فتَاوى ورَسَائل
سَماحة الشيخ
محمَّد بن إبراهيم بن عَبداللطِيف آل الشيخ
مفتي المملكة
ورَئيس القضاة والشؤون الإسلامية
طيَّبَ اللهُ ثراه
جَمع وترتيب وتحقيق
محمد بن عبد الرحمن بن قاسم
وفقه الله
الطبعة الأولى
مطبعة الحكومة بمكة المكرمة
1399 هـ
الجزء الأول
(العقائد)(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: - فهذه مجموعة من الفتاوي أزفها إلى المجتمع الإسلامي في جميع أنحاء هذه المعمورة بعد جهد طويل وعمل متتابع كان دافعي الوحيد إلى الصبر عليه علمي الأكيد بحاجة المسلمين إلى هذه الفتاوي نظرًا لأنها صدرت عن شخصية لها مكانتها بين المسلمين لما كان يتصف به صاحبها من سعة في العلم وحدَّة في الذكاء ولما كان يتقلب فيه من أعمال كلها تشرف من قرب على مصالح المسلمين في الداخل ومع ذلك فقد عني من خلال تلك الأعمال بمصالح المسلمين خارج هذا الوطن فكانت الأسئلة تتوارد عليه بكل ما يعن لهم من مشكلات وما يهمهم من شئوون.
لذلك حرصت كل الحرص على أن تكون جامعة ففتشت كل المضان التي يتوقع أن تكون قد حفظت فيها هذه الفتاوي حتى إني جمعت بعضًا منها من أيدي الناس الذين وصل إليهم ما لم أجده في المضان التي عنيت بها.(1/3)
على أني أعترف بالفضل لذويه فإن هذه الفتاوي قد لا ترى النور لو لم يأمرني جلالة الملك (فيصل بن عبد العزيز آل سعود) رحمه الله بإعدادها وتكليف الجهات الرسمية بتمكيني مما عندها وطباعتها على حساب هذه الدولة، فقد صدر أمره الكريم المرقم 18302-3-س في 3-10-1390هـ لمعالي وزير المالية والاقتصاد الوطني بما نصه:
(نفيدكم بموافقتنا على طبع هذه الفتاوي وأن يتولى الشيخ محمد ابن قاسم عملية الإعداد والتصحيح - لا سيما وأنه يشرف على بعض الكتب الدينية التي تقوم مطبعة الحكومة بمكة بطبعها، على أن لا يترتب على ذلك أي مصاريف، وعلى أن تتم إعارة الشيخ ابن قاسم من المعهد العلمي بمكة إلى أن ينتهي من هذا العمل. فاكملوا ما يلزم بموجبه) .
التوقيع الملكي
(فيصل)
رئيس مجلس الوزراء
نسخة لمعالي وزير العدل للاعتماد
نسخة لفضيلة نائب رئيس الكليات والمعاهد العلمية للاعتماد
نسخة لفضيلة نائب المفتي للاعتماد
وقد قامت حكومة جلالة الملك (خالد بن عبد العزيز آل سعود) حفظه الله بإنفاذ ذلك الأمر حفظ الله جلالة الملك خالد وصاحب السمو الملكي الأمير (فهد بن عبد العزيز آل سعود) ولي العهد نائب جلالة الملك وأبقاهما عمادًا للدين ذيادًا عن حياضه وشد عضدهما بالبطانة الصالحة التي تخاف الله وترجو ما عنده إنه قريب مجيب.
وقد كان لابني المرحوم (عبد العزيز وإبراهيم) يد طولى في تشجيعي على مواصلة العمل وتذليل الصعوبات التي تظهر من حين لآخر وفقهما الله للخير ونفع بهما.(1/4)
كما أن لسماحة والدنا الشيخ (عبد العزيز بن عبد الله بن باز) نصيب حيث أمدني بناسخ تولى نسخ الكتاب على الآلة الكاتبة بعد أن قمت بتبييضه.
ولا أنسى فضل الرئاسة العامة للكليات والمعاهد سابقًا (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) حاليًا حيث أعارت خدماتي للافتاء للقيام بهذه المهمة.
مصادر الفتاوي والرسائل
جمعت هذه المجموعة الضخمة من تسع جهات:
1- تقارير كنت أكتبها عن سماحته في حلقات الدراسة منذ عام 1357 حتى عام 1381 وقد كنت كثير الاهتمام بذلك حتى اني بيضت كثيرًا منها عام 1375 وهذه التقارير تكون النسبة الكبرى من هذا المجموع حتى إنها بلغت (1800) .
2- دار الإفتاء وقد أطلعت فيها على مائة وأربعة وثلاثين ملفًا (134) ابتدأْت في ذلك في رمضان 1392هـ وفرغت منه في ذي القعدة 1392هـ واستخلصت منها (1600) فتوى.
3- رئاسة القضاة سابقًا (وزارة العدل حاليًا) وقد أَطلعت فيها على (488) ملفًا (ملفات القضايا) و (700) ملفًا في الأرشيف العام.
4- المكتب الخاص لسماحة المفتي وقد أطلعت فيه على (140) ملفًا ونظرًا إلى أنه قد نقل إلى وزارة العدل فقد أَطلعت على محتوياته هناك، وقد بدأْت العمل في وزارة العدل والمكتب الخاص في 3-11-1392هـ وقد استخلصت من وزارة العدل (627) فتوى ومن المكتب الخاص (308) فتوى.
5- الديوان الملكي - الشئون الداخلية - وقد وردنا منهم (8) فتاوي.(1/5)
6- ديوان رئاسة مجلس الوزراء وقد وردنا منه (10) فتاوي.
7- مكتبة سماحته وقد حصلت منها على فتاوى مطولة: (الجواب الواضح المستقيم) في جواز نقل مقام إبراهيم و (نصيحة الإخوان) في بيان ما في نقض المباني لابن حمدان و (تحذير الناسك) عما أَحدثه ابن محمود في المناسك، ورسالة حول منع تعجيل ذبح الهدى قبل يوم النحر.
8- ما جمعته من أيدي بعض طلاب العلم وليس بالكثير حيث بلغ (60) ما بين رسالة وفتوى وقد نسبت سند كل فتوى إلى مقدمها.
9- الدرر السنية في الأجوبة النجدية وقد استخرجت منها (26) فتوى بعضها له وحده وبعضها له بالاشتراك مع غيره.
منهجي في الكتاب
1- بدأْت بمقابلة الفتاوي بعضها على بعض فاستبعدت المتكرر حرفيًا وهذا كثير فيما صدر من دار الإفتاء ثم من رئاسة القضاة.
2- استبعدت بعض الفتاوي المختصرة لوجود محتواها في أُخر أَطول منها وأكثر تفصيلاً.
3- لخصت بعض الفتاوي المطولة التي تكون الفائدة في جزء منها.
4- استبعدت ذكر الأشخاص إذا وردت في مقام لا يحمد.
5- إذا احتوت الفتوى أو التقرير على مسائل في فنون مختلفة أَو أَبواب في الفن الواحد وضعت كل مسأَلة في مكانها المناسب وأَشرت إلى رقم الصادر الرسمي بعد انتهاء كل مسأَلة.
6- أَحلت على بعض المسائل في مواضعها إذا وجدت مناسبة.(1/6)
7- فيما يتعلق بالفتاوي الصادرة من الدوائر الرسمية لم أدرج في هذا الكتاب منها إلا ما صدر باسم سماحته صريحًا من (محمد بن إبراهيم) أو ختم بـ (محمد بن إبراهيم) أو وجدته في المسودة بلفظ: فأَجاب سماحته.
8- وضعت عنوانًا على كل فتوى يدل على مضمونها.
9- صححت بعض الأخطاء التي حدثت للناسخ بعد الرجوع إلى ما وجد من مسوداتها.
10- كتبت ترجمة لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله صدرت بها الكتاب.
11- قسمت الكتاب إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول منها في (العقائد) وينقسم إلى خمسة أقسام:
(1) وجود الله ووحدانية ذاته تعالى.
(2) وحدانية الإلهية.
(3) وحدانية الصفات.
(4) مسائل في فروع العقائد.
(5) الصوفية والشيوعية، وقد جاءت العقائد في جزء.
القسم الثاني من الكتاب (الفقه) مع مقدمة في أُصوله وقد رتبته ترتيب ((زاد المستقنع)) وشرحه ((الروض المربع)) وقد شملت المسائل جميع أبوابه - من المياه - إلى الإقرار - وجاء هذا القسم في ثمانية أجزاء.
القسم الثالث (معارف عامة) يشمل الإشارة إلى معارف متنوعة وفنون مختلفة ويحتوي على:
(1) أصول التفسير.(1/7)
(2) فتاوي قليلة في التفسير.
(3) اللغة العربية.
(4) الشعر.
(5) اللغة الأجنبية.
(6) الجغرافيا.
(7) صناعات ومهن.
(8) المكتبات ما ينبغي أن يوجد فيها، ومراقبة المطبوعات ودور النشر.
(9) المؤلفات التي تناولها بالمدح أو القدح - وهي مرتبة على حروف الهجاء.
(10) نصائح عامة، ومنها كلمات سماحته في رابطة العالم الإسلامي.
(11) التربية والتعليم.
(12) فهارس عامة على الطريقة التي انتهجتها في فهارس (مجموع فتاوي شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله) وقد جاء هذا القسم في جزء، وبه كمل الكتاب (عشرة أجزاء) .
(13) وضعت بعض الهوامش حين اجد ضرورة لذلك كتخريج بعض الأحاديث أَو ايضاح شيء من المشكلات.
مصطلحات
1- ذيَّلت ما كتبته عن سماحته في حلقات التدريس بكلمة (تقرير) .
2- إذا قلت: قوله. فالقول لمؤلف (زاد المستقنع) الحجاوي، أو شرحه (الروض المربع) للبهوتي إذا كانت العبارة في الشرح.(1/8)
3- صف: صادر دار الإفتاء.
4- صق: صادر رئاسة القضاة.
5- صادر المكتب الخاص لسماحته.
6- الدرر السنية في الأَجوبة النجدية.
7- ما لم أجد عليه علامة الصدور وكان بخط مدير مكتبه الخاص (عبد الله بن إبراهيم الصانع) أو أمين مكتبته (أحمد بن عبد الرحمن بن قاسم) أو مراقب الطلاب (محمد بن علي بن عبد اللطيف) أَلحقته بالفتاوي.
حياة الشيخ محمد بن إبراهيم
نسبه ومولده:
هو العلامة الجليل الشيخ محمد بن الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ حسن بن إمام الدعوة محي السنة مميت البدعة الشيخ (محمد بن عبد الوهاب) بن الشيخ سليمان بن علي بن محمد بن أَحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب بن قاسم بن موسى بن مسعود بن عقبة بن سنيع بن؟ بن شداد بن زهير بن شهاب بن ربيعة بن أَبي سود بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم. ثم إلى نزار بن معد بن عدنان.
ولد في مدينة الرياض في (حي دخنة) في 17 من محرم عام 1311هـ بدأَ رحمه الله من صغره في الأَخذ بأَسباب العلم والمعرفة فتلقى القرآن الكريم وهو بين الثامنة والعاشرة من عمره نظرًا على معلمه عبد الرحمن بن مفيريج. وفي السادسة عشرة من عمره أُصيب بالرمد(1/9)
في عينيه فكف بصره، وكانت مدة مرضه سنة. وعلى أثر ذلك حفظ القرآن على عبد الرحمن بن مفيريج عن ظهر قلب، وقد درس فن التجويد فيما بعد.
ثم أخذ في طلب العلم بمختلف فنونه فأَخذ علم ((الفرائض)) عن والده الشيخ إبراهيم - رحمه الله - أولاً ثم عن الشيخ عبد الله بن راشد ومما قرأَ عليه في ذلك أَلفية الفرائض.
وتلقى علم ((العقائد)) عن عمه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف رحمهما الله تعالى. ومنها في العقائد كتاب التوحيد وأُصول الإيمان وفضائل الإسلام للشيخ محمد بن عبد الوهاب والدلائل (حكم موالات أهل الشرك) للشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب والعقيدة الواسطية والعقيدة الحموية وكلاهما لشيخ الإسلام ابن تيمية وأَخذ ((الفقه)) عن الشيخ حمد بن فارس أَولاً ثم على الشيخين سعد بن حمد بن عتيق ومحمد بن محمود المتوفي عام 1333هـ ومن كتبه (زاد المستقنع) .
وأخذ علم ((العربية)) عن الشيخ حمد بن فارس المذكور آنفًا ومما قرأَ عليه في هذا الفن الاجرومية والمسلحة والقطر والأَلفية.
وفي ((الحديث وعلومه)) قرأَ بلوغ المرام وثلث المنتقى على عمه الشيخ عبد الله ثم أَعاد بلوغ المرام على الشيخ سعد بن عتيق. وعليه قرأ أَيضًا أَلفية العراقي في مصطلح الحديث.
هذا ومن المستفيض أَن الشيخ رحمه الله كان كثير الدأَب على المطالعة في مختلف الكتب وتدريسها فكان هذا مصدرًا ثانيًا غنيًا بتنمية حصيلته العلمية وتوسيع أُفقه أَعانه على ذلك ما عرف عنه من حدة الذكاء ورجاحة العقل.(1/10)
اشتغاله بالتدريس:
لمس فيه مشايخه الأَلمعية النادرة المبكرة والنجابة الظاهرة فأدركوا أنه الخليفة لهم الذي يمكن أن يطمئن إليه في مجالس العلم فأَوصى عمه الشيخ عبد الله الملك عبد العزيز - رحمه الله - بابن أَخيه خيرًا وذكر له ما يتمتع به من المزايا الفذة التي لا تكاد تتوافر إلا في قليل من الرجال الذين وهبهم الله ذكاءً وفطنةً وجلدًا وإخلاصًا. وحين توفي الشيخ عبد الله عام 1339هـ أَخذ ابن أَخيه مجلسه فبدأَ التدريس إلى جانب مشايخه الذين ما زالوا على قيد الحياة، ولما توفي شيخه سعد بن حمد بن عتيق عام 1349هـ وتوفي قبله الشيخ حمد ابن فارس عام 1345هـ توسع في مجالس التدريس واستقل بأكثرها إلى جانب أعمامه رحمهم الله وغيرهم من أَفاضل العلماء الذين كانوا يقومون بالتدريس على فترات متعاقبة في بعض العلوم.
ولكن ينبغي أن نؤكد أَن نؤكد أَن الشيخ محمد رحمه الله له النصيب الأَوفر في كثرة المجالس وكثرة القاصدين له من طلبة العلم وغزارة العلم وعموم النفع فقد كان يعمر أَكثر نهاره بالتدريس حيث كان يجلس ثلاث جلسات منتظمة، فالأولى بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس، والثانية بعد ارتفاع الشمس مدة تتراوح ما بين ساعتين وأَربع ساعات، والثالثة بعد صلاة العصر، وهناك جلسة رابعة لكنها ليست مستمرة وهي بعد صلاة الظهر.
وكل هذه الجلسات كانت تتم في جامع الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب المعروف الآن في (حي دخنه شمال الميدان) ما عدا جلسة الضحى فقد كانت في أول الأمر في هذا الجامع ثم نقلها إلى بيته.(1/11)
وكان رحمه الله ينقطع بعد المغرب لمطالعة دروس الغد في الكتب التي كانت تدرس بعد الفجر ومنها (الروض المربع) و (سبل السلام) و (شرح ابن عقيل) على أَلفية ابن مالك وما يعين عليها من المراجع.
وفيما يلي عرض للكتب التي كان يقوم رحمه الله بتدريسها:
1- أَولا بعد صلاة الفجر أَلفية ابن مالك مع شرح ابن عقيل وزاد المستقنع مع شرحه الروض المربع وبلوغ المرام والآجرومية والمسلحة وقطر الندى وعمدة الأحكام وأُصول الأحكام والحموية والتدمرية ومخبة الفكر. أَما باقي الكتب فبالتعاقب على فترات مختلفة طيلة أيام تدريسه.
2- بعد شروق الشمس يدرس في العقائد كتاب التوحيد، كشف الشبهات، ثلاثة الأصول، العقيدة الواسطية باستمرار، مسائل التوحيد، مسائل الجاهلية، لمعة الاعتقاد، أُصول الإيمان على فترات، وفي الحديث: الأَربعين النووية، عمدة الأَحكام باستمرار. وفي الفقه آداب المشي إلى الصلاة، وقد يدرس غيرها لكنه نادر.
وبعد الانتهاء من هذه المختصرات تقرأُ المطولات ومنها: فتح المجيد، شرح الطحاوية، شرح الأَربعين النووية، صحيح البخاري، صحيح مسلم، السنن الأَربعة، مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير بدون إستثناء وكل ما جد من كتب السلف والمحققين من العلماء، ولكنها على فترات يتراوح ما يقرأُ منها في اليوم ما بين خمسة وعشرة غالبًا.
3- بعد صلاة الظهر ويدرس فيه: زاد المستقنع بشرحه الروض المربع، بلوغ المرام.(1/12)
4- بعد صلاة العصر ويدرس فيه كتاب التوحيد وشرحه وقد يقرأُ في مسند الإمام أَحمد أَو مسند ابن أَبي شيبه والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح أَو نحوها.
وقد استمر يزاول التدريس بنشاط لا يفتر وهمة لا تكل إحدى وأربعين عامًا من عام 1339هـ - 1380هـ.
طريقته في التدريس
كان رحمه الله يعطي مجالس العلم حقها من الاحترام والتقدير ويحرص على إيصال الفائدة إلى قرارة قلوب الطلاب معنيًا بتثبيتها حتى إنه ليكاد يغني بشرحه عن مطالعة. وكان رحمه الله إذا هم بالجلوس للتدريس توضأَ إن لم يكون على وضوء بعد صلاة، واستقبل القبلة إذا كانت الجلسة في المسجد ويبدأُ شرحه باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، ويمكن تلخيص السمات الظاهرة لطريقته في التدريس في النقاط التالية:
1- يطلب من بعض الطلاب أَن يبدأَ بالبسملة والصلاة والسلام على رسول الله والترحم على المؤلف، ثم يتلوا حفظًا موضوع الدرس إذا كان الكتاب متنًا. ويحرص جدًا على أَن يحفظ جميع الطلاب المنتظمين المتون ولا يرضى بنصف حفظ، ولا ينتقل الطالب من متن إلى متن أَطول منه إلا بعد حفظ الأَول وفهمه، ولذا كان الطالب المجد منهم يتخرج في سبع سنوات.
2- قبل أَن يبدأَ بالشرح يقرأُ هو ما قرأَ الطلاب.
3- يشرع في شرح عبارات المتن بدقة ووضوح.
4- يعرض بعض المسائل ويتكلم عليها.(1/13)
5- إذا عرض لمسأَلة خلاف ذكر رأْي المؤلف أولاً وأَدلته ثم ذكر رأْي المخالفين كلا على حدة، مع دليله. وكان في ذلك كله يحترم كل ذي رأي من العلماء ولا يذكره بما يسوء، وكان يرجح ما يراه معتمدًا في ذلك على الدليل وأَقوال المحققين، ولم يكن يعرض من الخلاف إلا ما كان ذا جدوى. وقد يصحح أَحد القولين بدون سرد الأَدلة لقصر الوقت أو نظرًا لحال الطالب.
6- كان يلتزم بالموضوع ولا يستطرد إلى مسائل خارجة عنه.
7- كان إذا فرغ من الدرس تلقى أَسئلة الطلاب وأَجاب. وقد يثير هو بعض الإشكالات ليقدح أَذهان الطلاب.
8- يختبر الطلاب فيما شرح لهم في بعض الأَحيان بإِلقاء الأَسئلة عليهم ويعربون متن الأَلفية وشواهدها.
9- فيما يتعلق بالعقائد لم يكن يحرص على ذكر آراء أَهل البدع والإِشراك فإِذا وجد ضرورة لذلك أَو كان المؤلف ذكرها فإِنه يتكلم عليها بتوسع ويشتد في الرد عليهم دون إِفراط.
10- وبالنسبة لقراءة المطولات لم يكن يشرحها عبارة عبارة وإِنما كان يقف عند المهم منها أَو ما يسأَل عنه أَحد الحاضرين.
11- يلزم اللغة العربية في جميع مجالسه العامة.
12- يلتزم الهدوء أَثناء شرحه للمتون أَو تعليقه على المطولات فلا تراه يلتفت أو يشير بيد أو يعبث بشيء.
13- لم يكن يسمح بإِثارة الأَسئلة التافهة أَو الدخول في مناقشات عقيمة.(1/14)
أخلاقه:
لم يصل رحمه الله إلى ما وصل إليه من مكانة في قلوب الناس بمجرد المصادفة ولكن مرد ذلك إلى توفيق الله عز وجل أولاً، ثم إلى ما كان يتحلى به من أَخلاق فذة التزم بها وحافظ عليها طوال أَيامه. ولا بأس من الإشارة إلى بعض ما نعرفه عنه من الأَخلاق الحميدة فمن ذلك:
1- الحافظة النادرة التي كانت أَقوى سبب في تحصيل ثروة علمية واسعة بنيت على محفوظاته التي علقت بذاكرته أَثناء تعلمه ومطالعاته أَثناء تدريسه، فكانت الأَساس القوي لمقدرته على استنباط الأحكام ومعرفة الأَدلة التي تبني عليها. وقد مر بنا أَنه حفظ بلوغ المرام وزاد المستقنع وغيرهما مما مر ذكره في فصلي شيوخه؟ بالتدريس. ونزيد هنا أَنه كان يحفظ كثيرًا من القصائد؟ وكان يصف وهو في أُخريات أَيامه مشاهداته قبل أَن يكف بصره وأَنت على علم أَنه فقد بصره في السادسة عشرة من عمره، وكان يحفظ المتن للقراءة الثالثة وربما الثانية، وكانت المعاملة الطويلة التي تبلغ ثلاثمائة صفحة تقرأُ عليه ثم يملي ما يرى مستحضرًا كل ما مر فيها من الجزئيات، ولم يكن غريبًا منه أَن يدل القارئين على مواضع الأَبحاث في كتبها ذاكرًا رقم الصفحة أَحيانًا ومثل ذلك لا يكون إلا لمن أَتاه الله ذاكرة واعية.
2- وقد رزق من الذكاء ما مكنه من إدراك محفوظاته العلمية عن فهم وبصيرة، وكان يدرك حقيقة ما يعرض عليه من المشكلات فيكشف ما وراءها من الدوافع ببصيرته الفذة ولم يكن ينطلي عليه كيد أَو احتيال. وحياته كلها أَمثلة من هذا النوع لسنا في حاجة إلى الدخول في ضرب الأَمثال لها فأَكثر العارفين به يدركون ذلك(1/15)
ولكن الذي لا يعرفه كثير من الناس أَنه رحمه الله كان يدرك تقدير الوقت بالساعة لا يكاد يخطيء الحقيقة في بضع دقائق مع العلم بأَنه لم يستعمل الساعة في حياته.
3- وكان يطيل التأَمل والتعمق ويبعد النظر فيما يعرض عليه من القضايا التي تجد تباعًا ولم يكن يتعجل الأَمر حتى يمعن في الدرس والتأَمل والنظر في عواقب الأمور فكان يصل بعد ذلك إلى الاستنتاج الدقيق الذي لا يكاد يختلف ولا يخالفه فيه ذو نصف والأَمثلة في هذا المقام كثيرة لكن أَسوق منها مثالين:
أحدهما أَنه سئل عن افتتاح حمام فني فكتب ما نصه:
(لا أرى فتح مثل هذا الحمام في هذا البلد لأَن الضرر سيكون أكبر من النفع، ومثل هذه الأَشياء تكون عادة وسيلة لفساد لم يخطر على بال الذي أَسسها، ومهما حرصت الآن على مراعاة الآداب الشرعية والأَخلاقية فإنك لن تستطيع ذلك في المستقبل بعد فتح هذا الباب) .
ثانيهما أَنه سئل 'ن إنشاء صندوق لسائقي السيارات فقال في الجواب ما نصه:
(إن اقتراح الذين اقترحوا جعل الصندوق مشروعًا خيريًا يحتاج إلى تقييد لأَنه وإن كان طرق الخير مفتوحة أَمام الراغبين إلا أَنه ينبغي معرفة ما وراء ذلك لئلا تكون وسيلة إلى استباحة أَشياء لا تجوز تحت اسم الشيء المسموح) .
4- ومن أَخلاقه البارزة الإخلاص في العمل فلم يكن يومًا طالب شهرة ولا باحثًا عن سمعة بل كان عمله كله لله يبتغي ما عنده يجتهد في تحري الحق ويجتهد في الدفاع عن الحق لا يأْخذه في ذلك ضعف ولا يعتريه طمع ولا يعرف عنه أَنه تحدث عن أَعماله على جلالتها وكثرتها.(1/16)
5- طهارة قلبه فكان لا يحمل ضغينة على من أَساء إليه ولا ينتقم من أَحد ناله بأَذى بل كان ديدنه الصفح والتجاوز بل المحافظة عليهم والدفاع عنهم أَن ينالهم أَحد بما يعرف أَنه باطل.
6- وكان رحمه الله على حظ وافر من الشجاعة وقوة الشكيمة لا يخاف في الله لومة لائم ولا يتردد في إعلان الحق أَيا كان المخاطب به، ودافعه في ذلك مخافة الله وحرصه على أَن يخلص ذمته مما علق به فمكانته ومسئوليته تحتم عليه نبذ التخاذل وكان يكره المتملقين وله في ذلك مواقف حفظها التاريخ.
7- ومن السمات البارزة التي كانت تميزه ما أَتاه الله من هيبة في نفوس الناس وهو أَمر لا يرجع إلى مخافة منه ولكن إلى محبته وإجلاله ومعرفتهم عنه صرامته في الحق يحسب محدثه الحساب الدقيق حتى لا يزل في كلمة أو يخطيء في فكر ومع ذلك فقد كان أنيسًا عند مخالطته أَلوفا لمعاشريه لا يتصف بشيء من الغلظة أو الغضاضة وكان يحسن الفرق بين مجالس الجد والعمل ومجالس الراحة حيث يكون في سفر أو نزهة.
8- وكان يتنزه عن الغيبة والحديث في الآخرين بما يكرهون وعرف بذلك منذ حداثة سنه حتى فارق الدنيا ولم يكن يسمح لأَحد أَن يتحدث في مجالسه بمثالب الآخرين أَو تنقصهم بل كان يقف دون ذلك ويزجر من حاوله.
9- ومما لا يعرفه الكثيرون عنه ما يتصف به رحمه الله من العفة والتورع عن أَخذ ما ليس له أو ما يرى فيه شبهة فكان حريصًا على أَن لا يدخل نفسه في مداخل مشتبهة ولم يعرف انه اشتغل(1/17)
بالبيع أو الشراء لا بالاستقلال ولا بالمشاركة، بل كان مقتصرًا على ما يتقاضاه مقابل عمله بل إنه كان يشغل عدة أَعمال كما هو معروف لا يتقاضى إلا ما كان يأْخذه قبل إحداث هذه الأَعمال ولم يكن يأْخذ انتدابًا مقابل انتقاله إلى مدينة الطائف صيفًا ولم أَعرف عنه أَنه طلب من المسئولين شيئًا يخصه.
10- ومما لا ينكر من أَخلاقه الظاهرة للعيان كراهيته الشديدة للمديح والثناء عليه فما كان يرضى من أحد أن يثني عليه أو يبالغ في مدحه سواء كان ذلك مشافهة أو كتابة. ومن الأَمثلة التي تذكر في هذا المقام ما كتب به إلى أحد الناس ونصه: ملحوظة: كثيرًا ما تكتب في خطاباتك أَلقابًا لا يسوغ ذكرها كقولك شيخ الاسلام ومفتي الأَنام وهذا شيء لا نرضاه.
وكتب في مناسبة أَخرى ما نصه: وما ذكرتم في خطابكم من الثناء نود أَن لا نسمعه فنحن نستغفر الله ونتوب إليه من تقصيرنا وضعفنا نسأَله تعالى أَن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه. وكتب لآخر ما نصه: نفيدكم أَنه جاء في خطابكم بعض العبارات مثل قولكم عالم الوجود تلك العبارة التي لا يصدر مثلها إلا عن جاهل.
11- وكان رحمه الله معروفًا بالبذل والسخاء في الحدود التي لا تصل إلى المبالغة المكروهة شرعًا والمؤدية إلى الإسراف وإضاعة الوقت وبالأَخص ما يتعلق بإِكرام العلماء والقضاة وطلاب العلم وذوي رحمه. وكان لا يترك مناسبة مهمة إلا أَقام لها الوليمة الكبيرة ودعاهم.
12- خشيته لله، كان رحمه الله من أَكثر الناس استحضارًا لعظمة الله كثيرًا ما تسمعه يلهج بذكر الله والاستغفار وتغرورق عيناه(1/18)
بالدموع حينما يكون في موقف مناجاة الله أو سمع بعض ما يحرك القلوب، ولقد كان ذلك يتجلى كثيرًا فيما يحييه من الليل بالصلاة التي كان يواضب عليها في إقامته وسفره وقد لا يعرف هذا كثير من الناس الذين لم يتصلوا به وقد صحبته زمنًا طويلاً وهو يقوم ما يقرب من ساعة ونصف آخر الليل لا يترك ذلك.
ولا غرو فقد كان رحمه الله يتحرى في جميع تصرفاته وأَخلاقه الظاهرة والباطنة التأَسي بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وسلف هذه الأمة رضوان الله عليهم.
الأعمال التي قام بها
عرفنا في مناسبات كثيرة مما مضى في هذه الترجمة أَنه رحمه الله باشر العمل منذ وفاة عمه عبد الله رحمه الله، وقد كان العمل الرئيسي الذي شمل أَكثر أَيام حياته هو (التدريس) وقد تحدثنا عنه في فصل خاص لما له من الأَهمية.
على أنه صاحب التدريس مهمة أُخرى بدأَت دون تنظيم رسمي وهي (الفتوى) فقد كان يشارك فيها حتى توفي الشيخ سعد بن عتيق ثم استقل بها حتى تحولت بآخرة إلى عمل منظم في دار الإفتاء حيث أُنشئت في عام 1374هـ.
وظل رحمه الله يقوم بالفتوى من خلال هذه الدار حتى وافته المنية إلى جانب ما كان يكتبه في هذا الميدان في بيته من فتاوى وردود على بعض الكاتبين في قضايا يرى بثاقب بصيرته أَن السكوت عليها مسئولية أَمام الله.
وإلى جانب هذين الأَمرين هناك أَمر ثالث لا يقل خطرًا عنهما وهو (القضاء) فقد كان رحمه الله يقوم بتمييز الأَحكام التي تحتاج(1/19)
إلى نظره وينظر فيما أُحيل إليه من القضايا بأَمر من ولاة الأمور.
ولما حول القضاء نظرًا لاتساعه إلى رئاسة أُسندت إليه رئاسته في المنطقتين الوسطى والشرقية في عام 1376هـ ثم ضمت إليه المنطقة الغربية بعد وفاة الشيخ عبد الله بن حسن رحمه الله في عام 1378هـ وقد نصت المادة الحادية عشر من نظام هيئة التمييز أن له رحمه الله حق النظر والبت فيما يختلف فيه القاضي وهيئة التمييز.
وإلى جانب ذلك كله ورغم ما كان يحمله إياه من أَعباء فقد تولى (رئاسة المعاهد العلمية والكليات) منذ إنشائها عام 1370هـ.
ووكل إليه الإشراف على (مدارس البنات) منذ افتتاحها في عام 1379هـ وكلف برئاسة (الجامعة الإسلامية) في المدينة المنورة عام 1381هـ. وتولى رئاسة ((مجلس القضاء)) الذي شكل في عام 1388هـ وعقد في حياته مرتين.
وولي رئاسة (رابطة العالم الإسلامي) منذ إنشائها في عام 1379هـ وإمامة جامع حي دخنه وخطابة المسجد الجامع الكبير المعروف الآن (في ساحة العدل بالرياض) .
وشكل هيئة تضم كبار العلماء لتكون مرجعًا لبحث ما يحصل من المشاكل العلمية العويصة وتقرير ما يلزم حيالها وللمذاكرة فيما بينهم والتصدي لنشر الدعوة الإسلامية والذود عنها ومحاربة التيارات الجارفة والمباديء الهدامة.
وبعبارة عامة فقد كان له رحمه الله الإشراف التام على جميع الشئون الإسلامية داخل المملكة وخارجها مما يتصل بالمملكة العربية السعودية وتعني بتوجيهه.
ومثل هذا لا يقوم به العالم العادي ولكن من آتاه الله القوة والجلد وإن ذلك ليدل على ثقة الناس وبخاصة أَولياء الأمور في حصافة(1/20)
عقله وسعة علمه ومقدرته الفذة وحاجتهم إليه في كل ما يعرض لهم من المشكلات.
تلاميذه
لا أظن أَن من يعرفه رحمه الله يخفى عليه أَمر الذين أَخذوا عنه العلم واستفادوا منه الفائدة الكبرى. ولا أَظن أَن ذلك يخفى على من عرف المدة الطويلة التي قضاها مشتغلاً بالتدريس فقد مر به أَفواج بعد أفواج ينهلون من علمه ويستنيرون بثاقب نظره وقد انتشروا في أَنحاء المملكة السعودية بين عالم وقاض ومدرس وواعظ وخطيب مسجد ومتفرغ من الأَعمال ولا أَظن أَن الحصر قادر على أَن يأْتي على جميع أَسمائهم لذلك فإني أَكتفي بعرض أَسماء طائفة منهم وهم:
الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد ... رئيس المجلس الأعلى للقضاء حاليًا
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
صاحب المؤلفات المشهورة
الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ... رئيس محكمة هيئة التمييز حاليًا
الشيخ عبد العزيز بن ناصر بن رشيد ... قاضي الرياض سابقًا
الشيخ سعود بن رشود ... عضو هيئة التمييز حاليًا
الشيخ صالح بن غصون ... شقيق المترجم الفرضي المشهور
الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم ... شقيقه رئيس هيئات الأَمر بالمعروف في المنطقة الغربية سابقًا
الشيخ عبد الملك بن إبراهيم ... نجل سماحته رئيس هيئات الأَمر بالمعروف حاليًا
نجل سماحته وزير العدل حاليًا
الشيخ عبد العزيز بن الشيخ محمد ... قاضي بمحكمة الرياض حاليًا
قاضي بمحكمة الرياض سابقًا
الشيخ إبراهيم بن الشيخ محمد ... قاضي بمحكمة الرياض سابقًا
الشيخ عبد الرحمن بن فارس ... قاضي بمحكمة الرياض(1/21)
الشيخ محمد بن مهيزع ... قاضي بمحكمة الدلم
الشيخ عبد الرحمن بن هويمل
الشيخ عبد العزيز بن زاحم ... عضو المجلس الأَعلى للقضاء
الشيخ عبد الرحمن بن سحمان ... عضو الهيئة الدائمة للافتاء
الشيخ عبد العزيز بن صالح بن مرشد ... مدرس بكلية الشريعة
الأمير محمد بن عبد العزيز بن سعود آل سعود ... مدرس بكلية أُصول الدين
الشيخ عبد الله بن عقيل ... مدرس بكلية الشريعة
الشيخ عبد الله بن غديان
الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
الشيخ فهد بن حمين
الشيخ حمود بن عقلاء
الشيخ عبد الرحمن بن فريان
الشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض
آثاره
لم تكن في حياته رحمه الله فرصة يتفرغ فيها للتأْليف فقد كان إنشغاله بما علمت من الأَعمال التي وصفناها قبل لا تدع فرصة للراحة إذ كان عمله يستمر احياناً إلى الساعة الخامسة ليلاً (بالتوقيت الغروبي) فضلاً عن أَن تدع له فرصة يفرغ فيها ذهنه ويرجع إلى المراجع فيكتب وينشر كما نراه لكثير من أَهل العصر، ولأَنه رحمه الله لم يكن بالشخص الذي يكتب كل ما عن له بل كان كما وصفناه طويل التأَمل شديد المحاسبة لنفسه ومسئوليته تحتم عليه أَن لا يكتب إلا بعد تحر طويل لأَن كلمة منه تعد حجة يتعلق بها العامة والخاصة ومع ذلك فإن حياته لم تخل من كثير من الرسائل والفتاوى التي كتبها في مناسبات مختلفة.(1/22)
على أَن أَجل أَثر من آثاره هذا الأَثر الكبير الذي نقدمه هذا اليوم والمتمثل في فتاواه التي بلغت (عشرة أجزاء) لو لم يكن له أَثر سواها لكفى به فخرًا لم يصل إليه غيره من أَهل عصره.
ومما ينبغي التنويه عنه من آثاره أَنه اختار أَلف حديث في أَبواب مختلفة.
مرضه الأخير ووفاته
في عام 1389هـ نزل به رحمه الله مرض سافر من أَجله إلى لندن للعلاج فأَقام بها أَيامًا ثم عاد دون أَن يكتب له شفاء فلزم البيت وأَخذ المرض يشتد يومًا بعد يوم ولم يثمر ما بذل له من عناية طبية حتى دخل في غيبوبة تامة انتهت به إلى الوفاة في 14-9-1389هـ.
وكان طيلة مرضه يكثر من ذكر الله والاستغفار حتى أخذته الغيبوبة. وقد صلي عليه في المسجد الجامع الكبير مع صلاة الظهر أَم الناس فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز وحضر الصلاة جمع جم ضاق بهم المسجد على سعته وصلى كثير منهم خارج المسجد وانسدت الطرق بالسيارات والمشاة ولم يكن بين وفاته والصلاة عليه إلا ساعتان وتبعه المصلون إلى مقبرة العود حيث ووري هناك. تغمد الله شيخنا برحمته وسدد خطى خلفائه ونفع بعلومه وجعل عملنا خالصًا لوجهه إنه سميع قريب مجيب.
محمد بن عبد الرحمن بن قاسم
22 ربيع الأَول 1399هـ - الرياض(1/23)
الجزء الأول
العقائد
وفيها خمسة أقسام(1/25)
القسم الأول
وجود الله ووحدانية ذاته تعالى(1/27)
بسم الله الرحمن الرحيم
(1- الاعتراف بالخالق تعالى، وأدلة وجوده)
قال الشيخ العالم العلامة المفتي العام ورئيس القضاة والشئوون الإسلامية سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ طيب الله ثراه في جواب استفتاء أُحيل إليه هذا نصه:
سؤال: ما رأْيكم في وجود الله سبحانه وتعالى حسب اعتقادكم لا حسب مطالعاتكم؟
جواب: إعتقادنا وجود الله الإله الحق سبحانه لا إله إلا هو، واعترافنا بذلك أَمر فطري وضروري، وكل إنسان ذي فطرة سليمة يعترف بذلك ومجبول على الإقرار به لما يشاهده في نفسه من خلقه على هذه الصورة الجميلة السوية المعتدلة الكاملة الشكل والوظيفة، وعجائب الإبداع في خلقه أَضخم من إدراكه هو وأَعجب من كل ما يراه حوله، ثم ما يشاهده من الحدوث والخلق والتسخير في مخلوقات الله الأخرى كالسموات بما هي عليه من ارتفاع على غير عمد نراها، وما فيها من الكواكب الكبار والصغار النيرة من السيارة وغير السيارة ومن الثوابت، ودورانها في الفلك العظيم في كل يوم وليلة، كما أَن لها في نفسها سيرًا يخصها، وكالبحار المكتنفة للأَرض من كل جانب، والجبال الموضوعة فيها لتقر وتسكن مع اختلاف أَشكالها وأَلوانها. وكالأَنهار السارحة من قطر إلى قطر، للمنافع، وما ذرأَ الله في الأَرض من الحيوانات المتنوعة، والنبات المختلف الطعوم والروائح والأَشكال والأَلوان مع اتحاد طبيعة التربة(1/29)
والماء. وكذلك اختلاف الليل والنهار والشمس والقمر وتعاقبها بنظام لا يختلف ولا يتبدل، كل ذلك دليل على وجود الله العلي القدير وقدرته العظيمة وحكمته ورحمته بخلقه ولطفه بهم وإحسانه إليهم وبره بهم، لا إله غيره ولا رب سواه، عليه توكلت وإليه أُنيب.
هذا وشواهد المخلوقات على وجود الله سبحانه كثيرة لا تحصر.
ولما حضر أُناس إلى الإمام أَبي حنيفة رحمه الله وسأَلوه عن وجود الله سبحانه وتعالى، قال لهم: دعوني فإني مفكر في أَمر أُخبرت عنه، لقد ذكر لي أَن سفينة في البحر موقرة فيها أَنواع من المتاجر وليس بها أَحد يحرسها ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أَن يسوقها أَحد. فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل. فقال لهم الإمام أَبو حنيفة: ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأَشياء المحكمة أَليس لها صانع؟ فبهت القوم ورجعوا إلى الحق وأَسلموا على يديه لله رب العالمين. (ص-م-11-10-87هـ) (1) .
_________
(1) قلت: وخير ما كتب في بيان الحكم البالغة في المخلوقات على اختلاف أجناسها بالتفصيل ودلالتها على وجود خالقها العظيم ما جمعه ابن القيم في كتابه (مفتاح دار السعادة ص 204- 326) من ذلك قوله: ((فصل)) وإذا تأملت ما دعا الله سبحانه إلى التفكر فيه اوقعك على العلم به سبحانه وتعالى وبوحدانيته وصفات كماله ونعوت جلاله. وقوله: ((فصل)) في ان اختلاف صور الانسان من أقوى الدلائل على نفي الطبيعة. وجاء في بدائع الفوائد نحو ذلك (ص 162- 166) .
وقبله شيخ الاسلام ابن تيمية قال في هذا المعنى: وحدانية الربوبية معلومة بالشرعة النبوية، والفطرة الخلقية، واتفاق الأمم، والمعجزات، وغير ذلك من الدلائل.
وقال: طريقة القرآن والأنبياء في اثبات الصانع الاستدلال بآياته -التي هي العلامات- التي يستلزم العلم بها العلم به كاستلزام العلم بالشعاع العلم بالشمس، والاستدلال بالآيات هو الواجب، وان كانت الطرق القياسية صحيحة، لكن فائدتها ناقصة (أنظر فهرس هذه الأدلة مجموعا في جـ 36 من مجموع فتاويه ص 21- 23) .(1/30)
(2- وهذه المخترعات دليل على قدرة الله وصدق رسوله)
هذه المصنوعات من أَدلة التوحيد، فإنها مما يحقق أَن الله على كل شيء قدير، وأَنه ما شاء الله كان وما لم يشأْ لم يكن. وقدرته تعالى ومشيئته ليست محصورة في وقت بل هي دائمة باستمرار، بل مما يحقق شهادة أَن محمدًا رسول الله، ولكن لمن شهد أَنه رسول الله حقًا وصدق بأخباره ورسالته، فإنه يرى في الوجود الآن نوع ما أَخبر به (1) - لا عينه - فإنه أَخبر بتقارب الأَسواق (2) وأَن الدجال يقطع الأَرض في وقت قصير (3) وقوله: (فَيُبصِرُهُم النَّاظِرُ وَيُسمِعُهُم الْدَّاعِي) (4) .
(3- دعاة الالحاد أَخطر)
دعاة الإلحاد الآن يخاف على الشباب منهم أَكثر مما يخاف من دعاة الوثنية، فإنهم بثوه بأَساليب عديدة في الناس فكان ضررهم أَكثر، والصولات والجولات الآن معهم. (تقرير) (5) .
_________
(1) عن اليوم الآخر.
(2) فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ويكثر الكذب وتتقارب الأسواق ويتقارب الزمن ويكثر الهرج قيل وما الهرج قال القتل)) رواه الامام أحمد وابن حبان في صحيحه وزاد فيه ((ويقبض العلم)) . والظاهر والله أَعلم أن ذلك إشارة إلى ما وجد في زماننا من المراكب الأَرضية والجوية والآلات الكهربائية التي قربت البعيد.
(3) . ((قال يا رسول الله وما اسراعه في الأرض قال كالغيث استدبرته الريح)) أخرجه مسلم وأبو داوود والترمذي.
(4) في حديث أبي هريرة ((يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الكرب والغم ما لا يطيقون)) أخرجه ابن خزيمة في ((التوحيد ص 157)) وللشيخين والترمذي عن أبي هريرة ((فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي)) .
(5) والالحاد المطلق أعظم من الوثنية، قال: ابن تيمية رحمه الله: من التزم التعطيل المطلق فهو أعظم جحدًا من ابليس (جـ 5 ص 356) . وقال أيضًا: المستكبر الذي لا يقر بالله في الظاهر أعظم كفرًا، وإن كان عالمًا بوجود الله وعظمته. (جـ 7 ص 631، 632) .(1/31)
(4- الشرك في الربوبية أَعظم)
سؤال: الشرك في الربوبية أَعظم، أَم الشرك في الإلهية؟
جواب: المتبادر أَن الشرك في الربوبية أَعظم، ولكن لم يجيء فيه من النصوص مثل ما جاء في الشرك في الإلهية، لأَن أُكثر الخلق لم ينازعوا فيه، وهو أَمره عظيم وإثبات متصرف مع الله تعالى وتقدس ولهذا توحيد الربوبية هو الدليل على توحيد الألوهية، ولا يمكن أَحدًا أَن يقر بتوحيد الإلهية ويجحد توحيد الربوبية أَبد. وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في بعض مؤلفاته كلامًا معناه:
أَما توحيد الربوبية فهو الأصل الأَصيل. (تقرير) (1) .
(5- اعتقاد أَن الرسول نور وليس بشرًا يشبه اعتقاد النصارى في المسيح)
الخامسة (2) : تذكر أَن كثيرًا من الناس يعتقدون أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم نور من الله وجزء منه وليس بشرًا إلى آخر السؤال.
الجواب: ليس الأمر كما ذكرته من أَن أَكثر الناس يعتقدون أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم نور وليس بشرًا، وإنما هذا
_________
(1) قلت: سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن هذه المسألة قال السائل:
إذا كان موجب الالهية الربوبية واشوفك قليل التعريج عليها عند تقرير الالهية؟
فأجاب: فأما توحيد الربوبية فهو الاصل ولا يغلط في الالهية الا من لم يعطه حقه، كما قال تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونََ) . ومما يوضح لك الأمر أن التوكل من أعلا مقامات الدين ودرجات المؤمنين. وقد تصدر الانابة والتوكل من عابد الوثن بسبب معرفته بالربوبية كما قال تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ) الآية وأما عبادته سبحانه وتعالى بالاخلاص دائمًا في الرخاء والشدة فلا يعرفونها وهي نتيجة الالهية، وكذلك الايمان بالله واليوم الآخر، والايمان بالكتب والرسل وغير ذلك. وأما الصبر والرضا والتسليم والتوكل والانابة والتفويض والمحبة والخوف والرجا فمن نتائج توحيد الربوبية وكذلك توحيد الألوهية هو أشهر نتائج توحيد الربوبية. اهـ (تاريخ نجد للشيخ حسين بن غنام ص 510، 511 مطبعة المدني) .
(2) من أسئلة عبد الرحمن بلوشي وأولها في العيدين (ص/ف/2110، 1/11/88هـ) .(1/32)
معتقد فئة قليلة شاذة ضالة بعيدة عن ينبوع الشريعة الإسلامية ومواردها العذبة النقية الصافية، يشهد على ضلال أصحاب هذا القول وبعدهم عن الحق وانغماسهم في الباطل قول الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) (1) وقوله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا - وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا - أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا -- إلى قوله تعالى: - قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً) . وقوله تعالى: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَّسُولاً) (2)
وما روته أُم سلمة قالت: ((جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما قد درست ليس بينهما بينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم تختصمون إلي وإنما أَنا بشر ولعل بعضكم أَلْحن بحجته من بعض وإنما أَقضي بينكم على نحو ما أَسمع فمن قضيت له من حق أَخيه شيئًا فلا يأْخذه فإنما أَقطع له قطعة من النار يأْتي بها أَسطامًا في عنقه يوم القيامة)) إلى آخر الحديث رواه أحمد وأَبو داود وما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أَنه قال: ((لا تطرُني كما أَطرتِ النصارى ابن مريم إنما أَنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله (3) وما هذا الرأْي الباطل الشاذ إلا نتيجة سيئة لترهات الصوفية ولمشائخ الطرق وخزعبلاتهم وأَضاليلهم، تغذيها الاحتفالات بالموالد وما يتلى فيها من المنكرات والاضاليل والخزعبلات، وفي مقدمة المنكرات
_________
(1) سورة الكهف 109.
(2) سورة الإسراء 88- 94..
(3) متفق عليه.(1/33)
الغلو في شخص الرسول عليه الصلاة والسلام تقليدًا للنصارى، ومصداقًا لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لتتَّبُعُنَّ سنن من كان قبلكم حذو الْقذَّةِ بالقذةِ حتى لو دخلوا جُحر ضب لدخلتمُوه، قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن؟)) (1) فلقد غلا النصارى في شخص عيسى عليه السلام وأَنكروا بشريته وقالوا عنه - زورًا وبهتانًا وإثمًا مبينًا - بأنه ابن الله، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
لقد كان صلى الله عليه وسلم شديد الحذر على أُمته أَن تسلك المسلك الذي سلكه النصارى في رسولهم عيسى عليه السلام فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تطروني كما أَطرت النصارى ابن مريم إنما أَنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله)) . وقال أيضًا: ((إيَّاكم والْغلوَّ فإنما أَهلك من كان قبلكم الْغلوّ)) (2) .
(6- المسيح عليه السلام لم يقتل ولم يصلب)
المسألة الثالثة (3) - وهي قولهم هل مات عيسى على الصليب؟
الجواب: المسيح عليه السلام قد صانه الله وحماه، فلم يقتل ولم يصلب، وإنما قتل وصلب المشبه به. وذلك أنه عليه السلام لما قصد منه أَعداؤه من اليهود مقصد السوء وقاه الله كيدهم ورفعه عنهم إلى السماء، وأَلقى شبهه على رجل من الحواريين فأَمسكوه وقتلوه وصلبوه بناء منهم على أَنه المسيح عليه السلام، قال الله تعالى في حق اليهود: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً - وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا -
_________
(1) متفق عليه.
(2) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس.
(3) من المسائل التي سأل عنها مسلموا غيانا البريطانية.(1/34)
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا - وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) (1) . فمن تأَمل هذه الآيات عرف كذب اليهود بدعواهم قتله وصلبه ولكنهم هموا بقتله وعزموا عليه وحاصروه ومن معه في البيت فانقذه الله من كيدهم ورفعه إليه وأَلقى شبهه على واحد من أَصحابه، وتأَمل قوله تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُم) تجد ذلك صريحًا. وقد صرح المفسرون المحدثون والمؤرخون بمعنى ما ذكرنا:
قال ابن كثير: قال الحسن البصري ومحمد بن اسحق: كان يوجد في زمن عيسى ملك اسمه داود بن نورا، فلما سمع بخبر عيسى أَمر بقتله وصلبه، فحصروه في دار بيت المقدم، وذلك عشية الجمعة ليلة السبت، فلما حان وقت دخولهم أَلقي شبهه على بعض أَصحابه الحاضرين عنده ورفع عيسى من روزنة في ذلك البيت إلى السماء وأَهل البيت ينظرون، ودخل الشرطة فوجدوا ذلك الشاب الذي أُلقي عليه شبهه فأَخذوه ظانين أَنه عيسى، فصلبوه ووضعوا الشوك على رأْسه إهانة له، وسلم لليهود عامة النصارى الذين لم يشاهدوا ما كان من أَمر عيسى أَنه صلب، وضلوا بسبب ذلك ضلالاً مبينًا،
_________
(1) سورة النساء 155- 159.(1/35)
وقال الله تعالى: (إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) الآيات (1) ففي هذه الآيات إن الله وعده بأَنه سيتوفاه ويرفعه إليه ويطهره من الذين كفروا وقد صدق الله وعده وهو لا يخلف الميعاد.
وهذه الوفاة هي النوم كما قال غير واحد من العلماء بأَنه نزل عليه النوم حينما رفع. والنوم يعبر عنه بالوفاة قال تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) (2) .
ومما يدل على أَنه رفع إلى السماء وأَنه ينزل في آخر الزمان إلى الأَرض فيقتل الدجال ما قاله ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) - أَي بعد نزوله إلى الأَرض في آخر الزمان قبل قيام الساعة، فإنه ينزل ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام، وتصير الملل في ذلك الوقت ملة واحدة وهي ملة الإسلام الحنيفية دين إبراهيم، فلا يبقى أَحد من أَهل الكتاب إلا آمن به، وقيل بل اليهود خاصة. وقال الحسن على هذه الآية: (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) قال قبل موت عيسى، والله إنه لحي الآن عند الله.
وأَصرح ما قيل في تفسير هذه الآيات ما قاله ابن جرير رحمه الله:
انه لا يبقى أَحد من أَهل الكتاب بعد نزول عيسى عليه السلام إلا من آمن به قبل موته عليه السلام فيكون الضمير عائدًا إلى عيسى.
_________
(1) سورة آل عمران 55.
(2) الزمر 42.(1/36)
ثم ساق الأحاديث الواردة في هذا ومنها ما رواه أَبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نَفْسِيْ بِيَدِهِ لَيُوْشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيْكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلاً فَيَكْسُرُ الصَّلِيْبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيْرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيَفِيْضَ الْمَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ وَحَتَّى تَكُوْنَ السَّجْدَةُ للهِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدنْيَا وَمَا فِيْهَا)) . وقد روي أَنه ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، وأَنه يقاتل الدجال هو ومن معه من جنود الإسلام المنصورة فيدرك الدجال عند باب لد أًَو إلى جانب لد فيقتله.
قال مجمع بن حارثة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يَقْتُلُ ابْنُ مَرْيَمَ الدَّجالَ بِبَابِ لُد أَوْ إلَى جَانِبِ لُدّ)) (1) . وليس فيما يذكر من كذب اليهود بقتل عيسى عليه السلام ما يدل على برائتهم من إثم قتله وارتكاب جريمة اغتياله عليه السلام، فإنهم وإن لم يقتلوه بالفعل إلا أَنهم صمموا على قتله، وبذلوا كل ما يستطيعون، وعملوا مع من أَلقي عليه شبهه من قتله وصلبه وصفعه وإلقاء الشوك عليه وغير ذلك
_________
(1) () وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال خطينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أكثر خطبته حديثًا حدثناه عن الدجال - فذكر الحديث بطوله وفيه- فقالت أم شريك بنت أبي العكر يا رسول الله فأين العرب يومئذ قال هم قليل وجلهم ببيت المقدس وأمامهم رجل صالح فيبنما أمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح اذ نزل عليهم عيسى بن مريم فرجع ذلك الامام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى يصلي بالناس فيضع عيسى يده بين كتفيه يقول له تقدم فصل انها لك أقيمت فيصلي بهم امامهم فاذا انصرف قال عيسى عليه السلام افتحوا الباب فيفتح ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج فاذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هاربًا ويقول عيسى عليه السلام ان لي فيك ضربة لن تسبقني بها فيدركه عند باب اللد الشرقي فيقتله فيهزم الله اليهود فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا انطق الله ذلك الشيء لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة الا الغرقدة فانها من شجرهم لا تنطق الا قال يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال أقتله)) رواه ابن ماجه.(1/37)
من الأشياء التي عملوها ظانين أَنه عيسى عليه السلام، ثم صاروا يفتخرون بقتله، فقد باءوا بإثم قتله بلا شك. ومما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذَا الْتَقَىْ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفيهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُوْلُ فِيْ النَّارِ.
قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قَالَ: إنَّهُ كَانَ حَرِيْصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ)) (1) . فكيف يستسيغ أَحد أَن يبرأَ اليهود من إثم قتل المسيح عليه السلام مع هذا الحديث الصريح وغيره من الأَدلة، وهم لم يقتلوا الذي أُلقي عليه شبهه إلا على أَنه هو. وكل من عرف اليهود عرف أَنهم أَعداء لله وأَعداء لرسله وأَعداء للمسلمين بل أَعداء للنصارى والله المستعان.
المسألة الرابعة: قولهم هل قال شيخ علماء الأَزهر الشيخ شلتوت شيئًا من هذا القبيل، وإذا كان قال شيئًا فما الذي قاله.
والجواب: إننا لا نعنى بتتبع أَقوال شلتوت، ولا نعلم عما قاله وإذا كان قد قال شيئًا فقوله مما يحتاج أَن يستدل له لا أَن يستدل به فقد أَغنتنا نصوص الوحيين وكلام العلماء المحققين عن كلام غيرهم.
(ص-ف-1626-1 في 26-5-85هـ أَولها في تبرع غير المسلم ببناء مسجد - في الوقف) .
(7- تكذيب خبر انشاء كنيسة في المملكة)
(برقيًا)
حفظ الله جلالتكم. جاءنا كتاب من الأستاذ الشيخ محمود شلتوت عضو جماعة كبار العلماء بمصر والأستاذ الشيخ عبد الله ماضي أُستاذ التاريخ الإسلامي بكلية أُصول الدين بالأَزهر يذكران
_________
(1) متفق عليه وأخرجه أحمد في مسنده وأبو داود والنسائي ولفظ أبي داود: ((اذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال انه أراد قتل صاحبه)) .(1/38)
فيه أَنهما كتبا لجلالتكم كتابًا أرسلا لنا صورته بصدد خبر هام ذكرا أَن جريدة الجمهورية التي تصدر بالقاهرة نشرته في عددها الصادر في يوم الجمعة 7 محرم سنة 1375هـ وهو كالآتي:
يبدأْ أَول قس في المملكة السعودية روما في 24 أُغسطس 1955م شر كسون كارلوري مايتو الراهب الفرنسيكاني أَول قس كاثوليكي يسمح له بالإقامة بصفة دائمية في المملكة السعودية العربية والقيام بأَعمال القساوسة فيها، فقد أَذن له جلالة الملك سعود بأَن يرعى الكنيسة الخاصة بالعمال الكاثوليك الذين يشتغلون في حقول البترول العربية. اهـ.
أَقول -حفظكم الله- هذا أَمر عظيم جدًا، وأَعتقد أَن ما نشرته هذه الجريدة كذب عليكم، وأَنكم أَبعد الناس عن إقرار مثل هذا الأَمر، وأَغيرهم على دين الإسلام، لأَن هذا لا يفعله إلا الزائغون عن الحق، وأَنتم لله الحمد ممن عرف بالتمسك بالدين، والمحافظة عليه، والذب عن حوزته -قف- فيتعين حفظك الله المبادرة في إعلان تكذيب الخبر في إذاعة مكة وفي صحف المملكة وفي إذاعة مصر وفي صحف مصر. وأَسأَل الله أَن يجعلكم نصرة لدينه ويحفظكم بالإسلام. محمد بن ابراهيم. (ص-م-1375هـ) (1) .
(8- بيان ما في الانجيل من تحريف وتبديل واختلاف في لاهوتية المسيح)
من محمد بن إبراهيم إلى معالي الأَمين العام لرابطة العالم الإسلامي ... سلمه الله
_________
(1) وانظر رسالة تتعلق بتدشين كنيسة في كتاب الحدود 683 في 18-2-85هـ.(1/39)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد جرى اطلاعنا على خطابكم المشفوع به خطاب الأَخ شمس الدين أَحمد، المتضمن ذكره أَنه حصل بينه وبين بعض رجال الدين المسيحي مناقشات حول ما في الانجيل من تحريف وتغيير وتبديل، وأَنهم أَنكروا ذلك، وتناولوا القرآن بما هو منزه عنه، وتسأَلون إجابتنا عما ذكره هؤلاء.
والجواب: الحمد لله. أَما ما ذكره من ناقشوا الأَخ شمس الدين أَحمد وأَنكروا له ما في الانجيل من تحريف وتغيير فهو مخالف لما تضافرت عليه الأَدلة وقامت عليه البينات. قال الله تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ - يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ) (1) . وروى أَحمد والترمذي وحسنه عن عدي بن حاتم ((أَنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأُ هذه الآية (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (2) فقلت له لسنا نعبدهم، قال أَليس يحرمون ما أَحل الله فتحرمونه، ويحللون ما حرم الله فتحلونه. فقلت بلى. قال فتلك عبادتهم)) .
وقال ابن كثير ورواه الإمام أَحمد والترمذي وابن جرير من طرق عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، أَنه لما بلغته دعوة رسول الله
_________
(1) سورة المائدة 14- 15.
(2) سورة التوبة 31.(1/40)
صلى الله عليه وسلم فر إلى الشام، وكان قد تنصر في الجاهلية، فأُسرت أُخته وجماعة من قومه، ثم منًَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أُخته وأَعطاها فرجعت إلى أَخيها فرغبته في الإسلام وفي القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم عدي المدينة وكان رئيسًا في قومه طي وأَبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم، فتحدث الناس بقدومه فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنق عدي صليب من فضة وهو يقرأُ هذه الآية: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ) قال فقلت انهم لم يعبدوهم. فقال: بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال وأَحلوا لهم الحرام فاتبعوهم. فذلك عبادتهم إياهم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عدي ما تقول أَيفرك أَن يقال الله أكبر فهل تعلم شيئًا أَكبر من الله؟ ما يفرك؟ أَيفرك أَن يقال لا إله إلا الله فهل تعلم إلهًا غير الله؟ ثم دعاه إلى الإسلام فأَسلم فشهد شهادة الحق. قال فلقد رأَيت وجهه استبشر، ثم قال: إن اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون)) . اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) في معرض حديثه عن تفرق النصارى وتلاعبهم بالانجيل تحريفًا وتغييرًا وإخفاءً. قال رحمه الله: وقد اختلف النصارى في عامة ما وقع فيه الغلط حتى في الصلب، فمنهم من يقول المصلوب لم يكن المسيح بل الشبه كما يقول المسلمون. ومنهم من يقر بعبوديته لله وينكر الحلول والاتحاد كالاريوسيه. ومنهم من ينكر الاتحاد وأَن أَقر بالحلول كالنسطورية.
وأَما الشرائع التي هم عليها فعلماؤهم يعلمون أَن أَكثرها ليس عن المسيح عليه السلام. فالمسيح لم يشرع لهم الصلاة إلى المشرق،(1/41)
ولا الصيام الخمسين، ولا جعله في زمن الربيع، ولا عيد الميلاد، والغطاس، وعيد الصليب، وغير ذلك من أعيادهم، بل أكثر ذلك مما ابتدعوه بعد الحواريين مثل عيد الصليب فإنه مما ابتدعته (هيلانه الحرانية) أُم قسطنطين. وفي زمن قسطنطين غيروا كثيرًا من دين المسيح والعقائد والشرائع فابتدعوا (الأَمانة) التي هي عقيدة إيمانهم، وهي عقيدة لم ينطق بها شيء من كتب الأَنبياء التي هي عندهم، ولا هي منقولة عن أَحد من الأَنبياء، ولا عن أَحد من الحواريين الذين صحبوا المسيح، بل ابتدعها لهم طائفة من أَكابرهم قالوا كانوا ثلاثمائة وثمانية عشر.
وقال في موضع آخر: وأَما الأَناجيل التي بأَيدي النصارى فهي أَربعة أَناجيل. إنجيل متى، ويوحنا، ومرقس، ولوقا، وهم متفقون على أَن ((لوقا)) و ((مرقس)) لم يريا المسيح إنما رآه متى ويوحنا. وأَن هذه المقالات الأَربعة التي يسمونها الإنجيل وقد يسمون كل واحد منها إنجيلا إنما كتبها هؤلاء بعد أَن رفع المسيح، فلم يذكروا فيها انها كلام الله ولا أَن المسيح بلغها عن الله، بل نقلوا فيها أَشياء من كلام المسيح من أَفعاله ومعجزاته وذكروا أَنهم لم ينقلوا كلما سمعوه منه ورأَوه، فكانت من جنس ما يرويه أَهل الحديث والسير والمغازي. إنتهى.
وقد ذكر الشيخ ((محمد رشيد رضا)) في معرض تفسيره قوله تعالى (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى) (1) الآية. فصلا طويلا في ضياع كثير من الإنجيل وتحريف كتب النصارى المقدسة نرى من كمال
_________
(1) سورة المائدة 14.(1/42)
الحديث نقله لاشتماله على نصوص منقولة عنهم وعن المهتمين؟، قال رحمه الله في (الجزء السادس من تفسير المنار) ص289.
1- إن الكتب التي يسموها الأَناجيل الأَربعة تاريخ مختصر للمسيح عليه السلام، لم يذكر فيها إلا شيء قليل من أَقواله وأَفعاله في أيام معدودة، بدليل قول يوحنا في آخر إنجيله: هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا ونعلم أَن شهادة حق. وأَشياء أُخرى كثيرة صنعها يسوع ان كتبت واحدة واحدة فلست أَظن أَن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة، آمين.
هذه العبارة يراد بها المبالغة في بيان أَن الذي كتب عن المسيح لا يبلغ عشر معشار تاريخه. ومن البديهي أَن تلك الأَعمال الكثيرة التي لم تكتب وقعت في أَزمنة كثيرة. وأَنه تكلم في تلك الأَزمنة وعند تلك الأَعمال كثيرًا فهذا كله قد ضاع ونسي. وحسبنا هذا حجة عليهم في إثبات قول الله تعالى: (فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ) وحجة على بعض علمائنا الذين ظنوا أَن كتبهم حفظت وتواترت قال صاحب ((ذخيرة الأَلباب)) : ان الانجيل لا يستلزم كل أَعمال المسيح ولا يتضمن كل أَقواله كما شهد به القديس يوحنا.
2- الإنجيل في الحقيقة واحد، وهو ما جاء به المسيح عليه السلام من الهدى والبشارة بخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وهو ما كان يدور ذكره على أَلسنة كتاب تلك التواريخ الأَربعة وغيرهم حكاية عن المسيح وعن أَلسنتهم أَنفسهم قال متى حكاية عنه:13:26 -الحق أَقول لكم حينما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يخبر أَيضًا بما فعلته هذه تذكارًا لها -أَي ما فعلته المرأَة التي سكبت(1/43)
قارورة الطيب على رأسه. واجب عليهم أَن يخبروا كل من يبلغونهم الإنجيل في عالم اليهودية كلها بما فعلته تلك المرأة. فخبر تلك المرأَة ليس من الإنجيل الذي جاء في كلام المسيح، وقد ذكر في تلك التواريخ امتثالاً لأَمره. وسميت تلك التواريخ أَناجيل لأَنها تتكلم عن انجيل المسيح وتجيء بشيء منه. ولذلك بدأَ مرقس تاريخه بقوله:
بدأَ انجيل يسوع المسيح -ثم قال حكاية عن المسيح- 1: 15 فتوبوا وآمنوا بالإنجيل. فالإنجيل الذي أَمر الناس أَن يؤمنوا به ليس هو أَحد هذه التواريخ الأربعة ولا مجموعها وهو الذي سماه بولس في رسالته الأولى إلى أَهل تسالونيكي -الإنجيل- المطلق 2: 4 وانجيل الله 8:2 و 9 وانجيل المسيح 2:3. والكتاب الإلهي يضاف إلى الله بمعنى أَنه أَوحاه، وإلى النبي بمعنى أَنه أَوحى إليه أَو جاء به، كما يقال توراة موسى.
3- كانت الأناجيل في القرون الأولى للمسيح كثيرة جدًا حتى قيل إنها بلغت زهاء سبعين إنجيل. وقال بعض مؤرخي الكنيسة إن الأَناجيل الكاذبة كانت 35 انجيل. وقد رد صاحب كتاب ((ذخيرة الأَلباب)) الماروني القول بكثرتها، وقال إن سبب ذلك تسمية الواحد بعدة أَسماء. وقال إن الخمسة والثلاثين لا تكاد تبلغ العشرين. وعددها كلها وذكر أَن بعضها مكرر الإسم، وذكر منها إنجيل القديس برنابا، وذكر أَن جاحدي الوحي طعنوا في الأَناجيل ثلاثة مطاعن.
(1) أَن الآباء الذين سبقوا القديس يوستينوس الشهيد لم يذكروا إلا أَناجيل كاذبة ومدخولة.(1/44)
(2) لا سبيل إلى إظهار أَسفار العهد الجديد التي خطها مؤلفوها.
(3) قد فات الجميع معرفة الموضع والعهد اللذين كتبت فيهما.
4- أَن كورنتس وكربو كراتوس قد نبذا ظهريًا منذ أَوائل الكنيسة انجيل القديس لوقا، والأَلوغيين انجيل القديس يوحنا ولم يستطع أَن يرد هذه الاعتراضات ردًا مقبولاً عند مستقبلي الفكر.
وقال الدكتور بوست البروتستاني في قاموس الكتاب المقدس: إن نقص الأناجيل غير القانونية ظاهر لأَنها مضادة لروح المُخَلص وحياته، ونحن نقول إننا قد أَطلعنا على واحد منها وهو انجيل برنابا فوجدناه أَكمل من مجموع الأربعة في تقديس الله وتوحيده وفي الحث على الآداب والفضائل، فإذا كان هذا برهانهم على رد تلك الأَناجيل الكثيرة وإثبات هذه الأَربعة فهو برهان يثبت صحة انجيل برنابا قبل غيره أَو دون غيره.
5- بدىء تحريف الإنجيل من القرن الأول. قال بولس في رسالته إلى أهل غلاطية:1:6 إني أَتعجب أَنكم تنتقلون هكذا سريعًا عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر، لا ليس هو آخر غير أَنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أَن يحولوا إنجيل المسيح. فالمسيح كان له انجيل واحد، وبين بولس أَنه كان في عصره من القرن الأول أُناس يدعون المسيحيين إلى انجيل غيره بالتحويل أَي التحريف كما في الترجمة القديمة، وفي ترجمة الجزويت -يقلبوا- بدل يحولوا، وهي أَبلغ في التحريف والتبديل، وبين بولس أَن الناس كانوا ينتقلون سريعًا إلى دعاة هذا الإنجيل المحرف المحول عن أَصله الذي جاء به المسيح. وقد بين بولس في رسالته الثانية(1/45)
إلى أهل كورنثيوس (11: 13-15) أَن هؤلاء القوم الذين يحرفون إنجيل المسيح -رسل كذبة ماكرون مغيرون شكلهم إلى رسل المسيح- وتتمة العبارة تدل أَنهم كانوا كرسل المسيح ويشتبهون بهم كما يتشبه الشيطان بالملائكة إذ -يغير شكله إلى ملاك نور-.
وفي الفصل الخامس عشر من سفر الاعمال ما يوضح هذه المسأَلة وهو أَن اليهود كانوا ينبثون بين المسيحيين ويعلمونهم غير ما يعلمهم رسل المسيح، وأَن المشايخ والرسل أَرسلوا برنابا وبولس إلى انطاكية ليحذروا أَهلها من هؤلاء المعلمين الكاذبين، وأَن بولس وبرنابا تشاجرا وافترقا هنالك، وهما ما تشاجرا وافترقا إلا لاختلافهما في حقيقة تعليم المسيح، فبرنابا يذكر في مقدمة انجيله أَن بولس كان من الذين خالفوا المسيح في تعليمه.
ولا شك أَن برنابا أَجدر بالتقديم والتصديق من بولس لأَنه تلقى عن المسيح مباشرة وكان بولس عدوًا للمسيح والمسيحيين. ولولا أَن قدمه برنابا للرسل لما وثقوا بدعوة التوبة والإيمان بالمسيح، ولكن النصارى رفضوا انجيل برنابا المملوء بتوحيد الله وتنزيهه وبالحكمة والفضيلة وآثروا عليه رسائل بولس وأَناجيل تلاميذه ومرقس وكذا يوحنا كما حققه بعض علماء أُوربه، لأَن تعاليم بولس كانت أَقرب إلى عقائد الرومانيين الوثنية، فكانوا هم الذين رجحوها ورفضوا ماعداها، إذ كانوا هم أَصحاب السلطة الأولى في النصرانية، وهم الذين كونوها بهذا الشكل.
6- اختلف علماء الكنيسة وعلماء التاريخ في الأَناجيل الأَربعة التي اعتمدوها في القرن الرابع من هم الذين كتبوها؟ ومتى كتبوها؟(1/46)
وبأي لغة كتبت؟ وكيف فقدت نسخها الأصلية؟ كما ترى ذلك مفصلاً في دائرة المعارف الفرنسية الكبرى وفي غيرها من كتب الدين والتاريخ.
وهذه كلمات من كتب المدافعين عنها:
قال صاحب كتاب (مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين) إن متى بموجب اعتقاد جمهور المسيحيين كتب انجيله قبل مرقس ولوقا ويوحنا، ومرقس ولوقا كتبا انجيلهما قبل خراب أُورشليم، ولكن لا يمكن الجزم في أَية سنة كتب كل منهم بعد صعود المخلص لأَنه ليس عندنا نص إلهي على ذلك.
((إنجيل متى)) : قال صاحب ((ذخيرة الأَلباب)) أَن القديس متى كتب إنجيله في السنة 41 للمسيح باللغة المتعارفة يومئذ في فلسطين وهي العبرانية أَو السير كلدانية. (ثم قال) : ثم ما عتم هذا الإنجيل أَن ترجم إلى اليونانية ثم تغلب استعمال الترجمة على الأَصيل الذي لعبت به أَيدي النساخ الابونيين ومسخته بحيث أَضحى ذلك الأَصل هاملاً بل فقيدًا وذلك منذ القرن الحادي عشر. اهـ.
أقول يا ليت شعري من هو الذي ترجم إنجيل متى باليونانية ومن عارض هذه الترجمة على الاصل قبل أَن يعبث به النساخ ويمسخوه. الله أعلم.
ثم قال صاحب الذخيرة: يترجح أَنه كتبه في نفس أُورشليم. وقال: إنما هو رواية جدلية عن المسيح لا ترجمة حياته.
وقال: إن البروتستانت المتاخرين امتروا وشكوا في كون الفصلين الأولين منه لمتى.(1/47)
وقال الدكتور (بوست) في قاموس الكتاب المقدس: واختلف القول بخصوص لغة هذا الإنجيل هل هي العبرانية أَو السريانية التي كانت لغة فلسطين في تلك الأيام؟ وذهب آخرون إلى أَنه كتب باليونانية كما هو الآن. ثم تكلم في شبهة عظيمة على أَصل هذا الانجيل تكلم فيها صاحب الذخيرة أيضًا، وهي أَن شواهده في العظات من الترجمة السبعينية للعهد العتيق، وفي بقية القصة من الترجمات العبرانية. وأَجاب كل منهما عن ذلك بما تراءى له.
ثم رجح (بوست) أَنه أَلف باليونانية خلافًا لجمهور رؤساء الكنيسة المتقدمين. فثبت بهذا وذاك أَنه لا علم عندهم بتاريخه ولا لغته (وإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) .
ثم قال: ولا بد أَن يكون هذا الانجيل قد كتب قبل خراب أُورشليم. إلى أَن قال: ويظن البعض أَن انجيلنا الحالي كتب بين سنة 60 وسنة 65. وقد علمت أَن صاحب الذخيرة زعم أَنه كتب سنة 41، وأَن هي إلا ظنون وأَوهام يناطح بعضها بعضًا.
وأَما علماء النصارى الأَقدمين فالمأْثور أَن متى لم يكتب هذا الانجيل وإنما كتب بعض أَقوال المسيح باللغة العبرانية، والنصارى يحتجون الآن على كون هذه الأناجيل التي لا سند لها لفظيًا ولا كتابيًا كانت معروفة في العصور الأولى بأَقوال لأولئك العلماء المتقدمين هي حجة عليهم لا لهم، وقد جاء في ((المنار)) بيان ذلك غير مرة.
وأَقدم شهادة يتناقلونها في ذلك شهادة (بابياس) أَسقف هيرابوليس في منتصف القرن الثاني فقد نقل عنه (أُوسابيوس) المتوفي سنة 340 ما ترجمته:(1/48)
إن متى كتب مجموعة من الجمل باللغة العبرانية، وقد ترجمها كل بحسب طاقته.
ويمتاز انجيل متى بأَن من نسب إليه من تلاميذ المسيح، وبأَنه أَقرب إلى التوحيد وأَبعد عن الوثنية من سائر الأناجيل.
((انجيل مرقس)) : ذكر صاحب الذخيرة أَن مرقس كان عبرانيًا ملة (أَي لا نسبًا) وأَنه كان تلميذًا لبطرس وتبناه بطرس، وأَنه اقتبس انجيله من انجيل متى ومن خطب بطرس، وأَن بعض المتأَخرين زعموا أَنه كان يوجد إنجيل سابق لإنجيلي متى ومرقس أَخذا عنه إنجيلهما، وأَن بعض البرتستانت شكوا في الاعداد الإثني عشر الأخيرة من الفصل السادس عشر من هذا الإنجيل لأَسباب منها أَنه لا ذكر لها في النسخ الخطية القديمة.
وقال (بوست) : مرقس لقب يوحنا، يهودي يرجح أَنه ولد في أُورشليم. (قال) وتوجه مرقس مع بولس وبرنابا خاله في رحلتهم التبشيرية الأولى غير أَنه فارقهما في (برجه) فصار علة مشاجرة قوية بين بولس وبرنابا وبعد ذلك تصافح مع بولس فرافقه إلى (رومية) وكان مع بطرس لما كتب رسالته الأولى (1 بط 5: 136) ثم مع ثيموناوس في (افسس) ولا يعرف شيء حقيقي عن حياته بعد ذلك.
ثم ذكر أَنه كتب انجيله باليونانية وشرح فيه بعض الكلمات اللاتينية فاستدل بذلك على أَنه كتبه في رومية. (قال) إنما المشابهة بين انجيلي متى ومرقس حملت بعض الناس على أَن يعتقدوا أَن الثاني مختصر من الأَول.(1/49)
ولم يذكر هذا ولا ذاك تاريخ كتابة هذا الانجيل، وقد روي عن ابرنياوس أَنه كتبه بعد موت بطرس وبولس فلم يطلعا عليه. فكيف نثق بأَنه وعى ما سمعه من بطرس وأَداه كما سمعه؟ هذا إذا صحت نسبته إليه بسند متصل، ولن تصح.
((إنجيل لوقا)) : قال في الذخيرة: أَن لوقا كان من انطاكية. ومن الشراح من ظن أَنه اغريقي متهود لأَنه لا يذكر الكتاب المقدس إلا نقلاً عن الترجمة السبعينية. ومنهم من قال أَنه وثني هاد إلى الحق وارتد إلى الدين القويم. وقال: لوقا كان تلميذًا ومعاونًا لبولس.
ثم قال ما نصه: وقد أَغفل متى ومرقس بعض حوادث وأُمور تتعلق بسيرة المسيح وقام بعض الكتبة واختلقوا ترجمة مموهة ليسوع المسيح، وكثيرًا ما فاتهم فيها الرواية والتدقيق، فبعث ذلك بلوقا على وضع إنجيله ضنًا بالحق فكتبه باليونانية وجاء كلامه أَصح وأَفصح وأَشد انسجامًا من كلام باقي مؤلفي العهد الجديد. وذهب كثير من المحققين إلى أَنه كتب إنجيله في السنة 53 للمسيح. وقيل بل سنة 51.
ثم ذكر الخلاف في المكان الذي كتبه فيه وبين غرضه منه فقال في آخره: -
وأَن يكشف النقاب عن الأَغلاط المدخولة في تراجم حياة المسيح المموهة -أَي الأَناجيل التي ردتها الكنيسة بعد- وينفي كل ركون إليها، ثم يبين أَنه كان يحمل إنجيلي متى ومرقس وأَنه اقتبس منها ما وافقهما فيه. ثم عقد فصلا لما اعترض به على ما حذفوه وأَسقطوه من هذا الإنجيل لأَنهم رأَوه لا يليق بالمسيح أو لعلة أُخرى.(1/50)
وقال الدكتور بوست في قاموسه: ظن بعضهم أَنه - أَي لوقا مولود في انطاكية إلا أَن ذلك ناتج من اشتباهه بلو كيوس، قال: ومن تغيير صيغة الغائب إلى صيغة المتكلمين في سياق القصة يستدل على أَن لوقا اجتمع مع بولس في ترواس -أَع 16: 1- وذهب معه إلى فيلبي في سفره الثاني ثم اجتمع معه ثانية في فيلبي بعد عدة سنين -أَع 20: 5ر6- وبقي معه إلى أَن أُسر وأُخذ إلى رومية -أَع 28: 20- ولم يعلم شيء من حياته بعد ذلك.
فلينظر القاريء كيف يستنبطون تاريخه من أُسلوب عبارته التي لم تصل إليهم بسند متصل لا صحيح ولا ضعيف، كما استدلوا على كونه إيطاليًا لا فلسطينيًا من كلامه عن القطرين، ذلك بأَنه ليس عندهم نقل يعرفون به شيئًا عن مؤسسي دينهم.
ثم قال: وظن البعض أَن لفظة انجيل الواردة -3: تي 2: 8- تدل على أَن بولس أَلف انجيل لوقا لم يكن إلا كاتبًا.
ثم قال: - وقد كتب هذا الإنجيل قبل خراب أُورشليم وقبل الأعمال ويرجح أَنه كتب في قيصرية في فلسطين مدة أَسر بولس؟ من 58-60 م غير أَن البعض يظنون أَنه كتب قبل ذلك.. اهـ.
فأنت ترى من التعبير بلفظ الترجيح والظن ومن الخلاف بين سنة 51 و 53 كما في الخلاصة و 58 و 60 كما أَنه لا علم عند القوم بشيء (وإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) ولعل الذين قالوا إن بولس هو الذي كتب هذا الإنجيل هم المصيبون لمشابهة أُسلوبه لأسلوب رسائله باعترافهم. فإن قيل وما تفعل بتحريفه؟ قلت هو كتحريفها وتجد فيه مثل ما تجد فيها من ذكر وضع بعض الناس لأَناجيل(1/51)
كاذبة. ومن لنا بدليل يثبت لنا صدقه هو؟ وأَنى لنا بتمييز هذه الأَناجيل ومعرفة صادقها من كاذبها؟
((إنجيل يوحنا)) . تقول النصارى: إن يوحنا هذا هو تلميذ المسيح ابن زبدي وسالومه، ويقول أَحرار المؤرخين منهم غير ذلك كما في دائرة المعارف الفرنسية، ويرجح بعضهم أَنه من تلاميذ بولس أيضًا.
وذكر في الذخيرة ثلاثة أقوال في تاريخ كتابته وهي 64 و 94 و 97 وأَنه كتبه باليونانية ليثبت أُلوهية المسيح ويسدد النقص الذي في الأَناجيل الثلاثة -إجابة لرغبة أَكثر الأَساقفة ونواب كنائس آسية وإلحاحهم عليه أَن يبقى من بعده ذكرًا مخلدًا- ومفهوم هذا أَنه لولا هذا الإلحاح لم يكتب ما كتب، وإذا لبقيت أَناجيلهم ناقصة وخلوا من شبهة على عقيدتهم المعقدة التي لا تعقل، إذ لا توجد الشبهة عليها إلا في هذا الإنجيل الذي هو أَكثر الأَناجيل تناقضًا، وناهيل بجمعه بين الوثنية والتوحيد، وقوله عن المسيح: أَنه إن كان يشهد لنفسه فشهادته حق، ثم قوله عنه في موضع آخر: أَنه وإن كان يشهد لنفسه فشهادته ليست حقًا- إلى أَمثال ذلك.
وقال الدكتور بوست: ويظن أَنه كتب في أَفسس بين سنة 70 و 95. ثم قال في الرد على علماء أوربه الأَحرار ما نصه:
وقد أَنكر بعض الكفار قانونية هذا الإنجيل لكراهتهم تعليمه الروحي ولا سيما تصريحه الواضح بلاهوت المسيح. غير أَن الشهادة بصحته كافية: فإن بطرس يشير إلى آية منه 2 بط 1: 14 قابل يو 21: 18 وأَغناطيوس وبوليكريس يقتطفان من روحه وفحواه وكذلك الرسالة إلى ديو كنيتس وباسيلدس وجوستينس الشهيد وتانيانس. وهذه الشواهد يرجع بنا زمانها إلى منتصف القرن الثاني(1/52)
وبناء على هذه الشهادة وعلى نفس كتابته الذي يوافق ما نعلمه من سيرة يوحنا نحكم أَنه من قلمه. وإلا فكاتبه من المكر والغش على جانب عظيم. وهذا الأمر يعسر تصديقه لأَن الذي يقصد به أَن يغش العالم لا يكون روحيًا ولا يتصل إلى علو وعمق الأَفكار والصلوات الموجودة فيه. وإذا قابلناه بمؤلفات الآباء رأَينا بينه وبينها بونًا عظيمًا حتى نضطر للحكم أَنه لم يكن منهم من كان قادرًا على تأْليف كهذا، بل لم يكن بين التلاميذ من يقدر عليه إلا يوحنا، ويوحنا ذاته لا يستطيع تأْليفه بدون إلهام من ربه. اهـ.
