له، وفي هذا تحذير للناس أن يقعوا فيما وقع فيه إخوانهم من قبل، وقد أطلق الله حكم الاستشارة في الآية ليعم التشاور كل مناحي الحياة في السلم والحرب، وقد بوب البخاري من صحيحه باباً قال فيه: "كانت الأئمة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة؛ ليأخذوا بأسهلها" وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما- ذات يوم: "لو اجتمعتما في مشورةٍ ما خالفتكما" رواه أحمد (17533) وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ولم يجعل للشورى صفة أو قاعدة معينة لعلمه باختلاف السياسات وتجدد الأوضاع واختلاف الأحوال بعده، فما يصلح لعصر قد لا يصلح لغيره لا سيما مع توسع رقعة الإسلام واتصال الناس بعضهم ببعض كافرهم ومسلمهم حتى أصبح العالم وكأنه في قرية واحدة.
إن محاسبة المقصر في عمله أو الرقابة عليه، لهي من صحيح الشورى على كل أفراد الشعب أو هيئاته، ومجالسه، وهي على العلماء، وأهل الرأي ألزم وأوجب؛ لحديث: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم (49) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - والإنكار بالقلب يعني البراءة من الموافقة الفكرية للمنكر ولو نظرياً اعتقاداً أو مجاملة.(5/5)
وإذا كانت القوانين الوضعية موافقة للشرع فمجلس الشورى إذا عمل بها إنما يأخذها على أنها من الشرع إبتداءً، وأما إذا أخذها بغير هذا القصد فحرام لا يجوز، قال -تعالى-: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" [الأحزاب:36] وقال -تعالى-: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" [النساء:65] . والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.(5/6)
ديار الكفر وديار الإسلام
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
أصول الفقه /السياسة الشرعية
التاريخ 16/12/1423هـ
السؤال
الإخوة الأحبة في الموقع؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فسؤالي عن تحديد ديار الكفر وديار الإسلام، وهل الديار التي غالبية شعبها مسلمون ولكن تحكمها الأنظمة الكافرة أو التي لا تطبق شرع الله وكانت سابقا من ديار المسلمين هل تعتبر بهذه الصفة ديار كفر أم ديار إسلام؟ وهل يجوز السفر إليها للسياحة مع تجنب الذهاب إلى مواطن المنكرات فيها؟ وهل تجب الهجرة منها لمن هو قادر على ذلك؟ والسلام عليكم
أرجو الإجابة في أقرب وقت.
الجواب
بلاد الإسلام هي: البلاد التي يحكمها المسلمون وتجري فيها الأحكام الإسلامية ويكون النفوذ فيها للمسلمين ولو كان أغلب السكان كفاراً أو يهوداً أو نصارى أو وثنيين، وبلاد الكفر عكس هذا تماماً، وقد تكون دار الكفر للكفار الحربيين أو داراً للكفار المهادنين والمعاهدين ويكفر الحاكم إذا حكم بغير ما أنزل الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة زعماً منه بأن حكم غير الله أفضل من حكمه أو مساوياً له. أما إذا حكم بغير شرع الله وهو يعلم أن حكم الله هو الذي لا يصلح للبشر غيره ولكنه حكم بخلافه نتيجة شهوة مادية أو مجبراً من هو أقوى منه ويهدده إن حكم بشرع الله وهو ممن إذا قال فعل - فهذا الحاكم حينئذ لا يكفر كفراً ينقله من الملة ولكنه مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب عليه المبادرة للتوبة منها عسى الله أن يتوب عليه.
والهجرة الشرعية من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لا تجب شرعاً إلا إذا عجز المرء عن إظهار شعائر دينه الاعتقادية والتعبدية وإظهار الدين ضد إخفائه فالمظهر لدينه هو الذي يتمكن من إعلانه ولا يضطهد من أجل ذلك. والعاجز عن إظهار ذلك هو العاجز شرعاً، وشعائر الاعتقاد والتعبد مجتمعة في أركان الإسلام والإيمان والإحسان أما الحسبة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليس وجوده أو عدمه شرطاً في الهجرة والإقامة اللهم إلاّ الإنكار بالقلب. وإذا نظرنا في واقع أكثر بلاد الكفر في الشرق والغرب وجدنا المسلم - في الغالب - يستطيع إظهار دينه ومعتقده وذلك لوجود الحرية الشخصية فيها، وإن حصل تقصير من المسلمين المقيمين بين الكفار فلكثرة الشر هناك ولضعف الإيمان عند بعض أولئك المسلمين لا غير، وقوة الإيمان أو ضعفه ليست شرطاً في الهجرة.
