الخروج على أئمة الظلم والجور ما لم يحصل منهم كفر بواح..قال الإمام أحمد: " والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر ومن ولي الخلافة، فاجتمع الناس عليه، ورضوا به"وقال الإمام الطحاوي: "ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله -عز وجل- فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة" وقال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية: " وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا فلأنه يترتب على الخروج عن طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور" وقال ابن بطال: "وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء.. ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح" وقال شيخ الإسلام: " استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة؛ للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم" وقال: "وإن ما أمر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الصبر على جور الأئمة، وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد، وإن من خالف ذلك متعمداً أو مخطئاً لم يحصل بفعله صلاح بل فساد "وقال أيضاً: " إن الملك الظالم لا بد أن يدفع الله به من الشر أكثر من ظلمه، وقد قيل: ستون سنة بإمام ظالم خير من ليلة واحدة بلا إمام. وإذا قدر كثرة ظلمه فذاك ضررٌ في الدين، كالمصائب تكون كفارة لذنوبهم، ويثابون عليها، ويرجعون فيها إلى الله، ويستغفرونه، ويتوبون إليه، وكذلك ما يسلط عليهم من العدو.. ولهذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتال من يقاتل على الدين الفاسد من أهل البدع كالخوارج، وأمر بالصبر على جور الأئمة، ونهى عن قتالهم والخروج عليهم"، وكلام الأئمة في هذا الموضوع كثير يطول المقام بذكره، ولعل فيما ذكرته كفاية، وينبغي الإشارة إلى أن حرمة الخروج على أئمة الجور لا تعني عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإظهار الشرع وإعلاء كلمة الحق بحسب الاستطاعة، وقد سبق في حديث عبادة -رضي الله عنه- قال: " بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ "وفي حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ " أخرجه الترمذي (4001) ولكن الأمر والنهي يحتاج إلى الرفق والصبر والعلم والحكمة..... قال بعض السلف: لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً فيما ينهى عنه، رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، حليماً فيما يأمر به، حليماً فيما ينهى عنه"، وأما إذا ظهر من(2/46)
الحاكم كفر بواح قام عليه البرهان وجب الخروج مع القدرة، ويدل على هذا ما تقدم في حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: "إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان "، ولأنه لا ولاية للكافر على المسلم، والمخاطب في ذلك الأمة ممثلة بأهل الحل والعقد ... قال القاضي عياض: " أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه كفرٌ وتغيير للشرع أو بدعة مكفرة خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه، ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك وجب عليهم القيام بخلع الكافر " وينبغي هنا الإشارة إلى الفرق بين الحكم على القول أو الفعل بالكفر وتكفير المعين، فقد يحكم على القول أو الفعل بأنه كفر ويتوقف في تكفير المعين، قال ابن تيمية في تكفير الخوارج والروافض ونحوهم ممن يقول بالكفر، ويفعل أفعالاً من جنس أفعال الكفار: " الصحيح أن هذه الأقوال التي يقولونها، التي يعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- كفر، وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضاً..... ولكن تكفير الواحد المعين منهم بتخليده في النار موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه، فإنا نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد والتكفير والتفسيق، ولا نحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم فيه المقتضي الذي لا معارض له". هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(2/47)
هل الولد وماله لأبيه مطلقاً؟!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 04/05/1425هـ
السؤال
أنا رجل قد كتبت كتابي على فتاة، هذه الفتاة أبوها في غاية الطمع، وشعاره في الحياة (الابن وماله لأبيه) ، وقد أخذ زوجتي قبل أن يوافق على خطبتي لها إلى أحد المصارف، وجعلها تأخذ ديناً ربوياً له هو.
وسؤالي هو: أليس من حق الزوج أن يعرف بكل تصرفات زوجته التي تريد أن تقدم عليها؟
ثانياً: أوليس حراماً أن يأخذ هذا الأب ابنته إلى البنك رغماً عنها وهي رافضة كل الرفض أخذ النقود من البنك، خصوصاًً وأن البنك ربوي؟
ثالثاً: هل الحديث: "الابن وماله لأبيه" يجيز له أن يأخذ منها ما يشاء؟ وإن كانت الإجابة بنعم، فأنا لا أوافقكم، خصوصاً بأن المال الذي ستأخذه زوجتي هو مال ليس لها؛ لأنها لم تستحقه بعد، وإنما هو عبارة عن مال مستقبلي لم تجنه، والله وحده يعلم هل ستعيش هي أو أي شخص آخر حتى تستحقه أم لا.
رابعاً: هل رغبة الأب في الذهاب إلى الحج تجيز له ما يقدم على فعله؟
أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أما بخصوص حكم تملك الأب من مال ولده، فقد اختلف العلماء في ذلك، قال ابن قدامة - رحمه الله تعالى-: (وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه، ومع عدمها صغيراً كان الولد أو كبيراً، بشرطين أحدهما ألا يجحف بالابن ولا يضربه، ولا يأخذ شيئاً تعلقت به حاجته.
الثاني: ألا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر؛ نص عليه أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد، وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه، فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى، وقد روي أن مسروقاً زوج ابنته بصداق عشرة آلاف، فأخذها وأنفقها في سبيل الله، وقال للزوج جهز امرأتك، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: (ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا") رواه مسلم (1218) من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-.
وروي عن الحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "كل أحد أحق بكسبه من والده وولده والناس أجمعين" رواه سعيد في سننه، والبيهقي في السنن الكبرى (10/319) وهذا نص.
وروي أن النبي -صلى الله عليه سولم- قال: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه" رواه الدارقطني في سننه (2522) ، وأحمد (20172) ؛ ولأن ملك الابن تام على مال نفسه فلم يجز انتزاعه منه لأنه تعلقت به حاجته، ولنا ما روت عائشة - رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم" أخرجه النسائي (4450) ، وأبو داود (3528) ، وابن ماجة (2290) الترمذي (1358) ، وقال: حديث حسن.(2/48)
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: إن أبي اجتاح مالي، فقال صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك" رواه الطبراني في معجمه مطولاً، ورواه غيره وزاد: "إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من أموالهم" انظر ما رواه أبو داود (3530) ، وابن ماجة (2292) ، وغيرهما.
وروى محمد بن المنكدر، والمطلب بن حنطب، قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن لي مالاً وعيالاً، ولأبي مال وعيال، وأبي يريد أن يأخذ مالي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنت ومالك لأبيك" انظر ما رواه ابن ماجة (2291) من حديث جابر -رضي الله عنه-؛ ولأن الله -تعالى- جعل الولد موهوباً لأبيه فقال: "ووهبنا له إسحاق ويعقوب" [الأنعام: 84] ، وقال تعالى: "ووهبنا له يحيى" [الأنبياء: 90] ، وقال زكريا: "هب لي من لدنك ولياً" [مريم: 5] ، وقال إبراهيم: "الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق" [إبراهيم: 39] ، وما كان موهوباً له كان له أخذ ماله كعبده، وقال سفيان بن عيينة في قوله: "ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم" [النور: 61] ، ثم ذكر بيوت سائر القرابات إلا الأولاد لم يذكرهم؛ لأنهم دخلوا في قوله: "بيوتكم" [النور: من الآية: 61] ، فلما كانت بيوت أولادهم كبيوتهم لم يذكر بيوت أولادهم؛ ولأن الرجل يلي مال ولده تولية فكان له التصرف فيه كمال نفسه، وأما أحاديثهم فأحاديثنا تخصها وتفسرها؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل مال الابن مالاً لأبيه؛ بقوله: "أنت ومالك لأبيك" (سبق تخريجه) ، فلا تنافي بينهما، وقوله: "أحق به من والده وولده" مرسل ثم يدل على ترجيح حقه على حقه لا على نفي الحق بالكلية، والولد أحق من الوالد بما تعلقت به حاجته. ا. هـ المغني (5/395) .
ويحرم على الأب وغيره أن يقترض باسمه أو باسم غيره قرضاً ربوياً من بنك أو فرد أو غيرهما؛ قال تعالى: "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [البقرة:275] .
ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله: وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" رواه البخاري (2767) ، ومسلم (89) . والله -تعالى- أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(2/49)
حديث "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء"
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 24/04/1426هـ
السؤال
ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء" رواه مسلم (250) فما المراد من الحديث؟ وهل الزيادة في الغسل على المرفقين والكعبين جائزة؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
المراد بهذا الحديث -وغيره مما جاء في معناه- هو إسباغ الوضوء أي تعميم العضو بالماء، لا أن المراد بذلك هو الزيادة على ما جاءت به السنة، فلا يشرع له أن يزيد على المرفق في غسل اليد، حتى يغسل شيئاً من العضد، وكذا لا يشرع له أن يزيد في غسل القدم حتى يغسل شيئاً من الساق، وهذا هو مذهب جماهير أهل العلم؛ لأنه لم يرد عن النبي- صلى الله عليه وسلم-. والله أعلم.(2/50)
حديث الثقلين: كتاب الله وعترة النبي صلى الله عليه وسلم
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 9/6/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
آبائي العلماء: -حفظكم الله وأبقاكم-.
أنا محتار في حديث الثقلين، فلا أدرى أيهما أصح: هل هو كتاب الله وعترتى؟ أم كتاب الله وسنتي؟ أخرجوني من حيرتي، جزاكم الله عني وعن المسلمين خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(2/51)
المراد بالثقلين هما: كتاب الله -تعالى-، وأهل بيته صلى الله عليه وعلى آل بيته الطيبين وسلم، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم (2408) ، وغيره من حديث يزيد بن حيان، قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة، وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم - رضي الله عنه-، فلما جلسنا إليه قال له حصين: (لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: يا ابن أخي: والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعد الذي كنت أعي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فما حدثتكم فاقبلوا، وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً- بين مكة والمدينة- فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ، وذكر، ثم قال: "أما بعد: ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي") الحديث ... قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم (15/180) : قال العلماء: سميا ثقلين لعظمهما، وكبير شأنهما، وقيل لثقل العمل بهما. ولتعلم - أخي السائل- أن الوصية بكتاب الله -تعالى- متضمنة للوصية بالسنة، ولو لم ينص عليها؛ لأن المسلم لا يمكنه أن يطبق ما في القرآن من أوامر على الوجه الصحيح من غير السنة، فالصلاة - مثلاً- أمرنا بها، وكذا الزكاة، وكذا الحج وغيرها من العبادات، فمن استغنى عن السنة، فلن يستطيع أن يصلي على الوجه المطلوب، وهذا ظاهر، ويدل لهذا التلازم قوله -تعالى-: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب" [الحشر: من الآية 7] ، وبهذه الآية كان السلف من الصحابة - رضي الله عنهم- ومن بعدهم يستدلون على تلازمهما، كما في الصحيحين البخاري (4886) ، ومسلم (2125) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه- قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله؟ فقال عبد الله: "وما لي لا ألعن من لعن رسول الله وهو في كتاب الله"، فقال المرأة: "لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته"، فقال: لئن قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله - عز وجل-: "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" [الحشر: 7] الحديث.. والله أعلم.(2/52)
معنى حديث التبايع، العِينة
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 6/3/1425هـ
السؤال
أرجو التكرم بشرح الحديث التالي:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا إلى دينكم". -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحديث المذكور رواه أبو داود (3462) ، وأحمد (4810) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - والعينة أن يشتري سلعة نقداً بدون ما باع به نسيئة، فهذه مسألة العينة، وهي محرمة؛ لأنها ذريعة إلى الربا، مثالها أن يبيع بيته بمائة وخمسين ألف ريال نسيئة، ثم يشتريه منه بمائة ألف ريال نقداً فكأنه أقرض مائة بمائة وخمسين، وقوله: "وأخذتم أذناب البقر"، كناية عن الاشتغال بالحرث عن الجهاد، حيث صاروا يمشون خلف أذناب البقر، بعد أن كانوا يركبون ظهور الخيل، وقوله - صلى الله عليه وسلم-: "ورضيتم بالزرع"، أي: تكون همتكم وغايتكم ونهمكم، وقوله - صلى الله عليه وسلم-: "وتركتم الجهاد"، أي: المتعين فعله في زمن يكون على الناس فيه فرض عين، وقوله: "سلط الله عليكم ذلاً"، أي: صغاراً ومسكنة، ولا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم"، أي: لا يزيله، ولا يكشفه عنكم حتى ترجعوا إلى الاشتغال بأمور دينكم، وليس معنى الحديث النهي عن الاشتغال بالزرع، فإن الحرث والاشتغال به من أطيب الكسب والعمل، بل ورد فيه نصوص ليس هذا موضع بسطها، حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أحمد (12569) من حديث أنس -رضي الله عنه- "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل".(2/53)
معنى (وحق العباد على الله ألا يعذبهم ... )
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 20/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
في الحديث الذي ذكر فيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين حقوق الله على الناس وحقوق الناس على الله. وقد ورد في الحديث أن للناس حق على الله إذا عبدوه وحده ولم يشركوا به شيئا فلن يعذبهم. شخص يقول: " وددت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: سيكافئهم بدلا من قوله: لن يعذبهم فكيف أرد عليه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ورد في الصحيحين البخاري (7373) ومسلم (30) في قصة إرداف النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه-، والحديث مشهور ومعروف، وقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه حق الله -عز وجل-، على العباد ثم حق العباد على الله-عز وجل- وحق العباد على الله -عز وجل- ألاّ يعذبهم إذا قاموا بحقه، وهذا النص محمول على أن الله -عز وجل- لا يعذب العباد إذا قاموا بشهادة لا إله إلا الله وبمقتضياتها وحقوقها، وسلموا من الشرك بقسميه الأكبر والأصغر ومن البدع والأهواء ومن المعاصي والذنوب. فهؤلاء لهم الأمن التام والاهتداء التام ويدخلون الجنة، وأما من تلبس بشيء من الذنوب والمعاصي فهو تحت المشيئة إن شاء الله عز وجل عذبه بقدر ذنوبه وإن شاء تجاوز عنه ثم مآله إلى الجنة، فهذا النص: "ألاّ يعذبهم"، محمول على من قال لا إله إلا الله ولم يمت مصراً على ذنب، أو قالها بصدق ويقين ثم مات على ذلك.(2/54)
وأما قول المعترض: وددت أن الرسول -صلى الله عليهم وسلم- قال: "سيكافئهم" بدل من قوله: "ألاّ يعذبهم" فهذا الكلام خطأ عظيم من القائل ويخشى على هذا القائل، فهذا استدراك على حكم الشارع، وهو جهل من القائل، فقوله: لو أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعبر بـ"يكافئهم" هذا قول مردود فالنبي-صلى الله عليه وسلم- هو أعلم الناس، وهو أعلم بما يخبر به عن رب العالمين وهو مؤتمن على ذلك، والنبي-صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى وهو معصوم بالإجماع فيما يتعلق بتبليغ الشرع. وهذا الكلام جهل من القائل ولا ينبغي له أن يكون مستدركاً على الشارع متعقباً عليه بل يكون حاله مع الشرع حال التسليم والانقياد والقبول لما جاء به النبي-صلى الله عليه وسلم- وهذا من شروط شهادة ألاّ إله إلا الله، وجعل أمور الشرع مجالاً للانتقاد والكلام فيها لا شك أنه مسلك خطير، بالإضافة إلى ما فيه من تضييع الأوقات وصرف الكلام بما لا يعود بالنفع على العبد بل يعود عليه بالضرر المحض. والأمة في الأزمنة الأخيرة اعتادت أن تتكلم كثيرا ولا تفعل إلا القليل، والجدل لا خير فيه فكيف إذا كان الجدل في أمور محسومة من قبل الشارع. فينبغي للقائل أن يصرف وقته فيما يعود عليه بالنفع وأن يحرص على زيادة إيمانه ويكون موقفه من الشرع موفق المسلم المنقاد الراضي بما جاء، لا موقف المنتقد المستدرك. وعلى السائل أن يترك جدال هذا الشخص القائل، فجميل بن زيد قال للإمام مالك: الرجل يكون عالماً بالسنة يخبر بها، قال: نعم، قال يجادل بها، قال: لا. فهذا المسلك مشهور عند أهل العلم عدم المجادلة مع أهل الباطل في الأصل وإن كانت توجد استثناءات ليس هذا محلها، والله أعلم.(2/55)
المقصود بموجبات الرحمة في "اللهم أسألك موجبات رحمتك"
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 22/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ورد في الدعاء المأثور: "اللهم أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك". فما هي موجبات رحمة الله وعزائم مغفرته سبحانه وتعالى؟ وجزاكم الله كل خير.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
الدعاء الوارد في السؤال جاء ضمن الحديث المعروف بحديث صلاة الحاجة؛ أخرجه الترمذي (479) ، وابن ماجه (1384) ، من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ حَاجَةٌ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ فَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ لْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لْيُثْنِ عَلَى اللَّهِ وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ وَلَا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ".
قال الترمذي: (هذا حديثٌ غريبٌ، وفي إسناده مقالٌ، فائدُ بنُ عبد الرحمن يضعَّف في الحديث وفائِدٌ هو أبو الوَرْقَاءِ) . فالحديث ضعيف.
وله شاهد من حديث أنس وأبي الدرداء، رضي الله عنهما، وهما ضعيفان [ينظر: كلام الحافظ ابن حجر على هذه الأحاديث في الفتوحات الربانية (4/298) ] .
ومعنى قوله: "موجباتِ رحمتك": أي الأفعال والخصال والأقوال التي تكون سببًا لنيل رحمة الله ودخول جنته. ويدخل في ذلك: الإيمان بالله ورسوله، عليه الصلاة والسلام، وتقوى الله وطاعته، وحسن الاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ... ) [الأعراف: 157، 156] . ومقصود هذا الدعاء أن يوفق العبد للأخذ بالأسباب التي توجب رحمة الله. وعزائم مغفرته: جمع عزيمة، ومعنى هذا الدعاء أن يوفق العبد لأعمال صالحة تتعزم وتتأكد بها مغفرة الله سبحانه وتعالى. هذا والله أعلم.(2/56)
حديث: (الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ... )
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 10/05/1425هـ
السؤال
حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يتحمل أذاهم" رواه الترمذي وابن ماجة، هل المقصود بـ (الناس) في الحديث المبتدعة؟ وما معنى الحديث؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحديث هو حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"، والحديث رواه الترمذي (2507) ، وابن ماجة (4032) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، وهو من أحاديث بلوغ المرام، والألف واللام في الناس للاستغراق فالمراد بالناس الجنس، دون تخصيص الناس بنوع معين.
ومعنى الحديث: أن المؤمن الذي يخالط الناس، ويدعوهم إلى الخير، ويدعوهم إلى الإسلام، ويصبر على ما يناله من أذى في سبيل دعوتهم، وإيصال الخير إليهم خير من المؤمن الذي ينعزل عن الناس؛ لأن الأول صاحب نفع متعد، والثاني صاحب نفع خاص، فالحديث عام في جميع الناس. والله أعلم.(2/57)
ما جدوى العمل إذا كان "لا يدخل أحد الجنة بعمله"!
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 27/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد من فضيلتكم أن تشرحوا لي قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل أحد الجنة بعمله". أو كما صح عنه صلى الله عليه وسلم, وقوله: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة ... "إلخ. حتى يكمل العشرة المبشرين بالجنة، فالرسول عليه الصلاة والسلام استدل على دخول أبي بكر، رضي الله عنه، الجنة لما رآه منه من حسن الخلق ومن صالح الأعمال فشهد له في الجنة، وكذلك التسعة الباقين، رضي الله عنهم أجمعين، فكيف نوفق بين الحديث الأول والثاني؟ أفيدونا جزاكم الله كل خير.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:(2/58)
الحديث المشار إليه في السؤال أخرجه البخاري (5673) ، ومسلم (2816) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ". قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لَا، وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَلَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ؛ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ". وهذا الحديث يدل على أن دخول الجنة لا يكون بمجرد العمل، بل لولا رحمة الله وفضله لما دخل الجنة أحد؛ لأن الأعمال مهما بلغت لا تُقاوِم نِعَمَ اللهِ التي أنعم بها على عباده؛ حيث أوجدهم من العدم، ورزقهم من الطيبات، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، وهداهم إلى الإيمان، ووفقهم للأعمال الصالحة، وفي الحديث: "لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْرًا مِنْ أَعْمَالِهِمْ ... ". أخرجه أحمد (21589) وأبو داود (4699) . وعلى هذا فدخول الجنة ليس عوضًا عن العمل ولا مقابلة به، فمن شهد له النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بدخول الجنة ومنهم العشرة المبشرون بالجنة، فدخولهم الجنة برحمة الله وفضله، ولكن أعمالهم الصالحة سبب لدخولهم الجنة، قال الله تعالى: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: 32] . وقال تعالى: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الأعراف: 43] . وقال تعالى: (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة: 19] . وقال تعالى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الطور: 19] . فالباء الواردة في الآيات هي باء السببية، أي أن الله سبحانه وتعالى يدخل عباده المؤمنين الجنة بسبب أعمالهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، بعد أن ذكر هذه النصوص ونظائرها: (فبين بهذه النصوص أن العمل سبب للثواب، والباء للسبب كما في مثل قوله تعالى: "فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات"، وقوله: "وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها"، ونحو ذلك مما يبين به الأسباب، ولا ريب أن العمل الصالح سبب لدخول الجنة والله قدر لعبده المؤمن وجوب الجنة بما ييسره له من العمل الصالح كما قدر دخول النار لمن يدخلها بعمله السيئ كما في الصحيحين عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار". قالوا يا رسول الله: أفلا نتكل على الكتاب وندع العمل؟ قال: "لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له"، أما من كان من أهل السعادة فسييسره لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسره لعمل أهل الشقاوة، وقال إن الله خلق للجنة أهلا وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم وبعمل أهل الجنة يعملون وخلق للنار أهلا وخلقها لهم(2/59)
وهم في أصلاب آبائهم وبعمل أهل النار يعملون". وإذا عرف أن الباء هنا للسبب فمعلوم أن السبب لا يستقل بالحكم فمجرد نزول المطر ليس موجبا للنبات بل لا بد من أن يخلق الله أمورا أخرى ويدفع عنه الآفات المانعة فيربيه بالتراب والشمس والريح ويدفع عنه ما يفسده فالنبات محتاج مع هذا السبب إلى فضل من الله أكبر منه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله". قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل". فإنه ذكره في سياق أمره لهم بالاقتصاد قال: "سددوا وقاربوا واعلموا أن أحدا منكم لن يدخل الجنة بعمله". وقال: "إن هذا الدين متين وإنه لن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدجلة والقصد القصد تبلغوا". فنفى بهذا الحديث ما قد تتوهمه النفوس من أن الجزاء من الله عز وجل على سبيل المعاوضة والمقابلة كالمعاوضات التي تكون بين الناس في الدنيا فإن الأجير يعمل لمن استأجره فيعطيه أجره بقدر عمله على طريق المعاوضة إن زاد زاد أجرته وإن نقص نقص أجرته وله عليه أجرة يستحقها كما يستحق البائع الثمن، فنفى صلى الله عليه وسلم أن يكون جزاء الله وثوابه على سبيل المعاوضة والمقابلة والمعادلة، والباء هنا كالباء الداخلة في المعاوضات كما يقال: استأجرت هذا بكذا وأخذت أجرتي بعملي...... وإذا تبين ذلك أفاد هذا الحديث ألا يعجب العبد بعمله بل يشهد نعم الله عليه وإحسانه إليه في العمل وأنه لا يستكثر العمل فإن عمله لو بلغ ما بلغ إن لم يرحمه الله ويعف عنه ويتفضل عليه لم يستحق به شيئا". [رسالة ابن تيمية في دخول الجنة (ص: 47 - 50) ] .
وينظر: [رسالة ابن تيمية في دخول الجنة، مفتاح دار السعادة (1/8، 10) ، ومدارج السالكين (1/94، 96) لابن القيم، فتح الباري لابن حجر (11/294 - 297) ] . هذا والله أعلم.(2/60)
فوائد من حديث الأعرابي الذي بال في المسجد
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 17/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحدثت مع أحد الشباب حول كون أحاديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، ومضمون كلامه أن هناك أحاديث قالها الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصبحت الآن غير صالحة للتطبيق؛ حيث إن الماديات قد تغيرت في ظل الحضارة الحديثة والتطور المادي، فيقول هو: إن حديث الأعرابي الذي بال في المسجد غير ممكن الحدوث اليوم؛ حيث إن المساجد أصبحت تختلف عمّا كان عليه الحال في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهو ينطلق من هذا الأساس ليقول: إن هذا الحديث -على سبيل المثال- أصبح وجوده في مناهج التعليم وفي الكتب الأخرى مجرد حشو على حد تعبيره، كما أنه يقول: إن هناك أحاديث كثيرة على هذا النحو مما تغير الحال عما كان عليه في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، إذن هي لا تحدث فهي لمجرد الحفظ فقط، أو لا داعي لتعليمها للجيل الجديد على حد زعمه. فما ردكم على ذلك؟. جزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده، وبعد:
فهذا الذي جرى بينك وبينه جدال حول أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، إنما أُتي في الحقيقة من جهله بالسنة، وما أكثر جنسه ولونه في هذا العصر!
وعلى سبيل المثال فحديث الأعرابي هذا، نظر إليه من حيث الشكل، وغفل عن المضمون، فالبناء وإن اختلف في شكله على مر العصور، ولكن المسجد يبقى هو المسجد في أحكامه، وما يجب له من حرمة، إلخ ...
علماً أن كثيراً من المساجد اليوم لاسيما الواقعة في البلاد الفقيرة أو في القرى والهجر، هي على الحال التي عليها المساجد القديمة من بنائها بالطين وفرشها بالحصباء، كما هو الحال في بعض البلاد الإفريقية وغيرها، فلماذا اختزل هذا الأخ المساجد كلها في أنحاء العالم في الواقع الذي يعيشه هو، أو تعيشه أكثر الدول؟
وعوداً على ذي بدء، أقول: لقد استنبط علماؤنا الأجلاء فوائد كثيرة جداً من حديث الأعرابي هذا، وقبل أن أسرد بعضاً من هذه الفوائد، فإني أسوق الحديث بنصه كما جاء في صحيح مسلم (285) :
عن أنس -رضي الله عنه- قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: مَهْ، مَهْ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "لا تزرموه- يعني: اتركوه لا تقطعوا عليه بوله- دعوه"، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعاه، فقال له: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، وإنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة وقراءة القرآن". فأمر رجلاً من القوم، فجاء بدلو من ماء، فشنه عليه.
وفي لفظ للبخاري (220) : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: "دعوه وهريقوا على بوله سَجْلاً -يعني: دلواً- من ماء، أو ذنوباً من ماء؛ فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين".
هذا هو الحديث، وإليك بعض الفوائد المستقاة من هذا الحديث، والتي تفيد المسلم وتهمه في كل عصر:(2/61)
فأولاً: فيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم، ورأفته بالمتعلم ولطفه به، وهكذا ينبغي أن يكون المعلم والمربي والعالِم والمسؤول في كل عصر ومصر، ينبغي أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة، وبالآداب الكريمة مع الناس، حتى ولو وقع منهم سلوك مشين، كما وقع من هذا الأعرابي.
وثانياً: فيه وجوب الرفق بالجاهل، وعدم التعنيف عليه، وأنه يجب التفريق في المعاملة بين من يقع في المنكر وهو عالم به مصر عليه، وبين من يقع فيه وهو جاهل به، وأن الداعية والعالم ينبغي أن يكون ميسراً لا معسراً، في حدود الشرع.
وثالثاً: فيه بيان تعظيم المساجد، ووجوب احترامها، وتنزيهها عن الأقذار، أيًّا كان بناؤها؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من هذا البول ولا القذر ... ". فلفظ (المساجد) هو من صيغ العموم؛ فتعم كل مسجد في القديم أو في الحاضر، فلا يجوز البول فيها، ولا تقذيرها بأي لون من ألوان القاذورات، سواء بالبصاق فيها - كما يفعله بعض الناس اليوم، حيث يبصق في ساحة المسجد الواقعة داخل السور- أو بإلقاء النفايات والمناديل داخل أروقة المسجد ... إلخ.
والتعبير بالقذر في الحديث يشمل كل ما يتقذر منه الناس، ويخالف الذوق العام، وينافي حرمة المسجد.
ورابعاً: فيه دلالة على نجاسة بول الآدمي، وهو محل إجماع عند أهل العلم، كما حكاه الصنعاني في سبل السلام (1/25) ، وغيره.
وخامساً: فيه تقرير قاعدة عظيمة في الدين، وهي (دفع أعظم المفسدتين بارتكاب أدناهما) ، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- حين ترك هذا الأعرابي حتى يتم بوله، كان ذلك لأجل ألا يترتب على منعه أن يقوم فيلوِّث ثيابه وبدنه، ويلوِّث أجزاء أخرى من المسجد فيؤدي إلى انتشار النجاسة، وتنجيس مكان واحد أخف من تنجيس أماكن متفرقة من المسجد، وهذه القاعدة الشرعية أشار إليها المازري، وكما في شرح الزرقاني (1/190) ، ويتخرج على هذه القاعدة ما لا يحصى من النوازل الفقهية في باب السياسة الشرعية، وفي باب المعاملات المالية المعاصرة، وفي باب الطب الحديث، وغيرها من الأبواب، ومن ذلك على سبيل المثال نازلة رفع أجهزة الإنعاش عند الموت الدماغي في بعض صوره الجائزة، فالحاصل أن هذه القاعدة قد استنبطت من عدة نصوص، ومنها هذا الحديث النبوي الشريف.
وسادساً: فيه جواز التمسك بالعموم حتى يظهر دليل التخصيص، وهي مسألة أصولية مشهورة، ويترتب عليها فوائد كثيرة، ليس هذا الجواب محل بسطها.
وسابعاً: فيه وجوب إزالة المفاسد عند زوال المانع؛ لأمره صلى الله عليه وسلم صحابته بصب الماء عند فراغه من البول.
وثامناً: فيه أن الماء أداة من أدوات التطهير، وأنه لا يشترط حفر الأرض إذا وقعت عليها النجاسة، خلافاً للحنفية.
وتاسعاً: فيه أنه لا ينبغي قطع البول على من شرع فيه؛ لما قد يؤدي إليه من مفاسد صحية، وربما جاء الطب الحديث بما يؤيد هذا، فقد اكتشف الطب الحديث علوماً كثيرة، كان قد ذكرها القرآن الكريم، والرسول -صلى الله عليه وسلم- أو أشار إليها قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة.
ومنها، وهي الفائدة العاشرة:(2/62)
أنه لا يجوز البول في الأماكن التي يرتادها الناس، إما للعبادة كالمساجد - كما في هذا الحديث-، وإما للجلوس والراحة كمواطن الظل، وإما لاتخاذها طريقاً ... ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا اللعانين.. الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم" أخرجه مسلم في صحيحه (269) .
وفي سنن أبي داود (26) وابن ماجه (328) عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد - يعني موارد الماء- وقارعة الطريق، والظل".
وفي هذا يقول الدكتور علي البار: بعض الدول الإسلامية تشكو من داء البلهارسيا، وتنفق الدولة سنوياً ما يقارب المليار في حرب هذا المرض، فلم تستطع القضاء عليه، وفشلت فشلاً ذريعاً، بينما حديث واحد من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحل الإشكال، ويقضي على البلهارسيا من أصلها، ويحل مشكلة عويصة جداً، لما تسببه من سرطان المثانة، وتعمل مضاعفات في الكلى، كل هذا يمكن تجنبه باتباع هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما منع التبول والتغوط في الموارد، وقارعة الطريق ... انتهى من (الإعجاز العلمي في السنة النبوية لمؤلفه صالح رضا 1/482) .
ولا شك أننا بهذه النصوص الشرعية، وبامتثالنا لهذه التوجيهات النبوية سنرتقي بأخلاقنا، ونسمو بمبادئنا وقيمنا، ونساهم في المحافظة على نظافة مجتمعنا من كل ما يكدر صفوه ظاهراً وباطناً، كما نساهم في المحافظة على البيئة من كل تلوث يؤدي إلى الأمراض والأسقام. والله -تعالى- أعلم.(2/63)
المقصود بالكمأة وحكم التداوي بها
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 16/04/1426هـ
السؤال
أود أن أسألكم عن معنى هذا الحديث، وإن كان صحيحاً فكيف تتم الاستفادة منه؟ أي كيف أستطيع الحصول على مائها، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن صح الحديث) "الكمأة من المن, وماؤها شفاء للعين". وهل توجد أحاديث أخرى تبحث في شفاء العين؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
الحديث المشار إليه في السؤال أخرجه البخاري (5708) ، ومسلم (2049) من حديث سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ"، والكمأة نبات يكون في جوف الأرض، ينبت بعد نزول المطر وتنفلق عنه الأرض، ويشتهر باسم: الفقع، ومعنى قوله: "من المن" أي هو مما امتن الله -سبحانه وتعالى- به من غير جهد من الإنسان، حيث لا يد للإنسان في استنباته، فهو من هذه الحيثية شبيه بالمن الذي أنزله الله -سبحانه وتعالى- على بني إسرائيل، حيث كان الطل يسقط على الشجر فيجمع ويؤكل حلواً، ومعنى قوله: "ماؤها شفاء للعين" ظاهره أن ماءها يعصر ويكحل به العين بعد أن تشوى على النار.
وللعلماء أقوال أخرى، قال الحافظ ابن القيم: "وقوله صلى الله عليه وسلم في الكمأة: "وماؤها شفاء للعين" فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن ماءها يُخلط في الأدوية التي يُعالج بها العين، لا أنه يستعمل وحده، ذكره أبو عبيد.
الثاني: أنه يُستعمل بحتا بعد شيِّهَا، واستقطار مائها لأن النار تُلطِّفه وتنضجه، وتُذِيبُ فضلاته ورطوبته المؤذية وتبقي المنافع.
الثالث: أن المراد بمائها الماء الذي يحدث به من المطر، وهو أولُ قطر ينزل إلى الأرض، فتكون الإضافة إضافة اقتران، لا إضافة جزء، ذكره ابن الجوزي، وهو أبعد الوجوه وأضعفها
وقيل: إن استعمل ماؤها لتبريد ما في العين، فماؤها مجرداً شفاء، وإن كان لغير ذلك فمركب مع غيره،
وقال الغافقي: ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين، إذا عُجِنَ به الإثمد واكُتحل به ويقوِّي أجفانها، ويزيدُ الروحَ الباصرة قوةً وحدِة، ويدفع عنها نزول النوازل " [زاد المعاد (4/365) ] .
وقد أجريت أبحاث استخدم فيها ماء الكمأة في علاج (التراكوما) مع مركبات أخرى فكانت نتائجه جيدة [ينظر: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ص (826- 831) ، ليوسف الحجاج أحمد] ،
ولكن لا ينبغي للمريض أن يُقدم على استخدام ماء الكمأة حتى يسأل أهل الخبرة والمعرفة ليتبين هل يناسبه أم لا، لأنه ربما يكون الحديث من العام المخصوص، أي أن ماء الكمأة يصلح لبعض أمراض العيون دون الأخرى، وقد ورد في السنة الحث على الاكتحال بالإثمد، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يجلو البصر وينبت الشعر، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اكتحلوا بالْإِثْمِدِ, فإنه يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ"، أخرجه الترمذي (1757) ، وقال: حديث حسن غريب(2/64)
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "عَلَيْكُمْ بِالْإِثْمِدِ عِنْدَ النَّوْمِ فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ" أخرجه ابن ماجه (3496) .
والإثمد حجر معروف أسود يضرب إلى الحمرة يكون في بلاد الحجاز، وأجوده ما يؤتى به من أصفهان، وأجوده السريع التفتت الذي لفتاته بصيص، وداخله أملس ليس فيه شيء من الأوساخ، قال الحافظ ابن القيم: "الإثمد ينفع العين ويقويها، ويشد أعصابها، ويحفظ صحتها، وينقي أوساخها، وهو أجود أكحال العين لاسيما للمشايخ، والذين قد ضعفت أبصارهم إذا جعل معه شيء من المسك" [زاد المعاد (4/283) ، وينظر: الطب من الكتاب والسنة لموفق الدين عبد اللطيف البغدادي (ت 629 هـ) ]
وعلى من يريد استخدام الإثمد التأكد من سلامته من الغش، حيث يوجد في الأسواق أكحال مغشوشة، ففي دراسة لمستشفى الملك خالد لطب العيون بالرياض عن الكحل الموجود في أسواق الرياض (عام 1986م) وجد الباحثون نوعين من الكحل، وكلا النوعين ملوث بالبكتريا العضوية والفطريات، كما وجدوا أن الكحل مغشوش بمواد أخرى غير الإثمد، مثل الرصاص. هذا والله أعلم.(2/65)
معنى: " ولا يسترقون "
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 11/03/1426هـ
السؤال
ما المقصود في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ولا يسترقون" عندما ذكر صفات السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب؟ وهل يدخل تحت المعنى من يذهب للعلاج بالرقية الشرعية عند الشيوخ؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فإن المعنى المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يسترقون" أخرجه البخاري (5705) ومسلم (220) هو أنهم لا يطلبون الرقية من غيرهم، يعني: لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم، وليس المعنى أنهم يرفضون الرقية، ولذا قال: "يسترقون"، ولم يقل: (يرقون) ، فاللفظ الأول دال على طلب الفعل، وهذا بخلاف اللفظ الثاني، ولهذا كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يرقي، ورقاه جبريل - عليه السلام- انظر صحيح مسلم (2185) ، وعائشة - رضي الله عنها- انظر صحيح البخاري (5016) ومسلم (2192) ، وهذا دليل على مشروعية الرقية.
والحديث المشار إليه في السؤال دليل على عدم استحباب طلب الرقية - ومنه الذهاب إلى القراء- لما في طلبها من تفويت كمال التوكُّل على الله، ولما يؤدي إليه من التعلّق بغير الله تعالى، كما هو مشاهد في هذا العصر، وهذا لا يعني عدم الأخذ بالآيات. والله تعالى أعلم.(2/66)
حديث من بلغه عني ثواب عمل فعمله حصل له أجره ...
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 01/04/1426هـ
السؤال
ما رأي علمائنا في الروايات الواردة التي نصها من بلغه عني ثواب عمل فعمله حصل له أجره، وإن لم أكن قلته؟ فهل هذه القاعدة تامة عندنا، من أنه من بلغه ثواب على عمل ما فعله الإنسان برجاء ذلك الثواب فإنه يحصل عليه، وإن لم يقله النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
الحديث المشار إليه في السؤال أخرجه الحسن بن عرفة العبدي في جزئه ص: 78 (63) ، قال: حدثنا أبو يزيد خالد بن حيان الرقي، عن فرات بن سليمان، وعيسى بن كثير، -كليهما- عن أبي رجاء، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من بلغه عن الله -عز وجل- شيء فيه فضل، فأخذه إيماناً به، ورجاء ثوابه، أعطاه الله -عز وجل- ذلك، وإن لم يكن كذلك".
ومن طريقه الخطيب في تاريخه (8/296) ، وابن الجوزي في الموضوعات (1/258) .
وفي إسناد الحديث أبو رجاء، وقد رمي بالكذب، قال يحيى بن معين: "كذاب"، وقال السخاوي في المقاصد الحسنة (ص 405) : "خالد وفرات فيهما مقال، وأبو رجاء لا يعرف". قال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وأخرجه أبو الشيخ في مكارم الأخلاق كما في المقاصد (ص 405) ، من طريق بشر بن عبيد الله، حدثنا حماد، عن أبي الزبير، عن جابر، مرفوعاً. وبشر متروك.
وأخرج أبو يعلى الموصلي في مسنده (3443) ، ومن طريقه ابن عدي في الكامل (2/59) ، والطبراني في المعجم الأوسط (5129) ، من طريق بزيع أبي الخليل عن ثابت عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من بلغه عن الله فضيلة فلم يصدق بها، لم ينلها". وبزيع ضعيف جداً.
وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/22) ، من طريق أبي معمر عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ: "من بلغه عن الله فضل فأخذ بذلك الفضل الذي بلغه أعطاه الله ما بلغه، وإن كان الذي حدثه كاذباً".
وأبو معمر عباد بن عبد الصمد، قال أبو حاتم: "ضعيف جداً"، وقال ابن حبان في المجروحين: "روى عن أنس نسخة أكثرها موضوعة".
وهذا الحديث لا يستقيم من جهة المعنى لأمرين:
1- يخالف ما دلت عليه الأدلة من وجوب التثبت والاحتياط في قبول الأخبار.
2- أن العمل بهذا الحديث يؤدي إلى العمل بأشياء لا تثبت، فيحصل الوقوع في البدع والمخالفات الشرعية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ" أخرجه مسلم (1718) . هذا والله أعلم.(2/67)
معنى: "لا حول ولا قوة إلا بالله"
المجيب د. عبد العظيم بن إبراهيم المطعني
رئيس قسم التفسير والحديث بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 06/08/1426هـ
السؤال
أرجو معرفة معنى قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله" وإن وجد شرح للأذكار المختلفة أرجو التفضل بإفادتي به؛ حتى أتمكن من تدبر المعنى في أثناء الذكر، جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإن كلمة "لا حول ولا قوة إلا بالله" من أعظم الكلمات التي يتوجه بها العبد إلى ربه، ففيها من التفويض والتوكل والبراءة من كل شيء، والاستناد في كل شيء على من له القوة جميعاً ـ سبحانه ـ وقد جاء في فضلها أحاديث، منها ما رواه مسلم (2696) عن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء أعرابي إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: علمني كلاماً أقوله. قال: "قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم". قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: "قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني".
ورُوي عنه صلى الله عليه وسلم: " أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها تَدْفَعُ تسعةً وتسعينَ باباً من الضُر أدناها الهم" رواه الطبراني في الأوسط (3541) عن جابر -رضي الله عنه.
ورُوي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنت عند النبي -صلى الله عليه وسلم-فقلتها، فقال: "تدري ما تفسيرها؟ ". قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله" أخرجه البزار في مسنده (2004) ، والبيهقي في الشعب (664) . وقال في شرح العقيدة الطحاوية: "وأفعال العباد خلق من الله، وكسب من العباد، ولم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون، ولا يطيقون إلا ما كلفهم، وهو تفسير "لا حول ولا قوة إلا بالله". نقول لا حيلة لأحد ولا حركة لأحد ولا تحول لأحد من معصية الله إلا بمعونة الله، ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله. وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره. غلبت مشيئته المشيئات كلها، وغلب قضاؤه الحيل كلها، يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبداً، تقدَّس عن كل سوء وحين، وتنزه عن كل عيب وشين "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون".
أما كتب الأذكار وشروحها فعديدة منها:
(1) الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار - الإمام النووي.
(2) رياض الصالحين - النووي - شرح الشيخ ابن عثيمين.
(3) تحفة الذاكرين - الإمام الشوكاني.
(4) الوابل الصيب - الإمام ابن القيم.
جعلنا الله وإياك من الذاكرين.. والله أعلم.(2/68)
معنى: "اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد"
المجيب د. عبد العظيم بن إبراهيم المطعني
رئيس قسم التفسير والحديث بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 24/10/1426هـ
السؤال
ما معنى: "اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد"؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد:
فما ذكرت أخي الفاضل في سؤالك هو جزء من أحد أدعية النبي -صلى الله عليه وسلم- في افتتاح الصلاة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: بأبي وأمي يا رسول الله! أرأيت إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: "أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد".
أخرجه البخاري في صحيحه, كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير (744) , ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة (598) .
أما معنى هذا الدعاء المبارك فقد ذكره صاحب كتاب "المنهل العذب.." فقال:
"اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب": المباعدة بين المشرق والمغرب هي غاية ما يبالغ فيه الناس، والغرض من هذا التشبيه امتناع الاقتراب من الذنوب كامتناع اقتراب المشرق من المغرب، المعنى: باعد بيني وبين فعل الخطايا بحيث لا أفعلها, وباعد بيني وبين عقوبتها إن فعلتها، "اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس": المراد الخطايا والذنوب التي فعلها فينقى منها, وهذا التشبيه لقوة التنقية، أي: اللهم طهرني من خطاياي طهارة كاملة, وأزلها عني كما يطهر الثوب الأبيض من الوسخ, ووقع التشبيه بالثوب الأبيض, لأن ظهور النقاء فيه أشد وأكمل لصفائه, بخلاف غيره من الألوان, وبعد التنقية قال: "اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد " فبان أن المراد بالمباعدة أي: أن لا أفعل الخطايا, ثم إن فعلتها فنقني منها, ثم أزل آثارها بزيادة التطهير بالماء والثلج والبرد, وكأنه جعل الخطايا بمنزلة جهنم؛ لكونها مسببة عنها, فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل, وبالغ فيه باستعمال المبردات, ترقياً عن الماء إلى أبرد منه. (المنهل العذب (5/194، 195) .(2/69)
صحة حديث: "لا ينظر الله لامرأة لا تشكر لزوجها"
المجيب د. عبد الله بن محمد الحكمي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 16/08/1426هـ
السؤال
ما معنى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: "لا ينظر الله لامرأة لا تشكر لزوجها". وهل هذا صحيح؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه، وبعد:
فهذا الحديث أخرجه النسائي في سننه الكبرى (9086،9087) ، والبزار في مسنده -كما في "كشف الأستار" (1460) -والحاكم (2/190) وقال صحيح الإسناد، وأقره الذهبي، والبيهقي في سننه الكبرى (7/294) ، من طرق عن قتادة، عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، وله تتمة، قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وهي لا تستغني عنه".
والحديث صحيح بمجموع طرقه، وقد صححه جمع من أهل العلم.
ومعنى الحديث واضح، وقد أورده أهل العلم في أبواب عشرة النساء، وهو يدل على أن الشكر من حقوق الرجل على زوجته، والأحاديث في حقوق الرجل على زوجته كثيرة، أُفردت فيها الكتب المستقلة، وكذلك حقوق المرأة على زوجها وردت بها الأحاديث الثابتة الكثيرة.
وفق الله الزوجين إلى العشرة الطيبة الكريمة، التي يستقيم بها صلاح الأسرة وسلامتها من التفكك، وصلى الله وسلم على خير خلقه.(2/70)
عندي إشكال في حديث "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً"!
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 11/04/1427هـ
السؤال
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرا ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون".
1- هل يعني أن الصحابة لو علموا ما علم النبي صلى الله عليه وسلم لكانوا أشد خوفاً لله منه؟
2- لقد علم النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لم يعلموا، ومع ذلك تلذذ بالنساء على الفرش، ولم يخرج إلى الصعدات يجأر؟ نرجو التوضيح وإزالة الإشكال، وإحالتنا إلى مرجع مقروء يفيد في ذلك.
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الحديث المذكور في السؤال قد رواه ابن ماجه (4190) ، والترمذي (2312) ، وقال: حسن غريب.
وقد ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير، وأوله في الصحيحين.
والجواب على القول بصحة الحديث ما يأتي:
أما السؤال الأول: فجوابه أن نقول: حاشا لله أن يكون الصحابة -رضي الله عنهم- لو علموا ما علم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكونوا أشد خوفا لله منه، وهو القائل: "والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له" أخرجه البخاري (5063) ، ومسلم (1401) . وهذا مما لا يختلف فيه اثنان.
أما السؤال الثاني: فجوابه أن الحديث المذكور فيه إخباره صلى الله عليه وسلم بأمور مخيفة قد لا يطيقها البشر لو علموها؛ لكن نقول بالفرق بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين غيره من الناس، في صبره، وتحمله، وأخلاقه، وكافة أحواله، فله خصائص كثيرة لا تحصى، ومن تلك الخصائص التي لها علاقة بالموضوع: تثبيت الله له قال تعالى: "وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ" [هود:120] . وقال تعالى "كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا" [الفرقان:32] . وأيضاً قد عصمه الله قال تعالى: "وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" [المائدة:67] . وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يواصل في الصوم، فرغب الصحابة في ذلك فنهاهم، وقال: "إنى لست كهيئتكم"، وفي رواية "لست مثلكم، إني أبيت أطعم وأسقى". صحيح البخاري (7299،1922) وصحيح مسلم (1103،1102) . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نصرت بالرعب مسيرة شهر". صحيح البخاري (335) ، وصحيح مسلم (521) . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تنام عيناي ولا ينام قلبي" صحيح البخاري (3569) .
وخصائصه صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر، وفيها مؤلفات. وعلى السائل وغيره أن يرجع إلى تلك المؤلفات.
هذا وقد عقد العلامة البهوتي في كتابه (كشاف القناع) فصلاً في خصائصه صلى الله عليه وسلم بما يقرب من أربع عشرة صفحة (5/23-37) في أول كتاب النكاح، وكان آخر ما قال: "وخصائصه صلى الله عليه وسلم لا تنحصر فيما ذُكر، وفيها كتب مشتملة على بعضها". انتهى.(2/71)
هذا ومما يزيل الإشكال أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم، صاحب رسالة عازم على تبليغها وإظهارها، ولهذا روي عنه أنه قال: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه" تاريخ الطبري (2/315) ، وسيرة ابن هشام (1/284-285) ، والسلسلة الصحيحة (92) ، والضعيفة (909) . وإذا كان الأمر كذلك، فهل يليق بصاحب هذه الرسالة أن يخرج إلى الصعدات يجأر، ويترك ما حَمَّلَهُ ربه القائل "يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ" [المدثر:1] .
هذا ومن اطلع على سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وما يلقاه من الشدة عند تبليغ رسالة ربه، وعند نزول الوحي، عرف أنه -صلى الله عليه وسلم- ليس كغيره من الناس كما تقدم إيضاحه.
وجاء في صحيح مسلم (2867) في قصة مرور النبي صلى الله عليه وسلم ببعض القبور قال: "إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه"، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: " ... تعوذوا بالله من عذاب القبر ... ".
قلت فهذا الحديث يدل على ما ذكرته من وجود الفرق بين المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وبين غيره من الناس، فالله سبحانه قد أطلعه على عذاب القبر، وأسمعه، وكان بالإمكان أن يدعو ربه لأمته أن يسمعها ما يسمع، لكنه صلى الله عليه وسلم امتنع عن ذلك لسبب ذكره صلى الله عليه وسلم بقوله: "لولا أن لا تدافنوا" ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد دفن كثيراً من أصحابه، فما منعه اطلاعه على عذاب بعض أهل القبور من الدفن، بينما يراه صلى الله عليه وسلم في أمته مانعاً، مما يدلك على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس كغيره من الناس، فالله سبحانه قد ثبت فؤاده وقوى إيمانه، فلا يقاس عليه غيره مطلقاً.
هذا ما أردت إيضاحه حول هذا السؤال المهم، وهذا هو رأيي حول هذا الإشكال، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأ فمني، ومن الشيطان، والله بريئ منه ورسوله.
والله أعلم وصلى الله علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(2/72)
كيف أجتنب المجاهرة بالمعصية وانتهاكها في السر؟!
المجيب د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 10/04/1427هـ
السؤال
ورد في قول صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين". وكذلك حديث العبد الذي يأتي يوم القيامة بحسنات كالجبال ثم يجعلها الله هباءً منثوراً، فكيف نتجنب المجاهرة والعصيان بالسر، سيما وأنتم تعلمون أن الإنسان ليس معصوماً من الخطأ والعصيان.
حيث أني قد ابتليت بالمعاصي في السر، ثم أتوب منها، لكن بعد وقت أرجع إلى ذلك الذنب، فما هو الحل جزيتم خيراً؟
الجواب
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أخي السائل وفقك الله لما يحب ويرضى، وجنبنا وإيّاك أسباب سخطه وغضبه، واجب المسلم عند توهم التعارض بين الآيات والأحاديث، أن يجمع بعضها إلى بعض، ويستقصي جميع النصوص في الموضوع الواحد، حتى يكون تصوره له صحيحا، فحديث النهي عن المجاهرة بالمعاصي أصح وأثبت، وقد رواه البخاري (6069) ومسلم (2990) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه.
وأما حديث ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا، فيجعلها الله هباء منثوراً". قال ثوبان: يا رسول الله: صفهم لنا جلهم لنا؛ أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: "أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها". وهذا الحديث لم يروه إلاّ ابن ماجة (4245) وقد طعن العلماء في الأحاديث التي يتفرد بها، وقد يصححه بعض المتأخرين، وقد يستدل البعض بقول الله عز وجل: "يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً" [النساء:108] ، وهو بمعناه، لكن الله تعالى لم يذكر حبوط العمل في الآية.
وعلى فرض صحة الحديث فلا تعارض بينه وبين حديث النهي عن المجاهرة إذا أدركنا مراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن المجاهرة بالمعاصي إثمها عظيم وذنبها كبير، لدلالتها على الاستهانة بالذنب والمعصية، وتشجيع الآخرين عليها.
ويحمل حديث ثوبان -رضي الله عنه- على من يكون هذا حاله دائما، بمعنى أنه لا يبالي بالوقوع في المحرمات متى خلا بها، ولا يقيم وزنا لرقابة الله واطلاعه عليه، وأما ارتكاب المعاصي في الخلوات أحيانا، فلا يكاد يسلم منه أحد، إلاّ من عصمه الله. نسأل الله أن يعامل الجميع بفضله.
ومعلوم أن من دعاء المؤمنين الاستغفار من الذنوب (ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا)
وفي الأحاديث الأخرى" ... يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة". جامع الترمذي (3540) وفضائل التوبة دالة على أن العباد من شأنهم الخطأ والذنب. "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون".
ولاشك أن المؤمن حيي لا يحب أن يجاهر بمعصيته، وهو حين يرتكب المعصية سرا -لغلبة الشيطان والنفس الأمارة بالسوء- يرجو مغفرة ربه ورحمته، فيعود سريعا للاستغفار والتوبة.
أسأل الله أن يوفقنا جميعا للتوبة النصوح.(2/73)
حديث "من عاشر قوماً أربعين يوماً ... "
المجيب د. علي بن عبد العزيز العميريني
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 20/03/1427هـ
السؤال
يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من عاشر قوماً أربعين ليلة صار منهم" فإذا اضطررت للبقاء في دولة غربية أكثر من أربعين ليلة، فهل معنى هذا أني أصبحت منهم، وفقاًًًَ لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله"، أخرجه أبو داود في الجهاد (787) ، وفي لفظ عند الحاكم (2674) : "لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم، أو جامعهم فليس منا".
وقد قسم العلماء المقيم في البلاد غير الإسلامية إلى ثلاثة أقسام:
1- أن يقيم عندهم رغبة واختياراً لصحبتهم، بأن يرضى ما هم عليه من الدين، أو يعاونهم على المسلمين، فهو منهم وقد كفر بالله ورسوله.
2- أن يقيم عندهم لأجل مال أو ولد أو بلاد، ولا يعينهم على المسلمين، فهذا آثم في الإقامة معهم، وبصفة خاصة إذا كان لا يستطيع أن يظهر دينه مع قدرته على الهجرة.
3- من لا حرج عليه في الإقامة بين أظهرهم، فإن كان مظهراً لدينه، لا يجد حرجاً من ذلك. فإنه لا تجب عليه الهجرة ولا يكون آثماً، أما إن أقام عندهم مستضعفاً، فقد استثناه الله تعالى: فقال: "إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا" فمن كانت هذه حاله "فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا" [النساء:98-99] . وما ذكره السائل على أنه من الحديث مشهور بين الناس، ولا أعرفه والمعنى واحد. وبالله التوفيق.(2/74)
معنى حديث "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر"
المجيب أ. د. ياسين بن ناصر الخطيب
أستاذ بقسم القضاء في جامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 09/05/1427هـ
السؤال
ما معنى الحديث "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر" ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله، وبعد:
قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/318) : عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله؛ أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم" رواه أحمد، وأبو داود ولفظه: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم". الحديث أخرجه أيضاً الطبراني وابن القطان وصححه، قال الحافظ في بلوغ المرام: ورجاله ثقات.
شرح الحديث: قال الرافعي: وبيع العينة هو أن يبيع شيئاً من غيره بثمن مؤجل، ويسلمه إلى المشتري، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر. انتهى.
قوله: "واتبعوا أذناب البقر" المراد: الاشتغال بالحرث، وفي الرواية الأخرى: "وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع"، وقد حُمِلَ هذا على الاشتغال بالزرع في زمن يتعين فيه الجهاد.
قوله: "وتركوا الجهاد". أي المتعين فعله.
قوله: "ذلا" بضم الذال المعجمة وكسرها، أي صغارا ومسكنة، وسبب هذا الذل -والله أعلم- أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عز الإسلام وإظهاره على كل دين؛ عاملهم الله بنقيضه، وهو إنزال الذلة بهم، فصاروا يمشون خلف أذناب البقر بعد أن كانوا يركبون على ظهور الخيل التي هي أعز مكان.
قوله: حتى ترجعوا إلى دينكم: فيه زجر بليغ لأنه نَزَّلَ الوقوع في هذه الأمور منزلة الخروج من الدين. والله أعلم.(2/75)
تساؤلات حول حديث الواهبة نفسها
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 14/05/1427هـ
السؤال
قرأت رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى المواقع، فأثارت في نفسي بعض التساؤلات؟
تقول الرواية: ذهب رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجلس عنده، فجاءت امرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ووقفت عنده، وقالت: يا رسول الله! جئت أهب نفسي لك، أريدك أن تتزوجني، فنظر إليها الرسول صلى الله عليه وسلم، وصعد النظر وصوبه كأنها ما أعجبته فسكت قليلاً، فجاء رجل من عنده، وقال: يا رسول الله! زوجنيها إذا لم يكن لك بها حاجة، فقال له الرسول عليه السلام: "ابحث عن مهر ... ". إلى آخر الرواية.
السؤال الذي دار في ذهني هو عندما جاءت هذه المرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ورفضها؛ لأنها لم تعجبه وأعتقد لجمالها القليل، هل الرسول صلى الله عليه وسلم يبحث عن الجمال قبل الدين؟ وهو القدوة، وقد قال: "اظفر بذات الدين تربت يداك". أليس الأولى بالرسول صلى الله عليه وسلم أن ينظر إلى دينها أولا؟
الشبهة الثانية التي دارت في نفسي: وجود ذلك الصحابي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف كشفت المرأة عن وجهها أمامه وهو غير معني بالأمر لأنها جاءت للرسول فقط؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا الحديث الذي ذكرتِهِ -يا ابنتي- يسميه العلماء حديث الواهبة نفسها، وهو ثابت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- صحيح البخاري (5030) ، وصحيح مسلم (1425) . ولا إشكال فيما ذكرت -بحمد الله-:
أما الشبهة الأولى: فإنك قلت في سؤالك: أعتقد لجمالها القليل! وهذا مجرد ظن، فلا يصلح أن تبني عليه حكماً، أو شبهة، خاصة وأن الأمر متعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ثم لو فرضنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرغبها لقلة جمالها، فليس في ذلك ما يدعو إلى الاستغراب أو سوء الظن، فإن الجمال من مطالب الفطرة التي أقرتها الشريعة، كما في حديث أبي هريرة -المتفق عليه-: "تنكح المرأة لأربع ... ". وذكر منها: "ولجمالها" صحيح البخاري (5090) ، وصحيح مسلم (1466) . والرسول صلى الله عليه وسلم بشر من الناس يعجبه الجمال.
وأما كونه يبحث عن الجمال قبل الدين فليس الأمر كما ظننتِ -يا ابنتي- لسببين:
الأول: لأن هذه المرأة معلومة الدين والعفة، ومعلومة النسب -أيضاً- لذا لم يسأل عنهما، فمجتمع المدينة صغير، لا يكاد يخفى فيه أمر أحد صلاحاً وفساداً، فلم يبق إلا المطلب الأخير وهو الجمال -على فرض أن هذا هو السبب في الرفض-.
الثاني: أن المرأة قد تكون من أجمل النساء، ولكن لا يقع حبها في القلب، ولا توجد الراحة من قبل الرجل لها، وهذا أمرٌ معروف لا ينكره أحد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف". رواه مسلم (2638) موصولاً من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، والبخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب الأرواح جنود مجندة، تعليقاً من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
وكم من امرأة اشتهرت بالجمال طلقت من أول أيام زواجها، لعدم وجود الائتلاف والمحبة بين الزوجين.
وههنا مسألة، وهي: هل الأولى للإنسان أن يسأل عن الجمال أولاً أم عن الدين؟
الذي يظهر لي أنه يسأل عن الجمال أولاً، فإن كان كما يحب، سأل عن الدين حتى إذا كان الدين غير مرضي ردّها؛ ليُعْلَمَ أنه ردّها من أجل دينها، لا من أجل جمالها.
وأما الشبهة الثانية: فهذا الحديث محمول على أنه كان قبل نزول آية الحجاب، وبذلك يزول الإشكال، والحمد لله رب العالمين.(2/76)
الجمع بين حديث "من قُتل دون نفسه" وفتنة عثمان
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 09/04/1427هـ
السؤال
شاهدنا اليوم على إحدى القنوات الفضائية من يقول: إنه إذا أقتحم أحد ما منزلاً ما وشهر على صاحبه سلاحا وأراد قتله فلا يدافع عن نفسه ليموت شهيداً، بسبب أن المسلم لا يجوز أن يرفع في وجه أخيه السلاح بل يدعه يقتله ليلقى لله -عز وجل- شهيداً وليدخل القاتل النار ويخلد فيها. واستدل بحادثة سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فهل هذا يعقل؟! وأين نحن من حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من مات دون عرضه فهو شهيد ... " إلى آخر الحديث الشريف، فهل ندع الغوغاء يقتحمون علينا دورنا ويعتدون علينا ونحن نسلمهم رقابنا دون أن ندافع على أنفسنا؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فللإنسان أن يدفع عن نفسه أو أهله أو ماله إذا اعتدي عليه، بل قال بعض أهل العلم: إنه يلزمه ذلك، والدليل قوله تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" [البقرة:195] ومن استسلم للصائل الذي يريد قتله فقد ألقى بنفسه إلى التهلكة ووقع فيما نهى الله عنه، ولما رواه مسلم في صحيحه (140) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك". قال: أريت إن قاتلني؟ قال: "قاتله". قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد". قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار".
أما ما ذكره السائل من أن المسلم لا يجوز أن يرفع في وجه أخيه السلاح، فمعناه أن يبتدئ هو برفع السلاح على أخيه ومن غير سبب يقتضي ذلك.
وأما ما ذكره من الاستدلال بحادثة عثمان -رضي الله عنه- فنقول: ذكر بعض أهل العلم أنه يستثنى من وجوب دفع الصائل حال الفتنة، مستدلين بحديث خباب بعد الأرتِّ -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي. قال: "فإذا أدركت ذلك فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل" أخرجه أحمد (20154) ، وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه: في ذكر الفتنة قال: "تلزم بيتك". قلت: فإن دخل عليَّ بيتي؟ قال: إن يبهرك شعاع السيف، فألق ثوبك على وجهك، يبوء بإثمك وإثمه". أخرجه أحمد (20362) ، وأبو داود (4261) . واستدلوا أيضاً بأن عثمان -رضي الله عنه- لم يدفع الذين خرجوا عليه عن نفسه، ونهى الصحابة أن يدفعوا عنه.
هذا والذي أراه أن الفتنة إذا ترتبت على المدافع فإنه يترتب عليها شر أكبر أو كانت المدافعة لا تجدي لكثرة الغوغاء ففي هذه الحال لا يجب الدفع، وإلا وجب الدفع؛ لما تقدم من الأدلة، وتحمل النصوص الواردة في ذلك على هذه الحال، وكذلك ما ورد عن عثمان -رضي الله عنه- لأن عثمان -رضي الله عنه- رأى أن أهل المدينة لو دافعوا لا لتهمها هؤلاء الخارجون لأنهم عدد كبير لا طاقة لأهل المدينة بمدافعتهم.
بينما يرى بعض أهل العلم أنه يلزم الدفع مطلقاً وأن الأحاديث الواردة في ذلك فيما إذا كان الإنسان لا يستطيع المدافعة حيث فلا فائدة في تلك المدافعة. والله أعلم.(2/77)
صحة حديث: (العنوهن فإنهن ملعونات..) !
المجيب د. محمد بن تركي التركي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 6/10/1424هـ
السؤال
هل ورد حديث صحيح عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما معناه: (يأتي في آخر الزمان أن يركب الرجل المياثر وزوجته بقربه وفيهم خير) وفي آخر الحديث العنوهن فإنهن ملعونات (أي الزوجة) وما هي مناسبة الحديث؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
أقول وبالله التوفيق: الحديث الذي أشار إليه السائل، هو ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "سيكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر، حتى يأتوا أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسمنة البخت العجاف، العنوهن فإنهن معلونات.." الحديث. أخرجه الحاكم في المستدرك (4/436) واللفظ له، وأحمد (2/223) ، وابن حبان (13/64) رقم (5753) ، والطبراني في المعجم الكبير القسم الثاني من الجزء 13، رقم (156) ، وفي الأوسط (10/154) ، رقم (9327) ، وفي الصغير رقم (1125) . كلهم من طريق عبد الله بن عياش بن عباس القتباني، عن أبيه، عن عيسى بن هلال، وأبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما-، نحوه. وهذا الحديث إسناده ضعيف، فمداره على عبد الله بن عياش، وهو ضعيف، ضعفه عدد من الأئمة. ولكن لبعض ما ورد فيه شاهد صحح، وهو إخباره - صلى الله عليه وسلم- بظهور نساء كاسيات عاريات، فقد أخرج مسلم في صحيحه (2128) ، (125) ، وغيره من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. ومعنى كاسيات عاريات: قال ابن الأثير: معنى الحديث أنهن كاسيات من نعم الله، عاريات من الشكر، وقيل: هو أن يكشفن بعض جسدهن، ويسدلن الخمر من ورائهن، فهن كاسيات كعاريات، وقيل: أراد أنهن يلبسن ثياباً رقاقاً يصفن ما تحتها من أجسامهن، فهن كاسيات في الظاهر، عاريات في المعنى. والخلاصة أن الحديث باللفظ الذي أشار إليه السائل لا يثبت، ولكن ورد لبعضه شاهد صحيح. والله أعلم.(2/78)
تصحيح الحاكم وموافقة الذهبي
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 17/5/1424هـ
السؤال
كيف يمكن الحكم بموافقة الإمام الذهبي من عدمها لتصحيح الإمام الحاكم في مستدركه على الصحيحين، من خلال تعليقاته على الأحاديث؟ فإنه أحياناً يقول: صحيح. ويسكت, وأحياناً ينتقد, وأحياناً لا يعلق شيئاً بل يكتفي بالصمت!. ثم هو في البداية لم يذكر منهجه في التعليق على المستدرك, وهل يمكن أن تعتمد أحكامه في هذا التعليق؟. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه. أما بعد..
أقول وبالله التوفيق: إن الإمام الذهبي قد قام باختصار (المستدرك) ، كما قام باختصار كتب أخرى كثيرة، والأصل في الاختصار ألاّ يكون فيه إضافة من مختصره، بل يقتصر على بعض ما في أصله، دون زيادة، لكن الإمام الذهبي لم يكن يخلي مختصراته من تعقبات وفوائد ينشرها في الكتاب، وهي خارجة عن أصل شرط الكتاب، بل هي فضلة يتبرع بها الذهبي على المستفيدين، فتأتي هذه الإضافات على غير قاعدة مطردة، بل تأتي كيفما اتفق وتيسَّر.
أضف إلى ذلك الأصل: أن الذهبي لم يذكر عبارة صريحة بأنه إن نقل حكم الحاكم وسكت عليه يكون موافقاً له، أو أنه لا يكون مخالفاً له إلا إذا تعقب حكمه! ونسبة رأي إلى الذهبي
لا بد أن يكون متيقناً أو غالباً على الظن، أما والظن الغالب بخلاف تلك النسبة، فلا تصح.
وواضح من خلال كتاب الذهبي أنه إنما ينقل عقب كل حديث حكم الحاكم عليه، ثم إذا أراد أن يتعقبه قدم التعقب بقوله: (قلت) ، وعلى هذا فكل ما خلا عن كلمة (قلت) ، فليس هو إلا رأي الحاكم.
أما الاستدلال بتعقيب الذهبي على أن سكوته يدل على الإقرار، فهو استدلال ضعيف؛ لأنه خلاف الأصل في عمل المختصر، الذي لا يعدو سكوته أن يكون نقلاً لما في الأصل.
ويدل على أن الذهبي لم يلتزم التعقب في كل ما يخالف فيه الحاكم - سوى ما سبق- الأمور التالية:
-قال الذهبي في "تاريخ الإسلام" في ترجمة الحاكم، مجلد (401هـ- 420هـ) - (132) ، وهو يتحدث عن (المستدرك) :"ففي المستدرك جملة وافرة على شرطهما، وجملة كبيرة على شرط أحدهما. لعل مجموع ذلك نحو النصف، وفيه نحو الربع مما صح سنده وفيه بعض الشيء، أو له علة. وما بقي، وهو نحو الربع، فهو مناكير وواهيات لا تصح، وفي بعض ذلك موضوعات، قد أعلمت بها لما اختصرت هذا المستدرك، ونبهت على ذلك".(2/79)
فهذا النص يدل على أن الذهبي لم يعتن ببيان كل الواهيات، وإنما اعتنى بالتعليق على بعضها، وخاصة الموضوعات. ألا ترى أنه ذكر أن ربع الكتاب مناكير وواهيات، في حين أنه لم يتعقب إلا قدر ثمن الكتاب، حيث إن عدد أحاديث الحاكم يبلغ (9045) ، وعدد تعقبات الذهبي (1182) حديثاً، في حين أن ربع أحاديث كتاب الحاكم هو (2261) ، وهذه الإحصائية مستفادة من مقدمة تحقيق مختصر استدراك الذهبي لابن الملقن (8/9) ، وبناءً على ذلك فإن الذهبي كان يعلم بوجود ضِعْفِ الأحاديث التي تعقبها في المستدرك من الواهيات، وقد سكت عنها؛ فهل يصح أن نعتبر سكوته بعد ذلك إقراراً؟ بل إن ربع المستدرك عند الذهبي -سوى الربع الأول-، أحاديث ظاهرها الصحة، ولها علل خفية تقدح في صحتها، وعلى هذا: فالذهبي كان يعلم أنه لم يتعقب إلا قدر ربع الأحاديث المنتقدة عنده هو، فكيف يعتقد أن سكوته إقرار وموافقة بعد ذلك؟!!
ومما يشهد لذلك أيضاً: انتقاد الذهبي لغيرما حديث في المستدرك، في غير المختصر من كتبه الأخرى، مع سكوته عنه في المختصر، ومن ذلك:
(1) فلما صحح الحاكم حديثا (1/544-545) ، وسكت عنه الذهبي في المختصر، ذكره في الميزان (1/136 رقم 547) حاكماً عليه بالبطلان، ثم قال: "قال الحاكم: صحيح الإسناد. قلت: كلا. قال: فرواته كلهم مدنيون. قلت: كلا. قال: ثقات. قلت: أنا أتهم به أحمد".
(2) وصحح الحاكم حديثاً آخر (2/545) ، وسكت عنه الذهبي في المختصر، لكنه قال في الميزان (3/179 رقم 6042) :"صححه الحاكم، وهو حديث منكر كما ترى".
(3) وصحح الحاكم حديثاً ثالثاً (2/493) ، وسكت عنه الذهبي في المختصر، وقال في العُلُو للعلي العظيم (1/593 رقم 146) : "شريك وعطاء فيهما لين، لا يبلغ بهما رد حديثهما، وهذه بلية تحير السامع، كتبتها استطراداً للتعجب، وهو من قبيل اسمع واسكت".
وبعد هذا كله، لئن أصرَّ من فرط منه رأي سابق في هذه المسألة، على أن سكوت الذهبي عن تعقب الحاكم إقرار منه وموافقة، أقول له: ما قيمة هذا الإقرار؟ وقد صرح الذهبي بأن مختصره للحاكم يعوزه عمل وتحرير، كما في السير (17/176) ، وبلغ هذا الإعواز إلى حد أنه لم يتعقب إلا نحو ربع ما يستحق التعقب عنده. إن الإصرار على ذلك الرأي إن هو إلا شين للذهبي لا زين، وتمسك بحبل رث غير متين!!!
وهذا التقرير بأدلته -لا شك- أنه أولى من تقليد بعض أهل العلم، الذين اعتبروا مجرد سكوت الذهبي إقراراً، كالسيوطي في النكت البديعات (197) ، والمناوي في فيض القدير، والحسيني في البيان والتعريف، وغيرهم من العلماء المعاصرين.
والله أعلم، والحمد لله وحده، - وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اتقى حده-.(2/80)
الدعاء بطول العمر
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 30/12/1423هـ
السؤال
كيفية الجمع بين دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لخادمه أنس بطول العمر كما ثبت هذا عند أصحاب السنن وبين نهيه لزوجته أم حبيبة -رضي الله عنها- كما ثبت في صحيح مسلم عندما قالت: اللهم متعني بزوجي رسول الله وبأبي أبي سفيان وأخي معاوية؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أقول وبالله التوفيق:
إن الدعاء من الأسباب التي تحقق المقصود بإذن الله تعالى، بل هو -إذا استتم شروط الاستجابة- أعظم الأسباب على الإطلاق؛ لأنه طلب من مسبب الأسباب ومحقق الغايات، وهو الله تعالى، وهو القائل:"ادعوني أستجب لكم" [غافر: 60] .
فكما أن الأرزاق وعافية الأبدان والسعادة أمور مقدرة، ولم يناف ذلك طلبها بالأسباب المشروعة، فكذلك طلبها بالدعاء لا ينافي الإيمان بكونها مقدرة في علم الله تعالى من الأزل، والأعمار من جملة الأمور المقدرة أيضاً، يشرع أن تُتّبع الأسباب المشروعة (ومنها الدعاء) لإطالتها ومد أجلها.
وأما ما جاء في حديث أم حبيبة في صحيح مسلم رقم (2663) أنها دعت فقالت:"اللهم متعني بزوجي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية: فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: قد سألت الله لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئاً قبل حله، أو يؤخر شيئاً عن حله. ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب النار أو عذاب القبر كان خيراً وأفضل" فلهذا الحديث توجيهان:
الأول: إما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علم بالوحي أن أعمار الذين دعت لهم أم حبيبة لن يزاد عليها بدعائها، فنهاها عن ذلك لذلك.
الثاني: وإما أنه قصد أن يرشدها إلى ما هو خير لها وأفضل من أن تدعو بزيادة الأعمار والتمتع بها في الدنيا، وهو الدعاء بالنجاة من عذاب النار وعذاب القبر.
وهذا المبحث من مباحث القدر الكبرى، وله علاقة بتفسير قول الله تعالى:"يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" [الرعد:39] ، وقد تكلم عنه المازري (تـ536 هـ) في المعلم بفوائد مسلم بكلام جامع نقله عنه من جاء بعده (3/184-186) فانظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (8/153-156) ، والمفهم للقرطبي (6/681-682) وشرح النووي (8/452-454) ، والله أعلم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.(2/81)
التأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم-
المجيب
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 20/3/1423
السؤال
هل اتباع السنة يعني تقليد النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- في كل أفعاله حتى في الأكل والملبس؟
الجواب
الأصل متابعة الأمة لنبيها -صلى الله عليه وسلم- في أفعاله وأقواله وأحواله، فقد جعل الله لها قدوة، فقال: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر" [الأحزاب:21] .
قال ابن كثير:" هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وأحواله" [تفسير ابن كثير 3/483] .
ثم إن أفعاله -صلى الله عليه وسلم- من سنته عند جميع العلماء، وقد أمر -صلى الله عليه وسلم- بلزوم سنته.
ولكن أفعاله -صلوات الله وسلامه عليه- عند أهل العلم أنواع من حيث دلالاتها على مشروعية ذلك الفعل للأمة، فهي على أقسام ثلاثة:
القسم الأول: ما فعله -صلى الله عليه وسلم- بمقتضى الجبلة، أي: الحاجة العادية التي طبع عليها البشر كقيامه وقعوده وأكله وشربه، وهذا الأصل فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقصد به التشريع والتعبد فهذا لا يطالب المكلف بالاقتداء به -صلى الله عليه وسلم- فيه فيقوم الإنسان ويقعد ويشرب بحسب حاجته هو لهذه الأفعال، سواء وافق فيها فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- أم لم يوافقه.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه إن تأسى به متأسٍ فلا بأس، وإن تركه لا رغبة عنه ولا استكباراً فلا بأس، فقد جاء عن الشافعي أنه شرب قائماً اقتداءً بفعله -صلى الله عليه وسلم- لكن ما ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- في هذه الأفعال مما هو زائد عن أصل الفعل ودل دليل على حكم له آخر فإنه يأخذ ذلك الحكم، فصفة الأكل والشرب من التسمية واستعمال اليمين والحمد عند الانتهاء وآداب المجالسة على الطعام كلها مشروعة بحسب الأدلة وجوباً أو استحباباً.
والنوم مستقبل القبلة وعلى جانبه الأيمن وقول الذكر عند النوم كلها مشروعة وهي أمر زائد عن أصل فعل النوم.
ويلحق بهذا ما فعله -صلى الله عليه وسلم- بحكم الاتفاق ولم يقصده مثل: أن ينزل بمكان ويصلي فيه لكونه نزله لا قصداً منه الصلاة والنزول فيه فإن تخصيص ذلك المكان بالصلاة لا يكون تأسياً به -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه لم يقصد ذلك المكان بالعبادة.
القسم الثاني: الأفعال التي دل الدليل على أنه -صلى الله عليه وسلم- مختص بها كالجمع بين أكثر من أربع من النساء، والوصال في الصوم فإنه لا يشرع لأحدٍ أن يتأسى به -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.
القسم الثالث: أفعاله -صلى الله عليه وسلم- التي يبين بها التشريعات المجملة كبيانه بالفعل للصلاة التي جاءت مجملة في كتاب الله، وبيانه للحج والزكاة والصوم ونحو ذلك، فهذه الأفعال تأخذ حكم ما بينته، فإن بينت واجباً فهي واجبة، وإن بينت مندوباً فهي مندوبة.
يراجع هذا الأمر الكتب التالية: [مجموع فتاوى شيخ الإسلام 1/280، 10/409، الفقيه والمتفقه 1/349 وما بعدها ط: عادل العزازي، شرح الكوكب المنير 2/178 وما بعدها، معالم أصول الفقه لمحمد بن حسين الجيزاني 131] .(2/82)
الخلع وطلب الطلاق
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 23/4/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
أرجو من فضيلتكم التوضيح، كيف يمكننا أن نجمع حديث امرأة ثابت بن قيس - رضي الله عنهما- الذي رواه البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما- وحديث ثوبان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة، رواه أبو داود والترمذي وحسنه، والبيهقي وفيه قال: وإن المختلعات هن المنافقات ... جزاكم الله خيراً.
الجواب
الجمع من لفظ الحديث، فإن حديث ثوبان - رضي الله عنه- النهي فيه عن سؤال المرأة زوجها الطلاق من غير بأس، وأما حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- في امرأة ثابت بن قيس - رضي الله عنهما- فإنها طلبت الطلاق من بأسٍ، ذلك بأنها قالت للرسول - صلى الله عليه وسلم -: "ولكني لا أطيقه" رواه البخاري (5275) وورد في مسند الإمام أحمد (16095) قولها: "إني لا أراه فلولا مخافة الله - عز وجل - لبزقت في وجهه" وفي رواية للبخاري (5273) "ولكني أكره الكفر في الإسلام".
فإذا خشيت المرأة ببقائها مع زوجها الوقوع في المحاذير الشرعية من عصيانه وعدم إجابته إلى الفراش فلا جناح عليها أن تطلب الفراق، قال تعالى: " ... إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ... " [البقرة: 229] قال طاووس: ألا يقيما محدودة فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة.(2/83)
هل الاحتلام من الشيطان؟
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 2/1/1424هـ
السؤال
هل ورد حديث صحيح يدل على أن الاحتلام من الشيطان؟
الجواب
لا أعلم في ذلك حديثاً صحيحاً والذي وقفت عليه في هذا، حديث رواه الطبراني في المعجم الكبير (11/225) والأوسط (8/91) واللفظ له، وابن عدي في الكامل (3/92) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:"ما احتلم نبي قط إنما الاحتلام من الشيطان".
وهذا الحديث ضعفه ابن دحية كما نقله ابن الملقن في غاية السول (290) وهو كما قال؛ لأن في سنده عبد العزيز بن أبي ثابت، قال عنه البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، وزاد أبو حاتم: جداً، وقال النسائي: متروك الحديث، كما في التهذيب لابن حجر (6/308) .
ومع ضعفه الشديد: اختلف عليه في رفعه ووقفه.
وقد ذكر بعض العلماء أن عدم الاحتلام من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي هذا نظر حتى يثبت به الأثر، ولا يلزم أن يكون المني من تلاعب الشيطان، بل هو فيض زيادة المني يخرج في وقته، ينظر: شرح مسلم للنووي (3/199) ، والله أعلم.(2/84)
رفع اليدين عند قبر النبي
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 15/8/1424هـ
السؤال
هل ثبت في السنة شيء عن الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم كانوا يرفعون أيديهم عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم عند السلام؟ وما حكم ذلك في الشرع؟ وما حكم الإطالة في السلام؟ وما حكم الجلوس مستقبلاً قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب
الوارد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه إذا جاء للسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - يقف إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول: السلام عليك يا رسول الله، ثم يقول السلام عليك يا أبا بكر، ثم يقول: السلام عليك يا عمر يا أبت انظر ما رواه مالك في الموطأ (406) ، وينصرف، ولم ينقل عن الصحابة - رضي الله عنهم - فيما أعلم أنهم كانوا يرفعون أيديهم أو يقفون طويلاً وإنما يسلمون وينصرفون، قال بعض السلف إذا أحبَّ أن يدعو فيتوجه إلى القبلة، ويدعو الله بما أحبَّ من خيري الدنيا والآخرة كعادته دائماً وأبداً، في دعائه يستقبل القبلة.(2/85)
إنكار السنة بدعوى أن الله لم يتعهد بحفظها
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 19/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم من كذب بأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - محتجاً بأن الله تعالى لم يتعهد بحفظها كالقرآن، فلا تثريب عليّ، ويحتج أيضاً بأننا لو فتحنا هذا الباب لاحتج أصحاب الديانات الأخرى أيضاً على ما لديهم من المنقول، فهذه شبهة قامت في نفوس جماعة من المسلمين في بلدنا، فنرجو تزويدنا بالجواب؟ وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره واتقى حده.
أما بعد: أقول وبالله التوفيق:
إن السنة النبوية محفوظة بحفظ الله تعالى لدينه وكتابه القرآن الكريم، وعلى ذلك إجماع المسلمين.
أما من شك أو شكك في ذلك، فإنا نقول له: إما أنك مسلم، أو لست بمسلم. فإن كنت مسلماً لك جواب، وإن كنت غير ذلك فلك جواب آخر.
أما المسلم فإنا نقول له: يدل على حفظ الله تعالى للسنة أمور كثيرة منها ما يلي:
أولاً: قال الله تعالى: "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [آل عمران:85] . وقال تعالى: "مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً" [الأحزاب:40] . وقال تعالى: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" [التوبة:33] . فدلت هذه الآيات أن دين الإسلام هو آخر الشرائع، وأنه لا يقبل الله تعالى من العالمين سواه، وأنه سيبقى إلى قيام الساعة.
ولا شك أن بقاء هذا الدين يعني حفظ شرائعه وأحكامه، وعلى رأس ذلك أركان الإسلام.
ومن المعلوم أن الصلاة. إنما جاء في القرآن الأمر بإقامتها أمراً مجملاً، دون بيان أعدادها وشروطها وأركانها وواجباتها وسننها، وأن ذلك كله إنما ورد في السنة مفصلاً مبيناً، فكيف نؤمن ببقاء دين الله تعالى، لو اعتقدنا ضياع السنة، التي لا بقاء لهذا الركن العظيم من أركان الإسلام بدونها؟! وقل مثل ذلك في الزكاة والصيام والحج وغيرها من الأحكام؛ حيث إن تفاصيل أحكام ذلك كله لم تأت في القرآن الكريم، إنما جاء في السنة، وعلى هذا فلو اعتقدنا ضياع السنة فقد كذبنا القرآن الذي أخبرنا ببقاء هذا الدين وحفظه؛ لأن في ضياعها ضياع الدين كله!!
ثانياً: يقول الله تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" [الحجر:9] ، ولا شك أن الذكر في هذه الآية هو القرآن الكريم، وهذا وعد من الله عز وجل بحفظ كتابه.(2/86)
ومن المعلوم أن القرآن إنما أنزله ربنا عز وجل لنفهم معانيه ولنتدبره، كما قال تعالى: "كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ" [صّ:29] . وقال سبحانه "أفلا يتدبرون القرآن" [النساء: 82] . والمقصود من التدبر هو العمل بأحكامه والاهتداء بنوره وعبادة الله تعالى على وفق مراده سبحانه، وقد بين لنا ربنا عز وجل أن بيان القرآن وتفسيره موكول إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن ذلك التفسير والبيان هو أعظم وظيفة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأجل ذلك أنزل عليه القرآن، ليبلغه حروفاً ومعاني وذلك كله في قوله تعالى: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" [النحل: من الآية44] . وفي قوله سبحانه: "وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" [النحل:64] .
ولذلك فإن تعهد الله تعالى بحفظ القرآن يتضمن التعهد بحفظ بيانه من السنة النبوية؛ لأن حفظ القرآن لن يتم بغير حفظ ألفاظه ومعانيه، ومعانيه لا تعرف إلا بالسنة، فدل ذلك على تحقيق حفظ السنة بحفظ القرآن.
بل إن حفظ معاني القرآن التي جاءت بها السنة أهم من حفظ حروفه مع تضييع معانيه؛ لأن المقصود من حفظ القرآن العمل بمقتضاه، ولا يعمل بمقتضاه إذا لم تعرف معانيه، ولذلك فلا يتحقق حفظ القرآن بغير حفظ السنة. وهذا هو الذي جعل العلماء من قديم يذكرون أن قوله تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" [الحجر: 9] كما يتضمن الوعد بحفظ القرآن، فهو يتضمن الوعد بحفظ السنة النبوية أيضاً.
ثالثاً: لقد جاء في آيات كثيرة جداً في القرآن الكريم الأمر بطاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - كقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ" [النساء: من الآية59] . وكقوله تعالى: "من يطع الرسول فقد أطاع الله" [النساء: 80] . ونفى تعالى الإيمان عمن لم يقبل حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال تعالى: "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً" [النساء:65] .(2/87)
وأمر بالرجوع إلى كتابه الكريم وإلى سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - عند التنازع، فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ" [النساء:59] . وحذر تعالى من مخالفة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال عز وجل: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [النور: من الآية63] . وقال تعالى: "وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً" [الأحزاب: من الآية36] . وقال سبحانه: "وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً" [الجن: من الآية23] . وحثنا سبحانه أن نقتدي بالنبي - صلى الله في قوله تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" [الأحزاب:21] .
فهذه الأوامر الإلهية وغيرها مما هو في معناها كثير جداً في كتاب الله تعالى، كيف ستطبق لو لم تحفظ السنة؟! كيف سنطيع رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؟ وكيف سننتهي عن مخالفة أمره؟ وكيف سنعرف هديه لنقتدي به فيه؟ لو أن السنة غير محفوظة!!
إن اعتقاد ضياع السنة يعني أن تلك الآيات (جميعها وغيرها مما هو في معناها) لا فائدة منها ولا معنى لها؛ لأنها تكليف بما لا يستطاع!! والحاصل أن ربنا - عز وجل - قال: "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا" [البقرة: من الآية286] .
وبذلك نضيف وجهاً جديداً ودليلاً آخر على أن حفظ القرآن لا يتحقق بغير حفظ السنة؛ لأن تلك الآيات الآمرة بطاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمحذرة من معصيته والحاثة على الاحتكام إليه والاقتداء بسنته لن يمكن العمل بها إذا لم تحفظ السنة!!!
ولهذا كله كان التشكيك في السنة تشكيكاً في القرآن الكريم، وهذا لا يقع من مسلم أبداً، إلا أن يكون جاهلاً، والجاهل لا يعذر بعد أن تقوم عليه الحجة بهذه الأدلة الآنفة الذكر.
أما غير المسلم: وهو الذي إذا احتججنا عليه بمنقولاتنا (وهي القرآن والسنة) احتج علينا بنقولاته، كما جاء في السؤال؛ فإننا لا نبدأ خطابه بالأدلة السابقة؛ لأنه لا يؤمن بالقرآن أصلاً وإنما نبدأ بدعوته إلى الإسلام، وبإثبات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - من خلال دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام المتعددة: كإعجاز القرآن الكريم المتنوع الوجوه: في بلاغته، وتشريعاته، وإخباره بالمغيبات، وسبقه العلمي الكوني (المسمى بالإعجاز العلمي) ، وكإعجاز السنة النبوية كذلك، وبيان بشارات الأنبياء به - صلى الله عليه وسلم -، والتي مع تحريف اليهود والنصارى لكتبهم، ومع إخفائهم لكثير منها لم يزل فيها إلى اليوم ما يدل على ذلك ... إلى غير ما سبق من دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم.
فإذا ما صدق وآمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ونبياً، بيَّنا له بالأدلة المتقدمة حفظ الله - تعالى - للسنة النبوية.(2/88)
ولذلك فلسنا نخشى إن احتججنا بمنقولاتنا من احتجاج أصحاب الديانات الأخرى علينا بمنقولاتهم؛ لأن الأمر ليس بمجرد الدعاوى، وإنما الأمر بالحجة والبرهان؛ فشتان شتان بيننا وبين من يخالفنا في الدين!!
وهذا هو مصدر قوتنا - نحن المسلمين - أننا أصحاب الحق المطلق على هذه الأرض، ولدينا الأدلة القاطعة على ذلك كله، ولولا ذلك لما بقت للإسلام والمسلمين باقية، مع كثرة أعدائنا، وتكالبهم علينا، وشراسة حربهم ضدنا.
إن ديننا الحق؛ لأنه دين الله تعالى الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأدلة هذه الدعوى عندنا كثيرة، كافية لإيمان أهل الأرض كلهم. لكن من يبلغها لأهل الأرض؟! بل من يُبصِّر أبناء المسلمين بها قبل غيرهم؟ هذا ما يسعى إليه الناصحون لدينهم، الغيورون على أبناء ملتهم، الحريصون على هداية الناس كلهم إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة. هذا والله أسأل أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم. والله أعلم.
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.(2/89)
أحاديث الإفطار
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 1/1/1425هـ
السؤال
ما هي الأحاديث الواردة عند الإفطار؟
الجواب
أحاديث الدعاء عند الإفطار:
ورد في هذا الباب جملة من الأحاديث، كلها لا تخلو من مقال، منها:
(1) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- الذي أخرجه ابن ماجة
(1753) من طريق إسحاق بن عبيد الله المدني، قال: سمعت عبد الله بن أبي مليكة يقول: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد". قال ابن أبي مليكة: سمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي. وقد أخرجه الحاكم (1/422) وغيره.
(2) حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: أخرجه أبو داود (2/765) باب: القول عند الإفطار (2357) من طريق مروان -يعني ابن سالم المقفع- قال: رأيت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقبض على لحيته، فيقطع ما زاد على الكف، وقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أفطر قال:"ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله".
(3) عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أفطر قال:" بسم الله، اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت" رواه الطبراني في الأوسط (7549) ، وفي الباب أحاديث أخرى، لكنها ضعيفة جداً.
وفي الباب أيضاً آثار عن بعض السلف في الدعاء عند الصوم ومنها:
أثر الربيع بن خثيم، وهو ثقة عابد مخضرم، فقد كان يقول:"الحمد لله الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت". أخرجه ابن فضيل في كتاب (الدعاء) وعند ابن أبي شيبة في المصنف (9744) عن حصين بن عبد الرحمن السلمي قال: كان الربيع بن خثيم يقول: فذكره.
وهذا يدل على شهرة هذا الأمر عند السلف -رحمهم الله تعالى-، والعمل عليه جار عند الأمة منذ الأعصار الأولى، وفي القرآن الكريم إشارة إلى هذه المسألة، يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- حين قال عند تفسير قوله -تعالى-:"وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" [البقرة:186] (1/208) : وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة بل وعند كل فطر، كما رواه الإمام أبو داود الطيالسي في مسنده ... " ثم ذكر جملة من الأحاديث السابقة.(2/90)
حديث (إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)
المجيب عبد الله بن فهد السلوم
مدرس بثانوية الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 1/8/1424هـ
السؤال
سمعت حديثاً عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - معناه: يوم القيامة يأتي أناس بأعمال مثل جبل تهامة، يجعلها الله هباء منثوراً، أريد نص الحديث كاملاً وشرحاً له.
الجواب
إلى أخي الكريم: عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فهذا نص الحديث الذي تريده.
عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثوراً أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها" رواه ابن ماجة. وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع (5-3) .
ومعنى الحديث أنه يأتي أناس يوم القيامة من بني قومنا يتكلمون بلغتنا نعرفهم ويعرفوننا، ولكن الله يجعل أعمالهم هباء منثوراً تضيع عليهم ويخسرونها فلا تنفعهم أعمالهم فيكونون من أهل النار، لماذا؟ لأنهم قوم فجار ماكرون فهم أمام الناس من المصلين المحافظين، أما إذا غابوا عن الناس فجروا ومكروا فلم يرعوا الله وقارا، ولم يستحوا من ربهم في الوقوع في المحرمات وانتهاك الأعراض من السب والغيبة والنميمة، والظلم، والتعدي، على حقوق الآخرين، كما قال تعالى: "يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً" [النساء:108] ، وكما في حديث المفلس الذي يأتي بصلاة وصدقة وصيام ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته، وهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه فطرح في النار" رواه مسلم، نعوذ بالله من الخسران.(2/91)
رد حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 21/3/1425هـ
السؤال
السؤال: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "لا أعرفن أحداً منكم أتاه عني حديث وهو متكئ في أريكته فيقول: اتلوا علي به قرآنا، وما جاءكم عني من خير قلته أو لَم أقله, فأنا أقوله, وما آتاكم عني من شر, فأنا لا أقول الشر" مسند الإمام أحمد (8787) , والترمذي.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا سمعتم الحديث عني, تعرفه قلوبكم, وتلين له أشعاركم وأبشاركم, وترون أنه منكم قريب , فأنا أولاكم به , وإذا سمعتم الحديث عني, تنكره قلوبكم, وتنفر عنه أشعاركم وأبشاركم, وترون أنه منكم بعيد, فأنا أبعدكم منه" ابن حبان, مسند الإمام أحمد.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "مَن كذب علي متعمداً, فليتبوأ بيتاً في النار ومَن ردَّ حديثاً عني, فليتبوأ بيتاً في النار, ومَن ردَّ حديثاً بلغه عني فأنا مخاصمه يوم القيامة, وإذا بلغكم عني حديث, ولَم تعرفوه, فقولوا الله أعلم" الطبراني في المعجم الكبير (6163) .
وقوله عليه الصلاة والسلام: "مَن بلغه عني حديث, فكذب به, فقد كذب ثلاثة: الله, ورسوله , والذي حدث به" الطبراني في الأوسط (7596) .
وقوله عليه الصلاة والسلام: "عسى أن يكذبني رجل وهو متكئ على أريكته, يبلغه الحديث عني, فيقول: ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دع هذا وهات ما في القرآن" أبو يعلى في المسند (1813) .
وقوله عليه الصلاة والسلام:"من بلغه عن الله فضيلة فلم يصدق بها لَم ينلها" الطبراني في الأوسط (5129) .
فضيلة الشيخ: هل نستطيع أن نحكم بهذه الأدلة على أن المصطلحات النبوية أو الأحاديث النبوية كلها صحيحة؟ وأن مَن كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- يعود إثمه على الراوي: "مَن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار", وهل نستطيع أن نقول إن جميع ما في كتب السنن الثمانية صحيحة؟ لأن أصحابها اشترطوا على أنفسهم صحة الأحاديث التي في كتبهم، وربما نثقل عليكم؛ نريد رداً علمياً على هذه الشبهة, وهذا مما عهدناه منكم؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبعد:(2/92)
السنة المطهرة حجة باتفاق العلماء سواء منها ما كان على سبيل البيان للقرآن أو على سبيل الاستقلال، وقد دلت الأدلة المستفيضة من القرآن والسنة على وجوب اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم-، والتحذير من مخالفة أمره ونهيه عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" [النساء: 59] ، قال ميمون بن مهران: (الرد إلى الله هو الرجوع إلى كتابه، والرد إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم- هو الرجوع إليه في حياته وإلى سنته بعد مماته) ، وقال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" [آل عمران من الآية: 31] ، وقال تعالى: "من يطع الرسول فقد أطاع الله" [النساء من الآية 80] ، فقد جعل طاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- من طاعته سبحانه، وحذر من مخالفته فقال: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" [النور من الآية 63] ، فلولا أن أمره حجة ولازم لما توعد على مخالفته بالنار، وقال سبحانه وتعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر" [الأحزاب من الآية 21] ، وقال سبحانه: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما" [النساء: 65] وقال سبحانه وتعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" [الحشر من الآية: 7] ، وقد فهم الصحابة - رضوان الله عليهم- من هذه الآيات وجوب الرجوع إلى السنة والاحتجاج بها، روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- قال: "لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، فقالت أم يعقوب: ما هذا؟ قال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وفي كتاب الله، قالت: والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته، فقال: والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" [الحشر من الآية: 7] ، أخرجه البخاري ح (4886) ، وحينما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم- معاذاً -رضي الله عنه- إلى اليمن قال له: "بم تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في صدره، وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله." أخرجه أبو داود ح (3592) .(2/93)
وأما الأحاديث الدالة على وجوب اتباع السنة فكثيرة منها ما رواه أبو داود في سننه عن المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا إنني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول: عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فعليه أن يعقبهم بمثل قراه" أخرجه أبو داود ح (4604) ،قال الخطابي: (وقوله: يوشك رجل شبعان.." يحذر بهذا القول من مخالفة السنن التي سنها مما ليس له من القرآن ذكر على ما ذهبت إليه الخوارج والروافض فإنهم تمثلوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي قد ضمنت بيان الكتاب فتحيروا وضلوا، وأراد بقوله متكئ على أريكته أن من أصحاب الترفه والبدعة الذين لزموا البيوت ولم يطلبوا العلم من مظانه) معالم السنن (4/298) ، وفي حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه مرفوعاً: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين عضوا عليها بالنواجذ" رواه أبو داود ح (4607) ، والترمذي (2676) وقال حديث حسن صحيح، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- خطب في حجة الوداع فقال: "قد يئس الشيطان أن يعبد بأرضكم ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً: "كتاب الله وسنة نبيه" أخرجه مالك في الموطأ (2/899) ، والحاكم ح (318) واللفظ له.(2/94)
ولمكانة السنة من الدين ومنزلتها من القرآن الكريم عُني الصحابة - رضي الله عنهم- بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم-، فحفظوا كلامه صلى الله عليه وسلم-، ووعوا ما شاهدوا من أفعاله وأحواله، وأحاطوا علماً بالظروف والملابسات التي قيلت فيها هذه الأحاديث، وقد بلغ من حرصهم على سماع الوحي والسنن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يتناوبون في هذا السماع، روى البخاري في صحيحه عن عمر - رضي الله عنه- قال: "كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك" أخرجه البخاري ح (89) ، وكان إذا قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم- وفد وعلمهم من القرآن والسنة أوصاهم بأن يحفظوا ويبلغوا، ففي صحيح البخاري أنه - صلى الله عليه وسلم- قال لوفد بني عبد القيس: "احفظوه وأخبروه من وراءكم" أخرجه البخاري ح (87) ،وفي حديث مالك بن حويرث قال: "ارجعوا إلى أهلكم فعلموهم" أخرجه البخاري ح (685) ، ومسلم (674) ، وتثبت الصحابة واحتاطوا في قبول الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم- مسترشدين بكتاب الله - عز وجل- الذي أمر بالتثبت في قبول الأخبار قال سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا"، وفي قراءة: "فتثبتوا" [الحجرات من الآية: 6] ، ومستضيئين بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم- التي حذرت من الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فكان أبو بكر - رضي الله عنه- أول من احتاط في قبول الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، روى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر - رضي الله عنه- تلتمس أن تورث، فقال أبو بكر: ما أجد لك في كتاب الله شيئاً، وما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ذكر لك شيئاً، ثم سأل الناس؟ فقام المغيرة فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يعطيها السدس فقال له أبو بكر: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر - رضي الله عنه- أخرجه أبو داود ح (2894) ، والترمذي ح (2100) ، وابن ماجة ح (2724) ، وتثبت عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أيضاً في قبول الأخبار، من ذلك ما رواه الإمام البخاري عن أبي سعيد الخدري، قال: "كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت فقال: ما منعك؟ قلت استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع"، فقال والله لتقيمن عليه بينة، أمنكم أحد سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم-؟ فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم، فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال ذلك" فقال عمر لأبي موسى: أما إني لم أتهمك، لكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم-" أخرجه البخاري ح (6245) ، ومسلم ح (2153) ، ومالك في الموطأ (2/964) ،وقوله: "أما إني لم أتهمك ... " ليس في الصحيحين وهو عند مالك في الموطأ، وفي رواية لمسلم أن أبي بن(2/95)
كعب قال: يا ابن الخطاب لا تكونن عذاباً على أصحاب رسول الله، قال عمر: سبحان الله إنما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثبت"، وروى مسلم عن المسور بن مخرمة قال: استشار عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الناس في ملاص المرأة فقال المغيرة بن شعبة: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم- قضى فيه بغرة: عبد أو أمة، قال: فقال عمر ائتني بمن يشهد معك، قال: فشهد له محمد بن مسلمة، أخرجه مسلم ح (1689) ، والملاص: هو جنين المرأة، والغرة: العبد والأمة، وما ورد عن الصحابة -رضي الله عنهم- من التثبت في قبول الأخبار كثير لا يتسع المقام لبسطه وقد سار على منهج الصحابة -رضي الله عنهم- التابعون، ومن بعدهم فاعتنوا بالأسانيد وفتشوا عن حملة الأخبار ونقلة الآثار، فنقدوا الرجال وميزوا الثقات من غيرهم، قال ابن سيرين: (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم) ، وفي رواية عنه أنه قال: (إن هذا الحديث دين فلينظر الرجل عمن يأخذ دينه) قال عبد الله بن المبارك: (الإسناد عندي من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، فإذا قيل له من حدثك؟ بقي) وقال سفيان الثوري: (الإسناد سلاح المؤمن، إذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل؟) ، وقال الأوزاعي: (ما ذهاب العلم إلا ذهاب الإسناد) ، وقد درس الأئمة هذه الأسانيد ونظروا في أحوال الرواة من خلال قواعد وأصول علوم الحديث، فميزوا المقبول من الأحاديث من المردود والمحفوظ من الشاذ والمعلل.(2/96)
وبهذه الجهود المباركة حفظت السنة، وتميز الصحيح من الضعيف، ولعله اتضح بهذا أنه ليس كل ما نسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- يقبل ويؤخذ به، بل لا بد من معرفة ثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم-، وذلك لوجود الوضع في السنة، ولأن السنة نقلت عن طريق رجال الأسانيد، وحملة الأخبار فيهم الثقات وغير الثقات، والثقات يتطرق إلى حديثهم الوهم والخطأ، وهذا أمر ظاهر والذين صنفوا في السنة من الأئمة منهم من اشترط الصحة فيما يورده من الأحاديث كالبخاري ومسلم، ومن بعدهما كابن خزيمة وابن حبان، ولكن كتابيهما لا يبلغا مبلغ كتابي الشيخين، ومنهم من لم يشترط الصحة، لكن غالب ما يذكر الصحيح، وما قاربه وما فيه بعض ضعف، وهذا مثل بقية الكتب الستة وهي السنن الأربع: سنن أبي داود والنسائي، والترمذي، وابن ماجة، وهذه الكتب مع الصحيحين تسمى الكتب الستة، ومثلها موطأ مالك ومسند الإمام أحمد، فهذه المصنفات ونظائرها من كتب السنة أورد الأئمة فيها أمثل ما وقفوا عليه من المتون والأسانيد وما يصلح للاحتجاج والاستشهاد لأنهم ألفوها للعمل بما جاء فيها، ولتكون مرجعاً للأمة، قال أبو داود في رسالته إلى أهل مكة في وصف سننه،: (فإنكم سألتم أن أذكر لكم الأحاديث التي في كتاب السنن، أهي أصح ما عرفت في الباب؟ ووقفت على جميع ما ذكرتم، فاعلموا أنه كذلك كله.....وهو كتاب لا ترد عليكم سنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- بإسناد صالح إلا وهي فيه ... ولا أعلم شيئاً بعد القرآن ألزم للناس أن يتعلموه من هذا الكتاب ... وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، ومنه ما لا يصح سنده وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح وبعضها أصح من بعض) ، وقال الإمام أحمد عن المسند: (إن هذا الكتاب قد جمعته وأتقنته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلا فليس بحجة) ، وهذا القول من الإمام أحمد المقصود به - والله أعلم- أصول الأحاديث، فإنه ما من حديث غالباً إلا وله أصل في المسند، وقال أيضاً: "قصدت في المسند الحديث المشهور.... ولو أردت أن أقصد ما صح عندي، لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث لست أخالف ما ضعف إذا لم يكن في الباب ما يدفعه) خصائص المسند لأبي موسى المديني ضمن مسند الإمام أحمد (1/27) ، والحاصل: أن هذه المصنفات هي كتب الأصول التي ينبغي العناية بها والرجوع إليها، وهناك مصنفات في السنة لم يقصد مؤلفوها ما قصده هؤلاء الأئمة بل هي مشتملة، على الغرائب والمناكير ... وهذه يتعامل معها المتمكن في علم الحديث، يقول الحافظ ابن رجب - رحمه الله - بعد كلام نقله عن الخطيب يحذر فيه من تتبع الأحاديث الغرائب-: (وهذا الذي ذكره الخطيب حق، ونجد كثيراً ممن ينتسب إلى الحديث لا يعتني بالأصول الصحاح كالكتب الستة ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة وبمثل مسند البزار، ومعاجم الطبراني، أو أفراد الدارقطني، وهي مجمع الغرائب والمناكير "شرح علل الترمذي (1/409) ، والأحاديث التي ذكرها السائل - وفقه الله - في سؤاله منها ما يصح، ومنها ما لا يصح، وهي تدل على حجية السنة ووجوب اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم-، ومتضمنة لوجوب التثبت في قبول الأحاديث لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- حذر من الكذب عليه ولا يكون التحذير إلا من أمر يخشى وقوعه، وقد حصل هذا وبذل الأئمة جهوداً كبيرة لكذب عن السنة وتميز المقبول من المردود. هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(2/97)
الأخذ بالحديث الحسن في العقائد
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 13/7/1424هـ
السؤال
الحديث الآحاد يؤخذ بالعقائد، فما حكم الحديث الحسن بذلك؟ هل يؤخذ أيضاً أم لا؟ (أي يؤخذ فيه بالعقيدة) ، أفتونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، الحديث الحسن هو من الآحاد، وأحاديث الآحاد هي خلاف المتواتر، وعند أهل السنة أن كل ما صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وجب الأخذ به في العقائد وفي الأعمال، أي في جميع مسائل الدين العلمية والعملية، وإن كانت الأحاديث متفاوتة في درجة القبول، لكن كل ما توافرت فيه شروط القبول وجب العمل به، والقول بأن الآحاد لا يستدل بها في مسائل الاعتقاد هو من الأقوال المبتدعة، وهو خلاف ما عليه الصحابة والتابعون ومن سار على نهجهم من أهل السنة والجماعة، فتفريق السائل بين الحسن والآحاد هو خطأ، بل هو كما ذكر أن الحديث الحسن هو من نوع الآحاد، فأحاديث الآحاد منها الصحيح والحسن والضعيف فليُنتبه لذلك، والله أعلم.(2/98)
الحكمة من استحباب النوم على الشق الأيمن
المجيب د. يوسف بن عبد الله الأحمد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 12/04/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
من السنة عند النوم، النوم على الجهة اليمنى. فما الحكمة منها؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله وفعله استحباب النوم على الشق الأيمن؛ ومن ذلك حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي
أرسلت؛ فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهن آخر ما تتكلم به" قال فرددتها على النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما بلغت اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت: ورسولك، قال: لا، ونبيك الذي أرسلت " أخرجه البخاري (247) ، ومسلم (2710) .
أما الحكمة فلاشك بأن لهذا حكمة، ولكن إذا لم يرد النص بها فلا نستطيع الجزم بشيء إلا أنا نقول سمعنا وأطعنا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(2/99)
لعن المخنثين
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 23/10/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
سؤال قد حيرني كثيرًا، وهو عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم- مخنثى الرجال الذين يتشبهون بالنساء، والمترجلات من النساء المتشبهات بالرجال، والمتبتلين من الرجال الذين يقولون: لا نتزوج. والمتبتلات من النساء اللاتي يقلن ذلك.
السؤال: لماذا لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم- هؤلاء الأصناف، مع أن القتل والزنا أشد من ذلك؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، كما قال سبحانه: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) [النساء:31] . وكقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) [الشورى:37] . وقوله تعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) [النجم: من الآية32] . وقوله صلى الله عليه وسلم: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ". أخرجه مسلم (233) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، فقد دلت هذه النصوص على انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر، وقد تنوع وصف الكبائر في نصوص الكتاب والسنة، فتارة يلعن مرتكبها وتارة يتوعد مرتكبها بالنار أو الغضب، أو منع دخول الجنة أو شم رائحتها، أو يكون على مرتكبها حد في الدنيا أو عقوبة في الآخرة.
فإذا ورد اللعن في حق مرتكب بعض الكبائر وبعضها لم يوصف مرتكبها باللعن وهي أشد، فلا نقول: لماذا لم يلعن مرتكبها؟ لأن تلك الذنوب قد جاء في حق مرتكبها ما هو مثل اللعن أو أشد.(2/100)
والزنا والقتل قد رتبت عليهما أشد العقوبات في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا قتل الزاني المحصن وجلد الزاني غير المحصن وتغريبه، وفي الآخرة وعد بدخول النار، والقاتل عوقب في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة توعد بالنار واللعن والغضب، قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) [الفرقان:68] . وقال سبحانه: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93] . والحديث المذكور في السؤال أخرجه أحمد (7891) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- "مُخَنَّثِي الرِّجَالِ الَّذِينَ يَتَشَبَّهُونَ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالرِّجَالِ، وَالْمُتَبَتِّلِينَ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا نَتَزَوَّجُ. وَالْمُتَبَتِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ اللَّائِي يَقُلْنَ ذَلِكَ، وَرَاكِبَ الْفَلَاةِ وَحْدَهُ". فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى اسْتَبَانَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِهِمْ، وَقَالَ: "الْبَائِتَ وَحْدَهُ".
وما جاء في هذا الحديث من لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال صحيح، فقد جاء من طرق عديدة من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. أخرجه البخاري (5885) وغيره. والحكمة من لعن المتشبهين والمخنثين لما في فعلهم من تغيير خلق الله، فالرجل يظهر نفسه بصورة المرأة، والمرأة تظهر نفسها بصورة الرجل، وقد جاء في لعن الواصلات تعليل اللعن بقوله في الحديث: "المُغَيِّراتِ خَلْقَ اللهِ". أخرجه البخاري (4886) ومسلم (2125) ، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وأما لعن المتبتلين وما ذكر بعده في الحديث فهذا ضعيف، فقد رواه أحمد من طريق: طيب بن محمد، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، وطيب بن محمد مجهول، وأورده البخاري في التاريخ الكبير 4/362، وقال: لا يصح. وقد جاءت الأحاديث بالنهي عن التبتل وعن الوحدة في السفر وأن يبيت الرجل وحده. والله أعلم.
هذا، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(2/101)
حكم من ينكر السنة
المجيب سالم بن ناصر الراكان
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 13/09/1426هـ
السؤال
لدي ثلاثة استفسارات. أولاً: ما الحكمة في إباحة تعدد الزوجات؟
ثانياً: لو أراد شخص ما الدخول في الإسلام، ما هي أقصر الطرق وأيسرها؟
ثالثاً: قال لي شخص مسلم: أنا لا أؤمن بكل ما جاء من أحاديث في قولكم هذا؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الواجب على كل مسلم ومسلمة الرضا بحكم الله، والتسليم بقدره، والعلم الجازم بأن الله عليم حكيم، عليم بخلقه حكيم في شرعه، لا يشرع لعباده إلا ما فيه صلاح أولاهم وأخراهم، وقد استفاد العلماء من قوله -عز وجل- لمريم لما سألت من الحمل: "قال كذلك قال ربك" فيكفي أن الله -عز وجل- قال، وفي هذا إرشاد إلى وجوب التسليم بحكم الله وقضائه.
ثم بيّن لها الحكمة من هذا الحمل بقوله "ولنجعله آية للناس"، ثم ختم الآية بالقضاء أيضاً، فقال: "وكان أمراً مقضياً" [مريم:21] ، فبدأ الآية بوجوب التسليم لحكم الله، ثم بين لها الحكمة، ثم ختمها بوجوب الرضا بقضاء الله جل وعلا.
وبعد هذا نقول للأخ السائل: إن أهل السنة والجماعة مجمعون على أنه لا يحق للرجل أن يجمع في عصمته أكثر من أربع نسوة، وأما من غير جمع فيمكن الزيادة على أربع، وقد حفظ لنا التاريخ من تزوج أكثر من مائة امرأة، كما في كتب التراجم، وأما عن الحكمة من تقييد الحد الأعلى للزوجات بأربع فلم أقف بخصوصه على كلام أحد من أهل العلم. ثم إن السؤال عن الحكمة من العدد أيًّا كان -غير مجدٍ، فصلاة الظهر مثلاً لماذا كانت أربع ركعات ولم تكن خمساً أو ثلاثاً، ومثلها باقي الصلوات؟ وكذلك الطواف لماذا كان سبعة أشواط، وغيرها من ذوات العدد.
ومن ذلك النكاح فلو قدر أن الله شرعه خمساً أو ستاً أو أقل أو أكثر فإن السؤال سيبقى قائماً ولا مصير حينئذٍ إلا إلى التسليم بعلم الله وحكمته وعدله، وأنه ما شرع هذا العدد إلا لما علمه في خلقه من الخصائص النفسية والاجتماعية والجنسية وغيرها التي لا تحتمل الزيادة على هذا العدد.
وأما سؤالك عن أقصر الطرق لمن أراد الدخول في الإسلام فهو النطق بكلمة التوحيد، وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والعمل بما تقتضيه هذه الكلمة، فهذا هو أقصر الطرق وأوحدها للدخول في الإسلام.(2/102)
وأما سؤالك عمّن لا يقبل من الأحاديث الصحيحة إلا بما يوافق العقل أو ما في ظاهر خير الإسلام من المسلمين فصاحب هذه المقالة على خطر عظيم، وما ضل من يسمون بالعقلانيين إلا بتقديم ما تستحسنه عقولهم ويوافق أهواءهم على أحكام الشرع، ابتداء بمعتزلة العصور الأولى وانتهاء بعقلانيي العصر، وهؤلاء إنما أُتوا من قبل أنفسهم والشيطان، وإلا فإن العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح أبداً، ومن توهم ذلك فإن الغشاوة والغبش في عقله هو، وقد صنف الشيخ تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله- كتاباً حافلاً بين فيه -بجلاء- موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، سماه (تعارض العقل والنقل) ، ثم إن السنة وحي من الله "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى"، والعقل وصاحبه مخلوقان لله، فكيف تعارض أحكام الله بأحد مخلوقاته؟.
ورحم الله الإمام الشافعي إذ يقول: (إن للعقل حداً ينتهي إليه، كما أن للبصر حداً ينتهي إليه) .
ولنذكر مثالاً على هذا قصة الحديبية التي أجاب فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطة قريش مع أن هذه الخطة في ظاهرها شر على المسلمين وهضم لحقوقهم، وقد كره بعض الصحابة بنود هذه الخطة، لكنهم أذعنوا وسلموا لحكم الله ورسوله، وكانت العاقبة أن جعله الله فتحاً للإسلام والمسلمين، والوقائع في هذا كثيرة.
وليعلم قائل هذه المقولة أن قدم الإسلام لا تثبت إلا على الاستسلام والتسليم، وأن القصد الأسمى من التشريع -كما يقول الشاطبي رحمه الله-: (إخراج المكلف عن داعية الهوى؛ حتى يكون عبداً لله اختياراً كما هو عبد الله اضطراراً كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به") .
ومن خذلان هؤلاء أنهم ربما عارضوا بعض الأحاديث الصحيحة بعقولهم -كحديث الذباب- لكن إذا أثبت الطب والعلم الحديث مصداق هذا المعنى أذعنوا وسلموا لتجارب البشر، وهذا من قلة التوفيق والحرمان وطاعة الهوى والشيطان، عصمنا الله وإياكم من الضلال بعد الهدى، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وصلى الله على نبينا محمد.(2/103)
لماذا النساء أكثر أهل النار؟
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 1/3/1425هـ
السؤال
ورد في الحديث الصحيح أن أكثر أهل النار من النساء، ثم ذكر سببين لذلك: كونهن ناقصات في العقل والدين. ثم سألت امرأة عن النقصان في العقل فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أن نقصان عقلها شهادتها على النصف من شهادة الرجل، ونقصان دينها تركها للصلاة عند الحيض.
لكننا نرى من واقع الحياة كثيراً من النساء أعقل من الرجال، ومسألة الحيض هي شيء كما ورد في خطاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها- "كتبه الله على بنات آدم". فكيف تحاسب النساء على شيء مكتوب عليهن؟
أنا حديثة التزام بديني ومثل هذه المسائل سببت لي قلقاً لعدة أشهر، ولم يستطع أهل الدين عندنا أن يجيبوني. أرجو التكرم بتقديم إجابة شافية. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أولاً: ما ذكرته الأخت السائلة من أنه ورد في الحديث الصحيح أن عامة أهل النار من النساء صحيح، بل هو حديث متفق على صحته، غير أن الحديث جاء بلفظ "أُرِيتكن أكثر أهل النار".
ثانياً: ما ذكرته من أن الرسول صلى الله عليه وسلم- ذكر سببين لذلك كونهن ناقصات عقل ودين غير صحيح، بل إنه صلى الله عليه وسلم ذكر سببين هما: "كثرة اللعن، وكفران العشير، - أي الزوج- وبناءاً على هذا فالسببان اللذان جعلتهن أكثر أهل النار هما: اللعن، وكفران الزوج. وجاء ذكر نقص العقل والدين زيادة على الجواب يُسميها العلماء بالاستتباع، لا أنهما السبب في كونهن أكثر أهل النار.
وتتميماً للفائدة أنقل نص الحديث فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى، أو في فطر إلى المصلى فمر على النساء، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر النساء: تصدقن؛ فإني أُرِيتكن أكثر أهل النار، فقلن وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكن، قلن وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل، ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها" صحيح البخاري (304) ، وقد رواه مسلم أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ قريب من لفظ البخاري حديث (79) فالحديث متفق عليه.(2/104)
هذا، وقول السائلة -في وصف النبي صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان العقل والدين- لكننا نرى من واقع الحياة أن كثيراً من النساء أعقل من الرجال، ومسألة الحيض ... إلى آخر سؤالها جوابه ما قاله المازري وغيره، فقد قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (ج2ص67) ، وما بعدها ما نصه: (قال الإمام أبو عبد الله المازري رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: "أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل" تنبيه منه صلى الله عليه وسلم على ما وراءه وهو ما نبه الله تعالى عليه في كتابه بقول تعالى: "أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" [البقرة:282] ، أي أنهن قليلات الضبط، قال وقد اختلف الناس في العقل ما هو؟ فقيل هو العلم، وقيل بعض العلوم الضرورية، وقيل قوة يميز بها بين حقائق المعلومات، هذا كلامه، قلت: والاختلاف في حقيقة العقل وأقسامه كثير معروف، لا حاجة هنا إلى الإطالة فيه، واختلفوا في محله، فقال أصحابنا المتكلمون هو في القلب، وقال بعض العلماء وهو في الرأس والله أعلم.
وأما وصفه صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان الدين لتركهن الصلاة والصوم في زمن الحيض، فقد يستشكل معناه وليس بمشكل، بل هو ظاهر، فإن الدين والإسلام مشتركة في معنى واحد، كما قدمنا في مواضع، وقد قدمنا أيضاً في مواضع أن الطاعات تسمى إيماناً وديناً، وإذا ثبت هذا علمنا أن من كثرة عبادته زاد إيمانه ودينه، ومن نقصت عبادته نقص دينه، ثم نقص الدين قد يكون على وجه يأثم به؛ كمن ترك الصلاة أو الصوم أو غيرهما من العبادات الواجبة عليه بلا عذر، وقد يكون على وجه لا إثم فيه؛ كمن ترك الجمعة أو الغزو أو غير ذلك مما لا يجب عليه لعذر، وقد يكون على وجه هو مكلف به؛ كترك الحائض الصلاة والصوم.
فإن قيل فإن كانت معذورة، فهل تثاب على الصلاة في زمن الحيض؟ وإن كانت لا تقضيها كما يثاب المريض والمسافر، ويكتب له في مرضه وسفره مثل نوافل الصلوات التي كان يفعلها في صحته وحضره.
فالجواب: أن ظاهر هذا الحديث أنها لا تثاب، والفرق أن المريض والمسافر كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته لها، والحائض ليست كذلك، بل نيتها ترك الصلاة في زمن الحيض، بل يحرم عليها نية الصلاة في زمن الحيض، فنظيرها مسافر أو مريض كان يصلي النافلة في وقت، ويترك في وقت غير ناوٍ الدوام عليها، فهذا لا يكتب له في سفره ومرضه في الزمن الذي لم يكن يتنفل فيه) انتهى كلام النووي.
هذا وقول السائلة: ومسألة الحيض هي شيء كما ورد في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها كتبه الله على بنات آدم فكيف تحاسب النساء على شيء مكتوب عليهن؟ انظر ما رواه البخاري (294) ، ومسلم (1211) .(2/105)
جوابه: أن نقول: ومن الذي قال بأنها تحاسب على ذلك؟ ليس في الحديث ما يدل على ذلك، وما جاء في الحديث من أن النساء أكثر أهل النار تقدم ذكر سببه وهو اللعن، وكفران العشير لا الحيض، وما جاء في الحديث من وصف المرأة بنقص الدين بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها تجلس الأيام لا تصلي، وهذا نقص دين فمن كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه، ومن نقصت عبادته نقص دينه. فالكامل مثلا ناقص عن الأكمل، ومن ذلك الحائض لا تأثم بترك الصلاة زمن الحيض لكنها ناقصة عمن يصليها على الدوام، ومن طال عمره وحسن عمله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم للنساء بنقص العقل فليس معناه نقص أصل العقل، وإنما المراد به قلة ضبط المرأة وضعف ذاكرتها غالباً، ولهذا جعل الله شهادة المرأتين تقوم مقام شهادة الرجل، وبين سبحانه العلة في ذلك بقوله: "أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" [البقرة:282] ، وهذا تشريع من الحكيم العليم الخالق الذي أوجد الخليقة من العدم قال تعالى: "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" [الملك: 14] ، وقال تعالى: "هو أعلم بكم إذا أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى" [النجم: 32] ، والله سبحانه وتعالى لم يجعل المرأة مساوية للرجل في كل شيء، قال -تعالى-: "وليس الذكر كالأنثى" [مريم: 36] ، وقال -تعالى-: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم" [النساء: 34] ، وقال تعالى: "وللرجال عليهن درجة" [البقرة: 228] ، قال ابن كثير في تفسيره (ج1 ص271) ، أي في الفضيلة والخَلق، والخُلق والمنزلة، وطاعة الأمر، والقيام بالمصالح، والفضل في الدنيا والآخرة" انتهى، هذا، وقد جعل الله - سبحانه وتعالى- المرأة على النصف من الرجل في عدة أحكام: أحدها الشهادة كما تقدم، والثاني في الميراث، والثالث في الدية، والرابع في العقيقة، والخامس في العتق. والله سبحانه يخلق ما يشاء ويختار، قال -تعالى-: "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة" [القصص: 68] ، ولقد فضل الله بعض الرسل على بعض؛ قال -تعالى-: "تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض" [البقرة: 253] ، وفضل بعض الأماكن على بعض، وبعض الزمان على بعض ... إلخ.
هذا وعلى المرء المسلم التسليم لما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من غير تردد ولا شك، قال -تعالى-: "وما كان لمؤمنة ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" [الأحزاب: 36] ، وقال -تعالى- في شأن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" [النساء: 65] ، هذا، وأكتفي بهذا القدر من الإجابة. سائلاً الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يثبتنا على دين الإسلام، وأن يتوفانا عليه، وأن يرزقنا التسليم لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يعيذنا من همزات الشياطين إنه على كل شيء قدير، وأن يرزق الأخت السائلة الثبات على الدين وطمأنينة القلب وحسن الختام وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.(2/106)
خَلْق المرأة من ضلع أعوج
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 17/01/1426هـ
السؤال
هل صحيح أن الزوجة مخلوقة من ضلع أعوج؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً مع ذكر المراجع من القرآن والسنة وكتب التفاسير وشروح الأحاديث.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
الحديث المشار إليه في السؤال أخرجه البخاري (5184،3331) ، ومسلم (1468) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاه، ُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ"، ومعنى الحديث الحث على الرفق بالمرأة والإحسان إليها، وطيب معاشرتها وحسن مراعاتها ومداراتها، وقد بوب عليه البخاري بقوله: باب المدارة مع النساء، وقوله: "خلقت من ضلع" فيه إشارة إلى أنها خلقت من ضلع آدم، وقد دل القرآن أن المرأة خلقت من الرجل، قال تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا" [الأعراف:189] ، قال الطبري: (ويعني بقوله: وجعل منها زوجها، وجعل من النفس الواحدة، وهو آدم زوجها حواء ... ) ، ثم ذكر عن قتادة: (وجعل منها زوجها، حواء جعلت من أضلاعه، ليسكن إليها) ، وقال الحافظ ابن كثير: (ينبه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم عليه السلام، وأنه خلق منه زوجته حواء ثم انتشر الناس منهما ... ) ، وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا" [النساء:1] ، قال ابن كثير: (وخلق منها زوجها وهي حواء عليها السلام خلقت من ضلعه الأيسر من خلفه وهو نائم، فاستيقظ فرآها فأعجبته، فأنس إليها وأنست إليه ... ) ، وقال ابن جرير: (وخلق منها زوجها، وهي حواء ... ) .(2/107)
وذهب بعض العلماء إلى أن قوله في الحديث: (من ضلع) قصد به المثل أي من مثل ضلع، وقصد من هذا التشبيه الحث على الرفق بها والإحسان إليها، وإمساكها بالمعروف ويشهد له ما جاء في رواية مسلم: "لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها؛ استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها: طلاقها"، ومن المعلوم أن الخالق جل ثناؤه قد زود كلاً من الرجل والمرأة بخصائص تتناسب والمهمة التي يقوم بها كل منهما، فالمرأة هي الحاضنة والمربية والحاملة والمرضعة، وهذه المهمة بحاجة إلى عواطف جياشة ومشاعر مرهفة حتى تستطيع أن تؤدي مهمتها على الوجه الأكمل، وغلبة هذه العاطفة مع ما يتكرر معها من المحيض والولادة يولد لديها بعض الضعف من الانفعال النفسي والشعور بالضيق فيضعف تحملها فتحتاج إلى مراعاة، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى طبيعة المرأة، وأنها تحتاج إلى مراعاة ومداراة وترك التقصي عليها فلا تعامل بالشدة والمحاسبة الدقيقة على تصرفاتها، ولو أن الزوج استحضر هذه الوصية عند تعامله مع امرأته لطابت حياتهما وعاشا حياة طيبة وعيشة هنيئة بعيدة عن المشاكل والمكدرات، والإسلام كما لا يخفى في تشريعاته وأحكامه قد أعطى المرأة مكانة عالية ومنزلة رفيعة وحفظ كرامتها وأنوثتها وعفتها وقد عرض القرآن الكريم لكثيرٍ من شئون المرأة في أكثر من عشر سور منها سورتان عرفت إحداهما بسورة النساء الكبرى، وعرفت الأخرى بسورة النساء الصغرى، وهما سورتا: النساء والطلاق، وعرض لها في سور: البقرة والمائدة والنور والأحزاب والمجادلة والممتحنة والتحريم، وحظيت المرأة في الإسلام بمكانة لم تحظ بها في شرع سماوي سابق ولا في اجتماع إنساني، ومع هذه المكانة للمرأة في تشريعات الإسلام يأتي من يزعم أن الإسلام هضم حق المرأة، وجعلها متعة بيد الرجل، والقرآن يقول: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ" [البقرة:228] ، والحقيقة أن القضية لا ترجع إلى حق وعدل ولكن إلى أهواء وشهوات وتقليد لما يوجد في البلاد الغربية والتي أخرجت المرأة عن وظيفتها الإنسانية وأقحمتها في ميادين ليست لها وقضت على أنوثتها وعفتها وكرامتها، والشاهد خير واقع، إن الإسلام منح المرأة كل خير وصانها من كل شر، ولا منقذ لها ولا حافظ لكرامتها سوى التعاليم التي جاءت في نصوص الوحيين الكتاب والسنة، والإسلام بين أن المرأة خلقت من الرجل، وأن خلق المرأة نعمة ينبغي أن يحمد الله عليها، قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21] ، وقال تعالى: "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً" [النحل:72] ، والمرأة في الإسلام كالرجل فهي شقيقته وشريكته، ومن الرجل والمرأة تعددت القبائل والشعوب "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ ... " [الحجرات:13] ، والمرأة هي الأم، وقد وضعها الإسلام موضع التكريم والإجلال، وجاءت الوصايا بالإحسان إليها: "وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ(2/108)
بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" [لقمان:14] ، وقال تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً" [الأحقاف:15] ، والمرأة كالرجل فرض الله عليها القيام بالواجبات الشرعية، وهي كالرجل إذا استجابت لأمر الله: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [النحل:97] ، "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ" [آل عمران:195] ، "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً" [الأحزاب:35] ، والمرأة مسئولة مسؤولية خاصة عن واجباتها الشرعية، ومسئولة مسؤولية عامة فيما يختص بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف، والإرشاد إلى الفضائل والتحذير من الرذائل، قال تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" [التوبة:71] ، وللمرأة في الإسلام حرية التصرف في مالها، ولها حق أن تستأذن في أمر زواجها، ولها أن ترفض وليس لوليها أن يكرهها فيمن لا ترغب فيه، ولها نصيبها من الميراث، واعتنى الإسلام بتعليم المرأة وتثقيفها.
والحاصل أن المتأمل في هذه الشريعة العظيمة يرى أنها أحاطت المرأة بتشريعات وأحكام تكمل بها كرامتها وسعادتها، وتتحقق لها الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، ويجب أن ننظر إلى جميع ما ورد في شأن المرأة، ولا ننظر إلى جزئية مقطوعة عن باقي التشريعات، فالنظرة الجزئية خاطئة، والله أعلم.(2/109)
رواية الحديث بالمعنى
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 01/10/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
ما حكم ذكر الحديث بالمعنى مع تطابق أغلب ألفاظه دون القول: فيما معناه. أو نحوها؟ لا سيما أن بعض العامة إذا قلت عندهم: فيما معناه. تقالُّوا النصيحة، بل ربما صححوا الحديث بالظن.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
رواية الحديث بالمعنى أكثر العلماء على جوازها لمن كان عالمًا بلغات العرب، بصيرًا بالمعاني، عالمًا بما يحيل المعنى وما لا يحيله، قال الإمام أحمد: ما زال الحفاظ يحدثون بالمعنى. وروي عن الحسن أنه استدل لذلك بأن الله يقص قصص القرون السالفة بغير لغاتها، وروي عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، قال: لقيت عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا في اللفظ، واجتمعوا في المعنى. وقال أبو سعيد الخدري، رضي الله عنه: كنا نجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، عسى أن نكون عشرة نفر، نسمع الحديث، فما منا اثنان يؤديانه، غير أن المعنى واحد. وروي عن ابن مسعود وأبي الدرداء، رضي الله عنهما: أنهم كانوا يحدثون عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقولون: أو نحو هذا، أو شبهه. وكان أنس، رضي الله عنه، يقول: أو كما قال. وعن ابن عون قال: كان إبراهيم النخعي والحسن والشعبي يأتون بالحديث على المعاني. ينظر: الكفاية (ص: 204 - 210) ، المحدث الفاصل (ص: 533- 537) ، جامع بيان العلم وفضله (1/78-81) ، شرح العلل (1/145- 149) . وهذا كله قبل وجود المصنفات والدواوين، أما بعد وجودها فيتعين على من ينقل عنها أن يحافظ على الألفاظ، وذلك لزوال الحاجة التي من أجلها سوِّغت الرواية بالمعنى، حيث كانت السنة تنقل مشافهة، قال ابن دقيق العيد: لا تغير الألفاظ بعد الانتهاء إلى الكتب المصنفة سواء روينا فيها أو نقلنا منها. ينظر: فتح المغيث (3/147) . وقال ابن الصلاح: ثم إن هذا الخلاف لا نراه جاريًا، ولا أجراه الناس فيما نعلم فيما تضمنته بطون الكتب، فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف ويثبت بدله لفظًا آخر بمعناه، فإن الرواية بالمعنى رَخَّص فيها من رَخَّص لما كان عليهم من ضبط الألفاظ والجمود عليها من الحرَج والنصَب، وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب. ينظر: علوم الحديث (ص: 214) . ولكن إذا كان المتحدث يتكلم مشافهة في كلمة أو موعظة أو خطبة أو نحو ذلك، ثم استشهد بحديث فلا يلزم أن يسوقه بلفظه، فلو أورده بمعناه، وهو عالم بما يحيل المعنى وما لا يحيله، فلا بأس، ولا يلزم أن يقول: أو كما قال. وإن قالها فهذا أكمل وأفضل، لأن الذين نقلوا الحديث بالمعنى لم يلتزموا بذلك، ولكن إذا كتبت هذه الكلمة أو الخطبة، فيجب أن تراجع الأصول بحيث تورد الأحاديث بألفاظها. والله أعلم.(2/110)
حديث: "إنما الشؤم في ثلاثة ... "
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 4/6/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد وقفت الأيام الماضية على حديث ورد في السلسة الصحيحة للشيخ الألباني -رحمه الله- المجلد الثاني تحت رقم 788 حديث عن الطيرة والتشاؤم، وهذا متن الحديث (لا عدوى ولا طيرة, وإنما الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار"، وحسب علمي -البسيط جداً- أنه لا طيرة في الإسلام، والسؤال هنا ما الفرق بين الطيرة والتشاؤم؟ وما هو تفسير هذا الحديث؟ وكيف يكون التشاؤم من هذه الثلاثة؟ نريد توضيحاً مفصلاً بارك الله فيكم لهذا الحديث. جزاكم الله كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
الطيرة مأخوذة من زجر الطير، وكان العرب يزجرون الطير والوحش ويثيرونها، فما تيامن منها، أي أخذت ذات اليمين تبركوا به ومضوا في سفرهم وحاجاتهم، وما تياسر منها، أي أخذت ذات الشمال تشاءموا بها ورجعوا عن سفرهم وحاجتهم، فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم، ثم استعملوا التطير في كل شيء فتطيروا من الأعور والأبتر وغيرهما.
وأما الفأل، فمعناه التفاؤل مثل أن يكون رجل مريضاً، فيتفاءل بما يسمع من كلام مثل أن يسمع آخر يقول: يا سالم، أو يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول: يا واجد، فيقع في ظنه أنه يبرأ من مرضه ويجد ضالته، وقد خص الشرع الطيرة بما يسوء، والفأل بما يسر، وفسر النبي صلى الله عليه وسلم الفأل بالكلمة الصالحة والحسنة والطيبة.
وقد دلت الأحاديث على نفي الطيرة وتحريمها وبطلانها، وأنها من الشرك لما فيها من تعلق القلب بغير الله ومنافاة التوكل، واعتقاد أنها مؤثرة في جلب النفع ودفع الضر، ففي الصحيحين [البخاري ح (5754) ، ومسلم ح (2223) ] من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا طيرة وخيرها الفأل " قالوا: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: " الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم ".
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الطيرة شرك، الطيرة شرك ثلاثاً " أخرجه أبو داود ح (3411) ، وأما حديث: " لا عدوى ولا طيرة, وإنما الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار"- فقد أخرجه البخاري ح (5772) ، ومسلم ح (2225) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما -، وفي رواية للبخاري ح (5753) : " والشؤم في ثلاث: في المرأة والدار والدابة "، وفي رواية أخرى [البخاري ح (2858) ، ومسلم ح (2225) ] : " إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار "، وفي رواية لمسلم: " إن كان الشؤم في شيء ففي الفرس والمسكن والمرأة "، وفي رواية أخرى لمسلم: " إن يكن من الشؤم شيء حق ففي الفرس والمرأة والدار ".
- وأخرجه البخاري ح (2859) ومسلم ح (2226) من حديث سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن كان في شيء ففي المرأة والفرس والمسكن "(2/111)
- وأخرجه مسلم ح (2227) من حديث جابر - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن كان في شيء ففي الربع والخادم والفرس ".
وقد اختلف العلماء في توجيه هذا الحديث، وأجابوا عنه بأجوبة منها:
1- حمل الحديث على ظاهره، وأنه قد يحصل الشؤم في هذه الثلاث، ومعنى ذلك أنه ربما لحق الإنسان ضرر وفوات منفعة، ونزع بركة بتقدير الله في سكناه لبعض البيوت، أو في زواجه من بعض النساء، أو امتلاكه لبعض المراكب، فعند ذلك يجد الإنسان في نفسه كراهة لهذه الأشياء عند حصول الضرر، فإذا تضرر الإنسان من شيء، فيشرع له تركه ومفارقته مع اعتقاد أن النفع والضر بيد الله سبحانه وتعالى، وأن هذه الأشياء ليس لها بنفسها تأثير ,إنما شؤمها ويمنها ما يقدره الله تعالى فيها من خير وشر.
وفي حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله إنا كنا في دار كثير فيها عددنا، وكثير فيها أموالنا، فتحولنا إلى دار أخرى فقل فيها عددنا، وقلت فيها أموالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذروها ذميمة " أخرجه أبو داود ح (3423) ، وقال ابن قتيبة: " وإنما أمرهم بالتحول منها؛ لأنهم كانوا مقيمين فيها على استثقال لظلها واستيحاش بما نالهم فيها، فأمرهم بالتحول، وقد جعل الله في غرائز الناس وتركيبهم استثقال ما نالهم السوء فيه، وإن كان لا سبب له في ذلك، وحب من جرى على يده الخير لهم وإن لم يردهم به، وبغض من جرى على يده الشر لهم وإن لم يردهم به " (تأويل مختلف الحديث ص: 99) قال الخطابي: " اليُمن والشؤم سمتان لما يصيب الإنسان من الخير والشر والنفع والضر، ولا يكون شيء من ذلك إلا بمشيئة الله وقضائه، وإنما هذه الأشياء محال وظروف جعلت مواقع لأقضيته، ليس لها بأنفسها وطباعها فعل ولا تأثير في شيء، إلا أنها لما كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الناس، وكان الإنسان في غالب أحواله لا يستغني عن دار يسكنها وزوجة يعاشرها وفرس يرتبطه، وكان لا يخلو من عارض مكروه في زمانه ودهره أُضيف اليُمن والشؤم إليها إضافة مكان ومحل وهما صادران عن مشيئة الله سبحانه " (أعلام الحديث 2/1379)
2- ومن العلماء من وجه الحديث بأن المقصود بالشؤم ما يكون في هذه الأشياء من صفات مذمومة، فقالوا: إن المراد " بشؤم الدار " ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم، وقيل: بعدها عن المساجد وعدم سماع الأذان منها وشؤم المرأة: عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للريب، وشؤم الفرس: أن لا يغزى عليها، وقيل: حرانها وغلاء ثمنها، وشؤم الخادم سوء خلقه، وقلة تعهده لما فوض إليه.(2/112)
3- ومن العلماء من وجه الحديث بأن المراد بالشؤم هنا عدم التوافق، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد ح (1445) من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقوة ابن آدم ثلاثة، من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح، ومن شقوة ابن آدم المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء "وقد أشار البخاري إلى هذا التأويل بأن قرن بالاستدلال بهذا الحديث قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ) (التغابن: من الآية14) .
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.(2/113)
هل هناك أحاديث صحيحة لم تصلنا ?!
المجيب وليد بن إبراهيم العجاجي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 22/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل كان في عصر الأئمة الأربعة أحاديث صحيحة لم تكتب ولم تصل إلينا استندوا إليها في فتواهم؟ أم أن جميع فتواهم استندوا فيها إلى أحاديث نعرفها الآن؟ وما مدى تأثير غزو التتار للبلاد الإسلامية على القضاء على كتب أحاديث لم تصل إلينا في هذا العصر؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) ، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فاعلم- أخي الكريم:
أولًا: ينبغي أن تعلم- وفقك الله- أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم، لم تكن في عصر أصحابه، رضي الله عنهم، وكبار تابعيهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة، كما ذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري، لأمرين:
أحدهما: أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك- كما ثبت في صحيح مسلم (3004) - خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم.
وثانيهما: سعة حفظهم، وسيلان أذهانهم؛ ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة، ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار، وتبويب الأخبار؛ لما انتشر العلماء في الأمصار، وكثر الابتداع من الخوارج والروافض، ومنكري الأقدار.(2/114)
فأول من جمع ذلك: الربيع بن صبيح، وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهما، وكانوا يصنفون كل باب على حدة، إلى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة فدونوا الأحكام، فصنف الإمام مالك (الموطأ) ، وتوخَّى فيه القوي من حديث أهل الحجاز، ومزجه بأقوال الصحابة، رضي الله عنهم، وفتاوى التابعين، ومن بعدهم، وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج بمكة، وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي بالشام، وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة، وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار بالبصرة، ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم، إلى أن رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وذلك على رأس المائتين، فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندًا، وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندًا، وصنف أسد بن موسى الأموي مسندًا، وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندًا، ثم اقتفى الأئمة بعد ذلك أثرهم، فقل إمام من الحفاظ إلا وصنف حديثه على المسانيد كالإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم من النبلاء، ومنهم من صنف على الأبواب وعلى المسانيد معًا كأبي بكر بن أبي شيبة، قال السيوطي: وهؤلاء المذكورون في أول من جمع، كلهم من أبناء المائة الثانية، وأما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع على رأس المائة في خلافة عمر بن عبد العزيز. وأفاد الحافظ في الفتح أيضًا: أن أول من دوّن الحديث بأمر عمر بن عبد العزيز- يرحمه الله- هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني، أحد الأئمة الأعلام، وعالم أهل الحجاز والشام، ثم شاع التدوين في الطبقة التي تلي طبقة الزهري، ولم يزل التأليف في الحديث متتابعًا إلى أن ظهر الإمام البخاري، وبرع في علم الحديث، وصار له فيه المنزلة التي ليس فوقها منزلة، فأراد أن يجرد الصحيح ويجعله في كتاب على حدة، ليخلص طالب الحديث من عناء البحث والسؤال، فألف كتابه المشهور وأورد فيه ما تبينت له صحته، وكانت الكتب قبله ممزوجًا فيها الصحيح بغيره، بحيث لا يتبين للناظر فيها درجة الحديث من الصحة إلا بعد البحث عن أحوال رواته، وغير ذلك مما هو معروف عند أهل الحديث، فإن لم يكن له وقوف على ذلك اضطر إلى أن يسأل أئمة الحديث عنه، فإن لم يتيسر له ذلك بقي ذلك الحديث مجهول الحال عنده، واقتفى أثر الإمام البخاري في ذلك الإمام مسلم بن الحجاج، وكان من الآخذين عنه والمستفيدين منه، فألف كتابه المشهور الصحيح، ولُقِّب هذان الكتابان بالصحيحين، فعظم انتفاع الناس بهما، ورجعوا عند الاضطراب إليهما، وألفت بعدهما كتب لا تحصى، فمن أراد البحث عنها فليرجع إلى مظان ذكرها.
ثانيًا: اعلم- وفقك الله- أن الصحيحين كل ما فيهما مجمع على الأخذ به وتلقته الأمة بالقبول، وليس معنى ذلك أن غيرهما لا يوجد فيه أحاديث صحيحة، لذا ألف الحاكم المستدرك على الصحيحين، وقد تعقبه الذهبي، لكن الحديث إن كان في غيرهما فينبغي التحري والدقة والبحث في إسناده، والتحقق من رجاله، بخلاف الحديث الذي هو في الصحيحين.(2/115)
ثالثًا: لقد حرص أهل العلم على نقل السنة، ونقد ما لم يصح منها، وقد بذلوا في سبيل ذلك الغالي والنفيس من أوقاتهم وأموالهم، يقول ابن سيرين: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة- يعني فتنة الخوارج- قالوا: سموا لنا رجالكم. فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم. ويقول عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. بل قد تعدى الأمر إلى التأليف في الأحاديث الموضوعة المكذوبة، لبيان عوجها.