أَقول: إن من عجائب البشر أَن يقول مثل هذا القول أَو ينقله معتمدًا له عالم طبيب كالدكتور بوست فإنه كلام لا يخفى بطلانه وتهافته على الصبيان، ولا أًَعقل له تعليلاً إلا أَن يكون تصنعًا وغشًا لارضاء عامة النصارى لا لإرضاء اعتقاده ووجدانه، أَو يكون التقليد الديني من الصغر قد ران على قلب الكاتب فسلبه عقله واستقلاله وفهمه في كل ما يتعلق بأَمر دينه. وإليك البيان بالإيجاز:
إن الدكتور بوست من أَعلم الأوربيين اللذين خدموا دينهم في سورية وأَوسعهم اطلاعًا، وهو يلخص في قاموسه هذا أَقوى ما بسطه علماء اللاهوت في إثبات دينهم وكتبهم ورد اعتراضات العلماء عليها. فإذا كان هذا منتهى شرطهم في إثبات إنجيل يوحنا الذي هو عمدتهم في عقيدة تأْليه المسيح، فما هو الظن بكلام المؤرخين الأَحرار والعلماء المستقلين في إبطال هذا الإنجيل؟
إبتدأَ رده على منكري هذا الإنجيل بأَن بطرس أَشار إلى آية منه في رسالته الثانية. فهذا أَقوى برهان عندهم على كون هذا الإنجيل كتب في العصر الأول.(1/53)
فأول ما نقوله في رد هذا الدليل الوهمي أَن رسالة بطرس الثانية كتبت في بابل سنة 64، 68 كما قاله صاحب كتاب (مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين) وانجيل يوحنا كتب سنة 95 أَو 98 على ما اعتمده بوست وصاحب هذا الكتاب وسائر علماء طائفتهم (البروتستانت) فهو قد أُلف بعد كتابة رسالة بطرس بثلاثين سنة أَو أَكثر على رأْيهم، فإذا وافقها في شيء فأَول ما يخطر في بال العاقل أَنه نقله عنها وإن أُلف بعدها بعدة قرون، فكيف يكون ذلك دليلاً على صحته؟ ولو لم يكن في رد هذه الشبهة الواهية إلا احتمال نقل المتأَخر وهو مؤلف انجيل يوحنا عن المتقدم وهو بطرس لكفى، وهم جازمون بتقدمه عليه وإن لم يكن عندهم تاريخ صحيح لأَحد منهما، بل تاريخ ولادة الههم وربهم الذي يؤرخون به كل شيء فيه خطأ كما حققه يعقوب باشا أَرتين وغيره.
ونقول (ثانيًا) : إننا قابلنا بين -2 بط 1: 14- وبين -يو 21: 18- فلم نجد في كلام بطرس في ذلك العدد إشارة واضحة إلى ماذكره يوحنا. فعبارة بطرس التي سموها شهادة له هي قوله -عالمًا أَن خلع سكني قريب كما أَعلن لي ربنا يسوع المسيح أَيضًا- وعبارة يوحنا المشهود لها هي أَن المسيح قال لبطرس -الحق الحق أَقول لك لما كنت أَكثر حداثة كنت تمنطق ذاتك وتمشي حيث تشاء. ولكن متى شخت فإنك تمد يدك وآخر يمنطقك ويحملك حيث لا تشاء-.
فمعنى عبارة بطرس أَنه يستبدل مسكنه باختياره ويرحل عن القوم الذين يكلمهم. ومعنى عبارة المسيح أَنه إذا شاخ وهرم يقوده من يخدمه ويشد له منطقته، فإن فرضنا أَن بطرس كتب هذا بعد(1/54)
يوحنا لم يكن فيه أَدنى شبهة على تصديق يوحنا في عبارته هذه، فضلاً عن تصديقه في كل إنجيله، فما أَوهى دينًا هذه أسسه ودعائمه!
ذكرني هذا الاستدلال نادرة رويت لي عن رجل هرم من صيادي السمك- ولا أذكر هذا الوصف تعريضًا بتلاميذ المسيح عليه السلام وعليهم الرضوان- قال: إن رجلاً غريبًا من الدراويش علمه سورة لا يعرفها أحد من خلق الله سواهما إلا أَن خطيب البلد يحفظ منها كلمتين يدلان على أَصلها. وأَول هذه السخافة التي سماها سورة:
الحمد لله الذين المددا. عند النبي أَشهدا، نبينا محمدًا، في الجنان مخلدا، أَجت فاطمة الزهرا، بنت خديجة الكبرى، آلت لو يابابتي يابابتي علمني كلمتين الخ. والكلمتان اللتان يحفظهما الخطيب منها هما فاطمة الزهرا، وخديجة الكبرى، رضي الله عنهما، لأَنه كان يقول في دعاء الخطبة الثانية بعد الترضي عن الحسن والحسين، وارض اللهم عن أَمهما فاطمة الزهرا، وعن جدتهما خديجة الكبرى.
ولا يخفى على القاريء أَن الاتفاق بين هذه الأَسجاع العامية وخطبة خطيب البلد في تينك الكلمتين أَشهر من الاتفاق بين رسالة بطرس وانجيل يوحنا، بل ليس بين هذا الإنجيل وهذه الرسالة اتفاق ما فيما زعموه تكليفًا وتحريفًا للعبارة عن معناها.
وأَما استدلاله باقتطاف اغناطيوس وبوليكريس من روح هذا الإنجيل فهو مثل استدلاله بشهادة بطرس له بل أَضعف. إذ معنى هذا الاقتطاف أَنه روي عن هذين الرجلين شيء يتفق مع بعض معاني هذا الإنجيل فإذا سلمنا أَن هذا صحيح فهو لا يدل على أَن هذا الإنجيل كان معروفًا في زمنهما في القرن الثاني للمسيح لأَنهما لم يذكراه ولم يعزوا إليه شيئا. ويجوز أَن يكون ما اتفقا فيه من المعنى -إن(1/55)
صح ذلك ولم يكن كالاتفاق الذي ذكروه- بينه وبين بطرس مقتبسًا من كتاب آخر كان متداولاً في ذلك الزمان، كما يجوز أَن يكون مأْخوذًا من التقاليد الموروثة عند بعض شعوبه. مثال ذلك: أَن يوحنا انفرد باستعمال لفظ -الكلمة- والقول بألوهية الكلمة، ولم يؤثر هذا عن غيره من مؤلفي الكتب المقدسة عندهم، ولا عن أَحد من تلاميذ المسيح. وقد بينا في تفسير (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ) (1) أَن هذه العقيدة وهذا اللفظ مما أَثر عن اليونان والبراهمة والبوذيين وقدماء المصريين. وبحث فيها أَيضًا (فيلو) الفيلسوف اليهودي المعاصر للمسيح. فإذا فرضنا أَن (أَغناطيوس) استعمل هذا اللفظ وذكر هذه العقيدة في القرن الثاني، لا يكون هذا دليلاً على نقلها عن يوحنا وعلى أَن انجيل يوحنا ورسالته ورؤياه كانت معروفة في القرن الثاني. لاحتمال أَن يكون نقل ذلك عن الأمم الوثنية التي كانت تدين بهذه العقيدة قبل يوحنا وقبل المسيح عليه السلام وإذا كان الاتفاق بينهما في المعنى الذي انفرد به يوحنا عن غيره لا يدل على ذكر فكيف يدل عليه الاتفاق في المعاني الأخرى التي لم ينفرد بها يوحنا؟
فتبين من هذا النقد الوجيز أَن ما ذكره بوست وسماه كغيره شهادة لإنجيل يوحنا ليس شهادة، وأَن ما سميناه شهادة مندوحة لنا عن القول بأَنها شهادة زور. وأَما زعمهم أَن كتابة هذا الإنجيل توافق سيرة يوحنا ولا يقدر عليه غيره، فهو تمويه نقضوه بقولهم إنه هو لا يقدر عليه أَيضًا إلا بالإلهام إذ كل ملهم يقدر باقدار الله الذي أَلهمه، وليس ليوحنا عندهم سيرة تثبت أَو تنفي.
_________
(1) سورة النساء 171.(1/56)
بقي استدلاله الأَخير على صحة هذا الإنجيل بأَنه لو لم يكن من قلم يوحنا لكان الكاتب له على جانب عظيم من المكر والغش. قال: هذا الأَمر يعسر تصديقه لأَن الذي يقصد أَن يغش العالم لا يكون روحيًا. الخ. فنقول إن هذا الاستدلال ينبىء بسذاجة من اخترعه ونقله وغرارتهم. وإن شئت قلت بغباوتهم أَو قصدهم مخادعة الناس، وبطلانه بديهي، فإن الكاتب للمعاني الروحية لا يجب أَن يكون روحيًا، والكاتب في الفضائل لا يقضي العقل أَن يكون فاضلا. وقد كان في مصر كاتب من أَبلغ كتاب العربية في الأَخلاق والفضائل. ومع هذا وصفه بعض عارفيه بقوله: إن حروف الفضيلة تتأَلم من لوكها بفمه، ووخزها بسن قلمه. وأَن الروحانية التي نجدها في انجيل برنابا وما فيه من تقديس الله وتنزيهه، ومن الأَفكار والصلوات، لهو أَعلى وأَشد تأْثيرًا في النفس من انجيل يوحنا، ويزعمون مع هذا كله أَنه قصد به غش الناس، وتحويلهم عن التثليث والشرك إلى التوحيد والتنزيه.!!!
إن هذا المسلك الأخير الذي سلكه بوست في الاستدلال على صحة نسبة انجيل يوحنا إليه يقبله المقلدون لعلماء اللاهوت عندهم بغير بحث ولا نظر، والناظر المستقل يراه يؤدي إلى بطلان نسبته إليه لأَسباب أَهمها ثلاثة:
1- أَنه جاء بعقيدة وثنية نقضت عقيدة التوحيد الخالص المقررة في التوراة وجميع كتب أنبياء بني إسرائيل، وقد صرح المسيح بأَنه ما جاء لينقض الناموس بل ليتممه، وأَصل الناموس وأَساسه الوصايا العشر، وأَولها وأَولاها بالبقاء ودوام البناء وصية التوحيد.(1/57)
2- مخالفته في عقيدته وأُسلوبه لكل ما هو مأْثور عن جماعته وقومه قبل المسيح وبعده.
3- مخالفته للأَناجيل التي كتبت قبله في أُمور كثيرة أَهمها تحاميه ما ذكر فيها من الأَعراض البشرية المنسوبة إلى المسيح مما ينافي الألوهية كتجربة الشيطان له وخوفه من فتك اليهود به وتضرعه إلى الله خائفًا متألمًا ليصرف عنه كيدهم وينقذه منهم، وصراخه وقت الصلب من شدة الألم - إلى غير ذلك.
ومن تأمل أَساليب الأَناجيل وفحواها يرى أَن إنجيل يوحنا غريب عنها ويجزم بأَن كاتبه متأَخر سرت إليه عقائد الوثنيين، فأَحب أَن يلقح بها المسيحيين.
ونقول (ثانيًا) : إذا فرضنا أَن موافقة بعض أَهل القرن الثاني لهذا الإنجيل في روح معناه يعد شهادة له بأَنه كان موجودًا في منتصف القرن الثاني، فأَين الشهادة التي تثبت أَنه كان موجودًا في القرن الأَول والصدر الأَول مما بعده؟
ثم تبين لنا من تلقاه عنه حتى وصل إلى أُولئك الذين اقتطفوا من روحه.
بعد كتابة ما تقدم راجعت (إظهار الحق) فرأَيته استدل على أَن انجيل يوحنا ليس من تصنيف يوحنا الذي هو أَحد تلاميذ المسيح بعدة أُمور. (منها) : أُسلوبه الذي يدل على أَن الكاتب لم يكتب ما شاهده وعاينه بل ينقل عن غيره. (ومنها) : آخر فقرة منه وهي ما أَوردناه في الاستدلال على أَنه لم يكتب عن أَحوال المسيح وأَقواله إلا القليل، فإنه ذكر فيها يوحنا بضمير الغائب وأَنه كتب وشهد(1/58)
بذلك. فالذي ينقل هذا عنه لا بد أَن يكون غيره، وقصاراه أَنه ظفر بشيء مما كتبه فحكاه عنه ونقله في ضمن إنجيله، ولكن أَين الأَصل الذي ادعى أَن يوحنا كتبه وشهد به؟
وكيف نثق بنقله عنه ونحن لا نعرفه، ورواية المجهول عند محدثي المسلمين وجميع العقلاء لا يعتد بها البتة. (ومنها) : أَنهم نقلوا أَن الناس أَنكروا كون هذا الإنجيل ليوحنا في القرن الثاني على عهد (أَرينيوس) تلميذ (بوليكارب) الذي هو تلميذ يوحنا، ولم يرد عليهم أرينيوس بأَنه سمع من بوليكارب أَن أُستاذه يوحنا هو الكاتب له (ومنها) نقله عن بعض كتبهم ما نصه: كتب استادلن في كتابه: ان كافة إنجيل يوحنا تصنيف طالب من طلبة مدرسة الإسكندرية بلا ريب. (ومنها) : أَن المحقق (برطشنيدر) قال: إن هذا الإنجيل كله وكذا رسائل يوحنا ليست من تصنيفه بل صنفها أَحد (كذا) في ابتداء القرن الثاني. (ومنها) : أَن المحقق (كروتيس) قال إن هذا الإنجيل عشرين بابًا أَلحقت كنيسة أَفساس الباب الحادي والعشرين بعد موت يوحنا. (ومنها) أَن جمهور علمائهم ردوا إحدى عشرة آية من أَول الفصل الثامن الخ.
7- علمنا مما تقدم أَن النصارى ليس عندهم أَسانيد متصلة ولا منقطعة لكتبهم المقدسة، وإنما بحثوا ونقبوا في كتب الأَولين والآخرين وفلوها فليا لعلهم يجدون فيها شبهة دليل على أَن لها أصلاً كان معروفًا في القرون الثلاثة الأولى للمسيح، ولكنهم لم يجدوا شيئًا صريحًا يثبت شيئًا منها، وإنما وجدوا كلمات مجملة أَو مبهمة فسروها كما شاءت أَهواؤهم وسموها شهادات ونظموها في سلك الحجج والبينات، وإن كانت هي أَيضًا غير منقولة عن الثقات،(1/59)
ثم استنبطوا من فحواها ومضامينها مسائل متشابهة زعموا أَن كلا منها يؤيد الآخر ويشهد له، وقد أَشرنا إلى ضعف كل واحدة من هاتين الطريقتين.
فثبت بهذا البيان الوجيز صدق قول القرآن المجيد: (فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ) (1) وثبت به أَنه كلام الله ووحيه، إذ ليس هذا مما يعرف بالرئي حتى يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد اهتدى إليه بعقله ونظره.
ونظير هذه العبارة وأَمثالها في الدلالة على كون القرآن من عند الله تعالى قوله تعالى: (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء) (2) فأَنت ترى مصداق هذا القول بين فرقهم وبين دولهم لم ينقطع زمنًا ما.
8- ان أَحد فلاسفة الهنود درس تاريخ الأَديان كلها وبحث فيها بحث مستقل منصف، وأَطال البحث في النصرانية لما للدول المنسوبة إليها من الملك وسعة السلطان والتبريز في الفنون والصناعات ثم نظر في الإسلام فعرف أَنه الدين الحق فأَسلم، وأَلف كتابًا باللغة الإنجليزية سماه ((لماذا أَسلمت)) بين فيه ما ظهر له من مزايا الإسلام على جميع الأَديان، وكان أَهمها عنده أَن الإسلام هو الدين الوحيد الذي له تاريخ صحيح محفوظ فالآخذ به يعلم أَنه هو الدين الذي جاء به محمد بن عبد الله النبي الأمي العربي المدفون في المدينة المنورة من بلاد العرب. وقد كان من مثار العجب عنده أَن ترضى أُوربه لنفسها دينًا ترفع من تنسبه إليه عن مرتبة البشر فتجعله إلهًا وهي لا تعرف من تاريخه شيئًا يعتد به، فإن هذه الأناجيل الأربعة
_________
(1) سورة المائدة 14.
(2) سورة المائدة 14.(1/60)
على عدم ثبوت أَصلها، وعدم الثقة بتأْريخها ومؤلفيها لا تذكر من تاريخ المسيح إلا وقائع قليلة، حدثت كما تقول في أَيام معدودة. ولا يذكر فيها شيء يعتد به عن نشأَة هذا الرجل وتربيته وتعليمه وأَيام صباه وشبابه، ولله في خلقه شئون. اهـ.
بل إن كثيرًا من مفكريهم وأُدبائهم وعلمائهم المعاصرين يعترفون أَن الأَناجيل الموجودة ليست سوى مجموعة كتب كتبت في أَوقات متباعدة عن بعضها فقد جاء في دائرة المعارف البريطانية في المجلد الخامس صحيفة 636 طبعة 1953 ما نصه: -لم يبق من أَعمال السيد المسيح شيء ولا كلمة واحدة مكتوبة- وقال اللورد هدلي في أَحد كتبه: - ليس الإنجيل إلا مجموعة كتب كتبت في أَوقات متباعدة عن بعضها-. وقال الأستاذ ولز: إن السيد المسيح هو راضع نواة المسيحية وليس بمنشئها. وقال أيضًا: إن بعض الكتاب يرى أَن السيد المسيح لا تربطه بالمسيحية الحاضرة أَية صلة.
ولعل من أَبرز الدلائل على التحريف والتغيير والتبديل ما يزعمه النصارى من أَن عيسى ابن الله ورسوله - ففضلاً عما لدينا من كتاب الله وسنة رسوله من النصوص الواضحة في أَنه عبد الله ورسوله وكلمته أَلقاها إلى مريم وروح منه- فقد جاء في دائرة المعارف البريطانية المجلد الخامس منها ما نصه: -إن سيدنا عيسى عليه السلام- لم تصدر عنه أَي دعوى تفيد أَنه من عنصر إلهي أَو من عنصر أَعلى من العنصر الإنساني المشترك- كما أَنه جاء فيها أَن كثيرًا من المراسيم والطقوس الكنيسية المعمول بها الآن لم يمارسها سيدنا عيسى نفسه ولم يأْمر بها.(1/61)
وقد يكون من المناسب أَن نذكر خلاصة أَقوال استشهد بها الأستاذ أَحمد علوش في كتابه ((The Religion of Islam)) لعلماء مسيحيين غيورين على المسيحية. أَحد هذه الأقوال: أَن الأَناجيل الأَربعة الموجودة الآن سبقتها محاولات عديدة وقد كان قبل هذه الأَربعة عدة أَناجيل. القول الثاني: أَن نسبة الأَناجيل الأَربعة الموجودة الآن إلى كاتبيها المعنيين نسبة مشكوك فيها ولم تثبت صحتها حتى الآن وما زالت مصدر أَخذ ورد.
الثالث: هذه الأَناجيل الأَربعة أُلفت تأْليفًا ولم تصدر عن وحي.
الرابع: يختلف إنجيل يوحنا عن الأَناجيل الثلاثة الأخرى اختلافًا شديدًا واضحًا.
الخامس: الأَناجيل الثلاثة الأخرى تختلف فيما بينها اختلافًا واضحًا كبيرًا. وان كان الاختلاف فيما بينها أَقل بالنسبة إلى إنجيل يوحنا.
أَما ما ذكره الأخ شمس الدين أَحمد من أَن من ناقشوه من رجال الدين المسيحي تعرضوا للقرآن. فلم يذكر لنا الطريقة التي تعرضوه بها حتى يكون ردنا عليهم متجهًا نحوها. ولعله وفقه الله يذكر لنا الشبه التي ذكروها له لأَن مجرد قولهم بأَن القرآن لم يسلم من التحريف يكفي في الرد عليهم به أَنهم كذابون وأَن الله تعالى تولى حفظه عن التغيير والتبديل والتحريف. قال تعالى وهو أَصدق القائلين: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (1) . وقال تعالى: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ - لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (2) .
_________
(1) سورة الحجر 9.
(2) سورة فصلت 41، 42.(1/62)
فلقد نقل القرآن إلينا بالنقل المتواتر بإجماع الأمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأَلفاظه ومعانيه. كما أَن كثيرًا من المسلمين سلفهم وخلفهم يحفظون القرآن في صدورهم حفظًا يستغنون به عن القراءة في المصاحف مصداقًا لما ثبت في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قال: ((إِنَّ رَبي قَالَ لِيْ إِني مُنَزِّل عَلَيْكَ كِتَابًا لا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَأُهُ نَائِمًا ويَقْظَانًا)) . فلو غسل بالماء من المصاحف لم يغسل من القلوب، ولو أُخفيت بعض قراطيسه كما هي الحال في التوراة والإنجيل وغيرهما لما خفي الأَمر على المسلمين فضلاً عن حفَّاظهم.
بل إن من كمال الحق ما شهد به الأَعداء فلقد قال ((السير وليم موير)) وهو أَحد خصوم الإسلام حسبما حكاه عنه الدكتور حسنين هيكل في كتابه (حياة محمد) (1) : ومع ما أَدى إليه مقتل عثمان نفسه من قيام شيع متعصبة ثائرة زعزعت ولا تزال تزعزع وحدة العالم الإسلامي فإن قرآنًا واحدًا قد ظل دائمًا قرآنها جميعًا، وهذا الإسلام منها جميعًا إلى كتاب واحد على اختلاف العصور حجة قاطعة على أَن ما أَمامنا اليوم إنما هو النص الذي جمع بأَمر الخليفة السيء الحظ (2) والأَرجح أَن العالم كله ليس فيه كتاب غير القرآن ظل اثني عشر قرنًا كاملاً بنص هذا مبلغ صفائه ودقته.
_________
(1) ص 30.
(2) قتل مظلومًا شهيدًا بغير سبب يبيح قتله وهو صابر محتسب لم يقاتل مسلمًا، وهو أحد الخلفاء الراشدين الأَربعة، وقد أَوصى النبي بسنتهم، وهو أَحد العشرة المبشرين بالجنة، وزوج ابنتي الرسول عليه الصلاة والسلام، وصاحب الفضائل المشهورة، وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ((ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم)) وقال ((اءذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه)) وهذا من حسن الحظ.(1/63)
وقال في موضع آخر (1) : والنتيجة التي نستطيع الاطمئنان إلى ذكرها هي أَن مصحف زيد وعثمان لم يكن دقيقًا فحسب بل كان كما تدل عليه الوقائل كاملاً وانَّ جامعيه لم يتعمدوا إغفال أَي شيء من الوحي، ونستطيع كذلك أَن نؤيد إستنادًا إلى أَقوى الأَدلة أَن كل آية من القرآن دقيقة في ضبطها كما تلاها محمد.
وقال هيكل بعد ذلك (2) : أَطلنا في اقتطاف عبارات ((سير وليم موير)) على أَن ما اقتطفناه يغنينا عن ذكر ما كتبه (الأَب لامنسي)) و ((فون هامر)) ومن يرون هذا الرأي من المستشرقين هؤلاء جميعًا يقطعون بدقة القرآن الذي نتلوه اليوم بأَنه يحتوي على كل ما تلاه محمد على أًَنه الوحي الذي تلقاه من ربه صادقًا كاملاً. فإذا ذهبت بعد ذلك قلة من المستشرقين غير مذهبهم غير آبهين بالأَدلة العلمية التي ساقها ((موير)) وكثرة المستشرقين كان ذلك تجنيًا على الإسلام لم يمله غير الحقد على الإسلام، وعلى صاحب الرسالة الإسلامية. اهـ.
وقال ((اربثنت)) : ولقد ظل القرآن كما هو حتى اليوم بدون أَي تحريف أو تبديل لا من المتحمسين له ولا من ناقليه إلى لغات أُخرى ولا ممن يتربصون به الدوائر وهو موقف لم يقفه مع الأَسف أَي كتاب من كتب العهدين القديم والحديث معًا.
وقال (لوزتنا بوز) كذلك: فلم تكن هناك أَي فرصة لتبديل أَي جزء في القرآن أَو تحويره ولو بوازع الحماس له، وهو الكتاب الوحيد
_________
(1) ص 38.
(2) 38.(1/64)
الذي ينفرد بهذه الميزة بين سائر الكتب التي جاءت بها الديانات القديمة العظمى.
هذا ما تيسر لنا إيراده، وبالله التوفيق. والسلام عليكم.
(ص-ف-2852-1 في 13-7-87هـ) ... مفتي الديار السعودية
(9- الثناء في القرآن على طائفة من النصارى استجابت للحق لا على جميع النصارى. جواز لعن النصارى)
وصل إلى دار الإفتاء من الأَخ عمر الغيلان بمكة المكرمة سؤال يقول فيه: إن الله تعالى يقول في كتابه عن النصارى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى) الآيات (1) ومعلوم لدينا في الوقت الحاضر عداوتهم الشديدة للإسلام والمسلمين. فما موقفنا منهم؟ ويقول: هل تجوز اللعنة عليهم كما جازت على اليهود؟ ويصف شدة حيرته في هذه المسأَلة.
فأَجاب سماحة المفتي بالجواب التالي:
ليس في الثناء المذكور في هذه الآيات ما يوجب الحيرة في شأْن النصارى والتوقف في لعنتهم، فإن الموصوفين بتلك الصفات ليس المقصود بهم جميع النصارى بل طائفة منهم استجابت للحق ولم تستكبر عن اتباعه. وفي تعيين تلك الطائفة مسلكان للمفسرين:
1- أَن المقصود بهذه الطائفة أًصحاب النجاشي: اما الذين آمنوا إذ جاءتهم مهاجرة المؤمنين كما في رواية أَبي الشيخ وابن جرير
_________
(1) المائدة 82- 86.(1/65)
عن عطاء. واما الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من نصارى الحبشة، لما أَخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أَبي حاتم وأَبو الشيخ عن مجاهد أَنه قال في قوله تعالى: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى) قال هم الوفد الذين جاءوا مع جعفر وأَصحابه من أَرض الحبشة.
2- إن تلك الطائفة قوم كانوا على شريعة عيسى عليه السلام من أَهل الإيمان فلما بعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم آمنوا به وصدقوه، لما أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وأَبو الشيخ عن قتادة في قوله تعالى: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى) قال أُناس من أَهل الكتاب كانوا على على شريعة من الحق مما جاء به عيسى يؤمنون به وينتهون إليه فلما بعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم صدقوه وآمنوا به وعرفوا ما جاء به من الحق أَنه من عند الله فأَثنى عليهم بما تسمعون. وعلى هذين التفسيرين اقتصر ابن جرير الطبري في تفسيره. اختار أَن هذه الآيات في صفة أَقوام بهذه المثابة سواء كانوا أَصحاب النجاشي أَو غيرهم. وعبارته: والصواب في ذلك عندي أَن الله وصف صفة قوم قالوا إنا نصارى أَن نبي الله صلى الله عليه وسلم يجدهم أَقرب الناس ودادًا لأَهل الإيمان بالله ورسوله ولم يبين لنا أَسماءهم. وقد يجوز أَن يكون اريد بذلك أَصحاب النجاشي. ويجوز أَن يكون أُريد به قوم كانوا على شريعة عيسى عليه السلام فأَدركهم الإسلام فأَسلموا لما سمعوا القرآن وعرفوا أَنه الحق ولم يستكبروا عنه.
وتوجيه هذه الآيات إلى أَنها في طائفة معينة من النصارى استجابت للحق. هو المشهور، وهو الذي يقتضيه سياق الآيات المسئوول عنها(1/66)
وإليه مال العلامة ابن القيم في (هداية الحيارى من اليهود والنصارى) .
ثم قال بعد كلام طويل في هذه الآيات: والمقصود ان هؤلاء -أَي الموصوفين بهذه الصفات الذين عرفوا أَنه رسول الله بالنعت الذي عندهم فلم يملكوا أَعينهم من البكاء وقلوبهم من المبادرة إلى الإيمان.
وقال ابن كثير في تفسيره: وهذا الصنف من النصارى أَي الذين أَثنى الله عليهم في هذه الآيات - هم المذكورون في قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً) الآية (1) وهم الذين قال الله فيهم (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ - وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) إلى قوله: (لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) (2) ولهذا قال تعالى هنا: (فَأَثَابَهُمُ اللهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَار) ُ أَي فجازاهم على إيمانهم وتصديقهم واعترافهم بالحق جنات تجري من تحتها الأَنهار (خَالِدِينَ فِيهَا) أي ماكثين فيها أبدًا لا يحولون ولا يزولون (وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) (3) أَي في اتباعهم الحق وانقيادهم له حيث كان وأَيًا كان، ومع من كان. اهـ.
وممن صرح بأَن هذه الآيات لم يرد بها جميع النصارى الإمام البغوي في معالم التنزيل قال في قوله تعالى: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى) : لم يرد به جميع النصارى لأَنهم في عداوتهم المسلمين كاليهود في قتلهم المسلمين وأَسرهم وتخريبهم بلاده وهدم مساجدهم وإحراق مصاحفهم لا
_________
(1) سورة آل عمران 199.
(2) سورة القصص 55.
(3) سورة المائدة 35.(1/67)
ولا كرامة لهم بل الآية فيمن أَسلم منهم مثل النجاشي وأَصحابه. وحكى القول بأَن ذلك في جميع النصارى لما فيهم من اللين حكاه بصفة التمريض.
وأَما لعنة من لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من النصارى فلا يحصى ما جاء من الأَدلة القطعية، ومنها ما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة رضي الله عنهما أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي لم يقم منه: ((لَعنَ الله الْيهود والنَّصَارى اتَّخَذوا قبور أَنبِيائِهِم مساجِد)) وكيف لا يلعن من وصف الله قوله في كتابه إذ يقول: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (1) وإذ يقول: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ) (2) إلى غير ذلك من النصوص المتضمنة لكفرياتهم وضلالاتهم، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه فسر الضالين في قوله تعالى: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) بأَنهم النصارى.
وقال الإمام ابن أَبي حاتم في تفسيره: لا أَعلم بين المفسرين في هذا -أَي تفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى- اختلافًا. اهـ.
ومن الآيات المصرحة بمصيرهم قوله تعالى آخر تلك الآيات التي ذكرها السائل: (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (3) .
والخلاصة أَن الآيات لا تعني جميع النصارى بل إنما تعني طائفة منهم استجابت للحق بعدما عرفته ولم تستكبر عن اتباعه وأَن لعنة النصارى جائزة مثل لعنة اليهود. والله الموفق.
(من الفتاوي المذاعة) وهي الفتاوي التي طلبت الاذاعة جوابها.
_________
(1) سورة المائدة 17.
(2) سورة المائدة 72.
(3) العنكبوت 86.(1/68)
القسم الثاني
وحدانية الالهية(1/69)
(10- الوهابية ليست مذهبًا جديدًا ولا ينبغي جعلها لقبًا)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم مدير المعارف الشيخ محمد ابن عبد العزيز بن مانع.
هداني الله وإياه صراطه المستقيم وجنب الجميع طريق أَهل الجحيم. آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فقد اطلعت على ما كدر الخاطر، وهو أَن إدارة الامتحانات بمديرية المعارف ذكرت في امتحان شهادة النظم الدراسية الابتدائية لعام 71هـ في البند الثاني من المادة الثانية (ب) : إنتشار مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب في المملكة العربية السعودية. وهذا ظاهر في أَن المعارف ترى أَن الشيخ محمد بن عبد الوهاب صاحب مذهب جديد، وهذا هو بعينه ما عليه القبوريون في هذه الأَزمان وأَعداء التجديد والدعوة التي من الله بها على أَهل نجد والحجاز على يد الشيخ رحمة الله عليه، فلا بد من إيضاح هذه المسألة والرجوع عن هذه الكلمة الخاطئة رجوعًا منتشرًا. والسلام.
(صادر المعهد العلمي بالرياض رقم 225 في 13-8-71هـ) (1) .
_________
(1) قلت: ويستحسن هنا ذكر نموذج من رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بيان حقيقة دعوته. قال رحمه الله في رسالته إلى عبد الرحمن ابن عبد الله السويدي:
وأَخبرك أني ولله الحمد متبع لست بمبتدع، عقيدتي وديني الذي أدين الله به هو مذهب أَهل السنة والجماعة الذي عليه أَئمة المسلمين مثل الأَئمة الأَربعة وأَتباعهم إلى يوم القيامة.
ولكني بينت للناس اخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأحياء والأموات من الصالحين وغيرهم، وعن اشراكهم فيما يعبد الله به من الذبح والنذر والتوكل والسجود وغير ذلك مما هو حق الله الذي لا يشركه فيه أَحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهو الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم. الخ. أنظر (الدرر السنية الجزء الأول ص 54) .
وأَما التكفير فأَنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك.
وأَما القتال فلم نقاتل أحدًا إلى اليوم الا دون النفس والحرمة، وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا) وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرف (الدرر ص 51) .
وقولكم أننا نكفر المسلمين فانا لم نكفر المسلمين بل ما كفرنا إلا المشركين (تاريخ ابن غنام ص 344 مطبعة المدني) .
أَقول ولله الحمد والمنة: أَنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينًا قيمًا ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين، ولست ولله الحمد أَدعو إلى مذهب صوفي أَو فقيه أَو متكلم أَو إمام من الأَئمة الذين أَعظمهم مثل ابن القيم والذهبي وابن كثير وغيرهم بل أَدعو إلى الله وحده لا شريك له وأَدعو إلى سنة رسوله التي أوصى بها أول أمته وآخرهم. (ص 215 تاريخ ابن غنام) .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن -رحمه الله- في المقامات التي شبه فيها الوقائع التي جرت على هذه الدعوة الاسلامية وامامها من عدوهم في الدين بما جرى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته من عدوه ونصر الله له ما نصه:
(المقام الثامن) أَن الله سبحانه ألبس هذه الطائفة أَفخر لباس، واشتهر بين الخاصة والعامة من الناس، فلا يسميهم أَحد إلا بالمسلمين فقال جل ذكره (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا) فهذا الاسم الحقه الله أصحاب رسوله، وألحقه هذه الطائفة، كما ألحقه اخوانهم من السابقين الأولين. فيالها عبرة ما أقطعها لحجة من شك وارتاب، وما أنفعها في الاعتبار لمن أراد الحق وطلبه وإليه أناب. (الدرر السنية جزء 9 ص223، 224) .(1/71)
(11- يسوغ تلقيبهم بأهل التجديد والتوحيد)
وقال شيخنا قدس الله روحه في تقريره على العقيدة الواسطية شارحًا قول مؤلفها (وسموا أَهل الكتاب والسنة) : لأَن مستمدهم هو الكتاب والسنة. ونظيره تسمية أَنصار الدين ((المجددين)) (1) وقيل لهم: ((أَهل التوحيد)) . فأَهل التجديد والتوحيد - فيمن قيل لهم ذلك- يسوغ فرقًا بين من يدعي الإسلام (2) .
(12- وهم يرون الصلاة على النبي ركنا)
وقال بعد استعراض المذاهب في الصلاة على النبي في الصلاة:
ثم انظر العجب أَن أَهل نجد يرون الصلاة على النبي ركنًا وأُولئلك لا يرون أَنها ركن في الصلاة. فهم -أَهل نجد- أَعظم الناس حفظًا لحقوق الرسول. وهم خير من جميع النواحي، فإنه لم يوجد إطباق على الخير مثل إطباق أَهل نجد. أَما الأَفراد فموجود كثير في المغرب وغيره. (3) . ... (تقرير)
(13- ومسألة تكفير المعين ليسوا فيها على مذهب الخوارج)
مسأَلة تكفير المعين: من الناس من يقول: لا يكفر المعين أَبدا.
_________
(1) وورد في الحديث الذي رواه أبو داود: ((ان الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)) .
(2) قلت ويعبر بعض الكتاب المتأخرين ((بدعوة الاصلاح)) ((والامام المصلح)) وفي رأيي أَنها لا تفي بمعنى أَهل التجديد والتوحيد والامام المجدد.
(3) وانظر الجواب عن قولهم أَهل نجد خوارج بدليل أَنهم يحلقون رؤوسهم في (باب السواك) قريبا.(1/73)
ويستدل هؤلاء بأَشياء من كلام ابن تيمية غلطوا في فهمها (1) وأَظنهم لا يكفرون إلا من نص القرآن على كفره كفرعون. والنصوص لا تجيء بتعيين كل أَحد. يدرس باب (حكم المرتد) ولا يطبق على أَحد، هذه ضلالة عمياء وجهالة كبرى، بل يطبق بشرط.
ثم الذين توقفوا في تكفير المعين في الأَشياء التي قد يخفى دليلها فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة الرسالية من حيث الثبوت والدلالة فإذا أُوضحت له الحجة بالبيان الكافي كفر سواء فهم، أَو قال:
ما فهمت، أَو فهم وأَنكر، ليس كفر الكفار كله عن عناد.
وأَما ما علم بالضرورة أَن الرسول جاء به وخالفه فهذا يكفر بمجرد ذلك ولا يحتاج إلى تعريف سواء في الأصول أَو الفروع ما لم يكن حديث عهد بالإسلام.
والقسم الثالث (2) أَشياء تكون غامضة فهذه لا يكفر الشخص فيها ولو بعدما أُقيمت عليه الأَدلة وسواء كانت في الفروع أَو الأُصول ومن أَمثلة ذلك الرجل الذي أَوصى أَهله أَن يحرقوه إذا مات (3) .
_________
(1) قلت: وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب هذه المسألة ووضحها ونقل فيها كلام ابن تيمية قال رحمه الله: واما عبارة الشيخ التي لبسوا بها عليك فهي أغلظ من هذا كله، ولو نقول بها لكفرنا كثيرًا من المشاهير بأعيانهم، فانه صرح فيها بأن المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة. فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أَن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر، كما كان الكفار تقوم عليهم الحجة بالقرآن -الى ان قال- وإذا كان كلام الشيخ ليس في الشرك والردة بل في المسائل الجزئيات. الخ. (أنظر الدرر الجزء الثامن ص 79، 90، 90 وجوابًا للشيخ عبد الله أَبا بطين عن هذه العبارة ص 210 منه) .
(2) تقدم القسم الأول وهو الأشياء التي قد يخفي دليلها وليست من المسائل الخفية، والثاني ما علم بالضرورة أن الرسول جاء به.
(3) أخرجه البخاري في الجزء الرابع ص 205.(1/74)
وإمام الدعوة أَلف مؤلفًا في مسأَلة تكفير المعين وهو المسمى:
((مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد)) بين ووضح أَنه لا مناص من تكفير المعين بشروطه الشرعية.
ثم عند ذكر التكفير تعلم أَن الناس ثلاثة أَقسام: طرفان، ووسط طرف يكفر بمجرد المعاصي. هؤلاء هم الخوارج يخرجونه من الإيمان ويدخلونه في أَهل الكفران، والمعتزلة تخرجه من الإيمان ولا تدخله في الكفر، ولكنهم يحكمون بخلوده في النار. أَما أَهل الحق فلا يعتقدون ذلك في العصاة. ولا يخفى بطلان قول الخوارج والمعتزلة، كما لا يخفى بطلان قول من قال: إن من قال لا إله إلا الله فهو مسلم وإن فعل ما فعل. ... (تقرير)
(14- جهل الكثير بحقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله)
وقال -بعد أَن ذكر إمكان نشر الدعوة إلى الله ولو بطريقة التنقل والسياحة وبيان حقيقة ما دعا إليه الشيخ محمد رحمه الله: وأَنا أَقص الآن قصة عبد الرحمن البكري من اَهل نجد- كان أَولا من طلاب العلم على العم الشيخ عبد الله (1) وغيره، ثم بدا له أَن يفتح مدرسة في عمان يعلم فيها التوحيد من كسبه الخاص فإذا فرغ ما في يده أخذ بضاعة (2) من أَحد وسافر إلى الهند وربما أخذ نصف سنة في الهند. قال الشيخ البكري: كنت بجوار مسجد في الهند وكان فيه مدرس إذا فرغ من تدريسه لعنوا ابن عبد الوهاب، وإذا خرج
_________
(1) ابن عبد اللطيف آل الشيخ.
(2) مال يتجر فيه ببعض ربه.(1/75)
من المسجد مر بي وقال: أَنا أُجيد العربية لكن أحب أَن أَسمعها من أَهلها، ويشرب من عندي ماءً باردًا. فأَهمني ما يفعل في درسه، قال: فاحتلت بأَن دعوته وأَخذت ((كتاب التوحيد)) (1) ونزعت ديباجته ووضعته على رف في منزلي قبل مجيئه، فلما حضر قلت: أَتأْذن لي أَن آتي ببطيخة. فذهبت، فلما رجعت إذا هو يقرأُ ويهز رأْسه فقال: لمن هذا الكتاب؟ هذه التراجم (2) شبه تراجم البخاري هذا والله نفس البخاري؟! فقلت لا أدري، ثم قلت أَلا نذهب للشيخ الغزوي لنسأَله -وكان صاحب مكتبة وله رد على جامع البيان- فدخلنا عليه فقلت للغزوي كان عندي أَوراق سأَلني الشيخ من هي له؟ فلم أَعرف، ففهم الغزوي المراد، فنادى من يأْتي بكتاب ((مجموعة التوحيد)) فأُتي بها فقابل بينهما فقال هذا لمحمد بن عبد الوهاب. فقال العالم الهندي مغضبًا وبصوت عال: الكافر. فسكتنا وسكت قليلاً. ثم هدأَ غضبه فاسترجع. ثم قال: إن كان هذا الكتاب له فقد ظلمناه. ثم إنه صار كل يوم يدعو له ويدعوا معه تلاميذه وتفرق تلاميذ له في الهند وإذا فرغوا من القراءة دعوا جميعًا للشيخ ابن عبد الوهاب. اهـ.
(تقرير) (3)
(15- المسلمون والاسلام)
والمسلمون الآن إذا اطلقوا فإن المراد بهم المسلمون من أَمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة بخلاف غيرهم. فإن من لم يتبع شريعة
_________
(1) الذي هو حق الله على العبد.
(2) العناوين.
(3) قلت هذه قصة يتناقلها المشايخ وسمعتها من شيخنا في تقريره مرتين: وقال تعليقًا على هذه القصة: أن العماية الكبرى كلها من المنتسبين إلى الاسلام، وان على الداعي إلى الله أن يدعو إلى العقائد أولاً، لا إلى الأعمال الظاهرة كالصلاة والزكاة والصيام والحج. وقال: ومع الأسف أهل التوجيه والدعوة قليل فيهم هذا أو معدوم.(1/76)
محمد صلى الله عليه وسلم فليس بمسلم بل يقال يهودي، نصراني ... أَما قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم فإن من اتبع ما جاء به رسوله فهو مسلم.
(تقرير)
وقال: إسلام الأَكثر إسلام إسمي، فإن أَكثر المنتسبين إليه في هذا الوقت يقال لهم المسلمون إسمًا ضد اليهود والنصارى. من وجد منه ما ينقضه فإنه إسلام الإسم ولا حب ولا كرامة.
أَفيظن أَن من رضوا بالأَوثان وعبدوها وحاموا دونها وجبوا بها الجبايات وحكموا القوانين، أَفبعد هذا إسلام؟ هل هذا إلا الكفر الذي بعث صلى الله عليه وسلم بهدمه؟! وأَصغركم يعرف أَن كل من دخل في الإسلام يبقى عليه بكل حال، بل إذا نقضه خرج. وباب حكم المرتد معروف ومبين من هو بإجماع بين أَهل العلم أَن الردة ردتان. (تقرير على الورقات) .
لكن وقع ما أَخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((يأْتي قوم يستحلون الخمر يسمونها بغير اسمها)) (1) وقد وقع استحلوا الشرك وسموه بغير اسمه، فقالوا: توسل واستشفاع. لكن هو توسل المشركين واستشفاعهم. (تقرير مسائل التوحيد) .
(16- وسئل عن جزار ينتسب إلى الاسلام يقال له فاضل الدين هل تحل ذبيحته؟)
فأَجاب:
يشترط في القصاب فاضل الدين أَن يكون مسلمًا، صحيح المعتقد
_________
(1) عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا تذهب الليالي والايام حتى تشرب فيها طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها)) رواه ابن ماجه وأبو نعيم في الحلية.(1/77)
ينكر الخرافات كعبادة القبور وغيرها مما يعبد من دون الله، وينكر جميع المعتقدات والبدع الكفرية: كمعتقد القاديانية، والرافضة الوثنية، وغيرها. ولا يكتفى في حل ذبيحته بمجرد الانتساب إلى الإسلام والنطق بالشهادتين وفعل الصلاة وغيرها من أَركان الإسلام مع عدم الشروط التي ذكرناها، فإن كثيرًا من الناس ينتسبون إلى الإسلام وينطقون بالشهادتين ويؤدون أَركان الإسلام الظاهرة ولا يكتفى بذلك في الحكم بإسلامهم ولا تحل ذكاتهم لشركهم بالله في العبادة بدعاء الأَنبياء والصالحين والاستغاثة بهم وغير ذلك من أَسباب الردة عن الإسلام. وهذا التفريق بين المنتسبين إلى الإسلام أَمر معلوم بالأَدلة من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأَئمتها.
ثم ما ذكرنا من الأمور المطلوبة في هذا القصاب يعتبر في ثبوتها نقل عدل ثقة يعلم حقيقة ذلك من هذا الرجل، وينقله الثقة عن هذا العدل حتى يصل إلى من يثبت لديه ذلك حكمًا ممن يعتمد على ثبوته عنده شرعًا. والله أَعلم. قاله الفقير إلى عفو الله محمد بن ابراهيم. ... (ص-م-617 في 20-5-74هـ)
(17- معرفة أصل الاسلام أولا)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة فضيلة السكرتير العام لجمعية العلماء المركزية -دلهي- وفقهم الله للعمل بكتابه، وتحكيم شريعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنحمد الله إليكم تعالى، ونصلي ونسلم على خاتم أَنبيائه ورسله، وآله وصحبه. وقد وصلنا كتابكم الذي ذكرتم فيه أَن المجلس(1/78)
التنفيذي للجمعية المركزية لعلماء الهند قرر في جلسته المنعقدة بولاية دلهي بالهند أَن يتصل بالهيئات الإسلامية في البلاد الإسلامية الناهضة، ليستنير بآراء رجالها، وما وضعوه من قوانين في سبيل الإصلاح الديني والاجتماعي الذي يتلاءم مع التعاليم والأَخلاق الإسلامية، ويتعرف العوامل والأَسباب الأَساسية التي راعاها المصلحون الشرعيون، والأَهداف التي يرمون إليها، وذلك تمهيدًا لإصدار قوانين إصلاحية شاملة للنهوض بالمسلمين بالهند وذكرتم من المسائل التي يهم المجلس أَن يستنير بالرأْي فيها ما يلي:
1- حكم من يتزوج بزوجة ثانية مع وجود الزوجة الأولى.
2- حكم إشراط ابن الإبن في الميراث مع وجود أَبناء الصلب.
3- حكم إنفاق الأَموال في حفلات الزواج والمأْتم.
وقبل الشروع في الجواب أحب أَن أُقدم لكم مقدمة مختصرة مهمة، وهي: انه مما يسرنا ويسر كل مسلم غيور على دينه أَن يتكون من الجمعيات العامة التي تهدف إلى إصلاح الأَوضاع والتمسك بأَصل الدين وتعاليمه الشريفة ومحاربة كل ما خالف الشريعة الإسلامية من البدع والخرافات والدجل، وكذلك ما هو أَهم من ذلك ما يدخله الملحدون والزنادقة والمستشرقون وغيرهم في أَفكار بعض المسلمين في تشكيكهم في أَصل دينهم، وتضليلهم عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وشريعته، وتحكيم القوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية. وأَهم ذلك معرفة أَصل التوحيد الذي بعث الله به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، وتحقيقه علمًا وعملا ومحاربة ما يخالفه من الشرك الأَكبر الذي يخرج من الملة، أَو من(1/79)
أنواع الشرك الأَصغر. وهذا هو تحقيق معنى لا إله إلا الله. وكذلك تحقيق معنى محمد رسول الله: من تحكيم شريعته، والتقيد بها، ونبذ ما خالفها من القوانين والأَوضاع وسائر الأَشياء التي ما أَنزل الله بها من سلطان، والتي من حكم بها أَو حاكم إليها معتقدًا صحة ذلك وجوازه فهو كافر الكفر الناقل عن الملة، وإن فعل ذلك بدون اعتقاد ذلك وجوازه فهو كافر الكفر العملي الذي لا ينقل عن الملة. (1)
(ص-ف62 -1 في 9-1-1385هـ)
(18- تفسير أصل الاسلام - التوحيد)
(هذه نصيحة ذكر فيها نوعي التوحيد، وان الاقرار بتوحيد الربوبية يكفي في الاسلام - قال في بيان معنى توحيد الالهية) (2) :
ومعناه إفراد الله تعالى بجميع أَنواع العبادة: بأَن لا يدعى إلا هو، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يرجى ولا يخاف إلا هو ولا يذبح ولا ينذر إلا له، إلى غير ذلك من أَنواع العبادة وهي كثيرة فإن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأَقوال والأَعمال الظاهرة والباطنة.
ومجرد الإقرار بتوحيد الربوبية من أَن الله هو الخالق الرازق المدبر وحده لا يكفي في عصمة الدم والمال، ولا يكون به الرجل مسلمًا حتى يوحد الله تعالى في العبادة، فإن المشركين الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مقرين بتوحيد الربوبية
_________
(1) قلت وتأتي الأجوبة عن بقية الأسئلة في مواضعها من أبواب الفقه إن شاء الله.
(2) سقطت الصحيفة الأولى من هذه النصيحة ولم أجدها بعد البحث والسؤال.(1/80)
كما قال تعالى: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ) (1) والآيات في هذا المعنى كثيرة. وكانوا مع إقرارهم بذلك كفارا مشركين حلال الدم والمال، لشركهم بالله في العبادة.
وشرك هؤلاء المشركين الذين نزل القرآن بكفرهم وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس أَكثر من جعلهم الوسائط بينهم وبين الله تعالى، يدعونهم مع الله، ويذبحون لهم، ونحو ذلك، يزعمون أَنهم يشفعون لهم عند الله ويقربونهم إلى الله زلفى، قال الله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (2) وقال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) (3) وقال تعالى عن صاحب يس: (وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ - أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ - إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ- إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) (4) . وقال الله تعالى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ) (5)
_________
(1) سورة يونس 31.
(2) سورة يونس 18.
(3) سورة الزمر 3.
(4) سورة (ياسين) من 22- 25.
(5) سورة الانعام 94.(1/81)
وقال تعالى: (فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (1) .
وهذا التوحيد هو مدلول الكلمة العظيمة لا إله إلا الله، وفإنها اشتملت على أَمرين هما ركناها: النفي، والإثبات. فشطرهالا الأَول وهو ((لا إله)) نفي، وشطرها الآخر وهو ((إلا الله)) إثبات. فالنفي المحض ليس بتوحيد، كما أَن الإثبات المحض ليس بتوحيد، وإنما التوحيد في مجموع الأمرين: نفي الألوهية التي بحق عن غير الله نفيًا عامًا كما تفيده ((لا)) النافية للجنس الداخلة على النكرة. وإثبات جميع أنواع الألوهية لله وحده كما تقتضيه ((إلا)) الإيجابية. إذ معنى لا إله إلا الله لا معبود بحق إلا الله، كما قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (2) .
وقد جاء تفسير لا إله إلا الله مبينًا في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ - إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ - وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (3) . والمراد بالكلمة المذكورة في هذه الآية لا إله إلا الله، فإن المعنى أَن إبراهيم عليه السلام جعل (إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ - إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) كلمة باقية في عقبه أَي ذريته يدين بها منهم من لا يشرك بالله شيئًا، ومن المعلوم عند العلماء من المفسرين وغيرهم أَن الكلمة التي ترك إبراهيم عليه السلام في عقبه هي لا إله إلا الله، فكان معبرًا عنها في هذه الآية الكريمة (إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ - إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) فاتضح بذلك أَن هذا هو معنى لا إله إلا الله.
_________
(1) سورة الأحقاب 28.
(2) سورة الحج 62.
(3) سورة الزخرف 26- 28.(1/82)
ومما يفسر لا إله إلا الله ويوضح معناها أَيضًا قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (1) فإنه لا كلمة يدعو إليها النبي صلى الله عليه وسلم أَهل الكتاب وغيرهم سوى كلمة الإخلاص لا إله إلا الله، وجاءت هذه الكلمة مفسرة في هذه الآية يقول الله عز وجل: (أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا) وهذا من أَبين شيء في تفسير لا إله إلا الله.
هذا ما نعتقده وندين الله به.
وإني إذ أُقرر هذه الأُصول العظيمة الواجبة الاتباع استنهض همم إخواني المسلمين في داني الأَرض وقاصيها واستثير عزائمهم إلى التمسك بذلك والاعتناء به، وادعوهم إلى أَن يرجعوا إلى ربهم في سرهم وعلانيتهم، ويصدقوا فيما بينهم، وأَن تتصافا قلوبهم وتتوحد كلمتهم وتجتمع صفوفهم، ويكون الهدف والقصد واحدًا وهو تحكيم الشرع الشريف ورفض القوانين الوضعية التي عزل بها الكتاب والسنة. فبذلك يقوم لنا مجدنا، ونكون السباقين إلى كل خير، المنصورين في كل حلبة. قال الله تعالى: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (2) . وقال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا) (3) .
هذا وإني قد فتحت الباب على مصراعيه لمن يريد المذاكرة معي في أَي شيء مما يراد به الحق ونصرة الإسلام والمسلمين.
_________
(1) سورة آل عمران 64.
(2) سورة آل عمران 139.
(3) سورة آل عمران 103.(1/83)
وختامًا أُوصي إخواني المسلمين باغتنام بقية هذا الشهر الشريف وأَن يختموه بتوبة نصوح ويتعرضوا فيه لنفحات رحمة المولى تبارك وتعالى، فإن لله في أَيام الدهر نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، فمن أَصابته سعد سعادة لا يشقى بعدها أَبدا. وأَحرى الأَيام بها أَيام هذا الشهر العظيم. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((شهر رمضان أَوله رحمة، وأَوسطه مغفرة وآخره عتق من النار)) (1) . هذا وأَسأَل الله عز شأْنه أَن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأَن يبلغنا في إخواننا المسلمين ما نحبه لهم من خيري الدنيا والآخرة، وأَن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ويهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، كما أَسأَله تعالى وأَبتهل إليه أَن يجعل أَزكى صلواته وأَفضل تسليماته وأَسمى تكريماته على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أَجمعين. (بخط مدير مكتبه)
(19- الجهل بأصل الاسلام ومضرته)
في هذه الأَزمان وقبلها بأَزمان يدعي العلم ضخام العمائم الذين يدعون أَنهم حفاظ الدين على الأمة وأَنهم وأَنهم، أَبو جهل أَعلم منهم، فإنه يعلم معنى لا إله إلا الله وهم لا يعرفونه. والجهل درجات فيه تعرف قدر الذين أَبو جهل أَعلم منهم. (تقرير)
ما دخلت الخرافات إلا بالتسامح في معرفة التوحيد وبالغلو في الصالحين، وأَنه يكفي التسمي بالإسلام. فبذلك وقع الشرك.
(تقرير التوحيد 15-11-67هـ) .
_________
(1) رواه ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما.(1/84)
(20- الدعوة إلى التوحيد قبل الدعوة إلى الفروع كالحج والصيام والزكاة والنهي عن بعض المحرمات ... )
بسم الله الرحمن الرحيم
أُوجه خطابي هذا إلى كافة المسلمين من حجاج بيت الله الحرام وغيرهم، نصيحة لهم، وبراءة للذمة، ورجاء أَن ينتبهوا من غفلتهم ويستيقظوا من رقدتهم، ويصير أكبر همهم وجل بحوثهم وعامة كتاباتهم وإرشاداتهم حول تحقيق معرفة ما هم إليه أَشد شيء ضرورة من بيان حقيقة ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، بل ضرورتهم إلى ذلك أَعظم من ضرورتهم إلى الطعام والشراب، بل أَعظم وأَكبر من ضرورتهم إلى النفس، فإن المتكلمين من الكتاب والمرشدين وسواهم ممن يلم بجنس هذه الأمور قد اختلفت وجهتهم وافترقت مغازيهم في كتاباتهم وإرشاداتهم، وذلك بحسب اختلاف وافتراق ما يدور في أَفكارهم ويستقر في تصوراتهم ويحسن في أَنظارهم من حيث المهمات والأَهميات لا فرق في ذلك بين المتكلم والمرشد الديني والمتكلم خلافه. وأَجد من يتكلم عن الأمور الدينية أَكثرهم أَو كلهم إلا من شاء الله لا يكتبون ولا يرشدون إلا في أُمور هي في الحقيقة من الفروع والمكملات، فتجد الكاتب وتجد المرشد لا يتكلم إلا حول فرضية الصلاة مثلا ووجوب فعلها في جماعة أَو الحج، أَو صيام رمضان، أَو الزكاة وأَشباه ذلك. أَو في أَشياء من المحرمات كالربا والتعدي على الأَنفس والأَموال والأَعراض وغير ذلك من المعاصي والمخالفات، ونعم ما فعلوا، وحسن طريقًا ما سلكوا ولكنهم كانوا عن أَهم الأَهم في بعد إلى الغاية، فقد كان خير الخلق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أَول بعثته ومبدأ دعوته(1/85)
يبدأُ بالأَهم فالأَهم، وأَقام صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سوات من بعثته قبل فرض الصلاة التي هي عمود الإسلام وما بعدها من الأركان كل ذلك في بيان التوحيد والدعوة إليه، وبيان الشرك وتهجينه والتحذير منه.
وأَول سورة أُنزلت عليه صلى الله عليه وسلم في رسالته سورة: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ - قُمْ فَأَنذِرْ - وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ - وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ - وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ - وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ - وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) وكان صلى الله عليه وسلم يسلك في الإنذار عن الشرك والدعوة إلى التوحيد شتى الطرق ويسعى في حثه الناس لإبلاغهم ذلك بكل ما يمكنه حتى إنه مرة صعد على الصفا صلى الله عليه وسلم رافعًا صوته واصباحاه. فلما اجتمعوا إليه قال: يا أَيها الناس إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
فحقيق بالمسلمين ولا سيما العلماء (1) كبير عنايتهم ومزيد اهتمامهم بمعرفة حقيقة ما بعث الله به الرسل من أَولهم إلى آخرهم وخاتمهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم أَجمعين وتعليمهم ذلك، والعمل به ظاهرًا وباطنًا، والموالاة والمحبة والتناصح فيه، والتواصي به: من توحيد الله تبارك وتعالى في ربوبيته وفي ذاته تبارك وتعالى، وأَسمائه وصفاته وأَفعاله، وفي إلهيته وما يستحق من عبادته وحده لا شريك له، وأَنه ما في العالم علويه وسفليه من ذات أَو صفة أَو حركة أَو سكون إلا الله خالقه لا خالق غيره ولا رب سواه، وأَن يوحد سبحانه وتعالى في ذاته وأَسمائه وصفاته وأَفعاله بأَن يؤمن أَنه تعالى واحد أَحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن
_________
(1) أن يجعلوا.(1/86)
له كفوا أحد، وأَنه حي قيوم، على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وأَنه تبارك وتعالى سميع بصير، يرضى، ويسخط، ويحِب، وَيُحَب، إلى غير ذلك مما ورد في الكتاب والسنة من أَسمائه وصفاته تبارك وتعالى، فنثبت كل ما ورد في الكتاب والسنة من هذا الباب إثباتًا بريئًا من تشبيه المشبهين، كما ننزهه تبارك وتعالى عن جميع ما لا يليق بجلاله وعظمته تنزيهًا بريئًا من تعطيل المعطلين. وأَن يوحد تبارك وتعالى في أُلوهيته بأَن يفرد بجميع أَنواع العبادة، فلا يعبد إلا إياه ولا يدعى أَحد سواه، ولا يسجد إلا له، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يرغب إلا إليه، ولا يستعان ولا يستغاث إلا به، ولا ينحر ولا ينذر إلا له، ولا يخشى ولا يخاف أَحد سواه، ولا يرجى إلا إياه، حتى يكون سبحانه وتعالى هو المفزع في المهمات، والملجأ في الضرورات، ومحط رحل أَرباب الحاجات في الرغبات والرهبات وفي جميع الحالات، فهذا هو مضمون أَصل الدين وأَساسه المتين شهادة أَن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأَصله الثاني شهادة أَن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم نطقًا واعتقادًا وعملاً، وهو طاعته فيما أَمر، وتصديقه في جميع ما أَخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأَن لا يعبد الرب تبارك وتعالى إلا بما شرعه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأَن تقدم محبته صلى الله عليه وسلم على النفس والولد والوالد والناس أَجمعين، وأَن يحكم صلى الله عليه وسلم في القليل والكثير والنقير والقطمير، كما قال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) (1)
_________
(1) سورة النساء 65.(1/87)
وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يُؤمِن أَحَدُكمْ حَتَّى يَكوْنَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئتُ بِهِ)) (1) .
ومن المهم جدًا اتصال المسلمين بعضهم ببعض اتصالاً خاصًا، وأَن يتذاكر بعضهم مع بعض في هذه الأصول العظيمة، وأَن يبذلوا جميعًا غاية جهودهم ونهاية قدرهم في البحث الدقيق في تفاصيلها، ويحرصوا كل الحرص في تطبيق اعتقاداتهم ومساعيهم وأَعمالهم عليها، وأَن يتبادلوا النصائح الصادقة فيما بينهم، وأَن يعتصموا بحبل الله جميعًا ولا يتفرقوا، وأَن يكونوا شيئًا واحدًا في العمل بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، يدًا واحدة في الذب عن حوزة الدين، ومناوأَة أَعدائه من الكفار والمشركين، فإن الأَخذ بذلك هو سبب السعادة والسيادة والفوز والنجاة في الدنيا والآخرة، وفي الحديث: ((إن الله يرضى لكم ثلاثًا أَن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأَن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأَن تناصحوا من ولاه الله أَمركم)) . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(ص-م-1-12-1374هـ) ... محمد بن إبراهيم آل الشيخ.
(21- كما تجب الدعوة إلى التوحيد يجب النهي عن ضده)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم فضيلة رئيس القضاة بالمكلا الشيخ عبد الله بكير.
_________
(1) قال النووي: حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة باسناد صحيح ورواه الطبراني وأبو بكر بن عاصم والحافظ أبو نعيم.(1/88)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ونسأَل الله لنا ولكم الاستقامة على دينه، والثبات على الإسلام إلى الممات.
وبعد: - فلا يخفاكم فضل الدعوة إلى الله وأَنها مقام رسل الله وخلفائهم، وأَنتم أَهل كلمة ومقام في بلادكم. والواجب عليكم أَن تقوموا بما أَوجب الله من النصيحة والإرشاد وتقفوا حياتكم على الدعوة إلى توحيد الله الذي بعث الله به رسله وأَنزل به كتبه، ولا يخفاكم ما ورد في الحديث ((فوالله لأَن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم)) . وكما تجب الدعوة إلى التوحيد يجب النهي عن ضده مما ابتلي به كثير من عبادة القبور والتوسل بالأَولياء والصالحين. ونعتقد أَن هذا الأَمر من بالكم ولكن أَحببنا مذاكرتكم ولفت نظركم إلى هذا المهم العظيم، نسأَل الله أَن يتولى توفيق الجميع والسلام عليكم ورحمة الله.
(ص-م-436 في 4-3-77هـ)
(22- تعليم أصول الدين لعامة الناس)
جاء في رسالة وجهها إلى القضاة ليحثوا الناس على أَداء الصلاة جماعة في المساجد ويذاكروا العامة أُصول دينهم ما نصه:
يتعين على إمام كل مسجد أَن يقوم بعد صلاة فجر كل يوم بتعليم ثلاثة أَشخاص من جماعة مسجده أَو أَكثر حسب الاستطاعة أُصول الدين، كمختصر ثلاثة الأصول، وشروط الصلاة، وأَن يتعاهد جماعة مسجده بالنصيحة والتذكير والدرس، ويعقد لهم مجلسًا يوميًا يسأَلهم فيه عن أُمور دينهم، ويعلمهم ما يخفى عليهم فيها، ومن طلب مهلة لتذركها وتحفظها فيمهل، ومن امتنع من ذلك(1/89)
يلزم به من قبل الإمام والمؤذن والهيئة، وإن لم يمتثل فيرفع باسمه إليكم لتقوموا حوله بما يلزم براءة للذمة ونصحًا للأمة.
(ص-ف-2527 في 13-5-86هـ وتأْتي في باب صلاة الجماعة)
(23- مراتب الدعوة)
في بعض الأَحيان يجادل باللتي هي أَحسن. وأَهل الباطل أَقسام: قسم تكفي فيه الحكمة بأَن تبين له النصوص والحكم الشرعي فإن أَجدى فهو المطلوب. وإن لم يجد فيجادل ويناظر بقدر. فإن لم يجد فالمجالدة إن أَمكن، فهي ثلاث:
بالحكمة، ثم المجادلة، ثم المجالدة. وهي بحسب الأَزمان والأَشخاص. (تقرير) (1)
(24- من اعتنق الاسلام علم الشهادتين..)
من اعتنق الإسلام وجب أَن يلقن الشهادتين، وكذلك يعلم مهمات الدين. قيل وجوبًا. وقيل ندبًا. أَما تعليمه أَصل ذلك فواجب لابد منه. وهذا عند أَول اعتناقه الإسلام. (تقرير) (2)
(25- مع اظهار الاسلام لا تجب الهجرة. اظهار الاسلام)
تقدم إلي محمد بن مقرن بن مشاري باستفتاء هذا نصه:
أَما بعد: أَفتنا عن معنى حديث ((مَن سَاكَن الْمشرك وَجَامَعَه فهوَ مِثله)) .
وحديث ((أَنا بَرِيءٌ مِن مَسلِم بَات بَين ظهرَاني الْمشرِكِين)) وحديث ((مَن اقتبَسَ شعبَةً مِن النُّجوْم فَقَدْ اقْتَبَسَ شعْبَةً من السِّحرِ زادَ مَازاد)) .
_________
(1) قلت: وهذا التقسيم موجود أيضًا في كلام ابن القيم نقله في ((فتح المجيد)) ص47.
وانظر بقية الرسائل في الدعوة إلى الله في الجزء الأخير من هذه الفتاوي.
(2) ويأتي في ((باب حكم المرتد)) .(1/90)
وما قولكم في الذين يعلنون بقولهم: الشمس بيكسف بها أَو القمر وأَنا قد شاهدت في زمن أَبيك وعمك عبد الله أَن الصميت قال بيكسف بالشمس باكر فكسف بها فلما علم أَبوك وعمك وعلماء زمانهم أَجلوه من البلاد وقالوا هو منجم، وتعلم علم النجوم ممنوع. افتنا ما لمسوغ لترك من يفعل هذا اليوم.
وأَفتنا عن من يسافر لبيروت وأَشباهه من أَوطان الخارج من غير عذر ولا معالجة بل يقول قائلهم نروح نتفرج ونسيح وقصدهم حضور الملاهي والمفاسد لأَنهم سمعوا بها في الراديو والسينما ويسولفون بأَفعالهم ويتزيون بزيهم ويلبسون لبسهم ويحسنون لحاهم موافقة للدخول معهم ولمباطنتهم. اهـ.
والجواب: الحمد لله. حديث ((مَن جَامَعَ الْمشرِك أَو سَكن مَعَه فهوَ مِثله)) وحديث ((أَنا بَرِيءٌ مِن مسلِم بَات بَين ظهرَاني الْمشرِكِين)) (1) هذان الحديثان هما من الوعيد الشديد المفيد غلظ تحريم مساكنة المشركين ومجامعتهم، كما هما من أَدلة وجوب الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وهذا في حق من لم يقدر على إظهار دينه. وأَما من قدر على إظهار دينه فلا تجب عليه الهجرة، بل هي مستحبة في حقه. وقد لا تستحب إذا كان في بقائه بين أَظهرهم مصلحة دينية من دعوة إلى التوحيد والسنة وتحذير من الشرك والبدعة علاوة على إظهاره دينه.
وإظهاره دينه ليس هو مجرد فعل الصلاة وسائر فروع الدين واجتناب محرماته من الربا والزنا وغير ذلك. إنما إظهار الدين
_________
(1) رواهما أبو داود.(1/91)
مجاهرته بالتوحيد والبراءة مما عليه المشركون من الشرك بالله في العبادة وغير ذلك من أَنواع الكفر والضلال (1) .
(ص-م-1228-2 في 29-6-77هـ)
(الرقى والتائم ونحوها)
(26- النفث في الماء من الرقى الجائزة)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الله بن عمر بن سليم، علمه الله ما ينفعه، ومنحه ما يعلي ذكره من الخير ورفعه. آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إلي كتابك المتضمن السؤال عن النفث في الماء ثم يسقاه المريض استشفاءً بريق ذلك النافث وما على لسانه حينئذ من ذكر الله تعالى أو شيء من الذكر كآية من القرآن ونحو ذلك.
فأَقول وبالله التوفيق: لا بأْس بذلك فهو جائز، بل قد صرح العلماء باستحبابه.
وبيان حكم هذه المسأَلة مدلول عليه بالنصوص النبوية، وكلام محققي الأَئمة. وهذا نصها:
قال البخاري في صحيحه: ((باب النفث في الرقية)) ثم ساق حديث أَبي قتادة أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رَأَى أَحَدكم شيئًا يَكرَهه فليَنفُث حِين يَستيقِظُ ثلاَثًا وَيَتَعَوَّذْ مِن شَرِّهَا فَإنَّهَا لا تَضُرهُ)) . وساق حديث عائشة ((أَنَّ النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ فِي كَفَّيهِ بِقُل هُوَ اللهُ أَحَد وَالْمَعوِّذَتَينِ جَمِيعًا ثُمَّ يَمسَحُ بِهِمَا وَجهَهُ وَمَا بَلَغَت يَدَاهُ مِن جَسَدِهِ)) .
_________
(1) ويأتي الجواب عن المسألة الثانية في باب السحر، والثالثة في كتاب الجهاد - إن شاء الله.(1/92)
وروى حديث أَبي سعيد في الرقية بالفاتحة - ونص رواية مسلم ((فَجَعَلَ يَقرَأُ أُمَّ الْقُرآنِ وَيَجمَع بزَاقَهُ وَيَتْفُلُ فَبَرأَ الرَّجلُ)) . وذكر البخاري حديث عائشة أَن النبي كان يقول في الرقية: ((بِسم اللهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا وَرِيْقَةِ بََعْضِنَا، يُشفَى سَقِيْمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا)) .
وقال النووي: فيه استحباب النفث في الرقية، وقد أَجمعوا على جوازه، واستحبه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
وقال البيضاوي قد شهدت المباحث الطبية على أَن للريق مدخلاً في النضج وتعديل المزاج، وتراب الوطن له تأْثير في حفظ المزاج ودفع الضرر -إلى أَن قال- ثم إن الرقى والعزائم لها آثار عجيبة تتقاعد العقول عن الوصول إلى كنهها.
وتكلم ابن القيم في ((الهدي)) في حكمة النفث وأَسراره بكلام طويل قال في آخره: وبالجملة فنفس الراقي تقابل تلك النفوس الخبيثة وتزيد بكيفية نفسه وتستعين بالرقية والنفث على إزالة ذلك الأَثر، واستعانته بنفثه كاستعانة تلك النفوس الرديئة بلسعها. وفي النفس سر آخر فإنه مما تستعين به الأَرواح الطيبة والخبيثة ولهذا تفعله السحرة كما يفعله أَهل الإيمان. اهـ.
وفي رواية مهنا عن أَحمد: في الرجل يكتب القرآن في إناء ثم يسقيه المريض. قال: لا بأْس به. وقال صالح: ربما اعتللت فيأْخذ أَبي ماءً فيقرأُ عليه ويقول لي اشرب منه واغسل وجهك ويديك.
وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله في زوال الإشكال الذي حصل لكم فيما يتعاطى في بلدكم من النفث في الإناء الذي فيه الماء ثم يسقاه المريض. وصلى الله على محمد.
(ص-م-12 في 5-9-74هـ) .(1/93)
(27- كتابة آيات قرآنية في اناء يغسله ثم يشربه)
الثانية: (1) سؤالك هل يجوز أَن يكتب للمريض بعض آيات قرآنية في إناء يغسله ثم يشربه؟
والجواب: لا يظهر في جواز ذلك بأْس, وقد ذكر ابن القيم رحمه الله (2) : أَن جماعة من السلف رأَوا أَن يكتب للمريض الآيات من القرآن ثم يشربها، قال مجاهد: لا بأْس أَن يكتب القرآن ويغسله ويسقيه المريض. ومثله عن أَبي قلابة، ويذكر عن ابن عباس أَنه أَمر أَن يكتب لامرأَة تعسرت عليها ولادتها أَثر من القرآن ثم يغسل وتسقى. وبالله التوفيق. وصلى الله على محمد.
(ص-ف582-1 في 28-2-84)
(28- الرقية في الملح، واذا تأخر استعماله الرقية، أو لم تكن لمعين، أو كانت من تربة يعتقد فيها)
جاء إلي شخص بملح وقال لي: انفث فيه فنفثت ثم سأَلت شيخنا فأَجاب:
هذا ليس فيه بأْس، والناس توسعوا فيها (3) من جهات: الأولى البطىْ، فإنها كلما كانت أَنفع، وما دام لها أَثر فإنها تصلح. وأَيضًا الاستعمال (4) وإلا فليس من شرطها أَن تكون على معين فإنها قراءة. وإذا كانت ليست من التراب الذي في حائل فإنه قيل إنه مشى فيه بعض الصحابة. ... (تقرير)
_________
(1) أما المسألة الأولى فهي الجمع بين الصلاتين في السفر.
(2) في زاد المعاد جزء (3) ص 119.
(3) في جنس الرقية.
(4) قلت: ومن صور التوسع فيها الذي سمعته ينكره أَن ينفث في زعفران ثم يأمر أولاده أو غيرهم ممن لا يعرفون الرقية بتخطيطه في صحون أو أوراق.(1/94)
(29- س: الرقية باللسان الأعجمي ذكر في الاقتضاء أنها مكروهة؟)
الجواب: المراد كراهة تحريم. ... (تقرير)
(30- س: أكل الحية لئلا تلدغه؟)
الجواب: لا يجوز، من يشوي الحية ثم يأْكلها فقد أَطاع الشيطان. وأَيضًا هي شيء منها شيطان نفسه، وشيء منها ترجع إلى الشياطين: إما أَنها دواب لهم، أو نحو ذلك. فالذي خالط لحمه لحمها أَو نحو ذلك تكف عنهم لأَجل هذا. (1) ... (تقرير)
(31- منع تعليق التمائم ولو من القرآن)
من محمد بن إبراهيم إلى الأَخ المكرم فضيلة الشيخ عبد الملك ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد جرى اطلاعنا على خطابكم الموجه إلينا بخصوص ذكركم أَن هيئة الأَمر بالمعروف بجيزان وجدت في الأَسواق قطعًا معدنية على شكل أَهلة ونحوها مكتوبًا فيها آيات قرآنية تباع لتعلق على الأَطفال وغيرهم كتمائم يتقي بها العين والوحشة وغيرهما. وتسألون عن الحكم الشرعي فيها.
والجواب: الحمد لله. روى الامام أحمد رحمه الله في مسنده عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيْمَة فلا أَتمَّ اللهُ لهُ، وَمَنْ تعَلَّق وَدَعَةً فلا وَدَع اللهُ لهُ)) وفي رواية له ((أَنَّ رَسُوْل الله صلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّمَ أَقبَل إليْهِ رَهطٌ فبَايَعَ تٍسْعَةً وَأَمْسَكَ عَن وَاحِدٍ، فَقَالُوْا يَا رَسُوْلَ اللهِ بَايَعْتُ تِسْعَةً، وَأَمْسَكتَ عَن هَذَا، فَقَالَ إنَّ عَلَيْهِ تَمِيْمَةً فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا فَبَايَعَهُ، وقال: مَن تَعَلَّقَ تَمِيْمَةً فَقَدْ أَشرَكَ)) .
_________
(1) قلت: وكذلك شي العقرب ثم أكلها لئلا تلدغه.(1/95)
والتمائم شيء يعلق على الأَولاد يتقى به العين. وهذا المعلق إما أَن يكون من القرآن، أو من أَسماء الله وصفاته، أَو لا يكون. فإن لم يكن من القرآن ولا من أَسماء الله وصفاته فلا نعلم خلافًا بين أَهل العلم في منعه وتحريمه واعتباره شركًا بالله.
وإن كانت من القرآن أَو من أَسماء الله وصفاته فقد اختلف علماء السلف في حكم تعليقها، فرخص فيها بعض السلف وهو قول عبد الله ابن عمرو بن العاص، وظاهر ما روي عن عائشة رضي الله عنها، وأَحد قولي الإمام أَحمد. وحملوا الأَحاديث الواردة في النهي عنها على التمائم الشركية، وقاسوا جواز تعليقها إذا كانت من القرآن أَو من أَسماء الله وصفاته بالرقية. وبعضهم لم يرخص فيه وجعله من المنهي عنه منهم ابن مسعود، وابن عباس، وظاهر قول حذيفة، وبه قال عقبة بن عامر وابن عكيم. قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن. والمراد بالكراهة في قول إبراهيم وغيره من السلف الصالح التحريم. وهذا القول -أعني تحريم تعليقها- هو قول الإمام أَحمد اختاره جمع من أَصحابه، وجزم به المتأخرون منهم، وهذا هو الصحيح من وجوه:
(الأَول) عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الرقى وَالتَّمَائمَ والتِّوَلَةَ شِرْكٌ)) . وقوله: ((مَن تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إلَيْه)) وقوله ((مَن تَعَلَّقَ تَمِيْمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ)) وما روى أَحمد وأَبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال صحيح وأَقره الذهبي ولفظ أَبي داود عن زينب امرأَة عبد الله بن مسعود أَن عبد الله بن مسعود رأَى في عنقي خيطًا فقال ما هذا، قلت خيط رقي لي فيه. قالت: فأَخذه وقطعه(1/96)
ثم قال: أنتم آل عبد الله لأَغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَة شِرْك)) . فقلت: لم تقول هكذا؟ لقد كانت عيني تقذف وكنت أَختلف إلى فلان اليهودي فإذا رقاها سكنت. فقال عبد الله: إنما ذلك عمل الشيطان ينخسها بيده فإذا رقى كف عنها، إنما كان يكفيك أَن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اذْهِب الْبَاس رَب النَّاس، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِيْ، لاَ شِفَاء إلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سُقْمًا)) . وما روى أَبو داود عن عيسى بن حمزة قال: دخلت على عبد الله بن عكيم وبه حمرة فقلت أَلا تعلق تميمة. فقال نعوذ بالله من ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِل إلِيْه)) وما روى وكيع عن ابن عباس قال: اتفل بالمعوذتين ولا تعلق. ولعدم وجود مخصص يخصص شيئًا منها بالجواز.
الثاني أَن تعليقها ذريعة لتعليق غيرها وسد الذرائع من مقاصد الشرع الحنيف.
الثالث أن معلقها يدخل بها في الغالب مواضع قضاء الحاجة، وهذا غير جائز شرعًا لما فيها من كتاب الله وأَسمائه وصفاته.
الرابع أَن التميمة اسم لما يدركه البصر على معلقها من جلود ورقاع ونحوهما لا ما كتب فيها.
وأَما قياس جوازها على الرقية فقياس غير ظاهر لوجود الفرق بينهما، قال الشيخ سليمان رحمه الله في كتابه ((تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد)) في معرض كلامه على التمائم وخلاف العلماء فيها:(1/97)
وأَما القياس على الرقية بذلك فقد يقال بالفرق، فكيف يقاس بالتعليق الذي لابد فيه من أوراق أَو جلود أَو نحوهما على ما لا يوجد ذلك فيه. فهذا إلى الرقى المركبة من حق وباطل اقرب. انتهى المقصود من كلامه.
فعليه يلزم منع بيعها، واستعمال الناس لها، ومصادرة ما يعرض منها في الأَسواق. لا سيما في مثل جهات الجنوب، حيث أَن الغالب على غالب أَهلها الجهل بمقتضيات أًُصول الشريعة وتحقيق التوحيد وكماله. وفقنا الله وإياكم. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-2450-1 في 5-6-87هـ)
(32- اتخاذ المصحف تميمة لا يجوز)
وفي تقرير له رحمه الله - ذكر فيه أَن القول الصحيح المنع من تعليق التمائم مطلقًا، وذكر الأَوجه الأَربعة المتقدمة ثم قال: فالأَربعة كلها موجودة، والواحد منها كاف في المنع من المكتوب من القرآن ونحوه.
ثم قال: والتمائم لم يتعارض فيها التحريم والأَمر حتى يقال ينظر ما يقدم، فإن المعارضة بين النهي والإباحة. وبعض المباحات تترك في أَشياء كثيرة لأَجل خوف الوقوع في المفسدة. ولم يقل أَحد أنها واجبة. وقال أَيضًا هذه الحروز التي تلبس أَكثرها ليس فيه إلاَّ طلاسم وبعضها ليس فيه إلا أَنياب السباع وحبوب بعض النباتات وقال: لا عبرة بالذين يجيزون ذلك ويتشبثون بقول بعض أَهل العلم، ولا داعي إلى ذلك إلا الدراهم. ما ضر الدين إلا الدراهم(1/98)
في قديم الزمان وحديثه: فهذا يمجد صاحب القبر ويقول فعل كذا وكذا لأَجل يأْخذ الدراهم، وهذا يصور ويأْخذ دراهم.
ثم ههنا شؤم يقعون فيه وهو أَنهم بعض الأَحيان يتخذون مصحفًا صغيرًا تميمة فيدخلون به المحال القذرة، فيجعلون المصحف كالأَمتعة، وكفى بهذا القول ضعفًا أَن يكون من فروعه اتخاذ مصحف يعلق في الرقبة، ويعلقه الجنب والحائض. والمصاحف إنما هي للتلاوة والتدبر واستشفاء أَمراض القلوب والأبدان بها ونحو ذلك. ... (تقرير 3-78هـ)
(33- معاقبة مشعوذ)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم مدير الجوازات والجنسية بالرياض ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
فقد جرى الاطلاع على المعاملة المرفوعة إلينا منكم رفق خطابكم رقم 2520-1 جـ وتاريخ 3-4-83هـ المتعلقة بالسجين (1) اليماني، وذكركم أَنكم عثرتم معه على ورقة مطولة وأَنه يذكر في إفادته أَنه يجعلها لتدفع عنه لدغ العقارب والدواب وغير ذلك.
وبتأملنا الورقة ومعتقده فيها نفيدكم أَن من صالح البلاد نفيه منها لأَنه لا يخلو إما أَن يكون مشعوذًا دجالاً أو تلميذ شعوذة ودجل وقد سحبنا منها الورقة المذكورة وظرفها لإعلامكم بذلك، وبالله التوفيق. والسلام عليكم (2) ... (ص-ف796-1 في 27-4-83هـ)
_________
(1) تركت ذكر اسمه العلم لان الحكم لا يتوقف على معرفته.
(2) () تحصين الأطفال ونحوهم بغير أسماء الله وصفاته وكلماته لا يجوز.
انظر الفتوى الصادرة برقم (1029 في 8/7/80هـ) .