أما البلاد التي كانت سابقاً من بلاد المسلمين كبلاد الأندلس - أسبانيا والبرتغال حالياً، فتعتبر الآن بلاد كفر. أما السفر لغرض السياحة إلى هذه البلاد وغيرها الأصل فيه أنه مباح إذا اجتنبت فيها المنكرات ودواعيها. وأنصح بعدم السفر للسياحة في بلاد الكفار خاصة بالأطفال والنساء لغير ضرورة. وفق الله الجميع إلى كل خير آمين.(5/7)
فقه الواقع
المجيب د. علي بن عمر با دحدح
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
أصول الفقه /السياسة الشرعية
التاريخ 20/3/1424هـ
السؤال
قرأت هذه الكلمة في الكثير من الكتب، ولا أعرف ماذا تعني بالتحديد، وهي (فقه الواقع) ، فهل هي محاولة للتجديد في الفكر الإسلامي أو الاتصال بالواقع؟ أم ماذا تعني؟ ومن هم أصحاب هذا الاتجاه؟.
الجواب
فقه الواقع: هذا المصطلح مكون من كلمتين:
الأولى: فقه: والفقه معناه الفهم والإدراك والعلم، كما في قوله -تعالى-: "وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ" [الإسراء:44] ، وقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في دعائه لابن عباس - رضي الله عنهما-:" اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل" رواه البخاري (143) ، ومسلم (2477) .
الثانية: الواقع: وهي كلمة يحتاج بيان معناها إلى الإضافة، والمراد الأمر الواقع: أي الحادث والحاصل، والمعنى المقصود: ما يجدّ من أحداث ووقائع.
والتركيب (فقه الواقع) معناه: فهم الأمور الحادثة والوقائع النازلة.
ومن الناحية الاصطلاحية صار هذا التركيب له دلالة خاصة تجمع بين الفقه بمعناه العام وهو الفهم، ومعناه الخاص المتعلق بمعرفة الأحكام الشرعية من الأدلة النصية، وإذا أضيف إلى الواقع أصبح المراد:" فهم النوازل والمتغيرات الجديدة في الحياة والأفراد والمجتمعات وتصورها ومعرفة حكمها في الشريعة الإسلامية ".
ويعتبر المصطلح مهماً لعدة أسباب:
(1) أهمية اليقين بلزوم تحكيم الشريعة في سائر جوانب الحياة، وجميع نشاطات المسلمين.
(2) التأكيد على صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان في سماحة ويسر.
(3) تحقيق المعاصرة الإيجابية المرتبطة بالأصول والثوابت، والمستوعبة للمستجدات والنوازل.
(4) التأكيد على مراعاة اختلاف الأحوال والظروف والأوصاف والأحكام.(5/8)
وقد كثر استخدام هذا المصطلح وتجاذبته الآراء، وظهرت مدارس مختلفة في تصوره وتطبيقه، وعلى كلٍ فإننا إذا أردنا فهم المستجدات وفق تصور إسلامي ثم معرفة ميزانها وأحكامها في الشريعة، فإنه لا بد من توفر ثلاثة مداخل:
المدخل الأول: المدخل الاعتقادي:
لابد من الاعتقاد الجازم بأساسين مهمين هما:
(أ) كمال الإسلام: قال -تعالى-: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" [المائدة: 3] .
قال السعدي: (اليوم أكملت لكم دينكم" بتمام النصر، واكتمال الشرائع، الظاهرة والباطنة من الأصول والفروع، ولهذا كان الكتاب والسنة كافيين كل الكفاية في أحكام الدين؛ أصوله وفروعه) . (تفسير السعدي2/242) .
وقال سيد قطب: (فأعلن لهم إكمال العقيدة، وإكمال الشريعة معاً، فهذا هو الدين..، ولم يعد للمؤمن أن يتصور أن بهذا الدين - بمعناه هذا - نقصاً يستدعي الإكمال، ولا قصوراً يستدعي الإضافة، ولا محلية أو زمانية تستدعي التطوير أو التحوير،. وإلا فما هو بمؤمن، وما هو بمقر بصدق الله، وما هو بمرتضٍ ما ارتضاه الله للمؤمنين، إن شريعة ذلك الزمان الذي نزل فيه القرآن هي شريعة كل زمان، لأنها -بشهادة الله- شريعة الدين الذي جاء "للإنسان" في كل زمان وفي كل مكان، لا لجماعة من بني الإنسان، في جيل من الأجيال في مكان من الأمكنة، كما كانت تجيء الرسل والرسالات.