رابعًا: أن علينا أن نعتقد أن السنة النبوية قد نقلت إلينا نقلًا كاملًا، ولا يوجد حديث يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مفقود، أو أن هناك حديثًا لم يتعرض العلماء له بالتصحيح أو التضعيف، أو أن هناك أحاديث صحيحة اختلطت بغيرها، فخفيت على الأمة، أو غير ذلك من الشبه والأباطيل، ذلك أن حفظ السنة هو حفظ لدين الأمة، والأمة معصومة من أن تضل شيئًا من أمر دينها، سواء بضياعه منها، أو عدم إبانته للناس، وإن الشك في ذلك لهو أمر خطير ينبغي الحذر منه، وإن فتنة التتار من الكوارث التي حلت بالمسلمين، يقول ابن الأثير في الكامل: (حادثة التتار من الحوادث العظمى، والمصائب الكبرى التي عقمت الدهور عن مثلها إذ عمت الخلائق وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم منذ خلقه الله لم يبل بمثلها. لكان صادقًا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها، ومن أعظم ما يذكرون فعل بختنصر ببني إسرائيل ببيت المقدس، فما بيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعين من مدن الإسلام، وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى ما قتلوا من الأنام، فهذه الحادثة التي استطار شررها، وعم ضررها، وسارت في الدنيا سير السحاب استدبرته الريح، فإن قومًا خرجوا من أطراف الصين فقصدوا كبار المدن والقرى، فتملكوا ملكها، وأبادوا أهلها، كل ذلك في أقل من سنة، أمر لم يسمع بمثله) . لكن مع ما حصل من التتار من شر وويلات، فلا يمكن أن يتخذ مثل ذلك ذريعة إلى الدس على السنة، أو التشكيك في صحتها؛ للأدلة الصريحة على حفظ الدين، ولعصمة الأمة من أن تضل شيئًا من أمر دينها، فعلماء الأمة الذين سكنوا العراق لهم طلاب وتلامذة، من العراق وغيرها، نقلوا عنهم العلم في صدورهم وكتبهم، وتوارثته الأمة قرنًا بعد قرن، وجيلًا بعد جيل إلى يومنا هذا، ولله الحمد والمنّة.
وختامًا، أنصحك، أخي الكريم، بالاستزادة حول ما أثير حول السنة من شبه، والجواب عنها في كتاب (زوابع في طريق السنة) للشيخ صلاح الدين مقبول أحمد. والله أعلم.(2/116)
رواية نعيم بن حماد للفتن
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن أبو سيف الجهني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 18/08/1425هـ
السؤال
أكثر ما يروي الفتن (نعيم بن حماد) ، فهل كل ما رواه صحيح؟ خاصة وأنه شيخ البخاري، عليهما رحمة الله.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يقال إن أكثر من يروي أحاديث الفتن نعيم بن حماد، فإن رواة أحاديث الفتن والمصنفين فيها خلق كثير، ولكن نعيمًا- رحمه الله- أفرد مصنفًا في الفتن، ولنعيم أخطاء تتبعها ابن عدي، وقال: بقية حديثه مستقيم، ولكنه جاء في الفتن بما لم يتابع عليه وبما هو منكر، ولم يخرج البخاري له إلا مقرونًا. والله أعلم.(2/117)
التقرب بأوراد لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم
المجيب د. لطف الله بن عبد العظيم خوجه
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 22/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما دليل من يقيدون ذكر الله في قوالب محددة وبألفاظ معينة، ويعيبون على بعض الناس أنهم يذكرون الله بما لم يذكره به رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ فما المانع من أن أذكر الله وأتقرب إليه بأذكار وأوراد لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، مادامت هذه الأوراد وتلك الأذكار غير خارجة عن الدين؟ قال الله تعالى، في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) [الأحزاب: 41] . فالأمر فيه سعة، فلماذا يضيقون واسعًا؟ ومن ذلك أنهم يمنعون ذكر الله باسمه المفرد، وقد قال الله تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الإنسان: 25] . فما يمنع أن أجري على لساني اسم: الله الله الله..؟. جزاكم الله كل خير.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ينحل الإشكال إذا نظرنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم نظر المريض.. والراغب في استكمال الصحة: إلى الطبيب.
فهذا يتبعان إرشاداته حذو القذة بالقذة، ويعتقدان أن من الخطأ مخالفته في أدنى شيء، وعلى هذا اتفاق البشر، باعتبار أنه أدرى بأمور الصحة، بحكم التخصص..
ولو عنّ لأحد أن يجتهد، فيتعاطى دواء لم يصفه الطبيب، أو يزيد أو ينقص فيه، لكان محل اللوم والتسفيه..!!.
فهذا الحكم مع طبيب الأبدان، والنبي صلى الله عليه وسلم طبيب القلوب.. وطبيب الأبدان يخطئ، وفي كثير من الأحيان، أما طبيب القلوب عليه الصلاة والسلام فلا يخطئ أبدًا في علاجه:
(وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 3، 4] .
فهذا دليل عقلي على: خطأ اختراع نوع من العبادة (كالذكر مثلاً) في هيئة مستحدثة، إذا لم ينص الشرع عليه.
والبدعة هي: كل أمر محدث في الدين؛ أي ليس عليه نص شرعي، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه من بعده، ومعلوم أن أحرص الناس على الدين واستكماله، بعد النبي صلى الله عليه وسلم، هم الصحابة، فإذا تركوا لونًا من العبادات (كالذكر بالاسم المجرد، أو المولد) فإنهم ما تركوه إلا لأنه ليس من الدين، فإذا أتى من يزعم جوازها، فهذا اتهام ضمني لهؤلاء المصطفين أنهم مفرطون..!! وحاشاهم، فهم الكمل، وما من خير إلا وهم إليه سابقون، شهد الله لهم بالخير والرضى: (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ) [المائدة: 119] . وما ذاك إلا لكمال دينهم، فما لم يفعلوه فليس من الدين قطعًا، فمن قلدهم فهو مفلح، ومن عارضهم، فما يدرى ما حاله.
فانظر: هل ذكروا الله تعالى بالاسم المجرد: الله، الله، الله..؟!
وقد روي في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ". أخرجه البخاري (2697) ومسلم (1718) .(2/118)
فمن جادل، واعترض على وصف العبادة الحادثة، التي لم تكن في عهد النبوة، مع توفر الدواعي لوقوعها بالبدعة. فعليه أن يفسر لنا هذا الأثر، وعلى أي شيء ينطبق؟ ومتى يكون العمل بدعة، ومتى لا يكون؟
في حقيقة الأمر أن المحدِثين في الأمة أنواع العبادات، التي لم تكن في العهد الأول: ليس ثمة عمل مردود عندهم، فكل ما استحسنته عقولهم، فهو من الدين!! وهذا غير مقبول، لا شرعًا، ولا عقلاً. وإلا فقل لي بربك عن هؤلاء الذين يستحبون الذكر بالاسم المفرد المجرد (المتصوفة) : ما العمل الذي يعدونه بدعة، مع ما يرتكبونه من بدع لا تُعَدُّ ولا تحصى؟!
جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "إِنَّ اللهَ حَجَب التَّوبةَ عَن صاحبِ كُلِّ بِدْعَةٍ". أخرجه الطبراني في الأوسط (4202) .
ومن هذا قال الحسن البصري: (أبى الله لصاحب بدعة بتوبة) .
والمعنى أن صاحب البدعة أقل توفيقًا واهتداء (وليس ممنوعًا منه) ، لاستمساكه بها، لظنه أنها من الدين، ليس كصاحب المعصية، الذي يشعر بالإثم والحرج، فهو أقرب للتوبة، ومن هنا قال سفيان الثوري: (البدعة أحب إلى الشيطان من المعصية، فإن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها) .
وإذا احتج أحد بأن البدعة منها: الحسن، والسيئ. مستدلًا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة التراويح: (نعم البدعة هذه) . أخرجه البخاري (2010) . فلنا أن نحاجه بقول النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، ومن وجب اقتفاء أثره، وتقديم قوله: "كُلُّ بِدْعةٍ ضَلَالَةٌ". أخرجه مسلم (867) . فهذا عام بألفاظه، فـ"كل" للعموم، و"بدعة" نكرة، والنكرة تعم، فلا يستثنى منها شيء إذن.
فلو فرضنا أن عمر، رضي الله عنه، قصد ما أرادوه، فقول النبي صلى الله عليه وسلم مقدم عليه بلا شك، فكيف والحقيقة أن عمر، رضي الله عنه، لم يقصد ما أرادوه؟
فإن عمر، رضي الله عنه، من أشد المحاربين للبدعة، وهذا مشهور، ولو اقتفى هؤلاء المحتجون به هنا: أقواله، وأفعاله، وآثاره. لأفسد عليهم كثيرا مما استحسنوه من العبادات المحدثة، مثل التبرك بالآثار!
- أليس هو الذي أمر بقطع شجرة الرضوان؟
- أليس هو الذي نهى عن تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة فيها؟
فعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عدو البدع.. فلم يقصد بقوله ما أرادوه، بل قصد أنها بدعة نسبة إلى أنها لم تفعل منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والتراويح ليست بدعة بالاتفاق، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها في حياته- انظر صحيح البخاري (924) ومسلم (761) - ولا يظن بعمر، رضي الله عنه، أن تخفى عليه هذه المسألة.
وبخصوص الذكر بالاسم المفرد أو المجرد: أسوق أثرًا يوضح خطورة الاستحداث في طريقة الذكر، كما يعلن عن موقف صريح للصحابة، رضي الله عنهم، رافضًا لأي نوع من أنواع الإحداث، حتى لو دقّ وصغر، وهي فتوى من رضي الله عنهم، وعن دينهم، وأمر باتباعهم:(2/119)
روى الإمام الدارمي في سننه (204) أن أبا موسى الأشعري، رضي الله عنه، قال لابن مسعود، رضي الله عنه: (يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَّا خَيْرًا. قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ. قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ، فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصًى، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً. فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً. فَيُهَلِّلُونَ مِائَة، ً وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً. فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً. قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ وَانْتِظَارَ أَمْرِكَ. قَالَ: أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ. ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ. قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ! هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ. قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ. ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ) .
فانظر: كيف صار هؤلاء من هذا النوع من الذكر المحدث، البسيط في صورته، الخطير في معناه، إلى شقاق أعظم، حيث صاروا من قوم ذمهم النبي صلى الله عليه وسلم غاية الذم، وأمر بقتلهم وقتالهم- انظر صحيح البخاري (3611) ومسلم (1066) .
وانظر: كيف لم يُفِدْ هؤلاء قصدُهم الطاعةَ، ولا إرادتهم الخير، إذ كانوا على عمل لم يشرع.
فهذا يدلك على عاقبة البدعة، مهما صغرت.(2/120)
إن الدين قد كمل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3] . ولم يكلف الله تعالى عباده بإحداث شيء، وزيادة عبادة. فما شُرع يعجز الإنسان عن الإتيان به كاملاً واستكماله، لو مكث عمره كله يعمل.. وإذا كان كذلك: فكل عمل محدث، يقع مكان عمل مسنون، ومن هنا كان ما قاله الإمام الأوزاعي غاية في الفقه: (ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ولا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة) .
وتأمل حال الصحابة، رضي الله عنهم، والتابعين ومن تبعهم: هل تجد فيهم هذه المحدثات؟
كلا، لا تجدها إلا فيمن بعدهم، ممن تأخر عن مقامهم، وخالف سبيلهم، ونحن إنما أمرنا باتباعهم، لا باتباع من بعدهم، ممن خالفهم، ولم يهتد بسنتهم.
إن مما يظهر خطورة البدعة أن صاحبها يحرم من الورود على حوض النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث: "إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، فَوَاللَّهِ لَيُقْتَطَعَنَّ دُونِي رِجَالٌ فَلَأَقُولَنَّ: أَيْ رَبِّ، مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي! فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ". أخرجه مسلم (2294) .
وقد كان عليه الصلاة والسلام حريصًا على أمته أن يجنبهم الابتداع في الدين، يقول: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ". أخرجه أبو داود (4607) والترمذي (2676) وابن ماجه (42) .
قد جرى الصحابة على ذلك وثبتوا على الأمر كما أنزل، ولذا مر عصرهم وهو أزهى العصور وأعزها، يقول أبي بن كعب: (عليكم بالسبيل والسنة فإنه ليس من عبد على سبيلٍ وسنةٍ ذكَر الرحمن عز وجل ففاضت عيناه من خشية الله عز وجل فتمسه النار أبدًا ... وإن اقتصادًا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة) . أخرجه أحمد في الزهد ص 197، وأبو نعيم 1/253، واللالكائي (10) .
بعد هذا التأصيل لحكم البدعة في الإسلام، نجيب مباشرة على السؤال الوارد فنقول:
- هل الذكر بالاسم المجرد: الله، الله، الله. ورد فعله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
اللهم، لا. ولو كان خيرًا لما فرط فيه.
- فهل ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم، والتابعين، وتابع التابعين؟
اللهم، لا. ولو كان خيرًا ما فرطوا فيه.
إذًا، لم يرد عن أهل القرون المفضلة، الذين دعا النبي صلى الله عليه وسلم، لهم بالخيرية، فعمّن ورد إذًا؟
عن جماعة من المتصوفة.. وهل هؤلاء قدوة الأمة؟!
هل نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته، رضي الله عنهم،، لنقتدي بجماعة لا يدرى ما حالهم عند الله تعالى؟!
فلا مستند شرعيًّا لهذا النوع من الذكر، لا من كتاب ولا سنة، ولا من فعل الصحابة.
- ثم ما معنى أن يردد المرء: الله، الله، الله؟(2/121)
هل هذه جملة مفيدة، أم ناقصة غير مفيدة؟ وقد علم أن الجمل الشرعية كلها جمل مفيدة، ومنها الدعوات والأذكار، فمن الأذكار: سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر، لا إله إلا الله. وكلها جمل مفيدة؛ أي لها معنى.
أما ذكر الاسم المجرد المفرد فلا معنى له، لأنه ليس جملة تامة مفيدة: مبتدأ وخبرًا، أو فعلًا وفاعلًا ومفعولًا.
وقوله تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الإنسان: 25] .هو مثل قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى: 1] . وقوله: (فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) [الأنعام: 118] . كلها تحصل بجمل مفيدة مثل قوله: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي العظيم، بسم الله، بسم الله الرحمن الرحيم. وليس معنى الآية ذكر الاسم المفرد مجردًا من الإضافة.
وعادة الذين يذكرون هذا الذكر، ينتقلون منه إلى قول: هو، هو، هو. فما معنى هذا أيضا؟!
إنها لأذكار غريبة، بعيدة كل البعد عن روح الإسلام، وأوامره، وما هي إلا مبتدعات ما أنزل الله بها من سلطان.
وفي هذا القدر كفاية لإيضاح المقصود، وقد حصل مطلوب السائل من الإجابة على سؤاله بكل التخصيص.(2/122)
تبادل التحايا مع غير المسلم
المجيب فيصل بن أنور بن فؤاد مولوي
قاضي متقاعد
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 12/07/1426هـ
السؤال
هل يمكن لغير المسلم أن يحيي بـ "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، وهل يمكن للمسلم أن يحيي أو يرد بنفس التحية على غير المسلم؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
1- نعم، يمكن لغير المسلم أن يحيّي بعبارة (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ، ولكنه لا ينال الأجر الذي يناله المسلم؛ باعتبار هذه التحية سنة من سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وغير المسلم لا يعتقد ذلك.
2- نعم يجوز للمسلم أن يحيي غير المسلم بلفظ السلام، روي هذا القول عن ابن عباس وابن مسعود وأبي أمامة وابن محيريز وعمر بن عبد العزيز وسفيان بن عيينة والشعبي والأوزاعي والطبري، واختار هذا القول السيد رشيد رضا في تفسير المنار، والشيخ الشنقيطي في أضواء البيان.
* ونحن نؤيد هذا القول بناءً على الآيات الكريمة التي تأمر بالسلام بشكل مطلق ومنها:
- قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها" [النور: 26] .
- قوله تعالى: "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه، وقالوا: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين" [القصص: 25] .
- قوله تعالى: " ... وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً" [الفرقان: 63] .
- قوله تعالى: "وقيله يا ربّ إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون، فاصفح عنهم وقل: سلام فسوف يعلمون" [الزخرف: 88] .
- قوله تعالى: "قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً" [مريم:
47] .
* وكذلك الأحاديث الصحيحة التي تأمر بالسلام بشكل مطلق أيضاً أي تجاه جميع الناس:
- " ... وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" متّفق عليه، البخاري (12) ، ومسلم (39) .
- لما خلق الله آدم، قال "اذهب على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله) متفق عليه، البخاري (3326) ، (6227) ، ومسلم (2841) .
- (أفشوا السلام..) رواه الترمذي (1854) ، وقال حديث حسن صحيح، وابن حبان في صحيحه (489) .
* أما الحديث الصحيح الذي اعتمد عليه جمهور العلماء حتى قالوا بكراهية التحية لغير المسلم بالسلام أو حرمتها، فهو قوله -صلى الله عليه وسلم-:"لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام.." رواه مسلم (2167) . فهو يتعلق بحالة حرب كانت قائمة. يؤيّد ذلك روايات أخرى للحديث وهي صحيحة أيضاً: (إنا غادون على يهود، فلا تبدأوهم بالسلام) رواه أحمد [26695] ، والطبراني [المعجم الكبير 22/291] بسند رجاله رجال الصحيح، وكان هذا يوم غزو بني قريظة. وفي رواية ثانية لأحمد: (إني راكب غداً إلى يهود، فلا تبدأوهم بالسلام..) [المسند 16844، 17584] وهو صحيح كما جاء في الفتح الرباني. ونقل العسقلاني في فتح الباري رواية البخاري في الأدب المفرد والنسائي أن النبي -صلى لله عليه وسلم- قال: "إني راكب غداً إلى اليهود فلا تبدأوهم بالسلام" [فتح الباري 11/39] .(2/123)
هذا الرأي (وهو جواز إلقاء التحية على غير المسلم بلفظ السلام) ، والذي قال به جمهور كبير من العلماء داخل المذاهب وخارجها يتأكد بالنسبة إليك لوجودك خارج ديار الإسلام في حالة سلم، وضمن ما يعتبر ميثاقاً مع البشر الذين تعيش معهم، وسواء كنت من أهل تلك البلاد أو مقيماً فيها، وذلك لأنّ مهمتك في هذه الحالة الدعوة، والابتداء بالتحية من أخلاق الدعاة.
3- أما إذا حياك غير المسلم بلفظ السلام، فإنّ الرد عليه يصبح واجباً؛ لقوله تعالى: "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها" [النساء: 86] فندب إلى الفضل وأوجب العدل، والعدل في التحية تقتضي أن يرد عليه نظير سلامه، كما قال ابن القيم (أحكام أهل الذمة) .
راجع في هذا الموضوع كتب التفسير للآيات المشار إليها، وخاصة تفسير القرطبي -والمنار لرشيد رضا- وأضواء البيان للشنقيطي، وراجع كتب شرح الأحاديث وخاصة: فتح الباري بشرح صحيح البخاري وشرح النووي على صحيح مسلم، والفتح الرباني على مسند الإمام أحمد، وأحكام أهل الذمة لابن القيم.
جزاكم الله كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(2/124)
صحة نسبة كتاب النزول للدارقطني
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 24/07/1426هـ
السؤال
هل كتاب النزول تثبت نسبته إلى الإمام الدارقطني؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
كتاب "أحاديث النزول" للإمام الحافظ أبي الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني البغدادي (385 هـ) ذُكر ضمن مصنفات الدارقطني، ونسبته ثابتة له، ويدل على ذلك ما يأتي:
(1) رواية الكتاب بالسند المتصل إلى المؤلف.
(2) استفادة العلماء منه، ونسبتهم إياه إلى الدارقطني، كما فعل الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (6/115) ، حيث قال: "وروى الدارقطني حديثاً من طريق عبد الحميد بن سلمة، وقال: عبد الحميد بن سلمة وأبوه وجده لا يعرفون، قال: ويقال: عبد الحميد بن يزيد بن سلمة، وكذا قال في كتاب السنة له في أحاديث النزول"، ونسبه إليه أيضاً سزگين في تاريخ التراث العربي (1/420) .
وقد حقق الكتاب الدكتور: علي بن محمد بن ناصر الفقيهي، ونشر عام (1403 هـ) .(2/125)
العقائد والمذاهب الفكرية(2/126)
الحكمة من خلق المخلوقات
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الألوهية
التاريخ 19/1/1424هـ
السؤال
لماذا خلق الله المخلوقات مع العلم أنه سبحانه ليس محتاجاً لهم.
الجواب
الحمد لله، قال الله تعالى: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً" [الطلاق:12] وقال تعالى: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً" [الملك: 2] ، وقال سبحانه وتعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ" [الذاريات:56-57] إلى غير ذلك من الآيات، فبين سبحانه وتعالى أنه خلق الخلق لحكم بالغة؛ منها الابتلاء، ومنها أن يعلم العباد ويعرفوا ربهم، بأنه على كل شيء قدير وأنه قد أحاط بكل شيء علماً، فله الحكمة البالغة في خلقه للسماوات والأرض ومن فيهن وما بينهن، وهو الغني بذاته على كل ما سواه، "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ" [فاطر:15-17] والواجب على العبد أن يؤمن بأن الله تعالى حكيم؛ يعني ذو حكمة في خلقه وأمره، لا يخلق شيئاً عبثاً؛ كما قال تعالى: "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" [المؤمنون:115-116] ، والله أعلم.(2/127)
في حق الله تعالى، هل يصح العشق؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الألوهية
التاريخ 19/10/1424هـ
السؤال
أيهما أصح: أحب الله أم أعشق الله؟ لقد قرأت في كتاب لابن الجوزي: (تلبيس إبليس بعدم جواز كلمة عشق الله) ، ما التصوف وما الطرق الصوفية؟ جزاك الله خيراًًَ.
الجواب
الحمد لله، من مقامات الإيمان القلبية والأحوال الإيمانية حب الله سبحانه وتعالى، وقد مدح الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بأنه يحبهم ويحبونه، فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ" [المائدة: من الآية54] ، وقال تعالى: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ" [آل عمران: من الآية31] ، هذا هو الذي ورد في القرآن والسنة، لفظ المحبة وكذلك العبادة التي أمر الله بها جميع الناس حقيقتها كمال الذل والتعظيم، وكمال الحب، فأكمل الناس عبودية لله أكملهم محبة له، وأما لفظ العشق فلم يرد في القرآن ولا في الحديث، وإنما يطلقه الجهلة بالله من الفلاسفة والصوفية فإن من عبارات الفلاسفة عن الله: (عشق وعاشق ومعشوق) ، ومن عبارات الصوفية أن يقول أحدهم: (إنه عاشق لله) ، وهذا لفظ مبتدع لا يجوز التعبير به عن محبة الله، أولاً: أنه لم يرد في شيء من النصوص، والثاني: أنه يدل على الحب المفرط الذي دافعه الشهوة، إذاً العشق إنما يليق ويعبر به عن الحب الذي يكون بين بعض الناس وبعض، وأكثر ما يستعمل في الحب الذي بين الرجل والمرأة، إذاً فلا يجوز استعمال هذا اللفظ في حب العبد لربه، ولا في حب الرب لعبده، بل نقول: إن الله يُحَب ويُحِب، كما قال سبحانه وتعالى: "يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ".(2/128)
وأما الصوفية فهم طوائف أكثر اهتمامهم بالعبادة والأذكار وتصفية الباطن، وهذا ينطبق على قدمائهم، وأما المتأخرون فهم يتشبهون بالأوائل، وهم منحرفون عن طريقهم وضلال الصوفية وجهالهم أهل بدع كثيرة أخفها الأذكار البدعية في ألفاظها وفي كيفية أدائها وما يقترن بذلك من الأعمال المنكرة كالرقص والغناء، وأقبح الاعتقادات الصوفية اعتقاد وحدة الوجود وهو أن وجود الرب عين وجود كل موجود، فعند هؤلاء الملاحدة الكفار أن هذا الوجود المشاهد وغير المشاهد هو الله نفسه فلا فرق عندهم بين الخالق والمخلوق، والعبد والرب، وهؤلاء عند أهل العلم أكفر من اليهود والنصارى، نعوذ بالله من الخذلان. والله أعلم.(2/129)
الجوهر الفرد
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الربوبية
التاريخ 22/6/1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل الجزء الفرد الذي تكلم عنه الفلاسفة ورد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية هو ما يسمى في العلم الحديث بـ (الذرة) ؟ وهل هناك تعارض بين نظرية استمرارية الخلق عن طريق اجتماع الذرات وافتراقها وبين إفراد الله -جل جلاله- بالخلق والتصوير؟ أفيدونا، جزاكم الله خيراً.
الجواب
الجزء هو: ما يتركب الشيء منه ومن غيره، سواء كان موجوداً في الخارج أو في العقل أو الذهن، وهو أصغر من الكل، إلا أنه قد يكون أبسط منه فيسمى عنصراً أو ركناً أو أصلاً، وقد يكون مساوياً له في التركيب فيسمى قطعة أو قسماً، والجزء الذي لا يتجزأ: جوهر ذو وضع، لا يقبل القسمة أصلاً، لا قطعاً، ولا كسراً، ولا وهماً ولا فرضاً، تتألف الأجسام من آحاده بانضمام بعضها إلى بعض، أثبته المتكلمون ونفاه الفلاسفة.
والذرة في الأصل هي: الجزء الفرد أو الجزء الذي لا يتجزأ.
والجوهر الفرد ذو وضع لا يقبل القسمة أصلاً لا قطعاً ولا كسراً ولا وهماً ولا فرضاً.
ويطلق المحدثون لفظ الذرة على أصغر جزء من عنصر مادي ما، يصح أن يدخل في التفاعلات الكيميائية، وهذه الأجزاء المادية ثابتة الكيفيات منها الذرة الكيماوية وهي أصغر جزء في العنصر الكيماوي؛ لأنهم لم يكشفوا حتى الآن عن جزء أصغر منها ... إلخ.
لكن الله -سبحانه وتعالى- يخلق ما يشاء -سبحانه- باجتماع الذرات أو افتراقها أو غير ذلك على كيفية هو يعلمها -سبحانه وتعالى- فهو المتفرد بالخلق والتصوير لا ندرك ولا يدرك أحد كيفية خلقه فله الخلق وحده وهو الخالق وحده وعلم كيفية خلقه له -سبحانه- وهذا دليل على عظمة قدرته وإتقانه وصنعه، يخلق ما يشاء متى شاء كيف شاء، لا أحد يعلم الكيفية ولا أحد يقطع على الله أنه إذا اجتمعت الذرات أو افترقت تم الخلق أبداً، "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" [البقرة:260] ، والله الموفق.(2/130)
الحكمة في خلق السموات والأرض في ستة أيام
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الربوبية
التاريخ 23/3/1424هـ
السؤال
شيخنا الفاضل أذكركم أننا طلبة في دولة من دول روسيا السابقة، آثرنا لحفظ دين الشباب أن نعمل حلقات تربوية للشباب العرب والروس الذين اعتنقوا الإسلام، ولكن - ولقلة بضاعتنا من العلم الشرعي ولوجود بعض المروجين لإحدى الفرق الضالة- ينتاب شبابنا بعض الشبهات التي لا نجد لها إجابة، فنرجو من الله -سبحانه- أن يوفقكم للإجابة عنها:
- في مسألة خلق السماوات والأرض في ستة أيام، والجمع بينها وبين كون أن الله - سبحانه- أمره أن يقول لشيء كن فيكون.
الجواب
أما خلق السماوات والأرض في ستة أيام فقد أخبر -تعالى- عنه في كتابه العزيز، يقول -تعالى-: "إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش" [الأعراف: 54] ، [يونس: 3] وخلقها في هذه المدة لا يعارض قوله -تعالى-: "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون" [يس: 82] ؛ لأن كون الشيء وحدوثه متعلق بإرادة الله -تعالى- أن يقع في هذه المدة بعينها، ولو تعلقت إرادة الله -تعالى- بأقل من هذا العدد أو أكثر لكان الأمر كما أراد -سبحانه وبحمده- وإن كان طرفة عين، وهذه سنته -تعالى- في مخلوقاته صغيرها وكبيرها، وفي حكمة هذا يقول ابن العربي في كلام له جيد في أحكام القرآن عند قوله -تعالى-: "وواعدنا موسى ثلاثين ليلة" [الأعراف: 142] قال: "ضرب الأجل للمواعيد سنة ماضية، ومعنى قديم أسسه الله في القضايا وحكم به للأمم وعرفهم به مقادير التأني في الأعمال، وإن أول أجل ضربه الأيام الستة التي مدها لجميع الخليقة فيها، وقد كان قادراً في أن يجعل ذلك لهم في لحظة واحدة؛ لأن قوله لشيء إذا أراده أن يقول له: كن فيكون، بيد أنه أراد تعليم الخلق التأني، وتقسيم الأوقات على أعيان المخلوقات، ليكون لكل عمل وقت" ا. هـ.
وربما توجه السؤال بعد هذا عن الحكمة في تعلق الإرادة بهذه المدة بعينها دون زيادة أو نقص، وقد خاض المتكلمون في الكشف عن سره بما لا طائل وراءه، ولعل هذا من جملة الغيب الذي خفي علينا، وامتدح الله عباده بالإيمان به.(2/131)
كيف خلق الله الكون؟
المجيب د. محمد بن إبراهيم دودح
باحث علمي في هيئة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة
التصنيف الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الربوبية
التاريخ 19/04/1425هـ
السؤال
سألني أحد إخواني في الإسلام: كيف خلق الله الكون؟ حاولت أن أجيب بما أعرف، لكن هو يريد وصفاً كيف الله -سبحانه وتعالى- عمل المياه والجبال؟ ومتى كان ذلك؟ في أي يوم مثلاً؟ فأرجو أن تفيدونا.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
منذ القدم كان هذا الكون العجيب الممتد حولنا محط تساؤلات الإنسان وفضوله، ومن بين الأسئلة، كيف ظهر هذا الكون إلى الوجود؟ هل هو حادث أم أزلي؟ وما عمره؟ هذه بعض الأسئلة التي كانت دوماً محل جدل بين المؤمنين بمبدأ الخلق والملحدين الذين ادعوا عدم احتياج الكون إلى خالق؛ لأن المادة أزلية بزعمهم.
ولم يفت المفكرين المسلمين بيان تلك المسألة، ودفع وَهْم أزلية المادة، والجواب على الاعتراضات الفلسفية، فقالوا: بأن الذات العلية أزلية لا يحدها حادث عارض كالزمان أو المكان؛ لأن الزمان مبني على حركة الأجرام وتغير المكان بانتظام، والحركة وليدة الحدوث، ولا بد لها من قدرة أوجدتها، وحفظت النظام، قال ابن تيمية - رحمه الله- في مجموع الفتاوى (6/588) : (الليل والنهار، وسائر أحوال الزمان تابعة للحركة، فإن الزمان مقدار للحركة، والحركة قائمة بالجسم المتحرك) ، وقال في درء التعارض (9/155) : (وأما قدم شيء من العالم فلا دليل لكم عليه، بل دليلكم يدل على نقيضه، فإنه لو كان المفعول مقارناً للفاعل لزم ألا يحدث في العالم شيء، بينما قال أبو حامد الغزالي - رحمه الله-: بأن الكون حادث، وأنه لم يكن قبله زمان، أي أن بدء الزمان والمكان قد وقع مع خلق الكون؛ لأن الزمان مرتبط بالحركة، ولو تصورنا أن كل شيء في هذا الكون قد سكن وتوقف إذن لتوقف الزمان، أي: لم يعد هناك زمان، وهكذا فمن الخطأ توهم وجود زمان قبل خلق هذا الكون، وعندما أشارت النظرية النسبية إلى أن الزمان بُعْد رابع كالطول، والعرض، والارتفاع كان بديهياً عدم وجوده في عالم لم تخلق بعد أبعاده الأخرى، وقد تجمع اليوم من الأدلة العلمية ما يكفي للقطع بخلق الكون منذ عدة مليارات من السنين، وأن سرمدية المادة وهم، والدليل العلمي يدفعه، ولذا قد تلاشت الآن تماماً فرضية الحالة المستقرة، (steady state) للكون التي تقول بأن الكون لا مولد له، أي: أنه لا نهائي في الزمان والمكان، رغم أنها كانت نظرية مقبولة في الأوساط العلمية حتى منتصف القرن العشرين.
كم هو عمر الأرض؟ وما هو عمر الكون؟ هناك عدة طرق لتقدير العمر، مثل معدل تزايد ملوحة البحار لتقدير عمر البحار، ومعدل تحلل المواد المشعة لتقدير عمر القشرة الأرضية، وعمر النيازك والأحجار القمرية، وأما تقدير عمر الكون فيعتمد على معدل تباعد المجرات أو (ثابت هابل) ، وعلى هذا الأساس يقدر عمر الكون بمليارات السنين، وباستخدام أدق الأجهزة في قياس قيمة ثابت هابل تقديره حالياً حوالي: 24 (30-2) كم/ ثانية، مما يعطي عمراً للكون حوالي: 12.5 (10-15) مليار سنة (عمر الكون = سرعة الضوء/ ثابت هابل × مليون) .(2/132)
والحقيقة أن مجرد اكتشاف الإنسان لظاهرة الإشعاع كان كافياً لدفع وهم أزلية المادة تهرباً من الإقرار ببدء الخلق الذي يقطع بوجود الخالق وقدرته، وأزليته وحده؛ لأنه ما دامت الشمس وجميع النجوم الأخرى مشتعلة، وتبعث الإشعاعات، إذاً فلا بد من وجود بداية لها؛ لأنها لو كانت أزلية لنفد وقودها منذ مليارات السنين.
وهكذا ساهم علم الفيزياء (physics) ، في توجيه ضربات أليمة للملحدين قبل أن يوجه لهم الضربة القاضية بتأكيد بدء الخلق، ولا يمكن تجاهل دور علم الفلك (ASTRNOMY) ، فكلاهما قدساهم بطريقة أو أخرى في معرفة العديد من خصائص الأجرام السماوية البعيدة بما يدفع أزلية الكون، فقد كشف (فاستو مالفن سليفر) عام 1913م، أن بعض الأجسام السماوية التي كان يعتقد سابقاً أنها غبار كوني تبعد عنا بسرعة: (218001كم/ ثانية) ، وقد عرف من بعد أن تلك الأجسام لم تكن إلا مجرات، ثم أعلن إدوين هابل عام 1929م قانونه القائل بأن المجرات (خارج مجموعتنا المحلية) ، تبدو منحسرة بسرعة تتناسب طرديَّاً مع بعدها، وكان مغزى هذا الاكتشاف مفاجأة كبيرة للعلماء؛ لأنه يعني أن الكون قد عانى من التوسع عند نشأته وسبب حدية سرعة الضوء لا يعني أنه يتوسع الآن؛ لأن الضوء القادم يحتاج لأزمنة تتناسب مع الأبعاد، فيحتاج الضوء القادم من القمر حوالي 1 ثانية، ومن الشمس حوالي 8 دقائق، ومن أقرب نجم حوالي 4.3 سنة، ومن أبعد ما يمكن رصده سيحتاج باستخدام أكبر وحدة للزمن عمر الكون أي حوالي 50سنة من سنوات الشمس (حوالي 250مليون سنة من سنوات الأرض) .
وعماد نظرية الانفجار العظيم هو أن انفجاراً قد وقع للمادة الأولية للكون مما أدى لتوسعته، ومن ثم برودته، وفي اللحظات الأولى من عمر الكون كانت درجة الحرارة هائلة نتيجة لتجمع المادة، وقد سادت فيها الجسيمات الأولية التي تمثل لَبَنات الذرات، ثم وجدت الذرات، منها تألف الغبار الكوني الذي نشأت منه فيما بعد المجرات، ولو شغَّلنا الفيلم عكسيَّاً فمن الضروري إذن أن الكون كله كان متركزاً في البدء في نقطة صغيرة، ولكنها قد جمعت كل كتلة الكون الحالي، وبسبب الانضغاط الهائل كانت البداية ذات حرارة هائلة لا تبلغها اليوم أعظم النجوم، ومع كل درجة حرارة يصدر إشعاع ذي طول موجي محدد يميزها، فلو كان هذا التصور صحيحاً فلا بد من إشعاع يغمر الكون كله الآن يعكس تلك الحرارة الهائلة، وهو ما كشفه بالفعل بنزياس وولسون عام 1965م وتأكد وجود هذا الإشعاع عندما أرسلت مؤسسة ناسا الأمريكية لأبحاث الفضاء قمراً صناعياً عام 1989م وبهذا أصبحت نظرية الانفجار العظيم (BIG BANG) مقبولة لدى معظم العلماء وأساسها تجمع مادة أولية في حيز صغير، ولك أن تواصل تشغيل الفيلم عكسياً حتى تصل إلى لحظة (الإبداع العظيم) التي لا يسبقها سوى انعدام المادة.(2/133)
إن وهم أزلية المادة لا مستند له في الأصل كما هي حال كافة ادعاءات الملحدين التي تتلبس ثوب العلم، ونظرية الانفجار العظيم ليست إلا تصوراً وليد تجارب علمية أيدت عملياً بدء الخلق الذي نادى به رسل الله، بالإضافة إلى جزئيات نظرية قابلة للتعديل وفق معطيات الكشوف العلمية، ولا يخفى أن التسمية بالانفجار مهما كانت عظمته فيها بعض التضليل؛ لأنها تقصر العودة في تلاشي الكون إلى مادة أولية مكومة وليس إلى مجرد العدم، ولا مبرر مقبول لتلك التسمية سوى التهرب السافر من الخلق من العدم المحض الذي يلزم بوجود الخالق، ولكنها لم تمنع أحد أعلام الفيزياء وهو البروفيسور/ ستيفن هاوكنج البريطاني من الاعتراف بأن وحدة البدء تقطع بوجود الخالق، وبالطبع وحدته ناهيك عن التصميم المتقن، والنظام الذي يمثل كشفه تاريخ العلم التجريبي بأجمعه (تاريخ موجز للكون هاولنج (ص122، 140) ، وبالمثل قال ألفريد هويل: (تقول نظرية الانفجار الكبير بأن الكون نشأ نتيجة انفجار كبير، ونحن نعلم أن كل انفجار يبعثر المادة دون نظام، ولكن الانفجار الكبير عمل العكس، إذ عمل على جمع المادة وفق تصميم وقدرة فريدة لتشكيل المجرات والنجوم والتوابع، ونشأة الإنسان على هذه الأرض، والنتيجة الحتمية التي توصل إليها العالم الأمريكي جورج كرنشتاين قد أعلنها بقوله: (كلما دقَّقنا في الأدلة التي يقدمها الكون المفتوح الصفحات أمامنا واجهتنا على الدوام الحقيقة نفسها، وهي أن هناك قدرة إلهية خلف بدء الخلق وكافة الأحداث) ، ولكن المدهش أن علامات بدء الخلق التي تعلنها رسالة الكون إلى أهل النظر قد أمر القرآن الكريم بالبحث عنها في قوله -تعالى-: "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير" [العنكبوت: 20] .(2/134)
لماذا خلق الله الخلق لعبادته؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الربوبية
التاريخ 19/8/1424هـ
السؤال
قد يكون السؤال غريباً ولكنه طالما حيرني كثيراً، ألا وهو: إذا كان الله سبحانه وتعالى خلقنا لعبادته، والملائكة يعبدون الله من قبلنا، إذاً فما الداعي لخلقنا إذا كان هناك من يقوم بهذا العمل بدلاً منا؟ ولكم خالص الشكر والتحيات.
الجواب
الحمد لله، لقد سأل الملائكة ربهم هذا السؤال فرد الله عليهم بقوله: "إني أعلم ما لا تعلمون" كما جاء في سورة البقرة "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ" [البقرة:30] ، ومعنى هذا أن لله حكماً في خلق آدم وذريته مهما يحصل منهم من سفك للدماء وإفساد في الأرض، فيجب التسليم لحكم الله والإيمان بحكمته البالغة، كما يجب على الإنسان أن يقف عند حده ويعرف قدر نفسه، فلا يحكم على الله ولا يعترض عليه بعقله القاصر، بل يسلم الأمر لله راضياً عن تدبيره مؤمناً بأنه سبحانه أعلم وأحكم، ويجب أن يكون السؤال بغير هذه الصيغة وهي قولك: ما الداعي، فإن هذا يشعر بالاعتراض، بل ينبغي أن يكون السؤال بنحو: ما الحكمة، وعلى وجه الاسترشاد وطلب العلم، فإن ظهر شيء من حكمة الله في خلق الشيء فذلك مما يفتح الله به على من شاء من عباده، ولا يجوز أن يتوقف الإيمان بحكمة الله في تقديره وتدبيره على معرفتها، بل نؤمن بأن لله حكماً في أقداره وإن لم نعلمها، وإن علمنا منها شيئاً فإننا لا نحيط بحكمه علماً قال سبحانه وتعالى: "ولا يحيطون بشيء من علمه" [البقرة: 255] وقد اعترف الملائكة لربهم بقصور علمهم فقالوا: "لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم" [البقرة: 32] والله أعلم.(2/135)
الفرق بين الرب والإله
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الربوبية
التاريخ 12/01/1426هـ
السؤال
ما الفرق بين الرب والإله؟ وعندما رأى سيدنا إبراهيم القمر، لماذا قال: هذا ربي. ولم يقل: هذا إلهي؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الرب: هو المربي المالك المتصرف، والإله: هو المألوه المعبود بالمحبة والخوف والرجاء، وبينهما عموم وخصوص، فالرب الحق هو وحده المستحق للألوهية (العبادة) والعبادة والألوهية لا يستحقها إلا الرب سبحانه.
وإبراهيم عليه السلام قال: "هذا ربي". للقمر وللنجم والشمس؛ لأن مقام الربوبية هو المقام الأول في الإثبات والمعرفة، فلا يمكن أن تكون الألوهية إلا بعد ثبوت الربوبية. والله أعلم.(2/136)
هل يصح هذا العبارة: (عرفنا ربنا بالعقل)
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 18/08/1425هـ
السؤال
ما مدى جواز قول القائل: (عرفنا ربنا بالعقل) . تفصيلاً؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
لقد فطر الله عباده على معرفته، فإن الإنسان بفطرته يعلم أن كل مخلوق لا بد له من خالق، وأن المُحدَث لا بد له من مُحدِث، وقد ذكر الله الأدلة الكونية من آيات السماوات والأرض على وجوده، وقدرته، وعلمه، وحكمته، ولهذا يذكر الله عباده بهذه الآيات، وينكر على المشركين إعراضهم عنها، قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف:105] .
وهذه المعرفة الحاصلة بالآيات الكونية هي من معرفة العقل، فتحصل بالنظر والتفكُّر؛ ولهذا يقول تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) [الأعراف: من الآية185] . ويقول تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) [الروم: من الآية8] . والآيات بهذا المعنى كثيرة، ومع ذلك فالمعرفة الحاصلة بالعقل هي معرفة إجمالية؛ إذ الإنسان لا يعرف ربه بأسمائه وصفاته، وأفعاله على وجه التفصيل، إلا بما جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، فالرسل- صلوات الله وسلامه عليهم- جاؤوا بتعريف العباد بربهم بأسمائه وصفاته وأفعاله، وبهذا يُعلم أن العقول عاجزة عن معرفة ما لله من الأسماء والصفات، وما يجب له، ويجوز عليه على وجه التفصيل، فطريق العلم بما لله من الأسماء والصفات تفصيلاً هو ما جاءت به الرسل، ومع ذلك فلا يحيط به العباد علمًا مهما بلغوا من معرفة، كما قال تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ
عِلْمًا" [طه: 110] . وقال صلى الله عليه وسلم: "لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ" أخرجه مسلم (486) . وبهذا يتبين أن من طرق معرفة الله طريقين: العقل، والسمع، وهو النقل، وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة، وأن من أسمائه وصفاته ما يعرف بالعقل والسمع، ومنها ما لا يعرف إلا بالسمع.
وبهذه المناسبة يحسن التنبيه إلى أنه يجب تحكيم السمع، وهو الوحي، وجعل العقل تابعًا مهتديًا بهدى الله، ومن الضلال المبين أن يعارض النقل بالعقل، كما صنع كثير من طوائف الضلال من الفلاسفة والمتكلمين.
ووفق الله أهل السنة والجماعة للاعتصام بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واقتفاء آثار السلف الصالح، فحكّموا كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ووضعوا الأمور في مواضعها، وعرفوا فضيلة العقل، فلم يعطلوا دلالته، ولم يقدموه على نصوص الكتاب والسنة، كما فعل الغالطون والمبطلون، فهدى الله أهل السنة صراطه المستقيم، فنسأل الله أن يسلك بنا سبيل المؤمنين، وأن يعصمنا من طريق المغضوب عليهم، والضالين. والله أعلم.(2/137)
هل لتقسيم التوحيد ثلاثة أقسام دليل؟
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الربوبية
التاريخ 13/04/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
تحدى أحد الذين أعلنوا الحرب صراحة على الدعوة السلفية في بلدي -في صفحات إحدى الجرائد- علماء ودعاة السلفيين على الإتيان بنص واحد فقط من القرآن، أو السنة، أو كلام السلف يثبت تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، معتبراً هذا التقسيم من باب تثليث النصارى، وقال: أعطيكم مهلة ست سنوات، وإن جئتم بدليل واحد، فأنا على استعداد لإعلان توبتي على صفحات الجرائد والاعتذار، فمن يجيبه؟
الجواب
أولاً: العبرة بالحقائق وليس بالصور، والمعاني التي جاءت في هذا التقسيم صحيحة، وكلها يشهد لها القرآن والسنة.
فتوحيد الألوهية: يعني أن توحد الله -عز وجل- في العبادة، فإن معنى: "إله" أي معبود، فهذا سماه ابن تيمية توحيد العبادة، فهل هذا المعنى صحيح؟ فإن كان صحيحاً فماذا نسميه؟
وتوحيد الربوبية: مشتق من: "الرب" أي الخالق، فهل اعتقاد أن الله- عز وجل- هو المتفرد بالخلق صحيح؟
وتوحيد الأسماء والصفات: أي نوحد الله -عز وجل- في أسمائه وصفاته، ونعتقد أنها لا تشابه صفات المخلوق وأسمائه، فهل هذا المعنى فيه أشكال؟!
ثانياً: سبب التقسيم أن بعض المسلمين خالف في بعض هذه الأنواع وأقر ببعضها، فكان الحوار يقتضي بيان جوانب الاتفاق وجوانب الخلاف، وذلك لا يتم إلا بهذا التقسيم.
فكل الأمة مقرة بتوحيد الربوبية، بل المشركون أنفسهم مقرون بتوحيد الربوبية، قال تعالى: "ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله" [لقمان: 25] . فهذا الجانب من جوانب التوحيد لا تنكره قريش، فدل على أن النبي-صلى الله عليه وسلم- جاء يدعوهم لشيء أنكروه وهو توحيد العبادة معنى "إله" فقال قولوا: لا إله إلا الله، أي لا معبود، ولم يرد: لا خالق؛ لأنهم لا ينكرونه.
فإذا جاء أحد من المسلمين وفسر"لا إله إلا الله" بمعنى لا خالق إلا الله، فنقول: هذا خطأ يبين له من خلال التقسيم هذا ... إلخ
فكان هذا التقسيم مساعداً لبيان جوانب الصواب وجوانب الخطأ في العقائد.
وبهذا يتبين أن التقسيم لا يترتب عليه تثليث ولا تربيع وإنما لزيادة الإيضاح، وأما معاني تلك الأقسام فهي واضحة في تفسير الآيات في كتب التفاسير، فبالرجوع إليها يتضح التقسيم.
والله الموفق.(2/138)
كيف أقنعها بوجود الله!
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الربوبية
التاريخ 07/05/1427هـ
السؤال
معي طالبة في الفصل، وهي تقول: أنا أعيش بلا دين، لأني لا أؤمن بوجود إنه! فأقول من خلقك؟، فتقول: لا أعلم مثلي مثل الحيوان، أقول: والعقل الذي ميزك الله به عن الحيوان؟ تقول: لا أعلم، نحن نوع من الحيوانات! أرجو أن تبينوا لي كيف أتعامل معها؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيظهر أن هذه الطالبة من الصنف الذي يعيش تحت وطأة لوثات فكرية إلحادية، أو في بيئة معرضة عن ذكر الله، والبعض يعاني من اضطراب، وخلل في العقل والتفكير، أو وساوس ونحو ذلك، وهذه الحالات النادرة أرى أن لا تكون محل اهتمام كبير لندرتها، ولأنها لا تبحث عن الحقيقة فيما يبدو، ومجرد الإشفاق على هذا النوع غالباً إنما يكون عاطفياً، ولذا فإني أوصي السائلة بأن لا تذهب نفسها حسرات ولتتذكر أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) [فاطر:8] . وقال: "إنك لا تهدي من أحببت" [القصص:56] . ولتتذكر أيضًا وأن القلوب بيد الله يهدي من يشاء.
ويضل من يشاء، ولا يعني ذلك عدم دعوة هؤلاء الضالين. بل يُدعون للحق، لكن بشيء من الرفق، وبالقدوة، وعدم التمادي في الجدال. وبالمحاجة الفطرية، والعقلية السهلة، ويمكن أن ينصحوا بقراءة الكتب المتخصصة التي تخاطب العقل، والفطرة، والوجدان، وتلفت النظرة إلى آيات الله في الإنسان، والكون.. وأهمها ترجمة معاني القرآن، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومثل كتاب: "الله يتجلى في عصر العلم"، وكتاب "الإنسان ذلك المجهول" لإلكسس كارل ونحوهما.(2/139)
خلق الكون في ستة أيام!
المجيب د. خالد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الربوبية
التاريخ 22/05/1427هـ
السؤال
لماذا خلق الله الكون في ستة أيام؟ وهو سبحانه إذا أراد شيئًا قال له كن، فيكون؟!
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا شك أن الله تعالى له القوة المطلقة والإرادة المطلقة، وإذا أراد أمرا، فإنما يقول له كن فيكون، فبكلامه تعالى يخلق ويكوّن الأشياء من العدم (ألا له الخلق والأمر) [الاعراف: 54] . فبالأمر يكوّن ويخلق إلى قيام الساعة.
أما لماذا لم يخلق الكون بالأمر دون الفعل في ستة أيام، فهذا لا يمكن أن نعرفه على وجه الحقيقة إلا على يد نبي معصوم، وقد انقطع الوحي بموت رسولنا صلى الله عليه وسلم، ولكن أهل العلم يقولون إنه فعل ذلك لحكمة عظيمة يعلمها -سبحانه- وقد يعلم البشر شيئا منها.
ويمكن أن يقال في كثير من الأمور ما قالته السائلة، كأن يقال: بما أن الله قدر الأقدار وعلم أهل الجنة والنار، فلماذا لم يخلقهم جملة واحدة ويدخلهم إلى مصيرهم فورا؟ ويقال: لماذا أخفى عنا بعض الخلق كالجن والملائكة؟ ويقال ويقال ...
والواجب على المؤمنين التسليم لنصوص الشرع الحنيف واتباع ما جاء به النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وأما معرفة ما هو من اختصاص ذاته سبحانه وصفاته، فلا سبيل للوصول، إليه كما قال سيدنا المسيح عيسى عليه السلام "تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب" [المائدة:116] . وصلى الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(2/140)
هل الحنان والعطف من صفات الله؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 22/7/1422
السؤال
هل (الحنان والعطف) من صفات الله تعالى؟ وهل يجوز للمسلم أن يدعوا قائلاً: "يارب أنعم علينا بعطفك وحنانك …" …وجزاكم الله خيراً
الجواب
أما العطف فلا أعلم أنه ورد في شيء من النصوص نسبته إلى الله. وأما الحنان فقد ورد في المسند 3/230 بسند ضعيف جدا عن أنس مرفوعا:" أن عبداً في جهنم ينادي ألف سنة يا حنان يا منان ".
ولكن يلاحظ أن لفظ العطف يرد في بعض كلام أهل العلم كمجاهد قد قال في قوله تعالى: ((وحناناً من لدنا)) تعطفاً من ربه عليه. وكذا ورد في كلام ابن القيم بنحو هذا.
فلعله يعتبر مما يصح في الخبر دون الوصف حيث أن باب الخبر أوسع- كما في القاعدة المقررة - والعطف قريب معناه من الرحمة.(2/141)
صفة الشم لله تعالى..
المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 22/7/1422
السؤال
هل يصح إثبات صفة الشم لله تعالى؟ فقد قال عليه الصلاة والسلام (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)
الجواب
أما عن إثبات صفة الشم لله تعالى فقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية أن بعض الطوائف أثبتوها ومنهم من نفاه عن الله تعالى، ولم ينقل شيخ الإسلام عن جمهور السلف الصالح إثبات لذلك.
ونوصي السائل بالحرص على ما ينفع، وترك التكلف والبحث عما أمسك عن سلفنا الصالح، لا سيما وأن في التفقه والتعبد بأسماء الله تعالى وصفاته الثابتة في نصوص الوحيين_ما يكفى ويشفي والله أعلم.
(1) أنظر مجموع الفتاوى 6/135(2/142)
هل هذا من التنجيم؟
المجيب أ. د. صالح بن عبد الله اللاحم
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 9/4/1422
السؤال
رجل يقول بأنه يستدل بحركة النجوم على بعض الأحداث، مثلاً قال لأحد الناس: ازرع في وقت كذا أما في وقت كذا فدع الحرث والزرع، فإنه لن يأتيك بثمر، وفعلاً حصل ذلك.
الجواب
الاستدلال بالبروج على مواسم البذر، والغرس ليس من التنجيم في شيء، وهو عمل المسلمين خلفاً عن سلف، وقد أجرى الله العادة بصلاحية كل وقت لبذر أو غرس معين، إلا أن الذي لا يجوز هنا اعتقاد أن لهذا النجم أو ذاك أثراً في حصول الثمر، أو جودته، أو نزول المطر أو نحو ذلك.
ومثل هذا يقال في تحديد وقت تزداد فيه خصوبة الرجل أو المرأة. وقد ضرب الفقهاء أجلا للعنين قدروه بسنة، وعللوا لذلك بمرور الفصول الأربعة عليه، فإن لم ينشط في أحدها فلا فائدة في زيادة الانتظار.(2/143)
حقيقة التجسيد عند السلفيين
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 3/2/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
ما حقيقة أن السلفيين جسدوا الله جل جلاله؟ وهل يعتبر ذلك من أبواب الشرك بالله؟
الجواب(2/144)
الحمد لله، من يقول من الناس إن الله جسد أو جسم، أو إن الله ليس بجسم فإنه محدث في صفاته ما لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ولفظ الجسم أو الجسد كما يعبر بعض الناس -مع أنه لم يرد في صفاته- هو لفظ مجمل وقد يراد به حق، وقد يراد به باطل، فمن تكلم بهذا اللفظ وأمثاله فإن الواجب أن يستفصل عن مراده؛ فإن كان حقاً قبل ما أراد وإن أراد باطلاً رد، ومن أجل ذلك لا يجوز إطلاق هذه الألفاظ في صفات الله لا نفياً ولا إثباتاً، وهذا سبيل أهل السنة والجماعة، لا يصفون الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وإثبات الصفات التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- هو الواجب على كل مسلم يؤمن بالله ورسوله -عليه الصلاة والسلام-، فتثبت لله الصفات مع نفي التمثيل ونفي العلم بالكيفية، ومن قال: إن من يثبت لله الصفات يكون مجسماً فإنه مفتر فيما يقول، فأهل السنة الذين يثبتون لله الصفات كالوجه واليدين ويثبتون علو الله على خلقه؛ لا يقولون إنه تعالى جسم كما لا يقولون إنه تعالى ليس بجسم، فلا يطلقون هذا اللفظ لا نفياً ولا إثباتاً كما تقدم، وهذه الشبه وهي أن إثبات الصفات يستلزم التجسيم، هو الذي حمل المعطلة كالمعتزلة على نفي صفات الله التي أخبر بها سبحانه وتعالى، وأخبر بها رسوله -عليه الصلاة والسلام- فضلوا بذلك عن الصراط المستقيم، وعارضوا كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بعقولهم، وتنقصوا رب العالمين الذي يجب إثبات الكمال له، وكل ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله -عليه الصلاة والسلام- فإنه كمال لا نقص فيه، وهو ثابت له على ما يليق به سبحانه، لا يماثل في ذاته ولا في صفاته ولا أفعاله أحداً من خلقه، ولا يماثله أحد من خلقه، كما قال سبحانه:"ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" [الشورى: 11] ، والله أعلم.(2/145)
الله نور السماوات والأرض
المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 10/5/1423
السؤال
قوله -سبحانه وتعالى-:"الله نور السماوات والأرض" هل يعني أن الله -سبحانه- مثل الشمس؛ لأن نور الأرض هي الشمس؟ أرجو منكم جواباً مفصلاً.
الجواب
من منهج أهل السنة والجماعة إثبات ما أثبته الله لنفسه من الصفات، وما أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل، ومن الصفات الثابتة له -سبحانه- صفة النور، وهي ثابتة بالقرآن والسنة.
وعليه فأهل السنة والجماعة يقولون: إن الله متصف بصفة النور، ولا يشبهون هذه الصفة بصفات المخلوقين.
فليس نروه كنور الشمس، أو القمر، أو سائر الأنوار، فالله -سبحانه وتعالى-"ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" [الشورى:11] ، لا مثيل ولا شبيه لا في ذاته ولا في صفاته، ففي جميع الصفات منهجهم واحد، كما قال مالك وربيعة:"الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة"، أجاب به من سأل عن كيفية استواء الرحمن -سبحانه وتعالى-.(2/146)
روح الله -تعالى-
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 23/12/1423هـ
السؤال
هل لله روح؟ وهل صحيح أنه نفخ في آدم من روحه؟ هل لله يد أم أنها صفة معنوية؟
الجواب
أولاً: الله -سبحانه وتعالى- لم يصف نفسه بالروح، وإضافته روح آدم عليه السلام إليه في قوله -تعالى-:"فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ" [الحجر:29] "ونفخ فيه من روحه" [السجدة:9] وإضافته -سبحانه- روح عيسى - عليه السلام - إليه في قوله -سبحانه-: "وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ" [التحريم:12] هذه الإضافة كالإضافة في قوله -سبحانه-: "وطهر بيتي للطائفين والقائمين" [الحج:26] وقوله - عز وجل - " فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها" [الشمس:13] .
فهذه الإضافة من إضافة الخلق إليه -سبحانه- على وجه التشريف والتعظيم، فإن المضاف إلى الله نوعان أحدهما: إضافة ما يكون منفصلاً عنه قائماً بنفسه أو قائماً بغيره، فإضافته إلى الله إضافة خلق وتكوين، ولا يكون ذلك إلا فيما يقصد به تشريف المضاف أو بيان عظمة الله -تعالى- لعظم المضاف فهذا النوع لا يمكن أن يكون من ذات الله -سبحانه- ولا من صفاته إنما إضافة مخلوق إلى خالقه -سبحانه- ومن هذا النوع إضافة الله -تعالى- روح آدم وعيسى إليه -سبحانه-، وإضافة البيت والناقة بل كل ما في السماوات والأرض إليه سبحانه.
الثاني: من المضاف إلى الله ما لا يكون منفصلاً عن الله بل هو من صفاته الذاتية أو الفعلية كوجهه ويده وسمعه وبصره واستوائه على العرش ونزوله إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ونحو ذلك، فإضافته إلى الله -تعالى- من إضافة الصفة إلى موصوفها.(2/147)
ثانياً: الله -سبحانه وتعالى- وصف نفسه باليد في نصوص متعددة أظهرها "لما خلقت بيدي" [ص:75] وقوله " " بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ" [المائدة: من الآية64] وإضافة اليدين هنا من إضافة الصفة إلى موصوفها كما سبق، فله -سبحانه- كما قال عن نفسه يد على الحقيقة لا تماثل يد المخلوق؛ لأن ذاته -سبحانه- لا تماثل ذوات المخلوقين، فكما أن له ذاتاً حقيقة لا تماثل ذوات المخلوقين فله يد -كما وصف نفسه- حقيقة لا تماثل أيدي المخلوقين "القول في الصفات كالقول في الذات" فله يد حقيقة تدل على معنى يليق بالله، كما أن للمخلوق يد حقيقية تليق به، ولله المثل الأعلى.(2/148)
هل رؤية الله -تعالى- في الدنيا ممكنة؟
المجيب د. علي بن بخيت الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 20/12/1422
السؤال
لقد دار حديث بيني وبين المدرس عن رؤية الله في الدنيا، فهل هي مستحيلة أو ممكنة؟ ولقد قرأت الكثير من الأدلة التي تثبت استحالة رؤية الله في الدنيا، فأفيدونا -جزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، وبعد:
فالذي عليه جماهير أهل السنة أن رؤية الله بالأبصار في الآخرة حق لا ريب فيه للمؤمنين، وهي أعظم نعيم لهم في الجنة - جعلنا الله منهم -، واتفقت الأمة على أن الله لا يراه أحد في الدنيا بعينه، واختلف في نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - هل رأى ربه؟ والصحيح وهو ما عليه الجمهور أنه لم يره، والرؤيا في الدنيا ممكنة، على الراجح من أقوال أهل العلم، إذ لو لم تكن ممكنة لما سألها موسى - عليه السلام -.
وعلى العموم فلا ينبغي أن يكثر الجدال في أمثال هذه المسائل التي لا يحكم على المخالف فيها ببدعة أو ضلال، والله الهادي إلى صراط مستقيم.(2/149)
معنى: "بائن من خلقه"
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 6/9/1423هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: ما معنى قول العلماء عن الله: بائن من خلقه؟ وما معنى قولهم عن القرآن: إليه يعود؟
الجواب
أما قول أئمة السنة: إنه سبحانه وتعالى فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه، معنى بائن من خلقه: أي أنه ليس حالاً في مخلوقاته، ليس هو داخل شيء من مخلوقاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، والمراد بهذه العبارة هو نفي الحلول في الجانبين، فليس في ذات الله شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، لأنه العلي الأعلى فوق كل شيء، والحلول ينافي ذلك، وأما قول أهل السنة في القرآن: إنه منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، المقصود: رفعه في آخر الزمان، فإنه في آخر الزمان يرفع من الصدور ومن المصاحف فتخلوا الأرض من القرآن، وذلك عند اقتراب قيام الساعة حين لا يبقى لوجود القرآن في الأرض أثر من الانتفاع به، فلا ينتفع به أحد لغلبة الكفر على الخلق، وأما أهل الإيمان فيُنزل الله ريحاً تقبض أرواحهم فتخلوا الأرض من الخير ولا يبقى فيها إلا شرار الناس وعليهم تقوم الساعة، نسأل الله السلامة والعافية.(2/150)
أول ما خلق الله
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 13/9/1423هـ
السؤال
جاء في الحديث الصحيح أن الله -تعالى- أول ما خلق القلم أمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فهل كون القلم أول خلق خلقه الله -تعالى- يستلزم أن الله قبل خلقه للقلم لم يكن خالقاً أم كان خالقاً يخلق ما يشاء لو شاء، ولكن قضت حكمته وشاءت ألاّ يخلق شيئاً قبل القلم؟ هذه إشكالية عند بعض إخواننا، أرجو أن تتفضلوا بالإجابة التفصيلية عنها.
الجواب
اعلم أخي -حفظك الله- أن العلماء مختلفون في أول المخلوقات هل هو القلم أم العرش؟ والأقرب للصواب أنه العرش؛ لحديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء" مسلم (2653) ، فهذا صريح أن الله -تعالى- لما كتب مقادير الخلائق بالقلم الذي أمره أن يكتب في اللوح كان عرشه على الماء، فكان العرش مخلوقاً قبل القلم، وهذا واضح عند التأمل؛ لأن التقدير وقع عند أول خلق القلم، أما قوله -صلى الله عليه وسلم-:"أول ما خلق الله القلم ... " الترمذي (2155) ، أبو داود (4700) فمعناه أول المخلوقات من هذا العالم توفيقاً بين الأحاديث هذا إذا كان قوله:"أول"، و"القلم" مرفوعان.
أما إن كان الحديث جملة واحدة فيكون معناه أنه عند أول خلقه قال له: اكتب، ولهذا في بعض ألفاظ الحديث"لما خلق الله القلم قال له: اكتب"، وفي اللفظ الآخر:"أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب ... ".(2/151)
ومعنى هذه الأحاديث "أول ما خلق ... " المراد بها الإخبار عن مبدأ خلق هذا العالم المشهود الذي خلقه الله في ستة أيام وليس المراد منها الإخبار بأن الله -تعالى- كان موجوداً وحده ثم ابتدأ إحداث الحوادث بمعنى: أن الله صار فاعلاً بعد أن لم يكن يفعل شيئاً، فهذا المعنى ليس بصحيح، بل الصحيح -كما سبق- أن معناه الإخبار عن مبدأ خلق العالم المشهود من السماوات والأرض وغيرهما، أما ابتداء خلق ما خلقه الله قبل ذلك فليس في هذه الأحاديث تعرض له، ولهذا شواهد ودلائل أخرى كثيرة، والله -تعالى- أعلم.(2/152)
معنى: "قال الله ولا يزال قائلاً"
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 30/1/1424هـ
السؤال
نسمع بعض الخطباء يقولون:"قال الله عز وجل ولا يزال قائلاً" وبعد ذلك يتلو بعض آيات القرآن الكريم، فما معنى قال تعالى ولا يزال قائلاً؟.
الجواب
الحمد لله، لا ينبغي أن يقول الإنسان عند الاستشهاد ببعض آي القرآن أن يقول:"ولا يزال قائلاً"، بل يقول قال الله تعالى، ثم يتلو الآية أو الآيات التي يريد الاستشهاد بها، فإن قوله:"ولا يزال قائلاً" لفظ يحتمل معنى باطلاً، وهو: أن كلام الله لا تتعلق به مشيئته ولا يزال قائلا: يا نوح، يا موسى، هذا مذهب معروف لبعض أهل البدع، يقولون: إن كلام الله قائم به قيام الحياة، فلم يزل متكلماً بأعيان ما في القرآن من أنواع الكلام خبراً، أو أمراً، أو نهياً، وأهل السنة والجماعة ينكرون ذلك، ويقولون: إنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء بما شاء، وكيف شاء، وأن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد، فالقرآن لا يقال له قديم؛ لأن الله تكلم به حين أنزله ونزل به الروح الأمين، وتكليمه تعالى لموسى إنما كان وقت ما جاء موسى لميعاد ربه، وكذلك لما كلمه من الشجرة كما قال تعالى:"فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين ... "الآيات.
فالمقصود أن قول القائل:"إن الله قال ولا يزال قائلاً" لفظ يحتمل حقاً وباطلاً فيجب اجتنابه، والله أعلم.(2/153)
القرب الحسي والمعنوي من الله تعالى
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 18/4/1424هـ
السؤال
أرجو أن تبينوا لنا قول أهل السنة عن قرب العباد من ربهم والرب من عباده، وهل يكون الشخص الذي في أعلى الجبل أقرب إلى الله من الذي في أسفله؟ أرجو إجابتي عن هذه الشبهة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
قال الله تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" [البقرة:186] ، والله تعالى أعظم وأجل من أن تقاس أحواله على أحوال خلقه، ولذلك ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء" رواه مسلم (482) ، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- مع أن السجود أخفض من الركوع والقيام في مقاييس الخلق، فالله تعالى ليس كمثله شيء، ولا تضرب له الأمثال.
ولذلك لا يجوز افتراض مثل هذه الشبهة، فالمسلم إذا عظم الله تعالى حق التعظيم، تهيب من افتراض الأحوال، وإذا تمادت به الخيالات والأوهام فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ويقول آمنت بالله، ويستشعر عظمة الله -تعالى- بقلبه ومشاعره وجوارحه وفي كل أحواله. وعليه لا ينبغي السؤال في حق الله تعالى، ويجب على المسلم كذلك أن يسلم بالنصوص الثابتة في أسماء الله وصفاته وأفعاله، ويؤمن بأنها حق على ما يليق بجلال الله وعظمته سبحانه من غير تمثيل ولا تأويل.
فالإنسان لا يدري كيفية نفسه وعقله وروحه وكثير من الخلق، والله أعظم وأجل -تبارك ربنا وتعالى- "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" [الشورى: 11] .(2/154)
آخر وقت نزول المولى سبحانه
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 5/11/1424هـ
السؤال
هل الساعة التي ينزل فيها الله -تعالى- إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل تستمر إلى أذان الفجر؟ أم أن لها وقتاً ينتهي قبل الأذان؟ أثابكم الله.
الجواب
يستمر الوقت إلى طلوع الفجر، أو حتى ينصرف القارئ من صلاة الفجر، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"ينزل ربنا -تبارك وتعالى- كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى ينفجر الفجر، أو حتى يطلع الفجر، أو حتى ينصرف القارئ من صلاة الفجر" رواه البخاري (1145) ومسلم (758) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، علماً بأن الوقت ثلث الليل الآخر، وليس ساعة كما ورد في السؤال.(2/155)
هل تحمل آيات الصفات هذه على المجاز؟
المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 29/05/1427هـ
السؤال
ما موقف أهل السنة والجماعة من هذا الكلام: المعنى الحرفي لقوله تعالى: "ولتصنع على عيني"، وقوله تعالى لموسى: "فإنك بأعيننا"، وقوله تعالى: "واصنع الفلك بأعيننا"، فالمعنى الحرفي لهذه النصوص أن الآلة التي بُني بها الفعل هي العين. ولكن باللغة العربية هذا مجاز يعني "تحت إشرافنا" فلابد من التفسير المجازي للآيات، وأنها تعني العناية الفائقة والإشراف!
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأهل السنة والجماعة من منهجهم في الصفات إثبات ما أثبته الله لنفسه، وأثبت له رسول الله صلى الله عليه وسلم، إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل. ومن الصفات التي يثبتها أهل السنة والجماعة صفة العينين. لله فيعتقدون أن لله عينين، على ما يليق بجلاله -سبحانه وتعالى- وقد ذكر ذلك علماء أهل السنة في كتبهم المعتمدة، ونصوا عليه. ومن أدلتهم على إثبات هذه الصفة هذه الآيات القرآنية: "تجري بأعيننا" [القمر:14] ، "ولتصنع على عيني" [طه:39] ، قوله صلى الله عليه وسلم في الدجال: "إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور". صحيح البخاري (3057) ، صحيح مسلم (196) .
فمن زعم أن الذي يظهر من الآية أن الآلة التي بني به الفلك هي العين فزعمه باطل. فلا أحد يفهم العربية يتبادر إلى ذهنه هذا المعنى. فلعل من يظن هذا الظن من الأعاجم. وإذا قيل: إن المراد: اصنع الفلك بمرأى منا وعناية منا، فهذا المعنى لا يلغي دلالة الآية على إثبات صفة العين لله.
ومثال: عندما يطلب منك إنسان أن تعمل له على عمل، أو يطلب منك شيئاً فتقول: "على راسي وعلى عيني" نقول هذا الكلام بمنتهى الأدب، ولا يفهم منك أنك ستعمل العمل على رأسك وعلى عينك.(2/156)
ولا يفهم إذا لم يفهم ذلك أن لا رأس لك، ولا عين. والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد.(2/157)
معنى: "إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ "
المجيب د. محمد بن سريّع السريّع
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 4/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما معنى قوله تعالى "هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ"، هل يأتي الله سبحانه وتعالى مع الغمام والملائكة أم أنه يرسل الملائكة الموكلة بحمل الغمام يوم القيامة ويأتي هو بما شاء؟ وهل يكون ذلك يوم الحشر والمؤمنين والكافرين مع بعض؟ أم أن ذلك مخصص للمؤمنين؟ وهل هذه الآية آية تخويف ووعيد أم أنها آية رحمة؟ أفيدونا وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالمراد أن هؤلاء المكذبين ما ينظرون إلا إتيان الله يوم القيامة، فهو استفهام بمعنى النفي المتضمن للإنكار، فهم في غيهم سادرون وفي شهواتهم غارقون، ما ينتظرون إلا هذا الموقف العصيب يوم القيامة، حين يشفع النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ربه أن ينزل لفصل القضاء بين الخلائق، بعد أن يصيبهم من الكرب والشدة شيء عظيم، فينزل جل وعلا مع الغمام - وهو السحاب الأبيض - وتنزل الملائكة وحملة العرش والكروبيون.
وهذا الموقف - كما سبق - يكون يوم القيامة والناس جميعاً محشورون مؤمنهم وكافرهم برهم وفاجرهم، وهذه الآية فيها تخويف شديد للمجرمين الذين بارزوا الله تعالى بالمعاصي، وخالفوا أمره وارتكبوا نهيه، كما أن فيها طمأنينة للمؤمن الذي يحب لقاء الله الذي أحسن العمل في الدنيا فأحسن الظن بربه عز وجل.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا للعمل الصالح الذي يرضيه، وأن يتغمدنا برحمته إنه غفور رحيم، والله أعلم.(2/158)
أسماء الله الدالة على وصف متعدي وغير متعدي
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 16/7/1424هـ
السؤال
ما هي أسماء الله المتعدية وغير المتعدية؟ وما المقصود بالمتعدي وغير المتعدي؟ أرجو منكم التوضيح وبارك الله فيكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فإن أسماء الله - تعالى - الحسنى تنقسم من حيث دلالتها على الصفات وما يشتق منها إلى قسمين:
الأول: أسماء دلت على وصف متعد ... وهو ما يصل أثره إلى غيره، وهذه تتضمن ثلاثة أمور:
أ. ثبوت ذلك الاسم.
ب. ثبوت تلك الصفة المشتقة من ذلك الاسم.
ج. ثبوت حكمها وأثرها ومقتضاها.
ومثال ذلك اسم "السميع" لله تعالى، فهذا الاسم ثابت لله تعالى، ويشتق له منه صفة "السمع" فالله - عز وجل - ذو سمع يسمع به المسموعات كما يثبت لله تعالى من ذلك الأثر المترتب على ذلك الاسم وهو الفعل والحكم وهو أن الله (يسمع) المسموعات، قال تعالى: " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا" [المجادلة: من الآية1] ، وقال تعالى: "قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى" [طه:46] ، وهذا الاسم دل على وصف متعد وهو الحكم والأثر لذلك الاسم.
الثاني: أسماء دلت على وصف غير متعد ... وهذا يتضمن أمرين:
أ. ثبوت ذلك الاسم. ب. ثبوت الصفة المشتقة من ذلك الاسم.
ولا يثبت لله الحكم أو الفعل أو الأثر؛ لأنه غير متعد مثل اسم "الحي" فالاسم ثابت لله تعالى: "وتوكل على الحي الذي لا يموت" [الفرقان:58] كما يثبت له الصفة المشتقة من ذلك الاسم وهي صفة "الحياة" لكن لا يثبت له الحكم أو الأثر أو الفعل؛ لأنه غير متعد فلا يقال إن الله يحيى أو حيا وعلى هذا فقس.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(2/159)
الضابط في أسماء الله الحسنى
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 15/9/1424هـ
السؤال
ما الضابط في أسماء الله سبحانه وتعالى فأنا طالب علم، وقد درست في جامعة الإمام أن ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو من أسمائه جل شأنه، ولكني رأيت أن هذه القاعدة غير مضطردة، فقد سألت عالماً جليلاً عن (المسعر) هل هو من أسماء الله؟ وساق الحديث الذي فيه "فإن الله هو المسعر" ثم قال إذاً هو من أسماء الله، ثم سألت عنه عالماً له مكانته ليطمئن قلبي لهذه القاعدة فزادني منها شكاً، حيث ذكر الحديث، ثم قال ليس من أسماء الله! أفتونا ودلونا على كتاب في ضبط ذلك، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
القاعدة في أسماء الله وصفاته أن كل ما أضيف إلى الله بصيغة المشتق، كالخالق والخلاق والرازق والرزاق والفتاح فإنه اسم من أسمائه سبحانه وتعالى، ومعلوم أن ما ورد في القرآن من هذا لا يختلف الناس في اعتباره اسماً من أسمائه سبحانه وتعالى؛ كأسمائه المذكورة في آخر سورة الحشر، وأسمائه التي ختم بها كثير من الآيات كالعليم والخبير والحكيم والغفور وعالم الغيب وعلام الغيوب والقوي والمتين، وهكذا ما ورد في السنة من الألفاظ التي أضيفت إلى الله وهي بصيغة المشتق كما تقدم، ومن ذلك الجميل الرفيق والمسعر والقابض والباسط كما جاء في ذلك الحديث من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق" رواه الترمذي (1314) ، وأبو داود (3451) ، وابن ماجة (2200) ، من حديث أنس -رضي الله عنه- ومن نفى أن يكون ذلك اسم فعليه أن يذكر الفرق بين هذه الألفاظ الواردة في السنة، وما ورد في القرآن، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله هو المسعر" سبق تخريجه، كقوله: إن الله عليم حكيم، هذا والله أعلم.(2/160)
نقل أسماء الله وصفاته من الحقيقة إلى المجاز
المجيب د. عبد العزيز بن عمر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 15/6/1424هـ
السؤال
يقول بعض الأشاعرة أو الماتريدية أن أهل السنة يثبتون المعنى وينفون الكيفية في أسماء الله - عز وجل - وصفاته، والمرجع في إثبات المعنى هو اللغة العربية، وعند الرجوع للمعنى في اللغة العربية نجد أن المعنى لا يليق بالله - عز وجل -، فلا نأخذ به، فنكون بذلك قد خرجنا من الحقيقة إلى المجاز، مثال ذلك اليد في اللغة تطلق على الجارحة التي هي جزء مركب في الشيء، وهذا المعنى لا ينطبق على الله، لأنه يستلزم منه أن الله مركب أو أنه يتحيز، فنقول إن ذلك المعنى اللغوي غير مراد فنكون بذلك قد خرجنا من الحقيقة إلى المجاز الذي هو التفويض أو التأويل، فما هو الجواب إزاء هذه الشبهة؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب(2/161)
أهل السنة والجماعة لهم رأي رشيد ونهج سديد في أسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله، فهم ينطلقون في إثبات الأسماء والصفات لله تعالى من منطلق أن كل ما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة من أسماء أو صفات لله تعالى أثبتوها له تعالى من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، على قاعدة (إقرار وإمرار) أمروها كما جاءت، معتمدين على قوله تعالى: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" [الشورى: من الآية11] ، وفي هذه الآية الكريمة رد على المشبهة وعلى المعطلة في نفس الوقت، وعلى قوله تعالى: "قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ" [البقرة: من الآية140] ، وعلى قاعدة (كل ما يخطر ببالك فالله على خلاف ذلك) ، وما لم يرد في الكتاب أو السنة الصحيحة فإنهم لا يثبتونه، ليس لهم منهج آخر، ولا أسد ولا آمن من هذا، لذا فهم في مأمن من التناقض الذي وقع فيه جميع أهل البدع المنطلقين من منطلقات غير الكتاب والسنة، عقلية بزعمهم أو لغوية أو غير ذلك، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: (ولهذا لا يوجد لنفاة بعض الصفات دون بعض الذين يوجبون فيما نفوه إما التفويض وإما التأويل المخالف لمقتضى اللفظ قانون مستقيم، فإذا قيل لهم لم تأولتم هذا وأقررتم هذا والسؤال فيهما واحد؟ لم يكن لهم جواب صحيح فهذا تناقضهم في النفي ... ) انظر كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في العقيدة (3/26) ، لأجل هذا كثر النطاح فيما بين المبتدعة، وما يفرون من شيء إلا لزمهم ما أثبتوه، فهم جميعاً متفقون على إثبات صفة الحياة لله تعالى، والحياة ثابتة للمخلوق أيضاً بنص القرآن الكريم قال تعالى:"أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [الأنعام:122] ، فإذا ما قيل لهم ذلك قالوا: نحن نثبت الحياة لله تعالى كما(2/162)
تليق به، والحياة للعبد كما تليق به، قلنا لهم وكذا سائر الأسماء والصفات إذ لا فرق بين صفة وأخرى، فالكلام في بعض الصفات كالكلام في البعض الآخر، وإلا كنتم كمن يفرق بين المتماثلات بمجرد الهوى.
أما ما ذكر من أن أهل السنة والجماعة ينفون الكيفية وهو ما يعرف بالتفويض، فهذا الأمر ليس على إطلاقه بل فيه تفصيل:(2/163)
فإن كان المراد بنفي الكيفية (التفويض) هو نفي معرفة كنه تلك الصفة وكيفيتها أو الاسم فهذا حق وصدق فإنهم يقولون: (لا يعلم كيف هو إلا هو تعالى) ، ولهذا قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى كما في اجتماع الجيوش الإسلامية (1/141) (روى ابن بطة عنه في الإبانة بإسناده قال إذا قال لك الجهمي كيف ينزل فقل كيف يصعد) وفي أقاويل الثقات لمرعي بن يوسف المقدسي قوله: (وما أحسن ما قال بعضهم إذا قال لك الجهمي كيف استوى أو كيف ينزل إلى السماء الدنيا أو كيف يداه ونحو ذلك فقل له كيف هو في نفسه، فإذا قال لا يعلم ما هو إلا هو وكنه الباري غير معلوم للبشر فقل له فالعلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، فكيف يمكن أن تعلم كيفية لموصوف لم تعلم كيفيته وإنما تعلم الذات والصفات من حيث الجملة على الوجه الذي ينبغي له، بل هذه الروح قد علم العاقل اضطراب الناس فيها وإمساك النصوص عن بيان كيفيتها، أفلا يعتبر العاقل بها عن الكلام في كيفية الله تعالى مع أننا نقطع بأن الروح في البدن، وأنها تخرج منه وتعرج إلى السماء، وأنها تسل منه وقت النزع كما نطقت بذلك النصوص الصحيحة..) (1/207) ، ولما سئل الإمام مالك رحمه الله تعالى عن الاستواء قال: (الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ... ) ، نقل ذلك عنه في كثير من كتب العقائد، قال الإمام المقدسي في أقاويل الثقات (والمشهور عند أصحاب الإمام أحمد أنهم لا يتأولون الصفات التي من جنس الحركة كالمجيء والإتيان والنزول والهبوط والدنو والتدلي، كما لا يتأولون غيرها متابعة للسلف الصالح، قال وكلام السلف في هذا الباب يدل على إثبات المعنى المتنازع فيه. قال الأوزاعي - لما سئل عن حديث النزول - يفعل الله ما يشاء. وقال حماد بن زيد: يدنو من خلقه كيف يشاء قال وهو الذي حكاه الأشعري عن أهل السنة والحديث. وقال الفضيل بن عياض: إذا قال لك الجهمي أنا أكفر برب يزول عن مكانه فقل(2/164)
أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء. وقال أبو الطيب: حضرت عند أبي جعفر الترمذي وهو من كبار فقهاء الشافعية وأثنى عليه الدارقطني وغيره فسأله سائل عن حديث: "إن الله ينزل إلى سماء الدنيا ... " رواه البخاري (7494) ، ومسلم (758) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- وقال له فالنزول كيف يكون يبقى فوقه علو فقال أبو جعفر الترمذي النزول معقول والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، فقد قال في النزول كما قال مالك في الاستواء وهكذا القول في سائر الصفات، وقال أبو عبد الله أحمد بن سعيد الرباطي حضرت مجلس الأمير عبد الله بن طاهر وحضر إسحاق بن راهويه فسئل عن حديث النزول (سبق تخريجه) أصحيح هو قال نعم، فقال له بعض قواد الأمير: يا أبا يعقوب أتزعم أن الله ينزل كل ليلة قال نعم قال كيف ينزل قال له إسحاق: أثبت الحديث حتى أصف لك النزول فقال له الرجل أثبته فقال له إسحاق: قال الله تعالى: "وجاء ربك والملك صفاً صفا" [الفجر: 22] فقال الأمير عبد الله بن طاهر يا أبا يعقوب هذا يوم القيامة فقال إسحاق: أعز الله الأمير ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم؟ وقال حرب بن إسماعيل: سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول ليس في النزول وصف، قال وقال إسحاق لا يجوز الخوض في أمر الله كما يجوز الخوض في أمر المخلوقين لقول الله تعالى: "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" [الأنبياء: 23] ولا يجوز أن يتوهم على الله بصفاته وأفعاله بفهم ما يجوز التفكر والنظر في أمر المخلوقين، وذلك أنه يمكن أن يكون الله موصوفاً بالنزول كل ليلة إذا مضى ثلثها إلى السماء الدنيا كما شاء، ولا يسأل كيف نزوله لأن الخالق يصنع ما شاء كما شاء ... ) انظر أقاويل الثقات (1/200 – 202) ، هذا هو التفويض المحمود وهو تفويض الكيفية، ولا يسع المؤمن غير هذا، أما التفويض المذموم فهو تفويض المبتدعة الضلال الذين يفوضون المعنى، ويزعمون أنهم لا يفهمون معنى الأسماء والصفات لغوياً، فلا يدرون ما معنى(2/165)
السمع ولا معنى البصر ولا معنى الكلام ولا معنى الحياة ولا معنى العلم وهكذا، ويقولون إنما هي ألفاظ مبهمة نثبتها كما هي دون أن ندري ما معناها، وكأن الله تعالى خاطبنا بلغة لا ندري ما هي وتعبدنا بفهمها وهذا تكليف بغير المطاق، وهو مخالف لقوله تعالى:"وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ" [فصلت:44] ، لسنا من الزط ولا من البربر لا ندري لغة القرآن الكريم الذي أنزله تعالى بلسان عربي مبين، وهذا الكلام باطل بكل المقاييس الشرعية والعقلية وغيرها، فنحن نعلم معنى السمع وأنه غير معنى البصر، ومعنى العلم أنه غير معنى الحياة، ومعنى الكلام غير معنى الاستواء وهكذا، لكن نفوض الكيفية لا المعنى وبين التفويضين كما بين العمى والبصر والضلال والهدى، وأما ما ذكره الفاضل من مثال اليد من أنها تكون جارحة ونحو ذلك فهذا صحيح لو أن أهل السنة والجماعة أثبتوا لله تعالى الأسماء والصفات على ظاهرها دون تنزيه له تعالى من أن يكون له شبيهاً أو مثيلاً، وللسائل أن يجيبني عن معنى قوله تعالى: "اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ" [صّ:17] ، كم لأيوب عليه السلام من أيد؟ أم أن الأيدي هنا يراد بها العلم والقوة وليست الجارحة؟ وإلا لزم أن يكون له عدة أيادٍ بنص القرآن الكريم، وهذا مالم يقل به أحد من العالمين، وما معنى قول العرب: فلان له أياد بيضاء؟ ولفلان عندي يد لا أنساها؟ هل المعنى على ظاهره؟ أم أن المراد منه أعمال الخير والبر والمعروف؟ أما يدا الخالق تبارك وتعالى فنثبتها كما نثبت غيرها من الصفات الذاتية أو الفعلية بنفس المنهج السابق (إقرار وإمرار) بلا(2/166)
تشبيه ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وقد قال تعالى في إثبات صفة يديه: "بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء" [المائدة من الآية 64] ، لا نقول جارحة ولا نقول مبالغة في الإثبات، ولا نقول ليس لله تعالى يدان إيغالاً في النفي، بل نقول له يدان تليقان، كما له تعالى سمع وبصر وحياة تليق به، والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل.(2/167)
الأسماء الإدريسية
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 04/04/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قرأت في كتاب اسمه في ملكوت الله مع أسماء الله، تأليف الشيخ/ عبد المقصود محمد سالم مؤسس (جماعة تلاوة القرآن الكريم) , قرأت فيه عن الأسماء الإدريسية السهروردية، للشيخ/ شهاب الدين عمر السهروردي، وهي من أسماء الله -تعالى-، وقد ذكر المؤلف أن هذه الأسماء اشتهرت بسرعة الإجابة, حتى قيل إنها من أذكار الأنبياء السابقين, توارثها الذاكرون مع اختلاف الرواية حتى وصلت إلى الأمة المحمدية, فتداولتها جيلاً بعد جيل, وذاع فضلها في الآفاق، وقد ذكر المؤلف أنه تلقاها من الشيخ/ يوسف إسماعيل النبهاني، كما ذكر الشيخ/ عبد المقصود في كتابه أنه لا ضرر من قراءة الأسماء الإدريسية يومياً على سبيل الورد, وفي وقت الشدائد والأزمات, أو تقرأ إحدى عشر مرة بعد صلاة الفجر، أرجو إفادتي ونصحي بالتعريف بهذه الأسماء, ولماذا سميت بالأسماء الإدريسية؟ وعن صحة ما ورد في هذا الكتاب؟.وجزاكم الله عنا كل خير.
الجواب(2/168)
الحمد لله، أسماء الله الحسنى إنما تستمد من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فلا طريق للعباد إلى معرفة أسمائه سبحانه إلا بالرجوع إلى ما أنزله الله على نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم- من الكتاب والحكمة، والله قد أغنانا بكتابه وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم- عن كل ما سواهما، وكل ما يسمى الله به مما لم يرد به كتاب ولا سنة فلا يجوز اعتقاد أنه اسم لله، وما يروى عن الأنبياء السباقين عليهم الصلاة والسلام، والكتب السابقة أحسن أحواله أن يكون من جنس أخبار بني إسرائيل تعرض على كتاب الله، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم- فما دل على صدقه صدقناه، وما دل على كذبه كذبناه، وما لم يتبين فيه هذا ولا ذاك توقفنا فيه، كما قال – صلى الله عليه وسلم-: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: "آمنا بالله وما أنزل ... " [البقرة: 136] ، رواه البخاري (4485) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-"، وما ذكرتيه أيتها السائلة عن هذا الكتاب المسمى (بملكوت الله) يجب أن ينظر في هذه الألفاظ التي تسمى أو تعرف بالأسماء الإدريسية، ولعلهم يزعمون أنها مما جاء بها نبي الله إدريس عليه السلام، وما يزعمه هذا المؤلف من فضل هذه الأسماء الأظهر أنه من افتراءات الصوفية وبدعهم، ومزاعمهم التي لا يستندون فيها إلى برهان، ويؤيد ما ذكرت أن هذه الأسماء نسبها مؤلف الكتاب إلى عمر السهروردي، ويوسف النبهاني، فظاهر ما ذكر عنهما أنهما من شيوخ الصوفية فيجب الحذر من هذا الكتاب، أعني المسمى بملكوت الله، وعدم الاغترار بما ادعاه من فضل هذه الأسماء والأذكار، وهذه عادة أصحاب الطرق يبتدعون أذكاراً ويذكرون لها فضائل ما أنزل الله بها من سلطان، فعليك أيتها السائلة بالإقبال على كتاب الله، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم-، وكتب أهل العلم الموثوقين مثل (رياض الصالحين) ، و (الأذكار) للنووي، وأسماء الله، -ولله الحمد- موجودة ميسرة في القرآن، واقرئي(2/169)
قوله تعالى: "هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم" [الحشر: 22] إلى آخر سورة الحشر، واقرئي آية الكرسي، وفي ذلك غنية لك عن هذه الكتب التي تقوم على الدعاوى الباطلة، فهي إذاً كتب ضلال وإضلال، وقانا الله وإياك شر المضلين، وهدانا بمنه وكرمه صراطه المستقيم. والله أعلم.(2/170)
حفظ أسماء الله الحسنى وتعيينها
المجيب د. عبد العزيز بن عمر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 2/5/1424
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
أرجو إفادتي عن كيفية الحصول على الأسماء الحسنى المضبوطة، حيث إنني وجدتها مختلفة في أكثر من كتاب، حيث تحتوي بعض الكتب على أسماء لا تحتوي عليها بعض الكتب الأخرى، كما أرجو تفسير سبب ذلك الاختلاف، وكيف نستطيع التحقق من صحة الأسماء؟ وهل كلها من أسماء الله الحسنى؟ وكيف أستطيع أن أحفظ تسعة وتسعين اسماً كما ورد في الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة، إنه وتر يحب الوتر".
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فأسأل الله تعالى أن يجزي الإخوة المشايخ الفضلاء القائمين على موقع (الإسلام اليوم) خير الجزاء على الجهد الجبار الذي يقومون به خدمة لدينهم وأداء للرسالة الملقاة على عواتقهم، وحيث إنهم قد أحسنوا بي الظن، ووجهوا إلي بعض الأسئلة العقدية الموجهة إليهم فقد رغبت في المساهمة معهم متلمساً قول الشاعر:
أسير خلف ركاب القوم ذا عرج *** مؤملاًَ كشف ما لاقيت من عوج
فإن ظفرت بهم من بعد ما سبقوا*** فكم لرب النوى في ذاك من فرج
وإن بقيت بظهر الأرض منقطعاً *** فما على عَرَجٍ في ذاك من حرج
وخير منه قوله تعالى: كما في الحديث القدسي: "هم القوم لا يشقى بهم جليسهم" البخاري (6408) ، ومسلم (2689) متوخياً الصواب فيما أقول راجياً من الله تعالى التوفيق والسداد والعمل بالرشاد، وأن يستخدمنا لطاعته وفي مرضاته.
يقول السائل أرجو إفادتي عن كيفية الحصول على أسماء الله الحسنى المضبوطة ...
الجواب عليه: الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:(2/171)
أسماء الله تعالى كلها حسنى، والحسنى صيغة مبالغة من الحسن، والأصل فيها قوله تعالى: "وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [الأعراف:180] ، وقوله – صلى الله عليه وسلم -: "إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة "وزاد همام عن أبي هريرة – رضي الله عنه - عن النبي – صلى الله عليه وسلم- "إنه وتر يحب الوتر" متفق عليه البخاري (2736) ، ومسلم (2677) .
وقد انقسم الأئمة الأعلام في فهم الحديث السابق إلى فريقين:
الفريق الأول: يرى أن الله عز وجل ليس له سوى هذا العدد من الأسماء، وأن الغرض من الحديث هو الحصر للأسماء بالعدد السابق تسعة وتسعين، ومن هؤلاء الإمام أبو محمد بن حزم وآخرون.(2/172)
الفريق الثاني: يرى أن الله تعالى له أكثر من هذه الأسماء الوارد عددها في الحديث السابق، وأن المراد بالحديث ليس الحصر في هذا العدد، بل المراد بالحديث أن من أحصى هذه الأسماء دخل الجنة، قال الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى-: قوله "إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة" رواه البخاري (2736) ، ومسلم (2677) ، فالكلام جملة واحدة وقوله ومن أحصاها دخل الجنة صفة لا خبر مستقبل، والمعنى له أسماء متعددة من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة، وهذا لا ينفي أن يكون له أسماء غيرها، وهذا كما تقول لفلان مائة مملوك وقد أعدهم للجهاد فلا ينفي هذا أن يكون له مماليك سواهم معدون لغير الجهاد وهذا لا خلاف بين العلماء فيه) انظر: بدائع الفوائد (1/177) قوله: (فقوله: "إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة" لا ينفي أن يكون له غيرها، والكلام جملة واحدة أي له أسماء موصوفة بهذه الصفة كما يقال لفلان مائة عبد أعدهم للتجارة، وله مائة فرس أعدها للجهاد، وهذا قول الجمهور، وخالفهم ابن حزم فزعم أن أسماءه تنحصر في هذا العدد..) انظر شفاء العليل (2/277) .
وهذا الفريق انقسم أيضاً إلى قسمين:
القسم الأول: يرى جواز إطلاق أي اسم على الله تعالى شريطة أن يدل على الكمال، وشريطة أن لا يرد في الشرع ما يمنع من إطلاقه، كالموجود، والصانع، والذات، وهذا مذهب أهل الضلال من المبتدعة كالمعتزلة والكرامية والباقلاني من الأشاعرة، ولا شك في بطلانه لعموم قوله تعالى: "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ" [الأعراف:33] ، كما أن أسماء الله تعالى توقيفية لا يجوز أن نطلق عليه تعالى إلا ما ورد في الكتاب أو السنة.(2/173)
القسم الثاني: يرى أنه لا يجوز أن نطلق على الله تعالى إلا ما ورد في الكتاب والسنة حتى لو كان معناه صحيحاً، فلا يقال (الموجد) بل يقال: (الخالق) لعدم ورود الأول وورود الثاني، ولا يقال (العاقل) ويقال (الحكيم) ولا يقال (السخي) ويقال (الكريم) ولا يقال (الشفيق) ويقال (الرحيم) وهكذا.
أما معنى من أحصاها دخل الجنة ففيها لأهل العلم تفصيل هو:
1. أن المراد من الإحصاء هو: مجرد العد والحفظ، ودعاء الله تعالى بها كلها، ولم يقتصر في دعائه على بعضها مع الإيمان بها، لعموم قوله تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ" [يّس:12] .
2. أن المراد من الإحصاء هو: الإطاقة، كما قال تعالى: "علم أن لن تحصوه" [المزمل: 20] أي: لن تطيقوه، فمن أحصاها: أي من قام بحقها، فإذا قال: (الحكيم) سلم بجميع أوامره، وإذا قال (القدوس) نزهه عن كل النقائص، وإذا قال: (الرزَّاق) وثق من أن الرزق من عنده تعالى فلم يتملَّق للخلق ... وهكذا.
3. أن المراد من الإحصاء هو: الإحاطة، وهذا مأخوذ من قول العرب: فلان ذو حصاة، أي عقل ومعرفة، فعلى المسلم أن يبذل غاية جهده في الإحاطة بأسمائه تعالى من الكتاب والسنة المطهرة.
4. أن المراد من الإحصاء هو: العمل بمقتضى هذه الأسماء، فما يسوغ الاقتداء بمعناه اقتدى به كالغفور، والرحيم، والكريم.
وما يختص به تعالى يقر العبد به ويخضع له، كالجبار، والمتكبر، والأحد.
وما كان فيه معنى الوعد رغب العبد فيه وتطلع إليه، كالوهاب، والولي، واللطيف، وما كان في معنى الوعيد خاف العبد منه وخشيه، كالمنتقم، العدل، والقهار. والذي يبدو لي أن معنى الإحصاء من هذا هو كل ما سبق لا واحداً منها.(2/174)
أما كيفية الحصول عليها بطريق مأمونة فلا آمن من الكتاب والسنة، ويمكن تتبع هذه الأسماء من خلال الكتاب والسنة ومعرفتها، علماً أنه لم يرد في تحديدها عن المعصوم – صلى الله عليه وسلم – حديثاً جامعاً لها، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كما في الفتاوى (22/482 – 484) (أن التسعة والتسعين اسماً لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم - وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة وحفاظ أهل الحديث يقولون هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث، وفيها حديث ثان أضعف من هذا رواه ابن ماجة، وقد روى في عددها غير هذين النوعين من جمع بعض السلف، وهذا القائل الذي حصر أسماء الله في تسعة وتسعين لم يمكنه استخراجها من القرآن، وإذا لم يقم على تعيينها دليل يجب القول به لم يمكن أن يقال هي التي يجوز الدعاء بها دون غيرها، لأنه لا سبيل إلى تمييز المأمور من المحظور، فكل اسم يجهل حاله يمكن أن يكون من المأمور ويمكن أن يكون من المحظور، وإن قيل لا تدعو إلا باسم له ذكر في الكتاب والسنة قيل هذا أكثر من تسعة وتسعين.(2/175)
الوجه الثاني: أنه أعلى ما في حديث الترمذي مثلاً، ففي الكتاب والسنة أسماء ليست في ذلك الحديث مثل اسم الرب فإنه ليس في حديث الترمذي، وأكثر الدعاء المشروع إنما هو بهذا الاسم كقول آدم "ربنا ظلمنا انفسنا" [الأعراف: 23] ، وقول نوح "رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم" [هود: 47] ، وقول إبراهيم: "ربنا اغفر لي ولوالدي" [إبراهيم: 41] ، وقول موسى "رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي" [القصص: 16] ، وقول المسيح "اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء" [المائدة: 114] ، وأمثال ذلك، حتى إنه يذكر عن مالك وغيره أنهم كرهوا أن يقال يا سيدي، بل يقال يا رب لأنه دعاء النبيين وغيرهم كما ذكر الله في القرآن، وكذلك اسم المنان، ففي الحديث الذي رواه أهل السنن أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سمع داعياً يدعو اللهم إني أسألك بأن لك الملك وأنت الله المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم فقال النبي "لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى" وهذا رد لقول من زعم أنه لا يمكن في أسمائه المنان، وقد قال الإمام أحمد رضي الله عنه لرجل ودعه قل (يا دليل الحائرين دلني على طريق الصادقين واجعلني من عبادك الصالحين) ، وقد أنكر طائفة من أهل الكلام - كالقاضي أبي بكر وأبي الوفاء بن عقيل - أن يكون من أسمائه الدليل لأنهم ظنوا أن الدليل هو الدلالة التي يستدل بها، والصواب ما عليه الجمهور، لأن الدليل في الأصل هو المعرف للمدلول، ولو كان الدليل ما يستدل به فالعبد يستدل به أيضاً فهو دليل من الوجهين جميعاً، وأيضاً فقد ثبت في الصحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "إن الله وتر يحب الوتر" البخاري (6410) ، ومسلم (2677) وليس هذا الاسم في هذه التسعة والتسعين، وثبت عنه في الصحيح أنه قال: "إن الله جميل يحب الجمال" مسلم (91) ، وليس هو فيها، وفي الترمذي (2799) ، وغيره أنه قال: "إن الله نظيف يحب النظافة"(2/176)
وليس فيها، وفي الصحيح عنه أنه قال: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً" مسلم (1015) ، وليس هذا فيها، وتتبع هذا يطول، ولفظ التسعة والتسعين المشهورة عند الناس في الترمذي (3507) : "الله الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الأحد. ويروى الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المعطي المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"، ومن أسمائه التي ليست في هذه التسعة والتسعين اسمه السبوح، وفي الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: "سبوح قدوس" انظر: مسلم (487) ، واسمه الشافي كما ثبت في الصحيح أنه كان يقول: "أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقماً" البخاري (5678) ، ومسلم (2191) ، وكذلك أسماؤه المضافة مثل أرحم الراحمين وخير الغافرين ورب العالمين ومالك يوم الدين وأحسن الخالقين وجامع الناس ليوم لا ريب فيه ومقلب القلوب وغير ذلك مما ثبت في الكتاب والسنة، وثبت في الدعاء بها بإجماع المسلمين وليس من هذه التسعة والتسعين، الوجه الثالث ما احتج به الخطابي وغيره وهو حديث ابن مسعود – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن(2/177)
اللهم إني عبدك وابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي إلا أذهب الله عز وجل همه وأبدله مكان حزنه فرحاً" قالوا يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات قال:"أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن" أحمد (3712) ، والحاكم (1/509-510) ، وابن حبان (972) ، وغيرهم.
وهذا الحديث الأخير مما استدل به العلماء على أن لله تعالى أكثر من تسعة وتسعين اسماً، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين والحمد لله رب العالمين.(2/178)
هل من أسماء الله: الواجد والماجد؟
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 15/05/1426هـ
السؤال
هل الواجد والماجد من أسماء الله أم لا؟ أفتوني مأجورين.
الجواب
اسم الواجد والماجد ذكرهما بعض الأئمة والعلماء من ضمن أسماء الله الحسنى، كالأصبهاني وابن منده والبيهقي، وذلك استناداً منهم على رواية سرد الأسماء الحسنى التي أصلها في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة" صحيح البخاري (2736) ، وصحيح مسلم (2677) .
وقد وردت روايات أخرى للحديث بطرق مختلفة عند الترمذي (3507) ، وابن ماجة (3861) ، والحاكم (42) ، والبيهقي في شعب الإيمان (102) ، وفيها سرد الأسماء الحسنى على اختلاف بين هذه الروايات في تعيين الأسماء.
وهذان الاسمان المذكوران في السؤال وردا عند الترمذي والحاكم والبيهقي من رواية الوليد بن مسلم، عن شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
والمحققون من أهل العلم على أن هذه الرواية وغيرها تعتبر مدرجة في ذلك الحديث، وليست من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد حكى شيخ الإسلام -رحمه الله- كما في مجموع الفتاوى (22/482،6/379) - اتفاق أهل المعرفة بالحديث على أنها من كلام بعض السلف، وذهب إلى ذلك أيضاً الإمام ابن حزم وابن العربي وابن كثير وابن حجر والصنعاني وابن الوزير والحسين المغربي والألباني -رحمهم الله جميعاً-.
وليست العلة في هذه الزيادة تفرّد الوليد بن مسلم بها -كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح (11/219) - بل للاختلاف فيه، والاضطراب وتدليسه واحتمال الإدراج.
وإذا كان الحديث ضعيفاً فلا يصح إثباتهما من أسماء الله الحسنى، ولا أعرف دليلاً لمن ذكرهما غير هذه الرواية.(2/179)
يقول ابن القيم -رحمه الله- في كتابه المدارج، في كلامه على منزلة (الوجود) : " فأما الواجد فلم تجيء تسميته به إلا في حديث تعداد الأسماء الحسنى، والصحيح أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. ومعناه صحيح؛ فإنه ذو الوجد والغنى".(2/180)
صيغة الجمع في القرآن
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 3/6/1423
السؤال
في بعض الآيات التي أعجز عن فهمها، وأسهل مثال:"إنا أعطيناك الكوثر" (إنا) للجمع، والله واحد أحد فرد صمد.
كيف ذلك، وكثير من الآيات تحمل (إنا) وكأن مجموعة تكتب القرآن؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لقد نزل القرآن الكريم بلغة العرب، وعلى مجاري كلامهم وتراكيب ألفاظهم يقول -تعالى-:"بلسان عربي مبين" [الشعراء:195] ومن الأساليب الجارية على ألسنتهم كثيراً التعبير عن الواحد المفرد بضمير الجمع، ولهذا الأسلوب عندهم مقاصد من أشهرها: التعظيم والتفخيم كالذي يجري كثيراً على ألسنة الملوك والرؤساء من قول أحدهم: أمرنا بكذا، وعزمنا على كذا، ونحو ذلك، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في مواضع عديدة ما يدل على استعمال هذا الأسلوب، منها: ما أخرجه البخاري وغيره في خبر وفاة إبراهيم ولد النبي - صلى الله عليه وسلم-، وفيه قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" البخاري (1303) ومسلم (2315) ، ومثل ذلك ما وقع في خبر أسرى هوازن كما أخرجه البخاري (2308) وغيره لما أراد النبي ردهم إلى أهلهم، قال:"إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن" الحديث، وفي القرآن الكريم وردت آيات كثيرة على هذا الأسلوب كالتي ذكرها السائل والقصد فيها التعظيم، وكقوله -تعالى-:"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" [الحجر:9] ، هذا وبالله التوفيق.(2/181)
عبارة: (يا معين)
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 3/2/1425هـ
السؤال
أنوه بداية أني وضعت من أهداف بريدي هذا تقديم خدمة الفتوى للإخوة والأخوات الذين أعرفهم. هل قول الرجل (يا معين) في دعائه فيه شيء؟ وهل اسم (المعين) من أسماء الله؟.
الجواب
الحمد لله، قول الرجل إذا أراد أن يقوم بأمر من الأمور: يا معين، يقصد رب العالمين، فإنه لا بأس به، فإن العبد لا يقوى على أي أمر من أموره إلا أن يعينه الله، وخير ما يستعين فيه العبد ربه ما يقربه إليه من أنواع الطاعة، وهي عبادته سبحانه وتعالى كما قال تعالى: "إياك نعبد وإياك نستعين" [الفاتحة:5] ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- لمعاذ - رضي الله عنه-: يا معاذ إني أحبك لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" النسائي (1303) ، وأبو داود (1522) وأحمد (21614) ، وصححه الألباني، وقال - صلى الله عليه وسلم- في وصيته لابن عباس -رضي الله عنهما-: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله" الترمذي (2516) ، وأحمد (2664) وقد صححه الألباني إضافة إلى تصحيح الترمذي، وأما كون لفظ (المعين) اسماً لله فلا أذكر أنه ورد في شيء من الآثار إلا أن معناه صحيح كالمنعم، فإنه سبحانه وتعالى المنعم بجميع النعم، وهو المعين لمن شاء على ما شاء، فإنه تعالى لا حول ولا قوة إلا به، وإذا كان هذا اللفظ لم يرد اسماً من أسماء الله، فالأولى أن يقول الإنسان: يا الله أعني، يا قوي، يا حي، يا قيوم أعني، وما أشبه ذلك؛ كما جاء في وصية النبي - صلى الله عليه وسلم- لمعاذ - رضي الله عنه-، وعلى هذا فلا ينكر على من قال: يا معين أعني ما دام إنه يقصد الاستعانة بالله، لكن يرشد إلى ما هو الأفضل. والله أعلم.(2/182)
هل (الستير) من أسماء الله
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 25/12/1424هـ
السؤال
إلى فضيلة الشيخ سلمان: -حفظه الله-:
قرأت في بعض المنتديات أن الحديث الذي يدل على أن من أسماء الله الستير منقطع بين عطاء ويعلى -رضي الله عنهما-، وأن تصحيح الشيخ الألباني لهذا الحديث لا يسلم، فهل هذا الكلام صحيح؟ ولو صح فلا يكون اسم الستير من أسماء الله -سبحانه وتعالى-، وإذا كان كذلك فهل يكون من صفاته؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فأقول وبالله التوفيق:(2/183)
مما ينبغي أن يعلم أن أسماء الله -تعالى- ليست محصورة بعدد معين، يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله- في القواعد المثلى ص13-14: (أسماء الله -تعالى- غير محصورة بعدد معين لقوله - صلى الله عليه وسلم- في الحديث المشهور: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ... " الحديث رواه أحمد (3712) وابن حبان (972) في المستدرك (1/509-510) والحاكم، وهو صحيح، وما استأثر الله تعالى به في علم الغيب لا يمكن لأحد حصره ولا الإحاطة به، فأما قوله - صلى الله عليه وسلم-: "إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة" البخاري (2736) ، ومسلم (2677) ، فلا يدل على حصر أسماء الله بهذا العدد، ولو كان المراد الحصر لكانت العبارة: إن أسماء الله تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة، أو نحو ذلك) ، وقال أيضاً: (ولم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم-تعيين هذه الأسماء، والمروي في تعيينها ضعيف) ، وأما ما سألت عنه من درجة الحديث، فالحديث خرجه أبو داود في سننه كتاب: الحمام، باب: النهي عن التعري برقم (4012) ، (4/302) عن عطاء عن يعلى -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يغتسل بالبراز بلا إزار، فصعد المنبر، فحمد لله، وأثنى عليه ثم قال: "إن الله - عز وجل- حييٌّ ستير، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر" وخرجه أبو داود أيضاً في الحديث بعده برقم: 4013، (4/302-303) ، والنسائي (1/200) ، والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات (ص113) ، والإمام أحمد في المسند (4/424) ، وغيرهم.(2/184)
ومن المحققين من صححه كالألباني، ومنهم من حسنه، وأما القول بأن في إسناده انقطاعاً بين عطاء ويعلى -رضي الله عنه-فإن الحديث قد ورد من طريق آخر عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه -رضي الله عن- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- كما في سنن أبي داود، والنسائي، ومسند الإمام أحمد، وعند البيهقي في الأسماء والصفات.
وكثيراً ما يرد في عبارات المحققين من العلماء إيراد هذا وأمثاله في حق الله -تعالى-، فيقال: إن الله بر يحب الأبرار، عدل يحب أهل العدل، حييٌّ ستير يحب أهل الحياء والستر، عفو يحب من يعفو عن عباده، ويغفر لهم، صادق يحب الصادقين، رفيق يحب الرفق، جواد يحب الجود وأهله ... إلخ..
ما يذكر في حق الله -تعالى- من ذلك، وانظر على سبيل المثال شرح العمدة في الفقه لابن تيمية (1/ 401) ، والوابل الصيب لابن القيم (1/54) ، وشفاء العليل (1/105-263) ،وطريق الهجرتين (1/214) . ويقول ابن القيم - رحمه الله في نونيته:
وهو الحييّ فليس يفضح غيره *** عند التجاهر منه بالعصيان
لكنه يلقي عليه ستره *** فهو الستير وصاحب الغفران
وهو الحليم فلا يعاجل غيره *** بعقوبة ليتوب من عصيان
انظر شرح قصيدة ابن القيم (2/227) ، وعلى هذا فلا حرج من إيراد هذا في حق الله -تعالى- والله الموفق.(2/185)
معنى علو الله تعالى
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 2/9/1424هـ
السؤال
أعلم أن العقيدة الإسلامية هي الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره؛ إلا أن قريبة لي قالت لي عندما رأتني أرفع يديّ لله عز وجل قالت: لماذا رفعت يديك؟ ولما قلت: لله سبحانه وتعالى، قالت لي: وما يدريك أن الله في السماء؟ وذكرت لي أقوال وأحاديث كالآتي: قال سيدنا علي كرم الله وجهه: "كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان". أما أهل الحق فقد أجمعوا على تنزيه الله عن المكان والجهات والحد والتغير والحدوث والجلوس والقعود وغيرها من العقائد التي تبثها المشبهة بين المسلمين، يلي ذكر القول من المذاهب الأربعة وغيرها على أن أهل السنة يقولون: الله موجود بلا مكان ولا جهة.
(1) قال مصباح التوحيد ومصباح التفريد الصحابي الجليل والخليفة الراشد سيدنا علي رضي الله عنه (40 هـ) ما نصه (1) : (كان- الله- ولا مكان، وهو الآن على ما- عليه- كان اهـ. أي بلا مكان.
(2) وقال أيضا (2) : "إن الله تعالى خلق العرش إظهارًا لقدرته لا مكانا لذاته" أهـ.
(3) وقال أيضا (3) : (من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود" اهـ. (المحدود: ما له حجم صغيرا كان أو كبيرا) .
(4) وقال التابعي الجليل الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم (94 هـ) ما نصه (4) : (أنت الله الذي لا يحويك مكان" أهـ.
(5) وقال أيضا (5) : (أنت الله الذي لا تحد فتكون محدودا) اهـ.(2/186)
(6) وقال الإمام جعفر الصادق (6) بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين رضوان الله عليهم (148 هـ) ما نصه (7) : "من زعم أن الله في شيء، أو من شيء، أو على شيء فقد أشرك. إذ لو كان على شيء لكان محمولاً، ولو كان في شيء لكان محصوراً، ولو كان من شيء لكان محدثاً- أي مخلوقا" أهـ.
(7) قال الإمام المجتهد أبو حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه (150 هـ) أحد مشاهير علماء السلف إمام المذهب الحنفي ما نصه (8) : "والله تعالى يرى في الآخرة، ويراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم بلا تشبيه ولا كميّة، ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة" اهـ.
(8) وقال أيضا في كتابه الوصية (9) : "ولقاء الله تعالى لأهل الجنة بلا كيف ولا تشبيه ولا جهة حق" اهـ.
(9) وقال أيضًا (10) : " قلت: أرأيت لو قيل أين الله تعالى؟ فقال- أي أبو حنيفة-: يقال له كان الله تعالى ولا مكان قبل أن يخلق الخلق، وكان الله تعالى ولم يكن أين ولا خلق ولا شىء، وهو خالق كل شىء" اهـ..
(10) وقال أيضا: (11) : "ونقر بأن الله سبحانه وتعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه، وهو حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج، فلو كان محتاجا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوقين، ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا" اهـ.
أرجو الرد على هذه الأقوال، وهل يجب علينا أن ننكر صفة المكان والجهة كما ورد؟. حفظكم الله.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:(2/187)
فإن مما دلت عليه نصوص الكتاب العزيز وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأجمع عليه أهل السنة والجماعة إثبات صفة العلو لله تعالى كما يليق به سبحانه، وأنه تعالى على العرش استوى، استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشبه شيئاً من مخلوقاته ولا يشبهه شيء من مخلوقاته: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" [الشورى:11] .
أما إنكار رفع اليدين إلى السماء فهو إنكار لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم- في العديد من المواقف والجامع العظيمة، كما حصل منه - صلى الله عليه وسلم- أمام عشرات الألوف من الصحابة - رضي الله عنهم- في عرفة في حجة الوداع، وعند الجمرات، وعلى الصفا والمروة، وعند الاستسقاء، فكان - صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه إلى السماء في الدعاء، ومن أنكر ذلك فقد رد سنة النبي - صلى الله عليه وسلم- الفعلية كما تقدم، والقولية في قوله - صلى الله عليه وسلم-: " ... يَمُدُّ يديه إلى السماء يقول يا رب يا رب" رواه مسلم (1015) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وفي حديث استحياء الله من عبده أن يرفع يديه إليه بالدعاء، فيردهما صفراً، انظر ما رواه الترمذي (3556) وأبو داود (1488) وابن ماجة (3865) من حديث سلمان الفارسي - رضي الله عنه - وغيرها من الأحاديث.(2/188)
أما نصوص آيات العلو فأكثر من أن تحصر، ومنها قوله تعالى: "أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ... " [الملك:16] ولم يقل سبحانه: أأمنتم من في كل مكان، أو من لا في مكان، كما تدعي المنكرة، وكذلك قوله تعالى: "إليه يصعد الكلم الطيب ... " [فاطر:10] فهل الصعود إلا إلى العلو؟ وكذلك: "تعرج الملائكة والروح إليه" [المعارج:4] والعروج لا يكون إلا إلى العلو، وكذلك: "تنزيل الكتاب" [السجدة:2] من العلو إلى الأسفل وغيرها من النصوص التي لا تحصى، ثم إن دعوى أن الله لا في مكان فهذه لا يوصف بها إلا العدم، ومن قال بذلك يلزمه القول بنفي وجود الله تعالى، وكذلك ثبت في الحديث الصحيح عن النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لما سأل الجارية أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: رسول الله، قال – صلى الله عليه وسلم-: اعتقها فإنها مؤمنة" رواه مسلم (537) من حديث معاوية بن الحكم السلمي – رضي الله عنه -، فهذا إقرار من النبي –صلى الله عليه وسلم- للجارية على جوابها، ولو كان لا يجوز أن يقال إن الله في السماء لما أقرها على جوابها، ولا يجوز عليه – صلى الله عليه وسلم- تأخير البيان وقت الحاجة.
والمراد بقولنا: في السماء، ليس معناه أن شيئاً من مخلوقاته يحويه سبحانه وتعالى، ولكن المراد بـ (في) هنا بمعنى (على) كما في قوله تعالى: "يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون" [النحل:50] ، وقوله تعالى: "وهو القاهر فوق عباده" [الأنعام:18] ، فقولنا: الله في السماء بمعنى في العلو أو على السماء، وكذلك قولنا باستواء الله على العرش فهو استواء يليق بجلاله تعالى كما أخبرنا به عن نفسه سبحانه، وقد قال تعالى: "قل أأنتم أعلم أم الله" [البقرة:140] ، ولا يدل ذلك على أن شيئاً من مخلوقاته يحويه أو أنه محتاج إليه أو نحو ذلك من لوازم استواء المخلوقين.(2/189)
ثم إن توجه القلب واليدين إلى السماء عند الدعاء هو من أدلة الفطرة السليمة التي تثبت ما أثبته الكتاب والسنة من أن الله تعالى في العلو.
ولذلك لما قام الجويني - أحد كبار المتكلمين- يقول ما قالته المنكرة على المنبر: (كان الله ولا مكان وهو على ما كان ... إلخ..) ، قال له رجل من الحاضرين: أخبرنا يا إمام عن الضرورة التي نجدها في قلوبنا فإنه ما قال عارف قط: يا الله إلا وجد في قلبه ضرورة طلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف ندفع هذه الضرورة عن أنفسنا، فلطم أبو المعالي على رأسه ونزل وقال: حيرني الهمداني.
أما ما ذكرته المعترضة من لوازم باطلة فهذه اللوازم لوازم صفات المخلوقين من الجلوس والقعود، أما الله تعالى فليس كمثله شيء.
وما ذكرته من شبه هي شبه المتكلمين الذين تأثروا بعلم الكلام في القرن الثالث الهجري، ولم تكن معروفة عن الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين ولا أتباعهم ولا الأئمة الأربعة، وإنما قال بها الأشاعرة والمعتزلة من المتكلمين، وهذا مخالف للكتاب والسنة، وعقيدة أهل السنة والجماعة.
وما نقلته من بعض الكتب عن أئمة آل البيت - رضي الله عنهم- وعن الإمام أبي حنيفة فكله كذب وافتراء عليهم، ولم تكن هذه المقولات معروفة في زمانهم، وعليك أختي السائلة مراجعة كتاب: (العلو للعلي الغفار للإمام الذهبي لتقفي على أقوال الأئمة الصحيحة عن هذه العقيدة) . وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه وسائر المسلمين.(2/190)
ما الفرق بين أسماء الله وصفاته؟
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 15/8/1424هـ
السؤال
ما الفرق بين أسماء الله وصفاته، الكريم - مثلاً - اسم من أسماء الله، هل هو صفة أيض
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فيمكن فهم العلاقة بين أسماء الله وصفاته بالرجوع إلى القواعد المتعلقة بأسماء الله وصفاته ومن أحسن المختصرات النافعة في ذلك كتاب "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى" للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، ومما ذكره في ذلك بيانه أن أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف، فهي أعلام باعتبار دلالتها على الذات، وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني، وهي بالاعتبار الأول مترادفة؛ لدلالتها على مسمى واحد وهو الله - عز وجل - وبالاعتبار الثاني متباينة؛ لدلالة كل واحد منهما على معناه الخاص فالحي، والعليم والقدير والسميع والبصير، والرحمن، والرحيم، والعزيز، والحكيم كلها أسماء لمسمى واحد وهو الله سبحانه وتعالى، لكن معنى الحي غير معنى العليم، ومعنى العليم غير معنى القدير وهكذا.
ومن القواعد المعينة أيضاً على فهم هذه المسألة معرفة أن باب الصفات أوسع من باب الأسماء؛ وذلك لأن كل اسم متضمن لصفة؛ ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى وأفعاله لا منتهى لها، كما أن أقواله لا منتهى لها، ومن أمثلة ذلك أن من صفات الله تعالى المجيء والإتيان والأخذ والإمساك، والبطش إلى غير ذلك من الصفات فنصف الله سبحانه وتعالى بهذه الصفات على الوجه الوارد ولا نسميه بها، فلا نقول: إن من أسمائه الجائي والآتي، والآخذ والممسك، والباطش والنازل ونحو ذلك، وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(2/191)
معنى الله معنا
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 12/3/1425هـ
السؤال
سمعت في المذياع في أحد الأيام، وقد قال الشيخ: (نسأل الله أن يكون معنا بذاته) فلم أفهم معنى هذه الكلمة، وهل هي جائزة شرعاً؟ وما المقصود منها؟.
الجواب
معية الله لخلقه بعلمه ونصره، وتأييده، فهو يعلم السر وأخفى، وهو مع عباده المؤمنين بالنصر، والتأييد، والحفظ، ولا يقال: معنا بذاته؛ لأن المخلوقات لا تحوزه، "وسع كرسيه السماوات والأرض" [البقرة:255] ، "والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه" [الزمر:67] ، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: والسماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم انظر تفسير الطبري (27823) ، فلا يقال: إنه معنا بذاته، ولا يطلب ذلك في الدعاء؛ لأن ذلك ليس فيه تعظيم لله، فالله أكبر وأعظم من مخالطته لعباده، وهو أعظم من أن تحوزه المخلوقات فهو فوق سماواته بائن من خلقه مستو على عرشه كما أخبر عن نفسه.(2/192)
هل (القديم) من أسماء الله؟
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 6/3/1425هـ
السؤال
أرجو منكم إفادتي بما يأتي:
أولاً: ورد في كتاب الأذكار للنووي- باب ما يقول عند دخول المسجد والخروج منه - حديث ابن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا دخل المسجد يقول: "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم" حسنه النووي..
ثانياً: وفي العقيدة الطحاوية قول المؤلف: "قديم بلا ابتداء دائم بلا انتهاء"، وقول الشارح: (وقد أدخل المتكلمون في أسماء الله تعالى القديم، وليس هو من الأسماء الحسنى، وقد أنكر ذلك كثير من السلف والخلف) ، فالسؤال هو عن قوله -صلى الله عليه وسلم- " وسلطانه القديم " وقول الطحاوي " قديم بلا ابتداء"،
(1) فما معنى القديم في كل من القولين؟
(2) إذا تأملنا قول النبي -عليه الصلاة السلام -" أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، فكل الصفات المذكورة راجعة إما إلى الله في الأولى، أو إلى وجهه في الثانية، أو إلى سلطانه في الثالثة، أليست هي كلها إلى الله في النهاية؟
(3) وإذا لم يكن كذلك فما معنى: "وسلطانه القديم"؟ وهل سيزول سلطانه في النهاية، أو يبلى أو سيبقى إلى حين وجود السلطان الثاني؟
(4) قول المؤلف: "وقد أنكر ذلك كثير من السلف والخلف" فلم احتاج الطحاوي إلى استعمال لفظ "قديم" ثم زاد "بلا ابتداء"؟ أرجو الإفادة -والله يجزيكم خيراً-.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(2/193)
القديم يطلق ويراد به ما تقدم على غيره؛ كقوله –تعالى-: "حتى عاد كالعرجون القديم" [يس:39] ، وقوله: "إنك لفي ضلالك القديم" [يوسف:95] ، ويطلق ويراد به القديم الأزلي، واعلم – بارك الله فيك- أن الذي عليه سلف الأمة وأئمتها المحققون أن أسماء الله – سبحانه – توقيفية فلا يسمى الله إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله – صلى الله عليه وسلم- واسم القديم لم يرد في الكتاب والسنة، ويغني عنه اسم (الأول) الذي ثبت في الكتاب والسنة، والإجماع، يقول شيخ الإسلام: (هذا اللفظ لا يوجد لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم-، بل ولا جاء اسم القديم في أسماء الله –تعالى- وإن كان من أسمائه الأول) منهاج السنة (2/123) ، وعلى هذا فالممنوع يا أخي هو تسمية الله بهذا اللفظ؛ لأن الأسماء كما تقدم توقيفية، وأما في باب الإخبار عن الله –تعالى- فالأمر في ذلك واسع، يقول ابن القيم –رحمه الله-: (ما يطلق على الله في باب الأسماء والصفات توقيفي وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفياً كالقديم، والشيء والموجود والقائم بنفسه) ، بدائع الفوائد (1/170) ، أما الحديث: "وسلطانه القديم" رواه أبو داود (466) من حديث ابن عمرو – رضي الله عنهما - هنا سلطانه –تعالى- وفرق بين أسمائه –تعالى- وأوصاف صفاته، والمنع من إطلاق هذا الاسم على الله لا يعني نفي معناه الصحيح الذي يدل عليه اسم (الأول) ، وإنما الممنوع تسمية الله –تعالى- به، وبالتالي لا يرد ما فهمته من أن نفي ذلك يعني زوال سلطانه، فالله –تعالى- قديم، وسلطانه قديم، أزلاً وأبداً، نخبر بذلك، لكن لا نعد ذلك من أسماء الله –تعالى- فلا نُعبد أحداً له مثل: عبد القديم، ومن هنا تدرك مراد شارح الطحاويه حين ذكر إنكار السلف والخلف لهذه اللفظة أن ذلك في باب الأسماء، وعليه فصاحب المتن حين قال: (قديم بلا ابتداء) إن أراد الإخبار عن الله فهو جائز، وإن أراد لتسميته بذلك، فكلام الشارح في(2/194)
محله. وفق الله الجميع للعلم النافع في العمل الصالح.(2/195)
التجسيم في الإسلام والنصرانية
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 7/11/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا مسلم هندي، وأقوم بالدعوة لمبشر أمريكي في موقع ضد الإسلام.
وقد أخبرته عن فقرات التجسيم في الإنجيل ومفهوم تجسيد المسيح والتثليث.
وقد أجابني بأن القرآن يذكر آيات تجسيم، وقَدَّم لي آيات من القرآن وبعض أحاديث تصف الله بأن له عرش، وعين ووجه وساق..الخ. وقد اتهم المسلمين بأنهم مجسمة بسبب هذه الآيات.
وقال في رسالته لي بأن أهل السنة يؤمنون بهذه الصفات لله وبأنها على الحقيقة بدون تأويل أو تشبيه أو تعطيل. وأريد أن أسألكم كيف نوضح صفات الله لغير المسلمين؟ إذا قلنا: إن ذلك شيء يليق بجلاله، ولا يستطيع الإنسان الإحاطة بها.. يرد النصارى: وكذلك الله اتخذ ولدا بدون تأويل أو تشبيه أو تعطيل ولا نستطيع الإحاطة بذلك أيضاً. ما هو أفضل رد على النصارى بهذا الشأن؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:(2/196)
ليس في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة أي صفات لله - سبحانه وتعالى- يظهر فيها نقص، فأسماء الله وصفاته كمال، وهي حسنى، "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" [الأعراف من الآية: 180] ، ونحن لا نفوض معاني الأسماء والصفات بل هي معلومة بحسب لغة العرب، وهي مفهومة لعامة من يقرأ القرآن الكريم، وإنما نفوض كيفيات تلك الصفات التي لا نحيط بها علماً، وهذا من كماله سبحانه "يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً" [طه من الآية:110] ، فعلى سبيل المثال نعلم أن الله -سبحانه عليم-، وأنه يعلم كل شيء، وأنه قد أحاط بكل شيء علماً، ولا يخفى على علمه شيء، وأن علمه غير مسبوق بجهل وغير ملحوق بنسيان، وأما كيفية علمه –سبحانه- فنفوضها إليه – سبحانه -، كما قال الإمام مالك عن الاستواء: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.(2/197)
وكذلك الحالة لكافة صفاته - سبحانه- فنعلم أن له -سبحانه- وجهاً ويدين يليقان به -سبحانه وتعالى - ولا نعلم كيفيتها. أما عند النصارى من نسبة الولد إلى الله -سبحانه وتعالى- فنحن لا نجادل في حقيقة ذلك وكيفيته، وإنما في معناه المعقول لدينا، فهذه العقيدة تنافي توحيد الله -سبحانه- واستغناءه عن غيره حيث إن النصارى القائلين بألوهية المسيح - عليه السلام - أو جاعلوه ثالث ثلاثة، وجعلوا فيه من اللاهوت زعموا، لم يجعلوا الرب مستغنياً عن خلقه، بل هو بحاجة إلى ذلك الجسد المخلوق المولود من مريم -عليها السلام- والمعلق على خشبة صلباً، كما أنه بحاجة إلى الطعام والشراب، وهذا أمر معلوم معقول ليس كأمر حقيقة صفاته -سبحانه-، إذ أن الولد ليس صفة له -سبحانه- بل هو منفصل عنه -سبحانه وتعالى -، وما ينسب إلى الله -سبحانه- من الصفات ليس شيئاً غيره، إذ لا تقوم هذه الصفات بنفسها، وليست هناك صفة بدون موصوف، وأما ما ينسب إليه -سبحانه- من الأعيان كما نسب النصارى الولد فهي ليست صفات له -سبحانه-، إذ أنها تقوم بنفسها، وهي غير الله، فلا قياس، وقد قال -سبحانه وتعالى- رداً على النصارى: "ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون" [المائدة: 75] ، فبدعة الولد ابتدعها النصارى غلواً في المسيح -عليه السلام- لم يأت بها أحد من الأنبياء، وهي معارضة للتوحيد الذي جاء به كل الرسل، والنصارى أنفسهم لديهم إشكال في الجمع بين التوحيد وبين عقيدة التثليث التي هم مضطربون فيها، وأنى لهم الجمع وهم يجعلون في المسيح صفات إلهية، تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا. هذا والله أعلى وأعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(2/198)
الرد على مقولة: (الله وحده الموجود ولا شيء سواه)
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 26/11/1424هـ
السؤال
شخص يقول: الله وحده الموجود، ولا شيء سواه، ويدَّعي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه - رضي الله عنهم- عرفوا هذه الحقيقة، وقدم لي أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، أرجو ردكم على ذلك على ضوء القرآن والسنة.
الجواب
الله -سبحانه وتعالى- هو الخالق وما سواه مخلوق، وهو الرب وما سواه مربوب، ودلائل الفطرة والحس والعقل والنص، والإجماع بل وسائر الديانات والملل على إثبات وجودين مختلفين: والوجود الواجب وهو وجود الله - تعالى - والوجود الممكن وهو وجود سائر المخلوقات والموجودات.(2/199)
أما زعم أن الوجود شيء واحد وجميعه راجع إلى الله، وأنه ليس في الكون والوجود إلا الله، فهذا من شر أقوال البشر، وهو عقيدة أصحاب ما يسمى بوحدة الوجود أهل الاتحاد وهم من غلاة الصوفية، ومن رموز هذه الطائفة ابن عربي الحاتمي وابن سبعين والقونوي والعفيف والتلمساني وغيرهم، وهو قول ساقط مرذول، وأصحابه القائلون به يستترون به ولا يظهرونه، بل وبعضهم يتبرأ منه ظاهراً، وكل ما يمكن أن يستدل به أحد على ذلك مما تذكره من أدلة صاحبك فقصارى ذلك الدلالة على عظمة الرب - تعالى- وقدرته وقيومته وأزليته، وأنه -تعالى - الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، وأن المخلوقات كلها محدثة مخلوقة مسبوقة بعدم وصائرة إلى فناء، ولا يصح أي دعوى لمن يزعم أنه يغنى بوجود الله عن وجود سواه، ولا يمكن بأية حال أن يصح له استدلال بوجود الله على هذه القضية الظاهرة، وأرجو من الأخ أن يقرأ كثيراً عن هذه المسألة المحسومة عند أهل الإسلام كله على اختلاف مذاهبهم، وألا يقع فريسة لبعض أهل الشبهات، وأن يتصل بأهل العلم ويسألهم ويناقشهم عما أشكل عليه. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(2/200)
حكم الذهاب إلى الرقاة
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 23/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل يجوز الذهاب لشخص متدين لا يتعامل بالسحر، لكنه يعرف إذا كان الشخص مسحوراً ثم يخبر المسحور ماذا يقرأ من القرآن لحمايته منه؟ ثم إنني سمعت أنه من الخطأ الذهاب إلى أشخاص يعرفون إذا كنت واقعاً تحت تأثير السحر أم لا، ماذا نفعل إذا كان هناك بقع من الدم داخل وخارج البيت فإلى من نذهب لإرشادنا؟ والله يحفظكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الذهاب إلى الرقاة الموثوقين في دينهم وعقيدتهم أمر مباح وبحكم التجربة على المرض والمسحورين فإن الراقي قد يعرف من خلال أحوال المريض وتصرفاته، هل هو مسحور أم لا؟ ثم يرقيه بعد ذلك بالرقية الشرعية بآيات القرآن وما ثبت من الأدعية النبوية، أو يأمره أن يقرأها هو على نفسه، أما من يعرف هل الإنسان مسحور أم لا عن طريق تعلم السحر وتعاطيه والتعامل مع الشياطين، فلا يصح الذهاب إليهم أو التداوي عندهم، وفي المشروع والحمد لله غنية، وكفاية عن المحرم والممنوع، ولم يجعل الله شفاء أمة محمد - صلى الله عليه وسلم- فيما حرم عليها وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- حينما سأله الأعراب فقالوا: يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: "نعم يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاء ... " الحديث رواه الترمذي (2038) ، وأبو داود (3855) ، وابن ماجة (3436) من حديث أسامة بن شريك -رضي الله عنه- وبقع الدم التي في داخل البيت وخارجه ربما كانت من أحد أهل البيت، وربما كانت تخييلاً من الشيطان وهو كثير وشائع عند من يشعر بالمرض، أو الوسواس، وعلى كل حال أنصحك بالاتصال بأحد طلبة العلم الموثوقين المقربين منك لتطلعهم على حقيقة حالك وطبيعة مرضك. وفقك الله.(2/201)
عدل الله مع الكفار
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 12/1/1425هـ
السؤال
يسعدني أن أكتب إليكم, بعد أن ترددت كثيراً حيث أن الموضوع الذي سأطرحه على فضيلتكم أخذ الكثير من تفكيري, ولم أجد جواباً شافياً عليه.(2/202)
بداية أحب أن أوضح إنني إنسان مسلم موحد بالله وأشهد بأنه لا إله إلا هو وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، كما أؤمن باليوم الآخر والجنة والنار وعذاب القبر ونعيمه، ووجود الملائكة والجن والشياطين، كما أؤمن بجميع الرسل والأنبياء الذين قصهم الله علينا في الكتاب أو لم يقصصهم، وبالكتب السماوية المنزلة من عنده, وبأسماء الله الحسنى وبصفاته العلى، وكل ما ذكره سبحانه في القرآن الكريم. نعتقد نحن المسلمين بأن كل من يشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله سيدخل الجنة ولو بعد عذابه في النار حسب أعماله، كما أننا نعتقد بأن من لا يوحد الله ولا يشهد أن محمداً عبده ورسوله بعد بعثته -صلى الله عليه وسلم- لن يدخل الجنة، من أسماء الله الحسنى "العدل" وأنا لدي إيمان مطلق في عدله -سبحانه-, ومن هنا تعذر لدي فهم سبب الاعتقاد الذي أشرت إليه سابقاً، هناك من لا يوحد الله ولكنه يتصف بأخلاق عالية قد لا تراها عند كثير من المسلمين، فعلى سبيل المثال الأم المسيحية (الأم تريزا) والتي أفنت عمرها تداوى فقراء العالم وتوفيت في الهند منذ 5 سنوات مضت تقريباً، والكثير من المصلحين في الكثير من أنحاء العالم وعلى مر حقب زمنية كثيرة، فهل سيدخل الله هؤلاء النار خالدين فيها لأنهم لم يكونوا مسلمين؟ ويدخل عصاة المؤمنين الجنة ولو بعد حين؟ ألسنا نحن أكثر المسلمين, مسلمين بالوراثة, وحتى المتدينين منا هل كانوا مسلمين لو أن آباءهم لم يكونوا مسلمين؟ ألا نجد أن كل من لديه دين أو مذهب معين يؤمن بأنه هو الحق والشواذ قليل؟ قد تقول لي: إن الكافرين يمتعهم الله في دنياهم, وهذا ليس صحيحاً, حيث أن الكفار في الهند والصين وكثير من الأقطار الأخرى يعانون من فقر شديد، بل إن أثرياء المسلمين أشد نعمة من أكثر الكفرة والملحدين، قد تقول لي إنه من واجبنا نحن دعوتهم, وهذا يتعذر على الكثير منا لأسباب اللغة بالإضافة إلى أن هناك أناس مختصين في مثل هذه(2/203)
المواضيع وأفنوا أعمارهم في الدراسات الدينية، ثم هل يستوي الذين ينكرون وجود الخالق أصلاً؟ مع أولئك الذين يؤمنون بالله, والروح والآخرة والجنة والنار إلا أنهم يعتقدون خطأ بما دسه لهم الأشقياء أن لله ولداً. أخي الفاضل: لقد توجهت بهذا التساؤل لعدد من الشيوخ ولكني لم أجد الجواب الشافي والمقنع. هل باستطاعتك -جزاك الله خيراً- المساعدة والتوضيح؟.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله وحده وبعد:
العدل معنى يتصف به الخالق –سبحانه- وليس وصفه بهذا كوصف المخلوق بالعدل؛ لأن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته.
وقولك إنك إنسان مسلم موحد بالله وتشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله كما تؤمن باليوم الآخر والجنة والنار وعذاب القبر ونعيمه ووجود الملائكة والجن والشياطين، وتؤمن بجميع الرسل والأنبياء والكتب المنزلة من الله وبأسماء الله الحسنى وبصفاته العلا، وكل ما ذكره سبحانه في القرآن الكريم، وقولك: نعتقد نحن المسلمين بأن كل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله سيدخل الجنة- ولو بعد عذاب في النار حسب أعماله- كما أننا نعتقد بأن من لا يوحد الله ولا يشهد أن محمداً عبده ورسوله ... لن يدخل الجنة.(2/204)
هذا كله يدل على أنه يجب عليك أن يكون القول والعمل على هذا وينشرح الصدر به، وتزول الشكوك والأوهام وسوء الظن بالله –تعالى-، ومن ذلك نفي الظلم عن الله –تعالى- لقوله –سبحانه-: في الظلم الذي حرمه الله على نفسه ونفاه عن نفسه بقوله: "وما ظلمناهم"، وقوله: "ولا يظلم ربك أحداً" [الكهف من الآية: 49] ، وقوله: "وما ربك بظلام للعبيد" [فصلت من الآية: 46] ، وقوله: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها" [النساء من الآية: 40] ،وقوله: "قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا" [النساء من الآية: 77] ، ونفى إرادته بقوله: "وما الله يريد ظلماً للعالمين" [آل عمران من الآية: 108] ، وقوله: "وما الله يريد ظلماً للعباد" [غافر من الآية: 31] ، ونفى أن يخافه الصلحاء بقوله: "ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضما" [طه من الآية: 112] ،وقوله –سبحانه-: "وإنما توفون أجوركم يوم القيامة" [آل عمران من الآية: 185] .
وفي الحديث القدسي: "إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً" رواه مسلم (2577] من حديث أبي ذر –رضي الله عنه-، ومن حقيقة الإيمان بالله وكتبه ورسله، والإيمان بمحمد – صلى الله عليه وسلم-، وبعدل الله اليقين بأن الكافر ليس كالمسلم ولا يستحق من الثواب ما يستحق المسلم مهما كان مقصراً بل يثاب المسلم ويعاقب الكافر: "أم نجعل المتقين كالفجار" [ص من الآية: 28] ، "إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم" [الانفطار: 13-14] .(2/205)
إن عذب الله الكفار ولم يدخلهم الجنة وأدخلهم النار فهذا هو العدل بل غاية العدل،:"لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون" [الحشر:20] ، ثم أخبر عن تفريقه بين عاقبة سعي المحسن وعاقبة سعي المسيء فقال: "فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى" [الليل: 5-10] ، فتضمنت الآيتان ذكر شرعه وذكر الأعمال وجزائها وحكمة القدر في تيسير هذا لليسرى وهذا للعسرى، والعبد ميسر بأعماله لغاياتها "ولا يظلم ربك أحدا" [الكهف من الآية: 49] ، وذكر للتيسير لليسرى ثلاثة أسباب أحدها إعطاء العبد وحذف مفعول الفعل إرادة للإطلاق والتعميم أي: أعطى ما أمر به وسمحت به طبيعته وطاوعته نفسه، وذلك يتناول إعطاءه من نفسه الإيمان والطاعة والإخلاص والتوبة والشكر، وإعطاءه الإحسان والنفع بماله ولسانه وبدنه ونيته وقصده، فتكون نفسه نفساً مطيعة باذلة لا لئيمة مانعة فالنفس المطيعة هي النافعة المحسنة التي طبعها الإحسان وإعطاء الخير اللازم والمتعدي فتعطي خيرها لنفسها ولغيرها فهي بمنزلة العين التي ينتفع الناس بشربهم منها، وسقي دوابهم وأنعامهم وزرعهم، فهم ينتفعون بها كيف شاءوا فهي ميسرة لذلك وهكذا الرجل المبارك ميسر للنفع حيث حل فجزاء هذا أن ييسره الله لليسرى كما كانت نفسه ميسرة للعطاء.
السبب الثاني: التقوى وهي اجتناب ما نهى الله عنه وهذا من أعظم أسباب التيسير وضده من أسباب التعسير فالمتقي ميسرة عليه أمور دنياه وآخرته، وتارك التقوى وإن يسرت عليه بعض أمور دنياه تعسر عليه من أمور آخرته بحسب ما تركه من التقوى، وأما تيسير ما تيسر عليه من أمور الدنيا فلو اتقى الله لكان تيسيرها عليه أتم ولو قدر أنها لم تتيسر له فقد يسر الله له من الدنيا، ما هو أنفع له مما ناله بغير التقى فإن طيب العيش ونعيم القلب ولذة الروح وفرحها وابتهاجها من أعظم نعيم الدنيا.(2/206)
فهذا حكم الله وحكمته في خلقه وأمره ونهيه وعقابه، فإن الناس تنازعوا في معنى هذا الظلم تنازعاً صاروا فيه بين طرفين متباعدين، ووسط بينهما وخيار الأمور أوساطها وذلك بسبب البحث في القدر ومجامعته للشرع، إذ الخوض في ذلك بغير علم تام أوجب ضلال عامة الأمم، ولهذا نهى النبي – صلى الله عليه وسلم- أصحابه عن التنازع فيه.
"أولما أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم" [آل عمران: 165] ، وهذا لأن الله محسن عدل كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل فهو محسن إلى العبد بلا سبب منه تفضلاً وإحساناً ولا يعاقبه إلا بذنبه وإن كان قد خلق الأفعال كلها لحكمة له في ذلك فإنه حكيم عادل يضع الأشياء مواضعها، "ولا يظلم ربك أحدا" [الكهف من الآية: 49] ، وإذا كان غير الله يعاقب عبده على ظلمه وإن كان مقراً بأن الله خالق أفعال العباد وليس ذلك ظلماً منه فالله أولى أن لا يكون ذلك ظلماً منه وإذا كان الإنسان قد يفعل مصلحة اقتضتها حكمته لا تحصل إلا بتعذيب حيوان ولا يكون ذلك ظلماً منه فالله أولى أن لا يكون ذلك ظلماً منه.
فقد جوز منكراً لا يصلح أن يضاف إلى الله –تعالى- فإن قوله: "أفنجعل المسلمين كالمجرمين" [القلم: 35] ، استفهام إنكار فعلم أن جعل هؤلاء مثل هؤلاء منكر لا يجوز أن يظن بالله أنه يفعله فلو كان هذا وضده بالنسبة إليه سواء جاز أن يفعل هذا وهذا.
وقوله: "ساء ما يحكمون" [الأنعام: 136] ، دل على أن هذا حكم سيئ والحكم السيئ هو الظلم الذي لا يجوز، فعلم أن الله –تعالى- منزه عن هذا ومن قاله إنه يسوي بين المختلفين فقد نسب إليه الحكم السيئ، وكذلك تفضيل أحد المتماثلين بل التسوية بين المتماثلين والتفضيل بين المختلفين هو من العدل والحكم الحسن الذي يوصف به الرب -سبحانه وتعالى-.(2/207)
والظلم وضع الشيء في غير موضعه فإذا جعل النور كالظلمة والمحسن كالمسيء والمسلم كالمجرم كان هذا ظلماً وحكماً سيئاً يقدس وينزه عنه -سبحانه وتعالى-، وقال –تعالى-: "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون" [المائدة: 50] ، وعند هؤلاء لو حكم بحكم الجاهلية لكان حسناً وليس في نفس الأمر حكم حسن وحكم غير حسن بل الجميع سواء، فكيف يقال مع هذا: "ومن أحسن من الله حكماً"؟ فدل هذا النص على أن حكمه حسن لا أحسن منه والحكم الذي يخالفه، وأيضاً فقوله –تعالى-: "أفنجعل المسلمين كالمجرمين" [القلم: 35] ، وقال تعالى: "أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار" [ص: 28] ، وقال –تعالى-: "أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون" [الجاثية: 21] ، إلى غير ذلك.