وكذلك المنع من تعليق التمائم والسحر منعًا باتًا في الفتوى الصادرة برقم (1482/م في 15/3/81هـ) .(1/99)
(34- س: الأوداع التي تعلق على الدواب للزينة؟)
جواب: هذه صورة شركية ممنوعة، ونية صاحبها ليس لها حكم، ربما يعلقها جاهل ولا يدري أنه يعتقد فيها، وربما يعلقها معتقد ويقول زينة. فهذه الصورة ممنوعة. ... (تقرير)
(35- سألته عن رؤوس الغزلان تعلق على البيوت أَو السيارات؟)
فأَجاب: باطل، ولا يجوز وليس مقصودهم جمالا. ... (تقرير)
(36- س: هل فص الدم (1) من هذا؟
جواب: جعل الله في بعض الجواهر خواص. إنما المحذور الذي يتعاطى لسر خفي فإنه من باب التأَله. أَما الذي من باب السجيات والطبيعيات فما عرف معناه كان كذلك، وما جهل فيلحق بالممنوع. ... (تقرير)
(37) حكم اعتقاد الضر والنفع مع الله)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة الشيخ أَحمد الغنيم قاضي نجران ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد: - فقد جرى الاطلاع على استفتائك الموجه إلينا بخصوص سؤالك عمن اعتقد أَن زيدًا مثلاً ينفع أَو يضر من دون الله أَو مع الله هل يكون بذلك مشركًا ولو لم يقل ذلك أَو يفعل ما هو معناه.
_________
(1) ذكر لي بعض علمائنا أنه يوقف الدم إذا لبس.(1/100)
والجواب: لا شك أَن من يعتقد النفع والضر من دون الله تعالى أَو مع الله فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى يعتبر كافرًا ومشركًا، إذ أَن الله تعالى هو النافع الضار، فلو اجتمع أَهل السماوات والأَرض على أَن ينفعوا شخصًا لم يرد الله نفعه لم يقدروا على نفعه، ولو اجتمعوا على أَن يضروا شخصًا لم يرد الله ضره لم يضروه. وأَما ما يستطيعه المخلوق من نفع غيره بمساعدته بمال أَو جاه أَو جهد فذلك النفع مرتبط بإرادة الله تعالى وهو سبب من أَسبابه، ولا ينافي التسليم به الاعتقاد بأَن الله تعالى هو النافع الضار.
وأَما الاستفهام عمن يعتقد أَن لزيد مثلاً قدرة على نفع أَو ضر غيره من دون الله أَو مع الله هل يعتبر مشركًا مع أَنه لم يقل ذلك أَو يفعل ما هو بمعناه. فغير خاف عليكم أَن الاعتقاد جزء من الإيمان، فمن اعتقد شيئًا فقد آمن به واطمأَن به قلبه، ومن اطمأَن قلبه بأَن المخلوق ينفع أَو يضر من دون الله أَو مع الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فقد كفر أَو أَشرك، سواء نطق لسانه بذلك، أَو عمل ما يقتضيه، أَولا. وبالله التوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(ص-ف-936-1 في 12-4-85هـ)
(38- حكم التبرك بأستار الكعبة، وتقبيل جدرانها، وتقبيل سور مقام ابراهيم)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم الأستاذ أَحمد بن زايد محمد ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ولقد وصل إلينا كتابكم تاريخ 21 محرم، وسرنا وصولكم(1/101)
الوطن بالسلامة وكمال صحتكم واطمئنانكم جعل الله ذلك معونة على طاعته. وسبيلاً للحصول على ما يعود بخيري الدنيا والآخرة. ثم ما وددتم إبطاله من الأمور الثلاثة التي ذكرتم وهي:
1- إبطال بدعة بيع أَستار الكعبة.
2- إبطال تقبيل جدران الكعبة.
3- إبطال تقبيل السور الحديدي المقام على مقام إبراهيم.
وما ذكر الأستاذ عن الأَول: فلا ريب أَنه من وسائل الشرك أَو من الشرك، لما يقصدونه من أَخذها من التماس البركة من خير الله (1) .
وأَما الثاني: وهو تقبيل جدران الكعبة، فيدخل في حد البدعة.
وأَما الثالث: وهو ما يتعلق بمقام إبراهيم عليه السلام والبناية التي عليه. فلا ريب أَن تقبيل الحديد المحاط عليه ومسحه يدخل في وسائل الشرك أَو من الشرك. وأَما المقام نفسه فإنه لا يوصل إليه بشيء وهو أَثر حفظ إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد صحابته، ومعظم تعظيمًا مَّا بما أَنه قد يدخل في الشعائر. ونقله وقد أَقره رسول الله صلى الله عليه وسلم مع هدمه الأَوثان واجتثاثه
_________
(1) وفي فتوى في حكم بيع ستارة الكعبة المشرفة قال: الكعبة نفسها زادها الله تشريفًا وتكريمًا لا يتبرك بها، ولا يقبل منها إلا الحجر الأسود والركن اليماني. والمقصود من هذا التقبيل والمسح طاعة الله واتباع شرعه، ليس المراد أن تنال الأيدي البركة في استلام هذين الركنين قول عمر اني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. والتزام الكعبة ليس فيه التمسح بحال انما هو الصاق الخد والصدر واليدين اشتياقًا وأسفا على الفراق تارة وذلا لله وخشية تارة أخرى. (ص/م/17/12/79 وتأتي في المناسك) وحكم تقبيل اليد على وجه التعظيم والخضوع وتغيير السنة في فتوى صادرة برقم (40 في 18/9/74 في وليمة العرس) .(1/102)
وسائل الشرك من أَصلها - دليل واضح على أَنه لا يغير. وأَظن اقتراح نقله زلة قلم من الأستاذ وفقه الله (1) ، ومقصده بحمد الله حسن. أَسأَل الله أن يسدد الجميع. والسلام عليكم ورحمة الله.
(ص-م-209 في 7-2-76هـ) ... (الختم)
(39- س-: كلك بركة. أو هذه من بركاتك؟)
ج-: لا بأس بذلك - كما في قول أسيد بن حضير: ما هي بأَول بركتكم يا آل أَبي بكر (2) - إذا تلمح أَن فيه البركات التي جعل الله فيه، أَو أَن الله الذي جعل فيه البركة والبركات. والممنوع تباركت علينا يا فلان. ... (تقرير)
(40- س-: وأعاد علينا من بركته - عبارة شارح زاد المستقنع)
ج-: يعني بركة علمه، وليس المراد بركة ذاته، فإن الذوات جعل الله فيها ما جعل من البركة ولكن لا تصلح للتبرك بها إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أَبعاضه كريقه، ولا يقاس على النبي غيره والصحابة ما فعلوا مع أَبي بكر وعمر من قصد البركة فيهما كما فعلوا مع النبي. ... (تقرير)
(41- التبرك بآثار الصالحين قياسًا على شعر النبي غلط)
وهناك مسأَلة، وهي: أَن بعض شراح الحديث يذكر أَنه لا بأْس بالتبرك بآثار الصالحين - إذا مروا بذكر شَعَر النبي. وهذا غلط ظاهر
_________
(1) قلت يعنى نقله من الحرم كليًا، بدليل قوله مع هدمه الأوثان. وللشيخ رحمه الله فتاوي في نقله عن مكانه أي تأخيره عنه لأجل الزحام تأتي في الحج إن شاء الله تعالى.
(2) رواه البخاري. وانظر بدائع الفوائد لابن القيم (جزء 2 ص185، 187) .(1/103)
لا يوافقهم عليه أَهل العلم والحق، وذلك أَنه ما ورد إلا في حق النبي. أَبو بكر وعمر وذو النورين عثمان وعلي وبقية العشرة المبشرين بالجنة وبقية البدريين وأَهل بيعة الرضوان ما فعل السلف هذا مع واحد منهم، أَفيكون منهم نقص في تعظيم الخلفاء التعظيم اللائق بهم، أَو أَنهم لا يلتمسون ما ينفعهم؟! فاقتصارهم على النبي يدل على أَنه من خصائص النبي، وهي بركة جعلها الله في النبي كما جعلها في بعض المخلوقات (1) . والمقصود أَن بعض المؤلفين قال: إنه لا بأْس بالتبرك بآثار الصالحين - وهو محمد بن سالم البيحاني - ونفهم ((أَولا)) أَنه غلط وأَنه لا دلالة في القصة للفرق بين الرسول وغيره. ((الثاني)) عدم فعله مع الذين عرفناهم ((الثالث)) أَنه لو أَذن فيه على وجه البركة من غير اعتقاد ذاتي فهو سبب ويوقع في التعلق على غير الله في أَكبر من هذا، والشريعة جاءت بسد أَبواب الشرك. ومؤلَّفه جيد ونافع، وكل يؤخذ من قوله ويشرك. والأَوجه التي بينت لك هذا الشأْن واضحة لك. ... (تقرير 5- 78هـ)
(42- التبرك بالأشجار)
عبادة الأَشجار الآن مثل عبادة الأَشجار كالعزى هو موجود عند جاهلية هذه الأمة ممن مضى وممن بقي، وتعليق الثياب والخرق والأَسلحة والعدد وغير ذلك رجاء بركتها، وإن كانوا لا يرجون منها استقلالا لكن يرجون من الله بها. ... (تقرير 11- 78هـ)
(43- س: - أَجعل لنا ذات أَنواط؟)
ج-: لا يصل إلى الكفر إذا كان على سبيل الاستفتاء أَو الجهل كقصة أَصحاب موسى وأَصحاب محمد، حسبوه قربة. ... (تقرير)
_________
(1) قلت: كما جعل في ماء زمزم شفاء وفي العسل.(1/104)
(44- س-: بسم الوطن والشعب (1) وبسم الله واسم الملك)
ج: طلب البركة والعون من غير الله شرك (2) والأَخير من التنديد.
(تقرير)
(45- الذبح لغير الله شرك أَكبر)
من محمد بن إبراهمي إلى المكرم سالم بن عبد الله آل حميد ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: - فقد وصل إلينا كتابك الذي ذكرت فيه أَنه يوجد في بعض بلدانكم البريمي أُناس إذا مرض المريض يحسبون له ويقولون فيه ضر من محل كذا، ويبغى ذبيحة أَو دجاجة يذبحونها للجن ولا يذكرون اسم الله عليها. الخ.
وذكرت أَيضًا ما يحصل من النساء هناك من خروجهن سافرات واختلاطهن بالرجال في محافل الزواج وعند القدوم من السفر وعند حفل الولادة ونحو ذلك إلى آخر ما ذكرته.
والجواب: الحمد لله. أَما الذبح لغير الله فهو شرك أَكبر والعياذ بالله، لأَن الذبح لله عبادة قال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (3) وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لاَ شَرِيكَ لَهُ) (4) فمن صرف شيئًا من هذه العبادة لغير
_________
(1) إذا قيلت عند افتتاح الخطب أو الكتب.
(2) لان هذا معنى البسملة.
(3) سورة الكوثر 2.
(4) سورة الأنعام 162، 163.(1/105)
الله فهو مشرك كافر وفي الحديث ((لعن الله من ذبح لغير الله)) فيتعين الإنكار على هؤلاء وتعزيرهم التعزيز البليغ الذي يردعهم وأَمثالهم عن فعل هذه الأَشياء.
(ص-ف-278-1-13-5-85هـ)
والجواب عن الاختلاط يأْتي في كتاب النكاح) .
(46- النذر والذبح للولي)
السادسة (1)
سؤالك هل يجوز النذر والذبح لغير الله كالنذر والذبح لولي. أَو الصدقة على اسم الولي، وسبيل الحسين، والطعام للميت بعد وفاته يوم الثالث والعاشر والعشرين والأربعين وبعد ستة أَشهر وسنة من وفاته؟
والجواب: الحمد لله. النذر والذبح من أَنواع العبادة التي هي محض حق الله، لا يصلح منها شيء لغير الله، لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، فضلاً عن غيرهما. فمن نذر أَو ذبح لغير الله فقد أَشرك بالله شركًا يخرج به عن ملة الاسلام، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ) (2) وقال تعالى: (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) (3) وقال تعالى: (مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) (4) وعن طارق بن شهاب، أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((دَخَلَ الْجَنَّةَ رَجلٌ فِي ذبَاب، وَدَخَلَ النَّارَ رَجلٌ فِي ذبَاب. قَالوا: وَكَيفَ ذَلِكَ
_________
(1) من مسائل عبد الرحمن بلوشي. أولها السؤال عن حكم المولد. ويأتي في باب صلاة العيدين.
(2) سورة الأنعام 162، 163.
(3) سورة النساء 48.
(4) سورة المائدة 72.(1/106)
يَا رَسولَ اللهِ. قال: مَرَّ رَجلانِ عَلَى قَوم لَهم صنم لا يجوْزه أَحَد حَتَّى يقَرِّبَ لَه شَيْئًا فَقَالوْا لأَحَدِهِمَا قَرِّبْ، قَالَ لَيْسَ عِندِيْ شَيىء أُقَرِّب، قَالوْا لَه قَرِّبْ وَلَوْ ذبَابًا فَقَرَّبَ ذبَابًا، فَخَلَّوْا سَبِيْلهُ فَدَخَلَ النَّارَ. وَقَالُوْا للآخَرِ: قَرِّبْ، فَقَالَ مَا كُنتُ لأُقَرِّبَ لأَحَد شَيْئًا دُوْنَ اللهِ عَزَّ وَجَل، فَضَرَبُوْا عُنُقَهُ فَدَخَلَ الْجَنَّة)) رواه أحمد.
وروى مسلم في صحيحه عن علي بن أَبي طالب رضي الله عنه، قال: ((حَدَّثَنِيْ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ كَلِمَات: لَعَنَ الله مَن ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ. لَعَنَ اللهُ مَن لَعَنَ وَالِدَيْهِ. لَعَنَ اللهُ مَن آوَىْ مُحدثًا. لَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْض)) .
والنذر لغير الله باطل بإجماع المسلمين، لأَنه نذر لمخلوق، والنذر للمخلوق شرك بالله، حيث أَن النذر عبادة، والعبادة لا يجوز صرفها لغير الله. قال: شيخ الإسلام ابن تيمية: وأَما ما نذر ليغر الله كالنذر للأَصنام والشمس والقمر والقبور ونحو ذلك فهو بمنزلة أَن يحلف بغير الله من المخلوقات، والحالف بالمخلوقات لا وفاء عليه ولا كفارة وكذلك الناذر للمخلوقات، فإن كليهما شرك، والشرك ليس له حرمة.
وقال رحمه الله فيمن نذر للقبور ونحوها: وهذا النذر معصية باتفاق المسلمين، لا يجوز الوفاء به، وكذلك إذا نذر مالا للسدنة أَو المجاورين العاكفين بتلك البقعة فإن فيهم شبهًا من السدنة التي كانت عند اللات والعزى ومناة، يأْكلون أَموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله. والمجاورون هناك فيهم شبه من الذين قال فيهم الخليل عليه السلام: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) (1) . والذين
_________
(1) سورة الأنبياء.(1/107)
اجتاز بهم موسى عليه السلام وقومه قال تعالى: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ) (1) .
فالنذر لأولئك السدنة والمجاورين في هذه البقاع نذر معصية، وفيه شبه من النذر لسدنة الصلبان والمجاورين عندها، أَو لسدنة الأَبداد في الهند والمجاورين عندها. انتهى كلامه. (2) .
وقال في ((قرة عيون الموحدين)) عند توجيهه القول بأَن النذر لغير الله شرك: وذلك لأَن الناذر لله وحده علق رغبته به وحده لعلمه وأَنه تعالى ما شاء كان وما لم يشأْ لم يكن، وأَنه لا مانع لما أَعطى ولا معطي لما منع، فتوحيد القصد هو توحيد العبادة، ولهذا ترتب عليه وجوب الوفاء فيما نذره طاعة لله. والعبادة إذا صرفت لغير الله صادر ذلك شركًا بالله لالتفاته إلى غيره تعالى فيما يرغب فيه أَو يرهب فقد جعله شريكًا لله في العبادة فيكون قد أَثبت ما نفته ((لا إله إلا الله)) من إلاهية غير الله، ولم يثبت ما أَثبتته من الإخلاص. أَهـ.
(ص-ف-2110-1 في 21-7-88هـ. (3)
_________
(1) سورة الأعراف 138.
(2) في اقتضاء الصراط المستقيم ص315.
(3) قلت والذبح عند طلعة السلطان قد انكره شيخنا، واحضر المباشر للذبح، وأدب، وأمر باحراق لحمها، واعتقد المشايخ أنها وقعت جهلا بالحكم (والقصة معروفة) . وسمعت فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أَنه أريد منها أن تقرب لأحد المعبودين في زمانها شيئًا فأبت. فقالوا: ولو تراب. قالت ولا تراب، التراب خير من الذباب.(1/108)
(47- س-: الانحناء ووضع اليد على الجبهة)
ج- الانحناء عند السلام حرام إذا قصد به التحية. وأَما إن قصد به العبادة فكفر. (1) ووضع اليد على الجبهة مثل السجود ويدخل في الشرك. ... (تقرير)
(48- القيام للشخص والقيام إليه)
س-: ((قوموا إلى سيدكم)) ((من أَحب أَن يتمثل له الرجال قيامًا فليتبوأْ مقعده من النار)) ما الجمع بينهما؟
ج- القيام للشخص غير القيام إليه. فالأول تحية وإكرام، والثاني تعظيم له. (2) ... (تقرير)
(حكم دعاء غير الله)
(49- حكم دعاء عبد القادر، والسجود له، والزعم أنه قادر على ما يشاء. وبيان الفرق بين أولياء الله وأولياء الشيطان.)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة الأُستاذ الحاج عيد محمد أَباد - كراتشي باكستان ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنحمد اليكم الله تعالى، ونصلي ونسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه، وانه وصلي إلينا كتابكم المتضمن الاستفتاءَ الآتي:
ما يقول العلماءُ في حق رجل ادعى الولاية وكتب شجرة وكتب في أَوله الكلمة الطيبة على هذا الترتيب ((لا إله إلا الله، شيخ
_________
(1) وانظر مجموع فتاوي ابن تيمية جـ1 ص377.
(2) ص374.(1/109)
عبد القادر شيئًا لله)) يعني انه اعطى مقام الرسالة للشيخ عبد القادر الجيلاني.
وتسأَل هل هذا الرجل كافر أَم لا، والحال ان الناس يسجدون له ويزعمون أنه قادر على أَن يفعل ما يشاءُ، والذين يتبعونه كيف هم عندالله: أَهم على ضلالة، أَم على هدى وان مات هذا الرجل أَيصلى عليه أَم لا. اهـ.
والجواب: الحمد لله: قد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن لله أَولياءَ من الناس، وللشيطان أَولياءَ من الناس. وفرق بين أَولياء الرحمن وأَولياء الشيطان فقال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ - الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ - لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (1) .
وقال تعالى: (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (2) .
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ - فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ - وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ
_________
(1) سورة يونس 62، 63.
(2) سورة البقرة 157.(1/110)
أَقْسَمُواْ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ - إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ - وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (1) .
وقال تعالى: (هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا) (2) فهذه الآيات في حق أَولياءِ الرحمن.
وأَما أَولياءُ الشيطان فقد ذكرهم الله في عدة آيات من كتابه فقال تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ - إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ) (3)
وقال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) (4) .
وقال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) (5) وقال تعالى:
_________
(1) سورة المائدة 51- 56.
(2) سورة الكهف 44.
(3) سورة النحل 98- 100.
(4) سورة النساء 76.
(5) سورة الكهف 50.(1/111)
(وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا) (1) .
وقال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً) إلى قوله تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (2) .
وقال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ - وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. إلى قوله: فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ) (3) .
وقال تعالى: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (4) .
وقال الخليل عليه السلام: (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا) (5) .
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ) الآيات إلى قوله: (إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (6) .
وإذا عرف أن الناس فيهم أَولياءُ الرحمن وأَولياءُ الشيطانِ، فيجب أَن يفرق بين هؤلاءِ وهؤلاءِ كما فرق الله ورسوله بينهما، فأَوْلياءُ الله هم المؤمنون المتقون كما قال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ- الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) فكل من ادعى الولاية فلابد من سبر احواله ومعرفة ما هو عليه فإن
_________
(1) سورة النساء 119.
(2) سورة آل عمران 137- 175.
(3) سورة الأعراف 20.
(4) سورة الأنعام 121.
(5) سورة مريم 45.
(6) سورة الممتحنة 1.(1/112)
كان متصفًا بما وصف الله به أَولياءَه المؤمنين مجانبًا لحزب الشيطان وأَوليائه الضالين المضلين وكان مقيمًا لشعائر الدين من تحقيق التوحيد واقامة الصلاة في الجمع والجماعات وكان من الدعاة إلى الله واتصف بما عليه سلف الأمة وأَئمتها هديًا وسمتًا وخلقًا وحالا ومقاما وصلحت نيته بذلك فهذا يرجى أَن يكون من أَولياءِ الله المتقين الذين قال الله فيهم (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ- الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) فكل من كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا، ومن ادعى الولاية بدون ذلك فهو مدعى.
والدعاوي ما لم يقيموا عليها ... بينات ابناؤها ادعياءُ
واما كتابته تحت كلمة الاخلاص (شيخ عبد القادر شَيْئًا لله) فهذا يحتاج إلى فهم معنى ما كتبه، فإن كان يسال من الشيخ عبد القادر شيئًا فهذا من دعاءِ غير الله، وطلب الحوائج من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك أَكبر بلا شك، فإذا اتضح له وبين له كلام العلماء فأصر وعاند فهو مشرك كافر كما قال تعالى:
(وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (1) .
وأما كون الناس يسجدون له ويزعمون أَنه قادر على ما يشاءُ فهؤلاء متبرما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون، لأَن السجود لغير الله كائنًا من كان شرك أَكبر، وكذلك اعتقاد أَن احدًا من الناس قادر على كل ما يشاءُ، لأَن هذا من خصائص الله جل جلاله فهو الفعال لما يريد، فان كان هذا الشخص يأمرهم بذلك أو يرضى بسجودهم له فهو مصادم لمقام الألوهية، وكافر برب العالمين،
_________
(1) سورة المؤمنون 117، 118.(1/113)
ويتعين الانكار عليه وعليهم، وتبيين بطلان ما انتهجوه بالادلة الشرعية من الكتاب والسنة وكلام علماء المسلمين المحققين. والله نسأَل أَن يهدي ضال المسلمين، وأَن ينصر دينه ويعلي كلمته، ويعز أَولياءَه، ويخذل اعداءَه، انه على كل شيء قدير. أملاه العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف مفتي البلاد السعودية، حامدًا مصلياً مسلمًا على نبينا محمد وآله وصحبه أَجمعين.
(ص-م1410-1 في 25-5-85هـ) .
(50- الاستعاذة بالحي فيما لا يقدر عليه)
س-: لو قال لحي حاضر: أَعذني من الشيطان الرجيم؟
جـ- هذا شرك أَكبر، لأَنه لا قدرة له على اعاذته ولو كان حيًا حاضرًا. (تقرير) .
(51- دعوة الجن)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم سعيد بن عبد العزيز الغامدي ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: -
فقد اطلعنا على كتابك الذي تذكر فيه أَقوال أُناس يدعون الجن وقولهم: خذوه، انفروا به. الخ.
وهذه كلمات لا تجوز من ثلاثة أَوجه مأخوذة من ظاهر هذه الأَلفاظ:
(أَحدها) : محبة ضرر هذا المسلم المطلوب أَخذه وشرب دمه.
(والوجه الثاني) : أنه طلب من الجن فيدخل في سؤال الغائبين الذي يشبه سؤال الأَموات، وفيه رائحة من روائح الشرك.(1/114)
(الثالث) : تخويف الحاضر المقول في حقه ذلك. ولولا تغلب جانب التخويف مضافًا إلى أنه قد لا يحب اصابة هذا الحاضر معه لا لحق بالشركيات الحقيقية.
أما ذكاة من تصدر منه هذه الكلمات فهي صحيحة ويباح أَكلها. والله يحفظكم.
(ص-م 476 في 29-3-1380هـ.)
(52- س: الجن قادرون فكيف لا يسأل منهم؟)
جـ: - الجن لا يجوز دعاؤهم، كما لا يجوز دعاءُ الملائكة وان كان لهم قدرة، فان هذا جنس الشرك بالملائكة. وأَيضًا الجن لا يطيعونك فليسوا مثل الحي الحاضر الذي تطلب منه ما يقدر عليه ويعطيك. ... (تقرير) .
(53- س: يحتج بعض المشركين بأن النبي صلى الله عليه وسلم كلم موسى في مسألة عدد الصلوات في معراجه قالوا فهذا يكلم ميتا؟)
جـ: - موسى مع محمد كالحي مع الحي، كما أن محمدًا مع جبريل كذلك، فمن كان مع جبريل كمحمد أَو محمد مع موسى فلا بأس. ... (تقرير) .
(54- س: أَسأَلك مرافقتك في الجنة)
جـ: - هذا سؤال لحي، كما يسأَل من الصدفة. ... (تقرير)(1/115)
(55- حكاية العتبي؟) (1)
نعرف أن ممن ذكرها الموفق في المغني، وابن كثير في التفسير ولا ردها.
وممكن الادخال ولا يستنكر ذكرها لأنها شيء مشهور ولا يستنكر ذكر المشهور. أَو يكون عدم ردها ذهول وهو (2) ذكر في سورة الكهف على قوله تعالى: (رَجْمًا بِالْغَيْبِ) انه ينبه على ضعفها (3) ولم ينبه على قصة العتبي في سورة النساء. ومن المعصوم من السهو الا الرسول فهو المعصوم من هذا بكل حال. ... (تقرير)
(56- أيها النبي؟)
نعرف أن بعض أَهل الباطل يقول أنها حجة لقولهم: يا رسول الله. لكن ليس معنى هذا انك تطلب من الرسول شيئًا، بل أَنت الآن تطلب له لا تطلب منه. وهم يقولون يا رسول الله سلمني من
_________
(1) قال ابن كثير في تفسيره وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه ((الشامل)) الحكاية المشهورة قال كنت جالسًا عند قبر النبي، فجاء اعرابي فقال السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) وقد جئتك مستغفرًا لذنبي مستشفعًا بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسى الفداء لقبر انت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: يا عتبى الحق الأعرابي فبشره ان الله قد غفر له.
قلت: قال ابن تيمية رحمه الله: ومنهم من يتأول قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ) (الآية) ويقولون إذا طلبنا منه الاستغفار بعد موته كنا بمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصحابة. ويخالفون في ذلك اجماع الصحابة فان أحدًا منهم لم يطلب من النبي بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئًا ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم وانما ذكر ذلك من ذكره من متأخري الفقهاء وحكوا حكاية مكذبة على مالك.. (أنظر مجموع فتاوي ابن تيمية جـ1 ص233) ، 159، 353، 228) .
(2) ابن كثير.
(3) أي ضعف الأقوال الباطلة اذا حكيت.(1/116)
هذا الشيء اذا عثر سواء ينفعه أَو يشفع له. الفائدة من هذا أنك تستحضر عند سلامك على النبي أنه حاضر ليكون أَصدق واخلص لما يستحقه عليك من تعزيزه وتوقيره ومحبته، فان دعاءَك هذا الدعاءَ عن استحضار منك اتم، كما أن دعاءَك الله مع استحضار قربه منك له مزية. كما في مرتبة الاحسان: ((أن تعبد الله كأَنك تراه)) فان استحضار ذكر الرسول عند الدعاء له إذا أنزلته منزلة الحاضر نقوم من حقوقه بأَتمها. ... (تقرير)
(57-: س-: يا وجه الله؟)
جـ- ما تنبغي، وممكن أَن مقصودهم الذات. (1) .
(58- س-: لو قال: يا رحمة الله)
جـ-: لا يجوز. هذا من دعاءِ الصفة. ... (تقرير) .
(59- س-: ما الفرق بين دعاء الصفة والقسم بها.)
جـ-: القسم والاستعاذة بها جائزة، لأنه تعظيم. واقسامه تعالى بمخلوقاته لكونها دالة عليه. فالصفة لا يقال انها خالقة بل الله بصفاته هو الخالق. (2) . ... (تقرير) .
(60- أشكرك وأرجوك)
من محمد بن إبراهيم ... إلى حضرة المكرم عبد الرحمن بن حماد ... الموقر-أَبها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فقد وصل كتابك المتضمن السؤال عن استعمال كلمتي
_________
(1) قلت: وهذا مما يجري على لسان بعض البادية.
(2) قلت ولان الوارد في الدعاء: (ادْعُوا رَبَّكُمْ) (فَادْعُوا اللَّهَ) (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم) (قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ) .(1/117)
أَشكرك، وأَرجوك. والظاهر أنه لا تحريم في استعمال هذه الكلمة:
أَعني لكمة أَشكرك. وأَرى أن الأولى ترك استعمالها خطابا مع المخلوق. وأَما كلمة أَرجوك في شيء يقدر عليه ذلك المخلوق فليس بشرك ولا محرم. ومن حسن الأَدب ترك استعمال هذه الكلمة مع المخلوق، وفقنا الله واياك لما فيه الخير والسلام. (1) .
(ص-ف 235 في 11-4-76هـ)
(61- قول المخلوق للمخلوق يا معظم)
وجواب المسأَلة السادسة (2) : لا ينبغي قول المخلوق للمخلوق يا معظم مواجهة، لما فيه من اساءَة الأَدب.
وفقنا الله واياكم لما فيه الخير والصلاح، والسلا. (ص-ف 608 في 17-8-1376هـ)
(حكم الغلو في القبور، والآثار)
(الغلو في القبور)
(62- اقامة الاحتفالات عند أضرحة الأولياء والشهداء في يوم معين من كل سنة، وجمع النذور والصدقات لها، وانفاق الأموال في الملاهي والألعاب عندها، واختلاط الرجال والنساء عندها، والتوسل والاستغاثة بأَصحابها، والطواف بها والعكوف.....)
سئل حضرة صاحب السماحة المفتي الأَكبر للمملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم عن السؤال الآتي:
ما قولكم دام فضلكم في من يعقد عند أضرحة الأولياء والشهداء التي رفعت وشيدت احتفالاً عظيمًا في يوم معين من كل سنة، ويسمونه بالنذر السنوي، ويجمعون له النذور والصدقات،
_________
(1) قلت: وفي تقرير له لما سئل عن ارجوك أجاب: التوحيد أن يقول أرجو الله ثم أرجو أنك كذا. فالمرجو لا يحصل إلا بمشيئة الله.
(2) أما أَول هذه المسائل فهو في باب نواقض الوضوء.(1/118)
وينفقون تلك الأَموال في الملاهي والأَلعاب المنوعة، مع اختلاط النساء بالرجال، كل هذا للتقرب إلى الولي بزعمهم، وللتوسل إلى الله به، والاستغاثة به، ويزعمون أن هذا كله جائز لا رضاء الولي في دين الاسلام، ما حكم ذلك.
الجواب: الحمد لله. السؤال يتضمن الاستفسار عن عدة أُمور:
الأَول: حكم رفع القبور وتشييدها والبناء عليها.
ثانيًا: عمل الاحتفالات.
ثالثًا: النذر لأَصحاب القبور وجمع الصدقات والتبرعات لانفاقها في ذلك.
رابعًا: التوسل بالأَموات.
خامسًا: التقريب لغير الله.
سادسًا: الاستغاثة بأصحاب القبور.
سابعًا: الاقامة في المقبرة والعكوف فيها والطواف بهم والغلو.
فالجواب على السؤال الأول وهو حكم رفع القبور وتشييدها والبناء عليها. فالحكم في هذه الأمور أَنها لا تجوز، فقد صرحت الأَحاديث بالنهي عن ذلك والتحذير منه وتحريمه، فان هذا من الغلو الذي تكاثرت الأَحاديث بالنهي عنه، فإنه أَعظم وسائل الشرك وأسبابه، وبسببه وقع الشرك كما في الصحيح من حديث ابن عباس في تفسير قول الله تعالى: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) (1) .
قال هذه أسماءُ رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أَوحى الشيطان إلى قومهم ان انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها انصابًا وسموها باسمائهم، ففعلوا ولم تعبد، حتى اذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت. وقال ابن القيم: قال غير واحد من
_________
(1) سورة نوح 22.(1/119)
السلف لما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم. والأَحاديث المصرحة بالنهي عن البناء على القبور وتشييدها وتحريم الصلاة عندها وإليها كثيرة: منها عن أَبي الهياج الاسدي قال قال لي علي: ((ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أًَن لا تَدَعَ صورة إلا طمستها ولا قبرًا مُشْرِفًا إلا سويته)) رواه الجماعة الا البخاري وابن ماجه.
وعن جابر قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَن يُجَصَّص القبر وأَن يُقعد عليه وأَن يُبنى عليه)) رواه أَحمد والنسائي والترمذي وصححه - واخرج البخاري من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أَنبيائهم مساجد)) ولا حمد بسند جيد: ((إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أَحياء والذين يتخذون القبور مساجد)) ورواه أَبو حاتم في صحيحه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج)) رواه أَهل السنن، وعن أَبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الأَرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام)) رواه أَحمد وأَهل السنن وصححه أَبو حاتم وابن حبان. وعن أَبي مرثد الغنوي أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)) رواه مسلم.
قال شيخ الاسلام تقي الدين ابن تيمية: أَما بناء ُ المساجد على القبور فقد صرح عامة الطوائف بالنهي عنه متابعة للأَحاديث الصحيحة، وصرح أصحابنا وغيرهم من أَصحاب مالك والشافعي(1/120)
بتحريمه. قال: ولا ريب في القطع بتحريمه. ثم ذكر الأَحاديث في ذلك إلى أَن قال: وهذه المساجد المبنية على قبور الأَنبياءِ والصالحين أَو الملوك تتعين ازالتها بهدم أَو غيره، وهذا مما لا أَعلم فيه خلافًا بين العلماء المعروفين.
وقال ابن القيم: يجب هدم القباب التي بنيت على القبور لانها أُسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما زيارة القبور في يوم معين وعمل الاحتفالات عندها والاقامة عندها والعكوف. فهذه الأمور ليست من دين الاسلام، بل من دين عبدة الأَوثان، فالتردد إليها في وقت معين أَو اتخاذها عيدًا الذي صرحت الأَحاديث بالنهي عنه والتحذير منه لما ينشأُ عنه من المفاسد، ولذا جاءَت الأَحاديث مصرحة بالنهي عن ذلك سدًا لباب الشرك وحماية لجناب التوحيد، فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا بيوتكم قُبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا عَليَّ فإن صلاتكم تبلُغُني حيث كنتم)) رواه أَبو داود باسناد حسن ورواته ثقات.
وأَما الاقامة عندها والعكوف وعمل الاحتفالات فهو نفس ما كان عباد اللات والعزى يفعلونه عند هذه الأوثان، ولا يشك مسلم في تحريم ذلك، قال الله حاكيًا عن المشركين: (يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ) (1) .
وقال حاكيًا عنهم (نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ) (2) .
_________
(1) سورة الأعراف 138.
(2) سورة الشعراء 71.(1/121)
وعن أَبي واقد الليثي قال: ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حدثاءُ عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أَسلحتهم يقال لها ذات أَنواط، فقلنا يا رسول الله أَجعل لنا ذات أَنواط كما لهم ذات أَنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أَكبر، إنها السنَنُ، قُلتم والذي نفسي بيده كما قَالت بنُوا إسرائيل لموسى اجعلْ لنا إلهًا كما لهم آلهةً، قَالَ إنكم قومٌ تجهلون. لتركَبُنَّ سَنَنَ من كان قبلكم)) رواه الترمذي وصححه.
وأَما الطواف بالقبر، وطلب البركة منه، فهو لا يشك عاقل في تحريمه وانه من الشرك، فان الطواف من أَنواع العبادات فصرفه لغير الله شرك، وكذلك البركة لا تطلب إلا من الله، وطلبها من غير الله شرك كما تقدم في حديث أَبي واقد الليثي.
وأما النذر للقبر فلا يجوز، فان النذر عبادة، وصرفه لغير الله شرك أَكبر، كما قال الله سبحانه (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) (1) .
وكما في الصحيح من حديث عائشة: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أَن يعصي الله فلا يعصه)) .
قال شيخ الاسلام تقي الدين ابن تيمية: واما ما نذر لغير الله كالنذر للأَصنام والشمس والقمر والقبور ونحو ذلك فهو بمنزلة الحلف بغير الله من المخلوقات، والحالف بالمخلوقات لا وفاءَ عليه ولا كفارة، وكذلك الناذر للمخلوقات، فإن كليهما شرك،
_________
(1) سورة الانسان 7.(1/122)
والشرك ليس له حرمة. وقال فيمن نذر للقبور ونحوها دهنا تنور به ويقول أنها تقبل النذر كما يقوله بعض الضالين: فهذا النذر معصية باتفاق المسلمين لا يجوز الوفاءُ به، وكذلك إذا نذر مالا للسدنة أَو المجاورين العاكفين بتلك البقعة، فان فيهم شبهًا من السدنة التي كانت عند اللات والعزى ومناة يأْكلون أَموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله، والمجاورون هناك فيهم شبه من الذين قال فيهم الخليل عليه السلام (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) (1) (قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ) (2) .
والذي اجتاز بهم موسى عليه السلام وقومه قال تعالى: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ) .
فالنذر لأولئك السدنة والمجاورين في هذه البقاع معصية، وفيه شبه من النذر لسدنة الصلبان المجحاورين عندها، أَو لسدنة الأَبداد في الهند أَو المجاورين عندها. اهـ.
والأَدلة على تحريم النذر لغير الله كالنذر للأَموات والشياطين ونحوها أَكثر من أَن تحصر. فاتضح أَن النذ1ر المذكور لاصحاب القبور أنه شرك أَكبر. وذكر الشيخ قاسم الحنفي (3) وصنع الله الحلبي (4) هذا النذر انه شرك وكفر بالله رب العالمين، وكذلك غيرهم من علماءِ المسلمين ذكر الاجماع على بطلان هذا النذر وتحريمه.
_________
(1) سورة الأنبياء 52.
(2) سورة الشعراء 71.
(3) في شرح درر البحار.
(4) الحنفي في الرد على من أَجاز الذبح والنذر للأَولياء.(1/123)
واما جمع الصدقات وأَنواع التبرعات ونحو ذلك لاقامة هذه المحافل فلا شك في تحريم ذلك، وأنه اعانة على الاثم والعدوان، ودعاية سافرة للشرك بالله سبحانه، وتقدم كلام الشيخ ان هذا فيه شبه من النذر لسدنة اللات والعزى ومناة ونحو ذلك.
وقد صرح العلماءُ بتحريم الذبح في المقبرة لما فيه من مشابهة المشركين، ولأنه وسيلة إلى الشرك بالذبح للموتى والتقرب إليهم. ولا يخفى أن الذبح لغير الله كالذبح للأموات والجن والشياطين أَنه شرك وكفر بالله رب العالمين، وأَدلة ذلك واضحة.
وعن أَنس أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا عَقرَ في الإِسلام)) رواه أَحمد وأَبو داود - وقال عبد الرزاق: كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة في الجاهلية، قال أًَحمد: كانوا إذا مات لهم ميت نحروا جزورُا فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
قال العلماءُ: وفي معنى الذبح عنده الصدقة فانه محدث وفيه رياءٌ. قال الشيخ تقي الدين في الاختبارات: ويحرم الذبح عند القبر. وقال في موضع آخر: واخراج الصدقة مع الجنازة بدعة مكروهة، وهي تشبه الذبح عند القبر، ولا يشرع شيء من العبادات عند القبور لا الصدقة ولا غيرها. اهـ.
وأَما التوسل بالأَموات إلى الله سبحانه، وجعلهم واسطة بينهم وبين الله، فهذا من أَكبر المحرمات، بل هو عين ما يفعله المشركون فان المشركين ما كانوا يعتقدون ان اللات والعزى ونحوها تخلق وترزق، وانما كانوا يتوسلون بها إلى الله. كما قال تعالى حاكيًا(1/124)
عنهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) (1) وقالوا: (هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ) (2) وقال ابن القيم في نونيته:
والشرك فهو توسل مقصوده ... زلفى إلى الرب العظيم الشان.
وقال الشيخ تقي الدين: أَجمع العلماءُ أَن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسأَلهم كفر اجماعًا. (3) .
وأَما الإِستغاثة بأصحاب القبور أَو الجن والشياطين أَو نحو ذلك فهذا شرك أَكبر مخرج من الملة الاسلامية، فان الاستغاثة عبادة قال الله تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) (4) .
وقا سبحانه: (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ) (5) . أَي المشركين، كما قال سبحانه: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (6) (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (7) .
وفي حديث ابن عباس: ((إذا سأَلت فاسأَل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)) (8) وروى الطبراني باسناده انه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين، فقال بعضهم قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال: ((إنَّهُ لا يُستغَاثُ بي وإِنَّمَا يُستَغَاثُ باللهِ)) - قال ابن القيم في
_________
(1) سورة الزمر 3.
(2) سورة يونس 18.
(3) حكاه عنه في الاقناع. وانظر كشاف القناع جـ6 ص148.
(4) سورة النمل 62.
(5) سورة يونس 106.
(6) سورة لقمان 13.
(7) المؤمنون 117.
(8) رواه الترمذي.(1/125)
((المدارج)) (1) : ومن أَنواعه أَي الشرك طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم، وهذا أَصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، فضلاً عن من استغاث به وسأَله ان يشفع له إلى الله، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده.
وقال أَبو الوفاء ابن عقيل (2) : لما صعبت التكاليف على الجهال والطعام عدلوا عن أََوضاع الشرع إلى أَوضاع وضعوها لأَنفسهم فسهلت عليهم اذ لم يدخلوا بها تحت أَمر غيرهم وهم عندي كفار بهذه الأَوضاع مثل تعظيم الموتى وخطاب الموتى بالحوائج وكتب الرقاع فيها يا مولاي أَفعل بي كذا وكذا والقاء الخرق على الشجر اقتداءً بمن عبد اللات والعزى. اهـ.
ومما تضمنه السؤال زيارة النساء القبور واجتماعهن مع الرجال عند القبور.
فأما زيارة النساء للقبور فلا تجوز، بل صرحت الأَحاديث بالنهي عن ذلك وتحريمه، ففي السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لعنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَوَّاراتِ القبور والْمتخذينَ عليهَا الْمساجد والسرُج)) رواه الخمسة إلا ابن ماجه. وعن ابي هريرة رضي الله عنه: ((ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لعَنَ زوَّاراتِ القبُور)) رواه أَحمد وابن ماجه والترمذي وصححه.
واما اختلاط النساء بالرجال سافرات الوجوه فلا شك في تحريم
_________
(1) شرح منازل السائرين في باب التوبة.
(2) الحنبلي (1) سورة الأحزاب 33.(1/126)
ذلك، وأنه أَعظم وسيلة إلى الفاحشة قال الله سبحانه: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) (1) .
وأَعظم من ذلك اعتقاد ذلك دينا وأنه يرضي الله وهو من المحرمات الظاهرة بل من كبائر الذنوب وعظائم المعاصي، بل بعض ما ذكر شرك صريح ظاهر.
وبالجملة فجميع ما تضمنه هذا السؤال هو من المنكرات في الدين ومما يغضب رب العالمين وأَولياءه الصالحين، ولا يرضى بذلك من في قلبه أدنى غيرة لله سبحانه، وأدلة ذلك واضحة من الكتاب والسنة، ولكن الحال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((بَدَأَ الاسلامُ غريبًا وسَيَعُودُ غريبًا كما بدَأَ، فطُوبى للغُرباءِ الذينَ يُصْلِحونَ ما أَفسدَ الناسُ)) (2) .
وروي عن ابن مسعود أَنه قال: ((كيفَ انتم إذا لبستكم فتنة يصير المعروف فيها منكرًا والمنكر معروفًا ينشأُ على هذا الصغير ويهرم عليه الكبير إذا غيرت قيل غيرت السنة)) (3) . فالله المستعان. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
(ص-م-451 في 3-9-1375هـ) (4) .
_________
(1) سورة الأحزاب 33.
(2) روي هذا الحديث بعدة ألفاظ أحدها: ((ان الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها وليعقلن الدين في الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل ان الدين بدأ غريبًا ويرجع غريبًا فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي)) . رواه الترمذي وقال حديث حسن.
(3) وعنه أنه قال: ((يأتي على الناس زمان تكون فيه السنة بدعة والبدعة سنة والمعروف منكرًا والمنكر معروفًا وذلك اذا اتبعوا واقتدوا بالملوك والسلاطين في دنياهم)) رواه ابن وضاح.
(4) قلت: ويأتي في الوقف ذكر الغلو في القبور، والبناء عليها وإقامة المزارات والحفلات عندها، وانه من البدع المنهي عنها، بل من وسائل الشرك، وأنه لا يجوز الوقف على ذلك في الفتوى الصادرة برقم (1274/1 في 13/5/85هـ) .(1/127)
(63- انكار العكوف على قبور في حلي، وكسوتها، وتطييبها ووضع القروش عندها، وتعليق الخرق على الشجر وتطييبه ... الخ)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي محكمة حلي ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
كتابك لنا برقم 1014-1017 وتاريخ 17-8-86هـ وصل وبرفقه كتاب رئيس وأَعضاء هيئة الأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر لديكم. وقد ذكروا فيه أَنهم وجدوا قبورًا وشجرًا في المقابر التي في جهتكم تزار ويعكف عندها. والقبور تكسى وتطيب ويوضع عندها قروش، والشجر يعلق عليه خرق ويطيب. ومبني على كل واحد من قبرين حجرة وفي داخلها أَثر الذبح. وفي احدى المقابر مسجدان يصلى فيهما. وتسأَل عما يلزم في ذلك؟
والجواب: الحمد لله رب العالمين. أَما الزيارة فان قصد بها زيارة الميت من أَجل الدعاءِ له فهذا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ويعلمه أَصحابه. فروى الامام أَحمد والترمذي وحسنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة فاقبل عليهم بوجهه فقال: ((السلامُ عليكم يا أهلَ القبور يغفر الله لنا ولكمْ أَنتم سَلَفنَا ونَحن بالأَثر)) .
وروى مسلم في صحيحه عن بريدة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا للقبور أَن يقول قائلهم: ((السلام عليكم أَهلَ الديارِ منَ المؤمنينَ والْمسلمينَ، وإنَّا إن شاءَ الله بكمْ لاحقون أَنتمْ لَنَا فَرَطٌ ونحنُ لكمْ تَبَعٌ)) .(1/128)
وقد درج على ذلك الخلفاءُ الأربعة وجميع الصحابة وسلف الأمة من بعدهم، وهذا هو الواجب اتباعه.
وان كان الزائر يقصدها لأَجل دعاءِ الله عندها ويظن في نفسه أَنه أَجوب للدعاءِ ويريد التوسل بها والاستشفاع بها فهذا لم تأت به الشريعة أَصلاً، لأَن منه ما هو وسيلة إلى الشرك، ومنه ما هو شرك أَكبر، والوسائل لها حكم الغايات في المنع قال تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ - وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) (1) فدلت الآية على أَن هذا المدعو إما أَن يكون مالكًا أَولا، وإذا لم يكن مالكًا فإما أَن يكون شريكًا أَولاً، وإذا لم يكن شريكًا فاما أَن يكون معينًا أَولا، وإذا لم يكن معينًا فإما أَن يكون شافعًا بغير إذن الله أَولاً. والأَقسام الأَربعة باطلة: فتعين الأخير وهو أنه يشفع باذن الله، ومن كان كذلك فكيف يطلب منه النفع لغيره.
وأما العكوف عندها فلا يخلو من أَمرين: أَحدهما أَن يكون الغرض منه عبادة الله، فهذا لا يجوز، لما فيه من الجمع بين معصية العكوف ومعصية عبادة الله عند الشجر وعند القبور. وذلك من وسائل الشرك التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. أَما بالنسبة للعكوف فروى الترمذي في جامعه وصححه عن أَبي واقد الليثي قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاءُ عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أَسلحتهم
_________
(1) سورة سبأ 22، 23.(1/129)
يقال لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله أَجعل لنا ذات أَنواط كما لهم ذات أَنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الله أَكبر إنَّها السنن قُلتُمْ والَّذي نفسي بيدِهِ كما قَالَتْ بَنو إسرائيلَ لموسى اجْعَلْ لنا إلهًا كما لَهُمْ آلِهةٌ قالَ: إنكمْ قومٌ تَجْهلُون، لَتَرْكبُنَّ سَنَنَ من كانَ قبلَكُمْ)) فاخبر صلى الله عليه وسلم أَن هذا الأمر الذي طلبوه منه وهو اتخاذ شجرة للعكوف عندها وتعليق الأَسلحة بها تبركًا كالأمر الذي طلبه بنوا إسرائيل من موسى عليه السلام. وروى أَبو داود والترمذي وابن ماجه عن أَبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا بُيُوتَكُم قُبُورًا ولا تَجعلوا قَبْري عيدًا وصلوا عَلَىَّ فإنَّ صلاتَكُم تَبْلُغُني حَيْثُ كُنْتُمْ)) فدل الحديث على النهي عن اتخاذ قبره عيدًا وذلك نهي عن تكرار زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، فقبر غيره من باب أَولى، ويلزم من النهي عن الاكثار من الزيارة النهي عن العكوف من باب أَولى.
وأما بالنسبة لعبادة الله عندها فقد نهى عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى البخاري ومسلم عن أَبي هريرة رضي الله عنه أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قاتلَ الله الْيهودَ والنَّصارى اتخذوا قبورَ أَنبيائِهِمْ مساجدَ)) واتخاذها مساجد اما لعبادة الله أو لعبادة غير الله، والعبادة اما أَن تكون في مسجد مبني، أَو لا. وكل ذلك ممنوع.
واما كسوة القبور ووضع الطيب عليها وجعل القروش عندها وتعليق الخرق على الشجر وتطييبها، فان كان ذلك يفعل على سبيل التقرب من أَجل حصول نفع ودفع ضرر منها فهو شرك أَكبر.(1/130)
قال الله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى - وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى) (1) فدلت الآية على أَن الله تعالى أنكر على المشركين ما كانوا يفعلونه عند هذه الأَوثان، وذلك أنهم كانوا يعتقدون حصول البركة بتعظيمها ودعائها والاستعانة بها والاعتماد عليها في حصول ما يرجونه منها ويؤملونه ببركتها وشفاعتها وغير ذلك.
واما إذا كانوا يفعلونه مجردًا عن هذا القصد فهو حرام لأنه وسيلة إلى الشرك، وقد سبق دليله وهو حديث أَبي واقد الليثي.
واما بناءُ الحجرتين على القبرين فلا يجوز، لأَنه وسيلة إلى عبادة صاحب القبر، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فروى مسلم في صحيحه بسنده عن جابر رضي الله عنه قال: ((نَهَى رسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم أَن يُجَصَّص الْقبرُ وأَن يقعد عليه وأَن يبنى عليه)) .
وأَما الذبح الذي يوجد أَثره في داخل الحجرتين فلا يخلو من أَمرين: أَحدهما أَن يكون لله. والثاني: أَن يكون لصاحب القبر. فإن كان لله فهو معصية ولا يجوز، لأنه وسيلة إلى الذبح لصاحب القبر والوسائل لها حكم الغايات في المنع، وقد نهى عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى أَبو داود في سننه باسناده على شرط الشيخين عن ثابت بن الضحاك قال: ((نذر رجل أَن ينحر ابلاً ببوانة فسأَل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((هَلْ كانَ فيها وثنٌ من أَوثانِ الْجاهليةِ يُعبدُ، قالوا لا. قال فهلْ كان فيها عيدٌ من أَعيادِهم؟ قالوا لا. قال فأَوفِ بنذركَ، فانه لا وفاءَ لنذرٍ في معصيةِ
_________
(1) سورة النجم 19، 20.(1/131)
الله ولا فيما لايملك ابن آدمَ)) .. فقوله صلى الله عليه وسلم: ((أَوفِ بنذركَ)) يدل على أَن الذبح لله في المكان الذي يذبح فيه المشركون لغير الله معصية.
وأما إذا كان لصاحب القبر فهو شرك أَكبر قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (1) فدلت الآية على أَن الذبح إنما يكون لله وحده، فمن ذبح لغير الله فهو مشرك كافر.
وأما المسجدان المبنيان في داخل احدى المقابر ويصلى فيهما فكل ذلك حرام. أَما تحريم بناء المسجدين فلما رواه مالك في الموطأ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال: ((اللهُم لا تَجعَل قبري وثنًا يُعبدُ، اشتَدَّ غضبُ اللهِ على قومٍ اتَّخذوا قُبورَ أَنبيائهم مَسَاجدَ)) وروى الامام أَحمد في المسند وأَبو حاتم ابن حيان في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إِنَّ من شِرَارِ الناسِ من تُدرِكُهُمْ السَّاعةُ وهمْ أَحياءٌ ومن يتخذُ الْقبورَ مساجدَ)) واتخاذها مساجد يكون بالصلاة عندها وبناءِ المساجد عليها وعندها وكل ذلك لا يجوز.
وأَما الصلاة فيها فان كانت لله فلا تجوز، لأَنها وسيلة إلى الشرك وقد نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فروى مسلم في صحيحه عن أَبي مرثد الغنوي أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها)) وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: ((نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المقبرة))
_________
(1) سورة الأَنعام 162، 163.(1/132)
رواه أَبو حام في صحيحه. وفي سنن أَبي داود عن علي رضي الله عنه قال: ((إِنَّ خليلي نَهَاني أَن أُصلي في الْمقبرة، ونهاني أَن أُصلي في أَرضِ باببل)) .
وإن كانت الصلاة لغير الله فهي شرك أَكبر قال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (1) فدلت الآية أَن الله أَمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أَن يصلي ويذبح نسكه لله وحده، عكس ما عليه المشركون، فانهم كانوا يصلون وينسكون للأَوثان، فمن صرف شيئًا من حقوق الله لغيره فهو مشرك كافر.
إذا علم ذلك فالواجب عليكم عمل ما يلزم لهدم المسجدين والحجرتين وقطع الشجر وإزالة المنكرات على القبور، ومنع الناس عن الذبح والصلاة والعكوف في المقابر، وبينوا للناس على سبيل الوعظ والارشاد التوحيد وما يتعلق به. بارك الله فيكم ووفقكم، وزادكم حرصًا على ما فيه الخير والسلام عليكم.
(ص-ف-726-1 في 8-4-1380هـ) . ... مفتي الديار السعودية
(64- مجرد العكوف. ومجرد التمسح)
س: - مجرد العكوف على القبور هل هو شرك، أَم لا؟.
ج: - هو عبادة إذا صار يعتقد أنه فضيلة وعمل صالح، ووسيلة إلى عبادة أَكبر منه، فانه أدنى مراتب عبادة صاحب القبر، ويجر إلى عبادته من دون الله فهو شرك. وكذلك التبرك مثل المسح. هذا نوع شرك خفي، فانه عبادة ووسيلة إلى شرك وذريعة إليه. ... (تقرير) (2)
_________
(1) سورة الكوثر 2.
(2) قلت: وتقدم حكم التمسح بجدران الكعبة قريبًا.(1/133)
(65- يوسف وشمسان وتاج المذكورين في كشف الشبهات)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم عبد الحي بن حسن كمال ... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إلي كتابكم الذي تسأَلون فيه عن مسأَلتين: الأُولى عن ما جاءَ في ((كشف الشبهات)) (1) من ذكر يوسف وشمسان وتاج، وتسأَلون هل هي معتقدات، وهل هي أَسماءُ مواضع، أَو أَسماءُ أَشخاص. وعن تاريخ كل منها، ومن هم الذين كانوا يعتقدون فيها - (الثانية) كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يسم ابل الصدقة وهل له وسم خاص وفي أَي موضع كان يسم الابل.
والجواب عن المسأَلة الأولى هو أَن يوسف وشمسان وتاج أسماءُ أُناس كفرة طواغيت، وليست أَسماءَ مواضع. فأَما تاج فهو من أَهل الخرج تصرف إليه النذور ويدعى ويعتقد فيه النفع والضر، وكان يأْتي إلى أَهل الدرعية من بلده الخرج لتحصيل ماله من النذور، وقد كان يخافه كثير من الناس الذين يعتقدون فيه. وله أَعوان وحاشية لا يتعرض لهم بمكروه، بل يدعى فيهم الدعاوي الكاذبة، وتنسب اليهم الحكايات القبيحة. ومما ينسب إلى تاج أَنه أَعمى ويأتي من بلده الخرج من غير قائد يقوده.
واما شمسان فالذي يظهر من رسائل امام الدعوة رحمه الله أنه لا يبعد عن العارض، وله أَولاد يعتقد فيهم. (2) .
_________
(1) للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
(2) أنظر رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لعبد الله بن سحيم في تاريخ ابن غنام (ص210، 333، 343 مطبعة المدني) .(1/134)
وأما يوسف فقد كان على قبره وثن يعتقد فيه، ويظهر أَن قبره في الكويت أَو الأحساء كما يفهم من بعض رسائل الشيخ رحمه الله.
أَما تاريخ وجودهم فهو قريب من عصر امام الدعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله، وقد ذكرهم في كثير من رسائله، لأَنهم من أَشهر الطواغيت التي يعتقد فيها أَهل نجد وما يقاربها، وكانوا يعتقدون فيهم الولاية، ويصرفون لهم شيئًا من العبادة، وينذرون لهم النذور، ويرجون بذلك نظير ما يرجوه عباد الَّلات والعزى. (1) . ... (ص-ف219 في 17-5-1375هـ)
(66- وضع الزهور على القبور، وزيارة قبر الكافر مع أَهل البدعة والشرك)
س: - هل يجوز للمسلم أَن يضع الزهور على قبر كافر؟
ج: - لأَي شيء يزور؟ ولأَي شيء يزور معهم؟! وإذا زار اعتبارًا لا يزور مع أَهل البدعة والشرك ولا سيما وهو يقول جبرًا لخواطرهم. يزور الزيارة البدعية الشركية؟!! (2) .
ثم وضع الزهور الذي لا يدري فعل ما لا يجوز. والذي يدري قد يكون منه تعظيم للقبور قد يكون من التقريب للمقبور فانه محتمل أَن يكون في حالة يصل إلى القربان للميت فيكون شركًا، فانه اكرام للميت وتعظيم له لأَجل أَي شيء؟ الأَصل في تعظيمه رجاءَ شفاعته فهو يقصد ثوابًا من أَجل تعظيم الأَموات. فالتحريم ظاهر. أَما وصوله إلى وثنية فيحتمل، والجهل يختلف قوة وضعفًا. ... (تقرير)
_________
(1) ويأتي الجواب عن وسم ابل الصدقة في الزكاة.
(2) قلت: ويفهم من هذا أنه لا ينبغي مصاحبة أَهل الشرك والبدعة في زيارتهم قبور المسلمين.(1/135)
(67- إزالة البناء الذي أُقيم على قبر خديجة وترميمات القبور المجاورة له)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الفضيلة الرئيس العام لهيئة الأَمر بالمعروف بالمنطقة الغربية ... الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
تبلغنا بصورة الخطاب المرفوع من فضيلتكم إلى أَمين العاصمة برقم 4080 وتاريخ 15-10-1385 بشأْن (1) البناءِ الذي أُقيم على قبر أُم المؤمنين خديجة رضي الله عنها. وبعض القبور المجاورة له. وعمل هذا عمل طيب فيه ردع لكل من تسول له نفسه الاخلال بالشرع وعدم الوقوف عند نواهيه.
نأْمل إفادتنا سريعًا بمضمون رد أمانة العاصمة. وهل أزيل البناء أَم لا. هذا والله يحفظكم.
(ص-ف 3243-1 في 22-11-1385هـ)
(68- مصادرة صور لضريح عبد القادر الجيلاني ولجبريل والبراق)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أَمير منطقة الرياض ... الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فانه يوجد في السوق نساء هنديات وأَرمنيات يبعن صورًا في قزاز، ومن بين تلك الصور صور مزعومة لجبريل عليه السلام، وللبراق الذي اسري برسول الله صلى الله عليه وسلم فوقه، وافضع
_________
(1) إزالة.(1/136)
من ذلك صور معابد وثنية فيها دعوة صريحة إلى الشرك كصورة لضريح عبد القادر الجيلاني، ومكتوب فيها كلمة طلب الغوث منه. والحقيقة ان هذه الأُمور تجب المبادرة في تطهير البلاد منها واقتلاع جذورها.
فنأْمل أَن تأْمروا على الشرطة بأَن تقوم بمصادرة جميع هذه الصور التي تباع في الأسواق علنًا، وأن يشترك في ذلك اثنان من الاخوان المتطوعين نختارهما، ويؤخذ التعهد اللازم عليهن عن العودة لبيع هذه الصور. وفي طي هذا ثلاث صور: واحدة لضريح عبد القادر الجيلاني، والثانية للبراق، والثالثة لجبريل عليه السلام، ليطلع سموكم عليها. حفظكم الله وتولاكم.
(ص-م 2576 في 15-6-1382هـ) .
(69- إزالة روائح الشرك عن قبر الرسول)
((تعبير رؤيا))
جلالة الملك المعظم أَيده الله ... (برقية)
اطلعت على ما نشر في جريدة البلاد السعودية بعددها الصادر يوم الخميس واحد الجاري من خبر الثلاثة الذين أدعوا أَنهم رأَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب ابلاغ جلالتكم أن تمنعوا الأَذى والروائح الكريهة عن حجرته النبوية وعن مسجده الحرام في المدينة. ولا شك أَن هذه المرائي الثلاث إن صحت فان هذا الأَذى وهذه الروائح الكريهة هي روائح الشرك وأذاه. وفقكم الله لقطع دابر كل فساد. والله يحفظكم. محمد بن إبراهيم
(ص/م 246 في 3/3/1374هـ) (1)
_________
(1) وله رسالة في الزيارة الرجبية في صلاة العيدين (بتاريخ 29/1/1375هـ) وفيها المنع من اتخاذ قبره صلى الله عليه وسلم عيدًا.(1/137)
(70- رفض طلب الدمشقي السماح له بنسج ستار حريري للحجرة مقابل اعطائه الستارة القديمة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم رئيس ديوان جلالة الملك ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جوابًا لخطابكم رقم 15-1-1523 وتاريخ 12-4-1377هـ بشأْن طلب محمد سعدالله الحريري صاحب محل المنسوجات الوطنية بدمشق السماح له بنسج ستار حريري للحجرة النبوية مقابل اعطائه الستار القديم الموجود حاليًا.
أفيدكم أَنه قد جرى الاطلاع على هذا الطلب، وطلب جلالة الملك حفظه الله بيان الحكم الشرعي في ذلك. وأوضح لكم أَنه لا يسوغ لجلالته اعطاءُ هذا الرجل مطلوبه، لكونه أَمرًا قد حظره الشرع.
والذي حدا هذا الرجل على هذا الطلب هو مزيد الغلو الذي استولى على قلوب الخرافيين، وذلك من ناحيتين:
أحداهما: - طلبه ما لا يجوز من كسوة الحجرة النبوية الذي لم يفعله الصدر الأَول من هذه الأُمة، لمعرفتهم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو في القبور من تطييبها وتبخيرها وغير ذلك من أَنواع الغلو فيها، كما يدخل فيه كسوتها، وقد أَبدى النبي صلى الله عليه وسلم وأَعاد في النهي عن الغلو في القبور عمومًا وفي قبره صلى الله عليه وسلم خصوصًا. وهؤلاء الغلاة ظنوا أن ذلك مما يحبه صلى الله عليه وسلم فاستفتوا قلوبهم فقط، وحكموا(1/138)
آراءهم فيما تباشر به حجرته صلى الله عليه وسلم، ولم يحكموه هو صلى الله عليه وسلم، فكما أَن تحكيمه صلى الله عليه وسلم في الأمور الدينية كافة واجب بل لا يتم الإيمان إلا به، فتحكيمه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بضريحه وحجرته آكد أَنواع تحكيمه.
الناحية الأُخرى- طلب هذا الرجل الكسوة القديمة ليتبرك بها التبرك الشركي من ناحية، ومن ناحية أُخرى يريد أَن يأْخذ فيها المبالغ الطائلة من الأَثمان التي يبذلها الخرافيون والوثنيون في مثل هذا فإنا لله وإنا إليه راجعون. وعقيدة جلالة الملك حفظه الله، وتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم لديه بامتثال أَوامره صلى الله عليه وسلم واجتناب نواهيه هو الأَمر الذي درج عليه جلالته، ودرج عليه سلفه وسلفنا الصالح لا تأْخذه في ذلك لومة لائم.
فيتعين رفض طلب هذا الرجل، والتمسك بالمحافظة على ما يحبه النبي صلى الله عليه وسلم مما تقتضيه أصول الدين وقواعده العظام وتنطق به صرائح السنن الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم.
أَيد الله جلالة الملك بالحق، وحفظ به السنة المطهرة، ودفع به زيغ الزائغين، وقمع به كيد المبتدعين. والسلام عليكم.
(ص-م-622 في 22-5-1377)
(71- حكم وضع الستارة عليها)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد:
فبناءً على استفتاء حضرة صاحب الجلالة الملك سعود بن عبد العزيز المعظم أعزه الله بطاعته، ونصر به دينه وكتابه، وحمى به سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: عن حكم الشرع(1/139)
المطهر في وضع الستائر على الشبابيك الحديدة المحيطة بالحجرة النبوية الشريفة. ويسأَل جلالته وفقه الله - وهو السياق إلى فعل الخيرات، والمبادر دائمًا إلى نيل المكرمات - عما إذا كان الشرع الشريف يبيح ذلك، لذلك عقدنا نحن الموقعين أدناه من طلبة العلم المجتمعين حاليًا بمكة المكرمة زادها الله تشريفًا وتعظيمًا مجلسًا في ليلة الأَربعاء الموافق 4-12-1381هـ بدار سماحة مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم وباشتراك سماحته للبحث والمذاكرة وتداول الرأْي حول هذا الاستفتاء على ضوء النصوص الشرعية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أَصحاب رسول الله والتابعون لهم باحسان والسلف الصالحون من هذه الأمة الاسلامية الذين كانوا أَبر الناس قلوبًا وأَعمقهم علمًا، واقلهم تكلفًا، واعلمهم بقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأَكثرهم به تأَسيًا واقتداءً، واعظمهم له محبة وتعظيمًا.
وبعد المذاكرة ومراجعة النصوص من الكتاب والسنة وقواعد الشريعة المطهرة المبنية على تحقيق المصالح ودرء المفاسد، والقاضية بحماية حمى التوحيد والعقيدة الاسلامية من كل مظهر من مظاهر الشرك وكل اثر من آثار الجاهلية، قد حصل الاتفاق من جميع الحاضرين في هذا المجلس على تقرير ما يأتي:
1- لا ريب أن الله سبحانه بعث رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأَنزل عليه كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وأنه يجب على كل مسلم ومسلمة طاعة هذا الرسول الكريم ظاهرًا وباطنًا، ومحبته صلى الله عليه وسلم محبة كاملة،(1/140)
حتى يكون أحب إلى المسلم من نفسه وأَهله وماله وولده ووالده والناس أَجمعين، وان يعلم أَنه لا طريق إلى الله إلا بمتابعته، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يؤْمنُ أَحدُكُم حتى يكونَ هواه تبَعًا لِما جئتُ به)) وان محبته صلى الله عليه وسلم انما تكون باتباع ما شرع، لا بالأَهواء والبدع، كما قال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (1) وهو صلى الله عليه وسلم قد بيَّن لأُمته الحق والباطل وطريق الهدى والضلال وترك أُمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
2- ان جلالة الملك حفظه الله وهو ولي أَمر المسلمين اليوم هو أَولى الناس بنصر دين الإسلام وما جاءَ به الرسول عليه السلام، وازالة ما يخالف ذلك، وهو خير من تعلق عليه الآمال بعد الله في رفع راية السنة المطهرة والجهاد في سبيل اعلاء شأْن هذا الدين حتى تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، لا تلين قناته في ذلك، ولا تأْخذه في الله لومة لائم، وقد قام جلالته وفقه الله بالحظ الوافر في هذا السبيل، ولا يزال قائمًا إن شاء الله بنصرة هذا الدين ينفي عنه تحريف المبطلبين وانتحال الزائغين والملحدين ونسأَل الله لنا وله المزيد من التوفيق والتأْييد والسداد.
3- ان الغلو في قبور الأَنبياءِ والصالحين واتخاذها مساجد وتشييد القباب والأَبنية واقامة الأَضرحة وتعليق الستور المزركشة عليها واسراجها بالشموع والأضواء كل ذلك من مظاهر الشرك وآثار الجاهلية التي لا يقرها الاسلام ولا تتفق مع أَحكام شريعته المطهرة، ولذلك بالغ رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه في انكار ذلك
_________
(1) سورة آل عمران 31.(1/141)
والتحذير منه أَشد المبالغة، لئلا يفضي الأمر بهذه الأمة إلى اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين أَوثانًا تعبد من دون الله. فروى الإمام مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الهم لا تجعل قبري وثنًا يعبدُ، أَشْتدَّ غضبُ اللهِ على قومٍ اتَّخذوا قُبورَ أَنبيَائِهِمْ مَسَاجد)) .
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أَن أُم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأَتها بأَرض الحبشة وما فيها من الصور فقال: ((أَولئك إذا مَاتَ فيهم الرَّجُلُ الصالحُ أَوْ العبدُ الصالحُ بَنواْ عَلَى قبرهِ مسجدًا وصوروا فيه تلك الصورْ أَولئك شِرارُ الخلقِ عند اللهِ)) ولهما عن عائشة رضي الله عنها أَيضًا قالت: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فاذا اغتتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: ((لعنةُ الله على الْيهود والنصارى اتَّخذوا قبورَ أَنبيائهمْ مساجدَ. يحذرُ مَا صنعوا، ولولا ذلكَ أُبرزَ قبره غير أَنه خُشيَ أَن يتخذَ مسجدا)) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذينَ عليها المساجدَ والسُّرج)) رواه أَهل السنن، وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تؤخذ منها العبرة العظيمة في مبالغته صلى الله عليه وسلم في النهي والتحذير من الوقوع في الغلو الذي وقعت فيه الأمم السابقة، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تُطْرُونيْ كما أَطرتِ النصارى ابنَ مريم، إِنَّما أَنا عبدٌ فقولوا عبدُ اللهِ ورسوله)) (1) وكما قال أيضًا: ((إياكم والغلو فإنما أَهلك
_________
(1) متفق عليه.(1/142)
من كان قبلكم الغلوُّ)) (1) . وما هذه المبالغة منه صلى الله عليه وسلم في التحذير والتنفير من الغلو والاطراءِ إلا حماية منه لجانب توحيد الله تعالى، وسدًا لكل ذريعة أَو وسيلة توصل إلى الشرك بالله وصدق الله تعالى إذ يقول: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (2) .
4- ان تغشية قبور الأَنبياء والصالحين وتعليق هذه الستور على حيطانها هو بدعة شنيعة منكرة باتفاق الأَئمة، لم تكن موجودة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد خلفائه الراشدين ولا في عهد الصحابة والتابعين، ولم يؤثر فيها شيء عن أئمة المسلمين لا الأَئمة الأَربعة ولا غيرهم. وهم على كشفها كانوا أَقوى، وبالفضل لو كان فيها أَحرى، وإنما وجدت هذه البدعة أَول ما وجدت في أَثناء القرن السادس من فعل بعض السلاطين، وقد نص أَهل العلم على انكارها وتحريمها حالما وجدت.
5- قال في ((الاقناع)) : وتغشية قبور الأَنبياءِ والصالحين - أَي سترها بغاشية - ليس مشروعًا في الدين. قاله الشيخ. وقال في موضع آخر في كسوة القبر بالثياب: اتفق الأئمة على أَن هذا منكر إذا فعل بقبور الأَنبياءِ والصالحين فكيف بغيرهم. ويعني بقوله قاله الشيخ. شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله المتوفى سنة 728هـ.
وقال محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله في كتابه المسمى ((تطهير الاعتقاد)) : فان هذه القباب والمشاهد التي صارت أَعظم
_________
(1) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
(2) سورة التوبة 128.(1/143)
ذريعة إلى الشرك والالحاد، وأَكبر وسيلة إلى هدم الإسلام وخراب بنيانه، غالب بل كل من يعمرها هم الملوك والسلاطين والرؤساء والولاة أَما على قريب لهم أَو على من يحسنون الظن فيه من فاضل أَو عالم أَو صوفي أَو فقير أَو شيخ كبير، ويزوره الناس الذين يعرفونه زيارة الأَموات من دون توسل ولا هتف باسمه بل يدعون له ويستغفرون حتى ينقرض من يعرفه أَو أَكثرهم، فيأتي من بعدهم فيجد قبرًا قد شيد عليه البناءُ، واسرجت عليه الشموع، وفرش بالفراش الفاخر، وارخيت عليه الستور، والقيت عليه الأَوراد والزهور فيعتقد أَن ذلك لنفع أَو دفع ضرر، وتأتيه السدنة يكذبون على الميت بأنه فعل وفعل وانزل بفلان الضر وبفلان النفع حتى يغرسوا في جبلته كل باطل، والأَمر ما ثبت في الأَحاديث النبوية من لعن من أَسرج على القبور وكتب عليها وبنى عليها وأحاديث ذلك واسعة معروفة، فان ذلك في نفسه منهي عنه، ثم هو ذريعة إلى مفسدة عظيمة.
وحيث الأَمر ما ذكر عاليه فاننا نقرر بالاتفاق أَن وضع الستائر على الشبابيك المحيطة بالحجرة الشريفة غير سائغ شرعًا، لما تقدم ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أَحدَثَ في أَمرِنَا هَذَا مَا ليسَ منه فهوَ ردٌ)) (1) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وإياكم ومحدثاتِ الأُمور فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ وكلَّ بدعةٍ ضلالة)) (2)
وعلى هذا حصل التوقيع والله حسبنا هو مولانا نعم المولى ونعم النصير.
تحريرًا في 12-1381هـ
_________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه أَبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.(1/144)
عبد الله بن حميد ... عبد العزيز بن باز ... عبد الملك بن إبراهيم
عبد اللطيف بن إبراهيم ... محمد بن إبراهيم ... محضار عقيل
محمد الحركان ... عبد العزيز بن صالح ... عبد الله بن دهيش
عبد الله بن جاسر ... يحي أَمان. (1)
(72- فتوى ثانية)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز ... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
بلغني الأَمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ محمد سرور الصبان استفتاءَكم حول الاقتراح المرفق الذي يتضمن التماس صاحب الاقتراح المذكور تركيب الستائر الجديدة للحجرة النبوية على ساكنها أَفضل الصلاة والسلام بدلاً من الستائر القديمة التي قد نزعت (منذ سنوات) .
وتعلمون حفظكم الله أن الله سبحانه وتعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وانزل عليه كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وأنه يجب على كل مسلم ومسلمة طاعة هذا الرسول الكريم ظاهرًا وباطنًا، ومحبته صلى الله عليه وسلم محبة كاملة حتى يكون أَحب إلى المسلم من أَهله وماله وولده ووالده والناس أَجمعين، وأن يعلم أنه لا طريق إلى الله الا بمتابعته، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أَحدكم حتى يكونَ هواهُ
_________
(1) هذه الفتوى والتي بعدها وجدتها في ملفات دار الافتاء.(1/145)
تبعًا لما جئت بهِ)) وان محبته عليه الصلاة والسلام إنما تكون باتباع ما شرع لا بالأهواءِ والبدع كما قال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (1)
وهو صلى الله عليه وسلم قد بين لأمته الحق والباطل وطريق الهدى والضلال، وترك أُمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك.
وأنتم إن شاء الله أَولى الناس بنصر دين الإسلام، وإزالة ما يخالف ما جاءَ به المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأنتم خير من نعلق عليه الآمال بعد الله فلي رفع راية السنة المطهرة والجهاد في سبيل اعلاء كلمة الدين حتى تكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر ويكون الدين كله لله.
يا جلالة الملك: ان الغلو في قبور الأَنبياء والصالحين واتخاذها مساجد وتشييد القباب والأَبنية واقامة الأَضرحة وتعليق الستور المزركشة عليها وإسراجها بالشموع والأَضواء كل ذلك من مظاهر الشرك وآثار الجاهلية التي لا يقرها الاسلام ولا تتفق مع أَحكام شريعته المطهرة، ولذلك بالغ رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في انكار ذلك والتحذير منه أَشد المبالغة، لئلا يفضي الأَمر بهذه الأُمة إلى اتخاذ قبور الأَنبياءِ والصالحين أَوثانًا تعبد من دون الله.
فروى الإمام مالك رحمه الله في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهمَّ لا تَجْعلْ قبري وثنًا يُعبدُ. اشْتدَّ غضب اللهِ على قومٍ اتَّخذوا قُبورَ أَنْبيائهمْ مَسَاجِدَ)) وفي الصحيحين
_________
(1) سورة آل عمران 31.(1/146)
عن عائشة رضي الله عنها أن أَم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأَتها بأَرض الحبشة وما فيها من الصور فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أُولئك إذا ماتَ فيهمُ الرَّجلُ الصَّالحُ أَوْ الْعبدُ الصَّالحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تلكَ الصُّور أُولئكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِندَ اللهِ)) . ولهما عن عائشة رضي الله عنها أَيضًا قالت: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فاذا اغتنم بها كشفها فقال وهو كذلك: ((لَعْنَةُ اللهِ على الْيَهُودِ والنَّصارى اتَّخذُوا قُبورَ أَنبيائهمْ مَسَاجِدَ)) يحذر ما صنعوا ولولا ذلك ابرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ((لعَنَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ زَائراتِ الْقبور والْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ والسُّرُجَ)) رواه أَهل السنن، وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تؤخذ منها العبرة العظيمة في مبالغته صلى الله عليه وسلم في النهي والتحذير من الوقوع في الغلو الذي وقعت فيه الأمم السابقة كما قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تُطْرُوني كَمَا أَطرَتِ النَّصارى ابنَ مَرْيَم إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا عَبْدُ اللهِ ورَسُولُه)) وكما قال أيضًا: ((إِيَّاكُمْ والْغُلُوَّ فإنَّمَا أَهلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ)) ..
وهذه المبالغة منه صلى الله عليه وسلم في التحذير والتنفير من الغلو والاطراء حماية منه لجناب التوحيد وسدًا لكل ذريعة أَو وسيلة توصل إلى الشرك بالله، وصدق الله اذ يقول: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) .(1/147)
يا جلالة الملك ان تغشية قبور الأَنبياء والصالحين وتعليق الستور على حيطانها بدعة شنيعة منكرة باتفاق الأَئمة، ولم تكن موجودة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في عهد خلفائه الراشدين ولا في عهد الصحابة والتابعين، ولم يؤثر فيها شيءٌ عن أَئمة المسلمين لا الأَئمة الأَربعة ولا غيرهم، وهم على كشفها كانوا أَقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، وإنما وجدت هذه البدعة أَول ما وجدت في أَثناءِ القرن السادس من فعل بعض السلاطين، وقد نص أَهل العلم على انكارها وتحريمها حال ما وجدت.
قال في ((الاقناع)) : وتغشية قبور الأَنبياء والصالحين -أَي سترها بغاشية- ليس مشروعًا في الدين قاله الشيخ - يعني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. وقال في موضع آخر في كسوة القبر بالثياب: اتفق الأَئمة على أَن هذا منكر إذا فعل بقبور الأَنبياء والصالحين فكيف بغيرهم.
وقال محمد إسماعيل الصنعاني رحمه الله في كتابه ((تطهير الاعتقاد)) : فان هذه القباب والمشاهد التي صارت أَعظم ذريعة إلى الشرك والالحاد، وأَكبر وسيلة إلى هدم الإسلام وخراب بنيانه غالبًا بل كل من يعمرها هم الملوك أَو السلاطين أَو الرؤساءُ والولاة، إما على قريب لهم، أَو على من يحسنون الظن فيه من فاضل أَو عالم أَو صوفي أَو فقير أَو شيخ كبير، ويزوره الناس الذين يعرفونه زيارة الأَموات من دون توسل ولا هتف باسمه، بل يدعون له ويستغفرون، حتى ينقرض من يعرفه أَو أَكثرهم، فيأْتي من بعدهم فيجد قبرًا قد شيد عليه البناءُ واسرجت عليه الشموع وفرش بالفراش الفاخر، وارخيت عليه الستور، والقيت عليه الأَوراد والزهور، فيعتقد أن ذلك لنفع أَو دفع ضرر، وتأْتيه(1/148)
السدنة يكذبون على الميت بأنه فعل وفعل وانزل بفلان النفع وبفلان الضر حتى يغرسوا في جبلته كل باطل. والأمر ما ثبت في الأَحاديث النبوية من لعن من أسرج على القبور وكتب عليها وبنى عليها، وأَحاديث ذلك واسعة معروفة، فان ذلك في نفسه منهي عنه، ثم هو ذريعة إلى مفسدة عظيمة. اهـ.
وحيث أَن الأَمر ما ذكر فإننا نرى أَن وضع الستائر على الشبابيك المحيطة بالحجرة الشريفة غير سائغ شرعًا، لما تقدم، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَحدَثَ في أَمرِنا هذا ما ليسَ منهُ فَهُوَ رَدٌّ)) وقوله عليه الصلاة والسلام: ((وإياكُم ومُحْدَثَاتِ الأُمورِ فإِنَّ كُلَّ محدثة بِدْعَة وكلَّ بدعةٍ ضلالَةٌ)) .
هذا وقد استفتي علماءُ هذه البلاد في عام (1) واصدروا فيها فتوى بمعنى ما ذكرنا. والله يحفظكم. (1385هـ) .
(سؤال أخير)
أَدام الله وجودك
من قبل الستارة التي في الحجرة النبوية، هذه كثر علينا الاعتراضات والانتقادات في وضعها الحالي، ولا شك أَن بقاءَها بهذه الصورة مخجل، وتركها بدون وضع بدلها تحدث ضجة ومفسدة نحن في غنى عنها، ونحن محتارين في وضع ستارة بدلها وهي موجودة. فنرجو امعان النظر فيما يسد علينا باب الاعتراض ويمنع المضرة عن سمعة الحكومة.
أَجاب الشيخ محمد بن إبراهيم على هذا بما خلاصته: -
_________
(1) بياض بالأصل. والاستفتاء المشار إليه هو الذي قبلها في 12/1381هـ.(1/149)
بعد تأمل قليل، قال: ليس لدينا في هذا الأَمر إلا المنع، وأن الدلائل عن الله وعن رسوله لا تجيز ذلك، ولقد سبق أَن سأَل الملك عبد العزيز عليه رحمة الله عن هذا فأَجبناه بهذا الجواب. ولا يمكن أَن يرد على هذا سكوت العلماء أيام الدرعية عن الستارة التي كانت موجودة، وذلك كان شيئًا موجودًا وعارضًا، ولكن رفع شيء موجود واحداث شيء جديد هذا لا نرى له مسوغًا شرعيًا. (1)
(ضمن ملف الديوان) .
(التوسل)
س: - توسل بني إسرائيل بالتابوت؟
ج:0 أَولاً يحتاج لثبوت ذلك. إن كان غير ثابت فرغنا من مؤونته. وإن كان ثابتًا فيمكن أَن يكون في شرعهم وشرعنا جاءَ بجنس خلاف ذلك، بل جاء شرعنا من تحقيق التوحيد بأَبلغ من ذلك، فإِن الشريعة المحمدية هي الحنيفية، ففيها من البعد عن وسائل الشرك ما ليس في غيرها، فكان في شرع من قبلنا سجود التحية وهذا ليس في شريعتنا. فإذا ثبت أَن الذي يذكره المفسرون في قصة التابوت أنهم يحملون التابوت لينصروا - فليس حجة لنا. ... (تقرير) .
(75- ص: بحق صلاة على النبي ونحو ذلك)
ج: - هذا ليس دعاءً شرعيًا ولا يجوز ولا يصلح، وكذلك بحق صلاة على محمد. ليس مشروعًا بكل حال.
وأبلغ منه: بحق صلاة جامعة وملائكة سامعة. وهذا حق مخلوق في ملائكته. (تقرير على التوسل والوسيلة لابن تيمية) .
_________
(1) قلت: ويأتي جواب اقتراح تغطية الحاجز الحديدي لمقام إبراهيم بالسلك النايلون في (باب دخول مكة) برقم (841 في 18/10/67) .(1/150)
(الغلو في الآثار)
(76- س: - الأمكنة التي صلى النبي لأهلها فيها إذا استجد مسجد أو في بيوتهم هل يشرع أَن يقصدها للصلاة من يأتي للمدينة)
ج: - لا. ولا يقصده حتى جيرانه أَبدًا. وكذلك الذي صلى لأَهله فيه يصلى فيه من كان يصلي زمنه ومن كان حوله الآن، ولا يقصد. والنبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته مساجد فيها كفاية عن تتبع هذه المساجد وهي الثلاثة، وفيها الأَفضلية. ... (تقرير) .