الأحكام التفصيلية جاءت لتبقى كما هي، والمبادئ الكلية جاءت لتكون هي الإطار الذي تنمو في داخله الحياة البشرية إلى آخر الزمان، دون أن تخرج عليه، إلا أن تخرج من إطار الإيمان، والله الذي خلق الإنسان ويعلم من خلق، هو الذي رضي له هذا الدين، المحتوي على هذه الشريعة، فلا يقول: إن شريعة الأمس ليست شريعة اليوم، إلا رجل يزعم لنفسه أنه أعلم من الله بحاجات الإنسان وبأطوار الإنسان) . (في ظلال القرآن2/843) .(5/9)
قال ابن القيم: (إن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أُدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله - صلى الله عليه وسلم - أتم دلالة وأصدقها) (إعلام الموقعين 3/3) .
(ب) شمول الإسلام: قال -تعالى-: " ما فرطنا في الكتاب من شيء" [الأنعام: 38] .
قال القرطبي: (أي ما تركنا شيئاً من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن، إما دلالة مبينة مشروحة، وإما مجملة يُتَلقى بيانها من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو من الإجماع أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب، قال -تعالى-:"ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء" وقال "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم" [النحل: 44] وقال: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" [الحشر: 7] ، فأجمل في هذه الآية وآية النحل ما لم ينص عليه مما لم يذكره، فصدق خبر الله بأنه ما فرط في الكتاب من شيء إلا ذكره إما تفصيلاً وإما تأصيلاً) . (تفسير القرطبي 6/420)
وقال السعدي: (وقوله -تعالى-: "ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء" [النحل 89] في أصول الدين وفروعه، وفي أحكام الدارين وكل ما يحتاج إليه العباد، فهو مبين فيه أتم تبيين، بألفاظ واضحة ومعان جلية) . (تفسير السعدي4/230)
المدخل الثاني: المدخل الفقهي:
(أ) أصول الفقه وقواعد الاستنباط:(5/10)
إن كمال الإسلام وشموليته لجوانب الحياة المختلفة لا يعني أن أدلته من القرآن والسنة تتناول جميع التفاصيل وتستوعب كل الصور والأحوال، وهذا غير متصور، ولكن أصول الفقه علم كامل فيه أسس الاجتهاد وضوابط القياس؛ وهو معرفة أدلة الفقه إجمالاً، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد (التصورات الأولية للمبادئ الأصولية ص16) ، وفي أصول الفقه نقف مع الأدلة من حيث ثبوتها وحجيتها ودلالتها، وفيه الاستفادة من الأدلة بمعرفة طرق الاستنباط، وأحوال النصوص، وتعارض الأدلة، وأما حال المستفيد فالمراد به معرفة الاجتهاد وشروطه ونحو ذلك (التصورات الأولية للمبادئ الأصولية ص17-18) ، ومن فوائده (التمكن من معرفة الحكم الشرعي للحوادث والقضايا والأفعال التي تستجد بحسب الزمان والمكان (التصورات الأولية للمبادئ الأصولية ص20) .
فما لم يرد نصاً من القرآن والسنة فقد يؤخذ الحكم قياساً على أحكام وردت فيها، وقد يكون في المسألة إجماع ونحو ذلك، بحيث لا تنزل نازلة ولا تكون حاجة إلا ويمكن من خلال الأدلة والأصول الوصول إلى حكمها.
(ب) المقاصد الشرعية والقواعد الفقهية:
إن الأحكام والتشريعات لها أهداف وغايات، والغايات الكبرى عامل مشترك لكثير من الأحكام، ومن ثم سميت بالمقاصد الشرعية، وهي: المعاني الغائية التي اتجهت إرادة الشارع إلى تحقيقها عن طريق أحكامه. (قواعد المقاصد ص47) ، وقال الشاطبي: (الأعمال الشرعية ليست مقصودة لأنفسها، وإنما قُصد بها أمور أخرى هي معانيها، وهي المصالح التي شرعت لأجلها) . (الموافقات 2/385) .
كما أن الأحكام التفصيلية في دائرة معينة يمكن أن تندرج تحت قاعدة كلية تعبّر عن الأساس الذي تضمنه الحكم، ومن ثم سميت بالقواعد الفقهية، والقاعدة الفقهية هي قضية شرعية عملية كلية يُتعَرفُ منها على أحكام جزئياتها. (القواعد الفقهية ص53) .(5/11)
ومن خلال فهم المقاصد ومعرفة القواعد مع ما سلف من العلم بأصول الاجتهاد والاستنباط، تتشكل الآلية العملية المستمرة القادرة على استيعاب المستجدات والتعامل معها وإعطائها الأحكام الشرعية المناسبة.