فدل على أن التسوية بين هذين المختلفين من الحكم السيئ الذي ينزه عنه وأن ذلك منكر لا يجوز نسبته إلى الله –تعالى- وأن من جوز ذلك فقد جوز منكراً لا يصلح أن يضاف إلى الله –تعالى- فإن قوله: "أفنجعل المسلمين كالمجرمين" [القلم: 35] ، استفهام إنكار فعلم أن جعل هؤلاء مثل هؤلاء منكراً لا يجوز أن يظن بالله أنه يفعله فلو كان هذا وضده بالنسبة إليه سواء جاز أن يفعل هذا وهذا.
وأما الأم المسيحية تقديساً لنصرانية من النصارى وهم يقدسونها وأمثالها لجهودها في التنصير وتوددها للناس حتى يتعلقوا بها فيضل بها أقوام بسبب هذا: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض" [المائدة من الآية: 51] .(2/208)
وقد يلقب بعض الناس من طوائفهم بالمصلح وهو من أبعد الناس عن الإصلاح، ولذلك قال الله عن الكفار: "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا" [الفرقان: 23] ،وقال سبحانه: "والله يعلم المفسد من المصلح" [البقرة: 220] ، وقال عن المنافقين: "قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون" [البقرة: 11-12] ، أما المصلح حقيقة فهو من آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولا، ودعوا الناس إلى ذلك، هؤلاء هم من قال الله فيهم: "إنا لا نضيع أجر المصلحين" [الأعراف من الآية: 170] ، وأي عمل لا يكون خالصاً لله وعلى وفق الشريعة التي جاء بها الرسول - صلى الله عليه وسلم- ليس إصلاحاً مهما كان. وكيف يدخل الجنة من لا يقوم بالمهمة التي خلق من أجلها؟ "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات: 56] أسأل الله الثبات على الحق وصلى الله على نبينا محمد.(2/209)
لوازم إثبات الصفات لله
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 07/04/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: يعتقد أهل السنة والجماعة - أخذاً بما في القرآن والسنة - أن لله -تعالى - ذاتاً ترى يوم القيامة بما يليق بجلاله تعالى، وأنه يتكلم سبحانه بصوت يسمعه المخاطب، وأن النظر إليه ومخاطبته وسماع كلامه في الرضى - من صور النعيم التي ينالها المؤمنون في الدنيا والآخرة، ويبقى السؤال حول ما ورد في بعض الأحاديث التالية:
1- حديث جبل نعمان، "إن الله مسح على ظهر آدم فأخرج من ذريته ... ".
2- حديث الملأ الأعلى " أتاني الليلة ربي في أحسن صورة....وفيه فوضع يده بين ثديي حتى أحسست بردها إلى ظهري".
3- حديث "إن الله يضع الجبال على أصبع والأشجار على أصبع ... " الحديث
4- حديث " يضع قدمه على النار ... " الحديث.
فهل ثبت من لازم هذه الأحاديث لمساً يليق بجلاله تعالى دون تكييف أو تشبيه؟ أم أن هذا ليس بلازم؟! نسأل الله -تعالى- أن يوفقنا وإياكم للهداية وأن يكتب لنا رضاه، وأن ينعمنا بالنظر إليه سبحانه ومخاطبته في دار كرامته ... آمين.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:(2/210)
فاعلم -حفظك الله - أن اللوازم التي يقال إنها تلزم على كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- نوعان: أحدها: لوازم صحيحة، غير منافية لكماله سبحانه، فالواجب الالتزام بها وقبولها، كأن يقول من ينفي الرؤية يلزم من إثبات الرؤية أن يكون الرب تعالى في جهة!، فنقول: نعم، هو في جهة العلو بالنسبة للرائين، فهم يرون ربهم من فوقهم، ولازم الحق حق. الثاني: لوازم باطلة: تنافي كماله سبحانه، فهي ممتنعة في حقه تعالى، ولا نسلم أنها لازمة لنصوص الكتاب والسنة، وإنما يدعيها من يزعم أن ظاهر النصوص تقتضي التشبيه، وتسبق إلى ذهنه لوثة التمثيل، فيبادر إلى نفيها فراراً من هذه اللوازم المزعومة، وهي ليست بلازم، كمن يدعي أن إثبات استواء الله على عرشه يستلزم أن يكون محتاجاً إلى العرش، أو أن يكون الله أكبر من العرش أو أصغر منه أو مساوياً له، أو يستلزم المماسة والملاصقة ونحو ذلك من الإيرادات الناشئة عن التكلف المذموم، والفهم الخاطئ أن استواء الله على عرشه كاستواء أي جسم على أي جسم، ومثله أيضاً ما ورده في هذا السؤال، فيقال: إن ما أخبر الله به عن نفسه من صفات الكمال ونعوت الجلال قد أضافها إلى نفسه وذاته، وحيث إن ذاته لا تشبه الذوات، فصفاته لا تشبه الصفات، فهي صفة حقيقية لائقة بجلاله، لا يلزم عليها شيء من اللوازم الباطلة.
ألم تر أن من ينكر الاستواء والرؤية والقدم واليد، استناداً إلى مثل هذه اللوازم المزعومة، أنه في نفس الوقت يثبت الصفات المعنوية كالعلم، لو قيل له إن من لوازم العلم الحفظ، والتذكر، ونحو ذلك، لقال: كلا! هذا علم المخلوقين، وصدق، فكذلك يقال فيما يدعونه من لوازم ليدفعوا بها في نحور النصوص الصحيحة، إنها لا تلزم في حق الخالق، ولو لزمت في حق المخلوقين فإن الله "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" [الشورى: 11] .(2/211)
ولما كان لفظ (المماسة) من الألفاظ المجملة التي لم ترد في الكتاب والسنة بنفي ولا إثبات، فإنه يتوقف في لفظها، فإن ألفاظ الصفات توقيفية، وبعض الناس يمكن أن يفهم منه معنى باطلاً ينزه الله عنه، وآخرون يمكن أن يتوصلوا بنفيه إلى نفي صفة ثابتة لله تعالى، لذا فإن المتعين الاقتصار على الألفاظ الشرعية الواردة في نصوص الكتاب والسنة، وهجر الألفاظ المحدثة الموهمة. والله تعالى أعلم، وصلى الله على عبده ونبيه محمد وسلم.(2/212)
أين الله؟
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 27/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد أن أسأل سؤالاً، وأرجو التكرم والإجابة عليه بوضوح: هل الله يوجد في السماء؟ أنا أعرف أنه استوى على العرش، ولكن أين العرش؟ هل هو في السماء أي فوقنا؟ بمعنى أين يوجد السماء السابعة، هل هي فوق السماء الأولى التي فوقنا؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن عقيدة أهل السنة والجماعة، عقيدة أهل القرون المفضلة، سهلة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، لا لبس فيها ولا غموض ولا تعقيد، يفهمها العالم والعامي، والصغير والكبير، وإن جاء فيها ما تحار فيه العقول فهو غير محال في ذاته، وإنما مرجعه إلى قصور العقل البشري عن إدراك كنه الأشياء وكيفياتها، وإن كان يعقل معناها ويتصوره.
والذي جاءت به النصوص الشرعية في الكتاب والسنة أن الله -تعالى- مستو على عرشه، وقد ورد ذكره في سبعة مواضع من القرآن الكريم، وورد في السنة أن عرشه سبحانه هو سقف الفردوس، وأن الفردوس هو أعلى الجنة.
وحين سأل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية: "أين الله، قالت في السماء، أقرها على ذلك وأمر بعتقها" رواه مسلم (537) من حديث معاوية السلمي - رضي الله عنه - وأنه -صلى الله عليه وسلم - قال في دعائه: "وأنت الظاهر فليس فوقك شيء"رواه مسلم (2713) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.(2/213)
فهذا ما يجب على المسلم اعتقاده. أما غير ذلك من التفاصيل التي لم يرد بها نص ولا تعبدنا الله -تعالى- بها فهي من الأمور التي يحرص المسلم على اجتنابها وعدم الخوض فيها، لأن العقل البشري غير مؤهلٍ لذلك، إذ كيف يعرف المرء حدود السموات، بداية السماء الدنيا ونهايتها، ثم بداية السماء الثانية ونهايتها، ثم الثالثة وهكذا ... فهذه من الأمور التي تشوش على الناس عقائدهم، فلا أجر في البحث فيها، ولا وزر على من جهلها. والله يعصمنا من الزلل ويلهمنا الصواب في القول والعمل.(2/214)
"الكبرياء ردائي"
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 10/1/1425هـ
السؤال
في الحديث يقول الله تعالى: "العز إزاري"، فهل هناك رداء حقيقة؟.
الجواب
الحمد لله، ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أن الله يقول: "العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحداً منهما عذبته" أبو داود (4090) ، وابن ماجة (4174) ، وأحمد (8677) ، وصححه الألباني، فيجب الإيمان بذلك وإثبات العظمة والكبرياء لله، فالكبرياء والعظمة صفتان من صفاته - سبحانه وتعالى- فهو العظيم، وهو العزيز الجبار المتكبر، وله الكبرياء في السماوات والأرض، وهو العزيز الحكيم، ولا يلزم من إطلاق لفظ الإزار والرداء أن تكون العظمة والكبرياء شيئين منفصلين عن الله سبحانه وتعالى، ونقول آمنا بالله وما جاء عن الله على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. والله أعلم.(2/215)
عبارة: "الله يلوم من يلومك"
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 17/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد كنت مع أحد الإخوة في الله، فقال داعياً الله -سبحانه وتعالى-: "الله يلوم من يلومك" فقلت له بدون علم: (إن الله لا يلوم) فهل من أفعال الله -سبحانه وتعالى- اللوم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اعلم - بارك الله فيك- أن باب الصفات في حق الله أوسع من باب الأسماء، ومن صفات الله ما يتعلق بأفعاله، وأفعاله لا منتهى لها، كما أن أقواله لا منتهى لها؛ قال تعالى: "ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم" [لقمان: 27] ، ومن المعلوم أيضاً أنه يتوسع في الإخبار عن الله ولا يلزم من ذلك جعل ما أخبر به مخبر عن الله صفة من صفاته، وهذا الذي ذكرته في السؤال أرجو ألا حرج فيه، فقد يقول القائل: "اللهم لا تلمنا على تفريطنا" أو يقول: (اللهم لا تفضحنا بأفعالنا) ، أو نحو ذلك ما دام أنه لا يتضمن نقصاً في حق الله كمن يقول: (اللهم لا تظلمنا) ، فإن هذا لا يجوز؛ لأن الله لا يظلم، وإن استطاع الإنسان ألا يقول إلا ما ورد فهو الأولى به والأحرى. والله أعلم.(2/216)
أصابع الرحمن
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 05/08/1425هـ
السؤال
كم لله من إصبع- سبحانه وتعالى-؟ وهل يثبت لله الأنملة؟ وأستغفر الله.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
ثبت في السنة على لسان أعلم الخلق بالله -تعالى- أن لله أصابع في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء" أخرجه مسلم (2654) وغيره بألفاظ متقاربة من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- لكن لم يرد في علمي في الكتاب والسنة عدد أصابع الرحمن، والسؤال عن العدد وعن الأنملة إذا لم يرد ذكر العدد أو الأنملة، قد يكون من سؤال الكيفية، والكيفية لا يعلمها إلا الله، والسائل استغفر الله لشعوره بذلك. والله أعلم.(2/217)
هل يدعو الله بـ (يا سَتِير) أم بـ (يا ساتر)
المجيب د. علي بن بخيت الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 09/07/1425هـ
السؤال
لماذا الأفضل أن يقول الشخص يا ستير وليس يا ساتر؟. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين، وبعد:
فإن أسماء الله عز وجل توقيفية، بمعنى أن نقف فيها على ما جاء في كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, لا نزيد عليها ولا ننقص، ولذلك فإن المشروع أن يقول الشخص: يا ستير. وليس يا ساتر؛ لأن الأول هو الذي ورد في السنة الصحيحة، حيث جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند (17970) وأبو داود (4012) والنسائي (406) : "إِنَّ اللهَ تعالى حَيِيٌّ سَتِيرٌ يُحِبُّ الحياءَ والسِّتْرَ، فإذا اغْتَسَل أحَدُكُم فلْيَسْتَتِرْ". وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(2/218)
"استواء الله على عرشه"
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 26/3/1425هـ
السؤال
هل يصح قول (الله مستو على العرش بذاته أو حقيقة؟) وهل هذا القول منقول عن السلف وخصوصاً القرون الثلاثة المفضلة؟ أم الصحيح أن يقال: الله مستو على العرش استواء يليق بجلاله من غير أن نقول بذاته أو حقيقية، أفتونا مأجورين، وأؤكد ضرورة الإتيان بما يدلل على قول السلف بذلك إثباتاً أو نفياً. ودمتم ذخراً للإسلام والمسلمين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن ما ورد في السؤال عبارات لا تعارض بينها، فمؤداها واحد؛ لأن الله -تعالى- فوق سماواته، مستو على عرشه بذاته، بائن من خلقه حقيقة استواء يليق بجلاله، ولكن بعض هذه الألفاظ أولى بالاستعمال من غيرها.(2/219)
والإشكال الذي يفهم من السائل أن استعمال لفظ الذات في هذا الموضع لم يعرف في الصدر الأول، وهو كذلك، فإنه من الاصطلاحات التي استعملت في القرن الرابع، ولعل من أوائل من استعملها القاضي أبو بكر الباقلاني، والقاضي عبد الوهاب من علماء المالكية بالعراق، واستعملها ابن أبي زيد في رسالته في قوله: "وأنه فوق عرشه المجيد بذاته"، وكذلك أبو عمر الطلمنكي من أئمة الحديث بالأندلس، ولعل عذرهم في ذلك مبالغتهم في الرد على من قال: إن إثبات العلو والاستواء يستلزم الحيز والإحاطة، وعلى من قال: بأن الله -تعالى- في كل مكان، وليس فيما قالوه - رحمهم الله- مخالفة، وإنما استعمال الألفاظ التي جاءت بها النصوص أولى، وذلك مثل من يقول: الله مستو على عرشه، أو فوق عرشه، فإن مؤدى العبارتين واحد، وقد استعمل ابن أبي زيد لفظة فوق في قوله: "وأنه فوق عرشه المجيد بذاته، وهو في كل مكان بعلمه ... إلى أن قال: على العرش استوى، وعلى الملك احتوى"، قال القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة: "هذه العبارة الآخرة التي هي قوله: على العرش أحب إلي من الأولى التي هي قوله: وأنه على عرشه المجيد بذاته؛ لأن قوله: على عرشه، هو الذي ورد به النص ولم يرد النص بذكر فوق، وإن كان المعنى واحداً، وكان المراد بذكر الفوق في هذا الموضع أنه بمعنى على، إلا أن ما طابق النص أولى بأن يستعمل" ا. هـ. والله -تعالى- أعلم.(2/220)
اسم الله الأعظم
المجيب عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
عضوهيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 13/11/1425هـ
السؤال
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
سؤالي: هل اسم الله الأعظم واحد أم هو متحول حسب الحاجة؟ لأني عندما ربطت الأحاديث الصحيحة الدالة على اسم الله الأعظم لم أجد بينها رابطًا إلا كلمة (الله) . فكيف نوفق بين ذلك؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(2/221)
اسم الله الأعظم ثبت في حديث بريدة قال: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. قَالَ: فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى". أخرجه أبو داود (1493) والترمذي (3475) ، وابن ماجة (3857) . فمن العلماء من حدّد، وقال: إنه كما ثبت في هذا الحديث. ومنهم من قال: اسم الله الأعظم "الحي القيوم". وقد جمع الله بينهما في ثلاث آيات من كتابه؛ آية الكرسي: (اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ) [البقرة: 255] . وفي أول سورة آل عمران: (آلم* اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ) [1، 2] . وفي سورة طه: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) [111] . وقالوا إن هذا فيه جمع بين اسمين عظيمين، اسم الحي، واسم القيوم، وإليهما ترجع جميع أسماء الله الحسنى، الحي المتصف بالحياة، والقيوم المتصف بالقيومية، فهو الحي، سبحانه وتعالى، الذي له الحياة الكاملة لا يعتريها نوم ولا سِنة، ولا ضعف ولا فساد، وهو القيوم القائم بنفسه المقيم لغيره. ومن العلماء من قال: كل أسماء الله عظيمة، والمراد باسم الله الأعظم المراد العظيم وكل أسماء الله عظيمة. والله أعلم.(2/222)
هل (الفرد) من أسماء الله تعالى؟
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 13/09/1425هـ
السؤال
هل اسم (الفرد) من أسماء الله تعالى- التي ورد عليها دليل من الكتاب أو السنة؟ علمًا أن أكثر الخطباء يستخدمه في دعائه: (أنت الله الأحد الفرد الصمد) .
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية، أي متوقفة على النص، فإذا وردت في القرآن أو في السنة الصحيحة أثبتناها، وإذا لم ترد فلا يصح لنا أن نثبت اسمًا أو صفة لم يرد.
وعليه فإن تسمية الله جل وعلا- بالفرد لا أصل لها، حيث لم يرد به النص لا في القرآن ولا في السنة الصحيحة، وقد ذكر العلماء أن الحديث الوارد فيه لا يصح. والله تعالى أعلم. ولمزيد من الإفادة انظر: معجم المناهي اللفظية للشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد، طبعة دار العاصمة (ص124-125) . والله أعلم.(2/223)
هل يلزم من رؤية الله في الآخرة التجسيم؟
المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 24/04/1425هـ
السؤال
رؤية الله يوم القيامة تستلزم أن يكون لله جسماً..هل هذا الكلام صحيح؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن رؤية الله تعالى في الدار الآخرة هي غاية ما يرجو المؤمن، وهي أعلى نعيم في الجنة، وقد دل على ثبوتها الكتاب والسنة وإجماع السلف، [راجع الباب الخامس والستين من حادي الأرواح لابن القيم، طلباً للاختصار] ، والمسلم يجب عليه تلقي أحكام الدين أصوله وفروعه من الكتاب والسنة، على وفق منهج السلف، والتسليم لله ورسوله في كل حكم، وبخاصة فيما يتعلق بالله تعالى وصفاته..
وإثبات رؤية المؤمنين لربهم في الدار الآخرة على الوجه اللائق بالله تعالى لا يستلزم نقصاً في حقه ولا شيئاً من المحاذير التي يذكرها نفاة الرؤية، وذلك للأمور التالية:
أن الله أخبر في كتابه أن المؤمنين يرونه يوم القيامة، فلو كان إثبات الرؤية يستلزم نقصاً في كماله أو أي شيء لا يليق بالله سبحانه لما أثبتها لنفسه، وقد أجمعت الأمة على أنه لا أحد أعلم بالله من الله، فإثبات رؤيته يوم القيامة على الوجه اللائق به -سبحانه- لا يلزم منه التجسيم ولا أي نقص في كماله.
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة فيما رواه البخاري (4581) ، ومسلم (182) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، وبالإجماع فإنه لا أحد من الخلق أعلم بالله من رسوله- صلى الله عليه وسلم-، ولا أحد أكمل منه ولا أزكى ولا أتقى لله منه، ولو كان إثبات رؤية الله في الآخرة يلزم منه نقص في كمال الله أو أي محذور لم يثبت ذلك أعلم الناس بالله وأبرهم وأصدقهم.(2/224)
أن السلف الصالح وفي مقدمتهم الصحابة -رضي الله عنهم- أجمعوا على إثبات رؤية الله في الدار الآخرة، اتباعاً لما دلّ عليه الكتاب والسنة، ولم يروا في إثبات ذلك محذوراً، ولا رأوا أن إثبات الرؤية يقتضي التجسيم ونحوه من المحاذير.
أن الزعم بأن رؤية الله تستلزم التجسيم ونحوه من المحاذير فيه استدراك على كتاب الله وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، اللذين أثبتا رؤية الله دون إخبار بأن إثباتها يقتضي التجسيم ... كما أن فيه سوء أدب مع الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم-.
أن الزعم بأن رؤية الله تستلزم التجسيم ... فيه خرق لإجماع السلف الذين أثبتوا الرؤية على الوجه اللائق، دون أن يروا في ذلك الإثبات ما يؤدي إلى التجسيم المزعوم.
أن الزعم بأن رؤية الله تستلزم التجسيم ... هو مما ألقاه الشيطان من الشبه إلى نفاة الرؤية من المعتزلة والخوارج والإمامية ومن سار على نهجهم، وقد استندوا إلى تلك الشبه لرد دلالة الكتاب والسنة على إثبات رؤية الله تعالى وسائر صفاته ... ، فالتعلق بذلك من اتباع غير سبيل المؤمنين، وفيه سلوك لطرق أهل الغواية المبتدعين. نسأل الله السلامة من ذلك. والله أعلم.(2/225)
عبارة (اللهم لا تضر أبنائي) !
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن أبو سيف الجهني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 10/10/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل لله أسماء وردت في القرآن الكريم والسنة غير التسع والتسعين التي نعرفها؟ وهل إذا دعونا: (اللهم لا تضر أبنائي) . هل في ذلك سوء أدب مع الله؟ وأنا أعلم أن الله هو النافع الضار، ولا أنسب الضرر إليه، معاذ الله، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأسماء التسع والتسعون المشهورة المتداولة وقع استخراجها من القرآن باجتهادات لعدد من أهل العلم، ولذلك وقع اختلاف فيها، وبعض هذه الاجتهادات لا يُوافق على بعض ما عددته اسمًا لعدم وروده في النصوص مورد الاسم، كالناصر اشتقوه من وصف الله بأنه ينصر المؤمنين، وهذا غير صحيح فإنه لم يرد إطلاقه اسمًا على الله، وكالنور لم يرد في القرآن إطلاقه اسمًا، بل وصفًا مضافًا (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [النور:35] .
معنى هذا الدعاء: (اللهم لا تضر أبنائي) . الذي يقصده الناس معنى صحيح لا سوء فيه، إذ معناه: (اللهم لا تقدِّر على أبنائي ما يضرهم) . ولكن اللفظ غير موفَّق؛ لأن الضر لا ينسب إلى الله مفردًا، بل مقترنًا بنسبة النفع إليه، فهو النافع الضار- سبحانه- واقتران الوضعين جارٍ مجرى الاسم الواحد. والله أعلم.(2/226)
صفة النفس لله تعالى
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 09/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أريد أن أسأل عن صفة النفس لله تعالى، كيف هي؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فصفة النفس ثابتة لله عز وجل، بالقرآن والسنة وإجماع سلف الأمة، قال تعالى: (وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [الأنعام: من الآية 54] . وقال تعالى: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [آل عمران: من الآية28] . وقال تعالى: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) [طه:41] . وقال صلى الله عليه وسلم: "يقولُ اللهُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ". رواه البخاري في كتاب التوحيد (7405) ، ومسلم في كتاب الذكر (2675) . وقد وردت نصوص أخرى عديدة في هذا.
وقد أجمع السلف على إثبات هذه الصفة، ولم ينكرها إلا أصحاب البدع وأهل الأهواء، كما أنكروا غيرها، وإثباتها لله على ما يليق به من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل، قال الإمام ابن خزيمة - رحمه الله- في أول كتابه (التوحيد) : فأول ما نبدأ به من ذكر صفات خالقنا جل وعلا- في كتابنا هذا ذكر نفسه، جل ربنا عن أن تكون نفسه كنفس خلقه، وعز أن يكون عدمًا لا نفس له. (ص11) .
ولهذا، فلا يجوز البحث عن كيفيتها، فالكيف مجهول، والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أن له ذاتًا حقيقية فله صفات حقيقية مثل: النفس والوجه واليد، وغيرها مما ورد. والله أعلم.(2/227)
نزول الرب جل وعز واختلاف آخر الليل
المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 12/01/1426هـ
السؤال
هل نزول ربنا -عز وجل- في السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل يحدث في ليل كل بلد؟ فإذا كان الوقت في بلدي ليلا وفي بلد أخرى نهاراً، فهل ربنا تبارك وتعالى بالنسبة لي في السماء الأولى وبالنسبة للبلد الثانية في السماء السابعة؟ وإذا كانت الدنيا بالنسبة للعرش صغيرة جداً كما ورد في الأحاديث فهل يدل ذلك أن استواء العرش بالنسبة للأرض يكون بصورة عمومية يفهم منها أن البلاد كلها في حيز واحد من السماء الدنيا أو السماء السابعة؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبي الله وبعد:
فقد صح الحديث في إثبات نزول الحق تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا كل ليلة. صحيح البخاري (1145) ، ومسلم (758) ، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين صحابياً بل قد بلغ مجموع طرق الحديث حدَّ التواتر المفيد للعلم وقد نص العلماء على ذلك. والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أخبرنا بذلك وهو لا يخبر إلا بحق فيجب التسليم ولو لم تدرك عقولنا ذلك.
وبثبوت الحديث ثبوتاً لا مطعن فيه تثبت صفة النزول لله كما يليق بجلاله سبحانه، لأن الله ليس كمثله شئ لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، كما دل عليه قوله تعالى: "ليس كمثله شئ وهو السميع البصير" [الشورى:11] . فنزوله لا يشبه نزول المخلوقات بأي وجه من الوجوه. ولا يجوز تكييف نزوله بكيفية معينة.
إن نزول الله تعالى لا يتنافى ولا يتعارض مع استوائه على عرشه وعلوه على خلقه فهو في حال نزوله مستوٍ على عرشه ولا يخلو منه العرش. وما أتت الشبهة في السؤال إلا من تصور خلوّ العرش منه وهذا هو التكييف المذموم. ونزوله حق واستواؤه حق ولا تعارض بينهما فهو العلي في دنوه والقريب في علوه ليس كمثله شئ.(2/228)
إن هذه اللوازم التي يذكرها بعض الناس على نزوله هي لوازم نزول المخلوق أما الخالق فشأنه أعظم وأجل من ذلك. وما يلزم على نزول المخلوق لا يلزم على نزول الخالق سبحانه للقطع بنفي المماثلة بين الخالق والمخلوق.
وكون البلاد تختلف في حصول ثلث الليل الآخر ولا تتفق بحيث يحصل الثلث في بلد فإذا انتهى حصل في غيره بحيث أن الأرض جميعاً لا تخلو من ثلث ليل، فهذا صحيح مشاهد، وكون هذا يلزم عليه استمرار النزول الإلهي فلا مانع يمنع من ذلك إذا علمنا أن نزوله سبحانه لا يلزم منه خلو العرش منه، لأن نزوله ليس كنزول المخلوق الذي يلزم منه حركة وانتقال وخلو مكان وما أتت هذه الشبهة إلا من قياس النزول الإلهي على النزول البشري، أما إذا علمنا انتفاء المماثلة بين النزولين فلا يلزم حينئذ على أحد النزولين ما يلزم على الآخر، فلكل نزوله اللائق به، فنزول المخلوق يلزم منه خلو المكان والانتقال من مكان إلى مكان، ونزول الخالق لا يلزم منه ذلك، فهو مع نزوله مستو على عرشه، والجميع حق على حقيقته، نؤمن به، ولا نكيفه، ولا نشبهه، ولا نعطله.
وإذا كان نزول الحق سبحانه لا يلزم منه خلو العرش فلا مانع من القول باستمرار النزول نظراً لأن الأرض لا تخلو من ثلث ليل، ويبقى بعد ذلك الفضل المترتب على النزول الإلهي خاصاً بمن أدركهم ثلث ليلهم دون من سواهم فيكون نزول الحق بحسب ثلث كل ليل نزولاً لائقاً بجلال الله وعظمته.(2/229)
رؤية المنافقين لله يوم القيامة
المجيب د. محمد بن علي السماحي
أستاذ العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة القاهرة
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 03/01/1426هـ
السؤال
رؤية الله لأهل المحشر، هل يراه المؤمنون والمنافقون دون الكفار، أم يراه المؤمنون والكفار ثم يحتجب عن الكفار، أم لا يراه إلا المؤمنون؟.
الجواب
بارك الله فيك ـ أخي الكريم ـ فرؤية الله تعالى ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع أهل السنة والجماعة وهي العقيدة الصحيحة، ومن الأدلة على ذلك قوله تَعَالَى: "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" [القيامة:22، 23] وهي من أظهر الأدلة، وأما من أبى إلا تحريفها بما يُسميه تأويلاً: فتأويل نصوص المعاد والجنة والنَّار والحساب أسهل من تأويلها عَلَى أرباب التأويل. ولا يشاء مبطل أن يتأول النصوص ويحرِّفها عن مواضعها إلا وجد إِلَى ذلك من السبيل ما وجده متأول هذه النصوص.
وإضافة النظر إِلَى الوجه الذي هو محله في هذه الآية، وتعديته بأداة (إلى) الصريحة في نظر العين، وإخلاء الكلام من قرينة تدل عَلَى خلاف حقيقته وموضوعه، صريحٌ في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إِلَى الرب جل جلاله، فإن النظر له عدة استعمالات، بحسب صلاته وتعديه بنفسه. فإن عدي بنفسه فمعناه: التوقف والانتظار، كقوله: "انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ" [الحديد:13] وإن عدي بـ (في) فمعناه: التفكر والاعتبار، كقوله: "أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" [الأعراف:185] وإن عدي بـ (إلى) فمعناه: المعاينة بالأَبصار، كقوله تعالى: "انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَر" [الأنعام:99] فكيف إذا أضيف إِلَى الوجه الذي هو محل البصر؟!(2/230)
وروى ابن مردويه بسنده إِلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ" [القيامة:22] قَالَ: من البهاء والحُسن "إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" قال: في وجه الله عَزَّ وَجَلَّ. عن الحسن قَالَ: نظرت إِلَى ربها فنُضِّرت بنوره.
وقال أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما "إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" قَالَ: تنظر إِلَى وجه ربها عَزَّ وَجَلّ.
وقال عكرمة: "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ" قَالَ: من النعيم. "إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ"، قَالَ: تنظر إِلَى ربها نظراً َ.
ثُمَّ حكى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- مثله.
وهذا قول كل مفسر من أهل السنة والحديث] اهـ.
ويثبت الإمام أبو جعفر الطّّحاويّ -رَحِمَهُ اللهُ- أن من اعتقاد أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ: أن الرؤية حق لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الجنة، فأهل الجنة المؤمنون -جعلنا الله وإياكم منهم- يرون ربهم جل وعلا عياناً بالأبصار، كما جَاءَ في الحديث الصحيح انظر صحيح مسلم (181) ، وسنن ابن ماجه (187) ، وهذا هو النعيم الأعلى والأعظم في الجنة، وهو أعظم نعيم يتنعم فيه أهل الجنة بل هو ألذ من جميع أنواع النعيم التي لم ترها عين، ولم تسمع بها أذن، ولم تخطر عَلَى قلب بشر، ثُمَّ يقول: (بغير إحاطة ولا كيفية) ، أي: أنه لا يستلزم من هذا النظر الإحاطة.
والذين نفوا الرؤية كالمعتزلة وغيرهم قالوا: إن مما يدل عَلَى نفي الرؤية قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: "لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ" [الأنعام: 103] فما دام أن الأبصار لا تدركه؛ فهو لا يُرى وما علموا أن هناك فرقاً بين الرؤية والإدراك، فإن الإِنسَان قد يرى الشيء لكن لا يحيط به ولا يدرك حقيقته، والذي نفى الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وقوعه هو الإحاطة به وإدراكه وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً" [طه: 110] فإذا كَانَ العلم لا يحيط به سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -ومجاله أرحب وأوسع من الرؤية- فكيف تحيط به الرؤية؟!(2/231)
قوله: (ولا كيفية) أي: لا نعلم الكيفية التي يرى بها المؤمنون ربهم جل وعلا، وكما قَالَ: (وتفسيره عَلَى ما أراد الله تَعَالَى وعلمه) يعني: تفسير الكيفية لا يعلمها إلا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فنحن نؤمن بالرؤية وأما كيفية وقوع هذه الرؤية فإن الذي يعلمها هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ونحن لا نعلمها، وعماد استدلاله كَانَ بهذه الآية وبالأحاديث الصحيحة الدالة عَلَى الرؤية فقَالَ: (كما نطق به كتاب ربنا: "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" [القيامة:22، 23] .
وهي من أوضح وأبين وأجلى الأدلة عَلَى رؤية الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، ولهذا فإن الإمام البُخَارِيّ -رَحِمَهُ اللهُ- في صحيحه جعل هذه الآية هي عنوان الباب، ثُمَّ أورد بعد ذلك أحاديث كثيرة في إثبات رؤية الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عن عدد من الصحابة الكرام- رضي الله عنهم-: عن جرير بن عبد الله البجلي (7436) ، وأَبِي هُرَيْرَةَ (7438) ، وأبي سعيد الخدري (7440) - رضي الله عنهم-، وأورد أحاديث كثيرة في الحشر ويَوْمَ القِيَامَةِ، تثبت رؤية الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وأما رؤية المنافقين والكفار ربهم يوم القيامة فقد اختلف فيها الناس على ثلاثة أقوال: أحدها: أن الكفار لا يرون ربهم بحال لا المظهر للكفر ولا المسر له وهو قول أكثر العلماء المتأخرين، وعليه يدل عموم كلام المتقدمين هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واستدلوا بأدلة منها قوله تعالى: "كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُون"َ [المطففين:15] ، وقوله تعالى: "وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً" [الإسراء:72] ، وقوله تعالى: "وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" [طه:124] ، وأن الرؤية من أعظم كرامات أهل الجنة وبشارة لهم فلو شاركهم الكفار في ذلك بطلت البشارة.(2/232)
والمذهب الثاني: أنه يراه من أظهر التوحيد من مؤمني هذه الأمة ومنافقيها وغبرات من أهل الكتاب وذلك في عرصة القيامة ثم يحتجب عن المنافقين وهو قول أبي بكر بن خزيمة من أئمة السنة واحتجوا بحديث أبي هريرة-رضي الله عنه- في الصحيحين واللفظ لمسلم: " أَنَّ نَاسًا قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ فَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتَّبِعُونَهُ وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ " البخاري (806) ، ومسلم (182) .(2/233)
وفي رواية في الصحيحين من حديث أبي سعيد- رضي الله عنه-: " فَيَقُولُ هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ بِالسُّجُودِ وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ " البخاري (7440) ، ومسلم (183) .
المذهب الثالث: أن الكفار يرونه رؤية تعريف وتعذيب ثم يحتجب عنهم ليعظم عذابهم ويشتد عقابهم وهو قول أبي الحسن بن سالم وأبي سهل بن عبد الله التستري.
والراجح هو القول الأول وهو المأثور عن السلف المتقدمين، قال ابن تيمية في الفتاوى: روى ابن بطة بإسناده عن أشهب قال: قال رجل لمالك: يا أبا عبد الله هل يرى المؤمنون ربهم يوم القيامة؟ فقال مالك: لو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعير الله الكفار بالحجاب، قال الله تعالى: "كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ". وعن المزني قال: سمعت ابن أبي هرم يقول: قال الشافعي في كتاب الله "كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ" دلالة على أن أولياءه يرونه على صفته، وعن حنبل بن إسحاق قال: سمعت أبا عبد الله يعني أحمد يقول: قوله تعالى "كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ" فلا يكون حجاباً إلا لرؤية فأخبر الله أن من شاء ومن أراد فإنه يراه والكفار لا يرونه، ومثل هذا الكلام كثير عن غير واحد من السلف.(2/234)
قال القاضي أبو يعلى وغيره: كانت الأمة في رؤية الله بالأبصار على قولين: منهم المحيل للرؤية وهم المعتزلة، والفريق الآخر أهل الحق والسلف من هذه الأمة متفقون على أن المؤمنين يرون الله في المعاد وأن الكافرين لا يرونه فثبت بهذا إجماع الأمة - ممن يقول بجواز الرؤية وممن ينكرها - على منع رؤية الكفار لله وكل قول حادث بعد الإجماع فهو باطل مردود.(2/235)
الفرق بين الإرادة الكونية والشرعية
المجيب عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
عضوهيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 04/09/1425هـ
السؤال
أريد توضيح الإرادة الكونية والإرادة الشرعية لله -تعالى-.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الإرادة صفة من صفات الله -عز وجل-، وهي نوعان:
(1) إرادة كونية خلقية قدرية.
(2) إرادة دينية شرعية أمرية.
وهذا تقسيم عند أهل السنة والجماعة وهو الحق الذي دلت عليه النصوص، الإرادة الكونية الخلقية عامة للمؤمن والكافر، ولا يتخلف مرادها، وكل ما في هذا الكون، وكل ما يكون ويوجد، فإن الله أراده كوناً وقدراً من خير وشر، وصحة وعافية، وعز وإذلال، وكفر وإيمان، وفقر وغنى، ومعصية وطاعة، وسعادة وشقاوة، فكل ما يكون في هذا الكون لا يكون إلا بقدرة الله، كما أن كل شيء خلقه الله، قال تعالى: "اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ" ... [الزمر: من الآية62] ، " ... قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ... " [الرعد: من الآية16] ، "وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً" [الفرقان: من الآية2] ، والإرادة الكونية تعم المؤمن والكافر، أما الإرادة الدينية الشرعية فهي خاصة بالمؤمن، وهي ترادف المحبة والرضا.
فالإرادة الشرعية فيما أراده الله ورضيه من أحكام، وتشريع ما شرعه في الكتاب وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم-، فأمر به ونهى عنه، كقوله: "وأقم الصلاة"، هذا أمر ديني شرعي أمر الله بإقامة الصلاة ديناً وشرعاً، ولكن قد يحصل المراد من الإرادة الشرعية وقد لا يحصل، فمن الناس من أطاع الله واستجاب، وأقام الصلاة، ومن الناس من لم يؤمن ولم يستجب، أما الإرادة الكونية، فإنه لا يتخلف مرادها.
تجتمع الإرادتان في حق المؤمن كأبي بكر - رضي الله عنه-، فإن الله أراد منه الإيمان قدراً وشرعاً.(2/236)
وتتخلف في حق الكافر، فإن الله أراد الإسلام لأبي لهب ديناً وشرعاً، ولم يرده كوناً وقدراً.
من أمثلة الإرادة الكونية: قوله - تعالى- "فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ... " [الأنعام: من الآية125] ، وقال - تعالى -: "....إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ" [المائدة: من الآية1] ، وقال - تعالى- " ... إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" [هود: من الآية34] ، والإرادة الكونية مرادفة للمشيئة قال - تعالى - "لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ*وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" [التكوير:28-29] .
أما الإرادة..... الشرعية فمن أمثلتها قوله - تعالى - " ... يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ... " [البقرة: من الآية185] ، " ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" [الأحزاب: من الآية33] ، " ... تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ... " [لأنفال: من الآية67] .
وأما أهل البدع فإنهم لم يقسموا الإرادة إلى قسمين فضلوا وأضلوا فالجبرية لم يثبتوا إلا الإرادة الكونية، والمعتزلة أثبتوا الإرادة الدينية الشرعية، ولم يثبتوا الإرادة الكونية فضلوا، وهدى الله أهل السنة والجماعة؛ فأثبتوا الإرادتين عملاً بالنصوص، فكان مذهب أهل السنة والجماعة هو الحق ووسط بين مذهبين باطلين الجبرية الذين لا يثبتون إلا الإرادة الكونية، والمعتزلة الذين لا يثبتون إلا الإرادة الدينية الشرعية. والله أعلم.(2/237)
معنى حديث ذراع الجبار
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 26/05/1426هـ
السؤال
سؤالي: وجدت في كتاب السنة لابن أبي عاصم حديث أبي هريرة: "غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعاً بذراع الجبار"، وقد صححه الشيخ الألباني، وذكر أنه في السلسلة الصحيحة رقم (1105) .
وقد بحثت حول هذا الحديث، فوجدت في الكفاية للخطيب: أخبرنا أبو أحمد بن محمد بن غالب البرقاني، وأبو الحسن بشرى بن عبد الله الرومي، قالا: أخبرنا محمد بن جعفر ... عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ضرس الكافر مثل أحد، وفخذه مثل البيضاء، ومقعده من النار كما بين قديد ومكة، وكثافة جلده اثنان وأربعون ذراعاً بذراع الجبار".
قال الخطيب: كان في أصل سماع البرقاني: (بذراع الجبار عز وجل) وعليه تصحيح، وهذا يدل على أنه كان في الأصل الذي نقل منه هكذا.
ونرى أن الكاتب سبق إلى وهمه أن الجبار في هذا الموضع هو الله -تعالى- وكتب: "عز وجل" ولم يعلم أن المراد أحد الجبارين الذين عظم خلقهم، وأوتوا بسطة في الجسم، كما قال تعالى: "إن فيها قوماً جبارين".
وقال ابن حبان: الجبار ملك ظاهر يقال له الجبار.
وقال الحاكم: قال الشيخ أبو بكر رضي الله عنه: معنى قوله: بذراع الجبار" أي جبار من جبابرة الآدميين ممن كان في القرون الأولى ممن كان أعظم خلقاً وأطول أعضاءً وذراعاً من الناس.(2/238)
وقال البيهقي في الأسماء والصفات: قال بعض أهل النظر في قوله: "بذراع الجبار": إن الجبار هاهنا لم يُعْنَ به القديم، وإنما عُني به رجل جبار كان يوصف بطول الذراع وعظم الجسم، ألا ترى إلى قوله: (كل جبار عنيد) ، وقال: (وما أنت عليهم بجبار) . وقوله: (بذراع الجبار) أي: بذراع ذلك الجبار الموصوف بطول الذراع، وعظم الجسد، ويحتمل أن يكون ذلك ذراعاً طويلاً يذرع به، يعرف بذراع الجبار، على معنى التعظيم والتهويل، لا أنَّ له ذراعاً كذراع الأيدي المخلوقة.
وقال المنذري: الجبار ملك باليمن له ذراع معروف المقدار، كذا قال ابن حبان وغيره. وقيل ملك بالعجم.
ولكن الذي يقع في نفسي أن هذه اللفظة منكرة، ولكن لا يتم القطع بذلك إلا بنظر أهل البصيرة في العلل، فأردنا أن نأخذ رأيكم في هذا الحديث، أثابكم الله ونفع بكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: فحديث وصف كثافة وغلظ جلد الكافر في نار جهنم، وأنه اثنان وأربعون ذراعاً بذراع الجبار حديث صحيح، صحّحه جمعٌ من أهل العلم. كابن حبان (رقم 7486) ، والحاكم (4/595) .
وفي عامّة مصادر السنة لم يرد عقب لفظة الجبار عبارات التفخيم والتعظيم والتنزيه التي لا تليق بغير الله عز وجل، مثل "عز وجل"، أو "جَلَّ اسمُه"، ونحوها إلا فيما نقله السائل عن (الكفاية) للخطيب، وفي كتاب (إبطال التأويلات) للفراء.
ولذلك فقد اختلف أهل العلم في فَهْم هذا الحديث، فحمله بعضهم على أنه من أحاديث الصفات، ونفى الآخرون ذلك وتأوّلوه تأويلاً يجعله ليس من أحاديث صفات الباري عز وجل.
فإيراد ابن أبي عاصم له ضمن أبواب أحاديث الصفات في كتاب السنة (رقم 623، 624) يدلّ على أنه عنده من أحاديث الصفات.
وكذلك أورده أبو يعلى الفراء في كتابه (إبطال التأويلات) ضمن أحاديث الصفات، وتكلَّم عنه (1/203-205) .(2/239)
وتأوَّله آخرون بما يجعله ليس من أحاديث الصفات، وعلى هذا عامّةُ من وقفت على كلام له في هذا الحديث، وأخصّ بالذكر منهم هنا من عُرفوا باتِّباع منهج السلف في باب الأسماء والصفات الإلهية، كابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (252) ، والأزهري في تهذيب اللغة (11/61) ، والذهبي حيث قال – فيما نقله عنه المناوي في فيض القدير (4/255) -: "ليس ذا من أحاديث الصفات في شيء".
والذي جعله من أحاديث الصفات أثبت به صفة الذراع لله عز وجل، لكن دون تشبيه ولا تجسيم، كما أثبت السلف صفة الوجه واليدين. ولم يروا أن في الحديث ما يدعو إلى تحديد الذراع، كما لم يُفض الاستواء على العرش إلى التحديد، وهذا ما صرّح به أبو يعلى الفراء في إبطال التأويلات (1/204-205) .
ومَنْ فهم معنى هذا الحديث على ما ذكره الفرّاء، لا يكون في إثباته في هذه الصفة محذوراً؛ لأنه لم يؤدِّ به الإثبات إلى التشبه، وهذا هو ما فرّ منه المؤولون، الذين تأولوا الحديث لكي لا يكون من أحاديث الصفات أصلاً.
أما من لم يفهم من الحديث ذلك، فيلزمه إمّا تفويض المعنى (وليس هو من مناهج السلف) ، أو أن يتأوّل الحديث.
وقد تأوّله ابن قتيبة بقوله: " ونحن نقول: إن لهذا الحديث مخرجاً حسناً، إن كان النبي – صلى الله عليه وسلم- أراده، وهو أن يكون الجبار –ههنا- الملِك، قال الله –تبارك وتعالى- " وما أنت عليهم بجبار" [ق:45] أي بملك مُسلَّط، والجبابرة: الملوك، وهذا كما يقول الناس: هو كذا وكذا ذراعاً بذراع الملك، يريدون: بالذراع الأكبر، وأحسبه ملكاً من ملوك العجم، كان تامّ الذراع، فنُسب إليه".
ووافقه على ذلك الأزهري في (تهذيب اللغة) ، كما سبق.(2/240)
وقد افتتح الأزهري مادّة (جبر) بقوله: قال الله عز وجل: "إن فيها قوماً جبارين" [المائدة:22] . قال أبو الحسن اللحياني: أراد الطول والقُوَّة والعِظَم، والله أعلم بذلك. قلت: كأنه ذهب به إلى الجبّار من النخيل، وهو الطويل الذي فات يد المتناول، يقال: رجلٌ جبار إذا كان طويلاً عظيماً قويَّاً، تشبيهاً بالجبار من النخيل".
وقد يستغرب هذا التأويل من لم يكن عارفاً بلغة العرب، ولعدم استخدام الجبار لدينا بالمعنى الذي ذكره الأزهري، لكن من عرف أن الجبار في لغة العرب يدل على ذلك المعنى، ولم يُسلِّط عُرْفَه اللغوي على العرف اللغوي الذي كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يستغرب ذلك المعنى، خاصة مع قول ابن فارس في كتابه مقاييس اللغة (1/501) : " الجيم والباء والراء: أصلٌ واحد، وهو جنسٌ من العظمة والعُلُوّ والاستقامة، فالجبّار: الذي طال وفات اليد، يُقال: فرس جبّار، ونخلةٌ جبّارة..".
وقال القَطامي (في ديوانه 351) :
ومن يَنْزِعْ أرومتَه لأُخرى فذاك لثابتِ الأصل اعْتِقَارُ
كما الزيتونُ لا يَمَّازُ نَخْلاً ولا الجَبّارُ تُبْدَلُهُ صُحَارُ
يقول: من ترك أصله وانتسب لغير أصله، فهذا لمن كان صحيح النسب مذلّة. كما أن شجر الزيتون لا يُمكن أن يفارق شجرة الزيتون إلى النخل، والنَّخل الطوال (وهي الجبّار) ، لا تستبدلها صُحَار بغيرها، وصُحَار بلدٌ بعُمَان مشهورة بكثرة النخيل.
وعلى هذا يكون قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "بذراع الجبار" يعْني: بذراع الطويل الفائت الطول.
وهذا أقوى ما يظهر لي من معناه، وهو ظاهرٌ لا إشكال فيه. والله أعلم
والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.(2/241)
هل لتقسيم التوحيد ثلاثة أقسام دليل؟
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الربوبية
التاريخ 13/04/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
تحدى أحد الذين أعلنوا الحرب صراحة على الدعوة السلفية في بلدي -في صفحات إحدى الجرائد- علماء ودعاة السلفيين على الإتيان بنص واحد فقط من القرآن، أو السنة، أو كلام السلف يثبت تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، معتبراً هذا التقسيم من باب تثليث النصارى، وقال: أعطيكم مهلة ست سنوات، وإن جئتم بدليل واحد، فأنا على استعداد لإعلان توبتي على صفحات الجرائد والاعتذار، فمن يجيبه؟
الجواب
أولاً: العبرة بالحقائق وليس بالصور، والمعاني التي جاءت في هذا التقسيم صحيحة، وكلها يشهد لها القرآن والسنة.
فتوحيد الألوهية: يعني أن توحد الله -عز وجل- في العبادة، فإن معنى: "إله" أي معبود، فهذا سماه ابن تيمية توحيد العبادة، فهل هذا المعنى صحيح؟ فإن كان صحيحاً فماذا نسميه؟
وتوحيد الربوبية: مشتق من: "الرب" أي الخالق، فهل اعتقاد أن الله- عز وجل- هو المتفرد بالخلق صحيح؟
وتوحيد الأسماء والصفات: أي نوحد الله -عز وجل- في أسمائه وصفاته، ونعتقد أنها لا تشابه صفات المخلوق وأسمائه، فهل هذا المعنى فيه أشكال؟!
ثانياً: سبب التقسيم أن بعض المسلمين خالف في بعض هذه الأنواع وأقر ببعضها، فكان الحوار يقتضي بيان جوانب الاتفاق وجوانب الخلاف، وذلك لا يتم إلا بهذا التقسيم.(2/242)
فكل الأمة مقرة بتوحيد الربوبية، بل المشركون أنفسهم مقرون بتوحيد الربوبية، قال تعالى: "ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله" [لقمان: 25] . فهذا الجانب من جوانب التوحيد لا تنكره قريش، فدل على أن النبي-صلى الله عليه وسلم- جاء يدعوهم لشيء أنكروه وهو توحيد العبادة معنى "إله" فقال قولوا: لا إله إلا الله، أي لا معبود، ولم يرد: لا خالق؛ لأنهم لا ينكرونه.
فإذا جاء أحد من المسلمين وفسر"لا إله إلا الله" بمعنى لا خالق إلا الله، فنقول: هذا خطأ يبين له من خلال التقسيم هذا ... إلخ
فكان هذا التقسيم مساعداً لبيان جوانب الصواب وجوانب الخطأ في العقائد.
وبهذا يتبين أن التقسيم لا يترتب عليه تثليث ولا تربيع وإنما لزيادة الإيضاح، وأما معاني تلك الأقسام فهي واضحة في تفسير الآيات في كتب التفاسير، فبالرجوع إليها يتضح التقسيم.
والله الموفق.(2/243)
هل في هذا الحديث تشبيه الخالق بالمخلوق
المجيب راشد بن فهد آل حفيظ
القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 29/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
قرأت كتاباً يروي فيه مؤلفه عن الإمام مالك، أنه قال: (من يصف أن لله يداً، ويشير إلى يده هو (برفعها لكي تُرى) فيجب أن تقطع يده، وكذلك من شبه بوجهه) . فلماذا أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى عينيه وأذنه، عندما تلا قوله تعالى: "إنه هو السميع البصير"؟ وكذلك ما يحيرني هو: كيف قارن النبي -صلى الله عليه وسلم- كلام الله بجر السلاسل على الصخر، أليس في المثالين أعلاه تشبيه؟.
جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إن من الإيمان بالله -تعالى- الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم- من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل، هذا هو منهج أهل السنة والجماعة في صفات الله -تعالى-، فهم يؤمنون بها إيماناً خالياً من هذه الأمور الأربعة، فالتحريف: تغيير اللفظ والمعنى، فتحريف المعنى هو تغييره بصرف اللفظ عن ظاهره بغير دليل، وهو نوع من التعطيل.
أما التعطيل: فهو إنكار ما أثبته الله -تعالى- لنفسه من الأسماء والصفات كلياً أو جزئياً، بتحريف أو بجحود، فهذا كله تعطيلٌ.
أما التكييف: فهو ذكر كيفية الصفة من صفات الله -تعالى- وهو محرم، وبدعة منكرة، وقول على الله بغير علم؛ لأن الله - سبحانه - وصف نفسه في كتابه بصفات، ولم يخبرنا بكيفيتها.
أما التمثيل: فهو تمثيل الله -سبحانه- بخلقه، في ذاته، أو في صفاته، والتمثيل ذكر مماثل للشيء.
وأهل السنة يتبرؤون منه ومن التحريف، والتعطيل، والتكييف، قال تعالى: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" [الشورى: 11] ، فقوله: "ليس كمثله شيء" ردٌّ على الممثلة، وقوله: "وهو السميع البصير" ردٌ على المعطلة.(2/244)
وقال تعالى: "هل تعلم له سميا" [مريم: 65] ، أي مماثلاً، وقال تعالى: "ولم يكن له كفوا أحد" [الإخلاص: 4] ، وقال تعالى: "فلا تجعلوا لله أنداداً" [البقرة: 22] ، أي نظراء مماثلين، وقال تعالى: "فلا تضربوا لله الأمثال" [النحل: 74] ، فإن قيل: إن هناك أحاديث قد تشتبه علينا، ونريد الجواب الشافي عنها:
أولاً: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته" أخرجه البخاري (7434) ، ومسلم (633) ، فالجواب عن ذلك من وجهين:
الأول: أنه لا يمكن أن يقع تعارض بين كلام الله –تعالى- وكلام رسوله –صلى الله عليه وسلم- الذي صح عنه أبداً؛ لأن الكل حق من عند الله- تعالى- لكن قد يقع التعارض في فهم البعض، لقلة العلم، أو لقصور الفهم، أو للتقصير في البحث والتعلم والتدبر، أو لسوء القصد والنية، وبناء على ذلك فيجب عليك عند الاشتباه أن ترد المشتبه إلى المحكم؛ حتى يبقى النص كله محكماً، وهذه طريق الراسخين في العلم، قال تعالى: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ... " [آل عمران: 7] ، وبهذا تسلم أمام الله.
الثاني: أن الحديث ليس فيه تشبيه للمرئي بالمرئي، وإنما فيه تشبيه للرؤية بالرؤية، أي ترون ربكم كرؤيتكم القمر ليلة البدر، ولهذا أعقبه بقوله: "لا تضامون في رؤيته" أو: "لا تضارون في رؤيته" أخرجه البخاري (7440) .
ثانياً: قوله صلى الله عليه وسلم: " خلق الله آدم على صورته" أخرجه البخاري (6227) ، ومسلم (2841) ، والجواب عنه من ثلاثة وجوه:
الأول: - بما سبق-: أنه لا يمكن أن يتعارض هذا الحديث مع قوله تعالى: "ليس كمثله شيء"، فإن استطعت الجمع فافعل، وإلا فقل: إن الله خلق آدم على صورته، وأنه سبحانه ليس كمثله شيء، فأثبت الصورة بدون مماثلة.(2/245)
الثاني: أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له من كل وجه، فقد قال صلى الله عليه وسلم-: " أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر" أخرجه البخاري (3246) ، ومسلم (2834) ، فهؤلاء البشر ليسوا على صورة القمر من كل وجه، بل على صورتهم، لكن في الوضاءة والحسن والجمال، وما أشبه ذلك على صورة القمر، لا من كل وجه.
الثالث: أن الإضافة في قوله: "على صورته" من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فيعني خلقه على الصورة التي اختارها، واعتنى بها خلقاً، وتصويراً، فإضافة الله الصورة إليه من باب التشريف والتكريم.
ولا يعني ذلك نفي الصورة، فإنها ثابتة لله –تعالى- بأدلة كثيرة، وسيأتي بيان معناها، أي معنى الصورة التي تكون لله –تعالى- وتليق بجلاله وعظمته.
وهذا الوجه – أعني الوجه الثالث- صحيح، وله نظير، لكن الوجه الثاني أسلم منه؛ لأن لظاهر اللفظ مساغاً في اللغة، وإمكاناً في العقل، فالواجب حمل الكلام عليه، مع اعتقادنا الجازم أن الصورة لا يلزم منها مماثلة الصورة الأخرى، وحينئذ يكون الأسلم أن نحمله على ظاهره. فإن قيل: ما هي الصورة التي لله –تعالى- ويكون آدم عليها؟
فالجواب: أن الله –تعالى- له وجه يليق بجلاله وعظمته، وله عينان تليقان بجلاله وعظمته، وله يدان تليقان بجلاله وعظمته، لكن لا يلزم من أن تكون هذه الصفات مماثلة لصفات الآدمي، كما أن الزمرة الأولى من أهل الجنة تكون على صورة القمر، لكن بدون مماثلة، وهذا بالنسبة بين المخلوق والمخلوق، فكيف بالأمر إذا كان بين الخالق – سبحانه- وبين المخلوق الذي هو ليس بشيء بالنسبة إلى الخالق- سبحانه- "ليس كمثله شيء".(2/246)
ثالثاً: قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خُضْعاناً لقوله: "كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك ... " أخرجه البخاري (7481) ، وفي لفظ: "كالسلسلة على صفوان ينفذهم ذلك" أخرجه البخاري (4701) ، وفي لفظ "إذا تكلم الله تعالى بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا.. " أخرجه أبو داود (4738) .
ومعنى قوله: "كأنه" أي صوت القول في وقعه على قلوبهم، حين سماعه. وقوله: "صفوان" هو الحجر الأملس الصلب، والسلسلة عليه يكون لها صوت عظيم. والجواب عن ذلك بثلاثة وجوه:
الأول: - كما سبق- أنه لا يمكن أن يقع تعارض بين كلام الله وكلام رسوله – صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الكل حق من عند الله –تعالى- فإن استطعت الجمع فافعل، وإلا فرد المتشابه إلى المحكم؛ حتى يبقى النص كله محكماً، "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".
الثاني: أن الحديث ليس فيه تشبيه لصوت الله –تعالى- بصوت السلسلة على صفوان، وإنما فيه تشبيه سماع الملائكة لصوت الله –تعالى- بسماع من يسمع سلسلة على صفوان. أو يقال: إن المراد تشبيه ما يحصل للملائكة من الفزع عندما يسمعون كلام الله –تعالى- بفزع من يسمع سلسلة على صفوان. إذاً ليس في الحديث تشبيه الصوت بالصوت، وإنما فيه تشبيه السماع بالسماع، والفزع بالفزع، والوقع بالوقع، ولذلك أعقبه بقوله: "ينفذهم ذلك" أي أن الصوت يبلغ منهم كل مبلغ. فإن أبى أحدٌ وأصر زاعماً أن في الحديث تشبيهاً للصوت بالصوت، قلنا: إن هذا لا يفهم من الحديث، لكن حتى وإن سلمنا بذلك، فلا يلزم منه أن يكون مماثلاً له من كل وجه، كما سبق وأن بيناه في حديث الزمرة الأولى من أهل الجنة؛ لأن الله – سبحانه- "ليس كمثله شيء" أبداً، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وهذا هو الوجه الثالث.(2/247)
رابعاً: أن الرسول – صلى الله عليه وسلم- قرأ قوله تعالى: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ... " إلى قوله تعالى: "إن الله كان سميعاً بصيراً"، فوضع إبهامه على أذنه اليمنى، والتي تليها على عينه، وأبو هريرة –رضي الله عنه- لما حدث به فعل ذلك. أخرجه أبو داود بسند صحيح (4728) .
والجواب عن ذلك بوجهين:
الأول: - بما سبق-: أنه إذا اشتبه عليك مثل ذلك، ولم تستطع الجمع، فردّ المتشابه إلى المحكم، "ليس كمثله شيء"، واجزم أنه لا تعارض بين كلام الله، وكلام رسوله – صلى الله عليه وسلم-، وأنه إنما حصل لك الاشتباه لسبب من الأسباب المذكورة فيما سبق.
الثاني: أن الرسول – صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك ليؤكد ثبوت هاتين الصفتين لله –سبحانه- على الوجه اللائق به، فهو إذاً تحقيق لهما، وإثبات لهما بالقول والفعل، وليس في الحديث ما يدل على التمثيل أبداً، لا من قريب ولا من بعيد، "ليس كمثله شيء".
خامساً: أنه قد ورد في حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- كيف يحكى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "يأخذ الله – عز وجل- سماواته وأرضيه بيديه، فيقول: "أنا الله، ويقبض صلى الله عليه وسلم أصابعه ويبسطها- أنا الملك" أخرجه مسلم (2788) .
ويجاب عنه بالوجهين السابقين، وأن المراد بفعل الرسول –صلى الله عليه وسلم- لذلك، هو تحقيق صفة اليدين لله تعالى، وإثباتها حقيقة على الوجه اللائق به، وأنه سبحانه يقبض بهما سماواته وأراضيه حقيقة، يوم القيامة، كما قال تعالى: "وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه" [الزمر: 67] ، فإن قيل: هل يجوز لأحد أن يفعل كما فعل الرسول –صلى الله عليه وسلم- في الحديثين السابقين؟(2/248)
فالجواب: أن هذا يختلف بحسب ما يترتب عليه، فإذا خشينا أن يتوهم أحد التمثيل فينبغي أن نكف عن ذلك كما لو كان أمامك عامة لا يفهمون الشيء على ما ينبغي، وعلى كل فلا حاجة إلى أن نفعل ذلك ما دمنا نعلم أن المقصود هو التحقيق، مما يعني أن ما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم- إنما هو مقصود لغيره، وحينئذ فلا حاجة إلى ذلك، ولكل مقام مقال.
المراجع:
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.
(2) العقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(3) شرح العقيدة الواسطية، للشيح محمد بن عثيمين.
(4) القول المفيد، للشيخ محمد بن عثيمين.
(5) فتح المجيد، للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ.(2/249)
الصفات المشتركة بين الخالق والمخلوق
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 09/09/1426هـ
السؤال
يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في كتابه (عقيدة أهل السنة والجماعة) ما يلي: لا شريك لله في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته، قال تعالى: "رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا" انتهى كلامه. لا شريك له في صفاته، فكيف ذلك وكثير من الناس يتصفون بالكرم وهو من صفات الله، وآخرون يتصفون بالحلم وهو من صفات الله أيضاً؟. نرجو التوضيح.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فما نقلتَه من كلام الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- محل إجماع من علماء الإسلام، فصفات الله -تعالى- لا تشابه صفات المخلوقين: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" [الشورى:11] .
أما ما ذكرته من وجود أوصاف في بعض المخلوقين، مثل (الكرم والعلم والحلم) فإن الاشتراك في بعض المعاني لا يقتضي التشابه المطلق، ومثال ذلك أن نقول: يد الباب ويد القط ويد الفيل ويد الإنسان، فهي رغم اشتراكها اللفظي لا تقتضي التشابه مطلقاً، ونقول أيضاً: حمامة سريعة وطائرة سريعة، والفرق بين حقيقة الصفتين شاسع جداً، فإذا كان ذلك في حق المخلوقين فهو من باب أولى في حق الخالق سبحانه وله المثل الأعلى، والقاعدة في ذلك أن الاشتراك في الأسماء لا يقتضي التشابه في المسميات.(2/250)
إثبات الأيدي لله في قوله "مما عملت أيدينا"
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 05/04/1427هـ
السؤال
قال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا" حسب إجابة فضيلة الشيخ -حفظه الله- أنه لا يجب علينا تأويل هذه الآية فما معناها الظاهر، وإذا قلنا: إن معناها الظاهر هو الأيدي فسيبدوا لنا تصور وتخيل، فهل يعتبر هذا تجسيمًا أو تشبيهًا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقول الله تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا" [سورة يس:71] . يدل على إثبات اليدين لله تعالى، وسبب ذكر اليدين بصيغة الجمع أنهما أضيفتا إلى صيغة الجمع، كما قال تعالى: "فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ" [الشورى:30] . ومن قواعد اللسان العربي أن المثنى إذا أضيف إلى ضمير التثنية أو ضمير الجمع، جُمع كقوله تعالى: "فقد صغت قلوبكما" [التحريم:4] . وقوله: "فاقطعوا أيديهما" [المائدة:38] . ونظير هذه الآية قوله تعالى: "تجري بأعيننا" [القمر:14] . وهذه الآية أعني " مما عملت أيدينا". لا تدل على أن الله خلق الأنعام بيديه كما خلق آدم، لأنه أسند الفعل إلى الأيدي كقوله: "بما قدمت أيديكم" [آل عمران:182] . ومثل هذا الأسلوب لا يدل على خصوص فعل اليدين بخلاف قوله تعالى: "مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ" [ص:75] . فإنها تدل على أن الله خلق آدم بيديه؛ لأنه أسند الفعل إلى الفاعل وعداه إلى اليدين بالباء، وأهل السنة والجماعة يثبتون اليدين لله على ما يليق به ولا يكيفون ولا يمثلون.
فلا تتخيل أيها السائل من صفات الله أنها تماثل صفات المخلوقين فهو سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. والله أعلم.(2/251)
استخدام الجنّ في العلاج
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 3/8/1422
السؤال
ما حقيقة مسّ الجن للإنس وهل يجوز استخدامهم في العلاج؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
جواباً على سؤال السائل: ما حقيقة مس الجن للأنس وهل يجوز استخدامهم في العلاج؟
فنقول:
أما مس الجن للإنس فحقيقة ثابتة دل عليها الكتاب والسنة والواقع. ولم يخالف في ذلك إلا بعض من يسمون بالعقلانيين قديماً وحديثاً بناء على تقديسهم العقل. علماً أن العقل السليم لا يمنع من ثبوت ذلك، بل تعدى بعضهم إلى إنكار حقيقة الجن أصلاً وهذه مكابرة.
قال الله تعالى: "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس …".
وقد ثبت ذلك في أحاديث كثيرة صحيحة.
كما يشهد له الواقع، وأقوال العلماء في ذلك قديماً وحديثاً مشهودة، أما مسألة حكم الاستعانة بالجن واستخدامهم في العلاج أو غير ذلك فالصحيح أنه لا يجوز حتى وإن كانوا مسلمين وفي أمر مباح أو مشروع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستعن بهم لا في الجهاد، ولا في الإخبار عن أحوال العدو، ولا عن شيء من ذلك مع حاجته الماسة -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك، مع أنه مرسل إليهم عليه الصلاة والسلام، وقد بلغهم رسالة ربه.
وهذا الاستخدام من أفعال أهل الجاهلية. فكانوا إذا نزلوا وادياً أو مكاناً خالياً قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه … يريدون كبير الجن. فحرّم الإسلام ذلك، قال -تعالى- "وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً".
وقد أبدلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- خيراً منه فقال -عليه الصلاة والسلام- " من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك " رواه مسلم (2708) .(2/252)
وهذا الاستخدام هو من الاستمتاع الذي ذمّ الله الكافرين عليه، قال -تعالى- "ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم" فالجن لا يخدم الإنس إلا إذا قدم له شيئا، ً وهذا هو استمتاع بعضهم ببعض. كما أن استخدام الجن في بعض الأمور المباحة أو الطاعات ذريعة للشرك، وقاعدة "سد الذرائع" تمنع من ذلك لما فيه من مخاطر جسيمة على عقيدة المسلم.
فعلى المسلم الغيور على دينه البعد عن كل الأمور التي تقدح في عقيدته وتجره إلى الذنب الذي لا يغفره الله تعالى. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.(2/253)
كيف نثبت وجود الملائكة؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 27/6/1422
السؤال
هل لكم أن تثبتوا لي أنه يوجد في هذه الدنيا ملائكة؟
أريد جواباً مقنعاً. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسوله، نقول لمن قال ذلك: أتؤمن بالله ورسوله وكتابه؟ فإن قال: نعم أؤمن بالله ورسوله وكتابه. نقول: إن هذا يفرض عليك أن تؤمن بكل ما أخبر الله به في كتابه وعلى لسان رسوله، فإن الملائكة من علم الغيب، ولا طريق للعلم بهم إلا خبر الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم-، فلا طريق للعلم بالملائكة إلا بالوحي المنزل على رسل الله وأعظم ذلك ما أنزله الله -سبحانه وتعالى- من الكتاب والحكمة على محمد -صلى الله عليه وسلم- وقد ذكر الله الملائكة في كتابه في مواضع كثيرة جداً، كما في قصة آدم وإبليس، وذكر أن الإيمان بهم من أركان وأصول الإيمان والبر، وأن الكفر بهم ضلال بعيد كما قال -تعالى-: ((ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله فقد ضل ضلالاً بعيداً)) كما بيّن سبحانه وتعالى في كتابه وعلى لسان رسوله -عليه الصلاة والسلام- أموراً كثيرة عن الملائكة من صفاتهم الخَلقية والخُلقية، والأعمال التي وكلوا بها، فالإيمان بالملائكة من أصول الإيمان فمن ينكر وجودهم، أو يشك في وجودهم فإنه كافر بالله ورسوله وكتبه، ولو ادَّعى أنه مسلم، وأؤكد أنه لا طريق لإثبات وجودهم وأحوالهم إلا السمع، أي: النقل، وهو كتاب الله، وما صحَّ من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وإن كان القائل لا يؤمن بالله، أو لا يؤمن بالرسول، أو لا يؤمن بالقرآن فللكلام معه مقام آخر، لا يتكلم معه في إثبات الملائكة بل يتكلم معه في أصل الأصول، وهو الإيمان بالله ورسوله وكتابه , والله أعلم.(2/254)
الجن والشياطين سلالة من؟؟
المجيب د. عبد الله السبتي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
القرآن الكريم وعلومه/تفسير آيات أشكلت
التاريخ 22/7/1422
السؤال
يقول الله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ... الآية
الإنس من بني آدم والجن من نسل من؟ والشياطين من نسل من؟ وماذا قال أهل العلم بقوله تعالى (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)
ظاهر قول الملائكة بأن الأرض كان يقطنها مخلوق مفسد فمن هم؟
الجواب
الذي يظهر والله أعلم أن إبليس هو أبو الجن وذلك هو ظاهر القرآن ولا معارض له مقبول فإن الله سبحانه قد أخبر في كتابه عن إبليس أنه اعترض على السجود بقوله: (خلقتني من نار وخلقته من طين) فهو يتحدث عن خلقه هو لا عن غيره من أب أو جد فأول الجن خلقا هو إبليس وهو أبوهم (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو) كما أن أول الإنس خلقا هو آدم وهو أبوهم وإبليس قد خلق قبل آدم (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون*والجان خلقناه من قبل من نار السموم)
قال الحسن البصري رحمه الله:"ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن كما أن آدم أصل الإنس "قال ابن كثير:" وهذا إسناد صحيح عن الحسن " (1/74) في تفسير قوله (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) .
قال ابن القيم_رحمه الله_:
واسأل أبا الجن اللعين أتعرف الخلاق أم أصبحت ذا نكران
وقال ابن حجر في الفتح (6/369) :" إبليس أبو الجن كلهم "(2/255)
وكل قول غير هذا غير فإنه معارض لظاهر القرآن كما أن مستنده النقل عن بني إسرائيل فمرة ينسب إلى حي من الملائكة وأخرى إلى الجن ولكن اصطفى فكان بين الملائكة ... إلى غير ذلك من الأقوال، والمسألة سمعية لا مجال للرأي فيها، ومثلها لا يستند فيه على الإسرائيليات، وتجدر الإشارة إلى أنها قد وردت مجموعة من الروايات عن المتقدمين في إبليس وكيفية نسبته إلى الجن، وتحديد مهمته، وذكر عبادته، وكيفية انتقاله، إلى السماء وتسميته، وغير ذلك، ومصدر ذلك والله أعلم الإسرائيليات، قال ابن كثير في تفسيره (3/87) :" وقد روي في هذا آثاراً كثيرة عن السلف وغالبها من الإسرائيليات، التي تنقل لينظر فيها، والله أعلم بحال كثير، منها ومنها ما قد يقطع بكذبه لمخالفته الحق الذي بأيدينا، وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة، لأنها، لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان وقد وضع في هذا أشياء كثيرة ".
وحينئذ فلا داعي للعدول عن ظاهر القرآن.
وبهذا القول يزول الإشكال عن كيفية وجود إبليس بين الملائكة وهو ليس منهم، فالله قد خلقه وجعله بينهم، كما أنه خلق آدم وجعله في الجنة ثم أنزل الجميع إلى الأرض جزاءا وابتلاء، هذا بالنسبة لأبي الجن.
وأما بالنسبة لأبي الشياطين فلا بد من مقدمة لبيان ذلك، فإن لفظ (شيطان) يطلق على إبليس ويطلق على جنس من الجن وهم المرة من ذرية إبليس، ويطلق على المتمرد من الإنس على أوامر ربه.
فأما إطلاقه على إبليس ففي مثل قوله تعالى (فأزلهما الشيطان عنها) وقوله تعالى (فوسوس لهما الشيطان) وقوله تعالى (لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة) وهذا غالب إطلاقه، فالشيطان علم في الغالب على إبليس.
وأما إطلاقه على جنس من الجن ففي مثل قوله تعالى (وما تنزلت به الشياطين) وقوله تعالى (هل أنبئكم على من تنزل الشياطين) (والشياطين كل بناء وغواص) (وجعلناها رجوما للشياطين) وهو ههنا وصف لهم.(2/256)
وأما إطلاقه على متمردي الإنس ففي مثل قوله تعالى (وكذلك جعلنا لكل نبي عدو شياطين الجن والإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) وهو هنا وصف لهم أيضا.
وحينئذ فلا يمكن أن يقال: أبو الشياطين هو فلان إذ منهم جن ومنهم بشر، إلا أن يكون الحكم أغلبي، فيقال إبليس أبو الشياطين لأن غالب الشياطين منهم ولأنه مصدر شيطنتهم والله أعلم.
س/ هل يدل قول الملائكة (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) ؟
ج/ ليس في الآية دليل صريح على ذلك؛ إذ ربما عرفت الملائكة أن هذا الخليفة سيفسد في الأرض ويسفك الدماء بوحي من الله إليها كما نقل معناه ابن كثير عن الحسن البصري في تفسير الآية.
وقد ورد في كتب التواريخ وبعض التفاسير: أنهم علموا ذلك بسبب أعمال من تقدم آدم من الجن الذين سكنوا الأرض، وسبق بيان شئ من ذلك السؤال، السابق والله أعلم.(2/257)
هل الملائكة أجسام نورانية
المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 25/8/1424هـ
السؤال
هل الملائكة من أجسام نورانية أم لا؟.
الجواب
نعم الملائكة خلقوا من نور، وابن آدم خلق من طين، والجن خلقت من مارج من نار، والله أعلم.(2/258)
تلبس الجن بالإنس
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 9/1/1425هـ
السؤال
السؤال: ما الفائدة التي يستفيدها الجنَّي عندما يتلبَّس بالإنسان؟ مع العلم أن الإنسان سوف يرفع عنه القلم في حالة الجنون.
أعتقد - والله أعلم - أن إبليس لبَّس على المتعلمين بأن جعلهم يعتقدون بأن للجن قدرة يستطيعون بها الدخول في الأجساد البشرية.
ونحن نعلم علم اليقين بأن إبليس وجنده دعاة إلى النار، فلا يصح له أن يذهب العقول بتلك الطريقة، وقد يقول قائل بأنها من وسائل حربه، إذاً لما كان في الكفره مجانين. والأحاديث المستشهد بها لا تدل إلا على الإغواء لا الجنون بسبب الجن، كحديث "أن الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم " فالرجاء العودة على مناسبة الحديث، شاكراً لكم سعة صدوركم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة السلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فمسألة إنكار تلبُّس الجن بالإنس لا يقول بها إلا مكابر؛ لأنها مسألة تشهد لها الأدلة الشرعية الصحيحة، ويدل عليها الواقع والمشاهدة، وسبق أن أجبنا على سؤال في هذا الموقع عن هذا الموضوع، فيحسن الرجوع إليه.
ومن الأدلة الشرعية الدالة على ثبوت التلبس قول الله - تعالى-: "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ... " [البقرة: 275] .(2/259)
ومن الأحاديث ما رواه الإمام أحمد في مسنده (24009) من حديث أم أبان بنت الوازع، عن أبيها أن جدها الزارع انطلق معه بابن له مجنون –أو ابن اخت له- قال جدي: فلما قدمنا على رسول الله –صلى الله عليه وسلم – قلت إن معي ابناً لي، أو ابن أخت لي مجنون، أتيتك به تدعو الله له قال: ائتني به قال: فانطلقت به إليه وهو في الركاب، فأطلقت عنه، وألقيت عنه ثياب السفر، وألبسته ثوبين حسنين وأخذت بيده حتى انتهيت به إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- فقال: ادنه مني، اجعل ظهره مما يليني، قال: فأخذ بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله فجعل يضرب ظهره حتى رأيت بياض إبطيه، ويقول: "اخرج عدو الله، اخرج عدو الله " فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظره الأول، ثم أقعده رسوله الله – صلى الله عليه وسلم – بين يديه فدعا له بماء فمسح وجهه ودعا له، فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يفضل عليه، ومثله الحادثة التي رواها الإمام أحمد في مسنده (17549) ، من حديث يعلى بن مرة، وإخراج النبي –صلى الله عليه وسلم- الجنَّي من الصبي.
يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى (24/276) دخول الجن في بدن الإنسان ثابت باتفاق أهل السنة والجماعة. ويقول: ليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجن في بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادَّعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك، وقال في (19/12) أن ممن أنكر دخول الجن بدن المصروع طائفة من المعتزلة، كالجبائي وأبي بكر الرازي.
أما ما ذكره السائل من أن إبليس وجنده دعاة إلى النار، فلا يصح أن تذهب العقول بتلك الطريقة.
فنقول: إن دوافع التلبُّس ليست محصورة في العداوة فقط. فقد يكون دافع التلبس الحب والعشق والهوى، فبعض الجن يعشق بعض الإنس فيتلبس بهم.(2/260)
وقد يكون بدافع الانتقام إذا آذاهم الإنس وهو يشعر أو لا يشعر، ولم يعتصم بذكر الله، وقد يكون الجنيَّ أحياناً مكرهاً على الإيذاء والتلبُّس؛ حيث يجبره على التلبُّس أحد كبرائهم من الشياطين، وهذا يكون عادة عن طريق السحر.
وقد يكون بدافع الإيذاء، أما ترى أنه يفرح حين يفرق بين المرء وزوجه، وحين يقطع الرحم؟
إذاً فعداوة الشيطان للإنسان ليست محصورة في إغوائه وصرفه عن الصراط المستقيم، مع أنها أغلى أمانيه ولكنه الإيذاء بشتى أنواع الأذى النفسي والجسدي، وخاصة إذا لم يتمكن من صرفه عن الحق.
وصرفه عن الحق إما بإيقاعه في الشرك والخروج من الملة، أو بإيقاعه في البدع أو الذنوب، فإن لم يستطع فبصده عن طاعة الله وإفساد العبادة عليه، فإن لم يستطع فبإشغاله بالمفضول عن الفاضل. إلى غير ذلك من الصور. أعاذنا الله من شياطين الجن والإنس بمنَّه وكرمه.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(2/261)
تكليف الجن بالعبادات
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 3/8/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
هل على الجن تكاليف شرعية كما على الإنس؟ أي: هل الجن مكلفون بالصلاة وصيام رمضان؟ لأنه كما نعرف هناك جن مسلم وآخر كافر، أفيدوني أفادكم الله، وجزاكم الله خيراً.
الجواب(2/262)
نعم، الجن مكلفون كالإنس، ومخلوقون للعبادة، فهم مأمورون ومنهيون، كما قال -تعالى-:"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات: 56] وهم موعودون ومتوعدون، فمؤمنهم موعود بالثواب وكافرهم وعاصيهم متوعد بالعقاب، فقد قضى الله -تعالى- أن يملأ جهنم من الإنس والجن، كما قال -سبحانه وتعالى-:"وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" [هود: 119] ، والصحيح أن مؤمنهم يدخل الجنة كما في سورة الرحمن، والخطاب فيها للثقلين (الإنس والجن) :"فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" [الرحمن: 13] في واحد وثلاثين آية، ومن ذلك قوله -تعالى-:" فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ*فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ*يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ*فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" [الرحمن: 39 -42] إلى قوله:"ولمن خاف مقام ربه جنتان*فبأي آلاء ربكما تكذبان" [الرحمن: 46 - 78] إلى آخر السورة، ولكن لا ندري عن كيفية أدائهم للتكاليف الواجبة عليهم؛ لأن لهم طبيعة وخلقة تختلف عن طبيعة الإنس وخلقتهم، لكنهم مكلفون بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا قرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن وجاءه نفر من الجن واستمعوا القرآن وذهبوا إلى أقوامهم منذرين كما ذكر الله ذلك في سورتي الأحقاف والجن، "وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ" [الأحقاف: 29 - 35] إلى آخر الآيات، والله أعلم.(2/263)
رؤية الجن والكلام معهم
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 6/1/1423
السؤال
هل يستطيع الإنسان رؤية الجن أو الملائكة، مع العلم أني قابلت من يقول إنه يرى الجن، وكان معنا شخص قد لبسه جني وكان يتكلم معه. ما قولكم في هذا؟ للعلم هذا الشخص ثقة -إن شاء الله-.
الجواب
الجن لا يُرون على صورهم الحقيقية التي خلقهم الله -تعالى- عليها، قال الله -تعالى-: (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) [الأعراف:27] وقد قال -تعالى-: (إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه) [الكهف:50] .
ولكن الله قد جعل لهم القدرة على أن يظهروا في صور أشخاص وحيوانات وحشرات وغير ذلك، وقد تمثل الشيطان لقريش في صورة شيخ نجدي.
أما سماع أصواتهم وكلامهم على لسان الإنسي المتلبسين به فهذا ثابت وواقع. والله تعالى أعلم.
أعاذنا الله من شياطين الجن والإنس. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(2/264)
مذهب أهل السنة في الملائكة والجان
المجيب محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله -
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 2/2/1423
السؤال
ما مذهب أهل السنة والجماعة في الملائكة والجان؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إليك كلام سماحة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين في إجابته على سؤال قريب من سؤالك قال -رحمه الله-:
الملائكة: عالم غيبي مخلوقون، عابدون لله -تعالى-، وليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، خلقهم الله -تعالى- من نور، ومنحهم الانقياد التام لأمره، والقوة على تنفيذه.
قال الله -تعالى-:" ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون" [الأنبياء:19-20] .
وهم عدد كثير لا يحصيهم إلا الله -تعالى-، وقد ثبت في الصحيحين (البخاري (3207) ومسلم (2643)) من حديث أنس -رضي الله عنه- في قصة المعراج أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رُفع له البيت المعمور في السماء يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودُوا إليه آخر ما عليهم.
والإيمان بالملائكة يتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بوجودهم.
الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه (كجبريل) ، ومن لم نعلم اسمه نؤمن بهم إجمالاً.
الثالث: الإيمان بما علمنا من صفاتهم، كصفة (جبريل) ، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رآه على صفته التي خُلق عليها وله ستمائة جناح قد سد الأفق، أخرجه الترمذي (3278) وأحمد (3748) .(2/265)
وقد يتحول الملك بأمر الله –تعالى- إلى هيئة رجل، كما حصل (لجبريل) حين أرسله –تعالى- إلى مريم فتمثَّل لها بشراً سوياً، وحين جاء إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو جالس في أصحابه جاءه بصفة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد من الصحابة، فجلس إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وسأل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام، والإيمان، والإحسان، والساعة، وأماراتها، فأجابه النبي –صلى الله عليه وسلم- فانطلق، ثم قال –صلى الله عليه وسلم-:" هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم". رواه مسلم (8) .
وكذلك الملائكة الذين أرسلهم الله –تعالى- إلى إبراهيم ولوط كانوا في صورة رجال.
الرابع: الإيمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر الله –تعالى-، كتسبيحه، والتعبد له ليلاً ونهاراً بدون ملل ولا فتور.
وقد يكون لبعضهم أعمال خاصة.
مثل: جبريل الأمين على وحي الله –تعالى- يرسله الله به إلى الأنبياء والرسل.
مثل: ميكائيل الموكل بالقطر، أي: المطر والنبات.
ومثل: إسرافيل الموكل بالنفخ في الصور عند قيام الساعة وبعث الخلق.
ومثل: ملك الموت الموكل بقبض الأرواح عند الموت.
ومثل: مالك الموكل بالنار وهو خازن النار.
ومثل: الملائكة الموكلين بالأجنة في الأرحام إذا تم للإنسان أربعة أشهر في بطن أمه، بعث الله إليه ملكاً وأمره بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد.
ومثل: الملائكة الموكلين بحفظ أعمال بني آدم وكتابتها لكل شخص، ملكان: أحدهما عن اليمين، والثاني عن الشمال.
ومثل: الملائكة الموكلين بسؤال الميت إذا وضع في قبره يأتيه ملكان يسألانه عن ربه، ودينه، ونبيه.
والإيمان بالملائكة يثمر ثمرات جليلة، منها:
الأولى: العلم بعظمة الله –تعالى-، وقوته، وسلطانه، فإن عظمة المخلوق من عظمة الخالق.(2/266)
الثانية: شكر الله -تعالى- على عنايته ببني آدم، حيث وكَّل من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم، وكتابة أعمالهم، وغير ذلك من مصالحهم.
الثالثة: محبة الملائكة على ما قاموا به من عبادة الله –تعالى-.
وقد أنكر قوم من الزائغين كون الملائكة أجساماً، وقالوا: إنهم عبارة عن قوى الخير الكامنة في المخلوقات، وهذا تكذيب لكتاب الله –تعالى-، وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم-، وإجماع المسلمين.
قال الله –تعالى-:" الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع" [فاطر:1] .
وقال:" ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم" [الأنفال:50] ، وقال:" ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم" [الأنعام:93] . وقال:" حتى إذا فُزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير" [سبأ:23] . وقال في أهل الجنة:" والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار" [الرعد:23-24] .
وفي (صحيح البخاري (3209) ومسلم (2637)) عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال:" إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء، إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض".
وفيه أيضاً عنه قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاؤوا يستمعون الذكر" رواه البخاري (929) ومسلم (850) .
وهذه النصوص صريحة في أن الملائكة أجسام لا قوى معنوية، كما قال الزائغون، وعلى مقتضى هذه النصوص أجمع المسلمون.
أما الجن، فإليك كلام سماحة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله تعالى- حول ما سألت عنه:
س: هل للجن حقيقة؟ وهل لهم تأثير؟ وما علاج ذلك؟(2/267)
ج: أما حقيقة حياة الجن فالله أعلم بها، ولكننا نعلم أن الجن أجسام حقيقية، وأنهم خلقوا من النار وأنهم يأكلون ويشربون ويتزاوجون، ولهم ذرية كما قال الله –تعالى- في الشيطان: "أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو" [الكهف:50] وأنهم مكلفون بالعبادات، فقد أرسل إليهم النبي –عليه الصلاة والسلام-، وحضروا واستمعوا القرآن كما قال الله –تعالى-: "قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا" [الجن:1-2] ، وكما قال –تعالى-: "وإذا صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يقومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم" [الأحقاف:29-30] إلى آخر الآيات، وثبت عن النبي –عليه الصلاة والسلام- أنه قال للجن الذين وفدوا عليه وسألوه الزاد، قال: "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً" مسلم (450) ، وهم –أعني: الجن- يشاركون الإنسان إذا أكل ولم يذكر اسم الله على أكله، ولهذا كانت التسمية على الأكل واجبة، وكذلك الشرب كما أمر بذلك النبي –صلى الله عليه وسلم-، وعليه فإن الجن حقيقة واقعة وإنكارهم تكذيب للقرآن وكفر بالله –عز وجل-، وهم يؤمرون، وينهون، ويدخل كافرهم النار كما قال الله –تعالى-: "قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها" [الأعراف:38] ، ومؤمنهم يدخل الجنة أيضاً لقوله –تعالى-: "ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان فبأي آلاء ربكما تكذبان" [الرحمن:46-49] والخطاب للجن والإنس، ولقوله –تعالى-: "يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين"(2/268)
[الأنعام:130] إلى غير ذلك من الآيات والنصوص الدالة على أنهم مكلفون يدخلون الجنة إذا آمنوا ويدخلون النار إذا لم يؤمنوا.
أما تأثيرهم على الإنس فإنه واقع أيضاً، فإنهم يؤثرون على الإنس؛ إما أن يدخلوا في جسد الإنسان فيصرع ويتألم، وإما أن يؤثروا عليه بالترويع والإيحاش، وما أشبه ذلك.
والعلاج من تأثيرهم بالأوراد الشرعية، مثل: قراءة آية الكرسي، فإن من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين الجزء الأول صـ288-290 والجزء الخامس صـ116-119](2/269)
دخول الملائكة للبيوت
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 15/9/1423هـ
السؤال
من المعلوم أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، فمن المقصود من الملائكة؟ وهل معنى ذلك أن الحسنات لا تكتب في هذا البيت؟
الجواب(2/270)
إن الملائكة الموكلون بحفظ العبد وحفظ عمله لا يفارقونه ولا يمنعهم من كتابة الحسنات والسيئات مانع؛ لأنه عملهم الذي وكلهم الله به، وتعبدهم بالقيام به، وهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وعلى هذا فالظاهر أن الملائكة الذين لا يدخلون البيت الذي فيه صورة، أو كلب، هم الملائكة الذين يغشون بيوت المؤمنين، ويحصل لهم بذلك الخير والبركة، فالذين يعلقون في بيوتهم الصور يتسببون في حرمانهم من غشيان الملائكة لبيوتهم ومجالسهم، ويستبدلونه بغشيان الشياطين الذين يضلونهم، وهم في تعليق هذه الصور، وإظهار المعاصي يهينون الملائكة الموكلين بأعمالهم، ولو قدر -والله أعلم- أن الحديث عام في كل الملائكة، فإنهم وإن لم يدخلوا البيت على الإنسان فإن ذلك لا يمنع اطلاعهم على أعماله وإن كانوا متباعدين عنه، كيف وهم يعلمون أعمال قلب العبد، فيعلمون خواطره وهمومه، كما في الحديث الصحيح:"إذا هم العبد بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له عشراً، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة -إذا تركها لله- وإن عملها كتبت له سيئة" مسلم (130) ، فهم يعلمون ما يهم به العبد -والله أعلم-، والمقصود هو التحذير من إيجاد الصور في البيوت ونصبها، وعلى الإنسان أن يهتم بالأمر المطلوب منه، ولا يشغل نفسه بالبحث عن الأمور الغائبة، والمطلوب من العبد أن لا يعصي ربه، ومن المعاصي تعليق الصور في المجالس وسائر جوانب المنزل، وبيت الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما وجد فيه قرام عائشة الذي يحمل تصاوير، وقد علقته لستر فرجة في الحجرة، لم يدخله جبريل حتى أميط القرام، وكسر التمثال، كسر رأسه حتى كان كهيئة الشجرة، فهذا يدل على أهمية الأمر وخطورته، والله أعلم.(2/271)
هل للموت ملك أم ملائكة؟
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 8/8/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
هل يوجد لكل نفس ملك موكل بقبض الروح؟ أم فقط ملك الموت هو الموكل؟ وهل يوجد له أعوان من الملائكة؟ كما في صيغة الجمع من قوله تعالى: (وتتوفاهم الملائكة) . وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:(2/272)
قد وردت آيات القرآن الكريم متضمنة ما يدل على أن الله - تعالى - هو الذي يتوفى الأنفس كما في قوله تعالى:" اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الزمر:42] ، وجاءت مرة لتدل على أن ملك الموت هو الذي يتوفى الأنفس كما في قوله: "قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ" [السجدة:11] ، وجاءت أخرى لتدل على أن عدداً من الملائكة تتوفى الأنفس: "حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ" الآية، [الأنعام: 61] ، وهذه الآيات وغيرها مما هو في معناها لا تعارض بينها، فما جاء منها بإسناد التوفي إلى الله - تعالى - فلأنه سبحانه هو المتوفي للأنفس حقيقة، وهو - تعالى - خالق الموت والحياة، ويقول – جل وعلا -: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" [الملك:2] ، وما جاء منها بإسناد التوفي إلى ملك الموت فلأنه هو المباشر لقبض الأرواح بأمر الله - تعالى - وتسليطه على خلقه، وما جاء منها بإسناد التوفي إلى الملائكة؛ فلأنهم أعوان ملك الموت في توفي الأرواح وقبضها، وقد جاء في الأثر عند ابن أبي شيبة وصححه ابن كثير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله: "توفته رسلنا وهم لا يفرطون" [الأنعام: 61] قال: أعوان ملك الموت من الملائكة انظر: تفسير ابن كثير (3/1306) . قال الشنقيطي – رحمه الله – في أضواء البيان "فتحصل أن إسناد التوفي إلى ملك الموت في قوله هنا "قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ " [السجدة:11] ، لأنه هو المأمور بقبض الأرواح، وأن إسناده للملائكة(2/273)
في قوله تعالى "فكيف إذا توفتهم الملائكة" [محمد: 27] ، ونحوها من الآيات لأن لملك الموت أعواناً يعملون بأمره، وأن إسناده إلى الله في قوله تعالى " الله يتوفى الأنفس حين موتها" (سبق تخريجه) لأن كل شيء كائنا ما كان لا يكون إلا بقضاء الله وقدره ... "، وما قرره - رحمه الله - هو حاصل كلام جمهور أهل العلم جمعاً بين الآيات الكريمات، والله أعلم.(2/274)
الكروبيون
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 17/2/1424هـ
السؤال
جاء في كتاب أعلام السنة المنشورة في تقسيم الملائكة وذكر منهم الكروبيون، فمن هم؟ وما هو الدليل على وجودهم؟ وما هي أعمالهم؟
الجواب
الملائكة خلق من خلق الله، وعبيد من عبيد الله مربوبون مدبرون، ذكرهم الله في كتابه وذكر بعض صفاتهم الخلقية، وذكر أصنافهم، وذكر دوام عبادتهم وطاعتهم لربهم "يسبحون الليل والنهار لا يفترون" [الأنبياء: 20] ، ومن أصناف الملائكة الموكلون بكتابة أعمال العباد والموكلون بحفظهم، والموكلون بقبض الأرواح كملك الموت، وأما الكروبيون فإنه يراد بهم الملائكة المقربون الذين هم حول العرش كما قال -سبحانه وتعالى-:"الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به" [غافر: 7] ، ولا أعرف لهم ذكراً بهذا اللفظ إلا في حديث الصور الطويل، وهو حديث لم يثبت بطوله، لكن فيه ذكر أمور ثابتة بأدلة صحيحة، وحديث الصور ذكره الإمام ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى:"قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور" [الأنعام من الآية: 73] ، ولكنه ذكرهم فيه عند تفسيره قوله تعالى: "هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ" (البقرة:210) ، ولم يذكر فيه شيئاً عن الكروبيين، فارجع إليه، والله أعلم.(2/275)
رجال الغيب
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 22/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كثيراً جرى على ألسنة بعض الخطباء والوعاظ عن رجال الغيب! فهل هم أناس غائبون عن الأنظار؟ أو هم من الجن؟ وهل ثبت في بعض الروايات الصحيحة أن من ضل في الفلاة أو في الغابة أو الصحراء أو من انفلتت دابته وضاعت عنه له أن يدعوهم أو يطلب مساعدتهم في ذلك؟ كأن يقول: يا رجال الغيب أعينوني! أو يقول: يا عباد الله احبسوا! أشكركم على إجابتكم فالله يجزيكم عني خيراً.
الجواب(2/276)
الحمد لله، من العوالم التي خلقها الله الملائكة والإنس والجن، فأما الملائكة فهم من عالم الغيب وقد يتمثلون فيما يشاء الله، كما تمثل جبريل لمريم بشراً سوياً، والملائكة أضيافا لإبراهيم - عليه السلام -، وكان جبريل يأتي أحياناً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بصورة رجل غريب أو بصورة دحية الكلبي، وأما الجن فهم كذلك من عالم الغيب، إلا أنهم يسكنون مع الناس في هذه الأرض، وقد يتمثلون بصور مختلفة تارة بصورة إنسان، وتارة بصورة حيوان، وأما إذا كانوا على خلقتهم فإن الناس لا يرونهم كما قال سبحانه وتعالى: "إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ " [الأعراف:27] ، وأما الإنس فهم من عالم الشهادة فهم محسوسون مشاهدون، ولا يكون أحداً من الناس غائباً بحيث لا يرى في حال من الأحوال، وعلى هذا فرجال الغيب ليسوا من الإنس بل هم من الجن، ومن الجن رجال، كما قال سبحانه وتعالى: "وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً" [الجن:6] ، وأما من ورد فيهم حديث "إذا أضل أحدكم دابته في فلاة فليقل: يا عباد الله احبسوا " فيحتمل أن يكون - إن صح الحديث المراد بهم الملائكة، ويحتمل أن يكون المراد بهم الجن، وفي الجن الصالحون ومن دونهم، كما قال تعالى: "وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا"، ومنهم المسلم والكافر، كما قال سبحانه وتعالى: "وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً " [الجن:13-14] ، فالاعتقاد أن رجال الغيب من الإنس اعتقاد باطل، والله أعلم.(2/277)
هل وجد الجن قبل الإنس
المجيب د. عثمان بن جمعة عثمان ضميرية
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 6/3/1425هـ
السؤال
ما الدليل على وجود الجن قبل الإنس بـ 2000 عام، وأنهم طغوا وحوربوا وسكنوا الجزر؟ وما سبب اتفاق العلماء على أن أعقل الجن لا يتجاوز تفكيره تفكير أو عقل صبى بسن 10 سنوات من الإنس؟ وأن ذلك سبب عدم تقدمهم علينا، وعدم قدرتهم على تعمير الأرض؟ أرجو توضيح الأحاديث أو الآيات الدالة على ذلك. -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله، وبعد:(2/278)
فقد أورد علماء التفسير روايات عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن أول من سكن الأرض هم الجن، فأفسدوا وسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة، فقتلهم إبليس حتى ألجأهم إلى جزائر البحر، وأطراف الجبال، ثم خلق آدم فأسكنه الأرض، فذلك قوله -تعالى-: "إني جاعل في الأرض خليفة" [البقرة:30] فالخليفة من الجن، ونقلوا أيضاً روايات أخرى عن بعض التابعين في هذا المعنى رواها الإمامان الطبري والبغوي - رحمهما الله تعالى- وقد نقل هذه الروايات الحافظ ابن كثير - رحمه الله- وضعفها، وظاهر الآيات الكريمة في سورة البقرة: يفهم منه أن الله -تعالى- قضت إرادته أن يجعل آدم وذريته خلفاء الأرض، ليعمروها بالعبادة والطاعة، ولا يشترط لذلك أن يكون خليفة عن الجن ولا عن غيرهم، قال الإمام البغوي -رحمه الله-: والصحيح أنه خليفة الله في أرضه لإقامة أحكامه وتنفيذ وصاياه، والجن مكلفون كالإنس، وكل صنف من مخلوقات الله -تعالى- له خصائص ومميزات، ووظائف قد تختلف عما للصنف الآخر، ولا أظن أن الدليل قوي في قضية اختلاف التفكير، والقدرة على التعمير؛ لأن القضية تندرج ضمن عالم الغيب، كما أن ما جاء عن الجن الذين سخرهم الله -تعالى- لنبيه سليمان - عليه السلام- يعملون له ما يشاء، وما جاء عن قدرة العفريت من الجن على إحضار عرش بلقيس، وغير ذلك، يدل على أن لهم نوعاً من القدرة على العمل الحضاري والإبداع المادي، وإن كان يختلف عما عند الإنسان، وأوثر ألا ندخل في قضايا الأمور الغيبية والتي لا دليل لنا من النص عليها، وألا نتكلف ما لا علم لنا به، وما لا طائل من البحث فيه، وما لا يترتب عليه حكم تكليفي. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحب وسلم.(2/279)
هل هاروت وماروت مطرودان من الجنة؟
المجيب د. عبد العزيز بن علي الحربي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 28/11/1424هـ
السؤال
هل الملكان هاروت وماروت اللذان ذكرا في القرآن الكريم مطرودان من الجنة؟ أم حقق الله لهم رغبتهما في النزول إلى الأرض؟ هل يمكن أن أحصل على قصتهما بالتفصيل؟ والله الموافق.
الجواب
ذكرت قصة (هاروت وماروت) في سورة البقرة آية: [102] ، وفي عامة مبسوطات التفسير تفصيل لصتهما، وخلاف مطوّل في حقيقتهما وحقيقة ما أنزل إليهما، كتفسير ابن جرير الطبري، وتفسير الفخر الرازي، وتفسير المنار لمحمد رشيد رضا، وخلاصة ما قيل فيهما: إنهما ملكان أنزلهما الله، تشكلا للناس؛ ليتعلموا منهما السحر حتى تكشف أسرار السحر التي كان يعملها السحرة، فأراد الله تكذيبهم بواسطتهما.
وقيل: هما رجلان تظاهرا بالصلاح ببابل، كانا يعلمان الناس السحر، وظن الناس أنهما ملكان نزلا من السماء؛ لما رأوه فيهما من التقوى، وبلغ مكر هذين الرجلين حين رأيا حسن اعتقاد الناس بهما أنهما صارا يقولان لكل من أراد أن يتعلم منهما: "إنما نحن فتنة فلا تكفر" [البقرة: 102] ، يقولان ذلك لإيهام الناس أن علمهما إلهي، وأنهما لا يقصدان إلا الخير، كما يفعل ذلك كثير من الدجالين في سائر الأزمان، وسميا ملكين (بفتح اللام) لتلقيب الناس لهما بذلك، وفي قراءة الحسن "وما أنزل على الملكين" (بكسر اللام) وهذا القول أوفق من الذي قبله.
وأما ما روي من مسخهما وطردهما بعد وقوعهما في الفاحشة وشربهما الخمر بعد أن كانا من الملائكة، فذلك من أُكذوبات اليهود واختلاقاتهم، أبطلها المحققون وبينوا زيفها، ومن أحسن من لخص أقوال المفسرين وعنى بتصفيتها جمال الدين القاسمي 1332هـ في تفسيره: (محاسن التأويل) (2/207-215) ، فليرجع إليه. والله أعلم.(2/280)
كيف تموت الشياطين؟
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 3/12/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: تحية واحتراما. وبعد:
تتعدد الأسباب والموت واحد، هذا بالنسبة لبني آدم، فكيف بالنسبة للشياطين؟ قال تعالى: "وجعلناها رجوماً للشياطين"، أي على ما أعتقد النجوم، هل لك يا شيخ بأن توضح لي كيف تقتل أو تموت الشياطين؟ أي هل هم مثل البشر في الموت؟ وبين كم تتراوح أعمار الشياطين؟ وهل صحيح أن أكبر الشياطين هو إبليس؟. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:(2/281)
مستقر في عقائد أهل الإسلام أن الجن يموتون، كما جاء في الحديث: "أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون" رواه البخاري (7383) ، ومسلم (2717) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، ومنهم من يموت بقطع حارقة من الشهب الثاقبة، ومنهم من يموت بالقتل وبالمرض، وغير ذلك من أسباب الموت، وقد يسلمون من بعض أسباب الموت بالإنسان مثل الموت غرقاً، فبعضهم يغوص في الأعماق كما في قصة سليمان -عليه السلام-، وبعضهم يطير في الآفاق التي ينعدم فيها الهواء، كما في قصة استراق السمع، وبعضهم قد يسلم من آثار الاصطدام بالأشياء الصلبة للطافة أجسامهم، وإذا حصل منهم التشكل في أجسام إنسية أو حيوانية فإنهم يصبحون أسرى هذا التشكل، ويحصل لهم من التأثر بالعوارض مثلما يحصل للجنس الذي تشكلوا به، كما في قصة الصحابي -رضي الله عنه- الذي استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم- في الذهاب من الجهاد لعروسه فوجد حية على فراشه فقتلها برمحه فوقع صريعاً انظر ما رواه مسلم (2236) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، وكما في قصة أبي هريرة - رضي الله عنه- مع الذي كان يأكل الصدقة من الجن فكاد يأسره ثلاث ليال، انظر ما رواه البخاري (2311) وعلى كل حال فالجن يموتون بأسباب يشتركون فيها مع الإنس، وقد ينفردون بأسباب تتعلق بأعمارهم فقد تطول، وورد عن بعض أهل العلم أنها من حيث الجملة أطول من أعمار بني آدم، أما إبليس فهو طويل العمر، بوعد الله له: "قال ربِّ فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين" [الحجر: 36-37] ، وهو أكبر الشياطين ومنه تناسل الجن. والله أعلم.(2/282)
مصير الجن يوم القيامة
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 10/7/1424هـ
السؤال
خلق الله سبحانه الإنس والجن وأطلق عليهما الثقلين، ومعنى الثقل أي الوزن، والإنسان ذو كتلة ووزن محسوس، ولكن الجان عكس ذلك، ومع ذلك جمع مع الإنس في صفة واحدة ... إذاً ما المقصود بالمعنى هنا؟ ذكر في سورة الرحمن وصف ليوم القيامة وللحساب وللجزاء ثم وصف للجنة ... ، وكررت إحدى الآيات (31) وخاطب الله سبحانه فيها الثقلين، وكانت هذه أول سورة تذكر فيها الجن بشكل مفصَّل، فهل للجن حساب وعقاب وجزاء؟ وهل يدخل فريق منهم الجنة وفريق النار؟ وهل لهم ما للإنسان من مزايا؟ وهل يفتنون في الدنيا كما يفتن الإنسان؟ وما مصيرهم آخر الزمان؟ هل ينضمون تحت تسمية أشرار الخلق ... ؟ وجزاكم الله كل خير.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد فنقول وبالله التوفيق:(2/283)
قصر معنى الثقل على الوزن فيه نوع تحكم، والصواب أن الثقل يطلق على معان عدة، وقد جاء في لسان العرب لابن منظور 11/88 قوله [وأصل الثقل: أن العرب تقول لكل شيء نفيس خطير مصون ثقلاً، فسماهما ثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما] ، وجاء أيضاً: [وسمى الله تعالى الجن والإنس الثقلين، سُميا ثقلان لتفضيل الله إياهما على سائر الحيوان المخلوق في الأرض بالتمييز بالعقل الذي خُصَّا به، قال ابن الأنباري: قيل للجن والإنس الثقلان لأنهما كالثقل للأرض وعليها] ، كما أنه لا يقتصر مسمى الثقلين على الجن والإنس، فقد جاء إطلاق هذا اللفظ على القرآن وأهل بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – كما ورد في صحيح مسلم / كتاب فضائل الصحابة/ باب فضائل علي – رضي الله عنه – حديث رقم (2408) ج 4/1873، وفيه "أما بعد: ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به" فحثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه ثم قال: "وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ... " الحديث.
وأما جانب التكليف فإن الجن مخلوقون للغاية التي خلق الإنس من أجلها، قال تعالى "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات: 56] .
فالجن على ذلك مكلفون بأوامر ونواهٍ، فمن أطاع الله رضي عنه وأدخله الجنة، ومن عصى وتمرد فله النار، ويدل على ذلك نصوص كثيرة، ومن ذلك أن الله تعالى يقول يوم القيامة مخاطباً كفرة الجن والإنس: "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ" [الأنعام:130] .(2/284)
والدليل على أنهم سيعذبون في النار قوله تعالى: "قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ" [الأعراف:38] ، وقوله: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ" [الأعراف:179] ، وقوله:"وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" [السجدة:13]
وهم مشاركون للإنس في جنس التكليف يقول ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 4/233 [الجن مأمورون بالأصول والفروع بحسبهم، فإنهم ليسوا مماثلين للإنس في الحد والحقيقة، فلا يكون ما أمروا به ونهوا عنه مساوياً لما على الإنسان في الحد، لكنهم مشاركون للإنس في جنس التكليف بالأمر والنهي، والتحليل والتحريم، وهذا ما لم أعلم فيه نزاعاً بين المسلمين) .
ومن المعلوم أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم مرسل إلى الجن كما أرسل إلى الإنس قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 19/9 (وهذا أصل متفق عليه بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين وسائر طوائف المسلمين وأهل السنة والجماعة وغيرهم – رضي الله عنهم أجمعين".(2/285)
وأما السؤال عن فتنتهم في الدنيا ومصيرهم فظاهر أنهم في الدنيا كالإنس يفتنون ويبتلون، كما أنهم سيموتون، دلَّ على ذلك عموم قوله تعالى: "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ" [الرحمن:26-27] ، ثم إنهم سيحاسبون على أعمالهم كما مر، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(2/286)
رؤية الملائكة في الدنيا
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 24/10/1423هـ
السؤال
السلام عليكم، وبعد:
هل يمكن أن يرى بعض الناس الملائكة في الدنيا؟
الجواب
الحمد لله، الذي يظهر أن السائل يقصد هل يمكن لبعض الناس أن يرى الملائكة في الدنيا، رؤية الملائكة للناس حاصلة، ولكن الأصل أن الناس لا يرون الملائكة، لكن يمكن أن يروهم إذا تمثلوا بغير صورتهم التي خُلقوا عليها، وهذا قد حصل للصحابة - رضي الله عنهم -، رأوا جبريل في صورة دحية الكلبي انظر البخاري (4980) ، مسلم (2451) ، وفي صورة إنسان غير معروف كما في حديث جبريل الطويل حديث عمر - رضي الله عنه - انظر: مسلم (8) ، وكذلك تمثّل جبريل لمريم كما قال -تعالى-:"فتمثل لها بشراً سوياً" [مريم:17] ، وكذلك تمثل الملائكة لإبراهيم ولوط -عليهم السلام- في قصة ضيف إبراهيم، وأما من بعدهم فلا نقول إنه مستحيل، لأن الله على كل شيء قدير، فيمكن أن يتمثل بعض الملائكة ببعض الناس، لكن هذا يتوقف على الدليل، ومن يستطيع أن يثبت أن ما رآه فلان أو فلان أنه ملك؟ هذا والله أعلم.(2/287)
الاستعانة بالجن للدلالة على المفقود
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 1/11/1423هـ
السؤال
ترك جدنا تركة مخفية في بيت لنا قديم بحثنا عنها ولم نجدها، وتعرفت على شخص أكد وجودها وأنه يستطيع إخراجها، علماً أنه يستخدم الجن، لكنه أقسم بالله أنه لا يشرك بالله عندما يستخدمهم وأنه لم يشرك بالله، هل يجوز لي أن أستخدمه في إخراجها؟ علماً أنه قال لي: أنا وأنت نذهب لأحد المشايخ ونسأله عن جواز ذلك من عدمه، ولكنني لم أفعل، علماً أنني سمعت أنه يجوز ذلك إذا لم يكن فيه إضرار بالآخرين، وهو كذلك إذ التركة خاصة بنا وهي كبيرة جداً، آمل الرد علي بسرعة مع خالص دعواتي بالتوفيق والسداد.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث عدة أن من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-، والمعروف أن الكهان إنما يتلقون ما يخبرون به عن الشيطان مما يسترقه الشيطان من السماء ومما يطلعون عليه من أحوال الناس، وعلى ذلك فهذا الذي يدعي أنه يعرف مكان ذلك المال، وأنه يستعين بالجن في معرفة مكان هذا المال أو غيره من الأمور المخفية الظاهر من حاله أنه كاهن بل هو كاهن ولو زعم أنه لا يشرك ولو أقسم على ذلك، فلا يجوز إذاً الاستعانة به على معرفة مكان هذا المال، ولكن ابحثوا عن أسباب أخرى وتحروا لعلكم تعثرون على هذه التركة دون أن تتوسلوا بما حرم الله، ولهذا نص بعض أهل العلم في تعريف الكاهن أنه الذي يخبر بالمغيبات في المستقبل ويدل على مكان المسروق وعلى الضالة، فهذا مما يحترفه الكهان ويسألهم الناس فيه، فالواجب على المسلم أن يحرص على سلامة دينه ولو فاته ما فاته من أمر الدنيا، والله أعلم.(2/288)
هل الذي يقبض الروح مَلَكُ الموت وحده؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 12/04/1425هـ
السؤال
هل ملك الموت (سيدنا عزرائيل) يقبض الأرواح بمفرده أم أن ذلك يتم بمعاونين من الملائكة الكرام، وفي هذه الحالة فما دورهم، كيف يقوم هذا الملك بقبض أرواح الملايين في لحظة واحدة مثل الكوارث كالزلازل والبراكين وانفجار قنبلة ذرية ... الخ، هل يتواجد في لحظة واحدة في مكانين؟ وأين تذهب الروح بعد الموت؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:(2/289)
قال الله -تعالى-: " قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون" [السجدة:11] ، وقال تعالى: "الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم" [النحل:28] ، وقال تعالى: " الذين تتوفاهم الملائكة طيبين" [النحل:32] ومذهب أهل السنة والجماعة أن ملك الموت واحد، وله أعوان كما هو ظاهر هذه الآيات وكما دلت على ذلك السنة عن النبي-صلى الله عيه وسلم- كما في حديث البراء بن عازب- رضي الله عنه- الطويل الذي رواه أبو داود (4753) والنسائي (2001) وابن ماجة (1549) وفيه أن ملك الموت يقبض روح العبد، ثم لا تدعها الملائكة الذين معه -ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب- بل يأخذونها ويضعونها فيما معهم من الكفن والحنوط، ثم روح المؤمن يصعد بها وتفتح لها أبواب السماء، وروح الكفار تغلق دونها أبواب السماء كما قال الله -تعالى-: "لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط" الآية [الأعراف:40] ، والإيمان بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين ومن معه من الملائكة هو من الإيمان بالملائكة الذي هو أحد أصول الإيمان ويجب أن يعلم أن الملائكة أعطاهم الله من القدرة والتصرف والتدبير ما لا تحيط به عقول البشر، فهذا جبريل -عليه السلام- يأتي بالوحي من عند الله في لحظات، وذلك حين يُسأل الرسول-صلى الله عليه وسلم- فلا يكون عنده جواب، فيأتيه الجواب من عند الله -سبحانه- في الحال، فلا يجوز أن نقيس قدرة ملك الموت على قدرة الناس، والله -سبحانه وتعالى- الذي هو على كل شيء قدير هو الذي يعطي القدرة، فلا يمتنع أن يجعل ملك الموت قادراً على قبض العديد من الأرواح بل الألوف أو مئات الألوف في وقت واحد، والواجب الإيمان والتسليم بما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وإن لم تدركه عقولنا وتحيط به، فأحوال عالم الغيب فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال، فها هي المخترعات الحديثة التي خلق الله أسبابها وكشفها للعباد وأقدرهم على التصرف فيها قد(2/290)
كانت ضرباً من الخيال، بل ولم تكن تخطر على البال، ولا تزال باهرة ومحيرة للعقول، كما في أجهزة الاتصال والإعلام التي تبث الأصوات والصور إلى ملايين أجهزة الاستقبال، فسبحان الذي خلق هذا الوجود، وعلم العباد، وكشف لهم ما شاء من أسرار، وما هذه القُدرة وهذه العلوم إلا شيء يسير بالقياس إلى ما في الغيب، قال تعالى: " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" [الإسراء:85] وقد ورد في السؤال اسم ملك الموت وأنه عزرائيل وهذه التسمية مشهورة ولكنها لم تثبت. وإنما الذي ثبت من أسماء الملائكة جبريل وميكائيل واسرافيل ومالك خازن النار وكذلك منكر ونكير وهما الملكان الموكلان بسؤال الميت في قبره. والله أعلم.(2/291)
رؤية الملائكة لله تعالى
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 6/3/1425هـ
السؤال
هناك دليل يستشف منه عدم الرؤية، وهو قول الله -تعالى- في سورة غافر: "الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ" [غافر:7] ، فكلمة يؤمنون به قد تكون إشارة إلى هذا المعنى، هل هذا صحيح؟.
الجواب
الحمد لله.(2/292)
قوله - سبحانه وتعالى- عن الملائكة الذين يحملون العرش، والملائكة الحافين بالعرش، أنهم يؤمنون به لا يستلزم نفي رؤيتهم لله، أو رؤية بعضهم، أو رؤية غيرهم من الملائكة، كما أن الرؤية لا تنافي الإيمان، وكذلك التكليم من الله، فإبراهيم - عليه الصلاة والسلام- رأى كيف يحي الله الموتى وازداد بذلك إيماناً، كما قال -تعالى-: "وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي" الآية [البقرة:260] وموسى -عليه الصلاة والسلام- كلمه الله من وراء حجاب، فلم ينف عنه ذلك الإيمان، فالحاصل أنه لا منافاة بين الإيمان والرؤية، ويشهد لهذا أن موسى - عليه السلام- طلب من ربه النظر إليه ليزداد إيماناً "قال رب أرني أنظر إليك" [الأعراف:143] ، نعم الذي ينتفي مع الرؤيا هو الإيمان بالغيب بالنسبة لهذا المرئي، فحملة العرش ومن حول العرش يجوز أن يكونوا قد رأوا الله - سبحانه وتعالى- فحصل لهم أعلى مراتب اليقين، وكذلك المؤمنون إذا رأوا ربهم يوم القيامة انتقلوا من علم اليقين إلى عين اليقين، فإنهم إذا رأوا الله آمنوا به إيمان المشاهدة، وقرت أعينهم بذلك، نعموا برؤيته - سبحانه وتعالى- وسماع كلامه، قال -تعالى-: "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة" [القيامة:22-23] . فنسأل الله لذة النظر إلى وجهه الكريم، والله أعلم.(2/293)
دواب الجن!
المجيب د. صالح بن عبد العزيز التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 20/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
نحن نعرف أن هناك حيوانات سخرها الله لخدمة الإنسان والانتفاع بها، فهل هناك حيوانات تختص بالجن فقط دون الإنسان؟ إذا كانت كذلك فما هي؟ وماذا تسمى؟ وهل يمكن للإنسان أن يراها؟ نحن لا نتحدث عن الحيوانات الإنسية المعروفة. لكم منا جزيل الشكر.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أخرج مسلم من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه- قصة إتيان داعي الجن وذهاب الرسول- صلى الله وعليه وسلم- وقراءته عليهم للقرآن- وفيه "وكل بعرة علف لدوابكم" مسلم حديث (450) أما معرفة أنواع أسماء الدواب فلا أعلم في ذلك شيئاً، ولكني أرى عدم الاشتغال بفضول العلم والمسائل التي لا ينبني عليها عمل أو كبير فائدة، بل هي على حساب أعمال أخرى تفيد الباحث والسائل، وقد نهى علماؤنا عن التكلف والخلاف حول قضايا فضولية أو افتراضية. والله أعلم.(2/294)
هل آمن الجن بموسى عليه الصلاة والسلام
المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 04/05/1425هـ
السؤال
هل هناك من الجن من آمن برسالة نبي الله موسى أو عيسى- عليهما السلام- أو غيرهم، أرجو أن تفيدونا بالآية أو الحديث إن كانا موجودين.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فمن الحقائق الإيمانية الثابتة أن الله خلق الخلق جنهم وإنسهم لعبادته؛ قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات: 56] ، والله يرسل رسله ليعلموا الناس كيف يعبدون الله، وكيف يوحدونه، والأنبياء جميعاً منهم موسى وعيسى- عليهما السلام-، وغيرهم بعثوا إلى الثقلين الجن والإنس، فمنهم من آمن، ومنهم من كفر، ولو قرأت سورة الجن لاتضح لك الأمر؛ قال تعالى على لسانهم: "وأنَّا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا" [الجن: 11] ، وقال تعالى على لسانهم: "وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا" [الجن: 13] ، وقال تعالى: "وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا" [الجن: 14] . والله أعلم.(2/295)
احتسى سُماً فمات
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 13/7/1425هـ
السؤال
ابن عمي مات بعد أن تناول السم، ففجعنا جميعا، وكان قبل ذلك قد حاول الانتحار ثلاث مرات؛ لأنه كان فاشلاً في عمله ولا ينجح في أي عمل يمارسه، لكن في هذه المحاولة الأخيرة كان هناك سببٌ آخر، قبل سنة من الانتحار كان يخبر باستمرار عن امرأة من الجن تدخل في جسمه في الليل وتمارس الجماع معه، وفي صباح اليوم التالي يغتسل، وكان يخبر أن هذه الجنية كانت تقول إنها ستقتله، لكن والديه وأقاربه لم يصدقوه، ومع ذلك أحضروا شيخاً وأخبروه عن وجود الجن في البيت، وطلبوا منه عمل أشياء كثيرة، فقام بعمل عدة أشياء منها ما هو شرعي وغير شرعي للتخلص من هذه المشكلة، لكنه أخفق، وكان سلوكه مع والديه وأهله في البيت في بعض الأحيان غير طبيعي، ويتكلم بكلام غير اعتيادي، وقبل ثلاثة أشهر من موته كان يتهجد في الليل ويقضي كامل نهاره في الصلاة وقراءة القرآن، وقد كان مسلماً متديِّناً، وليس عنده مشاكل سوى هذه المشكلة، وبعد أن تناول السم وأثناء نقله إلى المستشفى أخبر أمه أنه لا يعرف كيف حصل ذلك وطلب مسامحته، في تلك الليلة تكلم مع والديه وأقاربه بلطف، أما أصدقاؤه فيقولون إنه ليس من النوع الذي ينتحر، وقد كان يحذر كل من يذكر ذلك أمامه، وكانت جنازته جيدة.
سؤالي: هل يمكن للجن مهاجمة أي بيت؟ وهل يمكن لنساء الجن الجماع مع البشر؟ وهل يمكنهم قتل الناس؟ وهل موت قريبي هذا يعد انتحاراً؟ كيف يمكن أن نساعده بعد موته؟ كيف يمكن أن يدخل الجنة؟ هل يمكننا أن ندعو له أو نتصدق عنه أو نحج ونعتمر عنه؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فما سألت عنه يمكن الإجابة عنه من جانبين:(2/296)
الجانب الأول: ما يتعلق بالجن، وهل يمكنهم مهاجمة أي بيت؟ وهل يمكن لنساء الجن جماع البشر؟ هل يمكنهم قتل الناس؟ فنقول لك:
الجن جنس من مخلوقات الله، خلقهم الله لعبادته وحده لا شريك له، كما خلق الإنس لهذه الغاية؛ حيث قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات: 56] ، وقد ورد ذكرهم في القرآن والسنة كثيراً، وورد أنهم أصناف منهم مؤمنون ومنهم كفار، ومنهم عصاة، ومنهم موحدون، إلى غير ذلك من الأحكام والأوصاف المتعلقة بهم.
وأما إمكان مهاجمتهم لبيوت الإنس، فذلك وارد يمكن وقوعه، وقد يقتلون من يقتلون من البشر، إما انتقاماً منه لإيذائه إياهم، وإما بغياً وعدواناً؛ كما يحدث ذلك من البشر فيما بينهم، وتفاصيل ما يمكن أن يقع منهم من المس والأذى، والتلبس، ومشاركة الإنس في طعامهم وشرابهم، ومساكنهم، وما ذكر من أوصافهم كل ذلك موجود في مظانه من الكتب التي عنيت بذلك.
وأما ما سألت عنه من جماع الإنس، فقد ذكر بعض أهل العلم، هذه المسألة واستدلوا على إمكان وقوع النكاح بين الإنس والجن أن حور الجنة قال الله فيهن: "لم يَطْمِثْهُنَّ إنس قبلهم ولا جان" [الرحمن: 56] ، وذكر ابن تيمية – رحمه الله في مجموع الفتاوى (19/39) ، أن ذلك وارد، وأنه قد يولد بينهما ولد، قال: (هذا كثير معروف) ,
وعلى فرض وقوعه فقد كرهه جمع من العلماء كالحسن وقتادة، وإسحاق، والإمام مالك – رحمه الله – لا يجد دليلاً ينهى عن مناكحة الجن غير أنه لم يستحبه، وعلل ذلك بقوله: (ولكنني أكره إذا وجدت امرأة حامل فقيل من زوجك؟ قالت: من الجن فيكثر الفساد) .(2/297)
وذهب قوم إلى المنع من ذلك، واستدلوا على مذهبهم بأن الله امتن على عباده من الإنس بأن جعل لهم أزواجاً من جنسهم؛ قال تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" [الروم: 21] ، فلو وقع فلا يمكن أن يحدث التآلف والانسجام بين الزوجين لاختلاف الجنسين فتصبح الحكمة من الزواج لاغية، حيث لا يتحقق السكن والمودة المشار إليهما في الآية.
وعلى أية حال فهذه المسألة على القول بوقوعها تعد من شواذ المسائل، ولربما كان من وقعت له مغلوباً على أمره لا يمكنه أن يتخلص من ذلك، والله أعلم.
الجانب الثاني: من سؤالك، وهو ما يتعلق بابن عمك فالذي يغلب على ظني من وصفك لحاله أنه مصاب بمرض نفسي انتهى به إلى ما وقع.
وأما كونه يعتبر منتحراً فهذا يرجع إلى مدى وضعه النفسي والعقلي حينما وقع منه ذلك، وعلى أية حال فهو قد فارق الدنيا وأفضى إلى ما قدم، وما يمكنكم فعله هو الدعاء له والصدقة عنه، ولكم أن تحجوا عنه وتعتمروا؛ فإن ذلك مما ينفعه بعد موته- بإذن الله تعالى- والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(2/298)
وظائف الملائكة
المجيب د. رفعت فوزي عبد المطلب
رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 04/03/1427هـ
السؤال
ما عدد الملائكة التي تحيط بالإنسان؟ وما هي وظائف الملائكة؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد الهادي الأمين، وبعد:
فالملائكة أقسام كثيرة فمنهم الملائكة "السماويون"، ومنهم "الأرضيون"، ومنهم "الصافون"، و"المسبحون"، كما أن منهم "المدبرون" الذين يدبرون الأمر من السماء إلى الأرض على ما سبق به القضاء، وجرى به القلم الإلهى. وقد أشار الله تعالى إليهم في آيات كثيرة: فقال تعالى: "وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون" [الصافات:165-166] ، وقال كذلك: "والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا" [النازعات:1-5] . وقد روي في الأثر: إن ملائكة الله تعالى طوائف شتى: منهم الموكلون بتدبير الكائنات، ومنهم الموكل بقبض الأرواح، وفريق منهم يكتب الحسنات والسيئات، وآخر يقوم بتنمية النباتات.
وقد غصت بهم صفحات السماء، ويؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد (20539) والترمذي (2312) وابن ماجة (4190) من حديث أبى ذر الغفاري رضى الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السماء وحق لها أن تئطّ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفراش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى".(2/299)
ولا يعلم أحد إلا الله ما يُكلَّف به الملائكة من أعمال، وما يوكل إليهم من أمور، فمنهم من يحمل العرش، ومنهم الكروبيون، والمقربون الهائمون في جلال الله المستغرقون في التسبيح والتحميد والتهليل (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) ومنهم من يقوم بتنفيذ أوامر الله في العباد، وقد وصفهم الله -سبحانه وتعالى- بقوله: "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" [التحريم:6] ، ومنهم السياحون الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام" أخرجه أحمد (3484) ، والنسائي (1282) . وهم يستغفرون لمن في الأرض، ويرجون رحمة الله أن تتغمدهم، ويدعون لهم بالوقاية من المعاصي والذنوب، والنجاة من الخطايا والآثام. قال تعالى: "والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض" [الشورى:5] . كما أمرهم الله تعالى بحفظ عباده: "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله" [الرعد:11] .
والملائكة جميع أقسامهم عباد مكرمون، وهم ليسوا ذكوراً ولا إناثاً، ولا يأكلون، ولا يشربون، ولا ينامون، ولا يتناسلون، ولا يكتب لهم عمل، لأنهم هم الذين يكتبون أعمال العباد، فهم لا يحاسبون؛ إذ ليس لهم سيئات يسألون عنها، فلقد عصمهم الله تعالى.
ولا يعرف عدد الملائكة إلا الله: "وما يعلم جنود ربك إلا هو" [المدثر:31] ، وهم من الكثرة الهائلة بقدر ما يقومون به من أعمال جليلة وكثيرة لا حصر لها: من عبادة وتسبيح وتهليل وتحميد واستغفار وتمجيد، فضلا عما يكلفون به من تنفيذ أوامر الخالق -جل وعلا- في الحفاظ على مخلوقاته، ومعاونة الإنسان في الأرض، وتسهيل قضاء الله فيما أبدعه من أكوان، وتصريف شئون السماء والأرض- وفق حكمته وما قضت به مشيئته: (ويخلق ما لا تعلمون) . فإذاً من شئون الملائكة أن يحفظوا المؤمنين من السوء، ويعاونوهم على أمور دنياهم، ويستغفروا لهم من السيئات.(2/300)
وظائف الملائكة الموكلين بالعباد
المجيب عبد الحكيم بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 04/11/1426هـ
السؤال
سمعتُ بعض الناس يقولون: إن مهام الملائكة الكرام الكاتبين الموكلين بالشخص تتغير في أوقات الفجر والمغرب. فهل هناك أي حديث صحيح بهذا الشأن؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد جاء في القرآن والسنة الصحيحة بيان أن الملائكة أصناف متعددة، منهم الحفظة والكتبة والسيارة التي تبحث عن حلق الذكر.
فأما كتبة أعمال بني آدم -كما ورد في سؤالك- فقد جاء تحقيق وصفهم بالكتبة، وجاء ذكر تعاقبهم في الحديث الصحيح في صلاة الفجر وصلاة العصر، صحيح البخاري (555) ، وصحيح مسلم (632) . ولا أحسب ذلك تغيرا للمهام، بل تعاقب بين الملائكة، ومن الأدلة على ذلك:
1- قوله تعالى: "وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون" [الانفطار:10-12] .
2- وقوله عز وجل: "وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" [الإسراء:78] . قال ابن عطية: معناه ليشهده حفظة النهار وحفظة الليل من الملائكة حسبما ورد في الحديث المشهور من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر.." الحديث بطوله من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- وغيره، وعلى القول بذلك مضى الجمهور.
3- وقوله سبحانه: "إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" [ق:17، 18] . و"المتلقيان" الملكان الموكلان بكل إنسان، ملك اليمين الذي يكتب الحسنات، وملك الشمال الذي يكتب السيئات.(2/301)
قال الحسن: الحفظة أربعة: اثنان بالنهار، واثنان بالليل. قال ابن عطية: ويؤيد ذلك الحديث: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ... " الحديث بكامله. وقوله تعالى: "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله" [الرعد:11] ، قال ابن كثير في تفسيرها: أي للعبد ملائكة يتعاقبون عليه، حرس بالليل، وحرس بالنهار، يحفظونه من الأسواء والحادثات، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فاثنان عن اليمين وعن الشمال يكتبان الأعمال، صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من ورائه وآخر من قدامه، فهو بين أربعة أملاك بالنهار، وأربعة آخرين بالليل، حافظان وكاتبان، كما جاء في الصحيح: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون". وأزيدك أخي تفصيلاً بثلاثة نقول مفيدة عن أئمة أعلام:
الأول: قال ابن عبد البر في الاستذكار في معنى تعاقب الملائكة: ومعنى الحديث أن ملائكة النهار تنزل في صلاة الصبح فتحصي على بني آدم، ويعرج الذين باتوا فيكم ذلك الوقت، أي يصعدون.. فإذا كانت صلاة العصر نزلت ملائكة الليل، فأحصوا على بني آدم، وعرجت ملائكة النهار، ويتعاقبون هكذا أبداً. انتهى.(2/302)
الثاني: سئل شيخ الإسلام -كما في مجموع الفتاوى (4/252) -: هل الملائكة الموكلون بالعبد هم الموكلون دائما؟ أم كل يوم ينزل الله إليه ملكين غير أولئك؟ وهل هو موكل بالعبد ملائكة بالليل وملائكة بالنهار؟ وقوله عز وجل: "وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون" [الأنعام: 61] فما معنى الآية؟ فأجاب: الحمد لله، الملائكة أصناف: منهم من هو موكل بالعبد دائما، ومنهم ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون. ومنهم ملائكة فضل عن كتاب الناس يتبعون مجالس الذكر. وأعمال العباد تجمع جملة وتفصيلاً، فترفع أعمال الليل قبل أعمال النهار، وأعمال النهار قبل أعمال الليل، تعرض الأعمال على الله في كل يوم اثنين وخميس. فهذا كله مما جاءت به الأحاديث الصحيحة. وأما أنه كل يوم تبدل عليه الملكان فهذا لم يبلغنا فيه شيء والله أعلم. انتهى كلام ابن تيمية رحمه الله.
الثالث: قال حافظ حكمي -رحمه الله- في معارج القبول: "1-ومنهم الموكل بحفظ العبد في حله وارتحاله، وفي نومه ويقظته، وفي كل حالاته وهم المعقبات، قال الله تعالى: "سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" [الرعد: 10-11] ، وقال تعالى: "وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة" [الأنعام: 18] ، وقال تعالى: "قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن" [الأنبياء: 42] . قال ابن كثير: أي: بَدَلَ الرحمن؛ يمتنُّ -سبحانه وتعالى- بنعمته على عبيده، وحفظه لهم بالليل والنهار، وكلاءتِه وحراستِه لهم بعينه التي لا تنام. أهـ.(2/303)
2- ومنهم الموكل بحفظ عمل العبد من خير وشر، وهم الكرام الكاتبون، وهؤلاء يشملهم مع ما قبلهم قوله عز وجل: "ويرسل عليكم حفظة" [الأنعام: 61] ، وقال تعالى فيهم: "أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون" [الزخرف: 80] ، وقال تعالى: "إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" [ق 17-18] ، فالذي عن اليمين يكتب الحسنات، والذي عن الشمال يكتب السيئات وقال تعالى: "وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون" [الانفطار: 10] وقال الحسن البصري -رحمه الله تعالى- وتلا هذه الآية: "عن اليمين وعن الشمال قعيد" [ق: 17] : يا ابن آدم بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان، أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك، فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك وجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة، فعند ذلك يقول الله تعالى: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا" [الإسراء: 14] ، ثم يقول: عدل والله فيك من جعلك حسيب نفسك. اهـ. ويناسب ذكر المعقبات والحفظة ما روى البخاري -رحمه الله تعالى- في باب قول الله -عز وجل-: تعرج الملائكة والروح إليه.. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم، فيقول كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون". ورواه مسلم أيضا، وفيهما عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بأربع كلمات، فقال: "إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار،(2/304)
وعمل النهار قبل عمل الليل ... " الحديث.. والأحاديث في ذكر الحفظة كثيرة. انتهى كلام حافظ حكمي.
أسأل الله أن يوفقنا لمحاسبة أنفسنا ومراقبتها، والاستعداد للحساب قبل نزوله، إنه ولي ذلك، وصلى الله على نبينا محمد.(2/305)
رؤية الملائكة
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالملائكة والجن
التاريخ 21/03/1427هـ
السؤال
هل يمكن رؤية نور الملائكة، وسماع أصواتهم في هذا الزمن؟!
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فالملائكة عالم غيبي مخلوقون من نور، مكلّفون بما كلفهم الله به من العبادات، خاضعون لله تعالى أتم الخضوع، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، والأصل فيهم أنهم لا يرون، وقد يشاهدون، حيث ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى جبريل في صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح وقد سدّ الأفق، كما ورد في البخاري (3232، 3233) (6/313) من الصحيح بشرحه فتح الباري، وورد أنه جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر، وأنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام والإيمان والإحسان....إلخ في الحديث المشهور. أخرجه مسلم برقم (8) .
وتمثل لمريم في صورة بشر، قال تعالى: "فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا" [مريم:17] .
وجاءت الملائكة إلى إبراهيم -عليه السلام- في صورة بشر، ولم يعرف أنهم ملائكة حتى كشفوا له حقيقة أمرهم، وفي قصة الثلاثة من بني إسرائيل الأبرص والأقرع والأعمى، وأن الملك تشكّل لهم في صورة بشر، كما في صحيح البخاري (3464) ، وصحيح مسلم (2964) وهذه أمور ثابتة بالنصوص.
ويبقى أن يعلم أنه ليس كل من ادعى: أنه رأى ملكاً من الملائكة، أو سمع كلامه يقظة صدقناه، فما أكثر من يدعي أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته يقظة، أو رأى جبريل أو الخضر، وهو في ذلك كله متوهم أو ضال مبتدع أو مدّع بباطل. والله الهادي إلى سواء السبيل.(2/306)
متى يؤجر المرء على الحنث في يمينه؟!
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 11/01/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعلم أن من حلف على شيء فإن عليه أن يلتزم بمقتضى يمينه، لكن متى يؤجر الإنسان على مخالفة يمينه والحنث فيها؟ وإذا صمت ثلاثة أيام كفارة ليميني فهل يجزئ ذلك؟ جزاكم الله سبحانه وتعالى خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(2/307)
الحلف بالله أمر عظيم يجب على المسلم ألا يتساهل في شأنه وألا يكثر منه، بل يقتصر على قدر الحاجة التي تدعو لذلك، وإذا حلف فإن عليه المحافظة على يمينه؛ فإن الله - جل وعلا- يقول في كتابه: "واحفظوا أيمانكم" [المائدة:89] ، وهذا يشمل النهي عن الحلف من غير حاجة، والمحافظة على اليمين بعد الحلف، وألا يحنث فيها، لكن إذا تبيَّن له أن الاستمرار في مقتضى اليمين يجرّ إلى مفسدة، أو يمنع من مصلحة أكبر، فإنه يشرع له أن يكفِّر عن يمينه، ويخالف مقتضاها؛ لما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها، فكفِّر عن يمينك وأت الذي هو خير" البخاري (6622) ، ومسلم (1652) . ولهذا فإنك إذا رأيت المصلحة في مخالفة يمينك، فإنك مأجور على ذلك وعليك الكفارة، ولا ينبغي للمسلم أن يجعل الحلف بالله حائلاً بينه وبين فعل الخير وصلة القربى، ورعاية الحقوق، ونحو ذلك؛ فإن الله -تعالى- يقول: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس" [البقرة:224] ، ولكن في الكفارة تفصيل ذكره الله - جل وعلا- في كتابه في سورة المائدة لا بد من اعتباره، حيث قال جلَّ ذكره: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدّتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ... " [المائدة:89] ، وعلى هذا فإن الكفارة للقادر تكون بالإطعام أو الكسوة أو العتق، فإذا عجز عن ذلك فإنه يكفر بالصوم ثلاثة أيام، أما من كان مستطيعاً لواحد من الثلاثة المتقدمة فإنه لا يجزئه الصوم، وعلى ذلك فإن كنت قادراً على الكسوة أو الإطعام فإن صومك لا يكفي عن الكفارة، وعليك أن تطعم المساكين أو تكسوهم. وبالله التوفيق.(2/308)
هل في هذين البيتين محظور شرعي؟
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 17/12/1424هـ
السؤال
هل في هذين البيتين محظور شرعي؟
دع الأيام تفعل ما تشاء *** وطب نفساً إذا حكم القضاء
يا من يعز علينا إن نفارقهم *** وجداننا كل شيء بعدكم عدم
الجواب
الحمد لله، كثيراً ما يأتي عند الشعراء من التجاوزات اللفظية واستعمال بعض المحسنات البديعية والأساليب البلاغية ما يكون محتملاً لأوجه متعددة قد يكون على بعضها ملحوظات عقدية.
والبيت الأول قد يفهم منه نسبة الأفعال وما يقع من أحداث إلى الزمن وكأنه هو المتصرف استقلالاً من غير تقدير الله - تعالى - لكن هذا الفهم يوضح انتفاءه الشطر الثاني المثبت للقضاء والقدر. والذي يحث فيه الشاعر على التسليم لقضاء الله وقدره مع أنه ليس كل مقضي يرضى به.
فالرضاء والتسليم بالقضاء منه ما هو واجب كالقضاء والقدر الديني الشرعي، ومنه ما هو مستحب فيما إذا وقع القضاء الكوني على خلاف إرادة العبد، ومنه ما هو مباح فيما إذا وقع القضاء الكوني على وفق مراد العبد، ومنه القضاء الذي يحرم الرضا به وهو وقوع المعاصي والمحرمات، فلا يجوز للإنسان أن يرضى بها بل عليه بدفع قدر المعصية بقدر التوبة والطاعة وتفصيل ذلك يطول.
وعلى كل فلا أرى في البيت الأول أي محذور عقدي، خصوصاً أنه قد نسب الفعل إلى المحل وهو أسلوب من أساليب العربية. ومثله البيت الثاني فهو يصور شدة وجده على فراق أحبابه، فكأن كل شيء يوجد عليه بعدهم عدم، (وشيء) هنا عمومها مخصوص نحو قوله -تعالى-: " تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم" [الأحقاف: 25] فالمساكن شيء ومع ذلك لم توضع في عموم (شيء) الواردة في الآية، والله أعلم.(2/309)
مواجهة المصائب
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز المجيدل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 1/4/1423
السؤال
حدث أن تغيرت أحوال معيشة عائلة كاملة بكل جوانبها منذ ست سنوات، وهم بين مسلّم أمره لربه بأنه بلاء من عند الله، وآخر يشك أنها عين أصابت العائلة بعدما كانت تسمى (العائلة المثالية) لتآلفهم. كيف يقطع الشك باليقين بكونها عين؟ وإن كانت كذلك كيف السبيل لعلاجها من البيت كافة؟
أفيدونا أسكنكم الله الفردوس الأعلى، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وسلم.
قرأت السؤال وآلمني الحال التي وصلت إليها العائلة، وأرى أن شدة ما حصل قد مضى، وتسليتم بمرور الزمن، وإليك هذه الإرشادات:
1-الصبر على الأقدار المؤلمة جزء من الإيمان بالقدر، وهو ركن من أركان الإيمان الستة، ولكم المثوبة على ذلك والعقبى"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" ولكم أيضاً ما ذكر الله -سبحانه- بقوله:"الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" [البقرة:156-157] ، وصلاة الرب -سبحانه- ثناؤه عليكم ورحمته وأنتم بحوله على الطريق المستقيم، وهذه غاية المراد (الهداية) .
2-أن طبيعة الحياة الكدر "لقد خلقنا الإنسان في كبد" [البلد:4] فالإنسان يكابد في هذه الحياة ويتألم ويحزن بعد الفرح والأنس، وقد قال الناس: "دوام الحال من المحال".
3- أن العين وغيرها مما تكون سبباً في إصابة بعض الناس هي من قدر الله -سبحانه-، والبحث في حقيقة ما أصابكم بعد مرور هذه المدة لا بأس إن كان لتجنب الأسباب، وإلا فلا فائدة من إذكاء الأحزان وفتح الجروح.(2/310)
4-لا بأس من تجنب الأسباب الثلاثة المذكورة في الحديث الصحيح "إن كان الشؤم في شيء، ففي ثلاث: المرأة، والدابة، والمسكن" البخاري (5094) ومسلم (2225) فقد يجعل الله -سبحانه- بعض أقداره بسبب قرب الإنسان من إحدى هذه الأشياء فيقع المكروه فترك المرأة وتغيير السكن ومفارقة الدابة والسيارة قد يقطع عن الإنسان الوساوس.
5-البحث الجاد والمستقصي للأسباب أياً كانت -وخاصة الأسباب المادية- المدركة بالتأمل، وإعطائها مكانة في التحول الذي حصل، وعدم المبالغة في تحميل الأسباب الغيبية (العين، والسحر ... ونحوهما) إلا إذا وقف على أدلة ملموسة ترجح كونها سبباً لما جرى.
6-وبعد ذلك أرى أنه من تمام العقل وحسن الاستمتاع بالحياة نسيان ما مضى، وعدم نكاية الجروح، والفأل الحسن بما يستقبل من الأيام والتأقلم على الوضع، وأن يقنع الإنسان نفسه أن الاجتماع بالشكل الماضي وحسن العيش كان مقدراً له كذا من السنين وانتهت، فهل انتهت الحياة؟ وكم الذين أصيبوا في أموالهم وأولادهم فخرجوا بلا شيء ثم تناسوا ما مضى وأحسنوا الظن بالله -سبحانه-، وبما يقدم عليهم من الأيام فأصبحوا بحال أحسن مما كانوا وأوسع عيشاً، ولو قرأت ما كتبه السابقون حول المصائب مثل: كتاب (المنازل والديار) لأسامة بن منقذ ونحوه، وتأملت في سير المبتلين في الماضي والحاضر لهان ما أصابك، فعندنا رجل حي دفن تسعاً من الزوجات، وكثيراً من الأولاد، وهلك له من المال كثير، وتمثل بقوله:" فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين" [آل عمران:146] أعانك الله على إغلاق منافذ الشيطان من التحزين غير المجدي المضعف للهمة، وأتم عليك النعمة وحسن الحال، والله يكلؤكم بحسن رعايته وعنايته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(2/311)
الجبر والاختيار
المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 1/8/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نحمد الله-سبحانه وتعالى- على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وعليه نتوكل وبه نستعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه أجمعين. إخوتنا في الله..كنت قد قرأت على شبكة الإنترنت في موقع لفضيلة الشيخ ابن باز فتوى كانت رداً على سؤال يقول: " بعض الناس يقولون: إن كل الأعمال التي يعملها الإنسان هي من إرادة الله فنرجو أن توضحوا لنا: هل الإنسان مخير أم مسير؟ " وكان أهم ما استرعى اهتمامي في هذه الفتوى هو الآتي: " والإنسان مخير؛ ومسير، مخير لأن الله أعطاه إرادة، كما قال - عز وجل - "لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين" [التكوير:28،29] .(2/312)
لكن هذه الإرادة وهذه المشيئة لا تقع إلا بعد مشيئة الله - سبحانه وتعالى - فما يقع في العباد، وما منهم كله بمشيئة من الله سابقة وقدر سابق، فالأعمال والأرزاق والآجال والحروب وانتزاع ملك، وقيام دولة، كله بمشيئة الله - سبحانه وتعالى - فالطاعات بقدر الله والعبد مشكور عليها ومأجور، والمعاصي بقدر الله والعبد ملوم عليها ومأزور آثم، والحجة قائمة، فالحجة لله وحده - سبحانه -، قال - تعالى -: "قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم " [الأنعام:149] ، وقال - سبحانه وتعالى -: "ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين" [الأنعام:35] يقول المفتي في بداية فتواه: إن الإنسان هو مخير ومسير ثم ما يلبث أن ينفي صفة التخيير عن الإنسان، إذ لو كان ما يختاره المرء من عقيدة يجعله منهاجه، وعمل يؤجر أو يعاقب عليه، هما مشيئة إلهية سبقت مشيئة العبد، فأين إذا هي إرادة العبد وخياره؟ إن ما يقع في العباد من قضاء وقدر هو من إرادة الله، فلا جدال في ذلك، ولكن ما يقع منهم من عمل، صالحاً كان أم سيئاً، فكيف يكون من عند الله؟ بل كيف يرمى العبد في النار ما دام ذنبه ليس بإرادته ولا باختياره؟ ألم يقترن الإيمان بالعمل في العديد من الآيات الكريمة؟ قال-تعالى-: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون" [التين:6] …غير ممنون، فكيف يمن على المرء بأجره عن عمل هو بإرادته؟ جزاكم الله عنا كل خير، وجعلكم ذخراً لهذه الأمة، نريد رداً شافياً في هذا الموضوع، مدعوماً بالنصوص الكريمة.