(77- دار الأرقم، ومسجد الحديبية)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة الأستاذ صالح محمد جمال ... رئيس تحرير جريدة الندوة ... وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فقد وجهت جريدة الندوة ف عددها الصادر 20 رمضان 1383هـ استفتاء إلى دار الافتاءِ بمناسبة تسليم دار الأرقم للرئاسة العامة لهيئات الأَمر بالمعروف عن أَمرين:
أحدهما: هل هناك مانع من أَن تكتب عليها عبارة ((دار الأَرقم بن أَبي الأَرقم)) تخليدًا لهذا الأَثر؟ وهل هناك مانع ديني من اتخاذها مكتبة أَو متحفًا أَو مدرسة ثم السماح للحجاج والزوار للبلاد المقدسة بزيارتها كدار ساهمت في نشر الدعوة الإسلامية في أَحلك الظروف التي مرت بها.
السؤال الثاني: لما أُزيل أَثر مسجد البيعة من الحديبية ((الشميسي)) وهل هناك مانع ديني من الاحتفاظ به كمأثر شهد بيعة كان لها أَكبر الأَثر في رفع راية الإسلام؟
هذا ما وجهته جريدة الندوة وتحته توقيع ((طالب علم)) .(1/151)
الجواب: - أَما اتخاذ ((دار الأَرقم بن أَبي الأَرقم)) مزارًا للوافدين إلى البيت الحرام يتبركون به بأَي وسيلة كان ذلك، سواءٌ كانت اعلان كتابة دار الأَرقم عليها وفتحها للزيارة، أَو اتخاذها مكتبة أَو متحفًا أَو مدرسة: فهذا أَمر لم يسبق إليه الصحابة الذين هم أَعلم بما حصل في هذه الدار من الدعوة إلى الإسلام والاستجابة لها، بل كانوا يعتبرونها دارًا للأَرقم له التصرف فيها شأْن غيرها من الدور، وكان الأَرقم نفسه يرى هذا الرأْي حتى إنه تصدق بها على أَولاده، فكانوا يسكنون فيها ويؤجرون ويأْخذون عليها حتى انتقلت إلى أَبي جعفر المنصور، ثم سلمها المهدي للخيزران التي عرفت بها، ثم صارت لغيرها. يتبين هذا كله مما رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى، عن شيخه محمد بن عمر، قال: أَخبرنا محمد بن عمران بن هند بن عبد الله بن عثمان بن الأَرقم بن أَبي الأَرقم المخزومي، قال: أَخبرني أَبي، عن يحيى بن عمران بن عثمان بن الأَرقم، قال: سمعت جدي عثمان بن الأَرقم يقول: أنا ابن سُبُعِ الاسلام، اسلم أَبي سابع سبعة، وكانت داره بمكة على باب الصفا وهي الدار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون فيها في أَول الاسلام، فيها دعا الناس إلى الإسلام وأَسلم فيها قوم كثير، وقال: ليلة الاثنين فيها ((اللَّهُمَّ أَعزَّ الإسلامَ بأَحبِ الرَّجُلَين إليكَ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ أَوْ عَمْرو بنِ هِشَامٍ)) فجاءَ عمر بن الخطاب من الغد بكرة فأَسلم في دار الأَرقم، وخرجوا منها فكبروا وطافوا بالبيت ظاهرين، ودعيت دار الأَرقم دار الاسلام، وتصدق بها الأَرقم على ولده، فقرأت نسخة صدقة الأَرقم بداره: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما قضى الأَرقم في ربعه ما جاز الصفا أنها محرمة بمكانها من(1/152)
الحرم، لا تباع ولا تورث، شهد هشام بن العاص، وفلان مولى هشام بن العاص. قال: فلم نزل هذه الدار صدقة فيها ولده يسكنون ويؤاجرون ويأْخذون عليها حتى كان زمن أَبي جعفر.
قال: محمد بن عمران فاخبرني أَبي عن يحي بن عمران بن عثمان بن الأَرقم، قال: اني لأَعلم اليوم الذي وقعت في نفس أَبي جعفر إنه ليسعى بين الصفا والمروة في حجة حجها ونحن على ظهر الدار في فسطاط فيمر تحتنا لو أَشاءُ أَن آخذ قلنسوة عليه لأخذتها، وانه لينظر إلينا من حين يهبط بطن الوادي حتى يصعد إلى الصفا، فلما خرج محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة كان عبد الله بن عثمان بن الأَرقم ممن تابعه ولم يخرج معه فتعلق عليه أَبو جعفر بذلك، فكتب إلى عامله بالمدينة أَن يحبسه ويطرحه في حديد، ثم بعث رجلاً من أَهل الكوفة يقال له شهاب بن عبد رب، وكتب معه إلى عامله بالمدينة أَن يفعل ما يأمره به فدخل شهاب على عبد الله بن عثمان الحبس وهو شيخ كبير ابن بضع وثمانين سنة وقد ضجر بالحديد والحبس، فقال له هل لك أَن اخلصك مما أَنت فيه وتبيعني دار الأَرقم، فإن أَمير المؤمنين يريدها، وعسى أَن بعته اياها ان اكلمه فيك فيعفو عنك، قال: انها صدقة، ولكن حقي منها له ومعي فيها شركاءُ اخوتي وغيرهم، فقال: انما عليك نفسك اعطنا حقك وبرئت، فاشهد له بحقه وكتب عليه كتاب شرى على حساب سبعة عشر ألف دينار، ثم تتبع اخوته ففتنتهم كثرة المال فباعوه، فصارت لأبي جعفر ولمن اقطعها، ثم صيرها المهدي للخيزران أم موسى وهارون فبنتها وعرفت بها، ثم صارت لجعفر بن موسى أَمير المؤمنين، ثم سكنها أَصحاب الشطوي(1/153)
والعدني، ثم اشترى عامتها أَو أَكثرها غسان بن عباد من ولد موسى بن جعفر.
قال: واما دار الأَرقم بالمدينة في بني زريق فقطيعة من النبي صلى الله عليه وسلم. هكذا رواه ابن سعد في الطبقات. ورواه الحاكم في ((المستدرك)) من طريق شيخ ابن سعد محمد بن عمر وسكت عنه، ومن طريق الحاكم ذكر الزيلعي في ((نصب الراية)) في كتاب الوقف، والحافظ ابن حجر في (الدراية) قطعة منه، وكذلك في (الاصابة) . إلا أَنه قال: في ((الدراية)) : وهلال مولى هشام. بدل وفلان مولى هشام، وذكر جملة منه ابن جرير الطبري في كتابه ((ذيل المذيل)) من تاريخ الصحابة والتابعين من طريق محمد بن عمر بسنده المذكور.
فمن هذه الرواية تبين أَن كون دار الأَرقم دار إسلام لم يمنع الأَرقم التصرف فيها هو ولا ملاكها بعد، كما يتصرف في غيرها من الدور، ولم يتخذها متبركًا يتبرك به الوافدون إلى بيت الله الحرام، بل كانوا يسكنون فيها ويؤاجرون ويأخذون عليها.
وأول من اتخذ منها مزارًا الخيزران حينما اتخذت القسم الذي يذكر أَنه مختبىء رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأَرقم بن أَبي الأرقم مسجدًا، وهذا المسجد هو الذي ذكره الازرقي في تاريخ مكة وتبعه مَنْ بعدَه، وذكر الفاسي في ((شفاء الغرام)) والنووي ((في الإيضاح)) وصاحب ((الجامع اللطيف)) أَنه المقصود بالزيارة من دار الأَرقم. وعبارة الفاسي: المقصود بالزيارة منها أَي من دار الأَرقم - هو المسجد الذي فيها وهو مشهور من المساجد التي ذكرها الأَزرقي، وذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم كان(1/154)
مختبئًا فيه - أَي في الموضع الذي اتخذ مسجدًا - وفيه أَسلم عمر رضي الله عنه. ويصف لنا الفاسي في ((شفاء الغرام)) مشاهدته ذلك المسجد حين يقول: وطول هذا المسجد ثمانية اذرع إلا قيراطين، وعرضه سبعة أَذرع وثلث، الجميع بذراع الحديد، حرر ذلك بحضوري وفيه مكتوب (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ. رِجَالٌ) .
هذه مختبىء رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الخيزران، وفيه مبتدأُ الإسلام، امرت بتجديده الفقيرة إلى الله مولاة أَمير الملك مفلح سنة ست. وذهب بقية التاريخ. قال الفاسي: وعمره أَيضًا الوزير الجواد، وعمرته مجاورة يقال لها مرة العصماء، وعمر أَيضًا في سنة احدى وعشرين وثمانمائة، والذي أَمر بهذه العمارة لا أَعرفه، والمتولى بصرف النفقة فيها علاءُ الدين علي بن ناصر محمد بن الصارم المعروف بالقائد. اهـ كلام الفاسي.
وعلى كل فعمل الخيزران ليس بحجة، وانما الحجة في عمل الصحابة رضي الله عنهم، وقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية في تفسير ((سورة الاخلاص)) : إِن الصحابة والتابعين لهم باحسان لم يبنوا قط على قبر نبي ولا رجل صالح ولا جعلوه مشهدًا أَو مزارًا ولا على شيء من آثار الأَنبياءِ مثل مكان نزل فيه أَو صلى فيه أَو فعل فيه شيئًا من ذلك. انتهى. (1) .
وتكلم شيخ الاسلام ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) على المزارات التي بمكة غير المشاعر مساجد وغيرها فقال ضمن
_________
(1) جـ17 ص466 مجموع فتاوي ابن تيمية.(1/155)
كلامه على ذلك (ص452) : ما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة غير المسجد الحرام، بل المساجد كلها محدثة مسجد المولد وغيره، ولا شرع لأمته زيارة موضع المولد، ولا زيارة موضع العقبة الذي خلف مني وقد بني هناك مسجد، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أَربع عمر، وحج معه في حجة الوداع جماهير المسلمين لم يتخلف عن الحج معه إلا من شاءَ الله، وهو في ذلك كله لم يأت هو ولا أَحد من أَصحابه غار حراء، ولا شيئًا من البقاع التي حول مكة، ولم يكن هناك إلا بالمسجد الحرام وبين الصفا والمروة ومنى ومزدلفة وعرفات، وصلى الظهر والعصر ببطن عرنة، وضربت له القبة يوم عرفة بنمرة المجاورة لعرفة، وحج بعده خلفاؤه الراشدون فمشوا على تلك الطريقة ما ساروا إلى حراء ونحوه لصلاة فيه.
وقال: في (ص429) : قد ذكر طائفة من المصنفين استحباب زيارة مساجد مكة وما حولها، وكنت كتبتها في منسك كتبته قبل أَن أَحج في أَول عمري لبعض الشيوخ جمعته من كلام العلماء، ثم تبين لي أَن هذا كله من البدع المحدثة التي لا أَصل لها في الشريعة، وأن السابقين الأَولين من المهاجرين والأَنصار لم يفعلوا شيئًا من ذلك، وأن أئمة العلم والهدى ينهون عن ذلك وأن المسجد الحرام هو المسجد الذي شرع لنا قصده للصلاة والدعاء والطواف وغير ذلك من العبادات، ولم يشرع لنا قصد مسجد بعينه بمكة سواه، ولا يصلح أَن يجعل هناك مسجد يزاحمه في شيء من الأَحكام، وما يفعله الرجل في مسجد من تلك المساجد من دعاءٍ وصلاة وغير ذلك اذا فعله في المسجد الحرام كان خيرًا له(1/156)
بل هذا سنة مشروعة، وأما قصد مسجد غيره هناك تحريًا لفضله فبدعة غير مشروعة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في ((منسكه)) : اما زيارة المساجد التي بنيت بمكة غير المسجد الحرام كالمسجد الذي تحت الصفا، وما في سفح أَبي قبيس، ونحو ذلك من المساجد التي بنيت على آثار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كمسجد المولد وغيره فليس قصد شيء من ذلك من السنة، ولا استحبه أَحد من الأَئمة، وانما المشروع اتيان المسجد الحرام خاصة والمشاعر عرفة ومزدلفة والصفا والمروة، وكذلك قصد الجبال والبقاع التي حول مكة غير المشاعر عرفة ومزدلفة ومنى مثل جبل حراء والجبل الذي عند منى الذي يقال أنه كان فيه قبة الفداء ونحو ذلك فانه ليس من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم زيارة شيء من ذلك بل هو بدعة (1) .
وقال في تفسير ((سورة الاخلاص)) : النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل بسمجد بمكة إلا المسجد الحرام ولم يأت للعبادات إلا المشاعر منى ومزدلفة وعرفة، ولهذا كان أئمة العلماء على أَنه لا يستحب أَن يقصد مسجد بمكة لصلاة غير المسجد الحرام ولا تقصد بقعة لزيارة غير المشاعر التي قصدها رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلى أَن قال: وكل مسجد بمكة وما حولها غير المسجد الحرام فهو محدث. اهـ (2) .
ويضاف إلى هذا ما ذكر الشاطبي في ((الاعتصام)) في تتبع الآثار قال: خرج الطحاوي وابن وضاح وغيرهما عن معرور بن
_________
(1) جـ26 ص144 مجموع فتاوي ابن تيمية.
(2) جـ (7) ص477 مجموع فتاوي ابن تيمية.(1/157)
سويد الأسدي، قال وافيت الموسم مع أَمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما انصرفنا إلى المدينة انصرفت معه فلما صلى لنا صلاة الغداة فقرأَ فيها: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) و (لإِيلافِ قُرَيْشٍ) ثم رأَى ناسًا يذهبون مذهبًا فقال: أَين يذهب هؤلاء؟ قال: يأتون مسجدًا ها هنا صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: إنما أهلك من كان قبلكم أنهم يتبعون آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعًا، من أدركته الصلاة في شيء من هذه المساجد التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فليصل، وإلا فلا يتعمدها. ثم قال الشاطبي: قال ابن وضاح: كان مالك بن أَنس وغيره من علماءِ المدينة يكرهون اتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم ما عدا قبا وحده. قال: وسمعتهم يذكرون أَن سفيان دخل مسجد بيت المقدس فصلى فيه ولم يتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها، وكذلك فعل غيره ممن يقتدي به، وقدم وكيع مسجد بيت المقدس فلم يَعْدُ فعل سفيان. قال ابن وضاح: وقد كان مالك يكره كل بدعة وان كانت في خير، وجميع هذا ذريعة لأَن يتخذ سنة ما ليس سنة أَو يعد مشروعًا ما ليس مشروعًا.
وهذا كله على تسليم كون الدار المعروفة اليوم بدار الأَرقم هي دار الأَرقم في الواقع، وفي النفس من ذلك شيء لأَمرين:
أَحدهما: أَن موقع دار الأَرقم حسب ما تقدم في رواية ابن سعد على باب الصفا، وفي تلك الرواية قول يحيى بن عمران بن عثمان بن الأَرقم اني لأَعلم اليوم الذي وقعت - أَي دار الأَرقم - في نفس أَبي جعفر أنه ليسعى بين الصفا والمروة في حجة حجها(1/158)
ونحن على ظهر الدار في فسطاط فيمر تحتنا لو أَشاءُ أَن آخذ قلنسوة عليه لأَخذتها، وأنه لينظر إلينا من حين يهبط بطن الوادي حتى يصعد إلى الصفا. وهذا غير موقع الدار المعروفة اليوم بذلك الاسم. وما في رواية ابن سعد المذكورة موافق لما في تاريخ مكة للأَزرقي ومستدرك الحاكم انها عند الصفا ولما في ((أَسد الغابة)) لابن الأَثير أَنها في أَصل الصفا.
الثاني: ما ذكره ابن كثير في تاريخه ((البداية والنهاية)) في حوادث سنة 173هـ في ترجمة الخيزران، قال: قد اشترت الدار المشهورة فيها بمكة المعروفة بدار الخيزران فزادتها في المسجد الحرام. فان هذا وإن كان بعيدًا ومخالفًا لرواية ابن سعد المتقدمة ولم يذكره الأَزرقي وغيره فإنه مما يشكك في اشتهار الدار الموجودة اليوم باسم ((دار الأَرقم)) في زمن ابن كثير إذ لو كان الأَمر كذلك لما خفي عليه. (1)
وأَما قول السائل: لما أزيل أَثر مسجد البيعة من الحديبية ((الشميسي)) وهل هناك مانع ديني يمنع من الاحتفاظ به كمأْثر شهد بيعة كان لها أَكبر الأَثر في رفع راية الإسلام.
فالجواب: أَنه أُزيل لأَنه ليس مسجد الشجرة الذي يعنيه السائل بمسجد البيعة، فإن مسجد الشجرة غير معروف هو والحديبية من مدة قرون بشهادة مؤرخي مكة والمدينة.
_________
(1) قلت: وعلى فرض أَنها هي الدار المعروفة فقد هدمت وجعلت ضمن الساحة موقفًا للسيارات وطريقًا للمشاة، وكفى الله شر التعلق والتبرك بها. فله الحمد.(1/159)
قال الفاسي في ((شفاءِ الغرام)) في كلامه على مسجد الشجرة وعلى المسجد الآخر الذي بناه يقطين بن موسى في الشق الأَيسر: هذان المسجدان والحديبية لا يعرفون اليوم، والله أَعلم. وقال: في موضع آخر ما نصه: هي -أي الحديبية- والاعشاش لا يعرفان اليوم. وذكر في محل آخر القول بأن موضع الحديبية هو الذي فيه البير المعروفة ببير شميسي بطريق جدة، وتعقبه بقوله: الشجرة والحديبية لا يعرفان الآن، وليست الحديبية بالموضع الذي يقال له الحديبية في طريق جدة لقرب هذا الموضع من جدة وبعده عن مكة، والحديبية دونه بكثير إلى مكة.
وقال الزين المراغي في ((تحقيق النصرة بمعالم دار الهجرة)) في كلامه على مسجد الحديبية: لا يعرف اليوم، بل يقال أن مكة ليس فيها أَحد يعرف الحديبية بعينها وإنما يعرفون الجهة لا غير.
وقال السمهودي في ((وفاءِ الوفاءِ باخبار دار المصطفى)) : هو -أي مسجد الحديبية- غير معروف، بل قال: المطري لم أَر في أَرض مكة من يعرف اليوم الحديبية إلا الناحية لا غير. وإذا كان هذا مآل مسجد الشجرة والحديبية في أَعصر أُولئك فكيف باليوم.
وأَما موقف السلف من ذلك المسجد المسمى بمسجد الشجرة أيام كان هو والحديبية معروفين فهو أَنهم لا يرون رأي السائل وهو أَنه شهد بيعة الرضوان، وممن قام ببيان ذلك من السلف سعيد بن(1/160)
المسيب، فقد روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن طارق بن عبد الرحمن، قال انطلقت حاجًا فممرت بقوم يصلون، فقلت ما هذا المسجد، قالوا هذه الشجرة حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته، فقال سعيد: حدثني أَبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قال فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها، فقال سعيد: إن أصحاب محمد لم يعلموها، وعلمتموها أنتم فأنتم أَعلم؟! وروى ابن جرير الطبري في تفسيره عن سعيد بن المسيب قال: كان جدي يقال له حزن، وكان ممن بايع تحت الشجرة، يقول: فأتيناها من قابل فعميت علينا. وكان ابن عمر يذكر أن تعمية شجرة البيعة رحمة من الله، روى البخاري في صحيحه في ((باب البيعة في الحرب على ألا يفروا)) من كتاب الجهاد عن نافع، قال قال ابن عمر رضي الله عنهما: رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمة من الله.
قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) : الحكمة في اخفائها هي أَن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن تعظيم الجهال لها، حتى ربما افضى بهم إلى اعتقاد أَن لها قوة نفع وضر كما نراه الآن مشاهدًا فيما دونها. قال: وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله: كانت رحمة من الله. أَي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى. هذا ما صار إليه شأن شجرة البيعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ج1م 11(1/161)
ثم صار في خلافة عمر بن الخطاب ما ذكره شيخ الاسلام ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) ص306: وهو توهم من توهم في شجرة بالحديبية أنها هي الشجرة التي بايع الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم تحتها (1) ، فكان من توهم ذلك ينتابها ويصلي عندها، فأمر عمر بن الخطاب بقطعها فقطعت. وهذا الذي ذكره شيخ الاسلام ابن تيمية رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: أخبرنا عبد الله بن عون، عن نافع، قال كان الناس يأتون الشجرة التي يقال لها شجرة الرضوان فيصلون عندها، قال: فبلغ ذلك عمر ابن الخطاب فاوعدهم فيها وأَمر بها فقطعت، وصحح الحافظ في ((الفتح)) اسناد هذه الرواية، واعتمدها صاحب ((عيون الأَثر)) وعزاها السيوطي في ((الدر المنثور)) إلى مصنف ابن أبي شيبة. قال: ابن وضاح في كتاب ((البدع والنهي عنها)) : سمعت عيسى بن يونس مفتي طرسوس يقول: أَمر عمر بن الخطاب بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم فقطعها، لأَن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها فخاف عليهم الفتنة. قال عيسى ابن يونس وهو عندنا من حديث ابن عون عن نافع: أن الناس كانوا يأتون الشجرة فقطعها عمر. قال ابن وضاح: فعليكم بالاتباع لأَئمة الهدى المعروفين، فقد قال بعض من مضى: كم من أَمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس كان منكرًا عند من مضى ومتحبب إلى الله بما يبغضه، ومتقرب إليه بما يبعده منه، وكل بدعة عليها زينة وبهجة. اهـ. وهذا ما لزم بيانه، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. (ص-ف-2023 في 29-10-1382هـ) .
_________
(1) بيعة الرضوان.(1/162)
(السحر، وأَنواعه، وحكمه)
(78- السحر أَنواع: منه شيء شعوذة (1) ومنه شيء بخلاف ذلك.)
وبعض يفرق بين هذه الأَشياء، وبعض لا يفرق. أَما السحر الحقيقي الذي ليس هو بالشعوذة بل حصل له به مثل ركوب المكنسة فهو كفر ردة يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل.
والساحر لا يتم له السحر ولا تخبره الشياطين عن غائب ولا تساعده على قتل شخص إلا بعد ما عبد غير الله بتقريبه للشياطين ما يحبونه من الذبح لهم ونحو ذلك، حتى إن بعضهم يمكنهم من فعل الفاحشة به. وهذا من الاستمتاع المذكور في الآية فيكون كافرًا. (2) ... (تقرير)
(79- س: الصرف والعطف)
جـ: - من السحر، قد تجعله المرأَة في طعام زوجها أَو لباسه، وقد يستعمله الرجل خوف انصراف زوجته عنه. وفي كلام بعض العجايز يسمون العطف ((العطيف)) ... (تقرير)
(80- س: صب الرصاص؟)
جـ: - صب الرصاص بمجرده لا يكون شيئًا، لا يصير شيئًا إلا بعد مخالطة واستمتاع من الشياطين، وذلك أَن الشياطين لها ظهور فيما له روغان وروجان. فالحاصل أَنه أمور شيطانية محضة. (3) ... (تقرير)
(81- س: بعضهم يأخذ بعض أَسلاب المريض: أما ثوب أَو غترة تبقى عنده ثم يخبره غدًا)
ج: - هذا تمويه على الجهال بأنهم أَطباءُ، لأَن الجهال يستنكرون الأُمور السحرية والكهانية ونحوها. (4) ... (تقرير)
_________
(1) وهو التقمير في لسان العامة.
(2) الآية قوله: (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ) .
(3) وانظر فتوى في الطلاق برقم (102/1 في 15/4/1386هـ) .
(4) قلت: ويتوصلون بذلك إلى سحره أو حل السحر عنه كما يأتي.(1/163)
(82- س: ان من البيان لسحرا؟) (1)
ج: - الصحيح ان هذا ذم للبيان، وليس لذاته.
(حكم الكهان ونحوهم)
(83- سئل عن حديث ((من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد)) )
هل هو الناقل عن الملة؟.
أَجاب: اختلف أَهل العلم فيه. فقيل أنه لا يخرجه من الاسلام بل هو من العصاة من أَهل الاسلام المتغلظة معاصيهم، والا لو كان كافرًا لما قيد باربعين. وقيل: إن هذا من أَحاديث الوعيد فيمر كما جاءَ ولا يتعرض له بتأويل. وهذا قول أَحمد وعامة السلف، لأَن ذلك أبلغ في الردع عن الجرائم. فالأَول ليس من التأْويل، وهو تادب في المعنى مع اللفظ. والثاني تادب مع اللفظ وكل مصيب.
ولكن الأَولى أَن يقال لمن يُظَنُّ أَنه يرى مذهب الخوارج: لا ينقل فانه بيان لحكمه، فان الخوارج زعموا أَنه وأَشباهه دليل على تكفير العصاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وإن كان الحال مأمون أَن ينزع به أَحد إلى تكفير العصاة قيل كما في النص - أَطلق كما أَطلق النص.
وكذلك المنجم والضارب بالحصي والودع. لكن عدم كفر الواحد منهما ما لم يعتقد اباحته، فان اعتقد اباحته فهو مرتد لأَن برهانها ظاهر بالشرع، لأَنه معلق على الاستخذاءِ للشياطين واستمتاع الشياطين بهم. وكذلك ما لم يدع أَنه يعلم الغيب
_________
(1) رواه الشيخان عن ابن عمر.(1/164)
أو يدع التصرف في الوجود في بعض الأَشياء. وكثير منهم أَو أَكثرهم لا ينفكون عن ادعاء علم المغيبات. ويعزر أَصحاب هذه الأُمور تعزيرًا يردعهم وأَمثالهم ثم يكف عنهم. والتعزير يرجع إلى الامام الناظر النظر الشرعي، فإذا اقتضى القتل لا سيما من كان له شهرة في ذلك فانه يقتل. ... (تقرير التوحيد وكتاب الايمان) .
(84- النشرة)
وقال في رد قول بعض الحنابلة: ويجوز الحل بسحر ضرورة.
والقول الآخر أَنه لا يحل. وهذا الثاني هو الصحيح، وحقيقته أَنه يتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب من ذبح شيء أَو السجود له أَو غير ذلك، فإذا فعل ذلك ساعد الشيطان وجاءَ إلى اخوانه الشياطين الذين عملوا ذلك العمل فيبطل عمله عن المسحور.
وكلام الأَصحاب هنا بين أَنه حرام ولا يجوز الا لضرورة فقط ولكن هذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل إلا كلام ابن المسيب. ومعنا حديث جابر في ذلك (1) وقول ابن مسعود (2) وقول الحسن لا يحل السحر إلا ساحر. وهو لا يتوصل إلى حَلِّهِ إلا بسحر، والسحر حرام وكفر. أَفيعمل الكفر لتحيا نفس مريضة أَو مصابة؟ مع أَن الغالب في المسحور أَنه يموت أَو يختل عقله، فالرسول منع وسد الباب ولم يفصل في عمل الشيطان ولا في المسحور. ... (تقرير)
_________
(1) أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال هي من عمل الشيطان رواه أحمد بسند جيد.
(2) بكراهة ذلك كله.(1/165)
(85- وأما الجواب على السؤال الثاني (1) وهو:
هل يجوز للانسان أَن يصدق أَو يتشاءم في عدد أَو يوم أَو شهر أَو نحو ذلك إلى آخره ... )
فالجواب:
هذا لا يجوز، بل هو من عادات أَهل الجاهلية الشركية التي جاءَ الاسلام بنفيها وابطالها، وقد صحرت الأَدلة بتحريم ذلك، وانه من الشرك، وانه لا تأثير له في جلب نفع أَو دفع ضرر، إذ لا معطي ولا مانع ولا نافع ولا ضار إلا الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِه) الآية (2) .
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَوْ اجْتَمَعَت الأُمَّةُ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيء لمْ يَنْفَعُوك إلاَّ بشَيء قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ وإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيء لمْ يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ رُفِعَت الأَقْلاَمُ وجُفَّتِ الصُّحُف)) (3) .
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لاَ عَدْوى وَلاَ طِيَرَةَ وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفرَ)) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية ((وَلاَ نَوْءَ وَلاَ غُوْل) رواه مسلم. فنفى الشارع صلى الله عليه وسلم الطيرة وما ذكر في الحديث، واخبر أَنه لا وجود له ولا تأثير، وإنما يقع في القلب توهمات وخيالات فاسدة. وقوله: ((وَلاَ صَفَرَ)) نفي لما كان عليه أَهل الجاهلية من التشاؤم بشهر
_________
(1) من أسئلة اللاذقي.
(2) سورة يونس 107.
(3) رواه الترمذي.(1/166)
صفر ويقولون هو شهر الدواهي، فنفى ذلك صلى الله عليه وسلم وأَبطله، وأَخبر أَن شهر صفر كغيره من الشهور لا تأْثير له في جلب نفع ولا دفع ضرر. وكذلك الأَيام والليالي والساعات لا فرق بينها، وكان أَهل الجاهلية يتشاءَمون بيوم الأَربعاء، ويتشاءَمون بشهر شوال في النكاح فيه خاصة، وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر شوال فمن كان عنده أَحظى مني. وهذا كتشاؤم الرافضة باسم العشرة وكراهتهم له لبغضهم وعداوتهم للعشرة المبشرين بالجنة من أَصحاب رسول الله، وهذا من جهلهم وسخافة عقولهم. والكلام على هذه المسأَلة استوفاه شيخ الاسلام في المنهاج في الرد على الرافضي (1) .
وكذلك أَهل التنجيم يقسمون الأَوقات إلى ساعة نحس وشؤم وساعة سعد وخير: ولا يخفى حكم التنجيم وتحريمه وأنه من أَقسام السحر. والكلام عليه مستوفى في موضعه. وكل هذه الأمور من العادات الجاهلية التي جاءَ الشرع بنفيها وابطالها.
قال ابن القيم رحمه الله: التطير هو التشاؤم بمرئي أَو مسموع. فإذا استعملها الانسان فرجع بها من سفر وامتنع بها عن ما عزم عليه فقد قرع باب الشرك بل ولجه، وبرىء من التوكل على الله سبحانه، وفتح على نفسه باب الخوف والتعلق بغير الله. والتطير مما يراه أَو يسمعه وذلك قاطع عن مقام (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) (2) و (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (3) .
_________
(1) الجزء الأَول ص9 وقال: حتى في البناء لا يبنون على عشرة أَعمدة ولا بعشرة جذوع ونحو ذلك.
(2) سورة هود 123.
(3) سورة الشورى 10.(1/167)
فيصير قلبه متعلقًا بغير الله عبادة وتوكلاً فيفسد عليه قلبه وإيمانه وحاله، ويبقى هدفًا لسهام الطيرة ويساق إليه من كل أَوب. ويقيض له الشيطان من يفسد عليه دينه ودنياه. وكم هلك بسبب ذلك وخسر الدنيا والآخرة. فالأَدلة على تحريم التطير والتشاؤم معروفة موجودة في مظانها فلنكتفي بما تقدم. (انتهى من الفتوى اللاذقية المطبوعة عام 1375هـ)
(86- تحريم التنجيم، وحكم الاعلان عن الكسوف قبل حدوثه)
وسئل عن حديث: ((مَنْ اقْتَبسَ شُعْبَةً مِنَ النُّجُومِ فَقَدْ اقْتَبسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زادَ مَا زاد)) (1) وما قولكم في الذين يعلنون بقولهم: الشمس بيكسف بها أَو القمر وأَنا قد شاهدت في زمن أبيك وعمك عبد الله أن الصميت قال بيكسف بالشمس باكر فكسف بها فلما علم أَبوك وعمك، وعلماءُ زمانهم اجلوه من البلاد وقالوا هو منجم، وتعلم علم النجوم ممنوع. افتنا ما لمسوغ لترك من يفعل هذا اليوم؟
فأَجاب: أَما حديث: ((مَنْ اقْتَبسَ شُعْبَةً مِنَ النُّجُومِ فَقَدْ اقْتَبسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ)) فهو يفيد تحريم تعلم التنجيم وأنه يدخل في السحر، وأنه كلما زاد صاحبه توغلاً في علم النجوم المحرم زاد بذلك توغلاً في علم السحر.
وأَما الذين يعلنون بقولهم الشمس بيكسف بها أَو القمر. فهم مخطئون في اعلانهم وجزمهم بذلك في الوقت الذي عينوه، وإن كان ذلك يدرك بالحساب، لأَن له أسبابًا معلومة عند علماء
_________
(1) رواه أَبو داود وأَحمد وابن ماجه وصححه النووي والذهبي.(1/168)
الهيئة، إلا أَن الحساب يخطىء ويصيب. وفرق بين من يعلن ذلك ويجزم به وبين من يخبر عن أَهل الحساب أنهم يقولون ذلك، ولا سيما إذا لم يخبر به العوام وإنما يخبر الخواص.
وقد سئل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله عن قول أَهل الحساب: الشمس سيكسف بها في وقت كذا. فافتى ان حكم ذلك حكم اخبار بني اسرائيل التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أَخْبرَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلاَ تُصَدِّقُوهُمْ وَلاَ تُكَذِّبوهم)) (1) والعلة في النهي عن تصديق أَهل الكتاب وتكذيبهم هو احتمال أَن يكون ما ذكروه حقًا فيكون من كذبهم مكذبًا بحق، واحتمال أَن يكون ما اخبروا به كذبًا فيكون من صدقهم مصدقًا بالكذب.
فهكذا اخبار المخبرين عن الكسوف والخسوف قد يكونون مصيبين في حسابهم فيكون مكذبهم مكذبًا بصدق، وقد يكونون مخطئين فيكون مصدقهم مصدقًا بالباطل والكذب.
وأما ما ذكرته من قصة الصميت وأنه أجلي من أَجل ذلك فلا صحة لذلك.
وأَما انكار الجزم بوقت الكسوف والتحدث بذلك فهذا صنيع المشايخ مع من صدر منه ذلك، ينكرون عليه جزمه بذلك وافشاءَه، بل كان من المستفيض أَن رجلاً حاسبًا في بلد الدرعية وقت أَولاد الشيخ محمد قدس الله روحه وأَرواحهم جميعًا أطنه يقال له ابن جاسر كان ساكنًا في أَعالي الدرعية فتوضأَ في نخله وركب حماره ونزل إلى مسجد البحيري أَو غيره من المساجد الكبار في الدرعية، وكان يخبر من لقيه في الطريق أنه إنما نزل إلى
_________
(1) انظر مجموع فتاويه جـ24 ص254- 258.(1/169)
المسجد لكون الشمس سيكسف بها وقت كذا وكذا من ذلك اليوم، فلما بلغ ذلك المشايخ من أَولاد الشيخ محمد رحمهم الله وغيرهم انكروا عليه جزمه بذلك وتوضئه وركوبه وسيره إلى المسجد لذلك.
(ص-ف-1128-2 في 29-6-77هـ.)
(التوكل)
87- س: - قول من قال: تجب الثقة بالنفس؟
ج: لا تجب ولا تجوز الثقة بالنفس. في الحديث: ((وَلاَ تَكِلْني إلى نَفْسِيْ طرْفَةَ عَيْن)) (1) من يقوله؟! أَخشى أَن هذه غلطة منك؟! لا أَظن أَن انسانًا له عقل يقول ذلك، فضلاً عن العلم. ... (تقرير الحموية) .
88- س: - قول بعض العامة: توكلت عليك يا فلان في كذا؟
ج: - هذا شرك. أَما التوكيل فيجوز، لأَنه استنابة.
(تقرير ثلاثة الاصول)
89- س: - متوكل على الله ثم عليك يا فلان؟
ج: - شرك. يقول موكلك. ولا يقول موكل الله ثم موكلك على هذا الشيء. هذه عامية، وليست في محلها. ... (تقرير ثلاثة الأصول) (2)
(الحلف بغير الله)
90- س: - الحلف بالأمانة؟
_________
(1) وجاء في حديث رواه أحمد: ((واشهد أنك ان تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضيعة وعورة وذنب وخطيئة واني ان أثق إلا برحمتك)) .
(2) قلت والفرق بين هذا وبين أَعوذ بالله ثم بك أنه تجوز الاستعاذة بالمخلوق مفردًا فيما يقدر عليه، بخلاف التوكل فإنه كله عبادة، كما لا يجوز أسجد لله ثم لك يا فلان، أَو أَعبد الله ثم أَعبدك يا فلان.(1/170)
ج: الحلف بالأَمانة إذا اطلق فهو مكروه أَو حرام، لأَن الأَمانة فيها اشتراك، وذلك أَن الأَمانة بالنسبة إلى المخلوق كمال، ومن المعلوم أَن كل كمال اتصف به المخلوق فالله أَحق وأَولى به، أَما إذا قال: وأَمانة الله فليس من ذلك. هذا الذي أَفهم الآن. أما ((مَنْ حَلَفَ بِالأمانَةِ فَلَيْسَ مِنِّي)) فهو وعيد. (1) ... (تقرير)
91- س: - بالعون؟
ج: - هذا صريح في الحلف بغير الله، وليس الظن أَنه يعني: بعون الله. ... (تقرير) .
92- س: في ذمتي؟
ج: هذا المراد في ذمتي قسم. ... (تقرير) .
(سب الدهر)
(93- قول القائل لم تسمح لي الظروف وإذا سمحت)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم الطالب عبد الرحمن الصالح الشبل والطالب صالح الحمد الرميح - الطالبان بدار التوحيد بالطائف سلمهما الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فبالاشارة إلى مذكرتكم رقم.... وتاريخ 18-4-1375هـ المتضمن السؤال عن المسائل التي طلبتم الاجابة عليها.
1- ما جرى على أَلسنة بعض الناس من إضافة السماح إلى الدهر ونحو ذلك. فهو كاضافة المجيء والذهاب إلى الدهر ونحو ذلك لا فرق بينهما، وهو شيء شائع وموجود في الكتاب والسنة
_________
(1) روى أَبو داود: ((من حلف بالأَمانة فليس منا.)) .(1/171)
كقوله سبحانه: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ) (1) وكقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَاتِيْ عليْكمْ زمانٌ إلاَ وَالَّذِي بَعْده شرٌ مِنْه)) (2) .
ومعلوم أَن المتكلم بهذه الكلمة لا يقصد أَن الدهر يتصرف بنفسه بل يعتقد أَن الدهر خلق مسخر لا يجيء ولا يذهب لا بمشيئة الله سبحانه - وإنما هذا من باب التجوز والتوسع في الكلام كقوله سبحانه (جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ) (3) . على أَن الأَدب تركها وأَمثالها، أَما لو قصد أَن الدهر يفعل حقيقة فهذا لا شك أنه اشراك مع الله سبحانه.
وأَما وصف الدهر بالشدة والرخاء والخير والشر فلا بأس بذلك، كقوله سبحانه (سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا) (4) وقوله: (سَبْعٌ شِدَادٌ) (5) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لاَ يأْتِي زمانٌ إلاَّ الَّذي بعْده شر مِنْه)) والأَدلة على ذلك كثيرة جدًا.
وأما سب الدهر فهو الذي وردت الأَدلة بالنهي عنه والتحذير منه وتحريمه كما في الصحيح عن أَبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قالَ الله يؤذِيني ابْن آدَمَ يسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنا الدَّهْرُ أُقلِّبُ اللَّيْل وَالنَّهارَ)) . وفي رواية ((لا تسُبُّوا الدَّهْرَ فإِنَّ الله هُوَ الدَّهْر)) . (ص-ف-203 في 3-5-75هـ (6) .
_________
(1) سورة الانسان 1.
(2) ((لا يأتي عليكم عام ولا يوم إلا والذي بعده شر منه)) أخرج أحمد والبخاري وابن ماجه عن أَنس.
(3) سورة الكهف 77.
(4) سورة الحاقة 7.
(5) سورة يوسف 48.
(6) وانظر بقية الفتوى في أصول التفسير الجزء الأَخير.(1/172)
(94- التسمي بالمفتى الأَكبر، وسيد السادات، ونحوهما)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الرحمن بن عبيد ... - المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن المسأَلة الاثنتين، وقد جرى تأملهما والجواب عليهما بما يلي:
المسأَلة الأولى: هل يجوز أَن يقال لأَحد من العلماء ((المفتي الأَكبر)) مع أَن الله هو المفتي الأَكبر؟
والجواب: الحمد لله هذه المسأَلة ذات شقين.
الشق الأول وهو تلقيب الشخص بالمفتي الأَكبر فله اعتباران.
الاعتبار الأَول أَن يكون هذا الشخص هو الذي يسمي نفسه بهذا الاسم ويحبه ويطلب من الناس أَن يسموه به.
والاعتبار الثاني كون الناس يسمونه بهذا الاسم بدون تشوق منه ولا طلب ولا رغبة فيه.
فأما بالنسبة للاعتبار الأَول. فأَنا شخصيًا لا أُسمي نفسي بهذا الاسم لا شفهيًا ولا كتابيًا، ولا أَرغب أَن يسميني به أَحد، بل أَكرهه وقد نبهت على هذا مرارًا في عدة مناسبات.
وأَما بالنسبة للاعتبار الثاني وهو كون الناس يسمون الشخص بهذا الاسم فلا يظهر لي أن في هذا مانعًا شرعيًا، لأَنه وإن كان بلفظ أَفعل التفضيل فليس القصد منه التفضيل المطلق ومنازعة الرب في الأَكبرية، وإنما القصد أَنه أكبر الموجودين من المفتين ومرجع لهم، كما أَن تلقيب غير الرسول صلى الله عليه وسلم(1/173)
بلقب الامام الأَعظم ليس القصد منه التهجم على منصب الرسول وإنما القصد أَن هذا الشخص هو أَعظم الأَئمة الموجودين ومرجعهم الذي يرجعون إليه في أُمورهم، ولهذا صرح الفقهاءُ في كتاب الجنائز بأَن الإمام الأَعظم لا يصلي على الغال ولا على قاتل نفسه. وكما اطلقت لفظة المفتي الأَعظم على بعض العلماء ولم نسمع بأَحد أَنكرها أَو حملها على ما حملتها عليه.
(ص-ف-879-1 في 5-4-1385هـ) . (1)
(95- الاستهزاء بسنة الرسول)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة الأَخ المكرم الشيخ محمد عمر بن عبد القادر اسكندر ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فبالاشارة إلى كتابكم المؤرخ 25-6-1375هـ المتضمن استفتاءَكم عن من يستهزىء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نفيدكم أَن الاستهزاءَ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصريحة الصحيحة كفر بلا ريب، لقول الله عزَّ وجل: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ - لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (2) .
فإن سبب نزول هذه الآية وبه يعرف تفسيرها أنه قال رجل
_________
(1) ويأتي الجواب عن الشق الثاني في الصفات.
وهو أَن اطلاق ((المفتي الأَكبر)) على الله غير صحيح، وأَما اسناد الافتاء إليه بصفة الفعل المقيد فلا اشكال فيه.
(2) سورة التوبة 65، 66.(1/174)
في غزوة تبوك: ما رأَينا مثل قرائنا هؤلاء ارغب بطونًا ولا أَكذب أَلسنًا ولا أَجبن عند اللقاء يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأَصحابه القرء، فقال له عوف بن مالك كذبت ولكنك منافق، لأَخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عوف إلى رسول الله ليخبره فوجد القرآن قد سبقه، فجاءَ ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به الطريق. فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ) ما يلتفت إليه وما يزيده عليه.
لكن الشخص المعين الذي يصدر منه شيء من هذا لا يحكم بكفره عينًا إلا بشروط معروفة، فإن الحكم على الشخص المعين بالكفر شيء، والحكم على القول أَو العمل أَنه كفر شيء آخر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(ص-ف-303 في 15-7-1375هـ) .
(96- الاستهزاء بأَهل الدين)
المهزلة دالة على عدم عظمة المهزول به، ولهذا تجد الناس الذين يهزل بعضهم ببعض لا تراهم يهزلون بأهل المقامات العالية.
ثم نعلم هنا أَن الذين من شأْنهم الاستهزاءُ بأَهل الدين هذا قد يصل إلى الكفر الذي يكون ديدنه - لا يسمح باحد من أَهل الخير إلا وتكلم فيهم - فهذا لا يكاد يصدر إلا من منافق، ولهذا أَشار الوالد الشيخ عبد الرحمن في حاشيته على التوحيد أَنه يخشى(1/175)
عليه أَن يكون بذلك مرتدًا (1) . أَما كونه وقع في أَمر عظيم ووقع في نفاق بارز فهذا واضح. (2) .
وليس المراد من يكون بينه وبينهم شحناء دون بقية أَهل الخير - وهو من الأُمور المحرمة. ... (تقرير) .
(97- غلام مصطفى، وعبد مصطفى)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم غلام مصطفى إبراهيم ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن جواز التسمية بغلام مصطفى وعبد مصطفى ونحوها مما هو رايج في بلادكم الباكستان، وتذكر أَن غلام بمعنى عبد في اللغة الأردية.
والجواب: الحمد لله. لا يخفى أَن الله تعالى خلق الخلق لعبادته قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (3) فكلهم عبيده وملكه واحكامه جارية عليهم ولابد كما قال تعالى:
(إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) (4) فلا يحل أَن يسمى أَحد منهم باسم يعبد فيه لغير الله.
قال أَبو محمد ابن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد عمر وعبد الكعبة وما أَشبه ذلك.
_________
(1) قال في ((قرة عيون الموحدين)) : ومن هذا الباب الاستهزاء بالعلم وأَهله عدم احترامهم لاجله.
(2) وانظر بقية البحث في حكم المرتد. واستهزاء الرافضة بعمر بن الخطاب يأتي قريبًا.
(3) سورة الذاريات 56.
(4) سورة طه 93.(1/176)
وقال ابن القيم: لا تحل التسمية بعبد علي وعبد الحسين ونحوهما. وقد روى ابن أَبي شيبة عن هانيء بن شريح قال: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم قوم فسمعهم يسمون رجلاً عبد الحجر فقال له ((ما اسْمُكَ فقال عبد الْحجر فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّما أًَنتَ عبدُ اللهِ)) .
ولهذا نص الفقهاءُ رحمهم الله أَنه يحرم أَن يسمى أَحد بعبد لغير الله كعبد الكعبة وعبد النبي وما أشبه ذلك.
وحيث غير النبي صلى الله عليه وسلم اسم عبد الحجر وسماه بعبد الله فينبغي لك تغيير اسمك غلام مصطفى، لا سيما وقد ذكرت أَن غلام معناها عبد في الأُردية. والله الموفق. والسلام عليكم.
(ص-ف-182-1 في 23-1-1385هـ)
(98- التسمية بعبد النبي، وابن الله)
من محمد بن إبراهيم إلى سعادة مدير عام ديوان الموظفين العام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد بعث لنا سعادة وكيل وزارة الصحة صورة من خطابه لكم برقم 29831-1573 في 14-8-85هـ حول تحوير الأَسماء المتنافية مع تعليمات الدين الاسلامي أمثال: فلان عبد النبي وفلان ابن الله. وذلك بادخال كلمة رب في اسم (عبد النبي) وكلمة (عبد) في اسم فلان بن الله.
ونخبركم أَن هذا أَمر يتعين شرعًا ويتحتم وجوبه. (1)
والسلام عليكم ورحمة الله. ... (ص-ف3657 في 27-8-1375هـ) .
_________
(1) فتكون التسمية: عبد رب النبي. وفلان بن عبد الله.(1/177)
(99- تصوير تمثال لمعظم، والرسم على الورق والقماش، وتعليقها في البيوت، وتشكيلها في المجلات والصحف)
الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم أَنبيائه.
أَما بعد: إلى حضرة فضيلة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم مفتي الديار العربية السعودية ... المحترم
بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لدي سؤال، واعذرني عن الاتصال بكم، وهو كما يأتي:
1- تكوين تمثال لرجل عظيم من حجر.
2- تخطيط بآلة التصوير أَو مرسمة (1) وتكوين صورة لرجل في قطعة من البياض.
س: - هل هنا فرق بينهما، وهل هي حرام أَو مكروه تعليقها في البيوت وتشكيلها في المجلات والصحف، وما هو الدليل على ذلك من القرآن الكريم، أَو من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم؟.
المستفتي أَحمد عوض ... كاتب بالمربع بالأَوراق الخاصة
الجواب: أَما اتخاذ تمثال رجل عظيم ينحت من حجارة أَو غيرها. فهذا أبلغ أَنواع التصوير المحرم، بل هذا غلو في هذا الرجل المعظم، مسبب عبادة هذا الصنم مع الله تعالى. وأَول شرك وجد في بني آدم هو ما وجد زمن نوح عليه السلام، وسببه الغلو في العظماء من رجال الدين والعلم بأَنواع من أَعظمها
_________
(1) قلم رصاص.(1/178)
تصويرهم صورهم ونصبهم اياها في مجالسهم، ولم تخطر لهم بقلوبهم عبادتها بحال، بل قصدهم من صورهم المذكورة تذكر أَهل الدين والعلم ليعملوا بما كانوا يرونهم عليه في حال حياتهم من العمل الصالح، فانقرض ذلك الجيل وجاءَ جيل جديد ليس عندهم من العلم بحقيقة هذه الصور وشأْنها إلا أَنها معظمة تعظيمًا دينيًا، وان ذلك مما يحبه الله، وان ذلك يقربهم إلى الله زلفى، فدس إليهم الشيطان أَن أَوليكم ما صوروها إلا أَنهم يستنزلون بها المطر من السماء ويستنصرون بها على الأَعداء، ويستشفعون بها إلى الله، فحينئذ عبدوا تلك الصور وهي الأَصنام فأَرسل الله رسوله نوحًا عليه السلام يأْمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له، وينهاهم عن عبادة الأَصنام ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر. وهذا هو معنى ما ذكره المفسرون على قوله تعالى: (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) (1) .
فمن أَجل كون تصوير الصور ولا سيما صور المعظمين من وسائل الشرك في العبادة، ومن أَجل أَيضًا ما في ذلك من المضاهات بخلق الله: جاءَت السنة الثابتة المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتغليظ الشديد في ذلك: من لعن المصورين، والتصريح بكونهم أَشَدَّ الناس عَذابًا يوْمَ الْقيامةِ، وبأن كلِّ مصور في النار يجعل له بكل صورة صوَّرها نفسٌ يعذب بها في جهنم، وبأن من صوَّر صورةً في الدنيا كُلِّفَ أَن ينفُخَ فيها الروح وليس
_________
(1) سورة نوح 23.(1/179)
بنافخ، وبأنَّ أصحاب هذه الصور يعذبون يوم الْقيامة ويقال لهم أَحيُوْا ما خلقتم. هذه متون أَحاديث لشهرتها اكتفيت بذلك عن ذكر مخرجيها (1) هي ونحوها من الأَحاديث دليل المنع وان التصوير من الكبائر.
وأَما الصور المخططة في البياض من الورق وغيره فهي ملحقة بها في التحريم، لعموم الأَدلة، ولوجود حقيقة العلة. نعم بعض من كان لهم نصيب من اتباع المتشابه وترك المحكم يتعلقون بحديث: ((إلاَّ رَقْمًا فِي ثَوْب)) (2) فلا يمنعون من الصور إلا ما كان مجسدًا. وأَتباع الأَئمة الأَربعة وسائر السلف على المنع عملاً بالمحكم إلا من شذ، وتقديمًا له على المتشابه، وحمل المتشابه على حالة لا تعارض المحكمات. وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أَجمعين.
(ص-م 8 في 7-8-73هـ)
وذكر ابن كثير قولاً بأن آية (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (3) نزلت في المصورين. وتصوير الأُمراء تعظيم لأَجل الإِمارة ولكن قد يغلى فيهم أَيضًا فيعبدون. ... (تقرير)
(100- الصور المجسمة الصغيرة ولعب عائشة رضي الله عنها)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أَشرف المرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أَجمعين.
_________
(1) () جاء لعن المصور في الحديث الذي رواه البخاري في (اللباس)
ويأتي ذكر مخرجي بقية الأَحاديث في الفتوى عدد 101.
(2) ويأتي الجواب عنه في الفتوى عدد 101.
(3) سورة الأحزاب 57.(1/180)
وبعد: فقد نشرت جريدة البلاد السعودية بعددها (1419) الصادر في يوم الثلاثاء الموافق 9-4-73 حول مطالعات أَحمد إبراهيم الغزاوي. بعنوان ((عرائس البنات)) تعليقًا قالت فيه: إن عرائس البنات ولعب الأَولاد أَو (الدمى) لازالت حاجة ملحة من حاجات الطفولة تدخل إلى الأَطفال المسرة وتشيع البهجة في نفوسهم، إلا أَن هذه اللعب الدمى قد تطورت مع الزمن كما تطور كل شيء في الدنيا فأخذت تصنعها المصانع فزادت فيها تشويقًا وتلوينًا وتنويعًا ولكنها لم تخرج عن حقيقتها كلعب أَطفال، فهل يختلف الحكم على هذه اللعب عن الحكم على لعب السيدة عائشة؟.
وقد وجهت الجريدة إلي استفتاءَها في ذلك، فأَقول مستعينًا بالله تعالى:
نعم يختلف حكم هذه الحادثة الجديدة عن حكم لعب أُم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، لما في هذه الجديدة الحادثة من حقيقة التمثيل والمضاهات والمشابهة بخلق الله تعالى، لكونها صورًا تامة بكل اعتبار، ولها من المنظر الأَنيق والصنع الدقيق والرونق الرائع ما لا يوجد مثله ولا قريب منه في الصور التي حرمتها الشريعة المطهرة، وتسميتها لعبًا وصغر أَجسامها لا يخرجها عن أَن تكون صورًا، إذ العبرة في الأَشياء بحقائقها لا باسمائها، فكما أَن الشرك شرك وان سماه صاحبه استشفاعًا وتوسلاً، والخمر خمر وإن سماها صاحبها نبيذًا: فهذه صور حقيقية وان سماها صانعوها والمتاجرون فيها والمفتونون بالصور لعب أَطفال، وفي(1/181)
الحديث: ((يَجِيءُ في آخرِ الزمَانِ أَقوامٌ يَسْتحِلُّون الْخمرَ يُسمونَهَا بغيرِ اسمِها)) .
ومن زعم أَن لعب عائشة صور حقيقية لذوات الأَرواح فعليه إقامة الدليل وأَن يجد إلى ذلك سبيلاً، فإنها ليست منقوشة ولا منحوتة ولا مطبوعة من المعادن المنطبعة ولا نحو ذلك، بل الظاهر أنها من عهن أَو قطن أَو خرق أَو قصبة أَو عظم مربوط في عرضه عودًا معترضًا بشكل يشبه الموجود من اللعب في أَيدي البنات الآن في البلدان العربية البعيدة عن التمدن والحضارة مما لا تشبه الصورة المحرمة إلا بنسبة بعيدة جدًا، لما في صحيح البخاري من أَن الصحابة يصومون أَولادهم فإذا طلبوا الطعام أَعطوهم اللعب من العهن يعللونهم بذلك، ولما في سنن أَبي داود وشرحها من حديث عائشة من ذكر الفرس ذي أَربعة الأَجنحة من رقاع يعني من خرق، ولما علم عن حال العرب من الخشونة غالبًا في أَوانيهم ومراكبهم وآلاتهم آلات اللعب وغيرها. وفيما ذكرت ها هنا مقنع لمريد الحق إن شاء الله تعالى.
ثم ليعلم أَن تطور الزمان بأَي نسبة لا يخرج شيئًا عن حكمه الشرعي، إذ رفع حكم ثبت شرعًا بالحوادث لا يجوز بحال، لأَنه يكون نسخًا بالحوادث ويفضي إلى رفع الشرع رأسًا.
وربما شبه هاهنا بعض الجهلة بقول عائشة رضي الله عنها: لو رأَى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أَحدث النساءُ لمنعهن المساجد. ولا حجة فيه بحمد الله على تغيير الأَحكام الثابة شرعًا بالحوادث، فإن عائشة ردت الأَمر إلى صاحب الشرع، فقالت:(1/182)
لو رأَى لمنع. ولم تمنع هي، ولم تر لأَحد أَن يمنع، وهذا واضح بحمد الله. والله الموفق.
محمد بن إبراهيم آل الشيخ - الرياض (22-5-73هـ)
(101) التصوير الشمسي، وبطلان فتوى من أَجازه)
وجه إليَّ سؤال عما كتبه أَبو الوفاء محمد درويش في مجلة ((الهدي النبوي)) من الفتوى بشأن التصوير الشمسي، والفتوى بجوازه مطلقًا، ومؤكدًا الجواز ومستدلاً عليه بما رواه مسلم عن بسر بن سعيد، حينما قال بسر لعبد الله الخولاني وقد رأى سترًا فيه صورة في بيت زيد: أَلم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأَول، فقال عبد الله أَلم تسمعه حين قال: الا رقمًا في ثوب، وبقوله تعالى: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) (1) .
مقررًا ذلك بقوله: لا يريد إلا أَنه عجعل أَجسامكم في صورة حسنة، قال: فالتصوير في الحقيقة لا يطلق إلا على المجسمات.
وجوابي عن ذلك أَن أَقول: تصوير ماله روح لا يجوز، سواءٌ في ذلك ما كان له ظل وما لا ظل له، وسواءٌ كان في الثياب والحيطان والفرش والأَوراق وغيرها. هذا الذي تدل عليه الأَحاديث الصحيحة، كحديث مسروق الذي في البخاري، قال: سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إِنَّ أَشدَّ الناس عذابًا يومَ القيامةِ الْمصوِّرُونَ)) وحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الَّذينَ يَصنعونَ
_________
(1) سورة التغابن 3.(1/183)
هذهِ الصورَ يُعذبُونَ يومَ القيامة يُقالُ لهم أَحْيُوا ما خَلَقْتُم)) .
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال سمعت محمدًا صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَنْ صورَ صورة في الدُّنيا كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فيها الروحَ وليس بنافخ)) فهذه الأَحاديث الصحيحة وأَمثالها دلت بعمومها على منع التصوير مطلقًا، ولو لم يكن في الباب سواها لكفتنا حجة علىالمنع الاطلاقي، فكيف وقد وردت أَحاديث ثابتة ظاهرة الدلالة علىمنع تصوير ما ليس له ظل من الصور: منها حديث عائشة رضي الله عنها وهو في البخاري أَنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بالباب فلم يدخل، فقالت أَتوب إلى الله عما اذنبت، فقال: ما هَذهِ النِّمرقَةُ. فقلتُ لتجلس عليها وتَوَسَّدَهَا. قال: إِنَّ أَصحاب هذه الصور يُعذبون يوم الْقيامة يقال لهم أَحيوا ما خلقتم وإِنَّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه الصور)) .
ومنها حديث أَبي هريرة رضي الله عنه الذي في السنن وصححه الترمذي وابن حبان ولفظه: ((أَتاني جبريلُ فقَالَ أَتيتكَ الْبارحةَ فَلمْ يمنعني أَن أَكونَ دَخلتُ إِلا أَنهُ على الْباب تماثيل، وكان في الْبيت قِرامُ سِتْر فيه تماثيل وكانَ في البيتِ كلبٌ، فمرْ براس التمثال الذي على باب الْبيت يقطع فيصير كهيئة الشجر، ومر بالستر فليُقطَعْ فَلْيُجْعَلْ منهُ وِسادتانِ منبوذتانِ تُوْطَآن، وَمُرْ بالكلبِ فَلْيُخْرجْ. ففعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم)) ومنها ما في مسلم عن سعيد بن أَبي الحسن، قال جاءَ رجل إلى ابن عباس، فقال إني رجل أُصور هذه الصور فافتني فيها. فقال(1/184)
له: أدن مني. فدنا منه. ثم قال: ادن مني. فدنا منه. ثم قال: أدن مني. فدنا حتى وضع يده على رأْسه، قال: انبئُك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كُلُّ مُصور في النارِ يُجْعَلُ لهُ بكلِّ صُورة يُصورُهَا نفسٌ فتعذبُهُ في جهنم)) وقال: ان كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له. ومنها ما في سنن أَبي داود، عن جابر رضي الله عنه ((أَن النبي صلى الله عليه وسلم أَمر عمر بن الْخطاب زمن الْفتح وهو بالْبطحاء أَن يأتي الْكعبة فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم حتى محيت كل صورة فيها)) . ومنها ما بوب عليه البخاري بقوله: (باب نقض الصور) وهو حديث عمران بن حطان أَن عائشة رضي الله عنها حدثته ((أَن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه)) .
ومن هذه الأَحاديث وامثالها أَخذ أَتباع الأَئمة الأَربعة وسائر السلف إلا من شذ منع التصوير، وعمموا المنع في سائر الصور، سواء ما كان مجسدًا وما كان مخططًا في الأَوراق وغيرها كالمصور في أَصل المرآة وغيرها مما يعلق في الجدران ونحو ذلك.
أَما تعلق من خالف في ذلك بحديث ((الا رقما في ثوب)) فهو شذوذ عن ما كان عليه السلف والأئمة، وتقديم للمتشابه على المحكم، إذ أنه يحتمل أن المراد باستثناء الرقم في الثوب ما كانت الصورة فيه من غير ذوات الأَرواح كصورة الشجر ونحوه، كما ذكره الامام أَبو زكريا النووي وغيره. واللفظ إذا(1/185)
كان محتملاً فلا يتعين حمله على المعنى المشكل، بل ينبغي أَن يحمل على ما يوافق الأَحاديث الظاهرة في المنع التي لا تحتمل التأويل. على أَنه لو سلم بقاء حديث إلا رقمًا في ثوب على ظاهره لما أَفاد الا جواز ذلك في الثوب فقط، وجوازه في الثوب لا يقتضي جوازه في كل شيء، لأَن ما في الثوب من الصور إما ممتهن واما عرضة للإمتهان، ولهذا ذهب بعض أَهل العلم إلى أَنه لا بأس بفرش الفرش التي فيها التصاوير استدلالاً يما في حديث السنن الذي أَسلفنا، وهو قوله صلى الله عليه وسلم ((ومُرْ بالسِّتْر فَلْيُجْعَلْ منهُ وِسادتان مَنْبُوذَتانِ تُوْطَآن)) اذ وطئها وامتهانها مناف ومناقض لمقصود المصورين في أَصل الوضع وهو تعظيم المصور والغلو فيه المفضي إلى الشرك بالمصور، ولهذه العلة والعلة الأخرى وهي المضاهاة بخلق الله جاءَ الوعيد الشديد والتهديد الأَكيد في حق المصورين.
واما جعل الآية الكريمة وهي قوله تعالى: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) معارضة لما دلت عليه النصوص النبوية بعمومها تارة وبظاهرها أخرى فهذا من أَفحش الغلط، ومن أَبين تحريف الكلم عن مواضعه، فان التصوير الشمسي وإن لم يكن مثل المجسد من كل وجه فهو مثله في علة المنع وهي ابراز الصورة في الخارج بالنسبة إلى المنظر، ولهذا يوجد في كثير من المصورات الشمسية ما هو أبدع في حكاية المصور حيث يقال هذه صورة فلان طبق الأَصل. والحاق الشيء بالشيء لا يشترط المساواة من كل الوجوه كما هو معلوم. هذا لو لم تكن الأَحاديث ظاهرة(1/186)
في التسوية بينهما، فكيف وقد جاءَت أَحاديث عديدة واضحة الدلالة في المقام.
وقد زعم بعض مجيزي التصوير الشمسي أنه نظير ظهور الوجه في المرآة ونحوها من الصقيلات، وهذا فاسد فإن ظهور الوجه في المرآة ونحوها شيء غير مستقر، وإنما يرى بشرط بقاءِ المقابلة، فإذا فقدت المقابلة فقد ظهور الصورة في المرآة ونحوها، بخلاف الصورة الشمسية فإنها باقية في الأَوراق ونحوها مستقرة، فالحاقها بالصور المنقوشة باليد أَظهر وأَوضح واصح من الحاقها بظهور الصورة في المرآة ونحوها، فإن الصورة الشمسية وبدو الصورة في الأَجرام الصقيلة ونحوها يفترقان في أَمرين: (أَحدهما) : الاستقرار والبقاءُ. (الثاني) : حصول الصورة عن عمل ومعالجة. فلا يطلق لا لغة ولا عقلا ولا شرعا على مقابل المرآة ونحوها انه صور ذلك، ومصور الصور الشمسية مصور لغة وعقلاً وشرعًا، فالمسوي بينهما مسو بين ما فرق الله بينه. والمعانعون منه قد سووا بين ما سوى الله بينه، وفرقوا بين ما فرق الله بينه، فكانوا بالصواب أَسعد، وعن فتح أَبواب المعاصي والفتن أَنفر وأَبعد، فإن المجيزين لهذه الصور جمعوا بين مخالفة أَحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفث سموم الفتنة بين العباد بتصوير النساء الحسان، والعاريات الفتان في عدة أَشكال وأَلوان، وحالات تقشعر لها كل مؤمن صحيح الايمان، ويطمئن إليها كل فاسق وشيطان، فالله المستعان وعليه التكلان. قاله الفقير إلى مولاه محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف(1/187)
آل الشيخ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(24-11-1373هـ وطبعت عام 1385)
(102- التصوير الضوئي، والتصوير بالأَصباغ)
التصوير الضوئي اغتر به كثير، وسببه أَنهم بلوا به ولم يجدوا مناصًا ففرقوا (1) وهذا غلط. فالمصور يريد شيئًا يحصل عن تسببه صورة في الخارج، فالغرض إيجاد مثال الصورة، ابرازه في الخارج كانه وجه فلان طبق الأَصل. وأما كونه مما لا يمسك فهذا مما روجه الافرنج.
وبهذا يعرف أَن التفريق غلط، فإذا نظرت الصورة حصل المقصود. أفيهون شأنها إذا رآها بالتصوير الضوئي؟! لا. إلا أَن ما كان مجسدًا يبقى أَكثر، فكلاهما يمنع مدة وجوده، بل الضوئي أَشد فتنة من المجسم، فإنه يأتي بشكل الأَصل أَتم وأَكمل من غيره. وليس فيه مشكل الا أَنه جاءَ من الافرنج (2) فهذا فيه شهوة فيأتي من يشبه فيسوغ الأَمر، وهذا في كل شيء يوجد في بلد وينتشر ويستعمل. وتعرف أَن من الأَحاديث في ذلك ما في سنن أَبي داود: ((أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما رأَى الصورَ في الْبيتِ لم يدخل حتَّى أمر بها فمُحِيَتْ)) فما كان بالضوئي فهو مثل الصبغ. (تقرير) .
(103- تصوير البحار والأَنهار والأَشجار والأَشياء الحقيرة)
جاءَ في تعليق على كتاب ((التوسل والوسيلة)) ما يلي:
_________
(1) لقلة الورع أَو العلم.
(2) وتأتي بقية الكلام في ذلك.(1/188)
وأَما صور البحار والأَنهار والأَشجار وغير ذلك إذا قصد بها اظهار عظمة الله وابداعه في الكون فلهذه الصور ثواب عظيم، ولا حرج في تصويرها.
قال شيخنا: هنا شيء يقصده المصورون ليس هو الذي ذكره: وهو الحذق في الرسم، لا يقصدون ما ذكره، لأَن الناس يرونها بل سماع الناس عنها أَبلغ. وهذا نظير من جاءَته محبوبته فتناوم ليراها في المنام. أَما صور ذوات الأَرواح فرؤيتهم هي التي تهم الناس. فاصل التصوير للتعظيم فإذا وجد عظيم صار ذلك بَيِّنٌ، فالشريعة منعت من التصوير مطلقًا حتى الذباب. وإذا كان كذلك علم أَنه لا يختص بالمعظمين. ... (تقرير)
(104- التصوير النصفي)
التصوير النصفي: بعض العلماءِ يبيح ذلك اعتبارًا بكونه غير انسان، ويقول القطع يكفي في تغيير الصورة، وأَنه غير صورة.
ولكن الذي يظهر المنع منه، وذلك أَنه فرق بين ابتداء الشيء والقصد إليه، وبين ما يقطع بعد وجوده. ففي الثاني معاكسة لذلك. فأما القصد إلى تصوير بعض صورة فكأنه لما عجز معنى أَو حسًا - فظن أَنه يجوز النصف أَو تَرَكَهُ لأَجل أَن لا يملأَ الورق - قصد إلى هذا. وجاءَ في الحديث ((النهي عن ضرب الصورة)) (1)
_________
(1) قلت: لعله يشير إلى الحديث الذي رواه مسلم: ((اذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فان الله خلق آدم على صورته)) وأصرح منه ما في الصحيحين في حديث القيامة: ((ويحرم الله صورهم على النار أَن تأكل أثر السجود)) . قال ابن تيمية: قال العلماء كابن عباس وعكرمة وأحمد وغيرهم الصورة هي الرأس فإذا قطع الرأس لم يبق صورة. اهـ. نقض التأسيس.(1/189)
وهي الوجه، لأَنه هو عنوان الإنسان. فإذا صور الرأْس والوجه أَو الرقبة والرأْس: فالبقية مغطى بالثياب لا يدري ما هو، وبعضهم تركه لأجل أَن لا يملأَ الورق. ... (تقرير 76هـ)
وفي جواب آخر قال:
التصوير النصفي لا اشكال عندي في أَنه محرم، وان كان ذهب نزر قليل إلى القول بعدم التحريم، وربما يكون أَخف من الكامل لأَجل هذا القول، وأَما أَنا فلا إشكال عندي فيه، لأَن الوجه هو المقصود. ... (تقرير 76هـ) .
(105- جواز التصوير البعضي للحاجة)
من محمد بن إبراهيم إلى الاستاذ مدير مدرسة سدوس الابتدائية ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن حكم التصوير، وهل هناك فرق بين الصورة المجسدة وغيرها من الصور الشمسية والفوتغرافية، أَو بين ما تبرز فيه صورة الإنسان كاملة وبين تصوير الوجه والصدر وما حولهما.
والجواب: الحمد لله. لا يخفى أَن التصوير من أَعمال الجاهلية المذمومة التي ورد الشرع بمخالفتها، وتواترت الأَحاديث الصحيحة الصريحة بالنهي عنه ولعن فاعله وتوعده بالعذاب في جهنم كما في حديث ابن عباس مرفوعًا ((كُلُّ مُصَوّر في النَّارِ يُجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَة صَوَّرَهَا نَفْسٌ تُعَذِّبُهُ في جَهَنَّمَ)) رواه مسلم.(1/190)
وهذا يعم تصوير كل مخلوق من ذوات الأَرواح من آدميين وغيرهم، ولا فرق أَن تكون الصورة مجسدة أَو غير مجسدة، وسواءٌ أُخذت بالآلة أَو بالأَصباغ والنقوش أَو غيرها، لعموم الأَحاديث.
ومن زعم أَن الصورة الشمسية لا تدخل في عموم النهي وأَن النهي مختص بالصورة المجسمة وبما له ظل فزعمه باطل، لأَن الأَحاديث عامة في هذا، ولم تفرق بين صورة وصورة. وقد صرح العلماءُ بأن النهي عام للصور الشمسية وغيرها كالامام النووي والحافظ ابن حجر وغيرهما. وحديث عائشة في قصة القرام صريح، ووجه الدلالة منه أَن الصورة التي تكون في القرام ليست مجسدة وإنما هي نقوش في الثوب، ومع هذا فقد عدها الرسول صلى الله عليه وسلم من مضاهات خلق الله.
لكن إذا كانت الصورة غير كاملة من أَصلها كتصوير الوجه والرأس والصدر ونحو ذلك وأُزيل من الصورة ما لا تبقى معه الحياة فمقتضى كلام كثير من الفقهاء اجازته، لا سيما إذا دعت الحاجة إلى هذا النوع وهو التصوير البعضي. وعلى كلٍّ فإن على العبد تقوى الله ما استطاع، واجتناب ما نهى الله ورسوله عنه (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (1) . والسلام.
مفتي البلاد السعودية
(ص-ف-2419-1 في 5-9-1385هـ)
_________
(1) سورة الطلاق 2، 3.(1/191)
(106- ولضرورة الأخذ من الضمان الاجتماعي بشروط)
من محمد بن إبراهيم إلى جناب الأَخ المكرم عبد الرحمن بن مدراء الشاطري بن درويش ... سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك الذي تذكر فيه حالتك عند مراجعة مصلحة الضمان الاجتماعي وانهم طلبوا عليك عكس وأنت محتاج لهم وذو عائلة ومدين وتسأَل هل يجوز العكس.
والجواب: إذا كان العكس بنصف الصورة فأقل وكان التصوير للضرورة وكنت كارهًا لذلك لولا ما ذكر فالمسألة تكون في حقك أَخف من غيرك، والفقهاءُ صرحوا بأنه إذا أُزيل من الصورة ما لا تبقى معه الحياة فلا بأْس. ولعل هذا بمثابة تصوير النصف فأَقل، ونظرًا لما ذكرته عن حالتك أَرجو أَن لا بأْس بذلك. والسلام.
مفتي البلاد السعودية
(ص-ف-1558-1 في 12-6-84هـ) .
(107- س: وإذا احتاج الإنسان إلى سفر وكان لابد من تصويره)
ج: - إذا كان لحاجة هامة ولا سيما في الدين كالحج والهجرة وكان كارهًا لتصويره.
ومن قال لا يحج لأَجل أَنه لا يحج إِلا إِذا صور فهو غلطان، فإِن المحرمات درجات، وهو ما صور فلا تتناوله اللعنة. ونحن(1/192)
حين سافرنا إلى مصر جاءَنا كتاب من الملك عبد العزيز أَرسله معنا إلى مصر فيه بيان السماح عن التصوير لأَمر أَظنه قال سياسي واستصحبناه إِلى مصر ولم نُصور.
فالحاصل أَنه إِذا كان به مرض وكان لابد من علاجه أَو كان سفره لخير كثير في الدين. فهذا من ارتكاب احدى المفسدتين لتفويت أَكبرهما. ... (تقرير)
س: - لو عقدتم مؤتمرًا في مكة لبيان هذا، وكذلك سائر شؤون الإِسلام؟
ج: - على اقرار الأَوثان؟ لو نعلم أَن فيه مصلحة لمشينا إلى مكة حفاة. ... (تقرير)
(108- دخول المساجد بالصور وحملها في الصلاة وخارجها، وإذا كانت تداس وتمتهن)
المسألة الثانية (1) سؤالك عن استعمال الصور وحكم التصوير؟
والجواب: لا يخفى أَن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تصوير ذوات الأَرواح من آدميين وغيرهم، ولعن المصورين، وأَخيرًا أَنهم أَشد الناس عذابًا يوم القيامة ورد بذلك جملة أَحاديث صحيحة حتى عد التصوير من كبائر الذنوب المتوعد عليها بالنار. فهذا حكم التصوير.
وأَما حكم استعمال الصور فقد صرح الفقهاءُ رحمهم الله بأَنه يحرم استعمال كل صورة من ذوات الأَرواح سواء كانت في المساجد أَو خارجها، لكن لا يخفى أَن الاستهانة بحرمات الله
_________
(1) أَما المسأَلة الأُولى فهي عن حكم الصلاة في الطائرة وهي في الجو.(1/193)
واستعمال الصور في بيوت الله أَشد تحريمًا وأَغلظ جرمًا، وأما استعمالها أَو حملها حال أداء الصلاة فهو أَشد جرأَة والعياذ بالله.
ثم ان العلماء رحمهم الله فصلوا فيما إذا ابتلي الإنسان بشيء فيه صور، وقالوا إذا كان بحالة تهان فيها الصورة كأَن تكون في بساط ونحوه مما يطرح على الأَرض ويداس ففي مثل هذه الحال رخصوا فيه للحاجة، ولما ورد في هذا الباب (1) ولأَن الصور تهان بوضعها على الأَرض ودوسها بالأَقدام.
مفتي البلاد السعودية
(ص-ف1221-1 في 25-5-1385هـ)
(109- ادخال الصحف التي فيها صور النساء الكاشفات العاريات البيوت هل هو جائز أَم لا وهل صاحب المنزل يرتكب جريمة)
وجواب المسألة الخامسة (2) : لا يجوز إدخال البيوت الصحف المذكورة في السؤال، وفاعل ذلك مرتكب جريمة.
(ص-ف-608 في 17-8-1376هـ) .
(110- س: هل قوله ((لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة ولا كلب)) عام تدخل فيه الحفظة أَم لا؟)
ج: - الظاهر أَنهم لا يدخلون فيه. ... (تقرير)
(111- س: الكتاب الذي فيه الصور؟)
ج: - يجب طمس الصور إذا لم تكن مقصودة مثل الجارية
_________
(1) وتقدم قوله: ((ومر بالستر فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن)) .
(2) من أَسئلة صالح بن سالم با محفوظ. أَولها في نواقض الوضوء.(1/194)
المغنية تقوم ساذجة، وان كانت تزيد في ثمنه لا يجوز أَخذ الثمن عنها. فإذا كان يساوي ثلاثة بالصور وبدونها بريالين فلا يجوز أَخذ زائد عن الريالين. ... (تقرير) .
(112- سئل عن اقتناء المنجد مع ما فيه من الصور؟)
ج: - يتتبع الصور التي فيه ويطمسها ويستعمله. ... (تقرير) (1) .
(113- س: إذا كانت الصور في فرش؟)
ج: - ليست مقصودة، إلا أَن كانت الصورة تزيد في الثمن فإذا باعها فيلغى الثمن الزائد. لأَن الزيادة في مقابلة الحرام كالأَمة المغنية.
فإذا كانت في فراش فتغطى بشيء، ويكفي فيها إذا كانت في فراش نفيس أَن تقطع الرقبة، فإذا قطعت بشيء بمقدار خط قليل بمقدار الرقبة فهذا يكفي وإن كانت موجودة. إذا وجد منظر كأنه مذبوح فهذا إهانة لها كالجلوس على الفرش، ولهذا نجد الصور اليوم للمعظمين لو يبصق عليها غار من هي عنده.
(تقرير) (2) .
(حماية المصطفى لحمى التوحيد)
(114- س: سيدنا محمد؟)
ج: - للعلماء فيها كلام. والصحيح أَنه لا محذور فيها، لكن
_________
(1) وتأتي فتوى حول المنجد في آخر الكتاب إن شاء الله.
(2) وانظر بقية استعمال الصور في شروط الصلاة، وحكم اتلافها في باب الغضب. وتصوير الإنسان بصور بهيمة وجعل ذيل له للسخرية والاستهزاء في مسائل فروع الاعتقاد برقم (181، 22/11/84هـ) وتصوير النساء السافرات العاريات في الجرائد في رسالة النكاح برقم (5305 في 11/10/88هـ) وتقدمت فتوى في تصوير ضريح عبد القادر الجيلاني وصورة البراق وصورة جبريل برقم (2574 في 25/6/86هـ) .(1/195)
ما الراجح؟ الراجح تركها لأَجل مجيئها في النصوص ((مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهْ)) . ... (تقرير) .
(115- س: ماهو الجمع بين قوله ((السيد الله)) وقوله: ((أَنا سيد ولد آدم)) )
ج:0 الجمع أَنه منع من هذا الذي هو جائز حماية لحمى التوحيد. والثاني قاله على وجه التحدث بنعمة الله. أَما التحريم والله أَعلم - فبالنسبة إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم. ... (تقرير) .
(116- س: هل هنا فرق بين المواجهة وغيرها؟)
ج: مراد المصنف يرجع إلى المواجهة. ... (تقرير مسائل التوحيد) .
(117- س: قول يا سيدي فلان؟)
ج: - ما ينبغي، أليس في رسول الله أُسوة حسنة إذ قال وهو سيد الخلق: ((السَّيِّدُ اللهُ)) ؟ ... (تقرير) .
(118- س: قوله: مولاي فلان؟)
ج: - ما ينبغي. ... (تقرير) .
(119- س: رسول السلام؟)
ج: إذا قيل في مبتدع كلمة تفخيم فلا تجوز، فضلاً عن أَن تقال لكافر، حتى المستقيم لا تجوز. واضافتها إلى السلام قبيحة جدًا، فرسل الله هم رسل السلامة في الدنيا والآخرة من جميع المحاذير. إلا أَن القصود تؤثر في الأَلفاظ. الذي يقول ذلك ويقصد ويعلم غير. فالناس متفاوتون في أَشياء أُخر غير اللفظ بالنسبة إلى الجهل وعدمه، وبالنسبة إلى القصد وعدمه. والمنع يتفاوت في الغلظ والخفة بحسب هذه الأُمور. ... (تقرير) .(1/196)
القسم الثالث
وحدانية الصفات(1/197)
(120- أُصول الدين ماذا يراد بها، والمنطق، والكلام)
في هذه الأَزمان المسمى ((أُصول الدين)) هو ما يتعلق بالكلام في العقائد، وأَكثر ما يطلقونه على ما يرجع إلى أَساسات وأَقوال المنطقيين، وان كان قد يلم به أَدلة لكن لا تذكر هناك إلا إذا وافقت لمعتقدهم ومُقَلَّدِهِم. المنطق والكلام يذكر عند الحاجة إليه، وليس كل ما يقررونه في المنطق باطلاً، بل المراد أَنه ليس معصومًا وفيه زلل، وليس المراد أَنها وجدت لابطال كل حق، إنما وضعوه ليصرفوا به الحق الذي لم يقبلوه إِما زندقة أَو جهلاً منهم. ففيه شيء حق ويقرر عند الحاجة إليه، لكن هو شبه الاعتضاد لا الاعتماد. وأَما أَهله فهو المعتمد عندهم والنصوص شبه المعتضد، فهي عندهم ليست من خبر الآحاد بل هذبتها القرائح وأَوصلته إلى أَن يكون كذا وكذا. (1) .
الأَشعري وشيخ الإِسلام وابن القيم يستعملون أَشياءً من هذا عند الحاجة إليها لأناس شاع عندهم وذاع ذكر المقدمات وأَشياء ولو كان الزمن مثل زمن الصحابة لما احتاج إلى هذا، ولكن هذا توسع في الرد على المبتدعة وأَشياء في نفسها حق وقليلة وليس ايثارا لها ولا يفهم ممن ذكروها أَنها أَقدم من النصوص وإنما تذكر لمزيد التفهم. ... (تقرير الحموية)
_________
(1) انظر الرد على المنطقيين لابن تيمية.(1/199)
(افتراق الأمة وتسليط الأشرار)
(121- س: حديث ((افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة..)) الخ هل يدل على أَن هذه الأمة أَشر من غيرها من الأمم كاليهود والنصارى؟) .
ج: - هذا لا يدل على أَن هذه الأُمة أَشر من غيرها من الأُمم، بل فيه بيان أَن ما يوجد من الافتراق في تلك الأمم يوجد في هذه الأُمة مثله في الافتراق وأكثر. (1) ... (تقرير)
(122- (وإن جندنا لهم الغالبون))
هذه صيغة حصر تحصر جميع أَنواع الغلب، ولا نظن أَنه لا يمكن تسلط أَهل الشر في هذه الأَزمان، فإِنه بسبب اضاعته والا فدين رب العالمين محفوظ، حتى إِنه يحفظ من يقوم به. ولا نظن أَنه يرد عليه إدالة أَهل الباطل بعض الأَحيان فإِنه تمحيص ورفعة لأَهل الحق، وغرور لأَهل الباطل. ... (تقرير) .
(عقائد الناس في الصفات)
(123- س: هل أكثر اتباع الأئمة الأَربعة تأولوا نصوص الصفات؟)
ج: - نعم وغيرهم، وكذلك بعض المنتسبين إلى الحديث أَيضًَا. فالحق هو الحق. وأَهل الحديث المحض الحقيقة ما دخل عليهم شيء من ذلك، وكذلك الحنبلية الحقيقة والشافعية الحقيقة ما دخل عليهم إلا ما لا يسلم منه إلا معصوم. والذين ينتسبون إِلى الحديث في هذا الزمن تعدوا الجادة وتكلموا في الأَئمة ووقعوا في جهل وهوى. والا من المعلوم أَن في المنتسبين إِلى المذاهب أَشياءَ في الفقه وفي الاعتقادات. ... (تقرير) .
_________
(1) قلت: والمراد بالأمة في الحديث أمة الاجابة المسلمين، لا أمة الدعوة فإنها تشمل الوثنيين واليهود والنصارى الآن وغيرهم، فافتراق الأمة المراد في الحديث هو بالبدع التي لا تخرجهم من الاسلام كبدعة المرجئة، والقدرية، والخوارج، والرافضة، والجهمية.
أما الوثنيون من هؤلاء أَو غيرهم فلا يدخلون في الفرق الاسلامية ولا المذاهب الاسلامية، وكذلك النصارى واليهود والمجوس ليسوا من أمة محمد.(1/200)
(124- طعن الأحناف على أبي مطيع والفقه الأَكبر)
العجيب والمصيبة أَن المتأَخرين من الأَحناف يطعنون في أَبي مطيع، وينكرون الْمُؤَلَّفَ، وهذا كله من متأَخري الأَحناف الذين غرقوا في البدع كما غرق غيرهم، فإن أَهل هذا المذهب دخل عليهم من مذهب الأَشاعرة في الصفات. ... (تقرير الوكالة) .