المدخل الثالث: المدخل الواقعي:
(أ) المعرفة العامة:
إن واقعية الإسلام تقتضي من أتباعه عموما، ً وأهل العلم والاختصاص منهم خصوصاً أن يعيشوا عصرهم ويعرفوا واقعهم، وأن يحسنوا الانتفاع من الجديد المفيد، وأن يحسنوا الإقناع بترك المفسد الوليد، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -:" الكلمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها "، رواه الترمذي (2687) ، وابن ماجة (2687) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- قال الألباني: إسناده ضعيف جداً وقد اتخذ - صلى الله عليه وسلم - الخاتم على الكتب والرسائل فيما رواه البخاري (65) ، ومسلم (2092) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه-، وخندق النبي - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه - رضي الله عنهم- من بعده في الجهاد والمعارك كالفرس انظر ما رواه البخاري (3797) ، ومسلم (1804) ، من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه-
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فإن ذكر ما لا يتعلق بالدين مثل الحساب والطب المحض التي يذكرون فيها ذلك انتفاع بآثار الكفار والمنافقين في أمور الدنيا فهذا جائز، فأخذ علم الطب من كتبهم مثلاً والاستدلال بالكافر على الطريق واستطبابه بل هذا أحسن لأن كتبهم لم يكتبوها لمعين من المسلمين حتى تدخل فيها الخيانة، وليس هناك حاجة إلى أحد منهم بالخيانة، بل هو مجرد انتفاع بآثارهم كالملابس والمساكن والمزارع والسلاح ونحو ذلك) (الفتاوى4/114-115) .
قال الخطيب البغدادي: (إن الفقيه يحتاج أن يتعلق بطرف من معرفة كل شيء من أمور الدنيا والآخرة، وإلى معرفة الجد والهزل، والنفع والضر وأمور الناس الجارية بينهم والعادات المعروفة منهم) (الفقيه والمتفقه) .(5/12)
واستناداً إلى ما مضى فإنه ينبغي لأهل العلم أن تكون معرفتهم الواقعية المعاصرة معرفة جيدة ومتواصلة، ليكونوا أقدر على تصور المسائل وأتقن للإجابة عليها.
(ب) المعرفة الخاصة:
إن هذا العصر عصر التخصص الدقيق الذي استقلت فيه العلوم بعضها عن بعض، وتفرع كل علم إلى أقسام أكثر تخصصاً، وما يزال العصر يفرز تخصصات جديدة تنتمي لأمهات العلوم، بل يحمل لنا علوماً جديدة مستقلة، ولما كان الحكم على الشيء فرع عن تصوره كان لابد عند التعرض لبيان حكم أو نظرة الإسلام اتجاه علم أو تخصص أو نظرية بعينها أن تتم المعرفة الخاصة بذلك.
قال ابن القيم: (والواجب شيء والواقع شيء، والفقيه من يطبق بين الواقع والواجب) (إعلام الموقعين 4/220) .
وبيَّن الجويني: (أن الناس يفزعون عند معرفة أحوال الناس وتقديم بعضهم على البعض إلى الاختصاصات ودقائق الزيادات في حسن الفضل وكمال الحال) (المعيار المعرب 6/351) .
قال الدكتور فتحي الدريني: (إذا كان من المقرر بداهة أن طبيعة الاجتهاد: عقل متفهم ذو ملكة مقتدرة متخصصة، ونص تشريعي مقدس يتضمن حكماً ومعنى يستوجبه، أو مقصداً يستشرف إليه، وتطبيق على موضوع النص أو متعلق الحكم، ونتيجة متوخاة من هذا التطبيق: فإن كل أولئك يكون نظرياً ما لم تكن الواقعة أو الحالة المعروضة قد دُرست درساً وافياً، بتحليل لعناصرها، وظروفها وملابساتها، إذ التفهم للنص التشريعي يبقى في حيز النظر، ولا تتم سلامة تطبيقه إلا إذا كان ثمة تفهم واع للوقائع بمكوناتها وظروفها، وتبصّر بما عسى أن يسفر عنه التطبيق من نتائج، لأنها الثمرة العملية المتوخاة من الاجتهاد التشريعي كله) (مقدمة كتاب المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي ص5) .(5/13)