الجواب
السؤال عبارة عن إشكال وقع فيه السائل مما سمعه من بعض الفتاوى، وفيه يقول: "إن ما يقع في العباد من قضاء وقدر هو من إرادة الله فلا جدال في ذلك، ولكن ما يقع منهم عملاً صالحاً كان أم سيئاً فكيف يكون من عند الله؟ بل كيف يرمى العبد في النار مادام ذنبه ليس بإرادته ولا باختياره ... " إلخ.
وإجابة على هذا الإشكال نقول:(2/313)
إن الإيمان بقضاء الله وقدره ركن من أركان الإيمان الستة وهي معلومة من الدين بالضرورة، وقد وردت في حديث جبريل المشهور عندما سأله عن الإيمان، فقال:" أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال جبريل: صدقت" مسلم (8) .
وقال - تعالى -: "إنا كل شيء خلقناه بقدر" [القمر: 49] ، وروى مسلم في صحيحه (2655) عن طاووس قال: أدركت ناساً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون:" كل شيء بقدر. قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس" سبق تخريجه.
والسؤال: ما مراتب الإيمان بالقدر؟ وكيف يؤمن الإنسان بالقضاء والقدر؟
لقد بين أهل العمل مراتب الإيمان بالقضاء والقدر، وإن شئت فقل: أركان الإيمان بالقضاء والقدر، وهي:
أولاً: الإيمان بعلم الله الشامل لما كان وما سيكون ومالم يكن لو كان كيف سيكون وتعلق علمه بالموجود والمعدوم والمستحيل، والأدلة على ذلك كثيرة "لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً" [الطلاق: 12] .
ثانياً: الإيمان بأن ما علمه الله - سبحانه وتعالى - أنه سيقع قد كتبه في اللوح المحفوظ. روى مسلم في صحيحه (2653) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ". قال: "وعرشه على الماء". وقال - تعالى -: "وكل شيء أحصيناه في إمام مبين" [يس:12] .
ثالثاً: الإيمان بمشيئة الله الشاملة وقدرته النافذة، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. قال الله - تعالى -: "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله " [الإنسان:30] وقال - تعالى -: "من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم" [الأنعام:39] ، "ولو شاء الله ما أشركوا" [الأنعام: 107] .(2/314)
رابعاً: الإيمان بأن الله خالق كل شيء فهو خالق الإنسان وخالق ما يعمله الإنسان، قال - تعالى -: "الله خالق كل شيء" [الرعد:16] ، "والله خلقكم وما تعملون" [الصافات:96] .
هذه مراتب الإيمان بالقضاء والقدر، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة.
وخالف في القدر فرقتان:
القدرية: الذين أنكروا القدر، وقالوا: الأمر أنف، وقد كفرهم الصحابة، لأنهم أنكروا العلم الأزلي، وزعموا أن الله لا يعلم ما العباد عاملون، وجعلوا الإنسان خالقاً لأفعاله الاختيارية، ومنكرو العلم القديم من القدرية لا وجود لهم اليوم، ولكن القدرية اليوم ينكرون عموم خالقية الله لكل شيء، ويزعمون أن الإنسان خالق لأفعاله الاختيارية، فهم مجوس هذه الأمة.
الجبرية: وقالوا: إن الإنسان لا اختيار له ولا إرادة له، بل كل ما يقع من الإنسان فهو بفعل الله حقيقة ولا فعل للإنسان على الحقيقة، ورتبوا على هذا عدم مسؤولية الإنسان عن أعماله لعدم وقوعها منه.
وأهل السنة والجماعة وسط بين الفرقتين، فيؤمنون بقضاء الله وقدره، ويؤمنون بوقوع الفعل من الإنسان كما دل على ذلك الحس والواقع، والإنسان مسؤول عما يقع منه، ولهذا يرى أهل العلم أن الرد على الجبرية أن يضرب ويشتم أحدهم، فإن اعترض وقاوم الضارب والشاتم وعاتبه فقد نقض مذهبه في عدم مسؤولية الإنسان، ورجع في ذلك إلى الفطرة.
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن سؤال مشابه فأجابت عنه، فإليك السؤال والإجابة
س: مضمونه أن نقاشاً دار بين جماعتين، مبناه عن الإنسان، هل هو مسير أو مخير؟ والمطلوب الإرشاد إلى الصواب في ذلك على ضوء الكتاب والسنة.(2/315)
فأجابت اللجنة: أولاً: ثبت أن الله - تعالى - وسع كل شيء رحمة وعلماً وكتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة، وعمت مشيئته وقدرته كل شيء، بيده الأمر كله لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا راد لما قضى وهو على كل شيء قدير، وقد دلَّ على ذلك وما في معناه نصوص من الكتاب والسنة، وهي كثيرة معروفة عند أهل العلم، ومن طلبها من القرآن ودواوين السنة وجدها، من ذلك قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" الآية، [العنكبوت:62] وقوله: "اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ" الآية، [الزمر:62] ، وقوله: "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" [القمر:49] ، وقوله: "وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً" [الإنسان:30] ، وقوله: "يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] ، وقوله:"مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ" [الحديد:22] ، وقوله: " "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" [يونس:99] ، وقوله: "وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا" الآية، [السجدة: 13] .(2/316)
ومما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في ذلك ما حث على الذكر به عقب الصلاة من قول: "لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" البخاري (844) ومسلم (593) ، وكذا ما جاء في حديث عمر – رضي الله عنه – من سؤال جبريل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الإيمان فأجاب النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: "الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره" مسلم (8) ، فهذه النصوص وما في معناها تدل على كمال علمه - تعالى - بما كان وما هو كائن وتقديره كل شؤون خلقه، وعلى عموم مشيئته وقدرته، ما شاءه – سبحانه - كان وما لم يشأ لم يكن.
ثانياً: ثبت أن الله حكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه، رحيم بعباده، وأنه - تعالى - أرسل الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وأنزل الكتب وشرع الشرائع وأمر كلاً منهم أن يبلغها أمته، وأنه - تعالى - لم يكلف أحداً إلاَّ وسعه، رحمة منه وفضلاً، فلا يكلف المجنون حتى يعقل، ولا الصغير حتى يبلغ، وعذر النائم حتى يستيقظ، والناسي حتى يذكر، والعاجز حتى يستطيع ومن لم تبلغه الدعوة حتى تبلغه، رحمة منه تعالى وإحساناً.(2/317)
وثبت عقلاً وشرعاً الفرق بين حركة الصاعد على سلم مثلاً والساقط من سطح مثلاً، فيؤمر الأول بالمضي إلى الخير وينهى عن المضي إلى الشر والاعتداء، بخلاف الثاني فلا يليق في شرع ولا عقل أن يوجه إليه أمر أو نهي، وثبت الفرق أيضاً بين حركة المرتعش لمرضه وحركة من ليس به مرض، فلا يليق شرعاً ولا عقلاً أن يوجه إلى الأول أمر ولا نهي فيما يتعلق في الرعشة، لكونه ملجأ مضطراً إليه، بل يرثى لحاله ويسعى في علاجه، بخلاف الثاني فقد يحمد كما في حركات العبادات الشرعية، وقد ينهى كما في حركات العبادة غير الشرعية وحركات الظلم والاعتداء، فتكليف الله عباده ما يطيقون فقط وتفريقه في التشريع والجزاء بين من ذكروا وأمثالهم دليل على ثبوت الاختيار والقدرة والاستطاعة لمن كلفهم دون من لم يكلفهم.(2/318)
ثم إن الله - تعالى - حكم عدل علي حكيم لا يظلم مثقال ذرة، جواد كريم يضاعف الحسنات ويعفو عن السيئات، ثبت ذلك بالفعل الصريح والنقل الصحيح فلا يتأتى مع كمال حكمته ورحمته وواسع مغفرته أن يكلف عباده دون أن يكون لديهم إرادة واختيار لما يأتون وما يذرون وقدرة على ما يفعلون، ومحال في قضائه العادل وحكمته البالغة أن يعذبهم على ما هم إلى فعله ملجؤون وعليه مكرهون، وإذاً فقدر الله المحكم العادل وقضاؤه المبرم النافذ من عقائد الإيمان الثابتة التي يجب الإذعان لها وثبوت الاختيار للمكلفين وقدرتهم على تحقيق ما كلفوا به من القضايا التي صرح بها الشرع وقضى بها العقل، فلا مناص من التسليم بها والرضوخ لها، فإذا اتسع عقل الإنسان لإدراك السر في ذلك فليحمد الله على توفيقه، وإن عجز عن ذلك فليفوض أمره لله، وليتهم نفسه بالقصور في إدراك الحقائق فذلك شأنه في كثير من الشؤون، ولا يتهم ربه في قدره وقضائه وتشريعه وجزائه فإنه - سبحانه - هو العلي القدير الحكيم الخبير، "سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين" [الصافات:180-182] . وليكف عن الخوض في ذلك الشأن خشية الزلل والوقوع في الحيرة، وليقنع عن رضا وتسليم بجواب النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه – رضي الله عنهم - لما حاموا حول هذا الحمى، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل؟ فقال لهم: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" رواه البخاري (4949) من طرق عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال: كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بقيع الغرقد في جنازة فقال: "ما منكم من أحد إلاَّ وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار"، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل، فقال: "اعملوا فكل ميسر لما خُلق له"، ثم قرأ قوله تعالى: "فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى"، إلى قوله تعالى: "فسنيسره للعسرى"، ورواه أيضاً مسلم (2647) وأصحاب(2/319)
السنن الترمذي (2136) ، وابن ماجة (78) ، وأحمد (621) .
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
عبد الله بن قعود [عضو] ، عبد الله بن غديان [عضو]
عبد الرزاق عفيفي [نائب رئيس اللجنة] ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز [الرئيس](2/320)
أسباب المصائب
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 1/8/1423هـ
السؤال
أنا شاب ملتزم منذ سنين، ومنذ حوالي سنة ابتليت بابتلاءات كثيرة، فأريد أن أعرف السبب، هل من ذنب اقترفته؟ كأن يعاقبني الله على الذنوب الكبيرة، مثل التثاقل عن الصلاة، أو يعاقبني على التأخر عن الصلاة، فأعتقد أن الله يريدني أن أترقى في إيماني، هل هذا صحيح؟ وكيف أصبر على العقوبات؟ وكيف يزيلها الله عني؟
الجواب
الحمد لله وبعد، أخي في الله هنيئاً لك هذه النشأة المباركة، وهذا الالتزام المبكر، وأرجو أن تكون أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... وذكر منهم "شاب نشأ في عبادة ربه" والحديث رواه البخاري (660) ، واللفظ له، ومسلم (1031) .(2/321)
وأما بخصوص السؤال فاعلم - حماك الله ووقاك من كل سوء - أنّ ما تعانيه هو ضرب من الفتور الذي قد يعتري بعض الملتزمين نتيجة عدم الاحتراز من بعض المحاذير الشرعية، أو تعاطي بعض المخالفات، أو الإسراف الشديد في ما أصله مباح، ممّا يؤدي إلى ضعف الهمة وغلبة الركون إلى العرض والمتاع الدنيوي الزائل، وأنت على علم بأنّ ذا القلب الحي، والإحساس المرهف، المتفاعل مع قضايا أمته، العازم على فعل كلّ ممكن لنصرتها والذب عن دينها ومكانتها سيكون مترقياً كلّ ساعة في إيمانه، بعيداً كلّ البعد عن بواعث الفتور، ذلك أنه صاحب رسالة وحامل مبدأ، وأمّا من كان ضعيف الهمة، محدود الطموح غايته أداء العبادة بصورة رتيبة، وحركة آلية فما أحراه بالتراجع - عياذاً بالله -، فخذ لنفسك - أخي الكريم - بالعزم والقوة؛ فالله يقول: " خذوا ما آتيناكم بقوة" [البقرة: 63] ، وكن ذا همة عالية، وطموح واسع، واحذر من التهاون بالفرائض أو التثاقل عنها؛ حتى لا تزل قدمك في وحل الخطيئة - لا سمح الله - وتخلص من الذنوب كلها - وأنت أدرى بها - بتوبة نصوح، حينها تجد طمأنينة القلب، وسلامة الخاطر، ويهجرك القلق والحرج والضعف، وفقك الله وأعانك.(2/322)
معنى الخوض في القدر
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 29/6/1423هـ
السؤال
أود أن أسأل عن معنى الخوض في القدر.
الجواب
من معاني الخوض: التلبس بالأمر والتصرف فيه، وقد يراد به التخليط في الأمر من غير وجهه، والخوض من الكلام: ما فيه الكذب والباطل، وفي القرآن الكريم: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم" (الأنعام68) وانظر لسان العرب (7/147مادة "خوض") .
والإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان الستة المذكورة في حديث جبريل المشهور البخاري (50) ، مسلم (9) ، ولا يتحقق إيمان العبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، غير أن التعمق في مسائله والخوض فيها على طريقة القدرية والجبرية هو الذي دلت النصوص على التحذير منه، إذ إن ذلك يورث الاعتراض على المالك المتصرف، ويوقع في الحيرة والاضطراب، ولا يصل بالإنسان إلى اطمئنان القلب ورضاه، فهذا هو الخوض المنهي عنه، وأما معرفة مراتب الإيمان بالقدر وأنواع المقادير وأدلة وجوب الإيمان به ومنهج السلف في ذلك فإن ذلك مما يقتضيه الإيمان بالقدر، وليس من الخوض المنهي عنه، وبالله التوفيق.(2/323)
لماذا العمل؟
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 14/4/1424هـ
السؤال
الإنسان حياته مقتصرة على ما كتبه الله له أقصد (المكتوب كما يقال) ؛ هذه الكلمة متداولة كثيراً في حياتنا اليومية؛ أحس أن هذه الكلمة تجعلني مقيداً، يعني لماذا أتعب روحي وأدرس وأصلي وأفعل أشياء أخرى ما دام الله كتب علي أشياء كأن أموت في حالة مرض أو أموت بسيارة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأوجه أخي السائل -حفظه الله- إلى أن من أكبر دواعي العلم والنشاط في حياة المسلم عقيدة الإيمان بالقدر، والتي هي ركن من أركان الإيمان الستة، وأن الإيمان بها إضافة إلى أركان الإيمان الأخرى من أقوى الحوافز للمؤمن، لكي يعمل ويقدم على الأمور العظيمة بيقين وعزم وثبات واحتساب.
أما دعوى التقيد بسبب هذه الكلمة وهي الإيمان بالمكتوب فهي دعوى باطلة؛ لأن القرآن والسنة مملوءان بالأوامر والتوجيهات للمؤمن بأن يعمل الصالحات، ويسعى للرزق وعمارة الأرض، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل المتوكلين، وسيد الناس أجمعين؛ يلبس لأمة الحرب ويمشي في الأسواق للاكتساب، ويعمل الأسباب، ثم طبق الصحابة - رضي الله عنهم - توجيهات القرآن والسنة فعملوا وبذلوا واجتهدوا في طلب مرضاة الله، وجاهدوا وصبروا وفتحوا البلاد، ونشروا الدين بين العباد.
لهذا أقول لأخي السائل -ومن على شاكلته- ابذل السبب، واجتهد وكن متوكلاً على الله معتمداً عليه، فالأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذن الله، ويحرم على المسلم ترك الأخذ بالأسباب، ولما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم عن الرقى والأدوية هل ترد من قدر الله شيئاً قال: "هي من قدر الله"رواه الترمذي (2065) ، وابن ماجة (3437) ، من حديث يعمر - رضي الله عنه- والله أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.(2/324)
عبارة: (قصف الآجال)
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 15/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كثر عند الناس الكلام في ما يسمونه بعبارة (قصف الآجال) ، ومعناها أن الإنسان يموت قبل يومه المكتوب له، لا حول ولا قوة إلا بالله، مثل: الانتحار وحوادث السيارات، أرجو أن تفتونا في هذه المسألة، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
الجواب(2/325)
الحمد لله، من أصول الإيمان، الإيمان بالقدر خيره وشره، والإيمان بالقدر يتضمن الإيمان بعلم الله السابق لكل شيء، وكتابته لمقادير الأشياء، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه على كل شيء قدير، وأنه خالق كل شيء، ومعنى هذا أن كل ما يجري في الوجود قد سبق به قدر الله علماً وكتابة، وتم بمشيئته سبحانه وتعالى، ومن ذلك موت النفوس، فلا تموت نفس إلا بأجلها المكتوب، كما قال - سبحانه وتعالى -:"وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً" [آل عمران: من الآية145] ، فالله سبحانه وتعالى قد قدر الأقدار وضرب الآجال فلا يتقدم أحد على أجله، ولا يتأخر عن أجله، كما قال سبحانه وتعالى: "إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ" [يونس: من الآية49] ، فكل من مات بأي سبب من الأسباب فقد مات بأجله، وليس هناك من يموت قبل أجله المحتوم، بأي سبب كان موته بقتل أو انتحار أو أي حادث من الحوادث، كما بين ذلك الله - سبحانه وتعالى - في كتابه، وبينه رسوله - صلى الله عليه وسلم - فالمقتول ميت بأجله لم يقطع عليه أجله، خلافاً للمعتزلة، فإن من قولهم: أن المقتول مقطوع عليه أجله، وهذا باطل مخالف لمقتضى الإيمان بالقدر، وقول القائل: قصف الأعمار أو الآجال يعني قطعها، وهذا يتضمن أن من قتل أو انتحر فقد قصم أجله؛ يعني قطع قبل أوانه، وهذا مخالف للإيمان بالقدر، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع أهل السنة والجماعة، فيجب الحذر من هذه الاعتقادات والتصورات الباطلة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، والله أعلم.(2/326)
العلاقة بين قضاء الله وقدره وعمل الشيطان
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 21/2/1425هـ
السؤال
إن كل ما يحصل لنا في هذه الدنيا ليس مصدره واحد عند الناس، فعند حصول الأشياء الجميلة والمفرحة نقول الحمد لله فالسبب هنا مشيئة الله، وعند حصول الأشياء المحزنة والسيئة نقول سببها الشيطان -لعنة الله عليه- وليس قضاء وقدر الله. والسؤال هنا حول العلاقة بين قضاء الله وقدره وعمل الشيطان خاصة على المؤمن فكيف يكون؟ وهل حقاً توجد علاقة بينهما؟ وما علاقة النفس الأمارة بالسوء بهما؟.
الجواب(2/327)
الحمد لله، من أصول الإيمان، الإيمان بالقدر وخيره وشره، وكل ما يجري في الوجود من خير وشر من نعم ومصائب، ومن إيمان وكفر وطاعة ومعصية وغير ذلك من أفعال العباد كل ذلك بقدر الله ومشيئة فإنه لا يكون في ملك الله ما لا يريد فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فكل ما في هذا الوجود مما وقع ومما سيقع كله قد سبق به علم الله وكتابه، وكل ذلك بمشيئته وقدرته – سبحانه وتعالى-، فالواجب على العبد أن يؤمن بهذا الأصل لكن إن أصابه خير فعليه أن يحمد الله ولا يضيف نعم الله إلى نفسه، أو إلى الأسباب التي كان لها أثر في حصول هذه النعمة بل عليه أن يعلق قلبه بالله ليشكره ويذكره، "وما بكم من نعمة فمن الله" [النحل:53] ، وإن أصابته مصيبة فعليه أن يؤمن كذلك أنها من قدر الله، ولكن عليه أن يذكر الأسباب التي جرت عليه هذه المصيبة، فإن المصائب من الأمراض أو ذهاب الأموال أو ذهاب الأحبة تكون ابتلاء وامتحاناً، وتكون جزاء على السيئات كما قال تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" [الشورى:30] ، وقال تعالى: "أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم" [آل عمران:165] ، فإذا أصابت المسلمين هزيمة أو نزلت بهم مصيبة فعليهم أن يحاسبوا أنفسهم ويتفقدوا عيوبهم، وأن يتوبوا من ذنوبهم وأن يتوجهوا إلى ربهم، وهذا شأن المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، والله تعالى له الحمد على كل حال؛ على السراء والضراء والشدة والرخاء؛ لأن كل ما تجري به الأقدار هو بمشيئته وحكمته – سبحانه وتعالى- فله الحمد على كل ما يقدره ويقضيه؛ لأنه تعالى حيكم عليم يضع الأشياء في مواضعها، وليس بلازم أن ندرك حكمة الله في كل جزئية وصغيرة وكبيرة لكن نؤمن بأن الله حكيم فما خفيت علينا حكمته وهو الأكثر فإننا نحيله إلى ما نؤمن به من كمال حكمته – سبحانه وتعالى- ولا شك أن الشيطان هو الداعي إلى كل شر من(2/328)
أفعال العباد فهو الداعي إلى الكفر وهو الداعي إلى المعاصي، والذنوب والمعاصي سبب لما يصيب العبد من المصائب فإذا أصاب الإنسان مصيبة فعليه أن يصبر، وأن يستغفر وأن يحاسب نفسه، ويتفكر من أين دخل عليه الشر والبلاء؟ حتى يتقيه ويحذر من مداخل الشر، ومن أعظم ما ينفع من ذلك التجاء العبد إلى ربه بأن يعصمه من شر الشيطان وأن يعيذه من الكفر والفسوق والعصيان، فيدعو ربه بأن يوفقه لأسباب السعادة وأن يجنبه أسباب الشقاوة.
اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، والله أعلم.(2/329)
تساؤلات حول القدر
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 07/04/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
وددت أن أسأل عن القضاء والقدر وأفعال الإنسان، وما يحدث بينهما من توافق أو تعارض إن صح التعبير..فمثلا: إذا أراد إنسان أذية إنسان آخر فإنه لا يقدر على ذلك إلا لو كان مقدراً لذلك الإنسان أن يؤذى، ففي هذه الحالة يكون ذلك الأذى أو الضرر فعل محرم يعاقب عليه من قصد الأذية، أم يكون قدرا من الله -تعالى-؟ أرجو الإفادة؛ لأنه لدي تعقيد في فهم التوافق بين القضاء والقدر وبين ما يحصل للإنسان من أذى الآخرين، أعرف أن أذى الناس من قدر الله، ولكن ما مدى الارتباط والتوافق بين القدر وبين وقوع أذية البشر؟. ودمتم سالمين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الإيمان بالقضاء والقدر من الأصول الستة التي عليها مدار عقائد الناس.. والقدر سر الله في الكون، لا يطلع عليه نبي مرسل ولا ملك مقرب، وقد ورد النهي عن الخوض فيه. والناس أمام القدر طرفان ووسط، فمنهم من نفاه مطلقا وجعل أعمال الناس وتصرفاتهم بمحض إرادتهم، وليست هي بمخلوقة لله -تعالى- ولا مقدرة منه. ومنهم من جعل الإنسان كالريشة في مهب الريح، لا صلة له بأعماله، وأنه مجبر على فعل ما قدره الله عليه دون إرادة منه أو اختيار. وتوسط فريق بين هذين فأقروا لله -تعالى- بتقدير الأمور وتدبيرها وعلمه بها وخلقه لها، وفي الوقت نفسه جعلوا للعبد إرادة بها يقدم على فعل الأشياء أو تركها.(2/330)
والإشكال الذي أورده السائل جوابه بسيط لا يحتاج إلى إيراد نصوص ونقل كلام الأئمة ولا إلى تفصيل مراتب القضاء وبيان أنواع الإرادة الشرعية والكونية، وإليك المثال التالي: شخص وُضِع أمامه كأس من عصير إن شاء شرب منه وإن شاء امتنع، وهو يشعر من نفسه أنه قادر على الشرب أو الامتناع، ولا يشعر أبدا أنه مجبر على فعل واحد منها، فإن شرب كان شربه له هو السابق في علم الله في الأزل، وأن الله -تعالى- قد كتبه في اللوح المحفوظ وأراده من عبده وهو سبحانه خالق هذا الفعل. وإن امتنع الشخص عن الشرب فكذلك. فإن قيل: كيف يفسر ذلك؟ فالجواب: أن هذا هو سر الله في خلقه، ولن يصل العبد إلى إدراك حقيقة ذلك وكنهه مهما أوتي من علم. ومثل ذلك يقال في جميع ما يأتيه الإنسان من أعمال الطاعات والمعاصي. فالقاتل مثلا الذي يتربص بالمقتول ويخطط لتنفيذ جريمته، ثم يمشي إليها برجليه ويرتكبها بيديه، فلا شك أنه يفعل ذلك بإرادته ومع ذلك فلا يخرج شيء منه عن قضاء الله وقدره، ولله الحكمة البالغة.
قد يقول شخص ولكن قد يقع من الإنسان شيء وهو لا يريده ولا يقصده. فالجواب أن هذا لم يقع به التكليف، ولهذا سقط القصاص عن القاتل خطأ لأنه لم يرده ولم يقصده، فجاء رفع القلم، والمراد الجناح عن النائم، والمجنون، والصغير الذي لا يعقل. والله -تعالى- أعلم.(2/331)
هل هذا من حفظ الملك الموكل بالإنسان؟
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 17/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أحيانًا يهم الشخص بفعل شيء ما، ثم فجأة يغير رأيه، وبسبب ذلك لم تصبه مصيبة، هل يتم له ذلك؛ لأن الملك الموكل به يحفظه من الحوادث ويحميه؟ البعض يقول إن هناك حاسة سادسة لدى الإنسان. هل هذا صحيح؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لاشك أن ما يصيب الإنسان وما يفعله وما يهم به، وما يعزف عنه وينصرف، كل ذلك بأمر الله وتدبيره الكوني، وكون الإنسان يتقدم عن المصيبة أو يتأخر عنها ثم تقع بعد ذلك، فإن ذلك من حفظ الله له؛ قال تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) [الرعد: 11] . والحفظ إما بأسباب كونية كفعل الأسباب المطلوبة، وترك الأسباب المؤذية المؤدية إلى الهلاك، وإما بأسباب شرعية كالإيمان والتقوى، وحفظ حدود الله، قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس، رضي الله عنهما: "احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ..". أخرجه أحمد (2669) والترمذي (2516) . أما قضية الحاسة السادسة، فلا أعلم في إثباتها دليلًا شرعيًّا أو عقليًّا. ثم على فرض وجودها تنزلًا، هل فيها خاصية لمعرفة ما لم يقع كيف يقع؟! إذن هذه صورة تكهنية للتعرف على الغيبيات. والله الهادي إلى سواء السبيل.(2/332)
عبارة: (يلعن أم الحالة)
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 2/9/1424هـ
السؤال
يكثر عند الشباب هذه الأيام هذه الصيغة من اللعان (يلعن أم الحالة) ، فهل قول يلعن أم الحالة داخل في سب الدهر؟.
الجواب
الحمد لله، قول القائل: يلعن أم هذه الحالة، من قبيح الكلام؛ لأنه يتضمَّن تسخُّط القضاء والحال المكروهة من فقر أو هم أو وجع أو شدة حر أو برد، وكل ذلك بقدر الله فالواجب على العبد إذا نزل به شيء مما يكره أن يصبر وأن يسأل ربه العافية، وأن يأخذ بالأسباب الواقية مؤمناً بقدر الله متوكلاً عليه مؤمناً بعدله سبحانه وتعالى وحكمته، فلا يجوز له أن يقبح أو يلعن هذه المكروهات، فإن ذلك يتضمن الاعتراض على من قدرها والطعن في حكمته وهذا يقدح في إيمان العبد في عدل ربه وحكمته في تدبيره وتقديره، نعوذ بالله من قبيح القول والعمل ونسأله الرضا به رباً والرضا عنه في أحكامه فإنه تعالى أحكم الحاكمين، والله أعلم.(2/333)
وساوس خاصة بالعدالة الإلهية
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 20/3/1425هـ
السؤال
أنا فتاة، أعاني من مأساة الوسواس الذي لا يتركني أبداً، وقد كان يشككني في كل شيء، ولكني بعد قراءات عديدة في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة أيقنت تماماً بوجود الله وبالإسلام ديناً، ومحمد - صلى الله عليه وسلم- رسولاً، ولكن المشكلة الوساوس الخاصة بالعدالة الإلهية، فدائماً أقول لنفسي: إن الله غير عادل؛ لما نحن فيه من بلاء، فأنا أخاف الله جداً، ولكني لا أحبه، والمشكلة الأخرى هي عدم تيقني من مبدأ الثواب والعقاب بالجنة والنار حتى اصبر على ظلم الحياة. فأرجوكم أريد من يمد يده لينقذني مما أنا فيه؟.
الجواب
الحمد لله:(2/334)
لقد دل الله عباده بما نصب من آياته الكونية، كالسماوات والأرض وما بينهما، وكل جزء من هذا العالم يدل على وجود الخالق – سبحانه- وقدرته، وحكمته، قال – سبحانه وتعالى-: "إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين" [الأعراف:54] ،وقال –سبحانه وتعالى-: "وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون" [الذاريات:20-21] ، فما على وجه الأرض من جبال وأنهار، وأشجار، وبحار فيها دلالة عظيمة على قدرة الخالق وحكمته، وعلمه –سبحانه-، بل ونفس الإنسان فيه آيات باهرات، ولو فكّر الإنسان في خلقه شهد العجائب، قال –تعالى-: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" [الذاريات:21] ، وقال –تعالى-: "أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون" [الروم:8] ، وقال –سبحانه-: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" [فصلت:53] ، فهذا الإنسان مخلوق من ماء مهين، خلقه الله أطواراً، وصوره في رحم أمه، وركب فيه أعضاءه، وقواه، وجعل فيه آلات الإدراك من السمع، والبصر، والعقل، "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون" [النحل:78] ، والقرآن مملوء من الإرشاد إلى آيات الله الكونية في الأنفس والآفاق، فما أضل الجاهلين! وما أجهل الملحدين!.(2/335)
فتفكري أيتها السائلة في آيات الله، فإن التفكر الصادق طريق إلى المعرفة، "إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" [الرعد:3] فالتفكر في آيات الله الخلقية، وآيات الله القرآنية يزيد المؤمن إيماناً، ويقوي به اليقين، ويذهب الله به الوساوس الشيطانية، قال – سبحانه وتعالى-: "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار" [آل عمران:190-191] ، يعني: ما خلقت هذا العالم عبثاً ولا لعباً، بل خلقته بالحق لحكم بالغة، وبقدرة تامة، ومشيئة نافذة، وما دام -أيتها السائلة- أن الله قد وفقك للنظر فيما يُذكِر من الإعجاز العلمي في القرآن، وأنه حصل لك بسبب ذلك اليقين والإيمان بالله، وكتابه، ورسوله – صلى الله عليه وسلم-، ودين الإسلام، فهذه نعمة منَّ الله بها عليك، فإنه – سبحانه- هو الذي يمن على من يشاء بالهداية، ويؤتي فضله من يشاء، وهو الحكيم العليم، كما قال –تعالى-: "يهدي الله لنوره من يشاء" [النور:35] ،وقال –تعالى-: "ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكرَّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم" [الحجرات:7-8] .(2/336)
ثم اعلمي -أيتها السائلة- أن الخواطر التي ترد على القلب مما يعارض الإيمان بالله ورسوله – صلى الله عليه وسلم-، واليوم الآخر، لا تضر المسلم ما دام أنه يعلم أنها باطلة، ويبغضها، ويكرهها، ويتألم منها، والشيطان إذا عجز عن إضلال المسلم، وإخراجه عن دينه، اجتهد في أن يشوش عليه إيمانه بإلقاء الوساوس التي تزعجه، وقد جاء رجل إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: "إني أحدث نفسي بالشيء لأن أخرُّ من السماء أحب إلي من أن أتكلم به، فقال – عليه الصلاة والسلام-: "الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة" رواه أحمد (2098) من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما -، وفي لفظ آخر عند مسلم (132) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - قال له - صلى الله عليه وسلم-: "ذاك صريح الإيمان"، يعني: كراهة هذا الوسواس، وبغضه، والنفرة منه من صحة الإيمان، فمثل هذه الوساوس لا تضر المؤمن ما دام أنه ثابت على عقيدته، ثم إنه – صلى الله عليه وسلم- أرشد من خطرت له هذه الخواطر أن يستعيذ بالله من الشيطان، ويقول: آمنت بالله ورسله، وأن يعرض عن هذه الوساوس، ولا يشتغل بها، ولا يسترسل معها، بل يعرض عنها انظر ما رواه البخاري (3276) ومسلم (134) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وما رواه أحمد (21393) والطبراني في الكبير (3633) من حديث خزيمة – رضي الله عنه -.(2/337)
ومما يجب الإيمان به القدر، فإن الإيمان بالقدر أحد أصول الإيمان، ومعنى الإيمان بالقدر: الإيمان بأن الله علم كل شيء بعلمه القديم، وكتب ذلك، كما أخبر في كتابه، كما أن من الإيمان بالقدر الإيمان بأن كل ما يجري في هذا الوجود هو بمشيئته – سبحانه- وتدبيره، وأنه –تعالى- خالق كل شيء، فيجب مع الإيمان بالقدر الإيمان بحكمة الله، أن الله حكيم، يعني: له الحكمة البالغة فيما خلق وقدر في هذا الوجود من خير وشر، ومن حكمته –تعالى- ابتلاء العباد، يعني: اختبارهم؛ ليتبين المؤمن من الكافر، والمطيع من العاصي، والصادق من الكاذب، كما قال –تعالى-: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" [الملك:2] ،وقال –تعالى-: "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" [العنكبوت:2-3] ، فيجب الإيمان بأن له في كل ما يقدره حكمة بالغة، علمنا ذلك أو لم نعلم، بل ما يخفى على العباد من حكمته –تعالى- هو أضعاف أضعاف ما يعلمونه، بل ما يعملونه من حكمته في خلقه يسير جداً، فالعقول لا تحيط به علماً، قال –تعالى-: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" [الإسراء:85] ، وقال –تعالى-: "ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء" [البقرة:255] ، فإذا رأى الإنسان ما يتوهم منه أنه خلاف العدل فليتذكر كمال علمه، وحكمته – سبحانه-، ويتذكر مع ذلك قصور عقل الإنسان عن معرفة أسرار القدر، فالقدر سر الله، لا يعلم العباد منه إلا ما علمهم، ومعنى هذا أن على الإنسان أن يحسن الظن بربه، ويقرّ على نفسه بالعجز والقصور، هذا الأصل عند المؤمن أو المؤمنة، انزاحت عنه الشبهات لحكم الله وحكمته، فلا يستقر الإيمان إلا على مبدأ التسليم؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يدرك عقله كل شيء. ومما يدخل في ذلك أقدار الله الجارية على العباد مثل أنه – سبحانه وتعالى- يُضل ويهدي، ويُسعد ويشقي، ويُعز ويذل، ويُفقر ويغني،(2/338)
ويبتلي ويعافي، ويعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، كما يدخل في ذلك تنويعه للخلق، حيث خلق الطويل والقصير، والجميل والدميم، وفاضل بين العباد في عقولهم وحواسهم، وخلق – سبحانه وتعالى- الأضداد، فخلق الطيب والخبيث، والنافع والضار، كما خلق الملائكة والشياطين، والعقول قاصرة عن معرفة أسرار هذه الأقدار، فلا بد من التسليم لحكمته – سبحانه وتعالى- وعدله في تدبيره ثم إنه –سبحانه وتعالى- قد جعل هذه الحياة ميداناً للابتلاء، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب لهداية العباد، وإخراج من شاء – سبحانه وتعالى- من الظلمات إلى النور، قال –تعالى-: "كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد" [إبراهيم:1] ، وقد قضى بحكمته أن تكون السعادة والفلاح لمن أجاب المرسلين، واستقام على صراط الله الذي هو دينه، وهو دين الإسلام، وأن يكون الشقاء والضلال لمن كذب الرسل، وأعرض عن دعوتهم، قال – سبحانه وتعالى-: "قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى" [طه:123 – 124] .
فالناس أمام دعوة الرسل فريقان مؤمن وكافر، وتقي وفاجر، وقد أعد الله لأوليائه المتقين دار النعيم المقيم، وأعد لأعدائه الكافرين عذاب الجحيم، فهذه الدنيا دار الابتلاء ودار العمل، والدار الآخرة دار الجزاء قال تعالى: "فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" [الزلزلة:7، 8] ، وقال سبحانه: "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد" [آل عمران:30] .(2/339)
فأوصيك أيتها السائلة وكل مسلم بالجد والاجتهاد في طاعة الله مع سؤال الله الثبات، فإن العبد في ضرورة إلى هداية الله، ومن دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" رواه الترمذي (2140) وابن ماجة (3834) من حديث أنس - رضي الله عنه -، وأنفع الدعاء ما علمه الله عباده، وفرضه عليهم في كل صلاة، وهو ما في سورة الفاتحة: "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" [الآيتين:6-7] .
نسأل الله أن يمن علينا بالهداية إلى صراطه المستقيم؛ صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والله أعلم.(2/340)
الفرق بين الإرادة والمشيئة
المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 9/6/1425هـ
السؤال
أريد أن أعرف الفرق بين الإرادة والمشيئة في اللغة والدين.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الإرادة تنقسم قسمين: إرادة كونية قدرية، وهي لا تستلزم المحبة، ولا بد أن تقع، فكل ما يقع في هذا الكون من خير وشر، فهو بإرادة الله الكونية ومشيئته، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
وهناك الإرادة الشرعية، وهي تستلزم المحبة، فكل ما أراده الله شرعاً فهو يحبه ويرضاه، ولكن لا تستلزم الوقوع، فالله يريد الإيمان من الكافر، ولكن قد لا يقع.
والمشيئة هي الإرادة الكونية، ولا يعبر عن الإرادة الشرعية بالمشيئة. والله أعلم.(2/341)
الإنسان بين التسيير والتخيير
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 25/08/1425هـ
السؤال
هل الإنسان مُسَيَّرٌ أم مُخَيَّرٌ؟!
الجواب
الحمد لله، وبعد:
الملائكة والشياطين والإنس والجن، وجميع ما في هذا الوجود، كله خلق الله، وكله واقع بتقدير الله وقضائه ومشيئته وبقدرته، فالشياطين وأعمالهم، والكفرة وأعمالهم، لا خروج لأحد منهم عن مشيئته سبحانه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والله تعالى خلَق الخير والشر، وخلق هذه الأضداد لحكم بالغة، منها ما يظهر للعباد، ومنها ما يخفى عليهم، وهو الأكثر، فإن عقول العباد لا تحيط بما لله من الحِكم البالغة في شرعه وقدره، وقد جعل الله الملائكة والشياطين ضدين، فالملائكة عباد مكرمون مطيعون عابدون لربهم، يحبون ما يحبه الله، ويبغضون ما يبغضه، ويدعون إلى مراضيه، يحبون المؤمنين ويستغفرون لهم، والشياطين أشرار يحبون ما يبغضه الله، ويدعون إلى معاصيه والكفر به، ويحبون الكافرين ويؤذون المؤمنين، ولهذا فكل إنسان قد ابتلي بقرين من الجن يوسوس له ويزين له القبيح، وبقرين من الملائكة يزين له الخير ويدعوه إليه، ولهذا يُروى في الحديث: "إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ قَرَأَ: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) الْآيَةَ". أخرجه الترمذي (2988) من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- ورُوي موقوفا عليه.(2/342)
وأما هل الإنسان مخير أم مسير؟ فهذا اللفظ لم يرد في الكتاب ولا في السنة، بل الذي دلاَّ عليه أن الإنسان له مشيئة ويتصرف بها، وله قدرة على أفعاله، ولكن مشيئته محكومة بمشيئة الله كما قال تعالى: (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير:28، 29] . فليست مشيئته مستقلة عن مشيئة الله، ولفظ: مخير ومسير. لا يصح إطلاقهما، فلا يقال: الإنسان مسير. ولا يقال: إنه مخير. بل لابد من التفصيل، فإن أريد أنه مسير بمعنى أنه مجبور ولا مشيئة له، ولا اختيار، فهذا باطل، وإن أريد أنه مسير بمعنى أنه ميسر لما خلق له، وأنه يفعل ما يفعل بمشيئة الله وتقديره، فهذا حق، وكذلك إذا قيل إنه مخير وأريد أنه يتصرف بمحض مشيئته دون مشيئة الله، فهذا باطل، وإن أريد أنه مخير بمعنى أن له مشيئة واختيارًا وليس بمجبر، فهذا حق، وأوسع كتاب تضمن الكلام عن القدر ومراتبه وعن أفعال العباد كتاب (القضاء والقدر والحكمة والتعليل) للإمام ابن القيم- رحمه الله. والله أعلم.(2/343)
عبارة: (نجا من الموت بأعجوبة)
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 11/01/1426هـ
السؤال
فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم هذه العبارة، حيث إني أسمعها كثيرًا: (لقد نجا من الموت بأعجوبة؟) . وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الموت والنجاة من الموت الكل بقدر الله، ويكون بأسباب معتادة وغير معتادة، وهي من قدر الله، ولكن من الأسباب ما يكون غريبًا ونادرًا، فيكون مثارًا للعجب، فمعنى قول القائل: نجا من الموت بأعجوبة. يعني: بسبب عجيب ما كان منتظرًا ولا متوقعًا، وليس مراد من يقول ذلك أن ما حصل من النجاة كان بمجرد السبب، إذا قال ذلك من يؤمن بقدر الله، لكن على من قال ذلك أن يتذكر أن نجاته كانت بمشيئة الله، وأن السبب الذي نجا به كان بقدر الله، وآية من آيات الله، وعلى هذا فلا حرج في هذه العبارة. والله أعلم.(2/344)
هل ابتلاء الخلق يعارض الرحمة؟
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 18/05/1426هـ
السؤال
كيف نربط بين علم الله الأول بخلقه ورحمته وعدله وعذابه؟ وكيف نفسِّر رحمة الله وعدله، وهو إنما خلق العباد ليبتليهم، وهل الرحمة تعارض ابتلاء الخلق؟.
الجواب
يا أخي: ينبغي أن تعلم أصولاً في هذه المسألة:
الأول: أن كل ما يقع في هذا الكون من أفعال الله -تعالى-، ومن أفعال العباد، والتي هي بمشيئة الله -تعالى- جميع ذلك مرتبط بالحكمة التامة، فمشيئته تابعة لحكمته، فهو سبحانه أحكم الحاكمين، وهو يحكم لا معقب لحكمه.
الثاني: أن الله -تعالى- عدل يحب العدل، وعدله تعالى تام في أحكامه وأفعاله وقضائه، ولا يظلم ربك أحداً لكمال عدله سبحانه.
الثالث: أن أفعال الله -تعالى- لها غايات، وحكم، وعلل لا تعود إلى ذات المخلوق، ونظره وقياسه، بل هي عائدة وراجعة إلى علم الله -تعالى-، لم يوجب العباد عليه شيئاً، ولا يقاس الخالق بخلقه، لا قياس شمول ولا قياس تمثيل، وبالتالي فمنتهى رحمته هو منتهى علمه، قال تعالى: "ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً" [غافر:7] ،
ووجه رحمته كما يكون في من يثيبهم يكون أيضاً فيمن يعذبهم بعدله، ولا منافاة بين الرحمة والعدل، ألا ترى أن إيقاع العذاب والقصاص في الدنيا على من يستحقه هو عدل وكمال، وهو أيضاً رحمة له بالتطهير، ولغيره بكف شره، واستيفائهم حقهم منه، يقول ابن تيمية -رحمه الله-: (ومسألة غايات أفعال الله ونهاية حكمته مسألة عظيمة، لعلها أجل المسائل الإلهية) . منهاج السنة (3/39) .(2/345)
ويقول ابن قتيبة –رحمه الله-: (وعدل القول في القدر أن تعلم أن الله عدل لا يجور: كيف خلق؟ وكيف قدَّر؟ وكيف أعطى؟ وكيف منع؟ وأنه لا يخرج من قدرته شيء، ولا يكون في ملكوته من السماوات والأرض إلا ما أراد، وأنه لا دين لأحد عليه ولا حق لأحد قبله، فإن أعطى فبفضل، وإن منع فبعدل) .الاختلاف في النظر لابن قتيبة (ص 35) .
الرابع: أن منشأ ضلال الخائضين في القدر هو التسوية بين الإرادتين الكونية والشرعية، حيث اعتقدوا أن كل ما شاءه وقدَّره فقد أحبه ورضيه، فنفت الجبرية لذلك أفعال العباد، وسلبتهم الحرية والاختيار.
ونفت القدرية قدرة الله، وتقديره لأفعال العباد؛ لئلا يقع ويصدر منه تعالى الشرور والمعاصي التي هي أفعال العباد، وهذا غاية التحريف والانحراف في هذه المسألة الجليلة. وأهل السنة قاطبة على أنه تعالى خلق الأشياء كلها وقدَّرها، وأرادها، فأحب الطاعات والإيمان، والخير، وكره الكفر والفسوق والعصيان، قال تعالى: "إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم" [الزمر:7] ، وقال: "هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن" [التغابن:2] .
الخامس: أن أصل ضلال الخلق هو طلب تعليل أفعال الرب بعلل وحكم راجعة إليهم يحكمونها بآرائهم وأقيستهم العقلية، فما يرونه مجانباً للعدل في عقولهم يعللون؟ بوجوبه على الله تعالى، وأن عليه أن يفعل الأصلح، ومن هنا صار عامة القدرية الخائضين في القدر على طريقة التعليل صاروا مشبهة في الأفعال، يقول ابن تيمية – رحمه الله- في تائيته المشهورة: (وأصل ضلال الخلق من كل فرقة، هو الخوض في فعل الإله بعلّة) .
السادس: أن الحكمة تابعة للعلم والقدرة، فمن كان أعلم وأقدر كانت أفعاله أحكم وأكمل، والرب –تعالى- منفرد بكمال العلم والقدرة، فحكمته متعلِّقة بكل ما تعلّق به علمه وقدره، كما سبق ذلك في الأصل الأول.(2/346)
السابع: أنه لا يلزم من أثبت تعليل أفعال الله بالحكم والمصالح أن يعلم علة كل فعل وأمر، بل عليه أن يعتقد أن لله –تعالى- في جميع أفعاله حكماً جليلة – ظهرت لنا أو خفيت- فالله –تعالى- لم يطلع خلقه على جميع حكمه، بل أعلمهم بما شاء، وما خفي عليهم أكثر مما علموه.
ومن هذه الأصول وغيرها يتبين لك – أخي- أنه لا تضاد بين علم الله وقدره، وبين رحمته وعدله، وكون هذا من الغيب أو لا – كما في سؤالك-، فأقول لك: رحمة الله وعدله آثارها وأسبابها ودلائلها ليست غيباً، بل هي معلومة لنا في القرآن والسنة، وهي داخلة ضمن ما أمرنا بتدبره، وكذلك أسماء الله وصفاته ما يتعلق بمعانيها ودلالاتها، ومعرفة الله وعبادته بمقتضاها هي من الوجه المعلوم لنا، والمذكور في دلائل القرآن والسنة.(2/347)
أما الكيفيات لما سبق وتفاصيل الحكم والعلل والغايات، فهو ما لم نؤمر بمعرفته وتطلبه، بل بالعكس جاءت الأدلة بالمنع من ذلك، لا لأن العقل يحكم باستحالته وانتفائه وامتناعه، ولكن لأن العقل يحار فيه ولا يدركه ولا يطيقه، كما قال تعالى: "ولا يحيطون به علماً" [طه:110] ، فلا نحيط علماً بالله لا بذاته ولا بأسمائه، ولا بصفاته، ولا بأفعاله، ولا بأقداره، ولا بحكمه، يقول تعالى: "لا يُسأل عما يَفعل وهم يُسألون" [الأنبياء:23] ، وجاء النهي من النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الخوض بالقدر كما في قوله: " ... وإذا ذكر القدر فأمسكوا" أخرجه الحارث بن أبي أسامة (742-بغية) والطبراني في الكبير (10448) ، وحسَّنه العراقي وابن حجر والسيوطي، وصحَّحه الألباني، ولما خرج -صلى الله عليه وسلم- على الصحابة - رضي الله عنهم- يوماً وجد بعضهم يتنازعون في القدر، غضب غضباً شديداً حتى احمرّ وجهه، حتى كأنما فقئ في وجنتيه حب الرمان فقال: "أبهذا أمرتم أم بهذا أرسلت إليكم، إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه" أخرجه الترمذي (2133) من حديث أبي هريرة، وحسَّنه الألباني، وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- بلفظ: "لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم" أخرجه أحمد (206) ، وأبو داود (4710) ، والحاكم (1/159) .
وهذه الأدلة وغيرها محمولة عند أهل العلم على النهي عن الخوض بالقدر بلا علم، وثانياً: على الاعتماد في معرفة أسرار القدر على العقل البشري، وثالثاً: على البحث عن الجانب الخفي في القدر الذي هو سر الله في خلقه، ورابعاً: على الأسئلة الاعتراضية التي دافعها التعنُّت والتحكم على الله تعالى.(2/348)
وأخيراً: أسأل الله لي ولك العلم النافع، واليقين الصادق، ولعلك تقرأ مزيداً من ذلك في رسالة ابن تيمية: (أقوم ما قيل في القضاء والقدر والحكمة، والتعليل) ، وكتاب ابن القيم (شفاء العليل) ، والقضاء والقدر للمحمود، ومثله الدسوقي، وشرح تائية ابن تيمية وغيرها. وفقك الله.(2/349)
الاحتجاج على المعصية بالقدر والضعف البشري!
المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 15/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما هي عاقبة من يخطئ، وينسب الخطأ إلى قدر الله؟ كمن يزني ثم يقول: إنه ضعيف وزنى، وليس ذلك الخطأ كله مني؛ لأن الله جعلني ضعيفاً؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن من أصول الإيمان وأركانه الإيمان بالقضاء والقدر، خيره وشره، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، إلا أن ذلك لا يعني أن يرتكب الإنسان المعاصي والقبائح ويحتج بأن ذلك محض قدر الله عليه، فقد عاب الله على المشركين احتجاجهم على شركهم بقدر الله فقال: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} [الأنعام:148] فلو كان لهم حجة بالقدر على شركهم ما أذاقهم الله بأسه!.
فلا يجوز للإنسان أن يحتج بقدر الله على ما يرتكبه من ذنوب وقبائح صغيرة أم كبيرة، وينسب ذلك إلى الله تعالى، ومن نسب ذلك لله على جهة اللوم والاحتجاج به على الوقوع في المعاصي فقد افترى على الله الكذب، والله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [النحل: 116] .
وتتميماً للفائدة نذكر أن الاحتجاج بالقدر على قسمين:
القسم الأول: ممنوع: وهو الاحتجاج به على المعاصي لتبريرها، وتبرير الاستمرار فيها، فهذا لا يجوز، بل هو من فعل المشركين، وبعض العصاة، والصوفية الغلاة.(2/350)
قال الله تعالى عن المشركين: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النحل:35] .
وقال تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} [الأنعام:148] .
وقد جيء إلى عمر بن الخطاب بسارق، فقام ليقطع يده، فقال: يا أمير المؤمنين إنما سرقت بقدر الله، فقال له: ونحن إنما نقطع يدك بقدر الله.
ولما قال أبو عبيدة لعمر: أَفِِرَاراً من قدر الله؟ فقال: نَفِرُّ من قدر الله إلى قدر الله. أخرجه البخاري (5729) ومسلم (2219) .
القسم الثاني: مشروع: وذلك في حالين:
أ- الاحتجاج به على المصائب.
ب- الاحتجاج به على المعصية بعد التوبة منها، ومنه احتجاج آدم وموسى.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: "احتجَّ آدم وموسى، فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيَّبتنا وأخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخطَّ لك بيده، أتلومني على أمر قدَّره الله عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحجَّ آدم موسى، فحجَّ آدم موسى". ثلاثا رواه البخاري (6614) ومسلم (2652) .
ففي هذا الحديث:
أ- احتجَّ آدم بالقدر على المصيبة، وهي الخروج من الجنة، لا على الذنب الذي هو الأكل من الشجرة.
ب- أو أنه احتجَّ بالقدر بعد التوبة من الذنب؛ لدفع اللوم عنه، لا على الاستمرار في الذنب.
والخلاصة:
أنه يحتج بالقدر على المصائب لا على المعايب = (الذنوب) .(2/351)
كما أن هناك فرقاً بين من يحتج بالقدر على أمر قد مضى، وهو نادم على فعله، ويعزم أن لا يعود إليه، وبين من يحتج بالقدر ليبرر استمراره على المعصية، فالأول مقبول، والثاني لا يقبل.(2/352)
هل أعتبر ساخطة على القدر؟!
المجيب د. سليمان بن قاسم العيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 05/04/1427هـ
السؤال
أنا فتاة غير متزوجة أبلغ من العمر (21) عاماً, عانيت كثيراً من مسألة الزواج نظراً لمروري بثلاثة إحباطات متتالية, أخرج منها بخفي حنين، ما يتعبني حقيقة هو أني أخشى أن أكون من الساخطين على القضاء والقدر وهذا ما لا أطيقه, كيف يمكنني ضبط هذا الأمر بحيث لا أتجاوز حدودي.
أمر آخر هو أن الله سبحانه وتعالى يقول: "أنا عند ظن عبدي بي". ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل". فأنا عندما أرفع يدي بالدعاء، لا أشعر أني محسنة الظن بالله جل في علاه! حقيقة لا أعلم كيف هي مشاعري أحتاج إلى نصيحة ناصح منكم، ثم كيف لا أعجل؟ أشعر أني في دوامة.
كذلك بعد الثلاث إحباطات الآنفة الذكر أصبح لدي حالة من التبلد تجاه الدعاء والتضرع لله متضايقة جداً وحائرة ويكاد رأسي ينفجر.
أرجو منكم تفصيل الجواب ويعلم الله كم سبب لي هذا الأمر من معاناة وتعب وحيرة، بينوا لي كيف يتم الإيمان بالقضاء والقدر، وكيف يكون حسن الظن بالله، انصحوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أختي السائلة أسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولك التوفيق والسداد.
وما طرحتيه من التساؤلات دليل على ما في قلبك من الإيمان والخوف من الله سبحانه وتعالى.(2/353)
أما ما ذكرت في سؤالك الأول من خشية أن تكوني من الساخطين على القضاء والقدر، أقول لك: اعلمي أنه من طبيعة الإنسان أن يحصل له شيء من الضيق والحزن عندما لا يدرك مطلوبه، كما هي حالك في أمر الزواج، ولكن لا يعني ذلك أنه دليل على عدم الإيمان بالقضاء والقدر، اسمعي قول النبي –صلى الله عليه وسلم- عندما مات ابنه إبراهيم: "إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" رواه البخاري (1303) ومسلم (2315) . والنبي –صلى الله عليه وسلم- هو أكمل الأمة في الرضى بالقضاء والقدر، وعليه فإن الحزن الطبيعي ودمع العين لا يخل بالإيمان بالقضاء والقدر، ولكن الذي يخل به هو الجزع بمعنى شدة الحزن، والتلفظ بألفاظ لا تليق، أو تمزيق الثياب، أو ضرب الوجه ونحو ذلك، أما أنت فلم تذكري شيئاً من ذلك ولله الحمد.
أما سؤالك المتعلق بالدعاء، اعلمي أختي الفاضلة أن الله سبحانه وتعالى يقول: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" [غافر:60] . وقال سبحانه: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ" [البقرة:186] . فالله سبحانه وتعالى أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، فعلى الإنسان المؤمن إذا دعا الله سبحانه وتعالى خالصاً من قلبه، أن يستيقن أن الله سبحانه يستجيب دعاءه، فالله أرحم الراحمين، وهو أكرم الأكرمين.
ولكن لابد أن يعلم الداعي أن الاستجابة لا تعني حصول المطلوب فقط، بل لها صور ثلاث: فالله سبحانه وتعالى إما أن يعجلها له، وإما يدخرها له يوم القيامة، وإما أن يصرف عنه من الشر مثلها. فالداعي ربما يعلم بالحالة الأولى فقط، ولا يعلم بالحالتين الأخريين.
وأما معنى ما لم يعجل فقد فسرها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بقوله: "يقول دعوت فلم يستجب لي". صحيح البخاري (6340) ، وصحيح مسلم (2735) .(2/354)
وحسن الظن بالله سبحانه يكون في أمور كثيرة، تستيقنين بأن الله سبحانه وتعالى سيستجيب دعاءك وسيرحمك، وسيعافيك وسيرزقك، والله سبحانه وتعالى يقول: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ" [الزمر:53] . والله الموفق.(2/355)
ما الواجب تجاه من يسبّ الله؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الشرك الأكبر
التاريخ 1/6/1422
السؤال
ما حكم من سبّ الله؟
القضية أن شاباً يقول: إنّ هذا الرب الذي تعبدونه لا يفيد شيئاً، علماً أنه يقول هذا الكلام أمام مجموعة من الموظفين في العمل، ما الواجب علينا تجاه هذا الشخص؟
الجواب
سبُّ الله لونٌ من ألوان الكفر، فمن يؤمن بالله ويؤمن بربوبيته وعظمته، وبأنه خالقه وخالق كل شيء لا يسبه إلا أن يكون في غايةٍ من الانسلاخ من العقل والدين.
وإطلاق هذه العبارة، وهي ما ورد في السؤال: (أنّ هذا الرب الذي تعبدونه لا يفيد شيئاً) دالّّ على عدم الإيمان بوجود الله، وأنه إن كان موجوداً فإنه لا ينفع عابديه، فلا تجب عبادته، بل لا تليق عبادته؛ لأن من لا يفيد عابديه لا يحسن بالعاقل أن يعبده. ومثل هذا القول إنما يصحّ فيما يعبده المشركون من أصنام؛ حيث إنها لا تنفع عابديها، فلا تجلب لهم نفعاً ولا تدفع عنهم ضراً.
فالحاصل: أن هذا القائل إن كان يدَّعي الإسلام فهو (مرتدّ) ، ويجب على من يسمعه أن ينكر عليه، ويغلظ عليه في الإنكار، ويرفع أمره لمن يقيم عليه حكم الردّة. وأقل ما يجب مع الإنكار عليه بالقول وبيان أنّ هذا ردَّة؛ وجوب مقاطعته وعدم مجالسته، وإن بُلي الإنسان به في مكان عملٍ، فيجب الإعراض عنه، وعدم التسليم عليه، وعدم تلقيه بشيء من البِشر، وعدم استقباله بأي كلمة تدل على الهوادة معه؛ ليستشعر حقيقة جرمه، وشناعة ما قال، وهذا أقلّ ما يفعله المسلم مع من لا يرجو لله وقاراً.
نسأل الله السلامة والعافية، وأن يعيذنا من زيغ القلوب.(2/356)
الفروق بين الشرك الأكبر والأصغر
المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الشرك الأكبر
التاريخ 5/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ: ما هي الضوابط العامة في التفريق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الشرك الأكبر صاحبه خالد مخلد في النار، وخارج عن دائرة الإسلام، والشرك الأصغر صاحبه لا يخرج عن دائرة الإسلام، ولكن الشرك الأصغر بعضه أكبر من الكبائر، وضابط الشرك الأكبر صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال كالصلاة والذبح، والنذر، "قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" [الأنعام:162-163] ، والشرك الأصغر كيسير الرياء، والحلف بغير الله، وتعليق التمائم والتولة، وقول القائل لولا فلان لوقع كذا، والعطف بالواو مثل: أنا بالله وبك وهكذا، وما شاء الله وشئت، وفي حالات يصبح الشرك الأصغر أكبر؛ كمن يحلف بغير الله خائفاً من المخلوق أكثر من الله، فلا يحلف بغير الله كاذباً، ويحلف بالله كاذباً، ومن علق تميمة يعتقد فيها النفع استقلالاً من دون الله فهذا أيضاً شرك أكبر، والله أعلم.(2/357)
رمي الودع (التنبؤ بالغيب)
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الشرك الأكبر
التاريخ 15/5/1424هـ
السؤال
هل يجوز مجالسة أشخاص يتسلون برمي الودع (التنبؤ بالغيب) ؟ عن طريق رمي بعض القواقع وغيرها مع العلم بأنهم لا يؤمنون بها، وأيضا لا أشاركهم فيها، إنما أجالسهم وأشاركهم الضحك؟
الجواب
رمي الودع، أو الحجارة، أو الخط بالأرض، أو غيرها، من الطرائق التي يزعم وقوعها في مكان معين، أو إصابتها لهدف معين يدل على وقوع شيء في المستقبل من خير أو شر، كل ذلك من الكهانة المحرمة، وهي ضرب من ضروب الشرك، لأن علم الغيب من خصائص الربوبية وادعاؤه منازعة للرب في ذلك، يقول الله -تعالى-:"قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ" [النمل: من الآية65] ، وأما فعل ذلك على سبيل التسلية فلا معنى له بحال، فصاحبه إن سلم من الاعتقاد الشركي فهو على الأقل مشابهاً لأهله في الفعل الظاهر المحرم، والتشبه بأفعال الكافرين وأحوالهم محرم في الشريعة، ثم إن ذلك وسيلة متدرجة إلى التشكك في نتائجها المزعومة، وقد يصل إلى اعتقاده، والوسائل لها أحكام المقاصد، وبالتالي لا أرى لك مشاركتهم في هذه المجالس، قال -تعالى-:"وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً" [النساء:140] ، والذي أراه لك وفقك الله مناصحتهم والمساهمة في ملء وقتهم بما يفيدهم وينفعهم في دينهم ودنياهم، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(2/358)
الاستغاثة بالأموات شرك أصغر أم أكبر
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الشرك الأكبر
التاريخ 2/3/1424هـ
السؤال
هل يمكن أن تكون الاستغاثة بالأموات وطلب الدعاء منهم والنذر لغير الله من الشرك الأصغر؟ أم هي شرك أكبر على الإطلاق؟ وما هو الضابط في التمييز بين الشرك الأصغر والأكبر؟.
الجواب(2/359)
الحمد لله: الاستغاثة هي طلب الغوث برفع الشدة من نصر على عدو وتفريج كربة، أو جلب ما يضطر إليه العبد من ضرورياته، وذلك كله لا يجوز طلبه إلا من الله، فلا تجوز الاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، وأما الاستغاثة بالمخلوق الحي الحاضر فيما يقدر عليه فذلك جائز، والميت لا يقدر على شيء مما يطلب منه، فالاستغاثة به من فعل المشركين؛ لأن الاستغاثة به تتضمن طلب الحوائج منه شفاء، أو نصراً، أو رزقاً، أو ولداً، إذا كان الإنسان لا يولد له، وذلك شرك أكبر، وكذلك النذر، فالنذر يقصد منه التقرب من المنذور له، فالمسلم ينذر لله يريد التقرب إلى الله بما نذر، فإن كان طاعة وجب عليه الوفاء به، لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" البخاري (6696) ، إذاً فالنذر للميت تقرباً إليه كما ينذر المسلم لله فذلك شرك أكبر، وأما الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر، فالشرك الأكبر هو اتخاذ المخلوق نداً لله في العبادة، كما قال سبحانه وتعالى: "فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون" [البقرة: 22] ، وقال: "ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله" [البقرة: 165] ، وقال - صلى الله عليه وسلم- لابن مسعود - رضي الله عنه- لما سأله: "أي الذنب أعظم، قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك" البخاري (4477) ، ومسلم (86) ، وأما الشرك الأصغر فهو ما يكون في الألفاظ كقول الرجل: ما شاء الله وشئت، وكالحلف بغير الله، ومنه ما يكون بالقلب كالرياء وكالاعتماد على الأسباب، فذلك كله من الشرك الأصغر، جنبنا الله الشرك كله صغيره وكبيره، والله أعلم.(2/360)
الذبح في رجب لدفع أذى الجن
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الشرك الأكبر
التاريخ 06/07/1426هـ
السؤال
ما حكم من يذبح في شهر رجب من كل سنة بقصد دفع أذى الجن؟ ويدَّعي أنه يذبحها لله؟ علماً أنه إذا لم يذبح فإن الجن تؤذيه.
الجواب
الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وآله وصحبه، الذبح للجن من أنواع الشرك الأكبر، لأن الذبح لغير الله تعظيماً وتقرباً خوفاً أو رجاءً هو عبادة لغير الله، والذبح لله من التوحيد، كما قرن الله النسك والنحر بالصلاة في قوله: " قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" [الأنعام:162] ، وقال تعالى: "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" [الكوثر:2] ، فهذا الذي يذبح للجن هو مشرك، وإن زعم أنه يذبح لله، فالعبرة بالمقاصد وبالنيات، فإذا كانت النية باطلة وسيئة لم تنفع الدعاوى الكاذبة، فالله سبحانه وتعالى يعلم السرائر، وإذا كان يذبح للجن لأنه إذا لم يذبح لهم يؤذونه فليس هذا بعذر، بل عليه أن يستعين بالله ويستعيذ به من شرهم، ولا يطيعهم؛ فإنهم يؤذونه من أجل أن يعبدهم ويتقرب إليهم، وقد كان أهل الجاهلية يستعيذون بالجن فيتسلطون عليهم من أجل أن يلجؤوا إليهم كما قال تعالى: "وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً" [الجن:6] قال بعض المفسرين: "فزادوهم رهقا"، أي: زاد الجن الإنس خوفاً وذعراً، وقال بعضهم: زاد الإنس الجن كبراً وطغياناً، فالواجب على هذا الذي يذبح للجن أن يتوب إلى الله وأن يخلص الدين لله وأن لا يذبح إلا لله، وإذا صح توحيده كفاه الله شر أعدائه من الجن والإنس، فعليه أن يتوكَّل على ربه ويعتصم به، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، والله أعلم.(2/361)
وصف الله بالظلم
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الشرك الأكبر
التاريخ 16/7/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما ردكم على من يقول: (والعياذ بالله) إن الله ليس بعادل، إذ كيف يعذب الكافرين الذين نشأوا في بلاد الكفر على الكفر وماتوا عليه؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، له الحمد وله الملك وهو على كل شيء قدير، يفعل ما يشاء وهو الحكيم العليم، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لقد اقتضت حكمته - سبحانه وتعالى - أن يكون الخلق فريقين مؤمن وكافر، "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" [التغابن:2] ، ولو شاء سبحانه وتعالى لآمن من في الأرض كلهم جميعاً كما أخبر بذلك في قوله: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ" [يونس: 99-100] ، فمن آمن من الخلق فبمشيئته وفضله وحكمته، ومن كفر فبمشيئته وعدله وحكمته.(2/362)
فإنه تعالى يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلاً، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلاً، ولكنه سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعدما تقوم عليه الحجة الرسالية، فمن بلغته دعوة الرسول – صلى الله عليه وسلم – ولم يؤمن به ومات على ذلك دخل النار، ومن لم تبلغه دعوة الرسول – صلى الله عليه وسلم – ومات على حاله فأمره إلى الله، يحكم الله فيه يوم القيامة بعدله، قال – سبحانه وتعالى -: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً" [الإسراء: من الآية:15] ، وكل من يدخل النار يعترف بأنه قد جاءه النذير ولم يؤمن به، كما قال سبحانه وتعالى: "تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ
قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ" [الملك:8-9] .
وقال سبحانه وتعالى: "وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ" [الزمر:71] .(2/363)
فمن ولد في الإسلام ونشأ على الإسلام ومات على الإسلام فذلك من فضل الله عليه، ومن ولد في الكفر ونشأ على الكفر وقامت عليه الحجة وأصر على كفره ومات على ذلك كان من أهل النار، ومن ولد في الكفر ونشأ على الكفر ولم تبلغه الحجة لم تبلغه دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكما تقدم؛ حكمه حكم أهل الفترة، فقد جاء في أحاديث عدة أن أهل الفترة والمجانين والصم والبكم يمتحنون يوم القيامة بما يكشف حقائقهم، فإما أن يكونوا مطيعين فيكونون من أهل الجنة، أو عاصين فيصيرون إلى النار، والواجب على العبد خصوصاً من منّ عليه بالإسلام أن لا ينظر إلى القدر بل يؤمن بالقدر، ويؤمن بأن مشيئة الله نافذة، ولكن عليه أن يعمل ويأخذ بالأسباب، كما يصنع مثل ذلك في طلب الرزق واتقاء الأخطار، وطلب منافع الدنيا، وهكذا أمر الآخرة مبني على الأسباب، فعلى العبد أن يأخذ بأسباب السعادة والنجاة، ويحذِّر من أسباب الشقاء والهلكة، نعوذ بالله من الكفر بالله، ومن سوء الخاتمة، ونعوذ به من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، والله أعلم.(2/364)
ما يستوجب الكفر
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الشرك الأكبر
التاريخ 23/4/1424هـ
السؤال
الجمهور يقول إن المرء يكفر بالقول والفعل، وإن لم يعلم بأنه كفر. والنووي يقول إنه لا يكفر إلا بما يعتقده أو يفعله عالماً بأنه يوجب الكفر. فنرجو توضيح هذا الإشكال ومتى يعذر المرء بالجهل؟
الجواب(2/365)
الحمد لله، أصل الإيمان والإسلام تصديق القلب والإقرار بالشهادتين ظاهراً وباطناً، ومعنى هذا أن أصل الدين هو التوحيد والإقرار برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فكل ما ناقض واحداً من هذين الأصلين أو هما معاً فإنه كفر، ولو لم يعلم معتقده، أو قائله، أو فاعله أنه كفر، ما دام أنه يعلم تحريمه ومخالفته للشرع، فليس من شرط الحكم بالكفر على من ارتكبه أن يعلم أنه كفر، لكن الشرط أن يعلم أنه مخالف لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ونظير هذا أن من فعل كبيرة من كبائر الذنوب فإنه لا يعفيه من تبعة وعقوبة هذا الذنب أن يقول: لم أعلم أنها كبيرة، أو لم أعلم أنه تترتب عليها هذه العقوبة، وكل مسلم يعلم أن الاستهزاء بالقرآن أو الرسل - عليهم السلام - أنه حرام، فمن استهزأ بالله أو آياته أو رسوله - عليه الصلاة والسلام - فإنه كافر، ولو لم يعلم أن ذلك كفر، وكذا من سجد لصنم، فإنه يصير بذلك مشركاً، ولو لم يعلم أنه شرك مخرج من الملة، فلا يقبل منه أن يقول: ما ظننت أنه يصل إلى هذه الدرجة في التحريم، وأسباب الردة الاعتقادية والقولية والعملية كثيرة، فمن وقع في شيء منها عالماً عامداً كفر، لكن يعذر المكلف في الأسباب الظاهرة؛ كالأقوال والأفعال إذا أكره عليها، لقوله تعالى: "مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [النحل:106] ، وأما الاعتقادات الموجهة للكفر فلا يتصور الإكراه عليها، لأنه لا سلطان للبشر إلا على ما ظهر من الأقوال والأفعال، فالواجب الحذر من أسباب الكفر، وقانا الله منها وثبتنا على دينه إنه سميع الدعاء، والله أعلم.(2/366)
الوليمة والذبح في الدار الجديدة
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الشرك الأكبر
التاريخ 28/09/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
لي منزل جديد، نويت أن أقوم بوليمة شكرًا لله، وأقوم بذبيحة، فأجبرتني العائلة على ذبحها داخل المنزل طردًا للجن والعين، فما رأي الشرع في هذا الصنيع؟ وجزاكم الله عنا كل خير.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الذبح على اسم الله تبارك وتعالى عبادة وقربة لله، لقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ) [الأنعام:162،163] .
ونسكي: ذبحي. والذبح على اسم غير اسم الله كائنًا من كان شرك أكبر مخرج من الملة، وليس هناك مكان أفضل من مكان للذبح إلا ما ورد في الشرع كمكة- كرمها الله- والمشاعر المخصصة للهدي كمنى ومزدلفة وسائر الحرم. والله أعلم.(2/367)
دفع مال للاستسقاء
المجيب د. سعد بن ناصر الشثري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الشرك الأكبر
التاريخ 23/10/1424هـ
السؤال
أنا من منطقة عرفت بقلة العلماء، وأنا في حيرة من أمري في حكم دفع المال إلى من يدعي أنه يستسقي للناس، علماً أنه إذا دفع إليهم مالاً سقوا بإذن الله -عز وجل- وإذا لم يدفع لهم حصل الجدب وهلكت المواشي.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:(2/368)
فإن الله وحده هو الذي يتولى إنزال الأمطار، كما قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ" [الشورى:28] ، وقال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ" [لقمان: من الآية34] ، وقال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ" [الأعراف: من الآية57] ، وحينئذ فمن رغب في نزول المطر فعليه بدعاء الله سبحانه، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم-، والله كريم يجيب دعاء الداعين قال سبحانه: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" [غافر: من الآية60] ، ومن أسباب إنزال الله المطر كثرة الاستغفار مع البعد عن المعاصي، فإن المصائب تقع بسبب ذنوب العباد كما قال تعالى: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ" [الشورى:30] ، ومن ظن أن أحداً من البشر يتمكن بنفسه من إنزال المطر فإنه على ضلالة، واعتقاده هذا شرك في توحيد الربوبية؛ لأن إنزال المطر من أفعال الله وتقع بأمره سبحانه، وحينئذ فصرف شيء من المال لهذا الشخص ليقوم بإنزال المطر يعد عبادة له من دون الله؛ لأنه يدفع المال على جهة التذلل والخضوع مع الرغبة والرهبة، فتكون عبادة صرفت لغير الله، وهذا من الشرك الأكبر المخرج من دين الإسلام، قال تعالى: "قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ" [الرعد: من الآية36] ، وقال سبحانه: "قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ" [الزمر:64] ، وكان الرسل عليهم السلام يدعون أقوامهم إلى أن لا يعبدوا إلا الله، وكونهم إذا دفع لهم الماء نزل المطر، وإذا(2/369)
لم يدفع لهم المال حصل لهم الجدب، لا يدل على صحة فعلهم معه، بل هذا ابتلاء واختبار من الله ليعلم المؤمن الموحد الذي يتوجه إلى الله وحده ممن يكون مشركاً، ويدل على ذلك أن الدجال يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ومع ذلك فهو دجال كذاب يدعو إلى نار جهنم ويجب تكذيبه، وحرص المرء على سلامة آخرته بالتزام العقيدة الصحيحة أولى من فائدة دنيوية موهومة يحصل بها ضياع الآخرة والخلود في نار جهنم، قال تعالى: "إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" [المائدة: من الآية72] .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.(2/370)
هل تصح عبارة: (نحن أبناء الله، أو عيال الله) ؟
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الشرك الأكبر
التاريخ 29/10/1424هـ
السؤال
صرَّح إمام مسجدنا لصحيفة البلد:"نحن نؤمن أن كلنا أبناء الله". تعالى الله عما قال، ذهبت أنا وأخ للإمام ظانين أن المحرر كتب ما لم يقل، ولكن فوجئنا أنه قالها مستدلاً بحديث:"الخلق عيال الله".
ما صحة هذا الحديث؟ وما حكم التفوه بهذا القول؟ فحديثو العهد بالإسلام والراغبون بالتعرف على الإسلام سوف يأخذون عقيدة خاطئة بمجرد هذا اللفظ، وذكرنا له قوله تعالى في سورة المائدة (آية 18) فكان الرد أن أبناءه لا تعني أبناءه معتمداً على تفسير الطبري، وكذلك أبدى عدم قبوله بالتراجع عن هذا القول " نحن نؤمن أن كلنا أبناء الله ".
أيضاً سمى اليهود والنصارى إخوة، هل يجوز ذلك مستدلاً بنية أنهم إخوة في الإنسانية؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فجواباً عن سؤال الأخ الذي ذكر أن أحد الناس يقول:"نحن نؤمن أننا كُلّنا أبناء الله"، محتجاً بحديث: " الخلق عيال الله "، ويسأل أيضاً عن قول القائل عن اليهود والنصارى: إنهم إخوة للمسلمين، يعني ما سمّاه بأخوة الإنسانية.
أقول، وبالله التوفيق:
أما العبارة المذكورة:"نحن نؤمن أننا كلنا أبناء الله". فهي عبارة باطلة لفظاً ومعنى، فلفظُها لفظٌ شنيع، يوهم معنى هو أبطل الباطل، ومعناها -بأيّ توجيه- لا يصح، بل هي دعوى كاذبة.(2/371)
وصدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ يقول:"لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم" أخرجه البخاري (7320) ومسلم (2669) من حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه-، فهذه المقالة هي مقالة اليهود والنصارى التي كذَّبهم الله تعالى عليها، وردَّ عليهم لهذه الدعوى الباطلة منهم، فقال تعالى:"وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممّن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير" [المائدة: 18] .
قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها (2/529) : " قال تعالى رادّاً على اليهود والنصارى في كذبهم وافترائهم " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه " أي نحن المنتسبون إلى أنبيائه، وهم بنوه وله بهم عناية وهو يحبّنا " وفسَّر جمعٌ من السلف وأهل العلم قوله تعالى:" ألم تر إلى الذين يزكّون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثماً مبيناً" [النساء: 49-50] أن هذه الآية نزلت في اليهود والنصارى، لمّا قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، فرد الله تعالى عليهم هذا الثناء منهم لأنفسهم، ثم وصف هذه المقالة منهم بأنها افتراء للكذب على الله، وأنه كفى بمثل هذا الكذب إثماً واضحاً عظيماً.
وأما الحديث الذي احتجَّ به صاحب تلك المقالة، فهو حديث شديد الضعف، كما بين ذلك ابن عدي في الكامل (5/162) ، (6/341-342) ، (7/153-154) ، وابن حبان في المجروحين (2/238) ، والنووي في فتاويه (251) رقم (10) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (8/191) والألباني في السلسلة الضعيفة رقم (1900) .(2/372)
على أن لفظ هذا الحديث –أيضاً- يختلف عن العبارة التي ذكرها ذلك القائل؛ لأن العيال في اللغة مأخوذةٌ من عال يعول، بمعنى قام بالكفاية والمؤونة، فمعنى: " الخلق عيال الله ": أي أن الله –تعالى- هو الذي يقوم بأرزاقهم وما يُصلح شأنهم. هذا هو معناها اللغوي، دون تأويل، وإن كان هذا المعنى قد يخفى على بعض الناس اليوم؛ لاستعمالهم لفظ العيال عُرفاً بمعنى الأبناء.
وأمّا إطلاق القائل عن اليهود والنصارى بأنهم إخوة لنا في الإنسانية، فهي عبارةٌ خطيرةٌ تُخالف النصوص الكثيرة الصريحة في القرآن والسنة الدالة على البراءة من الكفار، كقوله تعالى " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " [المجادلة: 22] ، وقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" [المائدة: 51] .
أضف إلى ذلك أن لفظ الأخوة إنما يُطلق في اللغة على أخوة النسب القريب (الأخوة الأشقاء أو لأب واحد أو أم واحدة) ، أو على الصديق والصاحب، وكل هذه لا تنطبق على اليهود والنصارى لمن لا يمتُّ لهم بقربى النسب (كأن يكون أحد أبويه يهودياً أو نصرانياً أو كلاهما) .
ويطلق لفظ الإخوة في الشرع على أُخوّة الدين، كقوله تعالى: " إنما المؤمنون إخوة" [الحجرات: 10] ، وقوله –سبحانه-: " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين " [التوبة: 11] بل جاء الإسلام بإلغاء أخوة النسب التي تعني: النصرة والولاية مع اختلاف الدين، كما في الآية السابقة في سورة المجادلة، وكما في قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون " [التوبة: 23] .(2/373)
وعلى هذا فلفظ الأُخوة (الشرعي) لا يجوز إطلاقه على اليهود والنصارى، ولا على جميع أصناف الكفار، ولا يصح إطلاقه عليهم لغةً أيضاً.
ومَثَلُ هذا القائل: إن اليهود والنصارى إخواننا في الإنسانية، مَثَلُه مَثَل القائل: إن القرود والخنازير إخواننا في الحيوانية!!! فهل هذا يقوله أحد، أو يقبله أحد؟!! .
والله الهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.(2/374)
التبرك بما يوضع على قبور الصالحين
المجيب د. عبد الله بن محمد الغنيمان
رئيس قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الشرك الأكبر
التاريخ 26/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل بعض الناس الذين يقطعون من القماش الأخضر على قبور المشايخ والمؤمنين ويضعونها في معصمهم يجوز لهم هذا؟ وأيضا هناك شباب يضعون سلاسل من فضة أو ذهب في رقابهم فهل هذا مكروه أيضا؟. أرجو أن تفيدنا، وشكراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الذين يضعون القماش على القبور ثم يضعونها في أيديهم طلباً للبركة، فإنهم بذلك يقعون في الشرك، فطلب البركة من القبور والأماكن التي قد تكون مجالس لأحد الصالحين والجلوس فيها لطلب النفع هو الذي كان يفعله المشركون في اللات والعزى ونحوها.
وقد روى الإمام أحمد (21390) والترمذي (2180) وغيرهما بأسانيد صحيحة عن أبي واقد الليثي - رضي الله عنه- قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى حنين، فمررنا بسدرة وللمشركين سدرة ينوطون بها أسلحتهم، ويعفكون عندها، فقلنا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال - صلى الله عليه وسلم-: "الله أكبر هذا كقول قوم موسى -عليه السلام-:"اجعل لنا إلها كما لهم آلهة" [الأعراف: 138] ومعنى سدرة: شجرة، والسدر شجر النبق يستظل به، ومعنى ينوطون بها: أسلحتهم يعلقونها لأجل البركة، ومعنى يعكفون عندها: يجلسون طلباً للبركة أيضاً.(2/375)
شبهات في جواز دعاء الأموات
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الشرك الأكبر
التاريخ 22/10/1424هـ
السؤال
أرسل لي شخص رسالة للاستدلال على جواز دعاء الأموات، ولم أهتم في هذه الرسالة إلا لقصتين وردتا فيها: القصة الأولى حديث الرجل الأعمى الذي قال عنه بعض العلماء إنه صحيح وضعَّفه آخرون، وفي هذا الحديث أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يدعو، وفي الدعاء يقول: "يا محمد إني أسألك ... "، أليس هذا من دعاء الغائب؟ فالنبي - صلى الله عليه وسلم- لم يخبره أن يعود إليه للدعاء، فالظاهر أنه دعا في غياب النبي - صلى الله عليه وسلم- ولماذا يقول في دعائه يا محمد؟. أرجو الإجابة على أساس أن الحديث صحيح، فلا يكفي لمقارعة الصوفيين أن نقول إن الحديث ضعيف، لا سيما وقد صححه كثير من كبار العلماء مثل ابن تيمية.
والقصة الثانية: تتعلق بما ذكره ابن كثير في تفسيره للآية 64 من سورة النساء، حيث ذكر أن أعرابياً جاء إلى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وألقى بعض أبيات الشعر بطلب المغفرة من النبي- صلى الله عليه وسلم-، أليس هذا نوعاً من الشرك؟ لماذا أورد ابن كثير هذه القصة الفظيعة في تفسيره؟ وقد ذكر نفس القصة عند الحديث عن زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم- في الفقه كثير من العلماء مثل ابن قدامة والنووي في الأذكار. فلماذا يورد العلماء مثل هذه القصة الفظيعة ويسكتون عنها؟.
الجواب(2/376)
أولا: لا يتجه العبد بالدعاء إلا إلى الله؛ لأنه لا يقدر على الإجابة إلا هو سبحانه، وليس أهلا للإجابة إلا هو، فليس ذلك من اختصاص أي مخلوق لا نبي مرسل ولا ملك مقرب، فالله هو الذي يدعى وحده، وهو القادر على الإجابة وحده وله الأمر كله؛: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون" [النمل:62] ، فلا يدعى إلا هو سبحانه لا غائب ولا حاضر ولا حي، ولا ميت، ولذلك أمر العباد بدعائه وحده، كما في قوله سبحانه: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" [غافر:60] ، وما أمرنا بدعاء غيره، وقال سبحانه: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" [الأعراف:180] ، وقال تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" [البقرة:186] .
ثانياً: أما الحديث الذي ذكرته فما علمت ولا وجدت في كتب السنة التي بين يدي حديثاً بهذا اللفظ ولا بمعناه لا صحيحاً ولا ضعيفاً، ولا بد من إعادة النظر في نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- ونسبة قبوله إلى العلماء ابن تيمية أو غيره، أما إن كان المقصود الحديث الذي رواه الترمذي (3578) وصححه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- علم رجلاً أن يقول:"اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد يا نبي الله إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها اللهم شفعه في" فهو دعاء المسلم ربه متوسلاً به - صلى الله عليه وسلم- في حياته وحضوره، لا دعاؤه في مماته ومغيبه.
ثالثاً: مقارعة أهل البدع لا تكون بالرأي المجرد والمناظرات البعيدة عن النص، خاصة من ينتسب إلى الإسلام ويقر بالقرآن والسنة فإنه يجب أن تكون الأدلة منهما في مقدمة الجواب على كل بدعة؛ لأنه لا علم لأحد بالحق إلا بالكتاب والسنة، لذلك بعث الله الرسول - صلى الله عليه وسلم- وأنزل عليه القرآن - وإلا لا عبرة لأحد ولا لقوله بغير ذلك.(2/377)
ثم كيف يستدل المبتدع أو المخالف بنصوص ينسبها إلى الشرع ثم يقول أنا أريد الجواب من غير ذلك، هذا تناقض يدل على الجهل وفساد المعتقد والله الهادي إلى سواء السبيل.
أما القصة الثانية وهي: قوله "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم" [النساء:64] يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم- فيستغفرون الله عنده، ويسألوه أن يغفر لهم فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم ولهذا قال:"لوجدوا الله تواباً رحيماً" [النساء:64] ، وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي، قال كنت جالساً عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم- فجاء أعرابي فقال السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول:"ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر الله لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً"، وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول:
فطاب من طيبهن القاع والأكم *** يا خير من دفنت بالقاع أعظمه
فيه العفاف وفيه الجود والكرم *** نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيناي فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- في النوم فقال: "يا عتبى الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له"، فلا نوافق ما تدل عليه من دعاء الميت والاستشفاع به بعد موته وفي غيابه، ولا ما تضمنته الرؤيا من أن الله غفر له بهذه الأبيات، وندعو الله أن يعفو عنا وعن ابن كثير - رحمه الله- وغيره ممن ذكرها، وليس لنا محاسبة هؤلاء الفضلاء الذين يجتهدون في ترغيب الناس في الإقبال على الله والتزام شرعه، وإن أخطأوا في اتخاذ الوسيلة الموصلة إلى ذلك، بل نأخذ ما وافق الشرع وندع ما خالفه، وقد أشار ابن كثير - رحمه الله- إلى أنها حكاية من الحكايات المنامية، ولم يبن عليها حكماً في التوسل أو الدعاء والله الهادي إلى سواء السبيل.(2/378)
بيع الأحجار الكريمة لمن يصنع منها أصناماً؟
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الشرك الأكبر
التاريخ 17/05/1425هـ
السؤال
أنا من الصين (إيغور) ، في بلادنا تجار يشترون (اليشم اليشف) (الحجر الكريم) ، فيبيعونها إلى الكفار، فيصنعون منها الأصنام، يقولون -أي تجار اليشم-: لا يصنعون الأصنام من الكل، بل يصنعون من الكبار، ويصنع من سائره زينة للمرأة والدار, إنما يصنعون 60% تقريباً، فبدا لي أن أسألكم ما حكم هذه التجارة؟ -جزاكم الله خيراً-والسلام عليكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
بيع هذا الحجر للكفار الذين يصنعون منه الأصنام لا يجوز؛ لقوله -تعالى-: "ولا تعانوا على الإثم والعدوان" [المائدة: 2] وليس هناك ذنب أعظم من الشرك، وقد كان كثير من الصحابة - رضي الله عنهم- يحرمون بيع العنب لمن يتخذه خمراً، وفتاويهم في ذلك مشهورة. ولا يجوز بيع هذا الحجر حتى لو كان يُصْنَع من بعضه أصنام، ومن بعضه الآخر زينةً للنساء؛ لأنه لا يمكن أن يميز بعضه عن بعض، أما إذا كان البائع يعلم أنه لزينة المرأة فقط لا يصنع منه أصنام فهنا يجوز، ولا حرج - إن شاء الله- والله أعلم.(2/379)
طلب العون من غير الله تعالى
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الشرك الأكبر
التاريخ 4/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
عندي سؤال عن جواز طلب العون من غير الله من مثل الأنبياء والأولياء باعتبار كونه من الشرك، لقد سألت أحد المشايخ عن ذلك فأجابني بقوله: ليس من الشرك طلب العون من النبي - صلى الله عليه وسلم- أو الولي، ففي سورة الفاتحة أمرنا بشيئين: عبادة الله وحده، ثم طلب الاستعانة بالله، فليس هناك من يستحق العبادة إلا الله، ولكن بالنسبة للاستعانة فهناك استعانة حقيقية وأخرى مجازية فنحن نؤمن أن المعين الحقيقي هو الله، ولكن الاستعانة بالنبي والولي هي استعانة مجازية، وهم يعينوننا بعون من الله. ما هي وجهة نظركم فيما ذكره هذا الشيخ؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب(2/380)
الحمد لله، قال الله – عز وجل-: "إياك نعبد وإياك نستعين" أي: لا نعبد غيرك ولا نستعين بغيرك، وقال – صلى الله عليه وسلم- لابن عباس – رضي الله عنهما-: "إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ... " الترمذي (2516) ، وأحمد (2664) ، وقال الترمذي حسن صحيح، والأمور التي يطلب العون فيها نوعان منها ما لا يقدر عليه إلا الله فهذا لا تجوز الاستعانة فيه إلا بالله كمغفرة الذنوب، والنجاة من النار، والتوفيق للإيمان، وصلاح الأولاد، وتيسير الأمور، ومنها ما يقدر عليه المخلوق، كإعانة الإنسان في حمله على دابته، أو حمل متاعه عليها كما في الحديث: "وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه ... الحديث" البخاري (2707) ، ومسلم (8009) ، وكدلالة الإنسان على الطريق، ومن ذلك التعاون على البر والتقوى، ويدخل في ذلك التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر. والنبي والولي هما من البشر، فهما في الحياة يقدران على بعض الأمور، يقدران على الجهاد وعلى نصر المظلوم، والدعاء للمؤمنين عموماً وخصوصاً فتجوز الاستعانة بهم في مثل هذه الأمور ما داموا في الحياة وأما بعد الموت فإنهم لا يقدرون على شيء من ذلك، فلا يجوز طلب الدعاء منهم، ولا طلب قضاء الحوائج، فلا يقدرون على نصر مظلوم، ولا على جهاد عدو، ولهذا عدل الصحابة – رضي الله عنهم- بعد موت النبي – صلى الله عليه وسلم- إلى الاستسقاء بالعباس – رضي الله عنه-، فكانوا في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم- يستسقون به كما قال عمر – رضي الله عنه-: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا – صلى الله عليه وسلم- فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون"، ولم يكن أحد من الصحابة – رضي الله عنهم- يأتي إلى قبر النبي – صلى الله عليه وسلم- يسأله الدعاء أو حاجة من الحوائج.(2/381)
فقول هذا الشيخ إن الاستعانة نوعان: حقيقية ومجازية، وأن الاستعانة بالأنبياء بعد موتهم استعانة مجازية، قوله هذا باطل لأنه يتضمن جواز الاستعانة بالنبي والولي بعد موتهما، وهذا هو عمل المشركين الذين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين، ويطلبون منهم قضاء الحوائج، فهذا الشيخ شيخ ضلالة فيجب الحذر من الاغترار بأقواله وتمويهه، حيث زعم أن الاستعانة نوعان: حقيقة ومجازية، والصواب أن الاستعانة بالله حقيقية، والاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه استعانة حقيقية، ولكن إعانة المخلوق للمخلوق ما هي إلا سبب من الأسباب فلا يتم بها المراد إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى فيجب الفرق بين حق الله وحق المخلوق، وقدرة الله، وقدرة المخلوق، فالله على كل شيء قدير، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأما المخلوق فقدرته محدودة، فقد يشاء ما لا يكون وقد يكون ما لا يشاء، فالأمر كله لله، والملك بيده، والخير بيده، وهو الذي يعطي ويمنع لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع. والله أعلم.(2/382)
الذبح في المقابر
المجيب عبد الرحمن بن عبد الله العجلان
المدرس بالحرم المكي
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الشرك الأكبر
التاريخ 16/05/1425هـ
السؤال
هل يجوز الذبح في المقابر بحجة صلة الميت؟ وهل يعتبر شركاً؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
لا يجوز الذبح في المقابر بأي حجة، وإذا ذبح على اسم الميت للتقرب إليه فذلك شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام؛ لقوله تعالى: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له" [الأنعام: 162-163] ، وإذا لم يكن بهذه الصفة فهو وسيلة إلى الشرك، فلا يجوز. والله أعلم.(2/383)
طاعة ولي الأمر
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الحكم بغير ما أنزل الله
التاريخ 20/3/1423
السؤال
هل رئيس الجمهورية له حق الطاعة بالرغم أنه لا يعمل بشريعة الإسلام؟ وما العمل إذاً للعودة بالعمل بها؟ أرجو رد فضيلتكم؛ لأن هذا الموضوع قد أثار جدلاً وخلافات بين جميع طلاب الجامعة عندنا.
الجواب
كل رئيس أو حاكم لا يحكم بشريعة الله فهو كافر؛ لقوله -تعالى-: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" [المائدة:44] ، وقوله: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" [النساء:65] ، وليس لمن هذه حاله ولاية شرعية على مسلم "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا" [النساء:141] ، هذا جواب مجمل لشخص غير معين.
أما إذا أريد تطبيق هذا الحكم على شخص بعينه يحكم بغير ما أنزل الله ففي الأمر تفصيل لا يخلو من ثلاث حالات، هي:
1-إذا كان يحكم بغير ما أنزل الله من القوانين الوضعية وهو يعلم حكم الله في مسألة أو مسائل، ويرى أن الحكم فيها بما أنزل الله لا يصلح لهذا الزمان فهو كافر كفراً أكبر ينقله عن الملة وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم؛ لأن لسان حاله أو مقاله رد لحكم الله، وقد نصب نفسه مشرعاً معه -سبحانه-.
2-وإن حكم بغير ما أنزل الله في أمر ما وهو يعلم حكم الله، ويرى أن حكم الله وحكم غيره من المتبعين للطاغوت سواء وهو بالخيار له الأخذ بأحدهما مما يراه ينفع نفسه أو ينفع الناس في زعمه، فهو كافر كفراً أكبر كالذي قبله تماماً.(2/384)
3-إن حكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أن حكم الله أصلح للخلق في دينهم ودنياهم، وإنما حكم بخلافه متأولاً، أو مجبراً، أو مكرهاً، أو لشهوة عنده فمن هذه حاله لا يكفر كفراً ينقله عن ملة الإسلام وهو مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب وهذا الذي يسميه العلماء كفراً دون كفر.
والصنفان –الأول والثاني- لا يجوز للمسلمين أن يقبلوا ولايتهم بحال، وهم آثمون بذلك.
أما الصنف الثالث فواجب المسلمين نصحهم وتوجيههم والإنكار عليهم، وإن استطاع المسلمون عزلهم وتعيين من هو أصلح منهم جاز لهم ذلك بشرط أمن الفتنة من سفك دماء، أو انتهاك أعراض، أو إهدار أموال، وإذا لم يكن تولية حاكم أصلح من هذا فيجب أن يسمع له ويطاع ما لم يأمر بمعصية الله؛ لحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب في الصحيحين (البخاري (2955) ومسلم (1839)) : "السمع والطاعة على المرء فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية الله فإن أمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة". وينبغي التنبيه إلى أن كلاً من المشرع –الواضع- للقوانين الوضعية، والمدافع –المحامي- عنها هما والحاكم بها سواء بسواء، بل إن المشرع والمدافع عنها بالباطل أعظم جرماً وكفراً من الحاكم بها.(2/385)
وحديث عبد الله بن عمر أصل من أصول الحكم حدد فيه الرسول –صلى الله عليه وسلم- سلطة الحاكم على المحكوم، وحفظ للمحكومين دينهم وعزتهم أمام الحاكم وغيره، والمراد بالمعصية في الحديث، هي: المعصية الصريحة الواضحة المنصوص عليها في الكتاب أو السنة، وليست المعصية –المختلف فيها- التي يتأولها الآمر أو المأمور ويتحايل كل منهما ليبرر معصيته، وكثير من الحكومات اليوم –التي تحكم بالقوانين الوضعية- تأمر شعوبهاً أفراداً أو جماعات بأعمال تسير بها حياة الناس كوضع أنظمة للمرور وقوانين السفر والتجارة والصناعة ... إلخ، مما فيه مصلحة ولا يخالف نصاً صريحاً في القرآن أو السنة، وتلزم بها الناس وتعاقب من يخالفها أو يخرج عليها بعقوبات مالية أو بدنية، ففي مثل هذه الحال يجب على الناس السمع والطاعة؛ لأنهم لم يؤمروا حينئذ بمعصية وإنما أمروا بطاعة، ولكننا -مع الأسف- نجد كثيراً من الناس ومن الشباب خاصة لا يطيعون فيما أمروا به في هذا إذا لم يوافق هواهم أو رغبتهم، بل إن بعض الناس يجتهد في التقصير في أداء ما أمر به بالخروج على هذه النظم قربة إلى الله –سبحانه-! وهذا فهم سقيم وتأول فاسد ترده النصوص الشرعية كحديث عبد الله بن عمر هذا، وحديث عبادة بن الصامت في الصحيحين (البخاري (7199) ومسلم (1709)) : "بايعنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وأثرة علينا ما لم نؤمر بمعصية فإذا أمرنا بمعصية فلا سمع ولا طاعة"، ومعناه: أن الصحابة بايعوا رسول الله أن يسمعوا ويطيعوا لمن سيتولى أمرهم على مر الزمان وجميع الأحوال من قوة، أو ضعف، أو محبة، أو كراهية، أو جور، أو عدل ما لم يؤمروا بمعصية واضحة وصريحة، فهذه النصوص النبوية وأمثالها ترد هذه التأولات والتخرصات، ثم لو أخذ بها لسادت المجتمع الفوضى، وانتشر فيه الظلم والتعدي بين الناس، وانتهكت فيه الأعراض، وسلبت فيه الأموال....إلخ.(2/386)
وحين نقول: يجب أن يسمع ويطاع لمثل هذا الحاكم الآمر، لا يعني أنه عادل في حكمه هذا، بل قد يكون ظالماً متعدياً، كما يحتمل أن يكون المحكوم -المأمور- ظالماً أو مظلوماً، والظلم من كل أحد وعلى كل أحد حرام: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماًَ فلا تظالموا" مسلم (2577) ولكنه حرام على الآمر فقط، أما المأمور فيجب عليه التنفيذ حيث لم يؤمر بمعصية، ثم إن الظلم في مثل هذه الأمور المتأولة أمر تقديري تختلف فيه الأنظار والآراء والغالب أن المأمور ينظر لنفسه ويحكم لها؛ لأنه ربما يرى أنه مهان فمن النادر أن يكون تقديره للظلم الواقع عليه صواباً.
ومما يلاحظ في عامة النصوص التي تأمر بالسمع والطاعة في غير معصية أنها لم تذكر أو تقيد صفة هذا الآمر هل هو كافر صريح، أم متأول، أم مسلم ظالم، أم فاسق، فقد يأمر الحاكم الكافر الصريح في كفره بعض المسلمين بأمر ليس فيه معصية لله، كما هو الحال في الأقليات المسلمة في ديار الغرب، حيث يطالب المسلمون بالتقيد بأنظمة وقوانين تلك البلاد الكافرة، وقل مثل ذلك في كثير من المسلمين في البلاد العربية والإسلامية التي تحكم حكوماتها بالقوانين الوضعية، مع الحكم بالشريعة في الأحوال الشخصية مثلاً المسلمون وإن لم يكونوا أقلية في ديارهم لكنهم مضيق عليهم فلا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، بل ربما منعوا من رفع دعواهم إلى المحاكم لرفع الأذى والظلم عنهم، فحال الأقليات المسلمة في ديار الغرب وحال المسلمين المستضعفين في ديارهم سواء بسواء، فواجب الجميع السمع والانقياد إذا أمروا بطاعة، ويجب عليهم الإنكار أو الامتناع والرفض إذا أمروا بمعصية.
وأخيراً أنصح السائل وإخوانه بالابتعاد عن الخلاف والجدل فيما لا طائل تحته ولا ينتج ثمرة، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه. آمين.(2/387)
الحكم بالقوانين الوضعية
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الحكم بغير ما أنزل الله
التاريخ 24/12/1424هـ
السؤال
هل هناك فرق في الحكم بين الحاكم بالدستور الوضعي كالقضاة والحكام وبين المشرع للقوانين المخالفة للشريعة؟
هل يكفي سن قانون واحد مخالف للشريعة أو الحكم به في القضاء أو الاقتصاد أو السياسة الخ ... للحكم بخروج المشرع أو الحاكم من الإسلام؟
وهل يخرج النظام المبني أصلاً على الشريعة من كونه نظاماً إسلامياً له السمع والطاعة بسبب هذا القانون، أم أن شرعيته تبقى رغم ما فعله المشرّع أو الحاكم؟
كيف نترجم عملياً الكفر بالدساتير الوضعية والمشرعين لها والحاكمين بها، هل يجب التصريح اللساني بذلك أم أن الكفر القلبي بهم يكفي لتطبيق الآية: "فمن يكفر بالطاغوت.." الآية خاصة إذا علم ما سيؤدي إليه التصريح بالبراءة منهم من الضرر؟ ومتى يجب التغيير بالخروج؟
الجواب
الحكم بغير ما أنزل الله كفر، كما هو صريح القرآن الكريم قال الله -تعالى-: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" [المائدة: 44] وقال -تعالى-:"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما" [النساء: 65] وقال -تعالى-: "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون" [المائدة: 50] وكل من حكم بغير ما أنزل الله فحكم الجاهلية.
ولكن هذا الكفر يختلف باختلاف حال الحاكم، فإن كان هذا الحاكم ممن يحكم بالشريعة في سائر أحكامه، ملتزم بالحكم بما أنزل الله إلا أنه في قضية معينة ولغرض معين حكم فيها بغير ما أنزل الله مع علمه بحكم الله -تعالى- فيها، واعتقاده بعدم جواز فعله ذلك فهذا كفر أصغر من كبائر الذنوب.(2/388)
أما حالات تشريع القوانين المخالفة لحكم الله ورسوله والالتزام بها وإلزام الناس بالتحاكم إليها فهذا تبديل لشرع الله وتغيير لأحكامه، وهذا كفر أكبر لا شك في ذلك.
والحكم يشمل من سنّ تلك القوانين "المشرّع" ومن حكم بها، ومن ألزم الناس بالتحاكم إليها ومن رضي بالتحاكم إليها.
أما الذي يحكم بالشريعة في مجمل أحكامه لكنه يحكم في بعضها بالقوانين المخالفة لشرع الله -تعالى- فهذا حال المنافقين الذين قال الله -تعالى- عنهم: "وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون" [النور: 48-51] .
أما موقف المسلم من القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية فهو رفضها وإنكارها والتحذير من الحكم بها أو التحاكم إليها، والسعي بقدر المستطاع لإيجاد المحاكم الشرعية التي تحكم بين عباد الله بما أنزل الله.
وإذا كان بين مسلميْن خصومة في بلد لا توجد فيه محاكم شرعية، فعليهما أن يصطلحا بينهما، أو يختارا عالماً شرعياً يحتكمان إليه ويرضيان بحكمه.
وإن أُجبر المسلم بالتحاكم إليها كأن يكون هو المدعى عليه فالضرورة لها أحكامها.
بقي أن نشير إلى أن الآية المذكورة ليست خاصة في الحاكم بغير ما أنزل الله، وإن كان من رؤوس الطواغيت، وإنما تشمل نفي الإلهية عما سوى الله، فالآية:"فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله" [البقرة: 256] هي تفسير كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله) ومعناها البراءة من كل معبود سوى الله، وإثبات العبادة لله وحده. والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(2/389)
الحكم بغير ما أنزل الله
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الحكم بغير ما أنزل الله
التاريخ 26/11/1422
السؤال
استناداً إلى الآية الكريمة التي تقول (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ما هو موقف الشرع في الحاكم المسلم الذي لا يحكم شرع الله؟ أفيدونا، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحكم بغير ما أنزل الله فيه تفصيل، فمنه ما هو كفر أكبر وهذا هو الأصل، ومنه ما هو دون ذلك من كفر المعصية ونحو ذلك، والآية الكريمة عامة تشمل هذا وذاك.
أما الحاكم المسلم الذي لا يحكم بشرع الله (وهو الذي يوجه إليه السؤال) :
فإنه إن حكم بغير ما أنزل الله معرضاً عن دين الله عمداً من غير تأويل ولا إكراه، ولا نحوه من العوارض العاذرة فهو كافر كفراً أكبر -نسأل الله العافية-.
أما إن حكم بغير ما أنزل الله عن جهل، أو إكراه، أو تأويل، أو نحو ذلك من العوارض فهو مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، وكفره كفر غير مخرج من الملة وهو ما يسمى بالكفر الأصغر، أو كفر دون كفر على نحو وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- النياحة والطعن بالأنساب بأنها كفر، ومعلوم أنها لا تخرج من الملة، بل هي من كبائر الذنوب، والله أعلم.(2/390)
الفرق بين الأنظمة الإدارية والقوانين الوضعية
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الحكم بغير ما أنزل الله
التاريخ 25/7/1424هـ
السؤال
ما هو الضابط للتفريق بين الأنظمة الإدارية وبين الأنظمة التي تعد من باب تحكيم القانون الوضعي؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فلا شك أن هذه المسألة من المسائل التي قال فيها ابن القيم - رحمه الله -: (هذا موضع مزلة أقدام، ومضلة أفهام، وهو مقام ضنك، ومعترك صعب، فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق، وجرؤوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة إلى غيرها، وسدوا على أنفسهم طرق صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له، وأفرطت طائفة أخرى قابلة هذه الطائفة فسوقت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - الطرق الحكمية ص 13 - 14، وقال: (وكلا الطائفتين أبانت عن تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله - عليه السلام - وأنزل به كتابه، وأنا أقول فيها برأيي وما أراه الحق فإن كان صواباً فالحمد لله وإن كان خطأ فأستغفر الله، والله تعالى بريء من ذلك ورسوله - عليه السلام - ودينه وشرعه.
وأقول التشريع الإلهي اسم ينتظم كل ما شرع الله من العقائد والأعمال في كتابه العزيز، أو في سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم نصاً أو دلالة) .(2/391)
وهذا شامل لكل ما العباد بحاجة إليه في شؤون حياتهم الدينية والدنيوية من حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال، كما قال تعالى: "ما فرطنا في الكتاب من شيء" [الأنعام: 38] وهذا التشريع بهذا المعنى هو خالص من الله تعالى لا يجوز أن ينازع فيه ولا يقتصر على موضوع دون آخر فإن الله تعالى قد أراد أن تكون شريعته هي المهيمنة، وأن لا يخرج عنها البشر في اجتهاداتهم أو تدابيرهم أو تنظيماتهم، وهي بهذا المعنى ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ولا يعني هذا أن تنطق النصوص الشرعية بكل شيء، بل الشرط أن لا تخالف، فإن خولفت على سبيل الاستقلال عنها المضاهي لها كان ذلك تشريعاً وضعياً اعتدى صاحبه على حق الله تعالى، والتنظيمات الإدارية وهي ما يسمى عند المتقدمين بالتراتيب الإدارية والأحكام السلطانية والسياسية الشرعية فهي الإجراءات التنفيذية والاجتهادات البشرية لتحقيق تنفيذ التشريعات الإلهية والمصالح الشرعية، فالتشريع لله بهذا المعنى ملزم لا يجوز به الاجتهاد ولا يسوغ فيه الخلاف بخلاف التنظيمات الإدارية فهي خاضعة للاجتهاد البشري المتغير والخلاف، والتغيير فيها سائغ حسب الزمان والمكان والحال، وهذه التنظيمات تأخذ الصبغة الشرعية من حيث إنها لا تكون إلا فيما أباح الله تعالى وسكت عنه، وفوض البشر للاجتهاد لتحقيقه، وأنها لا تخالف ولا تضاهي التشريع الإلهي في أي صورة من صور المضاهاة والمخالفات، وعليه فحكمها أن ما كان منها محقق لما دل عليه الشرع وإن لم ينطق به وغير مخالفٍ له فهذا يعمل به، وما كان منها مخالف للشرع فهذا لا يجوز العمل به ولا تسويغه. والله أعلم.(2/392)
اليمين الدستوري
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الحكم بغير ما أنزل الله
التاريخ 11/6/1424هـ
السؤال
يا شيخ بارك الله فيك نحن طلبة علم ونسألك ما حكم رجل يجلس أمام حاكم يحكم بغير ما أنزل الله، ويضع هذا الرجل المصحف بين يديه، والدستور (الذي يحكم بغير الشرع) أمامه ثم يقول العبارة التالية:
(أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للوطن والأمير، وأن أحترم الدستور وقوانين الدولة وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله، وأؤدي أعمالي بالأمانة والصدق ... ) ؟
وقد قال هذا القسم مختاراً من غير إكراه ولا جهل معتبر ولا تأويل سائغ، ويقول هذا القسم أمام الملأ: والسؤال هنا هل هذا المقسم مؤمن بالطاغوت كافراً بالله أم كافر بالطاغوت مؤمناً بالله، ظاهر؟ إذ لا شأن لنا بما يعتقده في قلبه، وما حكم من يرضى بهذا القسم ولم يقسم؟ وجزاك الله خيراً ونسأل الله أن ينفع بكم الأمة.
الجواب
إذا أريد الحكم الشرعي على حاكم معين لا يحكم بشرع الله فيجب أن يعلم حالة ذلك الحاكم من حيث الإيمان بشرع الله أو ضده، ولهذا لا تخلو حال الحاكم بغير ما أنزل الله من ثلاث حالات:
الأول: أن يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعلم حكم الله في هذه المسألة المعينة، ويرى أن حكم الله لا يصلح لهذا الزمان فهذا كافر كفراً أكبر ينقله عن ملة الإسلام.
الثانية: إذا حكم الحاكم بغير ما أنزل وهو يعلم حكم، الله ويرى أن حكمه سبحانه وحكم غيره من القوانين البشرية سواء، وله أو لغيره أن يختار أي الحكمين فهو كافر كالذي قبله سواء بسواء.(2/393)
الثالثة: إذا حكم الحاكم بغير ما أنزل، وهو يعتقد أن حكم الله هو أصلح للعباد في دينهم ودنياهم، وإنما حكم بالقانون الوضعي لجهله بحكمه، أو لتأوله بأنه لا يخالف الشرع لشهوة شخصية ففعله هذا كبيرة من كبائر الذنوب، وهو معصية تقرب من الشرك ولكن لا يكفر بها، وهي عند أهل العلم،: كفر دون كفر، وهذا النوع الثالث عليه أكثر حكام المسلمين اليوم، ومعلوم في القواعد الشرعية المقررة: أن المؤاخذة والتأثيم لا تكون بمجرد المخالفة ولكن بتحقق القصد إليها، فالمتأول في حقيقة الأمر مخطئ غير متعمد للمخالفة، بل هو يعتقد أنه على حق وموافق لشرع الله قال تعالى: "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ" [الأحزاب: من الآية5] ، وهذا عام في كل خطأ وقد ثبت في صحيح مسلم أنه لما نزل قوله تعالى: "رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا" [البقرة: من الآية286] ، قال الله: قد فعلت وأيضاً إن هذا النوع من الحكام يغلب عليهم الجهل بالإسلام وأحكامه، وتعلق بقلوبهم الشبهة تلو الشبهة، فتراه إن دافع عن فعله المنكر دافع بشبهة أو شهوة، وحاله غير مكذّب لقول الله وليس مستحلاً لمخالفة أمره سبحانه فهذا وأمثاله إن أطلق عليه وصف الكفر مراعاة لظاهر النص في القرآن "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" [المائدة: 44] ، فلا تجرى عليه أحكام الكفار في الدنيا من عدم التوارث أو الصلاة عليه أو الدفن في مقابر المسلمين أو الدعاء له بعد الوفاة ونحوه، ولهذا لابد من التفريق بين التكفير المطلق وتكفير المعين، فالإمام أحمد وغيره من علماء السلف رحمهم الله لم يكفروا كل من دعا إلى القول بخلق القرآن، مع إطلاقهم أن القول بخلق القرآن كفر، ولهذا قال علماء السلف: إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع،(2/394)
وقال ابن تيمية في رده على البكري ص: 260 (كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافراً لأني أعلم أن قولكم كفر وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم وأصل جهلهم شبهات عقلية حصلت لرؤوسهم في قصور معرفة المنقول الصحيح والمعقول الصريح الموافق له) أ. هـ، وبناء على هذا نقول شبهات هؤلاء الحكام في هذا العصر هي شبهات أولئك الأمراء والقضاة في السابق، والحجة الشرعية لا تقوم على المخالف عامة في الاعتقاد أو غيره، بمجرد بلوغه الدليل بل لابد مع ذلك من فهم تلك الحجة جيداً بمعرفة لوازمها إثباتاً ونفياً، وأظهر دليل على هذا حكم الله في المنافقين بأن يعاملوا معاملة المسلمين في الدنيا، وإن كانوا في الآخرة من أهل الجحيم؛ كما أخبر الله "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا" [النساء:145] ، ولقد حدثنا الله عن المنافقين الذين صرح الله بكفرهم في كتابه وقد عاملهم رسوله – صلى الله عليه وسلم – معاملة المسلمين لقيامهم بشعائر الإسلام في الظاهر وإن أسروا خلافها؛ قال الله تعالى: "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ" [التوبة: 65-66] ، فحكام المسلمين اليوم الذين يؤدون شعائر الإسلام الظاهرة، وفي نفس الوقت يحكمون القوانين الوضعية حكمهم حكم المنافقين في الدنيا، وهذا موافق لمذهب السلف بعدم تكفير المسلم المعين إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع.(2/395)
وسؤال السائل عن حكم المقسم بهذا القسم المنصوص في السؤال هل هذا المقسم مؤمن بالطاغوت كافر بالله أو هو كافر بالله مؤمن بالطاغوت؟ مبني على حكم ذلك الأمير الذي يحكم بالقانون الوضعي المخالف لشرع الله هل هو كافر كفراً أكبر أو كفرا أصغر أي كفر دون كفر كما يقول ابن عباس - رضي الله عنهما -، ولهذا أطلت في الأول (الحاكم) لأنه أساس الثاني (مؤدي القسم) ، والراضي بهذا الحكم الوضعي يأخذ حكم الحاكم، والمقسم تبعاً لذلك حسب التفصيل السابق، والناظر لصيغة السؤال يظهر منه أن السائل مستشرف ومتشوق للحكم بالكفر على هذا القسم ولكل من يقسم به، والأولى على هذا أن جملة في آخر السؤال هي: "ولا شأن لنا بما يعتقده قلبه" ثم ألفاظ القسم أكثرها صحيح لا شيء فيه مثل أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للوطن والأمير.. وأذود عن الشعب وأمواله وأؤدي أعمالي بالأمانة والصدق) ، ولم يبق من ألفاظه المحتملة غير احترام الدستور وقوانين الدولة وحريات الشعب) فالدستور وقوانينه وحماية الحريات للشعب يحتمل أن تكون موافقة للشرع ويحتمل أن تكون مخالفة له، فإن كانت موافقة فالحمد لله وإن كانت غير موافقة فينظر هل قبول الحاكم (الأمير) لها وإلزام الناس بها عن معرفة لمخالفتها لشرع الله أم الأخذ بها وتبنيها نتيجة تأويل لديه أو شهوة عنده؟ إن كان الأمر هكذا فيقال أيضاً إن هذا الحكم ليس كفراً، ولا الحاكم به أو المقسم عليه طاغوتاً وإنما هو مخطئ متأول لم تبلغه الحجة عن فهم وبصيرة.(2/396)
وأخيراً أحذركم من التسرع في إصدار الأحكام على الناس حكاماً أو محكومين تمسكاً بظواهر النصوص دون فقه وتدبر، فإن هذا فتنة للمتكلم والسامع "والفتنة أكبر من القتل" [البقرة: 217] كما قال الله سبحانه، وأوصيكم ونفسي بالتزام طريقة السلف في الحكم على المخالف، وكما في حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - في البخاري (4269) ، ومسلم (96) لما أهوى بالسيف إلى مشرك ليقتله تلفظ المشرك بقول: "لا إله إلا الله" فقتله أسامة - رضي الله عنه - متأولاً بأنه لم يقل كلمة التوحيد إلا تعوذاً من السيف فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - معاتباً: "أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله فكيف يا أسامة بلا إله إلا الله إذا جاءت تحاجك عند الله"؟ ومثل هذا يقال بتكفير الحاكم بغير ما أنزل الله، وهو يشهد كلمة التوحيد ويؤدي شعائر الإسلام الظاهرة فكيف بمن يكفره وهو يعلم أنه متأول أو جاهل بالحكم ولم يقم أحد بمناقشته وإقامة الحجة عليه؟! فكيف إذا جاءت كلمة التوحيد وشعائر الإسلام الظاهرة كلها تحاج لصاحبها عند الله يوم القيامة؟! وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.(2/397)
تحاكم المسلم على القانون البريطاني
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الحكم بغير ما أنزل الله
التاريخ 24/09/1425هـ
السؤال
إخوتي الكرام: أفيدكم بأنني أعمل في إحدى الشركات، وقد بدأنا التفاوض مع إحدى الشركات العالمية الكبرى لتقديم خدمات فنية لنا لمدة سنتين تقريبا، وبمبلغ مليون ونصف، وعند المراجعة أصرُّوا على أن يكون التحاكم عند الاختلاف إلى القانون البريطاني، ووقعت هذه الاتفاقية، ولقد تم العمل بالاتفاقية الآن، ولكني سمعت أحد المشايخ يقول إن هذا من مبدأ التحاكم إلى غير الله، والله لقد أثرت علي كثيرًا، وأنا مهموم لذلك، وأنا الآن أريد منكم أن تدلوني على حكم ما قمت به، وكيف التعامل مع مثله في المستقبل؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب(2/398)
التحاكم ابتداء إلى القوانين الوضعية الكافرة لا يجوز للمسلم الإقدام عليه بحال، لأنه حكم بغير ما أنزل أو رضا به والله يقول: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [المائدة: من الآية45] . (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: من الآية44] . (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [المائدة: من الآية47] . ويقول سبحانه: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65] . فالتنازع عند الاختلاف لا يجوز أن يكون إلا إلى شرع الله سبحانه، وإذا كنت أبرمت العقد مع الشركة الأجنبية جهلاً منك بالحكم الشرعي فعليك التوبة من ذلك وعفا الله عما سلف، ولا يجوز لك أن تعود إلى مثله أبدًا، سواء في الشركة التي تعمل بها أو في شركات أخرى كسابك أو غيرها، ويلزمكم الوفاء بالعقد مدة سريانه لوجود الجهل بالحكم عند العقد وتحقق الضرر لو نقض، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة: من الآية1] . ويقول: (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: من الآية4] . وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: إن مَقاطِعَ الحقوقِ عندَ الشروطِ. رواه البخاري تعليقًا (كتاب الشروط، باب: الشروط في المهر عند عقد النكاح) . فالوفاء بالشروط والعقود يشمل ما كان بين المسلمين بعضهم مع بعض، أو مع الكفار، ثم إن التحاكم إلى القانون البريطاني في هذه المسألة، أمر مظنون وغير مؤكد، حيث من المحتمل ألا يقع خلاف بين الشركتين، وإذا كان لم يحصل تحاكم أصلاً، وهذه جمل مبررات بقاء العقد إلى مدته وعدم نقضه، أما مبدأ التحاكم إلى(2/399)
القانون الوضعي وقبوله والرضا به فقد سبق بيانه. والله أعلم.(2/400)
تحاكم المسلمين إلى المحاكم الوضعية
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الحكم بغير ما أنزل الله
التاريخ 05/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا إمام مسجد في إحدى البلاد الغربية، وقد سألني بعض الإخوة عن حكم رفع الخصومات إلى محاكم الكفار الطاغوتية، فنقلت الفتوى بجواز ذلك إذ لا يمكن استرجاع الحق إلا به، مما أدى إلى إثارة الفتنة؛ لأن البعض هنا يرى أنه لا يجوز ويخرج من الملة على كل حال، أفيدونا جزاكم الله خيراً بأدلة وتفصيل، وإشارة إلى المراجع والمصادر حتى نطفئ نيران الفتنة. والسلام عليكم.
الجواب
إذا كانت الخصومة والخلاف بين المسلمين في بلاد لا تحكم إلا بالطاغوت، (الحكم بغير ما أنزل الله) ، فلا يجوز للمتخاصمين أن يتقدما بقضيتهما ابتداء إلى قضاء ذلك البلد، بل يتعين عليهما أن يتصالحا أو يحكِّما بينهما طرفاً ثالثاً مسلماً يرتضيانه ونحو ذلك، أما إذا كان أحدهما مسلماً والآخر كافراً، ويتعذَّر حصول المسلم على حق إلا بالرفع إلى قاضٍ غير مسلم فلا بأس للمسلم حينئذ بالترافع إلى القضاء الوضعي، لا من باب الرضاء بقضاء الكفار ولا ما يحكمون به، وإنما لاستخلاص الحق لصاحبه، ويدل على جواز ذلك أمور منها:
(1) وجوب حفظ المال والعرض وسائر الحقوق، والذي دلت عليه نصوص القرآن والسنة مما هو معلوم لكل مسلم، والتفريط بهذه الحقوق إثم.(2/401)
(2) لما كان المسلمون في العهد المكي مستضعفين كانوا يتعاملون ويتحاكمون في حفظ حقوقهم المالية وغيرها وفق الأعراف والتقاليد العربية الجاهلية مما لم ينزل فيه حكم شرعي، ويدل على ذلك نصوص كثيرة من القرآن الكريم، كالجمع بين الأختين قبل التحريم "وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ" [النساء: من الآية23] ، وفي أكل الربا: "فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ" [البقرة: من الآية275] .
ولا شك أن العلة في جواز ذلك في هذه المسائل ونحوها هو ضعف المسلمين وقلتهم أمام الكفار، فالله قادر على أن ينزل أحكامه التفصيلية مبكرة في عهد الاستضعاف، ولكنه سبحانه لم يفعل ذلك رحمة بعباده، ولحكمة يعلمها "وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ" [القصص:5-6] .
(3) إن الحكم بشرع الله تحت ولاية الكفار اضطراراً جائز شرعاً لاستخلاص الحق ورفع الظلم عن المظلوم وإنما المحرم عكسه، وهو أن يتحاكم الناس إلى الطاغوت وهم يستطيعون أن يتحاكموا إلى شرع الله، فقد قال الله في اليهود والنصارى في قوله: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً" [النساء:50] ، ويقول عن المنافقين: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً" [النساء:60] .(2/402)
وقد كان فضيلة الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي صاحب (أضواء البيان) ، يتعامل مع الحاكم الفرنسي في بلاده في الحكم في الدماء على وفق الشريعة، فقد كان الفرنسي في موريتانيا يحكم بالقصاص في القتل، وبعد محاكمة ومرافعة طويلتين يصدر الحكم، ولا ينفذ حتى يقره عالمان من علماء البلد، كان الشيخ الشنقيطي - رحمه الله- أحدهما، وخلاصة القول أن ما فعله السائل جائز، ما دام لا يمكن التصالح ولا تحكيم مسلم بين الخصمين المتنازعين، ولا يمكن استرجاع الحق إلا بالذهاب إلى المحكمة التي تحكم بالقانون الوضعي، فهذا من باب الاضطرار والضرورة الشرعية، ولا يجوز التنازع والاختلاف بعد بذل الأسباب الممكنة، لا سيما وأنكم تعيشون بين ظهراني الكفار، والله يقول: "وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" [الأنفال: من الآية46] . والله أعلم، وصلى على نبينا محمد.(2/403)
التكفير بالحكم بغير ما أنزل الله
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الحكم بغير ما أنزل الله
التاريخ 28/2/1425هـ
السؤال
ما حكم تحكيم القوانين الوضعية؟ وهل يمكن تكفير الحاكم الذي يحكم بالقوانين الوضعية بعينه?.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مسألة شائكة، فقد كثر فيها القيل والقال، وصدرت فيها الفتاوى في القرن الماضي، وهي مسألة ينبغي أن يقع فيها التفصيل:
أولاً: إن تحكيم القوانين الوضعية في مجالات منصوصة في الشريعة تحكيماً منافياً لنصوص الشريعة أمر حرام وكبيرة عظيمة، وهذا أمر لا شك فيه؛ "وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ" [المائدة: من الآية49] ، "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ" [المائدة:50] ، هذا بنص القرآن الكريم.(2/404)
أما التكفير فهو أمر لا يقطع به إلا إذا كان مع حكم هذه القوانين تصريح بازدراء الشريعة وتنقيصها والحط من قدرها، بحيث يقول الذي يسن هذه القوانين: إن الشريعة غير صالحة، ونحو ذلك من الكلام، أما أن يكون مع سن هذه القوانين اعتقاد بأن الشريعة هي الحق، وأن ما سواها ليس على حق، فمجرد سن القوانين وحده ربما لعجز أو لجهل، أو لتقليد، فلا يكون كفراً، ولهذا قال ابن عباس – رضي الله عنهما- في قوله –تعالى-: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" [المائدة:44] ، قال: كفر دون كفر، وفسق دون فسق، في قوله –تعالى-: "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" [المائدة: من الآية47] ، معناه أنه غير مخرج من الملة، وهذا هو الذي نراه بناء على نُقول كثيرة، ومنها نُقول عن شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله-، والأظهر فيه أن الكفر هنا لا يكون مخرجاً من الملة، ولهذا قال عدي بن حاتم – رضي الله عنه – سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقرأ في سورة براءة: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.." [الآية:31] قال: (أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه" رواه الترمذي (3095) وغيره. وهذا هو سر عبادتهم لهم، فهؤلاء يغيرون لهم الشرع يحلون باسم الشرع بحيث يحرمون حلالاً نص عليه في الشرع، ويحلون حراماً نص على تحريمه في الشرع، بحيث ينسبونه إلى الشريعة، كأن يقول الإنسان –مثلاً- الصلاة ليست واجبة في الشرع، والصوم ليس واجباً شرعاً، والزكاة ليست واجبة، أو إن ارتكاب الفواحش حلال شرعاً، أما إذا ارتكب هو هذه الفواحش وترك الآخرين يرتكبونها، فهذا الفعل بحد ذاته ليس مكفراً؛ خلافاً لبعض المفتين والمشايخ في القرن الماضي الذين أفتوا بأن مجرد الفعل يكون كفراً، وقد حققنا ذلك في بحث مستقل وعنوانه: (التكفير بالحكم بغير ما(2/405)
أنزل الله) ، فليراجع في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، زيادة على ما يترتب على التكفير من ارتكاب الحروب والفتن التي لا تبقي ولا تذر، فالأولى من ذلك هو توعية الناس وتنبيههم على أهمية الشريعة، وعلى المصالح الكبيرة التي توفرها الشريعة المحمدية؛ لأن كثيراً من البلاد الإسلامية كانت مستعمرة وورثت قوانين المستعمر، وبالتالي استمرت على ذلك دون وعي ودون إدراك، ودون - أيضاً- شجاعة لتغيير هذه القوانين.
إذاً نحن لا نكفر بذلك إذا لم يصحبه ما ذكرناه من الاستخفاف والاحتقار للشريعة لفظاً، أو من الاعتقاد المنحرف، وصلى الله على نبينا محمد.(2/406)
تولي المناصب السياسية في دول لا تحكم بالشريعة
المجيب د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الحكم بغير ما أنزل الله
التاريخ 05/08/1425هـ
السؤال
ما حكم تولي العلماء المناصب السياسية إذا علموا أنه سوف يلزمهم أن يطبقوا دستور الدولة بدلاً من شريعة الإسلام؟
الجواب
إذا كان الدستور المطبق يتواءم مع الشريعة ولا يعارضها فعملهم جائز شرعاً، لكن عليهم أن يحرصوا عند التطبيق أن ينووا أنهم إنما يطبقون الشريعة حتى يؤجروا على ذلك.
أما إن كانت هناك مخالفة واضحة للشريعة في أكثر مواد الدستور فإنه لا يجوز لهم تولي تلك المناصب.
وإن كان فيها كثير مما يوافق الشريعة وفيها ما يخالف الشريعة فالمسألة اجتهادية، قابلة للنظر بناء على قاعدة الترجيح بين المصالح والمفاسد، فإذا ترجح للمسلمين حصول مصلحة مشروعة واندفاع مفسدة كبيرة بهذا العمل -وعلى الأخص في مجتمعات الأقليات الإسلامية- فلا مانع من مثل هذا العمل، وإن ترجحت مفسدته على مصلحته منع وحكم بعدم جوازه، وعلى كل حال فالمسألة تحتاج إلى تقدير واجتهاد ممّن له صلة متينة بالعلم الشرعي وهو مؤهل للاجتهاد والنظر، ولا يصلح أن يقول فيها بالجواز أو المنع من ليس مؤهلاً شرعًا لمثل هذا، وبالله التوفيق.(2/407)
التحاكم إلى المحاكم الوضعية إذا لم يجد غيرها
المجيب سليمان بن عبد الله الماجد
القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الحكم بغير ما أنزل الله
التاريخ 09/04/1427هـ
السؤال
أقرضت شخصاً مبلغاً من المال، وأخذ يماطلني ولم يرد إلى الآن، وقد مر على ذلك قرابة سنتين، فهل يجوز لي شكايته، على أني في بلد غربي والشكاية تكون أمام محكمة كافرة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيحتاج المسلم في فصل الخصومات في ظل دول كافرة، أو في ظل دول تحكم شعوباً مسلمة بأحكام وضعية إلى معرفة حكم اللجوء إلى محاكم هذه الدول.
فنقول: إن أمكن التحاكم إلى من يحكم بالشريعة، ويقر بوجوب تحكيمها، وأنها المصدر الوحيد للتشريع؛ فيحرم في هذه الحال اللجوء إلى المحاكم التي لا تقر بوجوب التحاكم للشريعة.
ويكون ذلك بتحكيم من يصلح للفصل في هذه الخصومة.
وإن كان ذلك متعذراً فلا يخلو الأمر من حالين:
الحالة الأولى: أن يكون ما يطالب به المدعي مما لا تقره الشريعة؛ ففي هذه الحال لا يجوز أن يُلح على المطلوب بالسؤال فضلاً عن التحاكم إلى مثل هذه المحاكم؛ بل إن هذا من التحاكم إلى الطاغوت الذي قال الله فيه: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا" [النساء:60] . وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أنه يكون بذلك -مع علمه ببطلان مطالبته- مرتداً.
ومثل ذلك في الحكم: إذا كان المتقدم لا يعلم أن ما يطالب به صحيحاً في الشريعة أو غير صحيح، وعليه عند جهله أن يسأل أهل العلم قبل تقدمه إلى هذه المحاكم.(2/408)
الحال الثانية: أن يكون ما يطالب به مما تقره الشريعة، ويحكم به قانون هذا البلد دون زيادة؛ ففي هذا الحال لا حرج أن يتقدم المسلم إلى محكمة هذا البلد ليطالب بحقه، ولا يُعتبر هذا من التحاكم إلى الطاغوت؛ لأن المتقدم إنما يأخذ حقه الذي أقرته الشريعة فقط، وهذا من شريعة الله، ومحكمة البلد إنما صارت وسيلة لتنفيذ أحكام الشريعة فقط؛ وذلك مثل استخدام الكفار في المحاكم المسلمة لتنفيذ الأحكام الشرعية في الشُرَط ونحوها.
ولو قلنا بغير ذلك للزم من ذلك حرج عظيم وضياع للحقوق كبير حتى في بلدان الشعوب المسلمة التي تُحكم بغير الشريعة؛ إذْ لا فرق عندي بين كافر أصلي ومنتسب إلى الإسلام كلاهما يحكم بغير حكم الشريعة؛ فإذا لم نقل بهذا ضاعت الحقوق، وتسلط الظلمة على الصالحين.
وإن كان المتقدم يعلم أن هذه المحكمة تحكم بأكثر مما يستحقه المتقدم ففي هذه الحال يجوز التحاكم إليها، وعليه عند التنفيذ أن لا يأخذ إلا ما يستحقه فقط.
وأقترح على المسلمين في مثل هذه البلاد أن ينشئوا مراكز متخصصة للتحكيم يقضي فيها فقهاء في الشريعة يكون حكمها ملزماً في حال تراضي الخصمين بتحكيمها -حتى في القوانين-، وفي حال امتناع أحد الخصمين من التحكيم فتصدر رأيها وفق المعطيات التي تقدم بها الخصم الآخر؛ لتكون مسوغًا له للجوء إلى المحاكم الوضعية لتحصيل حقه الثابت له في الشريعة؛ فهذه المراكز تؤدي غرضين:
الأول: التحكيم في حال التراضي.
الثاني: إعطاء المسلم ما يثبت حقه على سبيل الفتوى؛ ليعلم هو منها أن له مطلباً صحيحاً، وليقي بها عرضه من الطاعنين.
وفي مسألتنا هذه يقال: إذا لم يمكن الأخ السائل أن يُحكِّم مسلماً فتنطبق عليه الحال الثانية؛ لأن وجوب رد القرض مما وافقت فيه القوانين شرعيةَ الإسلام؛ فلا حرج من تقدم السائل لمحكمة هذا البلد لتحصيل حقه. والله تعالى أعلم.(2/409)
القول بتحريف القرآن
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/مسائل متفرقة
التاريخ 3/4/1424هـ
السؤال
أرجو منكم تبيين حكم من يقول بتحريف القرآن وهو مقتنع بذلك تمام الاقتناع، والتحريف المقصود هنا هو ما يقوله بعض علماء الشيعة، كأن يقولوا: بأن هناك كلمات أسقطت من القرآن الكريم، أو أن أماكن الآيات قد تم تبديلها وتغييرها.
كما أرجو منكم تبيين حكم من يؤول القرآن ويفسره على مزاجه الخاص، كأن يقال بأن الآية "ويؤتون الزكاة وهم راكعون" قد نزلت في حق سيدنا علي كرم الله وجهه، جعلها الله في ميزان حسناتكم.
الجواب(2/410)
الحمد لله، قال الله -تعالى-: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" [الحجر:9] ، في هذه الآية ضمان من الله بحفظ ما أنزله على عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد حقق الله وعده بأن وفق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحفظ القرآن بجمعه وكتابته وحفظه في صدورهم، وتلقاه التابعون عنهم فكان القرآن بذلك محفوظاً بحفظه - سبحانه وتعالى -، فمن زعم أنه قد أُسقط شيء من القرآن أو غُيِّر عمّا جاء عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه كافر، لأن ذلك يعارض قوله -تعالى-: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" [الحجر: 9] ، فإذا كان أُسقط شيء منه سورة أو آية لم يكن محفوظاً، ومن تأول القرآن وفسره بحسب هواه ولم يكن عن شبه عرضت له فإنه متلاعب بكلام الله؛ فيكون بذلك كافراً، وذلك مثل تحريفات باطنية الرافضة كقولهم في قوله -تعالى-: "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ" [الرحمن:19] علي، وفاطمة- رضي الله عنهما- و"يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" [الرحمن: 22] الحسن والحسين -رضي الله عنهما- وقولهم: المراد "بيدا أبي لهب" أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما- وغير ذلك. وإن تعمُّد تحريف القرآن يشبه طريقة اليهود، كما أخبر الله عنهم بقوله: "يحرفون الكلم عن مواضعه" [النساء: 46] ، وقوله: "أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" [البقرة:75] ، وأما من قال: إن قوله سبحانه: "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون"َ [المائدة:55] ، إنها نزلت في علي - رضي الله عنه - حينما تصدق بخاتمه على المسكين وهو راكع، هذه القصة لم تثبت، وإن ذكرها بعض المفسرين، وهي من وضع الشيعة(2/411)
الذين يريدون أن يجعلوا كثيراً من الآيات جاءت في شأن علي - رضي الله عنه -، فيجب التنبه والحذر من التصديق للروايات المكذوبة، أو الروايات التي لم تثبت بالأسانيد الصحيحة، وكثير مما يذكر في أسباب النزول، إنما جاء في روايات ضعيفة، وقوله سبحانه وتعالى: "وهم راكعون"، يعني: وهم خاضعون لربهم متذللون، فيؤدون فرائض الله من الصلاة والزكاة خاضعين، منقادين لأمر الله، مؤمنين بشرعه، محتسبين لثوابه، والله أعلم.(2/412)
برج المولود
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 27/6/1422
السؤال
ما رأي الإسلام فيما يقال: أن لكل مولود في كل برج (الأبراج الفلكية) ، كبرج الدلو مثلاً صفات معينة؟
الجواب
هذا الزعم هو فقه المنجمين الذين يربطون الحوادث الأرضية بتأثير النجوم والطوالع والبروج، وهو ضرب من السحر ورجم بالغيب، جاء في الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد)) أخرجه أبو داود (3905) ، وابن ماجة (3726) . وهو حديث حسن
فالقول: إن لهذه الأبراج تأثيراً على صفات المواليد وأحوالهم، وأخلاقهم، ومستقبلهم، هو قول باطل في الإسلام. فكل برج، أو نجم يولد فيه الطويل والقصير، والطيب والخبيث، والغني والفقير، يولد فيه من يعمّر ومن لا يعمّر، يولد فيه الجميل والقبيح. فقول المنجمين في هذا قول باطل في الإسلام، وهو من ادعاء علم الغيب، وادعاء علم الغيب منازعة لله -سبحانه وتعالى- في قوله: ((قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله)) .
فعلى المسلمين أن يحذروا من أولئك الدجالين الذين يستغلون سذاجة البسطاء، فيستغفلونهم، ويسلبون أموالهم، ويفسدون عقائدهم. فالمنجمون من طوائف المفسدين في الأرض، ولا يجوز الذهاب إليهم وسؤالهم، فإن المنجم من العرافين ويدخل في اسم العراف، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: ((من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد)) أخرجه أحمد (9536) وهو حديث حسن.
فالحذر الحذر، والواجب على المسلم أن يعتصم بالله، وأن يحقق إيمانه بربه، ولا يغتر بأولئك المضلين والمفسدين. كفى الله المسلمين شرهم وصلى الله وسلم على محمد.(2/413)
قتل الساحر
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 29/4/1422
السؤال
في بلاد لا تحكم بالشريعة الإسلامية هناك ساحر كثر شره على المسلمين في تلك البلاد وهذا الساحر من أسرة مسلمة وأهله مسلمون وقد تم نصحه من قبل الأخوة هناك ولكنه لا يستجيب وقد ارتد عن الإسلام فهل يجوز قتله مع العلم أنه لن يتضرر أحد بقتله ولن يعرف القاتل؟
الجواب
أجاب فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن على المشيقح: الحمد لله وحده الصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد....
فإن تغيير المنكر باليد ومن ذلك قتل المفسد المرتد غير معصوم الدم لا يكون لآحاد الناس بل لمن له السلطة والولاية؛ لأن ذلك قد يحدث من الفتنة أعظم من المنكر الذي ترجى إزالته، فعلى من رأى ذلك أن يسعى بالمناصحة باللسان، فإن استجيب له وإلا بلغ الأمر لمن له السلطة والولاية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحدود ثم من بعده خلفاؤه، فإن أزيل، وإلا استدام كثرة الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل بإزالته.
وبالله التوفيق(2/414)
رقية أم شعوذة
المجيب د. عبد العزيز بن أحمد البجادي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 22/7/1422
السؤال
لنا صديقة مرت بمرض قال الأطباء أنه نفسي. اشار عليها التداوي بالرقية الشرعية لدى امرأة قيل أنها ترقي فذهب لها وحصل الآتي:
مدة الإقامة أسبوع تتمتم بكلمات وعندما سألتها قالت أهي القرآن قالت إن جبرائيل يأتيها برائحة المسك من الجنة أخرجت من بطن المريضة سائل أسود ثم وضعته في قطعة قماش بيضاء وقالت إنه بقايا ولادة الجن في بطن المريضة كانت تتوسل ببعض الأولياء الصالحين أثناء الرقية تلاتدي ملابسها الداخلية المقلوبة قالت إنها تختم القرآن أثناء النوم أثناء هذه الفترة إزدادت صديقتي سوءا.
هل هذه الرقية شرعية أم لا؟
الجواب
هذه المرأة التي تزعم أنها تداوي بالرقية الشرعية، وأن جبريل يأتيها برائحة المسك من الجنة، وتتوسل ببعض الأولياء والصالحين في أثناء الرقية إنما هي مشعوذة اتخذت من الدجل والرقى الشركية والخرافات وسيلة لخداع الناس، فلا يجوز الذهاب إليها بقصد التداوي، بل يجب إبلاغ أهل الحسبة بحالها ليعملوا على كف شرها عن الناس وبالله التوفيق.(2/415)
هل هذا من التنجيم؟
المجيب أ. د. صالح بن عبد الله اللاحم
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/توحيد الأسماء والصفات
التاريخ 9/4/1422
السؤال
رجل يقول بأنه يستدل بحركة النجوم على بعض الأحداث، مثلاً قال لأحد الناس: ازرع في وقت كذا أما في وقت كذا فدع الحرث والزرع، فإنه لن يأتيك بثمر، وفعلاً حصل ذلك.
الجواب
الاستدلال بالبروج على مواسم البذر، والغرس ليس من التنجيم في شيء، وهو عمل المسلمين خلفاً عن سلف، وقد أجرى الله العادة بصلاحية كل وقت لبذر أو غرس معين، إلا أن الذي لا يجوز هنا اعتقاد أن لهذا النجم أو ذاك أثراً في حصول الثمر، أو جودته، أو نزول المطر أو نحو ذلك.
ومثل هذا يقال في تحديد وقت تزداد فيه خصوبة الرجل أو المرأة. وقد ضرب الفقهاء أجلا للعنين قدروه بسنة، وعللوا لذلك بمرور الفصول الأربعة عليه، فإن لم ينشط في أحدها فلا فائدة في زيادة الانتظار.(2/416)
الرقية بكتابة الآيات وشرب مائها!
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 19/04/1427هـ
السؤال
ورد في إحدى فتاوى ابن تيمية للمريض ولمن هو في شدة أن تكتب له آيات من القرآن الكريم بالحبر على اللوح ثم تغسل بالماء ليختلط الحبر بالماء ثم يشرب الماء. وورد عن ابن عباس أنه ذكر دعاء معينا ليكتب ويوضع قرب المرأة التي تعاني
صعوبة في الولادة. ويروى عن علي رضي الله عنه قوله إن هذا الدعاء يجب أن يكتب
ويربط بذراع المرأة ولم ير أعجب منه" [فتاوى ابن تيمية 19/65] ، وروى تلميذه ابن القيم جواز استخدام التعويذة عن عدد من السلف بمن فيهم الإمام أحمد، وقد ذكر
ابن القيم نفسه تعويذات مختلفة [زاد المعاد (3/180] أرجو التعليق على هذه الفتاوى؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
فالرقية مشروعة بالآيات القرآنية، وبأسماء الله الحسنى، وما ثبت في السنة النبوية من الأدعية والأذكار المشروعة، مع اعتقاد أن الرقية سبب من الأسباب، والشفاء من الله تعالى، وتكون الرقية بالقراءة المباشرة على من تراد رقيته، ويجوز أن ينفث الراقي مع القراءة، ففي حديث عائشة - رضي الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وَ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِن جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِن جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. أخرجه البخاري (5018) ، ومسلم (2192) .(2/417)
وفي حديث أبي سعيد –رضي الله عنه- في قصة رقية اللديغ: (فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ.....) أخرجه البخاري (2276) ، ومسلم (2201) .
وقد بوب عليهما البخاري بقوله: (باب النفث في الرقية) ينظر: البخاري مع الفتح (10/219) .
والنفث شبيه بالنفخ، وهو أقل من التفل، قال ابن القيم –رحمه الله-: "وفي النفث والتفل استعانة بتلك الرطوبة والهواء والنفس المباشر للرقية والذكر والدعاء، فإن الرقية تخرج من قلب الراقي وفمه، فإذا صاحبها شيء من أجزاء باطنه من الريق والهواء والنفس كانت أتم تأثيرا وأقوى فعلا ونفوذا ... والمقصود: أن الروح إذا كانت قوية وتكيفت بمعاني الفاتحة، واستعانت بالنفث والتفل قابلت ذلك الأثر الذي حصل من النفوس الخبيثة فأزالته، والله أعلم" زاد المعاد (4/164) .
والأولى أن يُقتصر في الرقية على ما ثبت من القراءة المباشرة على المريض، ولا بأس أن تكون القراءة مع النفث كما تقدم.
وورد حديث في القراءة بالماء وصبه على المريض أو شربه، ولكن هذا الحديث فيه ضعف، وهو ما رواه يوسف بن محمد بن ثابت بن قيس، عن أبيه، عن جده ثابت بن قيس -رضي الله عنه– أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيه وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقَالَ: "اكْشِفْ الْبَأْسَ، رَبَّ النَّاسِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ". ثُمَّ أَخَذَ تُرَابًا مِنْ بَطْحَانَ، فَجَعَلَهُ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ نَفَثَ عَلَيْهِ بِمَاءٍ وَصَبَّهُ عَلَيْهِ. أخرجه أبو داود (3387) .
وفي إسناده: يوسف بن محمد ليس فيه توثيق معتبر، ورواية محمد بن ثابت عن أبيه مرسلة، قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أن رواية محمد عن أبيه مرسلة، لأنه قتل يوم اليمامة وهو صغير إلا أن يكون حفظ عن أبيه وهو طفل، وقد أوردته في الصحابة على قاعدتهم ولا تصح له صحبة.(2/418)
وقد أخذ بهذا الحديث بعض العلماء وقاسوا عليه كتابة الآيات في ورقة ثم غسلها بالماء وشرب المريض له.
وبعد هذه المقدمة نعود إلى ما طلبه السائل الكريم –وفقه الله– من التعليق على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم –رحمهما الله– وقد تضمن كلامهما أمرين:
1- كتابة الآيات في ورقة ثم غسلها في ماء وسقي المريض هذا الماء، ويدخل في هذا
الكتابة للمرأة إذا عسرت ولادتها، وهذا لم يرد فيه حديث مرفوع عن النبي صلى
الله عليه وسلم، وقد استدل شيخ الإسلام بأثر ابن عباس –رضي الله عنهما– وبما
جاء عن الإمام أحمد –رحمه الله-، وورد عن بعض السلف كما ذكر ابن القيم، ولكن الأولى الاقتصار على ما ورد في السنة النبوية كما سبق.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: إن كتابة سورة أو آيات من القرآن في لوح أو طبق أو قرطاس وغسله بالماء، وشرب تلك الغسالة رجاء البركة، أو استفادة علم، أو كسب مال، أو صحة، أو عافية، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله لنفسه أو غيره، ولا أنه أذن فيه لأحد من أصحابه، أو رخص فيه لأمته مع وجود الدواعي التي تدعو إلى هذا، ولم يثبت في أثر صحيح عن أحد من الصحابة، وعلى هذا فالأولى ترك ذلك، وأن يستغنى عنه بما ثبت في الشريعة من الرقية بالقرآن وأسماء الله الحسنى، وما صح من الأذكار والأدعية النبوية، وليتقرب إلى الله بما شرع، رجاء التوبة، وأن يفرج الله كربته. [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (1/246، 259) ] .