(125- الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية للسفارينى)
الأَمر كما ذكر (1) في كثير من الوجوه. أَما في بعض الوجوه فلا، فانه دخلها من عقائد الأَشعرية ما دخلها، دخلت عليه كما دخلت على غيره. (2) ... (تقرير) .
(126- قول شارع الزاد في معنى ((الرحمن الرحيم)) : الموصوف بكمال الانعام أَو بارادة ذلك
هذا جرى فيه الشارح على آثار الشراح، وهذا من اعتقاد الأَشاعرة، ومن المعلوم أَنه شعبة من المذهب الجهمي الوبي. وقد اشتهر في النفي مذاهب أَربعة: المعتزلة، والأَشاعرة، والجهمية، والماتريدية. والماتريدية قريبة من الأَشعرية إلا أَن بينهما فروق مذكورة في مواضعها.
الجهمية ينفون جميع الأَسماء والصفات ولا يثبتون شيئًا أَو يثبتون ((القادر)) لأَن مذهب جهم الجبر. وهم زعموا التنزيه فلجئوا إلى التشبيه، فلما تصوروا ذلك واعتقدوه كذبوا الرسول ولجئوا إلى التعطيل، فوقعوا في تشبيه أَكثر من الأَول.
_________
(1) أي في تسميتها.
(2) قلت: وقد علق عليها والدي رحمه الله وبين ما فيها من أَخطاء وسماه ((حاشية الدرة المضية)) وطبع.(1/201)
والأَشاعرة أَثبتوا سبعًا، وقالوا في البقية أنها اخبار آحاد ونحو ذلك.
ثم الأَشاعرة في مسلكهم الردي في النصوص يقال لهم يلزمكم فيما صرتم إليه، فإن قالوا: ارادة مثل إرادة المخلوق. قيل: شبهتم، وإن قالوا: ارادة تليق بجلال الله. قيل لهم: وكذلك قولوا في الرحمة واثبتوا نصوص الكتاب والسنة. وكذلك يقال في سائر الصفات. والحق ما عليه أَهل السنة وهو اثبات الصفات حقيقة مع قطعهم أَن الجميع لا يماثل سفات المخلوقين. ... (تقرير) .
(127- مذهب الواقفة)
ونعرف غلطة في ((المجلة)) (1) وهي ترجع إلى تصويب الواقفة وهو غلط. معلوم أن وقت النبي والصحابة ما وجد من خاض في الصفات، ولما وقع الخوض فيها بامر باطل احتيج للرد عليهم فلو سكت عنه لانتفض الدين كله، فالضرورة دعت إليه كما ذكر الامام أَحمد (2) . أَما ابتداء فلا. فيعرف أَن كلامه غلط وباطل واضح، فإن الواقفة شكوا في الحقيقة. ومعلوم كلام الشيخ وخوضه في بحور الكلام لأَجل الرد عليهم. ... (تقرير العمدة) .
(128- قول صاحب اللمعة (3) وجب الايمان به لفظًا)
واما كلام صاحب اللمعة فهذه الكلمة مما لوحظ في هذه العقيدة، وقد لوحظ فيها عدة كلمات أخذت على المصنف،
_________
(1) التي سئل عن عبارة فيها.
(2) في رده على الزنادقة والجهمية.
(3) لمعة الاعتقاد لموفق الدين بن قدامة المتوفي 630هـ.(1/202)
إذ لا يخفى ان مذهب أَهل السنة والجماعة هو الايمان بما ثبت في الكتاب والسنة من أَسماء الله وصفاته لفظًا ومعنى، واعتقاد أَن هذه الأَسماءَ والصفات على الحقيقة لا على المجاز، وأَن لها معاني حقيقة تليق بجلال الله وعظمته. وادلة ذلك أَكثر من أَن تحصر. ومعاني هذه الأَسماء ظاهرة معروفة من القرآن كغيرها لا لبس فيها ولا اشكال ولا غموض، فقد أخذ أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه القرآن ونقلوا عنه الأَحاديث لم يستشكلوا شيئًا من معاني هذه الآيات والأَحاديث لأَنها واضحة صريحة، وكذلك من بعدهم من القرون الفاضلة، كما يروى عن مالك لما سئل عن قوله سبحانه: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (1) قال: الاستواءُ معلوم، والكيف مجهول والايمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وكذلك يروى معنى ذلك عن ربيعة شيخ مالك، ويروى عن أُم سلمة مرفوعًا وموقوفًا.
أما كنه الصفة وكيفيتها فلا يعلمه إلا الله سبحانه، إذ الكلام في الصفة فرع عن الكلام في الموصوف، فكما لا يعلم كيف هو -إلا هو- فكذلك صفاته. وهو معنى قول مالك: والكيف مجهول.
أَما ما ذكره في ((اللعمة)) فانه ينطبق على مذهب المفوضة وهو من شر المذاهب واخبثها. والمصنف رحمه الله إمام في السنة ومن أَبعد الناس عن مذهب المفوضة وغيرهم من المبتدعة. والله أَعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
(ص-ف 328 في 28-7-85هـ) .
_________
(1) سورة طه 5.(1/203)
(129- صنفان أفسدا الناس)
في الحقيقة ما أَفسد الناس إلا صنفان: المتكلمون في باب الصفات، والخرافيون في باب العبادات. ... (تقرير الحموية)
(أَسماء الله جل جلاله وصفاته)
(130- القديم والأَزلي)
الصحيح أَن القديم ليس من أَسماء الله، وجاءَ في حديث اظنه ضعيفًا في سنن ابن ماجه (1) وجاءَ ما هو أَكمل منه وأَثبت وهو (الأَوَّلُ) فقوله ((القديم)) بناءً على الحديث المذكور، فلا يثبت به فرع من الفروع، فضلاً عن اثبات أَصل من الأًصول وهو أَسماءُ الله.
والأَزلي هذا يكفي عنه اسمه تعالى (الآخِرُ) . ... (تقرير شرح الزاد) .
(131- س: الخالق الرازق هل هي أَسماء مشتركة أَو مختصة؟)
ج: - الظاهر جنس اطلاق الخلق على المخلوق موجود، ولكنه ليس فاشيا كفشو الكريم والرحمن. ... (تقرير) .
(132- س: خلق النهضة؟)
ج: - لغة هو صحيح. وأَما شرعًا فأَظنه لا يجوز شرعًا، ولو قدر أَنه ليس محرمًا فالأَدب أَن يجتنب، مثل ما جاءَ في الحديث (2) في الاستغاثة: ((إِنَّهُ لا يُسْتَغَاثُ بِيْ)) انكر قوله: نستغيث برسول الله. ... (تقرير) .
_________
(1) في أَبواب الدعاء ذكر القديم من التسعة والتسعين.
(2) الذي رواه الطبراني.(1/204)
(133- س: ما تفسير قوله: (ألا انه بكل شيء محيط) (1) مع قوله: (على العرش استوى؟) (2)
ج: - هو سبحانه محيط بجميع خلقه علمًا، وغير علم أَيضًا. وليس المراد أَن فيه شيئًا من مخلوقاته، كمال الاحاطة لا يلزم منها ذلك، مثل ما في حديث ابن عباس: ((مَا السَّمَواتُ السَّبْعُ فِي كَفِّ الرَّحمن إِلاَّ كَخَرْدَلَة فِي يَدِ أَحَدِكُمْ)) الخردل هو الهباءُ أَو حب نبات مشهور - قريب من حب الحرشاءِ. إذا عرفت هذا النعت سهل لك معنى (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ) .
(تقرير الحموية)
(134- س: جاء في بعض نقول الحموية الشائي الخ)
ج: - هذا اسم فاعل من شاءَ، من الإِخبار عن الله بلفظ الاسم لم يجعلها أَسماءً. ... (تقرير) .
(135- المفتي الأكبر ليس من أَسماء الله)
وأما الشق الثاني (3) وهو قوله: إن الله هو المفتي الأَكبر. فهذا الاطلاق غير صحيح، ولم نسمع بأحد من أَهل العلم أَطلق على الباري تعالى اسم ((المفتي الأَكبر)) فليس من الأَسماء الحسنى بلا شك. وأَما إسناد الافتاءِ إليه تعالى في القرآن بصيغة الفعل المقيد وهو قوله: (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ) (4) فلا اشكال في ذلك ولكن لا يستلزم تسميته باسم المفتي الأَكبر، فإن باب الأَفعال أَوسع من باب الأَسماء كما بينه العلامة ابن القيم في كتبه، قال في ((مدارج السالكين ج3 ص415)) في الكلام على الواجد: واطلق الله على نفسه أَفعالاً لم يتسم فيها باسم الفاعل كأراد وشاءَ وأَحدث، ولم يسم بالمريد والشائي والمحدث، كما لم يسم نفسه بالصانع والفاعل والمتقن وغير ذلك من الأَسماء التي أَطلق أَفعالها على نفسه، فباب الأَفعال
_________
(1) سورة فصلت 54.
(2) سورة طه 5.
(3) تقدم الجواب على الشق الأَول في التسمي بالمفتي الأَكبر في الفتوى عدد 94 وهذا هو الجواب عن الشق الثاني من السؤال وهو قوله مع أَن الله هو المفتي الأَكبر.
(4) سورة النساء 176.(1/205)
أَوسع من باب الأَسماء. وقد أَخطأَ أَقبح الخطإ من اشتق له من كل فعل اسمًا، وبلغ باسمائه زيادة على الأَلف، فسماه الماكر والخادع والفاتن والكائد ونحو ذلك. وكذلك باب الاخبار عنه بالاسم أَوسع من تسميته به، فانه يخبر عنه بانه شيء وموجود ومذكور ومعلوم ومراد ولا يسمى بذلك نفسه. ومر ابن القيم في هذا البحث - إلى أَن قال: وهذا من دقيق فقه الأَسماء الحسنى.
(ص-ف-879-1 في 5-4-1385هـ) .
(136- س: جلالة الملك المعظم)
ج: - لا يظهر لي أَن فيهما باسًا، لأَن له جلالة تناسبه. (تقرير) .
(137- س: الأَجل)
ج: - لا يجوز. ... (تقرير) .
(138- س: العزيز)
ج: ما ينبغي، الا أَن قال عزيز الجناب فهذا ظاهر (تقرير الواسطية) .
(139- س: لك البقاء، ولك الدوام)
أَدام الله وجودك، أَدام الله بقاءك، أَطال الله بقاءك، أَطال الله عمرك.
ج: - البقاء لله (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) المخلوق ما له بقاء،(1/206)
ولا له دوام. فإذا قال إنسان لإنسان: لك البقاءُ ودمت كذا فهذا مما لا يجوز، البقاءُ من صفات الله، فاذا أُسند إلى إنسان فهو من الشرك.
لعلك تقول: الذي انحنى أَو قال لك البقاءُ مشرك؟
قيل لا، لأَنها كثيرًا ما تصدر من جهال وعوام، والجهل يمنع الحكم، لأَن فيها شيئًا من الغموض.
أَطال الله بقاءَك وأَطال الله عمرك لا بأس بهما. أَدام الله وجودك أَدام الله بقاءَك لا يجوز.
والجملة الاسمية أَغلظ. ... (تقرير) .
(140- س: قول بعض العامة تباركت علينا يا فلان أَو يا فلان تبارك علينا؟)
ج: - هذا لا يجوز، فهو تعالى المبارك، والعبد هو المبارك. وقول ابن عباس (تَبَارَكَ الله) تعاظم يريد أَنه مثله في الدلالة على المبالغة والبركة هي دوام الخير وكثرته، ولا خير أَكثر وأَدوم من خيره سبحانه وتعالى، والخلق يكون في بعضهم شيء ولا يبلغ النهاية. فيقال: مبارك، أَو فيه بركة، وشبه ذلك.
(تقرير صلاة التطوع)
(141- س: أنه على ما يشاء قدير)
ج: - الأَولى أَن يطلق ويقال: إن الله على كل شيء قدير، لشمول قدرة الله جل جلاله لما يشاؤه ولما لا يشاؤه.
(ص-ف309 في 3-2-79هـ) .
وقد غلط من نفى قدرته على ما لا يشاؤه، ومن الحجة عليهم(1/207)
قوله تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ) الآية. (1) ويكثر ذكر هذه العبارة في تفسير ابن كثير رحمه الله. ... (تقرير) .
(142- المشيئة)
لم ترد مستعملة في الدينية إنما جاءت مستعملة في الكونية
فلا تنقسم، ولا أَعلم أَنها تنقسم، بخلاف الارادة. (2) . ... (تقرير)
(143- س: عد الباقلاني الغضب والرضا من الصفات الذاتية التي لم يزل موصوفًا بها)
ج: - يريد جنسها كما تقدم نحو هذا في العلم والارادة. وهكذا كل ما هو متعلق بالمشيئة والارادة كالكلام. ... (تقرير الحموية) .
(144- س: اللعن؟)
ج: يجيء في النصوص من لَعْنِ الله مَنْ لَعَنَ. فتفسيره عند كثير هو الطرد والابعاد عن مظان الرحمة. وهذا من التفسير باللازم، والا فلا مانع من وقوعه من الله لفظًا كما قاله شيخ الاسلام، فان الله يلعن من يستحق اللعن، فاذا لعن الله أحدًا هذا اللعن فمن المعلوم ما يترتب على ذلك من الطرد والابعاد عن مظان الرحمة. ... (تقرير) .
_________
(1) سورة الانعام 65.
(2) فانها تنقسم إلى إرادة كونية وإرادة شرعية فمن الأَول: (وَلَوْ شَاء اللهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) ومن الثاني قوله تعالى: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) .(1/208)
(145- اللهم تصدق علينا)
بعض يقول: الصدقة لا تسمى صدقة إلا ممن يريد عائدة ولعل الأَقوى الجواز. والمسألة فيها خلاف، والأَمر في هذا سهل وفي النصوص كلمات ترادف الصدقة: اللهم احسن إلينا بكذا. اللهم أَفضل علينا بكذا. ... (تقرير)
(146- ((فان الله لا يمل حتى تملوا)) ) (1)
من نصوص الصفات، وهذا على وجه يليق بالباري لا نقص فيه، كنصوص الاستهزاءِ والخداع فيما يتبادر. ... (تقرير) .
(147- س: إذا قال: الله معشوق لفلان؟)
ج: - غلط، لأَن العشق فيه التجني ... (تقرير) .
س: - أَقول: اصفه بالعشق وانزهه عما لا يليق به؟
ج: - أَجل تقول كل ما فيه نقص هذا القول؟! لا. ... (تقرير) .
(الاستواء بذاته)
(148- وانه استواء الذات على العرش - عبارة عبد القادر الجيلاني)
ج: - يعني الاستواء الحقيقي. يصرح كثير من العلماء المشاهير والأَئمة الكبار بلفظ الذات، وبعض من أَهل السنة يمتنع من التصريح بها، وكل على خير. فالذين نطقوا بها أَرادوا التجرد والبعد عن رائحة التأويل الذي هو التعطيل، فان قومًا قد يطلقونها ولا يستعملون التاويل ويريدون أَنه لا يلزم استواءُ الذات، فلذلك يصرح من يصرح بلفظ الذات. والآخرون رأَوا
_________
(1) أَول الحديث ((اكلفوا من العمل ما تطيقون)) وآخره ((وان أَحب العمل إلى الله تعالى أَدومه وان قل)) أَخرجه أَحمد والنسائي عن عائشة.(1/209)
أَن هذا الباب توقيفي. وهؤلاء مغزاهم حق، وأولئك كذلك. فهؤلاء لهم فائدة في الاعتقاد، وسبب هدى العباد، وصار أَتم في الاثبات. والآخرون ارادوا استعمال اللفظ وأن لا يزيدوا على اللفظ. والحاجة إذا دعت إلى ذكر شيء في هذا الباب من دفع الضلال والبدع أَتي بشيء من ذلك ولا مانع، أَفيكون مستويًا بغير ذاته. فإذا تركت هذه اللفظة فتاركها على جادة، ولكن يشترط أَن يكون معهم. ... (تقرير) .
(149- سئل عن قوله: بلا مماسه؟)
فأجاب: هذا الأَولى تركه، فإن ما نطق به الكتاب والسنة والقول بأنه على ما يليق أَولى. (تقرير شرح الطحاوية) (1)
(150- قول مالك: الاستواء معلوم. هل مراده معلوم عند الله)
ج: - مراده معلوم للخلق وللعلماء، ولذلك فرق بين الأَمرين:
المعنى، والكيف. أَما الذين يقولون عن لفظة ((الاستواءُ معلوم)) عند الله فهم أَهل التحريف الجهال. ... (تقرير)
(151- س: روى ابن جرير عن ابن عباس (كرسيه) علمه)
ج: - قد ينزع به بعض المبتدعة، لكن يحتاج إلى ذكر السند فانه لم يشترط صحة ما رواه، وذلك أنه صح عن ابن عباس أنه موضع القدمين، فيكون الأَول وَهْمٌ على ابن عباس، فابن عباس وغيره والأَحاديث كلها مثبتة للكرسي. وأَيضًا سياق الآية لا يساعد القائل: علمه. ... (تقرير الحموية) .
_________
(1) قلت وانظر بسط ذلك في (نقض تأسيس الجهمية لابن تيمية - الجزء الثاني ص555، 556 الطبعة الأولى 1392هـ) .(1/210)
(152- س: النزول إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان؟)
ج: - يحتاج إلى النظر في حديثه هل تقوم به حجة أَم لا، ونقل ابن تيمية له عن هؤلاء حكاية عن جنس معتقدهم، لا أَن كل واحد لا يزل ولا في كلمة واحدة، لكن الأمور المبتدعة ليس لهم منها نصيب. ... (تقرير الحموية) .
(153- (ونحن أَقرب إليه من حبل الوريد)
(ونحن أَقرب إليه منكم))
شيخ الاسلام وجماعة يقولون أَنه قرب الملائكة لا قرب الذات. والأَقرب -والله أَعلم- قول من قال قرب الملائكة كما يدل عليه السياق، ونصوص الاستواءِ مؤيدة لذلك.
وصرح الشيخ وتلميذه بأَنه لم يرِدِ القُربُ العام في النصوص. أَما ما يقتضيه كمال قدرته وكمال معيته اللائقة بجلال الله وعظمته فهو شيء معلوم معروف. ... (تقرير) .
(154- ثم دنا فتدلى)
استدل بها على القرب العام، ولكن المعروف الصحيح أَن الضمائر عائدة إلى جبريل عليه السلام. وهذا غير ما في حديث الاسراء (1) . ... (تقرير) .
(155- س: إذا نزل ربنا جل جلاله لفصل القضاء بين العباد هل نعلم كيفيته؟)
ج: - لا. أَلخلق أَعجز عن أَن يعلموا كيفيته. والآية الكريمة (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) عامة في الدنيا والآخرة، ورؤيته تعالى
_________
(1) الذي ساقه البخاري في كتاب التوحيد، وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم فان فيه ((ودنا رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أَو أَدنى فأَوحى الله إليه فيما يوحى خمسين صلاة.)) ... إلخ.(1/211)
أَعظم لذة أَهل الجنة بالنسبة إلى المرئيات ومع ذلك لا يحاط به رؤية. أَنت ترى القمر ولا تحيط بتفاصيله مع أَن رؤيته يضرب بها المثل. ... (تقرير الحموية) .
(156- س: الحركة والكلام فيها، وكونه يخلو منه العرش إذا نزل أَولا.)
ج: - الأولى العدول عن اللفظ الذي مثل هذا إلى ما كان مألوفًا مثل أَن يقال: على ما يليق بجلال الله وعظمته ونحو هذا. والكلام في كونه يخلو منه، أَولا. الأولى اثبات النزول على ما يليق بجلال الله وعظمته وثبوت الكمال ولوازمه، وهذا محكي فيه قولان. (1) . ... (تقرير الطحاوية)
(157- س: قول بعض السلف: معهم بعلمه؟)
ج: إذا جاءَت هذه الكلمة فهي تفسير للمعية بالمقتضى ليست تفسيرًا لحقيقة الكلمة. والذي يحمل ويحدو على التفسير بهذا أَن المنازع في هذا المبتدعة الذين يقولون أنه مختلط بهم، فيأتي البعض من السلف بالمراد بالسياق وهو أَنه بكمال علمه، ولكن لا يريدون أَن كلمة (مع) مدلولها بكل شيء عليم، بل اجتمعت معها في العلم وزادت المعية بالمعنى وهو كونه معهم، فتفسيرها بالمقتضى لا يدل على أَن معناها باطل، فالكل حق، ولا يثبت ما سيق الشيء من أَجله إلا من أَجل ما سيق، لا يثبت
_________
(1) أنظر مجموع فتاوي ابن تيمية ج36 ص94.(1/212)
المدلول الا بعد ثبوت الدليل، فلا يثبت العلم إلا بعد ثبوت المعية - وهي المقارنة المطلقة - وهي تختلف باختلاف مواردها، فقد يكون الشيء مع الشيء وبينهما من المسافة الشيء الكثير. فمعية الله شيء، ومعية الخلق شيء، ومعية الخلق بعضهم مع بعض شيء. ... (تقرير الحموية) .
ولهذا شيخ الاسلام في عقيدته الاخرى المباركة المختصرة (1) بين أَن قوله: (مَعَهُمْ) حق على حقيقته. فمن فسرها من السلف بالمقتضى فلحاجة دعت إلى ذلك وهي الرد على أَهل الحلول الجهمية الذين ينكرون العلو كما تقدم. والقرآن يفسر بالمطابقة وبالمفهوم والاستلزام والمقتضى وغير ذلك من الدلالات. وهؤلاء العلماءُ الذين روي عنهم التفسير بالمقتضى لا ينكرون المعية بل هي عندهم كالشمس. ... (تقرير الحموية أيضًا) .
(كلام الله)
(158- س: قول بعضهم كلام الله قديم؟)
ج: هذه جاءَت في كلام بعض المشاهير كالموفق وهي ذهول وإلا فهو الأَول بصفاته. والذي تنطبق عليه النصوص أَن يقال: قديم النوع، حادث الآحاد. وليس المراد بالحدوث الخلق، بل وجود ما كان قبلُ غير موجود. فالله كَلَّمَ، وَيُكَلِّمُ أَهل الجنة. وأَي شيء في هذا؟! بل هذا من لازم الكمال والحياة. فالحاصل أَن الصواب في هذا الباب أَنه أَول النوع حادث الآحاد. وأَول النوع أَسلم من قديم النوع.
_________
(1) العقيدة الواسطية.(1/213)
ونعرف الفرق بين القرآن قديم فانه باطل بحت وبين بكلام قديم فانه يحمل على الأَولية، لكن عبارة السلف في ذلك أَحسن: لم يزل متكلمًا إذا شاء. أَما اطلاق أًَن الله متكلم مريد فالظاهر أَن الشيخ انتقد على الأَصفهاني - هذا الاطلاق (1) ليس متكلم مطلق بل إذا شاءَ. وعبارة السلف: لم يزل الله متكلمًا إذا شاءَ. ... (تقرير الحموية)
(159- الجواب الواضح المستقيم)
في التحقيق
في كيفية انزال القرآن الكريم
(أَو)
((نقد قول السيوطي في الاتقان: أن جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ وجاء به إلى محمد))
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين
الحمد لله الذي أَرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على كل دين، وأَشهد أَن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأَشهد أَن محمدًا عبده ورسوله وخليله وخيرته من بريته أَجمعين، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأَصحابه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أَما بعد: فقد سأَلني من تعينت اجابته عن ما وقع في ((كتاب الاتقان للسيوطي)) في بحث كيفية انزال القرآن الكريم حاكيًا
_________
(1) قال في شرح العقيدة الأصفهانية: وأما تسميته سبحانه بأَنه مريد وأَنه متكلم فان هذين الاسمين لم يردا في القرآن ولا في أسماء الله الحسنى إلى أَن قال: وأَما الكلام والارادة فلما كان جنسه ينقسم إلى محمود ومذموم.. جائت النصوص بما يدل على الكلام المحمود والارادة المحمودة. إلخ ...(1/214)
له في جملة أَقوال من غير رد له ولا انكار من أَن جبريل عليه السلام أَخذه من اللوح المحفوظ وجاءَ به إلى محمد صلى الله عليه وسلم: هل هذا من أَقوال أَهل السنة والجماعة، ومما ثبت عن سلف هذه الأُمة وأَئمتها، أَو هو من أَقوال أَهل البدع، وما حقيقة ذلك، وأَي شيء ترجع إليه هذه المقالة. فأقول ومن الله أَستمد الصواب، وهو حسبي ونعم الوكيل:
هذه ((المقالة)) اغتر بها كثير من الجهلة وراجت عليهم. والسيوطي رحمه الله مع طول باعه وسعة اطلاعه وكثرة مؤلفاته ليس ممن يعتمد عليه في مثل هذه الأصول العظيمة. وهذه ((المقالة)) مبنية على أَصل فاسد، وهو القول بخلق القرآن، وهذه هي مقالة الجمهمية والمعتزلة ومن نحى نحوهم. وهذه المقالة الخاطئة حقيقتها انكار أَن يكون الله متكلمًا حقيقة، ويلزم هذه المقالة من الكفر والالحاد والزندقة وانكار الرسالة ووصف الله تعالى بالخرس وتشبيهه بآلهة المشركين الأصنام التي لا تنطق وغير ذلك من المحاذير الكفرية ما يعرفه أَهل العلم فان الذي عليه أَهل السنة والجماعة قاطبة أَن الله تعالى لم يزل متكلمًا إذا شاءَ ومتى شاءَ وكيف شاءَ، وأن جبريل عليه السلام سمع القرآن الكريم من الله تعالى، وبلغه إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
والقائلون بخلق القرآن منهم من يقول: خلقه في اللوح المحفوظ، وأَخذ جبريل ذلك المخلوق من اللوح المحفوظ، وجاءَ به إلى محمد صلى الله عليه وسلم. ومنهم من يقول: خلقه في جبريل. ومنهم من يقول: خلقه في محمد، إلى غير ذلك من أَقوالهم.(1/215)
والأَدلة لأَهل السنة والجماعة على هذا الأَصل من الكتاب والسنة والمعقول كثيرة جدًا، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ) (1) وقال تعالى: (حم - تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ - غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ) (2) وقال تعالى: (حم - تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (3) وقال تعالى: (الم - تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) (4) .
وقال تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ) (5) و (من) في هذه الآيات كلها لابتداء الغاية. وإذا ضم ذلك إلى الآيات الدالة على أَن الله متكلم حقيقة كقوله تعالى:
(وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) (6) (مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ) (7) (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ) (8) يعني القرآن ونحو ذلك من الآيات المثبتة. نسبة القرآن وغيره من كلام الله إلى الله نسبة قول وكلام له تعالى اتضح بذلك ابتداءُ القرآن من رب العالمين قولاً، ولم يبق أَي لبس في أَن القرآن سمعه جبريل من رب العالمين، كما سمع موسى عليه السلام الكلام من الله تعالى حقيقة.
_________
(1) سورة الانعام 14.
(2) سورة المؤمن 1- 3.
(3) سورة فصلت 1- 2.
(4) سورة السجدة 1- 2.
(5) سورة النحل 101.
(6) سورة النساء 163.
(7) سورة البقرة 253.
(8) سورة التوبة 8.(1/216)
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَقُولُ اللهُ تَعَالى يَوْم الْقيامَة يَا آدَمُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ فَيُنَادِيْ بصَوْت إن اللهَ يَامُرُكَ أَنْ تُخْرجَ منْ ذُرِّيَّتكَ بَعْثًا إلى النَّار)) .
وأَنا أَسوق بعض ما وقفت عليه من كلام المحققين في هذه المسألة المشتمل على كثير من النصوص مع تقريرهم دلالتها أَحسن تقرير، مما تقر به عيون الموحدين، وينقمع به الجهلة من المبتدعة والملحدين، ويكون أَصلا في هذا الباب للمسترشدين مكتفيًا بذلك عن سرد الأَدلة. والله المستعان.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته ((كتاب مذهب السلف القويم، في تحقيق مسألة كلام الله الكريم)) (1) ما نصه: ((فصل)) في بيان أَن القرآن العظيم كلام الله عزيز العليم، ليس شيء منه كلامًا لغيره لا جبريل ولا محمد ولا غيرهما، قال الله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ - إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ - وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ - قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ - وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) (2) فأمره أَن يقول (نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ) والضمير في قوله: (نَزَّلَهُ) عائد
_________
(1) وهذه الرسالة أعيد طبعها في مجموع فتاوي ابن تيمية جـ12 ص 117- 162.
(2) سورة النحل 98- 103.(1/217)
على ((مَا)) في قوله (بِمَا يُنَزِّلُ) فالمراد به القرآن كما يدل عليه سياق الكلام.
وقوله: (وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ) فيه اخبار بأنه أَنزله، لكن ليس في هذه اللفظة بيان أَن روح القدس نزل به ولا أَنهه منزل منه. ولفظ الانزال في القرآن قد يرد مقيدا بالانزال منه كنزول القرآن. وقد يرد مقيدًا بالانزال من السماء ويردا به العلو فيتناول نزول المطر من السحاب ونزول الملائكة من عند الله وغير ذلك. وقد يرد مطلقًا فلا يختص بنوع من الانزال، بل ربما يتناول الانزال من رؤوس الجبال كقوله تعالى:
(وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) (1) والانزال من ظهور الحيوان كانزال الفحل الماءَ وغير ذلك. فقوله: (نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ) بيانا لنزول جبريل به من الله عز وجل، فإن روح القدس هنا هو جبريل بدليل قوله تعالى: (قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ) (2) وهو الروح الأَمين كما في قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ - نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ - عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ - بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) (3) وفي قوله (الْأَمِينُ) دلالة على أَنه مؤتمن على ما أَرسل به لا يزيد فيه ولا ينقص، فان الرسول الخائن قد يغير الرسالة كما قال تعالى في صفته في الآية الأُخرى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ - ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ - مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) (4)
_________
(1) سورة الحديد 25.
(2) سورة البقرة 97.
(3) سورة الشعراء 192- 195.
(4) سورة التكوير 19- 21.(1/218)
وفي قوله: (مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ) دلالة على أمور: منها بطلان قول من يقول انه كلام مخلوق خلقه في جسم من الأَجسام المخلوقة كما هو قول ((الجهمية)) الذين يقولون بخلق القرآن من المعتزلة والنجارية والضرارية وغيرهم، فان السلف كانوا يسمون كل من نفى الصفات وقال ان القرآن مخلوق وأن الله لا يرى في الآخرة جهميًا.
فان جهمًا أَول من ظهرت عنه بدعة نفي الأَسماءِ والصفات وبالغ في نفي ذلك، فله في هذه البدعة مزيد المبالغة في النفي والابتداء لكثرة اظهار ذلك والدعوة إليه، وان كان الجعد بن درهم قد سبقه إلى بعض ذلك، فان الجعد أَول من أَحدث ذلك في الاسلام فضحى به خالد بن عبد الله القسري بواسط يوم النحر، وقال: يا أَيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فاني مضح بالجعد بن درهم، انه زعم بأن الله لم يتخذ ابراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا، ثم نزل فذبحه.
ولكن المعتزلة وان وافقوا جهما في بعض ذلك فهم يخالفونه في مسائل غير ذلك كمسائل الايمان والقدر وبعض مسائل الصفات ايضًا ولا يبالغون في النفي مبالغته، وجهم يقول أَن الله لا يتكلم أَو يقول أنه متكلم بطريق المجاز، وأما المعتزلة فيقولون أنه تكلم حقيقة، لكن قولهم في المعنى هو قول جهم، وجهم ينفي الأَسماءَ أَيضًا كما نفتها الباطنية ومن وافقهم من الفلاسفة، وأَما جمهور المعتزلة فلا تنفي الأَسماءَ.
فالمقصود ان قوله: (مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ) فيه بيان أنه منزل من الله لا من مخلوق من المخلوقات، ولهذا قال السلف: منه بدأَ. أَي(1/219)
هو الذي تلكم به لم يبتدأ من غيره كما قالت الخلقية.
ومنها أَن قوله: (مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ) فيه بطلان قول من يجعله فاض على نفس النبي من العقل الفعال أَو غيره كما يقول ذلك طوائف من الفلاسفة والصابئة، وهذا القول أَعظم كفرًا وضلالاً من الذي قبله.
ومنها أَن هذه الآية أيضًا تبطل قول من قال أَن القرآن ليس منزل من الله بل مخلوق أما في جبريل أَو محمد أَو جسم آخر غيرهما، كما يقول ذلك الكلابية والأَشعرية الذين يقولون: القرآن العربي ليس هو كلام الله، وانما كلامه المعنى القائم بذاته، والقرآن العربي خلق ليدل على ذلك المعنى، ثم إما أَن يكون خلق في بعض الأَجسام الهواء أَو غيره، أَو ألهمه جبريل فعبر عنه بالقرآن العربي، أَو أَلهمه محمدًا فعبر عنه بالقرآن العربي، أَو يكون جبريل أخذه من اللوح المحفوظ أَو غيره. فهذه الأقوال التي تقدمت هي تفريع على هذا القول، فان هذا القرآن العربي لابد له من متكلم تكلم به أَوَّلاً قبل أَن يصل إلينا.
وهذا القول يوافق قول المعتزلة ونحوهم في اثبات خلق القرآن العربي، وكذلك التوراة العبرية، ويفارقه من وجهين ((أَحدهما)) : ان أولئك يقولون أن المخلوق كلام الله، وهؤلاء يقولون أنه ليس كلام الله لكن يسمى كلام الله مجازا، وهذا قول أَئمتهم وجمهورهم وقالت طائفة من متأخريهم بل لفظ الكلام يقال على هذا وهذا بالاشتراط اللفظي، لكن لفظ هذا الكلام ينقض أَصلهم في ابطال قيام الكلام بغير المتكلم به.(1/220)
ومع هذا لا يقولون ان المخلوق كلام الله حقيقة كما يقوله المعتزلة مع قولهم انه كلامه حقيقة بل يجعلون القرآن العربي كلامَا لغير الله وهو كلام حقيقة، وهذا شر من قول المعتزلة، وهذا حقيقة قول الجهمية ومن هذا الوجه فقول المعتزلة أَقرب وقول الآخرين هو قول الجهمية المحضة، لكن المعتزلة في المعنى موافقون لهؤلاء وانما يتنازعونهم في اللفظ.
((الثاني)) : ان هؤلاء يقولون لله كلام هو معنى قديم قائم بذاته، والخلقية يقولون لا يقوم بذاته كلام. ومن هذا الوجه الكلابية خير من الخلقية في الظاهر، ولكن جمهور الناس يقولون أَن أَصحاب هذا القول عند التحقيق لم يثبتوا كلامًا له حقيقة غير المخلوق، فانهم يقولون أنه معنى واحد هو الأَمر والنهي والخبر، ان عبر عنه بالعربية كان قرآنا، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة، وان عبر عنه بالسريانية كان انجيلا ومنهم من قال هو خمس معان، وجمهور العقلاء الكثيرون يقولون ان فساد هذا معلوم بالضرورة بعد التصور التام، والعقلاءُ الكثيرون لا يتفقون على الكذب وجحد الضرورات من غير تواطىء واتفاق كما في الأَخبار المتواترة، واما مع التواطىء فقد يتفقون على الكذب عمدا، وقد يتفقون على جحد الضرورات وان لم يعلم كل منهم أنه جاحد للضرورة ولم يفهم حقيقة القول الذي يعتقده لحسن ظنه فيمن يقلد قوله ولمحبته لنصر ذلك القول، كما اتفقت النصارى والرافضة وغيرهم من الطوائف على مقالات يعلم فسادها بالضرورة.
وقال جمهور العقلاءِ: نحن اذا عربنا التوراة والانجيل لم يكن(1/221)
معنى ذلك معنى القرآن بل معاني هذا ليست معاني هذا، وكذلك معنى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ليس هو معنى (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) ولا معنى ((آية الكرسي)) معنى ((آية الدَّين)) . وقالوا: إذا جوزتم أَن تكون الحقائق المتنوعة شيئًا واحدًا فجوزوا أَن يكون العلم والقدرة والكلام والسمع والبصر صفة واحدة، فاعترف أَئمة هذا القول بان هذا الالزام ليس لهم عنه جواب عقلي. ثم منهم من قال: الناس في الصفات إما مثبت لها قائل بالتعدد، وإما ناف لها، وأَما اثباتها واتحادها فخلاف الاجماع، وهذه طريقة القاضي أَبي بكر وابي المعالى وغيرهما ومنهم من اعترف بأنه ليس له عنه جواب كأبي الحسن الآمدي وغيره.
والمقصود هنا أَن هذه الآية تبين بطلان هذا القول، كما تبين بطلان غيره، فان قوله: (نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ) يقتضي نزول القرآن من ربه والقرآن اسم للقرآن العربي لفظه ومعناه، بدليل قوله: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) وانما يقرأُ القرآن العربي لا يقرأُ معانيه المجردة. وأَيضًا فضمير المفعول في قوله (نَزَّلَه) عائد إلى (مَا) في قوله (وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ) فالذي انزله الله هو الذي نزل به روح القدس. فإذا كان روح القدس نزل بالقرآن العربي لزم أَن يكون نزله من الله فلا يكون شيء منه نزله من غيره من الأَعيان المخلوقة ولا نزله من نفسه. وأيضًا فانه قال عقب هذه الآية: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ) الآية وهم كانوا يقولون انما يعلمه هذا القرآن العربي بشر، لم يكونوا يقولون انما يعلمه بشر معانيه فقط بدليل قوله: (لِّسَانُ(1/222)
الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) فانه تعالى أَبطل قول الكفار بان لسان الذي الحدوا إليه - فجعلوه هو الذي يعلم محمدا القرآن - لسان أَعجمي والقرآن لسان عربي مبين فلو كان الكفار قالوا يعلمه معانيه فقط لم يكن هذا ردا لقولهم فان الانسان قد يتعلم من الأعجمي شيئا بلغة ذلك الأعجمي ويعبر عنه بعباراته. وقد اشتهر في التفسير أَن بعض الكفار كانوا يقولون هو تعلمه من شخص كان بمكة أَعجمي قيل انه كان مولى لابن الحضرمي. وإذا كان الكفار جعلوا الذي يعلمه ما نزل به روح القدس بشرا والله أَبطل ذلك بان لسان ذاك أَعجمي وهذا لسان عربي مبين علم أَن روح القدس نزل باللسان العربي المبين وان محمد لم يؤلف نظم القرآن بل سمعه منه ولم يؤلفه هو، وهذا بيان من الله أَن القرآن العربي هو اللسان العربي المبين سمعه روح القدس من الله.
وكذلك قوله: (هُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً) الآية (1) والكتاب اسم للكلام العربي بالضرورة والاتفاق فان الكلابية أَو بعضهم يفرق بين كلام الله وكتاب الله، فيقول كلام الله هو المعنى القائم بالذات وهو غير مخلوق، وكتابه هو المنظوم المؤلف العربي وهو المخلوق. والقرآن يراد به تارة هذا وتارة هذا، والله تعالى قد سمى نفس مجموع اللفظ والمعنى قرآنا وكتابًا وكلامًا فقال تعالى: (تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ) (2)
_________
(1) سورة الانعام 114.
(2) سورة النمل 2.(1/223)
وقال (طسم - تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) (1) وقال (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ) الآية (2) فبين أَن الذين سمعوه هو القرآن وهو الكتاب، وقال: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ) الآية (3) وقال: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) الآية (4) وقال: (يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً) (5) وقال: (وَالطُّورِ - وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ) الآية (6) وقال: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا) الآية (7) لكن لفظ الكتاب قد يراد به المكتوب فيكون هو الكلام، وقد يراد به ما يكتب فيه، كقوله (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا) الآية (8) .
والمقصود هنا أَن قوله: وقال: (هُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً) يتناول نزول القرآن العربي على كل قول، وقد أَخبر أَن الذين آتاهم الكتاب يعلمون أَنه منزل من ربك بالحق اخبار مستشهد بهم لا مكذب لهم، وقال انهم يعلمون ذلك، لم يقل انهم يظنونه أَو يقولونه. والعلم لا يكون إلا حقًا مطابقًا للمعلوم بخلاف القول والظن الذي ينقسم إلى حق وباطل، فعلم أَن القرآن العربي منزل من الله لا من الهواء ولا من اللوح ولا من جسم آخر ولا من جبريل ولا محمد ولا غيرهما. وإذا كان أَهل الكتاب يعلمون ذلك فمن لم يقر بذلك من هذه الأمة كان أَهل الكتاب المقرون بذلك خيرا منه من هذا الوجه.
_________
(1) سورة الشعراء 1، 2.
(2) سورة الأحقاف 29.
(3) سورة البروج 21.
(4) سورة الواقعة 77؟
(5) سورة البينة 2.
(6) سورة الطور 1، 2.
(7) سورة الانعام 7.
(8) سورة الاسراء 13.(1/224)
وهذا لا ينافي ما جاءَ عن ابن عباس وغيره من السلف في تفسير قوله تعالى: (. إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) أنه أَنزله إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم أَنزله بعد ذلك منجمًا مفرقًا بحسب الحوادث. ولا ينافي أَنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزوله، كما قال تعالى: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ) الآية وقال: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) الآية وقال (إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ) الآية (1) وقال (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ) الآية (2) . وكونه مكتوبًا في اللوح المحفوظ وفي صحف مطهرة بأيدي الملائكة لا ينافي أَن يكون جبريل نزل به من الله، سواء كتبه الله قبل أَن يرسل به جبريل وغير ذلك، وإذا كان قد أَنزله مكتوبًا إلى بيت العزة جملة واحدة في ليلة القدر فقد كتبه كله قبل أَن ينزله، والله تعالى يعلم ما كان وما لا يكون أَن لو كان كيف كان يكون، وهو سبحانه قدر مقادير الخلائق وكتب أَعمال العباد قبل أَن يعملوها كما ثبت ذلك بالكتاب والسنة وآثار السلف، ثم إنه يامر الملائكة بكتابتها بعدما يعملونها، فيقابل بين الكتابة المتقدمة على الوجود والكتابة المتأخرة عنها فلا يكون بينهما تفاوت، هكذا قال ابن عباس وغيره من السلف، وهو حق. فإذا كان ما يخلقه بائنًا عنه قد كتبه قبل أَن يخلقه فكيف يستبعد أَن يكتب كلامه الذي يرسل به ملائكته قبل أَن يرسلهم به.
ومن قال: ان جبريل أَخذ القرآن عن الكتاب لم يسمعه من الله. كان هذا باطلا من وجوه:
_________
(1) سورة عبس 11.
(2) الزخرف 4.(1/225)
منها أَن يقال: إن الله تعالى كتب التوراة لموسى بيده فبنو إسرائيل أَخذوا كلام الله من الكتاب الذي كتبه هو سبحانه فيه.
فإن كان محمد أَخذه من جبريل وجبريل عن الكتاب كان ينمو إسرائيل أَعلا من محمد بدرجة ومن قال إنه القى إلى جبريل معاني وأَن جبريل عبر عنها بالكلام العربي فقوله يستلزم أَن يكون جبريل أُلهمه إلهامًا، وهذا الإلهام يكون لآحاد المؤمنين كما قال تعالى:
(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي) (1) وقال: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ) (2) وقد أوحى إلى سائر النبيين فيكون هذا الوحي الذي يكون لآحاد الأَنبياء والمؤمنين أَعلا من أَخذ محمد القرآن عن جبريل، لأَن جبريل الذي علمه لمحمد هو بمنزلة الواحد من هؤلاء، ولهذا زعم ابن عربي أَن خاتم الأَولياء أَفضل من خاتم الأَنبياء قال: لأَنه يأْخذ من المعدن الذي يأْخذ منه الملك الذي يوحى به إلى الرسول. فجعل أَخذه وأَخذ الملك الذي جاء إلى الرسول من معدن واحد وادعى أَن أَخذه عن الله أَعلا من أَخذ الرسول للقرآن، ومعلوم أَن هذا من أَعظم الكفر وإن هذا القول من جنسه.
وأَيضًا فالله تعالى يقول: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ) الآية (3) فضل موسى بالتكليم على غيره ممن أَوحى إليهم. وهذا يدل على أُمور: على أَن الله يكلم عبده تكليمًا زائدًا على الوحي الذي هو قسيم التكليم الخاص، فإِن لفظ
_________
(1) سورة المائدة 111.
(2) سورة القصص 7.
(3) سورة النساء 163.(1/226)
التكليم والوحي كل منهما ينقسم إلى عام وخاص، والتكليم العام هو المقسوم في قوله (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا) الآية (1) والتكليم المطلق هو قسيم الوحي الخاص ليس قسمًا منه، وكذلك لفظ الوحي قد يكون عامًا فيدخل فيه التكليم الخاص كما في قوله لموسى: (فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) (2) وقد يكون قسيم التكليم الخاص كما في سورة الشورى، وهذا يبطل قول من يقول الكلام معنى واحد قائم بالذات فانه حينئذ لا فرق بين التكليم الذي خص به موسى والوحي العام الذي هو لآحاد العباد. ومثل هذا قوله في الآية الأخرى (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء) (3) فدل على أَن التكليم من وراء حجاب كما كلم موسى أَمر غير الايحاء.
وأيضًا فقوله: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) وقوله: (حم - تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) وقوله: (حم - تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وأمثال ذلك يدل على أنه منزل من الله لا من غيره. وكذلك قوله تعالى: (بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) (4) فانه يدل على أنه مبلغ ما أنزل إليه من ربه وأنه مأمور بتبليغ ذلك.
وأيضًا فهم يقولون: انه معنى واحد. فان كان موسى سمع جميع المعنى فقد سمع جميع كلام الله، وان كان قد سمع البعض
_________
(1) سورة الشورى 51.
(2) سورة طه 13.
(3) سورة الشورى 51.
(4) سورة المائدة 67.(1/227)
فقد استمع بعضه فقد تبعض وكلاهما ينقض قولهم، فانهم يقولون أنه معنى واحد لا يتعدد ولا يتبعض، فان كان ما سمعه موسى والملائكة هو ذلك المعنى كله كان كل منهم علم جميع كلام الله، وكلامه متضمن لجميع خبره وجميع أَمره، فيلزم كلام الله، وكلامه متضمن لجميع خبره وجميع أمره، فيلزم أَن يكون كل واحد ممن كلمه الله وأَنزل عليه شيئًا من كلامه عالمًا بجميع اخبار الله وأَوامره، وهذا معلوم الفساد بالضرورة وان كان الواحد من هؤلاء إنما سمع بعضه فقد تبعض كلامه وذلك يناقض قولهم.
وأَيضًا قوله: (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) وقوله: (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا) (1) وقوله: (وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) (2) وقوله: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي) الآيات (3) دليل على تكليم موسى، والمعنى المجرد لا يسمع بالضرورة، ومن قال أنه يسمع فهو مكابر. ودليل على أنه ناداه والنداءُ لا يكون إلا صوتًا مسموعًا، لا يعقل في لغة العرب لفظ النداء بغير صوت مسموع لا حقيقة ولا مجازا، وقد قال تعالى (فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ) إلى قوله: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) (4)
وأَيضًا فقوله: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى - إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) (5) وفي هذا دليل على أنه حينئذ نودي ولم يناد قبل ذلك، ولَمَّا فيها من معنى الظرف كما في قوله: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ
_________
(1) سورة الأعراف 143.
(2) سورة مريم 52.
(3) سورة القصص 30.
(4) سورة النمل 8.
(5) سورة طه 11.(1/228)
يَدْعُوهُ) (1) ومثل هذا قوله: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ) (2) (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) (3) فانه وَقَّتَ النداءَ بظرف محدود، فدل على أَن النداءَ يقع في ذلك الحين دون غيره، وجعل الظرف للنداء لا يسمع النداءُ إلا فيه، ومثل هذا قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) (4) وقوله: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ) (5) وأمثال ذلك مما فيه توقيت بعض أَقوال الرب بوقت معين.
فان الكلابية ومن وافقهم من أَصحاب الأَئمة الأَربعة يقولون: انه لا يتكلم بمشيئته وقدرته، بل الكلام المعين لازم لذاته كلزوم الحياة لذاته. ومن هؤلاء من قال: انه معنى واحد لأَن الحروف والأًصوات متعاقبة يمتنع أَن تكون قديمة. ومنهم من قال: بل الحروف والأصوات قديمة الاعيان وأنها مترتبة في مقارنة وجودها لم تزل ولا تزال قائمة بذاته. ومنهم من قال: بل الحروف قديمة الأَعيان بخلاف الأَصوات. وكل هؤلاء يقولون: ان التكليم والنداءَ ليس إلا مجرد خلق ادراك في المخلوق بحيث يسمع ما لم يزل ولا يزال، لا أَنه يكون هناك كلام يتكلم الله به بمشيئته وقدرته ولا تكليم، بل تكليمه عندهم جعل العبد سامعًا لما كان موجودًا قبل سمعه، بمنزلة ما يجعل الأَعمى بصيرا لما كان موجودًا قبل رؤيته من غير احداث
_________
(1) سورة الجن 19.
(2) سورة القصص 62.
(3) سورة القصص 65.
(4) سورة البقرة 30.
(5) سورة البقرة 34.(1/229)
شيء منفصل عنه، فعندهم لما جاءَ موسى لميقات ربه سمع النداءَ القديم لا أَنه حينئذ نودي، ولهذا يقولون: انه يُسْمِعُ كلامَه لخلقه بدل قول الناس يُكَلِّمُ خلقه. وهؤلاء يردون على الخليقة الذين يقولون أن القرآن مخلوق، ويقولون عن أَنفسهم أَنهمخ أَهل السنة الموافقون للسلف الذين يقولون القرآن كلام الله غير مخلوق، وليس قولهم قول السلف، لكن قولهم أَقرب إلى السلف من وجه. أَما كون قولهم أَقرب فلأَنهم يقولون أَن الله يتكلم بمشيئته وقدرته، وهذا قول السلف. وهؤلاء عندهم لا يقدر الله على شيء من كلامه فليس كلامه بمشيئته واختياره بل كلامه عندهم كحياته، وهم يقولون: الكلام عندنا صفة ذات لا صفة فعل. والخلقية يقولون: صفة فعل، لا صفة ذات. ومذهب السلف أَنه صفة فعل وصفة ذات معًا. فكل منهم موافق للسلف من وجه دون وجه.
ونظير هذا اختلافهم في افعاله تعالى ومسائل القدر، فإن المعتزلة يقولون أنه يفعل لحكمة مقصودة وارادة الاحسان إلى العباد، لكن لا يثبتون لفعله حكمة تعود إليه، وأُولئك يقولون لا يفعل لحكمة ولا لمقصود أَصلا. فاؤلئك اثبتوا حكمة لكن لا تقوم به، وهؤلاء لا يثبتون له قصدا يتصف به ولا حكمة تعود إليه.
وكذلك في الكلام: أُولئك أَثبتوا كلامًا هو فعله لا يقوم به، وهؤلاءِ يقولون ما لا يقوم به لا يعود حكمه إليه. والفريقان يمنعون أَن تقوم به حكمة مرادة له، كما يمنع الفريقان أَن يقوم به كلام وفعل يريده. وقول أولئك أَقرب إلى قول السلف والفقهاء اذ اثبتوا الحكمة والمصلحة في افعاله وأَحكامه، واثبتوا(1/230)
كلامًا يتكلم به بقدرته ومشيئته. وقول هؤلاء أَقرب إلى قول السلف اذ اثبتوا الصفات وقالوا لا يوصف بمجرد المخلوق المنفصل عنه الذي لم يقم به أَصلا ولا يعود إليه حكم من شيء لم يقم به فلا يكون متكلمًا بكلام لم يقم به ولا قديرا بقدرة لم تقم به.
فكل من المعتزلة والأَشعرية في مسائل كلام الله وأَفعال الله وافقوا السلف والأَئمة من وجه وخالفوهم من وجه، وليس قول أَحدهم قول السلف دون الآخر، لكن الأَشعرية في جنس مسائل الصفات والقدر أَقرب إلى قول السلف والأَئمة من المعتزلة. انتهى.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه ((الصواعق ج2 ص293)) : - فصل -: قول اتباع الرسل الذين تلقوا عنهم هذا الباب: اثبتوا لله صفة الكلام كما اثبتوا له سائر الصفات. ومحال قيام هذه الصفة بنفسها كما يقوله بعض المكابرين انه خلق الكلام لا في محل، ومحال قيام هذه الصفة بنفسها كما يقوله المكابر الآخر انه خلق في محل فكان هو المتكلم دون المحل قالوا والكلام الحقيقي هو الذي يوجد بقدرة المتكلم وارادته قائمًا به لا يعقل غير هذا، وأَما ما كان موجودًا بدون قدرته ومشيئته وانه سمع منه فانه ليس بكلام له وانما هو مخلوق خلقه الله فيه، فلو كان ما قام بالرب تعالى من الكلام غير متعلق بمشيئته بل يتكلم بغير اختياره لم يكن هذا هو الكلام المعهود، بل هذا شيء آخر غير ما يعرفه العقل ويشهد به الشرع، قالوا ولو لم يكن هناك الفاظ مسموعة حقيقة السمع لم يكن ثم صفة كلام البتة، ولو كان عاجزًا عن الكلام في الأَزل لم يصر قادرًا عليه فيما لم يزل، فانه إذا كانت حاله قبل وبعد(1/231)
سواء وهو لم يستفد صفة الكلام من غيره فمن المستحيل أَن تتجدد له هذه الصفة بعد أَن كان فاقدًا لها بالكلية، وكذلك اثبات قدم عين كل فرد من أَنواع الكلام وبقائه ازلا وابدا أَو اقتران حروفه بعضها ببعض بحيث لا يسبق شيء منها لغيره لا يسيغه عقل ولا تقبله فطرة.
وقد دلت النصوص النبوية أنه يتكلم إذا شاءَ بما شاءَ، وأنه كلامه يسمع، وأن القرآن العزيز الذي هو سور وآيات وحروف وكلمات عين كلامه حقًا، لا تأليف ملك ولا بشر، وأنه سبحانه الذي قال بنفسه (المص) و (حم - عسق) (كهيعص) وأن القرآن جميعه حروفه ومعانيه نفس كلامه الذي تكلم به وليس بمخلوق ولا بعضه قديمًا وهو المعنى وبعضه مخلوقًا وهو الكلمات والحروف ولا بعضه كلامه وبعضه كلام غيره، ولا الفاظ القرآن وحروفه ترجمة ترجم بها جبريل أَو محمد عليهما السلام عما قام بالرب من المعنى من غير أَن يتكلم الله بها، بل القرآن جميعه كلام الله حروفه ومعانيه تكلم الله به حقيقة.
والقرآن اسم لهذا النظم العربي الذي بلغه الرسول صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن رب العالمين، فللرسولين منه مجرد التبليغ والأَداء، لا الوضع والانشاء، كما يقوله أَهل الزيغ والاعتداء. فكتاب الله عندهم غير كلامه، كتابه مخلوق، وكلامه غير مخلوق، والقرآن ان أُريد به الكتاب كان مخلوقًا، وان أُريد به الكلام كان غير مخلوق. وعندهم ان الذي قال السلف هو غير مخلوق هو عين القائم بالنفس، واما ما جاءَ به(1/232)
الرسول وتلاه على الأمة فمخلوق وهو عبارة عن ذلك المعنى. وعندهم ان الله تعالى لم يكلم موسى وانما اضطره إلى معرفة المعنى القائم بالنفس من غير أَن سمع منه كلمة واحدة، وما يقرأُه القارئون ويتلوه التالون فهو عبارة عن ذلك المعنى وفرعوا على هذا الأصل فروعًا:
منها أَن كلام الله لا يتكلم به غيره فانه عين القائم بنفسه ومحال قيامه بغيره فلم يتل أحد قط كلام الله ولا قرأَه.
ومنها أَن هذا الذي جاءَ به الرسول صلى الله عليه وسلم ليس كلام الله الا على سبيل المجاز.
ومنها أَنه لا يقال أَن الله تكلم ولا يتكلم ولا قال ولا يقول ولا خاطب ولا يخاطب، فان هذه كلها أَفعال ارادية تكون بالمشيئة وذلك المعنى صفة أَزلية لا تتعلق بالمشيئة.
ومنها أَنهم قالوا لا يجوز أَن ينزل القرآن إلى الأَرض، فالفاظ النزول لا حقيقة لشيء منها عندهم.
ومنها أَن القرآن القديم لا نصف له ولا ربع ولا خمس ولا عشر ولا جزءَ له البتة.
ومنها أَن معنى الأَمر هو معنى النهي ومعنى الخبر والاستخبار وكل ذلك معنى واحد؟.
ومنها أَنه نفس التوراة هي نفس القرآن، ونفس الانجيل الزبور، والاختلاف في التأويلات فقط.
ومنها أَن هذا القرآن العربي تأليف جبريل ومحمد، ومخلوق خلقه الله تعالى في اللوح المحفوظ فنزل به جبريل من اللوح لا من الله على الحقيقة كما هو معروف من أَقوالهم.(1/233)
ومنها أَن ذلك المعنى القديم يجوز أَن تتعلق به الادراكات الخمس فيسمع ويرى ويشم ويذاق ويلمس إلى غير ذلك من الفروع الباطلة سمعًا وعقلاً وفطرة.
وقد دل القرآن وصريح السنة والمعقول وكلام السلف على أَن الله سبحانه يتكلم بمشيئته، كما دل على أَن كلامه صفة قائمة بذاته، وهي صفة ذات وفعل، قال تعالى: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (1) (فإذا) تخلص الفعل للاستقبال و (أَنْ) كذلك و (نقُوْل) فعل دال على الحال والاستقبال و (كُنْ) حرفان يسبق أَحدهما الآخر. فالذي اقتضته هذه الآية هو الذي في صريح العقول والفطر. وكذلك قوله: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً) الآية (2) سواء كان الأَمر هاهنا أَمر تكوين أَو أَمر تشريع فهو موجود بعد أَن لم يكن. وكذلك قوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ) (3) وانما قال لهم اسجدوا بعد خلق آدم وتصويره. وكذلك قوله تعالى: (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي) الآيات كلها. فكم من برهان يدل على أَن التكلم هو الخطاب وقع في ذلك الوقت. وكذلك قوله: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ) والذي ناداه هو الذي قال له: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي) (4) وكذلك قوله: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ) وقوله: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ
_________
(1) سورة النحل 40.
(2) سورة الاسراء 16.
(3) سورة الاعراف 11.
(4) سورة طه 14.(1/234)
لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ) (1) وقوله: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ) الآية (2) ومحال أَن يقول سبحانه لجهنم (هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ) قبل خلقها ووجودها.
وتأَمل نصوص القرآن من أَوله إلى آخره، ونصوص السنة ولا سيما أَحاديث الشفاعة، وحديث المعراج وغيرها كقوله ((أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ الْلَّيْلَةَ)) (3) وقوله: ((إِنَّ اللهَ يُحْدِثُ منْ أَمْرهِ مَا يَشاءُ وإِنَّ ممَّا أَحْدَثَ أَنْ لاَ تَكَلَّمُواْ فيْ الصَّلاَةِ)) (4) وقوله: ((مَامنْكمْ منْ أَحد إِلاَّ سيُكلِّمُهُ رَبُّهُ ليْس بيْنهُ وَبيْنهُ تُرْجُمان وَلاَ حاجبٌ)) (5) وقد أَخبر الصادق المصدوق أَنه يكلم ملائكته في الدنيا فيسألهم وهو أَعلم بهم كيْف ترَكتُمْ عباديْ، ويكلمهم يوم القيامة، ويكلم أَنبياءَه ورسله وعباده المؤمنين يومئذ، ويكلم أَهل الجنة في الجنة ويسلم عليهم في منازلهم، وأنه كل ليلة يقول: ((منْ يسْألُني فأعْطيَهُ مَنْ يَسْتَغْفرُني فَاغْفرَ لَهُ)) (6) ((مَنْ يُقْرضُ غَيْرَ عَديم وَلاَ ظَلُوم)) (7) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ اللهَ أَحْيَا أَبَاكَ وَكَلَّمَهُ كفَاحًا)) ومعلوم أَنه في ذلك الوقت كلمه وقال له ((تَمَنَّ عَلَيَّ)) (8) .
إلى أَضعاف أَضعاف ذلك من نصوص الكتاب والسنة التي ان دفعت دفعت الرسالة باجمعها، وإن كانت مجازًا كان الوحي
_________
(1) سورة سبأ 40.
(2) سورة ق 30.
(3) متفق عليه. وفي النسائي ((ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة)) .
(4) أخرجه أَبو داود وأَحمد والنسائي وابن حبان.
(5) أخرجه البخاري من حديث عدي بن حاتم ((وليلقين الله أحدكم)) .
(6) متفق عليه.
(7) أخرجه مسلم.
(8) رواه الحاكم والترمذي.(1/235)
كله مجازًا، وان كانت من المتشابه كان الوحي كله من المتشابه، وان وجب أَو ساغ تأويلها على خلاف ظاهرها ساغ تأويل جميع القرآن والسنة على خلاف ظاهره، فان مجيء هذه النصوص في الكتاب وظهور معانيها وتعداد أَنواعها واختلاف مراتبها أَظهر من كل ظاهر وأَوضح من كل واضح، فكم جهد ما يبلغ التأويل والتحريف والحمل على المجاز، هب ان ذلك يمكن في موضع واثنين وثلاثة وعشرة، أفيسوغ حمل أَكثر من ثلاثة آلاف وأَربعة آلاف موضع كلها على المجاز وتأويل الجميع بما يخالف الظاهر.
ولا تستبعد قولنا أَكثر من ثلاثة آلاف فكل آية وكل حديث إلهي وكل حديث فيه اخبار عما قال الله تعالى أَو يقول وكل أَثر فيه ذلك إذا استقرئت زادت على هذا العدد، ويكفي أَحاديث الشفاعة، وأَحاديث الرؤية، وأَحاديث الحساب، وأَحاديث تكليم الله لملائكته وأَنبيائه ورسله وأَهل الجنة، وأَحاديث تكليم الله موسى، وأَحاديث التكلم عند النزول الآلهي، وأَحاديث التكلم بالوحي، وأَحاديث تكليمه للشهداء، وأَحاديث تكليمه كافة عباده يوم القيامة بلا ترجمان ولا واسطة، وأَحاديث تكليمه للشفعاءِ يوم القيامة حين يأذن لهم في الشفاعة. إلى غير ذلك، إذ كل هذا وأَمثاله وأَضعافه مجازًا لا حقيقة له. سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهدك ونشهد ملائكتك وحملة عرشك وجميع خلقك أَنك أَحق بهذه الصفة وأَولى من كل أَحد، وان البحر أو أَمده من بعده سبعة أَبحر وكانت اشجار الأَرض أَقلامًا يكتب بها ما تكلم به لنفدت البحار والأَقلام ولم تنفد كلماتك، وانك لك الخلق والأَمر فأَنت الخالق حقيقة. انتهى.(1/236)
وقال أَيضًا في كتابه ((الكافية الشافية، لانتصار الفرقة الناجية)) في مقدمة الكتاب: ((فصل)) وأَما القرآن فاني أَقول: انه كلام الله، منزل، غير مخلوق، منه بدأَ، وإليه يعود، وتكلم الله به صدقًا، وسمعه جبريل منه حقًا، وبلغه محمدًا صلى الله عليه وسلم وحيًا. انتهى.
وقال أَيضًا في ((الكافية الشافية)) :
والله ربي لم يزل متكلما ... وكلامه المسموع بالآذان
صدقًا وعدلا أُحكمت آياته ... طلبًا واخبارا بلا نقصان
ورسوله قد عاد بالكلمات من ... لدغ ومن عين ومن شيطان
أَفعاذ بالمخلوق حاشاه من الاشراك ... شراك وهو معلم الايمان
بل عاذ بالكلمات وهي صفاته ... سبحانه ليست من الأَكوان
وكذلك القرآن عين كلامه المسموع ... مسموع منه حقيقة ببيان
هو قول ربي كله لا بعضه ... لفظًا ومعنى ما هما خلقان
تنزيل رب العالمين وقوله ... اللفظ والمعنى بلا روغان
لكن أَصواب العباد وفعلهم ... كمدادهم والرق مخلوقان
فالصوت للقاري ولكن الكلام ... كلام رب العرش ذي الاحسان
هذا إذا ما كان ثم وساطة ... كقراءَة المخلوق للقرآن
فاذا انتفت تلك الوساطة مثل ما قد ... قد كلم المولود من عمران
فهناكل المخلوق نفس السمع لا شيء ... من المسموع فافهم ذان
هذى مقالة أَحمد ومحمد ... وخصومهم من بعد طائفتان
احداهما زعمت بأن كلامه ... خلق له الفاظه ومعان
والآخرون أَبوا وقالوا شطره ... خلق وشطر قام بالرحمان
زعموا القرآن عبارة وحكاية ... قلنا كما زعموه قرآنان(1/237)
هذا الذي نتلوه خلقًا مثل ما قال ... الوليد وبعده الفئتان
والاخر المعنى القديم فقائم ... بالنفس لم يسمع من الديان
والامر عين النهي واستفهامه ... هو عين إخبار وذو وحدان
وهو الزبور وعين توراة وانجيل ... وعين الذكر والفرقان
الكل معنى واحد في نفسه ... لا يقبل التبعيض في الاذهان
ما ان له كل ولا بعض ولا ... حرف ولا عربي ولا عبران
ودليلهم في ذات بيت قاله ... فيما يقال الاخطل النصران
يا قوم قد غلط النصارى قبل في ... معنى الكلام وما اهتدوا لبيان
ولأَجل ذا جعلوا المسيح الههم ... إذ قيل كلمة خالق رحمان
ولأَجل ذا جعلوه ناسوتاولا ... هوتًا قديمًا بعد متحدان
ونظير هذا من يقول كلامه ... معنى قديم غير ذي حدثان
والشطر مخلوق وتلك حروف ... ناسوتية لكن هما غيران
فانظر إلى ذا الاتفاق فانه ... عجب وطالع سنة الرحمن
وتكايست أُخرى وقالت ان ذا ... قول محال وهو خمس معان
تلك التي ذكرت ومعنى جامع ... لجميعها كالأُس للبنيان
فيكون أَنواعًا وعند نظيرهم ... أَوصافه وهما متفقان
أن الذي جاءَ الرسول به لمخلوق ... ولم يسمع من الديان
والخلف بينهم فقيل محمد ... أَنشاه تعبير عن القرآن
والآخرون أَبوا وقالوا انما ... جبريل انشاه عن المنان
وتكايست أخرى وقالت انه ... نقل من اللوح الرفيع الشان
فاللوح مبدؤه ورب اللوح قد ... أَنشاه خلقًا فيه ذا حدثان
هذى مقالات لهم فانظر ترى ... في كتبهم يامن له عينان
لكن أَهل الحق قالوا انما ... جبريل بلغه عن الرحمان(1/238)
أَلقاه مسموعًا له من ربه ... للصادق المصدوق بالبرهان
انتهى
وقال شارح الطحاوية رحمه الله عند قول الطحاوية رحمه الله في عقيدته المشهورة (1) -: وأَنزله على رسوله وحيًا. أَي أَنزله إليه على لسان الملك، فسمعه الملك جبريل من الله، وسمعه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من الملك، وقرأَه على الناس قال تعالى:
(وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً) (2) انتهى.
وكلام أَهل العلم من المحققين لا سيما هذين الامامين العظيمين شيخ الاسلام تقي الدين ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في هذه المسألة كثير جدًا لو استقصيناه لاستدعى مجلدًا. وفيما نقلناه كفاية لمن نور الله بصيرته. والله أَسأله أَن يهدينا واخواننا المسلمين صراطه المستقيم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أَجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين. أَملاه الفقير إلى مولاه محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ.
(طبع بمطبعة الحكومة بمكة المكرمة في 1369)
_________
(1) ((العقيدة الطحاوية)) لأبي جعفر أَحمد بن محمد بن سلامة الأَزدي الطحاوي المتوفي 321هـ.
(2) سورة الاسراء 106.(1/239)
القسم الرابع
مسائل في فروع العقائد(1/241)
(160- اشراط الساعة)
قد وجد مباديء وأَوائل قرب الساعة، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم نبي الساعة، وهو الذي تقوم الساعة على أُمته. وبعدها تتابعت الصغار الكثيرة جدًا، ثم علاماتها الكبار إلى الآن لم تأت وغير بعيد أَن تقع، فإن النبي أَخبر عن أُمور هائلة وأُمور تنكرونها (1) بطريقة لا نسبة لها إلى ما قبل، كأَن الآن عالم والماضي قريبًا عالم آخر. ... (تقرير) .
(161- بعث هذه الأَجساد)
الأَجساد تبعث فتجازى، والنصوص في بعث هذا الجسد نفسه أَصرح شيء، وما استنكر أَبو جل إلا هذا. لكن جاءَ أُناس تتلمذوا على الإفرنج ولا دروا أَنه مسلك أَبي جهل واضرابه ويعطى أَحدهم الشهادة العالمية؟! فانسان ينكر حقيقة البعث أَي شيء عنده من بحث أَو دين، ليس عنده إلا أَنه أَعرض عن القرآن وقبل رمي أَعدائه اياه. وهذا داء قديم وحديث لا يرون العلم إلا ما هو حديث، مع أَنهم يتناقضون ولا يستقيمون على قول، فهم يقولون: إن الأصول المنطقية هذبتها القدم، وكذا وكذا. ... (تقرير) .
_________
(1) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سترون قبل أَن تقوم الساعة أَشياء تستنكرونها عظامًا تقولون هل كنا حدثنا بهذا فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله تعالى واعلموا أَنها أَوائل الساعة)) رواه الطبراني والبزار وله شواهد.(1/243)
(162- وزن الأَعمال)
((وَسُبْحَانَ الله تَمْلأُ الْميزانَ)) (1) لا يلتفت إلى قول من قال: لو كانت أَجسامًا لملأَت ذلك، فانه كلام باطل لا أَصل له، فإن الله قادر على أَن يجعل الأَعمال أَجسامًا ولها ثقل تملأُ الميزان. ... (تقرير الأَربعين)
(163- س: المسلم اذا جن هل هو مثل أَهل الفترة والمجانين)
ج: - الظاهر أَن جنونه كموته، فانه قد قامت عليه الحجة.
(164- س: شفاعة النبي في أَبي طالب مع قوله:
(فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (2)
ج: - هذه من خصائصه صلى الله عليه وسلم. وأَيضًا هي في تخفيف عذابه فقط.
(165- س: قول السفاريني:
وجائز على الباري أَن يعذب الورى ... من غير ما ذنب ولا جرم جرى
ج: - هذا غلط من صاحب العقيدة السفارينية.
(166- س: قول شارح الورقات فيخلق الله عند ذلك)
ج: - هذا من قول المبتدعة منكرة الأَسباب. ... (تقريرات)
(167- أَفعال العباد)
الفعل ينقسم إلى نفس المصدر، وإلى أَثره. فالذي من أَفعال العباد بمعنى المصدر (3) والذي بمعنى المفعول منفصل عنه للمخلوق. ... (تقرير الطحاوية 76هـ)
_________
(1) هذه جملة من حديث خرجه مسلم. أَوله ((الطهور شطر الايمان)) .
(2) سورة المدثر 48.
(3) لعله سقط للخالق.(1/244)
(الايمان)
(168- س: جاء في بعض طبعات الواسطية: وعمل اللسان؟
ج: - هذا غلط، النسخ الأُخرى ليس فيها عمل اللسان. وسمعنا كلام ابن القيم واردنا حملها عليه ولكن لم يستقم لنا هذا بل وجد في عبارات أخر ما ينافيها. ... (تقرير الواسطية) .
(169- القلب له إيمان واللسان له إيمان والجوارح لها إيمان)
ولا يقال أَن ترك الصلاة لا ينافي كمال الإيمان الواجب، لكن التحقيق أَنه يزيله كله، والخلاف بينهم ليس لفظيًا. (1) ... (تقرير)
(170- جاء في القرآن)
(لَن نُّؤْمِنَ لَكَ) (2) (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) (3) وهذا المعدي باللازم التصديق، وما تعدى بالباء فهو الشرعي. ... (تقرير الطحاوية) .
(171- نفي الإيمان عن الزاني)
((لاَ يَزْنيْ الزَّانيْ حيْنَ يَزْنيْ وَهُوَ مُؤْمنٌ)) قول بعض السلف يجانبه الايمان ويكون فوقه كالظلة.
المراد به كماله الواجب لا الإيمان كله. ... (تقرير) .
(مرجئة الفقهاء)
الامام أَبو حنيفة -رحمه الله- وشيخه حماد بن أَبي سليمان هما من مرجئة الفقهاء الذين يقولون لا تدخل أَعمال الجوارح في الايمان، مع أَنهم يقولون بالتغليظ فيها، انما هي مسأَلة الإسم فقط. والجمهور على خلاف هذا. ... (تقرير الحموية) .
(173- غلاة المرجئة)
قوله: وقد يكون قول من لا خلاق له، فان كثيرًا من الفساق والمنافقين يقولون لا يضر مع الايمان ذنب أَو مع التوحيد.
_________
(1) يعني في هذا.
(2) سورة الاسراء 90.
(3) سورة العنكبوت 26.(1/245)
قال شيخنا: هذا من فروع قول المرجئة وهو الرائج في البلدان التي أَهلها يدعون الاسلام، فالمسلم الذي لايكون نصرانيًا ولا يهوديًا بالنسبة إلى العمل بالدين، هذا سائد عندهم، وان كانوا لا ينكرون فضل من يصلي، لكنه مسلم على كل حال عندهم، وأنه من حزب المسلمين، وأنه يبغض الكافرين - وهذا بقطع النظر عن الشرك - فهذه مذاهب ردية أَخذها أُناس فسقة، فشبهتهم وجود من تكلم بهذا من أَهل المذاهب قديمًا ثم يقول كذا وكذا، مع أَن المرجئة يرون من يعمل أَفضل الا بعض غلاتهم. ... (تقرير شرح الطحاوية باختصار) .
تجد الاسلام الفاشي عند الأكثرية اذا لم ينتسب إلى طائفة أُخرى (1) يقولون مسلم وهو لا يصلي ولا يصوم، والايمان حاصل له وهو تصديق الرسول، اذا قال له أَحد: صل. قال: أَنا مسلم. يعني إذا قلت أَنا مسلم فلا تقل لي شيئًا. ... (تقرير كتاب الايمان) .
(174- الذنب الذي لم ينص على أَنه شرك أَصغر أَخف من الذنب الذي شمله اسم الشرك، كالشيء الذي نص على أَنه ايمان أَقوى من الشيء الذي دخل في شمول الايمان له، فما نص عليه بعينه أَعظم. ... (تقرير كتاب الايمان) .
(175- س: أَهل الفترة هل يسمون كفارا أَو مسلمين؟)
ج: كفار لا مسلمين. أَما عذابهم فلا يكون حتى يبعث لهم
_________
(1) كيهودية ونصرانية.(1/246)
رسول. وفي قصة المجانين وأَهل الفترات أَنه يبعث لهم عنق من النار. ... (تقرير) .
(176- بعض أَهل البدع يثاب على قصده ونيته لا على أَفعاله التي أَخطأَ فيها.
وهذا إذا صار مسلمًا ولكن فيه البدع الغليظة - وهو مؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر أَخطأَ الصواب من أَجل قصر رأْيه الصائب، حتى الكافر إذا عمل عملاً في الدنيا يعطى به طعمة في الدنيا من عدل الله فإنه لا حظ له في الآخرة. ... (تقرير كتاب الإيمان) .
(177- فضل الصحابة وأَهل البيت وافتراق الأمة فيهم)
(لَهُ أَجْرُ خَمْسينَ منْكُمْ) (1)
من هذه الناحية وهي صبره مع كثرة أَعدائه، فهو فضيلة جزئية، مثل عالم متخصص في النحو لكن ليس له مثلهم في الفضل وان سبقهم في النحو. ... (تقرير) .
(178- ((وفي نزعه ضعف)) )
لا مطعن فيه على أَبي بكر للروافض، لأَن ابا بكر أَكثر ايمانًا. ثم هو الذي ولاه، ثم أَيضًا قال: ((وَاللهُ يَغْفرُ لَهُ)) فهذا إذا كان المراد أَنه نقص. (2) .
_________
(1) وهذا جزء من حديث رواه الترمذي عن أَبي ثعلبة الخشني في تفسير قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ) الآية. وفيه ((فان من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم قيل يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا أَو منهم قال بل أَجر خمسين رجلاً منكم)) .
(2) وانظر مجموع فتاوي ابن تيمية ج35 ص48، 49 ج7 ص341، 342.(1/247)
(179- (والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان)
استبدل بها بعض العلماء على أَنه لا حظ للرافضة في الفيء أبدًا. وبهذا ينبغي لولاة الأمور أَن لا يجعلوا لهم رفادة ولا شيئًا أَبدًا، اللهم إلا أَن يزول رفضهم أَولاً بما يظهرون فيعطون. ... (تقرير) .
(180- تنقص الروافض لعمر الخليفة الراشد)
من محمد بن ابراهيم إلى حضرة المكرم علي بن محمد المطوع ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك المؤرخ. الذي ذكرت فيه ما أجراه بعض الروافض عندكم انهم صوروا أَمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه صورة مجسمة تجسيمًا كاملاً، وزينوه بلباس فاخر بلحيته وعمامته، وجعلوا له ذيلا يستهزؤن به في مجالسهم، ويرقصون حواليه، ويلعنونه، ثم أَتوا بولد أَبو عشرين سنة وأَتوا بمطوعهم ليعقدوا للولد على عمر، ويجعلونه مثل الذين تعرفون، ثم عثرت عليهم الشرطة فمسكتهم واودعوا السجن وتسأل عما يجب في حقهم شرعًا.
والجواب: عن ما ذكرتم من هذا الأَمر العظيم من فعل هؤلاء الروافض وتهجمهم على أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين أختارهم الله لصحبة رسوله، فقاموا معه خير قيام، وآمنوا به، وهاجروا وجاهدوا معه، ونصروه، وبذلوا في سبيل ذلك مهجهم وأَولادهم وأَوطانهم وأَموالهم، وفدوه صلى الله عليه وسلم بجميع ذلك.(1/248)
قال أَبو زرعة العراقي: إذا رأَيت الرجل ينتقص أَحدا من الصحابة فاعلم أَنه زنديق، وذلك أَن القرآن حق، والرسول حق، وما جاء به حق، وما أَدى إلينا ذلك كله الا الصحابة. فمن جرحهم فقد أَراد ابطال الكتاب والسنة.
فاذا كان هذا في حق سائر الصحابة، فما بالك بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي هو أَفضل الصحابة واجلهم بعد الصديق باجماع الأُمة والبراهين القاطعة، والذي وردت في فضله الأَحاديث الكثيرة والأَخبار الشهيرة، ففي الصحيحين عن سعد بن أَبي وقاص رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَا ابْنَ الْخطَّاب وَالَّذيْ نَفْسيْ بيَدِهِ مَا لَقيكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إلاَّ سَلَكَ فَجًّا غيْرَ فَجِّكَ)) وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَقَدْ كَانَ فيْمَنْ كَانَ قَبْلكُمْ مُحَدَّثُوْنَ فَإِنْ يَكُنْ فيْ أُمَّتيْ أَحَدٌ فَهُوَ عُمرُ)) أَي ملهمون. وروى الترمذي عن ابن عمر أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ اللهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَان عُمرَ وَقَلْبه)) واخرج الترمذي أيضًا عن عقبة بن عامر مرفوعًأ: ((لَوْ كَانَ بَعْديْ نَبيٌّ لَكَانَ عمَر)) والأحاديث والآثار في هذا كثيرة معروفة.
وهؤلاء الروافض قد ارتكبوا بهذا الصنيع عدة جرائم شنيعة:
منها الاستهزاءُ بأَفاضل الصحابة رضوان الله عليهم وسبهم ولعنهم. ومنها التصوير والتصوير من كبائر الذنوب الملعون فاعلها، مع أَنهم لم يصوروه على خلقته رضي الله عنه بل صوروه صورة بهيمة وجعلوا له ذيلاً لتمام السخرية والاستهزاء(1/249)
قبحهم الله. وما أَعظمها وأَقبحها وأَفضعها وأَفحشها. ومنها تهجمهم عليه ووقاحتهم حتى أَتوا برجل يعقدون له النكاح عليه قبحهم الله وأَخزاهم، وهذا يدل على خبثهم وشدة عداوتهم للاسلام والمسلمين، فيجب على المسلمين أَن يغاروا لأَفاضل أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأَن يقدموا على هؤلاء الروافض قيام صدق لله تعالى، ويحاكموهم محاكمة قوية دقيقة، ويوقعوا عليهم الجزاء الصارم البليغ، سواءٌ كان القتل أَو غيره حسب ما يراه الحاكم بنظره المصلحي الشرعي. والمأمول من ولاة الأُمور عندكم وفقهم الله وهداهم القيام حول ما ذكر بما يلزم شرعًا بالضرب على هؤلاء بيد من حديد غيرة لديننا وخيار سلفنا وزجرًا لمن تسول له نفسه مثل صنعهم. ونسأَل الله أَن ينصر دينه ويعلي كلمته، ويذل أَعداءَه، ويوفق ولاة الأَمر لما فيه عز الاسلام والمسلمين. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(ص-ف-181-22-1-84هـ) (1)
(181- محاكمة داعية للرفض)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل ولي العهد نائب جلالة الملك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشير إلى خطاب سموكم رقم 13830 تاريخ 8-7-81هـ القاضي بالموافقة على تعيين الشيخ عبد الله بن حميد والشيخ
_________
(1) قلت: وانظر بعض ما يتعلق بالرافضة في (كتاب القضاء) من هذه الفتاوي وقد استنوفى ابن تيمية ما يتعلق بالخلفاء الراشدين وفضائلهم وترتيبهم في الفضيلة والخلافة، وأَهل البيت، ودفع الطعن عن عموم الصحابة، وذكر أَعدائهم ومذاهبهم في الصحابة في فتاويه (انظر جـ36 ص49- 59) ومنهاج السنة. والروافض هم ((الشيعة الأمامية)) .(1/250)
عبد العزيز بن رشيد والشيخ محمد بن عودة للجلوس لمحاكمة عبد الله الخنيزي. ونعرض لسموكم أَن المذكورين أَنهوا مهمتهم واتخذوا بصددها القرار المرفق.
والذي أَراه أَنه يسوغ قتل هذا الخبيث تعزيرًا، لأَن ما أَبداه رأْس فتنة ان قطع خمدت وان تسوهل في شأْنه عادت بأَفظع من هذا الكتاب من بدعة هذه الطائفة من صاحب هذا الكتاب أَو من غيره. وقتل مثل هذا تعزيرًا إذا رآه الإمام ردع للمفسدين وحسم لمادة البدعة وسد لهذا الباب. فإن قضية هذا الرجل هي أَول واحدة من نوعها، وهذه النابغة تمس مئاخذ المسلمين وحججهم، والقدح فيها تسبب في اسقاط حجيتها وساطع برهانها. فإن الذي لدى المسلمين في معتقداتهم وعاداتهم ومعاملاتهم وفروجهم واحكام دمائهم ومستند ما يحكمون به في محاكمهم أَصلان عظيمان وكل أَصل سواهما راجع إليهما ومستمد منهما. الا وهما الكتاب والسنة لا طريق لهما إلينا إلا من طريق أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمتى فشا الطعن في جنسهم زالت الثقة، ووجد أَخصام الاسلام ثغرة منها يتخذون سلطة على أَهل الاسلام.
والله يحفظم ويتولاكم وينصر بكم دينه ويجعلكم السور الحصين على هذا الدين واليزك الغيور على صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1)
(ص-م-1918 في 24-7-81هـ)
_________
(1) وانظر رجوع الخنيزي عن كتابه المذكور في باب حكم المرتد.(1/251)
(182- عدد زوجات النبي وأَبنائه وبناته)
المسأَلة الخامسة (1) : كم عدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، وكم عدد أَبنائه وبناته؟
الجواب: أما زوجاته صلى الله عليه وسلم فهن احدى عشرة، مات منهن في حياته ثنتان وتوفي هو عن تسع، وأسماؤهن كالآتي:
1- خديجة بنت خويلد القرشية الأَسدية، تزوجها قبل النبوة وعمرها أَربعون سنة، ولم يتزوج عليها حتى ماتت، وهي أُم أَولاده ما عدا إبراهيم، وهي التي آزرته على النبوة، وجاهدت معه، وواسته بنفسها ومالها. وقد ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين، وحزن عليها الرسول صلى الله عليه وسلم حزنًا شديدًا.
2- سودة بنت زمعة القرشية، تزوجها بعد موت خديجة بأيام، وهذه هي التي وهبت يومها لعائشة. ماتت سودة في آخر زمان عمر.
3- عائشة بنت أَبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وتكنى أُم عبد الله مع أَنه ليس لها أَولاد، وقد تزوج بها في شوال وعمرها ست سنوات، وبنى بها في شوال في السنة الأولى من الهجرة وعمرها تسع سنوات، ولم يتزوج بكرًا غيرها وكانت أَحب الخلق إليه، وهي التي رماها أَهل الافك بالزنا فأنزل الله براءَتها من فوق سبع سموات، واتفقت الأُمة على كفر قاذفها، وهي أَفقه نسائه وأَعلمهن، وكان الصحابة يرجعون إلى قولها ويستفتونها. ماتت سنة 57 في رمضان وقيل سنة 58.
_________
(1) من مسائل مسلمي غيانا البريطانية.(1/252)
4- حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمي. ماتت سنة 41.
5- زينب بنت خزيمة بن الحارث القيسية من بني هلال ابن عامر، وقد توفيت بعد زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بها بشهرين.
6- أُم سلمة هند بنت أبي أُمية القرشية المخزومية، وهي آخرهن وفاة ماتت سنة 61.
7- زينب بنت جحش بن أَسد بن خزيمة، وهي ابنة عمته اميمة، وفيها نزل قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا) (1) وبذلك كانت تفتخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: (زَوَّجَكُنَّ أَهَاليْكُنَّ وَزَوَّجَني اللهُ منْ فَوْق سبْع سَمَواتِ) (2) وكانت أَولا عند زيد بن حارثة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تبناه، فلما طلقها زيد زوجه الله تعالى إياها. توفيت سنة 21.
8- جويرية بنت الحارث بن أَبي ضرار المصطلقية، وكانت من سبايا بني المصطلق فجاءَته تستعينه على كتابتها فادى عنها كتابتها وتزوجها. توفيت سنة 56.
9- أم حبيبة واسمها رملة بنت أَبي سفيان صخر بن حرب القرشية الأَموية، وقيل اسمها هند، تزوجها وهي ببلاد الحبشة مهاجرة فاصدقها عنه النجاشي أربع مائة دينار، وسيقت إليه
_________
(1) سورة الأَحزاب 37.
(2) أَخرجه البخاري عن أَنس.(1/253)
من هناك، وماتت في أَيام خلافة أَخيها معاوية بن أَبي سفيان سنة 44.
10- صفية بنت حيي بن أَخطب سيد بني النظير من ولد هارون بن عمران أَخي موسى بن عمران، وكانت من أَجمل النساء، وكانت قد صارت له من الصفي امة، فاعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها. ماتت سنة 50.
11- ميمونة بنت الحارث الهلالية، وهي آخر من تزوج بها بمكة في عمرة القضا. فهؤلاء زوجاته رضي الله عنهن.
وأَما ابناؤه فهم:
1- القاسم. وبه كان يكنى، مات طفلاً. وقيل: إنه عاش إلى أَن ركب الدابة.
2- عبد الله. واختلف في مولده هل ولد بعد النبوة أَو قبلها.
وقيل أنه الطيب والطاهر.
3- إبراهيم. ولد بالمدينة من سريته مارية القبطية سنة ثمان من الهجرة، ومات طفلاً قبل الفطام.
وأَما بناته فهن:
1- زينب ... 2- رقية ... 3- أُم كلثوم ... 4- فاطمة
وكلهن من خديجة. وكل أَولاده توفي قبله إلا فاطمة فانها تأخرت بعده بستة أَشهر.
(ص-ف-1626-1 في 26-5-58هـ)
(فضل أَهل البيت، والاعتدال في محبتهم)
(183- فضيلة أَهل البيت معلومة، والأَدلة على ما لهم من الميزة على من سواهم من أَجل أَنهم من البيت وقرابة النبي معلومة، فيجب أَن يحبوا زيادة على غيرهم من المسلمين.(1/254)
ومن لم يدن بدين النبي صلى الله عليه وسلم بان كان تاركه أَصلاً أَو انتسب إليه ووجد منه ناقض من نواقض دينه فان هذا لا ينال حقًا من حقوق المسلمين فضلاً عن أَن ينال حقًا من حقوق سيد المرسلين.
فالرافضة أَحبت أَهل البيت ولكنها غلت. والشيعة الأَولون إنما فيهم الشيء الزائد في محبة أَهل البيت، ودخل في هؤلاء زنادقة على أَنهم من الشيعة إلى أَن كان ضررهم على المسلمين ما هو معلوم كعبد الله بن سبأ ونحوه، فهم ما دخلوا على الإسلام والمسلمين إلا من بدعة التشيع. ثم زاد وخرج عن بدعة التشيع حتى صار الروافض هم أَئمة كل شرك وخرافة، فهم أَول من بنى المساجد على القبور، وفي آخر (1) الثالث مع أَول القرن الرابع التقى بحر البويهيين فعظمت الفتنة ووجد في هذا تاريخ القرامطة كلهم في أَواخر الثالث وأَول الرابع. ووجد مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُ النَّاس قرْنيْ ثُمَّ الَّذينَ يَلُوْنَهُمْ ثُمَّ الَّذينَ يَلُوْنَهُمْ)) (2) فبعد مضي القرون الثلاثة وجد الاختلال الظاهر وحماة البدعة، وان كان قد وجد في زمن الصحابة ما وجد من بدعة الخوارج وبدعة القدرية.
المقصود أَن أَهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم مزية ومحبة لمكانهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن بقدر، دون ما وصلت إليه الشيعة في أَول الأَمر دون آخر الأَمر من الشرك
_________
(1) القرن.
(2) والحديث مخرج في الصحيح عن ابن مسعود.(1/255)
مع ما انضم إليه من بدعة الاعتزال والقدر. فالرافضة في هذا الزمان أَكثر المذكورات فيهم. ... (تقرير) .
مسلك الرافضة الغلو في أَهل البيت وسب الصحابة. ثم انقسموا أَقسامًا: بعضهم مخونة يقولون أَن جبريل خان الرسالة فهؤلاء كفرة. والمفضلة بدعة، كالمزيد على المحبة لأَهل البيت زيادة لا تصل إلى الشرك فهذا المقدار بدعة قبل أَن ينضم إليها البدع الكبرى العظمى. والروافض من أَعظم الناس كذبًا لا سيما على جعفر الصادق، فالجهلة الروافض يأخذون تلك الأَشياء يكذبونها هم، فانهم أَكذب الناس. فهم أَعظم الناس تكذيبًا بالصدق، فيكون هذا الوعيد منطبقًا عليهم (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ) الآية (1) فالأَحاديث الصحيحة يردونها، ويقبلون المنخفضة والموقوذة والباطل. ... (تقرير) .
(184- س: يقول الروافض أَن الأَمويين يلعنون أَهل البيت)
ج: - فاذا لعن بنو أُمية أَهل البيت أَفينتقصون أَبا بكر وعمر؟
فأَهل السنة أَحبوا أَهل البيت ولا عاكسوا الروافض لم يبغضوا أَهل البيت ولا سبوهم. وفي الشيعة من لا يتجرأ على هذا (2) كالزيدية فان فيهم شيئًا من الاعتدال، وليسوا على التمام في مسألة أبي بكر وعمر. ... (تقرير) .
_________
(1) سورة العنكبوت 68.
(2) سب الصحابة.(1/256)
(185- س: الزيدية يقولون أمرنا بحبهم فيقدمون؟)
ج: - لكن من يقول: أَن هذا يصل إلى أَن تصادم به النصوص التي هي في خصوص المسألة. فهذا من باب الخصوص والعموم. الزيدية عندهم من عبادة القبور نصيب، وبناؤهم على قبور أَوليائهم شيء معلوم معروف. وهم ينكرون على غيرهم ويبنون هم وبعضهم يبني له قبل أَن يموت، ويعتلون بانه لأَجل تعظيمهم، وينكرون على الشافعية، وبكل حال فشوها في الشافعية أَكثر من الزيدية، لكن الاعتزال في الزيدية أَكثر، ولهذا عمدتهم الوحيد هو كتاب الزمخشري ((الكشاف)) . فالأَفواه مفتوحة والميزان الكتاب والسنة ((ولَوْ يُعْطى النَّاسُ بدَعْواهُمْ)) الحديث (1) يقول فرعون في خطبته: (إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) (2) . ... (تقرير) .
(186- س: ويقولون تقدمون الأَعاجم كالبخاري)
ج: - من استحق التقديم قدم. فاين البخاري من مؤلف زيد ابن علي.... فكتاب البخاري معروف عند الامة. ... (تقرير) .
(187- الزيود أَهون من الذين يأْخذون الناس بالمغريات هؤلاء هم السم) . ... (تقرير) .
(188- ابن جرير أَلف في حديث الغدير مجلدًا.
ونعرف أَن عنده شيئًا من التشيع الذي لم يصل إلى البدعة. ... (تقرير) .
(189- كل بدعة ضلالة)
فيه أَن البدعة ليس فيها حسن، ففيه الرد تعلى من يقول أَن هذه بدعة حسنة والرسول يقول ضلالة.
_________
(1) وتكملته: ((لادعى رجال دماء قوم وأَموالهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أَنكر)) وهذا حديث حسن رواه البيهقي وغيره بهذا اللفظ وأَصله في الصحيحين.
(2) سورة غافر 26.(1/257)
وأَما قول عمر: نعمت البدعة. المراد من جهة اللغة والا فأصلها مشروع فانه من المعلوم أَن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ليال فلم يخرج خشية فرضها عليهم فأَصلها معروف زمن النبي.
أَما تقسيم بعضهم البدعة إلى خمسة أَقسام: فهذا غير مسلم. بل البدعة التي لا يسوغها الشرع بدعة ضلالة. وما كان لها ما يخولها من الدين ويدل عليها فليست بدعة ضلالة بل بدعة لفظية. ... (تقرير) .
((وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فيْ النَّار)) قال شيخنا: يتعقبها الشيخ في بعض كتبه (1) . ... (تقرير) .
(190- الابدال)
أَحاديث الابدال فيها ضعف، ولكن - والله أَعلم - هم أَئمة الدين الذين لا يضرهم من خذلهم والذين يذبون عن الدين ويكون جمعًا بين الاخبار. ... (تقرير 17-10-80)
والابدال قد أخذه بعضهم من قوله تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ) (2) ... (تقرير 17-10-58هـ)
(191- قوله: رجال الغيب)
يعني رجال لا يظهرون للأَبصار قد يكونون من الجن.
رشيد رضا في تعاليقه على مؤلفات شيخ الاسلام ومثله حامد الفقي سلك مسلك شيخه ينكران هذا. والحق أنه شيء موجود وواقع لبعض الثقات (3) فرجال الغيب هو المتقدم الكلام في وجودهم (4) ومن رآهم وخضع لهم فهذا شيء آخر. ... (تقرير شرح الطحاوية) .
_________
(1) كاقتضاء الصراط المستقيم.
(2) سورة البقرة 251.
(3) الاحساس بهم.
(4) ص436 شرح الطحاوية.(1/258)
القسم الخامس
الصوفية والشيوعية(1/259)
(192- التصوف والمتصوفة)
مطلق لفظ التصوف بدعة، لكن جنس الأَسماء ليست مثل الاعتقادات، والمتصوفة على قسمين: متصوفة سنيين، ومتصوفة بدعيين، ومقتصدوهم ليس فيهم إلا القليل من البدعة، وبعضهم عنده الشيء الكثير، وجعلوا التصوف نافذة إلى وحدة الوجود. ... (تقرير الحموية) .
(193- س: يقولون: من شدة الحب صار مجنونًا ومجذوبًا؟)
ج: - لأَن حبه ليس موزونًا. ... (تقرير شرح الطحاوية) .
(194- اذكارهم)
اذكارهم شرعية في الأَصل، لكن أُخرجت عن شرعيتها بتحديدها وكيفيتها، فأصبحت من أَنواع البدع.
(انظر فتوى في الوقف برقم 1162 في 10-8-80هـ) .
(195- اشاراتهم)
ونعرف أَنه لا ينبغي أَن يختص ناس باشارات ونحوها، لا سيما إذا كان مما يسبب وقوع الناس فيهم، فهذا يورث شبهة وإن كان عند بعض من يعاملهم. ثم الطريقة السلفية ليس عندهم إلا الاصطلاحات الشرعية الظاهرة، ولهم لغتهم الفصحى الخاصة ليس فيها إشارات. ... (تقرير الحموية) .
(196- القاديانية دعوة كفرية شركية. كفر مؤسسها وأَتباعه من الفرق الثلاث)
ما قولكم في فرقة ((القاديانية)) التي خرجت من الهند رئيسهم ((مرزا غلام أَحمد)) قد ادعى في أَول أَمره أَنه مجدد هذا القرن(1/261)
الرابع عشر كما صرح به في كتابه المسمى ((بازالة الأوهام صحيفة 153)) . ولما كانت المجددية سنة مسلوكة ومنصبًا لم ينكر عليه من المسلمين سوى من كان عارفًا بخفي أَمره وحقيقة سره فلم يره أَهلا لهذه المرتبة الجليلة لشهادات حالته وأخلاقه الخفية الرذيلة، فلما تمهد له ذلك ووجد مكان القول ذا سعة ادعى أنه المهدي الموعود كما هو مصرح في رسالته ((معيار الأَخبار)) ورسالته ((ريولواف ويلينجنز)) سنة 1903 صحيفة 302، ثم لم يزل يتشدق في الدعاوى الباطلة ويتمهل في الأَماني الباطلة، فتارة يقول انه المهدي، وتارة يتفوه أنه الحارث معين المهدي، ومرة يدعي أنه محدث ملهم من الله كالمحدثين الماضين في الأُمم الخالية، ومرة يقول انه المسيح الموعود يعني عيسى بن مريم عليه السلام، ثم قد قال انه مريم أُم عيسى عليه الصلاة والسلام، وقد ادعى أَنه أَفضل من عيسى عليه السلام، وقد ذكر أَنه ميكائيل عليه السلام كذا في رسالة ((الأربعين)) 3، 23 وانه إبراهيم عليه السلام، وأنه نوع عليه السلام، وأنه موسى عليه السلام، وانه عيسى وداود ويوسف ويحيى، حتى ادعى أنه محمد صلى الله عليه وسلم، بل بعض عباراته تدل على الأَفضلية على سائر الأَنبياء والمرسلين وسيدهم وخاتمهم صلى الله عليه وسلم، وراجع إن شئت هذه الكتب من مؤلفاته حتى يأتيك اليقين ((نزول المسيح)) صحيفة 964 ((وازالة الأَوهام)) صحيفة 253 ((وحقيقة الوحي)) صحيفة 22 ((والبراهين الأَحمدية)) نمرة (5) صحيفة 90. فلم يزل هذا المدعي يتقلب في قوالب هذه الدعاوي حتى(1/262)
استقر أَمره أَخيرًا بلا ريب فيه ولا خفاء على أَنه أَعلن بدعوى نبوته ورسالته ونزول الوحي عليه، وان الايمان على وحيه واجب كالقرن العظيم من غير فرق أَصلاً، وكفر وضلل منكر وحيه.
ومن لم يؤمن بنبوته ورسالته يجد أَن القرآن العظيم ينادي بأعلى نداء أَن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، وقد تواترت أحاديثه عليه الصلاة والسلام أَنه لا رسول بعده ولا نبي، وقد اجمعت الأُمة من خير القرون إلى زماننا هذا على أَنه لا ينبأ أَحد بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
وبالجملة أَن هذا المتنبيء الكاذب قد أَتى بدعاوي شتى ليلتبس الأَمر على عامة المسلمين، وليتطرق إلى انكاس بعض الدعاوى إذا سلح عليه المسلمون.
ومن ثم افترق أَصحابه بعد موته على ثلاث فرق: (1) فرقة تدعي له المجددية والمهدوية فقط لا النبوة والرسالة، ومركز دائرتها بلدة لاهور. (2) : فرقة تدعي أَنه رسول ونبي كامل وهو المسيح ابن مريم الموعود بيد أَنه لم يأت بشريعة جديدة ولم ينسخ الشريعة السابقة مثل هارون عليه السلام في شريعة موسى عليه السلام، وهم أَهل قاديان، ومنهم ابنه وخليفته الثاني. (3) : فرقة تدعي أَنه رسول ونبي وقد أتى بشريعة جديدة ووحي جديد ونسخ الأَديان السابقة كلها. والنجاة اليوم منحصرة في اتباعه ورأْسهم ظهير الدين الأودبي.
ثم أَن الفرق الثلاث قد ورثوا من رئيسهم الأَول أَنواع الحيل والمكر في تبليغ دعواتهم، فيلبسون للناس ثياب المسلمين ويقرؤون القرآن ويصلون الصلوات ويرضونهم بأَفواههم وما تخفي صدورهم أَكبر، المخالطون غفلة المسلمين وغرارهم بأَنواع(1/263)
الحيل، ويظهرون لهم الموافقة في عامة أُمور المسلمين ويخفقون دعوى نبوته إلى أَن تُسَهِّلَ المخالطة قبول آفاتهم، ولهذا عمت هذه البلية في ديارنا الهندية وراجت، وشاعت هذه الفتنة العمياء وماجت، وانها تجاوزت حدود الهند وكادت تسيح في أَرض العراق وقاها الله وبلاد المسلمين كلها من فتنتهم وفتنة المسيح الدجال.
فما قولكم أَيها السادة العلماءُ في هذا الرجل ومن انتحل نحلته واقتدى به من الفرق الثلاث المذكورة: هل هم من الاسلام في شيء، أَم خرجوا عن الاسلام، وهل يجوز اتخاذهم عضوًا من الملة الاسلامية أَو يجب على المسلمين قطع تلبيسهم عنهم.
وقد جمعت بعض غلطات ذلك الملحد بلفظها نقلاً عن كتبه المصنفة بعضها بالعربية وبعضها بالأردية فما كان بالأردية ترجمت بالعربية والحقت ذلك كله بعد هذا الاستفتاء مطبوعًا بالحجر.
الجواب وبالله المستعان:
الحمد لله. هذا الرجل المنوه عن اسمه وحقيقة ما يدعيه في هذا السؤال ان لم يكن مجنونًا فهو أَكفر من اليهود والنصارى فالمقام أَوضح وأبين من أَن يبرهن عنه بافراد الأَدلة، إذ هذا معلوم بالضرورة من دين الاسلام، بل من لم يكفره بعد أَن تحقق عنه المسلك الوخيم والموقف المنتن الذميم فانه كافر تجب استتابته فان تاب والا ضربت عنقه مرتدا.
وبهذا الجواب المختصر يكتفى عن جواب السؤال عن اتباعه من الفرق الثلاث، اذ الفرقة الثانية والفرقة الثالثة كمثله فيما(1/264)
هو عليه لتصديقهم اياه في أموره الكفرية. واما الفرقة الأولى فكفرها من حيث تحققها دعاويه المكفرة وزعومه المخرجة عن الملة، أَما تصديقها إياه في ذلك وتمسكها بدعاويه الأولى من التجديد وأَنه المهدي كما أَنه باطل في نفسه وضلال فهو لا يخرجها عن الحكم عليها بحكم الفرقتين الاخريين من حيث اعتقادها فيه التجديدية والمهدوية مع ما هو عليه من الدعوى الكفرية الشركية. والله أَعلم.
(17-11-1375 وهي بخط مدير مكتبه الخاص)
(197- طرد قادياني من المملكة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الفضيلة الأَخ الشيخ عبد الله بن عقيل ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
نشير إلى خطاب فضيلتكم تاريخ 7 رجب 1388هـ المتضمن الاستفسار عن صحة الشائعات المنسوبة إلى هذه المملكة بسماح دخول جماعة القاديانية.
ونفيدكم أَن دخول القاديانيين إلى المملكة العربية السعودية محظورًا حظرًا باتًا ومشدد فيه تشديدًا بليغًا، ولم يحصل في ذلك تساهل أَو تراخي.. ولقد عثر على شخص من تلك الطائفة الخبيثة منذ سنتين دخل خلسة فأمرت الحكومة بطرده فورًا، وأَكدت وما تزال توالي التأكيدات على سلطات الأَمن بمراقبة هذا الأَمر بكل دقة وعناية. هذه الحقيقة نحب أَن تحيطوا بها علمًا. ونسأَل الله أَن يتولى توفيق الجميع لك خير ويجعلنا(1/265)
واياكم من أَنصار دينه وحماة شرعه والسلام عليكم ورحمة الله.
(ص-م-4717 في 27-9-88هـ)
(198- الطريقة الشاذلية)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب المعالي وزير خارجية المملكة العربية السعودية ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد: فقد بلغنا أَن محمد الفامي نزيل مكة سابقًا قد ذهب إلى سيلان، وأَخذا يقوم بأَعمال مخالفة للشرع، وصادر يدعو إلى اتباع الطريقة الشاذلية. وهي طريقة بدعية مخالفة للدين الإسلامي، كما أَنه قد لبس على الكثيرين هناك بأَن له مركزًا محترمًا في البلاد، وأَنه قد تولى القضاءَ في مكة سنين عديدة وحيث أَن المذكور ينتمي إلى الدولة السعودية ومن مكة بالذات وخشية من أَن يغتر به هؤلاء. فاننا نأمل منكم تعميد من يلزم بالبحث عن المذكور وتقصي أَخباره، ووضع رقابة دقيقة على تصرفاته للتأَكد من صحة ما نسب إليه، وافادتنا لاجراء ما يلزم نحوه. وفقكم الله. والسلام.
رئيس القضاة
(ص-ق-6982-3 في 13-10-80هـ)
(199- التيجانية)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم رئيس المنطقة الثالثة بشرطة الرياض ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد جرى اطلاعنا على خطابكم رقم 782-م 2 وتاريخ(1/266)
27-7-88هـ الخاص بحادث الطفل عبد الكريم أَحمد اليماني من قاتله والده أَحمد اليماني المختل الشعور، وانكم وجدتم بجانب الطفل حزب أَحمد التيجاني.
لقد جرى اطلاعنا عليه فوجدناه مشتملاً على شركيات وبدعيات وأَشياء منكرة، وقد حفظناه لدينا. بارك الله فيكم. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية (ص-ف-2591-1 في 5-9-88هـ)
(200- القادرية)
انظر حكم اتباع عبد القادر الجيلاني في رسالة في وحدانية الالهية بتاريخ 25-5-85هـ وذكر أَن منهم من يسجد له ويستغيث به الخ.
(201- الاباضية)
انظر رسالة في الشهادات بتاريخ 28-9-73هـ. وفيها التصريح بانهم مبتدعة لا تقبل شهادتهم.
(202- كلية الدعوة والتبليغ الاسلامي)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي الأَمير خالد بن سعود رئيس الديوان الملكي ... الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد تلقيت خطاب سموكم رقم 37-4-5-د في 21-1-82هـ وما برفقه وهو الالتماس المرفوع إلى مقام حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم من محمد عبد الحامد القادري وشاه أَحمد نوراني وعبد السلام القادري وسعود أَحمد دهلوي حول طلبهم المساعدة في مشروع جمعيتهم التي سموها ((كلية(1/267)
الدعوة والتبليغ الاسلامية)) وكذلك الكتيبات الثلاثة المرفوعة ضمن رسالتهم.
وأَعرض لسموكم أَن هذه جمعية لا خير فيها، فانها جمعية بدعة وضلالة. وبقراء' الكتيبات المرفقة بخطابهم وجدناها تشتمل على الضلال والبدعة والدعوة إلى عبادة القبور والشرك الأَمر الذي لا يسع السكوت عنه. ولذا فسنقوم إن شاءَ الله بالرد عليها بما يكشف ضلالها ويدفع باطلها. ونسأَل الله أَن ينصر دينه ويعلي كلمته. والسلام عليكم ورحمة الله.
(ص-م-405 في 29-1-82هـ) .
(203- الشيوعية والطريق إلى السلامة من اعتناق هذا المذهب الخبيث)
الحمد لله. اطلعت على سؤال رئيس حزب مسلمي باكستان بواسطة المفوض السعودي بباكستان عبد الحميد الخطيب والتماسه من الملك عبد العزيز آل سعود خلد الله مجده استفتاءَ علماءِ نجد في المسألتين الآتي بيانهما.
احداهما أَن الأَغنياءَ في باكستان يملكون أَراضي واسعة ويؤجرونها بأجور باهظة بحيث لا يبقى للمستأجر ما يكفي لإِعاشته، بينما يتنعم الأغنياءُ بأَنواع الملذات الأَمر الذي قد يحمل المعدمين على اعتناق البلشفية.
والمسأَلة الثانية مسأَلة البنوك وطريقة التعامل بها.
الجواب: الحمد لله. لا يسوغ شرعًا والحالة ما ذكر انتزاع الأَراضي المذكورة من أَصحابها المثرين وتوزيعها على المزارعين(1/268)
لعدم حصول كفايتهم وكفاية عوائلهم بالجزء الواقع عليه العقد في المزرعة خشية اعتناق المذهب البلشفي الخبيث، بل ذلك من ظلم الأَموال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ دِمَاءَكمْ وَأَمْوَالَكمْ وَأَعراضَكمْ عَلَيكمْ حرَامٌ)) (1) وفي حديث أَبي ذر القدسي ((يَا عبَادي إنِّي حرَّمتُ الظُّلمَ عَلَى نفسي وَجَعَلته بَينَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالمُوا)) (2) . وقد علم بالضرورة من الشرع المطهر أَن عقود المعاوضات من البيع والاجارة ونحوهما لا يشترط فيها أَن يحصل للعاقد من الكسب ما يقوم بكفايته وكفاية من يمونه ولا يؤثر ذلك أَي تأثير في العقد.
والمخرج من هذه المشكلة لزوم تقوى الله تعالى، والقيام بشرعه علمًا وعملاً ودعوة وتعليمًا، وصدق التوكل عليه تعالى، وافراده بالرغبة وابتغاءِ الرزق عنده، فإنه لا ينال ما عند الله تعالى إلا بطاعته، قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (3) وقال صلى الله عليه وسلم: ((لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى الله حَقَّ تَوَكُّلِه لرَزَقَكُمْ كَمَا يرْزُقُ الطَّير تَغدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بطَانًا)) (4) وقال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) (5) وفي حديث: ((إِنَّ الْعَبدَ لَيحرَم الرِّزقَ
_________
(1) متفق عليه.
(2) أَخرجه مسلم وغيره.
(3) سورة الطلاق -، 2، 3.
(4) رواه الامام أَحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال الترمذي حسن صحيح.
(5) سورة الشورى 20.(1/269)
بالذَّنب يصيبه)) (1) وفي الحديث الآخر: ((إِنَّ رُوْحَ الْقدس نَفث في رَوعي أَنَّهَا لن تَموْت نفسٌ حَتَّى تَستَكملَ رزقهَا وَأَجَلَهَا فاتَّقوا الله واجملوا في الطَّلَب وَلاَ يحملَنَّكمُ استبطَاءُ الرِّزق أَن تطلُبُوهُ بمَعصيَةِ الله فَإِنَّهُ لاَ يَنالُ مَا عندَ الله إِلاَّ بطَاعَته)) (2) .
وفي أَموال المثرين وغيرهم عدة حقوق: كالزكاة الشرعية الواجبة، وصدقة التطوع، وكالنفقات الشرعية على الأَقارب ونحوهم، ومثل الكفارات الشرعية من كفارة اليمين بأَنواعه وغيرها من أَنواع الكفارات المالية، وكإطعام الجايع، وكسوة العاري ونحو ذلك، فإنه من الفروض الكفائية في حق المثرين وغيرهم، فمن علم بجوع مسلم أَو عرييه وعلم أَن غيره لا يقوم بذلك وقدر هو على ذلك تعين عليه.
وإذا جبيت الزكاة على الوجه الشرعي وصرفت مصرفها المرعي مع ما يجب من النفقات والكفارات وغير ذلك مما سبق ذكره وصرف ولاة الأمور ما يتعين عليهم صرفه مما تحت ايديهم من الأَموال المشتركة التي مصرفها عمل المصالح ومن جملتها سد خلة الفقراءِ، لا سيما إذا انضم إلى ذلك عظة الفقراءِ المذكورين، وحثهم على الصبر، والزام من يحسن الصنايع وذوي الجلد منهم بأَن يبذلوا أَنفسهم حسب الطاقة في أَنواع الصنايع والتكسبات
_________
(1) حديث ثوبان.
(2) من حديث جابر.(1/270)
المنتجة، والحيلولة بينهم وبين الاخلاد إلى أَرض البطالة والكسل واستلذاذ التنعم، هذا كله لا يقصر إن شاءَ الله عن حصول كفاية أولئك الفقراءِ وكفاية عوائلهم.
(بخط مدير مكتبه الخاص) (1) .
_________
(1) قلت: أما الجواب عن المسألة الثانية مسأَلة البنوك وطريقة التعامل بها فلم يرفق بهذه الفتوى ويأتي في باب الربا أَجوبة عن ذلك.(1/271)
فتَاوى ورَسَائل
سَماحة الشيخ
محمَّد بن إبراهيم بن عَبداللطِيف آل الشيخ
مفتي المملكة
ورَئيس القضاة والشؤون الإسلامية
طيَّبَ اللهُ ثراه
جَمع وترتيب وتحقيق
محمد بن عبد الرحمن بن قاسم
وفقه الله
الطبعة الأولى
مطبعة الحكومة بمكة المكرمة
1399 هـ(/)
الجزء الثاني
أصول الفقه ـ الطهارة ـ الصلاة(2/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
(مقدمة في أصول الفقه وفيها فتاوي)
(204- يسر الشريعة وسماحتها)
يسر الشريعة وسماحتها: أن مفردات شرائعها جاءَت على السهولة كقصر الرباعية ونحو هذا. هذا معنى يسر الشريعة ليس معناه ترك الواجبات وفعل المحرمات، بل يجب القيام بما أَمر الله به من اقامة الحدود، فإِن بعض الجهلة يجعلون هذا تشديدًا. وهذا من خداع الشيطان وما ابتلوا به، فانه مبين في الأَحاديث معنى يسرها، هذا من ناحية. ومن ناحية أُخرى عندما يتضايق الحال كالرخص الشرعية -لاغث الرخص- كأَكل الميتة اذا وجدت المخمصة. (تقرير شرح الطحاوية) (1)
(205- صلاحيتها لكل زمان ومعنى ذلك)
الشرع المطهر صالح لكل زمان ومكان، والكفيل بحل مشاكل العالم في أُمور دينهم ودنياهم مهما طال الزمان وتغيرت الأَحوال وتطور الانسان، لأَن الشريعة قواعد شَرَعَهَا المحيط علمه بكل شيء لتنظيم أَحوال الناس وحل مشاكلهم على الدوام. وهو سبحانه العليم الحكيم الذي شرع الشرائع وأَوضح الأَحكام أَرأَف بعباده المؤمنين غنيهم وفقيرهم وأَعلم بمصالح خلقه من أنفسهم.
(اهـ من رسالة في القضاء) .
فالشرع المطهر هو الذي يمشي مع الناس، وليس المراد أَنه الذي
_________
(1) ويأتي في الحج أمثلة لذلك في رسالة تحذير الناسك (طبع مكة 76 هـ وبيان ما يدخل في هذه القاعدة وما لا يدخل فيها) .(2/5)
يمشي مع هواهم على أَي شكل إلا عند من يمشي مع التطورات فهو الذي يزعم أَنك متى قدتها انقادت معك وصارت (مع) وهذا في غاية الكفر والجهل والعناد، بل معنى ذلك أنه ما من زمان وان تطورت مشاكله واتسعت إلا وفي الشريعة بيان حكمها. (تقرير) .
ثم ليعلم أن تطور الزمان بأي نسبة لا يخرج شيئًا عن حكمه الشرعي، اذ رفع حكم ثبت شرعًا بالحوادث لا يجوز بحال لأَنه يكون نسخًا بالحوادث، ويفضي إلى رفع الشرع رأْسًا وربما يشبه ههنا بعض الجهلة بقول عائشة (1) .
(وفيها قطع النزاع وبيان الحق)
الذين لا يحترمون الشرائع ولا يعظمون الله أرادوا اضلال الناس بالقوانين الملعونة الافرنجية فهم يقعون في أَهل الشريعة، ويقولون أَن الشريعة لا يحصل بها قطع النزاع وليس فيها بيان الحق، وهذا في الحقيقة روح المصادمة والمحاربة لما جاءَ به الرسول صلى الله عليه وسلم من الشرع المطهر، ووضع شبه تصد عن الصراط المستقيم وهو عبادة الله وحده، فهم سعوا في أَن يصدوا عن تحكيم الرسول فيما جاء به، والله يقول: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) (2) . ثم السلامة من النزاع الذي زعموه هو لازم لهم فيما وضعوه، وهذا يلزمهم لزومًا لا محيد لهم عنه، ولهذا يبدلون دائما، نظير أَمانات النصارى التي وضعوها التي حاصلها الخيانات باعداد من أَحبارهم يضعون في كل وقت ما يرونه مناسبًا - الأَمانة الأولى الغاءُ الشرائع هو بهذا
_________
(1) لو رأى ما أحدث النساء بعده لمنعهن. وانظر بقية الجواب في رسالة (لعب الأطفال) وتقدمت.
(2) سورة النساء 65.(2/6)
صريح صنيع القانونيين الغاءٌ للشرائع. وهنا تقنين في المباحاة فهذا لا يدخل فيما فيه الكلام. (تقرير في تحديد النسل) .
(وحكامها ما بين مجتهد مصيب له أجران أو له أجر)
حكام الشرع المنتسبون إلى الأَئمة الأَربعة وغيرهم أَحكامهم ما بين صواب يحصل لصاحبه أَجران أَجر الاجتهاد وأَجر الاصابة وهو بتوخي اصابة الحكم الشرعي من ينبوعه الصافي وبذل كل الجهود في الحصول على معرفته واستعمال كل الوسائل الموصلة إلى القول به والدعوة إليه. وما بين خطأ من صاحبه بعد بذل الوسع في الحصول على الصواب ان فاته ذلك لم يفته أَجر الاجتهاد والحرص على الصواب.
(من رسالة برقم 235 في 16-3-87 هـ)
(206- قوله (1) : ان الله يخلق عند ذلك)
في هذا وما بعده تأَمل، فانه من المعلوم ان ادراك السمع خلق لله، لكن التأمل انه يشبه قول منكري الأسباب، بل هذا من قولهم. (تقرير) .
(207-الأحكام الخمسة- الحلال والحرام)
مسألة التحليل والتحريم لم توكل إلى أَحد من الخلق انما ذلك إلى الله ورسوله فهو من الأمور العامة التي ليس للعلماء ولا لغيرهم فيها منفذ بل لا يقوله أَحد إلا الشرع وفي الآية:
(*) الآية (2) . غاية اجتهاداتهم ان هذا لا يفعل أَو يسوغ.
_________
(1) يعنى شارح الورقات في أصول الفقه.
(2) سورة النحل 116.(2/7)
فهذا لا يقال ويجزم أَنه حرام. فان الفتوى شيء والحكم عليه بانه حلال أَو حرام شيء آخر، وهكذا حكم ما سكت عنه إِذا لم يدل عليه منطوق ولا مفهوم ولا فحوى ولا قياس فحكمه أَنه جائز.
وقال أيضًا: المسائل الشرعية لا يقال فيها بالرأي والاقتراحات المجردة من الدليل (1) .
(208- س: قول بعض الفقهاء: هذا واجب ولم يقل النبي واجب)
ج: التعبير عن الأَشياء بالوجوب أَو التحريم تعبير صحيح وليس الشأْن في الأَلفاظ بل الاحكام اذا كان ممنوع منه فهذا صحيح. (2) (تقرير) .
(209- فرض العين وفرض الكفاية أيهما أفضل)
اختلفوا أَيهما أَفضل. والمعروف والمشهور فرض العين، وذلك أَنه واجب عليه عينا وهو آكد، هذا هو الصحيح والراجح. الا أَنه قد يقال: هذا آكد من ناحية، وهذا آكد من ناحية. كما يكون في بعض مسائل التفضيل فيكون جمعًا بين القولين. هذا آكد بانه ما فرض الا وهو متعين عليه، وهذا آكد بانه اذا ترك أَثم الجميع. (تقرير الورقات) .
(210- الكراهة)
الكراهة تطلق ويراد بها التحريم، وتطلق ويراد بها التنزيه. فمن الأَول (*) (3) لأَن
_________
(1) اهـ من رسالة في الربا برقم 785 في 1-6-80 هـ.
(2) أي فالتعبير عنه بأنه حرام صحيح.
(3) الاسراء 38.(2/8)
قبل هذا تعداد الامور المحرمات. ومن الثاني ((كَان يَكرَهُ النَّوْمَ قَبلَهَا وَالْحَديثَ بَعدَهَا)) (1) وهي في أَلْسُن السلف المراد بها التحريم أكثر، وهي التي في لغة القرآن. (تقرير) .
(211- ينبغي، ولا ينبغي)
هذه الكلمة تستعمل فيراد بها الاستحباب ونحوه عند كثير من الناس وأَتباع الأَئمة، ولا ينبغي: أي لا يستحب. ولكن هذا غلط، فان أَصل وضعها لتعظيم الامتناع (*) (2) . (تقرير) .
(212- الأَخذ بالرخص)
ولكن الآن كثير ممن يتكلم بلسان العلم ممن يتبع غث الرخص يجد ما فيه التسهيل أولى. فيأْخذون هذه على هذا الاطلاق (3) فسلك مسلك الاباحية بهذا في أَشياء كثيرة. ... (تقرير) .
(213- أصول الأدلة)
أُصول الأَدلة: الكتاب، والسنة، والاجماع. والرابع القياس والجماهير على حجيته، ومن أَدلته ((أَرَئَيتُمْ لَوْ وَضَعَهَا في حرَام)) (4) . ... (تقرير الأَربعين) .
(214- الحقيقة، والمجاز)
نعرف أَن كلا من التعريفين فيه ما فيه. والواقع أن تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز اصطلاح حادث. لم يكن معروفًا عن العرب: هذه كلمة حقيقة، وهذا مجاز. ودرج الصدر
_________
(1) أخرجه البخاري.
(2) سورة ياسين 69.
(3) يعني أنه أخذ بالرخص وليس كذلك.
(4) رواه مسلم. أوله ((كل سلامى من الناس عليه صدقة)) .(2/9)
الأَول على ذلك. ثم حدث اصطلاحات قسموا فيها الكلام إلى حقيقة ومجاز، واختلفوا في تعريفهما، وسببه أَنه ليس مبنيا على أَصل بل هو اصطلاح. واذا رجع في البحث إِلى أَنه يوجد ولم يصل ان يغير أَمرًا ثابتًا فهذا سهل، واذا أَفضى إلى تغيير الشرع فلا يغير به الشرع الثابت. وكثيرًا ما تجنى الاصطلاحات على الشريعة. فمثل هذه الأُمور ما لم يصل إِلى ابطال حق واحقاق باطل فالأَمر سهل، فان وصل أُلغي. وكم جنى هذا الشيء الاصطلاحي على الدين في العقائد وغيرها من جنايات. وراجع في هذا واكثرْ مطالعة كلام ابن القيم في كسر منجنيق المجاز (1) وكلام الشيخ تقي الدين في كتاب الايمان (2) ورده على المنطقيين (3) . ... (تقرير) .
(215- قوله: كالصلاة (4))
بل اصطلح على أَنه الدعاءُ الخاص فهو من أَدلة القول الثاني، فالحقيقة انه بقي على أَصله لكن ضم اليه الشرع أَوصافًا وقيودًا والا فمعناه الأَصلي موجود فان فيها من الدعاء ما هو معروف فإِن الشرع تصرف فيها ولا أَزال الأَصل. ... (تقرير) .
(216- ليس كمثله شيء)
المشهور عند الأُصوليين وغيرهم أَن الكاف صلة وان معناها تأكيد نفي المثل، والذي ليس كمثله شيءٌ أَبلغ في النفي من ليس مثله شيء. وهذا الذي وجهه (5) ليس جنسه معلوما، وهذا
_________
(1) الصواعق المرسلة جـ 2 ص 2 - 76.
(2) جـ 7 من مجموع فتاويه.
(3) في كتاب مستقل. وفي فتاوى جـ 9.
(4) لغة الدعاء.
(5) وهو قوله: فنفي مثل المثل (في شرح الورقات) ... الخ.(2/10)
مثل سلوك الطريق البعيد وترك القريب، وشيء ليس له جنس في كلام العرب، بخلاف الأَول فانه جار على ألسنتهم، فما الحامل على هذا التكلف والتقدير؟؟! ... (تقرير) .
(217- حصول العلم بغير المتواتر)
الراجح أَن العلم قد يحصل بغير المتواتر وبغيرالحواس الخمس وبغير البديهيات، فاخبار الآحاد اذا خفت بها القرائن افادت العلم ليس الظن فقط، من ذلك بعث معاذ وقيام الجحة به على من اخبرهم. ... (تقرير) .
(218- السنة والمستحب بينهما فرق)
السنة عند الأصوليين مرادفة للمستحب، فإن كلا من السنة والمستحب ما لا يعاقب تاركه ويثاب فاعله.
ولكن فرق بين السنة والمستحب: فالسنة ما ورد به عن النبي شيء. والمستحب قد يطلق ويراد به ما جاء فيه عن النبي، وقد يقال ما قيس على غيره. أَما في اختيار كثير فلا يطلقون السنة إِلا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء. أَما ما لا يرجع إلى نص نبوي وهو مما يندب إليه فهذا لا يقال فيه سنة. فينبغي أَن يفرق كتفريق السلف. وتطلق السنة على أَفعاله صلى الله عليه وسلم هذا في اصطلاح العلماء والفقهاء من فقهاء الحديث وغيرهم يطلقون السنة على فعله صلى الله عليه وسلم سواء كان هو المسنون الاصطلاحي أَو مما يوجب الفرضية أَو يكون في الترك. ... (تقرير) .(2/11)
(219- س: ما فعل في وقته ولم يطلع عليه)
ج: لعل الجزئيات إذا فعلت ولا اطلع عليها لا تدخل في هذا. أَما الشيء الذي فاشي فأَصل حديث جابر ((كنا نعزل والقرآن ينزل)) (1) .
(220- الاجماع)
قوله. وقيل يشترط انقراض العصر.
لو قيل به لكان الإِجماع على ضلالة. والقول الصحيح الأَول وأَنه في أَي عصر وجد. ... (تقرير الورقات) .
(221- ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن) (2)
المراد إِجماعهم. ... (تقرير) .
(222- الخلاف)
الخلاف منه ما له حظ من النظر. ومنه ما ليس له حظ. ومنه قسم ثالث يكون معروف الضعف. فإِذا قيل في الثالث لا يلتفت إِليه وليس بشيء (3) . ... (تقرير) .
(223- الاجتماع رحمة والاختلاف عذاب)
قولهم: إِختلاف الأمة رحمة. عند النقد والتحقيق غلط، وربما تحمل على ما إذا كان بين عالمين مسأَلة فروعية لم يدل عليها بنص ولا ظاهر فيكون العمل بالأَسهل من قولهما رحمة إِحسانًا للظن بهم، والا في الحقيقة الاختلاف بينهم عذاب مع ما ينتج من البغضاء والعداوة والتفرق وغير ذلك. وأَيضًا هو لم يجيء في
_________
(1) فيدخل في هذا.
(2) رواه أحمد في كتاب السنة عن ابن مسعود موقوفًا وأَخرجه البزاز والطيالسي والطبراني وأبو نعيم في ترجمة ابن مسعود.
(3) فهذا صحيح.(2/12)
النصوص إِلا مذمومًا، والثواب على الاجتهاد لا على الاختلاف. فالتحقيق أَن الاجتماع رحمة والافتراق عذاب. وجاء ذكر خلاف من نوع آخر. وهو الحكم بين متنازعين. ... (تقرير) .
(224- التفسير بالاشارة)
الإِشارة وجه من أَوجه التفسير، ويوجد من يستعملها ويكثر وربما أَكثر من يفسر الآية بإِشارتها هم المتصوفة، وللشيخ وابن القيم تفسير بالإِشارة بعض الأَحيان، وللشيخ كلام فيما تشير إليه يظهر منه أَن جنسه غير محذور، ولكن أَهل التصوف يغلون في ذلك حتى يخرجوا عن الحد فيجعلون معاني ليس للإِشارة محل فيها. ... (تقرير) .
(225- ((أصحابي كالنجوم)) )
لكن المعروف عند أَهل الحديث حقًا أَنه لا يثبت سنده ولا يصلح للاحتجاج فلا تقوم به حجة. وكذلك معناه غير مستقيم، فإِن معناه يقتضي أَنه إذا كان صحابيان أَحدهما يقول هذا حرام والآخر يقول هذا حلال أَن الكل هدى. هذا تناقض، بل أَحدهما هدى وأَما الآخر فلا، لكن قد يكون معذورًا. والمعروف عند المحققين أَن الحق واحد.
وأَصل الحديث ثابت: ((أَنَا أَمَنَه لأَصحَابِيْ فَإِذا ذَهَبْتُ أَتى أَصحَابيْ مَا يُوْعَدُوْنَ وَأَصحَابِيْ أَمَنَه لِمَن بَعْدَهُمْ فَإِذا ذَهَبُوْا أَتى مَن بَعْدَهُمْ مَا يُوْعَدُوْن)) . وتشبيههم بالنجوم لا يقتضي هذا التفضيل المذكور من كل وجه، بل يجتمع في أَصل المراد أَن جنسهم ممن يهتدى به، وهم كذلك. ... (تقرير ورقات) .(2/13)
(226- الرؤيا)
س: إذا رأَى النبي يقول الحكم كذا كمسأَلة الترتيب بين الفوائت؟
جـ: إذا لم تخالف نصًا وهو يعرف صفة النبي فهي تقوى. أَما أَن يرد بها حديث فلا. ومسأَلة مشهورة مسأَلة العز بن عبد السلام أَفتاه ناس بأَنه مباح. فأَجاب بأَنه لو جاء بسند صحيح يقظة ما قدمناه (1) . ... (تقرير) .
(227- اللغة الخاصة)
اللغة لا شك أَنه يهتدى بها إِلى معاني الكتاب والسنة، لكن هنا لغة خاصة فمهما وجدت لا يصار إِلى سواها، فلا يصار إِلى اللغة العامة مع وجود اللغة الخاصة. أَما إذا لم توجد الخاصة فإِنه يرجع إِلى العامة، فالقرآن عربي والنبي عربي. والمثال لها هو هذه الكتب المؤلفة في غريب الحديث كالنهاية (2) ومجمع البحار (3) فإِنها لبيان لغة النبي والصحابة.
ولا يكاد يكون فرق بين لغة قريش وغيرهم. إِلا (4) ولكن لا أَسمع أَن المراد لغة الحجاز، بل لغة الصحابة. أَما بالنسبة إِلى أَفصحيتها فشيء آخر غير ما نحن فيه. ... (تقرير) .
(228- المنهي عنه لا لذاته)
قاعدة وهو أَن الشيء إذا نهي عنه لذاته ليس مثل ما نهي عنه لا لذاته، فهذا الجنس في جميع موارده إذا دعت الحاجة إِلى شيء منه جاز. ... (تقرير) .
_________
(1) لأن عنده من الأحاديث ما يكفي عن الرؤيا وما لا يقاومه حديث واحد.
(2) في غريب الحديث لابن الاثير.
(3) مجمع بحار الانوار في غرائب التنزيل ولطائف الاخبار لمحمد طاهر.
(4) بياض بالاصل مقدار كلمة.(2/14)
(229- أمهات المسائل مدلول عليها بالنصوص)
(تقرير الحموية)
(230- حمل الأَدلة على غير المراد بها)
بعض العصريين ديدنهم ما يناسب بدعهم في أُمور الأَحكام وفي الأمور الواقعة من الصناعات الجديدة وليس هو المراد من الآيات والأَحاديث. ... (تقرير قتال أَهل البغي) .
(القياس)
(231- س: يقولون لأَنه غارم هل هذا يرجع إلى نص)
ج: لا يخرج كونه غارم عن كونه مُنكِر.
س: العدول عن كلمة منكر.
ج: التعليلات لا يلتزم فيها الأَلفاظ النبوية إِنما تلتزم الأَلفاظ النبوية في العبادات. أَما المعاملات فإِذا علل بشيء من معنى الحديث ساغ، والمنكر هو ينكر مخافة الغرامة لولا إِنكاره غرم. ... (تقرير) .
(الاجتهاد)
(232- شروطه، المصيب، ضرر الخطأ)
تعتبر الشروط حسب الطاقة.
الراجح أَن المصيب واحد، فإِنه لا يمكن أَن يكون قولان متغايران كل منهما صواب، فلهذا المصيب واحد. كل قول ليس بصحيح لا بد أَن يتفرع عليه أَقوال ضعيفة، ويوجد فيه آصار وأَغلال وتناقض. ... (تقرير) .
(233- الاقتداء والتقليد)
الاقتداء غير التقليد. الاقتداء هو اتباع قول الغير الذي يراه أَعلم منه بالدليل، وأَما التقليد فهو أَخذ قول القائل من غير نظر إِلى دليل. فالاقتداء هو من طريقة السلف وهو حق، فإِن العلماء(2/15)
وسائط بعضهم مع بعض إِلى معرفة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا في الحديث ((اقتَدُوْا بالَّذَيْن مِن بَعْدِيْ أَبيْ بَكر وَعُمَر)) (1) وفي الآية (*) . والتقليد قسمان: إِذا كان لا يعرف الدليل فيسوغ له التقليد. فهو في حق العامي غالبًا أَو مطلقًا. ويكون في حق العالم في بعض الأَشياء. وقسم لا يسوغ له التقليد. ... (تقرير حموية)
(234- اذا ظهر للقاضي خلاف الراجح في المذهب وحكم به فليذكر مستنده)
من محمد بن ابراهيم إِلى المكرم فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بالرياض ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنعيد لكم برفقه الأَوراق الخاصة بقضية سعود غالب ضد عوض الزهراني المنظورة لدى فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عتيق الواردة إِلينا من فضيلة رئيس هيئة التمييز رقم 1024 بتاريخ 10-5-85 هـ.
ونشعركم بأَنه قد جرى الاطلاع على ما دار بين فضيلة القاضي وهيئة التمييز. والذي نراه أَنما لا حظته الهيئة هو مقتضى الول المشهور والراجح في المذهب مع أَنه لا يتعارض مع نتيجة الحكم، لذا فإِن الذي ينبغي هو إِنفاذ موجبه. كما أَنه ينبغي لفضيلة القاضي أَن يلاحظ مستقبلاً عندما يظهر له الحكم في مسأَلة بخلاف الراجح في المذهب أَن يذكر في الصك مستنده في الحكم. والله يتولاكم والسلام.
رئيس القضاة
(ص-ق-4309-3-1 في 26-3-85 هـ)
_________
(1) أخرجه الترمذي عن ابن مسعود.(2/16)
(235- التمذهب، والانتساب الى أَحد المذاهب الأَربعة، أَو أَحد الأَئمة الأَربعة)
التمذهب بمذهب من المذاهب الأَربعة سائغ، بل هو وبالإِجماع، أَو كالاجماع ولا محذور فيه كالانتساب إِلى أَحد الأَربعة فإِنهم أَئمة بالإِجماع. والناس في هذا طرفان ووسط: قوم لا يرون التمذهب بمذهب مطلقًا وهذا غلط. وقوم جمدوا على المذاهب ولا التفتوا إلى بحث (1) . وقوم رأَوا أَن التمذهب سائغ لا محذور فيه، فما رجح الدليل مع أَي أَحد من الأَربعة أَو غيرهم أَخذوا به (2) . فالذي فيه نص أَو ظاهر لا يلتفت فيه إِلى مذهب، والذي لا من هذا ولا من هذا وكان لهم فيه كلام ورأَى الدليل مع مخالفهم أَخذ به. والأَئمة في التحذير من تقليدهم وذم المقلد معروف مشهور كلامهم. ... (تقرير) .
(236- س: قول مؤلف زاد المستقنع: وهو الراجح في مذهب أحمد.)
ج: لا يلزم من ذلك أَن يكون هو الراجح في نفس الأَمر، بل قد يكون هو المرجوح، إِذ الرجحان والمرجوحية إِنما هي بالميزان الشرعي وهو الكتاب والسنة، والعلماء يزنون بالأصول الشرعية لكن الوزان يختلفون فعلى طالب العلم أَن ينظر ما قام عليه البرهان. ... (تقرير)
(237- س: الأحاديث التي يحتج بها الأصحاب)
ج: الأَصحاب كثيرًا ما يستدلون في كثير بأَحاديث غير مشهورة، وأَحيانًا مع وجود أَقوى وأَشهر منها. وفي الحقيقة ينبغي
_________
(1) وهذا أشد من الأول وهو الذي حذر منه الأئمة الأربعة وغيرهم.
(2) قلت: وهذه طريقة أئمة الدعوة - الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأولاده وتلاميذهم وذلك واضح من رسائلهم وفتاويهم.(2/17)
أن تتبع مثل تلك الأَحاديث لتعلم صحتها من عدمها - تخريج الأَحاديث الصحاح. ... (تقرير) .
(238- س: اعتراض الألباني على الشيخ سليمان في حاشيته. والحاشية)
ج: الشيخ سليمان إِنما صنفها على اصطلاح الأَصحاب. ثم الأَحاديث التي ذكرت يذكرون أَحاديث وهناك ما هو أَصح منها. أَما قوله (1) : ما رواه إِلا فلان؟ فهو لم يذكر في اصطلاحه أَني تتبعت ما نقلوه منه.
الحاشية هذه محققة أَنها له وذلك لوجودها بقلمه عدة نسخ ولا وجدت بقلم غيره، هو ينقل على نسخه ويحشي. ... (تقرير)
(239- الفتوى، والقضاء. تلقيب الشخص بالمفتي الأكبر) (2)
الفتوى أغلظ من القضاء باعتبار أَن المفتي ينسب ما يقوله إلى الشرع، بخلاف القاضي فإِنه قد تدعوه الحاجة إِلى أَن يجتهد ويتوخى ما هو الأَقرب، لقول معاذ ((أَجْتَهدُ رَأْييْ)) . وبعض الفتاوى قد تشبه مسائل القضاء، وكثير منها لا تشبهه. مع أَنه إِذا أفتى عند الضرورة بشيء لم يعرف فيه شيئًا واضحًا وخطِرُ الحال يبين أَنه الأَقرب عندي ولا وجدت في الشرع. وابن مسعود لما سئل عن المفوضة قال: أَقول فيها برأْيي الخ.
وبينهما فرق آخر فهي أَخف لكونها أَخبار والقضاء إِلزام.
(تقرير أُصول الأَحكام) .
_________
(1) يعنى الالباني عن الشيخ سليمان أنه لم يذكر كل من خرجه.
(2) تقدم الجواب عن هذه المسألة في توحيد الالهية.(2/18)
(240- فتاوي أهل نجد، وغيرهم، والبقاء على المرجوح أحيانًا)
أئمة الدعوة رحمة الله عليهم منحهم الله في أَصل الدين وفروعه من التحقيق ما يشهد به ما يرى من كتبهم وغير ذلك. ومن يعارضهم لابد أَن يكون عنده هوى شاء أَم أًَبى. فإِذا كان أَشياء متفق عليها من أُناس لهم نصيب من الأَدلة والترجيح أَعظم من الحظ الذي لمن بعدهم. فالمخالفات تورث شرًا مع قرب الخروج عن الجادة نسبيًا. ... (تقرير) .
بعض الجهلة قد أَفتى بجواز مس المحدث المصحف، يرى بعض كلام لمخالفين في ذلك ولا يفهم، أَطبقت فتاوى أَهل نجد عليه، وهم أَئمة محققون وأَهل دين يترك؟! هذا فيه مفسدة، يريد أَن يزعزع فكرة الناس، ولو مرجوحًا مقدم على ما يسبب التزعزع في العقيدة. ولما قيل لابن مسعود: ولم لا تقول به: قال الخلاف شر - وكان لا يرى الاتمام في منى. ... (تقرير) .
المشهور عند كثير من العلماء في البلدان الأخرى عدم التفطير بالإِبر، ولكن هم لا يوثق بهم من ناحية أَن كل ما وجد شيء أَنكروه أَولاً ثم سوغوه أَخيرًا. أَولاً يجرونه على القواعد الشرعية، ثم إذا أَخذ ما شاء الله فتكلم متكلمون بالجهل صاروا إِلى ذلك وأَباحوه. ... (تقرير) .
(241- س: اذا استفتى من يعلم أنه أقل علما)
ج: إذا قصد من يعلمه أَقل علمًا وأَخذ قوله لملائمته له فهذا أَشد لومًا ممن قلد شخصًا دون نظيره لمجرد هواه.
(تقرير كتاب الإيمان)(2/19)
(242- فتوى المفتي اذا استفتيته راضيا بما يفتيك به. وحكم الحاكم)
تقدم إِلينا عبد الرحمن عبد الله بصعر بسؤال هذه صورته: عتيق توفي لا وارث له من قرابة النسب وخلف بنت المعتق وأَولاد أَخوي المعتق الذكور فهل الميراث لأَولاد الإِخوة دون بنت المعتق أَم يشتركان: أَفيدونا بالحكم الشرعي. (حرر 25-11-1375هـ)
والجواب: الحمد لله عصب هذا العتيق لبني إِخوة المعتق الأَشقاء المذكورين في السؤال دون بنت المعتق، لأَنه لا يرث النساء بالولاء إِلا من اعتقن أَو اعتقه من اعتقن. هذا هو المفتى به عندنا. وفي المسأَلة خلاف. وإِذا كان قد حكم حاكم بمقتضى القول الثاني وهو إِرث بنت المعتق فحكم الحاكم يتعين لأَنه يرفع الخلاف (1) وكذا إِن كان أَفتى مفتى من المعتبرين بعد أَن استفتيه أَيها السائل راضيًا بما سيفتيك به فلا ينبغي العدول عن ما أَفتاك به. قاله ممليه الفقير إِلى عفو الله محمد بن ابراهيم بن عبد اللطيف وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبه عن إِملاء سماحته - حفظه الله - عبد الله الصانع في 1-12-1375هـ (2) .
(243- لا يلزم المفتي الجواب بعد حصول النزاع)
رفع لسماحته بعض المدعين في قضية بينه وبين أَخصامه طلب إِصدار فتوى فيها حَالَ نظرها في المحكمة فلم يجب طلبه، ثم رفع لنائب مجلس الوزراء فأَجاب سماحته عن سبب امتناعه بما نصه:
_________
(1) وهناك شواذ يظن أنها خلاف وليست من الخلاف فهذا لا ينفذ. (426/1 في 26/5/85 هـ) .
(2) ويأتي ان الاخذ بقول المفتي اذا كان ثم مفت غيره لا يلزم الا بالتزامه أو العمل به (ص/ف/146 في 24/2/80 هـ) .(2/20)
وأَما ما ذكراه من أَنهما استفتياني فلم أجبهما فصحيح، وذلك لأَن المذكورين لم يستفتياني إِلا بعد حصول النزاع بينهما وبين أَخصامهما، وهذا هو الذي أَعمله مع كل من يستفتي في قضية فيها خصومة، لأََن المستفتي والحالة ما ذكر يقصد أَن يأْخذ شيئًا يؤيد به جانبه، ومن المعلوم أَن الفتوى تكون على حسب السؤال، وقد يكون لدى الخصم ما يعارض ما ذكره، فصدور الفتوى لأَحد طرفي النزاع يسبب التشويش على القضاة والتأْثير على سير القضايا كما لا يخفى.
(ص-ق-712-1 في 20-3-82هـ)
(244- الأخذ بالقول الآخر في حال الضرورة)
المسأَلة الخلافية إِذا وقعت فيها الضرورة ما هي بشهوة (1) جاز للمفتي أَن يأْخذ بالقول الآخر من أَقوال أَهل العلم الذي فيه الرخصة. ... (تقرير) .
(245- الفتوى تختلف باختلاف الأحوال)
الذي يذود الجراد والدبا (2) له الفطر يلحقه مشقة. ووقعت هذه مرارًا في رمضان، وإذا سئلت لم ارخص في هذا، لأَهمية هذه الفريضة، ولكون العوام لا يبالون، وإِذا وجد ذلك جاء أُناس يترخصون أَكثر وهكذا، والفتوى تختلف باختلاف الأَحوال والأَشخاص، وإِلا فالرخصة دليلها معلوم. ... (تقرير) .
(246- لا تكون الفتوى في واقعة عمدة في كل واقعة)
من محمد بن ابراهيم إِلى حضرة المكرم رئيس الديوان العالي الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
_________
(1) ليست لمجرد هوى في نفس المفتي أو المستفتي.
(2) يذود: يدافع ويطرد الجراد والدبا عن مزرعته أو مراعي نعمه.(2/21)
فقد جرى الاطلاع على خطابكم رقم 7-12-2886 وتاريخ 18-7-1375هـ المرفق به مذكرة رئاسة مجلس الوزراء رقم 3633 بصدد دعوى أَحمد منيعي على زوج ابنته معتوق بن محمد المالكي وقد جاء في المذكرة المشار إِليها أَن وزارة الداخلية تستوضح من القرار الصادر منا برقم 14 وتاريخ 6-2-1375هـ على معاملة المرأَة علوة بن صفر الحمري مع زوجها المتضمن إِلزام علوة المذكورة بالانقياد لزوجها ولو قهرًا هل يطبق هذا القرار على جميع القضايا المماثلة لأَنها طبقته فعلاً على قضية ابنة أَحمد المنيعي مع زوجهاالمشار إِليه وغيرها الخ.
أُفيدكم أَن الوقائع غالبًا يختلف بعضها مع بعض وذلك باختلاف الأَشخاص والأَحوال تارة، واختلاف سواهما أُخرى. فلا يتعين أَن تكون الفتوى في واقعة من الوقائع أًصلا في كل واقعة تجتمع هي وإِياها في أَصل واحد. بل ولا يسوغ ذلك لما قدمنا. والمرجع في مثل هذه الأمور إِلى القاضي أَو المفتي الذي ابتلي بالقضاء أَو الافتاء في تلك الواقعة، فإِنها تارة تكون في تلك الواقعة مماثلة للواقعة التي أَفتى فيها المفتي السابق من كل وجه، وتارة تختلف معها في شيء مَّا - أَو أَشياء. فإِن ما ثلتها من كل وجه فحكمها حكمها. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (1)
(صـ-ف-357 في 7-8-1375هـ)
(247- طرد يماني يفتي بمذهب الظاهرية)
من محمد بن ابراهيم إِلى معالي وزير المعارف ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
_________
(1) وانظر فتوى مشابهة لهذه في حد المسكر (1199/1 في 19/3/817 هـ)(2/22)
نبعث لكم من طيه الخطاب الوارد لنا من فضيلة قاضي محكمة القويعية برقم 486 في 3-8-89 هـ المتضمن أخباره عن وجود شخص يدعى يعقوب حسين المعولي من أَهل اليمن يدرس في المدرسة المتوسطة ببلدة القويعية، وأَن المذكور ينتحل فتاوي مرجوحة ومخالفة لما درجت عليه الفتوى لدينا في المملكة، وأَنه ينتمي إِلى مذهب الظاهرية ... الخ.
لاتخاذ ما ترونه كفيلا بإِبعاده، خصوصًا وأَنه يقوم بمهمة خطيرة لها آثارها السيئة على عقائد الطلاب وسلامة فطرهم. وفقكم الله للخير، والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-3857-1 في 1-9-89 هـ)
(248- ترتيب الأدلة)
نعرف أنه لا يتعارض نصان من كل وجه إِلا وهناك نسخ. نعم بالنسبة إِلى أَفهام بعض السامعين ما اهتدوا للتوفيق بينهما. فالفهم شيء وحقيقة ما في التعيين شيء آخر. فلا يتعارضان أَبدا في نفس الأَمر إِلا وأَحدهما منسوخ، إِذ ما عند رب العالمين ليس فيه اختلاف. ... (تقرير) (1) .
_________
(1) إلى هنا انتهت المقدمة في أصول الفقه.(2/23)
الفقه(2/25)
كتاب الطهارة
(باب المياه)
(249- قوله (1) : المياه ثلاثة: هذا قول، وعللوه (2) إِلا أن تعليلهم غير ظاهر في الاكتفاء به دليلا.
والقول الثاني الراجح في الدليل انقسامه إِلى قسمين: طهور، ونجس. وهذا الطهور هو طاهر وطهور، والثاني نجس. ... (تقرير)
(250- قوله: والتيمم رافع في الجملة، هذا القول أَقوى من القول بأَنه مبيح، وأَدلته أَبين وأَظهر، لكن لا مطلقًا كما هو أَحد الأَقولا. والقول بأَنه رافع مطلقًا يرده الحديث والإِجماع. وقيل إِن رفعه بخروج الوقت. ... (تقرير 4-1378 هـ)
(251- استعمال ماء زمزم لازالة النجاسة والحدث)
من محمد بن ابراهيم إِلى المكرم سلطان بن زيد الكثيري ... سلمه الله تعالى آمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد جرى الاطلاع على كتابك لنا المؤرخ في 16-11-86 هـ وقد سأَلت فيه عن ثلاثة أَسئلة:
الأَول: ما حكم استعمال ماء زمزم في إزالة النجاسة والغسل من الحدث.
_________
(1) أي قول مؤلف زاد المستقنع موسى الحجاوي. وكلما ذكرت قوله ((في مسائل الفقه)) فهو المراد. أو قول شارحه منصور البهوتي اذا كانت العبارة من الشرح. كما أشرت اليه في المقدمة.
(2) عللوه بأن الماء لا يخلو اما أن يجوز الوضوء به أولا. فان جاز فهو الطهور، وان لم يجز فلا يخلو اما أن يجوز شربه أولا، فان جاز فهو الطاهر والا فهو النجس.(2/27)
والجواب: يكره استعماله في إزالة النجاسة تعظيمًا له، ويجوز أَن يزال به الحدث بناء على الأَصل (1) .
(ص-ف-673-2-1 في 27-6-87 هـ)
(252- اذا خالطه البول أو العذرة)
مفهوم قوله: أَو خالطه البول أَو العذرة ويشق نزحه ... فطهور. أَنما لا يشق نزحه ينجس بذلك، وهذا القول والاستدلال غير طاهر ولا مسلم. والقول الثاني الذي هو خلاف المذهب هو الواضح في الدليل، وأَنهما (2) ليسا أَسوأَ من الكلب. فلا ينجس ما لم يتغير أَحد أَوصافه بالملاقاة. وهذا القول هو المتمشي مع يسر الشريعة ونصوصها في هذا المقام (*) (3) أَيُّ حرج وتعب أَعظم من أَن يمكث مدة طويلة ينزحه، ((الماء طهور)) . أَفكان حديث ((لا يَبُوْلنَّ)) (4) حائمًا حول هذا من كونه لا بد من نزحه. وقالوا: النهي يقتضي الفساد، لكن الصحيح أَن هذا مقيد بحديث أَبي سعيد. (5) ... (تقرير)
(253- اذا خلت به امرأة)
قوله: ولا يرفع حدث رجل طهور يسير خلت به امرأة لطهارة كاملة عن حدث.
_________
(1) السؤال الثاني ما حكم تربية الحمام في الحرم. والثالث ما حكم الدخول بالنعال في الحرم. ويأتي الجواب عن الثاني في المناسك. وعن الثالث في الاعتكاف.
(2) بول الآدمي وعذرته.
(3) سورة الحج 78.
(4) أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجرى ثم يغتسل فيه.
(5) ولفظه ((قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم انتوضوء من بئر بضاعة وهي بئر يطرح فيه الحيض ولحم كلاب والنتن فقال الماء طهور لا ينجسه شيء)) .(2/28)
هذه المسأَلة من المفردات. والجماهير على أَنه يرفع الحدث ولكنه ماء ناقص. والنهي (1) للتنزيه فقط جمعًا بينه وبين حديث ميمونة: أَنه توضأَ بفضل طهورها. (2) ... (تقرير)
(254- اذا أدخل يديه في الاناء قبل غسلهما ثلاثا)
المسأَلة الثانية: إِذا أَدخل الإِنسان يديه في الإِناء قبل غسلهما ثلاثًا كما في الحديث فهل يفسد الماء.. الخ.
والجواب: الحديث صريح بالأَمر بغسلهما قبل إِدخالهما الإِناء وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا اسْتَيْقَظ أَحَدُكمْ مِن نَوْمِهِ فَليَغسل يَدَيْهِ قَبْلَ أَن يُدْخِلَهُمَا فِيْ الإِنَاءِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْري أَيْن بَاتت يَدُهُ)) رواه مسلم. فلا يحل إِدخحالهما قبل غسلهما ثلاثًا، فإن أَدخلهما قبل ذلك فهو عاص آثم مخالف لأَمر الرسول صلى الله عليه وسلم. وأَما المدخلة فيه اليدان فلم يتعرض لحكمه في الحديث فقال بعض الفقهاء: إِنه يفسد بذلك، وهذا المشهور عند متأَخري فقهائنا. وقال آخرون: إِن الماء لا يفسد بذلك ما دام طهورًا لم يتغير بالنجاسة ولا غيرها. وهذا الصواب الذي عليه المحققون.
(ص-ف-3053-1 في 22-11-1382 هـ)
(255- الطاهر غير المطهر)
كل ما ذكروه في قسم الطاهر غير المطهر هو مطهر على القول الآخر إِلا أَنه ناقص بكل حال، فالطهارة صحيحة كما تقدم لقوله ((الماء طهور)) (*) .
_________
(1) أى الوارد في الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم. قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو الرجل بفضل المرأة وليغترفا من الماء جميعا)) .
(2) أخرجه مسلم عن ابن عباس.(2/29)
والاحتياط مكانته معروفة في الدين. أَما الحكم بسلبه الطهورية فلا دليل عليه، فإِن أَكثر ما يقدر مما يستدل به أَن الماء فيه نقص، والنقص شيء، وسلبه هذا الوصف الشرعي الذي هو حكم شرعي شيء آخر. ... (تقرير)
(256- حكم الماء القليل اذا لاقى النجاسة)
كثير من أَهل العلم من الفقهاء وأَهل الحديث يقولون ينجس القليل بمجرد ملاقاة النجاسة له ولا يشترطون تغير أَحد أَوصافه. والقول الآخر وهو قول كثير أَو أَكثر أَهل الحديث واختيار الشيخ وإِمام الدعوة أَنه لا ينجس ولكن هذا ماء ناقص يعدل عنه إِلى غيره إِذا وجد خروجًا من الخلاف. وتعرف أَن ماء نقيًا لم تلاقه النجاسة خير من ماء لاقته. ومن فوائد البحث أَنه إذا توضأَ إِنسان بذلك الماء وصلى حكم بصحة صلاته. والبحث مع من اطلع على الخلاف.
(باب الآنية)
(257- قوله: ولا يطهر جلد ميتة بدباغ.)
هذه رواية عن أَحمد وهي التي مشى عليها أَكثر الأَصحاب وعدوها مذهبًا. والرواية الأخرى طهارته بالدباغ، وهي اختيار الشيخ ومال إِليه جده في المنتقى وآخرون غيره كصاحب الفائق؛ وهذا هو الراجح في الدليل للأَحاديث الكثيرة الدالة على التطهير.
وحديث ابن عكيم (1) وإِن كان متأَخرًا فإِنه لا يعارضها (2) ولا ينسخها (3) . وأَيضًا الإِهاب اسم له قبل الدبغ.
_________
(1) الذي أخرجه أحمد والبخاري في تاريخه والاربعة والدرقطني وابن حبان عن عبد الله بن عكيم قال ((أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته أن لا تنتفعوا من الميته باهاب ولا عصب)) .
(2) لانه مضطرب في سنده ومتنه ومعل بالارسال وبالانقطاع.
(3) لان حديث الدباغ أصح.(2/30)
والراجح أَن الدباغ لا تأْثير له إِلا فيما تعمل فيه الذكاة.
(باب الاستنجاء)
(258- قوله: ونتره ثلاثا.)
النتر والمسح وأَشياء أُخر ذكرت هنا هي من البدع وهي أَعظم أَسباب وجود السلس، فإِنه (1) مشبه بالثدي. بل يترك ويتوخى النشاف. وانقطاع الخارج لابد منه، ولكن بالتأَني ما شاء الله كل بحسبه. المقصود أَنه لا يشرع في الاستنجاء. وحديث ((إِذا بَالَ أَحَدُكُمْ فَليَنتُرْ ذَكَرَهُ ثَلاثًا)) ضعيف لا تقوم به حجة.
وهنا يظهر أَنه إِذا علم عادة له أَنه إِذا ابتدأَ في الاستنجاء لا يخرج شيء فإِنه يستنجي بناء على غلبة ظنه. ... (تقرير) .
(259- حكم افتتاح الجرائد بالبسملة وهي تلقى في الشوارع وتداس بالأرجل وتلقى في الزبالات.)
من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم محيل بن عاتق المطيري ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
كتابك لنا بتاريخ 11-10-86 هـ وصل، وقد ذكرت فيه استنكارك ما رأيته من كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) في الجرائد وهي ترمى في الشوارع والزبالات وتداس بالأَرجل.
والجواب: أَن كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) مشروعة في أَول كتب العلم والرسائل، فقد جرى على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكاتباته، واستمر على ذلك خلفاؤه وأَصحابه من بعده، وسار عليه الناس إِلى يومنا هذا، وقد حث الله تعالى عليها في القرآن
_________
(1) أي الذكر.(2/31)
فقال جل وعلا: (*) (1) قال الزهري: هي بسم الله الرحمن الرحيم، وذلك أَن الكفار كانوا لا يقرون بها. كما حث على كتابتها رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى عبد القادر الرهاوي في الأَربعين من حديث أَبي هريرة مرفوعًا ((كُلُّ أَمْر ذِيْ بَال لا يُبْدَأًُ فِيْهِ ببسْم اللهِ الرَّحْمَن الرَّحِيْم فَهُوَ أَقطَعْ)) رواه الخطيب في جامعه بنحوه. فيجب تعظيم ما فيه بسم الله الرحمن الرحيم، أَو شيء من القرآن أَو السنة، لقوله تعالى: (*) (2) والحرمات امتثال الأَمر من فرائض وسنن، ومما فرضه احترام كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبسم الله الرحمن الرحيم آية من القرآن في سورة النمل بإِجماع العلماء. وقال تعالى: (*) (3) والشعائر كل شيء لله تعالى فيه أَمر أَشعر به وأَعلم، ومن ذلك كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وكما يجب تعظيم ذلك فيشرع للانسان أَن يحرقه إِذا دعت إِليه الحاجة كما فعل عثمان رضي الله عنه فإِنه جمع الناس على مصحف واحد وحرق ما سواه من المصاحف ووافقه الصحابة فكان هذا إِجماعًا منهم. ومن رأَى أَحدًا يفعل شيئًا من الإِهانة فيجب الإِنكار عليه لقوله صلى الله عليه وسلم ((مَن رَأَى مِنكُمْ مُنكَرًا فَليُغَيِّرْهُ بيَدِهِ فَإِن لَمْ يَسْتَطِعْ فَبلِسَانِهِ فَإِن لَمْ يَسْتَطِعْ فَبقَلبهِ وَذَلِكَ أَضعَفُ الإِيْمَان)) (4) وسوف نقوم حول ذلك بما يلزم إِنشاء الله. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص/ف/2030 في 30/7/87 هـ)
_________
(1) سورة الفتح 26.
(2) سورة الحج 30.
(3) سورة الحج 22.
(4) أخرجه مسلم وأهل السنن وأحمد في مسنده.(2/32)
(260- احترام ما فيه ذكر الله)
قوله: ويكره دخوله بشيء فيه ذكر الله. الخ ...
كالذي فيه البسملة. والكلام الذي فيه اسم الجلالة، أَو اسم الرحمن، أَو اسم الرب، أَو نحو ذلك. وهذه البلوى الجرائد المشتملة تارة على مباح، وتارة على محرم، وتارة على راجح. والجرائد التي أَكثرها إِلحاد وقد يكون فيها شيء من أَسماء الله، والناس يبتذلونها ابتذالا، فكيف بالرسائل والظروف وعنوانه فيه: عبد الله، سلمه الله. وربما يقع ابتذال ما هو أَعظم كالدشوت التي في العلم، بل وقع حتى بالأَوراق التي فيها القرآن فهذا ينبغي التنبه له - فتحرق أو تشقق أَو نجعل ديباجة لكتب. والإحراق أَحسن، أَو الدفن. ... (تقرير)
(261- س: نص أحمد أن البسملة لا تكتب أَمام الشعر ولا معه فكيف كتبت في الألفية؟)
ج: هذا تسهيل فن من فنون العلم مراد لغيره، وليس بنشيد لقصائد مقصود بها الطرب.
(تقرير الأَلفية 18-5-1367 هـ)
(262- دخول الخلاء بالحرز)
قوله: ولا حرز للمشقة.
لكن هذا على القول بلبس الحرز الذي فيه الكلام الحق الجائز. والقول الآخر وهو قول كثير من الصحابة وقول كثير من العلماء المنع من التمائم وهذا هو الراجح. وأَما الحرز الذي ليس فيه ذلك فليس في كلام الأَصحاب إِباحة له؛ ولهذا يذكرون المسأَلة في هذا الباب مما فيه ذكر الله. فالتمائم شرك، والأَحاديث طافحة بذلك.(2/33)
فيه مسألة واحدة إِذا كان مكتوبًا ملفوفًا فيه آيات قرآنية ذهب بعض إِلى الجواز. والخلاف فيه من زمن الصحابة. وترد المسأَلة لله ورسوله، وهي داخلة في عموم النهي. وإِذا جاء نص عام عن الرسول فقاعدة عند العلماء أَن الله ورسوله إِذا أَطلقا شيئًا فلا يجوز لأَحد تقييده، ولن يجد أَحد إِلى ذكر الدليل سبيلا (1) . ... (تقرير)
(263- لا يكره السلام على المستجمر)
سئل الشيخ محمد إبراهيم عن السلام على المستجمر ورده ...
فأَجاب - رحمه الله: الظاهر عدم كراهية ذلك، وإِنما يكره ذلك في حق المتخلي. ... (ملحقة بالدرر جـ 1 - 76) .
(264- البول واقفًا)
من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم ظافر ناصر القرني ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إِلينا كتابك الذي تستفتي به عن حكم البول قائمًا وذكرت أَنك تلاقي صعوبة إذا لبست الملابس العسكرية عندما تريد البول، لأَن الملابس تقيد حركة الرجلين عند الجلوس، وتخشى من تطاير البول على الملابس.
والجواب: الحمد لله. إِذا كان الرجل يستفيد من البول قائمًا وأَمن على نفسه من أَن يرى عورته أَحد وأَمن من تطاير رذاذ البول على ملابسه فلا بأْس بذلك. والله أَعلم. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-3714 في 25-9-1387 هـ)
_________
(1) أي على جوازه. وذكر نحو ما تقدم في التمائم.(2/34)
(265- قوله: ويكره استقبال النيرين لما فيهما من نور الله)
هذه المسأَلة مرجوحة، ولا دليل عليها بحال. والتعليل إِن أُريد به النور المخلوق فلا يصلح تعليلا. وإِن أُريد النور الذي هو غير مخلوق فهذا بدعة كبرى، وليس الظن أَنه مرادهم. وكثير منهم يأْخذ عمن قبله. والنور على قسمين نور مضاف إِضافة صفة (1) وقسم إِضافة مخلوق إِلى خالقه. وقد ذكر ابن القيم ذلك في كتاب الصواعق (2) . ... (تقرير)
(266- لا فرق بين البنيان والفضاء)
الأَصحاب وطائفة وكثير من أَهل الحديث استثنوا ما في البنيان جمعًا بين حديث ابن عمر (3) وغيره (4) .
ولكن التحقيق في المسأَلة أَن لا فرق بين البنيان والقضاء، لعموم الأَدلة الكثيرة المطلقة التي لم تستثن شيئًا. أَما حديث ابن عمر فلا يصلح أَن يطلق هذا الإِطلاق. نعم فيه الاستدبار، وليس فيه الاستقبال. فليس بينهما شيء من المعارضة. ما بقي إِلا الاستدبار. فإِذا قيل: تقولون بجوازه في البنيان ومنعه في الفضاء؟ قيل: هذا فعل، وما في حديث أَبي أَيوب ونحوه قول. والقول
_________
(1) الى موصوفها.
(2) الجزء الثاني صحيفة 188 الى 205 المطبعة السلفية قال: ((الوجه الحادي عشر)) أن النص قد ورد بتسمية الرب نورا، وبأن له نورا مضافًا إليه، وبأَنه نور السماوات والأرض، وبأَنه حجابه نور. فهذا أربعة أنواع.
(3) ولفظه ((أنه رأَى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبلا لبيت المقدس مستدبرًا الكعبة)) متفق عليه.
(4) كحديث أَبي أَيوب الذي رواه السبعة وفيه. ((فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول أَو غائط)) .(2/35)
معمم التشريع ليس في حق أَحد دون أَحد، بخلاف ما كان من فعل النبي نفسه فإِنه يحتمل الاختصاص. ومما يدل على هذا قول أَبي أَيوب ((فننحرف عنها ونستغفر الله)) ولم يقل فانحرف. وقد بسط ذلك ابن القيم في حواشيه على السنن (1) . ... (تقرير)
(267- قوله: ويحرم بوله في متحدث الناس)
هذه المجالس غير التي في أَثناء الطرقات. فإِن الجلوس في أَثناء الطرقات منهي عنه إِلا بشروط، لكونها تسلك، وإِن كان في جوانبها فإِنه يسبب الضرر. وتلك التي في متسعات وفسح من البلد يصيرون إِليها ولا تكون في الطريق، فكل شيء يحتاج إِليه الناس للحوائج المباحة لا يتخلى فيه ولا يبال. ... (تقرير)
268- لو أنسد المخرج الأَصلي وانفتح آخر سواء بنفسه بأَن كان خلقة أَو بسبب كعملية فلا يثبت له حكم الفرج من إِجزاء الاستنجاء فيه، بل لا بد فيه من الماء ... (تقرير)
269- ذكر بعضهم أَنه ينبغي أَن يراعى الشرج في الاستنجاء ويسعى بما يبرؤ ما حوالي نفس الحلقة - يعني أَن يتفاج شيئًا زائدًا عن العادة - وهذا إِذا عنى به شيئًا لا مشقة فيه فظاهر، فإِنه إِذا تضام لا يؤمن أَن يبقى شيء. ... (تقرير)
270- القرطاس الخالي من الكتابة ونحوه من كل ناشف خشن يجزى في الاستجمار ... (تقرير)
271- أَما الزجاج الأَملس فلا يحصل به المقصود من إِزالة الأَجزاء الرقيقة الملساء، ومثله الرماد، وكل شيء ناعم ومسحوق. ... (تقرير)
_________
(1) الجزء الأول صحيفة 22، 23 مطبعة أنصار السنة.(2/36)
(272- الاستنجاء بالعظم والروث لا يجزى.)
والقول الآخر أَنه إِذا فعل ذلك أَجزأَه مع المعصية، وهذا لكونه من باب التروك ولا يحتاج إِلى نية كالاستنجاء بالطعام والمغصوب. هذا كله على أَصل الشيخ، فإِن المطلوب السلامة من النجاسة. والأَصحاب استدلوا بالنهي (1) وبقوله ((إِنَّهُمَا لا يُطَهِّرَان)) والاحتياط عندما يبتلى الإِنسان بهذه عدم التطهير احتياطًا وخروجًا من الخلاف وفائدة هذا أَنه إِذا أَفتى (2) من يصلح للفتوى أَو من كان عنده علم (3) لأَنه من مسائل الخلاف والمسائل الاجتهادية.