2- تعليق ما كتب من الآيات على عضد المرأة، وهذا نقله شيخ الإسلام عن أحد رواة
الحديث، وهو علي بن الحسين بن شقيق، وقد اختلف السلف في تعليق الرقى على
المريض إذا كانت من القرآن فرخص فيه بعضهم، وذهب بعضهم إلى التحريم، واستدلوا(2/419)
بعموم الأحاديث الواردة في النهي عن تعليق التمائم، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ" أخرجه أبو داود (3385) من حديث عبد الله بن مسعود، وقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَن تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ" أخرجه أحمد (4/156) من حديث عقبة بن عامر، وغير هذا من الأحاديث التي تدل على النهي عن تعليق التمائم، وهي أحاديث عامة، ولا مخصص لها، فالأولى ترك تعليق التمائم وإن كانت من القرآن، لأن هذا العمل قد يفضي إلى تعليق التمائم المحرمة، وقد يحصل امتهان لهذه التمائم مثل أن يدخل بها الحمام عند قضاء الحاجة، وإذا كانت هذه التمائم معلقة على الأطفال فلا يؤمن أن تقع عليها أوساخ أو نجاسات، هذا والله أعلم.(2/420)
رجل يعالج باستخدام الجن
المجيب د. عبد الله بن محمد الغنيمان
رئيس قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 13/7/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
في بلدنا رجل يعالج المس الشيطاني باستخدام الجان، ويقول إن معه أربعين ألفاً من الجن المسلم يساعدونه، وكان في البداية يستخدم وسيلة تخاطب معهم، وهي أن يربط المصحف على سورة معينة بحبل، ثم يقومون بتحريكه أي الجن، وبعد اعتراض أهل الدين استخدم معهم سلسلة مفاتيح يحركونها له، فاعترض أهل الدين أيضاً، فأصبحت وسيلة التخاطب الآن تشبه الوسوسة أو الإيحاء كأنه يسمعهم، مع العلم أنه يتقاضى أجراً على ذلك، وهو محافظ على أداء جميع الصلوات جماعة، ويسعى في سبل الخير. فما حكم ذلك؟.
الجواب
الرجل المذكور ظاهر أنه مخرف ومن عباد الجن، والأعمال المذكورة تدل على ذلك، ولا يصدق بقوله، ولا يمكن أن الجن يطيعونه إلا إذا قدم لهم ما يرضيهم، فقد يطيعونه في بعض مراده لا كله، والواجب الإنكار على من يفعل ذلك أشد الإنكار، وإذا أمكن تعزيره من قبل ولي الأمر -حتى يرتدع أمثاله- فهو واجب. والله أعلم.(2/421)
تناول الطعام للرقية
المجيب د. أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 26/5/1424هـ
السؤال
أولاً: أحبكم في الله، سؤالي: عائلة لهم طفل مريض، دعونا عندهم لقراءة القرآن عليه، وكنا حوالي 30 شخصاً، وقد صنعت العائلة طعاماً لنا، وبعد أن أكلنا وقبل أن نقرأ القرآن، نازعنا صبي في طريقة التلاوة، البعض قال إن علينا أن نقرأ القرآن كاملاً، لأننا 30 شخصاً، فكل شخص يقرأ جزءاً، آخرون قالوا إن ذلك بدعة ولا نقرأ إلا كما ورد في قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم- على المريض، هل يجوز تناول الطعام بسبب قراءة جزء أو كامل القرآن؟.
الجواب
الصواب مع الذين قالوا إن قراءة ثلاثين جزءاً بعدد الحاضرين بدعة، بل يقرأ حسب ما ورد في السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقط، أما اشتراط تناول الطعام بسبب القراءة فلا حرج فيه إن شاء الله.(2/422)
التنجيم
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 5/2/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
عرفنا أن السلف كانوا يستعينون بالنجوم (موافقة زمنية) ليعرفوا أوقات الزرع والحصاد، والحر، والبرد، وحاليا المد والجزر، والخسوف، وذلك من عادات ومشاهدات قديمة متوارثة، ولكن إذا قال قائل أو ادعى مدعٍ أن عمل السلف كان يجوز أن يقال إن النجم إذا كان كذا، فإن المولود سيكون ذكراً مثلا، أو أنه سيكون ذكيا أو خجولا أو عصبيا ... إلخ وادعى أن كل ذلك على أساس موافقة زمنية لا غير، وشبه فعله هذا بفعل السلف، وبأن ذلك من مشاهدات وتجارب، لا ادعاء للغيب، فكيف يكون الرد عليه حفظكم الله؟
الجواب(2/423)
الحمد لله، النجوم من آيات الله السماوية، قال سبحانه وتعالى: "وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون" [الأنعام: 97] ، وقال سبحانه: "وعلامات وبالنجم هم يهتدون" [النحل: 16] ، فهو سبحانه وتعالى خلق النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يُهتدى بها، وهي مع ذلك من أعظم آيات الله الدالة على قدرته وحكمته ورحمته، فالاستدلال بالنجوم على معرفة الجهات ومن ذلك الاستدلال بها على القبلة أمر مشروع، وهو ثابت لا يختلف، والله تعالى- قد امتن في ذلك على عباده كما في الآيتين المتقدمتين، وعلم النجوم الذي يقال له التنجيم نوعان: علم تسيير، وعلم تأثير، فأما علم التسيير فهو معرفة دلالات النجوم على الجهات والأوقات، وهذه الدلالات لا تختلف من شخص لآخر، فهي سنن كونية قدرها الله سبحانه وتعالى كما قدر سير الشمس والقمر لمعرفة حساب الزمان، قال تعالى: "هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب" [يونس: 5] ، وأما علم التأثير فهو التنجيم المنكر الذي هو ضرب من السحر، كما في الحديث الصحيح: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد" أبو داود (3905) ، ولكنه قال "علما" بدل "شعبة"، وكذلك رواه ابن ماجة (3726) ، وكذلك الإمام أحمد (2000) ، بلفظ "ما اقتبس رجل علماً من النجوم إلا اقتبس بها شعبة من السحر، "ما زاد زاد"، وقال محققه إسناده صحيح، وقد حسنه الألباني، والمنجم الذي يستدل بحركة النجوم وبمواقع النجوم على الحوادث الأرضية والسُعد والنُحس هو من جنس العراف بل هو عراف، وفي الحديث الصحيح: "من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" الترمذي (135) ، وأبو داود (3904) ، وابن ماجة (639) ، وقال الألباني صحيح، لأن الكاهن والعراف يدعي بما يدعيه علم الغيب، ثم إذا قال المنجم إن المولود إذا ولد في(2/424)
نجم كذا يحصل له سعد أو نحس، أو أن ذلك علامة على سعادته أو شقاوته، فذلك من الرجم بالغيب، ولا يمكن أن يعرف ذلك بالتجربة، فإنه يولد في الوقت الواحد ويحدث في الوقت الواحد أنواع من الأضداد، فيحدث في الوقت الخير والشر، ويولد في النجم الواحد من يكون سعيداً ومن يكون شقياً ومن يكون صالحاً ومن يكون فاسداً، وعلى هذا فما أراده السائل من جواز التنجيم المحرم قياساً على التنجيم الذي هو علم التسيير هو من أبطل القياس، فهو قياس الباطل على الحق والكذب على الصدق، فيجب الحذر من سؤال المنجمين وتصديقهم، فإن ذلك لا يكون من بصير بدينه، بل ولا من عاقل يدرك الحقائق، ولهذا فعملاء المنجمين وأهل بضاعتهم هم من الجهلة، من الذين لا يفكرون بعقلوهم، وليس لهم معرفة بما يقتضيه شرع الله من تحريم سؤال العرافين والكهان والمنجمين، نسأل الله أن يطهر مجتمعات المسلمين من جميع فئات المفسدين، والله أعلم.(2/425)
الرقية باللغة السريالية
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 9/3/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما هو أصل اللغة السريالية وسبب استخدام بعض الرقاة (هذه اللغة) ، أحد أفراد عائلتي مصاب بمس، وقد جاء أحد الرقاة واستخدم اللغة السريالية, وأثناء الرقية ارتفعت يد أحد أفراد عائلتي وأخذت ترتجف, أريد التأكد من شرعية ما حدث, وهل الشيخ كان راقياً شرعياً أم مشعوذاً؟ وجزاكم الله الخير.
الجواب
الحمد لله، صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا رقية إلا من عين أو حمة"، البخاري (5705) ، ومسلم (220) ، وأنه قال: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل"، وقال: "اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً"، مسلم (2200) فالرقية نوعان: الرقية بالآيات القرآنية وأعظم ذلك سورة الفاتحة، وكذلك سورة الإخلاص والمعوذتان، وكذلك الرقية بالأدعية المباحة لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً" سبق تخريجه، اشترط العلماء في الرقية أن تكون بالآيات القرآنية والأدعية النبوية والأذكار المباحة، وأن تكون باللغة العربية، وإذا كانت بلغة مفهومة يفهمها الحاضرون فأرجو أنه لا بأس بها.(2/426)
أما إذا كانت بلغة غير مفهومة فلا يجوز قبولها، لأنه يحتمل أن تكون مشتملة على ما هو شرك، وهذا الراقي الذي رقى المريض بلغة سريانية متهم، فما الذي حمله على العدول عن اللغة العربية أو اللغة المعروفة، التي يعرفها المريض وأهله، والأحرى أن هذا دجال، يستعين بالشياطين على مقصوده، فيجب الإنكار عليه والتحذير من الرجوع إليه، وكشف حقيقة أمره حتى لا يغتر به، وذكر العلماء أيضاً من شروط الرقية ألا يعتمد عليها المريض لأنها سبب من الأسباب، والاعتماد على الأسباب شرك في التوحيد، بل يؤمن بأن الرقية الشرعية سبب يرجو من الله أن ينفعه به، وهذا هو الواجب في جميع الأسباب، والله أعلم.(2/427)
شعوذة من نوع جديد
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 25/9/1422
السؤال
قد وصلتني اليوم هذه الرسالة، فأفيدونا بشرعيتها، قال -تعالى-: " بل الله فاعبد وكن من الشاكرين " [الزمر: 66] ، " فالذين آمنوا به واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون " [الأعراف: 157] ، " لهم البشرى في الحياة الدنيا والآخرة لا تبديل لخلق الله ذلك الفور العظيم " [يونس: 64] ، " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " [إبراهيم: 27] .
تم إرسال هذه الآيات لتكون مجلبة الخير والفلاح، وقد تم توزيعها بدول العالم تسع مرات، وستجلب لك الخير والفلاح بعد أربعة أيام بإذن من وصلها إليك، وليس الأمر بدعة وكذب، أو اتخاذ بالآيات الكريمة هراء، بل سترى ما يصلك خلال أربعة أيام في البريد، فعليك أن ترسل هذه النسخة من الرسالة لمن من ذو بحاجة إلى الخير والفلاح، وإياك أن ترسل نقوداً، إياك إن تحتفظ بهذه الرسالة، بل يجب أن تتخلص منها بعد ست وستين ساعة من قراءتك لها، سبق أن وصلت هذه الرسالة إلى أحد رجال الأعمال، فوزعها فجاءت أخبار صفقة تجارية بسبعين دينار كويتي زيادة كما يتوقعه، ووصلت إلى أحد الأطباء فأهملها فلقي مصرعه بحادث سيارة أدت إلى تشويهه بالكامل أصبح جثة هامدة؛ لأنه كبر على خالقه وأبى توزيع الرسالة، فوجئ أحد المقاولين عندما قرأ الرسالة، وقام بتوزيع مائة وخمسين ألف دينار بحريني؛ لأنه تمهل توزيعها فتوفي ابنه الأكبر بحادث.(2/428)
يرجى إرسال عدد خمس وثلاثين رسالة، فاستبشر بما يصلك في اليوم الرابع، وحيث إن هذه الرسالة مهمة الطواف حول العالم كله، يجب توزيعها خمس وثلاثين نسخة مطابقة إلى أصدقائك، ومعارفك، وأقربائك، وبعد أيام ستفاجأ بالنتيجة الطبية، والله الموفق.
الجواب
إن من رحمة الله بهذه الأمة أن أكمل لهم دينهم، وأتم عليهم نعمته، ورضي لهم الإسلام ديناً، فليسوا بحاجة إلى من يتقدم بين يدي الله ورسوله باعتقاد جديد أو عمل محدث، أو كلام مبتدع.
قال الله -جل شأنه-: " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إنَّ الله سميع عليم " [الحجرات] .
قال ابن جرير – رحمه الله -: " يا أيها الذين أقروا بوحدانية الله وبنبوة نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم -: " لا تقدموا بين يدي الله ورسوله "، يقول: لا تعجلوا بقضاء أمر في حروبكم أو دينكم قبل أن يقضي الله لكم فيه ورسوله فتقضوا بخلاف أمر الله ورسوله " (جامع البيان 26/116) .
وقال ابن القيم – عفا الله عنه -: " أي لا تقولوا حتى يقول، لا تأمروا حتى يأمر ولا تفتوا حتى يفتي، ولا تقطعوا أمراً حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضيه، والقول الجامع في معنى الآية: لا تعجلوا بقول ولا فعل قبل أن يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو يفعل وقال –تعالى-:" يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ".
فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سبباً لحبوط أعمالهم، فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به، ورفعها عليه أليس هذا أولى أن يكون محبطاً لأعمالهم " (إعلام الموقعين1/51) .(2/429)
وقال أيضاً: " وقد توفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر للأمة منه علماً، وعلمهم كل شيء حتى آداب التخلي، وآداب الجماع، والنوم، والقيام والقعود، والأكل والشرب، والركوب والنزول، والسفر والإقامة، والصمت والكلام، والعزلة والخلطة، والغنى والفقر، والصحة والمرض، وجميع أحكام الحياة والموت، ووصف لهم العرش، والكرسي، والملائكة، والجن، والنار والجنة، ويوم القيامة وما فيه حتى كأنه رأي عين، وعرفهم معبودهم وإلههم، أتم تعريف حتى كأنهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلاله، وعرفهم الأنبياء وأممهم، وما جرى لهم، وما جرى عليهم معهم حتى كأنهم كانوا بينهم، وعرفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها ما لم يعرفه نبي لأمته قبله، وعرفهم من أحوال الموت ما يكون بعده في البرزخ، وما يحصل فيه من النعيم والعذاب للروح والبدن ما لم يعرّف به نبي غيره.
وكذلك عرّفهم -صلى الله عليه وسلم- من أدلة التوحيد والنبوة والمعاد والرد على جميع فرق الكفر والضلال ما ليس لمن عرفه حاجة من بعده..وبالجملة فجاءهم بخير الدنيا والآخرة بُرمته ولم يحوجهم الله إلى حد سواه. فكيف يُظن أن شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة أكمل منها ناقصة تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها، أو إلى قياس، أو حقيقة، أو معقول خارج عنها، ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده "إعلام الموقعين 4/375".(2/430)
وقال العلامة ابن باز – غفر الله له -:" وقال –تعالى-:" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً " وهذه الآية تدل دلالة صريحة على أن الله –سبحانه- قد أكمل لهذه الأمة دينها، وأتم عليها نعمته، ولم يتوف نبيه -عليه الصلاة والسلام- إلا بعد ما بلّغ البلاغ المبين، وبيّن للأمة كل ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال، وأوضح أنَّّ كل ما يحدثه الناس بعده وينسبونه إلى الدين الإسلامي من أقوال وأعمال فكله بدعة مردودة على من أحدثها ولو حسن قصده (مجموع الفتاوى 1/224) .
قلت: وهذه الآيات التي ذكرها باعثوا هذه الرسائل، وما رتَّبوا عليها من الوعد والوعيد والترغيب والترهيب إنما هو من قبيل الإرهاب الفكري، الضغط النفسي لإخضاع الناس لمزاعمهم وأباطيلهم، وإرغامهم على قبول البدع والمحدثات خوفاً من القادم المجهول!! وهي طريقة يلجأ إليها المفلسون حين تنفذ وسائل السيطرة على الآخرين بطريق الحوار والإقناع السليم بمصداقية ما يتبنونه من آراء ويعرضونه من فلسفات وأفكار.!!
ولا نشك طرفة عين أن ما ذكره هؤلاء الدجاجلة والمشعوذين إنما هو بدعة وضلالة، وافتيات على الشارع الحكيم، وتقدم بين يدي الله ورسوله بكل وقاحة وسذاجة، فضلاً عن كونها كهانة جديدة، وضرباً من العرافة البغيضة، وادعاء لعلم الغيب بكل صلف وغرور وبكل حماقة واستهتار، وما درى هؤلاء الأفاكون أنهم يسنون للناس سُنَّة سيئة يتحملون وزرها ووزر من عمل بها من بعدهم إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيء كما جاء في الصحيحين وغيرهما، ومرتكبين في الوقت نفسه ناقضاً من نواقض الإسلام بادعائهم علم الغيب ضاربين بصريح القرآن عرض الحائط!! وإلا فكيف يستقيم لهم ما يزعمون، والله يقول:" قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله "، ويقول: " وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو "، ويقول: " أم عندهم الغيب فهم يكتبون ".(2/431)
وإننا ندعو –والله- ونحذر أنفسنا وإخواننا من تصديق هؤلاء المشعوذين أو الوقوع في شباك الكهنة والعرافين، فقد صحّ عنه –عليه الصلاة السلام- فيما رواه أحمد (16638) ، ومسلم (2230) واللفظ له، أنه - عليه الصلاة والسلام- قال: " من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً "، وروى أحمد (9536) ، والبيهقي (1358) ، والحاكم بسند صحيح أن نبينا – صلى الله عليه وسلم – قال:" من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم – وصححه الحاكم والألباني في (صحيح الجامع 5815) ، والعراف، هو: من يدعي علم الغيب، وأمثاله من المنجمين، وقُرّاء الكف، والفنجان، وغيرها من الخزعبلات والأباطيل التي يلبسونها على الناس.
وقد عقد الإمام أبو بكر الطرطوشي – رحمه الله – في كتابه: (الحوادث والبدع) فصلاً بعنوان (في بيان الوجه الذي يدخل منه الفساد على عامة المسلمين) ثم أورد ما رواه الشيخان " أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ".
ثم قال: " فتدبر هذا الحديث فإنه يدل على أنه لا يؤت الناس قط من قبل علمائهم، وإنما يؤثون من قبل أنه إذا مات علماؤهم أفتى من ليس بعالم فيؤتى الناس من قبله، وقد روي عن مكحول أنه قال: " تفقهُ الرعاعِ فسادٌ الدنيا، وتفقه السفلة فسادُ الدين " ا. هـ.(2/432)
فالله الله بالتزام السنة، والحذر من البدع والخرافات، والإقبال على العلم الشرعي الصحيح بمجالسة العلماء الربانيين، وطلبة العلم المخلصين العارفين، ومطالعة كتب السلف، وسؤال أهل العلم الراسخين عما أشكل فهمه، أو تعذر استيعابه، والحذر الحذر كذلك من النشرات المضللة، والرسائل، والكتب المجهولة المصادر، وأما من التبس عليه أمرها فلم يعرف حقها من باطلها، ونفعها من ضررها فليسأل أهل العلم الموثوق بهم، ولا يفوته قبل هذا وأثناءه وبعده أن يدعو الله، ويلح عليه أن يُبصَّره في دينه، ويُريه الحق حقاً ويرزقه اتباعه، ويريه الباطل باطلاً ويرزقه اجتنابه، ويهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.(2/433)
معالجة المسحور بالقرآن
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 8/9/1422
السؤال
هل توجد طرق للعلاج بالقرآن وهل يعالج الإنسان المسحور بالقرآن.
الجواب(2/434)
أما السؤال عن طرق للعلاج بالقرآن وهل يعالج المسحور بالقرآن، فإن الله - تعالى- قد أخبر عن كتابه الكريم أنه شفاء، يقول - عز وجل -: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) (الاسراء:82) ويقول - جل وعلا -: (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) (فصلت: 44) وهذا الشفاء شامل للأمراض الحسية (العضوية) والمعنوية (النفسية) ، ومما يشهد لهذا ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: " كنّا في مسير لنا منزلنا، فجاءت جارية، فقالت: إن سيّد الحيّ سليم، وإن نفرنا غيب، فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنّا نأبنه برقية، فرقاه فبرأ فأمر له بثلاثين شاه، وسقانا لبنا فلمّا رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية أو كنت ترقي؟ قال: لا، ما رقيت إلا بأم الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئاً حتى نأتي، أو نسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي - صلى الله عليه وسلم، فقال: " وما يدريه أنها رقية؟ أقسموا واضربوا لي بسهم " أخرجه البخاري (5007) ومسلم (2201) واللفظ للبخاري، وكذلك الشأن في السحر، بل القرآن الكريم من أعظم ما يداوى به المسحور، فيشرع أن يقرأ عليه قل هو الله أحد والمعوذات وآية الكرسي ويكثر من قراءة هذه الآيات ويكررها، كما يقرأ عليه آيات السحر المعروفة في الأعراف ويونس وطه، كما يشرع أيضاً أن يُرقى بما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند البخاري وغيره من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: (اللهم رب الناس مذهب الباس اشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقماً) أخرجه البخاري (5742) .
بقي أن يقال: إن ما ذكر أسبابٌ أذن الله بها قد يتخلف أثرها لمانع ما، كما أن الدواء المجرب قد يتخلف أثره، وبالله التوفيق.(2/435)
هل الرقية موهبة وإلهام؟
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 17/3/1423
السؤال
نطرح على فضيلتكم حالة خاصة راجين منكم توضيح الحكم الشرعي فيها، هل هي حلال أم حرام؟ وهل يجوز ممارستها أم هي حرام يجب الإقلاع عنها؟ وهي كما يلي: لي ولد يبلغ من العمر ثنتي عشرة سنة ونصف، منذ حوالي سنة ظهر عليه ما يلي: إذا سمع القرآن يقرأ أو كان يقرؤه وأغمض عينيه يرى أشياء لأماكن أو لأشخاص إذا كان في أي منها أمور شيطانية -والسحر منها- موجودة في مكان أو الشخص وضع له سحر يعرف بوجوده ويبطل مفعوله هذا من جهة، ومن جهة ثانية معالجة الأمراض بالنسبة للأشخاص مثل: العظام, والآلام الجسد, والعجز الجنسي, والصلح بين الزوجين, وزواج بعض اللواتي لم يتزوجن ... إلخ، ويقوم بمعالجة ما سبق ذكره بالرقى بواسطة الزيت أو الماء المقروء عليه، مع العلم أنه لا يطلب مقابلاً محدداً، وإنما يقبض ما يمنح له تلقائياً، كما أحيط فضيلتكم علما أنه بعد ظهور هذا الأمر عليه اتصلت ببعض الأئمة والذين يمارسون الرقية من حفظة القرآن الكريم لاستفسارهم في الأمر، وبعد معاينتهم له وجلوسهم معه أكدوا ما يلي: عدم مسه من طرف الجن، عدم تعامله مع الشياطين، كما أن أحد الأئمة قال عنه ما يلي: إن هذه الحالة إلهام من الله -عز وجل- بها له , أو هي موهبة منذ الولادة في العلاج النفسي، فَلِما سبق بقيت حائراً, الرجاء منكم الإجابة على استفساري شرعاً, هل تحل ممارستها؟ أم هي حرام يجب الامتناع عنها؟
الجواب
ما عليه ولدك وما يعمله ليس صحيحاً، ويجب الإقلاع عنه لعدة أمور:
الأول: لعدم موافقته لكتاب الله وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.(2/436)
الثاني: أن ما ذكرته عن ولدك شيء رابك وشككت فيه وفي حله، وهذا ما يدل عليه مثل حديث النواس بن سمعان -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن البر والإثم، فقال: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" رواه مسلم (2553) وفي حديث: وابصة عند أحمد (17999) وغيره: "وإن أفتاك الناس وأفتوك".
الثالث: أن معرفة مكان السحر وإبطاله بالكيفية المفهومة من السؤال قد تكون بطريق السحر أيضاً، وهذا ما يسمى بالنشرة المحرمة.
الرابع: أن هذا الذي عليه ولدك ليس من الإلهام الذي ذكره بعض من استفتيتهم، ولا من المواهب ولا يُفطر الإنسان على مثل هذا، إنما يفطر على التوحيد على الملة على الدين لا على مثل هذا.
الخامس: أن علاج السحر وما يتصل به من التفريق بين الزوجين، يكون بشيئين:
أحدهما: الرقى الشرعية.
الآخر: الأدوية المباحة التي جربت في علاجه، فمن أنجح العلاج وأنفعه الرقى الشرعية، فقد ثبت أن الرقية يرفع الله بها السحر ويبطله.
وهناك نوع ثالث: وهو العثور على ما فعله الساحر من عقد أو غيرها، وإتلافها، وهذا يكون بالبحث والتقصي ومعرفة أماكن إقامة وحركة المسحور ونحو ذلك مما يوصل حساً إلى العثور عليه، لا باستعمال الشياطين ونحو ذلك، أو التوكل على غير الله في معرفة مكان السحر، فإن ذلك شرك.
ومن الرقية الشرعية التي تستعمل في رقي المسحور وغيره: قراءة الفاتحة، وآية الكرسي، و"قل يا أيها الكافرون"، و"قل هو الله أحد"، والمعوذتين مع آيات السحر في سورة الأعراف من (117-119) ، وفي سورة يونس من (79-81) ، وفي سورة طه من (65-68) ، هذه الآيات العظيمات ينفث بها في الماء، ثم بعد ذلك يصب هذا الماء الذي قرأ فيه على ماء أكثر، ثم يغتسل به المسحور ويشرب منه بعض الشيء، كثلاث حسوات يشربها منها، ويزول السحر -بإذن الله- ويبطل ويعافي من أصيب بذلك.(2/437)
وقد يوضع في الماء سبع ورقات خضر من السدر تدق وتلقى في الماء الذي يقرأ فيه ولا بأس بذلك، وقد ينفع الله بذلك أيضاً، والسدر معروف، وهو: شجر النبق.
وهناك أدوية مباحة من العقاقير المباحة وما يصفه الأطباء المؤتمنون الحاذقون، فيجوز علاج ما ذكرت في سؤالك بها دون التداوي بما هو حرام، فإن الرسول –صلى الله عليه وسلم- قال: "تداووا ولا تتداووا بحرام، فإن الله ما أنزل داء إلا أنزل له دواء" رواه الترمذي (2038) وأبو داود (3855) وابن ماجة (3436) وأصل الحديث في البخاري (5678) ، وقال: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها" فتح الباري (1/339) .
وفي الأدوية الطبيعية والأدعية الشرعية ما فيه كفاية، ومن الأدعية الشرعية: "اللهم رب الناس أزل البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما" البخاري (5742) ، ومنها: "باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك" مسلم (2186) ، ويكرر ذلك ثلاث مرات، كما ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- (رواه أحمد (25272) والترمذي (972) وابن ماجة (3523) .
والغالب على من استعمل هذا مع إخلاص لله وتوجهه إلى الله بطلب الشفاء أنه يعافى –بإذن الله-، وعلى المسحور أو المريض أن يضرع إلى الله، وأن يسأله كثيراً أن يشفيه ويعافيه، وأن يصدق في طلبه، وأن يعلم أن ربه هو الذي يشفيه، وهو الذي بيده الضر والنفع.
والراقي ينبغي له ألا يرقي بغير ما ورد في الشرع، وألا يجعل فعله ومعالجته للناس تكسباً يأخذ بذلك أموال الناس، ولا شهرة قد تسبب في الغلو فيه والتبرك بذاته، وأن يشعر المريض بأنه يرقيه بكلام الله وكلام الرسول –صلى الله عليه وسلم-، وأن هذا من الأسباب، وأن النافع الضار هو الله وحده لا شريك له.(2/438)
وعسى أن يوجه ولدك ويرشد إلى مثل هذا العمل لا إلى غيره، ونسأل الله لنا ولكم ولكافة المسلمين التوفيق والسداد، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(2/439)
شيوخ يخبرون بمكان المسروق
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 27/3/1423
السؤال
ما حكم امرأة تذهب إلى شيخ، وتسأله عن شيء وقع لها وهي صائمة؟ وتريد أن تعرف مَنْ الشخص الذي سرق بيتها؟
الجواب
من الأصول المقررة في عقيدة المسلم أنه لا يعلم الغيب إلا الله، قال -تعالى-: "قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله" [النمل:65] ، وحتى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وسائر الأنبياء تبرؤوا من دعوى علم الغيب، فلا يعلمون من ذلك إلا ما جاءهم به الوحي: "قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب" [الأنعام:50] ، "قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير" [الأعراف:188] فمن ادعى علم الغيب كان كافراً، نعم هناك المشعوذون كالكهان والسحرة يدعون علم الغيب، وقد يصيبون في أشياء ويخطئون في أكثر من ذلك، بل جاء في شأن الكهان أن مسترق السمع من الجن يخبرهم بما سمع من السماء، فيكذب الكاهن معها مئة كذبة، فيصدقه الناس بأكاذيبه بسبب أنه صدق مرّة، وعلى كل حال فلا يجوز الذهاب لمن يدعي أنه يعرف مكان المسروق فإن هذا من شأن الكهان، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى كاهناً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-" أبو داود (3904) وأحمد (9290) وإن كان هذا المخبر يتظاهر بالدين والخير والصلاح، فإذا كان يدعي أنه يعلم مكان المسروق، ويعرف أين يكون فلان، وأين يوجد فلان، ويحدد مواضعهم مثلاً فإنه كذاب أفاك تنزل عليه الشياطين، قال -تعالى-: "هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون" [الشعراء:221-222] .(2/440)
وبهذا يعلم أن مثل هؤلاء الكهان لا يصح أن يعرفوا باسم الشيخ، أو العالم أو الفقيه، فإنه وإن ادعى العلم والصلاح دجال، يجب الحذر منه، ويجب التحذير من الاغترار بمظهره، ويجب بيان حقيقة مثل هؤلاء، وإذا كان للإنسان قدرة فعليه أن ينكر عليهم، ويمنعهم من إظهار ما عندهم ومن إتيان الناس إليهم، فإن الكهانة من أعظم المنكرات، وكذلك إتيان الكهان، فمن أقدره الله وجعل له سلطاناً فعليه أن يضرب على يد هؤلاء، ويكف شرهم، ويمنع العامة من ارتياد أماكنهم، ويجب على من لديه علم أن يبيّن للناس حكم الكاهن، وإتيان الكهان، فإن ذلك مما يحول بين هؤلاء المضللين وبين ما يريدون، فإنهم بهذه الأعمال الخبيثة يكونون من المفسدين في الأرض، والواجب على المسلم أن يسعى في الإصلاح ودرء الفساد، والله أعلم.(2/441)
معالجة السحر
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 22/4/1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيها الشيخ الفاضل، أرجو مساعدتي في الإجابة عن السؤال الآتي: لدينا امرأة تعاني من السحر لعدة سنوات، وقد قرأ عليها الكثير من المشايخ الأفاضل، سواء من داخل أو خارج البلاد، وكانوا كلهم أهل ثقة لا يعالجون إلا بالقرآن وقد تحسنت، إلا أنه كلما أخرجوا الجني الموكل بالسحر أرسل إليها غيره، وقد أشار بعضهم إلى أن كون السحر مشروباً، وهذا يعني أن مادة السحر موجودة في بطنها، وهذا الذي يجعل من السهل إرسال إليها جني آخر، وقد قام بعضهم بإعطائها أعشاباً مسهلة، وآخر حاول عن طريق الترجيع، وقد نزل دم أسود، ولكن كانت كل المحاولات ترهق المريضة ولا تستطيع الاستمرار، السؤال بالتحديد: هل هناك طريقة يعلمها أحدكم في إخراج مادة السحر من المعدة، وذلك منطلقاً من حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-:"تداووا عباد الله، فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله"؟ أفيدونا أفادكم الله، فنحن في حيرة من أمرها، وهل من نصح في ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا أدري -يا أختي- عن مدى تحققك وجزمك أن ما أصاب هذه المرأة هو نوع من السحر المشروب أو غيره، فلربما توهم كثير من الناس أن ما أصابهم هو السحر، وأنه من نوع كذا وكذا، وعند التحقق يتبين أن الأمر على خلاف ذلك التوهم، غير أني أوصيكم وصية محب بما يلي:
1- أن توطّنوا أنفسكم على الصبر والاحتساب، فالدنيا مترعة بالمتاعب، ومن تأمل عظيم مصائب غيره هانت عليه مصيبته، واعلموا أن الأجر مع الصبر، وأن الله مع الصابرين.(2/442)
2- أوصيكم –مع هذا- بتعاطي الأسباب المشروعة، ومن ذلك: البدء أولاً بمراجعة الأطباء من ذوي الاختصاص، فلربما يتبين أن المرض عضوي يمكن معالجته لدى ذوي الاختصاص، فإن أشاروا عليكم بعد ذلك بمراجعة المصحات النفسية فافعلوا، فقد أصبح كثير من الناس مبتلى بهذه الأمراض، وبمراجعتهم للمستشفيات النفسية يحصل عندهم كثير من التحسن، والعلماء لا يقللون من أهمية المعالجة لدى ذوي الاختصاص، فهم يبذلون أسباباً ينفع الله بها من يشاء.
3- إذا تحقق بعد اتخاذ الأسباب السالفة الذكر أنه سحر فأوصيكم بالرقى الشرعية المأثورة، ولن تعدموا من يفعل ذلك، فليست الأدعية حكراً على شخص دون شخص، ومن الأنفع في ذلك أن يتعاطى المريض الرقية بنفسه، فيرقي نفسه بنفسه معتمداً على الله صادقاً في التجائه إليه واعتماده عليه، ويداوم على ذلك حتى يزول ما به.(2/443)
ولسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- في (مجموع فتاويه ومقالاته) توجيه وتنبيه إلى ما يُتقى به خطر السحر قبل وقوعه، وبعد وقوعه تجدونه مرفقاً بهذه الإجابة، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه ... قال الشيخ/ عبد العزيز بن باز: " أما ما يتقى به خطر السحر قبل وقوعه، فأهم ذلك وأنفعه، هو: التحصن بالأذكار الشرعية والدعوات والتعوذات المأثورة، ومن ذلك: قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة مكتوبة بعد الأذكار المشروعة بعد السلام، ومن ذلك قراءتها عند النوم، وآية الكرسي هي أعظم آية في القرآن الكريم، وهي قوله –سبحانه-:"اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ"، ومن ذلك قراءة "قل هو الله أحد"، و"قل أعوذ برب الفلق"، و"قل أعوذ برب الناس"، خلف كل صلاة مكتوبة، وقراءة السور الثلاث (ثلاث مرات) في أول النهار بعد صلاة الفجر، وفي أول الليل بعد صلاة المغرب، ومن ذلك قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في أول الليل، وهما: قوله –تعالى-:"آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" إلى آخر السورة، وقد صح عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" وقال لي:" لن يزال عليك من الله حافظ ولا(2/444)
يقربك شيطان حتى تصبح" رواه البخاري (2311) ، وصح عنه أيضاً –صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه" البخاري (5009) واللفظ له، ومسلم (807) ، والمعنى –والله أعلم-: كفتاه من كل سوء، ومن ذلك الإكثار من التعوذ بـ (كلمات الله التامات من شر ما خلق) في الليل والنهار، وعند نزول أي منزل في البناء، أو الصحراء، أو الجو، أو البحر؛ لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-:"من نزل منزلاً، فقال:"أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك" مسلم (2708) ، ومن ذلك أن يقول المسلم في أول النهار وأول الليل (ثلاث مرات) :"بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم" الترمذي (3388) وأبو داود (5088) وابن ماجة (3869) وأحمد (446) ؛ لصحة الترغيب في ذلك عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وأن ذلك سبب للسلامة من كل سوء، وهذه الأذكار والتعوذات من أعظم الأسباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور لمن حافظ عليها بصدق، وإيمان، وثقة بالله، واعتماد عليه، وانشراح صدر لما دلت عليه، وهي أيضاً من أعظم السلاح لإزالة السحر بعد وقوعه مع الإكثار من الضراعة إلى الله، وسؤاله –سبحانه- أن يكشف الضرر ويزيل البأس، ومن الأدعية الثابتة عنه –صلى الله عليه وسلم- في علاج الأمراض من السحر وغيره –وكان –صلى الله عليه وسلم- يرقي بها أصحابه-:"اللهم رب الناس أذهب البأس اشفه أنت والشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً" البخاري (5743) واللفظ له، ومسلم (2191) (يقولها ثلاثاً) ، ومن ذلك الرقية التي رقى بها جبرائيل النبي –صلى الله عليه وسلم-وهي قوله:"بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك" مسلم (2186) وليكرر ذلك ثلاث مرات، ومن علاج السحر بعد وقوعه أيضاً، وهو علاج نافع للرجل إذا حبس من جماع أهله أن يأخذ سبع ورقات من(2/445)
السدر الأخضر فيدقها بحجر أو نحوه، ويجعلها في إناء ويصب عليه من الماء ما يكفيه للغسل، ويقرأ فيها آية الكرسي، و"قل يا أيها الكافرون"، و"قل هو الله أحد"، و"قل أعوذ برب الفلق"، و"قل أعوذ برب الناس"، وآيات السحر التي في سورة الأعراف، وهي قوله –سبحانه-:"وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ*فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ"، والآيات التي في سورة يونس، وهي قوله –سبحانه-:"وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ*فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ*فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ*وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ"، والآيات التي في سورة طه:" قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى*قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى*فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى*قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى*وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى".(2/446)
وبعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب منه (ثلاث مرات) ، ويغتسل بالباقي، وبذلك يزول الداء -إن شاء الله-، وإن دعت الحاجة لاستعماله مرتين أو أكثر فلا بأس حتى يزول الداء، ومن علاج السحر أيضاً وهو من أنفع علاجه بذل الجهود في معرفة موضع السحر في أرض أو جبل أو غير ذلك، فإذا عرف واستخرج وأتلف بطل السحر، هذا ما تيسر بيانه من الأمور التي يتقى بها السحر ويعالج بها، والله ولي التوفيق.
وأما علاجه بعمل السحرة الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو غيره من القربات فهذا لا يجوز؛ لأنه من عمل الشيطان، بل من الشرك الأكبر، فالواجب الحذر من ذلك، كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين واستعمال ما يقولون؛ لأنهم لا يؤمنون، ولأنهم كذبة فجرة يدعون علم الغيب ويلبسون على الناس، وقد حذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم -كما سبق بيان ذلك في أول هذه الرسالة-، وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن النشرة، فقال:"من عمل الشيطان" رواه الإمام أحمد (14135) واللفظ له، وأبو داود (3868) بإسناد جيد، والنشرة، هي: حل السحر عن المسحور، ومراده -صلى الله عليه وسلم- بكلامه هذا النشرة التي يتعاطاها أهل الجاهلية، وهي سؤال الساحر ليحل السحر أو حله بسحر مثله من ساحر آخر.
أما حله بالرقية والمتعوذات الشرعية والأدوية المباحة فلا بأس بذلك -كما تقدم-، وقد نص على ذلك العلامة ابن القيم، والشيخ عبد الرحمن بن حسن في (فتح المجيد) -رحمة الله عليهما-، ونص على ذلك أيضاً غيرهما من أهل العلم.
والله المسؤول أن يوفق المسلمين للعافية من كل سوء، وأن يحفظ عليهم دينهم، ويرزقهم الفقه فيه، والعافية من كل ما يخالف شرعه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه. [مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- جـ الثالث صـ (277-281) ] .(2/447)
رقية الحساسية
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 23/11/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لي ابنة لديها حساسية في جلدها وأريد أن أقرأ عليها من القرآن، فما هي الآيات والأحاديث الواردة في هذا الشأن؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالذي أنصح لك به هو:
أولاً: الصبر والاحتساب وتوطين نفسك على تحمل الابتلاء فإن لك في ذلك خيراً إن صبرت واحتسبت.
ثانياً: بذل الأسباب الظاهرة والمعروفة من تعاطي العلاج عند ذوي الاختصاص من الأطباء لهذه الأمراض.
ثالثاً: أن تباشر الرقية بنفسك عليها أو ترقي هي نفسها فإن لم يتيسر رقاها من يحسن الرقية ومن الرقى المشروعة في ذلك قراءة الفاتحة والمعوذات على المريض ورقية الدعاء الوارد في صحيح مسلم (2186) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن جبريل -عليه السلام- أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:" يا محمد اشتكيت؟ فقال: نعم، فقال جبريل -عليه السلام-:باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك".
وانظر صحيح مسلم حديث رقم (2186) كتاب السلام باب الطب والمرض والرقى (ج4/1718) ، وانظر زاد المعاد (4/176) .(2/448)
حل السحر بالسحر
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 13/8/1423هـ
السؤال
هل يجوز حل السحر بسحر؟
الجواب
حلُّ السحر بالسحر يقتضي الذهاب إلى الساحر ليقوم بفك السحر وإبطاله وهذا لا يتم له إلا باستحضار الجن، أي: الشياطين وطاعتهم، فإنهم لا يطيعون ولا يخدمون إلا من يطيعهم بما يريدون منه، فالذي يذهب للساحر لا بد أن يكون راضياً بما يفعل، والذي يذهب إليه لحلّ السحر يتضمن سؤاله وتصديقه، وهو من نوع الذهاب إلى العرّاف والكاهن، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-:"من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-" رواه الترمذي (135) ، وأبو داود (3904) ، وابن ماجة (639) وأحمد (9536) ، وعلى هذا فلا يحل السحر بالسحر، والله أعلم.(2/449)
معالجة المسحور
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 29/11/1423هـ
السؤال
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.
شيخنا الفاضل أرجو من الله أن يصلكم سؤالي هذا وأنتم في أتم الصحة والعافية، سيدي لن أطيل عليكم، فمشكلتي تتلخص في أخي الذي لم يوفق في الزواج إلى الآن، شيخنا الجليل إن مشكلتنا في زواج أخي يوافق على الزواج في بادئ الأمر، حتى إذا أوشك الموضوع إلى التمام رفض بشدة، وأصبح في حالة شديدة من الضيق والتعب، أو أن أهل الخطيبة يرفضون بعد الموافقة، لم نشك في الموضوع في بادئ الأمر حتى جاء أحدهم وهو رجل راشد لا يتهم بكذب، وأخبرنا أن والده هو من قام بربط أخي عن الزواج ولا نعرف السبب.
الآن مضى على علمنا بالموضوع قرابة العشر سنوات، ونحن نحاول علاج أخي دون جدوى وهو يرفض مناقشة الموضوع أو الذهاب إلى شيخ لعلاجه، شيخنا الآن وقد تجاوز أخي الثالثة والأربعين من عمره، ذكر لنا شيخ يستطيع القراءة عليه، فهل يجوز الذهاب إليه؟ وهل علي إثم في تعريف أهلي بعنوان هذا الشيخ؟
أفيدونا وجزاكم الله ألف خير.
الجواب
الحمد لله وبعد:
أولاً: إذا كان أخوك مسحوراً فعلاً عن الزواج وتريدون علاجه من ذلك، فإن علاجه من نفسه باللجوء إلى الله - سبحانه وتعالى - بالدعاء والتضرع مع حسن العبادة لإزالة ضرره والله - سبحانه وتعالى - قال وقوله الحق "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ " الآية، [البقرة:186] ، وقال سبحانه: "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ" [النمل:62]
ثانياً: حل السحر عن المسحور المسمى بالنشرة على قسمين:(2/450)
الأول: أن يكون بالقرآن الكريم والأدعية الشرعية والأدوية المباحة، فهذه لأبأس بها لما فيها من المصلحة وعدم المفسدة، بل ربما تكون مطلوبة لأنها مصلحة بلا مضرة.
الثاني: إذا كانت النشرة بشيء محرم كنقضه السحر بسحر مثله، فهذا موضع خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من أجازه للضرورة، ومنهم من منعه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن النشرة فقال "هي من عمل الشيطان" رواه أبو داود، وإسناده جيد.
فإن كان الذي ذكر لك يداوي بالقرآن والأدعية الشرعية والأدوية المباحة فلا بأس بالذهاب إليه لحاجة أخيك، وإن كان ساحراً أو كاهناً أو يعالج بغير الأدوية المباحة والأدعية الشرعية فلا يذهب إليه.
لكن إن كان من فعل السحر بأخيك حياً فليذهب إليه؛ لنقض ما عمل إن لم يترتب على ذلك مفسدة شرعية، والله أعلم.(2/451)
قراءة الأبراج
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 7/11/1422
السؤال
كنت جالسة في المستشفى أقرأ الجريدة حتى يأتي دوري وأدخل على الدكتور، وخلال تصفحي للجريدة قدمت إلي ممرضة يبدو من هيئتها ونطقها للغة العربية أنها أجنبية، وطلبت مني قراءة الأبراج لها حتى تعرف حظها في ذلك اليوم. قلت لها: إن الأبراج حرام، وأنه لا يعلم الغيب إلا الله، فقالت: نعم أنا أعرف ذلك، وستكون آخر مرة أقرأ بها الأبراج، وبعد إصرارها قرأت لها، مع العلم أنني وضحت لها أكثر من مرة أنه لا يعلم الغيب إلا الله. الآن أشعر بالذنب؛ لأني ساعدتها على هذا المنكر، فهل علي إثم؟ وكيف أتوب من هذا الذنب؟
الجواب
لا يجوز معاونة أي إنسان على فعل منكر وليس في الأمر مجاملة؛ لأن إرضاء رب العالمين الذي خلقنا وأوجدنا وبيده الكون كله مقدم على رضا كل البشر، وأما ما فعلته الأخت من قراءة الأبراج فهو معصية كفارتها التوبة، أي: تندم على ما فعلت، وتستغفر، وتتوب، وتعزم على عدم فعل ذلك مستقبلاً، ومن تاب تاب الله عليه، فالله - عز وجل - كريم رحيم يقبل توبة عبده، ويغفر له إذا تاب. والتوبة تجب ما قبلها أي: تمحوه وتزيله، والله الموفق.(2/452)
هل هذه الرقية جائزة؟
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 26/10/1424هـ
السؤال
هناك رقية للعين مجربة، ثبت بالتجربة المتكررة فائدتها لكثير من الناس، وتتلخص في قراءة الفاتحة سبع مرات، وآية الكرسي ثلاث مرات، والقدر ثلاث مرات، والمعوذتين ثلاث مرات، ثم يقول: (أقسمت عليك أو (حرجت عليك) أيتها العين الضابطة أو العين الحاسدة بعزة الله وقدرته أن تخرجي من هذا الجسد، فإن لم تخرجي فأنت بريئة من الله والله بريء منك) ثم يتلو آيات الشفاء الواردة في القرآن مثل: "وإذا مرضت فهو يشفين ... ".
1- هل يجوز العمل بالرقية المذكورة؟
2- هل قول أقسمت عليك فيها محظور شرعي؟
3- يرى البعض أن الرقية مبنية على الاجتهاد، كما جاء في قصة اللديغ، فهل هذه منها؟
الجواب
الرقية التي ذكرها السائل لا بأس بها في الجملة، إلا قوله: (فأنت بريئة من الله والله بريء منك) فمثل هذا الكلام لا أعلم ثبوته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أحد من السلف ممن يقتدى بهم، ومثل هذا لا بد أن يكون عن المعصوم -صلى الله عليه وسلم- وإلا كان قولاً على الله بغير علم، وفي النهي عن ذلك يقول -تعالى-: "وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" [البقرة:169] فالواجب تركها، كما أن السائل ذكر عدداً محدداً تقرأ به سورة القدر وآية الكرسي، ولا أعلم أن هذا يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن بعض أهل العلم قد رخَّص في هذا وأمثاله إذا ظهر بالتجربة نفعه.(2/453)
وأما سؤاله عن الرقية أهي من قبيل الاجتهاد، فإن ظاهر النصوص الواردة عن –النبي صلى الله عليه وسلم- تدل على جواز الاجتهاد في الرقية، فقد أخرج مسلم (2200) وغيره من حديث عوف بن مالك –رضي الله عنه- أن بعض الصحابة –رضي الله عنهم- سأل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن الرقى التي يسترقون بها في الجاهلية، وعرضوها عليه قال: "اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك" فتضمن الحديث الإذن المطلق في الرقى، وقيدها بألا تكون شركاً، ومثله ما أخرجه مسلم (2199) من حديث جابر –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- نهى عن الرقى، فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقالوا: "يا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إنه كانت عندنا رقية نرقى بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى، قال: فعرضوها عليه، فقال: ما أرى بأساً، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه". فدل ظاهر هذه النصوص على جواز ذلك، حتى ماكان من رقاهم في الجاهلية، بشرط ألاّ تتضمن حراماً. على أن أهل العلم شرطوا لجواز الرقية شرطين:
الأول: أن تكون الرقية بأمر مباح، ولذا نصَّ أهل العلم على عدم جواز الرقية بألفاظ أعجمية؛ مخافة أن تتضمن كلاماً محرماً، قال مالك –رحمه الله- وقد سئل عن الرقية: (لا بأس بذلك بالكلام الطيب) ، وقال المازري: (ينهى عن الرقى إذا كانت باللغة العجمية، أو بما لا يدرى معناه لجواز أن يكون فيه كفر) ، وبقريب منه قال الحافظ العراقي في طرح التثريب، وعلى هذا فلا يجوز أن تكون الرقية مشتملة على دعاء غير الله –تعالى- أو الاستغاثة بأحد من الخلق من الإنس والجن أو غيرهم، ومن ذلك ما يفعله بعض الدجالين من خلط كلام غير مفهوم أو طلاسم ورموز بآيات قرآنية أو أدعية مأثورة ونحو ذلك مما يلبسون به على الناس.(2/454)
الثاني: أن يعتقد المرء أن هذه الرقية لا تؤثر بنفسها، بل هي كسائر الأسباب والأدوية المجربة التي أذن بها الشرع، وجعلها -تعالى- أسباباً يحصل بها الشفاء، وإنما الشفاء حقيقة من الله -تعالى-، يقول -تعالى- ذاكراً قول خليله إبراهيم -عليه السلام-: "وإذا مرضت فهو يشفين" [الشعراء:80] .
ومما يجب التنبيه عليه أن كثيراً من الناس يتعلَّق بالرقى المحرَّمة بحجة أنها مجربة، وأن نفعها ظاهر، وهذا من جملة البلاء والفتنة التي يمتحن الله بها عباده، فإن السحر له تأثير مشاهد وقد ينفع صاحبه كما أخبر -تعالى-، ومع هذا فأقل ما يقال فيه إنه من كبائر الذنوب، إن لم يكن كفراً مخرجاً من الملة.
بقي أن يقال: إن أعظم الرقى وأبلغها نفعاً ما كان من كلام الله، أو تضمنت أسماءه وصفاته، أو ما صح عن نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ومما يؤسف له أن كثيراً من الناس يزهدون فيهما إلى كلام آحاد البشر ممن قد يكون لا خلاق له، وهذا من الخذلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.(2/455)
لبس القلائد التي فيها ذكر الله
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 17/10/1423
السؤال
ما حكم لبس القلائد المكتوب فيها اسم الله أو عبارات أخرى مثل: ما شاء الله، وغيرها؟
الجواب
لا ينبغي لبس ما فيه ذكر الله؛ لأن ذلك يعرضه للامتهان، وقد قال أهل العلم إن لبس التمائم من القرآن يؤدي إلى امتهان ما فيها من ذكر الله، فإنه قد يدخل بها محل قضاء الحاجة، وقد تكون القلادة في موضع من البدن مستقذر، فينبغي عدم الكتابة لشيء من أسماء الله، أو آيات القرآن على ما يلبس.(2/456)
الجمع بين النهي عن الطيرة والاسترقاء
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 12/10/1423هـ
السؤال
في حديث الذين يدخلون الجنة بغير حساب ذكرت عدة أمور، ومنها: لا يسترقون، ولا يتطيرون، والمعروف أن الطيرة من الشرك، والرقية جائزة، فلماذا قرن بين هذا وهذا؟
الجواب
نعلم أولاً أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عرّف السبعين ألفاً باجتنابهم للأمور الثلاثة المذكورة، ومعلوم بالضرورة أن هذا الفضل لا يتحقق بمجرد هذه التروك، وإنما هذا من قبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى، فإذا كانوا يتركون المكروه، وخلاف الأولى، فلأن يتركوا سائر الذنوب، ويحافظوا على الواجبات، وترك المحرمات من باب أولى، فهؤلاء السبعون ألفاً لا ريب أنهم من أول السابقين لدخول الجنة، وقد فسر العلماء السابقين المسارعين في الخيرات بأنهم الذين يفعلون الواجبات والمستحبات، ويتركون المحرمات والمكروهات وفضول المباحات، فيجب أن يعلم ذلك، فإن كثيراً من الناس يظن أنه يستوجب هذا الفضل بترك الاسترقاء ونحوه، وأما لِمَ قرن بين الاسترقاء وهو جائز والطيرة وهي شرك؟ فإن دلالة الاقتران كما يقول الأصوليون ضعيفة، فقد يجمع بين الأمرين وإن اختلف حكمهما لما بينهما من الاشتراك، وهذه الأمور وإن تفاوت حكمها فإن بينها قدراً مشتركاً، وهو تحقيق التوكل، ولهذا جمع ذلك بقوله: "وعلى ربهم يتوكلون" البخاري (5705) ، مسلم (218) ، فهم لا يتعاطون هذه الأمور المنافية للتوكل الواجب أو المستحب، والأسباب وإن كانت جائزة فلا يجوز الاعتماد عليها، فإن الاعتماد على الأسباب شرك، فهذا هو الظاهر -والله أعلم- من الجمع بين هذه الأمور الثلاثة أنه يجمعها تحقيق التوكل، والله أعلم.(2/457)
الذهاب للساحر وتعلم السحر
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 16/12/1423هـ
السؤال
ما حكم الذهاب إلى الساحر؟ وما حكم طلب علم السحر، مع الإيمان بأنه سبب فقط.
الجواب
الحمد لله، لا يجوز الذهاب للسحرة، لا لسؤالهم ولا لطلب حلّ السحر، فإن الساحر كالعراف والكاهن وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أتى كاهناً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - " الترمذي (135) أبو داود (3904) ابن ماجة (639) النسائي في الكبرى (8968) وأحمد (9290) ، وكذلك لا يجوز تعلم السحر فإنه من علم الشياطين، وقد أخبر - سبحانه وتعالى - عن اليهود بأنهم يتبعون ما تتلوا الشياطين، قال تعالى: "وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ" الآية، [البقرة: 102] فهو من العلم الذي تلقيه الشياطين على أوليائها، فلا يجوز طلب هذا العلم فإنه يقوم على الشرك والكفر بالله، ولهذا قال سبحانه وتعالى في نفس الآية: "وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ" الآية [البقرة: 102] .(2/458)
فدلت الآية على أن تعلمه موجب للكفر لقوله تعالى: "وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر" [البقرة: 102] فالواجب الحذر من الذهاب للسحرة، بل الواجب الإنكار عليهم، والتبليغ عنهم لتطهير المجتمع من وجودهم، فإن وجودهم فساد للأمة، كما أن الواجب على المسلم أن يبتعد عن العلوم المحرمة والعلوم الضارة المفسدة للدين ومن شرها علم السحر، فنسأل الله سبحانه وتعالى العفو والعافية وصلاح أحوال المسلمين بمنه وكرمه، والله أعلم.(2/459)
هل تجوز هذه التميمة؟
المجيب د. صالح بن عبد العزيز التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 07/09/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
لي طفل لم يكمل السنة بعد، وعندما يهم بالنوم ألاحظ عليه أنه يفز من نومه كثيرًا، وعندما سألت بعض الزملاء قال لي أحدهم بأن له ولد في مثل سنه كان يمر بتلك الحالة وذهب به إلى أحد المشايخ، وقال له بأن ولده فيه قرين، وأعطاه حرزًا، ومن يومها، ولله الحمد، لم يصبه شيء، فأفيدوني جزاكم الله خيرًا، علمًا بأنني أقرأ على ولدي أحيانًا آية الكرسي وآخر سورة البقرة والمعوذات. والله يحفظكم.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هذه المسألة ممن يفيد فيها علماء الاجتماع والنفس الذين لهم خبرة في ذلك؛ لأن معظم الحالات التي ترد على الصغار أو المراهقين ترجع إلى نوع التعامل الأسري الذي يتم في البيت، وكذلك برنامج النوم، وأيضًا ما يتعرض له الطفل أو المراهق من مشاهدات مزعجة تستفز الأعصاب، وتحدث ذلك النوع من الخفقان.
أما موضوع الحروز والخطوط وما يعلق في عنق المصاب، أو يوضع له في علبة قريبًا من رأسه، فهذا ليس من هدي السلف، وقد يكون الشفاء امتحانًا لمن توكلوا عليها، وعلى المسلم والمسلمة أن يسلك المنهج الصحيح من الرقية الشرعية وقراءة الأوراد، والبحث عن الأسباب التي تسبب هذه الأمور في الغالب، ومن ثم يسعى لإزالتها كالمنكرات التي ملأت غرف الأولاد والصور، والأغاني ونحوها، فهي من أسباب ذلك. والله أعلم.(2/460)
ماء الرقية للهداية
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 28/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يوجد شخص منحرف عن طاعة الله ويضايق أهله وطلبوا أن أحضر ماء رقية مقروء فيه، وذلك لعل الله أن يهديه هل هذا العمل صحيح؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فمما لا شك فيه أن الرقية الشرعية دواء للأمراض البدنية والنفسية، والرقية الشرعية تكون بالنفث المباشر من الراقي على المرقي، وقد أجاز بعض العلماء القراءة في ماء أو زيت ونحوه ويشربها المرقي أو يدهن بها.
أما ما ذكر في السؤال فالأولى والله تعالى أعلم أن يُلح له في الدعاء بالهداية وخاصة في أوقات تحري الإجابة، كما تتخذ معه وسائل الهداية بقدر المستطاع كإبعاده عن رفقاء السوء، والجو الاجتماعي السيئ واختيار الصحبة الصالحة له، إضافة إلى تهيئة جميع الوسائل المناسبة للهداية وتضييق عوامل الغواية، نسأل الله العلي القدير لنا وله الهداية وجميع المسلمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(2/461)
الرقية قبل أو بعد المرض؟
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 22/6/1424هـ
السؤال
هل الرقية الشرعية تكون إذا أصيب الإنسان بمرض أو آفة، أم أنها تكون كذلك قبل الإصابة بمرض أو عين أو مس؟
الجواب
الرقية إنما تكون حين يصاب الإنسان بسبب يستدعي الرقية، كما في حديث عمران -رضي الله عنه-:"لا رقية إلا من عين أو حُمَةٍ" رواه البخاري (5705) ، ومسلم (220) ، ونصيحتي للأخ السائل وغيره أن يحرصوا على أوراد الصباح والمساء، فهي الحصن الحصين للوقاية من الشيطان ومن كل سوء ومكروه، وهي أوراد معروفة مدونة في كتيبات صغيرة في متناول الجميع، كما ينبغي له حين يأوي إلى فراشه كل ليلة أن يجمع كفيه ثم ينفث فيهما فيقرأ المعوذات ثم يمسح ما استطاع من جسده، يبدأ بهما من على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات، وهذا كله من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-. انظر ما رواه البخاري (5017) من حديث عائشة -رضي الله عنها-.(2/462)
تعدي تأثير السحر إلى غير المسحور
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 25/4/1424هـ
السؤال
هل يمكن أن يصل تأثير السحر إلى غير المسحور؟ بمعنى أنه مثلاً في سحر الصرف والعطف هل يمكن إذا وقع السحر على الزوج أن تكون الزوجة هي التي تحب أو تبغض.. أو العكس؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، الظاهر أن تأثير السحر إنما يقع على المسحور، ولكن قد يتضرر به من تربطه بالمسحور رابطة، فيحصل له من المسحور من الأذى وأنواع الضرر بسبب معاشرة المسحور، وعلى هذا فإذا سحر الزوج لتحبيب امرأته أو ليحب امرأته فذلك يختص به، وحينئذ يتعلق بها ويحبها حباً مفرطاً، لأن حبه لها بسبب السحر ليس حباً طبيعياً عادياً، ولا يلزم من ذلك أن تحبه امرأته في الغالب، بل قد تبغضه وهو مفتون بها، فتعظم المصيبة عليهما معاً، وكذلك سحر الصرف كما يسمونه، وهو ما يفرق به بين الأحبة، وهو الذي ذكره الله في قوله: "فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه"
[البقرة: 102] وهذا من أقبح أنواع السحر؛ لأنه مضاد لما يحبه الله ورسوله - عليه الصلاة والسلام - من الألفة بين الزوجين، ودوام عشرتهما، والشيطان وجنوده أحرص ما يكونون على مضادة ما يحب الله، وهم يسعون للفساد والإفساد، وهذا سبيل الأشرار من الإنس والجن، كفانا الله شرهم، ووقانا خطرهم، وقد شرع الله لعباده التعوذ من شر كل ذي شر، ومن السحرة والحاسدين، كما في قوله تعالى: "قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد" [الفلق: 1-5] . والله أعلم.(2/463)
حكم الساحر
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 9/5/1424هـ
السؤال
ما حكم الساحر؟ وهل الساحر كافر أم مشرك؟ وما الفرق بين الكافر والمشرك؟ وهل المشرك مخلد في النار والكافر في رحمة الله؟
الجواب
الساحر الذي يأتي في سحره بمكفرٍ مرتد كافر، وإن ثبت أنه قتل بسحره نفساً معصومة قتل قصاصاً، وإن لم يقتل نفساً ففي قتله بسحره خلاف، والصحيح أن يقتل حداً لردته، ويقتله ولي أمر المسلمين، وهذا هو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد - رحمهم الله - لكفره بسحره مطلقاً لدلالة آية البقرة: "وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ" [البقرة: من الآية102] ، فالآية دلت على كفر الساحر مطلقاً، وعند أبي داود (3043) ، وأصله في البخاري (3156) أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتب إلى الأمصار أن اقتلوا كل ساحر وساحرة ... ، وصح عن أم المؤمنين حفصة - رضي الله عنها - أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها. رواه مالك في الموطأ (1672) .
وثبت عند الترمذي (1460) عن جندب -رضي الله عنه- أنه قال: "حد الساحر ضربةٌُ بالسيف"، فهذه الأدلة كلها تدل على قتله ردة لكفره، أما الفرق بين الساحر والمشرك: فالساحر هو الذي يعمل العقد والرقى والقراءات والطلاسم ليتوصل بها إلى استخدام الشياطين فيما يريد ليضر المسحور، أو يستعمل أدوية وعقاقير تؤثر على بدن المسحور وعقله وإرادته وميله ... إلى آخر ما يعمله السحرة ويؤثرون به على الناس، ومن أقسام السحر ما لا يأتي غالباً إلا بالشرك.(2/464)
وأما المشرك: فهو من يجعل لله نداً، إما في أسمائه وصفاته فيسميه بأسماء الله ويصفه بصفاته، قال الله تعالى: "وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [الأعراف:180] .
وإما أن يجعل له نداً في العبادة: بأن يضرع إلى غيره- سبحانه- من شمس أو قمر أو نبي أو ملك أو ولي مثلاً بقربة من القرب، أو استغاثة في شدة أو مكروه أو استعانة فيما لا يقدر عليه إلا الله في جلب مصلحة، أو دعاء ميت أو غائب لتفريج كربة أو تحقيق مطلوب أو نحو ذلك مما هو من اختصاص الله، فكل هذا وأمثاله عبادة لغير الله واتخاذ شريك مع الله.
وإما أن يجعل لله نداً في التشريع بأن يتخذ مشرعاً له سوى الله أو شريكاً لله في التشريع يرتضي حكمه ويدين به في التحليل والتحريم عبادة وتقرباً وقضاء وفصلاً في الخصومات أو يستحله وإن لم يرده دينا كما قال الله تعالى: "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" [التوبة:31] ، وأمثالها من الآيات والأحاديث.
فهذه الأنواع الثلاثة هي أعمال المشرك، وما سبق أعمال الساحر، وهذا يبين الفرق بينهما.
والساحر إن كان سحره من استخدام الشياطين لإضرار المسحور فهو من الاستعانة بغير الله وهو ردة، صاحبه من المخلدين في النار لأنه داخل في الكفر، والله قال عن الكافرين: "خالدين فيها أبدا" [النساء: 169] .
والمشرك كذلك إذا كان شركه مخرجاً عن الملة كما سبق، والكفر ملة واحدة، "إن الله لا يغفر أن يشرك به" [النساء: 48] ، وليس في رحمة الله منهما إلا من تاب وأناب منهما وعمل صالحاً، وإن عمل سوءاً أو كبيرة غير ما سبق من الكفر والشرك.(2/465)
ما يفعله العائن لإنقاذ المعين؟
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 17/5/1424هـ
السؤال
تعرضت أختي للإصابة بالعين بسببي عن غير قصد مني، وهي الآن مريضة..ماذا أفعل؟ أفيدوني أفادكم الله..أرجو الرد بسرعة.
الجواب
العين حق، ولو شيئاً يسبق القدر لسبقته العين، هكذا أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم-، انظر صحيح البخاري (5740) ، وصحيح مسلم (2187-2188) والله تعالى أمرنا في سورة الفلق بالاستعاذة من شر حاسد إذا حسد، فالإصابة بالعين هي ضرب من ضروب الحسد، ولو لم يقصده الإنسان مباشرة، لكنه وقع في نفسه وتحول إلى إصابة في الطرف الآخر، وقد جاء في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: "أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة ومن شر كل عين لامة" أخرجه البخاري (3371) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، والواجب على الإنسان الذي يجد في نفسه شيء من هذا المرض الخبيث أن يكثر من ذكر الله، وأن يبرك إذا رأى ما يعجبه في الآخرين، فإذا رأى شيئاً يعجبه قال: ما شاء الله تبارك الله، "ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله" [الكهف: 39] فينبغي للإنسان أن ينتبه لهذه الأمور، ويجب عليه ويلزمه أن يدعو لهذا المصاب، ويقرأ عليه سورة الإخلاص والمعوذتين وسورة الفاتحة وآية الكرسي وينفخ على المصاب، ويتوضأ للمصاب في إناء يغسل فيه أعضاء وضوئه ومواطن العرق فيه كإبطيه ونحوه، ويكون ذلك بإناء يغتسل به المصاب، ونسأل الله - جل وعلا - العافية من كل سوء.(2/466)
استخدام الجن لفك السحر
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 9/4/1424هـ
السؤال
ما هو الحكم في استعمال الجن لفك السحر ومعرفة مكانه والذي قام به؟ وهناك من يقول إنه إذا لم يكن هناك أمر مخالف كذبح للجن وخلافه وإنما هي وسيلة لمعرفة مكان الضرر وإخراجه لكي تنتهي المأساة. والمسألة على خلاف بين أهل العلم.
الجواب
هذا الموضوع متعلق بمسألة النشرة، وهي حل السحر عن المسحور، وله طريقان:
الأول: الرقية الشرعية والتعوذات والأدوية المباحة فهذا طريق مشروع، وهو بحمد الله نافع ومجرب، والرقية الشرعية أجمع العلماء على أنها جائزة بشروط ثلاثة: الأول: أن تكون بالقرآن والأدعية الصحيحة.
الثاني: أن تكون باللسان العربي وما يفهم معناه.
الثالث: ألا يعتمد عليها بذاتها، وإنما يعتمد على الله، فالله وحده الشافي لا شفاء إلا شفاؤه، والرقية سبب من الأسباب.
الطريق الثاني للنشرة: حل السحر بسحر مثله عن طريق التقرب إلى الشياطين ليخدموهم في حل السحر ومعرفة موضعه، فهذه محرمة بل شرك بالله لما فيها من التقرب إلى الشياطين، وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النشرة فقال: "هو من عمل الشيطان" رواه أحمد (14135) وأبو داود (3868) من حديث جابر - رضي الله عنه- بسند جيد.
وإن كانت بغير طريق شركي فعامة أهل العلم على التحريم، لأنها وسيلة إليه، ولعموم حديث جابر - رضي الله عنه - السابق وما جاء عن الصحابة - رضي الله عنهم - ولما عند الشياطين من الكذب والتلبيس وتغيير الحقائق والكذب على الأبرياء لإيقاع العداوة والفرقة وفق الله الجميع لرضاه.(2/467)
حرز الجوشن الكبير
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 19/7/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، رأيت بعض الناس يقتنون كتيبات صغيرة تحمل اسم (حرز الجوشِن الكبير) ، وقد استغربت منها، فما الحكم في اقتنائها واتخاذها حرزاً من العين وغير ذلك؟ هل تعتبر هذه الكتيبات من التمائم؟ علماً أنها تحتوي على أدعية وأحاديث منسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أعرف درجة صحتها..، فأرجو منكم الرد والتوضيح؛ حتى يزول اللبس، وإن كانت من البدع.. فهل من نصيحة نوجهها لهؤلاء الناس الذين يقتنونها دون أن يعلموا أنها كذلك؟ أرجو أن يكون السؤال واضحاً، جزاكم الله خير الجزاء، ووفقكم لما يحب ويرضى.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فبخصوص السؤال عن الكتيبات الصغيرة التي تحمل اسم: (حرز الجوشن الكبير) فهذه لا أعرفها ولم أرها ولا أدري ما محتواها، ولكن الغالب الأعظم في مثل هذه الكتيبات أنها من التمائم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له" رواه أحمد (17404) وابن حبان في صحيحه (6086) وغيرهما من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، ولا تخلو عادة من البدع إن سلمت من الشرك والعياذ بالله.
ثم حتى لو كانت آيات قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة فإنه لا يجوز تعليقها وإتخاذها حرزاً بمثل هذه الحالة في الصحيح من قولي العلماء، وقد اختلف الصحابة - رضي الله عنهم - في المعلق من القرآن، والأكثر على منع ذلك، لما يترتب عليه من المحاذير الشرعية، ومنها دخول الخلاء بالآيات القرآنية وغير ذلك من المحاذير.(2/468)
والتحرز من العين ليس بتعليق التمائم حتى وإن كانت آيات وأحاديث صحيحة، وإنما بما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - وبما شرع كقراءة المعوذتين وآية الكرسي وسورة الإخلاص ونحوها، والالتزام بالأوراد الشرعية، وإن كان المطلوب تحريزه صغيراً لا يحسن القراءة فليقرأ عليه وليه الكبير، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين ... " رواه البخاري (3371) ، وقال - صلى الله عليه وسلم - "ما تعوذ بمثلهن أحد " رواه النسائي (5430) وأصله في مسلم (814) من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنهما -.
ونصيحتي للأخ السائل الحذر من مثل هذه الكتيبات والحروز المجهولة، فهذا أسلم لدينه وأبرأ لجسده، وأحفظ له من الشياطين، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(2/469)
تحضير الأرواح (النورانية)
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 21/9/1424هـ
السؤال
أقرأ في بعض الكتب عن تحضير الأرواح النورانية، مثل خدام المصحف وخدام أسماء الله الحسنى، وهذه تحصل عن طريق الخلوة وإطلاق البخور، هل هذا جائز في الإسلام؟ ولا يتنافى مع الإسلام؟ ولا يدخل في معصية الله؟ وبارك الله فيكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذا الذي تذكره مما وقفت عليه في بعض الكتب من تحضير الأرواح النورانية عن طريق الخلوة وإطلاق الأدخنة من الباطل المبثوث في كتب الشعوذة والسحر، ولا يجوز التعويل عليه، ولا الالتفات إليه إلا على سبيل الرد والنصح لمن يتعاطى مثل هذه الأشياء، لبيان أن هذا مما يقدح في العقيدة ويتنافى مع التوحيد، ومثله دعاوى القائلين بتحضير الأرواح عن طريق التنويم المغناطيسي، وهي دعاوى وأوهام خاض غمارها أناس، فلما اهتدوا كشفوا عوارها وبان لهم زيفها، وقد بين سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ذلك، وأشار إلى ما ذكره الدكتور محمد محمد حسين في كتابه (الروحية الحديثة حقيقتها وأهدافها) ، حيث كان ذلك الدكتور ممن خدع بهذه الشعوذة زمناً ثم هداه الله للحق، وانظر تفاصيل ذلك في الكتاب المذكور، وفي مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (ج3/309 - 316) ، وانظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (2/1032) ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(2/470)
ما يقال للعائن لاتقاء عينه؟
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 5/5/1424هـ
السؤال
هل هناك قول يجيب به الشخص عندما يقال له أنت متفوق، أنت مداوم على صلواتك وإلخ بقصد الإصابة بالعين؟ فإني قد سمعت أنه يقال: (حبس حابس وحجر يابس وشهاب قابس وردت عين العائن عليه) أفيدونا جزاكم الله كل خير.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فلا شك أن العين حق، كما أخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرجه البخاري (5740) ، ومسلم (2187) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- وقد شرع لنا ما نتحصن به من شياطين الجن والإنس، ومن ذلك أوراد الصباح والمساء كتلاوة آية الكرسي والمعوذتين والإخلاص وقد قال - صلى الله عليه وسلم -قل: "قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء" أخرجه أبو داود (5082) ، والترمذي (3575) من حديث عبد الله بن خبيب -رضي الله عنه- وقال عن المعوذتين: "يا عقبة تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما" أخرجه أبو داود (1463) من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- وقال عن آية الكرسي: "لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح" أخرجه البخاري (2311) معلقاً، ووصله غير واحد. انظر فتح الباري (4/487-488) .
أما الشخص الذي يعجب بالشيء ويخشى أن يعين غيره فيؤذيه، فعليه أن يبرك أي يدعو له بالبركة ويقال: "ما شاء الله تبارك الله"، اللهم بارك له فيه ونحوها، كما قال - صلى الله عليه وسلم - "إذا رأى أحدكم من أخيه أو من نفسه أو من ماله ما يعجبه فليبركه فإن العين حق" أخرجه أحمد (15700) والحاكم (4/215) ، وغيرهما من حديث عامر بن ربيعة -رضي الله عنه-.(2/471)
أما ما سمعه السائل: (حبس حابس ... الخ) فهذه خرافة يقولها المستعينون بالجن، وهذا شرك لا يجوز أن يقال، وضرره مؤكد ولا نفع فيه.
وأنصح الأخ السائل بقراءة حصن المسلم وأذكار الكتاب والسنة، وهو كتيب صغير مشهور فيه خير كثير في هذا المعنى.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.(2/472)
هل من هجر القرآن عدم الاستشفاء به؟
المجيب محمد بن ناصر السلمي
القاضي في وزارة العدل
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 29/1/1425هـ
السؤال
كيف نجمع بين القول بأن عدم الاستشفاء بالقرآن من أنواع هجر القرآن, وبين قول النووي في شرحه لصحيح مسلم في حديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب في معنى "لا يسترقون" (وحاصله أن هؤلاء كمل تفويضهم إلى الله -عز وجل-، فلم يتسببوا في دفع ما أوقعه بهم ولا شك في فضيلة هذه الحالة ورجحان صاحبها. وأما تطبب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففعله ليبين لنا الجواز، والله أعلم)
وإذا أراد الإنسان أن يعمل بعمل السبعين ألف جعلنا الله وإياكم منهم ماذا يفعل؟ ما هي أعمالهم؟ دلونا عليها مأجورين، فنحن في زمن لا ندري نخاف من التفريط والغلو وادعوا لنا أن نكون منهم، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
ما ذكره ابن القيم - رحمه الله- من أن من أنواع هجر القرآن، عدم الاستشفاء به محمول على عدم فعل الرقية بنفسه، أو بغيره تفضلاً وإحساناً.
وهذا هو الذي ذكره شيخ الإسلام وتبعه على ذلك ابن القيم واختاره ونصره الشيخ سليمان بن عبد الله، وهو التفريق بين فعل الرقية وبين طلبها.
ففعل الرقية سواء بنفسه أو بغيره فضل وإحسان، وطلبها مكروه قادح في التوكل. واستدل - رحمه الله- بما يلي:
(1) ما ورد في حديث السبعين ألفاً وفيه "هم الذين لا يسترقون" أي: لا يطلبون من أحد أن يرقيهم والحديث رواه مسلم (218) عن عمران بن حصين - رضي الله عنه -.
(2) أنه ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رقى نفسه وغيره انظر ما رواه البخاري (4439) ومسلم (2192) عن عائشة - رضي الله عنها - ولم يثبت عنه أنه كان يسترقي، وحاله -صلى الله عليه وسلم- من أكمل الأحوال.(2/473)
(3) أن هناك فرقاً بين الراقي والمسترقي: فالمسترقي سائل مستعط ملتفت إلى غير الله بقلبه، والراقي محسن، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه" رواه مسلم (2199) عن جابر -رضي الله عنه -. .
وأما ما ورد في صحيح مسلم (220) من رواية سعيد بن منصور: (ولا يرقون) فقد قرر شيخ الإسلام أنها وهم وغلط من الراوي.
حديث زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزال الجهاد حلواً حضراً ما قطر".
القطر من السماء وسيأتي على الناس زمان يقول فيه قراء منهم: ليس هذا بزمان جهاد، فمن أدرك ذلك الزمان فنعم زمان الجهاد، قالوا: يا رسول الله أو أحد يقول ذلك؟ قال: نعم من لعنه الله والملائكة والناس أجمعون".
هذا الحديث إسناده مرسل. وذلك لأن أسلم العدوي لم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو من كبار التابعين. روى عن أبي بكر، ومولاه عمر، وعثمان، وابن عمر، ومعاذ بن جبل وأبي عبيدة - رضي الله عنهم- وهو قد أدرك زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكنه لم يسمع منه ولم يره. والله أعلم.(2/474)
استعانت بالسحرة لتصرِفَه عن غيرها ويتزوجها
المجيب محمد بن سليمان المسعود
القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 28/11/1424هـ
السؤال
لي صديقة كانت مخطوبة من شخص ففسخ خطوبته معها، وتعرف على فتاة أخرى، فلما علمت صديقتي بالأمر لجأت إلى السحرة، وفعلا قامت بالتفرقة بينهما، ورجع معها وتزوجت به، فما حكم هذا الزواج الذي يتم عن طريق السحرة؟ وشكراً.
الجواب
الحمد لله -تعالى-،وبعد:(2/475)
فإن اللجوء إلى السحرة والذهاب إليهم، وتصديقهم والعمل على ضوء ما يطلبونه أو يأمرونه به من أسباب الكفر والردة عن دين الإسلام عياذاً بالله من ذلك، قال الله –تعالى-: "وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" [البقرة: من الآية102] وفي الأحاديث الصحيحة جاء التحذير من السحر ومن أهله والوعيد الشديد لمن ذهب إلى السحرة أو عمل على تصديقهم؛ لأن الساحر لا يتوصل إلى ما يريده إلا بعد أن يصرف شيئاً من العبادة للجن، وإتيان هؤلاء وتصديقهم إقرار لهم على ذلك، وعليه فإن الوسائل المحرمة لا يحل استخدامها للتوصل بها إلى ما أباح الله –تعالى- من زواج، أو أي أمر آخر مما هو مباح في الأصل، ومعلوم أن الزواج من أعظم الأمور وأخطرها؛ لأنه رباط وثيق، وقد سماه الله –تعالى- ميثاقاً غليظاً، وهو كما لا يخفى يبنى عليه استحلال الفرج، وبه تكون الأسرة ومنه ينشأ النسل، ونقول إنه لا يحل أن يبنى هذا الزواج على أساس محرم، وما بني على باطل فهو باطل، ولأن هذا الزواج إذا كان على وسيلة محرمة فإنه سيكون مآله إلى الفشل والطلاق وكثرة المشاكل، وهذا أمر معهود ومشاهد ومجرَّب، ولذلك فإنني أنصح صاحب هذا الموضوع بأن عليه أن يتقي الله – عز وجل- وأن يبني زواجه على أساس صحيح والله الموفق، وصل الله على نبينا محمد(2/476)
وآله وصحبه وسلم.(2/477)
التطهر لمس كتب السحر!
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 15/8/1424هـ
السؤال
هل يجوز مس كتب السحر لغير المتطهَّر، مع أنها تحوي الكثير من الآيات وأسماء الله الحسنى -؟.
الجواب
ما عدا القرآن من الكتب؛ كتب التفسير أو الحديث أو الفقه لا تأخذ حكم القرآن في عدم جواز مسها إلا لمتطهر، فاشتراط الطهارة لمس القرآن خاص به، وما عداه لا يأخذ هذا الحكم هذا أولاً.
وثانياً: لا يجوز الاطلاع على كتب السحر أو اقتناؤها أو الاحتفاظ بها نظراً لعظيم الفتنة بها، وقد جاء في حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سمع بالدجال فَلْيَنأَ عنه، فو الله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه، مما يبعث به من الشبهات" رواه أبو داود (4319) وغيره، والله أعلم.(2/478)
الرقية الجماعية
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 6/9/1424هـ
السؤال
السؤال: كثر في هذه الأيام انتشار السحر والعين والحسد بين الناس، ولقلة عدد الرقاة الشرعيين فأصبحت الرقية عليهم متعبة ممانرى ونسمع، فهل تصح الرقية الجماعية عليهم في هذه الحالة؟ وكيف تكون؟ وهل استخدام مكبرات الصوت جائزة في هذه الحالة؟. والله يحفظكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا يظهر لي - والله أعلم- المنع من الرقية على الصفة التي ذكرتها في سؤالك إذا دعت الحاجة إلى ذلك، لكني أود أن أنبه على أمرين:
أحدهما: أن كثيراً من المترددين لطلب الرقية من العين أو السحر هم في واقع الأمر يعانون من أمراض جسدية، معروف تشخيصها ومعالجتها لدى الأطباء، أو أنهم يتوهمون أنهم مصابون بأنواع من الآفات والأمراض لا حقيقة لها سوى مجرد الوهم، وهنا ينبغي التنبيه إلى عدم الجزم لهؤلاء أن أحدهم مصاب بعين أو أنه مسحور مع أنه في واقع الأمر مصاب بمرض عضوي معروف تشخيصه وعلاجه، أو أنه مصاب بوهم أو وسواس، ولهذا ينبغي نصحهم وتوجيههم إلى أن يتعاطوا الأسباب المشروعة والمعروفة في معالجة هذه الأمراض عند ذوي الاختصاص مع الدعاء وإخلاص التوجيه إلى الله في طلب المعافاة.
ثانياً: ينبغي أن يوجهوا أيضاً إلى أن يتعاطوا الرقى الشرعية بأنفسهم لأنفسهم، وذلك بتعلم الأذكار والرقى المشروعة على الصفة المشروعة إذ إن من يرقي نفسه سيكون أخلص في توجهه وأصدق في دعائه لتخليص نفسه وشفائها. والله الموفق.(2/479)
معالجة روحانية أم كهانة؟!
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 04/11/1426هـ
السؤال
هل يوجد في الإسلام ما يسمى (معالج روحاني) ، فأنا وجدت موقعاً على الإنترنت لمعالج روحاني، كل كلامه بالقرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وفي هذا الموقع يعرض طريقة يمكن للإنسان أن يكتشف إن كان معمولاً له سحر أو لا، فهو يأتي بشيء من ملابس المريض، ويقرأ عليها سورة (يس) سبع مرات، ثم يقول: يا خدام هذه السورة الشريفة بينوا إن كان بي سحر أو لا؟
فأنا أريد معرفة مشروعية هذه الطريقة، وهل هذا الرجل يعتبر دجالاً؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه الطريقة غير مشروعة، فهي من الكهانة والعرافة، ولو كان الفاعل لها يتظاهر بالصلاح ويقرأ القرآن، سواء سورة يس أو غيرها، ويدعي من يزعم بأنهم خدام السورة فهو يمارس الكهانة أو العرافة التي جاء الوعيد في شأنها في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد". أخرجه أحمد (9536) ، وأبو داود (3904) ، والترمذي (135) . وقوله: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة". أخرجه مسلم (2230) . وهذا يدل على أن من سأله فصدقه كفر، ومن سأله ولم يصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً. والله المستعان.(2/480)
تحضير خدام القرآن من الجن
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 1/11/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
باختصار وجدت رسالة هالني ما كتب فيها من خزعبلات وأحببت أن أرد، ولكن أحببت الرد عن طريق شخص تثق الناس في علمه، ليكون للكلام تأثير أكبر، وفيها.
تعلَّم تحضير خدام القرآن من الجن المسلمين، واكشف على نفسك أبك سحر أم مس أو نظرة؟
ونبدأ الشرح أولا تحضر من أثرك أو أثر الإنسان الذي تريد الكشف عنه (الأثر يعني قطعة من ملابسه أو منديل) ، وتحضر قلماً، وتعلَّم علامة في الأثر بعد أن تفرد الأثر لكي تقدر على قياسه، وبعد أن تعلم علامة قس هذا الأثر مستخدما كفك، أي أن تقيس مقدار شبر بكفك (مقدار فتحة الكف من الإصبع الخنصر إلى الإبهام) ، وبعد ذلك تعمل علامة عند آخر الشبر (عند آخر صباع من القياس) ، وبذلك تكون تأكدت تماما وعرفت قياس كفك.(2/481)
ثم تعمل الآتي: تقرأ على هذا الأثر سورة الهمزة كاملة عدد 7 مرات، وتقول بعد أن قرأت السورة 7 مرات توكلوا يا خدام هذه السورة الشريفة، وبينوا لي حال صاحب هذا الأثر، فإن كان ما به من الإنس (أي نظرة أو سحر) فطولوا هذا الأثر، وإن كان ما به من الجن (أي نظرة من جن أو مس من جن) فقصروا هذا الأثر، وإن كان من الله (أي ليس به لا سحر ولا نظرة ولا مس) فأبقوه على حاله (أي على نفس القياس الذي قسته) ، وبعد ذلك قيسوا الأثر فإن طال قليلا بمقدار نص عقلة أصبع أو عقلة كاملة فإن بك نظرة أو سحر، وإن أردت أن تعرف هل بك نظرة من الإنس أم سحر تفعل ما فعلت سابقا، وتقرأ السورة 7 مرات مرة أخرى بعد أن تقيس الأثر تماماً وتعرف القياس، وتقول بعد أن تقرأ السورة توكلوا يا خدام هذه السورة الشريفة وبينوا لي إن كان من نظرة فطولوا هذا الأثر، وإن كان سحر فقصروا هذا الأثر وتقيس وتعرف ما بك، وأيضاً في حالة نظرة من الجن أم مس تفعل ما فعلت سابقا، فنظرة تقول طولوا هذا الأثر، ومس تقول قصروا هذا الأثر، وبعد أن تخلص القياس تصرف خدام السورة بقراءة الآتي: تقرأ الفاتحة 7 مرات وتقرأ الزلزلة 7 مرات وتقرأ آخر سورة الجمعة من أول (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) ، وإن أردت أن تشعل ولو عود بخور فلا بأس، وإن لم ترد فلا مشكلة، واعلموا يا إخواني أن هؤلاء مسلمين لا يؤذون، وهم من خدام القرآن الكريم وهذه أسهل طريقة للكشف، حيث إن هناك العديد من الطرق إنما ذكرت هذه الطريقة للمبتدئين ومن ليس لهم علاقة ولا تداخل بهذا العالم، وأرجو أن أكون شرحت الطريقة بالتفصيل، وأن تكونوا فهمتموها جيدا يا إخواني وإني ذكرت هذه الطريقة لأنه يحدث تباين واضح، فتذهب إلى معالجين كثر، وكل واحد منهم يقول لك شيئاً فإن أنت عرفت ما بك تعرف أين تتعالج، وبأي شيء نتعالج، وما هي وسيلة علاجك؟ جزاكم الله وبارك في أوقاتكم.
الجواب(2/482)
أولاً: إن تحضير الجن هو المعروف باستخدام الجني واستحضاره بأدعية وتعويذات يقوم بها مستحضرهم وذلك نوع من الشعوذة والكهانة وهو ممنوع شرعاً؛ لما فيه غالباً من الشرك والكذب ودعوى علم الغيب ونحو ذلك، قال الله تعالى:"وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً" [الجن:6] وقال سبحانه:"يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم*وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون" [الأنعام:128-129] .
أما الاستعانة بالجن واللجوء إليهم في قضاء الحاجات من الإضرار بأحد أو نفعه فهذا شرك في العبادة لأنه نوع من الاستمتاع بالجني بإجابته سؤاله وقضائه حوائجه، في نظير استمتاع الجني بتعظيم الإنسي له ولجوئه إليه واستعانته به في تحقيق رغبته. قال الله تعالى:"ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم*وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون" [الأنعام:128-129] وقال تعالى:"وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً" [الجن:6] .(2/483)
ثانياً: الجن صنف من مخلوقات الله ورد ذكرهم في القرآن الكريم والسنة النبوية، وهم مكلفون مؤمنهم في الجنة وكافرهم في النار، ولا يستطيعون شيئاً مما لا يقدر عليه إلا الله، ولا يعلمون الغيب، ولا يعلم ما في السماوات والأرض من الغيب إلا الله، قال الله تعالى:"فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين" [سبأ:14] ، ومن ادعى علم الغيب فهو كافر، أو من صدق علم الغيب فإنه كافر أيضاً، لقوله تعالى:"قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله" [النمل:65] .
ثالثاً: لم يرد نص شرعي يؤكد ما ذكر، ولا عرف ذلك عن الصحابة - رضي الله عنهم- أو التابعين أو السلف الصالح الذين هم أعلم الناس بالسنة، وأسباب النزول وما ورد في النصوص الشرعية الصحيحة، وما ذكر عن سورة الهمزة ولا آخر الجمعة أو الفاتحة.
رابعاً: لا فرق بين هذه الطريقة وطرق الشعوذة، بل فيها توهيم وتدليس على الناس أن لها صلة بالقرآن.
خامساً: قوله: طولوا وقصروا وأبقوه دعوة لغير الله ليفعلوا ما لا يستطيعه إلا الله وهذا شرك.
هذا ما بدا لي في هذا، والله الهادي إلى سواء السبيل.(2/484)
ترقي نفسها عن طريق سماع الأشرطة
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 15/10/1424هـ
السؤال
أرقي نفسي عن طريق سماع أشرطة الرقية وأقرأ على نفسي القرآن منذ سنة، وأحس برعشات برجلي خاصة اليسرى، كذلك أحس بانقباضات برأسي ورقبتي، فهل هذا دليل على أني مسحورة؟ أو على العين؟ وكيف أعرف أني شفيت تماما?.
الجواب
الحمد لله، أوصيك أيتها السائلة بأن تحافظي على أذكار الصباح والمساء، وأفضل ذلك أن تقرئي المعوذتين، وقل هو الله أحد، بعد كل صلاة مرة مرة، وبعد الفجر والمغرب، اقرئيها ثلاثاً ثلاثاً، وكذلك آية الكرسي، وعند النوم انفثي في يديك واقرئي المعوذتين، وقل هو الله أحد، وامسحي على جسدك، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك، وادعي وأكثري من دعاء الله أن يشفيك، واكتفي بذلك، وأرجو أن ذلك يغنيك عن الرقية على رجليك أو غيرها من بدنك، وإن قرأت ومسحت على رجليك فلا بأس، ولا يلزم من حصول ما ذكرت من الرعشة أن تكوني مصابة بعين ولا مس، فقد يكون ذلك من الأوهام التي تعرض لنفس الإنسان، ويكون لها أثر على بدنه، فتوكلي على الله وأكثري من التضرع إليه سبحانه، واحفظي بعض الأدعية الواردة مثل أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق، ردديها في الصباح والمساء، ومثل أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة، وأرجو أن الله تعالى يكفيك ويشفيك ويحفظك من شر الحاسدين، ومن شر الشياطين إنه تعالى على كل شيء قدير. والله أعلم.(2/485)
كيفية إبطال السحر
المجيب د. حمود بن غزاي الحربي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 16/3/1424هـ
السؤال
إذا وجدت لفافات ورق وقد لفت أيضاً بقصدير وضعت لأحد أقاربي، وقد فتحته ووجدت فيه الآتي: عبارة عن جدول صغير فيه أحرف، وعلى طرف الورقة خارج الجدول مكتوب (اللهم اربط لسان فلان بن فلانة عن فلانة بنت فلانة ويكون في خدمتها العجل العجل) ونحو هذا الكلام فماذا أفعل؟ وإن كان هذا سحر فكيف أحله
عن المسحور وأبطل هذا الأمر؟ عافانا الله وإياكم.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
لا شك أن هذا العمل نوع من الشعوذة، والأحرف التي كتبت في هذا الجدول طريقة السحرة في عمل السحر، والواجب عليك قراءة آية الكرسي، وخواتم سورة البقرة، وأواخر سورة الحشر، وكذلك قول الله -تعالى-:"وقال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين" [يونس: 81] ، وقل هو الله أحد، والمعوذتين وغيرها من الأذكار ثم يحرق هذا الجدول، ولعل هذا كافياً في إبطاله إن شاء الله - والله أعلم- وصلى الله على نبينا محمد-.(2/486)
هل هذه رقية شرعية
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 29/4/1423
السؤال
ما حكم الشرع في علاج السحر أو العين باستخدام جهاز مسجل يحتوي على شريط قرآني مسجل عليه آيات الرقية وتوصيله بأسلاك تربط بجسم المريض؟ هذه الطريقة تسمح بتحويل الصوت القرآني إلى أمواج صوتية تسري في جسم المريض فيحدث على أثرها تفاعل القرآن مع المرض فيشفى المريض -بإذن الله-، وقد جربت هذه الطريقة وثبت نجاحها.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأقول، وبالله التوفيق:
الرُّقى المشروعة، هي: ما أُثر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أصحابه وتناقله العلماء وقالوا به من الأدعية والأذكار المأثورة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على الطريقة المعروفة التي بينها العلماء، وهي في مصادرها التي عنيت ببيانها وبيان الكيفية التي يكون عليها، ومن ذلك كتاب (زاد المعاد) لابن القيم الجوزية، وكتاب (الأذكار) للنووي -رحمهما الله-، ونحوهما من الكتب التي عنيت بتحري الهدي النبوي في الأدعية والأذكار.
والأصل أن المريض يرقي نفسه أو يرقيه غيره بالتلاوة والأدعية والأذكار المشروعة، أما ما ذكرت في سؤالك من الأسلاك التي تُربط بجسد المريض بحيث يتحول الصوت القرآني إلى أمواج صوتية تسري في جسم المريض ... إلخ ما ذكرت، فأرى أن هذا من التكلف ومن إحداث صفة للرقية ليس لها أصل، والخير كل الخير في الاتباع وترك الابتداع، والله من وراء القصد، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(2/487)
قبول توبة الساحر
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 14/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل تقبل توبة الساحر؟ وما الدليل؟ وشكراً لكم.
الجواب
الحمد لله، نعم توبة الساحر مقبولة عند الله إذا تاب التوبة النصوح وصدق فيها بينه وبين ربه فالله يغفر له ما كان منه وما عمله من السحر، والدليل على ذلك أن سحرة فرعون أمضوا أعمارهم في السحر وعبادة فرعون، فلما رأوا آيات الله التي جاء بها موسى سجدوا لله وقالوا "آمنا برب العالمين رب موسى وهارون" [الأعراف: 121-122] فتابوا من سحرهم وشركهم توبة هي غاية في الصدق لأنهم لم يبالوا بتهديد فرعون وقالوا لما هددهم:"فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى" [طه: 72-73] .(2/488)
لكن اختلف العلماء في قبول توبة الساحر ظاهراً، أي إذا ادعى التوبة نتركه فلا نقيم عليه حد الساحر أم أنا نقتله وأمره في توبته إلى الله، فإن كان صادقاً غفر الله له، وإن كان كاذباً لم تنفعه توبته لا في الدنيا ولا في الآخرة؟ فالذين قالوا لا تقبل توبته ظاهراً قالوا إن أمره خفي ولا يتبين صدقه في توبته، ومن قال إن توبة الساحر مقبولة يقول: إذا جاءنا تائباً نادماً قبلنا توبته لعموم الأدلة كقوله تعالى:"وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى" [طه: 82] ، وقوله:"إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة" [النساء: 17] فالساحر ليس أسوأ من سائر الكفار كالذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، أو الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات كما في سورة البروج "إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق" [البروج: 10] ، وقال تعالى:"لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسنَّ الذين كفروا منهم عذاب أليم أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم" [المائدة:73-74] والصواب عندي أن قبول توبة الساحر وعدم قبولها يرجع فيه إلى نظر الحاكم، فإذا تبين صدقه في توبته درأ عنه الحد وقبلت توبته، وإن لم يتبين له حكم عليه بما حكم به الصحابة -رضي الله عنهم- كعمر وابنته حفصة وجندب بن عبد الله، فقد صح عنهم جميعاً قتل السحرة، وقد كتب عمر إلى بعض عماله أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، وقال جندب بن عبد الله:" حد الساحر ضربه بالسيف" هذا هو التفصيل في حكم توبة الساحر، والله أعلم(2/489)
تعليق ملصق "العهود السبع السليمانية"
المجيب د. عثمان بن جمعة عثمان ضميرية
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 5/7/1424هـ
السؤال
ما حكم تعليق ملصق (العهود السبع السليمانية) لغرض حفظ الشيء؟
الجواب(2/490)
الحمد لله رب العالمين، وبعد: فإن الله تعالى حفيظ على عباده، يحفظهم من كل شر ويقيهم من كل سوء، فلا يجوز الاعتماد على غيره تعالى في ذلك، وقد تواردت الأحاديث النبوية الشريفة في تحريم تعليق التمائم، وهو خرزات أو أشياء تعلق على الأولاد لتقيهم العين أو الجن أو المرض بزعمهم كما كان يفعله أهل الجاهلية - وقد يسميها بعضهم: (حجاباً) أو (حرزاً) أو (جامعة) ، وقد أبطل الإسلام ذلك؛ لما فيه من التعلق بغير الله تعالى والاعتماد على هذه الوسائل الشركية، ففي الحديث: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك" رواه أبو داود (3883) وابن ماجة (3530) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، وفي حديث آخر: "من تعلق شيئاً وُكِلَ إليه" رواه الترميذي (2072) من حديث أبي معبد الجهني - رضي الله عنه -، وفيه أيضا: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعةً فلا ودع الله له" رواه أحمد (17404) وغيره من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، وفي لفظ: "فقد أشرك" عند أحمد (17422) ، وذلك أنهم كانوا يعتقدون أنها تمام الدواء والشفاء، بل جعلوها شريكاً لله، لأنهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم وطلبوا دفع الأذى من غير الله تعالى الذي يدفع ذلك، وكل ما يكتب في هذه الحجب والتمائم من الطلاسم ومن أسماء الشياطين والجن والعفاريت والحروف المقطعة والكلام العجمي: فهو حرام وهو من أنواع الشرك الأصغر، وقد يكون شركاً أكبر بحسب ما يعتقده من يعلق ذلك، وهذه الملصقات التي تحتوي على كلام منكر أو شرك وكفر، أو يغلب أن يكون فيها شيء من ذلك، كالعهود السليمانية المذكورة، التي يدعي بعضهم كذباً وزوراً أنها متلقاة من سليمان - عليه السلام - وأنها تحفظ الشيء أو تدفع الضر أو تفك السحر، هذا كله من البدع والخرافات الشركية التي ينبغي على المسلم أن يحذرها، ليحافظ على عقيدته نقية صافية، والله أعلم.(2/491)
الوقاية من شر الساحر
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 16/2/1425هـ
السؤال
أريد منكم يا شيخ حلاً لمشكلتي وهي: أن طليق أختي يمارس السحر والشعوذة ضدنا فما الحل؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
السحر من أكبر الكبائر، وأضراره على الفرد والمجتمع عظيمة، ولهذا جاء الإسلام بتحريمه ومعاقبة فاعله بالقتل، وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" متفق عليه عند البخاري (2767) ومسلم (89) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
والحل الذي أراه فيما يتعلق بحالتك أن تلجأ إلى الله - سبحانه وتعالى- وتستعين به وتتضرع إليه بالدعاء أن يعصمك من شياطين الإنس والجن، وأن تصدق في تقوى الله - تعالى - واللجوء إليه بعيداً عن كل ما يخل بتوحيد الله، قال الله تعالى: "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم" [يونس:107] .
وعليك بالمحافظة على أذكار الصباح والمساء، والتسمية على كل شيء والاستعاذة عند وساوس الشيطان، وحافظ على الصلوات الخمس في جماعة، لأن التهاون بها يسهل للشيطان مهمته، وأكثر من التوبة النصوح، لأن كثيراً من الشرور التي تصيب الإنسان يكون سببها ذنوبه ومعاصيه، قال الله - تعالى -: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" [الشورى:30] .
ولك أن تأخذ بالرقى الشرعية فإنها من أسباب الشفاء - بإذن الله-، وهي تكون بآيات من كتاب الله -تعالى- أو بأدعية مأثورة من السنة الصحيحة.(2/492)
ومن التحصينات التي يتحصن بها الإنسان من السحر تطهير البيت من التصاوير والتماثيل المحرمة؛ لأن الملائكة لا تدخل هذه البيوت فتكثر فيها الشياطين، وعليك بقراءة السور الطاردة للشياطين، ومنها: سورة البقرة، والمعوذتان، والإخلاص.
ومن ناحية أخرى عليك أن تقوم بمناصحة هذا الشخص وتذكيره بحرمة عمله هذا، وبيان النصوص الشرعية الواردة في تحريم السحر؛ لعله يرعوي، فإن لم يستجب فعليك أن ترفع أمره إلى الجهات الحكومية المسؤولة لكي تمنعه بالقوة، وتطبق عليه حكم الله -تعالى -، ويسلم المجتمع من شره.(2/493)
الاستشفاء بأسماء الله الحسنى
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 12/1/1425هـ
السؤال
على بعض شاشات التلفاز برنامج ديني وتكلم فيه الشيخ عن الاستشفاء بأسماء الله الحسنى مستدلا بقوله تعالى: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها"، والطريقة أن يأتي بالماء ويقول عليه: بسم الله الرؤوف (أو أي اسم من أسماء الله الحسنى) ، ويكرر ثلاثمائة مرة مثلا، وقد أكد بأن أبحاث علمية أجريت من قبل طبيب معين في المجال نفسه؛ بل لكل مكان معين في الجسم اسم معين للاستشفاء، وكل هذا بالتجربة، فما شرعية ما قاله هذا الشيخ؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسو الله، وبعد:
فهذه الطريقة غير مشروعة، ولم تذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم- بهذه الصيغة، وإن كان الدعاء بأسماء الله الحسنى مأموراً به كما نصت عليه الآية: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" [الأعراف: 180] ، وممدوحاً كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه كان يدعو بأسماء الله الحسنى وأن ذلك أدعى للإجابة من الله - جل وعلا-.
لكن أدعية الاستشفاء الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وهي كثيرة خلاف ما ذكره المتحدث، وقد أفاض ابن القيم - رحمه الله - في كتاب زاد المعاد في هذا الجانب، وكان من هدي النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم- تكرار الدعاء ثلاثاً أو سبعاً، أما ثلاثمائة فلم ترد، وقد أشار المتحدث إلى أن ما ذكره مبني على التجربة وهذا باب واسع، ومرد التجارب الطبية إلى أعمال البشر، أما أن يأتي بنص شرعي ويربطه بالتجربة فهذا قول على الشرع بغير علم ولا دليل، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قوله: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" مسلم (1787) . والله أعلم.(2/494)
ما ذنب المسحور؟
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 18/6/1424هـ
السؤال
إني أسأل عن المسحور ما ذنبه؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فأقول وبالله التوفيق:
المسحور شأنه شأن غيره ممن يبتلى ويصاب بمصيبة، وسواء كان ما أصيب به ظلم وعدوان وبغي، أو كان بسبب تقصير منه في الأخذ بالأسباب المعينة على النجاة والعافية والسلامة، فإن العبد في كل الأحوال مطالب بالصبر والاحتساب مع الأخذ بالأسباب المشروعة.
وإذا تبين أن الشخص مصاب بسحر فقد جعل الله من أسباب المعالجة ما هو مأثور ومشروع، وعليه مع هذا أن يتخذ من أسباب الوقاية ما هو مشروع أيضاً من التحصن بالدعاء وملازمة الأذكار، والبعد عن المعاصي والآثام ومواطن الخبث وحبائل الشيطان، مع التوكل على الله: "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" [الطلاق: من الآية3] ، "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً" [الطلاق: من الآية2] ، "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً" [الطلاق: من الآية4] .
ومع يقيني أن السحر واقع وله تأثير وضرر، إلا أنه يغلب على ظني أن كثيراً من الناس يتوهم لأدنى علة أنه مصاب بسحر، ثم يتعلق بعد ذلك بالسحرة والمشعوذين يطلب عندهم الشفاء والمعالجة، وهذا من ضعف النفوس ووساوس الشيطان التي لا مخرج للعبد منها إلا بالرجوع الصادق إلى الله، وإحسان التعلق به وحسن الظن به، مع الصبر والاحتساب والأخذ بالأسباب، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(2/495)
يقدم ألعاباً سحرية
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 27/2/1425هـ
السؤال
أقدم عروضاً للألعاب السحرية بطريقة مختلفة عن السحرة الآخرين، حيث لا أدعي القدرة الخارقة، وعند ختام كل عرض أنبه المتفرجين بأن الألعاب السحرية أو ألعاب الخفة في الحقيقة ما هي إلا خفة يد وذكاء، وتلاعب بالكلمات، حيث أقوم بشرح تفاصيل لعبتين أو ثلاث؛ لكي لا أوهمهم بأن الساحر ما هو إلا بشر عادي، وأحرص دائما على عدم قول ما يمكن نسبته إلى الشرك، وأن السحر حرام، الحقيقي الذي يرتبط باستعمال الجن والتفريق بين المرء وزوجه، فهل ما أقوم به يخالف الشرع؟ وما هي الملاحظات التي يمكن أن تسدوها لي بهذا الصدد؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
صحيح أن حقيقة السحر ذات قسمين: الأول سحر التخييل والخداع المعتمد على التمويه والكذب والخداع، وقيام الساحر بأعمال عجيبة غريبة تعتمد على خفة في اليد وسرعة الحركة، أو استخدام الحيل الطبيعية مثل استخدام العقاقير والأعشاب، وبعض الأدوية التي تجعل للإنسان المقدرة على عمل بعض الأمور التي يرى أنها من الخوارق، مثل: الدخول في النار مع عدم الاحتراق، ونحو ذلك مما يشغل الأعين ويضيع الوقت أو يؤدي إلى مفاسد أو أخذ أموال الناس بغير حق.
وأما النوع الثاني من السحر فهو ما أشرت إليه في سؤالك بالسحر الحقيقي المعتمد على الاستعانة والاعتماد على الأرواح الأرضية وهم الجن ...(2/496)
والنوع الثاني: تعلم حرمته وآثاره السيئة كما ظهر من سؤالك، وأما النوع الأول فأنت سألت عنه حتى تدفع الريبة فـ "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"كما في الحديث الذي رواه الترمذي (2518) والنسائي (5711) عن الحسن بن علي - رضي الله عنهما-، و"الإثم ما حاك في صدرك"رواه مسلم (2553) من حديث النواس بن سمعان - رضي الله عنه -، ويكفي أن فيه تمويه وخداع وكذب، والتمويه على الناس حرام والمخادعة حرام، والكذب حرام، وإن أوضحت ذلك كله للناس.
فأنا أنصحك بأن تبتعد عن هذا العمل وتتجه إلى عمل أفضل تكسب به خير الدنيا والآخرة. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(2/497)
كتابة الحرز، وتعليق التمائم
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 27/10/1424هـ
السؤال
أعرف شخصاً من الأقارب يقوم بكتابة ما يسمى عندنا بالحروز أو الكتبة، وهي تعلق للمرضى وللأطفال، أو توضع تحت الوسادات، وبعضها يحلل بالماء أو الزيت ويشرب عندما يكتبها بالحبر المصنوع بعد حرق صوف الشاة ويكتب فيها بعضاً من القرآن وربما كلاماً آخر، الرجاء ما الحكم في ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فالمعلق على المرضى وفي رقاب الأطفال وما يسمى بالحروز على نوعين: الأول: أن تكون آيات من كتاب الله - تعالى - مكتوبة كآية الكرسي، أو المعوذتين، أو نحو ذلك. فالصحيح من قولي العلماء أنها لا تجوز؛ لأنها لم تكن من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولما فيها من إهانة لكتاب الله - تعالى - وآياته العظيمة من دخول بها في أماكن الخلا، ولتعرضها للإهانة وقد تصل إليها النجاسة أحياناً إذا كانت في الأطفال، ولذلك قال إبراهيم النخعي: "كانوا يكرهون -يعني أصحاب عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- التمائم كلها من القرآن وغير القرآن".
الثاني: أن تكون تعاويذ مجهولة أو خرزاً أو غير ذلك مما يقصد بها صد العين أو دفع المرض أو رفعه، فهذه من باب أولى لا تجوز وهي من التمائم التي قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-:"من تعلق تميمة فلا أتم الله له" أحمد (17404) وابن حبان (6086) وغيرهم وهو حديث حسن، وقال:"إن الرقى والتمائم والتولة شرك ... " وقال:"ومن تعلق شيئاً وكل إليه" الترمذي (2072) والنسائي (4079) وأحمد (18304) وهو حديث حسن، ولما رآها ابن مسعود على زوجته نزعها وقال: "إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك".(2/498)
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً في يده حلقة من صفر فقال: "ما هذا؟ " قال: من الواهنة. قال: "انزعها؛ فإنها لا تزيدك إلا وهناً فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً" ابن ماجة (3531) وأحمد (15498) .. وهو حديث ضعيف. ولما رأى حذيفة -رضي الله عنه- في يد رجل خيطاً أو سيراً في عضده قطعه أو انتزعه ثم قال:"وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" [يوسف:106] ، ولذلك قال سعيد بن جبير: من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة.
أما الرقية المشروعة فهي أن يقرأ مباشرة على الطفل أو المريض مع النفث كما كان يعوذ النبي -صلى الله عليه وسلم- الحسن والحسين -رضي الله عنهما-، انظر: البخاري (3371) وأجاز العلماء القراءة في ماء أو زيت ونحوه ومن ثم شربها، أو الاغتسال والادهان بها، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(2/499)
قراءة سورة يونس وطه للمبتلاة بإسقاط الجنين
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 14/10/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ.. قصتي باختصار شديد هي أنني أم لطفلين أنجبتهما بحمل وولادة طبيعيين 100%، وبعدها حملت ومات الجنين في بطني في الشهر الثاني، وبعدها حملت أيضاً وحصلت ولادة مبكرة في الشهر السادس، وأنجبت طفلة وماتت بعد ساعات، وبعدها حملت وحصل إسقاط بعد أسبوع وبدون أي جهد مني أو أي سبب واضح، بعدها بشهرين حملت وسقطت بعد معرفتي بالحمل بيوم واحد فقط، عملت جميع التحاليل اللازمة وقالوا لي بأني سليمة وقررت أن أرقي نفسي بالقرآن، فلربما كان ما حصل لي بسبب عين أو حسد، وقال لي أحد الأخوة بأن هناك شيئاً يسمى التابعة وهو مرض روحي ولكي أتأكد إن كنت مصابة به يجب أن أقرأ سورة يونس وطه فإذا حصل شئ غريب فتكون هي التابعة..
بصراحة أنا أول مرة أسمع بهذا الشيء، وخفت على عقيدتي إن عملت هذا أكون قد عملت بدعة أو خرافات، فهل لهذا الكلام مصدر من الكتاب أو السنة، وهل لسورتي يونس وطه ميزة عن غيرهما لعلاج العين أو الحسد وغيرهما؟ أفيدوني مأجورين, وطلب خاص يا شيخ جزاك الله خير بأن تدعو لي أن يرزقني ربي بالذرية الصالحة، التي تدعوه آناء الليل وأطراف النهار، وتعز دينه وترفع كلمته اللهم آمين.
الجواب(2/500)
لا أعلم في هذا الكلام مصدراً أو دليلاً من الكتاب والسنة، وكذا تخصيص هاتين السورتين، أما إن كان القصد آيات السحر في هاتين السورتين وما يماثلها في بقية السور فلا بأس بقراءتها، والمشروع عموم الرقية الشرعية بالآيات القرآنية والأدعية النبوية والتركيز على سورة البقرة "فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة" مسلم (804) وكذلك المعوذتين، وأسأل الله بحوله وقوته وهو الرزاق الوهاب أن يرزقك ذرية صالحة، وأن يصلح لنا ولك أمور الدين والدنيا والآخرة. وصلى الله على محمد.(2/501)
جدتي تمارس الشعوذة
المجيب عيسى بن عبد الله المطرودي
القاضي بالمحكمة الكبرى في حائل
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 10/1/1425هـ
السؤال
إني أشكو إليكم مشكلة صغيرة، إن جدتي تستعمل الشعوذة كما يقولون (السحر) ، هل يجوز زيارتها أم لا؟ البارحة جاءت لزيارتنا إلى منزلنا وكنا نراقبها كلنا، وفي الليل وقبل طلوع الفجر كنت راقداً أمامها سمعتها تتكلم وحدها ونهضت أرقبها خفية لكي لا تراني، ثم من بعدها عندما نهضنا لنصلي الفجر قلت لأخي في الصباح سوف أطردها وحلفت على ذلك كنت متهوراً قليلاً، وأسألكم هل علي كفارة أم لا؟ وهل يجوز طرد جدتي من منزلنا؟ وبرغم من ذلك جدتي تصلي وتفعل مثل هذه الأفعال.
والسلام عليكم. وأشكركم جزيل الشكر.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
لا يظهر من السائل أنه تأكد أن جدته تقوم بعمل الشعوذة والسحر، ولا بد من التأكد من ذلك حتى لا يسيء الظن ببريء، ولو قدر أن جدته تقوم بهذا العمل فالواجب عليه نصحها بالطريقة المناسبة، ولا أرى أن يقوم السائل بطرد جدته من البيت؛ لأن الله يقول عن الوالدين: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا" [لقمان: 15] ، وعليه بالدعاء لجدته بالهداية. ونسأل الله لنا وله التوفيق والسداد.(2/502)
أرادت أن تعمل سحراً لوالدها
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 21/10/1424هـ
السؤال
كانت نيتي أن أعمل عملاً لوالدي كي يعطيني حريتي في الخروج، لكنه لم يتم، وأيضا كنت أذهب مع صديقتي إلى المشعوذ أريد أن أتوب لله ويغفر لي، فماذا أعمل كي يسامحني الله؟ علماً أني لم أعمل ذلك بل كانت نيتي العمل، أرجو إفادتي للتوبة.
الجواب(2/503)
الحمد لله، لقد هممت بمنكر عظيم، وهو أن تعملي لأبيك عملاً وهو السحر، لكي يتغير عقله فتتغير معاملته لك، وهذا التصرف الذي هممت به إثم كبير؛ لأنه يتضمن الاستعانة بالسحرة، ويتضمن ظلم أبيك، وفي ذلك ما فيه من قطيعة الرحم، ويتضمن سوء حال أبيك لو تم ما قصدت إليه، ومن حسن حظك أنه لم يتم لك ما نويت، فإن كنت تراجعت قبل أن تفعلي شيئاً فالحمد لله، فأنت مأجورة على ترك ما هممت به من العمل القبيح؛ لأنه في الحديث الصحيح أن من هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة لأنه لم يتركها إلا لله، أما إذا كنت حاولت ولكن الأمر لم يتم لمانع من الموانع فقد ارتكبت الذنب، فالواجب عليك صدق التوبة إلى الله، وذلك بالندم على ما فعلت، وعقد العزم على ألا يتكرر ذلك، والبعد عن الأسباب الداعية إلى وقوع مثل ذلك، والاجتهاد في بر أبيك، فإذا فعلت ذلك فالله يتوب عليك؛ لأنه تعالى هو التواب الرحيم، فمهما ارتكب العبد من الذنوب إذا رجع إلى ربه فتاب وأناب توبة نصوحاً تاب الله عليه، قال تعالى: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" [الزمر:53] ، وقال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ" [التحريم: من الآية8] ،وقال تعالى: "وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [النور: من الآية31] . والله أعلم.(2/504)
الاستعانة بالمشعوذين في فك السحر!
المجيب د. عبد الله بن عبد الله بن عبيد الزايد
مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 8/11/1424هـ
السؤال
حدث لأبي أزمات مادية ونفسية كبيرة من حوالي عامين، وعندما شككنا في الأمر ذهبنا لشيخ ووجدنا أنه (عمل) لقفل باب الرزق وقام الشيخ بفكه، ولكن الأزمة المادية مستمرة، ووالدي تاجر ولديه بضاعة معطلة وعلينا ديون كثيرة، فهل يقوم والدي ببيع الأصول لتسديد الديون؟ أو انتظار الفرج لبيع البضاعة بعد أن فك العمل؟.
الجواب
أولاً: فك السحر بالرقية الشرعية هو الدواء الناجع كما في الحديث الصحيح، ولا يجوز الذهاب إلى السحرة والمشعوذين لفكه، ولعل الشيخ الذي ذهب إليه والدك ليس من أولئك ولكنه قرأ عليه من القرآن والأدعية النبوية ما أذهب الله عنه ذاك.
ثانياً: أداء الديون واجب لا يجوز تأخيره مع القدرة على الأداء إلا بإذن أهل الديون أو الدين، وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله" البخاري (2387) ، وعلى كل حال إذا أذن أهل الدين بالانتظار فله ذلك، وإلا فعليه التصرف ببيع الأصول وغيرها لأداء الحقوق، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.(2/505)
هل النشرة سحر؟
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 9/3/1425هـ
السؤال
هناك من يدعي النشرة، وهي كما يزعم إنزال المطر أو دفعه:
1- هل هذه من ضروب السحر والشعوذة؟
2- هل لها حقيقة مثل السحر؟
3- ما حكم مدعيها والتعامل معهم؟
4- هل وردة نصوص في الكتاب والسنة تشير إلى ما يسمى بالنشرة؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
النشرة: نوع من العلاج والرقية، يعالج به من كان يظن أنه أصابه مس من الجن، سميت بهذا الاسم لأنه ينشر، أي يكشف بها عن المصاب، وليس لها صلة بإنزال المطر أو دفعه، ومن زعم أنه يملك التأثير في نزول المطر فقد كفر في الربوبية، وهو مشعوذ كذاب، لأن ذلك من خصائص الربوبية، قال تعالى: "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته" [الشورى: 28] .
فالنشرة نوعان:
نوع محرم: وهي حل السحر عن المسحور بسحر مثله، وهذه من عمل الشيطان، كما في حديث جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن النشرة، فقال: "هي من عمل الشيطان" رواه أحمد (13621) وأبو داود (3868) بسند جيد.
ولهذا قال الحسن البصري - رحمه الله -: (النشرة من السحر) ، وقال: (لا يحل السحر إلا ساحر) .
نوع جائز: وهي ما كان بالأدعية المباحة والرقية الشرعية، والأدوية النافعة، روى البخاري تعليقاً كتاب: الطب. باب: هل يستخرج السحر عن قتادة قال: قلت لابن المسيب، رجل به طب، أو يؤخذ عن امرأته، أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه.
ولا يحل التعامل مع أصحاب الصنف الأول؛ لأنهم سحرة يتقربون إلى الشياطين ليحلوا السحر، أجارنا الله وإياكم، وعافانا وإياكم من كل سوء.(2/506)
تعلم القرآن لعلاج الجن
المجيب د. صالح بن عبد العزيز التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 06/08/1425هـ
السؤال
ما حكم من يتعلم العلاج بالقرآن؛ لكي يعالج الناس من الجن وما شابه ذلك، فإن لي أخًا من الإخوان قد تعلَّم هذا المجال، ودخل في ذلك حتى إنه قد عالج كثيرًا من الناس، ولكن أنا لست براض على ذلك؛ لأنه انشغل عن طلب العلم، وعن حفظ القرآن وعن الدعوة إلى الله -عز وجل-. وأنا أرى -والله أعلم- أنه ليس من هدى السلف ما يفعله، وأنه ظل يظن بالناس أن بهم جن، فما حكم ما يفعلونه وما هي النصيحة التي أنصحه بها للامتناع عن هذا إن كان في ذلك الأمر شيء؟ وأرجو أن تكون النصيحة مقترنة بالدليل إن أمكن.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
الرقية الشرعية أقرها النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كانت من القرآن والأدعية الصحيحة المأثورة وهي من نفع المؤمن لأخيه، وقد فعل شيئاً من ذلك الصحابة رضي الله عنهم، ولكن الانقطاع لذلك والتواطؤ عليه واستحداث أساليب معاصرة كالقراءة الجماعية أو في المكبرات أو خلوة الرجل القارئ بالمرأة، أو لمس المقروء عليها أو التوسع في هذا الباب في أسئلة موهمة أو تفتح أبواباً من الظنون والأوهام، هي التي لم تعرف عن السلف الصالح، وهي من مداخل الشيطان، لكن أخاك إذا كان ممن عرف عنه الإجادة والإفادة وانتفاء المفسدة فلا يمنع من ذلك. والله أعلم.(2/507)
تأثير الساحر ماديًّا على المسحور
المجيب د. صالح بن عبد العزيز التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 21/11/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
هل يستطيع الساحر التأثير ماديًّا على المسحور؟ مع أن الله تعالى، يقول: (ولا يفلح الساحر حيث أتى. . .) . وهل يجوز الذهاب إلى أشخاص من أجل قراءة القرآن على المسحور لفك السحر أو إلى الساحر نفسه؟ وما العمل الشرعي الصحيح لفك السحر؟
الجواب
الحمد لله، وبعد:
نعم يؤثر الساحر على المسحور ماديًّا، بحيث قد يمرض، وقد يعاق، وقد يخيَّل إليه، وعدم فلاح الساحر لا يعني عدم تأثيره، فإن نفي الفلاح له أكثر من مفهوم منها عدم البركة في نسبه وعمره وآخرته، ومنها عدم تحقق مراده كله ونحوها، أما الذهاب إلى الرقاة الشرعيين لرقية المسحور فهو جائز؛ لأن الرقية بالقرآن والأدعية الصحيحة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مشروعة على المسحور والمعان والمريض، وغيرهم. والله أعلم.(2/508)
الاستعانة بالجن
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 27/06/1426هـ
السؤال
ما حكم استخدام الجن إذا لم يتقرب إليهم بذبح أو أي نوع من أنواع الشرك، كما زعم ذلك أحدهم ممن يقصده الناس للعلاج؟.
الجواب
اعلم يا أخي أن ما قاله لك هذا الساحر من أن الجن يساعدونه من غير تقرب هذه مقولة كل ساحر؛ حتى يقبل قوله وعمله ويسعى إليه الناس ويثق به الجميع، فليس من العقل في شيء أن يقول الساحر: إنه يعبد الشيطان ويقدم له القرابين؛ لأن ذلك يوجب قتله ونفرة الناس منه وهجره.
والذي يجب التسليم به وعلمه أن عالم الجن والشياطين لا يخدمون الإنس بدون مقابل، وهذا المقابل هو ما يقدمه لهم من قرابين وأنواع العبادة على الوجه الذي يريدونه منه، هذا غير ما يجري له معهم في الخفا من قضايا أخلاقية يندى لها الجبين، ومن أتى إلى مثل هؤلاء فهو داخل -بلا شك- تحت الحديث: "من أتى عرافاً وسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة". رواه مسلم (2230) . وحديث: "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد (10167) وأبوداود (3904) وابن ماجة (639) .(2/509)
الرقية بأدعية غير مأثورة
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 28/06/1426هـ
السؤال
ورد حديث في صحيح مسلم فهمت منه أن هناك كلمات جائزة في الرقية لم تكن من القرآن أو الحديث، وفي الوقت نفسه ليس فيها عبارات تقود إلى الشرك. فهل كلامي صحيح؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
الحديث المشار إليه في السؤال أخرجه مسلم (2200) من حديث عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: "اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ".
وأخرج مسلم (2199) من حديث جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ الرُّقَى، فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنْ الْعَقْرَبِ وَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنْ الرُّقَى، قَالَ: فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَال: َ "مَا أَرَى بَأْسًا، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ".
وحديث عوف بن مالك يدل على أن ما كان من الرقى يؤدي إلى الشرك فيمنع منه، ويدخل في ذلك ما لا يعقل معناه؛ لأنه لا يؤمن أن يؤدي إلى الشرك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " نهى علماء المسلمين عن الرقى التي لا يفهم معناها لأنها مظنة الشرك، وإن لم يعرف الراقي أنها شرك " [ينظر: مجموع الفتاوى (19/13) ] .(2/510)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/195) : "وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى". وقال الشافعي: "لا بأس أن يرقى بكتاب وما يعرف من ذكر الله "، والمستحب أن يقتصر في الرقية على ما ورد في كتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- سواء ما ورد من قوله أو إقراره، ومن المعلوم أن كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- اشتملا على أكمل الرقى والتعاويذ، وقد أخرج الترمذي (1984) والنسائي (5399) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَعَوَّذُ مِنْ الْجَانِّ وَعَيْنِ الْإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتْ الْمُعَوِّذَتَانِ فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا.
وقال الحافظ: "وعلى كراهة الرقى بغير كتاب الله علماء الأمة "، وقسم القرطبي الرقى إلى أقسام، فذكر ما يجوز منها، وما لا يجوز فقال: " الرقى أقسام: أحدها: ما كان يرقى به في الجاهلية مما لا يعقل معناه فيجب اجتنابه لئلا يكون فيه شرك، أو يؤدي إلى الشرك.
الثاني: ما كان بكلام الله أو بأسمائه فيجوز، فإن كان مأثوراً فيستحب ... "، هذا والله أعلم.(2/511)
تعليق التمائم
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 15/04/1427هـ
السؤال
أرجو المساعدة في فهم الحكم الشرعي في كون ارتداء التميمة شركاً أكبر، فالذي أعرفه أن اتخاذ شيء كوسيلة يكون شركاً أصغر فقط، كنتُ أرى المسلم الذي يرتدي تميمة يعتقد أن الله وضع في التميمة قوة لحمايته، أو للسبب الذي يستخدمها من أجله. وفهمتُ أن هذا شركا أصغر.
أرجو التكرم بتوضيح هذه المسألة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فليست التمائم كلها شركا أكبر، بل أكثرها من الشرك الأصغر، وهذا بحسب اعتقاد من يعلقها أو يعملها، فإن اعتقد أنها هي التي تدفع عنه الضرر فهذا شرك أكبر، وإن اعتقد أنها سبب فهو شرك أصغر.
وكذلك اتخاذ الوسيلة قد يكون شركاً أكبر، إذا اعتقد صاحبه أن الوسيلة تنفعه أو تضره من دون الله، وكذلك إذا عبد هذه الوسيلة كما قال طوائف من المشركين عن وسائلهم: "مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى" [الزمر:3] وعدَّهم الله من أهل الشرك الأكبر.
أما إذا اعتقد أن الوسيلة سبب بطريقة غير مشروعة فهو شرك أصغر.(3/1)
قراءة الفنجان والكهانة
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/إدعاء علم الغيب
التاريخ 23/5/1424هـ
السؤال
امرأة تدعي علم الأمور الغيبية عن طريق قراءة الفنجان وما أشبه ذلك، وتضع عنوانها في بعض المجلات، فما نصيحتكم لها؟ مع بيان خطورة هذا الأمر.
الجواب
الحمد لله.
هذه المرأة طريقتها هي طريقة المنجمين والكهان والعرافين، فعملها هذا هو من عمل أولئك الذين يدعون علم الغيب، ودعوى علم الغيب كفر، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله" [النمل: 65] فيجب على هذه المرأة أن تتوب إلى الله وتصحح إسلامها وتترك هذه الحرفة الخبيثة، فهي إما أن تكون دجالة كذابة تكذب على الناس بدعوى أنها تعلم الأمور المستقبلية لجمع المال من أيديهم، وإما أن تكون مستعينة بالشياطين فهم الذين يأتونها ببعض ما تخبر به، وهذا لا يحصل لها إلا إذا أطاعتهم فيما يريدون منها من شرك أو معصية، كما يجب على المسلمين أن ينكروا ذلك عليها وعلى أمثالها، وينكروا على من يذهب إليها أو يسألها بواسطة الهاتف أو المراسلة، فإن ذلك من سؤال الكهان، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم-" رواه أحمد (9536) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وهذا كاف لمن عقل ألا يقصد إلى هؤلاء الفجرة، فالواجب الحذر من هؤلاء الضالين المضلين، كما يجب الإيمان بأنه لا يعلم الغيب إلا الله، قال الله تعالى: "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول" [الجن: 26-27] ، نسأل الله السلامة والعافية من عمل المفسدين، والله أعلم.(3/2)
علم النبي عليه الصلاة والسلام الغيب!
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/إدعاء علم الغيب
التاريخ 2/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
بعض الفئات الضالة يستندون في أعمالهم الشركية على هذين الحديثين وأريد معرفة صحتهما، ورد في الموارد المواهب للزرقاني برواية ابن عمر -رضي الله عنهما-: (إن الله وضع كل الأرض أمامي فأنا أرى الأرض، وكل ما سيحدث عليها إلى يوم القيامة كأني أنظر إلى يدي) .
في مسند الإمام أحمد رواية أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "تركنا وما من طائر يضرب بجناحيه إلا وأخبرنا عنه".
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أقول وبالله التوفيق:(3/3)
أما الحديث الأول: وهو الذي ذكره القسطلاني (ت923هـ) في كتابه (المواهب اللدنية) ، وشرحه الزرقاني (ت 1122هـ) ، فقد ذكره القسطلاني فيه (3/559) ، ناسباً -الحديث إلى الطبراني. وهو حديث أخرجه الطبراني في المعجم الكبير- كما في مجمع الزوائد للهيثمي (8/287) ، وعنه أبو نعيم في حلية الأولياء (6/101) ؛ وأخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن (1/27رقم2) ، كلهم من طريق سعيد بن سنان، عن أبي الزاهرية، عن كثير بن مرة، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله - عز وجل- قد رفع لي الدنيا، فأنا أنظر إليها، وإلى ما هو كائن فيها إلى يوم القيامة، كأنما أنظر إلى كفي هذه. جليانا من الله جلاه لنبيه، كما جلا للنبيين قبله" "وجليان" بكسر الجيم واللام المشددة المكسورة: أي إظهاراً وكشفاً، وفي إسناده سعيد بن سنان الحمصي، أبو مهدي (ت 163هـ أو 168هـ) . قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب رقم: (2333) : (متروك، ورماه الدارقطني، وغيره بالوضع) ، ولذلك فقد تعقب الهيثمي هذا الحديث ببيان شدة ضعف سعيد بن سنان، كما في مجمع الزوائد (8/287) - وعليه: فهذا الحديث شديد الضعف، لا تجوز نسبته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فضلاً عن الاحتجاج به!.
أما الحديث الآخر: وهو قول أبي ذر - رضي الله عنه-: "لقد تركنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا أذكرنا منه علماً"، فأخرجه الإمام أحمد رقم: (21361-21439-21440) ، والطبراني في المعجم الكبير (2/155-156رقم 1647) ، وابن حبان في صحيحه رقم (65) ، وغيرهم.(3/4)
وفي الحديث اختلاف في إسناده، ورجح الدارقطني في كتابه العلل (6/290) رقم: (1148) ، أنه من حديث منذر الثوري مرسلاً عن أبي ذر -رضي الله عنه- ومع كون المرسل من أقسام الحديث الضعيف، لكن للحديث شواهد لمعناه، تنهض بقبول معناه. لكن المهم ما هو معناه؟ لقد شرحه الإمام الخطابي (ت388هـ) في كتابه غريب الحديث (2/287) بقوله: معناه: أنه - صلى الله عليه وسلم- قد استوفى بيان الشريعة، حتى لم يغادر منها شيئاً مشكلاً، وبين لهم أحكام الطير، وما يحل ويحرم، وكيف يذبح الطير ويذكى، وما الذي يفدى إذا أصابه المحرم مما لا يفدى منها، إلى ما أشبه هذا من أمرها. ولم يرد أن في الطير علماً سوى هذا علمه إياهم ورخص لهم أن يعاطوا زجر الطير الذي كان أهل الجاهلية يعدونه علماً، سوى هذا علمه إياهم ورخص لهم أن يعاطوا زجر الطير الذي كان أهل الجاهلية يعدونه علماً ويظنونه حقاً، بل أبطله وزجر عنه) .
ويقطع بأن هذا هو مقصود أبي ذر - رضي الله عنه- أن الطبراني أخرج الحديث باللفظ التالي: قال أبو ذر -رضي الله عنه-: تركنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علما، قال: فقال: - صلى الله عليه وسلم-: "ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم" (المعجم الكبير 2/155-156) .وهذا اللفظ يدل أن العلم الذي كان عند الصحابة -رضي الله عنهم- في الطير هو ما يخص أحكامها الشرعية، كما فصله الخطابي سابقاً. وليس العلم بأنواعها فصلا، ولا ما سيقع لها، ومنها من الحوادث إلى يوم القيامة!! فهذا لا يقول به عاقل، ولا يتصور أحد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعلمه، ولا أنه علمه أصحابه - رضي الله عنهم- وانشغل بتعليمهم إياه، ولا أنهم -رضي الله عنهم- حفظوه عنه -صلى الله عليه وسلم-!! هذا كله لا يقول به عاقل، ولا يتصوره.(3/5)
ولا شك أن الله - عز وجل- قد اختص بعلم الغيب وحده - سبحانه وتعالى-، كما قال جل ذكره: "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو" [الأنعام: 59] !! وقال -سبحانه-: "قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون" [النمل: 65] غير أن الله - عز وجل- يطلع من يشاء من عباده (كملائكته ورسله) على بعض الغيب، لا كله؛ لأنه ليس في قدرة البشر الإحاطة بالغيب كله، كيف ... والله -تعالى- أعظم الغيوب؟! فهل يحيط أحداً به - سبحانه- علماً؟!.
فالنبي - صلى الله عليه وسلم- وإن أطلعه الله -تعالى- على بعض الغيوب، فهو لا يعرف الغيب كله، كما قال -تعالى- مخاطباً نبيه - صلى الله عليه وسلم-: "قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم غيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي" [الأنعام: 50] . بل إنه - صلى الله عليه وسلم- لا يعرف كل ما سيحدث له في المستقبل، وإن عرف بعضه بتعليم الله -تعالى له إياه، ولذلك أمره الله -عز وجل- أن يبلغ أمته هذا الأمر، فقال -تعالى-: "قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون" [الأعراف: 188] .
وكل سيرته - صلى الله عليه وسلم- تدل على بشريته في هذا الجانب، وأنه لم يكن يعلم من الغيب إلا ما علمه الله -تعالى- إياه، فكم أوذي - صلى الله عليه وسلم-، وكم وقع له ولأصحابه -رضي الله عنهم- مما لا يحبه، ولو كان يعلم الغيب لدفعه عن نفسه وعن أصحابه -رضي الله عنهم-. ولو أراد أحد أن يجمع شواهد ذلك من سيرته -صلى الله عليه وسلم- لوجد السيرة كلها ناطقة به، قاطعة في الدلالة عليه.(3/6)
فهل يصح بعد هاتين المحكمات من الآيات البينات والأخبار القطعيات أن يحتج محتج لخلافها بالواهيات أو المشتبهات؟! هذا فعل الذين في قلوبهم زيغ "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب" [آل عمران: 7] . والله أعلم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، ومن والاه.(3/7)
إدعاء علم الأرواح!
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/إدعاء علم الغيب
التاريخ 02/06/1427هـ
السؤال
ما تعريف علم الغيب. يوجد رجل يقول: إنه يعلم علم الأرواح، وهو يخبرنا بما حصل لنا في الماضي بالحرف الواحد، وكلامه صحيح فماذا يكون ذلك؟ وماذا نفعل له؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فعلم الغيب: هو الغيب الذي لا يعلمه إلا الله. وهو ما غاب عن جميع الخلق، قال تعالى: "قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ" الآية [النمل:65] .
وصفة العلم المأخوذة من اسم العليم، من أعظم وأخص صفات الله جل وعلا، فعلمه سبحانه محيط شامل، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، قال تعالى: "وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" [الأنعام:59] .
ويستوي في علم الله الماضي، والحاضر، والمستقبل، فهو يعلم ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، وما لم يكن، لو كان كيف يكون.
وأما من ادعى علم الغيب كما في السؤال، فهو كاذب، وكافر بالله عز وجل، ومن صدّقه فهو كافر؛ للآية التي في أول الجواب.
وما أشير إليه في السؤال مرتبط بدعوة هدامة تسمى "الروحية الحديثة"، يدعي أصحابها العلم، وهم من أهل الشعوذة، والمخادعة، واللعب بعقول الناس بأساليب وطرق عديدة. ولها صلة قوية بالصهيونية العالمية التي تعمل على هدم الخلق والدين، وعلى المسلم ألا ينخدع، حتى ولو جاء في بعض كلامهم بعض الصواب واقرأ كتاب (الروحية الحديثة) للدكتور محمد محمد حسين -رحمه الله- عن هذه الدعوة الخبيثة. والله أعلم.(3/8)
من هم آل النبي صلى الله عليه وسلم؟
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الصحابة وآل البيت
التاريخ 28/2/1425هـ
السؤال
أتمنى أن أحصل على تعريف عن: آل النبي - صلى الله عليه وسلم-. وآل علي - رضي الله عنه-، وآل جعفر - رضي الله عنه-، وآل عباس - رضي الله عنه-.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وبعد:
فآل النبي - صلى الله عليه وسلم- من الناس من يقول: هم أهل البيت- أهل بيته وذريته-، ومنهم من يقول: من أطاعه وعمل بسنته، أي: جميع الأمة الذين تبعوه في الدين - وقيل: أقاربه، وقيل: هم المختصون به من حيث العلم، وذهب الشافعي - رحمه الله - وغيره في رواية حرملة إلى أنهم بنو هاشم وبنو المطلب الذين حرمت عليهم الصدقة، وجعل لهم سهم ذوي القربى من خمس الفيء والغنيمة استدلالاً بحديث: "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد" رواه مسلم (1072) ، ولحديث جبير بن مطعم - رضي الله عنه- قال: "مشيت أنا وعثمان بن عفان - رضي الله عنهما - إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلنا: يا رسول الله أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحن بمنزلة واحدة منك؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد" رواه البخاري - رضي الله عنه-، وأزواجه من آل محمد أو آل البيت تشبيهاً بالنسب، والمراد ببني هاشم: آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل العباس، وآل الحارث، وآل علي: هم علي بن أبي طالب وذريته ونساؤهم تشبيهاً بالنسب، وآل جعفر - رضي الله عنه- هم جعفر بن أبي طالب وذريته ونساؤهم تشبيهاً بالنسب، وآل العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه- وذريته، ونساؤهم تشبيهاً بالنسب. والله أعلم.(3/9)
إمامة الخليفة علي -رضي الله عنه-
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الصحابة وآل البيت
التاريخ 22/6/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم، أنا شاب من أهل السنة والجماعة، أريد سؤالكم عن حق إمامة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وأن تزودوني بأسماء كتب تناقش الفكر الشيعي وأفكاره، وتبين مواضع الضعف فيه، لأن أفكارهم بدأت تهز عقيدتي "الضعيفة". وجزاكم الله كل خير.
الجواب
الإمام علي رضي الله عنه له حقوق، فهو من آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأول من أسلم من الشباب، ورابع العشرة المبشرين بالجنة، ورابع الخلفاء الراشدين، وزوج فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو السبطين الحسن والحسين - رضي الله عنهم - أجمعين، ويحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله. وله مناقب كثيرة.
الكتب التي تناقش الشيعة كثيرة من أهمها لعامة القراء:
(1) الخطوط العريضة [محب الدين الخطيب] .
(2) التقريب بين السنة والشيعة [للدكتور ناصر القفاري] .
(3) التحفة الاثنى عشرية [للدهلوي] .
(4) لله ثم للتاريخ [للموسوي] .
(5) الشيعة والتصحيح [للموسوي] .
(6) الشيعة في الميزان [د. النجرامي] .
(7) ما يجب أن يعرفه المسلم عن عقائد الرافض [الحمدان] .
(8) أصول الشيعة [د. ناصر القفاري] .
وللرد المطول الموسوعي يراجع منهاج السنة لابن تيمية.(3/10)
هل جميع الصحابة عدول؟
المجيب د. سعد بن عبد الله الحميد
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الملك سعود
العقائد والمذاهب الفكرية/الصحابة وآل البيت
التاريخ 6/10/1424هـ
السؤال
كيف نجيب من قال: كيف تعدّلون جميع الصحابة وتقبلون روايتهم مع أنهم يقعون في الكبائر والصغائر، وهذا قادح في العدالة. والصحيح أن يُتوقف في تعديلهم حتى تثبت العدالة أو نثبت العدالة، ومن ظهر منه الفسق جرحناه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأنصح السائل أولاً وكل من قرأ هذا الجواب، أو اهتم بهذا الأمر بالرجوع لما كتبه العلماء، ولا يقفوا عند حد الشبهة التي قد تورد من مغرض يعلم أن أكثر الناس لا تتسع صدورهم للبحث والقراءة فيسهل اقتناصهم، ومن الكتب التي أنصح بالرجوع إليها (الكفاية) للخطيب البغدادي، و (منهاج السنة) لشيخ الإسلام ابن تيمية، و (تطهير الجنان) لابن حجر الهيتمي، كما أن هناك كتباً ورسائل وبحوثاً صدرت في العصر الحديث لا بد من الرجوع لها، ومنها: (السنة ومكانتها في التشريع) لمصطفى السباعي، و (دفاع عن السنة) لمحمد أبو شهبة و (السنة حجيتها ومكانتها في الإسلام) لمحمد لقمان السلفي، و (صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم) لعيادة الكبيسي، و (إسلام آخر زمن) ، و (براءة الصحابة من النفاق) كلاهما لمنذر الأسعد، و (رسائل العدل والإنصاف) لسعود بن محمد العقيلي، وإنما ذكرت هذه المراجع؛ لأن الأخ السائل سيجد فيها بغيته، ويصعب في جواب مختصر كهذا الإتيان على أطراف الموضوع.
ومع هذا ألخص الجواب في النقاط الآتية:(3/11)
(1) هناك فرق بين من يناقش هذه القضية وهو مسيء للظن بأولئك الصحب الكرام؛ بسبب رواسب عقدية معروفة، وبين من ينظر إليهم نظرة محبة وإجلال؛ بسبب مواقفهم المشرَّفة في نصرة هذا الدين، والدفاع عنه، وصبرهم على الأذى فيه، وبذلهم المهج والأرواح والأموال في سبيله، أو لست ترى عجب عروة بن مسعود الثقفي –حين كان مشركاً – من الصحابة في الحديبية، وذلك حين رجع إلى قومه، فقال: "أي قوم! والله! لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله! إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ محمداً – صلى الله عليه وسلم -! والله إن تنخّم نخامة إلا وقعت في كفّ رجل منهم فَدَلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدّون إليه النظر تعظيماً له ... إلخ ما قال " البخاري (2731-2732) .
(2) تأمل قوله – تعالى-: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً " [الفتح:29] .
وقوله – تعالى-: "وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين* وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم" [الأنفال:62-63] .
وقوله – تعالى-:"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " [آل عمران:110] .
وقوله – تعالى -: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً" [البقرة:143] .
ثم انظر ماذا ترى؟ أو لست ترى تعديلهم في الجملة؟(3/12)
فإن أشكل عليك العموم، فخذ الخصوص: "لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم" [التوبة:117] .
وهذه كانت عقب غزوة العسرة (تبوك) ، وكانت في آخر حياته – صلى الله عليه وسلم-.
وقال تعالى: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً* ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً" [الفتح:18-19] .
وهذه تزكية عظيمة لأهل بيعة الرضوان.
وقال – تعالى -: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم " [التوبة:100] .
وهذا نص قاطع في تزكية عموم المهاجرين والأنصار، بل ومن تبعهم بإحسان.
وقريب منه قوله – تعالى -: " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون* والذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" [الحشر:8-9] .
وتأمل الآية بعدها:"والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم " [الحشر:10] .
وقال – تعالى-: "لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير " [الحديد:10] .
فكم سيكون عدد هؤلاء الصحابة الذين زكاهم الله – تعالى- وعدَّلهم ممن شملتهم الآيات؟ ومن الذي سيبقى؟ أهم الذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا؟ أو ليس الله – تعالى – يقول: "وكلاً وعد الله الحسنى"؟(3/13)
(3) فإن كان القصد من إيراد هذه الشبه إقصاء بني أمية عن شرف الصحبة، فمن الذي يستطيع أن يقصي عثمان - رضي الله عنه -؟ أو ليس دون ذلك خرط القتاد؟
وأما معاوية وعمرو بن العاص - رضي الله عنهما - فهل كان يخفى على النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهما حين أمّر عَمْراً على جيش ذات السلاسل وفيهم أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما-[البخاري (3662) ومسلم (2384) ] ؟ أو ليس هو ممن أسلم طوعاً وهاجر قبل الفتح؟ فماذا يريد من ذلك؟
ومثله معاوية - رضي الله عنه - كيف ائتمنه النبي - صلى الله عليه وسلم - على كتابة الوحي إن لم يكن عدلاً؟ وكيف وثق به عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- وولاه إمرة جيش الشام مع ما عرف من شدة عمر - رضي الله عنه - في الولاية حتى إنه عزل عنها سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -؟ وكيف سكت باقي الصحابة عن ذلك لو لم يكن عدلاً عندهم؟ وكيف زكاه بعض الصحابة كابن عباس وغيره؟ ولماذا لم يتهمه خصومه كعلي - رضي الله عنه - ومن معه من الصحابة في دينه إذا لم يكن عدلاً؟ وكيف قَبِلَ الحسن بن علي - رضي الله عنهما - بالتنازل عن الخلافة له مع كثرة أتباعه وأعوانه إذا كان مشكوكاً في عدالته؟ وكيف قبل باقي الصحابة ذلك؟
(4) فإن ارتضيت المهاجرين والأنصار وأهل بيعة الرضوان وبيعة العقبة والذين أسلموا قبل الفتح وأنفقوا وقاتلوا، وظهر لك ما تقدم عن معاوية وعمرو بن العاص - رضي الله عنهما- فمن بقي؟ فليكن السؤال محصوراً إذاً في: هل ثبتت صحبة فلان وفلان؟ ممن يرى مثير الشبهة أنهم خارجون عن الأدلة السابقة.