ومسأَلة الترجيح شيء والاحتياط وما في النفس شيء. وفي الحديث ((دَع مَا يَريْبُكَ إِلَى مَا لا يَريْبُكَ)) (4) فينبغي استعمال الورع والخروج من الخلاف. ... (تقرير)
(باب السواك وسنن الوضوء)
(273- قوله: لا بأصبع)
التسوك بالاصبع يصاب به السنة أَو بعضها على خلاف كلام الأَصحاب. وهو أَيسر من السواك (5) فما لا يدرك كله لا يترك كله. ... (تقرير)
الأراك هو هذا الشجر المعروف، وأَصابه من القلة ما أَصاب الشجر، وكان في (الخرج) أَحسن ما يوجد منه، ولكنه الآن انقطع واستولت عليه الرمال والجدب والجد في قطعه وتطلبه. ... (تقرير)
_________
(1) ((نهى أن يستنجي بعظم أو روث وقال: إنهما لا يطهران)) رواه الدارقطني وصححه.
(2) بالتطهير.
(3) بحكم هذه المسألة لم ينكر عليه.
(4) رواه أحمد والنسائي وغيرهما.
(5) أي بالأراك ونحوه حيث لا يوجد في بعض الأوقات.(2/37)
(274- التسوك بعد الزوال سنة للصائم كغيره)
حديث ((وَلا تَسْتَاكُوْا بالعَشِيِّ)) (1) صريح في التفريق، لكنه ضعيف بالمرة. وقد استدل بـ ((وَلَخَلُوْفُ فَم الصَّائِم أَطيَبُ عِندَ اللهِ مِنْ ريْح الْمِسْك)) (2) وهذا ليس بصريح. وهذا الخلوف ما نشأ إِلا عن الطاعة ويندب دفعه بالسواك، فأطاع الله بهذا وهذا ولا تضاد، بل ذلك أَكمل.
ثم في حديث عائشة ((رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لا أُحْصِيَ يَتَسَوَّكُ وَهُوَ صَائِمٌ)) (3) عام، وحديث ((خَيْرُ خِصَال الصَّائِم السِّوَاكُ)) (4) مع عموم ((مطْهَرَةٌ لِلْفَم مَرْضَاةٌ لِلْرَّب)) (5) كلها دالة على أَن لا فرق بين الصيام والفطر. ... (تقرير)
كلها دالة على أَن لا فرق بين الصيام والفطر. ... (تقرير)
لكن ينبغي للصائم إِذا استاك أَن يكون في باله الحذر من قشر السواك وأَعواده. والطعم يحذر منه أَن يبتلعه إِذا حصل في الفم. ويندب أَن يجعل عليه طيبًا مما ليس له جرم كماء ورد ونحوه وليس بثخين. ... (تقرير)
(275- قوله: قال في الرعاية ويقول اذا استاك اللهم طهر قلبي. الخ)
هذا الدعاء استحبه من استحبه ولا أَذكر فيه شيئًا واردًا. ... (تقرير)
276- الادهان غبا عارضه حديث الرجل الذي له جمة ضخمة فأَمره النبي صلى الله عليه وسلم أَن يتعاهدها كل يوم (6) .
_________
(1) أخرجه البيهقي عن علي.
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
(3) رواه الخمسة.
(4) أخرجه البيهقي في السنن.
(5) رواه أحمد والبخاري تعليقا والنسائي وغيرهم.
(6) ويأتي لفظ الحديثين في فتوى تسريح الشعر.(2/38)
ويجمع بينهما أَن ذلك يختلف باختلاف الناس وشعورهم وباختلاف الجو. والمقصود من ذلك حسن الشعر وأَن لا يكون بمنظر الشعوثة. ... (تقرير)
(277- التسمية في الوضوء.)
جاء فيها أَحاديث إِلا أَن أَسانيدها لا تخلو من مقال. لكن مجموعها يدل على الشرعية، وإِنما اختلف في الوجوب. وقول أَحمد: -
لا يصح في هذا الباب شيء. يعني حديثًا مفردًا بعينه. وعضد بعضها لبعض شيء آخر. فالتسمية مندوبة بل متأَكدة بكل حال. ... (تقرير)
(278- هل يجوز ابقاء الصبي غير مختون إلى عشر سنوات)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم محمد عبد الله رئيس هيئة الأَمر بالمعروف بالليث ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد جرى الاطلاع على استفتائك البرقي بخصوص الختان والسؤال: هل يجوز إبقاء الصبي غير مختون إِلى عشر سنوات.
والجواب: الحمد لله. الختان واجب على الرجال مكرمة للنساء. والقول بوجوبه على الرجال قول كثير من أَهل العلم، قال أَبو عبد الله: وكان ابن عباس رضي الله عنهما يشدد في أَمر الختان، وروي عنه: لا حج ولا صلاة. يعني إِذا لم يمختتن. وقد استدل العلماء رحمهم الله تعالى على القول بوجوبه بما روي عنه صلى الله عليه وسلم أَنه قال لرجل أَسلم: ((أَلْق عَنْكَ شَعَرَ الْكُفْر وَاخْتَتِنْ)) رواه أَحمد وأَبو داود، وبما رواه الشيخان من أَن إِبراهيم خليل(2/39)
الرحمن اختتن بعدما أَتت عليه ثمانون سنة، وقد قال الله تعالى مخاطبًا نبيه عليه الصلاة والسلام: (*) (1) .
وأَما وقت الختان فيجب عند البلوغ، وفعله زمن الصغر أَفضل. وبهذا يتضح أَنه لا شيء في إِبقاء الصبي أَغرل مدة عشر سنوات، وأَن المبادرة بختنه مستحب ما لم يبلغ، فمتى بلغ وجب ختانه. وبالله التوفيق. والسلام عليكم.
(ص-ف-977-1 في 15-4-84 هـ)
(279- نوع الخوف والى متى التأخير)
قوله: ما لم يخف على نفسه.
موتًا أو شلل العضو، لقوله: (*) (2) . وإِذا ادعى فلا يخفى الكذب. والخوف لأَسباب:
إِما موقتًا فيؤخر إِلى وقت معتدل، أَو كونه معه مرض كداء السكر فإِن الجروح معه لا تبرؤ أَو يتعسر برؤها. ... (تقرير)
(280- منع الألعاب التي يخشى منها مفاسد عند الختان)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة صاحب السمو الملكي وزير الداخليه ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد جرى الاطلاع على أَوراق المعاملة الواردة إِلينا بخطابكم رقم 3113-6 وتاريخ 8-9-84 هـ المتعلقة بمطالبة رئيس هيئة
_________
(1) سورة النحل 133.
(2) سورة الحج 78.(2/40)
الليث بمنع الأَلعاب التي تقع حال حفلة الختان، وتحديد مدة الختان، وما ارتآ قاضي الليث من عرض الموضوع علينا.
وعليه فإِن عمل المسلمين اليوم ختن أَولادهم حال الصغر، لأَنه أَفضل بلا شك وأَسرع لبرء الطفل إِذا ختن وهو صغير. وأَما الوجوب فذكر الفقهاء أَن الختان يجب عند البلوغ، لكن إِذا كان يترتب على تأْخيره مفسدة تعين أَن يختن في حال الصغر.
وأَما الأَلعاب التي يحصل فيها مفاسد فيتعين القيام بمنعها وعدم التهاون بإِنكارها. والله الموفق والسلام.
مفتي البلاد السعودية
(ص-ف-2857-1 في 9-11-84 هـ)
(281- انكار وتأديب من يؤخرون ختان أولادهم حتى يبلغوا عشرين عاما ثم يختنونهم ختانًا مخالفًا للسنة)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة صاحب الجلالة رئيس مجلس الوزراء ... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فبالإِشارة إِلى المعاملة المرفوعة رفق خطاب فضيلة رئيس محكمة أَبها عدد ... وتاريخ ... بشأْن ما لوحظ في بادية تهامة شهران وقحطان من وجود عوائد سيئة مخالفة للسنة قد جاء في خطاب الواعظ والمرشد بمنطقة شهران أَنه بتجوله في تلك الجهات وقيامه بواجبه الإِرشادي لاحظ أَن لديهم عوائد سيئة لا يردعهم عنها إِلا الوازع السلطاني. منها: أَنهم يؤخرون ختان أَولادهم حتى يبلغ العشرين عامًا ثم يختن ختانًا مخالفًا للسنة.
ومنها: مغالاتهم في المهور بالرغم من فقرهم وقلة ما في أَيديهم(2/41)
إذ أَن مهر البنت فيهم ثلاثمائة رأْس من الغنم مما كان له أثره السيء في انتشار الفساد فيهم وكثرة العوانس في نسائهم. ومنها: أَن أَولياء نسائهم يستحوذون على صدقاتهم ظلمًا وعدوانًا ولا يعطونهن إِلا النزر القليل جدًا مما يأْخذونه مهورًا لهن.
وحيث أَن هذه الأمور مخالفة للمقتضيات الشرعية وأَن التوجيه والوعظ والإِرشاد في تلك الجهات لا يؤتي ثماره ما لم يسند بوازع سلطاني - فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
لذلك نأْمل من جلالتكم تعميد إِمارات تلك الجهات والتأْكيد عليهم بإِنكار هذه المنكرات، ومعاقبة أَهلها بما يردعهم ويزجر أَمثالهم، كما جاء في خطاب الواعظ أَنهم موغلون في الجهل وليس فيهم من يقرأُ القرآن، وذلك أَنهم بحاجة ماسة إِلى مدرسة بمركزهم تنتقل معهم حيث ينتقلون نحو الماء والعشب.
فنأْمل إِجراء ما ترونه حفظكم الله.
مفتي البلاد السعودية
(ص-ف-639-1 في 13-3-85 هـ)
(282- حكم القزع ((التواليت)) )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم ناصر بن عقيل الطريقي ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد جرى إِطلاعنا على استفتائك الموجه إِلينا بخصوص سؤالك عن حكم ما يسمى بالتواليت.
والجواب: الحمد لله. روى أَبو داود عن عبد الله بن عمر ((أَن(2/42)
رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَن الْقَزَع وَقَالَ احْلِقهُ كُلَّهُ أَوْ دَعْهُ كُلَّهُ)) . قال في شرح الإِقناع فيدخل في القزع حلق مواضع من جوانب الرأس، وأَن يحلق وسطه ويترك جوانبه كما تفعله شمامسة النصارى، وحلق جوانبه وترك وسطه كما يفعله كثير من السفلة، وأَن يحلق مقدمه ويترك مؤخره. وسئل أَحمد عن حلق القفا، فقال: هو من فعل المجوس. ومن تشبه بقوم فهو منهم. وبما ذكرنا يظهر القول بعدم جوازه. وبالله التوفيق. والسلام عليكم (1) .
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-2439-1 في 3-6-87 هـ)
(283- ابقاء شعر الرأس. والاعتذار عن أهل نجد)
إِتخاذ الشعر والاعتناء به مستحب، ولهذا في صفة الخوارج أَن من سيماهم التحليق (2) فدل على أَن غيرهم في ذلك الزمان لا يحلقون فالشعور توفر وتبقى، وبقاؤها سنة لمن قصد الاستنان بالنبي، وهي محبوبة متخذة للجمال بالنسبة إِلى الأمور الطبيعية، أَما إِبقاء الشعر مع إِهماله فلا.
_________
(1) وانظر الفتوى اللاذقية المطبوعة عام 75 هـ قال فيها ومن ذلك التشبه. ولنذكر بعض أمور ارتكبها بعض المسلمين واستحسنوها وهي من زى الكفار وعاداتهم - الى أن قال: ومن ذلك أيضًا حلق بعض الرأس وترك بعضه وما يفعله بعض السفله مما يسمونه التواليت الخ.
وانظر فتوى تسريح الشعر برقم 1089/1 في 16/4/88 هـ.
(2) يعدون حلق الرأْس من تمام التوبة والنسك، وفي حديث يشير ابن عمرو رضي الله عنه قال قلت: لسهل بن حنيف هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئًا قال سمعته يقول وأهوى بيده الى العراق: ((يخرج منه قوم يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الاسلام مروق السهم من الرمية)) وفي رواية: ((يتيه قوم قبل المشرق محلقة رؤوسهم)) أخرجه البخاري. وفي الترمذي: ((ان الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها)) . قال شيخنا: وتدخل فيه نجد بالتبع وانما أضيف إلى الحجاز لكونه منبعه.(2/43)
ثم إِبقاء الشعر مستحب - كما تقدم - ما لم يخرج إِلى طور آخر كأَن يكون من شأْن السفهاء فإِذا كان كذلك فلا ينبغي.
وفي وقت الدرعية فيه شباب أَهل مروج فإِذا رأَوا (1) شخصًا يترك الشعر ليفتن به ويفتتن حلقوه كما حلق عمر نصر بن حجاج ثم أَجلاه إِلى العراق لما سمع تشبيب النساء به وهو مستقيم (2) .
لكن قد ذمَّ أَهلُ التوحيد أَهلُ نجد وقالوا هذه سيما الخوارج. وأَهل نجد أَخذوه عمن قبلهم لأَنهم أَهل مهن فيحلقون لأَجل ما يلزم لها. وكونها علامة ذكرت من جملة علامات لا يدل على أَنها الفاصلة، فمن كان مستقيمًا على الملة المحمدية وتعظيم سنة النبيين في الفعل والترك أَين هو ممن لا تساوي عنده أَوامر الرسول شيئًا. والعلامات التي تختلف بها الأَحكام هم موافقون الحق فيها وهذا شيء جزئي ولا وجوب فيه. وكون الرجل يوجد عنده خصلة خير لا تدل على أَنه أَهل الخير، ووجود خصلة شر في أَهل الخير لا تجعل الفيصلة، فيحكم بالكثير على القليل، فكيف بهذه الخصلة وأُولئك يدعون البدوي ويحجون بيته إِلى غير ذلك من الإِباحة والخلاعة في كثير ممن يدعى الإسلام شيء ما بلغه اليهود والنصارى.
وأُنموذج ينبؤك عن هذا البعض الذي يدعي الإِسلام كصحيفة ((صباح الشر)) ثم هذه الصحيفة لها أَخوات خبيثة وتغلى في المشترى. (3) قوله؟ قال أَحمد هو سنة أو تقوى عليه اتخذناه. فهذا أَحمد على رأْي الخرافيين من الخوارج. فمن لا يقوى عليه لا يكون سنة في حقه. ... (تقرير)
_________
(1) أَهل الدرعية أَو أَهل الحسبة منهم.
(2) أي نصر مستقيم في أخلاقه ودينه وليست أسباب الافتتان من فعله هو.
(3) تشترى بالأثمان الغالية مع واقعها المذكور.(2/44)
(284- كيف يسرح الرجل شعره والمرأة أيضًا، وهل يجوز لها قصه أو حلقه)
من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم عمر بن محمد بن يحيى التميمي ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كتابك لنا المؤرخ في 30-3-87 هـ وصل وقد سأَلت عن مسأَلتين:
الأولى: ما كيفية تسريح شعر الرأْس بالنسبة للرجال والنساء وهل ورد شيء من أَحاديث نبي الله صلى الله عليه وسلم بكيفية خاصة لتسريحه أَو نهي عن بعض التساريح؟
والجواب: أَما بالنسبة للرجال فقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم أَنه يجعله ضفائر، يدل على ذلك ما رواه الترمذي وابن ماجه في سننهما بسنديهما إِلى أُم هانيْ رضي الله عنها قالت: ((قَدِمَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ تعني عقائص. رواية ابن ماجه تعني ضفائر)) وروى البخاري ومسلم وغيرهما بأَسانيدهم إِلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان أَهل الكتاب يسدلون أَشعارهم وكان المشركون يفرقون رؤوسهم وكان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أَهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه فَسَدَلَ نَاصِيَتَهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ)) . قال ابن القيم في الهدي: والسدل أَن يسدله من ورائه ولا يجعله فرقتين. والفرق أَن يجعل شعره فرقتين كل فرقة ذؤابة. انتهى كلام ابن القيم.
وقد أَمر صلى الله عليه وسلم بإِكرام الشعر فروى أَبو داود في سننه بسنده إِلى أَبي هريرة رضي الله عنه أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم(2/45)
قال: ((مَن كَانَ لَهُ شَعَرٌ فَليُكرمْهُ)) . والإِكرام الذي أَمر به النبي صلى الله عليه وسلم بينه بما رواه أَبو داود والترمذي والنسائي في سننهم بأَسانيدهم إِلى عبد الله بن مغفل رضي الله عنه ((أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن التَّرجُّل إِلاَّ غِبًّا)) وروى مالك في الموطأ والنسائي في السنن بسنديهما إِلى أَبي قتادة رضي الله عنه قال: ((يا رسول الله إِن لي جمة أَفأرجلها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ وَأَكرمْهَا. قال كان أَبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين من أَجل قول رسول الله وأَكرمها)) . ومعنى الترجيل قال في تاج العروس: رجلته ترجيلا سرحته ومشطته. والتسريح حل الشعر وإِرساله قبل المشط كذا في الصحاح. وقال الأَزهري: تسريح الشعر ترجيله وتخليص بعضه من بعض.
أَما بالنسبة للنساء فقال البخاري (باب يجعل شعر المرأَة ثلاثة قرون) ثم ساق بسنده عن أُم عطية رضي الله عنها قالت: ((ظَفَرْنَا شَعَرَ بنتِ رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعني ثلاثة قرون)) وقال وكيع قال سفيان ناصيتها قرنيها. انتهى من البخاري. وهذا التصفير بأَمره صلى الله عليه وسلم لما رواه سعيد بن منصور في سننه بسنده عن أُم عطية قالت لنا قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِغسِلنَهَا وترًا وَاجْعَلنَ شَعَرَهَا ضَفَائِرَ)) وأَخرج ابن حيان في صحيْحه عن أُم عطية ((إِغلسِلنَهَا ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا وَاجْعَلنَ لَهَا ثَلاَثَةَ قُرُوْن)) . وفي مصنف عبد الرزاق بسنده عن حفصة قالت: ((ضَفَرْنَا ثَلاَثَةَ قُرُوْن نَاصِيَتَهَا وَقَرْنَيْهَا وَأَلْقَيْنَاهَا خَلفَهَا)) . قال ابن دقيق العبد: فيه استحباب تسريح المرأَة وتضفرها.(2/46)
وأَما ما يفعله بعض نساء المسلمين في هذا الزمن من فرق شعر الرأْس من جانب وجمعه من ناحية القفا أَو جعله فوق الرأْس كما تفعله نساء الافرنج فهذا لا يجوز، لما فيه من التشبه بنساء الكفار. وقد روى الإِمام أَحمد وأَبو داود بسنديهما إِلى عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن تَشَبَّهَ بقَوْم فَهُوَ مِنهُمْ)) صحح هذا الحديث ابن حيان والحافظ العراقي، وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية: إسناده جيّد، وقال ابن حجر العسقلاني في إِسناده: حسن. وعن أَبي هريرة رضي الله عنه في حديث طويل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صِنفَان مِن أَهل النَّار لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذنَاب الْبَقَر يَضربُوْنَ بهَا النَّاس، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَاريَاتٌ مَائِلاَتٌ ممِيْلاَتٌ رُؤُوْسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُختِ الْعِجَافِ لاَ يَدْخُلنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجدْنَ ريْحَهَا وَإِن ريْحَهَا لَيُوْجَدُ مِن مَسِيْرَةِ كَذَا وَكَذَا)) أَخرجه مسلم. وقد فسر بعض العلماء قوله ((مَائِلاتٌ مُمِيْلاَتٌ)) بأَنهن يتمشطن المشطة الميلا - وهي مشطة البغايا.
ويمشطن غيرهن تلك المشطة وهذه هي مشطة نساء الافرنج ومن يحذو حذوهن من نساء المسلمين.
الثانية: هل أَخذ بعض شعر الرأْس وترك بعضه جائز للرجال والنساء، وهل هناك أَمر أَو نهي في هذا الباب عن نبي الإِسلام صلى الله عليه وسلم؟
والجواب: أَما ما يختص بالرجال فقال ابن القيم في ((الهدي)) : كان هديه صلى الله عليه وسلم في شعر الرأْس تركه كله أَو أَخذه كله. ولم يكن يحلق بعضه ويدع بعضه، ولم يحفظ عنه أَنه(2/47)
حلق إِلا في نسك. انتهى كلام ابن القيم. والذي يدل على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن البراء رضي الله عنه ((أَنَّ رَسوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ شَعَرٌ يَضربُ مَنكَبَيْهِ)) وأَخرج الشيخان عنه رضي الله عنه قال: ((كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذَنَيْهِ)) وأَخرج مسلم وغيره عن حميد الطويل رضي الله عنه قال: ((كَانَ شَعَرُ رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْوَفرَةِ وَدُوْنَ الْجُمَّةِ)) . وقال في تاج العروس: ((الوفرة)) ما جاوز شحمة الأذنين. و ((الجمة)) من شعر الرأْس ما سقط على المنكبين. والجمع بين هذه الروايات المختلفة في شعره صلى الله عليه وسلم أَنه ممول على اختلاف الأَوقات، فإِذا ترك تقصيرها بلغت المنكب، وإِذا قصر كان إِلى أَنصاف الأذنين، وبحسب ذلك يطول ويقصر. وأَما حلقه كله في النسك فمنه ما وقع له صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.
وأَما ما يفعله بعض المسلمين من حلق بعض الرأْس وترك بعضه ويسمونه ((التواليت)) فهذا هو القزع الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو أَنواع:
الأَول: أَن يحلق من رأْسه مواضع ويترك مواضع. مأْخوذ من تقزع السحاب وهو تقطعه.
الثاني: أَن يحلق وسطه ويترك جوانبه.
الثالث: أَن يحلق جوانبه ويترك وسطه.
الرابع: أَن يحلق مقدمه ويترك مؤخره.
الخامس: أَن يحلق مؤخره ويترك مقدمه.
السادس: حلق بعضه في أَحد جوانب الرأْس وترك البقية.(2/48)
وهذه الأَنواع يدل على تحريمها ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((نَهَى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الْقَزَع)) (1) أَن يحلق رأْس الصبي فيترك بعض شعره. وعنه رضي الله عنه: ((أَن النبي صلى الله عليه وسلم رأَى صبيًا قد حلق بعض شعره وترك بعضه فنهاهم عن ذلك وقال: ((احْلِقُوْهُ كُلَّهُ أَوْ اترُكُوْهُ كُلَّهُ)) رواه الإِمام أَحمد وأَبو داود والنسائي وغيرهم، وروى الطبراني وغيره عن عمر رضي الله عنه مرفوعًا: (حَلقُ الْقَفَا مِن غَيْر حِجَامَة مَجُوْسِيَّةٌ)) وفي سنن أَبي داود عن أَنس بن مالك رضي الله عنه أَنه رأَى غلامًا له قرنان أَو قصتان فقال: احلقوا هذين أو قصوهما فإِن هذا زي اليهود. وقال المروذي سأَلت أَبا عبد الله يعني أَحمد بن حنبل عن حلق القفا قال هو من فعل المجوس ومن تشبه بقوم فهو منهم.
وأَما شعر رؤوس النساء فلا يجوز حلقه، لما رواه النسائي في سننه بسنده عن علي رضي الله عنه، ورواه البزار بسنده في مسنده عن عثمان رضي الله عنه، ورواه ابن جرير بسنده عن عكرمة رضي الله عنه قالوا: (نَهَى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا)) . والنهي إِذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فإِنه يقتضي التحريم ما لم يرد له معارض، قال ملا علي قاري في ((المرقاة)) شرح المشكاة: قوله ((أَن تحلق المرأَة رأْسها)) وذلك لأَن الذوائب للنساء كاللحى للرجال في الهيئة والجمال.
وأَما أَخذ شيء من أَسفل الضفائر ففي صحيح مسلم، عن أَبي سلمة بن عبد الرحمن، قال دخلت على عائشة أَنا وأَخوها من الرضاع
_________
(1) الحديث في الصحيحين.(2/49)
فسأَلها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة، فدعت بإِناء قدر الصاع فاغتسلت وبيننا وبينها ستر، وأَفرغت على رأْسها ثلاثًا، قال: وكان أَزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأْخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة. قال النووي: قال القاضي عياض رحمه الله: المعروف أَن نساء العرب إِنما كن يتخذن القرون والذوائب ولعل أَزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعلن هذا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لتركهن التزين واستغنائهن عن تطويل الشعر وتخفيفًا لمؤونة رؤوسهن. وهذا الذي ذكره القاضي عياض من كونهن فعلنه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لا في حياته كذا قاله أَيضًا غيره وهو متعين، ولا يظن بهن في حياته صلى الله عليه وسلم. وفيه دليل على جواز تخفيف الشعر للنساء. وقال النووي أَيضًا: قال القاضي عياض: ظاهر الحديث أَنهما رأَيا عملها في رأْسها وأَعالي جسدها مما يحل لذي المحرم النظر إِليه من ذات المحرم. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-1089-1 في 16-4-88 هـ)
(285- تحريم حلق اللحي، وتعريف اللحية)
من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم محمد بن شائع الفهد
إدارة البرق والبريد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إِلينا كتابك الذي تستفتي فيه عن حكم حلق اللحية.
والجواب: الحمد لله. حلق اللحية حرام، لما ورد في ذلك من الأَحاديث الصحيحة الصريحة والأَخبار، ولعموم النصوص الناهية عن التشبه بالكفار. فمن ذلك حديث ابن عمر أَن رسول الله(2/50)
صلى الله عليه وسلم قال: ((خَالِفُوْا الْمُشركِيْنَ وَفِّرُوْا اللُّحَى، وَأَحْفُوْا الشَّوَاربَ)) وفي رواية: ((أَحفوا الشوارب واعفوا اللحى)) (1) وفيه أَحاديث أُخرى بهذا المعنى (2) .
و ((اللحية)) اسم للشعر النابت على الذقن والخدين. واعفاؤها تركها على حالها. وتوفيرها إِبقاؤها وافرة من دون أَن تحلق أَو تنتف أَو يقص منها شيء. حكى ابن حزم الإِجماع على أَن قص الشارب وإِعفاء اللحية فرض، واستدل بجملة أَحاديث منها حديث ابن عمر السابق، وبحديث زيد بن أَرقم أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن لَمْ يأْخُذ مِن شَاربهِ فَلَيْسَ مِنَّا)) صححه الترمذي قال في الفروع: وهذه الصيغة عند أَصحابنا - يعني الحنابلة - تقتضي التحريم. قال شيخ الإِسلام ابن تيمية: وقد دل الكتاب والسنة والإِجماع على الأ َمرِ بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم في الجملة، لأَن مشابهتهم في الظاهر سبب لمشابهتهم في الأَخلاق والأَفعال المذمومة؛ بل وفي نفس الاعتقادات، فهي تورث محبة وموالاة في الباطن، كما أَن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر. وروى الترمذي أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لَيْسَ مِنَّا مَن تَشَبَّهَ بغَيْرنَا لا تَشَبَّهُوْا بالْيَهُوْدِ وَلاَ بالنَّصَارَى)) الحديث وفي لفظ ((مَن تَشَبَّهَ بقَوْم فَهُوَ مِنهُمْ)) .
ورد عمر بن الخطاب شهادة من كان ينتف لحيته. وكذلك ردها ابن أَبي ليلى قاضي المدينة. وقال في ((التمهيد)) : يحرم حلق اللحية، ولا يفعله إِلا المخنثون من الرجال.
_________
(1) متفق عليه.
(2) ومنها ((خالفوا المجوس لأنهم كانوا يقصرون لحاهم ويطولون الشوارب)) رواه مسلم.(2/51)
((وَكَانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيْرَ شَعَر اللِّحْيَةِ)) رواه مسلم عن جابر، وفي رواية ((كَثِيْفَ اللِّحْيَةِ)) . وفي أُخرى: ((كَثْلَ اللِّحْيَةِ)) والمعنى واحد. رزقنا الله وإِياكم اتباع هديه ولزوم سنته. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(ص-ف-188-1 في 24-1-84 هـ) (1)
(286- حكم التقصير من اللحية. والجواب عن حديث ((كان يأخذ من طولها وعرضها)) وفعل ابن عمر، العارضان. وهل حلقها كبيرة أو صغيرة)
من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم عبد الله بن عثمان العمر ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
وصل كتابك الذي تسأَل فيه عن سبعة أَسئلة.
الأَول: ما حكم حلق اللحية؟
والجواب: لا يجوز أَن تزال بأَي وجه كان، لقوله تعالى: (*) (2) وقوله تعالى: (*) (3) وقوله صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيح وغيره ((أَحْفُوْا الشَّوَاربَ وَأَعْفُوْا الُّلحَى)) وما جاء في هذا المعنى، والأَمر يقتضي الوجوب. وهذا أَمر درج عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة ومن بعدهم إِلى القرن السابع الهجري، ثم بدأَ من قلت رغبته في الدين يحلقها نعوذ بالله من كل ما يغضبه.
_________
(1) وانظر حكم حلقها أيضًا في الفتوى اللاذقية المطبوعة عام 75 هـ ص 19، 20 منها وتأتي في ستر العورة وفي زكاة النقدين.
(2) سورة التغابن 12.
(3) سورة النور 63.(2/52)
الثاني: ما حكم التقصير منها؟
والجواب: لا يجوز، لما سبق من الأَدلة، وما ثبت في صحيح مسلم وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أَنه قال: ((خَالِفُوْا الْمَجُوْسَ لأَنَّهُمْ يُقَصِّرُوْنَ لُحَاهُمْ وَيُطَوِّلُوْنَ الشَّوَاربَ)) (1) وهذا نص في الموضوع.
وحديث الترمذي أَنه صلى الله عليه وسلم ((كَانَ يَأْخُذُ مِن لِحْيَتِهِ مِن طُوْلِهَا وَعَرْضِهَا)) غير صحيح.
وفعل ابن عمر أَنه كان إِذا حج أَو اعتمر قبض لحيته فما فضل أَخذه لا يحتج به لأَنه روى النهي عن التقصير؛ وإِذا تعارض رأْي الصحابي وروايته فروايته مقدمة على رأْيه. هذا هو الصحيح من قولي العلماء في تعارض رأْي الصحابي وروايته.
الثالث: هل العارضان من اللحية؟
والجواب: نعم. العارضان من اللحية، يدل على ذلك ما رواه أَحمد في المسند عن يزيد الفارسي في رؤياه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء في آخرها ((قَدْ مَلأَت لِحْيَتُهُ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ، قَدْ مَلأَت نَحْرَهُ فقال ابن عباس رضي الله عنهما لو رأَيته في اليقظة ما استطعت أَن تنعته فوق هذا)) . انتهى.
قال المناوي وغيره قوله ((مَا بَيْنَ هَذِهِ وَهَذِهِ)) أَي قد ملأَت ما بين الأذن وقوله ((قَدْ مَلأَت نَحْرَهُ)) أَي كانت مسترسلة إِلى صدره كثة. وروى البخاري في صحيحه في (باب رفع البصر إِلى الإِمام في الصلاة) من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: ((قُلنَا
_________
(1) أخرجه مسلم.(2/53)
لِخَبَّاب: أَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقرَأُ فِيْ الظُّهر وَالْعَصْر. قَالَ: نَعَمْ. فَقُلنَا: بمَ كُنتُمْ تَعْرفُوْنَ ذَلِكَ. قَالَ: ((باضطِرَاب لِحْيَتِهِ)) وجه الدلالة أَن المأْموم إِذا رفع بصره إِلى الإِمام في الصلاة فإِنما يرى منه عارضيه فقط، وأَما ما على الذقن فمستور عنه بالعنق، وما تركهما صلى الله عليه وسلم إِلا لأَنهما منها وقد جاء في لسان العرب وغيره أَنهما داخلان في مسماها.
الرابع: هل حكم حلق العارضين والتقصير منهما كحكم حلق اللحية والتقصير منها؟
والجواب: نعم. لما سبق من الأَدلة.
والخامس: هل حلقها كبيرة أَو صغيرة؟
والجواب: من حلق لحيته بعد العلم بالحكم مصرًا على ذلك ففعله كبيرة، فإِن الكبيرة هي ما توعد عليه بغضب أَو لعنة أَو رتب عليه عقاب في الدنيا أَو عذاب في الآخرة وهو دون الشرك والكفر، وقد سبقت الأَدلة الدالة على الأَمر بإِعفائها وهو يقتضي الوجوب، والأَمر بالشيء نهي عن ضده الذي لو فعل لتخلف متعلق مقتضي الأَمر. والنهي يقتضي التحريم. وقد حكى ابن حزم الإِجماع على أَن إِعفاء اللحية وقص الشارب فرض، وقال ابن عبد البر وشيخ الإِسلام أَبو العباس ابن تيمية وغيرهما: إِن حلقها حرام، وقد ورد التشديد في النهي عن حلقها، فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أَنه قال: ((مَن مَثَّلَ بالشَّعَر فَلَيْسَ لَهُ عِندَ اللهِ مِن خَلاَق)) (1) . قال الهروي والزمخشري وابن الأثير وابن منظور:
_________
(1) أخرجه الطبري.(2/54)
((مثل بالشعر)) صيره مثلة بأَن حلقه من الخدود ونتفه وغيَّره بالسواد، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أَنه قال: ((مَن تَشَبَّهَ بقَوْم فَهُوَ مِنهُمْ)) (1) . وقال صلى الله عليه وسلم: ((لَيْسَ مِنَّا مَن تَشَبَّهَ بغَيْرنَا)) (2) . وقال صلى الله عليه وسلم: ((لَعَنَ اللهُ الْمُتَشَبِّهيْنَ مِن الرِّجَال بالنِّسَاء وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِن النِّسَاءِ بالرِّجَال)) (3) .
وحلق اللحية (4) فيه تشبه بالمجوس والنصارى واليهود، وفيه تشبه بالنساء، وتغيير لخلق الله، وقد نص الإِمام أَحمد في رواية المروذي على كراهة أَخذ الشعر بالمنقاش من الوجه، وقال: ((لَعَنَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَنَمِّصَاتِ)) (5) . والمراد بالكراهة عند أَحمد كراهة التحريم، والدليل على ذلك احتجاجه بحديث اللعن لمن فعل ذلك، واللعن لا يكون إِلا على كبائر الإِثم. ويلحق بالنتف إِزالة الشعر بحلق أَو قص ونحوهما.
السادس: هل رتب الشارع عقوبة دنيوية على من حلق لحيته أَو أَطال شاربه؟
والجواب: حلق اللحية وإِطالة الشارب (6) المعاصي التي لم يقدر الشارع لها جزاء كما حدد في الزنا والسرقة وغير ذلك، وما كان غير محدد فيرجع فيه إِلى اجتهاد الحاكم فهو الذي يتولى تقديره حسب ما تقتضيه المصلحة.
_________
(1) صححه ابن حبان والحافظ العراقي. وتقدم.
(2) أخرجه أبو داود.
(3) أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه.
(4) في المسودة زيادة: واعفاء الشارب.
(5) متفق عليه وأخرجه الاربعة والامام أحمد.
(6) من.(2/55)
السابع: هل يهجر من حلق لحيته وأَطال شاربه؟
والجواب: يهجر بعد العلم بالحكم ونصحه حتى يقلع من الذنب. إِلا إِذا كان يترتب على الهجر مفسدة أَكثر من المصلحة التي تنشأ عن الهجر فلا يهجره، لأَن هذه المسأَلة من المسائل التي أَطلقها الشارع، وما كان كذلك فإِن حكمه يختلف باختلاف الأَزمنة والأَمكنة والأَحوال والأَشخاص، فينظر في المصالح والمفاسد، وما ترجح جانبه فعليه الأَخذ به. وعليك بمطالعة قسمي التوحيد والجهاد من ((الدرر السنية في الأَجوبة النجدية)) فإِن أَئمة الدعوة رحمة الله عليهم بينوا الكلام على الهجر بيانًا شافيًا. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-1119-88 في 14-5-88 هـ)
(287- شبهات من جوز حلقها)
يبتلى كثير من الناس أَن يتحلى عند زوجته بحلق لحيته فاستعمل ما لا يجوز لإِرضائهن. (*) (1) و ((هُنَّ عَوَان عِندَكُمْ)) (2) . لكن عكس هؤلاء الإِناث الذين هم أَعداء الرجولة والخلقة، فإِنه ود أَن يكون بشكل أُمه لا بشكل أَبيه.
من حجة بعضهم: أَنه أَحظى له عند امرأَته. فهذا ليس برجل فضلا عن مخالفته السنة الصحيحة الصريحة، فإِن حلقها من مشابهة المجوس، وكذلك اليهود والنصارى، وفي الحديث ((مَن تَشَبَّهَ بقَوْم فَهُوَ مِنهُمْ)) وظاهره التحريم.
واستعمل الحيلة من حالقي اللحى من ينتسب إِلى العلم يذكرون
_________
(1) سورة النساء 34.
(2) أخرجه مسلم.(2/56)
هنا شبهات هي سخافات، ويقول: معنى ((إِكرامها)) هو حلقها لأَنها إِذا بقيت ولم تكرم فإِنه إِهانة لها. فما أَشبهه بوأْد البنات خشية العار. ونظير من يستريح من عياله يخاف أَن لا يقوم بواجب النفقة. (1) ... (تقرير)
(288- حكم أخذ ما زاد على القبضة. والشعرة والشعرتين)
قيل: لا يكره أَخذ ما زاد على القبضة، لفعل ابن عمر وهو من أَشهر الصحابة في تعظيم سنن الرسول، بل يبالغ في ذلك المبالغة الشهيرة. والقول الآخر: أَنه يكره أَو يحرم احتجاجًا بما رواه لا بما رآه، ولعموم الأَدلة: وهذا أَصل إِذا قال الصحابي شيئًا وخالفه فالحق أَن الصواب فيما رواه، وان كان آخرون قالوا إِن الصحابي فهم أَن قول النبي لا يتناول هذا. والأَصل هو الأَول الأَخذ بها وإِبقاؤها على مداولها. إِلا أَن هذا من ابن عمر يبين أَن الأَخذ من الزائد على القبضة أَسهل من الأَخذ من أَصلها. ... (تقرير)
لكن نعرف أَن الشعرة والشعرتين النادرة هو المذكور هنا (2) فإِن فيها تشويهًا فالشيء الذي فيه تشويه شعرتين ثلاث. ... (تقرير)
(289- س: - حلق العوارض؟)
ج: حرام أَيضًا هو كاللحية. ... (تقرير)
(290- س: إِذا كان الحلاق نصراني؟)
ج: لا يجوز أَن يحلق في بلاد المسلمين، هو كالكافر يبيع الخمر في بلاد المسلمين. ... (تقرير 76)
_________
(1) وانظر منع التعزيز بحلق اللحية في الشهادات (979 في 27/10/78 هـ) . وفي دية الأَعضاء (في الديات) .
(2) يعني في قولهم: ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة.(2/57)
(291- خضب الشعر بالحناء والكتم وبالسواد)
س: وجدت حديثًا في التقويم ((مَن شَابَ شَيْبَةً فِي الإِسْلاَمِ كَانَت لَه نُوْرًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا لَمْ يَخضِبْها أَوْ يَنتِفهَا)) (1) .
ج: - هذا يحمل على أَن المراد بالسواد بقرينة فضل الشيب إِلا إِن خالف فصبغ أَو خالف فنتف. ومعناه صحيح ((الشَّيْب وَقَارٌ)) (2) . وجنس هذا الفضل له. وجاء المنع من نتف الشيب. والذي يذكر في التقويم لا يعتمد. أَهل التقويم يضعون كل ما وجدوا. ... (تقرير) .
س: - الكتم الآن يطبخونه؟
ج: - في الحديث ((بالْحِنَّا وَالْكَتم)) (3) فإِذا جمعا صار فيه لون من الحمرة والسواد. والكتم وحده يكون أَسود. الكتم هو ((الوسمة)) شجر معروف ينبت في شعبان نجد. ... (تقرير)
(292- المستحب في الشارب)
المستحب فيه هو الإِطار وهو أَن لا يستأْصل ذلك. والإِطار هو أَن يكون أَعلا الشفة بارزًا فلا يستأْصل بالكلية بل يبقى شيء. ... (تقرير)
(293- س: - الحكمة في تقليم الأظافر)
جـ: - ليبلغ ماء الطهارة، ولئلا تؤذيه وغيره، ولئلا يكون منظره
_________
(1) أخرج الترمذي والنسائي عن كعب بن مره: ((من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة وأخرج الحاكم في الكني عن أم سليم ((من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا ما لم يغيرها)) .
(2) أول الناس رأى الشيب إبراهيم فقال يارب ما هذا فقال وقار يا إبراهيم فقال رب زدني وقارا - الموطأ.
(3) ((ان أحسن ما غير به هذا الشيب الحنا والكتم)) أخرج أبو داود والترمذي وغيرهما.(2/58)
كمنظر السباع بأَظافرها، فإِن في إِزالتها الجمال والسلامة من أَضرارها والنظافة. ... (تقرير)
(294- إذا أزال الشعر بالنورة فليضف إليها ما يدفع ضررها أَو يخففه. ((تقرير)) )
س: - الحكمة في دفن الشعر.
جـ: - كقطعة من جسده أَو لحمه أَو عضو كأنملة أَو عضو تام ينكسر أَو ينفصل أَو يقطع كما لو رؤي فيه جذام، ووجه دفنه أَنه تبع لجسده، ولعموم (*) (1) وليسلم من الامتهان بأَكل السباع، ولئلا يتوصل السحرة ببعض جسده إلى سحره. ... (تقرير)
(295- أقرب ما قيل في غسل اليدين من النوم)
اختلف في المسأَلة فقيل: مظنة النجاسة. وقيل: غير ذلك. ومن أَقرب ما قيل فيها: أَن الإِنسان إِذا نام طاف به الشيطان وحرص على أَذاه كما جاء في الاستنثار. وأَيضًا هو يحب أَن يضر الإِنسان فهو يحرص على قلبه وحواسه من بوله في أُذنيه (2) وعلى خياشيمه (3) ولا يمنع أيضًا أَنه تعبدي. ومنهم من قال: العلة
_________
(1) سورة المرسلات 25.
(2) كما جاء في حديث بن مسعود ولفظه ((ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقيل ما زال نائمًا حتى أصبح ما قام إِلى الصلاة فقال ذلك رجل بال الشيطان في أذنيه)) أخرجه الشيخان والنسائي.
(3) كما في الحديث: ((اذا استيقظ أحدكم من منامه فليتوضأ وليستنثر فان الشيطان يبيت على خيشومه)) أخرجه النسائي.
قال ابن تيمية (جـ 21 ص 44) : فكما جاءت السنة بتجنب الخبائث الجسمانية والتطهر منها كذلك جاءت بتجنب الخبائث الروحانية والتطهر منها، حتى قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا قام أحدكم من الليل فاليستنشق بمنخريه من الماء فان الشيطان يبيت على خيشومه)) وقال: ((إذا قام أحدكم من نوم الليل فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثًا فان أحدكم لا يدري أين باتت يده، فعلل الأمر بالغسل بمبيت الشيطان على خيشومه، فعلم أن ذلك سبب للطهارة من غير النجاسة الظاهرة.(2/59)
إِدخال اليد في الإِناء. وليس كذلك، فلو استعمل الماء فيهما من غير إدخال فالحكم بحاله. ... (تقرير)
(296- التسمية اذا ذكرها في أثناء الوضوء أتى بها في البقية) . ... (تقرير)
(297- أفضل صور المضمضة والاستنشاق
للمضمضة والاستنشاق صور عديدة وأَفضلها الجمع بينهما بغرفة ويفعل ذلك ثلاث مرات. ... (تقرير)
(298- أحاديث تخليل اللحية الكثيفة - كثيرة الشعر)
جاء في ذلك عدة أَحاديث وكلها لا تخلو من مقال ولكنها لا تنقص عن شرعيته. ويكفي غسل ظاهرها لأَن به تحصل المواجهة. ... (تقرير)
(299- قوله: وأخذ ماء جديد للأذنين)
والرواية الأخرى والقول الآخر لا يندب، وهذا هو الصحيح. وما استدل به على أَخذه ماء جديدًا فهو وهم ولا يثبت، بل أَصل الحديث أَنه أَخذ ماءً جديدًا للرأْس لا للأذنين.
ثم الأَحاديث التي في صفة وضوء النبي فيها أَنهما مسحا من مائه. ثم ثبت عن ابن عمر، وهذا مما اجتهد فيه وخفي عليه الدليل فيه. وقول الصحابي إِذا خالف الحديث قدم الحديث عند الأَئمة.
وابن عمر له اجتهادات انفرد بها منها هذا. ومنها غسل عينيه حتى عمي في نحو خمسة أَشياء لمزيد تحريه السنة. فعلى هذا لا يعتبر (1) إِذ لا معصوم في الشرعيات إِلا النبي، ويؤجر على اجتهاده. ... (تقرير)
_________
(1) اجتهاده هنا.(2/60)
(300- قوله ومجاوزة محل الفرض)
قليلاً احتياطًا للفرض. والرواية الأخرى أَنه لا يندب بل يقتصر على المفروض، وهو اختيار شيخ الإِسلام وطائفة (1) وذلك أَنه ما جاء في شيء من الأَحاديث الزيادة على المفروض أَبدًا.
وأَحاديث التحجيل لا يلزم منها الزيادة. نعم أَبو هريرة اجتهد في ذلك، ولفظ ((تَبْلُغُ الْحُليَةُ مِن الْمومِن حَيْثُ يَبْلُغُ الْوضُوْءُ)) (2) لا دليل فيه له. وقوله ((فَمَن اسْتَطَاع)) . الخ مدرج من كلامه رضي الله عنه. ... (تقرير) .
(301- قوله: والغسلة الثانية والثالثة)
المراد تعميم العضو ثلاثًا، فهي تعميمات لا غرفات. ولكن الإِنسان يتوخى كون الغرفة تكفي، فإِن منع مانع من كون الماء قليلا فلابد من أَكثر من ثلاث غرفات. وهذا ما عدى مسح الرأس فإِنه لا تكرار فيه، وتقدم واضحًا في الأَحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ... (تقرير)
(باب فروض الوضوء وصفته)
(302- غسل الفم والأنف في الغسل)
ذهب بعض إِلى أَن غسل الفم والأَنف سنة في الوضوء دون الغسل. والصحيح فرضيتهما في الطهارتين، فإِن الفم والأَنف داخلان فيما يواجهك. والسنة دالة على ذلك، فإِن النبي لم يترك المضمضة والاستنشاق مرة واحدة، وفي الحديث (3) ((إِذَا تَوَضَّأْتَ فَمَضمِض)) . ... (تقرير)
_________
(1) قال في الاختيارات (ص 12) : ولا يستحب اطالة الغرة وهو مذهب مالك وروية عن أحمد.
(2) أخرجه مسلم عن ابن هريرة.
(3) الذي أخرجه أبو داود وغيره.(2/61)
(303- مسح الرأس كله لا بعضه)
وبعض مذاهب الأَئمة مسح مقدار منه - في بعضها الناصية، حتى إِن بعضًا يمسح شعرة واحدة، ومرجح هذا القول (1) والصواب أنه لا بد من مسحه كله. وزعم من زعم أَن الباء للتبعيض. وليس في لغة العرب أَنها للتبعيض بل هي للإِلصاق. ثم سنة الرسول واضحة في تعميمه مسح رأْسه. نعم إذا كانت عليه العمامة فإِنه يمسح الفاضل عن العمامة وهو الناصية، ولم يحفظ عنه أَنه اقتصر على مسح بعض الرأْس بدون عمامة. ... (تقرير)
(304- المسح على الحلي والمشاط)
سئل عن مسح الحلي على الرأس؟
فأَجاب: - لا يمسح عليه، وليس في معنى الخفين (2) .
سئل عن المسح على المشاط (3) الكثير على الرأْس.
فأَجاب: - لا يمسح عليه فإِنه ليس مثل الخفين معنى ولا حسا فهو يوضع للترفه لا للحاجة ولا للضرورة. ... (تقرير)
(305- مسح الرجلين)
القراءة الأخرى (*) بالجر عطفًا على (*) (4) استدل بها الرافضة على جواز الاقتصار على مسح الرجلين وأَنه لا يجب غسلهما، ولا دليل فيها، وقراءة النصب أَشهر وأَكثر
_________
(1) انظر فتاوي ابن تيمية جـ 21 ص 122- 125 قال رحمه الله: وما يذكره بعض الفقهاء كالقدوري في أول مختصره وغيره انه توضأ ومسح على ناصيته انما هو بعض الحديث.
(2) وسأل نساء الشيخ سعد بن عتيق عن المسح على الحلي فقال لا يمسح عليه (أخبرني بذلك عنه الأمير محمد بن عبد العزيز بن سعود وهو من طلاب العلم الملازمين لدروس المشايخ) .
(3) المشاط: خليط من السدر والريحان والأظفار.
(4) سورة المائدة 6.(2/62)
فتكون مفسرة بالغسل. الفائدة في هذه القراءة شرعية التخفيف في غسل الرجلين وأَنه لا يجب زيادة غسلهما لوطئهما التراب. فالمسح هنا مسح إِسالة، فإِن المسح مسحان: إِسالة، وغير إِسالة. والسنة في غسلهما متواترة. ... (تقرير)
(306- الغظاريف)
لا يشرع مسحهما. أَما الصماخان فتدخل فيهما أَطراف الأَصابع وظاهرهما مما يلي الرأْس والجوانب يمسحان. ... (تقرير)
(307- التلفظ بالنية عند الوضوء)
النية هي أَن يتصور الإِنسان ما سيفعله ثم يشرع في فعله.
والتلفظ بها بدعة، فإِن النبي لم يتلفظ بالنية قط لا في حج ولا عمرة (نويت) بل بالتلبية بهما. ومثلها تسمية المنسوك عنه. وهذا ليس من التلفظ بالنية في شيء. وبعضهم يطلق على هذا تلفظ بالنية.
أَما نويت كذا وكذا فهذا ما نطق به في الشرع أَبدا (*) (1) ولم يتلفظ بها الخلفاء الراشدون ولا العشرة والمهاجرون والأَنصار إِنما وجد كلمة موهمة في بعض كلام الأَئمة وليس كذلك (2) ولا يصح نسبته إِلى أَحد من الأَربعة بحال، ولو فرض أَنه قال فهو مردود بقولهم إِذا خالف قولي السنة فأَضربوا به الحائط. فإِنه ليس أَحد إٍِلا مردود عليه إِلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وفي كلام الشيخ أَنه بعدما يعرف سنة الرسول
_________
(1) سورة الحجرات 16.
(2) وهي قول الشافعي رضي الله عنه في الصلاة: انها ليست كالصيام ولا يدخل أحد فيها الا بذكر فظن أن الذكر تلفظ المصلي بالنية وانما أراد الشافعي بالذكر تكبيرة الاحرام ليس إلا. (ابن القيم) .(2/63)
يستتاب فإِن تاب وإِلا ضربت عنقه (1) وهذا واضح كأَمثاله - الذي ينسب إِلى الدين ما ليس منه وتبين له الحجة ثم يعاند فإِنه يعاقب بما يردعه وأَمثاله حتى ولو بالقتل حماية للشريعة أَن يضاف إِليها ما ليس منها. ثم الذين يتلفظون بها مبتلون بالوسوسة والعسر فيها، وهذا دليل على أَنها ليست من الدين، ولكن عمى التقليد، أَوقع في الأَضرار وجعل للشيطان نصيبًا من عبادة العبيد. ... (تقرير)
(308- القراءة بدون مس المصحف مما تسن له الطهارة)
بل كل العبادات التي ليست واجبة يندب أَن لا يفعلها إِلا بطهارة. أَما مسه فلا. ... (تقرير)
(309- الذكر عند كل عضو)
بعض الناس يرى أَن لكل عضو ذكرًا يخصه ويروى في ذلك شيء من الأَحاديث لكنها لا تصح أَبدًا، بل هي باطلة، نعم الذكر في موضعين: عند ابتداء الوضوء، وعند الفراغ. عند الابتداء بسم الله. وعند الفراغ ((اشهد)) (2) أَو سبحانك اللهم (3) كلم منهما وارد نظير تعدد وتنوع الاستفتاحات والتشهدات. وحديث ((أَشهد)) أَقوى سندًا وأَشهر وهو في الصحيح، والثاني في السنن بسند ثابت أَيضًا. ... (تقرير)
_________
(1) قال في مختصر الفتاوي المصرية ص 10: والجهر بها وتكرارها منهي عنه وفاعله مسيء، وان اعتقده دينا فقد خرج عن اجماع المسلمين يعرف ذلك فان أصر قتل.
(2) أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
(3) وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.(2/64)
(310- باب المسح على الخفين)
المسح على الخفين مسأَلة فروعية، وتذكر في العقائد أَحيانًا لأَن المخالف فيها الروافض مع كونهم يرون المسح على القدمين مجزيًا، فيخالفون الكتاب والسنة وإِجماع سلف الأمة. ... (تقرير الحموية) .
(311- المسح على الجورب والجرموق)
بعض المالكية لا يرى المسح على الجوارب ونحوها كأَنواع الشراب لا يرون المسح إِلا على الجلود. والسنة دلت على جواز المسح ولابن تيمية نبذة مطبوعة في المسح على الخفين (1) .
والجرموق خف قصير فما ستر منه فحكمه حكم الخف، وما لا يستر فلا يمسح عليه. أَما الكنادر القصار التي تحت الكعبين فلا يمسح عليهما. (2)
(312- المسح على الشراب من القطن والصوف والحرير الصناعي)
حضرة صاحب السماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ... حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته ومرضاته.
نستفتي من سماحتكم هل تجوز الصلاة بالمسح على الشراب كالقطن والصوف والحرير الصناعي الموجود الآن بالأَسواق فأَرجو الإِفادة من فضيلتكم لنا صورة كتابيًا وكما في الجريدة السعودية ولكم جزيل الفضل من الله والسلام. ... يوسف خوجه
_________
(1) انظر مجموع فتاوي ابن تيمية (جـ 21 ص 172- 212) .
(2) وحدهما بدون شراب ويأتي.(2/65)
الحمد لله إِذا كان صفيفًا لا يصف البشرة يثبت بنفسه ساترًا للمفروض جاز المسح عليه. وأَما الحرير الصناعي فإِن كان حريرًا حقيقة فلا يجوز استعماله للرجال بحال، ولا يصح المسح عليه، وإِن كان يشبه الحرير وليس بحرير حقيقة فيجوز المسح عليه، كما يجوز المسح على القطن والوبر ونحوهما. والله أَعلم.
(ص-م- في 25-6-1373 هـ)
(313- فتوى في الموضوع)
من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم خليل بن نعيس العتيبي ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إِلينا كتابك الذي تستفتي به عن الشراب والجراميق هل يجوز المسح عليهما كما يجوز المسح على الخفين أَم لا.
والجواب: نعم. يجوز المسح على الشراب ونحوها سواء كانت من صوف أَو من وبر أَو من شعر أَو من قطن أَو غيرها - وتسمى الجوربين - إِذا كانت صفيفة ساترة لمحل الفرض واستكملت الشروط المطلوبة لحديث المغيرة بن شعبة ((أَنَّ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْن وَالنًَّعْلَيْن)) (1) وأَما الجرموق فهو خف قصير ويسمى الموق وفيه حديث بلال ((رَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْمُوْقَيْن وَالْخِمَار)) رواه أَحمد. والمراد بالخمار هنا العمامة لأَنها تخمر الرأْس. والله أَعلم.
مفتي البلاد السعودية
(ص-ف-3165-1 في 16-11-1385 هـ)
_________
(1) أخرجه الترمذي وأبو داود.(2/66)
(314- واذا كانا من ذهب وفضة)
لا يصح المسح على خفين من ذهب أَو فضة أَو محليين بالذهب والفضة على الرجل والمرأَة، إِلا اليسير من الفضة كما تقدم في باب الآنية، وكذلك اليسير التابع عند الشيخ. ولم يبح للنساء إِلا ما جرت عادتهن بلبسه ليحضين عند أَزواجهن، والزائد على ذلك لا داعي إِليه وفيه أَصل المنع. فلبس النساء ما ذكر (1) إِنما هو من باب الرخصة. أَما الزائد على ذلك فحكمه المنع لبسًا ومسحًا عليه. ... (تقرير)
(315- اذا كانت الكنادر لا تغطي الكعبين جاز المسح عليهما مع الشراب)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة المكرم عبد الرحمن العبد الله الوهيبي ... وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فتسأَل عن الكنادر إِذا كانت لا تضفي على الكعبين هل يمسح عليهما أَم على الشراب.
والجواب: الحمد لله. يجوز المسح على الكنادر والشراب معًا ولو كانت الكنادر غير ساترة إذا كان تحتها الشراب ساتر لمحل الفرض لكن بشرط أَن يلبسهما معًا، أَو يلبس الفوقاني قبل أَن يحدث. قال في الإِقناع وشرحه: فإِن كان أَحد الخفين صحيحًا جاز المسح على الفوقاني لأَنهما كخف واحد، وكذا إِن لبس على صحيح مخرقًا نص عليه قاله في المبدع. ولا يجوز المسح على التحتاني إِلا أَن يكون هو الصحيح، بخلاف ما إِذا كان الفوقاني
_________
(1) ما جرت عادتهن بلبسه.(2/67)
هو الصحيح. فلا يصح المسح إِذًا على التحتاني لأَنه غير ساتر بنفسه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(ص-ف-331 في 29-7-1375 هـ)
(316- اذا كان الشراب رقيقًا أو مشقوقا أو قاصرًا عن ستر المفروض لم يمسح عليه. صفة نعلي النبي)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة المكرم محمد بن عبد الرحمن ابن قاسم ... وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إِلي كتابك المتضمن السؤال عن المسأَلتين الآتيتين:
الأولى: هل يجزي المسح على الكنادر التي ليست بساترة للمفروض مع الشراب الساتر إِذا كان لا يخلع الكنادر في أَثناء مدة اللبس أَو كان الشراب المذكور مشقق العقب أَم لا؟
الثانية: ما صفة نعلي النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يمسح عليهما مع الجوربين وهل سيورها عراض؟
والجواب: الحمد لله. يصح المسح على الكنادر غير الساترة للمفروض إِذا كان تحتها شراب صفيق ساتر للمفروض، بشرط أَن يلبسهما جميعًا، أَو يلبس الكنادر قبل أَن يحدث، وبشرط أَن لا يخلعهما إِلا جميعًا، لمسح النبي صلى الله عليه وسلم على الْجَوْرَبَيْن وَالنَّعْلَيْن. كما أَن له أَن يقتصر على مسح الشراب وحده وحينئذ لا حاجة إِلى اشتراط لبسهما جميعًا ونحوه وخلعهما جميعًا. أَما إِذا كان الشراب رقيقا حيث يصف البشرة أَو مشقوقًا أَو قاصرًا عن ستر المفروض فإِنه لا يمسح عليه ولا على ما فوقه من الكنادر التي(2/68)
لا تستر المفروض. هذا معنى ما في كتب الأَصحاب. ولا ينفي اختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية قدس الله روحه جواز المسح على الخف المخروق ونحوه.
وأَما صفة نعلي النبي صلى الله عليه وسلم. فروى الترمذي في الشمائل عن قتادة قال: ((قُلتُ لأَنَس بْن مَالِك كَيْفَ كَانَ نَعْلُ رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَال: لَهُمَا قُبَالان)) وعن أَبي هريرة قال: ((كَانَ لِنَعْل رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبَالان)) والقبال بوزن زمام هو زمام النعل وسيرها. فالقبالان هما زمامان لأَصابع القدم بين الإِبهام والتي تليها. وبين الوسطى والتي تليها. وعن ابن عباس قال: ((كَانَ لِنَعْل رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللهُ عََلَيْهِ وَسَلَّم قُبَالان مَثنىّ شِرَاكُهُمَا)) والشراك هو السير الرقيق الذي يكون في النعل على ظهر القدم، وحدث عيسى بن طهمان قال: ((أخرج إِلينا أَنس بن مالك نعلين جَزْدَاوَيْن لَهُمَا قُبَلان قَالَ فَحَدَّثَنِيْ ثابت بعد عن أَنس أَنهما كانتا نعلي النبي صلى الله عليه وسلم)) والنعل الجرداء هي التي لا شعر عليها. وعن عبيد بن جريج أَنه قال لابن عمر: رأَيتك تلبس النعال السبتية قال: ((إِنِّيْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلبسُ النِّعَالَ الَّتِيْ لَيْسَ فِيْهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّؤُ فِيْهَا فَأَنا أُحِبُّ أَن أَلْبَسَهَا)) . والنعال السبتية هي المدبوغة نسبة إِلى السبت وهو القطع وما في معناه من حلق الشعر أَو إِزالته بالدبغ. وعن عمرو بن حريث أَنه قال: ((رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِيْ نَعْلَيْن مَخصُوْفَتَيْن)) والنعل المخصوفة هي المخروزة من الخصف وهو الخرز وضم شيء إلى شيء. فالنعل المخصوفة هي التي وضع فيها طاق على طاق.(2/69)
وأَما سؤالك هل سيورها عراض أَم لا؟ فإِنه لا يظهر من الأَحاديث التي قدمناها في صفة نعلي النبي صلى الله عليه وسلم أَنها كانت عراضًا. والله أَعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(ص-ف-455 في 19-6-1376 هـ)
(317- س: المسح على الباغة والزجاج)
جـ: - ظاهر العبارة (1) أَنه لا يمسح على الباغة أَو الزجاج لأَجل أَنه يصف (2) . والظاهر الصحة على الصفيق كالباغة، ليس المطلوب تغطية اللون بل الجرم. والذي ذكره الأَصحاب رقيق لقلة صفاقته أَما الذي ليس لأَجل صفاقته بل لرقته - موجود خيوط ومنسوجة - فهذا يمسح عليه. (3) ... (تقرير)
(318- المثقوب)
إِذا كان فيه ثقب صغير كحبة الذُّرة الصغيرة أَو حبة الدخن الكبير أَو الصغير فعندهم لا يمسح عليه، وعند الشيخ يمسح عليه (4) وذلك أَن أَدلة المسح جاءت مطلقة، والصحابة أَهل أَعمال وأَعظمها الجهاد فلا بد أَن يكون في الخفاف شيء ومع ذلك ما جاء تفريق في الحديث، والرخص في حق هؤلاء أَنسب منها في حق أَهل الرفاهية. فالصواب أَنه يمسح عليها. ويقول الشيخ: ما سمي خفا وأَمكن المشي به مسح عليه. خصوصًا إِذا كان بدا وهو لا يعلم. وحينئذ
_________
(1) ساتر للمفروض.
(2) البشرة.
(3) قال في الانصاف ص 181: فدخل في ذلك الجلود واللبود والخشب والزجاج ونحوها.
(4) وفي الاختيارات: ويجوز المسح على اللفائف في أحد الوجهين حكاه ابن تميم وغيره وعلى الخف المخرق ما دام اسمه باقيا والمثنى فيه ممكنا وهو قديم قولى الشافعي وهو اختيار أبي البركات وغيره من العلماء.(2/70)
إِذا كان فيه كبر الريال (1) أَو نحوه فالورع أَن يخلع، مع أَن الناس لا يدعونه لأَجل أَنه يحصل منه برد وشوك فلا يدخل في كلام الشيخ. وإِن دخل فالورع أَن لا يمسح عليه. وأَما الشيء الذي يدخل معه الاصبع والفتق الذي بهذا المقدار فيمسح عليه ولا في النفس شيء من المسح عليه.
الآن الناس في ملبوسات غير التوقي بل الزهو. ... (تقرير)
(319- عمائم البدو)
عمائم البدو الآن لا محنكة ولا ذات ذوبة. فقد نقص منها شروط:
من ذلك أَنها لا تعم الرأْس. والعمائم في الرأْس كانت لباسًا للعرب سابقًا. ... (تقرير)
320 س: - الجرح الذي عليه دواء يقدر الحاجة
وضعه وهو على غير وضوء.
جـ: - يمسح عليه، ولا يكفي درج الماء عليه، والحوائل حكمها المسح لا الغسل. وهذا يسمح عليه ويتيمم عند بعض أَهل العلم وهو أَحوط. وبعض أَهل العلم يكتفي بالمسح، ولو فعل ذلك إِنسان لم نأْمره بالإِعادة (2) . وهذا مشروط بشرط وهو أَن يتضرر بالإِزالة بل الجرح نفسه إِذا لم يضع عليه شيئًا وكان يتضرر بغسله فهذا يمسح عليه بالبال الذي في يده. فإِن كان يتضرر بالمسح فهذا يعفى عنه (3) فإِن الجرح البارز لابد من مسحه ولا يكفي التيمم، وإِذا
_________
(1) يعني الفضى في عام 1378 هـ.
(2) قلت: وقد شاهدت شيخنا رحمه الله مرارا عديدة يتيمم اذا دخل المسجد من أجل الجرح المشار اليه.
(3) يعني ويعدل الى التيمم كما يأتي في بابه.(2/71)
مسح عليه فلا يحتاج إِلى تيمم. والكسر ونحوه فلابد من التيمم فيما زاد. والناس يفرطون ما يمسحون على الجرح ولا على الجبيرة واللصوق وهذا لا تصح طهارته.
وإِن أَمكن اختصار الجبيرة المتعدية للحد بدون ضرر اختصرها. ثم كونه يكفي المسح إذا لبس على غير طهارة هو الصحيح عند الشيخ. ولأَنه لا يدري متى يأْتي الجرح وحديث صاحب الشجة فيه ضعف (1) . ... (تقرير)
(321- اذا مسح عليهما ثم خلعهما)
المسأَلة الثانية: إِذا مسح المتوضي على خفيه وصلى فيهما ثم خلعهما فهل يجوز له الصلاة بذلك الوضوء أَم لا.
الجواب: إِذا لبس الخفين ثم توضأَ ومسح عليهما ثم خلعهما ففيه تفصيل: إِن كان خلعهما بعد الحدث فالمنصوص عليه عند علماء المذهب أَنه لا يجوز له أَن يصلي بذلك الوضوء، وإِن كان ذلك قبل الحدث فلا بأْس قولا واحدًا.
(ص-ف-3560-1 في 26-11-1386 هـ)
(322- اذا تمت المدة وليس عنده ماء)
إِذا كان عليه الخفاف وهو يتيمم لعدم الماء فقد صرح بعضهم بأَنه يخلع إِذا تمت المدة. والقول الآخر أَنه لا يجب عليه الخلع بل يتيمم وهما عليه وهذا هو الأَقوى إِن شاء الله، لأَن الأَمر معلل بالغسل ولا جاء دليل بالخلع. ثم خلعه لا يبطل تيممه، لأَن طهارتهما بعمل يعمل في غيرهما وهو الوجه واليدان، فوجود الممسوح على الرجل وعدمه واحد. ... (تقرير)
_________
(1) لأنه من رواية الزبير بن خريق.(2/72)
(باب نواقض الوضوء)
(323- رجل يخرج منه دود في أثناء الصلاة ما حكم صلاته)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة المكرم صالح بن سالم بن محفوظ ... الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إِلي كتابكم المتضمن السؤال عن المسائل الآتية:
أَولا: - رجل يخرج من دبره دود في أَثناء الصلاة ما حكمه؟
ثانيًا: - رجل طلب من آخر فلوس قرضة حسنة وأَجابه إِلى ذلك بشرط أَن يدفع له زيادة معلومة في المائة - عمولة؟
ثالثًا: - رجل بلغ عمره خمسة عشر سنة ولم يصل حتى بلغ عمره عشرين سنة ثم بعد ذلك تاب إِلى الله توبة نصوحًا فما حكم الإِسلام عليه في المدة الماضية؟
رابعًا: - أَغاني الرجل في الراديو يستمع إِليه النساء، وأَغاني النساء في الراديو: هل يجوز، أَم لا؟ وهل صاحب البيت يرتكب جريمة؟
خامسًا: - إِدخال الصحف في البيوت الذي فيها تصاوير النساء الكاشفات العاريات، وهل هو جائز، أَم لا؟ وهل صاحب المنزل يرتكب جريمة؟
سادسًا: - عن قول المخلوق للمخلوق يا معظم هل يجوز أَم لا؟
والجواب على المسأَلة الأولى: الحمد لله. خروج الدود من الدبر ينقض الوضوء، وحكمه سلس البول يلزمه الوضوء(2/73)
لوقت كل صلاة بعد غسل المحل ان تلوث بشيء من الرطوبة وتعصيبه بخرقة طاهرة حتى لا يخرج شيء، وإِن اعتيد انقطاعه في زمن يتسع لفعل الطهارة والصلاة تعين أَن يفعلهما في حال انقطاعه، وإِلا فيصلي على حسب حاله وصلاته صحيحة للعذر. (1)
(ص-ف-608 في 17-8-1376 هـ)
(324- القلس، والنوم)
الراجح أَنه لا ينقض الوضوء وإِن كان نجسًا. والصواب في النوم الفرق بين المستغرق وغيره، فالمستغرق ينقض وغيره لا ينقض وهذا موافق لاختيار الشيخ (2) لحديث ((نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ)) (3) ... (تقرير)
(325- مس المرأة بشهوة)
اختيار الشيخ هنا استحباب الوضوء. والاحتياط أَن يعتبر الإِنسان ذلك من النواقض ولا سيما عبادة الطهارة. فكون الإِنسان يصلي بطهارة اتفق الجميع على أَنها صحيحة خير من أَن يصلي بطهارة قال فيها أَئمة بالنقض وفي أدلتها قوة.
والشيخ تحقيقه معلوم، ولكن هذا قول أَئمة، وهذا خلاف له حظ من النظر، وهو في هذه العبادة العظيمة، الأَخذ بالاحتياط هو الذي لا ينبغي غيره، وهذا هو الذي يفتي به. ولعله يقال: لم يذكر قول الشيخ؟
_________
(1) أما جواب المسألة الثانية ففي باب الربا، والثالثة في أول كتاب الصلاة، والرابعة في وليمة العرس، والخامسة والسادسة تقدمتا في توحيد الالهية.
(2) انظر جـ 21 ص 228 من مجموع فتاويه.
(3) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن عائشة قالت أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء ليلة حتى ناداه عمر الصلاة نام النساء والصبيان فخرج فقال ما ينتظرها من أهل الأرض أحد غيركم قال ولا تصلى يؤمئذ الا بالمدينة.(2/74)
قيل هذا قد يكون ضرورة ويحتاج لمعرفة الفرق فيها. من ذلك لو تكثر الصلوات فإِنه يتساهل في الفتوى فيها دون المسائل التي لا خلاف فيها. ... (تقرير)
(326- س: مس حلقة الدبر ناقض)
في بعض الأَحاديث ((من مس فرجه فليتوضأ)) (1) قال شيخنا بعد ذكر الخلاف: والمذهب هو هذا؛ وعليه الفتوى والعمل. ... (تقرير)
(327- ولو من طفل)
المسأَلة الثانية: عن امرأَة متوضية للصلاة وتوسخ طفلها واحتاج للتغسيل فغسلته ونظفته عن النجاسة فهل ينتقض وضوءها بذلك.
والجواب: إِن مست أَحد فرجيه انتقض وضوؤها بذلك، وإِلا فلا ينتقض وضوؤها بمجرد تغسيله حتى ولو باشرت غسل النجاسة بيدها، وعليها ملاحظة تطهير يدها بعد ذلك والاحتراز من تعدي النجاسة على بدنها أَو ثوبها. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-1127- في 16-4-1386 هـ)
(328- الراجح ان مس الامرد بشهوة ناقض، لاجل وجود الشهوة كذات المحرم ... (تقرير)
(329- س: ما صفة تيميم المريض)
جـ: - تضرب بيديك الصعيد وتمسح وجهه ويديه. ولو ضربت بيديه هو الأَرض ومسحت كما ذكر كفى ذلك. ... (تقرير)
_________
(1) رواه أحمد.(2/75)
(330- لحم الجزور ناقض)
بعض الناس يشكل بـ (*) (1) وليس ذلك بدليل صحيح، فإِن لحم الخنزير حرم لنجاسته وخبثه وأَجزاء الخنزير كلها نجسة فلا طاهر فيها. أَما لحم الإِبل فلا شيء فيه نجس. والعلة في لحوم الإِبل قيل إِنها خلقت من شياطين فهذا لا يصير إِلا فيما فيه القوة الزائدة وهي في اللحوم. واختيار الشيخ عدم النقض. والمعروف والذي عليه العمل القول بالنقض لأَجل الحديثين (2) . و ((اللحم)) في اللغة اسم لهذا الأَحمر من اللحم الأَحمر (الهبر) والأَبيض من اللحم الأَبيض. ... (تقرير)
(331- الكبد)
الكبد لا تدخل في اللحم الخاص إِذا قيل كبد ولحم، ولا تنقض الوضوء لأَنها ليست بلحم، لها طبيعة أُخرى غير طبيعة اللحم وإِن اجتمعت معه في أَصل الدسم ونحو هذا. ... (تقرير)
(332- س: والرأْس)
جـ: - لا ينقض الوضوء، والظاهر أَن الرأْس ليس لحمًا، يقال: أَكل رأْسًا. وما يوجد فيه من الأَحمر فلعله لا يدخل في اللحم. ... (تقرير)
(333- والشحم والعظم والعصب والقلب والرئة والكلية والستار والحليب كل هذه لا تنقض، والرقبة لحم) . ... (تقرير)
(334- شرب الدخان بعد الوضوء لا ينقضه. اهـ)
(من رسالة في المسكر برقم 414 في 1-10-1379 هـ)
_________
(1) سورة الانعام 145.
(2) حديث جابر بن سمرة وحديث ابن عمر.(2/76)
(335- تحريم مس المصحف على المحدث)
يحرم على المحدث مس المصحف، والجزء من أَجزاء القرآن كذلك؛ وذلك للآية الكريمة: (*) (1) الملائكة. ففيها التنبيه على أَن المحدث لا يمسه، وكذلك الحديث في ذلك الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم ((أَن لا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلاَّ طَاهِرٌ)) . (2) وهذا الحديث وإِن كان في سنده كلام في إِرساله فإِنه كما قال ابن عبد البر شهرته أَقوى من سنده، فما قيل في سنده لا يمنع الاحتجاج به. وذكر النووي أَنه قول الأَئمة الأَربعة وحكاه عن بعض الصحابة وبعض الجهلة المتعلمين يريدون أَن ينقضوا هذه المسأَلة لإِشرافهم على كلام لبعض العلماء فأَفتوا الصبيان بجواز مسه بدون طهارة، وبينا له وتاب وانقطع هذا في تلك المدرسة. فالحكم هو هذا يمنع الصبيان في المدارس من مس المصحف، فالمميز لا يمس المصحف إِلا متطهرًا، وغير المميز لا يمسه أَبدًا. ... (تقرير)
(336- ترجمة المصحف بغير العربية لا يثبت لها أَحكام المصحف من الحرمة، وكذلك ما يكتب للمكفوفين. ... (تقرير)
تحلية المصحف بذهب وفضة لا يحرم، ومن دليله ما في قصة الملكين الذين شقا صدره صلى الله عليه وسلم. ... (تقرير)
(337- قوله: ويحرم على المحدث سجود التلاوة والشكر)
والقول الآخر أَنها ليست صلاة. أَقول عدم الوجوب أَقوى، وإِليه ذهب الشيخ. ... (تقرير)
_________
(1) سورة الواقعة 79.
(2) أخرجه مالك مرسلا ووصله النسائي وابن حبان قال ابن عبد البر: أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول.(2/77)
(338- الطواف بالبيت صلاة) (1)
هذا الحديث في سنده شيء، وكثير من الفقهاء والعلماء يستدلون به على اشتراط الطهارة.
أَما شرعيته أَن يطوف متطهرًا فلا ريب فيها، وعند كثير أَنه شرط، وهذا الذي ينبغي اعتماده؛ فإِنه عبادة عظيمة هامة هو أَحد أَركان الإِسلام في الحج، إِلا أَن الحديث في سنده شيء كما تقدم وهذا ينتفع به في مسأَلة الحائض. ... (تقرير)
((باب الغسل))
(339- هنا صورة من الصور في خروج المني)
وهي أَن بعض الناس إِذا غضب خرج منه مني - هذا ذكر لنا عن بعض أُناس ثقات يجد لذة عند الخروج - وإِن كان لغضب فالحكم بحاله لعموم الأَدلة ((الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ)) (2) مضموم لحديث ((إِذَا فَضَختَ الْمَاءَ فَاغتَسِل)) (3) فهذا فضخ فإِنه يجد لذة في الخروج. ... (تقرير)
(340- اذا أفاق النائم ووجد بللا)
من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم عبد الله العبد المحسن العساف ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إِلينا كتابك الذي ذكرت فيه أَنك شاب في التاسعة عشر من عمرك وإِذا صحوت من نوم الليل وجدت مادة لزجة تسيل
_________
(1) الا انكم تتكلمون فيه رواه الترمذي عن ابن عباس.
(2) رواه مسلم وأصله في البخاري.
(3) في حديث على قال له ((اذا رأيت فضخ الماء فاغتسل)) أي دفقه يريد المني (نهاية ابن الأثير) .(2/78)
من ذكرك وأَنك لا تذكر احتلامًا، وتسأَل هل هذا يوجب الغسل، أَم لا.
والجواب: هذا لا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى - أَن يتحقق أَن هذا الخارج مني فيلزمه الاغتسال ولو لم يذكر احتلامًا، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافًا. ولا يلزمه تطهير ما أَصاب من ثيابه لأَن مني الآدمي طاهر.
الثانية - أَن يتحقق أَنه ليس بمني فإِن كان قد سبق نومه ملاعبة أو تفكير أَو نظر أَو مطالعة هذه المجلات الخليعة المثيرة للشهوة وكان ما وجده من جنس المذي فلا غسل عليه، وإِنما يطهر ما أَصابه من ثيابه لنجاسة المذي.
الثالثة - أَن يشك في كونه منيًا أَو مذيًا ففي هذه الحالة يغتسل وجوبًا، ويطهر ما أَصابه من ثيابه وبدنه احتياطًا. هذا حاصل ما قرره الفقهاء. والله أَعلم.
مفتي البلاد السعودية
(ص-ف-2946-1 في 24-11-1385 هـ)
(341- قوله: والا اغتسل وطهر ما أصابه احتياطا) (1)
هذا قول. والقول الآخر أَنه لا يجب غسل، وهذا أَرجح في الدليل، وهو المتفرع على الأصول؛ فان الأَصل تيقن الطهارة. فهذا شك هل أَحدث أَم لا والأَصل العدم، وهم ذكروه على وجه الاحتياط لكن من أَين الدليل على الوجوب والأَصل عدمه. ... (تقرير)
(342- قوله: وان انتقل المني ولم يخرج اغتسل له)
والرواية الأخرى عدم الغسل، والأَدلة لا يظهر منها الغسل بالانتقال. ... (تقرير)
_________
(1) في مسألة ما اذا لم يسبق نومه ملاعبة الخ.(2/79)
(343- تغييب الحشفة مع حائل لا يوجب الغسل اذا لم ينزل)
لابد أَن يكون خاليًا من حائل فإِن كان بحائل فلا. والمسيس من المعلوم أَنه مع فقد الحائل، وبعض الأَئمة يذهب إِلى وجوب الغسل ولو مع حائل، والمعروف المذهب هو الأَمول للحديث ((إِذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ)) (1) . ... (تقرير)
(344- التفصيل في الصغير والمريض يدخل المسجد)
الصغير على قسمين قسم يقع منه نجاسة في المسجد فيمنع وأَما حديث ((فَأْسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبيّ)) (2) فهو محمول على أَنها صانته وقصة الحسن والحسين تدل على جواز الدخول ما لم (3) ثم المريض كذلك إِن كان به نجاسة تتعدى منع وإِلا فلا لقصة سعد (4) . ... (تقرير)
(345- قوله: ومن غسل ميتا سن له الغسل)
لحديث ((مَن غَسَّلَ مَيتًا فَليَغتَسِل)) (5) وهو حديث ضعيف إِلا أَنه معضود بالآثار الثابتة عن بعض الصحابة منهم بعض الخلفاء. ... (تقرير)
_________
(1) ((إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل)) أخرجه مسلم.
(2) ((اني لأسمع بكاء الصبي وأنا في الصلاة فأخفف مخافة أن تفتتن أمه)) أخرجه الترمذي.
(3) بياض بالاصل ولعله ما لم يخش منه حصول نجاسة.
(4) وانظر أحكام المساجد في آخر الاعتكاف، وكذلك دخول المسجد بالنعال هناك.
(5) أخرجه أبو داود وفي رواية الترمذي ((من غسله الغسل ومن حمله الوضوء)) .(2/80)
(346- وجوب التسمية في الغسل من المفردات.)
وقول الجماهير واختيار الموفق عدم الوجوب وفاقا للثلاثة. وتقدم أَن الأَحاديث إِذا صحت فالقول قول من يرى الوجوب كحديث ((لاَ وُضُوْءَ لِمَن لَمْ يَذكُرْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ)) (1) ... (تقرير)
(347- باطن العينين)
يجب غسل ما تحت الشعور الكثيفة ويجب غسل باطن الشعر الذي بين الظفائر أُصوله ومسترسله.
وباطن العينين لا يغسل لما فيه من الضرر وهو الراجح عند أَكثر الأَصحاب وهو المذهب عدم الوجوب وعدم الاستحباب وابن عمر كان يغسل باطن عينيه وقيل أَنه عمي من ذلك. وفيه قول في المذهب واختيار البعض وهم قليل أَن بواطنها تغسل. ... (تقرير)
(348- تنقض المرأَة رأسها في غسل الحيض ندبا دون الجنابة)
الراجح في الدليل عدم وجوب نقضه في المحيض كعدم وجوبه في الجنابة، إِلا أَنه في المحيض مشروع للأَدلة، والأَمر فيه ليس للوجوب، بدليل حديث أُم سلمة ((إِنِّيْ امْرَأَة)) (2) . وهذا اختيار صاحب الانصاف والزركشي. وأَما الجنابة فليس مندوبًا في حقها النقض وكان يراه عبد الله بن عمر وكانت عائشة تقول: أَفلا أَمرهن أَن يحلقنه.
الحاصل أَنه ليس مشروعًا في الجنابة وهو متأَكد في المحيض وتأَكده يختلف قوةً وضعفًا بحسب بعده عن النقض وقربه. ... (تقرير)
_________
(1) أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه بسند ضعيف.
(2) أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه بسند ضعيف.(2/81)
(349- الصاع النبوي والنجدي)
الصاع النبوي زنة الكيلة به ثمانون ريالا فرنسيًا والمد عشرون ريالا. هذا على المشهور أَن الفرانسي ستة مثاقيل. وهذا الصاع الموجود عندنا زنة الكيلة به مائة وواحد أَو مائة واثنين، وبدون علاوة ثمانين. إِذا مسح فهو بمقدار الصاع النبوي ثمانين ريال فرنسيًا، والعلاوة خمسُ.
والظاهر أَن هذا بالصاع المعتدل الشكل. وإِن كان عريضًا كانت العلاوة أَكثر من الخمس، وفيه جواب لأَحد المشايخ مطبوع في ديباجة طبعة الذكير للمقنع.
والعلاوة يحصل بها ضرر وغرر فيستوفي من أُصيب بآفة التطفيف. ... (تقرير)
(350- قوله: يسن الوضوء لمعاودة الوطء)
أَهله الذين وطئهم أَو ليطأ أُخرى - ولعله إِذا كان في جماع أُخرى آكد.
ومما يتأَكد فيه إِذا احتلم ثم أَراد أَن يطأَ، وهذا جاء فيه بخصوصه حديث لا أَدري عن سنده ((مَن احْتَلَمَ ثُمَّ جَامَعَ فأَصَابَ وَلَدَه جُنُونٌ فَلاَ يَلُوْمَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ)) أَو كما جاء. (1) ... (تقرير)
(351- كراهة بناء الحمام)
من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم عبد الكريم محمد الجدعان ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
_________
(1) ولأن الاحتلام من الشيطان.(2/82)
فقد وصلنا خطابكم المتضمن السؤال: هل هناك مانع شرعي من فتح حمام عام بخاري ويكون خاصًا بالرجال مع لزوم الآداب الشرعية من جهة العورة؟
والجواب: - الحمد لله. لا نرى أَن يفتح مثل هذا الحمام في هذا البلد لأَن الضرر سيكون أَكبر من النفع، ومثل هذه الأَشياء تكون عادة وسيلة لفساد لم يخطر في بال الذي أَسسها، ومهما حرصت الآن على مراعاة الآداب الشرعية والأَخلاقية فإِنك لن تستطيع ضمان ذلك في المستقبل بعد فتح هذا الباب. والله الموفق والسلام عليكم. ... حرر في 1-4-1378 هـ.