(5) ليس المراد بعدالة الصحابة - رضي الله عنهم - عصمتهم من الخطأ والنسيان والذنوب والعصيان، فالعصمة لم تثبت لأحد بعد الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام، وإنما المراد بعدالتهم - رضي الله عنهم - براءتهم من النفاق، وصدق محبتهم لله ورسوله، وأنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.(3/14)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة) (1/306-307) : "الصحابة يقع من أحدهم هنات، ولهم ذنوب، وليسوا معصومين، لكنهم لا يتعمدون الكذب، ولم يتعمد أحد الكذب على النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا هتك الله ستره" ا. هـ، والدليل على ذلك: ما جاء في (صحيح البخاري (6780) في قصة الرجل الذي جيء به عدة مرات وهو يشرب الخمر ويجلد، فلما لعنه أحد الصحابة نهاه النبي – صلى الله عليه وسلم-، وقال: "لا تلعنوه، فو الله ما علمت إنه يحب الله ورسوله ".
وقصة حاطب بن أبي بلتعة – وهي مخرجة في الصحيحين [البخاري (4890) ومسلم (2494) ] – معروفة، فإنه اتهم بالتجسس على المسلمين، ومع ذلك نفى عنه النبي – صلى الله عليه وسلم – الكفر، وقال: "وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".
(6) المتتبع لسيرة الصحابة – رضي الله عنهم – يجد أن من نُقل عنه اقترافه شيئاً من الآثام قلة قليلة، وبعض هذه القلة لا يثبت عنه ذلك، ومن ثبت عنه اعتُذر عنه ببعض الأعذار التي لو أعرضنا عنها وافترضنا ثبوت ذلك عنه لما كان له أثر في أصل القضية التي نتحدث عنها؛ لأن القصد حماية جناب السنة بحماية جناب نقلتها وحامليها، ومن نظر بعين الإنصاف وجد حَمَلَةَ السنة من الصحابة – رضي الله عنهم – لم يرد عنهم شيء مما ذُكر، وإنما ورد ذلك عن أناس اختلف في صحبتهم كالوليد بن عقبة، ومع ذلك فليس لهم رواية - بحمد الله -، وأعني بذلك بعد وفاته – صلى الله عليه وسلم –، وأما حال حياته فقد كانت تقع من بعضهم تلك الأمور لمصلحة التشريع كما لا يخفى.(3/15)
يقول الألوسي – رحمه الله – في (الأجوبة العراقية) (ص 23-24) : "ليس مرادنا من كون الصحابة – رضي الله عنهم – جميعهم عدولاً: أنهم لم يصدر عن واحد منهم مفسَّق أصلاً، ولا ارتكب ذنباً قط، فإن دون إثبات ذلك خرط القتاد، فقد كانت تصدر منهم الهفوات...." إلى أن قال: " ثم إن مما تجدر الإشارة إليه، وأن يكون الإنسان على علم منه: هو أن الذين قارفوا إثماً من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم حُدّوا هم قلة نادرة جداً، لا ينبغي أن يُغَلَّب شأنهم وحالهم على الألوف المؤلفة من الصحابة – رضي الله عنهم – الذين ثبتوا على الجادة والصراط المستقيم، وحفظهم الله – تبارك وتعالى – من المآثم والمعاصي، ما كبُر منها وما صغر، وما ظهر منها وما بطن، والتاريخ الصادق أكبر شاهد على هذا ".
ويقول الغزالي في (المستصفى) (ص 189-190) : "والذي عليه سلف الأمة وجماهير الخلف: أن عدالتهم معلومة بتعديل الله – عز وجل – إياهم، وثنائه عليهم في كتابه، فهو معتقدنا فيهم إلا أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك لا يثبت، فلا حاجة لهم إلى تعديل".
(7) والمقصود بالمفسَّقات التي نتحدث عنها: ما عدا الفتن التي نشبت بينهم – رضي الله عنهم – فمع كون قتل المسلم يُعد مفسَّقاً إلا أن ما كان منه بتأويل يخرج عما نحن بصدده، والأدلة على هذا كثيرة، ومن أهمها:
قوله - تعالى -: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما " [الحجرات:10] ، فوصفهم- سبحانه – بالإيمان مع وجود الاقتتال.
وأخرج البخاري (2704) عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال عن الحسن بن علي – رضي الله عنهما –: " إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". ولذا عذر أهل السنة كلتا الطائفتين، وتولّوهما، وإن كانت واحدة أقرب إلى الحق من الأخرى.(3/16)
(8) مما لا شك فيه أنه لا يمكن العمل بالقرآن إلا بالأخذ بالسنة، ولا تصح السنة ولا تثبت إلا بطريقة أهل الحديث، وأهمها جذر الإسناد، وهم الصحابة - رضي الله عنهم-، ولذا يقول أبو زرعة الرازي - رحمه الله -: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه زنديق؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، فهم زنادقة" أخرجه الخطيب البغدادي في (الكفاية) (ص 66-67) ، وكان قد قال قبله: "على أنه لو لم يَرِد من الله - عز وجل - ورسوله فيهم - أي الصحابة - شيء مما ذكرناه، لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المُهَج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين، القطع بعدالتهم والاعتقاد لنزاهتم، وأنهم أفضل من جميع المعدَّلين والمزكين الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين " ا. هـ.
(9) هناك سؤال عكسي نوجهه لمن يثير هذه الشبهة، فنقول: ما هو البديل في نظرك؟
أ. فهل ترى أن الإسلام يؤخذ من القرآن فقط؟.
فقل لي: من الذي نقل إلينا القرآن؟ ومن الذي جمعه؟ وهل تستطيع أن تقيم الإسلام بالقرآن فقط؟ وماذا نصنع بالآيات الكثيرة الدالة على وجوب الأخذ بالسنة، كقوله - تعالى -:"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" [الحشر:7] ، وقوله - تعالى-: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون" [النحل:44] .
ب. أو ترى أنه يؤخذ بالسنة، ولكن من طريق صحابة بأعيانهم ثبتت لديك عدالتهم، ومن عداهم فلا؟ فسمَّهم لنا وبيَّن لنا موقفك من البقية الباقية بكل وضوح، وسترى من الذي تنتقض دعواه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(3/17)
هل سب الصحابة كفر
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/الصحابة وآل البيت
التاريخ 27/3/1425هـ
السؤال
قال لي أحدهم: (إذا كفرتم من يسب الصحابة - رضي الله عنهم- فعليكم تكفير أول من سب الصحابة - رضي الله عنهم- وسن سنة السب على المنابر....فقد سب معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه- الخليفة الراشد الرابع علياً بن أبي طالب -كرم الله وجهه-، وجعلها سنة لمن بعده، حيث ظل بنو أمية يسبون علياً- رضي الله عنه- على المنابر وقبل كل صلاة، فهل لديكم الجرأة لتكفروا معاوية - رضي الله عنه -؟ فنتفق على تكفير كل من يسب الصحابة - رضي الله عنهم-؟ أم أنكم تكفرون البعض وتجدون الأسباب للبعض الآخر؟) هل سب معاوية - رضي الله عنه- أهل البيت؟ وكيف أرد عليه؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(3/18)
ليس كل سب للصحابة - رضي الله عنهم - كفر، بل بعضه فسوق وبعضه كفر، ولا يعرف بسند صحيح أن معاوية -رضي الله عنه- فعل ذلك إلا ما ينقل في كتب التاريخ والأدب، وأسانيد هذه الكتب مثقلة بالوهن والضعف، ومن المؤكد أن معاوية - رضي الله عنه - وبني أمية لا يسبون الصحابة- رضي الله عنهم- كما تفعل الشيعة الرافضة الذين لا يكتفون بشتمهم واتهامهم بالشذوذ الجنسي، والزنا، واللواط، بل يكفرونهم ويخرجونهم من الملة، والمؤمن العاقل لا يهدر نفسه ووقته ومشاعره في تتبع فتن سلمنا الله من الوقوع فيها، والنفوس المترعة بالسلبيات هي التي تتبع أردى أحوال الناس وأقوالهم وتنغمس في ذلك وتعيش في أجوائه وتبتغي جر الناس إلى ذلك وتبحث عن أسباب الشنآن والبغضا. وما حصل بين الصحابة- رضي الله عنهم- من فتن قد تجاوزت حد الأقوال إلى الدماء، ولكن أهل العلم والإيمان يتركون ذلك ويعرضون عنه، ويقولون: "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون" [البقرة:134] ، ويعتبرون ما جرى بين الصحابة - رضي الله عنهم- باجتهاد منهم وبحث عن الأفضل والأجود للأمة، ولكن أخطأ بعضهم في الاجتهاد وأصاب آخرون، ولاشك أن عليا -رضي الله عنه - كان هو المصيب، ولكن ذلك لا يقتضي شتما ولا تكفيراً لغيره، كما كان يفعل علي نفسه -رضي الله عنه-، وكما فعل أبناؤه وأحفاده من بعده، الحسن والحسين وزين العابدين وجعفر الصادق وزيد بن الحسين وعلي الرضا وغيرهم، ولكن الأهواء الضالة قادت بعض الناس إلى استنبات أحقاد واستخراج مآسي وإلهاب مشاعر العامة والخاصة بها تأجيجا للصراع وتحريكا للأحقاد، والعاقل الفطن والمؤمن التقي يحرص على ما ينجيه عند الله، وما يكون سببا في صلاح حال أمة الإسلام ولمن شملها وتوحيد جهودها. والله أعلم.(3/19)
هل في هذا القول طعن في الصحابة، رضي الله عنهم؟
المجيب د. تركي بن فهد الغميز
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الصحابة وآل البيت
التاريخ 7/07/1425هـ
السؤال
شيخنا الفاضل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يستدل بعض المخالفين -هداهم الله- بقول الذهبي للطعن بعدالة الصحابة، -رضوان الله عليهم أجمعين- في مقدمة كتابه (الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردّهم) (ص23) : "وما زال يمر بي الرجل الثبت وفيه مقال من لا يعبأ به، ولو فتحنا هذا الباب على نفوسنا لدخل فيه عدة من الصحابة، رضي الله عنهم، والتابعين والأئمة، (فبعض الصحابة كفر بعضهم بتأويل ما) ، والله يرضى عن الكل ويغفر لهم، فما هم بمعصومين، وما اختلافهم ومحاربتهم بالتي تليّنهم عندنا أصلاً". انتهى قوله. هل من تفسير جزاكم الله خيرًا؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فبخصوص سؤالكم عمّا ذكره الذهبي في مقدمة كتابه (الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد) ، فأقول: الكلام المذكور وما قبله وما بعده في حدود ست صفحات إلى قوله: أما بعد: فهذا فصل نافع في معرفة الثقات. فجميع الكلام السابق مقحم في المقدمة وليس منها، وإنما المقدمة صفحة واحدة فقط أو أقل، وهو ظاهر في النسخة التي معي، وهي بتحقيق إبراهيم سعيد أبي إدريس، وبيدي نسخة أخرى مطبوعة بعنوان: ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثَّق، بتحقيق محمود شكور بن محمود الحاجي، وهذه النسخة المذكورة خالية من تلك المقدمة المقحمة.
وهذا الفصل المطول في المقدمة إنما هو في نسخة مطبوعة قديمة ذكرها المحقق، وذكر بعض النقول القديمة عن هذه المقدمة مما يدل على أن إدخالها في مقدمة الكتاب قديم. والله أعلم.(3/20)
والشيء المهم أن المقدمة المذكورة هي من كلام الذهبي، فيما يظهر لمن تعرّف أسلوبه، ولكن لعلها اجتلبت من موطن آخر، والنص المذكور في السؤال ليس فيه إشكال بل هو واضح إلا قوله: (فبعض الصحابة كفر بعضهم بتأويل ما) ، وأظن هذا هو محل السؤال، ويظهر لي حمل هذا الكلام على أحد أمرين:
الأول: أن يكون مراده إطلاق بعضهم على بعض هذا الذنب وقع منه ظنًّا أنه منافق لأجله، كقول عمر، رضي الله عنه، في حاطب بن أبي بلتعة: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق. أخرجه البخاري (3007) ومسلم (2494) . وكقول الأنصاريين في مالك بن الدخشم لما رأوا من مجالسته للمنافقين، ولما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: "أَلَيْسَ يَشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إلَّا اللهُ وأَنِّي رسولُ اللهِ؟ ". قالوا: إنه يقول ذلك، وما هو في قلبه. أخرجه مسلم (33) ، وهذا ظاهر في أنهم يعتقدونه منافقًا في الباطن، ونحو ذلك من الأحداث التي هي بتأويل، كما هو في كلام الذهبي، فعمر, رضي الله عنه، متأول في قوله؛ لعظم فعل حاطب، والأنصاريون كذلك متأولون.
الثاني: أن يكون معنى كلام الذهبي الإشارة إلى ما وقع من الفتنة والقتال، وكلام بعضهم في بعض واستباحة قتاله، وكل ذلك بتأويل.
والمعنى الأول أقرب لكلام الذهبي، فإن الثاني ليس فيه تكفير وإنما هو قتال. والله أعلم.(3/21)
المفاضلة بين الصحابة - رضي الله عنهم -
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الصحابة وآل البيت
التاريخ 28/4/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي هو حول درجات الصحابة - رضي الله عنهم - ومنزلتهم، فكيف نفرق بين سيدنا علي ومعاوية - رضي الله عنهما - في الدرجة والفضل والعلم والأثر والاتباع؟ وجزاكم الله خيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الذي عليه إجماع المسلمين أن الصحابة - رضي الله عنهم - هم أفضل الأمة بعد نبيها، فهم أعظم الناس علماً، وأبرهم قلوباً، وأعمقهم إيماناً، وأن درجتهم في الفضل كدرجتهم في الصحبة، فأفضلهم السابقون، والبدريون، وأهل الشجرة، والمبشرون العشرة، وأفضل العشرة الخلفاء الراشدون الأربعة- رضي الله عنهم- وأفضل الأربعة الشيخان أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- وأفضل الشيخين أبو بكر -رضي الله عنه- وقد دلت على هذا التفضيل نصوص كثيرة، أكتفي منها بقوله تعالى: "لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى" [الحديد: من الآية10] ، ومع معرفة درجاتهم في الفضل والصحبة فذلك لا يعني الإزراء بالمفضول وغمطه حقه، فضلاً عن سبه وشتمه، والصحابة - رضي الله عنهم- كلهم خيار عدول، نحبهم ونتولاهم ونعرف لهم فضلهم وسابقتهم، ونمسك عما شجر بينهم، وهم فيه ما بين مجتهدٍ مصيب فله أجران، ومجتهدٍ مخطئ معذور له أجر واحد.(3/22)
طعن الشيعة في عمر - رضي الله عنه -
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الصحابة وآل البيت
التاريخ 17/9/1424هـ
السؤال
إن الشيعة يحتجون بالحديث التالي بأن عمر - رضي الله عنه - أمر بغير ما شرع الله، حين جاء رجل من أهل البادية إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: يا أمير المؤمنين، إنما نمكث الشهر والشهرين لا نجد الماء؟! قال عمر - رضي الله عنه -: أما أنا فلم أكن لأصلي حتى أجد الماء!! فقال عمار بن ياسر - رضي الله عنهما -: أما تذكر إذ أنا وأنت بأرض كذا نرعى الإبل فتعلم أني أجنبت؟ قال: نعم فتمعكت في التراب فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك وقال: إن كان يكفيك من ذلك الصعيد أن تقول: هكذا وضرب بكفيه الأرض، ثم نفخهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه فقال عمر - رضي الله عنه -: اتق الله يا عمار فقال عمار: فيما علي لك من حق يا أمير المؤمنين إن شئت لا أذكره ما حييت؟ فقال عمر: كلا والله ولكن أوليك من أمرك ما توليت. (عب) . رواية رابعة مساندة: مصدرها مسند الإمام أحمد، المجلد الرابع، أول مسند الكوفيين، بقية حديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهما. حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أن رجلا أتى عمر - رضي الله عنه -، فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء!! فقال عمر - رضي الله عنه -: لا تصل!!! فقال عمار - رضي الله عنه -: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت فلما أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال إنما كان يكفيك هكذا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه. أفيدونا أثابكم الله.
الجواب(3/23)
أما الجواب عن السؤال الذي يحتج به الشيعة على أن عمر - رضي الله عنه - قد أمر بغير ما شرع الله! فليس: للشيعة متمسك في هذا الأثر على أن عمر - رضي الله عنه - أمر بغير شرع الله - حاشاه من ذلك - وإذا كان هذا - أعني دعوى الأمر بغير شرع الله - لا يتصور في آحاد الصالحين من هذه الأمة، فكيف يتصور ذلك في الخليفة الراشد الذي أجمعت الأمة في وقته على صحة خلافته؟ ولكنه الهوى والتعصب يجعل من الأسود أبيض ومن الأبيض أسود!! نعوذ بالله من الهوى.
واعلم أنه ما من أحد من العلماء - إلا ما ندر - إلا وله من الأقوال والآراء ما يخالف فيه السنة، نظراً لأن السنة لا يمكن لأحد أن يحيط بها إحاطة تامة، بحيث لا يشذ عنه منها شيء، هذا لم يقع لكبار الصحابة - رضي الله عنهم - فضلاً عن غيرهم ممن أتى بعدهم، ومع ذلك فلم يقل أحد من العلماء: إن مخالفة عالم للسنة - بسبب خفائها عليه أو لعذر غيره - إن ذلك من تبديل شرع الله تعالى.
ولهذا لم يقل أحد من الأئمة إن علياً - رضي الله عنه - قد بدل الشريعة حينما قال: إن المتوفى عنها زوجها تعتد بأطول الأجلين، لمخالفة قوله هذا للسنة الصحيحة الصريحة في حديث سبيعة الأسلمية - رضي الله عنها - والتي أفتاها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها انقضت عدتها بمجرد وضع حملها؟
بل أهل العلم يعتبرون هذا من جملة الاجتهادات التي يعذر فيها صاحبها، ولا يوافق على قوله، وتمثل هذه الطريقة تعامل أهل العلم المنصفين مع اجتهادات العلماء التي تبين خطؤها، سواء كان العالم من الصحابة - رضي الله عنهم - وهم أولى الناس بالتماس الأعذار - أو مع غيرهم.(3/24)
وبخصوص حديث عمر هذا، فإن قول عمر – رضي الله عنه – له سبب – كما قال ابن عبد البر في "التمهيد (19/273) : (وذلك أن عمر – رضي الله عنه - كان يذهب إلى أن الجنب لا يجزيه إلا الغسل بالماء، فلما أخبره عمار – رضي الله عنه - عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال بأن التيمم يكفيه، سكت عنه ولم ينهه، فلما لم ينهه علمنا أنه قد وقع بقلبه تصديق عمار – رضي الله عنه -، لأن عماراً – رضي الله عنه - قال له: إن شئت لم أذكره، ولو وقع في قلبه تكذيب عمار لنهاه، لما كان الله قد جعل في قلبه من تعظيم حرمات الله، ولا شيء أعظم من الصلاة، وغير متوهم عن عمر أن يسكت على صلاة تصلى عنده بغير طهارة، وهو الخليفة المسؤول عن العامة، وكان أتقى الناس لربه وأصلحهم لهم في دينهم في ذلك الوقت رضي الله عنه "انتهى كلام ابن عبد البر رحمه الله.
فتحصل من كلامه رضي الله عنه أمران:
الأول: أن عمر كان قد خفيت عليه السنة أو نسيها، وكان يظن أن الجنب لا يصلي حتى يغتسل بالماء، وأن التيمم لا يكفيه، حتى أخبره عمار – رضي الله عنه-.
الثاني: أن عمر – رضي الله عنه – قد رجع إلى السنة حينما أخبره عمار بها – كما وضح وجه ذلك ابن عبد البر، وهذا هو الظن بكل مسلم تتبين له السنة، فضلاً عن الصحابة – رضي الله عنهم -، فضلاً عن الخليفة الراشد الوقاف عند حدود الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -.(3/25)
ولكن المشكلة في بعض الناس - الذي يفقد الإنصاف - حينما يتعامل مع الأخبار والقصص - وفي نفسه شيء على من يقرأ أخباره - فإنه حين يقرأ، إنما يقرأ لتتبع الأخطاء والزلات ونسيان الحسنات، فهو كما يقول شيخ الإسلام، كالذباب لا يقع إلا على الجرح، وهذا مخالف للمنهج القرآني الذي رسمه ربنا بقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" [المائدة:8] ، ويقول سبحانه: "وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" [الأنعام:152] .
فنسأل الله العدل والإنصاف مع نفوسنا وإخواننا وخصومنا، ونقول: "وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بالإيمان وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ" [الحشر:10] .(3/26)
من هم آل البيت؟
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الصحابة وآل البيت
التاريخ 13/10/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
عندي إشكال في مسألة آل البيت الذين أمرنا أن نصلي عليهم.
سمعت أن أهل البيت هم ذرية النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسمعت أنهم عموم المؤمنين، ولكن هذا ليس بظاهر من اللفظ.
فيكون هناك إشكال في حصر آل البيت في ذرية النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهذا يعني أننا مأمورون بالصلاة على الذرية، وفي ذلك تفضيل أنسباء النبي -صلى الله عليه وسلم- على الآخرين من الناس فقط بسبب نسبهم.
فهل هذا هو التأويل الصحيح؟ علماً أنني من أهل السنة، لكني أريد حجة قوية على الشيعة في توضيح هذا الموضوع.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأهل البيت هم آل النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين حرمت عليهم الصدقة وهم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس، وبنو الحارث بن عبد المطلب وأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- وبناته.
فأهل السنة والجماعة يحبون أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال يوم غدير خم -وهو اسم موضع-:"أذكركم الله في أهل بيتي" رواه مسلم (2408) .
وأهل السنة يحبونهم ويكرمونهم؛ لأن ذلك من محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وإكرامه، وذلك بشرط أن يكونوا مستقيمين على الملة، كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه وعلي وبنيه، أما من خالف السنة ولم يستقم على الدين فإنه لا تجوز موالاته ولو كان من أهل البيت.(3/27)
وموقف أهل السنة والجماعة من أهل البيت موقف الاعتدال والإنصاف، يتولون أهل الدين والاستقامة منهم، ويتبرؤون ممن خالف السنة وانحرف عن الدين ولو كان من أهل البيت فإن كونه من أهل ومن قرابة الرسول - صلى الله عليه وسلم- لا ينفعه ذلك حتى يستقيم على دين الله، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أنزل عليه:"وأنذر عشيرتك الأقربين" فقال:"يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً ... " الحديث رواه البخاري (2753) ، وفي حديث آخر عند مسلم (2699) :"من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه".
وأهل السنة يتبرؤون من طريقة من غلا في بعض أهل البيت وادعى لهم العصمة، ومن طريقة من ناصب آل البيت العداوة وطعنوا فيهم، ومن طريقة المبتدعة والخرافيين الذين يتوسلون بأهل البيت ويصرفون لهم شيئاً من خالص حق الله.
وأما ما ذكرته في سؤالك من أن في الصلاة عليهم تفضيل لهم على الآخرين من الناس فذلك فضَّل الله، وقد فضل الله المهاجرين على الأنصار، وفضل أهل بدر وأهل بيعة الرضوان، وفضَّل من أسلم قبل الفتح وقاتل على من أسلم بعد الفتح، وفضَّل الصحابة -رضي الله عنهم- بعضهم على بعض، كما فضَّل الرسل بعضهم على بعض، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.(3/28)
تعليق ملصقات شعارها: (أنا أحب الصحابة)
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الصحابة وآل البيت
التاريخ 16/10/1424هـ
السؤال
هناك ملصقات على شكل قلب مكتوب فيها أنا أحب الصحابة -رضي الله عنهم-، وأنا ألصقها على سيارتي، وأنكر علي صاحب لي هذا العمل، وقال: إن الرافضة لما يرون هذا سوف يسبونهم، فأنت تعين على سب الصحابة -رضي الله عنهم- واستشهد بالآية "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم" الآية، فهل هذا الاستدلال صحيح؟ وهل فعلي فيه شيء من الخطأ؟. أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وبعد: الذي أراه أن المجاهرة بحب الصحابة - رضي الله عنهم-،والترضي عليهم أمر واجب، وعقيدة أصيلة، لدى أهل السنة لا ينبغي كتمانها خوفاً من لعن الصحابة - رضي الله عنهم- من قبل الرافضة أو غيرهم، فالرافضة اتخذوا سب الصحابة - رضي الله عنهم- ولعنهم وتكفيرهم ديناً لا يتركونه إلا أن تدركهم رحمة الله، ولن يمنعهم من مجاهرتهم بعداوة الصحابة - رضي الله عنهم- وبغضهم إعلان أهل السنة حبهم للصحابة - رضي الله عنهم- وترضيهم عليهم أو كتمانهم لهذه القضية، وأما الآية التي استدل بها صاحبك، فهذه في شأن سب آلهة المشركين وليست في مسألتنا هذه، صحيح أن العلماء استنبطوا من الآية قاعدة سد الذرائع، بيد أن إعمال القاعدة في هذه المسألة لن يؤدي إلى غرض صحيح لما بينته لك.
بقي أخيراً: هل يجوز تعليق هذه الاستكرات (الملصقات) بالصورة التي ذكرت؟ أقول: إنني لا أحبذ ذلك، فحب الصحابة - رضي الله عنهم- الحقيقي يكون باعتناق عقيدتهم، واقتفاء آثارهم، والسير على طريقتهم، وهذا خير لك بحول الله وقوته. والله الموفق.(3/29)
هل ورد الأمر بالترضي عن الصحابة
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الصحابة وآل البيت
التاريخ 19/1/1425هـ
السؤال
من المتعارف عليه بين المسلمين قول: - رضي الله عنه- بعد ذكر اسم الصحابي، ولكن هذا الأمر لم يأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يفعله الصحابة - رضي الله عنهم- ولا التابعين، وهذا بخلاف الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا الأمر إنما أدخل على الإسلام عن طريق بعض الناس في قرون لاحقة للقرون المفضلة بناء على رأي شخصي منهم، ولذلك شعروا بأنهم لا يخالفون أي شعيرة من شعائر الإسلام بل ووجدوه متوافقاً مع مبادئه (حتى لو لم يرد في وقت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهل ما ذكرت صحيح؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فلا شك أن مما تعارف عليه المسلمون هو الترضي على الصحابة - رضوان الله عليهم- بعد ذكر أحدهم والترحم على من سواهم، وهذا وإن كان ظاهره الخبر إلا أن حقيقته والمراد منه الدعاء بمعنى اللهم ارض عنهم.
وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا الصحابة - رضي الله عنهم-، ولكنه اجتهاد مستنبط من الآيات القرآنية التي وصفت الصحابة - برضوان الله عليهم-، كقوله -تعالى-: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه" [التوبة: 100] ، وقال -تعالى-: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة" [الفتح: 18] ، وغيرها من الآيات.(3/30)
وتمييز الصحابة - رضي الله عنهم- عن غيرهم مطلب شرعي لتمييز الله -تعالى- لهم بصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم-، وقد ميزهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" رواه البخاري (3673) ، ومسلم (2541) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(3/31)
معنى: (أشد الناس بلاء)
المجيب راشد بن فهد آل حفيظ
القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة
العقائد والمذاهب الفكرية/الصحابة وآل البيت
التاريخ 27/3/1425هـ
السؤال
سؤالي يتعلق بالحديث الصحيح"أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على قدر دينه فإن كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"..أو كما قال صلى الله عليه وسلم..، وقد لاحظت وجود أناس من أعظم الناس إيمانا ومع هذا لا يبتلون..، وقد يكون الواحد فيهم في رغد من العيش..ولا يذكر في سيرته مثلا أنه ابتلي قط..رغم ما تواتر عنه من صلاح وجهاد وتقوى..
لقد كان أبو بكر..-رضي الله عنه- خير الرجال بعد النبيين..وأرى أن ابتلاء عمر أو عثمان -رضي الله عنهما- كان أشد.. وهناك مثلا كبار المجاهدين..لا يمسهم أذى كبير..بقدر ما يمس الأفراد الصغار..إلخ فكيف نفهم قاعدة"ثم الأمثل فالأمثل"..على الوجه الأمثل؟.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالجواب: إن البلاء يشمل الابتلاء بالسراء والضراء، كما يشمل الابتلاء بالحروب والفتن والاضطرابات، وتسلّط الأعداء على المسلمين بأي وسيلة كانت، كما يشمل الابتلاء بتولي المسؤوليات، ولاسيما العظيمة منها، كما يشمل الابتلاء بكثرة الفرق والبدع والضلالات، وكثرة الشهوات والفجور، وانتشار الفساد في الأرض ونحو ذلك، وهذا أولاً.(3/32)
ثانياً: إن الصديق-رضي الله عنه وأرضاه- هو أفضل الأمة وأعلمها وأشدها بلاءً بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويكفي من ذلك ما حصل له مع الرسول- صلى الله عليه وسلم- في أول البعثة، ومن ذلك ما حصل لهما في الغار، ومطاردة المشركين لهما، وهو في ظني أعظم مما حصل لعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم- من البلاء، ومن ذلك أيضاً موقفه العظيم بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد صبر واحتسب ثم اتخذ القرار الصحيح كما في خطبته الشهيرة، كما اتخذه مرة أخرى في حروبه مع أهل الردة وموقفه العظيم في هذا الشأن الذي نصر الله به الإسلام والمسلمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (إن موت النبي -صلى الله عليه وسلم- من أعظم الأسباب التي أفتتن بها خلق كثير من الناس، وارتدوا عن الإسلام، فأقام الله -تعالى- الصديق -رضي الله عنه- حتى ثبت الله به الإيمان، وأعاد به الأمر إلى ما كان..) ا. هـ الفتاوى (25/303) وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(3/33)
التشكيك في أحاديث أبي هريرة
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الصحابة وآل البيت
التاريخ 1/3/1425هـ
السؤال
شخص يصف أبا هريرة -رضي الله عنه- بأنه كذاب؛ لأنه روى كثيراً من الأحاديث من نفسه، ولم يعايش النبي -صلى الله عليه وسلم- لفترة طويلة، كما فعل كثير من الصحابة الآخرين -رضي الله عنهم- فكيف أرد عليه؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أبو هريرة -رضي الله عنه- هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي على المشهور من أقوال المؤرخين، وكنيته أبو هريرة وهو صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحافظ الصحابة -رضي الله عنهم-، قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- عام خيبر سنة سبع من الهجرة، وهو أحفظ أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في عصره، وقد أثيرت بعض الشبهات حول كثرة حديثه مع تأخر هجرته، حيث لم يصحب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا قرابة أربع سنين، ويجاب عن هذا بما يأتي:(3/34)
1- أن أبا هريرة -رضي الله عنه- منذ هاجر إلى المدينة لازم النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يشغله عن حضور مجالسه شيء من مشاغل الدنيا، يقول أبو هريرة -رضي الله عنه- عن نفسه كما جاء في الصحيحين البخاري ح (118) ، ومسلم ح (2492) : "إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا ثُمَّ يَتْلُو: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ... ) إِلَى قَوْلِهِ: (الرَّحِيمُ) إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشِبَعِ بَطْنِهِ، وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ"، وقد شهد له الصحابة –رضي الله عنهم- بتلك الملازمة كما جاء عند الْبُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ) ، وَأَبُي يَعْلَى بِإِسْنَادٍ حَسَن مِنْ طَرِيق مَالِك بْن أَبِي عَامِر قَالَ: (كُنْت عِنْد طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه, فَقِيلَ لَهُ: مَا نَدْرِي هَذَا الْيَمَانِيّ – يعني أبا هريرة - أَعْلَمَ بِرَسُولِ اللَّه مِنْكُمْ, أَوْ هُوَ يَقُول عَلَى رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لَمْ يَقُلْ؟ قَالَ: فَقَالَ: وَاَللَّه مَا نَشُكّ أَنَّهُ سَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَع, وَعَلِمَ مَا لَمْ نَعْلَم , إِنَّا كُنَّا أَقْوَامًا لَنَا بُيُوتَات وَأَهْلُونَ , وَكُنَّا نَأْتِي النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَفَيْ النَّهَار ثُمَّ نَرْجِع, وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة –رضي الله عنه- مِسْكِينًا لَا مَال لَهُ وَلَا أَهْل, إِنَّمَا كَانَتْ يَده مَعَ يَد النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ(3/35)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَكَانَ يَدُور مَعَهُ حَيْثُمَا دَار, فَمَا نَشُكّ أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَع " وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي مَدْخَله مِنْ طَرِيق أَشْعَث عَنْ مَوْلًى لِطَلْحَةَ قَالَ: " كَانَ أَبُو هُرَيْرَة جَالِسًا , فَمَرَّ رَجُل بِطَلْحَةَ فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَة , فَقَالَ طَلْحَة: قَدْ سَمِعْنَا كَمَا سَمِعَ , وَلَكِنَّهُ حَفِظَ وَنَسِينَا " ينظر فتح الباري.
2- عُرِفَ عن أبي هريرة رضي الله عنه شدة حرصه على حفظ السنة ورغبته الشديدة في تحصيل العلم، وقد شهد له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك ففي البخاري ح (99) أن أبا هريرة قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ......"(3/36)
3- تميز أبو هريرة بحفظه لما سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث كان لا ينسى شيئاً سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد ناله بركة دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له كما جاء في صحيح البخاري ح (119) حيث قال أبو هريرة: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ قَالَ: ابْسُطْ رِدَاءَكَ فَبَسَطْتُهُ قَالَ فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ ضُمَّهُ فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ"، ومما يدل على قوة حفظه -رضي الله عنه- ما ذكر ابن حجر في " الإصابة "، قال: " قال أبو الزعيزعة - كاتب مروان -: أرسل مروان إلى أبي هريرة فجعل يحدثه، وكان أجلسني خلف السرير أكتب ما يحدث به، حتى إذا كان في رأس الحول أرسل إليه فسأله وأمرني أن أنظر، فما غير حرفاً "وقد عَرَفَ هذه الخاصية لأبي هريرة -رضي الله عنه- الصحابة – رضي الله عنهم- ومن جاء بعدهم من التابعين، فهذا ابن عمر - رضي الله عنه - يقول عنه: " إن كان لألزمنا لرسول الله، وأعرفنا بحديثه "، وقال أيضاً وهو يترحم على جنازته: " كان يحفظ على المسلمين حديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "، وقال الإمام الشافعي: " أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في عصره ".
4- أدرك أبو هريرة كبار الصحابة –رضي الله عنهم- وأخذ عنهم ما فاته مما لم يسمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فربما رواها عنهم، وربما قال فيها: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهذا ما يعرف بمراسيل الصحابة –رضي الله عنهم-، وكان الصحابة –رضي الله عنهم- بعضهم يروي عن بعض لكمال وثوق بعضهم ببعض.(3/37)
قال البراء بن عازب -رضي الله عنه-: " ليس كلنا كان يسمع حديث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كانت لنا ضيعة وأشغال ولكن الناس لم يكونوا يكذبون يومئذ، فيحدث الشاهد الغائب".
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: " ... ليس كل ما نحدثكم عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سمعناه منه ولكن كان يحدث بعضناً بعضاً ولا يتهم بعضناً بعضناً"، وفي رواية عن قتادة أن أنساً –رضي الله عنهما- حدث بحديث فقال له رجل: أسمعت هذا من رسول الله – صلى الله عليه وسلم-؟، قال: نعم، أو حدثني من لم يكذب والله ما كنا نكذب (أخرج هذين الأثرين الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) .
5- بقى أبو هريرة -رضي الله عنه- بعد وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينشر الحديث بين الناس ويبلغه ولم يشغله عن ذلك ولايات ولا تجارة، ولا غير ذلك، وقد تأخرت وفاته، حيث مات سنة سبع، وقيل ثمان وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة.(3/38)
لهذه الأمور وغيرها كان أبو هريرة أكثر الصحابة –رضي الله عنهم- حديثاً، وقد شاركه الصحابة –رضي الله عنهم- في رواية ما رواه من الحديث حيث يوجد أكثر ما رواه عند غيره من الصحابة –رضي الله عنهم-، وقد تلقى عن أبي هريرة-رضي الله عنه- زهاء ثمانمائة نفس كما ذكر البخاري، ومن بين هؤلاء الرواة أئمة أعلام من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والتابعين لهم بإحسان وأئمة آل البيت مثل: علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن الحنفية، وغيرهما، وهذا العدد الكبير يدل على حرصهم ورغبتهم في سماع الحديث من أبي هريرة –رضي الله عنهم- لما يعلمون من ضبطه وإتقانه وصدقه، ومن المعلوم أن الصحابة –رضي الله عنهم- كلهم عدول كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد بإجماعهم من الأمة، والطعن في عدالتهم وتنقصهم من سمات أهل الزندقة والضلال، قال أبو زرعة الرازي: " إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى ذلك كله إلينا الصحابة –رضي الله عنهم-، وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، فالجرح بهم أولى "وقال الخطيب: " عدالة الصحابة –رضي الله عنهم- ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، واخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن فمن ذلك قوله –تعالى-: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" [آل عمران:110] وقوله: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً" [البقرة:143] ، وقوله: "لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً"(3/39)
[الفتح:18] ، وقوله –تعالى-: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ" [التوبة:100] ، وقوله –تعالى-: "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ" [الواقعة:10-11] وقوله: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" [الأنفال:64] ، وقوله –تعالى-: "لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [الحشر:8-9] في آيات يكثر إيرادها ويطول تعدادها ... وجميع ذلك يقتضى القطع بتعديلهم، ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله –تعالى- له إلى تعديل أحدٍ من الخلق له، على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد، ونصرة الإسلام، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين، القطع على عدالتهم والاعتقاد لنزاهتهم وأنهم أفضل من جميع الخالفين بعدهم، والمعدلين الذين يجيؤن من بعدهم، هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء " (الكفاية في علم الرواية (ص: 46-48) ، والإصابة في تميز الصحابة –رضي الله عنهم- (1/ 11)(3/40)
وقال ابن الصلاح: " للصحابة -رضي الله عنهم- بأسرهم خصيصة وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة". هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(3/41)
ادعاء عصمة فاطمة -رضي الله عنها-
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الصحابة وآل البيت
التاريخ 12/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كنت أتحاور مع أحد الشيعة عن العصمة، وسار بنا الموضوع إلى عصمة فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنها- قال بأن فاطمة -رضي الله عنها- معصومة وغضبها من غضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو غضب الله، فهي معصومة، وذكر حديثاً في صحيح البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: " فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني"، وكذلك حديث في صحيح البخاري أن عليًّا -رضي الله عنه- خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة -رضي الله عنها- فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالت إنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسمعته حين تشهد يقول أما بعد: أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها والله لا يجمع بين ابنة رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد فترك علي الخطبة، ومن الحديثين قال يدل على عصمتها؛ لأنها غضبت على شيء ليس لها حق أن تغضب له، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كاد أن يغضب لغضبها لو تم هذا الزواج فما الرد على أدلته؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(3/42)
الحديث المشار إليه في السؤال أخرجه البخاري (3110) ، ومسلم (2449) ، من حديث الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه، خَطَبَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ، فَقَالَ: "إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي، وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا". ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ، قَالَ: "حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي، وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبَدًا".(3/43)
من المتقرر في عقيدة أهل السنة والجماعة أن أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم- هم المعصومون فيما يبلغونه عن الله تبارك تعالى، ولا يُقَرُّون على خطأ في دين الله، ولا عصمة لأحد بعد أنبياء الله ورسله، وفاطمة، رضي الله عنها وأرضاها، كغيرها من الصحابة، رضي الله عنهم، ليست معصومة، ولم تدَّع العصمة لنفسها، وليس في هذا الحديث ما يدل على عصمتها، بل هو يدل على أن غضبها رضي الله عنها كان بحق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها على ذلك وغضب لغضبها، ومن المعلوم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يغضب إلا بحق، ولهذا لما كان عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، يكتب كل شيء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهته قريش، وقالت له: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟ فَأَمْسَك عَنْ الْكِتَابِ، ثم ذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ: "اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ". أخرجه أبو داود (3646) . ولكن قد يُستشكل في هذه القصة بأن ما أراد أن يفعله علي، رضي الله عنه، من الزواج على فاطمة، رضي الله عنها، حقٌ له؛ لأنه يجوز للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة، وللعلماء توجيهات لما جاء في هذه القصة يتضح من خلالها زوال الإشكال، ومن هذه التوجيهات:(3/44)
1- أن هذه القصة تُحمل على أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حرَّم على علي، رضي الله عنه، أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبي جهل، ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبَدًا ". ومعنى ذلك أن الضرة تكون بمنزلة ضرتها، ولا يليق أن تكون ابنة أبي جهل مع فاطمة في درجة واحدة.(3/45)
2- أنه يفهم من سياق القصة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَرَط على علي، رضي الله عنه، ألا يتزوج على فاطمة، رضي الله عنها؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكَر صهره الآخر وأنه وفَّى بما قال، ويظهر أنه وفَّى بالشرط وهو ألا يتزوج على ابنته، حيث قال صلى الله عليه وسلم عنه: "حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي". قال الحافظ ابن حجر: قوله: "حدثني فصدقني". لعله كان شرط على نفسه ألا يتزوج على زينب، وكذلك علي، رضي الله عنه، فإن لم يكن كذلك فهو محمول على أن عليًّا نسي ذلك الشرط، فلذلك أقدم على الخطبة، أوْ لم يقع عليه شرط إذ لم يصرح بالشرط، لكن كان ينبغي له أن يراعي هذا القدر، فلذلك وقعت المعاتبة. [فتح الباري (7/86) ] . وقال الحافظ ابن القيم: إن الرجل إذا شرط لزوجته ألا يتزوج عليها، لزمه الوفاء بالشرط، ومتى تزوج عليها فلها الفسخ، ووجه تضمن الحديث لذلك أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن ذلك يؤذي فاطمة ويريبها، وأنه يؤذيه صلى الله عليه وسلم ويريبه، ومعلوم قطعًا أنه صلى الله عليه وسلم إنما زوجه فاطمة، رضي الله عنها، على أن لا يؤذيها ولا يريبها، ولا يؤذي أباها صلى الله عليه وسلم ولا يريبه، وإن لم يكن هذا مشترطًا في صلب العقد، فإنه من المعلوم بالضروة أنه إنما دخل عليه، وفي ذكره صلى الله عليه وسلم صهره الآخر، وثنائه عليه بأنه حدثه فصدقه، ووعده فوفى له تعريض بعلي، رضي الله عنه، وتهييج له على الاقتداء به، وهذا يشعر بأنه جرى منه وعد له بأنه لا يريبها ولا يؤذيها، فهيجه على الوفاء له كما وفى صهره الآخر. [زاد المعاد (5/ 117- 118) ] .(3/46)
3- أن مراعاة ذلك في حق فاطمة، رضي الله عنها، أنها إذ ذاك فاقدة لمن تركن إليه، ومن يؤنسها ويزيل عنها وحشتها من أم أو أخت، لأنها رضي الله عنها كانت أصيبت بأمها، ثم بأخواتها واحدة بعد واحدة؛ فلم يبق لها من تستأنس به ممن يخفف عليها الأمر ممن تفضي إليه بسرها إذا حصلت لها الغيرة. [ينظر: فتح الباري (7/86) ] . هذا ملخص توجيهات العلماء لهذا الحديث، وهي توجيهات واضحة يندفع بها الإشكال. والحمد لله..(3/47)
والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يُقِرَّ فاطمة، رضي الله عنها، حين أرسلها أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يطلبن منها أن تناشد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العدل في بنت أبي بكر، كما جاء عن عائشة، رضي الله عنها، قَالَتْ: أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ مَعِي فِي مِرْطِي، فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ. وَأَنَا سَاكِتَةٌ. قَالَتْ: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيْ بُنَيَّةُ، أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ ". فَقَالَتْ: بَلَى. قَالَ: "فَأَحِبِّي هَذِهِ". قَالَتْ: فَقَامَتْ فَاطِمَةُ حِينَ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَجَعَتْ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُنَّ بِالَّذِي قَالَتْ، وَبِالَّذِي قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْنَ لَهَا: مَا نُرَاكِ أَغْنَيْتِ عَنَّا مِنْ شَيْءٍ فَارْجِعِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُولِي لَهُ: إِنَّ أَزْوَاجَكَ يَنْشُدْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ. فَقَالَتْ فَاطِمَةُ، رضي الله عنها: وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ فِيهَا أَبَدًا. أخرجه البخاري (2581) ، ومسلم (2442) .(3/48)
وخفي على فاطمة، رضي الله عنها، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ....". فطالبت أبا بكر، رضي الله عنه، بميراثها من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففي صحيح البخاري (4241) وصحيح مسلم (1759) ، من حديث عَائِشَةَ، رضي الله عنها، أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، رضي الله عنه، تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، رضي الله عنه: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْمَالِ". وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ، رضي الله عنه، أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ، رضي الله عنها، مِنْهَا شَيْئًا، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ.
ففاطمة، رضي الله عنها، وهي سيدة نساء العالمين، وابنة سيد ولد آدم أجمعين، ليست معصومة، ولم تدع العصمة لنفسها، فمن ادعى لها العصمة فقد أساء وغَلاَ وضل عن الطريق المستقيم. نسأل الله تبارك وتعالى- أن يهدينا للحق، ويرزقنا اتباعه.(3/49)
هل معاذ أعلم الصحابة؟
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الصحابة وآل البيت
التاريخ 07/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
ورد في الحديث أن معاذ بن جبل، رضي الله عنه- يتقدم على العلماء بدرجة يوم القيامة، فهل يجوز أن نقول إنه كان أعلم الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وإنه كان أعلم من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(3/50)
الحديث المشار إليه في السؤال أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 20/29 (40) ، والحاكم في المستدرك 3/301 مرسلاً، عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ إِمَامُ العُلَمَاءِ بِرَتْوَةٍ يومَ القِيَامَةِ". وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/311: رواه الطبراني مرسلاً، وفيه محمد بن عبد الله بن أزهر الأنصاري، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. وأخرج الترمذي (3791) من حديث أبي قلابة عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ". ولكن الحديث روي عن أبي قلابة مرسلاً، من غير ذكر أنس، قال الحافظ ابن رجب: وهو أصح عند كثير من الحفاظ. وأشار الحافظ ابن حجر إلى أن الصواب عند الحفاظ إرسال الحديث، وأن الموصول منه ما اقتصر عليه البخاري (3744) ومسلم (2419) ، وهو قوله: " إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الأمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ". [ينظر: فتح الباري لابن رجب (4/118) ، وفتح الباري لابن حجر (7/93) ] .(3/51)
وعلى تقدير ثبوت الحديث، فلعل المقصود تقديم معاذ على العلماء الذين يفضلهم من الصحابة ومن بعدهم، والله أعلم، قال المناوي، في توجيهه لقوله في الحديث: "وَأَعْلَمُهُمْ بِالحَلالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ": يعني أنه سيصير كذلك بعد انقراض عظماء الصحابة، رضي الله عنهم، وأكابرهم، وإلا فأبو بكر وعمر وعلي، رضي الله عنهم- أعلم منه بالحلال والحرام، وأعلم من زيد بن ثابت، رضي الله عنه، في الفرائض، ذكره ابن عبد الهادي، قال: ولم يكن زيد على عهد المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مشهورًا بالفرائض أكثر من غيره، ولا أعلم أنه تكلم فيها على عهده، ولا عهد الصديق رضي الله عنهم ... [فيض القدير (1/460) ] . ومن المعلوم أن الخلفاء الراشدين مقدمون في الفضل والعلم على سائر الصحابة، رضي الله عنهم جميعًا، فقد أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-باتباع سنتهم. أخرجه أبو داود (4607) وابن ماجه (42) والترمذي (2676) . ولم يرد هذا في غيرهم من الصحابة، رضي الله عنهم، وقال ابن تيمية: أهل العلم متفقون على أن أبا بكر وعمر أعلم من سائر الصحابة وأعظم طاعة. [الفتاوى الكبرى (4/270) ] .(3/52)
هل نسخ رضا الله عن الصحابة
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الصحابة وآل البيت
التاريخ 13/08/1425هـ
السؤال
ما ردكم حول ما يقول الشيعة من أن رضا الله الذي وقع على الصحابة الكرام - رضي الله عنهم- إنما وقع في لحظة البيعة فقط، مستدلين بوجود النسخ, أرجو أن تكون الإجابة بما أمكن من تفصيل. وشكراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:(3/53)
فهذا القول من الافتراء المحض الذي لا يسنده دليل من نقل أو عقل، ومنشؤه اعتقاد من يقول بهذا كفر صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا نفراً يسيراً اختلفوا في عددهم، وزوروا لهذا الاعتقاد الباطل الروايات في ذكر مثالب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقول بأنهم ارتدوا بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصنفوا في ذلك كتباً ضمنوها أدعية في لعن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن ذلك الكتاب الذي يسمونه: (مفتاح الجنان) ، ومن المعلوم أن من بلغ به الأمر هذا الحد فقد أسرف على نفسه وعرضها للهلاك، وأصل غرض هؤلاء هدم بنيان الإسلام من أساسه، وتمزيق وحدة المسلمين بانتشار الفتنة والفرقة والخلاف، والذي أصل هذا المذهب - شاء أتباعه أم أبوا- هو عبد الله بن سبأ، اليهودي الذي أراد هدم الإسلام، كما فعل بولص بن يوشع واسمه الأصلي (شاؤول) بدين النصارى من قبل، ولا أدري عن مدى جدوى الجدل مع من وصل به الأمر إلى هذا الحد، ولكن يقال لهؤلاء: - إن كان يجدي معهم النقاش - ما قولكم في الآيات الأخرى الواردة في بيان فضل صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلو منزلتهم؛ كقوله -تعالى-: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً" [الفتح:29] . وقوله -تعالى-: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ(3/54)
بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" [التوبة:100] ، وقوله تعالى: "لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ* وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ" [الحشر:8-10] . وما ظنهم بمن جعل في قلبه غلاً على هؤلاء ولم يستغفر لهم.(3/55)
قال -تعالى-: "لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً" [الفتح:18] ، مما يستدل بها صراحة على فضل الصحابة - رضي الله عنهم- الذين بايعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة، وقد ثبت في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يدخل النار - إن شاء الله- من أصحاب الشجرة أحد" رواه مسلم (2496) ، وقد ذكر بعض أهل العلم أن الرضا المذكور في الآية رضا خاص بسبب البيعة، فلهم به فضل خاص، -رضي الله عنهم وأرضاهم- وجعلنا ممن يحشر في معيتهم، ونصيحتي لك مع هؤلاء هو الاجتهاد إن استطعت في إنقاذهم من خلل العقيدة وفساد التصور حول قضايا الاعتقاد، وأصول الدين فإن صحة الاعتقاد ينبني عليها فيما بعد صحة العمل وقبوله، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.(3/56)
قصة استسقاء النبي بعد موته
المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/التوسل وأنواعه
التاريخ 7/7/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ذكر لي بعض الأشخاص بعد نقاش طويل عن التوسل والاستغاثة وزيارة القبور وغيرها من مجمل حديثه استدل بقصة من كتاب (البداية والنهاية) وهي قصة صحابي أو أعرابي والأرجح من كلامه أنه صحابي، وهي: أن هذا الرجل أتى إلى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-:"في عهد خلافة عمر -رضي الله عنه- وقال: استسقِ لأمتك فقد هلكوا ثم نام ورأى في المنام أن رسول الله -صلى الله علية وسلم- أتاه وقال له:"أقرئ عمر السلام ... "القصة، هل القصة صحيحة؟ وهل يمكن أنه تم حذفها من الكتاب بعد تنقيحه ومراجعته أو عبث به شخص ما؟ وما الرد عليه في ادعائه؟ وما الكتب التي تنصح بقراءتها للرد على هؤلاء وشبههم؟ وهل صحيح أنه يجوز دعاء أهل القبور إذا اعتقد أن الصمدية لله -عز وجل- ولم يصرفها لهم؟ وهل صحيح أنه ينزل الله الخوارق والكرامات على من زاد إيمانه وتعلق واقترن بالله -عز وجل-؟
الجواب(3/57)
ساق الحافظ ابن كثير هذه القصة المذكورة في تاريخه (البداية 7/90) "أن رجلاً أتى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ... "إلخ، وهذا الرجل -كما هو ظاهر القصة- مجهول العين والحال، فلا يمكن الالتفات إلى تصرف رجل مجهول العين والحال والإعراض عن النصوص الصريحة الصحيحة الآمرة بدعاء الله وحده والناهية عن دعاء غير الله -تعالى-، وسؤال الموتى الدعاء -كما في تلك القصة- إن لم يكن شركاً فهو وسيلة إلى الشرك وذريعة إلى الاستغاثة بالأموات، وإذا كان ابن كثير قد ساقها في تاريخه فلا يعني صحة القصة فضلاً عن مشروعية ذلك الصنيع، فالعبرة بالدليل والبرهان، وننصح الأخ السائل بقراءة كتاب (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) لابن تيمية و (الصارم المنكي) لابن عبد الهادي، و (التوصل إلى حقيقة التوسل) لمحمد بن نسيب الرفاعي، و (التوسل) للألباني.
ولا يجوز دعاء أهل القبور والاستغاثة بهم، فإن الدعاء حق لله -تعالى- وحده لا شريك له، فمن دعا الأموات فقد أشرك بالله كما قال -تعالى-:"وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ*إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ" [فاطر: 14] .
ومن دعا الأموات فقد قصدهم وتعلَّق بهم، فلا يتصور أن دعاة الموتى قد حققوا الصمدية لله -تعالى-.
وأما الكرامة فتحصل لأهل الإيمان والولاية، وقد لا تحصل لهم، كما أن الكرامة قد تحصل لضعيف الإيمان حتى يقوى إيمانه، والعبرة بلزوم الاستقامة وتحقيقها، والله أعلم.(3/58)
شرك المتوسل بالقبور
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/التوسل وأنواعه
التاريخ 6/2/1425هـ
السؤال
ما أوجه القول بأن التوسل بقبور الأنبياء والصالحين شركٌ؟ أرجو أن يكون الجواب شافياً، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله.
زيارة قبور الأنبياء والصالحين نوعان: زيارة شرعية، وهي زيارة للسلام عليهم والدعاء لهم، وتذكر الآخرة، لكن لا يجوز السفر لذلك، لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" رواه البخاري (1189) ومسلم (827) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.(3/59)
وأما زيارة قبورهم للدعاء عندها أو الصلاة عندها، فذلك من البدع في الدين، ومن وسائل الشرك، وكذا التوسل بذواتهم مثل أن يقول: نسألك يا الله بنبيك أو بعبدك الصالح، فذلك بدعة في التوسل؛ لأن التوسل المشروع هو التوسل بدعائهم، وهذا لا يكون إلا في حال حياتهم وحضورهم، وأما قصد القبور للطواف حولها والتقرب إلى أصحابها بالصلاة لهم، وكذلك الاستغاثة بهم عند قبورهم أو بعيداً عنهم؛ فكل هذا من الشرك الأكبر؛ لأن ذلك من عبادتهم مع الله، والله - تعالى - يقول: "يا أيها الناس اعبدوا ربكم ... " [البقرة:21] إلى قوله: "فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون" [البقرة:22] ، قال تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً" [النساء:36] ، وقال: "بل الله فاعبد وكن من الشاكرين"، وقال سبحانه وتعالى: "وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً" [الجن:18] ، فيجب التفريق بين ما هو شرك وما هو من وسائل الشرك، والقبوريون من الصوفية وأشباههم يفعلون عند قبور من يعظمون - سواء كانوا أولياء أو يظنونهم أولياء - كل هذه الأفعال، فإنهم يدعونهم ويدعون الله بهم ويتحرون الصلاة والدعاء عند قبورهم ويستغيثون بهم كذلك ويلجؤون إليهم أعظم من التجائهم إلى الله.
والرافضة الذين يسمون أنفسهم الشيعة هم الأصل في هذا الشرك فهم أمكن فيه؛ فإنهم يحجون إلى المشاهد التي بنوها على قبور الأئمة سواءً كانت حقيقية أو وهمية.
فالواجب الحذر من هذا الشرك وما يقرب إليه؛ فإنه انتشر في الأمة الإسلامية في الطائفتين الرافضة والصوفية، وقد بلغ الرسول - صلى الله عليه وسلم- البلاغ المبين؛ فحذَّر من الشرك كله وسد كل الطرق الموصلة إليه وذلك من كمال نصحه - صلى الله عليه وسلم-، فأقام الله به الحجة وأوضح المحجة، قال الله تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" [التوبة:128] . وصل الله على محمد وآله وصحبه وسلم.(3/60)
التبرك بتراب من قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/التوسل وأنواعه
التاريخ 14/7/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سمعت من إحدى الأخوات أنها كانت في محاضرة دينية، وجاءت إحداهن بتربة من قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، قيل إنها بطريق الواسطة استطاعت الحصول على هذه التربة، المهم أنهن وضعن هذا التراب في إناء، وكانت تفوح منه رائحة عطر جميلة، فصببن الماء عليه وشربن من هذا الماء، فهل هذا جائز شرعاً؟ وهل هذا من الكرامات التي يختص بها الله أولياءه الصالحين، بأن يناولهم التراب من عند قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو يفوح منه هذه الرائحة الزكية؟ أم أنه مستحيل وجود مثل هذا الشيء؟ وهل يمكن الدخول إلى حجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخذ التراب من على قبره؟ وهل هناك تراب على قبره؟ فقد سمعت أن قبره صلى الله عليه وسلم مصبوب حوله الرصاص، فلا يستطيع أحد الوصول إليه؟ أفيدونا؛ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(3/61)
فالذي يظهر من هذه الأعمال المسؤول عنها أنها من خرافات القبوريين، والقبوريون يصرفون الناس بأفاعيلهم هذه عما ثبت بالسنة التبرك به والاستشفاء به ويصرفونهم إلى القبور والموتى، وهذه من أكبر ذرائع الشرك التي جاء الإسلام بسدها، ومما يدل على أنه لا يجوز التبرك بأتربة القبور ولا الاستشفاء بها أن صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وتابعيهم -وهم أحرص الناس على السنة وأحبهم لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأكثرهم تعظيماً له وأعرفهم بأحكام دينهم- لم يرد عن أحد منهم أنه كان يأخذ شيئاً من تراب قبر النبي –صلى الله عليه وسلم- ويتبرك به أو يستشفي، مع أن القبر كان تراباً وفي غرفة عائشة –رضي الله عنها- ومن السهولة بمكان الوصول إليه والأخذ من ترابه، نعم يجوز التبرك والاستشفاء بما ثبت من آثار النبي –صلى الله عليه وسلم- كعرقه ولعابه وشعره بأبي هو وأمي –صلى الله عليه وسلم- كما فعلت أم سليم وبقية الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- لكن من المقطوع به أنه لم يبق من أثر النبي –صلى الله عليه وسلم- شيء البتة، وما زعم أنه من أثر النبي –صلى الله عليه وسلم- كما يقال عن شعره في الهند أو غير ذلك فهو من الكذب واستعطاف عقول الناس لاستدرار أموالهم، أما إمكانية الدخول إلى قبر النبي –صلى الله عليه وسلم- الآن فهذا أمر لا دخل للواسطة فيه الآن، والظاهر أنه -كما ذكرت السائلة- مصبوب حوله الرصاص لا يستطيع أن يصل إلى تربته أحد –والله أعلم- وقد قال ابن القيم في نونيته عند حديث: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد" رواه أحمد (7311) ، وغيره عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال:
فأجاب رب العالمين دعاءه*** وأحاطه بثلاثة الجدران
حتى غدت أرجاؤه بدعائه*** في عزة وحماية وصيان.(3/62)
أما الكرامة فهي ثابتة عند أهل السنة، والله على كل شيء قدير، ولكن ليس كل دعي أو مدلس أو مستعين بالشياطين يعد ما يكون على يديه كرامة، فالكرامة لا تقع إلا من مؤمن تقي لا يدعي الكرامة ولا يبحث عنها، وما أكثر الأدعياء في زماننا. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(3/63)
يا رسول الله..يا حبيب الله
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/التوسل وأنواعه
التاريخ 6/12/1424هـ
السؤال
أحد المشايخ قال: (لا أريد حتى أن أفكر في السفر إلى الغرب) ، ثم يختم كلامه وبقول: يا رسول الله يا حبيب الله، وعندما قلت له: إن مثل هذا الكلام لا يجوز، قال: إنه لا يطلب العون من غير الله. فما الحكم في قوله مع الدليل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:(3/64)
لا شك أن جملة: يا رسول الله أو يا حبيب الله -صلى الله عليه وسلم- جملة نداء، والنداء إنما يكون حقيقة لمن هو قادر على السماع ليجيب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ميت لا يسمع نداءنا ولا يجيب مناديه، وما قاله هذا الرجل لا يخلو إما أن يريد به الاستغاثة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا من الشرك الأكبر، لأن الدعاء عبادة وهي لا تصرف إلا لله -عز وجل-، قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات: 56] ، وقال: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه" [الإسراء: 23] ، وإما أنه يتوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أي يتوسل بجاهه -صلى الله عليه وسلم- أو بحقه أو بذاته، مثل أن يقول الإنسان: يا رسول الله اشفع لي عند ربك، أو أدعُ الله لي بكذا وكذا فهذا بدعة ومن وسائل الشرك ولا يجوز فعله معه -صلى الله عليه وسلم- ولا مع غيره؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ميت لا يسمع كلامنا، وفي قصة استسقاء عمر -رضي الله عنه- بعم النبي -صلى الله عليه وسلم- العباس -رضي الله عنه- خير دليل على ذلك، إذ لو كان ذلك مشروعاً لتوجه عمر -رضي الله عنه- إلى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- واستشفع به، ولكنه لم يفعل وأخبر أن الناس كانوا يستسقون بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته، وبعد مماته -صلى الله عليه وسلم- استسقوا بحي يسمع الكلام، وطلبوا منه أن يدعو الله لهم انظر ما رواه البخاري (1010) من حديث أنس -رضي الله عنه-.
وقد تكون هذه الكلمة جارية مجرى العادة ويغلب على المرء قولها دون أن يقصد من ورائها شيئاً، وهذا خطأ ينبغي على المرء تركه وتجنبه؛ لما فيه من التشبه بفعل من يخشى عليه من الشرك أو البدعة، والله أعلم.(3/65)
(التوسل بالنبي بعد وفاته)
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/التوسل وأنواعه
التاريخ 9/6/1425هـ
السؤال
هل صحيح أن الأئمة (أحمد والشافعي ومالك) أجازوا التوسُّل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته؟ أرجو ذكر آراء الأئمة الثلاثة، أنا أعلم أن التوسُّل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته لا يجوز، لكنني أريد معرفة آراء هؤلاء الأئمة.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
لا نعرف أن أحداً من الأئمة الأربعة أجاز التوسُّل بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد ورد في صحيح البخاري (1010) أن عمر -رضي الله عنه- توسَّل بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- بعمه العباس - رضي الله عنه- ولو جاز التوسُّل به بعد موته -صلى الله عليه وسلم- لما عدل عن ذلك عمر -رضي الله عنه- وبمحضر من الصحابة - رضي الله عنهم- ولم ينكر عليه أحد، والتوسُّل المذكور توسُّل بدعاء المتوسل به لا بذاته والصحابة -رضي الله عنهم- أعلم الخلق بأمور الدين. والله أعلم.(3/66)
عبارة: (اشفع لي يا رسول الله عند الله)
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/التوسل وأنواعه
التاريخ 13/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يرجى بيان مدى جواز سؤال المسلم للرسول -عليه الصلاة والسلام- الشفاعة، كأن يقول: (اشفع لي يا رسول الله عند الله) ، وذلك حين استشعاره بأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يعرض عليه أعمال الأمة من قول أو فعل, مع إيمانه بأن الشفاعة تكون بإذن الله؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو سيد الشفعاء، وهو أول شافع وأول مشفع يوم القيامة، وكان عليه الصلاة والسلام يسأله الصحابة -رضي الله عنهم- الدعاء كما قال عكاشة بن محصن -في حديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب-: ادع الله أن يجعلني منهم. قال: "أنت منهم".صحيح البخاري (6541) ، وصحيح مسلم (220) .
وكما كان الصحابة-رضي الله عنهم- إذا أجدبوا سألوه أن يستسقي لهم، كما قال أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه-: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. فيسقون. صحيح البخاري (1010) . هذا في حياته صلى الله عليه وسلم.
فتبين من هذا الأثر الصحيح أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يتوسلون بالنبي-صلى الله عليه وسلم- يعني يسألونه أن يدعو الله لهم في حياته، ولما مات عدلوا عن ذلك، ولم يأت أحد منهم يسأله الدعاء، بل عدلوا إلى التوسل بدعاء العباس-رضي الله عنه-.
وعلم بذلك أن سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته الشفاعة في أمر خاص أو عام غير مشروع، بل هو بدعة في الدين، وهو حرام؛ لأنه وسيلة قريبة إلى الشرك، وليس في الكتاب ولا في السنة ما يدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو لأحد وهو في قبره.(3/67)
لكن يوم القيامة يأتي إليه الناس ويسألونه أن يشفع لهم بعد أن يمروا على آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى - عليهم السلام- فيعتذرون عن التقدم إلى الله بالشفاعة، فيقوم صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها، فيأتي ربه، فإذا رآه خرَّ ساجدًا، فيفتح الله عليه بمحامد، ثم يقال له: ارفع رأسك، وسل تعط واشفع تشفع ويشفع في أهل الموقف أن يقضي الله بينهم، وهذا هو المقام المحمود الذي وعده الله به في قوله: "عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" [الإسراء: 79] .
ومن يأتِ إلى قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو إلى قبر غيره من الصالحين يسأله الشفاعة في شيء من أمر الدنيا أو الآخرة، فهو مبتدع ضال، أو مشرك، وهو متبع غير سبيل المؤمنين.
فسبيل المؤمنين هو ما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم-، وكل ما خالف ما كانوا عليه في أمر الدين فهو بدعة وضلال. نسأل الله أن يبصرنا وأن يعصمنا من الضلالة بمنه وكرمه، والله أعلم.(3/68)
الدعاء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/التوسل وأنواعه
التاريخ 23/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وردني قبل أيام نص دعاء من أحد أصدقائي, وجدت في بعضه ما لا يتوافق وسنة نبينا أن ندعو بجاه محمد-صلى الله عليه وسلم- وغيره، ونص الدعاء -الذي أعتقد أنه خطأ- هو: اللهم صلِّ صلاة كاملة، وسلِّم سلاماً كاملاً على سيدنا محمد, الذي تنحل به العقد، وتنفرج به الكرب، وتقضى به الحوائج، وتنال به الرغائب وحسن الخواتيم، ويستسقى بوجهه الكريم، وعلى آله وصحبه في كل لمحة ونفس، بعدد كل معدود لك. وهل يجوز لنا أن ندعو بهذه الطريقة؟ مع اعتقادي بحرمتها، وأن الله يقضي حوائجنا برحمته، مع علمنا بعظم قدر نبينا، ولكن الله يمن علينا برحمته، دون شفيع يقربنا إليه.
الجواب
الحمد لله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هذا الدعاء من أدعية الصوفية الذين يغلون في النبي -صلى الله عليه وسلم- ويخترعون أدعية وصلوات على الرسول -عليه الصلاة والسلام- فيها غلو ومبالغة وتنطع ظاهر قد يصل إلى الشرك الأكبر، ثم يجعلون هذه الصلوات التي اخترعوها ورداً يرددونه في الصباح والمساء، وقد يفضلونها على تلاوة القرآن، ثم من تعظيمهم لهذه الصلوات التي اخترعها بعض شيوخهم أن يجعلوا لها من الفضائل ما يقتضي أنها أفضل من تلاوة القرآن، وينسبون كل دعاء من هذه الأوراد إلى من اخترعها، فيقول: هذه صلاة فلان وصلاة فلان من شيوخ الصوفية ورؤوس البدعة.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- علَّم أصحابه كيف يصلون عليه، حين قالوا له: يا رسول الله: عَلِمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ فقال: قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد.. إلى آخره. صحيح البخاري (3370) ، وصحيح مسلم (405) .(3/69)
وقد جاءت في ذلك روايات بألفاظ متقاربة، وهذا الدعاء المسئول عنه هو -كما ذكر السائل- دعاء مبتدع مشتمل على ألفاظ بدعية منكرة.
فقوله في هذا الدعاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم (الذي تنحل به العقد، وتنفرج به الكرب) إلى آخره، إن كان هذا القائل يريد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الذي يقضي الحوائج ويحل العقد أي المشكلات فإنه شرك أكبر؛ لأنه قد جعل له صلى الله عليه وسلم ما هو من خصائص الربوبية، فإنه تعالى وحده هو الذي يوفق لحسن الخواتيم بيده الملك وبيده الخير والعطا والمنع فيفرج الكربات، ويقضي الحاجات، ويهدي من يشاء من الضلالة، -سبحانه وتعالى- ويوفق من يشاء.
وإن كان هذا القائل يريد أن التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- سبب تحصل به هذه المطالب، فذلك من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان وينبغي أن يعلم أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم على وجوه:
أحدها: التوسل إلى الله بالإيمان به ومحبته فهذا حق، فالإيمان بالرسول وطاعته ومحبته هي أعظم الوسائل.
الثاني: التوسل بدعائه، وذلك إنما يكون في حياته، كما قال عكاشة بن محصن: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: "أنت منهم". صحيح البخاري (6541) وصحيح مسلم (220) . وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يسألونه الدعاء، فيدعو لهم، وإذا أجدبوا سألوه أن يستسقي لهم، وأما بعد وفاته فلم يكن أحد يأت إلى قبره ويسأله الدعاء، بل عدلوا في الاستسقاء إلى دعاء العباس، كما قال عمر -رضي الله عنه- اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقوا. صحيح البخاري (1010) .(3/70)
الوجه الثالث: التوسل بذاته أو جاهه - صلى الله عليه وسلم - وهو علو منزلته عند ربه وهذا بدعة؛ فجاهه صلى الله عليه وسلم عظيم، ولكن إنما يعود نفع ذلك عليه صلى الله عليه وسلم، ولمن دعا له في حياته، وأما بعد وفاته فلا يطلب منه الدعاء كما تقدم، فالمقصود أن ما ذكره السائل من أن هذا الدعاء مخالف للسنة هو كما قال، فالدعاء به حرام؛ لأن ألفاظه دائرة بين الشرك والبدعة. نعوذ بالله من الضلال واتباع الهوى، والله أعلم.(3/71)
المشروع والممنوع في التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم-
المجيب عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
عضوهيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/التوسل وأنواعه
التاريخ 18/06/1426هـ
السؤال
هل التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- مشروع بإطلاق، أم هو ممنوع بإطلاق، أم الأمر يقتضي التفصيل؟ فقد سمعت جدالاً طويلاً حول هذا. أرجو الإيضاح، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه، أما بعد:
فإن التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- مجمل يحتاج إلى تفصيل: إذ هو أنواع، أحدها: التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بمعنى التوسل إلى الله والتقرب إليه بمحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- والإيمان به، فهذا فرض لا بد منه؛ إذ هو أصل الإيمان، فمن لم يتوسل إلى الله بمحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- والإيمان به فليس بمؤمن.
الثاني: التوسل بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم- في حياته، بأن يدعو والناس يؤمنون، كما كان يدعو في الاستسقاء والصحابة يؤمنون، وكما توسل بدعائه الأعمى في أن يرد الله عليه بصره، وقال: اللهم شفِّعه فيّ. أخرجه الترمذي (3578) ، وابن ماجه (1385) .(3/72)
الثالث: التوسل بالنبي – صلى الله عليه وسلم- بمعنى التوسل بذاته والسؤال به، والإقسام على الله به، وهذا من البدع التي لم يفعلها الصحابة مع النبي –صلى الله عليه وسلم-، وإنما كانوا يتوسلون إلى الله بدعائه، لا بذاته ولا بسؤال الله به فإن هذا من البدع المحدثة في الدين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" صحيح البخاري (2697) ، وصحيح مسلم (1718) ، ولو كان الصحابة يتوسلون بذاته لما عدلوا إلى التوسل بعمه العباس في زمن عمر لما أجدبوا حيث قال عمر –رضي الله عن الجميع-: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا-يعني في حياته- وإنا نتوسل إليك بعمّ نبينا فاسقنا. أخرجه البخاري (1010) . ثم يدعو العباس وهم يؤمنون، فيسقون.(3/73)
الرابع: التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم -بدعائه من دون الله تعالى، وهذا شرك أكبر يخرج من الملة، وهو الأمر الذي بعث النبي - صلى الله عليه وسلم- بالنهي عنه، والإنكار على من فعله، وتكفيره، قال تعالى: "ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين" [يونس: 106] أي المشركين، وقال تعالى: "فلا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين" [الشعراء: 213] . وقال تعالى: "وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا" [الجن: 18] . وقال تعالى: "ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون* وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين" [الأحقاف: 5، 6] . فسمى دعاءهم عبادة، وقال تعالى: "والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير" [فاطر: 13، 14] . وهو الله سبحانه، فسمى دعاءهم شركاً، وقال تعالى: "ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون" [المؤمنون: 117] . فحكم بالكفر على من دعا غير الله.
وبهذا يتبين أن التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أربعة أنواع، ولكل نوع منها حكمه وأدلته، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحابته وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.(3/74)
عبارة: بحق النبي صلى الله عليه وسلم
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/التوسل وأنواعه
التاريخ 25/10/1426هـ
السؤال
هل يجوز أن نقول: بحق محمد وآل محمد الأطهار؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقول القائل: (بحق كذا..) يحتمل أن تكون الباء فيه للقسم، أو للسبب، فإن أراد بها القسم، فالإقسام بالمخلوق على المخلوق حرام، فكيف على الخالق! وإن كانت للسبب، وهو التوسل بالسؤال بحق أحد أو جاهه، ففيه تفصيل:
1- فإن كان بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فللعلماء فيه قولان، كما لهم في الحلف به -صلى الله عليه وسلم- قولان، فجمهورهم -مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، ورواية عن أحمد- على المنع، وأن اليمين لا تنعقد. والرواية الأخرى عن أحمد: تنعقد اليمين به خاصة دون غيره، ويسوغ التوسل به، والقول الأول أصح.
2- وإن كان السؤال بحق أو جاه غيره، فالمنع من باب أولى، لأن الجاه أو الحق، إن كان ثابتاً فعلاً، لمن سأله به، فليس سبباً شرعياً ولا عادياً لاستجابة الدعاء، ومن سأل به سأل بأمر أجنبي ليس سبباً لنفعه، ولم يكن الصحابة، رضوان الله عليهم يفعلونه في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- لا في حياته، ولا بعد مماته، لا عند قبره، ولا غير قبره، فكيف بمن هو أدنى منه -صلى الله عليه وسلم-. والله أعلم.(3/75)
الإمام أحمد والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/التوسل وأنواعه
التاريخ 29/07/1426هـ
السؤال
سمعت أن الإمام أحمد -رحمه الله- يجيز التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- والتبرك بأشيائه، وأنه يقول بجواز التوسل بالأولياء، وكذلك سمعت مثل هذا عن الإمام الشوكاني. فهل يصح هذا عنهما؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نعم الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة يرون مشروعية (التوسل) بالنبي -صلى الله عليه وسلم- على الصور التالية:
(1) التوسل به في حياته بطلب دعائه كما في قصة الأعمى. انظر جامع الترمذي (3578) ، وسنن ابن ماجه (1385) .
(2) التوسل إلى الله بالإيمان به (أي النبي صلى الله عليه وسلم) ومحبته واتباعه، كأن يقول: اللهم إني أتوسل بحبي للرسول - صلى الله عليه وسلم- واتباعي له، وهذا مشروع في حياته وبعد مماته.
(3) التبرك بأشيائه وبذاته في حياته وبما بقي من أشيائه بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- (وبعض الناس قد يسمي ذلك توسلاً) وهو مشروع، ولكن لم يبق شيء من ذلك الآن، وتسمية هذا التبرك توسلاً فيها نظر، بل لا تستقيم.
وكذلك التوسل ببقية الأنبياء عند من يرى مشروعيته يكون على هذه الصور أو بعضها، أما التوسل بالأولياء والصالحين فالمشروع منه طلب الدعاء منهم؛ كما فعل عمر مع العباس -رضي الله عنهما- صحيح البخاري (1010) . وهذا ما يقصده الإمام أحمد والشوكاني وغيرهما.(3/76)
مذاهب الأئمة الأربعة في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/التوسل وأنواعه
التاريخ 15/08/1426هـ
السؤال
أريد ذكر أقوال الأئمة الأربعة في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب
التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أقسام:
(1) أن يتوسل بالإيمان به واتباعه، فهذا التوسل صحيح، مثل أن يقول: "اللهم آمنت بك وبرسولك فاغفر لي" وهذا لا بأس به، وقد ذكره الله تعالى في القرآن الكريم في قوله تعالى: "ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار" [آل عمران: 193] . ولأن الإيمان بالرسول -صلى الله عليه وسلم- وسيلة شرعية لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات فهو قد توسل بوسيلة ثابتة شرعاً. (وهذا جائز في حياته وبعد مماته) .
(2) أن يتوسل بدعائه، أي بأن يطلب من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو له فهذا جائز في حياته (لا بعد مماته لأنه بعد مماته متعذر) ، وهذا النوع- أي التوسل بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي جاء في قصة توسل الأعمى. انظر جامع الترمذي (3578) ، وسنن ابن ماجه (1385) .
3- أن يتوسل بجاهه ومنزلته عند الله، فهذا لا يجوز لا في حياته ولا بعد مماته؛ لأنه ليس وسيلة، إذ إنه لا يوصل الإنسان إلى مقصوده؛ لأنه ليس من عمله. [ابن عثيمين، الفتاوى (2/343-348) ] .(3/77)
(فلم يرو عن الصحابة ولا عن أحد من أئمة الدين أو علماء المسلمين المقتدى بهم ولا نُقل أن أحداً منهم قال: "اللهم إني أسألك بحق نبيك أو أنبيائك أو بجاه أو حرمة فلان أو أتوسل إليك بنبيك" ونحو هذا، ولم يفعلوه في الاستسقاء ولا في غيره، لا في حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا عند قبر غيره، ولم يرد هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما نقله المتأخرون الذين وقعوا في الغلو والشرك، وينقلون في ذلك أحاديث ضعيفة أو موضوعة لا تقوم بها حجة، [الكنز الثمين (1/315/316) ] .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (1/202) عن أبي حنيفة وأصحابه أنهم صرحوا عن ذلك، وقالوا: لا يسأل بمخلوق، ولا يقول أحد: أسألك بحق أنبيائك، ثم نقل عن أبي حنيفة قال: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وأكره أن يقول: بمعاقد العز من عرشك أو بحق خلقك.
وقد ذكر ابن تيمية –رحمه الله- أن القول بجواز الحلف بالنبي –صلى الله عليه وسلم- وانعقاده قول ضعيف شاذ وكذا ما بني عليه من جواز الإقسام على الله به وما يناسبه من التوسل به كذلك، وما قاله شيخ الإسلام هو الصواب، وهو قول جمهور أهل العلم، وهو مقتضى الأدلة الشرعية، والله ولي التوفيق [اللجنة الدائمة (1/225) ] .
وما نقل (ابن تيمية عن الإمام أحمد في التوسل بالنبي –صلى الله عليه وسلم- بصيغة التمريض فلا نعلم له طريقاً صحيحاً عن الإمام أحمد –رحمه الله- ولو صح عنه لم يكن به حجة بل الصواب ما قال غيره في ذلك وهم جمهور أهل السنة؛ لأن الأدلة الشرعية في ذلك معهم [اللجنة الدائمة (1/530) ] .(3/78)
وكذلك مَنْ نقل عن مالك أنه جوز سؤال الرسول أو غيره بعد موتهم، أو نقل ذلك عن إمام من أئمة المسلمين غير مالك -كالشافعي وأحمد وغيرهما- فقد كذب عليهم ولكن بعض الجهال ينقل هذا عن مالك، ويستند إلى حكاية مكذوبة عن مالك ولو كانت صحيحة لم يكن التوسل الذي فيها هو هذا، بل هو التوسل بشفاعته يوم القيامة، بأن يدعو المسلم ربه -عز وجل- أن يشفع فيه نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو المشروع) [فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (1/255) ] .(3/79)
الدعاء بحق محمد
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/التوسل وأنواعه
التاريخ 17/03/1427هـ
السؤال
هل يجوز عند التقرب إلى الله -سبحانه وتعالى- بالدعاء أن نقول: اللهم، ثم نبدأ بذكر بعض أسماء الله تعالى، وبعدها نقول: اللهم بحق محمد وآل محمد، وبحق الصحابة الطيبين أسألك أن تستجيب دعائي؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد:
فأما دعاء الله -تعالى- والتوسل إليه بأسمائه وصفاته فهذا مشروع في حق من يدعو، دلّ على ذلك القرآن والسنة في مواضع كثيرة؛ منها قوله تعالى: "وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [الأعراف:180] .
وأما قول القائل: (اللهم بحق محمد وآل محمد، أو بحق الصحابة الطيبين أسألك أن تستجيب دعائي) . فهذا من التوسل الممنوع الذي لا يجوز لأمرين:
أحدهما: أن الله تعالى لا يجب عليه حق لأحد، وإنما هو الذي يتفضل سبحانه على المخلوق بذلك. كما قال تعالى: "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" [الروم:47] . فكون المطيع يستحق الجزاء هو استحقاق فضل وإنعام، وليس استحقاق مقابلة كما يستحق المخلوق على المخلوق.
الثاني: أن هذا الحق الذي تفضل الله به على عبده حق خاص بذلك العبد لا علاقة لغيره به، فإذا توسل به غير مستحقه كان متوسلاً بأمر أجنبي لا علاقة له به، وهذا لا يجديه شيئاً، كما ذكر ذلك العلامة الشيخ صالح بن فوزان -حفظه الله-.
وأما حديث: "أسألك بحق السائلين عليك" الذي أخرجه أحمد (10729) ، وابن ماجه (778) ، وغيرهما، فهو حديث ضعيف في إسناده عطية العوفي وهو مجمع على ضعفه. والله الموفق.(3/80)
منهجهم قائم على المنامات
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 25/03/1427هـ
السؤال
توجد جماعة تقوم برباط في كل شهر في منزل أحدهم، ويقومون برباط كذلك يسمونه (رباط عشري) ، أي عشرة أيام، ورباط أربعيني أي أربعون يوماً. ورؤياهم لا تخلو من رؤية الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما أنهم يزعمون أنهم يشاهدونه، ويعطيهم التمر، ويقول لهم: أنتم على حق.
بل الغريب في الأمر أنهم يزعمون أن أحدهم مرة لم يعرف مكان اللقاء، فجاءه محمد -صلى الله عليه وسلم- وأخذه إلى مكان اللقاء. فهل هذا التعبد على السنة? وهل ما يزعمونه صحيح?
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه الأمور التي ذكرتها تدل على أن هذه جماعة مبتدعة، وقد غرر بها الشيطان، فإن الشيطان قد يتمثل في صورة يدعي فيها أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أنه الولي فلان وهو كاذب، والصورة التي ظهر فيها ليست هي صورة النبي -صلى الله عليه وسلم- والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد مات، والموت انقطاع عن الدنيا، وإن كان هو حيًّا في قبره حياة برزخية ليست حياة دنيوية.
ولهذا عندما يرد المنافقون والمرتدون يوم القيامة عن حوضه، فيقول: "أصحابي، أو أمتي" فيقال له: "إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك" صحيح البخاري (6526) ، وصحيح مسلم (2860) . فلو كان يخرج من قبره، ويعرف أحوال الناس لما خفيت عليه أحوالهم.
وقد حدثت في الأمة أمور كبيرة، منها قتل الحسين -رضي الله عنه- ابن بنته، ولم يخرج لمساعدته.. وهكذا.
فالشاهد أن هذه الجماعة مبتدعة، يجب التحذير منها ونصحها. والله أعلم.(3/81)
الحرية..والليبرالية
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 9/5/1424هـ
السؤال
أحد الإخوة طرح القضية التالية، وهي: أن الفكر الليبرالي هو الفكر الوحيد القادر على مواجهة تحديات العصر الحالي، وخلاصة قوله أن ما تدعو إليه الليبرالية من أن الحرية الشخصية هي أساس كل شيء، وأن من كان يريد أن يصلي فليصلِ، ومن يريد أن يصوم فليصم، فالعبادة بينه وبين ربه!!! ومن أرادت الحجاب فلتتحجب! ومن لا تريد فتلك حرية شخصية! عندما حصرت له المثال في نطاق عائلته! قلت له: عندي لك حالة: إذا كان أبوك يؤمن بالفكر الليبرالي ويسمح لأختك بالخروج عارية الرأس والقدمين واليدين! وتمارس أنواع التبرج والسفور، وتقابل الشبان هنا، وتتعشى مع فلان هناك، وتنصح أباك ولكنه لا يعتبر، ويرى أن هذه حريتها! ماذا ستفعل؟ أجاب: أنا لا أرضى لها هذا، ولكن ما دام أبي يسمح لها فلا يد لي عليها! إلا النصيحة! قلت وإن لم تستجب! قال هي حرة إذاً. فكان ردي بأن الدين لا يسمح! ولك اليد الآن أن تمنعها بيدك عن المنكر الذي تقوم به، ما دام أبوك قد فقد مؤهلاته الإسلامية عليها، وخالف صريح القرآن "ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى.."، فاستطرد علي بأني مخطئ، ولا يحق لي بالدين منعها، ما دام أبوه معجباً بما هي عليه.
فسؤالي الآن: هل يعطي الإسلام الصلاحية للأخ على ضبط أخته إذا فقد الأب مؤهلاته وعارض الدين؟ وهل الصلاحية هذه مباشرة يأخذها متى سقطت صلاحية الأب أم لا بد من الرجوع للمحاكم وأخذ الصلاحية؟ إنه من المحزن أن نرى في هذا الزمان من يرضى هذا لأهله، فإنه يوجد الكثير ممن يسمح بهذا لأهله!
وآسف على الإطالة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا خليل الله محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:(3/82)
الفكر الليبرالي فكر أرضي مادي شهواني، أعده قوم لا يرجون لله وقاراً، ولا يحترمون أنبياء الله ولا يعظمون وحيه المعصوم، وجذور هذا الفكر تستند إلى قاعدة مادية إلحادية مفادها (أن الحياة والكون والإنسان كلها مستقلة بذاتها ليست في حاجة إلى إله) وعلى ذلك وضعوا مبدأً يقول بألوهية الإنسان، وأنسنة الإله، أي أن الإنسان أصبح إله نفسه، وإن الإله قد تحول إلى إنسان، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
وبناءً على ذلك قرروا أن الإنسان له الحرية المطلقة في اعتقاداته وأعماله وسلوكياته وتصرفاته، وهذا ما يسمونه " بالليبرالية" و"العلمانية" التي تعني "اللادينية"، وهذا مصداق قول الله تعالى: "أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً" [الفرقان: 44] .
ورغم هذه الدعوى العريضة التي يدعيها الليبراليون في الحرية المطلقة، فإننا نجد أنهم يفعلون ذلك فيما يتعلق بالأخلاق والأديان، انفكاكاً من تأثيرها وابتعاداً عن مضمونها ومقتضياتها، ولكنهم- في الوقت نفسه- يفرضون على الناس قيوداً تحد من حريتهم وتقلص من اختيارهم، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، أن الليبرالية في بلاد الغرب (أوروبا وأمريكا) يمنعون أي انتقاد لليهود وأي مناقشة لمزاعمهم التاريخية في الحرق والإبادة، ويعتبرون من يفعل ذلك (معاد للسامية) ويستحق العقوبة، وتستحق كتبه المصادرة والإتلاف.
ويمنعون الحديث الصريح والمكشوف عن الجرائم الأمريكية التي تمارسها ضد المسلمين في العراق وأفغانستان وفلسطين وغيرها، ويعتبرون ذلك مخالفاً لمصالحهم العليا، وفصل الصحفي الأمريكي الشهير الذي تحدث عن جرائم أمريكا في العراق من أوضح الأدلة على حريتهم وليبراليتهم المزعومة.
فأين هي الليبرالية؟ وأين هي الحرية المطلقة؟ التي يحاولون ترويجها بمعسول الكلام، ومخادعة العقول.(3/83)
ومما يؤسف أن هذه الدعوة الفاجرة وجدت آذاناً صاغية في عقول وقلوب بعض أبناء المسلمين قليلي العلم وضعيفي الإيمان، قاصري العقول من الذين انبهروا بالغرب وتقاليده وغشيت بصائرهم عن حقائق دين الإسلام وما فيه من خير ونفع ومصلحة.
ومما ينبغي أن يعلم في هذا الصدد أنه ما من شيء أمر الله به إلا وهو يحبه ويرضاه، وفيه مصلحة للخلق ونفع، وتنفيذه يجلب الخير والسعادة في الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع.
وما من شيء نهى الله عنه إلا وهو يكرهه ويبغضه، وفيه مفسدة للخلق ومضرة، وارتكابه يجلب الشر والتعاسة في الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع.
ومقتضى كون المسلم مسلماً أن يستسلم لأمر الله ونهيه بغير تردد ولا حرج، كما قال تعالى:"وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" [الأحزاب: 36] .
بل لا يكون المرء مسلماً إلا باتباعه أمر الله، والتزامه بشريعته وحكمه في كل قضية من القضايا، كما قال تعالى:"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً فيما قضيت ويسلموا تسليماً" [النساء: 65] .
ومن يدعي أن الفكر الليبرالي حرية، وأن الإسلام نقيض الحرية فهو ظالم جاهل.
(1) ظالم لأنه لم يعرف الإسلام، فحكم عليه بهذا الحكم الجائر، المخالف للواقع، وظالم لنفسه لأنه بمثل هذا المعتقد يصل إلى دركات من الإثم خطيرة عليه في آخرته0
(2) وجاهل لأنه لم يعرف الإسلام حق المعرفة، ولم يعرف الليبرالية والعلمانية حق المعرفة.
فمن عرف الإسلام معرفة حقيقية عرف كم فيه من خير ومصلحة للبشرية، وعرف كم في خلافه من شر ومفسدة وبلاء وفتنة، لا يمكن أن يفضل الليبرالية الأرضية الجاهلية على دين الإسلام الرباني المحكم.
والزعم بأن الحرية الشخصية أساس في كل شيء، من كان يريد أن يصلي فليصل، ومن يريد أن يصوم فليصم، ومن أرادت الحجاب فلتتحجب، ومن لا تريد فتلك حرية شخصية.(3/84)
قد يقال هذا في حق من لم يدخل في الإسلام ولم ينتسب إليه، أما من دخل في دين الإسلام فإنه يجب عليه أن يلتزم بأوامره ونواهيه وأحكامه وتشريعاته.
وأضرب لذلك مثلاً برجل طلب الانتساب الوظيفي إلى شركة فأعطوه شروط القبول والعضوية في هذه الشركة، ومنها أن يلتزم بالحضور في الساعة السابعة صباحاً ويبقى إلى الثانية ظهراً، وأن يلبس زياً معيناً، وأن يتقيد بأنظمة وتعليمات الشركة ويلتزم بتوجيهاتها ويحرص على مصالحها. فقبل هذه الشروط وانضم إلى هذه الشركة، ولكنه بعد حين صار يحضر التاسعة صباحاً وينصرف الواحدة ظهراً، ويلبس زيا غير زي الشركة، ويذهب إلى مكتب غير مكتبه ويخالف توجيهات الشركة وأنظمتها، ماذا سيكون حاله؟
سيطرد حتماً من الشركة شر طردة، ويخرج منها مذموماً مدحوراً.
ولن يلوم أحد هذه الشركة في تعاملها مع هذا العضو المهمل المخالف للأوامر والتعليمات، ولن يجدي معه أن يقول أنا حر أتصرف كما أريد وليس لأحد علي أمر، بل أنا أمارس الحرية الشخصية والليبرالية الذاتية!!
ولن يقبل أحد هذه الحجة، ولن تشفع له هذه الدعاوى، ولن تجديه شيئاً عند كل عقلاء الأرض.
وكذلك الإسلام هو نظام وأوامر ونواهي وتعليمات فردية وجماعية اعتقادية وتشريعية وأخلاقية، وليس لأحد من المنتسبين إليه أن يقول أنا حر أفعل ما أريد، أو فلان حر يفعل ما يريد، فما دام قد انتسب إلى الإسلام وانتمى إليه فيجب عليه أن يلتزم بتعاليمه ويستمسك بأحكامه.
أما إنكار الأخ المنكر الذي وقعت فيه شقيقته المتبرجة فهو واجب شرعي باللسان أولاً وباليد إن كانت له طاقة بذلك، كما يجب عليه أن ينكر على والده الذي يسمح لبنته بممارسة المنكر ومخالطة الفساد وأهله0(3/85)
وأرى على الأخ السائل قبل إنكار منكر تبرجها وسفورها وتقابلها مع الشباب وإنكار منكر تساهل الأب، أن يوجههم وينصح لهم، وأن يغرس في قلوبهم معاني الإيمان الأساسية، فإن هذه الأعمال لا تصدر من قلب معمور بالإيمان، ولا من نفس تخاف من الله وترجو ثوابه وتخشى عقابه، بل الغالب على هذا الصنف من الناس الغفلة والجهل واتباع الهوى، والركون إلى الدنيا وشهواتها، وإيثارها على الآخرة.
فوجب إصلاح هذا الخلل العظيم، وغرس المعاني الأولية في القلب، وبالذات غرس معاني حب الله تعالى وحب دينه وحب نبيه -صلى الله عليه وسلم-، والخوف من الله والرجاء فيما عنده.
فمتى استقامت هذه المعاني في القلب استقامت الأعمال وتوجهت بوصلة النفس نحو ما يرضي الله تعالى بشكل تلقائي، ومن الأمور التي تعين على ذلك: معرفة مفاتيح القلوب وأوقات إقبالها، والمناسبات التي تتوجه فيها النفوس إلى الله تعالى.
أما الحكم الفقهي في كون الأخ يتولى أمر أخته إذا فقد الأب أهليته، فإن له ذلك بحكم القاضي الشرعي الذي يحكم بشريعة الإسلام.
لأن إسقاط الولاية عن الأب والحكم بها لأحد المحارم غيره أمر كبير وشأن عظيم، لا يتم بمجرد دعوى الابن أو بمجرد وقوع الأب في بعض المعاصي، أو تفوهه في حال الغضب ببعض الأقوال.
لكن إذا ثبت عند القاضي الشرعي دياثة الأب أو فقده العقل أو فساد دينه، وجب عليه أن ينزع عنه الولاية على المحارم، ويضعها عند من يؤمن دينه وخلقه من الرجال المحارم.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مثل هذه الحالة قائم بحسب المستطاع من غير حاجة إلى حكم قاضٍ ولا رفع ولاية الأب، شريطة أن يتم ذلك وفق ضوابط وآداب الشريعة الإسلامية لتحصل بذلك الفائدة المرجوة ويندفع الفساد أو يقل، والله المستعان وهو ولي التوفيق0 وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم0(3/86)
النوادي الروتارية
المجيب د. علي بن عمر با دحدح
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 3/4/1424هـ
السؤال
ما الحكم الشرعي في الانضمام أو حضور اجتماعات النوادي الروتارية ونوادي الروترأكت؟ وما أثرها على الشباب المسلم؟ وهل صحيح أن هدفهم خدمة المجتمع ومساعدة الآخرين؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هذه النوادي مرتبطة بالماسونية، وتخدم أهداف اليهودية والصهيونية، وتتستر بالخدمات والأعمال الاجتماعية، ولا يجوز المشاركة فيها، وهذه نبذة مختصرة عنها:-
التعريف: (الروتاري) منظمة ماسونية تسيطر عليها اليهودية العالمية تعرف باسم (نادي الروتاري) .
التأسيس: - في سنة 1905م أسس المحامي بول هاريس أول ناد للروتاري في مدينة شيكاغو.
- توفي بول هاريس سنة 1947م بعد أن امتدت الحركة إلى 80 دولة وأصبح لها 6800 ناد تضم 327000 عضو.
الأفكار والمعتقدات:
- عدم اعتبار (الدين) مسألة ذات قيمة لا في اختيار العضو، ولا في العلاقة بين الأعضاء، لا يوجد أي اعتبار لمسألة الوطن.
- تلقن نوادي الروتاري أفرادها قائمة بالأديان المعترف بها لديها على قدم وقدر المساواة مرتبة حسب الترتيب الأبجدي.
- باب العضوية غير مفتوح لكل الناس، ولكن على الشخص أن ينتظر دعوة النادي للانضمام إليه على حسب مبدأ الاختيار.
- العمال محرومون من عضوية النادي، ولا يختار إلا من يكون ذا مكانة عالية.
- يشترط أن يكون هناك ممثل واحد عن كل مهنة، وقد تخرق هذه القاعدة بغية ضم عضو مرغوب فيه، أو إقصاء عضو غير مرغوب فيه.
- يشترط أن يكون في المجلس الإداري لكل ناد شخص أو شخصان من رؤساء النادي السابقين أي من ورثة السر الروتاري المنحدر من (بول هاريس)(3/87)
- نوادي الروتاري تحصل على شعبية كبيرة ويقوى نشاطها حينما تضعف الحركة الماسونية أو تخمد، ذلك لأن الماسون ينقلون نشاطهم إليها حتى تزول تلك الضغوط فتعود إلى حالتها الأولى.
- هناك عدد من الأندية تماثل الروتاري فكراً وطريقة، وهي: الليونز، الكيواني، الاكستشانج، المائدة المستديرة، القلم، بنات برث (أبناء العهد) ، فهي تعمل بنفس الصورة ولنفس الغرض مع تعديل بسيط، وذلك لإكثار الأساليب التي يتم بواسطتها بث الأفكار واجتلاب المؤيدين والأنصار.
الجذور الفكرية والعقائدية:
- التشابه الكبير بين الماسونية والروتاري في مسألة (الدين والوطن) وفي اعتمادهم على مبدأ (الاختيار) ، فالعضو لا يمكنه أن يتقدم بنفسه للانتساب، ولكن ينتظر حتى ترسل إليه بطاقة دعوة للعضوية.
- القيم والروح التي يصبغ بها الفرد واحدة في الماسونية والروتاري مثل فكرة المساواة والإخاء والروح الإنسانية والتعاون العالمي، وهذه روح خطيرة تهدف إلى إذابة الفوارق بين الأمم وتفتيت جميع أنواع الولاءات.
حتى يصبح الناس أفراداً ضائعين تائهين ولا تبقى قوة متماسكة إلا لليهود الذين يريدون السيطرة على العالم الروتاري وما يماثله من النوادي تعمل في نطاق المخططات اليهودية من خلال سيطرة الماسون عليها، والذين هم بدورهم مرتبطون باليهودية العالمية نظرياً وعملياً، ورصيد هذه المنظمات ونشاطاتها يعود على اليهود أولاً وآخراً.
- تختلف الماسونية عن الروتاري في أن قيادة الماسونية ورأسها مجهولان، على عكس الروتاري الذي يمكن معرفة أصوله ومؤسسيه، ولكن لا يجوز تأسيس أي فرع للروتاري إلا بتوثيق من رئاسة المنظمة الدولية، وتحت إشراف مكتب سابق.(3/88)
- تتظاهر بالعمل الإنساني من أجل تحسين الصلات بين مختلف الطوائف، وتتظاهر بأنها تحصر نشاطها في المسائل الاجتماعية والثقافية، وتحقق أهدافها عن طريق الحفلات الدورية والمحاضرات والندوات التي تدعو إلى التقارب بين الأديان وإلغاء الخلافات الدينية.
- أما الغرض الحقيقي فهو أن يمتزج اليهود بالشعوب الأخرى باسم الود والإخاء، وعن طريق ذلك يصلون إلى جمع معلومات تساعدهم في تحقيق أغراضهم الاقتصادية والسياسية، وتساعدهم على نشر عادات معينة تعين على التفسخ الاجتماعي، ويتأكد هذا إذا علمنا بأن العضوية لا تمنح إلا للشخصيات البارزة والمهمة في المجتمع.
فتوى المجمع الفقهي (مكة المكرمة – 10/8/1398هـ) :
إنها (الماسونية) ذات فروع تأخذ أسماء أخرى تمويهاً وتحويلاً للأنظار، لكي تستطيع ممارسة نشاطاتها تحت مختلف الأسماء، إذا لقيت مقاومة لاسم الماسونية في محيط ما، وتلك الفروع المستوردة بأسماء مختلفة من (أبرزها منظمة الأسود والروتاري والليونز) ، إلى غير ذلك من المبادئ والنشاطات الخبيثة التي تتنافى تنافيا كليا مع قواعد الإسلام، وتناقضه مناقضة كلية. وقد تبين للمجمع بصورة واضحة العلاقة الوثيقة للماسونية باليهودية الصهيونية العالمية، وبذلك استطاعت أن تسيطر على نشاطات كثير من المسئولين في البلاد العربية وغيرها، في موضوع قضية فلسطين، وتحول بينهم وبين كثير من واجباتهم في هذه القضية المصيرية العظمى لمصلحة اليهود والصهيونية العالمية. لذلك ولكثير من المعلومات الأخرى التفصيلية عن نشاط الماسونية وخطورتها العظمى وتلبيساتها الخبيثة وأهدافها الماكرة يقرر المجمع الفقهي اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة على الإسلام والمسلمين، وأن من ينتسب إليها على علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالإسلام مجانب لأهله.
فتوى مفتي المملكة الأردنية الهاشمية:(3/89)
على أثر الضجة التي أثارتها الصحف والأوساط الشعبية حول الماسونية، أصدر المفتي العام للمملكة الأردنية الهاشمية بياناً بناءً على رغبة قاضي القضاة، ومما فيه: إن على المسلم وقد رأى في الماسونية غلبة الصهيونية عليها، وارتياب المسلمين بداخليها، وسوء ظنهم بهم، ورميهم بالكفر والإلحاد، وأقل ما في هذه الماسونية مما هو معلوم عنها قطعاً - تقديم أخوتها على أخوة الدين - فعلى المسلم أن يعتزل الماسونية، هذا إذا لم ينته في الماسونية إلى الكفر الصراح والزندقة والإلحاد، فإن انتهى إلى ذلك وصار فيه إلى العمل والاعتقاد، فإنه يعد بذلك كافراً مرتداً، وتجري عليه أحكام الكافر المرتد، إلا إن تاب ورجع إلى الإيمان والإسلام وتقبل توبته على ذلك فيما بينه وبين الله.
المراجع:
(الموسوعة الميسرة في المذاهب والأديان المعاصرة من إصدارات الندوة العالمية للشباب الإسلامي)
(الماسونية في المنطقة 245 تأليف أبو إسلام أحمد عبد الله)
(الماسونية والماسونيون في الوطن العربي تأليف حسين عمر حمادة) .
هذا وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(3/90)
أحوال تنسب للتصوف
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 30/3/1424هـ
السؤال
كنت في السابق في جماعة صوفية، وكنت أعمل فيها خيراً، لكني رأيت أن صاحب هذه الطريقة يقوم بأفعال لا تتفق مع الشرع، فكان يشرب المخدرات، وكان لا يصلي في الجامع حتى صلاة الجمعة، لكنه كان يأمرنا بالذكر، وكنت أراه في المنام كثيراً، وكذلك غيري، وكان يتحدث دوماً في أشياء يقول عنها: إنها علم التحقيق، لكنه كان غير عالم بالكتاب والسنة، ولا يحفظ القرآن الكريم، كما أن سلوكه كان مريباً، كما كان يدعونا إلى أن نطلب المدد منه ومن آل البيت، ويدعونا إلى زيارة القبور، لكني ولله الحمد تركت هذا الطريق لما علمت أنه يؤدي للشرك بالله، وحاولت مع أصدقائي أن أجعلهم يتركوا هذا الطريق فلم يستمع إلي منهم إلا اثنان، أما الباقي فهم يعتقدون أن الشيطان ضحك علينا وأنه ليست لدينا القدرة لأن نعيش في عالمهم، وهو عالم الباطن الذي يعتبرون فيه أن السيدة زينب رئيسة الدواوين وصاحبة الشورى، وعندما أكلمهم وأحاول معهم أن أثنيهم عن هذا الطريق يقسمون لي بالله العظيم أنهم رأوا الرسول -صلى الله عليه وسلم - في المنام وهم مجتمعون معه، هم وشيخ الطريقة الذي يسمي نفسه قطب الأقطاب، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يتحدث معهم حسب زعمهم، فما هي حقيقة هذه الروايات التي يرونها؟ علماً بأني قد شاهدت عندما كنت في هذه الطريقة -الرسول صلى الله عليه وسلم- في المنام، لكني لم أسلم عليه لإحساسي أنه ليس الرسول -صلى الله عليه وسلم-، علما أنه كان هناك أناس يقولون لي في هذا المنام إنه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهل تنصحوني بأن أقطع صلتي بهؤلاء الأصدقاء إذا لم يستمعوا لي؟ أتمنى أن تردوا على استفساراتي فإني بحاجة ماسة إليها، وجزاكم الله خيراً.
الجواب(3/91)
فنحمد الله –تعالى-، أن أنقذك من هذا الضلال، ونسأله –تعالى-: أن يثبتنا وإياك على الحق، وأن يهدي أصدقاءك، ويرد ضال المسلمين.
أخي العزيز:
الأمر كما ذكرت؛ بل أفظع، فالقول بأن الدين ينقسم إلى حقيقة وشريعة، وإلى ظاهر وباطن، كما يقول هؤلاء هو من أخطر وسائل الكفر والضلال، - والعياذ بالله-، وهم بهذا يعدون الأنبياء وأتباعهم وعلى رأسهم نبينا – صلى الله عليه وسلم- من أهل الشريعة والظاهر، وهم من أهل الحقيقة والباطن، ونحن نعلم يقيناً أنه لا نجاة إلا باتباعه – صلى الله عليه وسلم- سائلين المولى –عز وجل- أن يحشرنا في زمرته مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين، والشهداء، والصالحين، لا مع الباطنيين الزنادقة الملحدين، أما ما ذكرته من رؤى يرى فيها الرسول – صلى الله عليه وسلم- أو زينب أو غيرها؛ فإن هذا من تلبيس الشيطان عليهم وتلاعبه بهم، فيأتيهم الشيطان في المنام ويزعم أنه الرسول – صلى الله عليه وسلم- أو زينب أو غير ذلك مما يكون سبباً في الضلال والانحراف. وهؤلاء الطرقية وخاصة الغلاة منهم كالذي ذكرت أحواله ممن يستعينون بالجن ويتعاطون السحر والشعوذة، لذلك يلبسون على ضعاف العقول بمثل هذه الأحابيل، نعم النبي –صلى الله عليه وسلم- قد يُرى في المنام، وقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من رآني في المنام فقد رآني على فإن الشيطان لا يتمثل بي" رواه البخاري (6993) ، ومسلم (2266) ، واللفظ له من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه- وفي رواية: "من رآني في المنام فقد رأى الحق إن الشيطان لا يتشبه بي" (عند أحمد في مسنده 7553) ، وغيره، ومعناه: من رآه في صورته التي هو عليها – صلى الله عليه وسلم- لا أن يخرج في صورة غير صورته – عليه الصلاة والسلام- ثم يدعي أنه الرسول فهذا ممكن، وما ذكرته أنت هو من هذا القبيل.(3/92)
وقد أجمع المسلمون على أنه قد انقطع الوحي من السماء بموت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه لا تؤخذ من الرؤى أحكام مهما كان الرائي، وأن الرؤى ليست من مصادر الشريعة، فالأحكام الشرعية التي يُعمل بها هي ما أخبرنا به النبي - صلى الله عليه وسلم- في اليقظة قبل موته، أما بعد موته - صلى الله عليه وسلم- فقد انقطع الوحي، وكون الإنسان يرى من يزعم أنه النبي - صلى الله عليه وسلم- ثم يأمره وينهاه بأمر يخالف ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في حياته؛ فهذا دليل قاطع على كذب هذا المدعي وعلى أنه ليس هو النبي - صلى الله عليه وسلم- كما حصل لبعض السلف، وكما في السير، وعليه فأنصحك بالابتعاد عن هذا الضال المضل، وأن تسعى لهداية إخوانك، فإن أجابوك وإلا فاحذرهم وابتعد عنهم، وأنصحك بقراءة كتاب (هذه هي الصوفية) لعبد الرحمن الوكيل؛ لتعرف خطر القوم، ثبتنا الله وإياك على دينه، وحشرنا في زمرة نبيه - صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم، - وصلى الله عليه وسلم وبارك على نبينا محمد-.(3/93)
مناظرة أهل البدع
المجيب عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
عضوهيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 19/06/1426هـ
السؤال
ورد كثير من الآثار عن سلفنا الصالح في عدم مناظرة المبتدعة بإطلاق، فهل نفهم هذه الإطلاقات في صور معينة، والمطلوب هو حصر هذه الإطلاقات وتنزيلها على صورها المعينة المخصوصة؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه، أما بعد:
فقد وردت آثار كثيرة عن السلف الصالح في النهي عن مجالسة أهل البدع والكلام معهم ومناظرتهم- كما ذكر السائل- وهذه الآثار عامة لئلا تنتشر البدع والشبه فيحصل الانحراف والزيغ والضلال عن الحق.
أما الرسل والدعاة والأئمة وأهل العلم والبصيرة، فإنهم يناظرون الكفار وأهل البدع لإلزامهم بالحق وإقامة الحجة عليهم، كما أخبر الله -تعالى- عن الرسل أنهم ناظروا أقوامهم وجادلوهم وأقاموا عليهم الحجة. فأخبرنا عن نوح -عليه الصلاة والسلام- أنه قال لقومه: "قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان" [الأعراف: 71] . وقال تعالى عن قوم نوح أنهم قالوا له: "قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا" [هود: 32] ، وكما أخبر الله عن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- ومحاجة قومه له، فقال: "وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان" [الأنعام: 8] .(3/94)
وقد ناظر الإمام أحمد -رحمه الله- الجهمية، وكشف شبههم، وردَّ عليهم في كتابه المشهور "الرد على الزنادقة والجهمية"، كما ناظر عثمان بن سعيد الدارمي -رحمه الله- بشرًا المريسي، وردَّ عليه في كتابه المشهور، "رد عثمان بن سعيد الدارمي على بشر المريسي" وكتابه الآخر "الرد على الجهمية"، ومن ذلك المناظرة المشهورة لعبد العزيز الكناني في كتابه الجيد "الرد على بشر المريسي" والأمثلة كثيرة.
فإذا كان المناظر من أهل العلم والبصيرة، وعنده قدرة على استحضار الأدلة؛ بأن يكون حاضر البديهة، وعنده قدرة على كشف الشبهة التي يوردها المبتدع، ويستطيع الرد عليها، ويغلب على الظن رجوع المبتدع عن بدعته، ولا يتضرر أحد من الحاضرين بهذه الشبهة، كما يحصل في المناظرات التي تجري في القنوات الفضائية التي يسمعها ويراها كل أحد -فتجب الحيطة والحذر، والتأمل في العاقبة والنتيجة لهذه المناظرة والموازنة بين المصالح والمفاسد، ويقدم درء المفاسد على جلب المصالح، ولا يقدر على ذلك إلا أهل العقول والنظر والبصيرة، والله الموفق والمستعان وعليه التكلان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان.(3/95)
مصادر لعقيدة السلف
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 5/4/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أجيبوني تكرماً حيث إني حديث الالتزام وأحاول أن أكون من الفرقة الناجية التي حدثنا عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهل هناك كتب أقرؤها أو أشرطة (كاسيت) أسمعها تتحدث عن عقيدة رسول الله والسلف الصالح؛ فأكون منهم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مصادر العقيدة السليمة عند السلف -رحمهم الله- موقوفة على الكتاب والسنة والإجماع، فهذه هي مصادر التلقي والاستمداد، ولهذا أنصحك أخي بتدبر القرآن والرجوع إلى التفاسير المتقدمة الموثوقة، وكذلك إلى كتب السنة كالصحيحين في أبواب الإيمان والتوحيد والاعتصام وغيرها.
لتتعرف على الله -تعالى- بأسمائه وصفاته وأفعاله، كما أثبتها هو لنفسه، وأثبتها له رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
أما الكتب والمراجع المعتمدة في هذا الباب فمنها المتقدم والمطولات مثل: كتاب (التوحيد) لابن خزيمة، وكتاب (اعتقاد السلف أصحاب الحديث) لأبي عثمان الصابوني، و (السنة) لابن أبي عاصم، و (الإيمان) لابن مندة، و (الإبانة) لابن بطة.
أما المختصرات: (فلمعة الاعتقاد) لابن قدامة، ورسالة (الواسطية) لشيخ الإسلام ابن تيمية، و (العقيدة الطحاوية) للإمام الطحاوي، و (مئتين سؤال وجواب في العقيدة) للشيخ حافظ الحكمي، و (رسالة مختصرة في معتقد أهل السنة والجماعة) للشيخ محمد بن عثيمين، و (القواعد الكلية) للشيخ الدكتور عمر الأشقر.
وفقك الله للصواب، وفقهك في الكتاب والسنة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(3/96)
الفرق بين كلمة نصراني ومسيحي
المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 19/10/1423هـ
السؤال
شاع منذ زمن استخدام كلمة مسيحي، فهل الصحيح أن يقال مسيحي أم نصراني؟ أفيدونا أثابكم الله.
الجواب
معنى مسيحي نسبة إلى المسيح بن مريم عليه السلام، وهم يزعمون أنهم ينتسبون إليه وهو بريء منهم، وقد كذبوا فإنه لم يقل لهم إنه ابن الله ولكن قال عبد الله ورسوله. فالأولى أن يقال لهم نصارى كما سماهم الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ" الآية [البقرة: 113] .
[فتاوى ابن باز رحمه الله كتاب الدعوة (4/19) ] .(3/97)
حكم التعامل مع من يتهم بالابتداع والتصوف
المجيب د. محمد الشايع
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بالرياض
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 17/9/1424هـ
السؤال
في مدينتي يوجد بين مساجدها بعض الخلافات كما هو سائد في أكثر المدن هنا، بحيث تجدهم غير متحدين في الجهود ولا في الهدف، وأحاول جاهداً أن أجمعهم على كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولكن من الصعوبات التي واجهتني هي رمي البعض بالتصوف، وأنهم مبتدعة ولا يجب القيام بواجب الدعوة معهم ولا الاتحاد معهم في أي جهد ما داموا على هذه الحال. فهل ما ذهب إليه الإخوة صحيح في عدم التعاون معهم إن صح فيهم التصوف والابتداع؟ وهل تجوز الصلاة خلفهم؟ وهل بدعة الاحتفال بالمولد وبعض الطقوس مثل قراءة القرآن على الناس في المسجد كما يفعله الصوفية من البدع المكفرة، والتي تستوجب عدم العمل معهم؟
الجواب
يشكر السائل على جهده وليستمر على عمله بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة واللين في الخطاب والمعاملة. والبدع أنواع ودرجات، ويختلف الحال من شخص لآخر، ومن فرقة لأخرى، والداعي للبدعة أشد في الإنكار من غيره الواقع فيها وما ذكرته ليست من البدع المكفرة والاجتماع خير من الافتراق، وتجوز الصلاة معهم وخلفهم مالم يكن داعية بدعة منكرة وهجره يردعه.(3/98)
محاسبة النفس باستخدام الجدول المكتوب
المجيب د. علي بن بخيت الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 10/9/1422
السؤال
ورقة مكتوبة على هيئة جدول فيها بعض العبادات الواجبة والمستحبة، وزعت على الطالبات لتقوم الطالبة بتعبئتها خلال الأسبوع أمام كل عبادة فعلتها بعلامة صح، وعلامة تقصير على كل مربع لم تقم به، وتجلس مع نفسها في نهاية الأسبوع جلسة محاسبة، وكتب على الورقة (حاسبي نفسك قبل أن تحاسبي) هل هذا العمل من التصوف؟ هل هو حرام، خصوصاً إذا كان على سبيل تربية الطالبة وتعويدها على وقفات محاسبة النفس؟.
الجواب
إن المسلم والمسلمة مأمور كل منهما بمحاسبة نفسه، قال الله - تعالى -:" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعلمون " (الحشر: 18) .
قال العلماء: هذا أصل في محاسبة النفس، وما زال السلف - رضوان الله عليهم - وكثير من الصالحين في هذه الأمة يحاسبون أنفسهم، ويراجعون أقوالهم وأفعالهم ومقاصدهم، ومحاسبة النفس علامة من علامات التوفيق والهداية.
وأما السؤال عن هذا العمل هل هو من التصوف؟ فلم يظهر لي شيء في ذلك، خصوصاً إذا كان المقصود أن تلك الطريقة أنشأها أحد المتصوفة، غير أن مما ينبه عليه أن كثيراً من الناس قد يعتقدون أن المتصوفة هم أكثر الناس محاسبة للنفس، وهذا غلط، نعم قد يغالون فيحاسبون أنفسهم على أشياء من الحلال البين، بل على سنة مأمور بها في كثير من الأحيان، ويظن من لا علم عنده أنهم بلغوا الغاية في المراقبة ومحاسبة النفس، وهذا ليس بصحيح.(3/99)
والذي أراه أن مثل ذلك العمل قد يسوغ فعله مع الطلاب الصغار والطالبات الصغيرات؛ للتشجيع والتعليم في بعض الأحيان، وأما الكبار فالأولى الابتعاد عن مثله؛ لأن مثل هذه الورقة قد تنتشر وتصبح أصلاً يقتدي به الناس في محاسبة نفوسهم، وهو أمر لم يرد مثله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من صحابته الأبرار، ولو فعل الإنسان مثل ذلك منفرداً خالياً مع نفسه لربما ساغ ذلك، وأما بطريقة جماعية فلا.
والأولى أن يقعد المرء مع نفسه كل ليلة قبل النوم - كما ذكر ذلك بعض أهل العلم - فيحاسبها، فيحمد الله على الطاعة ليستزيد منها، ويتوب من المعصية، ويعزم على أن لا يعود لمثلها، فإن ذلك أنفع شيء للعبد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(3/100)
هل الخوارج كفار؟
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 18/12/1424هـ
السؤال
سؤالي حول الخوارج واعتقاد أهل السنة والجماعة بهم، هل هم كفار على العموم أم غلاتهم أم أنهم من أهل المذاهب؟
الجواب(3/101)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد: فالخوارج الذين خرجوا على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب – رضي الله تعالى عنه- اختلف الناس في حكمهم هل هم كفار أم لا؟ والصحابة – رضوان الله تعالى عليهم- وهم القدوة لا يكفرونهم. بل إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله تعالى عنه – والذي ناله من أذاهم ما ناله، من الخروج عليه وقتاله وتكفيرهم إياه، وفي آخر الأمر قتلهم له – رضي الله تعالى عنه – لا يرى تكفيرهم، وهذا قمة الورع والإنصاف منه – رضي الله عنه- لا كما يقوله بعض أصحاب الأهواء " نكفر من كفَّرنا" فلما سئل –رضي الله عنه- عنهم: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا. قيل له: فمنافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً – يعني على عكس الخوارج وما عرف من كثرة عبادتهم وذكرهم لله – تعالى -. قال: فماذا يكونون؟ قال: قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا أو كما قال – رضي الله عنه – وهذا القول طبقه عملياً علي – رضي الله تعالى عنه – ومعه الصحابة –رضي الله عنهم- فلم يعاملهم معاملة المرتدين كما كان في زمن أبي بكر – رضي الله تعالى عنهم- فلم يبدأهم بقتال ولم يجهز على جريحهم ولم يسب نساءهم ... إلخ. وهذا هو الصحيح في الحكم على الخوارج، والأحاديث التي وردت فيهم من قول النبي – صلى الله عليه وسلم –: "بأنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية" رواه البخاري (4351) ،ومسلم (1064) من حديث أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- وقوله –صلى الله عليه وسلم-:" كلاب أهل النار" رواه ابن ماجة (176) من حديث أبي أمامة –رضي الله عنه-، وأمره- صلى الله عليه وسلم – بقتالهم والثناء على من قتلهم أو قتلوه فيما رواه البخاري (3611) ، ومسلم (1066) من حديث علي –رضي الله عنه- فهذه النصوص لا تدل على كفرهم بأعيانهم، ولا يلزم من الأمر بالقتال أن يكونوا كفاراً، وإنما هي من نصوص الوعيد الدالة على(3/102)
شنيع جرمهم والتحذير منه.
ومع ترجيحنا لعدم تكفيرهم فلا يعني ذلك استصغار جريمتهم وانحرافهم، ويكفي في ذلك من الدلالة على مروقهم وضلالهم وبدعتهم وانحرافهم ما أشرنا إليه آنفاً من الأحاديث الواردة في ذمهم وتوعدهم بالنار، نسأل الله العافية والسلامة.
وهذا دليل على إنصاف أهل السنة والجماعة وبعدهم عن التكفير إلا من كفرته النصوص لا كما هو ديدن بعض الطوائف في تكفير كل من خالفهم في انحرافهم. والله أعلم وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(3/103)
موقف الإسلام من الفرقة البهائية
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 4/1/1423
السؤال
أود التعرف على موقف الإسلام من البهائية، وهل يحق للمسلمين الزواج من أشخاص بهائيين؟
الجواب
البهائية كما هو واضح من تعاليمهم ومعتقداتهم مذهب خارج عن الإسلام، لا يتفق مع الإسلام في شيء، ولا مع الرسالات السماوية الأخرى المنسوخة، وذلك بعد أن أوصل أتباعُ المشؤوم حسيناً المازندراني إلى درجة الألوهية، حيث دعاهم فاستجابوا له.
ويعود تأسيس هذا المذهب إلى الجهود التي بذلها أعداء الله من اليهودية العالمية التي احتضنته ليكون معول هدم وشوكة في حلوق المسلمين، ليتسنى لهم تنفيذ مخططاتهم وتحقيق أهدافهم بعد إضعافهم المسلمين بمثل هذه الدمامل الخبيثة في جسد الأمة الإسلامية، وتعاليم البهائية قائمة على نسخ الشريعة الإسلامية حسبما قرره أقطاب البابية في مؤتمر بدشت مستبدلين أفكارهم الحاقدة بالشريعة الإسلامية، ومستبدلين بنبي الهدى -صلى الله عليه وسلم- زعيمهم الملحد المازندراني، ومستبدلين بالقرآن الكريم كتابهم (الأقدس) الذي يزعمون أنه أفضل من القرآن الكريم ومن كل الكتب السماوية.
وعليه فالمسلمون مجمعون على أن البهائية ليسوا من الإسلام في شيء وعليه فلا يجوز للمسلمين الزواج منهم ولا تزويجهم. والله -تعالى- أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(3/104)
الفرق بين المسيحية والنصرانية
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 11/1/1423
السؤال
هل هناك فرق بين (المسيحية) و (النصرانية) ؟ إذا كان نعم أرجو التفصيل.
الجواب
النصرانية نسبة إلى قرية المسيح -عليه السلام- (نصرانة) وتسمى (ناصرة) ، والنصرانية هي دين النصارى الذين ينتسبون إلى المسيح -عليه السلام-، كما تسمى هذه الديانة المسيحية نسبة إلى المسيح -عليه السلام-، ومصطلح النصارى هو الأصل الذي أطلق على المنتسبين إلى عيسى -عليه السلام-، أما مصطلح المسيحية فقد أطلق بعد ذلك بوقت، وبهذا يظهر أنه لا فرق من حيث الحقيقة بين التسميتين إذ مدلولهما واحد، لكن كره بعض أهل العلم إطلاق لفظ المسيحية على النصارى، قالوا: لأنهم بدلوا دين المسيح فهم ليسوا منه على الحقيقة، كما أن هذا اللفظ لم يرد في القرآن الكريم أو السنة. وبكل حال فلا يظهر لي مانع من إطلاق هذا اللفظ عليهم؛ لأن هذا من باب المصطلحات ولا مشاحة في الاصطلاح، ولا يشكل على هذا أنهم قد بدلوا دين المسيح، فإن الله -تعالى- قد نسبهم إلى الإنجيل وهو منهم براء قال -تعالى-:"وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه" [المائدة:47] فالنسبة هنا نسبة تعريف وتمييز ولا يلزم منها الإقرار لهم بأنهم على ملته، أقول هذا وإن كان الأولى الالتزام بما سماهم الله به في كتابه، فقد سماهم نصارى وأهل الكتاب وأهل الإنجيل، وبالله التوفيق.(3/105)
الماسونية
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 20/8/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما هي الماسونية؟
الجواب
الماسونية: تنظيم سري يهودي النشأة والرعاية، محكم العمل والنظام، يهدف إلى إعادة بناء الهيكل الذي هو رمز اليهود وأمنيتهم، كما يهدف إلى تسهيل سيطرة اليهود على أوضاع العالم.
وهذه المنظمة تدعو إلى الإلحاد بالله تعالى، وإلى الإباحية الأخلاقية والفساد السلوكي، وفق مراتب معينة وطرائق مختلفة، وتتستر خلف شعارات خداعة من أشهرها عند الماسونية (حرية - إخاء - إنسانية - مساواة) ، ويحرصون على إدخال الشخصيات المهمة في منظمتهم، ويتدرجون بهم في مراتب، بعد أخذ العهود والمواثيق عليهم بحفظ الأسرار، وهي مواثيق تعطى تحت سيف الإرهاب والتهديد بالقتل إن أفشى أسرارهم أو غدر بهم.
ولهم محافل منتشرة في العالم يجتمعون فيها ويعملون ويخططون ويتابعون التنفيذ، تمهيداً لإنشاء دولة عالمية أو ما يطلقون عليه (جمهورية ديمقراطية عالمية) وهي - حسب رأيهم - حكومة لا دينية عالمية، تتخذ الوصولية النفعية (البرجماتية) أساساً لتحقيق أغراضها.(3/106)
الفكر العلماني
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 25/2/1423
السؤال
من هم العلمانيون؟ وماذا يريدون؟ وما هي صفاتهم؟ وما هو السبيل إلى معرفتهم والرد على أفكارهم؟ أرجو من فضيلتكم التوضيح والتفصيل.
الجواب
العلمانيون هم: كل من ينسب أو ينتسب للمذهب العلماني، وينتمي إلى العلمانية فكراً أو ممارسة.
وأصل العلمانية ترجمة للكلمة الإنجليزية (secularism) وهي من العلم فتكون بكسر العين، أو من العالَم فتكون بفتح العين وهي ترجمة غير أمينة ولا دقيقة ولا صحيحة، لأن الترجمة الحقيقية للكلمة الإنجليزية هي (لا دينية أولا غيبية أو الدنيوية أولا مقدس) .
نشأت العلمانية في الغرب نشأة طبيعية نتيجة لظروف ومعطيات تاريخية -دينية واجتماعية وسياسية وعلمانية واقتصادية- خلال قرون من التدريج والنمو، والتجريب، حتى وصلت لصورتها التي هي عليها اليوم..(3/107)
ثم وفدت العلمانية إلى الشرق في ظلال الحرب العسكرية، وعبر فوهات مدافع البوارج البحرية، ولئن كانت العلمانية في الغرب نتائج ظروف ومعطيات محلية متدرجة عبر أزمنة متطاولة، فقد ظهرت في الشرق وافداً أجنبياً في الرؤى والإيديولوجيات والبرامج، يطبق تحت تهديد السلاح وبالقسر والإكراه؛ لأن الظروف التي نشأت فيها العلمانية وتكامل مفهومها عبر السنين تختلف اختلافاً جذرياً عن ظروف البلدان التي جلبت إليها جاهزة متكاملة في الجوانب الدينية والأخلاقية والاجتماعية والتاريخية والحضارية، فالشرط الحضاري الاجتماعي التاريخي الذي أدى إلى نجاح العلمانية في الغرب مفقود في البلاد الإسلامية، بل فيها النقيض الكامل للعلمانية، ولذلك كانت النتائج مختلفة تماماً، وحين نشأت الدولة العربية الحديثة كانت عالة على الغربيين الذين كانوا حاضرين خلال الهيمنة الغربية في المنطقة، ومن خلال المستشارين الغربيين أو من درسوا في الغرب واعتنقوا العلمانية، فكانت العلمانية في أحسن الأحوال أحد المكونات الرئيسية للإدارة في مرحلة تأسيسها، وهكذا بذرت بذور العلمانية على المستوى الرسمي قبل جلاء جيوش الاستعمار عن البلاد الإسلامية التي ابتليت بها.(3/108)
ومن خلال البعثات التي ذهب من الشرق إلى الغرب عاد الكثير منها بالعلمانية لا بالعلم، ذهبوا لدراسة الفيزياء والأحياء والكيمياء والجيولوجيا والفلك والرياضيات فعادوا بالأدب واللغات والاقتصاد والسياسة والعلوم الاجتماعية والنفسية، بل وبدراسة الأديان وبالذات الدين الإسلامي في الجامعات الغربية، ولك أن تتصور حال شاب مراهق ذهب يحمل الشهادة الثانوية ويلقى به بين أساطين الفكر العلماني الغربي على اختلاف مدارسه، بعد أن يكون قد سقط أو أسقط في حمأة الإباحية والتحلل الأخلاقي وما أوجد كل ذلك لديه من صدمة نفسية واضطراب فكري، ليعود بعد عقد من السنين بأعلى الألقاب الأكاديمية، وفي أهم المراكز العلمانية بل والقيادية في وسط أمة أصبح ينظر إليها بازدراء، وإلى تاريخها بريبة واحتقار، وإلى قيمها ومعتقداتها وأخلاقها –في أحسن الأحوال- بشفقة ورثاء، إنه لن يكون بالضرورة إلا وكيلاً تجارياً لمن علموه وثقفوه ومدّنوه، وهو لا يملك غير ذلك.
ثم أصبحت الحواضر العربية الكبرى مثل: (القاهرة-بغداد-دمشق) بعد ذلك من مراكز التصدير العلماني للبلاد العربية الأخرى، من خلال جامعاتها وتنظيماتها وأحزابها، وبالذات دول الجزيرة العربية، وقل من يسلم من تلك اللوثات الفكرية العلمانية، حتى أصبح في داخل الأمة طابور خامس، وجهته غير وجهتها، وقبلته غير قبلتها، إنهم لأكبر مشكلة تواجة الأمة لفترة من الزمن ليست بالقليلة.
ثم كان للبعثات التبشيرية دورها، فالمنظمات التبشيرية النصرانية التي جابت العالم الإسلامي شرقاً وغرباً من شتى الفرق والمذاهب النصرانية، جعلت هدفها الأول زعزعة ثقة المسلمين في دينهم، وإخراجهم منه، وتشكيكهم فيه.
ثم كان للمدارس والجامعات الأجنبية المقامة في البلاد الإسلامية دورها في نشر وترسيخ العلمانية.(3/109)
ثم كان الدور الأكبر للجمعيات والمنظمات والأحزاب العلمانية التي انتشرت في الأقطار العربية والإسلامية، ما بين يسارية وليبرالية، وقومية وأممية، سياسية واجتماعية وثقافية وأدبية بجميع الألوان والأطياف، وفي جميع البلدان حيث إن النخب الثقافية في غالب الأحيان كانوا إما من خريجي الجامعات الغربية أو الجامعات السائرة على النهج ذاته في الشرق، وبعد أن تكاثروا في المجتمع عمدوا إلى إنشاء الأحزاب القومية أو الشيوعية أو الليبرالية، وجميعها تتفق في الطرح العلماني، وكذلك أقاموا الجمعيات الأدبية والمنظمات الإقليمية أو المهنية، وقد تختلف هذه التجمعات في أي شيء إلا في تبني العلمانية، والسعي لعلمنة الأمة كل من زاوية اهتمامه، والجانب الذي يعمل من خلاله.
ولا يمكن إغفال دور البعثات الدبلوماسية: سواء كانت بعثات للدول الغربية في الشرق، أو للدول الشرقية في الغرب، فقد أصبحت في الأعم الأغلب جسوراً تمر خلالها علمانية الغرب الأقوى إلى الشرق الأضعف، ومن خلال المنح الدراسية وحلقات البحث العلمي والتواصل الاجتماعي والمناسبات والحفلات ومن خلال الضغوط الدبلوماسية والابتزاز الاقتصادي، وليس بسر أن بعض الدول الكبرى أكثر أهمية وسلطة من القصر الرئاسي أو مجلس الوزراء في تلك الدول الضعيفة التابعة.
ولا يخفى على كل لبيب دور وسائل الإعلام المختلفة، مسموعة أو مرئية أو مقروءة، لأن هذه الوسائل كانت من الناحية الشكلية من منتجات الحضارة الغربية –صحافة أو إذاعة أو تلفزة- فاستقبلها الشرق واستقبل معها فلسفتها ومضمون رسالتها، وكان الرواد في تسويق هذه الرسائل وتشغيلها والاستفادة منها إما من النصارى أو من العلمانيين من أبناء المسلمين، فكان لها الدول الأكبر في الوصول لجميع طبقات الأمة، ونشر مبادئ وأفكار وقيم العلمانية، وبالذات من خلال الفن، وفي الجانب الاجتماعي بصورة أكبر.(3/110)
ثم كان هناك التأليف والنشر في فنون شتى من العلوم وبالأخص في الفكر والأدب والذي استعمل أداة لنشر الفكر والممارسة العلمانية.
فقد جاءت العلمانية وافدة في كثير من الأحيان تحت شعارات المدارس الأدبية المختلفة، متدثرة بدعوى رداء التجديد والحداثة، معلنة الإقصاء والإلغاء والنبذ والإبعاد لكل قديم في الشكل والمضمون، وفي الأسلوب والمحتوى، ومثل ذلك في الدراسات الفكرية في علوم الاجتماع والنفس والعلوم الإنسانية المختلفة، حيث قدمت لنا نتائج كبار ملاحدة الغرب وعلمانييه على أنه الحق المطلق، بل العلم الأوحد ولا علم سواه في هذه الفنون، وتجاوز الأمر التأليف والنشر إلى الكثير من الكليات والجامعات والأقسام العلمية التي تنتسب لأمتنا اسماً، ولغيرها حقيقة.
ولا يستطيع أحد جحد دور الشركات الغربية الكبرى التي وفدت لبلاد المسلمين مستثمرة في الجانب الاقتصادي.
هكذا سرت العلمانية في كيان الأمة، ووصلت إلى جميع طبقاتها قبل أن يصلها الدواء والغذاء والتعليم في كثير من الأحيان، ولو كانت الأمة حين تلقت هذا المنهج العصري تعيش في مرحلة قوة وشموخ وأصالة لوظفت هذه الوسائل توظيفاً آخر يتفق مع رسالتها وقيمها وحضارتها وتاريخها وأصالتها.
بعض ملامح العلمانية:
لقد أصبح حَملة العلمانية الوافدة في بلاد الشرق بعد مائة عام من وفودهم تياراً واسعاً نافذاً متغلباً في الميادين المختلفة، فكرية واجتماعية وسياسية واقتصادية، وكان يتقاسم هذا التيار الواسع في الجملة اتجاهان:
أ: الاتجاه اليساري الراديكالي الثوري، ويمثله –في الجملة- أحزاب وحركات وثورات ابتليت بها المنطقة ردحاً من الزمن، فشتت شمل الأمة ومزقت صفوفها, وجرت عليها الهزائم والدمار والفقر وكل بلاء، وكانت وجهة هؤلاء الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه، سواء كانوا شيوعين أمميين، أو قوميين عنصريين.(3/111)
ب: الاتحاد الليبرالي ذي الوجهة الغربية لأمريكا ومن دار في فلكها من دول الغرب، وهؤلاء يمثلهم أحزاب وشخصيات قد جنوا على الأمة بالإباحية والتحليل والتفسخ والسقوط الأخلاقي والعداء لدين الأمة وتاريخها.
وللاتجاهين ملامح متميزة أهمها:
1-مواجهة التراث الإسلامي، إما برفضه بالكلية واعتباره من مخلفات عصور الظلام والانحطاط والتخلف –كما عند غلاة العلمانية-، أو بإعادة قراءته قراءة عصرية –كما يزعمون- لتوظيفه توظيفاً علمانياً من خلال تأويله على خلاف ما يقتضيه سياقه التاريخي من قواعد شرعية، ولغة عربية، وأعراف اجتماعية، ولم ينج من غاراتهم تلك حتى القرآن والسنة، إما بدعوى بشرية الوحي، أو بدعوى أنه نزل لجيل خاص أو لأمة خاصة، أو بدعوى أنه مبادئ أخلاقية عامة، أو مواعظ روحية لا شأن لها بتنظيم الحياة، ولا ببيان العلم وحقائقه، ولعل من الأمثلة الصارخة للرافضين للتراث، والمتجاوزين له (أدونيس) و (محمود درويش) و (البياتي) و (جابر عصفور) .
أما الذي يسعون لإعادة قراءته وتأويله وتوظيفه فمن أشهرهم: (حسن حنفي) و (محمد أركون) و (محمد عابد الجابري) و (حسين أمين) ، ومن على شاكلتهم، ولم ينج من أذاهم شيء من هذا التراث في جميع جوانبه.(3/112)
2-اتهام التاريخ الإسلامي بأنه تاريخ دموي استعماري عنصري غير حضاري، وتفسيره تفسيراً مادياً، بإسقاط نظريات تفسير التاريخ الغربية العلمانية على أحداثه، وقراءته قراءة انتقائية غير نزيهة ولا موضوعية، لتدعيم الرؤى والأفكار السوداء المسبقة حيال هذا التاريخ، وتجاهل ما فيه من صفحات مضيئة مشرقة، والخلط المتعمد بين الممارسة البشرية والنهج الإسلامي الرباني، ومحاولة إبراز الحركات الباطنية والأحداث الشاذة النشاز وتضخيمها، والإشادة بها، والثناء عليها، على اعتبار أنها حركات التحرر والتقدم والمساواة والثورة على الظلم، مثل: (ثورة الزنج) و (ثورة القرامطة) ومثل ذلك الحركات الفكرية الشاذة عن الإسلام الحق، وتكريس أنها من الإسلام بل هي الإسلام، مثل القول بوحدة الوجود، والاعتزال وما شابه ذلك من أمور تؤدي في نهاية الأمر إلى تشويه الصور المضيئة للتاريخ الإسلامي لدى ناشئة الأمة، وأجياله المتعاقبة.
3-السعي الدؤوب لإزالة أو زعزعة مصادر المعرفة والعلم الراسخة في وجدان المسلم، والمسيرة المؤطرة للفكر والفهم الإسلامي في تاريخه كله، من خلال استبعاد الوحي كمصدر للمعرفة والعلم، أو تهميشه –على الأقل- وجعله تابعاً لغيره من المصادر، كالعقل والحس، وما هذا إلا أثر من آثار الإنكار العلماني للغيب، والسخرية من الإيمان بالغيب، واعتبارها -في أحسن الأحوال- جزءاً من الأساطير والخرافات والحكايات الشعبية، والترويج لما يسمى بالعقلانية والواقعية والإنسانية، وجعل ذلك هو البديل الموازي للإيمان في مفهومه الشرعي الأصيل، وكسر الحواجز النفسية بين الإيمان الكفر، ليعيش الجميع تحت مظلة العلمانية في عصر العولمة، وفي كتابات (محمد عابد الجابري) و (حسن حنفي) و (حسين مروة) و (العروي) وأمثالهم الأدلة على هذا الأمر.(3/113)
4-خلخلة القيم الخلقية الراسخة في المجتمع الإسلامي، والمسيرة للعلاقات الاجتماعية القائمة على معاني الأخوة والإيثار والطهر والعفاف وحفظ العهود وطلب الأجر وأحاسيس الجسد الواحد، واستبدال ذلك بقيم الصراع والاستغلال والنفع وأحاسيس قانون الغاب والافتراس، والتحلل، والإباحية من خلال الدراسات الاجتماعية والنفسية، والأعمال الأدبية والسينمائية والتلفزيونية، مما هز المجتمع الشرقي من أساسه، ونشر فيه من الجرائم والصراع ما لم يعهده أو يعرفه في تاريخه، ولعل رواية (وليمة عشاء لأعشاب البحر) –السيئة الذكر- من أحدث الأمثلة على ذلك، والقائمة طويلة من إنتاج (محمد شكري) و (الطاهر بن جلون) و (الطاهر وطّار) و (تركي الحمد) وغيرهم الكثير تتزاحم لتؤدي دورها في هدم الأساس الخلقي الذي قام عليه المجتمع، واستبداله بأسس أخرى.
5-رفع مصطلح الحداثة كلافتة فلسفية اصطلاحية بديلة لشعار التوحيد، والحداثة كمصطلح فكري ذي دلالات محددة تقوم على مادية الحياة، وهدم القيم والثوابت، ونشر الانحلال والإباحية، وأنسنة الإله وتلويث المقدسات، وجعل ذلك إطاراً فكرياً للأعمال الأدبية، والدراسات الاجتماعية، مما أوقع الأمة في أسوأ صور التخريب الفكري الثقافي.
6-استبعاد مقولة الغزو الفكري من ميادين الفكر والثقافة، واستبدالها بمقولة حوار الثقافات، مع أن الواقع يؤكد أن الغزو الفكري حقيقة تاريخية قائمة لا يمكن إنكارها كإحدى مظاهر سنة التدافع التي فطر الله عليها الحياة، وأن ذلك لا يمنع الحوار، لكنها سياسة التخدير والخداع والتضليل التي يتبعها التيار العلماني، ليسهل تحت ستارها ترويج مبادئ الفكر العلماني، بعد أن تفقد الأمة مناعتها وينام حراس ثغوره، وتتسلل في أجزائها جراثيم وفيروسات الغزو العلماني القاتل.(3/114)
7-وصم الإسلام بالأصولية والتطرف وممارسة الإرهاب الفكري، عبر غوغائية ديماجوجية إعلامية غير شريفة، ولا أخلاقية، لتخويف الناس من الالتزام بالإسلام، والاستماع لدعاته، وعلى الرغم من وقوع الأخطاء –وأحياناً الفظيعة- من بعض المنتمين أو المدعين إلى الإسلام، إلا أنها نقطة في بحر التطرف والإرهاب العلماني الذي يمارس على شعوب بأكملها، وعبر عقود من السنين، لكنه عدم المصداقية والكيل بمكيالين، والتعامي عن الأصولية والنصرانية، واليهودية، والموغلة في الظلامية والعنصرية والتخلف.
8-تمييع قضية الحل والحرمة في المعاملات والأخلاق، والفكر والسياسة، وإحلال مفهوم اللذة والمنفعة والربح المادي محلها، واستخدام هذه المفاهيم في تحليل المواقف والأحداث، ودراسة المشاريع والبرامج، أي فك الارتباط بين الدنيا والآخرة في وجدان وفكر وعقل الإنسان، ومن هنا ترى التخبط الواضح في كثير من جوانب الحياة الذي يعجب له من نور الله قلبه بالإيمان، ولكن أكثرهم لا يعلمون.
9-دق طبول العولمة واعتبارها القدر المحتوم الذي لا مفر منه ولا خلاص إلا به، دون التمييز بين المقبول والمرفوض على مقتضى المعايير الشرعية، بل إنهم ليصرخون بأن أي شيء في حياتنا يجب أن يكون محل التساؤل، دون التفريق بين الثوابت والمتغيرات، مما يؤدي إلى تحويل بلاد الشرق إلى سوق استهلاكية لمنتجات الحضارة الغربية، والتوسل لذلك بذرائعية نفعية محضة لا يسيّرها غير أهواء الدنيا وشهواتها.(3/115)
10-الاستهزاء والسخرية والتشكيك في وجه أي محاولة لأسلمة بعض جوانب الحياة المختلفة المعاصرة في الاقتصاد والإعلام والقوانين، وإن مرروا هجومهم وحقدهم تحت دعاوى حقوق الإنسان وحرياته، ونسوا أو تناسوا الشعوب التي تسحق وتدمر وتقتل وتغصب بعشرات الآلاف، دون أن نسمع صوتاً واحداً من هذه الأصوات النشاز يبكي لها ويدافع عنها، لا لشيء إلا أن الجهات التي تقوم بانتهاك تلك الحقوق، وتدمير تلك الشعوب أنظمة علمانية تدور في فلك المصالح الغربية.
11-الترويج للمظاهر الاجتماعية الغربية، وبخاصة في الفن والرياضة وشركات الطيران والأزياء والعطور والحفلات الرسمية، والاتكاء القوي على قضية المرأة، ولإن كانت هذه شكليات ومظاهر لكنها تعبر عن قيم خلقية، ومنطلقات عقائدية، وفلسفة خاصة للحياة، من هنا كان الاهتمام العلماني المبالغ فيه بموضة المرأة، والسعي لنزع حجابها، وإخراجها للحياة العامة، وتعطيل دورها الذي لا يمكن أن يقوم به غيرها، في تربية الأسرة ورعاية الأطفال، وهكذا العلمانيون يفلسفون الحياة. يعطل مئات الآلاف من الرجال عن العمل لتعمل المرأة، ويستقدم مئات الآلاف من العاملات في المنازل لتسد مكان المرأة في رعاية الأطفال، والقيام بشؤون المنزل، ولئن كانت بعض الأعمال النسائية يجب أن تناط بالمرأة، فما المبرر لمزاحمتها للرجل في كل موقع؟
12-الاهتمام الشديد والترويج الدائم للنظريات العلمانية الغربية في الاجتماع والأدب، وتقديم أصحابها في وسائل الإعلام، بل وفي الكليات والجامعات على أنهم رواد العلم، وأساطين الفكر وعظماء الأدب، وما أسماء: (دارون) و (فرويد) , (دوركايم) و (أليوت وشتراوس وكانط) وغيرهم بخافية على المهتم بهذا الشأن، وحتى أن بعض هؤلاء قد تجاوزه علمانيو الغرب، ولكن صداه ما زال يتردد في عالم الأتباع في البلاد الإسلامية.(3/116)
حركة (ناطوري كارتا) اليهودية
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 21/5/1423
السؤال
لقد ظهرت في الآونة الأخيرة حركة يهودية تسمى حركة (ناطوري كارتا) ، وهي -كما تعلمون- تؤيد حق المسلمين في فلسطين، وتؤكد أنهم شعب مغضوب عليهم، وأن الله قد عاقبهم بتشتيتهم في الأرض، وذلك بسبب ذنوبهم، وهم يعدون اليهود الذين يقيمون دولة إسرائيل -كما يزعمون- أنهم صهاينة ولا يمتون لليهودية بصلة، أنا أعلم أن اليهود مهما حصل لا يمكن تصديقهم، ولكن بما أنهم يؤيدون حق المسلمين ولم يعادوهم، هل تكون معاملتنا لهم أفضل من معاملتنا لليهود الصهاينة المحتلين لفلسطين؟ وما موقف الإسلام من مثل هؤلاء اليهود المعترفين بذنوبهم وغضب الله عليهم؟ وأخيراً أجدد شكري وتقديري لكم، وأسأل الله العلي القدير أن يجمعنا وإياكم في جنات النعيم، وأن يسدد خطاكم فيما هو لصالح المسلمين اللهم آمين.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأقول، وبالله التوفيق:
لا شك أن اليهود فرق وطوائف، وأحزاب وجماعات، ومشارب تتفق وتختلف، وهذا هو شأن الباطل وأهله، وسواء كانت تلك الحركة المشار إليها في سؤالك صادقة فيما تدعيه من كراهية اليهود المغتصبين لفلسطين، أم كانت متزلّفة دعيّة، فإن المعوّل عليه في الحكم على اليهود هو ما ثبت لدينا في القرآن والسنة، وما استمد منهما في بيان حقيقتهم، وكشف عوارهم، وفضح دسائسهم، ففي ذلك كله ما يُغني ويكفي ويشفي.(3/117)
وإذا وجد في اليهود طوائف توافق الحق فيما يتعلق بالحكم على الصهاينة فلا يستغرب فإن الحق أبلج والباطل لجلج، وإذا استأنس مجادل لهم بما يقوله بعضهم في بعض فلا بأس، والحكمة ضالة المؤمن والحق يُقبل أياً كان مصدره، غير أنه ينبغي أن يعلم أن من العجز أن نعوّل في انتصارنا على اليهود باليهود.
إن أسباب النصر واضحة المعالم، وإن الأخذ بها واجب، وإن أسباب الهزيمة واضحة المعالم، وإن تفادي الوقوع في شيء منها واجب أيضاً، وعلى الأمة جماعات وأفراداً أن تعترف بقصورها وتقصيرها في الأخذ بما أوجب الله عليها الأخذ به، وأن تعالج مشكلاتها بوضوح وصدق وصراحة وإيمان وبهمة لا تعرف الكلل، وإذا علم الله منا صدق التوجه وحسن النوايا والأخذ بما أوجب من أسباب حقق لنا ما وعد به من النصر والتمكين، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.(3/118)
لعن الكافر المعين
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 21/1/1424هـ
السؤال
ما حكم لعن (وليس سب فقط) اليهود والنصارى أفراداً أو جماعات أحياء كانوا أم أموات؟ وجزاكم الله خيراً
الجواب
أما لعن الكفار من اليهود والنصارى والمشركين على سبيل العموم فهذا جائز ومشروع من أجل التحذير من أفعالهم، فإن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال في آخر حياته وهو في سياق الموت - صلى الله عليه وسلم -: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، رواه البخاري (435-436) ، ومسلم (531) ، واليهود والنصارى داخلون في عموم قوله تعالى: "إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا" [الأحزاب: 64] ، وقال سبحانه وتعالى: "ألا لعنة الله على الظالمين" [هود: 18] ، واليهود والنصارى ظالمون بتكذيبهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - وبغلو النصارى في المسيح وعبادتهم له، وعبادتهم للصليب، واليهود قتلة الأنبياء وهم الناكثون للعهود والخائنون، كما قال سبحانه وتعالى فيهم: "إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون" [الأنفال: 55-56] .(3/119)
وأما الأفراد الأحياء بأعيانهم مثل فلان أو فلان فلا ينبغي لعنهم، لأنه لا فائدة فيه، ولسنا متعبدين بذلك، إلا من له نكاية بالمسلمين وتسلط عليهم كرؤوس الكفر وأئمته، كرؤساء دول الكفر في هذا العصر فإنه يجوز لعنهم، مثل رؤساء الدول الكافرة المتسلطة على المسلمين، كرئيس الولايات المتحدة الأمريكية وأعوانه فيجوز لعنهم بأعيانهم، لأنهم جمعوا بين الكفر بالله والتسلط على عباد الله، وأما الأموات فكما قال عليه الصلاة والسلام: "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا" رواه البخاري (1393) ، لكنهم يدخلون في اللعنة العامة؛ لعنة الله على الكافرين، والله أعلم.(3/120)
هل نحن أمة آخر الزمان؟
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 16/4/1424هـ
السؤال
هل نحن أمة آخر الزمان؟ إن كنا كذلك، ما أول ما ننتظر ظهوره؟ الأعور الدجال؟ أم طلوع الشمس من مغربها؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. وبعد:
فالسؤال هل نحن أمة آخر الزمان؟ بلا شك نحن في آخر الزمان، وقد قال الله تعالى: "اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ" [القمر:1] ، وقال - صلى الله عليه وسلم-: "بعثت أنا والساعة كهاتين" وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى، رواه البخاري (6504) ، ومسلم (2951) ، من حديث أنس - رضي الله عنه-، ومع ذلك فهناك من أشراط الساعة الصغرى ما لم تظهر بعد ومنها: فتح روميه.
وأما العلامات الكبرى فقد ورد في صحيح مسلم (2901) عن حذيفة بن أسيد -ر ضي الله عنه- قال: اطلع علينا النبي - صلى الله عليه وسلم- ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذاكرون؟ " قالوا: نذكر الساعة، قال: "إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات"، فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم.
فهذا الحديث نص على آخر هذه العلامات وهي النار، ولم ينص على ترتيب البقية، إلا أن الآيات الكبرى متتابعة في وقوعها كما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم- بالخرزات المنظومة في سلك فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضا. انظر ما رواه الإمام أحمد (7040) ، وغيره من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما-(3/121)
ويصعب تحديد ترتيب هذه الآيات إلا أن المفهوم من النصوص الواردة أن الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض. وتنتهي بموت عيسى، وأن طلوع الشمس من مغربها أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة، أمّا الخسوفات الثلاث والدخان فترتيبها غير واضح من خلال النصوص الواردة،
(والسؤال الذي يجب أن نشغل أنفسنا به هو: ماذا أعددنا للساعة؟ وليس عن موعد قيام الساعة، لأن من مات قامت قيامته، وأجل الإنسان قريب) .
فنسأل الله السلامة، والله أعلم.(3/122)
حزب البعث
المجيب د. حمود بن غزاي الحربي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 4/3/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما هو حزب البعث؟ وما حكم الإسلام فيه؟ ومن أتباعه؟ وأين يوجد؟ وشكراً.
الجواب
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
حزب البعث هو الوجه الآخر للقومية العربية التي برزت في الستينات الميلادية على يد جمال عبد الناصر، وهو حزب قومي علماني يقوم على ثلاثة مبادئ هي الوحدة، الحرية، الاشتراكية، وشعار هذا الحزب هو (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) ، وقد أسس هذا الحزب رجل نصراني اسمه (ميشيل يوسف عفلق) ولد في سنة 1910م في دمشق، وقد نشأ في بيت نصراني يتبع الكنيسة الشرقية، ثم انتقل بعد دراسته الثانوية إلى فرنسا، حيث حصل على شهادة جامعة السربون في التاريخ، وهناك انضم إلى جمعيتين قوميتين هما الجمعية العربية السورية، وجمعية الثقافة العربية، وقد تأثر أثناء وجوده بالفكر الفلسفي الأوربي، وأعجب به ودعا إليه، وفي أثناء وجوده دعا الشباب العربي إلى القومية العربية فاستجاب له مجموعات منهم، ومنهم صلاح الدين البيطار، وهو سوري سني فتعاهدا - هو وصلاح - على العمل معاً، وعادا إلى سوريا سنة 1933م؛ وبدآ يبثان أفكارهما بين الشباب في مدرسة التجهيز الأولى، وهي أكبر مدارس دمشق وأهمها، حتى استطاعا بعد سنوات أن يؤسسا هذا الحزب المعروف بحزب البعث العربي، وذلك في عام 1947م.(3/123)
أما حكم الإسلام فيه، فمن المعروف أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولا يمكن تصور حزب البعث إلا بالاطلاع على تراثه الفكري، وأهم تراث فكري عند البعثيين هي كتب ميشيل عفلق "مؤسس الحزب"؛ ككتاب (في سبيل البعث) الذي نشرته دار الطليعة في بيروت سنة 1959م، وكتاب (معركة المصير الواحد) الذي نشرته دار الآداب في بيروت عام 1959م، وميشيل عفلق في كتبه يرى أن القومية العربية أهم من الدين، فيقول: (أنجعل قوميتنا وهي أساس حياتنا نظرية من النظريات، فنتركها عرضة لتقلبات المنطق والذوق والهوى، فننادي بها اليوم، ونؤثر عليها الأممية والشيوعية غداً، ونعتنق الدعوة الدينية بعد غد) في سبيل البعث ص 24، وفي صفحة 49 وفي الكتاب نفسه يسخر عفلق من الدين وشعائره التعبدية، فيقول: (فالإسلام الأممي الذي يقتصر على العبادة السطحية والمعاني العامة الباهتة أخذ في التفرنج اليوم بالفكر، وغداً بالفكر والاسم معاً) ، وفي صفحة 30 يسوي عفلق بين القومية والدين فيقول: (لا خوف أن تصطدم القومية بالدين، فهي مثله تنبع من معين القلب، وتصدر عن إرادة الله، وهما يسيران متآزرين متعانقين، خاصة إذا كان الدين يمثل عبقرية القومية وينسجم مع طبيعتها) أ. هـ، وإذا تجاوزنا فكر مؤسس الحزب إلى فكر الحزب نفسه فإننا نجد أن من أهم توصيات المؤتمر القومي الرابع للحزب الوصية الرابعة التي تقول: (يعتبر المؤتمر القومي الرابع الرجعية الدينية إحدى المخاطر الأساسية التي تهدد الانطلاقة التقدمية في المرحلة الحاضرة، ولذلك يوصي القيادة القومية بالتركيز في النشاط الثقافي، والعمل على علمانية الحزب، خاصة في الأقطار التي تشوه فيها الطائفية العمل السياسي) والمتأمل لتوصيات الحزب وقراراته من خلال مؤتمراته يجد أن كلمة الدين لم ترد مطلقاً في دستوره إلا على سبيل الازدراء والسخرية، مما يؤكد علمانيته، وهذا يكفي في الحكم عليه وقد قال الله تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن(3/124)
يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" [آل عمران: 85] ، أما دعاته فمنهم بالإضافة إلى مؤسسي الحزب: سامي الجندي وحمود الشوقي ومنيف الرزاز، ومصطفى طلاس وشبلي العيسمي، بالإضافة إلى قادة الحزب السياسيين مثل صدام حسين وحافظ الأسد، أما أماكن تواجده فأكبر وجود له في العراق وسوريا، حيث كان الحزب هو الحاكم في العراق قبل عدة أسابيع، وهو الحزب الحاكم الآن في سوريا، وله امتدادات تطول وتقصر وتكثر في دول الخليج العربي واليمن والسودان والأردن ودول المغرب العربي كالمغرب وموريتانيا.(3/125)
قراءة المسلم للتوراة والإنجيل
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 13/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يجوز لنا قراءة التوراة والإنجيل وما شابههما من قصص مخترعة، من دون تصديق لها ولا اعتقاد فيها؟ لأن الكثير من هذه القصص انتشر بين الأشخاص في الإنترنت.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
لقد نسخ القرآن جميع الشرائع والأديان، والكتب السابقة، قال تعالى: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْه" [المائدة: من الآية48] ، فنحن أغنياء بديننا وكتاب ربنا الذي فيه خبر من قبلنا ونبأ من بعدنا وحكم ما بيننا، وقد دل القرآن على أن الكتب السماوية السابقة من التوراة والإنجيل قد حرفت على يد اليهود والنصارى، والذي عليه أئمة السنة وعلماؤها النهي عن النظر في التوراة والإنجيل وما يجري مجراهما في الافتتان والتضليل؛ ككتب أهل الكلام والسحر والشعوذة، إلا ما كان في حدود حاجة أهل العلم ودعاة الإسلام لأجل الرد والمناظرة، والقراءة في التوراة والإنجيل حتى وإن كان عن غير اعتقاد لما فيهما لا يسوغ أبداً، وأقل ما فيه أنه عبث وإضاعة للوقت وصرف له عن القراءة النافعة والعمل الصالح، على أننا لا نسلم أنها لمجرد التسلية فقط، إذ لا بد من تأثيرها على المدى الطويل، وتكون رصيد قصص لدى القارئ ينساق مع مدلولاتها تلقائياً، إضافة إلى أن القراءة فيها كفيلة بكسر حاجز النفرة والبعد والبراءة من دين اليهود والنصارى، مما قد يورث القرب إلى مناهجهم والتقارب معهم والعيش بينهم.(3/126)
وقد قال ابن عباس -رضي الله عنهما- كما في البخاري (7523) : "يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم -صلى الله عليه وسلم- أحدث الأخبار....أولا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، فلا والله ما رأينا رجلاً منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم".
وحينما قرأ عمر - رضي الله عنه- بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب غضب النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: "أمُتَهَوِّكُونَ فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيءٍ فيخبروكم بحقٍّ فَتُكَذِّبوا به، أو بباطلٍ فتُصَدِّقُوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني" رواه الإمام أحمد (15156) من حديث جابر -رضي الله عنه- وحسنه الألباني في إرواء الغليل
(1589) وفي رواية "فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا" عند أحمد أيضاً (14631) فابتعد أخي -بارك الله فيك- عن ذلك واستغن بما أغناك الله، واحفظ وقتك فيما يفيدك في أمر دينك ودنياك، وناصح وراسل من يفعل ذلك في الإنترنت وينشر مثل ذلك، وزودهم بمواد علمية وتوجيهية يتراسلونها فيما بينهم، و"الدال على الخير كفاعله" رواه الترمذي
(2670) من حديث أنس -رضي الله عنه- وقال -صلى الله عليه وسلم:"لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم" رواه البخاري (2942) ومسلم
(2406) من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه-. وفق الله الجميع لرضاه.(3/127)
حزب البعث بين التدين والسياسة
المجيب د. حمود بن غزاي الحربي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 2/7/1424هـ
السؤال
هل حزب البعث حزب ديني؟ أم حزب سياسي؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
أخي الكريم: حزب البعث حزب ديني وسياسي في آن واحد، ولا أعتقد بوجود حزب سياسي صرف في أي مكان في العالم، فكل الأحزاب التي نراها ونسمع عنها في العالم العربي والغربي تنطلق من منطلق عقدي، ولعله لا يخفى عليك أن الحزب الذي يقود أقوى قوة في العالم اليوم - الولايات المتحدة الأمريكية - حزب ديني متطرف، مع أنه في الأصل حزب سياسي.
أما حزب البعث فقد لخص "منيف الرزاز" الأمين العام السابق لحزب البعث مبادئ وعقائد حزب البعث في كتابه (ألف باء البعث) بمجموع ضمن أعماله الفكرية السياسية 3/ 149 - 162، وقد تكلم في هذا الكتاب عن حزب البعث ضمن العناوين التالية:
(1) البعث حركة عقائدية.
(2) البعث حركة نضالية.
(3) البعث حركة ثورية.
(4) البعث حركة جماهيرية.
(5) البعث حركة قومية.
ومن خلال هذه العناوين في كتاب الأمين السابق لحزب البعث يتضح لنا أن حزب البعث عقائدي سياسي في آن واحد، وإذا أردت توضيحاً أكثر فارجع إلى كتاب "حزب البعث تاريخه وعقائده"، لمؤلفه سعيد بن ناصر الغامدي ص (42 - 47) .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(3/128)
تفضيل المراجع الدينية على البشر
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 2/7/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يكفر من يقول بأن هناك من البشر كالأولياء أو الأئمة كما عند الشيعة من هم أفضل من البشر، مع إقرارهم بأن هؤلاء ليسوا أنبياء ولا رسل، ومع إقراراهم بنبوة الأنبياء ورسالة الرسل وفضلهم جميعاً، وكذلك يقرون بأن خير الخلق أجمعين هو محمد صلى الله عليه وسلم - وليس أحد أفضل منه لا من الرسل ولا الأنبياء ولا الأولياء ولا الأئمة وهل في المسألة خلاف بين متقدمي علماء الأمة أو متأخريهم؟
هذا ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
الجواب
عقيدة المسلم في الأشخاص ما يلي:
1. أفضل الناس الأنبياء والرسل.
2. ثم الخلفاء الراشدون الأربعة بحسب ترتيبهم.
3. ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة.
4. ثم بقية الصحابة رضي الله عنهم جميعاً.
5. ثم الأتقى فالأتقى من المسلمين.
وأما عقيدة الشيعة فهي تخالف هذا الترتيب، حيث يعتقدون أن أئمتهم أفضل من الأنبياء والرسل وهذه عقيدة ضالة، والشيعة استخدموا اسم الولي وأطلقوه على أشخاص رفعوهم إلى منزلة فوق منزلتهم مع أن كل مسلم هو ولي لله عز وجل بتفاوت في الولاية قال تعالى: "أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ" [يونس:63] ، فكل مؤمن تقي ولي لله - عز وجل - والمسلم يبتعد عن الغلو والتقصير وسط بين طرفي نقيض، فلا إفراط ولا تفريط والحذر من عقائد المبتدعة والله أعلم.(3/129)
المذهب السلفي والمذاهب الأربعة
المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 19/5/1424هـ
السؤال
كنت أتناقش مع شخص عن المذاهب، وقلت له إن المذهب السلفي: هو ما قال الله، وقال الرسول - عليه السلام - واتباع السلف الصالح، فقال لي: وهل المذهب المالكي غير ذلك؟ قلت له: من الممكن أن تعرض مسألة للإمام مالك ولا يتوفر له دليل فيفتي فيها باجتهاد، ويبلغنا دليل لم يبلغ الإمام مالكاً، قال لي: إن من العقل أن يكون بلغ الإمام مالك ولم يبلغك، فهو من مواليد القرون الفضلى، وقريب من زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهل كلامه صحيح؟ وأرجو أن تبين لي موقف المذهب السلفي من الأئمة الأربعة بين الغلو والإعراض عنهم.
الجواب
الحمد لله وبعد: فإن المذهب السلفي ليس مذهباً خارجاً عن المذاهب الأربعة، بل هو منهج موافق لما عليه الأئمة الأربعة من اتباع الكتاب والسنة، والاقتداء بالسلف الصالح، بل الأئمة الأربعة هم من جملة السلف الذين يشملهم مصطلح (السلف) ، لأنهم من القرون المفضلة، وعلى هذا فالمذهب المالكي وغيره من المذاهب الأربعة لا تخالف منهج السلف في أصلها، فالإمام مالك - رحمه الله - من أجل أئمة السلف، ولكن قد يتخذ بعض أتباع المذاهب منهجاً مخالفاً لمنهج السلف، سواء في العقيدة أو في الفروع أو الأحكام والفقهيات، فمثلاً في الفروع قد يتعصب البعض لمذهبه، ويقلد ما يكون فيه من أحكام، حتى وإن كان الدليل على خلافه، فهنا ننتقد هذا التعصب ولا ننتقد المذهب جملة) .(3/130)
وأما قولك: إن الإمام مالكاً قد يفتي باجتهاده وقد لا يطلع على الدليل، فهذا الاحتمال وارد في شأن بقية الأئمة، بل لكل ذي علم حتى الصحابة - رضي الله عنهم - قد يخفى على الواحد منهم ما يعرفه غيره، كما خفي على عمر - رضي الله عنه - حديث الاستئذان وحديث الطاعون وغيرها فمن سواه أولى بذلك.
ولكن هذا لا يعني أن نتطاول على من سبقنا بحجة أننا اطلعنا على ما لم يطلعوا عليه، بل الواجب الأدب مع الأئمة، والتماس العذر لهم.
ثم إن مما ينبغي معرفته أنه لا يستدرك على أهل العلم، إلا من هو مثلهم من أهل العلم ممن يدركون بعلمهم وفقههم سبب عدول العالم عن الأخذ بحديث ما، هل هو لعدم اطلاعه عليه؟ أم لوجود ناسخ له عنده؟ أم لعدم ثبوته لديه؟ أم لوجود معارض أقوى منه؟ ونحو ذلك مما يطول بسطه، ويمكنك الرجوع إلى كتاب صغير نفيس لشيخ الإسلام عنوانه (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) ذكر فيه جملة من الأسباب التي قد يرجع إليها خلاف أهل العلم، أو عدم أخذ بعضهم بدليل ما، والله أعلم.(3/131)
لماذا يوصف المسيحيون بالكفر
المجيب أ. د. بكر بن زكي عوض
أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 21/5/1424هـ
السؤال
لقد قرأت السؤال التالي في أحد المواقع: إنني مسيحي ولدي سؤال أتمنى منكم تقبله بصدر رحب. لماذا توجه تهمة الكفر للمسيحيين؟ برغم أن القرآن يلقبهم بأهل الكتاب! فكيف يمكن الإجابة على سؤال هذا الشخص بأسلوب مقنع وبسيط؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الكفر يعني ستر الشيء بعد ظهوره، والمسيح - عليه السلام - قد دعا إلى الإيمان بالله الواحد (أول الوصايا في الناموس) ، وأعلن أنه (لا صالح إلا الله) ، وأخبر أن الساعة لا يعلمها إلا الأب، وأما الابن فلا يعلم من ذلك شيئاً، ودعا أتباعه إلى الإيمان به كإنسان، (وأما ابن الإنسان لا يجد موضعاً لرأسه) ، ولم يخرج في حياته كلها عن حياة سائر البشر، (ولادة - رضاعة - فطاماً - تعميداً - جوعاً - خوفاً - حزناً - أكلاً وشرباً - هرباً ... تسلط الشيطان عليه ... إلخ) .
ولكن النصارى بعد هذا كله دعوه ابن الله ودعوه الله ودعوه ثالث ثلاثة، فستروا الحق الذي جاء به المسيح وهو وحدانية الله ونبوته وبشريته، وادعوا ما لم يقله المسيح لهم، فحكم القرآن بكفرهم لهذا السبب "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"
[المائدة: 73] ، "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم" [المائدة: 17] .
وأما النداء عليهم بيا أهل الكتاب فيرجع إلى ما أوحى إلى المسيح به وهو الإنجيل، وذلك بحسب الأصل لا بحسب الموجود الآن، والله يهديك إلى الصواب.(3/132)
مؤتمر حوار السنة والشيعة
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 25/8/1424هـ
السؤال
سمعنا أن هناك مؤتمراً سيقام في الرياض للحوار مع الشيعة، ومن خلال متابعاتي للشيعة الجعفرية فإنهم يقولون بكفر الصحابة - رضي الله عنهم - أمثال أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، ويقولون بالمتعة، ويتبركون بالقبور، ولا يرغبون بتبديل معتقدهم، فكيف نتحاور معهم؟ وهل نتنازل لهم؟ وهل يكفر القول بتكفير الصحابة - رضي الله عنهم -؟
الجواب
لم نسمع بمؤتمر سيقام للحوار بين السنة والشيعة، ولو أقيم مؤتمر من هذا القبيل بين علماء الطائفتين فلا ضير في ذلك، بل قد تكون منه الفائدة والنفع، لإيضاح الحق وبيان الهدي الصحيح، والمسلك القويم.
والشيعة الجعفرية الذين ورد السؤال عنهم ليسوا على درجة واحدة في المعتقدات التي وردت في السؤال، بل هناك من ينكرها من علمائهم ومن مثقفيهم، ولا أدل على ذلك من كتب البرقعي وموسى الموسوي وأحمد الكاتب وأحمد الكسروي وغيرهم0
ولبعض علماء ودعاة السنة محاولات في إيران والعراق نتج عنها بصيرة جملة من علمائهم ومثقفيهم، وهذا يدل على فائدة الحوار المبني على أسس علمية صحيحة0
والحوار مع الآخرين لا يقتضي التنازل عن الحق، فقد حاور الأنبياء أقوامهم المشركين، وحاور ابن عباس - رضي الله عنهما - الخوارج المبتدعين، وحاور أحمد في قضية خلق القرآن، وحاور الأذرمي في مجلس الواثق رأس المعتزلة أحمد بن أبي دؤاد، وحاور العلامة العراقي محمود شكري الألوسي بعض علماء الشيعة، ونشر وقائع ذلك في كتابه المسك الأذفر، وغير ذلك كثير.(3/133)
أما سب الصحابة –رضي الله عنهم- فمحرم بنص الكتاب العظيم والسنة النبوية وإجماع أهل السنة والجماعة، وقد اختلف أهل العلم في حكم من سبهم، فمن قائل بأنه كافر يجب قتله، ومن قائل بأنه فاسق مبتدع يعاقب بما دون القتل، وكل له أدلته، ولعل الصواب في هذا أن يقال بأن سب الصحابة – رضي الله عنهم- على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يسبهم بما يقتضي الكفر وهو بما تقتضي أن عامتهم فسقوا، أو سبهم بما يقدح في دينهم وعدالتهم فهذا كفر، لأنَّه تكذيب لله ورسوله – عليه الصلاة والسلام - في تزكيتهم والثناء عليهم والترضي عنهم؛ ولأن مضمون هذه المقالة إبطال الشريعة بكاملها؛ لأنَّ الصحابة –رضي الله عنهم- هم نقلتها، وصاحب هذا القول يزعم أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق.
الثاني: أن يسبهم باللعن والتقبيح، ففي كفره قولان لأهل العلم، وعلى القول بعدم كفره يجب أن يعزر ويحبس حتى الموت أو يرجع عما قال.
الثالث: أن يسبهم بما لايقدح في دينهم كالجبن والبخل، فلا يكفر ولكن يعزر بما يردعه عن ذلك.
ومع ذلك فأهل السنة لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة –رضي الله عنهم- معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من المحاسن والفضائل ما يوجب مغفرته، أو أنهم قد تابوا، أو أتوا حسنات عظيمة ماحية، أو غفر لهم بفضل سابقتهم إلى الإسلام، أو بشفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم- الذين هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلوا ببلاء في الدنيا كفّر به عنهم، هذا في الذنوب المحققة، فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور لهم، ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم نزر قليل مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله – عليه الصلاة والسلام - والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح.(3/134)
ومن نظر في سيرهم بعلم وبصيرة، وما منَّ الله به عليهم من الفضائل علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة، التي هي خير الأمم وأكرمها على الله تعالى، بل هم خير القرون في جميع الأمم كما صرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" رواه البخاري (2652) ، ومسلم (2533) من حديث عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- وأهل السنة يمسكون عما شجر بين الصحابة – رضي الله عنهم - من نزاع وقتال من بعد مقتل عثمان – رضي الله عنه -، ويعتقدون أن ما جرى كان عن تأويل واجتهاد، حيث يظن كل فريق أنَّه على الحق، إذ لايظن بهم ولا يعقل منهم أن يحصل ما حصل وهم يعتقدون أنهم على باطل، ولكن ذلك الاجتهاد لايستلزم أن يكون كل فريق قد أصاب الحق، بل الحق كان مع علي رضي الله عنه، هذا في الحكم على الفاعل، أمَّا في الموقف منه فإنه يجب الإمساك عما شجر، ونسكت عما جرى بينهم ولا يذكر ويطوى ولا يروى إلاَّ لضرورة تقتضيها المصلحة الشرعية.
وهذه الأحكام المذكورة في حكم سب الصحابة – رضي الله عنهم - مندرجة تحت ضابط مهم من ضوابط التبديع والتكفير، ملخصه أن هناك فرقاً في الحكم بين العموم والإطلاق والتعيين والتخصيص عند إطلاق وصف الكفر أو الشرك أو النفاق أو البدعة أو الفسق، وعند إطلاق الشهادة بالجنة والنار.
ففي حالة العموم والإطلاق يجوز وصف العمل أو القول بأنه كفر أو شرك أو نفاق أو بدعة أو فسق، إذا كان هذا هو حكمه في شرع الله تعالى، أمَّا عند تعيين إنسان بعينه أو طائفة بعينها حصل منهم هذا الفعل أو القول الموصوف شرعاً بالكفر أو الشرك أو النفاق أو البدعة أو الفسق فلايجوز إطلاق هذا الوصف على المعين إلاَّ بعد وجود شروط هذا الوصف في المعين وانتفاء الموانع عنه، ومن أهم الشروط بلوغ الحجة الرسالية وفهمها.(3/135)
وأهم الموانع التي يجب التحقق من ارتفاعها عن المعين قبل الحكم عليه ما يلي:
(1) مانع الجهل الذي يعذر به، وهو الجهل الذي لا حيلة له في دفعه عن نفسه، بسبب عدم تمكنه من العلم الشرعي، أو بسبب العوارض النازلة به كالجنون والعته والنسيان، أمَّا جهل الإعراض والصدود فلا عذر فيه لصاحبه.
(2) مانع الاشتباه والتأول الذي يعذر بسببه، وهو المؤدي إلى التأويل له وجه احتمالي في العلم الشرعي وله وجه في لغة العرب.
فمن وقع في الخطأ بتأول أو اشتباه له وجه في الاعتماد عليه، وله احتمال في الشرع ولو بوجه مرجوح، وصدر في تأوله عن اجتهاد وحسن نية، بحيث إذا تبين له الحق اتبعه، وعلم من قرائن الأحوال أنه لم يقصد بقوله أو فعله معارضة الشريعة، أو مناوأة الشرع، فهو معذور بهذا؛ لأن هذا هو منتهى وسعه ولابد من رفع هذا المانع حتى تقوم عليه الحجة.
(3) مانع سلب الإرادة، فمن وقع في موجب الكفر بغير إرادة منه فلايحكم بكفره، مثل المكره، والذي انغلق عليه فكره بسبب شدة فرح أو حزن أو خوف، ولايدخل في هذا المازح؛ لأنه قاصد ومريد لهذا. والله أعلم.(3/136)
تحريف الإنجيل
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 7/4/1424هـ
السؤال
في أي بلد وعصر تم تحريف الإنجيل؟ ومن حرفه؟
الجواب
مرت النصرانية بعدة مراحل.
المرحلة الأولى: مرحلة الدين المنزل من عند الله، وذلك حين بعث الله عيسى عليه السلام نبياً إلى بني إسرائيل مؤيداً من الله تعالى بالمعجزات العظيمة الدالة على نبوته، وقد أيده الله بالحواريين، وآمن بدعوته كثير من الناس، واصطفى عيسى منهم اثني عشر حوارياً هم خلص أصحابه، ويقال: إن عيسى عليه السلام أرسل سبعين رجلاً ليعلموا الدين في القرى المجاورة، وقد تآمر اليهود على عيسى عليه السلام برئاسة الحبر الأكبر (كايافاس) ، وأثاروا عليه الحاكم الروماني الذي كان يحكم فلسطين (بيلاطس) حتى أصدر أمراً بإعدامه عليه السلام، فاختفى عيسى وأصحابه، ودل أحد أصحابه جنود الرومان على مكانه، فألقى الله شبه عيسى على أحد حوارييه ورفع الله عيسى فأخذ الشبه وقتل وصلب.(3/137)
المرحلة الثانية: وتعرف عند مؤرخي الكنيسة بالعصر الرسولي، وتبدأ من رفع عيسى عليه السلام من أصحابه وحوارييه، وحصل فيها قتل وإيذاء كبير لأتباع عيسى عليه السلام، حتى كادت الديانة النصرانية أن تزول بالكلية، وفي كل هذه الأجواء كان هناك رجل يسمى شاول الطرسوسي اليهودي الفريسي، صاحب الثقافات الواسعة والاطلاع الفلسفي الكبير، وتلميذ أشهر علماء اليهود في زمانه (عمالائيل) ، وكان شاول هذا شديد العداء لأتباع المسيح، وكان يذيقهم أشد أنواع الأذى، ثم فجأة أعلن إيمانه بالمسيح بناءً على رؤيا رآها فلم يصدقه بعض أتباع المسيح وبعضهم فرح بذلك، حتى حسم الأمر (برنابا الحواري) فدافع عن شاول واعترف به، وقبله، وتدرج شاول بما يمتلكه من ذكاء وقوة حيلة ودأب ونشاط، حتى أخذ مكانة مرموقة بين الحواريين وسمى نفسه (بولس) وفيما بين 51 –55م عقد أول مجمع للحواريين (مجمع أورشليم) تحت رئاسة يعقوب بن يوسف النجار؛ ليناقش مشكلة عرضها بولس حول إكراه الأمميين (الوثنيون والكفرة – أي غير بني إسرائيل) على الالتزام بشريعة التوراة، فقرروا في هذا المجمع استثناء غير اليهود من الالتزام بشريعة التوراة إذا كان ذلك سيؤدي إلى تركهم للوثنية، وفي هذا المجمع قرروا تحريم الزنا وأكل المنخنقة والدم وما ذبح للأوثان، وأبيحت الخمر ولحم الخنزير والربا، مع أنها محرمة في التوراة.
فكان هذا من أوائل التحريفات التي حصلت في الديانة النصرانية بمكر من بولس، ثم إن بولس عاد بصحبة برنابا إلى أنطاكية مرة أخرى، وبعد صحبة غير قصيرة انفصلا وحدث بينهما منازعة شديدة، لأن بولس أعلن نسخ أحكام التوراة وقوله (بأنها كانت لعنة تخلصنا منها إلى الأبد) ، وادعاءه أن (المسيح جاء ليبدل عهداً قديماً بعهد جديد) ، ولاستعارته من الفلسفة اليونانية فكرة اتصال الإله بالأرض، عن طريق الكلمة أو ابن الإله أو الروح القدس، ثم ترتب على هذا كله القول بعقيدة الصلب والفداء المبتدعة.(3/138)
ثم تنازع بولس مع بطرس الذي عارضه وهاجمه، وهكذا بدأ الانحراف والتحريف في الكتب المنزلة في التوراة والإنجيل، واستمر الانحراف فيها، وما زالت الزيادات والنقصان تتم في هذه الكتب المنزلة من عند الله تعالى.
ومن أهم النصوص التي حرفت في الإنجيل؛ تلك النصوص التي تدعو إلى عبادة الله وحده دون سواه، والتي تبين أن الإله سبحانه حي قيوم غني عن خلقه، خالق مالك مدبر، ليس له صاحبة ولا ولد، ومن أهم النصوص التي حرفت في الإنجيل تلك النصوص التي تشير إلى مجيء النبي - صلى الله عليه وسلم - وتدعو إلى الإيمان به.
أما الغرض من التحريف فإنه يختلف باختلاف أهواء المحرفين، فمنهم من كان يحرف الإنجيل لأجل عداوته لليهود، ومنهم من يحرف لأجل أهواء الملوك والسلاطين، ومنهم من كان يحرف لأهوائه وأهواء طائفته، ومنهم من كان يحرف لبغضه للإسلام والمسلمين ونبي الإسلام خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم.(3/139)
القول بـ: (الحلول)
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 23/10/1424هـ
السؤال
كيف نرد كمسلمين على مفهوم التجسُّد كما يقال: إن الله تجسَّد كبشر في المسيح عليه السلام؟ النصارى يقولون: إن الله تجسَّد على شكل بشر، ولكننا لا نعرف كيف تم ذلك، والمسلمون كذلك يقولون: "الله أعلم" لكثير من الأسئلة المتعلقة بالأمور الغيبية. فكيف ندحض فكرة التجسُّد بطريقة منطقية وعلمية؟.
الجواب
الحمد لله، إن من أسماء الله -تعالى-: العلي العظيم، فهو العظيم الذي لا أعظم منه، وهو العلي بكل معاني العلو، فهو العلي على جميع خلقه، وذلك يقتضي أن يكون بائناً من خلقه، ليس في ذاته شيء من مخلوقاته ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، فإن ذلك ينافي علوه وعظمته، وما ذكرته من التجسد في المسيح هو قول لبعض النصارى، ويعبرون عن ذلك بأنه حل اللاهوت في الناسوت، يعني: حل الإله في الإنسان، ويشبه النصارى في ذلك من يقول من الرافضة بحلول الإله في علي -رضي الله عنه- والأئمة من بعده، ومن يقول من الصوفية: إنه -تعالى- يحل في الصور الجميلة.
وهذا كله من نوع الحلول الخاص، ولا أعلم أحداً قال إن الله حل في الشجرة التي كلم منها موسى -عليه السلام- وإنما قالت الجهمية إن الله خلق كلاماً في الشجرة وهو الذي سمعه موسى -عليه السلام-، وقالت الجهمية: إنه حال في كل مكان -تعالى- الله عن قولهم جميعاً علواً كبيراً، فإنه -تعالى- أعظم وأكبر من أن يحيط به شيء من مخلوقاته، فإنه وسع كرسيه السماوات والأرض، وهو الذي استوى على عرشه العظيم كيف شاء.
ومن له العلو المطلق كيف تحويه مخلوقاته فضلاً على أن يحويه بعض مخلوقاته، وهو العلي الكبير وهو العلي العظيم -سبحانه وتعالى- عما يقول الظالمون والجاهلون علواً كبيراً. والله أعلم.(3/140)
هل سب الشيعة غيبة؟
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن العمير
عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل بالإحساء وعميد كلية التربية بالجامعة
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 9/10/1424هـ
السؤال
لي صديق يسب الشيعة ويشتمهم في غيابهم، هل هذه غيبة؟ وإذا كانت غيبة فماذا يفعل ليكفر عن هذه الذنوب؟ جزاكم الله خير الجزاء وبارك فيكم اللهم آمين وجمعنا بكم في الفردوس الأعلى من الجنة اللهم آمين.
الجواب
الأصل في المسلم أن يحفظ لسانه، ويزن ألفاظه قبل أن ينطق بها، فإن الله تعالى يقول: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" [ق: 18] ، والمسلم لا ينبغي أن يكون طعانا لعانا، بل يقول التي هي أحسن ويدعو إلى الله بحسن مقاله، وصادق أفعاله، يستميل المخالفين للحق بمفتاح القلوب؛ الكلمة الطيبة، والمداراة، وأما شتم المخالف والنيل من مذهبه على وجه الانتقاص والتعيير فإنه يبني الحواجز النفسية، ويصد عن الهداية.
وعليه فإنه لا ينبغي شتم أفراد الشيعة وسبهم بأعيانهم لا في حضورهم ولا في غيبتهم؛ لأنه لا فائدة ترجى من ذلك.
والظاهر أن السائل يفعل ذلك بحضرة الموافقين له في المذهب ليبوح بشيء مما في صدره ضد ذلك الشيعي، فلا هو دعاه إلى الحق، ولا هو بيَّن لأصحابه ما في مذهب الشيعة من الباطل.
ومن جانب آخر فإن الشيعة في جملتهم من طوائف المسلمين، ومن أهل القبلة لا يكفر شخص منهم بعينه ما لم يظهر مكفِّرا، ويلتزم به، فله حقوق المسلم العامة، ومن ذلك عدم سبه، وفي الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم:"سباب المسلم فسوق" البخاري (48) ، ومسلم (64) .
ولا يصح أن يسوِّغ المرء لنفسه سب الشيعي بما قرره العلماء من جواز غيبة الفاسق، لأن في السب والشتم أمراً زائداًَ على الغيبة، ثم غيبة الفاسق أجيزت مقيدة بذكر الفاسق بما يُظهر من فسقه ويجاهر به.(3/141)
فعلى هذا الأخ أن يمسك عن السب والشتم، ويستغفر لزميله ويسأل الله له الهداية. والله أعلم وأحكم.(3/142)
هذه الفرق الإسلامية: أيها على الحق؟
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 13/9/1424هـ
السؤال
شيخنا: إن كل فرقة تدَّعي أنها على العقيدة الصحيحة، وهذا ليس عبثا، لأن الكل حريص أن يعرف العقيدة الصحيحة حتى يكون من الفرقة الناجية، إذا نظرنا إلى أهل السنة في أقطاب الأرض وفي بلادنا العربية على وجه الخصوص، نجد أن السواد الأعظم هم على معتقد الأشاعرة والماتريدية، ويعتقدون أنها هي عقيدة السلف من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة، والسلفية من طرف آخر تعتقد أنها على العقيدة الحقه التي كان عليها الصحابة والتابعون والأئمة الأربعة، أعلم أن الحق لا يستدل عليه بالكثرة، ولكن ألا ترى يا شيخنا أن السلفية والأشاعرة متفقون على أن العقيدة الصحيحة هي عقيدة السلف، ولكن الاختلاف هو في معرفة ما كان عليه السلف حقا، فهذا الفريق يروي أخباراً وروايات عن الأئمة الأربعة على سبيل المثال تؤيد معتقده، والفريق الآخر يكذب تلك الأخبار ويروي أخبارا أخرى تؤيد معتقده هو، ما يحيرني يا شيخنا، إذا اعتقدنا أن العقيدة السلفية هي العقيدة الصحيحة، كيف كان السواد الأعظم من أهل السنة على خلافها، وهم يتوارثون علم العقيدة جيلا عن جيل، وكيف عرف شيخ الإسلام عقيدة السلف ولم يعرفها علماء الأمة من المذاهب الأربعة قبله؟ هذا ما يحيرني يا شيخنا، وهو كيف لي أن أتحقق من العقيدة الصحيحة؟ ما هي المنهجية الصحيحة التي يجب أن ألجأ إليها بعد الله لأعرف الحق؟ وكيف عرفت أنت أيها الشيخ الكريم أنك على المعتقد الحق؟ وكل أهل السنة باستثناء السلفية على خلاف ما تعتقده أنت في تفاصيل العقيدة. أعتذر عن الإطالة ولكن الموضوع مهم. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:(3/143)
فإن العقيدة الصحيحة هي المستمدة من الكتاب والسنة، كما فهمها الصحابة الكرام رضي الله عنهم بمقتضى اللسان العربي الذي أنزل الله به كتابه، ولم يقع بين الصحابة رضوان الله عليهم خلاف في أمر من أمور الاعتقاد، وإن اختلفوا في بعض الفروع الفقهية، وكذلك سار على نهجهم التابعون وتابعوهم من القرون المفضلة، لا يختلفون في شيء من مسائل الاعتقاد، وإنما وقع الخلاف من غيرهم، ممن سلك مسلك المتكلمين، وهجر طريقة أهل الحديث القائمة على الرواية والدراية، وذم الرأي وأهله، وقد نشأت ناشئة أرادت التوفيق بين طريقة السلف المعظمة للنصوص، وطريقة المعتزلة المقدمة للعقل على النقل، فلفقت مذهباً لم يتخلص من اشكالات وشبهات المعتزلة، ولم يحسنوا فهم طريقة السلف، وهو مذهب "الكلابية" الذي تمخضت عنه "الأشعرية" و "الماتريدية" وأتباع المحابسي، والقلانسي، وهم الذين عرفوا بـ "الصفاتية"، وقد كتب لمذهب الأشعري الانتشار لتبني دول وممالك إسلامية له، وحملها الناس عليه بحد السيف، كبعض ملوك بني أيوب في المشرق، ودولة الموحدين في المغرب، وهلك بسبب تلك الحملة خلق كثير، كما حكى ذلك المقريزي.
ومما لا شك فيه أن الأشاعرة يميزون بين طريقتهم وطريقة السلف، ولا يرون أنهما متطابقتان، فلذلك يقولون طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم!! وكتبهم وعقائدهم طافحة في النص على طريقة السلف، وطريقة الخلف، وهذا التقسيم بحد ذاته دليل برأسه على اعتراف القوم بمفارقتهم لما كان عليه السلف المتقدمون، وإن لم يكن فرق فلم التقسيم؟! وليسعهم ما وسع خير القرون.(3/144)
وإنما أتى الخلف من قبل قصور فهمهم لمنهج السلف، فإن الأشاعرة ونحوهم يظنون أن السلف مفوضة، أي يبثون ألفاظ نصوص الصفات، ويفوضون معانيها! وهذا في نظرهم يفتح باب التشبيه على العامة، ثم يرون أن الطريقة الأعلم والأحكم الاجتهاد في التأويل، باستخراج معاني مجازية يحملون عليها نصوص الصفات، مع قطعهم أن الصحابة والتابعين لم يتكلموا بذلك، يقول ناظمهم:
وكل نصٍ أوهم التشبيها *** فوضه أو أول ورم تنزيها.
والحق أن السلف الصالح أثبتوا ألفاظ الصفات، وأثبتوا ما دلت عليه من المعاني اللائقة بالله، على ما تقتضيه لغة العرب، دون تمثيل، وفوضوا كيفية ذلك لله تعالى كما قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله، لمن سأله عن كيفية الاستواء.
(الاستواء غير مجهول) أي غير مجهول المعنى في لغة العرب، إذ هو العلو والاستقرار (والكيف غير معقول) أي أن له كيفية، لكن لا يمكن لعقولنا إدراكها.
(والإيمان به واجب) لكون الله أخبر به رسوله - صلى الله عليه وسلم-.
(والسؤال عنه بدعة) أي السؤال عن كيفية الاستواء لم يكن من فعل الصحابة - رضي الله عنهم، فالسلف في باب الصفات يثبتون الألفاظ والمعاني ويفوضون الكيفية. والمفوضة يثبتون الألفاظ، ويفوضون المعاني.
والأشاعرة يثبتون الألفاظ، ويؤولون المعاني، أي يصرفونها عن ظواهرها، إلى معانٍ اقترحوها والمشبهة يثبتون الألفاظ ويثبتون المعاني على ما يعهدونه من حال المخلوقين، ولا يفوضون الكيفية، فتبين بهذا أن طريقة السلف هي الجامعة بين الإثبات والتنزيه، السالمة من التمثيل والتعليل، وأنها بذلك: أسلم وأعلم وأحكم، ولا يمكن لأحد من الأشاعرة وغيرهم أن يثبت نصاً واحداً عن واحد من الصحابة أو التابعين أو الأئمة الأربعة وغيرهم من السلف المعروفين يؤول فيها نصاً واحداً من كلام الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بل كلهم مطبقون على رواية نصوص الصفات وإمرارها لفظاً ومعنى؟ دون التعرض لتأويلها.(3/145)
والذي أنصح به الأخ السائل، وغيره من إخواني المسلمين، لزوم ما كان عليه السلف الصالح من الاعتصام بالكتاب والسنة، وترك التكلف المذموم، وتلقي العقيدة الصافية من الوحيين، كما تلقاها الصحابة - رضي الله عنهم -، وعدم الاغترار بكثرة المنحرفين.
ولا ريب أن الأشاعرة معظمون للسلف، وإن قصروا في فهم طريقتهم، وأنهم أقرب الفرق إلى أهل السنة والجماعة، لكن شابتهم شائبة الكلام المذموم، وتوارثوا الخطأ كابراً عن كابر، غفر الله لهم، وهدى بقيتهم إلى الحق المحض.
وعليك أيها الأخ السائل - الحريص على إصابة الحق في هذه المسألة العظيمة - بقراءة كلام السلف المتقدمين، كالإمام أحمد بن حنبل، وعثمان بن سعيد الدارمي، ومالك بن أنس، وغيرهم، واقرأ في حكاية أقوالهم:
- عقيدة السلف وأصحاب الحديث، لأبي عثمان الصابوني الشافعي.
- اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي الشافعي.
- مقدمة الرسالة لابن أبي زيد القيرواني المالكي.
- لمعة الاعتقاد لابن قدامة المقدسي الحنبلي.
- شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي.
وغيرها مما لا يمكن حصره، وستجد فيها شفاء الصدور، وبرد اليقين إن شاء الله.(3/146)
عقيدة الدروز
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 5/1/1425هـ
السؤال
سؤالي عن الدروز، مَنْ هم؟ وما هي عقيدتهم؟ وهل يجوز استخدامهم وكفالتهم؟ حيث إنني أمتلك شركة للمواد الغذائية والحلويات، وقد قال لي أحد الإخوة بأن هناك فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأنه لا يجوز استخدامهم هم والنصيرية. أفيدونا مأجورين أثابكم الله، وغفر لكم.
الجواب
الحمد لله، الدروز طائفة من الباطنية، والباطنية طوائف يقوم اعتقادها على أن نصوص القرآن والسنة وكذلك شرائع الإسلام لها معان باطنة خلاف ما يعرفه المسلمون، وهذه المعاني افتراء محض ليس لها شبهة من لغة، ولا عقل، وطوائف الباطنية ملاحدة كفار، قال العلماء: إنهم أكفر من اليهود والنصارى، ولكنهم يظهرون الإسلام، ويخفون عقائدهم؛ فهم كفار منافقون، ومذهب الدروز يقوم على تأليه الحكم العبيدي أحد ملوك الدولة الفاطمية الرافضية، التي قال فيها بعض العلماء: (إنهم يظهرون الرفض ويبطنون الكفر المحض) ، ومؤسس هذا المذهب هو رجل يقال له: أبو علي حمزة الزوزني، وهو الذي دعى إلى تأليه الحاكم العبيدي، والدروز نسبة إلى أحد رجال هذه الطائفة، ويعرف بدرزي وينسبون إليه، هذا مجمل التعريف بهم.(3/147)
وأما استخدامهم فلا يجوز لأنهم أعداء للمسلمين فلا يؤمنون، ثم إنه لا يليق بالمسلم أن يستخدم من هذه حقيقة أمره؛ لأنه بذلك غاش لنفسه ظالم لمن يوليه عليهم، أن يولي هذا الدرزي وفي توليتهم واستخدامهم مفاسد من نشر مذهبهم ومن إعانتهم بما يأخذونه من المال، وأما ما ذكره السائل من قول شيخ الإسلام ابن تيمية فإذا كان قد قاله فهو إمام قدوة وهو خبير بالقوم، فالواجب الحذر من تمكين هؤلاء المفسدين الكفار المنافقين، مكن الله المسلمين من رقابهم واجتثاث شجرتهم، إنه -تعالى- على كل شيء قدير. والله أعلم.(3/148)
القول بـ: (الحلول)
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 7/11/1424هـ
السؤال
كيف نرد على من يقول إن الله -عز وجل قد تجسد في بعض مخلوقاته كالمسيح -عليه السلام- أو في الشجرة حينما كلم موسى -عليه السلام-؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، إن من أسماء الله -تعالى-: العلي العظيم، فهو العظيم الذي لا أعظم منه، وهو العلي بكل معاني العلو، فهو العلي على جميع خلقه، وذلك يقتضي أن يكون بائناً من خلقه، ليس في ذاته شيء من مخلوقاته ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، فإن ذلك ينافي علوه وعظمته، وما ذكرته من التجسد في المسيح هو قول لبعض النصارى، ويعبرون عن ذلك بأنه حل اللاهوت في الناسوت، يعني: حل الإله في الإنسان، ويشبه النصارى في ذلك من يقول من الرافضة بحلول الإله في علي -رضي الله عنه- والأئمة من بعده، ومن يقول من الصوفية: إنه -تعالى- يحل في الصور الجميلة.
وهذا كله من نوع الحلول الخاص، ولا أعلم أحداً قال إن الله -عز وجل- حل في الشجرة التي كلم منها موسى -عليه السلام- وإنما قالت الجهمية: إن الله خلق كلاماً في الشجرة، وهو الذي سمعه موسى -عليه السلام-، وقالت الجهمية: إنه حال في كل مكان، تعالى الله عن قولهم جميعاً علواً كبيرا، فإنه -تعالى- أعظم وأكبر من أن يحيط به شيء من مخلوقاته، فإنه وسع كرسيه السماوات والأرض، وهو الذي استوى على عرشه العظيم كيف شاء.
ومن له العلو المطلق كيف تحويه مخلوقاته فضلاً على أن يحويه بعض مخلوقاته، وهو العلي الكبير، وهو العلي العظيم -سبحانه وتعالى- عما يقول الظالمون والجاهلون علواً كبيراً. والله أعلم.(3/149)
أهل القبلة
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 8/2/1425هـ
السؤال
من هم أهل القبلة؟ وما هي حقوقهم علينا؟ وهل الشيعة الاثنا عشرية منهم؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قال - صلى الله عليه وسلم-: "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم، الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته" رواه البخاري (391) من حديث أنس - رضي الله عنه -
وفي لفظ: "فهو المسلم له ما لنا وعليه ما علينا" صححه الألباني على شرحه للطحاوية.
وفي هذا النص النبوي الشريف جواب واضح يحدد أهل القبلة وأن المراد بهم من يدعون الإسلام ويستقبلون الكعبة، قال العلماء وإن كانوا من أهل الأهواء، أو من أهل المعاصي ما لم يكذب بشيء مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم- وفي قوله - صلى الله عليه وسلم-: "له مالنا وعليه ما علينا" بيان لحقوقه التي له، وللحقوق التي عليه بأوجز عبارة وأبلغها، الحقوق التي للمسلم على المسلم معروفة؛ فقد بينت من خلال أحاديث أخرى ليس هذا موضع بسطها.
أما الشيعة الاثنا عشرية فهم من أهل القبلة وإن كانوا من أهل الأهواء، وعندهم من المخالفات الخطيرة ما هو معلوم لمن اطلع على حالهم، ولكن الأصل أنهم من أهل القبلة، وليس في ذلك تزكية لما هم عليه من البدع والضلالات، وليس الانتساب إلى أهل القبلة في حد ذاته مدحاً ما لم يحقق المنتسب شروط ذلك ولكنه يحكم له بالظاهر، والله يتولى السرائر. والله أعلم.(3/150)
علي -رضي الله عنه- وكتاب الجفر
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 25/10/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد: هل يوجد كتاب لسيدنا علي بن أبي طالب اسمه الجفر، لأن بعض الكتاب يلقون الضوء عليه بحجة أن فيه فتنًا عن آخر الزمان.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فهذا من افتراءات الرافضة على آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، حيث زعموا أن عند آل البيت الجفر والجامعة وغيرها.
فمن ذلك ما رواه الكليني- وهو عند الرافضة بمنزلة البخاري عند أهل السنة- في كتابه الكافي (1/239) - الذي هو بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة- عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله- يعني جعفر الصادق رحمه الله- فسأله عما يقول الشيعة إن رسول الله علَّم عليًّا عليه السلام بابًا يفتح له من ألف باب فقال: يا أبا محمد، علم رسول الله صلى الله عليه وسلم- عليًّا ألف باب يفتح من كل باب ألف باب.. إلى أن قال: وإن عندنا الجفر، وما يدريهم ما الجفر؟ قال: قلت: وما الجفر؟ قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوحيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل ... إلخ كلامه.
وليس هو كتابًا مقروءًا يمكن الرجوع إليه والاطلاع عليه.(3/151)
وقد أكذبهم علي، رضي الله تعالى عنه، حينما سئل: هل خصَّكم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم- بشيء؟ فقال: مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً، إِلَّا مَا كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا. قَالَ: فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مَكْتُوبٌ فِيهَا: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا". أخرجه أحمد في المسند (959) ، ومسلم (1978) .
والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(3/152)
ما معنى قولهم: فلان بعثيٌ ... أو اشتراكي
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 17/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي هو: ماذا تعني المصطلحات التالية:
(1) البعثي؟
(2) الاشتراكي؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا الكريم وعلى آله وصحبه، أما بعد:
البعثي هو من ينتسب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي.
وحزب البعث حزب قومي علماني، أسسه (ميشيل عفلق) سنة 1947 مع صلاح البيطار وجلال السيد وزكي الأرسوزي.
وهذا الحزب يدعو إلى انقلاب شامل في المفاهيم والقيم العربية، وتحويلها نحو التوجه الاشتراكي، والشعار الذي يرفعه البعثيون (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) ، ويرفعون أهدافاً عامة تتمثل في (الوحدة العربية، الحرية والاشتراكية) .
ويعتمد البعث على الفكر العلماني، وذلك بتنحية الإسلام جانباً في شؤون الحياة، وعلى الفكر القومي العربي، ولذلك يعد من هذه الناحية عنصرياً مضاداً لأممية الإسلام وعالميته، ويستلهم البعثيون تصوراتهم السياسية والاقتصادية من الفكر الاشتراكي، ولذلك يوصف البعثي (بالاشتراكي) ، كما يوصف بذلك كل شخص يعتقد الاشتراكية، وهي تعني تسيير الدولة والمجتمع في خط الاشتراكية التي تنبع من فكرة فلسفية، تقول: بأن الدولة هي الغاية القصوى من المجتمع، ولذلك يجب أن تشرف إشرافاً مطلقاً على جميع شؤون حياة الأفراد، بل تحل محل الفرد في توجيه نشأة المجتمع، كما أن الاشتراكية من وجهة النظر الاقتصادية تقتضي إشراك جميع فئات المجتمع في وسائل الإنتاج المحلي، والقضاء على الملكية الفردية، أو التخفيف منها، وتأميم الخدمات العامة والمؤسسات الاقتصادية والمالية.(3/153)
والاشتراكية في الجملة مذهب سياسي واقتصادي يعارض الرأسمالية، وكلا المذهبين ينتميان إلى الشجرة المادية، ويخدم الإنسان في جوانب على حساب جوانب أخرى، وكلاهما يزيح الدين جانبا، ويعتبر الإنسان سيد ذاته، ورهين حياته الدنيوية.(3/154)
كثرة الأشاعرة هل تدل على أنهم على الحق؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 13/09/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
المشايخ الأفاضل: نعلم كلنا أن من رحمة الله عز وجل بأمة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم- أنه لم يقبض النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد ترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، وتكفل رب العزة بحفظ هذا الدين إلى أن يشاء الله، فإذا تأملنا هذا الكلام ورجعنا إلى التاريخ الإسلامي، نجد أن السواد الأعظم من أهل الإسلام على البينة في أي عصر يعيشه الإسلام منذ الخلافة الراشدة، ومرورًا بكل الدول الإسلامية، وحتى يومنا هذا، هذا التفكير على الرغم من عقلانيته ومنطقيته إلا أنه غير مريح، لأننا إن طبقناه على أنفسنا وعقيدتنا فسنجد أن مذهب الأشاعرة هو الذي ساد في أهل السنة طوال هذه السنين، ولم يعرف في عامة أهل السنة شيوع ما نقول عنه إنه اعتقاد السلف، فإن كان ما نراه هو اعتقاد الصحابة، رضي الله عنهم، والسلف، فلِمَ لَم يظهره الله عز وجل، وأظهر غيره عليه؟
الجواب
الحمد لله، وبعد:(3/155)
لقد بعث الله نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وقد تحقق هذا كما وعد- سبحانه وتعالى- فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله ليلاً ونهارًا سرًّا وجهرًا بقوله وفعله حتى دخل الناس في دين الله أفواجًا، فما مات- صلى الله عليه وسلم- حتى أكمل الله له ولأمته دينهم، وأتم عليهم نعمته، كما جاء في الآية الكريمة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو واقف بعرفة، وقد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، يعني: أنه- صلى الله عليه وسلم- قد بين هذا الدين أكمل بيان، فبلغ رسالات ربه كما أمره الله بقوله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) [المائدة:67] . وأمر صحابته، رضي الله عنهم، أن يبلغوا فقال في خطبته في حجة الوداع: "لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغَائِبَ". وقال: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً". فقام أصحابه، رضوان الله عليهم، بالبلاغ والدعوة، والجهاد أسوة بنبيهم صلى الله عليه وسلم، وانتشر الإسلام بالمعمورة شرقًا وغربًا.(3/156)
وقد أخبر- صلى الله عليه وسلم- أنه يطرأ على هذه الأمة افتراق واختلاف، وبين أن الفرقة الناجية هم من كانوا على مثل ما كان عليه- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، رضي الله عنهم، كما أخبر- صلى الله عليه وسلم- أن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، وقد وقع الأمر كما أخبر- عليه الصلاة والسلام- وبدأ الافتراق في الأمة منذ أن ظهرت الخوارج والرافضة، والمرجئة والقدرية، ثم تفرعت الفرق، وتعددت، وظهرت بدعة التعطيل التي يعرف أهلها بمؤسسها الجهم بن صفوان، وهم الجهمية، وتفرع عن بدعة التعطيل، فرق شتى اضطربت مذاهبهم في صفات الله، وفي كلامه، وفي القدر، فغلبت على الأمة هذه المذاهب، ولكن الله قد ضمن حفظ كتابه ودينه، فلم يزل في هذه الأمة من يقيم لها أمر دينها بالبيان، كما جاء في الحديث المشهور: "يَحْمِلُ هَذَا العِلْمَ مِن كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْه انْتِحالَ المُبْطِلِينَ وتَأْوِيلَ الجَاهِلِينَ وتَحْرِيفَ الغَالِينَ". وفي الحديث الآخر: "إنَّ اللهَ يَبْعَثُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائةِ سَنَةٍ مَن يُجَدِّدُ لهذه الأُمَّةِ أَمْرَ دِينِهَا". ومع هذا الافتراق، وهذا الاختلاف لابد من رد ما اختلف فيه الناس إلى كتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، واعتبار ذلك بما كان عليه الصحابة، رضي الله عنهم، وإنهم كانوا على الهدى المستقيم، وقد وعد الله بالرضا والجنة السابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، كما قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ
لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ(3/157)
الْعَظِيمُ) [التوبة:100] . والحق إنما يعرف بدلالة كتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام- لا يعرف الحق بالكثرة، فإن الله تعالى أبطل ذلك، حيث بين أن الكثرة لا يعوَّل عليها، كما قال تعالى: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف:21] . وقال تعالى: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) [يوسف:38] . وقال تعالى: (وَإِن
تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ) [الأنعام:116] . والسنة ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلت عليها نصوص الكتاب والسنة، والأشاعرة فرقة من الفرق الإسلامية، وهم وإن كانوا ينتسبون إلى السنة، فليس مذهبهم موافقًا لما كان عليه الصحابة، رضي الله عنهم، وما دل عليه القرآن والحديث، فمذهب الأشاعرة يتضمن أمورًا مخالفة كنفي كثير من الصفات حيث لا يثبتون إلا سبعًا من الصفات، ويقولون: إن الإيمان هو مجرد التصديق. ويخرجون الأعمال عن مسمى الإيمان، وهذا مذهب المرجئة، ومن أصول مذهبهم نفي تأثير الأسباب في مسبباتها، ومن ذلك نفي تأثير قدرة العبد في أفعاله، ومن ذلك قولهم بأن كلام الله معنى نفسي لا يسمع من الله؛ لأنه ليس بحرف، ولا صوت، وأن هذا القرآن عبارة عن كلام الله ليس هو كلام الله حقيقة؛ فموسى لم يسمع كلام الله من الله، بل إن الذي سمعه كلامٌ خلقه الله في الشجرة وهو عبارة عن المعنى النفسي، وهذا من أعظم التنقص لله، حيث يتضمن هذا القول تشبيه الله بالأخرس، ولا يزكي هذه الأقوال إن قال بها بعض الأكابر والفضلاء من أهل العلم فإنهم غير معصومين، وما قالوه من هذه الأقوال المخالفة لمذهب السلف الصالح هو مما يعد من أخطائهم التي لا يتابعون عليها، وهم في ذلك مجتهدون ومأجورون، والواجب على المسلم أن يحكِّم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وألا يتعصب لإمام، أو مذهب، فكلٌّ يؤخذ من قوله ويرد، إلا الرسول صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.(3/158)
السلف والتصوف
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 16/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شيوخنا الأفاضل، عند مناقشة المتصوفة في أمور العقيدة السلفية يأتون بشبهة كون هذه العقيدة مفتراة على السلف، ولم يكن الأئمة الأربعة يقولون بذلك، ويدَّعون أنه لا يوجد أثر صحيح السند إلى الأئمة الأربعة يقول بما نقول من أن دعاء الأولياء والصالحين والتوسل بهم شرك بالله، بل على العكس فإن الأئمة الأربعة امتدحوا التصوف وحثوا الناس عليه. أنا بدوري أحاول أن أقوم بتحقيق بسيط في هذا الموضوع، هل لكم أن تساعدوني بعلمكم المبارك بالتوضيح والرد على هذه الشبهة، وما صحة القولين التاليين:
(1) ما صحة هذا القول المنسوب إلى الإمام مالك رحمه الله ورضي عنه: قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: "من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن جمع بينهما فقد تحقق".
(2) ما صحة نسبة هذين البيتين إلى الإمام الشافعي رضي الله عنه:
فقيهاً وصوفياً فكن ليس واحداً *** فإني وحق الله إياك أنصح
فذلك قاسٍ لم يذق قلبه تقى *** وهذا جهول كيف ذو الجهل يصلح
أعتذر عن الإطالة لأهمية السؤال، وأرجو من فضيلتك التكرم بتفصيل الإجابة ما أمكن. وجزاكم الله عنا كل خير.
الجواب
الجواب عن سؤالك - أخي يزيد - يطول جداً، لكن سأذكر لك بعض النقاط التي تعينك في فهم الجواب:
(1) من المهم جداً قبل البحث مع هؤلاء في مسألة التصوف، ودعاء الأولياء والصالحين والتوسل إليهم أن تنتبه إلى أمرين:(3/159)
الأول: أن تذكِّر هؤلاء بحقيقة دعوة الرسل كلهم، من نوح إلى محمد - عليه صلوات الله وسلامه - وهي الدعوة إلى توحيده سبحانه وإفراده بالعبادة، ولا يشرك في عبادته أحد، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، لأن جميع أنواع العبادة من الدعاء والنذر والذبح ونحوها لا يجوز صرفها إلا لله؛ لأن العبادة حق محض لله تعالى: كما قال سبحانه: "وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ" [يّس:61] ، وقال سبحانه: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات:56] .
فمن دعا إلى هذا الطريق، وحذَّر من ضده فقد سلك سبيل الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ومن خالفه بأن أمر الناس أن يتعلقوا بغير الله - مهما كان - في جلب النفع أو دفع الضر الذي لا يقدر عليه إلا الله - فقد شابه المشركين، وانحرف عن طريق المرسلين، الذين كانوا يدعون أنهم ما يعبدون أصنامهم إلا لتقربهم إلى الله زلفى! وأن أولئك المشركين لم يكن ينفعهم إيمانهم بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المحيي المميت؛ لأنهم أشركوا به في توحيد الألوهية.
الأمر الثاني: دعوى هؤلاء أن الأئمة الأربعة كانوا يحثون على التصوف، وامتدحوه، فإننا نسأل هذا المدعي: ماذا تعني بالتصوف الذي حث عليه هؤلاء الأئمة؟
إن كان المراد به الحث على العبادة والزهد في الدنيا، وحمل النفس على مكارم الأخلاق، مع الحرص على اقتفاء السنة في ذلك من غير غلو ولا شطط، ولا إتيان بطرق من التزهد والتعبد لم يفعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا صحابته الكرام - رضي الله عنهم -فهذا حق، وإن كنا لا نسلم بالتسمية (التصوف) ؛ لأنها تسمية حادثة بعد القرون المفضلة.(3/160)
وإن كان مرادكم بالتصوف الذي حثَّ عليه هؤلاء الأئمة هو التوسل بالصالحين، ودعاؤهم فهذا من أعظم الكذب والافتراء عليهم، وكيف يستجيز عاقل قرأ سيرهم أن ينسب ذلك لهم، وإليك بعضاً مما نقل بعض هؤلاء الأئمة أنفسهم في هذا المقام الخطير، ومن لم أجد نقلاً عنه، نقلت عن بعض أتباعه الذين قرروا ما قاله أئمتهم رحمهم الله جميعاً.
أما فيما يتصل بمذهب الإمام أبي حنيفة – رضي الله عنه -، فيقول العلامة محمد بن سلطان المعصومي – رضي الله عنه – وهو من علماء الحنفية – في كتابه (حكم الله الواحد الصمد في حكم الطالب من الميت المدد، ص: (315) ضمن مجموعة رسائل، بعد أن ذكر ما يقع فيه بعض الجهال من الاستغاثة بالأولياء والصالحين: (يا أيها المسلم العاقل الصحيح الإسلام، تدبر وتفكر، هل ثبت أن أحداً من الصحابة – رضي الله عنهم – نادى النبي – صلى الله عليه وسلم – في حياته أو بعد مماته من بعيد واستغاث به؟ ولم يثبت عن أحد منهم أنه فعل مثل ذلك! بل قد ورد المنع من ذلك، كما سأذكره – إن شاء الله تعالى – إلى أن قال: وها أنا أذكر من نصوص المذهب الحنفي – من الكتب المعتبرة والفتاوى المشهورة – ففي شرح القدوري: "إن من يدعو غائباً أو ميتاً عند غير القبور، وقال يا سيدي فلان ادع الله تعالى في حاجتي فلانة زاعماً أنه يعلم الغيب، ويسمع كلامه في كل زمان ومكان، ويشفع له في كل حين وأوان، فهذا شرك صريح، فإن علم الغيب من الصفات المختصة بالله تعالى، وكذا إن قال عند قبر نبي أو صالح: يا سيدي فلان اشف مرضي، واكشف عني كربتي، وغير ذلك، فهو شرك جلي، إذ نداء غير الله طالباً بذلك دفع شر أو جلب نفع فيما لا يقدر عليه الغير دعاء، والدعاء عبادة، وعبادة غير الله شرك) ... (ثم نقل المعصومي عدة نقولات عن أئمة الحنفية مما يدل على هذا المعنى) .(3/161)
وأما الإمام مالك، فقد نقل عنه كلمات في هذا الموضع تؤكد ما ذكرنا، ومن ذلك قوله: "أكره تجصيص القبور، والبناء عليها، وهذه الحجارة التي يبنى عليها" كما في المدونة (1/189) والكراهة في كلام الإمام مالك هنا كراهة تحريم كما بين ذلك أصحابه، العالمون بكلامه.
وقال رضي الله عنه: (لا أرى أن يقف عند قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – يدعو، ولكن يسلم ويمضي) كما في صيانة الإنسان (ص: 264) .
وقال القرطبي المالكي في تفسيره (10/380) : "وقال علماؤنا (يعني المالكية) : "ويحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد) انتهى.
والمعنى – كما بينه القرطبي نفسه في نفس الموضع السابق – لأجل ألا يؤدي ذلك إلى عبادة من فيها، كما كان السبب في عبادة الأصنام، فحذَّر النبي – صلى الله عليه وسلم – من مثل ذلك، وسدَّ الذرائع المؤدية إليه.
وأما الإمام الشافعي – رضي الله عنه – فقد نقل عنه نحو ما نقل عن الإمام مالك – رضي الله عنه -، وأما أتباعه فكلامهم في التحذير من الشرك، وبيان وسائله كثير جداً، فمن ذلك قول النووي – رحمه الله -: (ويكره تجصيص القبر والبناء والكتابة عليه، ولو بنى مقبرة مسبلة هدمت" كما في السراج الوهاج (1/114) .(3/162)
وقال في شرحه لصحيح مسلم 5/13 – 14: (قال العلماء إنما نهى النبي – صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ مقابر من الأمم الخالية – لما احتاج الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حيث كثر المسلمون، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه – ومنها حجرة عائشة – رضي الله عنها – مدفن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصاحبيه أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله؛ لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام، ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا، حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر) .
وأما الحنابلة، فكلامهم في هذا الموضع أشهر من أن يذكر لكثرته، ومن ذلك:
قول الحجاوي في كتابه "الإقناع" 6/186: (من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم كفر إجماعاً؛ لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام) انتهى.
فأنت ترى – يا محب إجماع الأئمة الأربعة وأتباعهم على نبذ مثل هذه الأمور والتبرؤ منها فكيف يدعي هذا – هداه الله – أن الأئمة مدحوا التوسل والتعلق بالأولياء والصالحين؟! "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"؟!
ينظر لمزيد من الأمثلة والنقول كتاب: أربع رسائل للدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس بعنوان بيان التبرك ووسائله عند الأئمة الأربعة.
ومما يمكن أن يجاب به هؤلاء المدعين لما ذكرت، أن يقال: إن مصطلح التصوف لم يكن مشهورا في القرن الأول، وإنما بدأ ظهوره في القرن الثاني ثم اشتهر في القرن الثالث – كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" (11/6-7) وقد قرر هذه القضية أيضاً قبله العلامة ابن الجوزي في كتابه "تلبيس إبليس" (ص:199) وما بعدها.(3/163)
وأنت تعلم بارك الله فيك، أن الأئمة الثلاثة: "أبا حنيفة ت:150هـ، مالكاً ت:179هـ والشافعي ت:204هـ) ماتوا في القرن الثاني – إلا الشافعي ففي أول الثالث، وهذا يعني أنهم ما أدركوا من شهرته شيئاً.
وأما الإمام أحمد (ت:241هـ) فقد أدرك بعض أعلام المتصوفة، والذين كانوا في أكثر أحوالهم على السنة، ولكن صدر من بعضهم بعض الهنات والمخالفات التي كان سببها البعد عن مجالس العلم، وكان الأئمة ينكرون عليهم ما خالفوا فيه السنة، ويثنون على ما وافقوا فيه السنة من أمور الزهد والتعبد، فقد أنكر الأئمة – أحمد وغيره – ما وقع فيه بعض هؤلاء من ترك الزواج، والخروج في البراري، وتحريمهم تناول الطيبات على أنفسهم، إلى غير ذلك من ألوان الزهد المخالف للسنة.
ولم يكن الأئمة – أحمد وغيره – ينكرون هذا اعتباطاً، أو لمجرد رأي محض، بل لأن النبي – صلى الله عليه وسلم أنكر هذه الطرق من التعبد والتزهد، وذلك في القصة المشهورة التي أخرجها البخاري ومسلم، حينما جاء ثلاثة نفر، فسألوا عن عبادة النبي – صلى الله عليه وسلم – فكأنهم تقالوها، فقال أحدهم: أما أنا فلا آكل اللحم وقال الآخر، أما أنا فلا أنام الليل، وقال الثالث أما أنا فلا أتزوج النساء، فنهرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – وزجرهم وقال لهم: " أما أنا فأنام, وأقوم، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". واعلم أن هذه المخالفات لم تقف عند هذا الحد، بل تطور الحال بهؤلاء المتصوفة إلى أحوال شنيعة من دعاء غير الله تعالى، وادعاء علم الغيب، والقدرة على التصرف في الكون ... الخ، ويمكنك أن تراجع في الحديث عن نشأة وتطور الصوفية: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة 1/253 – 278، ففيها حقائق وتوثيق لنشأة وتطور هذه الفرقة المنحرفة عن جادة السنة.
أما البيتان اللذان سألت عنهما فلم أجدهما بعد بحث طويل، وكذا الكلمة المنسوبة للإمام مالك.(3/164)
وهنا يحسن أن لا تكون - أخي الكريم - في موقف المدافع عن أمثال هؤلاء، بل بإمكانك أن تكون في موقف المهاجم - إن صح التعبير - فلا يصح أن تسلم بكل ما يقال، بل من حقك أن تسأل الذي يدعي نسبة ذلك إلى الأئمة - من حقك - أن تسأل عن مصدره فيما نقل؟ من هو الناقل وفي أي كتاب؟ وما صحة سند ذلك النقل؟ خاصة إذا كان ذلك يخالف المشهور والمعروف من سيرتهم وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(3/165)
نبذة عن المذاهب النصرانية
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 5/8/1424هـ
السؤال
أرجو توضيح المذاهب المسيحية (الكاثوليك - البروتستانت - الارثوذوكس - الأقباط) من أين أتوا؟ وما معنى كل كلمة؟.
الجواب
الاسم الشرعي للمنتسبين إلى المسيح عليه السلام "النصارى"، وديانتهم "النصرانية" وليست المسيحية، هكذا سماهم الله في كتابه في عدة مواضع، وسماهم نبيه - صلى الله عليه وسلم - فعلى أهل الإسلام أن يلتزموا بالأسماء الشرعية، وعدم العدول إلى تسميات محدثة.
- الكاثوليك: هم أتباع الكنيسة الكاثوليكية الغربية التي مقرها الفاتيكان في روما، وهي أكبر الكنائس النصرانية، وأكثرها أتباعاً، يتجاوز عددهم تسعمائة مليون نسمة، يتربع على سدتها "البابا" أسقف روما، وتعني اسم كاثوليك جامعة.
- الأرثذوكس: اسم يطلق على النصارى الشرقيين الذين انشقوا على الكنيسة الكاثوليكية الرومانية عام 1054م، وكونوا كنيسة مستقلة في القسطنطينية عرفت باسم الكنيسة اليونانية، الأرثذوكسية. وتعني كلمة "أرثذوكس" استقامة، وقد تبادلت الكنيستان قرارات الحجب والحرمان والتجريم عبر القرون، مصداقاً لقول الله تعالى: "وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" [المائدة: من الآية14] .
الأقباط: أكبر طائفة نصرانية في العالم العربي، يتواجدون في مصر والسودان والحبشة، ويتبعون كنيسة الإسكندرية التي انفصلت عن سائر الكنائس النصرانية منذ وقت مبكر، إثر مجمع خلقيونية سنة 451م بسبب الخلاف حول طبيعة المسيح. وتعني كلمة "قبط" النسبة إلى أمة من الأمم التي تقطن أرض مصر.(3/166)
البروتستانت: اسم يطلق على مجموعة الكنائس الغربية المنشقة عن الكنيسة الكاثوليكية نتيجة لحركة الإصلاح التي تزعمها "لوثر" وكالفن، وانتقدت سلطات البابا المطلقة، وأنكرت عصمته، وقصرت الوحي في الكتاب المقدس عندهم، وينتشر أتباعها في شمال أوروبا، الدول الإسكندنافية وهولندا، وامتدت إلى أمريكا، ودول أخرى في العالم.
ومعنى كلمة "بروتستانت" أي المحتجون".(3/167)
هل كان أبو حنيفة مرجئاً؟
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 2/2/1425هـ
السؤال
هل أبو حنيفة كان مرجئاً كما قال البخاري في التاريخ الكبير؟.
الجواب
نعم، أبو حنيفة - رحمه الله - كان مرجئاً، وهو من مرجئة الفقهاء، وهذه زلة عالم لا تنقص من قدره، ولا تجوز متابعته في الإرجاء؛ لأنه خالف السلف في ذلك، ووافقهم في المنهج، وبقية الأصول الأخرى. والله أعلم.(3/168)
معنى الإرجاء
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 13/7/1424هـ
السؤال
ما هو الإرجاء؟
الجواب
الإرجاء بدعة ابتدعت بعد انقراض الصحابة -رضي الله عنهم-، وهو ما عند الجهمية، إذا أقر الإنسان بأن الله وحده وهو الخالق، وأن ما أتى به رسوله -عليه الصلاة والسلام- حق من عند الله، فهذا هو الإيمان عندهم، وإن فعل ما فعل فهو ذنب ووزر، وليس بكفر، فلو كفر كفراً عملياً أو اعتقادياً فليس بكافر. والله أعلم.(3/169)
زيارة الطلبة المسلمين للكنائس
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 10/11/1423هـ
السؤال
هل يجوز لمدرسة إسلامية أخذ طلابها إلى كنيسة بحجة اطلاعهم على أديان الآخرين علماً أن أكبرهم لا يتجاوز إحدى عشرة سنة، الرجاء سرعة الرد للأهمية.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلا بأس بدخول الكنائس بل والصلاة فيها إذا لم يكن فيها صور ولا تماثيل، وقد ثبت عن بعض الصحابة - رضي الله عنهم -أنهم دخلوها وصلوا فيها.
أما إذا كان فيها صورٌ أو تماثيل فلا تُشرع الصلاة فيها، كما يُكره دخولها حينئذ لما أخرجه البخاري عن عمر (تعليقاً وصله عبد الزراق من طريق أسلم مولى عمر) ، قال: إنّا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها، يعني التماثيل. وكذلك كره دخولها الإمام مالك رحمه الله.
ويظهر لي ـ والله أعلم ـ أن المفاسد من دخول أطفال المسلمين للكنائس تغلب على المصالح المرجوة، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والكنائس لا تخلو ـ غالباً ـ من تمثال رجل مصلوب يزعمونه عيسى عليه الصلاة والسلام، ويعلقون فيها صورة امرأة يزعمونها مريم العذراء. عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.
والطفل حين يرى هذه الصور والتماثيل فإنه يُخشى عليه أن يتعلق بها قلبه، وتشوش عليه معتقده، فلا يُذكر له عيسى عليه السلام إلا ويتجسد له شخصه الطاهر الكريم في تمثال ذلك الرجل المصلوب، ولا تُذكر له مريم إلا ويتجسد له شخصها في تلك الصورة الملفّقة المكذوبة.
والطفل ضعيفٌ سريع التأثر قريب الاستجابة، فقد يتشرّب مثل هذه المعتقدات الباطلة، أو على أقل تقدير تشكِّكه في معتقدات دينه ومسلماته.
فدرءاً لهذه المفاسد المحذورة أرى أنه لا ينبغي لكم أن تأخذوا بأطفال المدرسة في زيارة إلى الكنسية.(3/170)
والتعريف بدين النصارى يمكن أن يتحقق بغير زيارة كنائسهم. وبين أيديكم من الوسائل في ذلك ما يغنيكم عن هذه الطريقة التي لا تخلو من المفاسد.
أما دخولها يوم عيدهم فلا يجوز؛ لما روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم.(3/171)
إقتناء كتب التوراة والإنجيل
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 13/10/1424هـ
السؤال
هل يجوز الاحتفاظ بكتب دينية (مثل الإنجيل وكتب الهندوس) إلى جانب القرآن الكريم داخل خزانة الكتب
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فلا يجوز اقتناء كتب الأديان المنسوخة والمحرفة والوضعية، ولا الاحتفاظ بها ولا مطالعتها فضلاً عن تقديسها واحترامها وجعلها بمنزلة القرآن الكريم، وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا رأى في يد عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- ورقات من التوراة، نهره -عليه الصلاة والسلام- وغضب وقال:"أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟! ألم آتكم بها بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك؟! والذي نفسي بيده لو أن موسى بن عمران حي لما وسعه إلا اتباعي" أحمد (15156) وهو ضعيف أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-.
ثم إن هذه الكتب ليست هي كلام الله تعالى، وما في أيدي النصارى من أناجيل ليس فيها ما يدعون أنه المنزل على عيسى عليه السلام، وليس فيها إنجيل عيسى وإنما هي منسوبة لمؤلفيها وجامعيها مما علموه من سيرة المسيح عليه السلام، ولذلك تنسب لمؤلفيها فيقال: إنجيل لوقا ومرقس ويوحنا وبرنابا ... وهكذا.
أما كتب الهندوس فمن باب أولى في المنع، ويستثنى من ذلك المنع طلاب العلم الذين يقتنونها ويقرؤون ما فيها للرد على المؤمنين بها وبيان ما فيها من تحريف وباطل، فمن هذا الوجه يجوز اقتناؤها لمن امتلأ قلبه بالإيمان وأمن التأثر بشبهات أصحابها، ولكن من غير تقديس ولا تعظيم، والله أعلم، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(3/172)
مذهب الباطنية
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 1/8/1424هـ
السؤال
ما هي الباطنية؟ وهل هي أكثر من فرقة؟ أم هي فرقه واحدة؟ وهل من الممكن إذا فعل شخص ما فعلاً معيناً يكون باطنياً أم لا؟.
الجواب
الباطنية مذهب إلحادي هدَّام، يتكون من مجموعة من العقائد الباطلة والضلالات الموروثة عن المجوسية، واليهودية، والفلسفات اليونانية وغيرها، ويزعمون أن لكل ظاهر باطن بما في ذلك أصول الدين وأركانه، ومصطلحات الشرع والدين عندهم أصول غير ما قيده الإسلام، وينتحلون التشيع لآل البيت، ويرون الشريعة والدين شكليات، وأن تفسيراتهم الباطنية هي الحقيقة وهي كفريات وإلحاد وبغي وفساد، فهم مثلاً يصرفون الصفات والخصائص الإلهية لأئمتهم، ويفسرون أركان الدين بسادتهم وشيوخهم وينكرون صفات الله ويفسرون النبوة بتفسيرات فلسفية ضالة، وكذا بقية أصول الدين وأحكامه، وسائر أصولهم كفرية إلحادية معطلة، وهم فرق كثيرة.(3/173)
نظرة الصوفية إلى الجهاد
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 16/1/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو من العلماء الأفاضل أن يخبروني بالتفصيل عن (موقف الصوفية من الجهاد الإسلامي المتعارف عليه عند أهل السنة والجماعة) ، مع تزويدي ببعض المراجع حتى يتسنى لي التوسع بها. وجزاكم الله خير اً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الصوفية منذ نهاية القرن الثالث فما بعد قد تطورت في بدعها وخرافاتها، وأصبحت مرتعاً لكل مبطل ومنحرف، وأصبحت طرقها مشاعة بين جميع أهل الأهواء والبدع، فدخل فيها الزنادقة والخرافيون، وأهل الشطحات، والكلمات المريبة، وعمت فيها القبورية الضالة، وقد وقف أكثر الصوفية من فريضة الجهاد العظيمة موقف المعطل لها قولاً وعملاً، ودعا أكثرهم إلى صرف الناس عنها، حتى أن منهم من فسر قوله تعالى: "اصبروا وصابروا ورابطوا" [آل عمران: 20] فقال: لم يكن في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- غزو يربط فيه الخيل، ولكنه انتظار الصلاة بعد الصلاة، فالرباط لجهاد النفس، والمقيم في الرباط مجاهد لنفسه!!، انظر هذا في عوارف المعارف وهو مطبوع على من هامش الإحياء، وكثيراً ما يرد على ألسنتهم وفي كتبهم، (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) ، قال الإمام ابن تيمية وأما الحديث الذي يرويه بعضهم - وذكره - فلا أصل له ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي - صلى الله عليه وسلم- وأفعاله.(3/174)
ولهذا فإن من شأن الصوفية عبر التاريخ - في الأغلب الأعم- التثبيط عن الجهاد بحجة محاربة النفس وهواها والوقوف عند ذلك، ولم نجد لهم عبر التاريخ اهتماماً بالوقوف في وجه العدو، وعندما كان الأفرنج يغيرون على المنصورة في مصر سنة: (647هـ) تنادى الصوفية ليقرؤوا الرسالة القشيرية، ويتجادلوا في كرامات الأولياء!!.
وتاريخ الصوفية معروف بالقعود والانعزال في الزوايا والتكايا، ومشهور بالتثبيط عن جهاد الأعداء، ولهذا نجد حتى في عصرنا هذا بأن الأعداء يأنسون إليهم، ويرتاحون منهم لعلمهم بأنه لا هم لهذه الطرق بإحياء فريضة الجهاد التي تعد من أعظم الفرائض وهي ذروة سنام الإسلام، ووالله ما تركت الأمة الجهاد في سبيل الله إلا ذلت وهانت على الأعداء، وهزمت وأصبحت في خور وضعف وذلة ومهانة، ولقد قال - صلى الله عليه وسلم-: "إذا تبايعتم بالعينة وتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم." أبو داود (3462) ، وأحمد (4987) ، وصححه الألباني.
والمقصود أن فريضة الجهاد عند الصوفية أتى عليها ما أتى على غيرها من الفرائض التي وقف منها أهل الأهواء ومنهم الصوفية مواقف منحرفة عن المنهج الصحيح فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل، نسأل الله أن يصلح حال المسلمين وأن يرزقنا البصيرة في الدين، ويمنحنا الإخلاص لرب العالمين، وأوجه أخي السائل - حفظه الله- ومن يطلع على جوابي هذا إلى كتب الشيخين ابن تيمية في المجلد (11) من مجموع الفتاوى، ابن القيم - رحمه الله- في كتابه مدارج السالكين ففيه ردود على الصوفية، وإلى كتاب التصوف بين الحق والخلق محمد فهد شقفة، وكتاب هذه هي الصوفية، عبد الرحمن الوكيل، وكتاب أبو حامد الغزالي، والتصوف للمؤلف عبد الرحمن دمشقية ص393، فما بعدها هذا الكتاب مهم جداً وفيه نقد لمسالك الصوفية والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(3/175)
ما المراد بالتوحيد الأشعري؟
المجيب د. عثمان بن جمعة عثمان ضميرية
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 19/12/1424هـ
السؤال
ما المقصود بالتوحيد الأشعري؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه، وبعد:
فإن الإسلام يقوم على عقيدة التوحيد النقية الصافية التي تتضمنها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والتوحيد: هو اعتقاد أن الله -تعالى- واحد في ربوبيته، فلا ربَّ سواه، وواحد في ألوهيته، فلا يستحق العبادة سواه، وواحد في أسمائه وصفاته، متفرِّد بصفات الكمال التي لا تنبغي إلا له، فلا شبيه له ولا نظير، وليس هناك توحيد أشعري وتوحيد غير أشعري، ولكن بعض الكاتبين يقصدون الموازنة بين تعريف التوحيد ومعناه عند علماء السلف المتقدمين - رحمهم الله تعالى- وبين تعريفه عند علماء الأشاعرة المتأخرين المنسوبين إلى الإمام أبي الحسن الأشعري- رحمهم الله جمعياً- وهم قصروا تعريف علم التوحيد على البحث في وجود الله -تعالى- وما يجب أن يثبت له من الصفات، وما يجوز أن يوصف به، وما يجب أن ينفى عنه، وعن الرسل، وما يتعلق بذلك، ولم يركزوا على النص على توحيد الألوهية، فكان ذلك قصوراً في التعريف، وسبباً للخلاف في بعض المسائل. والله -تعالى- أعلم.(3/176)
الاستدلال بحديث"لا تجتمع أمتي على ضلالة" على صحة عقيدة الأشاعرة
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 21/10/1424هـ
السؤال
قال صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على ضلالة".
بين زمن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وزمن الإمام محمد بن عبد الوهاب أكثر من خمسمائة سنة، اجتمع فيها المسلمون على الاعتقاد الذي لخصه الإمامان الجليلان أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي.
فهل هذا يعتبر دليلاًًًً على صحة معتقد الأشاعرة والماتريدية وبطلان معتقد السلف؟.
الجواب
أولاً: لا يصح القول بأن المسلمين اجتمعوا على الاعتقاد الذي لخصه الإمامان أبو الحسن الأشعري، وأبو منصور الماتريدي، بل بقي أهل السنة والجماعة، (أهل الحديث) على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- وما عليه الصحابة - رضي الله عنهم- والتابعون إلى يومنا، وإلى قيام الساعة.
وثانياً: أبو الحسن الأشعري، والماتريدي لا يتفقان على العقيدة، فعقيدة الأشعري استقرت على ما كان عليه السلف الصالح في الجملة إلا في مسائل قليلة.
أما الماتريدي فإنه نهج نهج أهل الكلام في تقرير العقيدة، في الصفات بخاصة، بالقواعد الكلامية والفلسفية كما في كتابه التوحيد.
وثالثاً: وعليه فإن مذهب السلف هو الحق وإن خالفه الأكثرون في بعض الأزمان وبعض الأمكنة، ومذهب الأشاعرة المتكلمين والماتريدية يخالف مذهب السلف، وهو مذهب محدث بعد القرون الفاضلة، وهم أي الأشاعرة والماتريدية يوافقون السلف في بعض الأمور في الجملة، كما أنهم أصناف منهم من يدين بمنهج السلف، ومنهم من يدين بمناهج أهل الكلام وهم الأكثر.(3/177)
هل هؤلاء من أهل القبلة؟
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 26/10/1425هـ
السؤال
من أهل القبلة؟ وهل الأصناف التالية منهم: 1- غلاة الشيعة. 2- عامتهم. 3- الأشاعرة. 4- العلوية؟
الجواب
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
عن أنس، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ". أخرجه البخاري (391) - أو كما قال صلى الله عليه وسلم- فأهل القبلة كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأقرَّ بشرائع الإسلام الظاهرة، واستقبل القبلة، كما جاء في الحديث، وعلى هذا فيدخل المنافقون في أهل القبلة ظاهرًا؛ لأنهم يظهرون الإسلام.
وغلاة الرافضة هم في الحقيقة كفار أكفرُ من اليهود والنصارى، لكنهم يستترون بكفرهم فهم منافقون، فيدخلون في أهل القبلة باعتبار ما يظهرونه من الإقرار بالشهادتين وسائر شرائع الإسلام، ومن أظهر منهم مذهبه كتأليه علي، رضي الله عنه، أو أحدٍ من أولاده، أو الحاكم العبيدي- كان مرتدًّا خارجًا من ملة الإسلام، وخارجًا من دائرة أهل القبلة.
والعلويون يراد بهم في هذا العصر النصيرية وهم من غلاة الشيعة، واندراجهم في أهل القبلة باعتبار ما يدعونه من الإسلام كما تقدم، ومن أظهر منهم ما يبطنه من الكفر فهو كافر ظاهرًا وباطنًا يجرى عليه حكم المرتدين عن الإسلام.(3/178)
وأما الأشاعرة فلا يقارنون بالغلاة من الرافضة، فهم من الفرق الإسلامية، وهم ينتسبون إلى السنة، ولا شك أنهم أقرب إلى السنة من المعتزلة؛ باعتبار ما وافقوا فيه أهل السنة واتبعوهم فيه، وإن كانوا في باب الصفات أقرب إلى المعتزلة؛ لأنهم ينفون أكثر الصفات، وفي باب الإيمان من المرجئة؛ لأن الإيمان عندهم هو التصديق، وكذلك هم في باب القدر من الجبرية، وإن كانوا لا يطلقون لفظ الجبر، لكن مذهبهم في أفعال العباد يؤول إلى مذهب الجبرية؛ لأنه على قولهم لا أثر في قدرة العبد ومشيئته في أفعاله، وهم متفاوتون ومتفاضلون، وفيهم العلماء المجتهدون، وفيهم المتعصبون كغيرهم من الطوائف، والحاصل أنه لا نسبة لهم إلى غلاة الرافضة، كما أنهم ليسوا من أهل السنة المحضة، والله يغفر للمجتهدين في طلب الحق خطأهم، كما جاء في الدعاء الذي علمه الله لعباده: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) [البقرة:286] . قال الله: (قَدْ فَعَلْتُ) . أخرجه مسلم (126) . والله أعلم.(3/179)
هل الشيعة الجعفرية مسلمون
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 5/12/1424هـ
السؤال
أنا من الشيعة الجعفرية، وأريد أن أعرف رأيكم بنا. هل تعتبروننا مسلمين؟
نحن نحترم أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما- ونرى لهما فضلهما، لكننا نرى أن علياً - رضي الله عنه- أحق بالخلافة منهما، أنا لا أظن السوء بأي من الصحابة - رضي الله عنهم- وأنا لا أعبد علياً- رضي الله عنه-، وأرى أن كل من السنة والشيعة يصلون على محمد -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته. وأنا وأنتم نؤمن بالمهدي ومجيئه مع المسيح -عليه السلام-، والمهدي من سلالة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا هو السبب أن 12 من سلالة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يرتكبون إثماً. أرجو التوضيح.
الجواب
من يحترم أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما- ويرى فضلهما من المسلمين فهو على أصل الإسلام، وتفضيل علي - رضي الله عنه- على أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما- وتقديمه عليهما بدعة غير مخرجة من الإسلام، لكن الشيعة الجعفرية تقوم أصولها على سب أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما- واعتقاد ردتهما وغيرهما من الصحابة - رضي الله عنهم- سوى بضعة رجال، ومجيء المهدي ونزول عيسى -عليه السلام-، ولكن الإيمان بالمهدي يقوم لدى الجعفرية على عقائد وتصورات خرافية أخرى تختلف جذرياً عما جاءت به الأخبار الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم-، ولا يصح اعتقاد أن (12) من سلالة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يرتكبون إثماً، فإن ذلك لا أصل له في الدين.(3/180)
الإسلام والفرق الإسلامية
المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 24/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكر سماحتكم على الإجابة على سؤالي، ولكن أحببت أن أتأكد من اعتقادي، وأسأل سماحتكم: هل هناك فرق بين كتاب الله وسنة نبي الله- صلى الله عليه وسلم؟ كما أريد أن أعرف عن إسلام الشيعة من هو ربهم؟ وما هو كتابهم؟ وأريد فهم المشكلة للخلافات الطائفية بين المسلمين، هل من المشايخ والفتاوى التي يفتونها بدافع حب النفس أم المشكلة بأن كل طائفة من المسلمين تعتقد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- قال كما تريد هي؟ وأخيراً أسأل: لماذا كبار المسلمين ومن جميع الملل الإسلامية يلتقون على كتاب الله وسنة نبي الله التي هي نفسها كتاب الله، وكل سنة تكون غير نفس كتاب الله تكون زيادة؟ وعند ذلك يعرف من هو أقرب إلى الله من المسلمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يا أخي، أخبرتك في الجواب السابق المشكلة ليست في الإسلام وليست في النصوص، القضية لا بد أن تدرك أن الحق دائماً له أعداء، وأن كيد الشيطان باق ومستمر، وأن الفرق التي شذِّت عن منهج القرآن من الشيعة ومن غيرهم قد أتوا من قبل أهوائهم ومن قبل أئمتهم ورؤسائهم، ولعلك تعرف أن أقواماً عدة ذكرهم الله في القرآن تعللوا بتركهم الحق؛ بسبب أنهم وجدوا آباءهم على أمة وقالوا: "بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا" [لقمان: 21] ،وقالوا أيضاً: "وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا" [الأحزاب: 67] ، وكل من أعرض عن الهدى فقد اتبع الهوى، وعليك أخي أن تتعلم وتتفهم منهج القرآن والسنة بتدبر نصوصها ومعرفة أحكامها لتؤسس عندك حصانة عقدية إيمانية، ثم تنطلق بعد ذلك إلى معرفة جذور تلك الفرق وأسباب انحرافها.(3/181)
أما عن قضية جلوس أهل العلم مع أهل الفرق فقد تم على مر التاريخ وعقدت المناظرات واللقاءات، وهدى الله منهم بذلك خلقاً كثيراً، وبقي آخرون على إصرارهم وعنادهم، ولله في ذلك حكم بالغة وعبر باقية، فلا يؤدي بك ذلك إلى الشك أو الإحباط؛ لأن الله -تعالى- الذي خلق الخلق كلهم أخبر أن هناك من يضل ويشقى بسبب الإعراض عن الحق، قال -تعالى-: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى" [طه: 124] ، وقال -تعالى-: "ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً" [المائدة: 41] ، وقال: "ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم" [محمد: 28] ، وأمرنا ودعانا إلى دعوتهم ونصحهم وإقامة الحجة عليهم بلا حزن ولا ضيق مما يمكرون، كما قال -تعالى- لنبيه - صلى الله عليه وسلم-: "ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون" [النحل: 127] ، وقال: "لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين" [الشعراء:3] ، وقال: "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" [فاطر: 8] ،وقال: "وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد" [آل عمران: 20] وقال: "إنما أنت منذرٌ ولكل قوم هاد" [الرعد: 7] .
وفق الله الجميع للزوم الصراط المستقيم، وجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(3/182)
تعظيم الشيعة للحسين رضي الله عنه
المجيب ماجد بن عبد الرحمن آل فريان
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 9/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما هو السر في تعظيم الشيعة للإمام الحسين -رضي الله عنه- دون غيره وإقامة الحداد والعزاء في ذكرى مقتله. وما موقف علماء المسلمين المتقدمين والمتأخرين من يزيد. والسلام.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وأزواجه وذريته ومن تبعهم بإحسان أما بعد:
فإن الشيعة يعظمون الحسين رضي الله عنه؛ لأنه من الأئمة الإثنى عشر الذين يعظمونهم، بتعظيم زائد على القدر المشروع فهم يعتقدون في الأئمة: العصمة، والعلم اللدني، وخوارق العادات وغير ذلك، ولكنَّ ميزته التي ثبتت بالنصوص الشرعية هي الصحبة، وكونه من أهل البيت، وهذه الأمور يشترك معه فيها غيره؛ فلا توجب مزية تفرده بتعظيم زائد على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته الآخرين، ولكنَّ الحسين رضي الله عنه قتل مظلوماً كما هو معلوم، وكان مقتله من المصائب العظيمة التي أحدثت ردة فعل قوية عند كثير ممن عاصرها وصار الناس فيها طرفين ووسط.
أحد الطرفين يقول: إنه قتل بحق؛ لأنه أراد أن يشق عصا المسلمين، ويفرق كلمتهم، وهؤلاء ناصبوه العداء.
والطرف الآخر: قالوا بل كان هو الإمام الذي تجب طاعته، والذي لا ينفذ أمر من أمور الإيمان إلا به، إلى غير ذلك مما هو في أكثره ردَّة فعل على من ناصبه العداء، واستباح دمه.(3/183)
وأصبحوا يروون آثاراً في ذلك تهيج على الحزن عليه مثل أن السماء أمطرت في يوم مقتله دماً، وأن السماء ظهرت فيها حمرة شديدة ولم تظهر قبل ذلك، وأنه ما رفع حجر إلا وجد تحته دم عبيط، وما ينقلون من الأذى الذي أصاب أهل بيته وغير ذلك، وصار الشيطان بسبب قتل الحسين يحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء، من اللطم والصراخ والبكاء والعطش وإنشاء المراثي وما يفضي إليه ذلك من سب السلف ولعنهم.
وبدعة أخرى يفرح أهلها بيوم المقتل وهم من المتعصبين بالباطل على الحسين رضي الله عنه، وهم في هذا العصر قليل أو لا يوجدون.
وأهل الحق يرون أن الحسين قتل مظلوماً شهيداً، ولم يكن متولياً لأمر الأمة، ولم يكن في وقت مقتله خارجاً على جماعة المسلمين بل إنه طلب أن يذهب إلى ابن عمه يزيد، أو يتركوه يذهب إلى الثغور، أو يرجع إلى بلده، ولكنهم رفضوا ذلك وطلبوا منه أن يستأسر لهم، وهذا لم يكن واجباً عليه.
وهذه المصيبة لا تجيز لنا أن نفعل غير المشروع من الاسترجاع ونحوه.
ينظر: مقال (لماذا لا نتخذ مقتل الحسين مأتماً) .
فلما تقدم من كونه من الأئمة الاثني عشر، وما حدث من مقتله ظلماً وعدواناً، وكون الشيعة خذلوه في محنته تلك، ولما رووه من المبالغات جاء هذا الغلو الزائد فيه عندهم والله أعلم.
وأمايزيد فقد افترق فيه الناس إلى ثلاث فرق: طرفان ووسط.
أحد الطرفين قالوا: إنه كان كافراً منافقاً، وأنه سعى في قتل سبط رسول الله تشفياً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتقاماً منه وأخذا بثأر جده عتبة، وأخي جده شيبة، وخاله الوليد بن عتبة، وغيرهم ممن قتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي بن أبي طالب وغيره يوم بدر وغيرها; وقالوا: تلك أحقاد بدرية، وآثار جاهلية.(3/184)
والطرف الثاني: يظنون أنه كان رجلاً صالحاً وإماماً عدلاً وأنه كان من الصحابة الذين ولدوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وحمله على يديه وبرك عليه وربما فضله بعضهم على أبي بكر وعمر.
والقول الثالث الوسط أنه كان ملكاً من ملوك المسلمين، له حسنات وسيئات، ولم يولد إلا في خلافة عثمان، ولم يكن كافراً; ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين، وفعل ما فعل بأهل الحرة، ولم يكن صاحباً ولا من أولياء الله الصالحين، وهذا قول عامة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة.
ثم افترقوا ثلاث فرق:
فرقة لعنته؛ لما صدر عنه من الذنوب الكبار التي تبيح لعنته، ومن هؤلاء أبو الفرج بن الجوزي والكيا الهراسي وغيرهما.
وفرقة أحبته، ولهم مأخذان:
أحدهما: أنه مسلم ولي أمر الأمة على عهد الصحابة رضي الله عنهم وتابعه بقاياهم وكانت فيه خصال محمودة وكان متأولا فيما ينكر عليه.
والمأخذ الثاني: أنه قد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له" وأول جيش غزاها كان أميره يزيد، ومن هؤلاء الغزالي والدستي، وغيرهما.
وفرقة لا تسبه ولا تحبه، وهذا هو الذي عليه عامة أهل السنة وأئمة الأمة.
قال صالح بن أحمد: قلت لأبي إن قوما يقولون إنهم يحبون يزيد فقال: يا بني وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: يا أبت فلماذا لا تلعنه؟ فقال: يا بني ومتى رأيت أباك يلعن أحداً.
وقال مهنا: سألت أحمد عن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فقال: هو الذي فعل بالمدينة ما فعل، قلت: وما فعل؟ قال: قتل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل، قلت: وما فعل؟ قال: نهبها، قلت: فيذكر عنه الحديث؟ قال: لا يذكر عنه حديث، وهكذا ذكر القاضي أبو يعلى وغيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذا أعدل الأقوال فيه وفي أمثاله وأحسنها) .(3/185)
أما ترك سبه ولعنته فبناء على أنه لم يثبت فسقه الذي يقتضي لعنه أو بناء على أن الفاسق المعين لا يلعن بخصوصه إما تحريماً وإما تنزيهاً، فقد ثبت في صحيح البخاري عن عمر رضي الله عنه في قصة حمار الذي تكرر منه شرب الخمر وجلده لما لعنه بعض الصحابة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله"، وقال: "لعن المؤمن كقتله" متفق عليه.
وأما ترك محبته فلأن المحبة الخاصة إنما تكون للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين ; وليس واحدا منهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب"، ومن آمن بالله واليوم الآخرلا يختار أن يكون مع يزيد ولا مع أمثاله من الملوك ; الذين ليسوا بعادلين.
وهذان القولان يسوغ فيهما الاجتهاد كما يقول ابن تيمية; فإن اللعنة لمن يعمل المعاصي مما يسوغ فيها الاجتهاد، وكذلك محبة من يعمل حسنات وسيئات، بل لا يتنافى عندنا أن يجتمع في الرجل الحمد والذم والثواب والعقاب; كذلك لا يتنافى أن يصلى عليه ويدعى له وأن يلعن ويشتم أيضا باعتبار وجهين.
ينظر: تفصيل القول في يزيد في الفتاوى (4/481 وما بعدها) .
والله تعالى أعلم.(3/186)
لماذا يمجدون الحسين دون الحسن رضي الله عنهما؟
المجيب ماجد بن عبد الرحمن آل فريان
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 29/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي هو: لماذا الشيعة تمجيدهم وتعظيمهم للحسين بن علي -رضي الله عنهما- وليس للحسن بن علي -رضي الله عنهما- علماً أن الحسن -رضي الله عنه- هو الابن الأكبر للخليفة علي -رضي الله عنه-.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وأزواجه وذريته ومن تبعهم بإحسان أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن الشيعة يعظمون جميع آل البيت: علي -رضي الله عنه- وابنيه الحسن والحسين- رضي الله عنهما- وغيرهما، ولكنَّ الحسين -رضي الله عنه- قتل مظلوماً كما هو معلوم، وكان مقتله من المصائب العظيمة التي أحدثت ردة فعل قوية عند كثير ممن عاصرها، وصار الناس فيها طرفين ووسط.
أحد الطرفين يقول: إنه قتل بحق؛ لأنه أراد أن يشق عصا المسلمين، ويفرق كلمتهم، وهؤلاء ناصبوه العداء.(3/187)
والطرف الآخر: قالوا: بل كان هو الإمام الذي تجب طاعته، والذي لا ينفذ أمر من أمور الإيمان إلا به، إلى غير ذلك مما هو في أكثره ردَّة فعل على من ناصبه العداء، واستباح دمه، وغالوا بسبب ذلك في الحسين - رضي الله عنه- أكثر من غيره، وإن كان من منهجهم الغلو في جميع آل البيت، وأصبحوا يروون آثاراً في مقتله لتهييج الناس على الحزن عليه، مثل أن السماء أمطرت في يوم مقتله دماً، وأن السماء ظهرت فيها حمرة شديدة ولم تظهر قبل ذلك، وأنه ما رفع حجر إلا وجد تحته دم عبيط، وما ينقلون من الأذى الذي أصاب أهل بيته وغير ذلك، وصار الشيطان بسبب قتل الحسين - رضي الله عنه- يحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء، من اللطم، والصراخ، والبكاء، والعطش، وإنشاء المراثي، وما يفضي إليه ذلك من سب السلف ولعنهم.
وبدعة أخرى يفرح أهلها بيوم المقتل وهم من المتعصبين بالباطل على الحسين رضي الله عنه، وهم في هذا العصر قليل أو لا يوجدون.
وأهل الحق يرون أن الحسين -رضي الله عنه- قتل مظلوماً شهيداً، ولم يكن متولياً لأمر الأمة، ولم يكن في وقت مقتله خارجاً على جماعة المسلمين، بل إنه طلب أن يذهب إلى ابن عمه يزيد، أو يتركوه يذهب إلى الثغور، أو يرجع إلى بلده، ولكنهم رفضوا ذلك، وطلبوا منه أن يستأسر لهم، وهذا لم يكن واجباً عليه.
وهذه المصيبة لا تجيز لنا أن نفعل غير المشروع من الاسترجاع ونحوه، فلما تقدم كان غلوهم في الحسين - رضي الله عنه- زائداً على غيره. والله -تعالى- أعلم.(3/188)
أدلة عقيدة أهل السنة
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 25/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة وبركاته.
ما الدليل على أن عقيدة أهل السنة والجماعة هي العقيدة الصحيحة؟ لم لا يكون الشيعة عقيدتهم صحيحة أو الصوفية أو غيرهم؟ فهم أيضاً مستوثقون من عقيدتهم مثلنا ولهم أدلتهم، فمثلاً نحن نؤمن بهذه الأحاديث؛ لأن البخاري صححها لنا، وهكذا فهم أيضا لهم كتب للسنة الصحيحة، فلم لا تقول إنهم على حق ونحن لا؟ أعذروني على هذا السؤال العجيب، ولكن حقيقة أريد أن أعرف، وأريد الرد علمياً؛ حتى أرد على من يخطر في قلوبهم هذه الهواجس. وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هناك مقاييس شرعية وعقلية وعلمية يتعرف بها العقلاء على الحق والباطل والخطأ والصواب إذا تم تحكيمها بتجرد وموضوعية، وإذا حكَّمنا هذه المقاييس ميزنا بين الحق والباطل، ومن على الحق والسنة أهل السنة أم غيرهم؟ ومنها:
(1) النظر في دليل كل فريق من القرآن والسنة، ومصادره التي يستمد منها.
(2) النظر من طريقة استدلال كل فريق، ومدى مطابقتها للأصول الشرعية والعلمية.
(3) التحقق من إسناد كل فريق في تلقيه للدين ومدى صحة هذا الإسناد علمياً.
(4) التأكد من مدى مطابقة كل فريق في منهجه لمنهاج النبوة الذي كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه - رضي الله عنهم- والقرون الفاضلة.(3/189)
(5) تحكيم قواعد الشرع المتفق عليها والقطعية بموجب الوحي المعصوم مثل "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) من حديث عائشة -رضي الله عنها- وهو حديث متواتر، ومثل: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" الحديث صحيح رواه الترمذي (2676) ، وأبو داود (4607) ، وابن ماجة (42) عن العرباض بن سارية-رضي الله عنه-.
(6) النظر في مدى مصداقية كل فريق في دعواه أنه يستمد من القرآن والسنة، فالشيعة مثلاً يتلقون أكثر دينهم عما ينسبون لأئمة آل البيت ويزعمون لهم العصمة، وهذا باطل وبأسانيد لا تصح بالمقاييس العلمية المعتبرة عند أهل الاختصاص. والله الموفق.(3/190)
قول أبي حنيفة في الإيمان
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 29/1/1425هـ
السؤال
هل صحيح أن الإمام أبي حنيفة قال بأن الإيمان ثابت وأنه ليس من الأفعال؟ كثير من الناس يتهمون هذا الإمام العظيم بأنه ليس من أهل السنة والجماعة، خاصة من مدعي السلفية، وكثير من الجهلة الذين يستندون على ذلك في تأييد دعواهم الباطلة، كما أنني قرأت أن بعض السلف الصالح تكلموا فيه بتوبيخ مثل الإمام البخاري وعبد الله بن المبارك، واتهموه بالإرجاء، فكيف يتم توضيح ذلك ونحن نعلم حقيقة أن الإيمان يزيد وينقص، ومتضمن للأفعال، وهذا شيء أجمعت الأمة كلها عليه، فكيف يخالفها مثل هذا الإمام الكبير؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
اختلف الناس فيما يقع عليه اسم الإيمان اختلافاً كثيراً، فذهب الأئمة: مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق بن راهويه، وسائر أهل الحديث، وأهل المدينة، وأهل الظاهر وبعض المتكلمين: إلى أنه قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح، وذهب كثير من الحنفية إلى أنه إقرار باللسان وتصديق بالجنان، وبعضهم يقول: إن الإقرار باللسان ركن زائد ليس بأصلي كما هو مذهب الماتريدي ويروى عن أبي حنيفة -رحمه الله-، واختلفوا في الإقرار باللسان هل هو ركن في الإيمان أم شرط له في حق إجراء الأحكام، وذهب الكرامية إلى أن الإيمان إقرار باللسان فقط، وذهب الجهم وبعض القدرية إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب.(3/191)
فحاصل الكلام أن الإيمان: إما أن يكون ما يقوم بالقلب واللسان وسائر الجوارح وهذا ما ذهب إليه جمهور السلف من الأئمة الثلاثة وغيرهم، أو بالقلب واللسان دون الجوارح كما ذكر عن أبي حنيفة وأصحابه أو باللسان وحده كما عند الكرامية، أو بالقلب وحده وهو إما المعرفة كما قال الجهم أو التصديق كما قال الماتريدي، وقول الجهم والكرامية ظاهر الفساد.
والاختلاف بين أبي حنيفة والأئمة الباقين من أهل السنة صوري؛ فإن كون أعمال الجوارح لازمة لإيمان القلب أو جزء من الإيمان مع الاتفاق على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان، بل هو في مشيئة الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه نزاع لفظي لا يترتب عليه فساد اعتقاد، والقائلون بتكفير تارك الصلاة ضموا إلى هذا الأصل أدلة أخرى، وإلا فقد نفى النبي - صلى الله عليه وسلم- الإيمان عن الزاني، والسارق، وشارب الخمر، والمنتهب فيما رواه البخاري (2475) ومسلم (57) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، ولم يوجب ذلك زوال اسم الإيمان عنهم بالكلية اتفاقاً.
وأبو حنيفة - رحمه الله - من أهل السنة والجماعة أحد الأئمة الأربعة الفضلاء - رحمهم الله جمعياً- لا يجوز النيل منه ولا من غيره من الأئمة ولا انتقاصهم مع أنهم لم يدّعوا العصمة ولا يجوز ادّعاؤها لأحد منهم، والإمام البخاري وابن المبارك أجَلُّ من أن ينتقصا أبا حنيفة أو يوبخاه. رحم الله الجميع، وعفا الله عنا وعنهم، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(3/192)
طائفة الزيدية
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 3/2/1425هـ
السؤال
سمعت عن الطائفة الزيدية بأنهم أقرب طوائف الشيعة إلى أهل السنة، وسمعت أنهم يؤمنون بالأئمة، ولكن لا يؤمنون بقدرتهم على المعجزات ويعتقدون عدم كمالهم؛ فهل يعني هذا أن أهل السنة يؤمنون بالأئمة؟ وقد سمعت أيضاً أنهم لا يقبلون عمل الصوفية وهذا أمر حسن؛ فهل تقولون إنهم طائفة جيدة من الشيعة؟ أرجو تقديم بعض الإيضاحات عن هذه الطائفة. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
نعم الزيدية المعتدلة هي أقرب طوائف الشيعة الكبرى إلى السنة إن صح التعبير، وهم يعظمون أئمة الشيعة، وقد يغلون فيهم، لكن دون غلو الرافضة، فهم لا يقولون بعصمتهم المطلقة.
وأهل السنة يرعون حق أئمة آل البيت ويجلونهم من غير إفراط ولا تفريط لأن سائر أئمة آل البيت على السنة وهم بريئون من مذاهب الغلاة فيهم، فأهل السنة أولى بهم، وهم أولى بأهل السنة.
والزيدية قد يكون فيهم من لا يقبل التصوف، لكن المشهور إلى الآن أن التصوف موجود فيهم، لا سيما القبورية، وبدع الأقوال والأفعال والمعتقدات، ونسأل الله أن يهدينا وإياهم سواء السبيل.(3/193)
ما هو اللاهوت؟
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 3/2/1425هـ
السؤال
ما هو اللاهوت؟ لقد سمعت أن بعض المسيحيين يدرسون اللاهوت فما هو؟ وهل هو يدرس فقط من قبل المسيحيين أم لليهود دراسة له أيضا؟ ولكم جزيل الشكر
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
يقصد باللاهوت: علم العقائد النصرانية، اشتقاقاً من كلمة (إله) ، كما يقولون الناسوت، اشتقاقاً من كلمة (الناس) ، ويتضمن اللاهوت النصراني تقرير عقيدة التثليث، والحلول، والتجسد، والابنية - دعوى بنوة المسيح لله- وعقيدة الصلب والنداء ... إلخ. واللاهوت النصراني مستمد من الكتاب المقدس عندهم (العهد القديم، والعهد الجديد) ، وتعاليم الكنيسة، والمقررات والمجامع الكنسية.
أما اليهود فإنهم لا يعترفون بطبيعة الحال باللاهوت النصراني، ويرونه كفراً وزيفاً، "وقالت اليهود ليست النصارى على شيء" [البقرة:113] ، لكن لهم عقائدهم الخاصة، وكلا الفريقين كافر بالله العظيم، مكذب نبيه محمد خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم-.(3/194)
أصول مذهب البهرة
المجيب د. حمود بن غزاي الحربي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 29/3/1425هـ
السؤال
من هم البهرة؟ وما هي أصول مذهبهم، مع العلم بأنهم أتوا إلى الإمارات منذ فترة وبشكل ملفت للنظر، حيث إنهم يرفعون صورة رجل يدعى البرهاني على محلاتهم وتجاراتهم.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
تعني كلمة البُهرة باللغة الفجراتية: التاجر، وقد اشتهر هؤلاء بهذا الاسم نسبة إلى أعمال التجارة التي يتعاطاها أفراد هذه الطائفة، وهي سمة عامة لهم حتى في هذا العصر، ولذلك كانت التجارة بين اليمن والهند هي البريد الذي نشر الدعوة الإسماعيلية بالهند، ولا سيما في ولاية جواجرات جنوبي بمباي، ويعتبر البُهرة أحفاد للإسماعيلية المستعلية أو الطيبية الذين هاجروا إلى الهند من مصر واليمن، وبشكل خاص بعد زوال مملكة الفاطميين، ولذلك لا تختلف أصول مذهبهم كثيراً عن مذهب الباطنية الإسماعيلية، فهم يؤولون أركان الإسلام كالصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، وينكرون شرائع الإسلام الظاهرة، ويستبيحون المحرمات، قال الغزالي: المنقول عنهم الإباحة مطلقاً، ورفع الحجاب، واستباحة المحظورات واستحلالها، وإنكار الشرائع، إلا أنهم بأجمعهم ينكرون ذلك إذا نُسب إليهم.
أما صورة الرجل الذي يُدعى (البرهاني) فهو الدكتور/ محمد برهان الدين رئيس الطائفة في العالم حالياً، وأظن أنهم رفعوها هذه الأيام احتفاء بزيارته للطائفة في الإمارات، والتي تمت في عاشوراء، وهو من أكبر أثرياء العالم، إذ يملك عشرات المصانع والفنادق، وله ممثلين، ونواب في غالب الدول الإسلامية. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(3/195)
هل يخرجه مطلق الابتداع من أهل السنة؟
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 09/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شيخنا الحبيب: أرجو منكم أن توضحوا لنا بتفصيل الأصول التي إن لم تتحقق في الفرد خرج عن وصف أهل السنة والجماعة، فقد حصل لدي لبس عند النقاش مع أحد الإخوة حول هذا المفهوم، فكان رأيه أن المسلم إما أهل سنة أو كافر، وهذا بالنسبة للمعين، ولذلك فعنده المبتدع في مسمى الإيمان مثلاً يسمى عنده أهل سنة، ولكن ذو (خروج أو إرجاء) وهكذا، وإذا كان متعمدًا في بدعته فحكمه حسب نوع البدعة، فالمؤوِّل والصوفي المشرك والخارجي المعين كافر؛ لأنه علم النصوص وحرفها عن معناها، وكنت أحسب أن المسلم المعين قد يكون مبتدعًا ضالاًّ، ولكنه مسلم حتى وإن كان ينتصر لنفسه، فأرجو منكم توضيح هذه المسألة، وهل الثلاث والسبعون فرقة التي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم- عنها أنها في النار أفرادها كافرون؟ أي أن المسلم إما أهل سنة أو كافر.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فنسأل المولى عز وجل أن يرزقنا حبه، وحب من يحبه، وحب كل عمل يقربنا إلى حبه، وأن يجعلنا من المتحابين فيه، وأن يحشرنا في زمرتهم إنه جواد كريم.
أما عن الأصول التي متى تحققت في المسلم عد من أهل السنة والجماعة فهي التي جمعها مَن أُوتي جوامعَ الكَلِمِ- صلى الله عليه وسلم- في قوله: "مَن كان عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وأَصْحَابِي". لما سئل صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية. أخرجه الطبراني في الأوسط (7840) .(3/196)
أما حكم المبتدع عند أهل السنة فحكمه حكم مرتكب الكبيرة باعتبارين: باعتبار البدعة نفسها، فهناك بدعة مكفرة، كما أن هناك كبائر مكفرة مثل الشرك بالله، فهذه مكفرة مخرجة من الملة من حيث العموم لا من حيث الأعيان، فالمعين يشترط فيه، إضافةً إلى ارتكابها – أي المكفرة- انتفاء الموانع من حكم التكفير، فإن انتفت حكم عليه بالكفر، أما الاعتبار الثاني فهو باعتبار المبتدع نفسه، وهذه فيها تفصيل:
1- فإذا كانت البدعة مكفرة، فعرف أنها مكفرة والتزمها، وقامت الحجة عليه، وكشف له عن الشبهات الداعية إلى ارتكابها، ثم أصر على ذلك فهو كافر بهذه البدعة المكفرة.
2- إن كانت البدعة مفسقة، كسائر البدع، كبدعة الإرجاء، أو الخروج، أو نحوها فمرتكبها حكمه حكم مرتكب الكبيرة، فاسق ببدعته، ولكنه من أهل القبلة ولا يخرج من الإسلام حتى وإن أصر عليها؛ لأنه لا يصر عليها عادة، إلا بسبب تأول عنده وعدم قناعة بحجة الخصم.
نعم، مثل هذا لا يعد من أهل السنة فيما خالف فيه أهل السنة، فإذا كانت بدعته في الإيمان، مثلاً، فإنه لا يعد من أهل السنة في هذه المسألة، ولكنه يعد من أهل السنة فيما وافق فيه أهل السنة، ولكنه لا يخرج عن دائرة الإسلام، فهو من أهل القبلة، ويسمى بالفاسق المِلِّي أو المبتدع المِلِّي، يعني من أهل الملة التي هي الإسلام، وهذا في أفراد البدع.
أما البدع ذات الأصول والقواعد، وهي بدع الفرق كالمعتزلة والأشاعرة والخوارج والمرجئة ونحوهم، فهذه من التزم أصولهم وقواعدهم ومنهجهم في الاعتقاد فهو منهم، فمن التزم الأصول الخمسة عند المعتزلة، مثلاً، فهو معتزلي، ومن التزم القول بالقانون الكلي عند الأشاعرة، وإثبات الصفات السبع فقط والقول بالكلام النفسي، وبكتب الأشعري فهو من الأشاعرة، وهكذا.(3/197)
لكن من وافقهم في جزئية من الجزئيات كتأويل صفة، مثلاً، من الصفات بنحو تأويل الأشاعرة فلا يحكم عليه بأنه أشعري، ولكن يحكم عليه بأنه وافق الأشاعرة في هذه المسألة، وهذا حكم سائر كبار العلماء الذين وافقوا الأشاعرة في التأويل، ولكنهم خالفوهم في سائر أصولهم كالحافظ النووي وابن حجر ونحوهما، فهم من أهل السنة والجماعة، ولكنهم وافقوا الأشاعرة فيما خالفوا فيه أهل السنة، وعلى مثل ذلك فقِسْ، ومثال ذلك الشافعي، مثلاً، إذا وافق الأحناف في بعض الفروع هل يعد حنفيًّا، أو يعد شافعيًّا وافق الأحناف في بعض المسائل؟ لا شك أن الثاني هو الصحيح.
أما إذا كان الشخص قد قال ببدعة فلما تبين له خطؤها، وأقيمت عليه الحجة رجع عنها، فإنها لا تضره، وحكمه حكم التائب من المعصية، ولا تخرجه من عموم أهل السنة والجماعة. أما عن الفرق التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث الافتراق فهي من فرق أهل القبلة – أهل الملة- الذين لا يخرجون من الإسلام، ولكنهم ليسوا من أهل السنة والجماعة، وهم سائر الفرق التي لم تخرجهم بدعهم من دائرة الإسلام، ولذلك لم يعد العلماء غلاة الفرق الخارجة عن الإسلام من هذه الفرق، كالباطنية وغلاة الجهمية، والدروز والنصيرية، وهكذا.
أما الوعيد المذكور في الحديث: "كُلُّها في النَّارِ إلَّا واحِدَةً". فلا يلزم منه الخلود في النار، ولكنها متوعدة بالنار كوعيد سائر مرتكبي الكبائر كالزاني والسارق، ولكنهم بإجماع أهل السنة لا يلزمهم من ذلك الخلود في النار، وما كنت تحسبه، أيها الأخ السائل، فهو الصحيح، فقد يكون الإنسان مبتدعًا ضالاًّ ولكنه مسلم حتى وإن انتصر لنفسه؛ لأن من عقيدة أهل السنة أنه قد يجتمع في الشخص كفر وإيمان، وفسق وإيمان، ونفاق وإيمان، وبدعة وإيمان.(3/198)
أما أفراد الفرق الثلاث والسبعين فكما قلنا عمومهم ليسوا بكافرين، فما بالك بأفرادهم؟! وهناك من أهل السنة من قد وافق المبتدعة في بعض أفراد البدع، فإذا أصر الشخص على بدعته بعد بيانها له تعصبًا واتباعًا للهوى فهو مبتدع آثم في هذه الجزئية، وإن كان متجردًا وهذا ما أداه إليه اجتهاده ولم يقتنع بكلام الآخرين -كما أسلفنا- فهو مجتهد مخطئ، ولا يتابع على خطئه، ولكنه قد يكون معذورًا عند الله تعالى- ويجازيه على أجر اجتهاده. والله تعالى أعلم.(3/199)
الظرف الزماني والمكاني الذي احتضن تحريف الإنجيل
المجيب أ. د. بكر بن زكي عوض
أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 08/10/1425هـ
السؤال
أستاذي العزيز، سلمك الله: بعد التحية، أشكركم كثيرًا لإجابتكم على السؤال الذي طالما تساءل عنه إخواننا، وهو: في أي بلد وعصر تم تحريف الإنجيل؟ ومن حرَّفه؟ لكن لي بعض الملحوظات التي أود أن تتقبلها مني بسعة صدر من عالم جليل لشخص قليل المعرفة مثلي، لا يريد المجادلة والسفسطة، بل كل ما يريده هو تكشُّف الحقيقة التي نتمنى أن ينعم بها علينا جميعًا، بل وعلى العالم كله، لذا أرجو منك أن تتقبل كلماتي، وإن سمح وقتك أن ترد لي كاتبًا رأيك فأستنير بقولك من ظلمة جهلي، وأكون شاكرًا لك جدًّا:
1- لماذا تفهم الرسول بولس بغير ما هو عليه وتتهمه؟! هكذا قلتم في إجابتكم: وأبيحت الخمر ولحم الخنزير والربا، مع أنها محرمة في التوراة. فكان هذا من أوائل التحريفات التي حصلت في الديانة النصرانية بمكر من بولس على أن مسألة الخمر هذه محسومة منذ بداية المسيحية بل وحتى بولس نفسه حرمها في مواضع كثير منها: (ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح) (افسس 5: 18) . وانظر أيضًا (تيموثاوس الأولى 3) و (تيطس 1: 7) و (بطرس الأولى 4: 3) .
2- ومسألة الربا فكما قلت إنها محرمة في التوراة، وبذلك تكون محرمة في المسيحية التي وضعتها في كتاب صلواتها التي تصلى بها كل يوم: فضته لا يعطيها بالربا ولا يأخذ الرشوة على البريء، الذي يصنع هذا لا يتزعزع إلى الدهر (مزمور 15: 5) ،كتاب الصلوات (الأجبية) ، صلاة باكر، التي تصلى في بداية كل يوم لتذكر الناس كيف يعاملون الآخرين.(3/200)
3- أما لحم الخنزير فليس لبولس يد فيه، بل هو مسموح به حتى من قبل بولس بكثير ومذكور فى سفر أعمال الرسل (أعمال 10) ، والذي شهد بذلك هو بطرس الرسول وهو يهودي وليست له علاقة بالفلسفة بل وحدثت بينه وبين بولس مواقف كثيرة.
4- قلتم في إجابتكم أيضًا: ثم إن بولس عاد بصحبة برنابا إلى أنطاكية مرة أخرى، وبعد صحبة غير قصيرة انفصلا وحدث بينهما منازعة شديدة، لأن بولس أعلن نسخ أحكام التوراة وقوله (بأنها كانت لعنة تخلصنا منها إلى الأبد) ، وادعاؤه أن (المسيح جاء ليبدل عهدًا قديمًا بعهد جديد) . بينما لم يكن هذا الخلاف على أي شيء يخص الديانة قط، بل كان الخلاف على اصطحاب مرقس الرسول معهم فى رحلتهم، فأشار برنابا أن يأخذا معهما أيضًا يوحنا الذي يدعى مرقس. وأما بولس فكان يستحسن أن الذي فارقهما من بمفيلية ولم يذهب معهما للعمل لا يأخذانه معهما. فحصل بينهما مشاجرة حتى فارق أحدهما الآخر، وبرنابا أخذ مرقس وسافر في البحر إلى قبرس. وأما بولس فاختار سيلا وخرج مستودعًا من الإخوة إلى نعمة الله (أعمال 15: 37 - 39) . ولم يذكر سبب غير ذلك، فلا أعلم من قال لكم عن السبب الذي قلتموه من أنه قال إن الناموس كان لعنة تخلصنا منها إلى الأبد؟ بل لقد نادى بولس نفسه بعدم بطلان الناموس حتى بعد مجيء المسيح (أفنبطل الناموس بالإيمان؟ حاشا، بل نثبت الناموس) (رو 3: 31) . ونادى بأن تعدى الناموس إهانة لله (رو 2: 23) . أما موضوع إبدال العهد القديم بالجديد فليس هو كما تفهمون، كما أن كلمة العهد الجديد ليست مستحدثة من عند بولس، بل هى من فم السيد المسيح نفسه. انظر الأناجيل (متى 26: 28) و (مرقص 14: 24) و (لوقا 1: 72) و (لوقا 22: 20) .
وأخيرًا: أريد أن أعرض لكم حقيقة معلوماتى الضئيلة:
1- أين النسخ الأصلية من الإنجيل الأصلى الذى تم تحريفه؟(3/201)
2- هل يعقل أن تفقد كل نسخ الإنجيل الذى كتب منذ 2000 عام فقط، بينما عندنا نسخ كثير لكتابات منذ أكثر من 3000 سنة قبل الميلاد (أي 5000 عام قبل الآن) ؟!
3- هل تم تحريف التوراة أيضًا؟ ومن حرَّفها: اليهود أم النصارى؟
4- كيف تم جمع كل أسفار الكتاب المقدس من كل العالم وتحريفها؟
5- كيف سكت التاريخ عن هذا التحريف فلم يتحدث عنه أى من المؤرخين؟ وهل يمكن أن يتفق الجميع على هذا رغم أنهم جماعات شديدة الاختلاف الذي يصل إلى العداوة؟ فلا يذكر المؤرخون اليهود تحريف المسيحيين للإنجيل ولا المؤرخون المسيحيون يذكرون تحريف اليهود للتوراة ولا حتى المؤرخون المسلمون يذكرون مكان وزمان تحريف الكتاب المقدس ولا هوية محرفيه؟!
6- ما موقفكم من الآثار والمخطوطات المكتشفة لأسفار الكتاب المقدس والمحفوظة في المتاحف البريطاني والفرنسي والمصري أيضًا؟
7- متى تم تحريف الكتاب المقدس؟
8- هل اتفق كل المسيحيين على تحريف الكتاب؟ وأين النسخ التي كانت عندهم؟
9- كيف شهد القرآن بسلامة الكتاب المقدس من التحريف في (البقرة:41) (البقرة:91) (آل عمران:3) (النساء:47) (المائدة:46) (المائدة:48) (فاطر:31) (الأحقاف:30) (الصف:6) ؟
وأسئلة أخرى كثيرة تدور في رأسي ولكن بلا إجابة. إذ كنت لا أريد الإطالة، فلم أكتب أيضًا عن قولكم بعدم صلب المسيح، وأيضًا الفلسفات التي تقولون إن بولس قد أخذ عنها أفكاره- وإن كان عندي إجابات لها، ولكن أرجئها لكتابة أخرى إليكم إن شاء الله. والسلام ختام.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أخي: أشكرك على حسن خلقك وجميل أسلوبك، وإذا كان البحث عن الحق غاية كل منا فإنني أقول لك:(3/202)
ما كتبته في سؤالك من كون اليهود لا يذكرون تحريف المسيحيين للإنجيل؛ فأنت تعرف أن اليهود لا يعترفون بالمسيح عليه السلام، ولا يسلِّمون له بنبوة أو رسالة كما يعتقد المسلمون، ولا يعترفون له بنبوة أو ألوهية كما تعتقدون، فكيف يتناولون الإنجيل بالبحث وأصله كاذب عندهم وهو ابن غير شرعي بالنص الوارد في العهد الجديد؛ (لسنا أولاد زنا) . وأما النصارى فهم مختلفون في العهد القديم، من حيث عدد أسفاره، والخلاف بين الكاثوليك والأرثوذكس واضح في هذا، بل في الطبعات المنشورة؛ فضلاً عن النقد الموجه إلى العهد القديم، كما كتب في ذلك شارل جينييبرت في كتابه: (المسيحية نشأتها وتطورها) . وما كتبه سبينوزا في كتابه: (رسالة في اللاهوت) . وما كتبه دوان في كتابه: (خرافات الإنجيل) . وما كتبه عوض سمعان في كتابه: (الكتاب المقدس في الميزان) . وما كتبه الطاهر التنين في كتابه: (العقائد الوثنية في الديانة النصرانية) .
وأما ما ذكرتموه تحت رقم (6) - ولا أدري أين الأرقام السابقة- عن الآثار والمخطوطات فإنها متأخرة في الزمن عن موسى وعيسى عليهما السلام، والعبرة بكتابة النص بين يدي النبي أو الرسول لا بعده بعشرات السنين، كما في الإنجيل، أو مئات السنين، كما في العهد القديم، كما أن الكتابة عمل فردي لا جهد لجنة علمية متخصصة بلغة العصر ولذلك تعدد المكتوب بتعدد الكاتبين واختلف المحتوى باختلاف حالهم.(3/203)
وأما رقم (7) : متى تم تحريف الكتاب المقدس؟ فالإجابة عنه بمتى تم كتابة الكتاب المقدس؟ وعلى يد من، وفي أي زمن، وما لغته الأولى، ومن ترجمه ومتى ترجم، وأين النسخة الأصلية؟ وهل النص الموحى به واحد أم متعدد؟ وأين النصوص من عند الله؟ التوراة السامرية أم التوراة البابلية؟ وإذا كان الإنجيل واحدًا فأي الأربعة من عند الله، وما سبب اختيار هذه الأربعة من مائة إنجيل في مطلع القرن الرابع الميلادي؟ هل رسائل الرسل جزء من الوحي؟ وما دليل ذلك؟ وهل نزل بها روح القدس أم أنها ثقافة دينية فلسفية؟ ومن الذي أوحى إليهم بها؛ أهو الله أم المسيح أم هما معًا؟ وإذا كانت الإجابة في الرسائل على الأسئلة وحيًا؛ فهل السؤال نفسه كان وحيًا؟ وما الدليل؟ ماذا تقول عن إنجيل الصبوة، وماذا عن الكتب التي ورد اسمها في العهد القديم ولم يرد لها أثر في الكتاب المقدس؟ كلها أسئلة تنشد الإجابة، وبخاصة ما يتعلق باللغة الأولى لكل سفر والترجمة والمترجم وزمن الترجمة وأين الأصول وكيفية المطابقة الآن ... إلخ.
وأما ما ورد في القرآن فلا يتأتى تعميمه على جملة الكتاب المقدس بل هو خاص ببعض المواطن التي هي بقية من حق كتوحيد الله ونبوة موسى وعيسى والوصايا العشر وبعض القيم الخلقية وبعض الحدود المقدرة ونزول توراة على موسى وإنجيل على عيسى فيهما هدى ونور، ووصف القرآن بأنه مصدق لما بين يديه في الآيات التي ذكرتها فيه دلالة عملية على تأكيد البشارات التي صرحت بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، في العهد القديم والجديد؛ مِن بعثِ نبي من بني إخوتهم، والحديث عن البارقليط والمعزّى وروح القدس في العهد الجديد، فجاء النبي بهذا الكتاب مصدقًا لما ورد عند اليهود والنصارى من بشارات وردت تدل على نبوة محمد وصفات وسمات أمته. والله يهديني وإياك إلى الحق، ولك مني كل تحية، وفي انتظار ردكم الجميل.(3/204)
ألحقت بناتها بمدرسة راهبات
المجيب يوسف أبرام
مدير المركز الإسلامي بزيورخ في سويسرا وعضو المجلس الأوروبي للافتاء
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 02/10/1425هـ
السؤال
لقد استخرت الله قبل أن أسجل بناتي في مدرسة راهبات، حيث إن تدريسهم قوي، ويدرسون اللغة الفرنسية، حيث لا تُدرِّسها المدارس الأخرى، علمًا أنني درست بنفس المدرسة، وأنا ملتزمة دينيًّا، وهم يأخذون نفس منهج التربية الإسلامية الذي وضعته وزارة التربية، والبنات سعيدات ومجتهدات فيها, المفاجأة أن الآنسة في درس الدين نعتتهم بالتبشيريين والكفار، وأني أخطأت باختياري ولا يستخير المرء على باطل؟ أنا أرى البنات في المدارس الإسلامية لا يختلفن عن خريجات الراهبات، بل نحن مجموعة خريجات من نفس المدرسة، متحجبات وملتزمات بدروس الدين أكثر، ومن تخرجت من المدرسة الإسلامية ما زالت سافرة وتلبس على الموضة, معنى ذلك: العبرة بالبيت. أليس كذلك؟ أفيدوني جزاكم الله خيرًا؛ حيث البنات ما زلن صغارًا (8سنوات و5 سنوات) . وشكرًا.
الجواب
الأخت السائلة: زادك الله حرصًا على تعلُّمك دينك، وبعد:
حسب ما فهمت من كلمة (منهج التربية الإسلامية الذي وضعته وزارة التربية) ، وكذلك مقارنة المدارس الإسلامية بمدرسة الراهبات، أن هذه الأخيرة توجد في دولة إسلامية.(3/205)
وعليه، فاعلمي أيتها الأخت- أن هذه المدارس أقيمت في أرض الإسلام بقصد تنصير أولاد المسلمين أو على الأقل إبعادهم عن دين الإسلام، فمدارس الرهبان أو الراهبات ليست إلا مأوى للتنصير، وقد تتساءلين بقولك: ما أهداف التنصير؟ إن للمنصرين أهدافًا متعددة أعلاها هو إدخال المسلمين والمسلمات في دينهم، وأدناها إضفاء صورة من التقدير والاحترام على الرهبان والراهبات والقساوسة، والإعجاب بطقوسهم الكنسية ومناسباتهم الدينية، وكذلك نزع فتيلة كراهية الكفر والإلحاد من قلوب الفتيان والفتيات والرجال والنساء، وعدم التمييز بين العقيدة الصحيحة وما يضادُّها، وعدم التفريق بين الولاء لله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، أو على الأقل ترسيخ فكرة وحدة الأديان.
وإني أسألك أيتها الأخت الكريمة: إن سُئلت المعلمة الراهبة عن عيسى عليه السلام؛ هل هو رسول الله كما هي عقيدة المسلمين أم ابن الله كما يزعم النصارى، فكيف ستجيب؟
وإن سُئلت عن عقيدة النصارى المحرفة مثل التعميد والصلب والفداء والعشاء الرباني وغيرها، هل ستجيب بعقيدة المسلمين أم بناء على عقيدة النصارى؟ أترك لك الجواب
منذ سنوات كنت أدرس الدين في مدرسة من مدارس المراكز الإسلامية في أوربا، وخلال درس التربية الإسلامية كم كانت دهشتي لما سألت التلاميذ بقولي: من ربكم؟ فأجابني طفل عربي بأنه عيسى عليه السلام. لما أخبرت أمه بجواب ابنها صدمت صدمة شديدة، وبعد النحيب أخبرتني أنها تخرج طول اليوم للعمل وتترك ابنها مع خادمة إيطالية كاثوليكية، رغم أن واجبها كان فقط تنظيف البيت، ولكنها لم تملك إلا أن تغرس معتقدها المنحرف في قلب هذا الطفل البريء، فإذا كان هذا شأن خادمة، فكيف الأمر إذا كانت المعلمة راهبة، لها منهجها ومخططاتها وأهدافها؟!(3/206)
إن نشاط التنصير يأخذ عدة صور؛ ظاهرها الرحمة وباطنها شر كبير، مثل التمريض والتطبيب، أو التعليم، ولكن الهدف الرئيسي هو إبعاد المسلمين عن الإسلام، وللعلم فقد عقد المبشرون في العالم الإسلامي مؤتمرًا في مدينة القدس عام 1924م تحت إشراف مجلس التبشير العالمي، وقد خرج هذا المؤتمر بنتائج أهمها:
أولاً: التنبيه إلى خطأ أسلوب التبشير الذي يبدأ بنقد الإسلام وإظهار ضعفه أكثر مما يكشف عن قوة المسيحية، ولكن يجب العكس، البدء بالحديث عن المسيحية وأهميتها.
ثانيًا: أن التبشير يكون أكثر حسمًا بين الأطفال، خاصةً في مراحل التعليم الأولى؛ لأن تعليم الإسلام يتم في مراحل مبكرة للأطفال؛ ولذا يجب التركيز على التعليم؛ وكما قيل في المثل: إذا ظهر السبب بطل العجب.
وختامًا: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدانِهِ، أو يُنَصِّرَانِهِ، أو يُمَجِّسانِهِ". حديث متفق عليه: عند البخاري (1358) ومسلم (2658) ، من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه. فالله تعالى قد خلق الأولاد على فطرة الإسلام، والذي يملك زمام التربية هو الكفيل بتوجيه هذه الفطرة إما إلى الخير وإما إلى الشر، ومادام أن بناتك يدرسن في مدرسة الراهبات طول اليوم ولسنوات عديدة، فإني لا أشك أن هذه المدرسة ستترك آثارها السلبية على البنات.
فعليك أيتها الأخت أن تخرجي بناتك من هذه المدرسة وتلحقيهن بمدرسة إسلامية متميزة حتى يتفوقن في التعلم، وكذلك يتفوقن في عقيدتهن ودينهن، وأما سلوك خريجات المدارس الإسلامية فليس بحجة، وإنما الحجة في شرع الله.(3/207)
أما إذا كانت المدرسة في دولة أوربية فالأمر أشد وأخطر؛ لأن مدارس الراهبات في البلاد الإسلامية تستعمل التقية والمراوغة والمخادعة وتدس السم في العسل، أما في أوربا فإن لهن الحرية الكاملة في التدريس والتعليم والتربية والتوجيه، بل قد حكمت كثير من المحاكم الأوربية بنزع السلطة الأبوية عن أولادٍ مسلمين، وسُلَّموا لأسر أوربية تعمل في حقل التبشير، فانسلخ هؤلاء الأولاد مع الزمن عن الإسلام وابتعدوا عن المسلمين. والله أعلم.(3/208)
إيمان أهل الكتاب باليوم الآخر
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 23/2/1425هـ
السؤال
نحن المسلمين نؤمن باليوم الآخر، فهل اليهود والنصارى يؤمنون باليوم الآخر كما نؤمن به؟ وهل ذكره موجود بكتبهم أم لا؟ أم هل كان مذكوراً فعلا في كتبهم قبل أن يقوموا بتحريفها، وأما الآن فلا؟ وهل اليهود والنصارى على اختلافهم، وقصدي هنا أن مثلا النصارى يوجد منهم (كاثوليك وبروتستانت وأورثوذكس) ، فهل إحدى هذه الطوائف مثلا تؤمن باليوم الآخر أما الباقي لا؟ والسلام عليكم ورحمته وبركاته.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن عقيدة جميع الأنبياء الذين أرسلهم الله تعالى إلى خلقه واحدة وإن اختلفت شرائعهم، وقد ذكر القرآن جل عقائدهم، قال تعالى: "إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا" [النساء: 163] ، والآيات في ذلك كثيرة جدا.
ومن العقائد التي كان على بني إسرائيل أن يتبعوها إيمانهم بالبعث متبعين في ذلك سنة إبراهيم عليه السلام، وتكررت عقيدة التوحيد والإيمان باليوم الآخر عندهم وهي منسوبة إلى غير إبراهيم من أنبياء بني إسرائيل والصالحين منهم.
أما في كتب اليهود المحرفة فإن عقيدة البعث والآخرة والحساب قليلة الذكر فيهم، إذ قلما يشيرون إلى حياة أخرى بعد الموت، ولم يرد في ديانتهم شيء عن الخلود، وأن الثواب والعقاب يتم في الحياة الدنيا. وإن كانت بعض فرقهم تعتقد في البعث كالفريسيين والكتبة، إلا أن ذلك غير مدون في كتبهم المقدسة عندهم.(3/209)
أما النصارى فهم أخف من اليهود في هذا الجانب إذ لم تنكر كتبهم عقيدة البعث في أصله وإن حرفته في مفهومه وجردته من أثره في اتباعه، وهو المعروف في فرقهم القديمة مثل الملكانية والنسطورية واليعقوبية. وكذلك عند الفرق الرئيسة في الوقت الحاضر، وإن ذكر عن بعض الفرق مثل (شهود يهوه) أنهم بالغوا في إنكار البعث، إلا أن فرقهم الكبرى مثل البروتستانت والكاثوليك والأرثوذكس لم ينكروا أصل البعث وإن اختلفوا مثلا في الذي يلزم العبد حتى ينجو في الآخرة، فالبروتستانت يكفي عندهم الإيمان للخلاص يوم القيامة، فلا يشترط العمل بخلاف الكاثوليك والأرثوذكس وهكذا ... والله أعلم.(3/210)
لماذا التسمية بأهل السنة والجماعة؟!
المجيب د. سالم بن محمد القرني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 28/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
لماذا نقول أهل السنة والجماعة، ولا نقول أهل القرآن والسنة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لفظ أهل السنة والجماعة مصطلح يطلق على كل من استنَّ بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولزم ما كان عليه هو وأصحابه - رضي الله عنهم-، وهم الذين قال فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي قائمة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم، ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله" أخرجه مسلم (1920) من حديث ثوبان -رضي الله عنه- انظر ما رواه الترمذي (2641) من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-، وقال عنهم صلى الله عليه وسلم: "هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي"، ومنهجهم هو الكتاب والسنة، يثبتون ويأتمرون ويعملون بالقرآن (الكتاب) والسنة، وما أجمع عليه سلف الأمة من الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم، ومصطلح أهل السنة والجماعة في مقابل أهل الكلام، وأهل البدعة والفرقة؛ لأن البدعة مقرونة بالفرقة، كما أن السنة مقرونة بالجماعة، فيقال: أهل السنة والجماعة، وهم من قال بالكتاب والسنة والإجماع، كما يقال أهل البدعة والفرقة، وهم المفارقون للكتاب والسنة والإجماع. فأهل القرآن والسنة هم أهل السنة والجماعة، ولا مشاحة في الاصطلاح. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.(3/211)
المذهب الأباضي
المجيب خالد بن عبد العزيز السيف
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 09/07/1425هـ
السؤال
هل المذهب الإباضي مقارب لمنهج أهل السنة والجماعة؟ أم هو كالمذهب الرافضي؟ وهل يجوز للمرأة من أهل السنة والجماعة أن تتزوج رجلاً من المذهب الإباضي؟ هذا سؤالي. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الإباضية فرقة من فرق الخوارج تنسب إلى عبد الله بن إباض الذي عاش إلى أيام عبد الملك بن مروان، وهم أكثر فرق الخوارج اعتدالاً، ولذلك كانت جهودهم علمية أكثر من كونها قتالية، مع العلم أن الإباضية المتأخرين ينكرون صلتهم بالخوارج، ولعل أبرز ما يميز المذهب الإباضي أنهم قسموا الكفر إلى كفر شركٍ وكفر نعمةٍ، وهم مع أهل السنة في حكم كفر الشرك، أما كفر النعمة المشتمل عندهم على صغائر الذنوب وكبائرها، فحكم فاعله إذا مات ولم يتب فهو كافر كفر نعمة لا كفر شرك، غير أنهم يقولون إنه خالد مخلد في النار، فهم بهذا يتصلون في النهاية مع الخوارج في حكم فاعل الكبيرة, ولا شك أن الحق في هذه المسألة مع أهل السنة في قولهم في فاعل الكبيرة أنه مؤمن، ولكنه تحت مشيئة الله؛ إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له.(3/212)
وأما الخروج على الأئمة فالإباضية أقل حدة من الخوارج في هذه المسألة، وقد قال الإباضية بخلق القرآن، ولهم ميل إلى تأويل صفات الله، أما وجه التقارب بينهم وبين أهل السنة والجماعة فلا شك أنهم أقرب إلى أهل السنة من الرافضة، حيث يعتمدون في أصول التلقي على القرآن والسنة والرأي والإجماع، وتأثروا ببعض المذاهب الفقهية السنية، وهم أيضًا لا يطعنون في إمامة أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، على خلاف الروافض، أما المذهب الرافضي فيختلف اختلافًا كليًّا عن المذهب الإباضي، وخصوصًا في مصادر تلقي الدين من حيث اعتماده على مرويات آل البيت من أمثال محمد الباقر وجعفر الصادق، ولهم رؤية في تفسير القرآن تخالف ما عليه جماعة المسلمين من أهل القبلة، ولا يقر الرافضة بشرعية خلافة أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، زيادة على تكفيرهم لكثير من الصحابة، رضي الله عنهم، وعلى هذا فالمذهب الإباضي أقرب إلى مذهب أهل السنة من المذهب الرافضي، وإن كان لا يخلو من البدع كما سبق.
أما السؤال عن حكم زواج المرأة من أهل السنة بإباضي؟
فهذا مبني عند أهل العلم على اعتبار الكفاءة في النكاح، وأعظمها الكفاءة في الدين، وعلى هذا لا ينبغي لرجل أن يصاهر إلا أهل طاعة الله، وقد جاء في السنن: "لا تُصَاحِبْ إلَّا مُؤمِنًا، ولا يَأكُلْ طَعَامَكَ إلَّا تَقِيٌّ". أخرجه أبو داود (4832) والترمذي (2395) ، "الرَّجلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أحَدُكُم مَن يُخَالِلُ". أخرجه أبو داود (4833) والترمذي (2378) ، وقد قال الإمام أحمد في رواية أبي بكر: لا يزوج ابنته من حَرورِيٍّ - أي خارجي - قد مَرَق من الدين، ولا من قدَري - أي يقول بالقدَر - فإن كان يدعو فلا بأس، ولا تُزوَّجُ امرأةٌ عدلٌ بفاسق كشارب خمر، فإنه ليس بكفء. والله أعلم.(3/213)
الوهابية وتكفير الصوفية
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 29/09/1426هـ
السؤال
لماذا يكفر الوهابيةُ الصوفيةَ؟ نرجو الإجابة بصراحة عن هذا السؤال.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأهل السنة لا يكفرون إلا من كفره الله ورسوله، كالمشركين واليهود والنصارى ونحوهم، ويعتقدون أن الأصل في المسلم الستر والسلامة، فإن بدر من أحد مقالة كفر أو فعل كفر فإن أهل السنة لا يحكمون بكفره إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، بأن يكون عالماً غير جاهل، ذاكراً غير ناسٍ، مختاراً غير مكره.
والصوفية لفظ واسع يطلق على درجات من الناس:
فمن اعتقد بعقيدة وحدة الوجود، وأنه لا فرق بين الخالق والمخلوق، أو قال بحلول الله في بعض مخلوقاته، فهذا لا شك في كفره بإجماع علماء المسلمين من مختلف المذاهب قديماً وحديثاً.
ومن دعا غير الله، واستغاث به وطلب منه المدد، فيما لا يقدر عليه إلا الله -كمن يدعو أصحاب القبور أو الأولياء الغائبين- فقد وقع في الشرك الأكبر المخرج عن الإسلام بإجماع علماء المسلمين من مختلف المذاهب قديماً وحديثاً.
أما من كان ينتسب إلى طريقة من الطرق الصوفية، ولا يقع منه مكفر، فإن أهل السنة لا يكفرونه، ويعتقدون أنه من جملة المسلمين، وكذلك لو تلبس ببدعة من البدع العملية التي لا تخرج عن الملة، كالذكر الجماعي على صوت واحد، أو إحداث بعض الأذكار التي لم ترد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه عند أهل السنة مسلم مبتدع، يسألون الله له العافية ولزوم السنة، والتعبد لله بما شرع على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- وفقك الله.(3/214)
التهجم على العقيدة الدرزية
المجيب د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 25/10/1425هـ
السؤال
لماذا تتهجم الأمة الإسلامية على الدين الدرزي بهدف التحقير والتكفير؟ هل هو كي تحاسبوهم على اختيار هذا الدين بدل أن يحاسبهم الله؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
موقف المسلمين من الدروز:
لو انتسب قوم للدروز ثم عملوا ما يخالف هذا الدين ويشوه حقيقته عند الآخرين ماذا سيكون موقف الدروز؟؟ هل سيرضون بذلك؟؟ وهل سيسكتون على هذا التصرف؟؟ الجواب: لا بالطبع. بل سوف يوضحون الحقيقة وينفون انتساب هؤلاء للدروز، ويتحدثون عن مخالفتهم للدين الدرزي وكذبهم في ادعائهم الدرزية كدين.
وهذا بالضبط ما فعله المسلمون، لأن الدروز ينتسبون للإسلام، واعتنقوا عقائد مناقضة له، وتعبدوا عبادات مختلفة عما شرعه الله ورسوله في القرآن الكريم والسنة المطهرة، فكان لابد أن يوضح المسلمون حقيقة الدروز وأنه لا يصح انتسابهم للإسلام. وليست المسألة سبًّا أو شتمًا أو رغبة في محاسبة الدروز، بل إيضاح للحقيقة وتبيان لها، وكشف للخطأ الذي وقع فيه الدروز.(3/215)
ولابد للشخص الذي ينتسب لدين الإسلام أن يصحح انتسابه لهذا الدين، وذلك بالسير على منهج نبي الإسلام عليه وآله أفضل الصلاة والسلام، كما أوصى بذلك في قوله: "إنَّه مَن يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُم بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِين المَهْدِيِّينَ مِن بَعْدِي". أخرجه أبو داود (4607) والترمذي (2676) وابن ماجة (44) . وقال: "إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً". قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي". أخرجه الترمذي (2641) . فالمسلم الحق من يتبع سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وينظر إلى كل اعتقاد وعبادة بحسب هذه السنة؛ فإن كانت مشروعة عملها، وإن لم تكن مشروعة تركها، وإن لم يعرف ذلك فيسأل علماء السنة، ففي العالم الإسلامي كثير من العلماء الذين يمكن معرفة حقيقة دين الإسلام منهم، وجهات فتوى ودعوة يمكن الإفادة منها. والله أعلم.(3/216)
هل هذا من عقيدة الشيعة؟!
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 21/04/1425هـ
السؤال
رأيت في أحد مواقع الشيعة حديثا عن معتقداتهم، وفيه -والعياذ بالله- نسبة الخطأ لله -عز وجل- (أصول الكافي صفحة 328 يعقوب كلاني المجلد الأول) ، ثم يقولون: نحن لا نعبد ربا يحكم المفسدين من أمثال يزيد ومعاوية وعثمان (كشف الأستار 107 الخميني) ، وأيضا يقولون: إن لدى الأئمة جميع علم الملائكة والرسل والأنبياء (الكافي للكلاني صفحة 255) . أرجو أن تخبروني: هل وصلت معتقدات الشيعة إلى هذا الحد؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المنقول عن الشيعة في كتب الأخبار لديهم يدل على تناقض كبير في المعتقدات والفتاوى؛ فتجد القول بكمال القرآن مع القول بنقصه وتحريفه، وبناء على ذلك نجد اختلافا بيناً في اعتقاد هذه الأقوال، والشيعة الاثني عشرية ينقسمون في زمننا هذا إلى قسمين من حيث الجملة:
القسم الأول: الإخباريون وهم الآخذون بالنصوص المنقولة في كتبهم، وفي هؤلاء تتبدى التناقضات والخرافات والمعتقدات الأشد فسادا.
القسم الثاني: الأصوليون وهم الذين ينظرون في نصوصهم المنقولة نظراً أصولياً، ويحاولون الحكم عليها عقلياً، وهم في الجملة أخف من القسم الأول، ومن هذا القسم خرج من خرج على المذهب الشيعي وبين زيف المعتقدات وكشف تناقضها مثل البرقعي وموسى الموسوي وأحمد الكاتب والكسروي وغيرهم.
وبناء على ما سبق فلا نستطيع القول بأن كل الشيعة يؤمنون بهذه الأقوال ويعتقدون صحتها ويلتزمون بها؛ لأننا نجد منهم من ينكرها ومن يتبرأ منها، وعلى كل حال فهي أقوال شنيعة ومعتقدات ضالة مخالفة للإسلام، وتبقى منسوبة للشيعة الاثني عشرية ما لم يظهروا البراءة منها. نسأل الله للجميع الهداية.(3/217)
معنى الوصية بآل البيت
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 18/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
لي صديق من الشيعة أحاوره عن الإسلام الحق. وقد وجه لي سؤالين عجزت أن أجيب عنهما:
الأول: ورد في صحيح مسلم والترمذي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبة الوداع: تركت فيكم كتاب الله وأهل بيتي، لكن في صحيح البخاري قال: كتاب الله وسنتي، فكيف يكون مثل هذه الاختلاف في الوصية؟ وما مقصود النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: تركت فيكم أهل بيتي؟
الثاني: المعروف أن الله -سبحانه وتعالى- يجازي العباد بعد إتمام أعمالهم الصالحة وانقضاء أعمارهم، مع أنه يعلم ما سيفعل كل عبد، فلماذا بشر الصحابة العشرة بالجنة في حياتهم قبل أن يكملوا أعمالهم الصالحة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(3/218)
ليس ثمة اختلاف في الوصية، فالوارد في صحيح مسلم (2408) : "أنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغّب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي -قالها ثلاثاً-". وسمّيا (ثقلين) لعظمهما وكبير شأنهما، ففي حديث الوصية بآل البيت من محبتهم واحترامهم وإكرامهم وحرمة الصدقة عليهم ودخولهم في الصلاة والسلام عليهم، وأما الوارد من قوله -صلى عليه وسلم-:"كتاب الله وسنتي" رواه الحاكم في المستدرك (319) وغيره، فهذا حث على الالتزام بهما والأخذ بهما، وتقديمهما على ما سواهما، كما قال -تعالى-: "يا أيها الذي آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم" [النساء: 59] ، وقال:"من يطع الرسول فقد أطاع الله" [النساء: 80] ، وقال:"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما" [النساء: 65] . وأما بشراه بالجنة لهؤلاء النفر الأعلام من صحابته -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهم، فمزيد تخصيص وتكريم وبشرى، وعلو درجة ومنزلة، وتلك رحمة الله يختص بها من يشاء من عباده، لا راد لفضله ولا معقب لحكمه. والله أعلم.(3/219)
السلف والتفويض
المجيب د. سعود بن عبد العزيز العريفي
رئيس قسم العقيدة، جامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 17/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
شيخي الفاضل: كنت أقرأ في كتاب مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني، وهو كتاب لا يخفى مكانته وفضله على أحد من طلاب العلم والمشتغلين بالعلم، ولكني وجدته، رحمه الله، شن حملة على مذهب السلف الصحيح، المتمثل في إثبات الصفات على حقيقيتها، وتفويض الكيف، بينما الشيخ يقرر أن من يقول بهذا هو متمسح بالسلف، وإنما مذهب السلف الصحيح، هو تفويض الكيف والمعنى مع صرف ظاهر النص عن مراده، وهذا عكس ما علمناه جميعًا من أن تفويض السلف تفويض كيفية وليس تفويض معنى، وقد رد على عدد من شبهات، في زعمه، من يقول بهذا القول، وهذا الكلام مبسوط في الجزء الثاني من الكتاب تحت عنوان (متشابه الصفات) بعد أن عنون عنوانًا جانبيًّا آخر بعنوان (إرشاد وتحذير) . أرجو منكم بالرد على تلك الشبهات التي أثارها.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(3/220)
أن يقدح المؤلف- عفا الله عنه- في مذهب السلف في الصفات الإلهية ويعيب منهجهم في فهم نصوصها، ويعتبره ارتكاسًا في التشبيه، فذلك غير مستغرب في ضوء منهجه الكلامي القائم على تقديم قواطعه العقلية المزعومة؛ كدليل الجواهر والأعراض، ونحوه، على الوحي المبين، وجعلها حكمًا عليه، أما أن يزعم أن إثبات حقائق الصفات واعتقاد ظاهر نصوصها خلاف ما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة، رضي الله عنهم، والتابعين وأتباعهم من أئمة المسلمين كالأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة الحديث والفقه والتفسير والزهد، فهذا دونه خرط القتاد؛ فالخلاف حول آيات الصفات قديم بين السلف والخلف منذ أن أظهر الجعد بن درهم بدعة نفي الصفات، وتلقفها عنه الجهم بن صفوان، ثم تقسمتها الطوائف بعدهما، وقتلا جراءها أوائل المائة الثانية، وصار السلف ينعتون أتباعهما بالجهمية، ولهم في الرد عليهم والتحذير من بدعتهم مصنفات، كالرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد، وخلق أفعال العباد للإمام البخاري صاحب الصحيح، والاختلاف في اللفظ، والرد على الجهمية والمشبهة للإمام ابن قتيبة، والرد على الجهمية للإمام عثمان بن سعيد الدارمي، وغيرها كثير..(3/221)
قال الإمام الترمذي صاحب السنن بعد روايته حديث: "إِنَّ اللهَ يَقبَلُ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذُها بِيَمِينِه"- الترمذي (662) - وتصحيحه له: (وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى، كل ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد تثبت الروايات في هذا، ويؤمن بها ولا يُتوهم، ولا يقال: كيف) . هكذا روي عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك، أنهم قالوا في هذه الأحاديث: (أمروها بلا كيف) . وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا: (هذا تشبيه) . وقد ذكر الله عز وجل، في غير موضع من كتابه اليد، والسمع، والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات، ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: (إن الله لم يخلق آدم بيده) . وقالوا: (إن معنى اليد هاهنا القوة) . وقال إسحاق بن إبراهيم: (إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع. فإذا قال: سمع كسمع، أو مثل سمع. فهذا التشبيه، وأما إذا قال، كما قال الله تعالى: يد، وسمع، وبصر. ولا يقول: كيف. ولا يقول: مثل سمع ولا كسمع. فهذا لا يكون تشبيهًا، وهو كما قال الله تعالى، في كتابه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى: 11] السنن (3/50، 51) .
ونقل الإمام البخاري في (خلق أفعال العباد) عن يزيد بن هارون قوله: من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي، ونقل أيضًا قول الفضيل بن عياض: (إذا قال لك جهمي: أنا كافر برب يزول عن مكانه. فقل: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء) .(3/222)
ونقل أيضًا قول سليمان التيمي: (لو سئلت: أين الله؟ لقلتُ: في السماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل السماء؟ لقلت: على الماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل الماء؟ لقلتُ لا أعلم) . قال الإمام البخاري: (وذلك لقوله تعالى: (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ) . يعني إلا بما بين) .
والنقول في هذا كثيرة لا يتسع لها المقام، فليرجع إليها في مظانها، فمن نازع بعد ذلك في أن مذهب السلف إثبات معاني نصوص الصفات مع تفويض الكيفيات فلقصور بحثه واطلاعه.
وكان الأجدر بالمؤلف إن أراد الإرشاد والتحذير على وجهه في هذا المبحث أن يحذر من أصحاب المذاهب الباطنية من الغلاة الذين وقعوا في التمثيل الصريح والشرك الأكبر، كأصحاب الوحدة ونحوهم من عباد القبور.
أما الشبهات المقصودة بالسؤال فجوابها ما يلي على وجه الإيجاز:
أولًا: نازع في أن سلب الصفات الوجودية لله تعالى، يلحقه بالمعدومات من عدة وجوه لا طائل تحتها:(3/223)
أولها: أن هذا قياس للغائب على الشاهد، وقياس الغائب على الشاهد فاسد ... إلخ.. مضمون كلامه أن القوانين العقلية التي جعلها الله تعالى، في فطرة الإنسان يميزها بين الواجب والممكن والمستحيل محصورة في الشاهد، أي ما هو في متناول حواس الإنسان، وهو ما عبر عنه بالمادي في قوله: (وكيف يقاس المجرد عن المادة بما هو مادي) . وهذا ليس بصحيح؛ فإن الفاسد من قياس الغائب على الشاهد إنما هو فيما يختص به بعض الموجودات من الأحكام العقلية، أما الأحكام المطلقة كاستحالة جمع النقيضين ورفعهما، واستحالة الدور القبلي ونحوها، فلا يخرج عنها شاهد ولا غائب، ولهذا احتاج أن يقرر هنا أن قولهم إن الله تعالى، لا داخل العالم ولا خارجه من باب تقابل العدم، والملكة الذي يجوز رفع طرفيه عما ليس من شأنه الاتصاف بأحدهما، كالعلم والجهل بالنسبة للحجر، وليس من باب تقابل السلب والإيجاب الذي هو تقابل النقيضين كالوجود والعدم، ولو كان قياس الغائب على الشاهد فاسدًا مطلقًا ما احتاج إلى هذا التقرير، والعجب منه كيف يثرب على السلف وأتباعهم ما يقع فيه، فها هو ذا يقول: (ونظير ذلك أن الإنسان لابد أن يكون له أحد الوصفين، فإما جاهل وإما عالم، أما الحجر فلا يتصف بواحد منهما البتة، فلا يقال إنه جاهل ولا إنه عالم، بل العلم والجهل مرتفعان عنه، بل هما ممتنعان عليه لا محالة؛ لأن طبيعته تأبى قابليته لكليهما، وهكذا تنتفي المتقابلات كلها بانتفاء قابلية المحل لها، أيًّا كانت هذه المتقابلات، وأيًّا كان هذا المحل الذي ليس قابلًا لها) إلخ ...
فانظر كيف استعمل ما قضى بفساده أولًا، فقال: (ونظير ذلك) . والتناظر هو القياس، فكأنه يقول: كما جاز سلب العلم والجهل عن الحجر لامتناع قبوله أحدهما، يجوز سلب العلو والسفل عن الله تعالى، لامتناع قبوله أحدهما! أوليس هذا قياسًا للغائب على الشاهد؟(3/224)
ثم انظر بعد ذلك أيهما أكمل: من وجب سلب المتقابلين عنه، أم من سلب أحدهما مع جواز اتصافه به، وخذ الجواب بالمقارنة بين الأعمى والحجر، ثم تأمل أيهما جعله نظيرًا لمن هو عنده لا أعلى ولا أسفل، ولا داخل العالم ولا خارجه.
وقديمًا قال محمود بن سبكتكين لمن يدّعي مثل ذلك في الخالق: (ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم!) .
أما قوله: وكيف يقاس المجرد عن المادة بما هو مادي؟
فيقال له: ما مرادك بالمادة والمادي هنا؟ فإن أردت ما كان قائمًا بنفسه، متصفًا بصفات ثبوتية، ذا وجود حقيقي متعين خارج الذهن، فإنا لا نسلم بتجريد الله تعالى، من ذلك، فإن ذلك لا يتجرد منه إلا العدم المحض، ومن تصور إلهه كذلك لم يثبت وجوده إلا في الأذهان.
أما إن أردت بالمادة والمادي ما يماثل أجسام المخلوقات وصفاتهم التي يلازمها الافتقار والفناء، فهذه غير لازمة لمن أثبت ما أثبته الله لنفسه من الصفات الوجودية على وجه الكمال والتنزيه عن مماثلة خلقه، فلا وجه لجعلك مثبتًا للعلو عقلًا بهذا الدليل قائسًا للخالق على المخلوق.
ثانيها: قال: (نقول لهؤلاء: أين كان الله قبل أن يخلق العرش والفرش، والسماء والأرض، وقبل أن يخلق الزمان والمكان، وقبل أن تكون الجهات الست؟) .(3/225)
الجواب: تقدم جواب سليمان التيمي، رحمه الله، وهو مضمون ما رواه ابن ماجه (182) والترمذي (3109) وحسنه، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: "كَانَ فِي عَمَاءٍ، مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ". قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: الْعَمَاءُ: أَيْ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ.(3/226)
وأما قوله: قبل أن يخلق الزمان والمكان والجهات. فلابد من بيان المراد بهذه الألفاظ؛ فإن الألفاظ التي لا تتضمن نقصًا ولم يرد استعمالها شرعًا في حق الله تعالى نفيًا ولا إثباتًا يجب التوقف فيها والاستفصال، فقد يراد بها معنى لا يجوز نفيه عن الله تعالى، وقد يراد بها معنى لا يجوز إثباته لله تعالى، فيكون في إجمال نفيها أو إثباتها إثبات للباطل أو نفي للحق، وذلك قول على الله بلا علم، فالزمان مثلًا إن أريد به الليل والنهار والأيام والليالي، فهذه مخلوقة، وإن أريد به نسبة الحوادث والمتحركات بعضها إلى بعض، فهذه متعلقة بقِدم أفعال الله تعالى، والله تعالى، لم يزل فعالًا لما يريد، لم يكن الفعل ممتنعًا عليه ثم صار ممكنًا له، بل هو قادر عليه أزلًا وأبدًا، فتدخل النسبة الزمانية الذهنية التي هي القبل والبعد في الأزلية بهذا الاعتبار، ولا يقال إنها بذلك تكون مشاركة لله تعالى، في الأزلية والأولية، فهي نسبة ذهنية لا وجود لها في الخارج، فضلًا عن مشاركتها للخالق في القدم، ويقال هذا أيضًا في نوع مفعولات الله تعالى، لم يزل سبحانه قادرًا عليها، لم يكن خلقها ممتنعًا عليه ثم صار ممكنًا له، لكنه يخلق ويفني، ويحيي ويميت؛ (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) [آل عمران: 47] . و: (يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) [الحج: 14] لم يزل كذلك، ولهذا مدح نفسه سبحانه بقوله: (فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) [البروج: 16] . (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ) [الحجر: 86] .(3/227)
أما المكان فإن أريد به ما أحاط الجسم من سطوح الأجسام المحيطة به، فتكون ظرفًا له، ويكون مظروفًا فيها، فمثل هذا المعنى لا يجوز إثباته لله تعالى، سبحانه وتعالى أن يحيط به شيء، أما إن أريد به ما يشغله الجسم من الحيز الذي هو فراغ محض لا وجود له أصلًا إلا في الذهن، فهذا لا يقال إنه أعظم من المخلوق الذي شغله؛ إذ هو أمر وهمي لا وجود له في الخارج، فضلًا عن كون الجسم مفتقرًا إليه، واعتبر ذلك بالفراغ المحيط بسطح العالم الخارجي الذي هو نهاية المخلوقات، لو قيل إنه مكان للعالم، يفتقر إليه العالم، للزم من ذلك التسلسل الممتنع إلى ما لا نهاية؛ حيث كل مكان وجودي سيفتقر إلى مكان آخر من حوله، فإذا علمت امتناع ذلك في حق العالم، وأنه بشغله حيزًا وهميًّا لا يكون مفتقرًا إليه، مع كونه مخلوقًا، فالله سبحانه وتعالى، أولى وأحرى أن نثبت له وجودًا حقيقيًّا خارج الذهن يشار إليه وينظر إليه، ويخاطب، ويسمع دون أن يلزم من ذلك إثبات مكان يحيط به أو يفتقر هو إليه، فالمكان إذًا من الألفاظ المجملة التي يجب التفصيل في المراد بها عند استعمالها في حق الله تعالى، نفيًا أو إثباتًا، وبهذا يتبين القول في الحيز والجهة.
ثالثها: شغب بقوله تعالى: (وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ) [الأنعام: 3] . وأنه يلزم من يأخذ بالظواهر إثبات أنه في الأرض. والجواب من وجهين:
الأول: أن الجار والمجرور في قوله: (وَفِي الأَرْضِ) .متعلق بما بعده، أي: يعلم سركم وجهركم في السماوات والأرض.(3/228)
الثاني: أن المعنى: وهو المعبود في السماوات وفي الأرض، ويكون ما بعده حالًا؛ إذ لفظ الجلالة (الله) معناه المعبود، فهو مأخوذ من الإله، سهلت همزته، ثم أدغمت اللام في اللام ثم فخمت، فلا يلزم مثبتي العلو للعلي القهار ما ينافي علوه من الآية، ولله الحمد، والواجب الجمع بين الأدلة لا ضرب بعضها ببعض، ثم ها هم أولاء القائلون بأن الله تعالى، في كل مكان، فأين إنكاره عليهم؟ أم اتسع صدره لهم وضاق عن قول السلف إنه في السماء؟!
رابعها: شغب بقوله تعالى: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح: 10] . بالإفراد، وقوله: (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) [ص: 75] . بالتثنية، وقوله: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ) [الذاريات: 47] . بالجمع- بأنه يلزم من يثبتون الظواهر الاضطراب بين إثبات يد واحدة، واثنتين، وأكثر!
والجواب أن هذا ليس بلازم؛ فإن الآيات التي فيها الإفراد ليس فيها أنه ليس له إلا يد واحدة، ولم يتنبه المعترض إلى أن الأسلوب العربي جرى على المناسبة بين المضاف والمضاف إليه، فيضاف الجمع إلى الجمع، نحو: (عَمِلَتْ أَيْدِينَا) [يس: 71] . والمفرد وما في حكمه إلى المفرد، نحو: (خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) ، (يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) ، (يَدُ اللَّهِ) . ثم إن السنة، التي ليست مصدرًا لتلقي العقائد عن المعترض، صرحت بأن "كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينُ". أخرجه مسلم (1827) . أي لا يتوهم تفاضلهما كما في المخلوقين.
وبقى أن ننبه إلى أن قوله تعالى: (بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ) . ليست من آيات الصفات على الصحيح؛ إذ الأيدي فيها بمعنى القوة، ومنه: (فَأَيَّدْنَا) . و: (وَأَيَّدَهُمْ) .
خامسها: شغب حول حديث النزول- وهو متواتر: انظر صحيح البخاري (1145) ومسلم (758) - باختلاف المشارق والمغارب، وأنه يلزم خلو العرش منه؛ لدوام ثلث الليل الآخر على أهل الأرض.(3/229)
والجواب أن هذا إنما أشكل عليه وعلى أسلافه؛ لأنهم لم يفهموا من نصوص الصفات إلا ما يعقلونه من صفات المخلوقين ولوازمها، ففروا من التشبيه إلى التعطيل، ولو أثبتوا نزولًا واستواء لا تدرك كيفيتهما لم يلزمهم ما يلزم نزول المخلوقين مما يناقض الكمال، والمعاني التي تضاف إلى الخالق تارة وإلى المخلوق تارة يلزمها لوازم عند إضافتها إلى الخالق لا تناسب المخلوق، ولوازم عند إضافتها إلى المخلوق لا تليق بالخالق، كما يلزمها لوازم لذاتها عند قطعها عن الإضافة لا تفهم إلا بها، فلا تُنفى عن الخالق ولا عن المخلوق، كلزوم القرب من النزول، وقس على ذلك بقية الصفات.
وليعتبر المتعاظم قبول حديث النزول بقوله صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي ... " الحديث. أخرجه مسلم (395) . فهل يرد هذا الحديث بأنه يلزم منه أن يكون الرب تعالى، مشغولًا بقول هذا للمصلين دائمًا، حيث لا تخلو منهم ساعة، فسبحان من لا يشغله شأن عن شأن. بل ليعتبر في هذا بأن المسلم يصلي لربه في أوقات محدودة لا تُقبل صلاته قبلها، أو بعدها إلا بعذر شرعي، مع كون هذه الأوقات، موافقة لغيره ممن يقيم ببلاد أخرى تختلف مشارقها ومغاربها، فما حال من يقول لا أؤمن بخصوصية الثلث الأخير من الليل بنزول الرب ودنوه إلا كحال من يقول: لا عبرة بانتظار أوقات الصلاة والإفطار والإمساك للصائم، وتحري ليلة القدر، ونحو ذلك من أوقات الدعاء الفاضلة؛ لكون البلاد لا تخلو من هذه الأوقات.(3/230)
سادسها: نقل قول أبي حامد الغزالي: إن كان نزوله من السماء الدنيا- كذا ولعلها: إلى- ليسمعنا نداءه، فما أسمعنا نداءه فأي فائدة في نزوله؟ ولقد كان يمكنه أن ينادينا كذلك وهو على العرش أو على السماء العليا، فلابد أن يكون ظاهر النزول غير مراد، وأن المراد به شيء آخر غير ظاهره، وهل هذا إلا مثل من يريد، وهو بالمشرق، إسماع شخص في المغرب، فتقدم إلى المغرب بخطوات معدودة، وأخذ يناديه وهو يعلم أنه لا يسمع نداءه، فيكون نقله الأقدام عملًا باطلًا، وسعيه نحو المغرب عبثًا صرفًا لا فائدة فيه، وكيف يستقر مثل هذا في قلب عاقل؟) ا. هـ.
ومع هذا النقل وقفات:
(1) سمى الغزالي حجة الإسلام وإنما الحجة في الدليل الصحيح نقليًّا وعقليًّا، والرجال يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالرجال.
(2) مسألة النداء الإلهي زائدة على النزول، لا تلازم بينهما، فقد ينادي دون أن ينزل، وقد ينزل دون أن ينادي، وقد ينزل وينادي، بل قد يُسمع دون أن ينادي، وينادي دون أن يُسمع، كما في القيامة إذا أفنى الخلائق، فيقول: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) . فلا يجيب أحد، وقد يُسمع أحدًا دون أحد، وقد ينادي بصوت يسمعه من قرُب كما يسمعه من بعُد، وقد يبلغ نداءه مباشرة أو بواسطة ملائكته ورسله، والشأن في ذلك كله أنه يفعل ما يشاء؛ (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) [الأنبياء: 23] . وهو في كل ذلك ليس كما نعقله من نزول خلقه وندائهم، لكن القوم كما سبق يشبهون أولًا ثم يفرون إلى التعطيل، كما قال هنا: وهل هذا إلا مثل من يريد وهو بالمشرق ... إلخ. فتوهم لوازم قرب المخلوق من المخلوق وعلاقتها بسماع ندائه لازمة لما يقابل ذلك في الخالق، وقد سبق التنبيه على خطئهم في هذا.
(3) قوله: وقد كان يمكنه أن ينادينا كذلك وهو على العرش أو على السماء العليا. فنقول: أقرّ أولاً أنه على العرش أو على السماء ثم أبطل ذلك.(3/231)
ثم نقول: لو طردنا هذا الأسلوب في التقدم بين يدي الله تعالى، والجرأة عليه لقلنا: أي فائدة في كلامه أصلًا وهو قادر على إفهامنا بلا كلام؟ والقوم من أهل الكشف والإلهام، وما الفائدة من خلق السماوات والأرض في ستة أيام وهو إذا أراد شيئًا قال له: كن. فيكون، بل لم خلق الخلق أصلًا وهو غني عنهم، وهلا أسعدهم جميعًا بهداية التوفيق إذ أوجدهم؟ ولم أشقاهم بالابتلاء وكرمُه واسع لمعافاتهم؟ ولم؟ ولم؟ إلخ الأسئلة المعروفة عن الزنادقة المعترضين على مشيئة الله وحكمته.
(4) قوله: فيكون نقله الأقدام عملًا باطلًا. غير مسلم له، بل في ذلك من التعبير عن الشوق إلى الحبيب وتداني القلوب ما يفوق الوصف، ويفوت من قسَّت قلوبَهم المناهجُ الفلسفية، ولازم قوله بطلان: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84] . و: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق: 19] . و: (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) [الواقعة: 11] . ونحوها مما فيه حركة المتقرب الحسية بما يناسب قربه المعنوي، ولا عجب، فالمتقرب إليه عندهم (لا داخل العالم ولا خارجه) ، فأهل الملأ الأعلى منه بمنزلة من في أسفل سافلين.
ثانيًا: نقل عن حاشية العقائد العضدية قول محمد عبده: فإن قلت: إن كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، مؤلف من الألفاظ العربية، ومدلولاتها معلومة لدى أهل اللغة فيجب الأخذ بمدلول اللفظ كائنًا ما كان. قلت: حينئذ لا يكون ناجيًا إلا طائفة المجسمة الظاهريون القائلون بوجوب الأخذ بجميع النصوص وترك طريق الاستدلال رأسًا، مع أنه لا يخفى ما في آراء هذه الطائفة من الضلال والإضلال، مع سلوكهم طريقًا ليس يفيد اليقين بوجه.. إلخ.(3/232)
الجواب: هذه إقرار منه للسلف الذين نبزهم بالمجسمة بأن مذهبهم مطابق لمدلولات القرآن والسنة، لكن كلامه يتضمن اتهامًا خطيرًا لكلام الله تعالى، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، يتبين إذا نظمنا من كلامه هذا القياس الاقتراني من الشكل الأول على الطريقة المنطقية التي عاب السلف بأنهم ليسوا من أهلها كما يلي:
أخْذُ مدلولات الكتاب والسنة مذهبُ السلف، مذهب السلف فيه ضلال وإضلال، ولا يفيد اليقين أخذ مدلولات الكتاب والسنة فيه ...
وما اعتبرناه هنا لازمًا لكلامه قد صرح به بعض أسلافه، فقد قال الصاوي من قبل: (الأخذ بظواهر الكتاب والسنة أصل من أصول الكفر) ا. هـ. عياذًا بالله.
والقصد أن الوحي المبين إذا لم يبن عن الحق في أعظم الأمور، وهي العقيدة في الله وما يجوز وما يجب وما يستحيل في حقه، فأي هداية نزل بها؟ بل إذا كان ظاهره الضلال والإضلال فقد كان عدم نزوله أسلم للناس في عقائدهم.
ثم نقل قوله عن صفة العلو لله تعالى: وليت شعري إذا لم تعلو مرتبة الربوبية فماذا تريد منه؟ وهل بقي بعد ذلك شيء غير العلو الحسي؛ فإن نفي التحيز عن العلو الحسي غير معقول، ولا معنى للاستلزام إلا هذا، أما هم فينفون اللوازم، ولا أدري كيف ننفي اللوازم مع فرضها لوازم؟ هذا خلف.(3/233)
والجواب: السلف إذ يثبتون علو الذات اللازم منه المباينة والانفصال بين الخالق والمخلوق، فإنهم لا ينكرون علو القدر ولا علو القهر، بل أنواع العلو متلازمة عندهم، وهو لا يملك دليلًا على نفي علو الذات سوى استلزامه التحيز، وقد أسلفنا أن مذهب السلف التوقف في مثل هذه الألفاظ حتى يتبين المراد بها، فإن كان موافقًا لصريح الوحي التزموا المعنى الحق دون اللفظ المجمل، فقوله هنا: كيف ننفي اللوازم مع فرضها لوازم؟ إنما يتوجه لو كان السلف ينكرون التحيز رأسًا، أما وقد بان لك عدم امتناعهم من التزام المعنى الحق، وهو قيام الرب بذاته واتصافه بصفات الكمال الوجودية وعدم مخالطته لخلقه، فقوله: (هذا خلف) . لا يلزمهم، وقد تقدم التفريق بين لوازم صفات الخالق ولوازم صفات المخلوق بما ينحل معه الإشكال الذي لم يتمكنوا من الانفكاك منه في تمييز معاني صفات الخالق من معاني صفات المخلوق. ثم نقل قوله: ولكن القوم ليسوا أهل منطق.
فنقول: نعم، ولكنهم أهل سنة وأثر، وعقل صريح، وفطرة سليمة، ولو كان في المنطق الذي يباهى به غنية لانتفع به واضعه، ولشفاه من وثنيته، ولما اختلف الفلاسفة والمتكلمون أشد الاختلافز ثم نقل قوله: وقد كفر العراقي وغيره مثبت الجهة لله تعالىز فنقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم، لجارية معاوية السلمي: "أَيْنَ اللهُ؟ ". قالتْ: في السماء. فقال: "أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ". رواه مسلم في صحيحه (537) .
وحكى أهل العلم تكفير أئمة السلف لمنكري علو الله تعالى، كما هو مثبت في كتب عقائد السلف، فليطلب العاقل لنفسه النجاة.(3/234)
هذا ما اتسع الوقت له من مناقشة تلك الشبهات، أما باقيها مما تلقفه عن ابن اللبان وغيره من الخليقة، فأحيل السائل في مناقشتها تفصيلًا على كتب أهل العلم كالتدمرية والحموية، وشرح الأصفهانية، ودرء التعارض، وغيرها لشيخ الإسلام ابن تيمية، والصواعق المرسلة ومختصره لابن القيم، وللدكتور خالد السبت، وفّّقَهُ اللهُ، دراسة قيمة حول كتاب الزرقاني تناول فيها المآخذ العقدية عليه. فالحمد لله.(3/235)
أسباب نشوء الفرق المنحرفة
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 03/07/1425هـ
السؤال
كيف خرجت الفرق الضالة عن الطريق الصحيح؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
أسباب انحراف الفرق الضالة الخارجة عن طريق السنة كثيرة؛ منها:
(1) أن الله - عز وجل- قدر ابتلاء العباد بالشر والخير؛ كما قال تعالى: "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" [الأنبياء: 35] .
(2) أن ذلك من سنن الله في عباده؛ "ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك" [هود: 118-119] .
(3) اتباع الأهواء والظنون والشيطان.
(4) العصبيات والفتن.
(5) دعاة الضلالة والتشبه بالكافرين، والإعجاب بمناهجهم ومخالطتهم.
(6) التقليد الأعمى، وقولهم: "بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا" [البقرة: 170] .
(7) التلقي عن الديانات الضالة والفرق المنحرفة، والأمم الهالكة؛ كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع.." رواه البخاري (3456) ، ومسلم (2669) .
(8) عدم التفقه في الدين (الجهل) ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" رواه البخاري (71) ، ومسلم (1037) .
(9) كثرة الجدال والمراء في الدين والخصومات.
(10) القول على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم- بغير علم.
(11) عدم تلقي العلم عن أهل العلم الراسخين أهل السنة والاستقامة.
(12) الخلل في مصادر التلقي، ومنه تلقي الدين عن غير الكتاب والسنة، وأخذ الدين بالآراء والأهواء والأذواق، والحكايات والأحلام، والتخرصات، ونحو ذلك.
(13) ادعاء عصمة الرجال سوى الرسول - صلى الله عليه وسلم-.
(14) تلقي الأفكار والنظريات في الدين عن الكفار، وأصحاب الأفكار المنحرفة.(3/236)
(15) الإعراض عن الدين، أو الغلو والتشدد فيه.
(16) الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم-، ونحو ذلك مما جاء به الشرع، وشهد به الواقع والتاريخ.(3/237)
النصيرية
المجيب د. حمود بن غزاي الحربي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 27/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما هي طرق الشيعة الاثني عشرية والنصيرية والإسماعيلية في الذبح؟ وهل تباح ذبائحهم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
تنسب طائفة النصيرية إلى: (محمد بن نصير البصري) من موالي بني نمير، وهو فارسي الأصل من خوزستان، وتعتبره هذه الفرقة، - التي ظهرت في القرن الثالث الهجري- إحدى الفرق الباطنية التي ترى أن فرائض الإسلام لها ظاهر وباطن يخالف ذلك الظاهر، ويفضّل النصيريون تسميتهم بـ (العلويين) نسبة إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- وهو مسمّى أطلقه عليهم المستعمر الفرنسي إبّان احتلال سوريا سنة 1920م تمويهاً على المسلمين في حقيقة هذه الطائفة التي حكم عليها علماء الإسلام بعد ظهورها بالكفر، والحكم على هذه الطائفة بالإسلام أو الكفر يقوم على أصلين اثنين:
الأول: معرفة معتقدات هذه الطائفة ومقالاتها من خلال تراثها الفكري.
الثاني: عرض هذه المعتقدات على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- إذ هما الحكم الفصل لكل مسلم ومسلمة في كل كبيرة وصغيرة، "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين".(3/238)
أما الأول: فمع أن النصيريين يعدّون ديانتهم ومذهبهم سراً من الأسرار العميقة كما ورد في كتابهم: (الهفت الشريف) : (يا مفضل: لقد أعطيت فضلاً كثيراً، وتعلمت علماً باطناً فعليك بكتمان سر الله ولا تطلع عليه إلا ولياً مخلصاً) ، وقصة سليمان الأذني وهو من أبناء مشايخ النصيريين لما ألَّف كتابه "الباكورة السليمانية"، وكشف فيه الكثير من أسرار العقائد النصيرية فأحرقوه حياً، وقصته مشهورة، أقول ومع ذلك الحرص تسربت بعض العقائد النصيرية إلى الضوء، فاطلع عليها الدارسون والباحثون وقالوا كلمتهم في الطائفة ومعتقداتها.. فمن معتقدات النصيرية (الحلول والاتحاد) ، فيرون أن الألوهية حلت في علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-! بل الإله في المذهب النصيري حل في البشرية منذ بدء الخليقة، ففي كتاب: (تعاليم الديانة النصرانية) ، وهو مخطوط في المكتبة الأهلية بباريس تحت رقم (6182) جاء فيه أن هناك سبعة أدوار للظهورات الإلهية اتخذت في كل دور وظهور رسولاً ناطقاً، فالظهور الأول كان في (شيث) وكان (آدم) هو الرسول الناطق، ثم انتقلت الألوهية إلى (سام) ، والنبوة إلى (نوح) وبعدها انتقلت إلى (إسماعيل) ، والنبوة إلى (إبراهيم) ، ثم انتقلت الألوهية إلى (هارون) والنبوة إلى (موسى) ، ثم انتقلت الألوهية إلى (شمعون الصفا) المعروف عند النصارى بـ (بطرس) ، والنبوة إلى (عيسى) ، وظهرت للمرة الأخيرة في (علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-) والنبوة في (محمد - صلى الله عليه وسلم-) ، وقد ذكر هذه العقيدة الإسماعيلي مصطفى غالب في مقدمته لكتاب (الهفت) للجعفي.
وبناءً على ذلك يكون علي إلهًا في الباطن وإماماً في الظاهر، وهذا ما ورد في كتاب (المجموع) صراحة السورة (8-9-10) ، (يا علي بن أبي طالب أنت إلهنا باطناً وإماماً ظاهراً) ، و (أشهد بأن الصورة المرئية التي ظهرت في البشرية هي الغاية الكلية، وهي الظاهرة بالنورانية، وليس إله سواها، وهي علي بن أبي طالب) .(3/239)
ومن معتقدات النصيرية القول بالتناسخ كما في كتابهم (الهفت ص21-22 وص 121 وص 146 وص 162 وص 190) ، وبناء على قراءة هذه النصوص من كتابهم الشهير أو كتاب (الباكورة السليمانية) لسليمان أفندي الأذني الذي كان من شيوخهم ثم تنصر، أقول بناء على ذلك يظهر أن القول بالتناسخ من الدعائم الرئيسية والأركان الهامة في المذهب النصيري، وهو عندهم بديل البعث والقيامة والحساب والجزاء، والثواب والعقاب ليس في الجنة أو النار في الآخرة، وإنما هو في هذه الدنيا حسب التراكيب والتقمصات الناسوتية والمسخوية التي تصيب الروح.
وإذا تجاوزنا العقائد إلى العبادات، فالعبادات عندهم لها معنى آخر غير المعنى الظاهر الذي أراده الله –تعالى- منها: جاء في كتابهم (الهفت ص 64) : (قلت: يا مولاي: أما كان أهله من أهل الصلاة؟ قال: ويحك أتدري ما معنى قوله تعالى: "وكان يأمر أهله بالصلاة؟ " قلت: يعني أهله المؤمنين من شيعته الذين يخفون إيمانهم وهي الدرجة العالية والمعرفة، والإقرار والتوحيد، وأنه العلي الأعلى ... أي الإمام علي، فأما معنى قوله تعالى: "وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة": فالصلاة أمير المؤمنين، والزكاة معرفته، أما إقامة الصلاة: فهي معرفتنا وإقامتنا..) ا. هـ.(3/240)
هذه بعض معتقدات النصيرية ومقالاتهم، وعندما نعرضها على الوحيين الشريفين، كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- نجدها تخالف ما جاء في الوحيين جملة وتفصيلاً يعرف ذلك من له إلمام بشريعة الإسلام؛ ولذا كفّر علماء الملة هذه الطائفة لكفرها بالله، وإشراكها بعبوديته وإبطالها لشريعته، واستحلالها لما حرمه الله تحريماً جلياً واضحاً، وتأويلها لأركان الإسلام العظام!. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (هؤلاء القوم الموصوفون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم- أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والإفرنج وغيرهم، فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت، وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله، ولا بكتابه، ولا بأمر ولا نهي، ولا ثواب، ولا عقاب، ولا جنة ولا نار، ولا بأحد من المرسلين قبل محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا بملة من الملل السابقة، بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء المسلمين يتأولونه بينهم على أمور يقرونها بينهم ويدعون بأنها علم الباطنية ... إلخ..) رحمه الله في الفتاوى [ (35/149) ] .
وممن حكم بكفرهم ابن القيم في (إغاثة اللهفان، 2/247-249) ، وابن حزم في (المحلى، 13/139) ، والديلمي في (بيان مذهب الباطنية وبطلانه، ص71) ، والغزالي في كتابه (فضائح الباطنية، ص37) .
وإني لأنصح الأخ السائل بالاطلاع على الكتب التي تكلمت عن هذه الطائفة بالتفصيل مثل كتاب (الإسماعيلية) لإحسان إلهي ظهير، و (أصول الإسماعيلية) للدكتور سليمان السلومي، و (طائفة النصيرية) للدكتور سليمان الحلبي وغيرهم. والله أعلم وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(3/241)
يجادله بأقوال معزوة إلى عيسى -عليه السلام-
المجيب عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
عضوهيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 14/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
صديق لي نصراني، يجادلني كثيرًا بقول لعيسى عليه السلام، في الإنجيل: (أنا نور وأنا الحقيقة ومن يتبعني يدخل الجنة) . هل هذا القول من عيسى عليه السلام، فيه ادعاء غير مباشر للألوهية؟ وكيف نرد على هذا القول؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
على صديقك النصراني أن يثبت أن هذا قول عيسى فهذا قول محرف؛ ولا يمكن لعيسى عليه السلام، أن يقول: (أنا نور) . فعيسى عليه السلام، مخلوق، خلقه الله بكلمة كُن، فليس نورًا، وإنما هو مخلوق من لحم ودم، فمن أين لك بأن هذا قول عيسى عليه السلام، والإنجيل الموجود محرف، فلا يمكن أن يقول عيسى عليه السلام،: (أنا نور) . فهو بشر كسائر البشر، والبشر ليسوا نورًا، فالله خلق آدم من تراب، وخلق حواء من آدم، وخلق عيسى بكلمة كن، وخلق سائر الناس من ماء الرجل وماء المرأة، وليس هناك أحد نورًا، ومن قال إنه نور أو إنه جزء من الله، فهذا كفر وردة عن الإسلام، فالنصارى يدّعون أن عيسى ابن الله، أو أنه جزء من الله، أو أنه نور، وهذا كفر وردة، كما أن بعض الناس يدعون أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم نور، وهذا باطل، فهو صلى الله عليه وسلم مخلوق من أبويه، وعيسى عليه السلام، لا يقول الكفر، ولما قال الله له: (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ. . .) [المائدة: من الآية116] . والله أعلم.(3/242)
منهج التعامل عند أهل السنة
المجيب د. محمد بن علي السماحي
أستاذ العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة القاهرة
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 13/02/1426هـ
السؤال
ما هو الضابط لطعن أهل السنة الذي به يلحق الرجل بالبدعة، لأنني أسمع أن من طعن في فلان فاتهمه على الإسلام، وقولهم علامة المبتدعة الطعن في أهل السنة كما هي مقولات السلف، لأنني أرى خطأ من البعض فينزلها على الدعاة، وعليه عندي هذه الأسئلة؛ ما هو ضابط هذا الطعن؟ وهل ينزل على من طعن في أهل السنة جميعهم أم في أحاد أهل السنة؟ وهل ينظر لموجبات الطعن أنني أرى بعض من أهل السنة يطعن في بعض كما هو مشهور، ورأيت بعض الشباب ينزل هذه المقالات السلفية على المخالف لشيخه أو طائفته. وعليه أريد تفصيلاً لهذا حتى يستنير الشباب. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
بداية فتعريف العلماء لمصطلح (أهل السنة) هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة إلى قيام الساعة وهم سلف الأمة الذين استقاموا على الاتباع وجانبوا الابتداع في كل مكان وزمان، وظهر مصطلح (أهل السنة) في القرن الثاني لما كثرت الأهواء والفرق، فتميزوا عن غيرهم بهذه التسمية" أ. هـ.
وسأحيلك ـ أخي عبد الرحمن ـ على رسالة الشيخ سفر الحوالي لأهل اليمن، وهي بعنوان (منهج التعامل عند أهل السنة) ؛ ففيها فوائد عديدة، كما أنها تحدد أصول أهل السنة وقواعدهم في التعامل مع إخوانهم من أهل القبلة وهي:(3/243)
1- إن سبيل السنة والاتباع؛ كما هو أهدى السبل وأقومها هو كذلك أوسعها وأرحمها، وقد وسع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومسلمي الأعراب، وبين هاتين المرتبتين من مقامات الإيمان مالا يعلمه إلا الله (كما بيَّن تعالى في سورة التوبة) وأهل هذا السبيل السالكون له داخلون دخولاً أولياً في الأمة المصطفاة: "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ " [فاطر:32] ... إلخ.
فلا يشقى ظالمهم بالسير مع سابقهم وإن تأخر، بل يحمل بعضهم بعضاً، ويجبر بعضهم كسر بعض، وكلهم صائرون إلى حسن العاقبة؛ منهم من يدخل من أبواب الجنة الثمانية، ومنهم من يلازم باباً واحداً، ومنهم بين ذلك.
ومنهم من يدخلها بالقيام مقام الأنبياء، ومنهم من يدخلها بتهليلة في ساعة صفاء، أو دمعة في جوف الليل، أو درهم وضعه في يد مسكين، أو غصن من الشوك أزاحه عن طريق المسلمين.
2- وهم متنوعون في مواهبهم ومقاماتهم، متحدون في منهجهم وغاياتهم: منهم المجاهد، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، والمفسر والمحدث واللغوي والشاعر، ومنهم العامة المطيعون لله ورسوله ولو لم يحملوا من العلم شيئاً.
فكل من لم يُفسد عليه أهل البدع فطرته فهو منهم على فطرة السنة، كالمولود على فطرة الإسلام الذي لم يهوده أبواه ولم ينصراه أو يمجساه.(3/244)
وأهل السنة والاتباع يؤدون حقوق الأمة كما أمر بها الشرع، فإن الشرع في مقام المعاملة مع الله وأداء حقه علق دخول الجنة والفوز باسم (الإيمان) كما في آيٍ كثيرة جداً من كتاب الله، ولكنه في مقام التعامل مع الناس علق حقوق صيانة الدم والمال والعرض باسم (الإسلام) ، فقال: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" أخرجه مسلم (2564) وقال: "حق المسلم على المسلم خمس" أخرجه البخاري (1240) ، ومسلم (2162) ، وقال: "المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده" أخرجه البخاري (10) ، ومسلم (42) ، فمن ثبت له اسم الإسلام ثبتت له هذه الحقوق، ولا تسقط إلا بيقين ولمصلحة الدين، بل إن الله تعالى سمى الطائفتين المتقاتلتين مؤمنين تنبيهاً لثبوت حقهما على سائر المسلمين، فقال تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ" [الحجرات:10] .
3- وهم لا يهدرون الأحكام الثابتة والأصول الكلية لأجل الأحكام العارضة والوقائع العينية؛ فمن الأصول الكلية الثابتة بصريح الآيات والأحاديث الصحيحة: (وجوب اجتماع كلمة المسلمين) ومن الأحكام العارضة: (هجر المبتدع أو الفاسق) فما لم تكن المصلحة في ذلك راجحة فلا يصار إليه، وهو مما تتغير فيه الأحوال ويقبل تعدد الاجتهاد.
4- ومن صلَّى صلاتهم، واستقبل قبلتهم، وأكل ذبيحتهم فهو منهم؛ له ما لهم، وعليه ما عليهم، وحسابه على الله وسريرته إليه، لا تنقيب عن القلوب، ولا شق عن السرائر، ولا إساءة ظن، ولا غلّ على سابق بالإيمان، ولا تفريق للمسلمين بالألقاب والأسماء وإن كانت أشرف الأسماء، مثل (المهاجرين والأنصار) ؛ لأنها إنما تقال على سبيل الثناء والتأليف أو التمييز والتعريف، فما أغنى عن المعتزلة تسميتهم أنفسهم بـ (أهل التوحيد والعدل) ولا أغنى عن الصوفية دعواهم أنهم (أهل الولاية والقرب) وقبلهم قالت اليهود والنصارى: "نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ" [المائدة:18] .(3/245)
5- وهم يعدون امتحان الناس بالولاء والبراء لطائفة أو معين من المحدثات التي زجر عنها السلف؛ فإن الموالاة والمعاداة تكون على الحقائق لا على الدعاوى والأسماء، وفي جماعتهم الصغرى قدوة لجماعتهم الكبرى؛ فكما أن الواجب هو أن يصلوا كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون، وأن يكون إمامهم من أهل الاتباع؛ دون أن يمنعوا دخول أهل النفاق والمعاصي إلى المسجد وصلاتهم بصلاة أهل السنة، فكذلك يجب أن يكون اجتماعهم العام على السنة بمفهومها الواسع والعميق، ولا يمنع ذلك أن ينضم إليهم في نصرة الإسلام ومعاداة أعدائه من هو متلبس ببدعة أو مقيم على معصية، لكنهم يجتهدون في دعوة هؤلاء إلى الاستقامة مثلما يُعلّم الإمام جماعة المسجد كيف يؤدون الصلاة صحيحة، وهذا خير من أن يستقل أهل المعصية بمسجد وإمام، ويكون بين المسجدين عداوة وخصام.
6- وهم أقوياء في الحق من غير غلو، ورحماء بالخلق من غير عسف ولا جور، يأمرون بالمعروف بمعروف، وينهون عن المنكر بلا منكر.(3/246)
7- وهم يوفون الكيل والميزان بالقسط ولا يبخسون الناس أشياءهم، ويزنون الأمور بالعدل والحكمة، ويرتكبون أخف الضررين، ويجتنبون أكبر المفسدتين، ويصبرون على أهون الشرين، ويسلكون أقرب الطريقين، ويختارون أيسر الأمرين، يأوي إلى عدلهم المظلوم من كل أمة وطائفة، ويثق في علمهم طالب الحق من كل ملة ونحلة، فالعدل عندهم قيمة مطلقة؛ فإن الله تعالى جعله واجباً على كل أحد لكل أحد في كل حال؛ فهو قيمة مطلقة لا يحدها اختلاف الدين فضلاً عما هو أدنى من ذلك، قال تعالى: "وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا" [المائدة:2] ، ومن لم يميز بين وجوب معاداة الكافرين والظالمين ووجوب العدل معهم، ويقيم الواجبين معاً فليس من أهل الفقه في الدين والاتباع لسيد المرسلين الذي أوحى إليه ربه أن يقول: "وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ" [الشورى:15] .
8- ومن حكمتهم في الدعوة: أن يظهروا محاسن الأئمة المتبوعين من أئمة العلم أو السلوك أو الدعوة، ويبينوا أن ما أوتوه من تعظيم وثناء إنما هو بسبب ما لديهم من اتباع للحق وجهاد من أجله، وأن ما نالهم من توفيق في دعوتهم فهو بسبب ما اتبعوا من السنة، ويجعلوا ذلك وسيلة لدعوة أتباعهم والمنتسبين إليهم إلى السنة والاتباع، ونبذ التعصب للمتبوعين، والعمل لنصرة الدين كما نصر أولئك الأئمة، وبذلك يجمعون بين العدل مع المتبوعين والدعوة الحكيمة للتابعين، كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كلامه عن الأئمة الأربعة وغيرهم كالأشعري، وعدي بن مسافر.
9- هم أكثر الناس ازدراءً للنفس في ذات الله، وأبعدهم عن ادعاء الكمال، لا يزكون أنفسهم بالشعارات وبالألقاب، ولا يستغنون عن الاتباع بالانتساب، بل يعلمون أن ليس بأمانيهم ولا أماني أهل الكتاب.(3/247)
وهم في جهادهم، ودعوتهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتغليظهم على أهل البدع وسائر أمورهم يتقدمون ويتأخرون بمقتضى الدليل الشرعي، والمصلحة الدينية، ودافع النصح لله ولرسوله وللمؤمنين، وليس بدافع الانتقام أو التشفي أو التشهير، يعاقبون أحب صديق لهم، ويعفون عن أعدى عدو لهم إذا اقتضى أمر الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم- ومصلحة الإسلام ذلك.
وهم يفرحون بتوبة التائب، ويقبلون عذر المعتذر، ويدعون بالهداية للعاصي؛ لأنه لا حظ لأنفسهم في شيء من ذلك، بل إنما يريدون وجه الله، ويحرصون على هداية خلق الله، ولا يحبون أن يعثروا على بدعة أو معصية ممن يخالفهم؛ لأن من فرح بذلك فقد أحب أن يُعصى الله، ومن أحب أن يُعصى الله فليس من الله في شيء.
ويسترون عيوب المسلمين، ولا يتتبعون عوراتهم، ولا يذكرون أخطاء أهل العلم إلا لبيان الحق، وعلى سبيل الترجيح لا التجريح، ويلتمسون لهم العذر ما أمكن.
وقد كان بعض السلف يوصون الوعاظ والخطباء ألا يُفصِّلوا ذنوب المسلمين ويشهروا عيوبهم على المنابر؛ حتى لا يشمت بهم أهل الكتاب والمشركون. ويدخل في ذلك التشهير بالجماعات الإسلامية في أوساط أهل الإلحاد والبدع.
وكثير من الناس يحصرون (السني) في المتمحض للسنة؛ الذي لم يقع منه خطأ ولا تأويل ولا جهل، ويقابلهم آخرون يظنون أن (المبتدع) هو من اجتمعت فيه أصول البدع، أو انتسب إلى ما اجتمعت فيه أصول البدع، أو انتسب إلى ما أجمعت الأمة على أنها من فرق الضلال.
والحق أن البدع كسائر الذنوب: منها الكبير والصغير، والصريح والمشتبه، والعصمة من التلبس بها نادرة أو قليلة.
والمخالفة بالتأويل والخطأ والجهل سمة أكثر الخلق، ويجتمع في الواحد المعيَّن والطائفة الحرص الشديد على السنة مع الوقوع الصريح في البدعة، كما يتفق للكثير من أهل البدع إصابة السنة في بعض الأحوال والمقامات؛ وإنما العبرة بالأصول والمنهج في الجملة والعموم، والموفق من وفقه الله.(3/248)
وعلى كل أحد اتهام نفسه، والتفتيش عن عيوبه، وتجديد إيمانه، وعلى الكافة التناصح في غير جفاء، وقبول الحق من أي مصدر جاء.
10- وهم لا يمنعهم طلب الكمال عن الحكمة في التعامل مع واقع الحال، فيدعون إلى الحق كاملاً غير منقوص، وإلى الاتباع المطلق للرسول صلى الله عليه وسلم، ويقبلون من الناس التدرج في الأخذ بذلك والتفاوت فيه، وسيرته صلى الله عليه وسلم، هي منهاجهم وقدوتهم في هذا وغيره.
11- ومن ضاق علمه وقصر نظره عن الجمع بين التمسك بأصول السنة وبين التعامل الشرعي مع الأمة ولا سيما المخالفون منها؛ فقد قصَّر في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته، كمن يظن أن المخالفين تسقط كل حقوقهم الشرعية، أو أن العدل معهم ضعف وتهاون، أو أن نصرة الدين لا تكون إلا من أهل الطاعة الثابتة والاتباع الكامل. فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وبأقوام لا خلاق لهم، ولا سيما في حال المعارك؛ قتالية كانت أو عقدية أو سياسية.
ولهذا كان من أصول السنة: (الجهاد مع كل بر وفاجر) وهذا الجهاد يشمل الجهاد الميداني، والجهاد السياسي، والجهاد العلمي والدعوي؛ ما دام المقصود منه النكاية في عدو الدين المستبين الذي لو تسلط لكان ضرره أعظم من تسلُّط من تَنْقُصه شروط العدالة والاستقامة.(3/249)
وقد جاهد كثير من علماء السلف مع جيوش الحجاج بن يوسف وكلهم لا يشك في طغيانه وظلمه، كما فرح أهل السنة بما فعل بعض الخلفاء والولاة بالمبتدعة، وإن كانوا في أنفسهم ليسوا على السنة المحضة؛ مثل المتوكل، وخالد بن عبد الله القسري؛ فالعبرة في هذا كله بنصرة الدين وإقامة الشريعة، وأخيرا ـ أخي السائل ـ فإن العلم والعدل هما ضابط الحكم على الناس ـ كما قرره العلماء ـ، وإن اعتمادهما ـ أي شَرطي العلم والعدل في الكلام على الناس عمومًا، وفي الحكم على أقوال المخالفين وأعمالهم خصوصًا.. لا يعني المداهنة مع المبتدعة، ولا الدفاع عن باطلهم، ولا تذويب العقيدة أو إضعاف جانبها أمام الضلالة، أو التقصير نحو إظهارها أو إعلائها على غيرها من الأقوال والآراء المخالفة، لكنه المنهج الحق الذي شرعه الله لأنبيائه وعباده، وارتضاه لهم في كتبه، واتبعه رسوله صلى الله عليه وسلم، وسار عليه سلف الأمة وعلماؤها.. يقول عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بعد تقريره: (ولما كان أَتْبَاعُ الأنبياء هم أهل العلم والعدل، كان كلام أهل الإسلام والسنة، مع الكفار وأهل البدع، بالعلم والعدل لا بالظن وما تهوى الأنفس) ، وفي النهاية أسوق هذا المثل: خرج رجل أعجمي مسلم لا يحسن اللغة العربية جيدًا لقضاء بعض حوائجه، وفي الطريق استرعى انتباهه رجلين عربيين مسلمين كانا يتحادثان، ثم اشتد نقاشهما واحتد إلى درجة السباب والشتائم والبذاءة، فرجع الرجل الأعجمي المسلم إلى أهله وعلى وجهه علامات الضيق والاستغراب فسأله أولاده ماذا جرى فأجابهم بالقصة ثم علق قائلاً:
ما كنت أظن أن اللغة العربية التي نزل بها القرآن العزيز يمكن أن تستخدم في العراك والسباب.(3/250)
عقيدة الشوكاني وآخرين
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 08/11/1425هـ
السؤال
ما عقيدة هؤلاء العلماء: أبو قتيبة الدينوري، الشوكاني، الخلال، اللالكائي، الأمير الصنعاني؟ وما أفضل كتب الفقه وأيسرها؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
هؤلاء العلماء الذين ذكرت هم من أهل السنة والجماعة، ومن المعدودين في أتباع السلف- رحمهم الله تعالى جميعًا- ولهم جميعًا كتب تشهد بذلك، فجزاهم الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء، إلا أن هناك بعض المآخذ أخذت على العالمين الجليلين الشوكاني والصنعاني- رحمهما الله تعالى.
أما الشوكاني فقد وقع في كتابه (فتح القدير) ، بعض التأويلات في أبواب الصفات، نبَّه عليها د. محمد الخميّس في كتابه (التنبيهات السنية على الهفوات العقدية في بعض الكتب العلمية- الفصل الثاني) ، فراجعه.(3/251)
وأما العلامة الصنعاني- رحمه الله- فإنه تبنّى بعض المسائل التي لا يوافَق عليها- وهي نادرة- بينّها وجلاّها- بعدل وإنصاف- د. عبد الرزاق البدر في مقدمة تحقيقه لكتاب الصنعاني (الإنصاف في حقيقة الأولياء وما لهم من الكرامات والألطاف) ، فيمكنك أن تراجعه، وينبغي أن تعلم أخي السائل أن وجود بعض الأخطاء العلمية في كلام أحد من أهل العلم المعروفين بنصرة الدليل، واتباع منهج السلف- رحمهم الله- لا يجوز أن يكون سببًا في الطعن عليه أو النيل منه، بل الواجب أن يبين الخطأ، وتحفظ له سابقته ومكانته في العلم، والدعاء له جزاء ما قدم ونفع، مع الاعتذار لهم ما أمكن، وذلك بدراسة الوضع الاجتماعي والسياسي، والبيئة العلمية التي نشأ فيها العالم، وغير ذلك من المؤثرات التي تلقي بظلالها على الشخص مهما كان علمه، وقل أن ينفك عنها بشر، فإن ذلك معين على فتح أبواب من العذر لذلك العالم- الذي أخطأ- لم تكن لتقال لولا دراسة تلك الأسباب التي أشرت إليها.
وأما أفضل الكتب في الفقه وأيسرها، فالواقع أن اختيار كتاب معين في أي فن من الفنون، سالم من الملاحظات لا يكاد يوجد، خاصة إذا كانت حالة السائل غير معلومة للمسؤول؛ لأن الكتاب الذي يصلح للمبتدئ غير الكتاب الذي ينصح به المتوسط، والمتقدم في الطلب، لذا أحيل السائل على أقرب شيخ أو طالب علم يعرفه، ويعرف إمكانيته؛ حتى يرشده إلى الكتاب الذي يناسب حاله. والله أعلم.(3/252)
نشأة الشيعة
المجيب د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 05/05/1426هـ
السؤال
السلام عليكم
كيف بدأت طائفة الشيعة، وكيف أصبحت صلاتهم تختلف عن صلاتنا؟ وكيف بدأت هذه الفجوة، وكيف تبلورت كفرقة مستقلة؟
الجواب
بدأت الشيعة في الظهور في عهد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عندما خرج عليه فرقة الخوارج التي كانت تكفره - رضي الله عنه - وحاشاه-، وكان بعضهم يفضله على عثمان على خلاف أكثرية الصحابة، وقد تظاهر شخص يهودي بالإسلام اسمه: "عبد الله بن سبأ" وأخذ يتظاهر بنصرة علي -رضي الله عنه- ويزعم أنه وصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقصده إفساد الدين.
ومن ذلك التاريخ والتآمر لم يتوقف، ودسوا أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزعم أن علياً -رضي الله عنه- هو وصي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن الصحابة منعوه الوصية، وتعلَّق بهذه الدعوى قوم من الفرس، واستمر الكيد، والسذج من المسلمين يصدقون، إلى أن جاءت الدولة الصفوية في إيران والعراق، فأجبرت الناس على التشيع، وكثرت الأحاديث المكذوبة، واغتر بها من كان في قلبه كره للصحابة الذين أزالوا دولة الفرس والروم، وحرصوا على أن يخالفوا المسلمين في كل شيء، ومن ذلك الصلاة.(3/253)
دخول الكنائس
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 22/09/1426هـ
السؤال
هل يجوز دخول المسلم معابد النصارى واليهود من كنائس وغيرها؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالصحيح من مذهب الإمام أحمد -رحمه الله- جواز دخول معابد النصارى واليهود والصلاة فيها، وفي مذهب أحمد عدة روايات، فقد جاء في الإنصاف للمرداوي -رحمه الله- ما نصه: "وله دخول بيعة وكنيسة والصلاة فيهما من غير كراهة على الصحيح من المذهب، وعنه تكره مع صور، وظاهر كلام جماعة ويحرم دخولها معها". انتهى.
وفي مجموع الفتاوى لابن تيمية -رحمه الله- (22/162) أنه سئل عن الصلاة في البيع والكنائس مع وجود الصور، فأجاب -رحمه الله- بقوله: "وأما الصلاة فيها، ففيها ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره: المنع مطلقاً، وهو قول مالك، والإذن مطلقاً، وهو قول بعض أصحاب أحمد، والثالث، وهو الصحيح المأثور عن عمر بن الخطاب وغيره، وهو منصوص عن أحمد وغيره، أنه إن كان فيها صور لم يصل فيها؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ... وكذا قال عمر: "إنا كنا لا ندخل كنائسهم والصور فيها" انتهى.
قلت: ومما يدل على جواز الدخول لتلك المعابد دون الصلاة فيها إذا كان فيها صور ما جاء في الصحيحين أن أم حبيبة ذكرت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور ... الحديث [صحيح البخاري (427) ، وصحيح مسلم (528) ] . ووجه الدلالة أن أم حبيبة دخلت الكنيسة ولم ينكر عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- فدل ذلك على جواز ذلك، والله أعلم.(3/254)
الفرقة الكُلاَّبية
المجيب خالد بن عبد العزيز السيف
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 02/11/1426هـ
السؤال
أريد أن توضّحوا لي معتقدات ابن كُلاَّب.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن عبد الله بن سعيد بن كُلاّب من أشهر من اشتغل بعلم الكلام في البصرة في زمانه، وله مناظرات مع المعتزلة في أيام المأمون مشهورة، بين فيها بطلان مذهبهم كما ذكر ذلك ابن النديم في "الفهرست" وغيره، مع أن ابن كُلاّب كتب بعضاً من المؤلفات في العقائد، إلا أن هذه الكتب لا زالت في عداد المفقودات، ويمكن أخذ آرائه ومعتقداته مما كتبه كُتَّاب المقالات والمهتمين بهذا الشأن.
أما في مسائل الأسماء والصفات فمجمل قوله هو: إثباتها، وخصوصاً الصفات الخبرية منها كاليد والعين والوجه وغيرها، وأما الصفات الفعلية كالنزول والمجيء وغيرها مما يتعلق بمشيئة الله وإرادته فقد نفاها ابن كُلاّب بناء على نفي حلول الحوادث، وهو أن من قامت به الحوادث لا يخو منها، ومن قامت به الحوادث فهو حادث بناء على أن الصفات الفعلية حوادث، وقد التزم ابن كُلاّب في هذه الأصل شبهة حلول الحوادث التي قال بها المعتزلة، مع أنه ممن قام في وجه المعتزلة إبطالاً ورداً.
وقول ابن كُلاّب في الأسماء والصفات فيه قصور عن الحق، وهو خلاف ما يعتقده السلف من إثبات الأسماء والصفات كلها، سواء منها الخبرية أو الفعلية كما جاء به الكتاب والسنة من غير تمثيل ولا تعطيل ولا تحريف ولا تكييف إثباتاً يليق بجلال الله وعظمته.
أما ما يعتقده ابن كُلاّب في القرآن الكريم فهو مبني على قوله في الصفات الفعلية،
حيث إن الكلام صفة فعل وهو ينفيها عن الله، ولذلك قال بأزلية الكلام، وأنه معنى(3/255)
قائم بالله كالعلم والقدرة، وأنه ليس بحرف ولا صوت ولا ينقسم ولا يتجزأ ولا يتبعّض، وأنه معنى واحد، وأن القرآن الذي يتلى هو حكاية عن كلام الله، مع التزام ابن كُلاّب بقوله بأن القرآن غير مخلوق.
وهذا القول من ابن كُلاّب مخالف لقول السلف من أن القرآن كلام الله تكلم به حقيقة بصوت وحرف مسموع وهو غير مخلوق. أما في موضوع رؤية الله تبارك وتعالى؛ فقد أثبتها ابن كُلاّب كما أثبتها أهل السنة، وأما في موضوع القضاء والقدر فهو في الجملة يقول فيه بقول أهل السنة، وهو إثبات القدر من الله تعالى.
وقد كان لطريقة ابن كُلاّب في الاعتقاد أثر بارز في المدرسة الأشعرية التي جاءت بعده، وخصوصاً في نفيه لصفات الأفعال بناء على قوله بحلول الحوادث. هذا مجمل وأهم ما يُذكر في معتقد ابن كُلاّب. والله أعلم.(3/256)
ما هي الليبرالية؟
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 19/04/1427هـ
السؤال
ما هي الليبرالية، وهل هي كفر؟! ولكم جزيل الشكر.
الجواب
اتجاهات الليبرالية عديدة ومتنوعة، تجتمع تحت عنوان (التحرر من الضوابط والمعايير عموما، والدينية على وجه الخصوص) .
1. أنواع الليبرالية:
1.1 فكري,
1.1.1 قناعات فكرية بالمناهج والمذاهب التغريبية وبالمسالك العملية مثل:
* البنيوية.
* التمركز حول الأنثى.
* الحداثة.
* العلمانية (وهي أعم وأشمل وتشكل المعتقدالأصولي لليبرالية)
* العصرانية.
2 عضوي.
انتماء إلى حركة معينة أو إلى مذهب له أعضاء أو إلى دولة غربية سراً أو علانية.
* حركة مثل:
* الماسونية.
* حركة الاستنارة.
* الفرنكفونية.
* الأندية المشبوهة (روتاري--ليونز--)
* مذهب مثل:
* الماركسية.
* الوجودية.
* دولة والارتباط بها يكون:
* سراً مثل:
* المخابرات.
* قد يظهر الارتباط بواجهة تعاون ثقافي مع السفارات أو البعثات.
* علناً مثل الشخصيات التي تعلن عن ذلك مثل:
* علي آل حمد.
* شاكر النابلسي.
* مأمون فندي.
* عبد الرحمن الراشد.
* أحمد الربعي.
3 سلوكي.
1.3.1 وفق القناعات الفكرية.
1.3.2 وفق الإنتماء العضوي.
1.3.3 تقليد ومحاكاة.
2. مجالات الليبرالية.
2.1 الفكر.
2.1.1 منظومة من الأفكار أو المناهج أو المذاهب تشكل قناعات فعلية توجه أصحابها وتسيطر على نظراتهم ومعاييرهم.
2.2 المشاعر.
2.2.1 مجموعة من المقاصد والمشاعر والولاءات والعداءات, تظهر من خلال الميول والحب والرغبة والاعتزاز والانتماء.
2.3 الأعمال والممارسات.
2.3.1 مسيرة مسلكية علمية يسير صاحبها وفق القناعات الفكرية والميولات القلبية أو بسبب التقليد والمحاكاة.
المعالم الرئيسية لما يريد أصحاب الليبرالية تثبيته:
1. الغرب مصدر وأصل.(3/257)
1.1 تسويق المبادئ والأفكار الغربية.
1.2 تحسين كل ما يأتي من عنده.
1.3 الدفاع عن مواقفه في القضايا المختلفة-تبرير المنطلقات والمقاصد.
1.4 تشجيع الدول والأفراد للحاق بالغرب.
1.5 الحضارة الغربية الليبرالية سائرة نحو تعميم نفسها على مختلف مناطق العالم.
2. المجتمع.
2.1 بث المذاهب الفكرية.
2.2 لا يوجد شيء اسمه غزو فكري.
2.3 كسر جوزة المسكوت عنه وتحليل مابداخلها.
3. السياسة.
3.1 المصلحة هي الأساس-البراجماتية-.
3.2 الدولة المدنية هي البعيدة عن أي تأثير ديني.
3.3 عدم الحرج من الاستعانة بالقوى الخارجية لدحر الدكتاتورية العاتية واستئصال جرثومة الاستبداد وتطبيق الديموقراطية الغربية، في ظل عجز النخب الداخلية والأحزاب الهشة..وهذه ليست سوابق تاريخية، فقد استعانت أوروبا بأمريكا لدحر النازية والفاشية.. وقامت أمريكا بتحرير أوروبا كما قامت بتحرير الكويت والعراق.
3.4 لا حرج في أن يأتي الإصلاح من الخارج..سواء أتى على ظهر جمل عربي أو على دبابة بريطانية أو بارجة أمريكية أوغواصة فرنسية.
3.5 لا حل للصراع العربي مع الآخرين في فلسطين وغيرها إلا بالحوار والمفاوضات والحل السلمي.
3.6 الإيمان بالتطبيع السياسي والثقافي مع الأعداء.
3.7 الاعتراف بالواقعية السياسية مثل:
3.7.1 اتفاقية كامب ديفيد 1979.
3.7.2 اتفاقية أوسلو1992.
3.7.3 اتفاقية وادي عربة 1994.
3.7.4 يجب أن تصبح اتفاقات شعبية.
4. الدين.
4.1 التدين تحجر وقسوة وظلام وتكفير.
4.2 الدين علاقة بين الفرد وربه لا غير.
5. المرأة.
5.1 مساواة المرأة مع الرجل مساواة تامة في الحقوق والواجبات والإرث والشهادة وتبني مجلة الأحوال الشخصية التونسية 1957 وهي نموذج أمثل لتحرير المرأة كتاب الليبراليون الجدد، النابلسي-ص25.
6. مفاهيم.
6.1 حتمية الليبرالية والديموقراطية لأنها حركة تاريخية شاملة جارفة كاسحة.(3/258)
6.2 الليبرالية الجديدة مع: القيم الإنسانية الكونية ومع التعددية الفكرية والعقائدية، ومع حرية الضمير، ومع التفاعل الحضاري والإنساني.
6.3 مبادئ الليبرالية الجديدة: حرية الفكر المطلقة-حرية التدين المطلقة-التعددية السياسية-المطالبة بإصلاح الدين-فصل الدين عن الدولة-إخضاع المقدس والتراث للنقد العلمي- تطبيق الاستحقاقات الديموقراطية.
6.4 من مطالب الليبراليين الجدد:
6.4.1 المطالبة بإصلاح التعليم العربي الظلامي (الديني) .
6.4.2 إخضاع المقدسات والقيم الأخلاقية والتشريعات للنقد العلمي باستخدام الجينالوجيا القائمة على (من؟ ولماذا؟) .
6.4.3 يجب عدم الاستعانة مطلقاً بالمواقف الدينية التي جاءت في الكتاب المقدس (القرآن) تجاه الآخرين قبل 15 قرناً.
6.4.4 الأحكام الشرعية وضعت لزمانها ومكانها، وليست عابرة للتاريخ.
6.5 تبني الحداثة الغربية تبنياً كاملاً، باعتبارها تقود للحرية.
6.6 الوقوف إلى جانب العولمة وتأييدها باعتبارها أحد الطرق الموصلة إلى الحداثة الاقتصادية والسياسية والثقافية.
7. المرجعية.
7.1 تقديس العقل والتشكيك في الغيب.
7.2 تثبيت فكرة المرجعية الإنسانية ومركزية العقل الإنساني.
7.3 تثبيت أن الطبيعة كل مادي ثابت له غرض وهدف وهي مستودع القوانين المعرفية والأخلاقية والجمالية ومنها يستمد الإنسان معياريته.
7.4:نظرية المعرفة تقوم على العقل والحس فقط.
7.5 الإله: معزول وبعيد (مقدس بشكل إقصائي) , وسواء أكان موجوداً أو غير موجود فهذا أمر هامشي لا علاقة له بمناشط الإنسان العملية والاجتماعية.
المعالم الرئيسية لما يريد أصحاب الليبرالية نفيه وإزالته:
1. فيما يتعلق بالغرب.
1.1- عدم الالتفات لعيوب الغرب وممارساته الاستبدادية الظالمة.
2. المجتمع.
2.1 جحد الدور الحضاري للأمة.
2.2 الاستخفاف باللغة العربية.
3. السياسة.
3.1 محاربة الحكم الإسلامي باسم محاربة الإسلام السياسي.
4. الدين.(3/259)
4.1 إسقاط التاريخ الإسلامي وتشويهه.
4.2 تدنيس المقدسات.
4.3 الإعراض والتشكيك في كون الوحي مصدراً للمعرفة.
4.4 الزعم أن علماء الإسلام والوعاظ كما يسمونهم منغلقون عن العلم الحديث.
4.5 التيار الإسلامي ومشجعوه تيار غوغائي ديماغوجي.
4.6 التيار الإسلامي ضد القيم الإنسانية وضد التعددية الفكرية والعقائدية وضد حرية الضمير وضد التفاعل الحضاري والإنساني.
4.7 التعليم الديني ظلامي.
4.8 الأحكام الشرعية محصورة بزمانها.
4.9 الفكر الديني الذي جاء به علماء الدين وفقهاؤه ورجاله هو حجر عثرة.
4.10 أعداء العقل ابن تيمية والسيوطي وابن القيم.
4.11 استبدلوا العلوم المعاصرة بالطب النبوي، حتى أصبح النبي أحذق من أبي الطب أبو قراط.
5. المرأة.
5.1 الاعتداء على حصانة المرأة باسم الحرية والتحرر.
6. مفاهيم.
6.1 محاربة نظرية المؤامرة.
6.2 لا يمكن إنتاج الحاضر بتاريخ الماضي.
6.3 الاتجاه للماضي للاستعانة به لبناء الحاضر هو أسوأ الخيارات.
6.4 على العرب التخلي عن المثل الأعلى الموهوم.
6.5 تحرير النفس العربية من ماضيها ومن حكم الأسلاف الذين مازالوا يحكموننا من قبورهم.
7. المرجعية لا وجود لعلم مطلق.. ولا مرجعية للمقدس إلا ما يتوافق مع العقل.
هذه جملة من المفاهيم والمعتقدات الليبرالية والمتفحص لها يجد أنها لا تخالف الإسلام فقط بل تقف ضده بشراسة وتعتبره وأهله والداعين إليه والمدافعين عنه عناصر ظلم وظلام وتخلف ورجعية، وتصور هذا كاف في معرفة حكم الليبرالية، ألم يستحق أبليس وصف الكفر ونار الخلد برده على الله أمرا واحدا فكيف بمن يرد جملة ضخمة من أحكام الدين بل من نصوص القرآن العظيم؟(3/260)
تكفير المعين المستهزئ بالدين
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/التكفير والعذر بالجهل
التاريخ 26/5/1424هـ
السؤال
من المعلوم أن الاستهزاء بالدين أحد نواقض الإسلام، وكفر مخرج من الملة، ولكن هل يقال بأن هذا المستهزئ -بعد إقامة الحجة عليه وإصراره على ذلك- كافر؟ أي هل يكفر بعينه؟ أفيدونا مأجورين.
الجواب
الحمد لله، من استهزأ بشيء مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من القرآن ومن السنة الصحيحة أو شرائع الإسلام، كالصلاة والصيام والحج فإنه يكفر بذلك بعينه، ومثل هذا لا يجهل تحريمه وقبحه من كان عائشاً بين المسلمين، فإن الله تعالى قال في المنافقين الذين سخروا من النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- فأنزل الله فيهم:"قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم"
[التوبة: 65-66] ، فحكم عليهم سبحانه وتعالى بالكفر بأعيانهم، فمن استهزأ بالله أو بالرسول -صلى الله عليه وسلم- أو بالقرآن أو بشرائع الإسلام عالماً عامداً مختاراً فإنه كافر بعينه، فنقول هو كافر، يعني أنه يصير مرتداً عن الإسلام، تجب استتابته، فإن تاب وإلا قتل؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-:"من بدل دينه فاقتلوه" رواه البخاري (3017) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- نعوذ بالله من زيغ القلوب، والله أعلم.(3/261)
حكم من يقع في الشركيات عن جهل
المجيب د. عثمان بن جمعة عثمان ضميرية
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/التكفير والعذر بالجهل
التاريخ 30/3/1425هـ
السؤال
ما هو موقف الإسلام ممن يمارسون أعمال شركية كبرى بسبب الجهل؟ هل يخرجون بذلك من ملة الإسلام؟ أرجو تقديم جواب مفصل بأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة - رضي الله عنهم- والعلماء.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن توحيد الله تعالى هو مفتاح دعوة الرسل جميعا- على نبينا وعليهم الصلاة والسلام- ولذلك يجب الاهتمام بالتوحيد والحذر من الوقوع في أي لون من ألوان الشرك أو الكفر، كما يجب على المسلم أن يتثبت ولا يسارع إلى الحكم على مؤمن بالكفر أو الشرك إلا بعد تحقق شروط التكفير وانتفاء الموانع التي قد تمنع الحكم على معين بالكفر، إذ قد يقوم الكفر بشخص ولا نحكم عليه بذلك، فنقول: هذا القول أو هذا العمل كفر أو شرك، ولكن الحكم على القائل أو الفاعل بالكفر لا يكون إلا إذا توفرت شروطه - كما تقدم -.
والذي يمارس أعمالاً شركية كبرى بسبب الجهل؛ لأنه يعيش في بلاد غير المسلمين أو في بلاد يغلب عليها الجهل بالدين ولا يوجد فيها من يعلم الناس أمور دينهم ويقيم عليهم الحجة، ولم يبلغه ما يدل على كون هذه الأعمال شركاً؛ فإنه يكون في هذه الحال معذورًا، لقوله تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" [الإسراء:15] .(3/262)
وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن رجلا لم يعمل خيرا قط قال لأهله: إذا مات أن يحرّقوه ثم يذروا نصفه في البر ونصفه في البحر. فوالله لئن قدر الله عليه ليعذِّبنَّه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين. فلما مات أمر الله البرَّ فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: لمَ فعلتَ هذا؟ قال: من خشيتك يا ربِّ وأنت أعلم فغفر له" رواه البخاري (7506) ومسلم (2756) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. فهذا كان جاهلا، كما أن بعض المسائل قد تكون مسائل دقيقة خفية، فلهذا ينبغي عدم الإسراع في التكفير والحكم على الشخص بالشرك إلا بعد إقامة الحجة والبيان؛ فإن أصرَّ بعد ذلك وعاند فهو مشرك مرتد إن كانت الأعمال من الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر المخرج من الملة. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.(3/263)
الكفر الظاهر والخفي
المجيب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/التكفير والعذر بالجهل
التاريخ 03/07/1425هـ
السؤال
هل يحكم بالكفر على من لم نتمكن من إقامة الحجة عليه؛ لمنعته أو لبعده، وهل نحكم عليه بالنار.
الجواب
الأخ السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:(3/264)
لا شك أن الإسلام في هذه الأزمنة قد انتشر وظهر، وأمكن كل إنسان عاقل أن يبحث ويعرف ما يجب عليه، حتى يعلم الإسلام الصحيح والكفر الصريح، ولكن الكثير من أهل الكفر والبدع قد اقتصروا على أديانهم، وأقنعهم أكابرهم بصحة ما هم عليه، فأضلوهم عن سواء السبيل، وأوقعوهم في الكفر الصريح، وظنوا أنهم على حق وصواب، حيث اتبعوا رؤساءهم، وهم الذين يقولون: "ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا" [الأحزاب:67] وقال تعالى: "يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنّا مؤمنين" [سبأ: 31] ، وفي يوم القيامة يتحمل الرؤساء مثل آثام الأتباع، لقوله تعالى: " وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم" [العنكبوت: 13] ، وقال تعالى: "ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم" [النحل: 25] ، ومن وقع في الكفر الظاهر كالشرك والتكذيب بالرسل والتكذيب بالبعث فإنه يعتبر كافراً لأنه أعرض عن القرآن والسنة وصد عن سبيل الله، وأطاع رؤساءه وأكابر قومه، فالحجة قائمة عليه، والحكم أنه يرفع اسم الإسلام عنه، وأمره إلى الله، فلا يدعى له ولا يستغفر له، ويكون في يوم القيامة مع رؤسائه، ويتبرأ كل منهم من الآخر، كما قال تعالى: "إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب" [البقرة: 166] ، ومع ذلك يحرص أهل السنة على إقامة الحجة على الأتباع والمتبوعين، فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها، ومن لم تبلغه الحجة ولم يتمكن من معرفة الحق والدين، فحكمه حكم أهل الفترات، الذين يختبرون في الآخرة، والله أعلم بما كانوا عاملين.(3/265)
المسائل التي يُعذر فيها بالجهل؟
المجيب أ. د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/التكفير والعذر بالجهل
التاريخ 11/05/1427هـ
السؤال
هل يعذر الإنسان بجهله أو لا؟ وهل يعذر في ما علم من الدين بالضرورة؟ وما حدود الضرورة التي يجب على الإنسان أن يعرفها من الدين؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالعذر بالجهل مسألة من المسائل التي خاض فيها كثير من الناس ما بين غال وجاف، فهناك من يجعل الجهل عذراً بإطلاق، وهناك من يمنعه بإطلاق، والحق وسط بينهما، وفي هذه الكلمات سنبين -إن شاء الله- تبسيطاً لهذه المسألة، فأقول وبالله التوفيق:
المقصود بالجهل: خلو النفس من العلم، أو عدم العلم بما من شأنه العلم به، والجهل ابتداء أمر أصلي ينبغي رفعه -حسب الاستطاعة- قال تعالى: "وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا" [النحل:78] ، وروى مسلم (1579) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل علمت أن الله قد حرمها؟ ". قال: "لا".
ففي هذا الحديث دليل على أن الإثم مرفوع عمن لم يعلم، قال تعالى: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا" [الإسراء:15] . ومن أمكنه التعلم ولم يتعلم أثم.
والقاعدة الشرعية دلت على: أن كل جهل يمكن المكلف دفعه، لا يكون حجة للجاهل، فإن الله تعالى بعث رسله صلوات الله وسلامه عليهم إلى خلقه برسالاته وأوجب عليهم كافة أن يعلموها، ثم يعملوا بها، فالعلم والعمل واجبان، ولا خلاف في أن المرء لو أسلم ولم يعلم شرائع الإسلام فاعتقد أن ليس على الإنسان صلاة، أو أن الخمر حلال، وهو لم يبلغه حكم الله، لم يكن كافراً بلا خلاف يعتد به، حتى إذا قامت عليه الحجة فتمادى حينئذ فهو بإجماع الأمة كافر.(3/266)
قال ابن تيمية –رحمه الله-: "من الناس من يكون جاهلاً ببعض هذه الأحكام جهلاً يعذر به، فلا يحكم بكفر أحد حتى تقوم عليه الحجة من جهة إبلاغ الرسالة، كما قال تعالى: "لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ" [النساء:165] . ولهذا لو أسلم رجل ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه، أولم يعلم أن الخمر حرام، لم يكفر بعدم اعتقاد إيجاب هذا، وتحريم هذا، بل ولم يعاقب حتى تبلغه الحجة النبوية".
ويقول -رحمه الله- في مقام آخر: "إن تكفير المعين وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها، وإلا فليس كل من جهل شيئاً من الدين يكفر".
ولعل من أظهر الأدلة في اعتبار الجهل عذراً ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال رجل لم يعمل خيراً قط لأهله -وفي رواية: أسرف رجل على نفسه فلما حضره الموت أوصى بنيه- إذا مات فحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فو الله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فلما مات فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البحر فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال له: لم فعلت هذا؟ قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر له" صحيح البخاري (7506) ، وصحيح مسلم (2756) .
قال ابن تيمية -رضي الله عنه- تعليقاً على هذا الحديث: "فإن هذا الرجل جهل قدرة الله على إعادته، ورجا أن لا يعيده بجهل ما أخبر به من الإعادة، ومع هذا لما كان مؤمناً بالله وأمره ونهيه، ووعده ووعيده، خائفاً من عذابه، وكان جهله بذلك جهلاً لم تقم عليه الحجة التي توجب كفر مثله، غفر الله له".(3/267)
ومما تجدر الإشارة إليه أننا الآن في زمان قد تهيأت فيه الأسباب لتبليغ ونشر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في البلدان عن طريق الوسائل المختلفة التي جعلت سائر أقطار العالم كالبلد الواحد، إلا أن العذر بالجهل لا يزال ظاهراً في عصرنا، حيث قلَّ أهل العلم العاملون، وكثر الأدعياء الذين يزينون الكفر والباطل للعامة ويلبسون عليهم، وقد أشار ابن تيمية -رضي الله عنه- إلى أهل زمانه وما كان عليه الكثير من الوقوع في أنواع الكفر، ومع ذلك عذرهم بهذا الجهل قائلاً: "وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذا الزمان فلقلة دعاة العلم والإيمان، وفتور الرسالة في أكثر البلدان، وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى، وكثير منهم لم يبلغهم ذلك، وفي أوقات الفترات، وأمكنة الفترات يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل، ويغفر الله فيه لمن لم يقم الحجة عليه ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه، كما في الحديث المعروف: "يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة، ولا صياماً، ولا حجاً، ولا عمرة، إلا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة، ويقولون: أدركنا آباءنا وهم يقولون: لا إله إلا الله. فقيل لحذيفة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله؟ فقال: تنجيهم من النار". أخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (78) .
وعندما نقرر أن للعذر بالجهل اعتباراً في مسألة التكفير، فلا يعني أن الجهل عذر مقبول لكل من ادعاه؛ لذا يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-: "إن من العلم ما لا يسع بالغاً غير مغلوب على عقله جهله، مثل الصلوات الخمس، وأن لله على الناس صوم شهر رمضان، وحج البيت إذا استطاعوا، وزكاة في أموالهم، وأنه حرَّم عليهم الزنا والقتل والسرقة والخمر، وما كان في معناه".(3/268)
ومن المهم أن يعلم أن العذر بالجهل تكتنفه وتتعلق به أمور منها: نوعية المسألة المجهولة، كأن تكون من المسائل الخفية، وكذلك حال الجاهل كحديث عهد بإسلام، أو الناشئ في البادية، ومن حيث حال البيئة، ففرق بين وجود مظنة العلم وعدمه.
أما أصول الدين التي أوضحها الله في كتابه، فإن حجة الله هي القرآن، فمن بلغه فقد بلغته الحجة".
وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة: "يختلف الحكم على الإنسان بأنه يعذر بالجهل في المسائل الدينية أو لا يعذر باختلاف البلاغ وعدمه وباختلاف المسألة نفسها وضوحاً وخفاءً، وتفاوت مدارك الناس قوة وضعفاً، ومن عاش في بلاد يسمع فيها الدعوة إلى الإسلام وغيره، ثم لا يؤمن ولا يطلب الحق من أهله فهو في حكم من بلغته الدعوة الإسلامية وأصرَّ على الكفر، أما من عاش في بلاد غير إسلامية ولم يسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن القرآن الكريم والإسلام فهذا على تقدير وجوده حكمه حكم أهل الفترة يجب على علماء المسلمين أن يبلغوه شريعة الإسلام أصولاً وفروعاً إقامة للحجة وإعذارا إليه، ويوم القيامة يعامل معاملة من لم يكلف في الدنيا لجنونه أو بَلَهه أو صغره وعدم تكليفه، وأما ما يخفى من أحكام الشريعة من جهة الدلالة، أو لتقابل الأدلة وتجاذبها فلا يقال لمن خالف فيه آمن وكفر، ولكن يقال: أصاب وأخطأ".
وفقنا الله وإياك للعلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(3/269)
هل التكفير واجب؟!
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/التكفير والعذر بالجهل
التاريخ 04/03/1427هـ
السؤال
هل يجب على كل مسلم أن يكفِّر من يستحق الكفر؟ وهل لابد من إطلاق لفظ الكفر على الكافر، أم نكتفي بالقول: لا نعلم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالحكم بالتكفير من الأحكام الشرعية، وله حدود وضوابط وشروط وموانع، ونفي التكفير مطلقا لا يستقيم في عقل ولا نقل؛ فلا دين بلا حدود، بل حتى الدساتير الوضعية لها حدود وضوابط، فالحكم بالخيانة العظمى في الدول وما يترتب على ذلك من قتل أو سجن هو نوع من التكفير.
وأما إطلاق وصف الكفر على المسلمين فهو نوع من العدوان والظلم، أما من توفرت فيه شروط الكفر وانتفت موانعه، وكان هناك مصلحة شرعية في إطلاق وصف الكفر عليه فيجوز.
أما الملل الكافرة -كاليهود والنصارى والوثنيين- فلا بد من اعتقاد كفرهم من غير شك في ذلك، ولا تردد فيه؛ لأن الله قد فصل في الأمر وحكم بأنه لا يرضى سوى الإسلام دينا، وأن من اعتقد غير عقيدة الإسلام فهو ضال كافر، ولا يصح أن نقول عن الكافر الصريح الكفر: (لا نعلم حاله) كما ورد في السؤال، ولكن مع ذلك لا يلزم أن يخاطبوا بلفظ الكفر، ولا يجب أن يوصفوا بوصفه إذا لم يكن هناك داع شرعي أو مصلحي لذلك، ولذلك خاطب النبي -صلى الله عليه وسلم- ملك الروم بقوله: "من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم". صحيح البخاري (4553) ، وصحيح مسلم (1773) ، ولم يقل له إلى الكافر ملك الروم.(3/270)
شبهة في التكفير!
المجيب د. لطف الله بن عبد العظيم خوجه
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/التكفير والعذر بالجهل
التاريخ 01/06/1427هـ
السؤال
لدي صديق عليه علامات الصلاح، ونحسبه ونحن على خير، ولكن لديه شبهة في مسائل التكفير.
وهي أنه كل من عمل من أعمال الكفر، ولو كان جاهلا بذلك، نحكم عليه بالكفر قياسًا على أن كل من سرق، يقال له: إنه سارق. وكل من زنى، يقال له: إنه زانٍ. دون أن يلتفت إلى اعتقاده، أو إلى قلبه، هل هو جاهل بالحكم أم لا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالتكفير من الكفر؛ الذي هو ضد الإيمان، وهو حكم شرعي، يراد به: بيان حالة الخروج من ملة الإسلام.
وكونه حكما شرعيا: فإنه لا يثبت على مسلم إلا بدليل يقيني، ولا ينتفي عن كافر إلا بدليل يقيني.
فالمسلمون لا يثبت في حق أحدهم وصف الكفر إلا بدليل يقيني، هو ما أخبر عنه الشارع أنه كفر، في خبر ثابت، من القرآن أو السنة الصحيحة، قطعي الدلالة. لا يحصل بغير الثابت، ولا بظني الدلالة.
والكافرون لا ينتفي عن أحدهم وصف الكفر إلا بدليل يقيني، هو: نطقه بالشهادتين.
كفر الفعل، وكفر الفاعل.
وفي أية عملية ثلاث مراتب، هي:
1- صورة الفعل نفسه، مجردة ذهنية.
2- إيقاع الفعل بواسطة فاعل.
3- الفاعل الموقع للفعل.
ففي الأولين: يلحق الوصف بالفعل بمجردهما؛ أي بصورة الفعل، وبإيقاعه.
أما في الثالث: فلا يلحق الوصف بالفاعل إلا بشرط، هو: إقامة الحجة. مثال على ذلك:
أخذ المال من حرز لأحد الناس يسمى: سرقة. وفي هذه العملية المراتب نفسها:
صورة الفعل نفسه، في حال الافتراض الذهني. وهذه تسمى: سرقة.
إيقاع الفعل نفسه، إذا قام بها أحد الناس. وهذا أيضا يسمى: سرقة.(3/271)
الفاعل الموقع للسرقة، فأما هذا فلا يوصف بالسارق إلا بالشرط؛ فإنه يحتمل أنه لا يدري بأنه سارق، كأن يأخذ المال يظنه ماله. ويحتمل أنه أكره على السرقة بقتل، أو اضطر لجوع.
ومثال آخر: الزنا. فالإيلاج في فرج محرم هو: الزنا. وفيه المراتب الماضية:
صورة الفعل نفسه، في حال الافتراض والتصور الذهني. وهذه تسمى: زنا.
إيقاع الفعل نفسه، إذا تحقق عينا، حينما يقوم به أحد الناس. ويسمى كذلك: زنا.
الفاعل الموقع للزنا، فلا يوصف بالزاني إلا بالشرط؛ فيحتمل أنه أولج في فرج يظنه حلالا له، لظلام أو نوم ونحوه. ويحتمل أنه أكره على فعله.
كذلك السياف الذي يقطع الرقاب بالسيف. فالقتل هو: إزهاق الروح. وهذا قد فعل الإزهاق.
فصورة الفعل نفسه في الذهن، هي: قتل.
وإيقاع الفعل يسمى: قتلا.
لكنه ليس بقاتل قطعا.
والدليل على عدم ثبوت الوصف في حق الفاعل إلا بالشرط: أن هؤلاء المعذورين لا يؤاخذون، ويسقط عنهم الحد، ولو كان الوصف لازما لكل فاعل، ثابتا عليهم في كل حال: لوجب الحد عليهم.
ولا يقال هنا: نثبت الوصف في حق الفاعل، دون الحكم.
فهذا كلام لا معنى له، إلا الإصرار على تجريم الفاعل، ولو بالاسم والصفة، دون مراعاة عذره، وهو ينافي رحمة الشريعة، وأن الأصل فيها عدم المؤاخذة إلا بعد التقدم بالإعذار، قال تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" [الإسراء:15] .
وبالنظر إلى ما سبق: فإن الكفر من الأحكام التي تأخذ التفصيل الآنف، فمثلا: الحكم بغير ما أنزل الله. فترك الحكم بما أنزل الله تعالى كليا، والحكم بما وضعه القانونيون: كفر. ثبت بذلك النص القطعي، في قوله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" [المائدة:44] . وفي هذا الفعل المراتب الآنفة:
صورة الفعل نفسه: الحكم بغير ما أنزل الله تعالى. في حال الافتراض الذهني، وتسمى: كفرا.
إيقاع الفعل نفسه، بقيام أحد الناس بالحكم بغير ما أنزل مطلقا، ويسمى: كفرا.(3/272)
الفاعل للفعل، وهو الحاكم بغير ما أنزل الله تعالى، فلا يسمى كافرا، إلا بالشرط.
فإطلاق الوصف بالكفر على العمل، لا يشترط فيه سوى الإتيان به فحسب، أما إطلاقه على الفاعل له، فيشترط فيه – زيادة على مجرد الإتيان – قصده، وخلوه من الأعذار، وهو لا يعرف إلا بقيام الحجة؛ وذلك بثبوت الشروط (=العقل، والبلوغ، والعلم، والعمد..) ، وانتفاء الموانع (=الجهل، الجنون، النسيان، التأول، الإكراه..) .
والتعليل: أنه ليس كل من فعل الكفر فقد أراده وأحبه. بل قد يفعله مكرها، أو جاهلا، أو متأولا. وهذه أعذار واردة في كل فاعل للكفر، يستوي فيها الحاكم والمحكوم، فتجب مراعاتها، منعا للظلم، ومؤاخذة الناس بما لا يعتقدونه، ولا يقصدونه. ولو كان كل فاعل للكفر كافرا، من غير شرط:
لكفر عمار بن ياسر رضي الله عنه؛ إذ قال كلمة الكفر مكرها!!.
ولكفر الذي قال في حال فرحه، إذ وجد ناقته: (اللهم أنت عبدي، وأنا ربك) (1) . سبق لسان منه.
لكن الدليل أفاد أنهما لم يكفرا، بقوله صلى الله عليه وسلم لعمار: "إن عادوا فعد" (2) ، وقوله عن الآخر: "أخطأ من شدة الفرح". وسوق القصة مساق المدح. فثبت بذلك التفريق بين الفعل والفاعل.
مهمة عسيرة.
ومع كل ذلك: فإثبات الكفر على الواقع في عمل كفر، ليس من السهولة بمكان، فإنه يحتاج إلى خطوات لازمة، واجبة:
أولاً: إثبات أن هذا العمل كفر، بنص ثابت، دلالته على المطلوب قطعية.
وهذا لا يمكن إلا بملك أدوات الفتوى: من علم بالكتاب والسنة، وأقوال أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، وقدرة على الاجتهاد. فهي مهمة العالم إذن.
ثانيا: إثبات وقوع المعين في هذا العمل الكفري، يقينا لا ظنا وخرصا.
وهذا يحتاج فيه إلى خبر متواتر، أو كلام مسطر في كتاب له، أو فعل اشتهر فصار معلوما للجميع، كتعطيل الشريعة والحكم بالقانون الوضعي، ونحو هذا.(3/273)
ثالثا: إقامة الحجة على المعين؛ للتأكد من خلوه من الأعذار، التي تدرأ عنه الكفر، ولتنزيل هذا الحكم عليه.
وهذه أخطر الخطوات، وأكثرها حساسية ومسؤولية. وهي مهمة لا تتحقق، ولا تتيسر -في العادة، وفي الأعم الأغلب– ولا تكون مفيدة نافعة للناس وللدين، إلا باجتماع العلماء والحكام واتفاق أمرهم:
فالحاكم من جهة الأمر؛ فيأمر بإحضار المتهم بالعملية الكفرية، لسؤاله واستنطاقه.
والعالم من جهة الفتوى وإقامة الحجة؛ فيقوم بالمساءلة والاستنطاق، وإقامة الحجة.
رابعا: إذا قامت الحجة على المعين، وقع عليه الكفر، فيستتاب، فإن تاب وإلا طبقت عليه أحكام الردة.
فلو فرضنا أن إثبات الأمرين الأولين في المتناول، فإنه ليس كذلك في إقامة الحجة، وإثبات الكفر على معين. فإثبات الشروط، وانتفاء الموانع (= إقامة الحجة) أمر شاق وعسير، فإنه يحتاج إلى فحص كل شرط لمعرفة ثبوته، وكل مانع لمعرفة انتفائه، وقد لا يتيسر ذلك في كل حال.
وما زال كثير من العلماء يتورعون عن تكفير الأعيان، وإنما يكتفون بالحكم على القول دون القائل، نظرا منهم إلى عدم علمهم بقيام الحجة على القائل، أو عدم تمكنهم من ذلك.
والمتأمل في النصوص، يجد الفرض الذي على عامة المؤمنين، فيما بينهم من الرقابة على أمور الدين، هو:
إقامة الحجة من جهة البلاغ، كما قال تعالى: "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين" [فصلت:33] . ببيان حقيقة الكفر، وأنواعه، وحكمه، ومتى يقع المسلم في الكفر؟. لا من جهة المساءلة، والمحاسبة، والمحاكمة، والمعاقبة. فهذا فرض على الحاكم؛ لأنه مأمور بصون الشريعة، وبإقامة الحدود. فإذا لم يقم به فهو المسؤول عنه، فالإمام راع، وهو مسؤول عن رعيته، كما في الحديث [صحيح البخاري (893) ، وصحيح مسلم (1829) ] لا يسأل أحد غيره عن تفريطه.(3/274)
فالحرص على ما أوجبه أو استحبه على عموم المؤمنين، وليس فيه محذور ولا خطر؛ أعني البلاغ والدعوة والإصلاح، أولى من البحث فيما لم يوجبه عليهم، بل أوجبه على بعضهم، وهو مزلة قدم، والمسلم في سلامة منه؛ أعني تكفير الأعيان.
____________
(1) روى مسلم (2747) عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أشد فرحا بتوبة عبده، حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك، إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح". وأخرجه البخاري (6309) مختصرا.
(2) رواه ابن جرير (2) ، في تفسير قوله تعالى: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم.."، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر، فعذبوه، حتى باراهم في بعض ما أرادوا، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف تجد قلبك؟ ". قال: مطمئنا بالإيمان. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عادوا فعد". تفسير ابن جرير (14/374-375) . وانظر الكلام على إسناده في الحاشية (1) (ص375) من المصدر نفسه، ومما نقل فيه أن الحافظ ابن حجر قال في الفتح: "مرسل، رجاله ثقات". وقد تكلم عليه كذلك أكرم ضياء العمري في السيرة النبوية الصحيحة (1/156) ، حاشية (6) .(3/275)
عبارة "الله يخونك إذا خنتني"
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/المناهي اللفظية
التاريخ 11/3/1424هـ
السؤال
ما حكم قول:"الله يخونك إذا خنتني" وذلك إذا كان بين الشخصين اتفاق على شيء، وأطلق هذه الكلمة على سبيل التخويف من الخيانة؟
الجواب
الحمد لله، هذا القول قبيح، فإنه يتضمن نسبة الخيانة إلى الله، وهو من عبارات الجهال الذين يشتقون من كل فعل ينكرونه على بعض الناس، يشتقون منه فعلاً يضيفونه إلى الله في دعائهم عليه، كما يقولون: أتلفه الله كما أتلف كذا، وأهانه الله كما أهانني، وقد يقول بعضهم: الله يعتدي عليك كما اعتديت عليَّ، ومن هذا قوله: الله يخونك كما خنتني، أو يقولون كلمة عامة: الله يخون من خان، فالحاصل أن إضافة الخيانة إلى الله حرام، فإن الخيانة قبيحة، والله سبحانه وتعالى منزه عن كل قبيح، منزه عن العيوب والنقائص في ذاته وصفاته وأفعاله، والله أعلم.(3/276)
القول: بغدر الزمن
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/المناهي اللفظية
التاريخ 7/7/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سؤالي هو: هل يجوز أن يقال: إن الزمن غدار؟ وما الدليل على ذلك؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فالذي يظهر لي -والله تعالى أعلم- ما يلي:
هذا القول من القائل يحتمل أمرين:
الأمر الأول: السبّ للدهر وهو الزمان وذمّه وهذا ظاهر النص؛ لأن الغدر صفة ذم وسبّ، وإذا كان هذا مراد القائل فهذا لا يجوز؛ لورود النص الصحيح الصريح بالنهي عن سب الدهر، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله -تعالى-:"يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار" رواه البخاري (4826) ، وفي رواية زيادة "بيدي الأمر" وفي مسلم (2246) : "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر" وذلك لما في سب الدهر من مفاسد، ومنها:
1. أنه سبّ من ليس أهلاً للسب، فإن الدهر خلق مسخر من خلق الله -تعالى- منقاد لأمره متذلل لتسخيره، فسابّه أولى بالذم والسب منه.
2. أن سبه متضمن للشرك وذلك إنما سبه لظنه أنه يضر وينفع وأنه مع ذلك ظالم له قد غدر بمن لا يستحق الغدر.
3. أن السب إنما يقع على من فعل هذه الأفعال، فسبهم للدهر هو في حقيقته سب لله -تعالى-؛ لأن الله هو الذي يقلب الليل والنهار ويدبر الأمر فيهما، فالساب دائر بين أمرين لا بد له من أحدهما: إما مسبة الله أو الشرك به -تعالى- فإن اعتقد أن الدهر فاعل فهو مشرك، وإن اعتقد أن الفاعل هو الله فهو سابّ لله -تعالى-.
4. أن السب فيه اعتراض على قدر الله الكوني؛ لأنه لا يكون إلا ما يريده -تعالى-.(3/277)
الأمر الثاني: ألا يريد السب والذم، وإنما يريد وصف الواقع، فإذا كان هذا هو المراد فذكر وصف الزمان بحقيقته جائز، كأن يقال: هذا يوم حار وهذه أيام نحسات ويوم عصيب ونحوها، لكن الغدر ليس من أوصاف الزمان وهذا كذب لا يجوز، وما يقع في الدهر من أمور فإنما هي بتقدير الله -تعالى- وخلقه وإيجاده، وأما الزمن فليس له خلق ولا إيجاد ولا فعل، وإنما هو محل لهذه المقادير، وعليه فهذا التعبير لا يجوز على الحالتين.(3/278)
عبارة (الزمن غدّار)
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
العقائد والمذاهب الفكرية/المناهي اللفظية
التاريخ 04/05/1425هـ
السؤال
ما حكم الشرع في مقولة (الزمن غدّار؟) .
الجواب
جاءت النصوص بالنهي عن سب الدهر، وما يشبه ذلك من شتم للزمان ووصفه بالأوصاف السيئة، والقول بأن الزمن غدار من هذا الباب المنهي عنه، وهو قول خاطئ شرعاً، ومن ناحية النظر غير صحيح؛ ذلك لأن الزمن ليس له إرادة ولا مشيئة، ولا يصح أن تنسب إليه الأوصاف الاختيارية كالغدر والخيانة ونحو ذلك؛ لأن الزمان والعصر مجرد ظرف للعمل وهو مخلوق مدبر بأمر الله ومسير بحكمة الله وموجه بقدر الله فلا يصح نسبة الغدر إليه؛ لأن ذلك يتضمن سب المدبر الخالق المالك المتصرف في الزمان والمكان سبحانه وتعالى-.(3/279)
عبارة "رب ما عبدتك خوفاً من نارك.."!
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/المناهي اللفظية
التاريخ 30/05/1427هـ
السؤال
ما رأي الشرع في القول التالي: (ربي ما عبدتك خوفا من نارك، ولا طمعا في جنتك، ولكني رأيتك أهلا للعبادة فعبدتك) . من الناحية العقدية، وما توجيهه في اللغة، بحيث لا يتعارض مع العقيدة، إن كان هناك تعارض.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالله عز وجل امتدح الذين يدعونه (رغباً ورهباً) والذين (يرجون رحمته ويخافون عذابه) .
والعبادة لله تكون بأركانٍ ثلاثة:
أولها: محبة الله وتعظيمه.
والثاني: خوف الله وخشيته.
والثالث: رجاء الله والرغبة إليه.
ولا داعي لتوجيه هذا الكلام وتسويغه فهو من شطحات الصوفية وبدعهم وليس وحيًا منزلاً.(3/280)
تنزيه القرآن لمريم وابنها دون الناس
المجيب أ. د. بكر بن زكي عوض
أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 26/8/1424هـ
السؤال
نصراني يسألني هذا السؤال:
لماذا ينص القرآن على أن المسيح وأمه مريم كانا منزهين من الخطايا، بينما جميع الأنبياء الآخرين بمن فيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - ارتكبوا الخطايا؟ هل يجعل هذا المسيح أعلى من كونه نبياً، بما أن كتابكم ينص على كونه وأمه المنزهين الوحيدين في الناس أجمعين
الجواب
وعليكم السلام، نصَّ القرآن على طهر مريم والمسيح، كما نصَّ على طهر غيرهما من الرسل عليهم السلام، وليس الأمر قاصراً عليهما، وورد في السنة سلامتهما من وخز الشيطان عقب الولادة استجابة لدعاء أم مريم "وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" [آل عمران: 36] وانظر ما رواه البخاري (3431) ، ومسلم (2366) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وسبب التركيز على طهر مريم أنها اتهمت في شرفها ورميت بالزنا من قبل اليهود، وأنكر قومها عليها أن تأتيهم بمولود مع أنها لم تتزوج.
كما صرَّح القرآن بنطق عيسى عليه السلام ببراءة أمه في المهد، وببراءته مما نسب إليه، حيث كان اليهود يعيرونه قائلين: لسنا أولاد زنا، وهو ما أشار إليه القرآن "وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً" [النساء: 156] .
ولم يرد نص في العهد الجديد يصرح بنطق عيسى في المهد بعبوديته أو براءة أمه، وإنما ورد أمر ليوسف النجار خطيب مريم بأن لا يشهرها حين وجدها حبلى، وأما براءة عيسى فلأنه ظُلِم من اليهود ومن أتباعه، فأتباعه نسبوا إليه شرب الخمر في العشاء الأخير، وادعوا تسلط الشيطان عليه في التجربة ورفضه القضاء والقدر حين علم بالصلب، فضلاً عن لعنه الحجر والشجر في بعض الأحيان.(3/281)
ومع هذا فالقرآن قطع ببشرية مريم وابنها، وذكر الدليل العملي على ذلك، قال تعالى: "مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ ... الآية" [المائدة: 75] .
والسؤال الآن أيهما أولى بالاتباع القرآن أو الإنجيل؟! وأيهما أعلى شأن وقدر مريم وابنها، القرآن أم الإنجيل؟! وأيهما نزَّه عيسى عما نسب إليه وهو منه براء؟! الأمر يتطلب تفكيراً عقلياً لا إرثاً دينياً. والله أعلم.(3/282)
وفاة المسيح أم قتله وصلبه؟
المجيب أ. د. بكر بن زكي عوض
أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 23/4/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ كنت في حوار مع أحد النصارى حول حال السيد المسيح - عليه السلام- في الإسلام ونجاته من الصلب، وحاول هذا النصراني أن يثبت لي صلب المسيح من عدة آيات تخبر بوفاة المسيح، وأن المسلمين يتغاضون عن هذه الآيات ويفسرونها بالنوم، في حين يتمسكون بآية يتيمة يبدو من ظاهرها نجاة المسيح -عليه السلام- من الصلب، ويقصد بذلك قوله تعالى: "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" ويفسرها تفسيراً شاذاً، كما حاول إيهامي أن علماء المسلمين اختلفوا في نجاة المسيح من الصلب، فمنهم من قال بوفاته على الصليب كما أقرت الآيات القرآنية في قوله تعالى: "إني متوفيك ورافعك إلي" وقوله على لسان المسيح: "فلما توفيتني"
ومنهم من قال بنجاته تمسكاً بتلك الآية الوحيدة، فما صحة ذلك؟ فرغبت من فضيلتكم مساعدتي في الرد عليه، وهل صحيح أن الآية القرآنية التي تقول:"وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" هي الآية الوحيدة لدينا في الإسلام التي تنفي صلب المسيح؟ وهل وردت أحاديث تتكلم عن نجاة المسيح من الصلب حتى أقطع عليه الشك باليقين بموقف الإسلام من نجاة سيدنا المسيح -عليه السلام-؟
الجواب
عليك السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:(3/283)
أخي السائل: ما كان لنا أن ندع حكماً حاسماً ورد في القرآن أو نتشكك فيه لقول كافر نصراني -حفظك الله من الشك-، إن القرآن نفى أمرين عن عيسى – عليه السلام- (القتل، والصلب) ، كما نفى عنه البنوة لله أو الألوهية، وذكر القرآن أمراً يعرفه النصارى أكثر مما يعرفه المسلمون؛ وذلك في قوله "ولكن شبه لهم" [النساء: 157] ، فالأناجيل وهي تتناول قصة صلب المسيح صرحت بأن الشرطة كانوا يجهلون عيسى ولا يعرفونه ودفعوا رشوة قدرها ثلاثين من الفضة ليهوذا الأسخر يوطي ليدلهم على مكان عيسى وجعلوا علامة بينهم وبينه، من يقبله فهو المسيح، وأخذهم يهوذا إلى مكان فيه جمع من الناس، وطرق عليهم الباب فخرج أحدهم وقال: من تطلبون قالوا: يسوع الناصري فقال: أنا يسوع الناصري فقبله يهوذا وأخذه الشرطة ولم يعترض، وقادوه إلى الحاكم وطلبوا صلبه وعلق على الصليب، وهنا نقول: ما المانع أن يكون يهوذا أراد فداء المسيح فأخذهم إلى غير المكان الذي هو فيه، ما المانع أن يكون أحد التلاميذ أو محبي المسيح أراد أن يفدي المسيح بنفسه، حين سئل المأخوذ أنت المسيح قال للسائل أنت تقول ولم يقل نعم (متى 26/64، 65) ، حين سأله الوالي المقبوض عليه أنت ملك اليهود فقال له أنت تقول (متى 27/11) ، ما المانع أن يكون الله قد خلق إنساناً على شبه المسيح ليفديه به وألقى النوم على عيسى "ومتوفيك" [آل عمران: 55] ورفعه إليه حتى لا يغلب مكر اليهود إرادة الله، وقد صدر عام 1967م وثيقة من الفاتيكان تبرئ اليهود من دم المسيح، فكيف تصدر إلا إذا توفرت قناعة بعدم صلب المسيح لأن النصوص تصرح بقولهم "أصلب دمه علينا وعلى أولادنا) متى (27/26) ، فالنصوص غير قطعية الدلالة على صلب المسيح، والعقل ينفي صلب المسيح للآتي:(3/284)
إذا كان المسيح هو الله أو ابن لله أو ثالث ثلاثة -كما يعتقد النصارى- فكيف يصلب في كل الأحوال، ومن كان الممسك للسماوات والأرض حين كان الله معلقاً على الصليب، ومن تولى أمر الرزق والخلق والإحياء والإماتة؟ إن قالوا إن الصلب وقع على الناسوت دون اللاهوت فما صلب الله ولا ابن الله وإنما صلب إنسان عادي، وإن قالوا إن الصلب وقع على اللاهوت والناسوت فكلامهم باطل؛ لأن من صفات الإله أنه الحي، كما في العهد القديم، وأي عاقل يقبل أن يصلب الله ابنه كما يعتقد النصارى، بسبب ذنب عبده، وهل يجوز شرعاً وعقلاً أن يؤخذ البريء (عيسى) ، بذنب المذنب (آدم) ، وأيهما أقرب إلى العقل توبة آدم وبراءة عيسى من الصلب أو العكس؟ ودعوى خلاص البشرية من الخطيئة الخفية غير مسلمة، ومن عجز عن خلاص نفسه كيف يخلص غيره، إن المسيح -كما يزعمون- أخذ وحمل صليبه وشق ثيابه وبصق في وجهه وضرب على رأسه واستهزئ به وتم تحديه، وكان يستغيث: إيلى إيلى لما شبقتني؟ أي إلهي إلهي لما أسلمتني، فهل يستطيع هذا خلاص غيره، وهل يموت الإله؟ أما قرأوا في العهد القديم ملعون من علق على الصليب؟ أخي الكريم إن السنة لم تتناول موضوع الصلب صراحة؛ لأن القرآن قد حسم الأمر فلا مجال بعد ذلك لكلام والنص واضح ودلالته صريحة، ويفهم من نصوص عودة المسيح في السنة أن المسيح حي وسيظل حتى ينزل فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام، ثم يموت بعد اكتمال أجله. انظر ما رواه البخاري (2476) ، ومسلم (155) ، من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه-.(3/285)
ولا خلاف بين سائر علماء المسلمين في عدم صلب المسيح، فكيف يختلفون في نجاته إذا كان المسيح لم يصلب أصلاً، وأما الآية الأولى "إني متوفيك" فمعناها مستوفيك أجلك بعد نزولك إلى الأرض مرة ثانية، أو ملق عليك النوم ورافعك، ويعبر عن النوم بالوفاة كثيراً في القرآن، ويكون المعنى إني ملق عليك النوم حتى لا تشعر بألم عند الرفع حياً إلى حيث يشاء الله، والسنة في قصة المعراج ذكرت أنه في السماء.
وأما الآية الثانية "فلما توفيتني" [المائدة: 117] فلا تعني الصلب بل القبض والأخذ والرفع، ولم يقل عيسى - عليه السلام- فلما صلبتني أو أسلمتني أو صلبني اليهود، والتأكيد على الوفاة ينفي الصلب، أولى بالنصارى أن لا يتمسكوا بالصلب والفدا؛ لأن فيه إهانة للمسيح تتجاوز الحد بحسب النصوص، حيث الضرب والشتم والتحدي والسخرية والتعليق بين اللصوص على الصليب وتمزيق الثياب وطلب الماء وسقياه الخل، وفرار تلاميذه منه، ونكران بطرس علمه به، وتقديم يهوذا الحواري ربه ليصلب، إلخ.. ومع ذلك يزعمون أنه الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة، إن الذي أعلى قدر المسيح ونزهه هو القرآن، وللمزيد اقرأ ما يلي:
بين الإسلام والمسيحية - للخزرجي تحقيق أ. د: محمد شامة.
الأجوبة الفاخرة للقرافي تحقيق أ. د: بكر زكي عوض
تخجيل من صرف الإنجيل المسعودي تحقيق أ. د: بكر زكي عوض.
الإنجيل والصليب عبد الواحد داود تحقيق أ. د: بكر زكي عوض
الإعلام بما في دين النصارى القرطبي تحقيق د: أحمد حجازي السقا
تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب: عبد الله الترجمان.
والسلام ختام.(3/286)
هل تنتهي رسالة الرسل بموتهم؟
المجيب أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 1/9/1424هـ
السؤال
الأنبياء والرسالات السابقة غير رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - هل تنتهي بوفاة الرسول أو النبي؟ أم أنه يجب على من سمع بها بعد وفاة رسولها الإيمان بها قبل مجيء النبي الآخر؟ وهل هؤلاء من يطلق عليهم أهل الفترة؟.
الجواب
رسالة الرسول - أيّ رسول- لا تنتهي بموته، بل تبقى من خلال ما ورَّثه من كتاب وعلم وعلماء وتشريع ودعاة مصلحين، إلى أن تنسخ رسالته برسالة أخرى من الله - تعالى-. فقد تبقى رسالة الرسول بعد موته ولا تنسخها رسالة من بعده، وأحياناً كرسالة موسى المتمثلة بالتوراة فإن عيسى عمل بها وبما أنزل إليه في الإنجيل، وكذا سائر أنبياء بني إسرائيل. عدا رسالة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنها باقية شاملة إلى نهاية الدنيا، وكل من ادَّعى النبوة بعده فهو كاذب.(3/287)
الشك في نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-
المجيب د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 24/5/1423
السؤال
ينتابني شك في أصل من أصول العقيدة، وهو: شهادة النبوة للرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وهي ناتجة من التمادي مع الوسوسة، ومناظرة بعض النصارى أحياناً، فأطلب منك أن تذكروا لي الأدلة القطعية لنبوته حتى أرد الشيطان مخزياً -إن شاء الله-، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
إذا كان من يحاورك من أهل الكتاب من النصارى فيسهل إثبات النبوة لديه؛ لأنه يعترف بظاهرة النبوة وهو يؤمن بوجود الأنبياء -عليهم السلام- كنوح وإبراهيم ولوط وموسى، وتسأله: كيف ثبت نبوة هؤلاء الأنبياء هو جوابنا عن ثبوت نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ودلائل النبوة متنوعة والحديث فيها يطول، وعليك بكتب العقيدة، ومن الكتب المعاصرة (الرسل والرسالات) للدكتور الأشقر.
وعلى كل حال، فمن دلائل النبوة:
1- البشارات. 2- المعجزات. 3-السلوك النوعي. 4- السلوك الشخصي.
وقد ظهرت على يد نبينا -عليه الصلاة والسلام- معجزات كثيرة اهتمت بها بعض الكتب كـ (دلائل النبوة) للبيهقي، ومن ذلك انشقاق القمر، نبع الماء من أصابعه، تكليم الجمادات، كتسبيح الحصى، وحنين الجذع، تكثير الطعام القليل حتى يكفي الفئام من الناس.
وأعظم معجزة القرآن الكريم، ومظاهر إعجازه متنوعة، ومن ذلك الإخبار عن الأمور المستقبلية ووقوعها كما أخبر القرآن، ومن ذلك أيضاً الإعجاز العلمي، وهناك هيئات علمية متخصصة في تجلية هذا الجانب.
ثم النظر في حال النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعوته، وكونه أمياً لا يقرأ ولا يكتب، كيف نصره الله وأعزه وأعلى دينه؛ ليظهره على الدين كله على ضعف الإمكانيات المادية، وتآمر الأعداء، ومع ذلك فأهل الإسلام في ازدياد وفي قوة.(3/288)
علم الرسل للغيب
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 1/6/1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
كنت في زيارة لإحدى المدن في المملكة المتحدة، وبالتحديد (بيرمينقهام) ، وقد لا يخفى عليكم كثرة الجماعات، وخلال الجلسة حدث نقاش بين الإخوة منهم من يتكلم باسم الصوفية والآخر باسم السلفية، فأتى دوري بالحديث فبينت للإخوة ما أعلمه
وانتهى الحديث عن علم الغيب، وعن دعاء الأموات.
فلدي سؤالان:
1- هل يعلم الرسول علم الغيب؟ مثلاً ما فعلت وأفعل وما سيحدث لي.
2- هل يجوز سؤال دعاء الرسول لي مثلاً كقول: "ياحبيب الله ساعدني بمساعدة الله"؟
جزاكم الله خيراً.
الجواب
الجواب1:
الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يعلم الغيب، ولذلك حينما سأله الكفار عن الساعة أنزل الله عليه قوله:"قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" [الأعراف:188] أي لا أملك أن أجلب لنفسي خيراً ولا أدفع عنها شراً، ولو كنت أعلم متى يكون لي النصر في الحرب لقاتلت فلا أغلب، وقيل: لو كنت أعلم متى أموت لاستكثرت من العمل الصالح، ولو كنت أعلم الغيب أيضاً لحذرت من أن يمسني السوء.
الجواب2:(3/289)
أما سؤالك دعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم-لك، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قد توفاه الله إليه، فتوجه إلى من عنده سؤلك يجب دعوتك، فاسأل الله -تعالى- بلا واسطة بينك وبينه، كما أمرك في قوله -تعالى-:"وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" [غافر:60] ولذلك لم يصح عن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنهم وقفوا على قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسألونه النصر على الأعداء أو تفريج الكربات رغم ما مر بهم من محن عظيمة، بل ورد النهي والوعيد الشديد من الله على دعاء الأموات نبياً أو غيره، قال -تعالى-:"وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ*إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ" [فاطر:13-14] وقوله:" وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ" [الأحقاف:6] ، ولذلك حين أجدبت السماء في زمن عمر خرج يستسقي بالناس وأمر العباس أن يستسقي؛ لأنه حيّ حاضر يدعو ربه، فلو جاز أن يُستسقى بأحد بعد وفاته لاستسقى عمر بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكذا السابقون الأولون، وعلى ذلك فمن تعدى المشروع إلى ما لا يشرع ضل وأضل.(3/290)
هل التطور سبب تعدد الأنبياء وختمهم؟
المجيب د. علي بن بخيت الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 28/10/1424هـ
السؤال
يقال إن من أسباب تعدد الأنبياء تطور الفكر البشري، واختلاف البيئة، ولكن لم يبعث نبي بعد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهل هذا يعني أن العقل البشري قد بلغ حده من التطور؟
الجواب
إن هذه المسألة تعد من فضول المسائل التي لا يتعلق بها كبير شأن، ولكن ما ذكر من كلام قد يقوله بعض الناس في تلمس الحكم من وراء مسألة تعدد الأنبياء، ولا شك أن الله -عز وجل- قد أرسل الرسل وبعث الأنبياء المخلق كلما دعت الحاجة إليهم، وختمهم بمحمد -صلى الله عليه وسلم-.
ولا أعلم نقلاً صحيحاً صريحاً في أن تطور الفكر والعقل البشري يعد من أسباب تعدد الأنبياء، ولكن قد يستأنس في مثل هذا المقام بالحديث الصحيح الذي رواه الشيخان البخاري (3535) ومسلم (2286) وغيرهما عن أبي هريرة وجابر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال:"مثلي في النبيين كمثل رجل بنى داراً، فأحسنها وأكملها وأجملها، وترك فيها موضع لبنة لم يضعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه، ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة! فأنا من النبيين موضع تلك اللبنة".(3/291)
هل أرسل رسول من البادية؟
المجيب عبد الحكيم بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 28/5/1424هـ
السؤال
كيف نوفق بين قوله تعالى عن يعقوب -عليه السلام- وبنيه:"وجاء بكم من البدو" وبين قوله تعالى عن الرسل -عليهم السلام-:"إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى" فالآية الأولى تثبت أن بعض الأنبياء من البدو؟
الجواب
جواب العلماء على هاتين الآيتين بقولين:
القول الأول: أن قوله -تعالى-:"وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى" [يوسف: 109] على حقيقته، وأن الله حصر الرسالة في أهل المدن والحاضرة، دون أهل البادية والأعراب، وهذا ظاهر النص ولا ينتقل إلى غيره إلا بدليل.
وعلى هذا القول تحتمل هذه الآية أوجهاً تجمع معها الآية الأخرى محل السؤال، ومن هذه الأوجه:
الأول: أن يعقوب - عليه السلام- من الحضر ثم انتقل بعد ذلك إلى البادية وتحول إليها، ولم يكن قبل من أهلها، ويدل على ذلك حال والده إبراهيم -عليهما السلام-، وسكناه الشام، ويبدو أنه أصابهم فقر وجدب أو ضائقة ما فخرجوا من حاضرتهم، فقد قالوا:"يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر ... "الآية [يوسف: 88] .
الثاني: أن البدو الذي جاءوا منه مستند للحضر فهو في حكمه.
الثالث: أن المراد بالبدو نزول موضع اسمه بدا، وهو المذكور في قول جميل أو كثير:
وأنت الذي حببت شغباً إلى بدا **** إلي وأوطاني بلاد سواهما
حللت بهذا مرة ثم مرة **** بهذا فطاب الواديان كلاهما
وروي هذا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- ولا يخفى بُعد القول، كما نبه عليه الألوسي والشنقيطي. انظر: (دفع إيهام الاضطراب للشنقيطي في سورة يوسف) .
الرابع: أن ذلك البدو لم يكن في أهل عمود، بل هو مستقر في منازل وربوع.
الخامس: أنه بدو بالنسبة لحاضرة مصر، كما القرية أحياناً للمدينة الكبيرة تبدو ليست بحاضرة. انظر: (المحرر الوجيز) لابن عطية.(3/292)
القول الثاني: وذهب إليه ابن عاشور في (التحرير والتنوير) : أن الآية لا تدل على الحصر، واستدل بالآية المسؤول عنها، ومثل بيعقوب - عليه السلام- وأنه من أهل البدو.
والقول الأول باحتمالاته: هو الراجح بأوجهه المحتملة وهو الذي عليه عامة المفسرين.
وتدل عليه النصوص الشرعية في ذم الأعراب، والتشبه بطبائعهم، ويؤيد ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-:"لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء يسمونها العتمة لإعتام الإبل" رواه ابن حبان في صحيحه (1541) وأبو نعيم في المستخرج (1429) من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-
ولم يستحب الخروج في البادية والاستقرار مع الماشية والبحث عن الكلأ إلا عند الفتن، كما فعل أصحاب الكهف، وقال -صلى الله عليه وسلم-:"يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن" رواه البخاري (3300) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- والله أعلم.(3/293)
ما الدليل على أن النبي تلقى القرآن من الوحي؟
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 17/8/1424هـ
السؤال
دخلت على أحد المواقع التي تهاجم الإسلام، يقول أحد رجال الدين المسيحي إن القرآن الكريم هو فعلاً من عند الله، إلا أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- لم يتلقه عن طريق الوحي، وإنما حصل على محتواه من ورقة بن نوفل، الذي كان محمد يذهب إليه ويتعلم منه ما جاء في الإنجيل والتوراة، ثم في مرحلة ما صاغ هذه المعلومات فيما أطلق عليه القرآن، وزاد فيه ما يبين أنه نبي، كيف نرد على هذا الكلام؟ وما هي الأدلة العقلية على أن محمداً عليه الصلاة والسلام قد تلقى القرآن الكريم عن طريق وحي إلهي؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن للسؤال جانبين: الأول: الشبهة التي يرددونها قديماً وحديثاً، ونجيب عليها بما يتسع له المقام من ثلاثة وجوه:
الأول: يقال لهم لقد خالف القرآن الكريم التوراة والإنجيل في أعظم وأخطر قضية وهي الوحدانية لله تعالى، فالقرآن يؤكد على وحدانية الله وكماله وتفرده بالعظمة والخلق والجلال والجمال. بينما نصوص التوراة والإنجيل تؤكد على الثالوث: الأب والابن وروح القدس، وتنسب إلى الله النقائص، تعالى الله عن قولهم علواً كبير.
الثاني: في جانب التشريع نجد أن الإنجيل يحرم الزواج بالمطلقة، ويعتبره زناً، فقد جاء فيه (من تزوج مطلقة فقد زنا) ، أما القرآن فإنه يعتبر ذلك مكرمة للمرأة، ويراه أمراً حسناً، وقد تزوج النبي - صلى الله عليه بزينب - رضي الله عنها - بعد أن طلقها زيد بن حارثة - رضي الله عنه -.(3/294)
الثالث: أنك إذا قارنت بين أسلوب القرآن وبلاغته وفصاحته، وبين نصوص العهدين وجدت الفرق العظيم، فنصوص العهدين تغلب عليها الركاكة في الأسلوب، وأما القرآن فقد أعيا أساطين البلاغة إلى اليوم أن يأتوا ولو بسورة أو بآية مثله، فكيف يقال إنه قد صيغ من كتب أولئك الذين لا يستطيعون الإتيان بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.
أما الجانب الثاني من السؤال فيقال بإجمال:
إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - لم يقرأ ولم يكتب، ومع ذلك فقد جاءت في القرآن أخبار علمية لم يعرفها العالم إلا في منتصف القرن العشرين، فمن الذي علم محمداً - صلى الله عليه وسلم - هذه الحقائق العظيمة؟! إنه الله الذي يعلم ما كان وما سيكون.
ومن جهة أخرى فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمور ستقع، وبالفعل وقعت كما أخبر بها، كما أخبر بفتح القسطنطينية، وغير ذلك مما وقع كما أخبر.
ثم إن هرقل ملك الروم شهد شهادة عقلية بقوله لما أخبره أبو سفيان بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يكذب، قال: وما كان ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله.
وأحيل السائل على كتابات الدكتور زغلول النجار حفظه الله، وكتابات الشيخ عبد المجيد الزنداني، لتوضح له هذه الجوانب، كما أحيله على كتاب (دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة) للدكتور الطبيب موريس بوكاي الفرنسي، حيث خرج بشهادة مفادها أن التوراة والإنجيل تتصادم مع النظريات العلمية الحديثة، أما القرآن فإنه يتفق معها، وهذا دليل على أنه من عند الله، وتلك الكتب المحرفة من البشر، والله أعلم.(3/295)
عصمة الرسول - صلى الله عليه وسلم -
المجيب د. مساعد بن سليمان الطيار
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 3/4/1424هـ
السؤال
فيما يتعلق بعصمة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، هل هو معصوم من الخطأ؟ أو معنى العصمة هنا أن الله عصمه من الناس -صلى الله عليه وسلم-، وإذا كان معصوماً من الخطأ صلوات ربي وسلامه عليه، فما هو التفسير الصحيح لحادثة الأعمى التي نزل فيها قول الله -تعالى- "عبس وتولى" وجزاكم الله خير ونفع بكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد:(3/296)
فإنَّ القول بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يقع منه خطأ، مخالف لظاهر القرآن؛ لأن الله سبحانه ـ الذي أرسله بالحق، وهو أعلم به ـ قد عاتبه في غير ما آية، ولا يكون العتاب إلا بسبب وقوع خطأ منه -صلى الله عليه وسلم- وقد يستعظم بعض الناس القول بهذا، زاعمًا أن ذلك ينقص من قدر النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس الأمر كذلك؛ فحق الله أعظم، والإيمان بكلامه الذي نقله الرسول -صلى الله عليه وسلم- أولى من هذا الزعم، ولو كان في هذه العتابات الإلهية له ما ينقص من قدره لما ذكرها الله –سبحانه- في حقِّ خليله محمد -صلى الله عليه وسلم- والمسلم مطالب بالأخذ بظاهر القرآن، ومن تأول مثل هذه العتابات الإلهية فإنه سيقع في التحريف والتكذيب بخبر الله –سبحانه- وقد ذكرت في كتابي "تفسير جزء عمَّ" تعليقًا على قوله –تعالى-:"وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ" [الشرح: 2 ـ 3] ما يتعلق بأمر العصمة، وهذا نصُّه: "قال: مجاهد من طريق ابن أبي نجيح: "ذنبك"، قال قتادة من طريق سعيد ومعمر: (كانت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ذنوب قد أثقلته، فغفرها الله له) ، وكذا قال ابن زيد. وهذه مسألة تتعلق بالعصمة، وللناس فيها كلام كثير، وأغلب الكلام فيها عقلي لا يعتمد على النصوص، وهذا النص صريح في وقوع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في شيء من الذنوب التي قد غفرها الله له، ولكن لم يبيِّن الله نوع هذه الذنوب، ولذا فلا تتعدى ما أجمله الله في هذه النصِّ، وقُلْ به تسلمْ. ولا تفترض مصطلحاً للعصمة من عقلك تحمل عليه أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فتدخل بذلك في التأويلات السمجة التي لا دليل عليها من الكتاب ولا السنة؛ كما وقع من بعضهم في تأويل قوله –تعالى-: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر [الفتح: 2] ، قال: ما تقدم: ذنب أبيك آدم، وما تأخر: من ذنوب أمتك، وانظر الشبه بين هذا القول وبين قول(3/297)
النصارى في الخطيئة، فالله يقول: "ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك"، وهذا يقول هو ذنب غيره! والله المستعان". واعلم أنَّ في الرسول جانبان: جانب بشري، وجانب نبوي، أمّا الجانب البشري فهو فيه كالبشر: يحب ويكره، ويرضى ويغضب، ويأكل ويشرب، ويقوم وينام … إلخ، مع ما ميَّزه الله به في هذا الجانب في بعض الأشياء؛ كسلامة الصدر، والقوة في النكاح، وعدم نوم القلب، وغيرها من الخصوصات التي تتعلق بالجانب البشري. ومن هذا الجانب قد يقع من النبي – صلى الله عليه وسلم - بعض الأخطاء التي يعاتبه الله عليها، ولك أن تنظر في جملة المعاتبات الإلهية للنبي – صلى الله عليه وسلم -؛ كعتابه بشأن أسرى بدر، وعتابه بشأن زواجه من زينب – رضي الله عنها -، وعتابه في عبد الله بن أم مكتوم – رضي الله عنه -، وغيرها، وقد نصَّ الله على هذا الجانب في الرسل جميعهم صلوات الله وسلامه عليهم، ومن الآيات في ذلك: "قل سبحان ربي هل كنت إلاَّ بشراً رسولاً " [الإسراء: 93] ، ومن الأحاديث قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وأقضي له على نحو ما أسمع، من حق له أخيه شيئاً، فلا يأخذ، فإنما أقطع له من النار" (رواه البخاري (6967) ، ومسلم (1713) من حديث أم سلمة –رضي الله عنها-. وتكمن العصمة في هذا الجانب في أنَّ الله يُنبِّه نبيه – صلى الله عليه وسلم - على ما وقع منه من خطأ، وهذا ما لا يتأتَّى لأحد من البشر غيره، فتأمله فإنه من جوانب العصمة المُغفلة. وأما الجانب النبوي، وهو جانب التبليغ، فإنه لم يرد البتة أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم - خالف فيه أمر الله؛ كأن يقول الله له: قل لعبادي يفعلوا كذا فلا يقول لهم، أو يقول لهم خلاف هذا الأمر، وهذا لو وقع فإنه مخالف للنبوة، ولذا لما سُحِرَ النبي – صلى الله عليه وسلم - لم يُؤثِّر هذا السِّحْرُ في الجانب النبوي، بل أثَّر(3/298)
في الجانب البشري انظر ما رواه البخاري (3268) ، ومسلم (2189) من حديث عائشة - رضي الله عنها-، ومن ثَمَّ فجانب التبليغ في النبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم، ويدل على هذا الجانب قوله تعالى: "وما ينطق عن الهوى، إن هو إلاَّ وحي يوحى" [النجم: 3-4] الله أعلم.(3/299)
دلالة القرآن على عودة عيسى عليه السلام
المجيب د. مساعد بن سليمان الطيار
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالرسل
التاريخ 9/5/1424هـ
السؤال
هل تدل الآيات 33من سورة مريم، و46 من آل عمران، و110 من المائدة على بشارات عودة المسيح -عليه السلام- باعتبار أنه لم يبلغ الكهولة في حياته الأولى، وأنه ليس في كلام الكهل العادي ثمة معجزة، وكما كان السلام في يوم مولده معجزة، وكان في وفاته بعد نجاته من القتل معجزة، فلا بد أن يكون بعثه معجزة دنيوية.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما
بعد:
فالآية الثالثة والثلاثون من سورة مريم تقول: "وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً" [مريم:33] ، والبعث المراد هنا هو البعث ليوم القيامة، وليس مشيرًا إلى نزول عيسى -عليه السلام- لأمور، منها:
الأول: أن نزوله لا يسمى بعثًا.
الثاني: أن المعنى الغالب للبعث في القرآن إنما هو البعث ليوم القيامة.
الثالث: أنه قد وقع الخلاف بين العلماء في كونه رُفِعَ حيًّا أو ميتًا، فمن قال: إنه رُفِع حيًّا، فإنه لا يتناسب مع معنى البعث، كما هو ظاهر.
أما الآيتين الأخريين، وهي قوله تعالى: "وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ" [آل عمران:46] . وقوله تعالى: "إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ ُتكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ(3/300)