(ص-م-130 في 5-4-1378 هـ)
(باب التيمم)
(352- اذا كان الماء قليلا وعليه غسل)
بحث مرعي وقبله المجد ما إِذا كان الماء قليلا وعليه غسل فإِنه يغسل أَعضاء الوضوء أَولاً وإِذا بقي شيء تيمم له وينوي رفع الحدثين، وكذلك إذا كان لا يكفي إِلا بعض أَعضاء الوضوء كالوجه فإِنه يغسله ويكون قد رفع عنه الحدثين. وهو بحث ظاهر. (1) ... (تقرير)
(353- المقدار الذي يتضرر بغسله. والاكتفاء بمسح الجرح)
الذي يتضرر بغسله حول الجرح لا يقدر فيرجع فيه إِلى العرف إِذا كان إِذا غسل هذا سال إِليه الماء فيجتنب.
والاكتفاء بالمسح وحده وجهه أَنه في بعض أَعضاء الوضوء يكفي كالرأْس والخفين فهو قائم مقام الغسل في الجملة بدليل
_________
(1) انظر حاشية العنقري على الروض المربع.(2/83)
أَنه يمسح على الجبيرة والحائل. أَما إِذا كان يخشى منهما جميعًا فيتيمم للآية الكريمة والأَحاديث.
وكثير من الناس يعدل إِلى التيمم وهو قادر على الغسل أَو المسح بلا ضرر فصلاته باطلة. ... (تقرير)
(354- واذا كان يتضرر بالتيمم أيضا)
صورة أُخرى وهي ما إِذا كان يتضرر بالتيمم بأَن كان الجرح في وجهه أَو كفيه أَو إِذا استعمل التيمم تضرر من الغبار فإِنه يسقط التيمم لقوله: (*) (1) . ... (تقرير)
(355- لا يجب الترتيب ولا الموالات في التيمم للجرح)
الرواية الأولى عن أَحمد أَنه إِذا كان جرحه ببعض أَعضاء وضوئه لزمه إِذا توضأَ مراعاة الترتيب. والرواية الأخرى عنه أَنه لا يجب الترتيب ولا الموالاة حينئذ، وهذا هو الذي نصره المجد في شرحه واختاره كثير من الأَصحاب، وقال الشيخ: لا أَصل له (2) في كلام أَحمد، وقال: إِن إِدخال التيمم بين أَعضاء الوضوء في الغسل بدعة (3) . يعني لم يرد به دليل لا من كتاب ولا سنة بل ولا من كلام صحابي، وقد يقال: ما صدر شيء عن صدر هذه الأمة. فالحاصل أَنه لا يجب الترتيب، ثم هو أَيضًا فيه من الصعوبة ما فيه.
_________
(1) سورة التغابن 16.
(2) الترتيب.
(3) ولفظه في الاختيارات: الجريح اذا كان محدثا حدثا أصغر فلا يلزمه مراعاة الترتيب، وهو الصحيح من مذهب أحمد وغيره، فيصح أن يتيمم بعد كمال الوضوء، بل هذا هو السنة والفصل بين أَعضاء الوضوء بتيمم بدعة.(2/84)
وهنا مسأَلة نظرية وهي أَن هذا الذراع لا يناله شيء من التيمم التراب إِنما ينال الوجه والكفين. فيتركه حتى يفرغ وتنشف يداه ووجهه ثم يتيمم. والتيمم طهارة مستقلة ليس بعضًا من أَبعاض الغسل.
وكذلك الموالاة لا تجب سواء عن حدث أَصغر أَو أَكبر، فلو أَخر التيمم مدة تفيت الموالاة لم يضر لو توضأَ ضحى وأَخر التيمم إِلى أَن تزول الشمس صح ذلك على الراجح ولو عمدًا.
س: - إذا كان على وجهه اللصوق فكيف يصنع إِذا تيمم.
جـ: - يمسح على اللصوق كما يمسحه في الغسل.
(تقرير)
(356- ما يعتبر قريبا)
القريب هنا لا يحد بشيء فيعتبر بالعرف، ولا يحد بميل ولا بمدى الغوث، فيسعى فيما حواليه وينظر، وإِذا وجد علامة كطير ذهب إِلى الموضع الذي فيه الطير لأَن الغالب أَنه لا يكون إِلا على ماء أَو يجد خضرة ولا سيما وقت المحل ونحو ذلك كأَن يرى محلاً يقبل عليه راكب ثم يذهب. فإِذا فعل مثل هذه الأمور في تحريه ولا بقي عليه ما يستبرأُه فحينئذ يصدق عليه أَنه لم يجد ماء فيتيمم. ... (تقرير)
(357- الرفيق هنا)
رفيقه صاحبه الذين هو وإِياه في خبرة واحدة الذين ماؤهم واحد وطعامهم واحد (1) قد يكون الرفقة كل واحد ماؤه على حدة إِنما
_________
(1) والخبرة لغة ما تشتريه لأهلك كالخبز والطعام يقال اجتمعوا على خبرته أي على طعامه.(2/85)
الاختلاط في الطعام. وليس المراد من جمعه هو وإِياه السفر كالغزو والحج لأَن بينه وبينه من الخصوصية ما ليس بينه وبين سائر السفار الذين جمعهم وإِياه هذا المسير. ... (تقرير)
(358- لا تيمم للنجاسة على البدن)
إِذا نوى بتيممه نجاسة على بدنه تضره إِزالتها أَجزأَ على المذهب والجمهور يرون أَنه لا يجزىء لعدم ورود شيء من الأَدلة، إِنما جاءت نصوص التيمم في الأَحداث لم تجيء في النجسات، ولأَن عين النجاسة باقية. وقوى هذا الشيخ (1) وقال: قول الجمهور هو الصحيح. ... (تقرير)
(359- س: هل التيمم سائغ لمن عليه حدث أصغر وهو مقيم في الحضر)
جـ: - غير سائغ، ولا يجوز، ولا فيه ضرر، ولا يقاس على الجنابة. ومن عدل إِلى التيمم مع وجود الماء في الحضر كهذه الصورة فيعزر تعزيرًا يردعه ويردع أَمثاله، ولو نعرفه لبعثنا عليه الحسبة، وعليه إِعادة ما صلى بالتيمم ويستغفر الله ويتوب إِليه. ... (تقرير)
(360- التيمم بالتراب في المستشفيات)
من محمد بن إبراهيم إِلى فضيلة الشيخ حمد بن راشد ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
بالإِشارة إِلى خطابكم لنا رقم 32 وتاريخ 18-3-1388 هـ
_________
(1) في الاختيارات ص 20 قال الشيخ: ولا يتيمم للنجاسة على بدنه وهو قول الثلاثة خلافا لاشهر الروايتين عن أحمد رحمه الله تعالى.(2/86)
بخصوص وجود مرضى لا يتمكنون من استعمال الماء وهم في المستشفيات الحكومية والممرضون يمنعونهم من إِدخال التراب في حجرهم، وتطلبون منا عمل ما يلزم حوله.
ونحيطكم علمًا بأَننا كتبنا لوزير الصحة بالنيابة بعدم منعهم من استعمال التراب وإِدخاله في غرفهم في حدود مقتضى الحاجة بارك الله فيكم. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف 1183-88 في 11-5-1388 هـ)
(361- س: هل يضرب بيديه الأَرض ولو لم يكن فيها تراب)
جـ: - ما سمعته، مع أَنهم ذكروا أَشياء شبه هذا من إِمرار الموسى على رأْس من لا شعر له وعلى من ولد مختونًا، فالظاهر أَنهم لو قالوه لانتقد كغيره. والضرب على الأَرض مقصود به أَن يأْخذ التراب فيمره على الأَعضاء كما يمر الماء. ... (تقرير)
(362- قوله: اذا عدم الماء والتراب صلى الفرض فقط)
لأَنه محدث ولا يصلي نوافل. هذا مرادهم.. والظاهر أَن هذا مرجوح إِختيار الشيخ خلاف هذا. (1) ... (تقرير)
(363- قوله: ولا يقرأ في الصلاة أَكثر مما يجزيه)
وهذا الراجح فيه أَن لا منع، وهذا وجد في حقه التيسير فاستوى في حقه هذا وهذا. ... (تقرير)
_________
(1) قال في الاختيارات ص 21: من عدم الماء والتراب يتوجه أن يفعل ما يشاء من صلاة فرض أو نفل أو زيادة قراءة على ما يجزي.(2/87)
(364- قوله: ولا يزيد في الطمأنينة)
لكن عرفنا الراجح في هذا - والله أَعلم - أَنه يصلي النوافل، ويأْتي في الفرائض بهذه. ومما يدل عليه أَنهم لما صلوا بدون تيمم ولا ماء لم يمتنعوا من هذه الأمور، ولو كان شيء من ذلك لنقل، فعدم النقل يدل على عدم الفعل، قياسًا للعاجز عن الماء والتراب على الحالة المشار إليها، فإِنهم صلوا بلا وضوء ولا تيمم. التيمم لم يُشرع بعد. والذي لم يجد هذا ولا هذا قد اتقى الله ما استطاع. ... (تقرير)
(365- قوله: بتراب طهور له غبار)
هذا على هذا القول ومرجح عندهم. والقول الآخر وهو أَرجح الأَقوال إِجزاء التيمم بأَي جزء من أَجزاء الأَرض بالسبخة والأَرض المجصة والرمال. ويجاب عن الصعيد بأَن له مسمى آخر فيمتنع أَن يكون المراد به معنى واحدًا، وبسط ابن القيم في البدائع على ((وَجُعِلَت تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُوْرَا)) (1) . وقرر في الهدى موافقته لشيخه (2) . ثم الإِنسان مهما أمكنه ما ليس فيه مشكل فلا يعدل عنه، فإِن كان عنده أَرض فيها رمل وتراب أَو مجصة وتراب ونحو
_________
(1) انظر جزء 3 من 251 على قوله: وترابها طهور. أن ذلك خاص بالتربة.
(2) قال في ((الهدي)) ص 103 ما نصه: وكذلك كان يتيمم بالأرض التي يصلي عليها ترابا كانت أو سبخة أو رملا، وصح عنه أنه قال: ((حيث ما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره)) . وهذا نص صريح في أن من أدركته الصلاة في الرمل فالرمل له طهور، ولما سافر هو وأصحابه في غزوة تبوك فقطعوا تلك الرمال في طريقهم وماؤهم في غاية القلة ولم يرو عنه أنه حمل معه التراب ولا أمر به ولا فعله أحد من أصحابه مع القطع بأن في المفارز الرمال أكثر من التراب وكذلك أرض الحجاز وغيره، ومن تدبر هذا قطع بانه كان يتيمم بالرمال والله أعلم وهذا قول الجمهور.(2/88)
ذلك فيعدل. أَما إِذا لم يكن عنده إِلا رمل فلا يركب سيارته ولا مطيته ليحصل على التراب، فإِن هذا لا يجامع اليسر في مسأَلة التيمم. ... (تقرير)
(366- س: الأرض التي ضربها المطر فصارت طينا)
جـ: - سئلنا عنها وقلنا يعمدون إِلى التجفيف مقدارًا للتيمم والمسأَلة تحتاج إِلى زيادة بحث، وقد وقع علينا ولا وجدنا إِلا طينًا وصلينا على حسب حالنا، وكان في النفس شيء، ولما وصلنا إِلى الغدران توضأْنا وصلينا احتياطًا. ... (تقرير)
(367- س: التراب المستعمل)
جـ: - تقدم لك في الماء المستعمل أَن الراجح الحكم عليه بالطهورية فهذا كذلك فيصح التيمم به، مع أَن هذه المسأَلة نادر أَن يجتمع ما بين الممسوحين تراب. وإِذا كثر الغبار على اليدين فمشروع أَن ينفخه. ... (تقرير)
(368- وأَما ما ليس من أَجزاء الأَرض ذاتًا كدقيق الحنطة فهذا لا يجزي، اللهم إِلا إِذا كان النصف وكان مختلطًا فمما يظهر أَنه يكون مقدار يكفي، وإِذا اختلط صار الحكم للتراب وإِن خالطه ذاك، والأَحسن العدول عن هذا إِلى غيره. ... (تقرير)
(368- التيمم آخر الوقت)
إِختيار الشيخ أَن التيمم آخر الوقت لراجي الماء ليس بأَولى (1) وهو الأَظهر، فإِنه إِذا أَخر فات اليسر على التمام، مع ما هو متعرض
_________
(1) قال في الانصاف جـ 1 ص 300 وقيل التأخير أفضل ان علم وجوده فقط واختاره الشيخ تقي الدين.(2/89)
له من أُمور قد يرجح بها أَن يصلي في الحال. وإِن كان غير آثم فقد يمرض أَو يموت. ... (تقرير)
(باب إزالة النجاسة)
(369- قوله ما لم يعجز)
العجز عن إِزالة لون النجاسة وريحها. المراد العجز الشرعية لا اللغوي - والله أَعلم - فإِن الاستطاعة والعجز مدلول كل منهما شرعًا ولغة مختلف. فمثلا في مسأَلتنا يعجز عنه فيؤتي بالمجارف؟
لكن العجز في الشرع يحصل دون هذا، فإِن الشرع ليس إِلى مثل هذه الغاية، وإِن كان في الثوب يغسل يبقى لونه مثل البنزين وشبهه إِذا خالط نجاسة فتنجس بها محل. ... (تقرير)
(370- جمع بين روايتين)
((أَن يَغسِلَهُ سَبْعَ مَرَّات أَوْلاَهُنَّ بالتُّرَاب)) ، ((وَعَفِّرُوْهُ الثَّامِنَةَ بالتُّرَب)) يجمع بينهما أَنها ثامنة باعتبار التراب وحده مجردًا عن الماء وسبع ماء. فالتراب شيء آخر إِذا اعتبر بانفراده صار ثامنة ((وأَوْلاَهُنَّ)) تجمع مع ((إِحدَاهُنَّ)) بأَنها أَولى من غيرها. ولو كان في غير الأولى أَجزأَ لقوله ((إِحدَاهُنَّ)) مع أَن رواية ((أَوْلاَهُنَّ)) و ((إحدَاهُنَّ)) شك في هذا اللفظ. ... (تقرير)
(371- قوله: وفي نجاسة غير الكلب والخنزير سبع بلا تراب)
هذا قول. والقول الثاني وهو رواية عن أَحمد أَنه لا يحد بل لابد من غسل تزول معه النجاسة قد يكون مرة أَو مرتين إِلى عشر، فإِن بعض النجاسات يكون له لصوق. وهذا القول أَرجح، لأَن(2/90)
الأَحاديث التي في هذا أَصح ما فيها حديث أَسماء ولم يذكر فيه عدد (1) والحديث الذي ذكره ليس واضحًا (2) . وأَما حديث السبع فلا يثبت سنده فلا تقوم به حجة. ثم هو منسوخ فإِن هذا قطعة من حديث ((الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَة سَبْعٌ وَالوُضُوءُ سَبْعٌ)) وفيه التصريح بأَنها ردت إِلى واحدة (3) .
وبهذا يعرف أَن السبع مختصة بنجاسة الكلب - ولوغه وغيره - فبوله وعذرته أَنجس من ريقه.
فالنجاسة من غير الكلب ونحوه الصحيح فيها أَنها لا تتعين بعدد معلوم وإِن كان فيها رواية عن أَحمد أَنها تغسل ثلاثًا استدلالاً بحديث أَبي هريرة في غسل اليدين من النوم وهو حديث صحيح لكن ليس بصريح.
فعلى الصحيح أَنه يعمل ما يحصل المقصود من الطهارة فمنه ما يطهر بالنضح والرش كما في الأَحاديث بالقيود المذكورة، وكذلك نجاسة المذي فإِنها مخففة، وفيه ما يحتاج إِلى سبع وتراب كالكلب، ونحوه بالقياس عليه. ومنه ما يحتاج إِلى ذلك وعصر ولا يتعين عدد بل هو بحسب الحال والنجاسة وهو الصحيح في المسأَلة. ... (تقرير)
(372- ظاهر الخفين والقدمين)
((إِذَا وَطِيءَ أَحَدُكُمْ الأَذَى بخُفَّيْهِ فَطُهُوْرُهَمَا التُّرَابُ)) عندهم
_________
(1) بل قال ((تحته ثم تقرصه بالما ثم تنضحه ثم تصلي فيه)) .
(2) وهو حديث أبي هريرة كما يأتي.
(3) فعن ابن عمر قال ((كانت الصلوات خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرات، وغسل البول من الثوب سبع مرات، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمسًا، وغسل الجنابة مرة وغسل الثوب من البول مرة)) أخرجه أبو داود.(2/91)
أَنه مختص بأَسفله، والظاهر أن ظاهره كذلك فإِن الأَذى قد يصيبه، وأَيضًا في غسلهما حرج فيعمم الحكم لهذا.
ولابد أَن لا يبقى شيء فلابد من زوال العين فلا يكفي أَن يلبدها بمسحه التراب. وما لا يغسله إِلا الماء هو المعفو عنه.
وعند الشيخ أَن القدمين كالخفين (1) ((أَلاَّ نَغسِلَ مِن مَوْطِيء)) (2) والقول الآخر إِنها محل للغسل وهو المفتى به وأَحوط. ... (تقرير عمدة)
(373- س: ذيل المرأة)
جـ: - كالنعلين إِذا مر على نجاسة ثم على ناشف طاهر فإِنه يطهرها قول قوي. ... (تقرير)
(374- طهار الصقيل بالمسح)
ومن دليل إِصابة الصقيل بالنجاسة وأَنه يطهر بالمسح وهو الصحيح ما علم من سيوف الصحابة وأَنها من دماء الكفار ملطخة. (3) ... (تقرير)
(375- الاستحالة)
إِختيار الشيخ ومذهب أَبي حنيفة أَن الاستحالة تطهر المتنجس، وهذا هو الصحيح إِذا استحال بنفسه لا عن معالجة. وأَدلة هذا القول واضحة، من ذلك الآدمي عند الجماهير طاهر البدن فإِنه استحال عن العلقة وهي دم إِلى المضغة. ... (تقرير)
_________
(1) قال في الانصاف جـ 1 ص 325 ودخل في مفهوم كلامه الرجل اذا تنجست لا يجزء دلكها بالأرض وهو الصحيح من المذهب وعليه الجمهور. وقيل هي كالخف والحذاء قاله الشيخ تقي الدين واختاره.
(2) والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه ((كنا لا نتوضأ من موطىء ولا نكف شعرا ولا ثوبا)) .
(3) قال في الاختبارات ص 23: وتطهر الأجسام الصقيلة كالسيف والمرآة ونحوهما إِذا تنجست بالمسح وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، ونقل عن أحمد مثله في السكين من دم الذبيحة. فمن أصحابه من خصصه بمشقة الغسل مع التكرار ومنهم من عده كقولهما.(2/92)
(376- الخمر والتنباك والكلونيا)
الجمهور على أَن الخمر نجس (1) وبعض من ينتسب إِلى الحديث يقولون يحتاج التنجيس إِلى دليل. ... (تقرير)
(377- س: التنباك نجس العين)
جـ: - من الممكن. الذي يظهر على أَصل التحريم أَن كل محرم نجس.
والشيخ صرح بتحريم الحشيشة وهي تؤكل ويقول هي بمنزلة الغائط، وهي ترجع إِلى نبات أَو من أَشياء عديدة تعجن شبيه بالتنباك. إِلا أَن المحرمات بعضها أَشد تحريمًا من بعض. ... (تقرير)
(378- س: هل يصلى به)
جـ: - يصير حامل نجاسة على هذا الأَصل الذي ذكره الأَصحاب. ... (تقرير الأَطعمة)
(379- التطيب بالكلونيا)
وأَما ((المسأَلة الثانية)) وهي التطيب بالكلونيا إِذا ثبت إِدخال السبيرتو عليها فمشهور إِسكاره وأَنه خمر، ومشهور أَيضًا إِسكار بعض أَنواع الكلونيا. فإِذا كان ما تسأَل عنه من الكلونيا هي المشهورة بالإِسكار فإِنه لا يحل التطيب بها، ولا بيعها وشراؤها، ولا حملها في الصلاة لنجاستها.
(ص-ف-59 في 24-1-1377 هـ)
(380- س: اذا جعل الكلونيا على الجرح لايقاف الدم)
جـ: - هذا الشيء الظاهري قد يكون أَخف من شربه، فإِنه فرق
_________
(1) انظر سبل السلام جـ 1 ص 35.(2/93)
بين المختلط بالأَعصاب والحواس والقلب وبين هذا، فإِن الظاهر يغسل ويطهر بذلك. ... (تقرير)
(381- س: اذا غسل به هل هو من قوته يطير (1) ويدخل في الاستحاله)
جـ: - لا يجزم بأَن طيرانه استحالة. الغسل أَولى. الدكاتر يقولون ما في الكلونيا من الطيب إِلا قطرات عديدة، وهو يسكر. ... (تقرير)
(382- هذه الأَشياء اذا تنجست)
1- باطن حَبِّ تشرب النجاسة.
الظاهر على أَصل الشيخ: أَنه يطهر بالغسل.
2- إِناءٌ تشرَّب النجاسة.
والظاهر على أَصل الشيخ أَن ذلك يطهر إِذا عمل في ظاهره الغسل وما كان في باطنه لا يضر إِن قدر فيه شيء.
3- سكين سقيتها.
وعلى أَصل الشيخ أَنها تطهر. ... (تقرير)
(383- قوله: أو تنجس دهن مائع لم يطهر)
والقول الآخر الراجح وهو اختيار الشيخ (2) أَنه لا ينجس، بل تلقى وما حولها جامدًا أَو مائعًا، لعموم حديث ميمونة الثابت. ورواية ((مَائِعٌ)) فيها وهْم وإِعلال. ... (تقرير عام 78 هـ)
(384- قوله: ويطهر بول غلام لم يأكل الطعام بنضحه)
أَي غذاؤه باللبن سواء لبن آدمية أَو بهيمة، وليس امتصاصه
_________
(1) يتبخر.
(2) انظر مجموع الفتاوي (جـ 21 ص 488- 512، 524- 531) .(2/94)
ما يوضع في فمه وابتلاعه أَكلا. وكذلك إِذا كان يبغي الطعام لكن منعه فلا يؤثر فليس بنجس. وكذلك إِذا أَكل من دون شهوة. فالذي يطلق عليه أَنه يأْكل الطعام هو الذي يريد الطعام ويتناوله أَو يشرئب أَو يصيح أَو يشير إِليه.
والشوربة التي يجعلونها غذاء هي طعام كسائر الأَطعمة - والله أَعلم. ولو أَكل ثم حرم فلا يؤثر فيكون نجسًا ولا ينتقل الحكم. ثم الذي لا يأْكل الطعام بوله نجس على الصحيح ولكن نجاسته خفيفة يكتفى في تطهيرها بالرش والنضح، يسر في تطهيرها لأَنه يحمل ويباشر ويلابس. وكأَن أَولى التعليلات في بول الغلام والجارية هو الانتشار وعدمه. ... (تقرير)
(385- يسير الدم)
اليسير ما لا يفحش في نفس كل أَحد بحسبه. وفيه قول آخر هو أَن العبرة في ذلك بأَوساط الناس، وهذا قول قوي. ... (تقرير)
(386- المغير الذي يصير في لبن الدواب)
المشهور أَنه نجس. وبعضهم طهره. وبعض فرق بين اليسير والكثير، ولعل هذا أَولى إِذا صار خطوطًا لأَنها تعم البلوى به بخلاف الكثير الذي تعلون الحمرة الكثيرة وليس دمًا خالصًا فهذا نجس. (1)
ثم هل يغذي طفلها عليها؟
بعض المفاتي الأَولين يمنعون منه والمتأَخرين يجوزونه، وكأَن الأَول أَولى. (2) ... (تقرير)
_________
(1) قلت: وانظر الفتاوي فيه في الدرر السنية (جزء 4 ص 94) .
(2) قلت: مسأَلة شرب الدم أو حقنه تأتي في الطب في الجنائز وكذلك نقل العين والقرنية هناك.(2/95)
(387- قوله: ويعفى عن أثر استجمار بمحله)
والقول الثاني أَنه يصير طاهرًا كما جاء في الخفين ((فَطُهُوْرُهُمَا التُّرَابُ)) وإِنما تظهر فائدة الخلاف إِذا أَصاب المحل ماء ثم أَصاب ثوبًا أَو نحوه هل يكون نجسًا أَو طاهرًا. وربما يعاد فيه البحث. ... (تقرير)
(388- نثرة الحمار والبغل وعرقهما)
القول الآخر في العرق والنثرة العفو عنهما. وهذا القول بناء على القول بتنجيس الحمار والبغل أَقرب من إِلحاقه بأَصله. وهذا أَولى إِن شاء الله قياسًا على الهرة في كثرة طوفانها وملابستها. أَو يقال إِنها طاهرة في الحياة ولا ينجس منها إِلا البول والروث والدم، وهذا القول هو الأَليق بالشريعة المحمدية شريعة اليسر والبعد عن الحرج والمشقة.
والجواب عن قوله في لحوم الحمر ((إِنَّهَا رجْسٌ)) (1) أَن الضمير عائد على اللحوم ولا يلزم من تنجيس اللحوم تنجيس الحمر. ... (تقرير)
(باب الحيض)
(389- الحيض بعد الخمسين)
الصحيح أَن الحيض لا يحد بخمسين؛ بل متى استمر الدم بوقته وصفته وترتيبه فهو حيض. أَما إِذا اضطرب بعد هذا السن فلا يعتبر حيضًا بل يعتبر في حكم دم الفساد.
وقول عائشة (2) خبر عن الغالب أَو نحو هذا محافظة على
_________
(1) كما في حديث أنس المتفق عليه.
(2) اذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض ذكره أحمد.(2/96)
الأصول الشرعية؛ وذلك أَن الأَصل في الدماء الاعتبار ما لم يجىء دليل يخرجها عن الدماء الطبيعية، وهذا اختيار الشيخ من المفتين وهو المفتى به. (1) ... (تقرير)
(390- ومع الحمل)
والحبلى وما يصيبها في حال حبلها. المعروف والصحيح أَنه إِذا كان بوقته وصفته فإِنه حيض.
أَما الأَشياء التي تضطرب فهي تلحق بدم الفساد؛ فإِن الحبلى يعتريها شيء من الدم غير الحيض وهو ما يصيب الجنين مما تهراق معه شيء من الدماء وهذا هو الصحيح الذي يفتى به المحققون. ... (تقرير)
(391- قوله: وأقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر)
لكن الراجح أَنه لا حد لأَقله، ولا لأَكثره؛ لأَنه لم يقم برهان يتعين التسليم له في المسأَلتين، وهو اختيار الشيخ تقي الدين رحمه الله. ... (تقرير)
(392- الطواف والسعي هل يمنعهما)
الفتوى والمعروف من كلام أَهل العلم أَنه لا يمنع السعي بمجرده فإِن الطهارة فيه ندب. وأَما الطواف فالمشهور أَنه شرط (2) . ... (تقرير)
_________
(1) قال الشيخ: الأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة. وقال: الحامل اذا رأت الدم على الوجه المعروف لها فهو حيض. وقال أيضًا: لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره (جـ 19 ص 237، 241) .
(2) قلت: ويأتي في الحج.(2/97)
(393- وطىء الحائض حرام وعليه دينار أو نصفه)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم صالح بن محمد الشهري ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إِلينا كتابك الذي تستفتي به عن حكم وطىء الرجل زوجته وهي حائض.
والجواب: الحمد لله. وطء الرجل امرأَته وهي حائض حرام بنص الكتاب والسنة قال الله تعالى: (*) (1) والمراد المنع من وطئها في المحيض وهو موضع الحيض وهو الفرج. فإذا تجرأ ووطئها فعليه التوبة وأَن لا يعود لمثلها، وعليه الكفارة وهي دينار أَو نصف دينار على التخيير لحديث ابن عباس مرفوعًا ((فِيْ الَّذِيْ يَأْتِيْ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ يَتَصَدَّقٌ بدِيْنَار أَوْ نِصفِ دِيْنَار)) رواه أَحمد وأَبو داود والترمذي. والنسائي. والمراد بالدينار مثقال من الذهب، فإن لم يجده فيكفي قيمته من الفضة. والله أعلم.
مفتي البلاد السعودية
(ص-ف-2475-1 في 8-9-1385 هـ)
(394- وزن الدينار بالجنيه السعودي)
((المسأَلة الرابعة)) : عن مقدار وزن الدينار الواجب في بعض الكفارات.
الجواب: الدينار هو السكة من الذهب، ووزنه مثقال ذهب
_________
(1) سورة البقرة 222.(2/98)
وهو بمقدار أَربعة أَسباع الجنيه السعودي وما وازنه، لأَن الجنيه المذكور ديناران إِلا ربع. والله أَعلم.
مفتي البلاد السعودية
(ص-ف-2135 في 6-3-1385 هـ)
(395- قوله: والمبتدأة تجلس أقله.. الخ)
ثم نعرف أَن ما ذكره في حكم المبتدأَة أَنها تصنع ما ذكر أَنه لم يقم عليه برهان. فالصحيح والذي لا يمكن للنساء العمل بسواه أَن المبتدأَة إِذا جاءها الدم في زمن يمكن أَن يكون زمن حيض فإِنها تجلس إِلى أَن ينقطع، فهو حيض كله ولا يحتاج أَن تنتظر إِلى أَن يتكرر. النساء لا يعملن الآن ولا قبل الآن إِلا عليه، وهو الصواب واختيار الشيخ. وهذا هو الصحيح في المسأَلة. أَما كلام الأَصحاب فهو الذي عرفت.
ثم عبورها خمسة عشر. الصحيح أَنه لم يقم حجة يجب التسليم لها، فلو رأَته لستة عشر أَو سبعة عشر أَو ثمانية عشر فتجلسه. وقال الشيخ: تجلس ما تراه ما لم يكن استحاضة. والاستحاضة لا تخفى.
الاستحاضة: هي الاستمرار الكثير إِما مطلقًا أو غالب الزمن مثلا. هذا معنى كلامه. وأَعرفْ لك أَصلا هنا وهو أَن الله أَطلق الحيض ولا ذكر حدًا ولا زمنًا ولا فَصَّلَ مبتدأَه ولا غير مبتدأَه وكذلك السنة ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم أَن المبتدأَة تعمل كذا أَو تعمل كذا. فالأَصل في الدماء الخارجة من فرج المرأَة أَنها حيض. نعم يتصور أَنها مستحاضة فهذه لها حكم خاص ويفرق فيها بحسب العادة وبحسب التمييز، ولا يسع النساء(2/99)
العمل إِلا بهذا، وحتى لو يريد شخص أَن يعالج النساء ويعملن هذه الأَعمال ما استطعن ولا عملن بقوله. وهذا وإِن لم يكن حجة لكنه يوضح أَن ما ذكر هنا فيه من الحرج ما فيه.
(396- قوله: ولا يثبت بدون ثلاث)
وعن أَحمد رواية أُخرى وفاقًا لبعض المذاهب أَنها تصير إِليه من غير تكرار، واختاره الشيخ والموفق. متى رأَت الدم جلست إِلى أَن ينقطع يوم وليلة أَو عشر أَو خمسة عشر أَو دون أَو أَكثر، وفي المرة الثانية كذلك مدة الدم كله، والثالثة كذلك، وهذا هو الذي يسع النساء، وهو الموافق للأصول الشرعية، فإِن الشريعة تقتضي أَنها تعمل بالأَصل إِلى أَن يخرج عن الأَصل - وهي المستحاضة - فعرفنا الحكم الشرعي الصحيح الذي عليه العمل والذي لا ينبغي أَن يفتى بخلافه. ... (تقرير)
(397- غسل المستحاضة)
((الرابع)) هل يكفي المستحاضة غسل الفرج وتعصيبه والوضوء للصلاة، أَم الاغتسال لكل صلاة كغسل الجنابة؟
والجواب: يجب على المستحاضة أَن تغتسل غسلا واحدًا بعد انتهاء مدة حيضها ولا يجب عليها الاغتسال بعد ذلك. حتى يأْتي وقت (1) وعليها أَن تتوضأ لكل صلاة.
والأَصل في ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((جَاءَت فَاطِمَةُ بنتُ أَبيْ حُبَيْش إِلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَت يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنِّيْ امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطهَرُ،
_________
(1) كذا بالأصل. وفيه تقديم وتأخير. وسبق الجواب: وعليها أن تتوضأ لكل صلاة حتى يأتي وقت التي بعدها. كما في لفظ الحديث.(2/100)
أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بحَيْض فَإِذَا أَقْبَلَت حَيْضَتُك فَدَعِيْ الصَّلاَةَ وَإِذَا أَدْبَرَت فَاغسِلِيْ عَنكِ الدَّمَ ثُمَّ تَوَضَئِيْ لِكُلِّ صَلاَة حَتَّى يَجيء ذَلِكَ الْوَقتُ)) . وما ثبت فيهما أَيضًا عن عائشة رضي الله عنها ((أَنَّ أُمّ حَبيبَة اسْتُحِيْضَت سَبْعَ سِنِيْنَ فَسَأَلَت رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ذَلِكَ فَأَمَرَهَا أَن تَغتَسِلَ فَقَالَ هَذَا عِرْقٌ فَكَانَت تَغتَسِلُ لِكُلِّ صَلاَة)) .
وجهة الدلالة من هذين الحديثين أَن حديث أُم حبيبة مطلق، وحديث فاطمة مقيد، فيحمل المطلق على المقيد، فتغتسل عند إِدبار حيضتها، وتتوضأ لكل صلاة، فيبقى اغتسالها لكل صلاة على الأصل وهو عدم وجوبه، ولو كان واجبًا لبينه صلى الله عليه وسلم وهذا محل البيان ولا يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم تأْخير البيان عن وقت الحاجة بإِجماع العلماء. قال النووي في ((شرح مسلم)) بعد هذين الحديثين: واعلم أَنه لا يجب على المستحاضة الغسل لشيء من الصلوات ولا في وقت من الأَوقات إِلا مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها، وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف، وهو مروي عن علي وابن مسعود وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، وهو قول عروة بن الزبير وأَبي سلمة بن عبد الرحمن ومالك وأَبي حنيفة وأَحمد. انتهى المقصود منه.
(ص-ف-3626-1 في 21-11-88 هـ)
(398- وطىء المستحاضة)
على القول الثاني ليس ممنوعًا منها زوجها بل يأْتيها ولو لم يخف العنت، بل مكروه فقط، وكان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم(2/101)
مستحاضات يغشاهن أَزواجهن فهو حجة وأَنه يباح مع الكراهة. والقول بعدم التحريم أَرجح، والاجتناب مهما أَمكن أَولى. ... (تقرير)
(399- مدة النفاس)
(الثاني) : كم المدة التي تبقى فيها النفساء ما تصلي؟
وما الذيث يجوز للرجل منها وقت النفاس؟
والجواب: النفساء لها أَحوال:
الأولى: أَن ينقطع عنها الدم قبل تمام الأَربعين ولا يعود بعد ذلك. فمتى انقطع الدم عنها فإِنها تغتسل وتصوم وتصلي.
الثانية: أَن ينقطع عنها قبل تمام الأَربعين ثم يعود قبل بلوغ الأَربعين. ففي هذه الحال إِذا انقطع عنها فتغتسل وتصوم وتصلي، وإِذا عاودها فهو نفاس تجلسه فلا تصوم ولا تصلي وتقضي الصوم دون الصلاة.
الثالثة: أَن يستمر معها إِلى تمام الأَربعين فتجلس جميع هذه المدة ما تصوم ولا تصلي، وإِذا انقطع تطهرت وصامت وصلت.
الرابعة: أَن يجوز الأَربعين. وهذا يأْتي على صورتين: (الأولى) أَن يصادف عادة حيضها. و (الثانية) أَن لا يصادف عادة حيضها. فإِن صادف العادة جلست عادة حيضها. وإِذا لم يصادف عادة حيضها فإِنها تغتسل بعد تمام الأَربعين وتصوم وتصلي، فإِن تكرر ثلاث مرات صار عادة لها وانتقلت إِليه، وتقضي الصوم الذي صامته فيه ولا تقضي الصلاة. وإِن لم يتكرر فلا حكم له أَي يكوم دم استحاضة.(2/102)
(الثاني) : ما الذي يجوز للرجل منها وقت النفاس؟
والجواب: الذي يجوز له منها الاستمتاع بما دون الفرج لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كَان رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنِيْ فَأَتَزَّرَ فَيُبَاشِرُنِيْ وَأَنَا حَائِضٌ)) والمقصود بالمباشرة هنا دون الفرج. ويكره وطؤها قبل الأَربعين بعد انقطاع الدم والتطهير. قال أَحمد: ما يعجبني أَن يأْتيها زوجها، أَحاديث عثمان بن أَبي العاص أَنها أَتته قبل الأَربعين فقال لا تقربيني. ولأَنه لا يؤمن عود الدم في زمن الوطىء.
(ص-ف-1146 في 20-5-88 هـ)
(400- والرجح في الدليل في النفاس)
أَنه ما دام مستمرًا معها فلا تغتسل حتى ينقطع ولو استمر بعد الأَربعين متصلا بدم النفاس، ولا فيه دليل يدل على التفريق إِنما فيه ((كَانَتِ النَّفَسَاءُ)) إِلخ (1) وسنده ضعيف. ... (تقرير)
_________
(1) رواه الخمسة الا النسائي واللفظ لأبي داود.(2/103)
كتاب الصلاة
(401- الحث على الاهتمام بالصلاة في المدارس)
إذا أدركتهم فيها
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة معالي وزير المعارف ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
بالإِشارة إِلى خطاب فضيلة رئيس محكمةُ الباحة المرفق - رقم 4731 تاريخ 11-10-1385 هـ المعطوف على خطاب المرشد الديني بجهتهم، المتضمن أَن جميع مدارس تلك المنطقة لا تقام فيها صلاة الظهر جماعة ... الخ.
وتعلمون بارك الله فيكم أَن هذا الركن العظيم هو آكد الأَركان الإِسلامية بعد الشهادتين وأَعظمها قدرًا. لأَنها عماد الدين وعلامة المؤمنين، وجاء في الحديث ((الْعَهدُ الَّذِيْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاةُ فَمَن تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)) رواه الخمسة وصححه النسائي والصراف ورواه ابن حبان والحاكم.
وكان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب يكتب إِلى عماله: إِن أَهم أَمركم عندي الصلاة من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أَضيع.
فالواجب عليكم الاهتمام بما ذكر. والتنبيه والتأْكيد على المسئولين عن المدارس والمعاهد بوجوب أَداء الصلاة جماعة في مدرستهم ما دامت تدركهم ولم ينتهوا بعد من دراستهم وغيرها.
ونسأَل الله لنا ولكم التوفيق والسداد. والسلام عليكم.
مفتي البلاد السعودية
(ص-ف-3241-1 في 22-11-1385 هـ)(2/105)
(402- س: الصلاة رياضة)
جـ: - هي عبادة شرعية، وفيها رياضة، كما في الحديث: ((أَيُوْجعُك بَطنُك عليْك بالصَّلاةِ)) (1) فإِن في الصلاة من الحركة ما يسبب حركة البطن. ... (تقرير)
(403- قوله: فان بلغ في أثنائها أو بعدها في وقتها أَعاد)
والقول الثاني: أَنه لا تلزمه الإِعادة، فإِنه صلى ظهر ذلك اليوم بشروطها فأَجزأَت، وهذا هو الصحيح المرجح. ... (تقرير)
(404- س: المدعى للاسلام وهو لا يصلي أبدًا)
جـ: - هذا مرتد، وبيان أَحكام المرتد في بابه أَنه لا يرث ولا يورث. ... (تقرير)
(405- اذا ترك الصلاة تهاونًا وكسلاً إلى أَن خرج وقتها فهل يقضيها، واذا ضاق وقت الثانية عنها
وجواب ((المسأَلة الثالثة)) : إِذا ترك الرجل صلاة واحدة متعمدًا تهاونًا وكسلا إِلى أَن خرج وقتها الضروري فإِن الواجب عليه قضاؤها عند جمهور العلماء. وفيه قول له حظ من القوة أَنه لا يمكنه تلافي ما مضى من معصيته؛ لأَن الأَمر أَعظم وأَكبر من ذلك، ويستدل أَهل هذا القول بحديث ((من أَفطرَ يَوْمًا مِن رَمَضان مُتَعَمِّدًا لمْ يُجْزِهِ صوْمُ الدَّهر وَإِن صامَهُ)) (2) وغير ذلك مما يستدلون به.
_________
(1) عن أبي هريرة قال: هجر النبي صلى الله عليه وسلم فهجرت ثم جلست، فالتفت إلي صلى الله عليه وسلم فقال: اشكنب درد؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: قم فصل، فإن في الصلاة شفاء.
(2) أخرجه الترمذي بمعناه.(2/106)
أَما من تركها إِلى أَن تضايق وقت الثانية عنها فإِن ذلك كفر ناقل عن الملة، وهو قول المحققين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((الْعَهدُ الَّذِيْ بَيْننا وَبَيْنهُمُ الصَّلاةُ فمَن ترَكها فقدْ كفرَ)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((بَيْن الْعَبْدِ وَبَيْن الْكُفر ترْكُ الصَّلاةِ)) .
وإِذا كان هذا حكم من ترك صلاة واحدة فما الظن بمن ترك الصلاة عدة سنين. وحينئذ فلا يقضي هذا الرجل ما مضى من صلاته، لكن عليه أَن يتوب إِلى الله ويجدد إِسلامه بأَن يشهد أَن لا إِله إِلا الله وأَن محمدًا عبده ورسوله ويستقبل دينه بالمواظبة على فرائض الإسلام من إِقام الصلاة وإِيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج وغير ذلك من فرائض الإِسلام.
(ص-ف-608 في 17-8-1376 هـ)
(406- كلام العلماء في حكم تارك الصلاة تهاونًا وكسلا)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة الأَخ المكرم إبراهيم بن عبد الله بن عيدان ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصلني كتابك الذي تستفتي به عن الرجل الذي وعظ في أَحد المساجد وقال: من ترك الصلاة تهاونًا وكسلا يقتل. وتسأَل عن كلام العلماء في ذلك؟
فالجواب: الحمد لله. ذهب إِمامنا أَحمد بن حنبل والشافعي في أَحد قوليه وإِسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك والنخعي والحكم وأَيوب السختياني وأَبو داود الطيالسي وغيرهم من كبار(2/107)
الأَئمة والتابعين إِلى أَن تاركها كافر. وحكاه إِسحق بن راهويه إِجماعًا ذكره عنه الشيخ أَحمد بن حجر الهيثمي في شرح الأَربعين وذكره في كتاب الزواجر عن إِقتراف الكبائر عن جمهور الصحابة. وقال الإِمام أَبو محمد بن حزم: سائر الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من التابعين يكفرون تارك الصلاة مطلقًا، ويحكمون عليه بالارتداد منهم أَبو بكر وعمر وابنه عبد الله وعبد الله بن مسعود وابن عباس ومعاذ وجابر وعبد الرحمن بن عوف وأَبو الدرداء وأَبو هريرة وغيرهم من الصحابة ولا نعلم لهم مخالفًا من الصحابة واحتجوا على كفر تاركها بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بَيْن الرَّجل وَبَيْن الشِّرْكِ وَالكُفر ترْكُ الصَّلاةِ)) وعن بريدة بن الحصيب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الْعَهدُ الَّذِيْ بَيْننا وَبَيْنهُمْ الصَّلاةُ فمَن ترَكها فقدْ كفرَ)) رواه الإِمام أَحمد وأَهل السنن. وعن عبادة بن الصامت قال: ((أَوْصانِيْ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لاَ تُشرك باللهِ شَيْئًا وَلاَ تَترك الصَّلاَةَ عَمَدًا فَمَن تَرَكَهَا عَمْدًا فَقَدْ خَرَجَ مِن الْمِلَّةِ)) رواه ابن أَبي حاتم. وعن معاذ مرفوعًا ((مَن تَرَكَ صَلاَةً مَكتُوْبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرئَت مِنهُ ذِمَّةُ اللهِ)) وعن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: كان أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأَعمال تركه كفر غير الصلاة. رواه الترمذي.
فهذه الأَحاديث كما ترى صريحة في كفر تارك الصلاة مع ما تقدم من إِجماع الصحابة كما حكاه إِسحق بن راهويه وابن حزم وعبد الله بن شقيق وهو مذهب جمهور العلماء والتابعين ومن بعدهم.(2/108)
ثم أَن العلماء كلهم مجمعون على قتل تارك الصلاة كلا إِلا أَبا حنيفة ومحمد بن شهاب الزهري ودود فإِنهم قالوا يحبس حتى يموت أَو يتوب، وذكر فقهاؤنا الحنابلة أَن من جحد وجوبها كفر ولو فعلها، وإِن تركها تهاونًا وكسلاً مع اعترافه بوجوبها فعلى الإِمام أَو نائبه أَن يدعوه إِلى فعلها لاحتمال أَن يكون تركه لها لعذر يعتقد سقوطها به كالمرض ونحوه فيهدده فإِن أَبى أَن يصليها حتى تضايق وقت الصلاة التي بعدها قتله لقول الله تعالى: (*) - إلى قوله - (*) فمن ترك الصلاة لم يأْت بشرط التخلية فيبقى على إِباحة القتل. والله أَعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(ص-ف-805 في 4-9-1378 هـ)
(407- السكن مع زملاء يتساهلون بالصلاة)
وأَما السكنى مع زملاء يتساهلون في شأْن الصلاة مهما أَمكن عدم السكنى معهم فلا يجوز، إِلا إِذا غلب على ظن الساكن أَنه بإِرشاده لهم ونصحه لهم يتركون ذلك ويواظبون على الصلاة، ففي هذه الحالة عليه إِرشادهم فإِن قبلوا وإِلا فلينتقل عنهم وليهجرهم. وقد سئل شيخ الإِسلام تقي الدين ابن تيمية عن غيبة تارك الصلاة فقال إِذا قيل عنه إِنه تارك للصلاة وكان تاركها فهذا جائز وينبغي أَن يشاع ذلك ويهجر حتى يصلي. نقله عن شيخ الإِسلام الإِمام ابن مفلح في الآداب الشرعية. والله ولي التوفيق.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-64 في 4-10-1390 هـ)(2/109)
(باب الأذان)
(408- الحكمة في شرعيته، واذا أراد الأذان ثانية لشهادة الجبال)
من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم روضان العبد الله الشايعي ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد جرى الإِطلاع على الاستفتاء الموجه إِلينا منك بخصوص ذكرك أَن جماعة خرجوا لرحلة استجمامية ثم أَذن أَحدهم لإِحدى الصلوات المكتوبة، ثم أَذن مؤذن ثان يقصد من أَذانه حسبما أَفاد في استفتائك أَن تشهد له الجبال والأَودية. وتسأَل هل يجوز له أَن يفعل هذا؟
ونفيدك أَن مشروعية الأَذان للإِعلام بدخول وقت الصلاة، ولدعوة المسلمين ممن يبلغهم إِلى الاجتماع لأَداء الصلاة جماعةت. أَما أَن يراد به غير ذلك مما لم يرد به نص كقول هذا المؤذن الثاني أُريد به أَن تشهد لي الجبال والأَودية فغير جائز، وهو داخل في معنى قوله صلى الله عليه وسلم ((مَن أَحْدَثَ فِيْ أَمْرنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنهُ فَهُوَ رَدّ)) (1) وبالله التوفيق، والسلام عليكم.
(ص-ف-2290-1 في 5-9-1389 هـ) مفتي البلاد السعودية
(409- الأذان والاقامة فرض كفاية. هل يجوز لعن قرية تركتهما.)
((السؤال الخامس)) : هل يجوز للقرية ترك الأَذان والإِقامة، وهل يجوز لعنها وساكنيها؟
_________
(1) متفق عليه.(2/110)
والجواب: الحمد لله. الأَذان والإِقامة فرض كفاية يقاتل أَهل بلد تركوهما؛ لأَنهما من شعائر الإِسلام الظاهرة. وعن أَبي الدرداء مرفوعًا ((مَا مِن ثَلاَثَة لاَ يُؤَذِّنُوْنَ وَلاَ تقَامُ فِيْهمُ الصَّلاَةُ إِلاَّ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهمُ الشَّيْطَانُ)) رواه أَحمد والطبراني. وأَما لعن القرية وساكنيها فلا يجوز لما تقدم. (1)
(ص-ف-22 في 7-1-1378 هـ)
(410- س: هل الأذان أَفضل أَو الامامة؟)
جـ: - الظاهر أَن الإِمامة أَفضل لحديث ((لَهُ أَجْرُهُ وَأَجْرُ مَن وَرَاءَهُ)) (2) . ... (تقرير)
(411- لا يجوز استبدال المؤذن باسطوانات مسجلة)
من محمد بن إبراهيم إِلى سعادة رئيس المكتب الخاص بالديوان الملكي ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فبالإِشارة إِلى خطابكم رقم 3052-3 وتاريخ 26-12-86 هـ المرفق به رسالة بن غوله العربي، نهج العربي ابن مهيدي من جليجل بالجزائر حول استبدال الأَذان الشرعي باسطوانات مسجلة، وما جاء بخطاب المذكور من استنكار لذلك.
_________
(1) وهو قوله في جواب السؤال الرابع: لا يجوز لعن المعين من العصاة ... لحديث ((لعن المؤمن كقتله)) . أما لعن العاصي غير المعين فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لعن والديه ولعن من آوى محدثا ولعن من غير منار الأرض ولعن غير هؤلاء. اهـ.
(2) قال في المغنى جـ 1 ص 392: والرواية الثانية الامامة أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم تولاها بنفسه وخلفاؤه من بعده ولا يختارون الا الأفضل. ولأن الامامة يختار لها من هو أكمل حالا وأفضل واعتبار فضيلته دليل على اعتبار فضيلة منزلته. اهـ.(2/111)
لقد تأَملنا ما ذكر. ووجدنا ما قاله هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه. وذلك لأَن الأَذان من أَفضل العبادات القولية ومن فروض الكفايات، ومن شعائر الإِسلام الظاهرة التي إِذا تركها أَهل بلد وجب قتالهم، وهو واجب للصلوات الخمس المكتوبة، وكان هو العلامة الفارقة بين بلاد المسلمين وبلاد الكفر، لأَن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذا أَراد الإِغارة على قوم انتظر حتى تحضر الصلاة فإِن سمع الأَذان كف عنهم وإِلا أَغار عليهم.
وللأذان شروط منها ((النية)) ولهذا لا يصح من النائم والسكران والمجنون لعدم وجود النية، والنية أَن ينوي المؤذن عند أَدائه الأَذان أَن هذا أَذان لهذه الصلاة الحاضرة التي دخل وقتها. ومن أَين للأُسطوانات أَن تؤدي هذه المعاني السامية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَليُؤَذِّنَ لَكُمْ أَحَدُكُمْ)) متفق عليه. فهل الأُسطوانة تعتبر كواحد من المسلمين. والحقيقة أَننا نستنكر استبدال الأَذان بالاسطوانات. وننكر على من أَجاز مثل هذا لما تقدم، ولأَنه يفتح على الناس باب التلاعب بالدين، ودخول البدع على المسلمين في عباداتهم وشعائرهم، وقد قال الله تعالى: (*) وقال صلى الله عليه وسلم: مَن أَحْدَثَ فِيْ أَمْرنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ)) وفي رواية ((مَن عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)) . والمقام يقتضي أَكثر من هذا ولكن آثرنا الاختصار. والله الموفق والهادي إِلى الصواب. والسلام عليكم.
مفتي البلاد السعودية
(ص-ف-35 في 3-1-1387 هـ)(2/112)
(412- الأذان من الاذاعة لا يكفي للصلاة)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة المكرم مراقب عام البرامج السعودية بالرياض.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنشير إِلى خطابكم رقم 2 في 15-8-1384 هـ حول طلبكم الموافقة على نقل أَذان المغرب من الجامع الكبير في الرياض في الإِذاعة.
ونفيدكم بموافقتنا على ذلك وعمل الترتيبات اللازمة له. غير أَنه يجب أَن يعلم أَنه لا يكتفى بسماع هذا الأذان من الإِذاعة للصلاة، لأَنه لابد في الأَذان للصلاة من نية مقارنة وهي هنا مفقودة. والسلام عليكم.
(ص-م-3876-ملف-10-24)
(413- أَذان المرأَة)
ليس من حق النساء أَبدًا، ليس من شأْن المرأَة أَن تؤذن؛ وذلك أَنه من الأمور الظاهرة العلنية وهذه أمرها إِلى الرجال، كما أَنه لا نصيب لهن من الجهاد ونحوه. (1)
أَما على أَصل النصارى المخذولين فإِنهم يرون للنساء مراتب عالية، بل ضموا إِلى ذلك خلاف مقتضى الخلقة والتسوية بين المختلفين. ... (تقرير)
(414- حث الأَئمة والمؤذنين على المواظبة)
من محمد بن إبراهيم إِلى فضيلة رئيس محكمة القنفذة ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
_________
(1) ويأتي للبحث تكملة في الجنائز والجهاد.(2/113)
إِليكم ما وردنا من فضيلة رئيس هيئات الأَمر بالمعروف بالحجاز بخصوص ما رفعه وكيل رئيس هيئة الأَمر بالمعروف بالقنفذة على ما لاحظته الهيئة هناك من تخلف بعض الأَئمة والمؤذنين في القنفذة عن مساجدهم وخاصة الفجر والعشاء مما سبب تخلف الكثير عن أَداء الصلاة مع الجماعة إِلى آخر ما ذكره.
فاطلعوا على ما ذكروا، واجمعوا الأَئمة والمؤذنين بجهتكم وعضوهم وانصحوهم وأَكدوا عليهم بالمواظبة على وظائفهم، وتفقدوا المتخلف، واليكن منكم الاهتمام بهذا، وأَخبرونا بنتيجة ما تجرونه والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-3167- في 11-10-1388 هـ)
(415- وجوبه على الجماعة المسافرين أَيضًا، والبادية)
والأَظهر وجوبه في حق الجماعة المسافرين لأَمرين:
أَولاً- لعموم الأَدلة. الثاني: فعل النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته وأَسفاره؛ فإِن بلالا كان يسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان يؤذن بين يديه، منها. حديث ((أَبْردْ أَبْردْ)) (1) ومنها ((فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَا هُنَا رَهَا هُنَا)) فإِنه في البطحاء بمكة وغير ذلك. ... تقرير
س: البادية.
_________
(1) الذي رواه أبو داود والترمذي وهو في الصحيحين ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن الظهر فقال له صلى الله عليه وسلم أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال له أبرد حتى رأينا في التلول فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان شدة الحر من قيح جهنم فأبردوا بالصلاة)) .(2/114)
جـ: عند الأَصحاب أَنهم لا يريدون البادية لكن هم أَولى من المسافرين المقيمين الإِقامة العارضة على الراجح يؤذنون بكل حال. ... (تقرير)
قوله: للصلوات الخمس.
لا لغيرها. والجمعة داخلة في الخمس في هذا. ... (تقرير)
(416- قوله: يقاتل أَهل بلد تركوهما.)
ثم هل هو في تركهما معًا؟ إِختاره ابن نصر الله.
والله أَعلم أَنه ينبغي أَن لا يكون الأَمر كذلك، وأَن مجرد ترك الأَذان يكفي، لكون اغارة النبي وعدمها متوقف على الأَذان ولم تذكر الإِقامة.
ثم لعل الأَصحاب حين جعلوهما جميعًا لأَنه بعيد أَن يقتصر قوم على الأَذان، الذي يحافظ على الأَذان سوف لا يترك الإِقامة. المقصود أَن ترك الأَذان بمجرده يصلح أَن يعلق عليه هذا الحكم. ... (تقرير)
(417- ثم هل يكفي أَذان مسجد عن مسجد في اسقاط الفرضية)
مثل الذين يؤذنون في هذه الآلة لو تركوا الأذان (1) يخرجون من الإِثم؟
بعض العلماء صرح أَنه لا يسقط الفرضية أَذان عن أَهل مسجد لا يصلون بذلك الأَذان ففرضية الكفاية بحالها. هكذا ذكر بعض الأَصحاب. وأَما الشرعية (2) فلا يجزىء ذلك الأَذان، وهذا خلاف ما عرف في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. ... (تقرير)
_________
(1) أي أهل مسجد سمعوا الأَذان من مكبر الصوت من مسجد آخر.
(2) أي ندبية الأَذان من كل مسجد.(2/115)
(418- وإِذا أَذنوا دفعة واحدة فينبغي أَن يكون بلفظ واحد في مكان واحد ويتوخون اتفاق الصوت لأَنه أَبلغ في الإِعلام فإِنه يزداد الصوت قوة، قال الشاعر:
فقلت ادعي وادعو إِن أَندى ... لصوت أَن ينادي داعيان
وهذا معلوم بالحس. ... (تقرير)
ولكن إِذا فعلت الصلاة بدونهما وعرفنا الصحة فهل يسقطان بمضي وذهاب محلهما، أَو يفعلان أَو أَحدهما بعد الفراغ من الصلاة؟ كأَنه يظهر من كلامهم السقوط (1) لقولهم لكن يكره. أَو أَن المراد الصلاة مكروهة بنفسها ولا تعلقها من النقص إِلا أَنها فعلت بصفة مكروهة تنزيهًا.
أَعرف مرة لشيخنا الشيخ سعد أَنه أَذن مرة بعد الصلاة بأَذان منخفض ما أَدري هو المؤذن أَغيره؛ لكن إِن صح لنا أَنها تعاد ولو على وجه الندب فلابد من أَصل يعتمد عليه في هذا إِن وجد وإِلا فالأَصل العدم. ... (تقرير)
(419- قوله: لا رزق من بيت المال)
لا يكره ولا يحرم بل مباح، بيت المال الذي هو الفيء مصرفه مصالح المسلمين؛ لكن ينبغي له عند إِرادة هذا الرزق أَن يكون بحالة اتزان، ولا يظهر عليه كيفية تظهر عدم الرغبة في أَمر الدين الذي يتولاه. وهذا يفهم من كلامهم. ... (تقرير)
(420- قوله: لعدم متطوع.)
لأَن مما يظهر أَن دين المتبرع أَفضل. هذا إِذا لم يوجد منقص من النواحي الأخر. ... (تقرير)
_________
(1) سقوط الأذان والإقامة.(2/116)
(421- يعتمد في الأَذان والإمامة الأمانة والديانة والفقه في أحكامها، كيف يوزع رزقهم)
(برقيًا)
صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء الأَمير فيصل ... أَيده الله ... الطائف
بناء على ما نص عليه نظام الموظفين الجديد من عدم الجمع بين الوظيفتين. (قف)
لقد اعتمدنا تطبيق ذلك في جميع الوظائف المرتبطة بنا، ونلفت نظر سموكم بصفة خاصة إِلى أَئمة المساجد فإِن شمول ذلك لهم سوف يحدث نقصًا في أَداء هذه الفريضة العظيمة الهامة الشأْن من ناحية تخلي الأَئمة الحاليين عنها؛ لأَن معظمهم قضاة ورؤساء وأَعضاء هيئات وطلاب ومدرسون ونحوهم ممن ارتبط بوظائف دينية أُخرى، وإِن سموكم ولا شك تعلمون حفظكم الله أَن الإِمامة في هذه الفريضة العظيمة يعتمد لها الأَمانة والديانة والفقه بأَحكامها وإِذا اضطرينا الأَئمة الأَكفاء الحاليين إِلى التخلي عنها لسبب أَنهم مرتبطون بوظائف دينية أخرى تعطلت المساجد وصلى بالناس من لا يحسن الصلاة، اللهم إِلا أَن يرتب للأَئمة والمؤذنين رواتب ضخمة تضاهي رواتب الوظائف الأخرى ما دام أَنهم سيقصرون على هذه الوظيفة.
ولكن أَيسر ما يكون وأَضمن للمصلحة وأَوفر لخزينة الدولة أَن تعفى وظائف الإِمامة والأَذان من شمول نظام الموظفين لها بخصوص الجمع بينها وبين غيرها من الوظائف الدينية(2/117)
كما في النظام الأَول؛ لأَن وظيفة الإِمامة وظيفة دينية محضة، وهي تؤدى خارج الدوام. هذا ما وجب رفعه لسموكم بدافع النصح. والله يحفظكم ويتولاكم.
محمد بن إبراهيم.
(ص-م-647 في 15-4-1378 هـ)
من محمد بن إبراهيم إِلى فضيلة نائبنا بالمنطقة الغربية ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
نشير إِلى المعاملة المرفقة المنتهية بخطابكم رقم 9366-18-5- بصدد مكافئات أَئمة ومؤذني مساجد خيبر لعام 79 هـ، وما أَشرتم إِليه من عدم صدور أَمر يقضي بتمديد مقدار المكافأَة، وما ارتأَيتموه من مساواتهم بمن يتقاضى سبعين ريالاً شهريًا.
ونفيدكم بأَن هذا المبلغ الذي ارتأَيتموه شهريًا لا بأْس من تقريره لهم إِذا كان عددهم قليلاً ومجموع استحقاقهم السنوي يتحمله بند المكافئات لدينا لاحتمال صرفه مستقبلا من نفس بند المكافئات من قبلنا، وهذا لا يتسنى معرفته إِلا بعد إِحصاء دقيق للمستحقين لذلك، وبعد تمييز الخطباء وأَئمة الجوامع والمساجد المهمة عن أَئمة المساجد التي دونها، وهؤلاء عن المؤذنين، مع اشتراط الكفاءة وحسن العقيدة وتوفر شروط الإِمامة في الأَئمة والأَذان في المؤذنين - ثم استثناء الموظفين الذين يتقاضون رواتب أَو مكافئات من خزانة الدولة والذين يعملون في المساجد التي لها أَوقات أَو غلال فيقتضي إِبلاغ الجهة المختصة ذلك للعمل بموجبه ورفع بيان شامل بأَسماء جميع الأَئمة والمؤذنين بخيبر وأَسماء مساجدهم ثم توضيح الجوامع منها والمساجد المهمة وتوضيح أَسماء الأَئمة والمؤذنين الذين(2/118)
يتقاضون رواتب من خزانة الدولة والقائمين بالعمل في المساجد التابعة للأَوقاف وتوضيح الأَكفاء الصالحين للعمل من غيرهم ليتسنى لنا على ضوء ذلك تقرير المكافئات. والله يحفظكم.
رئيس القضاة
(ص-ق-3468-6 في 12-6-1380 هـ)
(423- الأَعمى يضاف اليه)
((حَتَّى يُؤذّن ابْن أُم مَكتوْم)) .
فيه جواز اتخاذ مؤذن أَعمى، لكن لابد أَن ينضم إِليه شيء آخر، وإِذا وجد شيء من الآلات متكررة متعددة وأَفادت رجحان الاعتقاد فله ذلك. هذا مع عدم من ينبهه فلا يعدل إِلى غيره إِذا وجد. ... (تقرير)
(424- لا يعزل لأجل شكاية بعض أهالي البلد ولا أَثر لكثرتهم)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة صاحب السمو الملكي أَمير الرياض ... الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فبالإِشارة إِلى خطابكم رقم 4796 وتاريخ 8-4-1375 هـ بخصوص ما رفعه لسموكم بعض أَهالي السلمية عن مطوعهم أَبو راشد فليس معهم حق ولا يسوغ شرعًا أَن يطاعوا فيه ولا أَثر لكثرتهم؛ بل الطائفة الأخرى وإِن كانوا أَقل منهم ففيهم أَئمة المساجد وهيئة الأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمؤذنون وغيرهم، علاوة على أَن العلماء رحمهم الله صرحوا أَنه إِذا نزِّل إِنسان تنزيلا شرعيًا في وظيفة من الوظائف لم يجز عزله منها إِلا بمسوغ شرعي، وكما أَن النظر في التوظيف للوظائف الشرعية إِلى ولاة أُمور المسلمين(2/119)
فالنظر في عزلهم إِليهم لأَجل نظرهم الديني الشرعي المصلحي الذي لا ميل فيه عند اختلاف الجماعات إِلى أَحد دون أَحد. والله يوفقكم لما فيه الخير والصلاح والسلام.
(ص-ف-179 في 12-4-1375 هـ)
(425- ضعف الصوت ... )
من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم مساعد...... ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
حيث أَن الجماعة قد اشتكوا منك ضعف الصوت بحيث لا يحصل الإِسماع الكافي مع شيء من الخلل وشيء من سوء المعاملة فقد أَعفيناك من الأَذان من تاريخه، وعينا مكانك عبد الرحمن بن حمد. نسأَل الله للجميع التوفيق لما يحبه ويرضاه. والسلام عليكم.
(ص-ف-1124 في 12-10-1377 هـ)
(426- شراب الدخان لا يؤذن)
حضرة صاحب المعالي وزير الحج والأَوقاف بالنيابة ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
نبعث لكم برفقه خطاب الرئيس العام لهيئات الأَمر بالمعروف بالحجاز رقم 2040 في 11-10-84 هـ ومشفوعه المعروضين المقدمين من المدعو رده بن عالي الحليس ورفقائه بصدد مطالبتهم تولية صالح بن....... الأَذان في مسجدهم إِلى آخره.
ونظرًا إِلى أَن المذكور يشرب الدخان، فإِنه لا يسوغ تعيينه مؤذنًا، ولعله لا يخفى عليكم الشروط التي يجب أَن تتوفر في المؤذنين. فنأْمل ملاحظة ذلك، وتعميد من يلزم بمراعاة الشروط الواجب توفرها شرعًا. ... رئيس القضاة
(ص-ق-2443-3 في 28-11-84 هـ)(2/120)
(427- مشاغبته لكل امام)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة صاحب السمو الملكي ... رئيس مجلس الوزراء ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
إِشارة إِلى خطاب سموكم رقم 13163 وتاريخ 10-6-80 هـ المرفق به استدعاء مؤذن مسجد أُم قبيس سابقًا (1) الذي يذكر فيه توقيف راتبه.
نشعر سموكم أَن المذكور قد حصل منه عدة مشاغبات وأَذية لكل إِمام يعين في مسجد أُم قبيس. كما أَنه قد اغتصب الأَرض التي هي حمى المسجد وحصل منه تصرفات من هذا القبيل تدل على عدم أَمانته وعدم صلاحيته للأَذان، وبناء على ذلك فصلناه وعينا بدله زيد بن رشود كما جاء في خطابنا لسمو أَمير الرياض رقم 1345 وتاريخ 22-12-77 هـ المرفق صورة منه للاطلاع والإِحاطة. والله يحفظكم.
(ص-ف-1011 في 6-7-1380 هـ)
(428- قوله: ثم من يختاره الجيران)
وهذا مبني على أَن الأَكثرية مرجح، وهو كذلك في الجملة لا بالجملة، هو مرجح إِذا فقدت المرجحات الأخر، أَما وممكن أَن يرجح بغيره فلا يصار إِليه. (من تقرير في قتال أَهل البغي) .
(429- اذا حصل نزاع في الأَذان والإِمامة فيكون الإمام من جهة والمؤذن من أخرى)
من محمد بن إبراهيم إِلى فضيلة قاضي محكمة دخنه ... سلمه الله
_________
(1) تركت ذكر اسمه العلم لعدم الفائدة من تعيينه. وهذه طريقتي في ترك بعض الأَسماء.(2/121)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
بالإِشارة إِلى المكاتبة الدائرة بخصوص تشكي عسير بن زبار العماني ضد وصل من جهة أَن الأَول يريد الاستقلال بمسجد بجوار بيته ولا يصلي فيه إِلا هو وإِخوته ووالده زبار، وأَنهم كانوا يصلون بالمسجد القديم الذي بجوار بيت وصل، وحيث أَنكم ذكرتم ما يأْتي:
1- أَن المسجد الذي بناه وصل متوسط بين وصل وبين عسير فبينه وبين وصل مائة متر وبينه وبين عسير مائة وخمسة عشر مترًا.
2- أَن وصل هو صاحب المسجد القديم فهو من أَرضه وهو الذي بناه.
3- أَنه هو الذي بنى الثاني المتوسط وأَنه أَسبق من إِنشاء مسجد عسير.
4- أَنه لا يوجد بينهم شحناء إِلا من جهة إِكرامية الإِمام والمؤذن فكل منهما يريدها.
فاعتمدوا الإِصلاح بينهم بأَن يكون الإِمام من جهة والمؤذن من جهة أُخرى، فإِذا تعذر الصلح فيكلف عسير بن زبار هو ووالده وإِخوانه بالصلاة في مسجد وصل. والسلام عليكم.
(ص-ف-1070-88 في 13-5-88 هـ)
(430- اذا ادعى الضرر من المنارة المطلة على بيته)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية ... حفظه الله آمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:(2/122)
فنشير إِلى خطاب سموكم الموجه لنا برقم 412 وتاريخ 13-2-1382 هـ على المعروض المقدم من سعيد الحمد السعيد بصدد دعواه الضرر من منارة المسجد المطلة على بيته.
ونشعر سموكم أَن المعاملة الأَساسية المتعلقة بهذه المسأَلة والتي عمدتم إِمارة القصيم بإِرسالها إِلينا قد وردتنا برقم 405-1 في 23-2-83 هـ وبناء على رغبة سموكم في الإِفادة بما نراه نحو هذا الموضوع جرى درس كامل الأَوراق فاتضح أَن تشكي المذكور لا وجه له؛ لأَنه لا يتشكى من ضرر حصل عليه من شخص آخر، وإِنما يتشكى من هذه المنارة التي بنيت لمصلحة دينية شرعية عامة وهي الدعوة إِلى الصلاة، ولم يزل عمل المسلمين مستمرًا من مدد متفاوتة على بناء المنارات للمساجد مع أَن غالبها تكون أَطول من البيوت المجاورة لها. فلا يلتفت إِلى تشكي سعيد المذكور. لكن إِن تيسر وضع مكبر للصوت ليحصل به إِسماع الأَذان بدون صعود المؤذن إِلى أَعلاها فحسن. والله يحفظكم. والسلام.
(ص-ق-857-1 في 28-5-1383 هـ) ... رئيس القضاة
(431- سألته هل يلتفت اذا أذن في المكرفون)
فأَجاب: يسقط، إِلا أَنه يحتاج السقوط إِلى بحث أَطول من هذا. ... (تقرير)
(432- الصلاة خير من النوم؟)
ناسب الإِتيان بهذه الجملة التي فيها التخيير والتفضيل. و ((خير)) بمعنى أَخير من النوم. وبالنسبة إِلى هذه الساعة يصير من باب استعمال أَفعل التفضيل فيما ليس له في الطرف الآخر نظير. فإِن النوع لا خير فيه. ... (تقرير)(2/123)
(433- قوله: ويقيم المؤذن في مكان أذانه)
الأَذان ليس وجوده في المسجد شرطًا بل كان أَصل الأَذان خارج المسجد، وكون المؤذن له مكان مخصوص في المسجد هذا ليس مشروعًا، ولا أَن يختص بمكان دون مكان.
إِنما يقيم في مكانه بشرطه إِذا كان فيه سهولة. أَما كونه مكانًا راتبًا فليس له أَصل، بل تسوهل بذلك، ولكون المبادرة تحصل بالإِقامة والعلم بالإِمام.
وإِذا كان كذلك فينبغي أَن يخلف (1) المؤذن عن مكانه حتى يعرف الناس أَن هذا ليس من السنة في شيء. نعم هو جائز، لكن ينبه على أَنه ليس بسنة. ... (تقرير)
(434- متواليا)
في بعض البلاد يقول: الله أَكبر. ثم يمكث سدس ساعة أَو أَقل أَو أَكثر ثم يأْتي ببقية الأَذان، وهذا شيء باطل، ويفوت صحة الأَذان. ... (تقرير)
(435- اللحن الذي يحيل المعنى، والذي لا يحيله أمثلة)
من اللحن الذي لا يحيل اللهَ أَكبر (بالفتح) ، ومما يحيل المعنى رسولَ الله (بالفتح) فيكون ناقص جملتين من الخمس عشرة. ولا يقال إِنه لم يقصد المعنى بل لابد من اللفظ، فإِن لكل جملة حكمًا فلا دلت على شيء للرسول، ولا عبرة بكونه لم يقصد. كما أَن من قال أَنعمتُ عليهم (بالضم) لسانه ثقيل ما يصح ذلك.
_________
(1) ينتقل.(2/124)
ثم التمديد الزائد عن المطلوب في الأَذان ما ينبغي، فإِن أَحال المعنى فإِنه يبطل الأَذان، حروف المد إِذا أُعطيت أَكثر من اللازم فلا ينبغي. حتى الحركات إِذا مدت إِن أَحالت المعنى لم يصح وإِلا كره. بعض المؤذنين يمد الواو من النوم. حرف المد هو الواو فتعطى حقها من المد ولا تمد كثيرًا. أَما النون فلا مد فيها. وكان يوجد في مكة تلحين كثير وهذا سببه جهل وعوائد وكونه لا يختار من هو أَفضل، وكأَنه في الآخر أَخف. ... (تقرير)
(436- قوله: ولو ظاهرًا. العدالة الظاهرة والباطنة)
لو للخلاف القوي. و (حتى) للمتوسط. و (إِن) للضعيف.
والظاهرة هي كونه لا يظهر عليه بين الناس الذين لا مخالطة له معهم حال فاسدة. والباطنة هي ما يشهد بها من يخبر حاله من أَجل مخالطته له كأَن يكون قد عامله أَو جاوره أَو سافر معه. ... (تقرير)
(437- ما يجب على المؤذنين في الأداء)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة المكرم رئيس مؤذني المسجد الحرام بمكة المكرمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
يجب أن تبلغوا جميع مؤذني المسجد الحرام أَن يؤذنوا أَذانًا سمحًا سهلا، ويجتنبوا المط والتمديد، إِن هذا التمديد والمط الذي يستعملونه الآن في الأَذان مخل بشرعيته، فعليهم اجتناب ذلك والتمشي بما يوافق الشرع، وأَن يكون أَذانهم مثل المؤذن الذي(2/125)
يؤذن في زمزم حالا، وعليكم إِخبارهم بذلك ومراقبتهم عن الإِخلال به. والسلام عليكم.
(ص-م-10 في 21-7-1383 هـ)
(438- أَذان الأَول لا ينبغي التبكير به)
نعرف أَن التحديد ببعد نصف الليل وبه يحدد في جواز الدفع من مزدلفة أَخذًا بدليل هذه المسأَلة ((إِنَّ بلاَلاً يُؤَذِّنُ بلَيْل ... )) ولكن بعدما يمضي معظمه، وإِذا حصل جزء من الليل وهو نصفه فقد مضى معظمه. هذا وجه تقرير استدلالهم.
لكن من المعلوم أَنه ليس بين أَذانهما إِلا مقدار ما ينزل هذا ويصعد هذا، وفي بعضها ما يسع تلاوة ثلاثين آية. فتبين أَنه لا ينبغي أَن يؤذن الأَول إِلا بوقت قريب من طلوع الفجر.
لكن الأَصحاب أَخذوا باللفظ ((بلَيْل)) وفعل بلال منه. يعني وأَكثر ما يكون أَذان بلال أَنه من الجائز، والظاهر أَن هذا يدخل في تعليلهم، فعلى مذهب أَحمد أَنه إِذا بقي ساعة أَو ساعتان أَن ذلك يجزىء بحيث يسقط فرضية الكفاية.
كثير ممن يستيقظ بالأَذان الأَول في مثل هذه الأَزمان ينوم فيفوته الوتر أَو صلاة الجماعة لأَجل اعتقاده وعلمه (1) . فإِذا كان نصف ساعة أَو ثلث كان أَنفع فيما أَظن. والمنبهات الآن قد ينتفع بها. وهذا الميكرفون ينتفع به أَكثر من الساعة لا سيما في الصيف. فلو أَخر شيء لكان أَنفع للأَكثر، وإِذا كان أَنفع للأَكثر كان أولى ويؤيده أَنه الواقع زمن النبي. ... (تقرير)
_________
(1) أي بتقديم الأذان بزمن كثير عن الفجر.(2/126)
(439- لا بأْس باستعمال مكبر الصوت ((الميكروفون)) في الأَذان وخطبة الجمعة والعيدين)
من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم نظر بن محمد الباكستاني ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد
فقد جرى الاطلاع على استفتائك الموجه إِلينا عن حكم استعمال المكبر (الميكروفون) في الأَذان وخطبة الجمعة والعيدين.
والجواب: لا بأْس باستعماله إِذا دعت الحاجة إِلى استعماله كتباعد البيوت بحيث لا يبلغهم الأَذان، أَو ازدحام المسجد بالمصلين بحيث لا يتم سماع خطبة الجمعة لبعضهم إِلا باستعماله إِذ الأَصل في الأَشياء الإِباحة حتى يرد ما ينقل ذلك الأَصل.
وبالله التوفيق. والسلام عليكم.
(ص-ف-515 في 14-3-1383 هـ)
(440- واستعماله في الصلاة ليس من البدع)
من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم محمد بن رشيد بن ربيش ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد جرى الاطلاع على خطابك المرفوع إِلينا منك بتاريخ 29-2-83 هـ بصدد إِنكار بعض الجماعة الميكرفون الموضوع في مسجد الجامع لديكم، واعتبارهم إِستعماله من البدع المنهي عنها إِلى آخر ما ذكرت، وتطلب فتوانا في ذلك.
والجواب: الحمد لله- ذكر العلماء أَن البدعة هي الطريقة المحدثة في الدين مضاهات للشريعة الإِسلامية والهدف منها المبالغة(2/127)
في تعبد الله تعالى أَو يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطرق الشرعية استنادًا إِلى ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أَحدَثَ فِيْ أَمْرنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ)) وفي رواية ((مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)) . ولا يخفى أَنه لا يقصد بالميكرفون واستعماله قربة ولا زيادة ثواب عن غيره وإِنما المقصود به كما لا يخفى تكبير الصوت حتى يسمعه من لا يسمع صوت الخطيب لاتساع المسجد ونحوه، فمثله مثل النظارة في تكبير الحرف وتقريبه، إِذ القارىء لا يقصد بقراءته القرآن وهو يقرؤه بالنظارة زيادة القربة والثواب وإِنما يهدف إِلى التمكن من القراءة بوضوح، فكذلك الميكرفون، بل قد يكون استعمال الميكرفون قربة من القرب إِذا احتيج إِلى ذلك إِذ أَنه وسيلة إِلى تبليغ الخطبة جميع المصلين، وكذا إِبلاغ صوت المؤذن. وقد يقال إِنه من العادات التي لا يقصد بفعلها التعبد وإِنما لهو من الأُمور العادية، ولو سمع ما يقال عن العوائد بأَنها بدع محدثة لاعتبر جميع ما لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد أَصحابه من المآكل والمشارب والملابس والمراكب وكافة أَنواع رسائل الحياة مما استحدث بعد تلك العهود من البدع والمنكرات، والقول بذلك في غاية السقوط والبطلان والجهل التام بأصول الدين ومقاصده.
وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى البدعة واضح جلي. ولا يخفى على أُولى البصائر والأَفهام أَن القصد بالإِحداث المردود ما كان في الدين كالزيادة فيه، أَو التزام طريقة لم يلتزم بها الرسول(2/128)
عليه الصلاة والسلام. نسأَل الله أَن يوفق المسلمين لاتباع الرسول وأَصحابه والاهتداء بهديهم، إِنه سميع مجيب. والسلام عليكم.
(ص-ق-2008-1 في 14-10-1383 هـ)
(441- وللسجناء لسماع الموعظة)
صاحب السمو أَمير منطقة الرياض ... الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
نبعث لكم من طيه المعروض المقدم من عبد العزيز بن علي بن محمود بخصوص طلبه وضع سماعات في السجن الاحتياطي ليتمكن السجناء من سماع الموعظة ... الخ.
فعليه نرغب من سموكم الأَمر بتأْمين الميكرفونات اللازمة للسجن المشار إِليه تحقيقًا للمصلحة العامة وضمانًا للنتيجة المتوخاة منه، وفقكم الله. ... رئيس القضاة
(ص-ق-207-3-خـ في 27-1-1385 هـ)
(442- التأكيد على المؤذنين بأَن لا يؤذنوا قبل الوقت)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة صاحب المعالي وزير الحج والأَوقاف ... وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد تحققنا أَن كثيرًا من المؤذنين في الرياض يؤذنون للصلاة قبل الوقت، ولابد من التأْكيد على جميع المؤذنين بالتمشي بموجب التوقيت، وأَن لا يؤذنوا حتى يؤذن مؤذنو الجوامع، ويوزع عليهم تقاويم للتمشي بالتوقيت، ويجعل عليهم رقابة قوية، حيث أَن(2/129)
هذه المسأَلة مهمة وتحتاج إِلى عناية تامة. والسلام عليكم.
(ص-ف-821 في 19-5-1382 هـ)
(443- تحديد ما بين الأَذان والاقامة)
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد: فلا يخفى أَن الصلاة أَهم أَركان الإِسلام بعد الشهادتين وأَن لها شروطًا لا تتم بدونها، ومن أَهم شروطها الوقت، قال الله تعالى: (*) (1) أي مفروضًا في الأَوقات. وقال تعالى: (*) (2) فقد جمعت هذه الآية الصلوات الخمس. والشارع الحكيم شرع الأَذان لحكم ومصالح عظيمة: منها إِعلام الناس بدخول وقت الصلاة ليتهيئوا ويحضروا لأَدائها في المساجد. وفي الحديث: ((أَحَبُّ الأَعمَال إِلَى اللهِ الصَّلاَة أَوَّلَ وَقتِهَا)) (3) وفي الحديث الآخر ((أَوَّلَ الْوَقتِ رضوَانُ اللهِ، وَأَوْسَطهُ رَحمَةُ اللهِ، وَآخِرُهُ عَفوُ اللهِ)) وفي الحديث الآخر أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجعَل بَيْنَ أَذَنِكَ وإِقَامَتِكَ قدْرَ مَا يَفرَغُ الآكِلُ مِن أَكلِهِ وَالْمُتَوَضِىءُ مِن وُضُوْئِهِ)) (4) .
ونظرًا لما يلاحظ من اختلاف الأَئمة والمؤذنين بالنسبة إِلى الأَذان والإِقامة فتجد بعضهم يؤذن قبل بعض ويصلى بعضهم قبل بعض وقد كثر تشكي رجال الحسبة وغيرهم مما يترتب على هذا الاختلاف، لأَن الكسلان ونحوه يتعلل بتأْخير هذا الإِمام وتقديم الآخر،
_________
(1) سورة النساء - 103.
(2) سورة الاسراء - 78.
(3) أخرج أبو داود والترمذي ((أي الأعمال أفضل قال الصلاة لأول وقتها)) .
(4) أخرجه الترمذي.(2/130)
وربما زعم أَنه قد صلى مع فلان المتقدم أَو سيصلي مع المتأَخر، ولما في ذلك من تشويش وارتباك ولا سيما بالنسبة لعمل أَهل الحسبة: فقد نظرنا فيما يخلص من هذا الأمر ويجمع الناس على أَمر واحد فيه مصلحة عامة للمسلمين، وقررنا توحيد وقت الأَذان ووقت الإِقامة لما في ذلك من تحصيل المصالح ودرء المفاسد، فقد تقرر أَن يكون بين الأَذان والإِقامة لصلاة الفجر والظهر والعصر والعشاء مقدار ثلث ساعة - عشرون دقيقة - وأما المغرب فلا يؤخر أَكثر من عشر دقائق، لما ورد فيها من النصوص الدالة على تعجيلها وأَمرنا بوضع جدوال يبين فيها وقت الأَذان ووقت الإِقامة يوميًا لتوزع على الأَئمة والمؤذنين لمراعاة التمشي بموجبها حتى نهاية هذه السنة، ثم يعطون تقاويم تكون مرجعًا لهم في ذلك.
ونظرًا لما يعرض لبعض الأَئمة والمؤذنين مما قد يضطرهم للتأْخير عن تلك الأَوقات المحددة سواء باختيارهم أَو بغير اختيارهم ولما في تأْخير الناس وحبسهم عن أَشغالهم وإِشتغال خواطرهم ما لا يخفى وفيهم المريض والكبير وذو الحاجة، فإِن على كل إِمام ومؤذن أَن يشعر الجماعة إِذا أَراد أَن يتغيب، ويأْذن لهم إِذا تأَخر عن الوقت المقرر أَن يصلوا في نفس الوقت المقرر، كما عليه أَن يعين له نائبًا يؤذن ويصلي بالناس لئلا يحبس الناس دون أَشغالهم وحوائجهم.
وقد كتبنا بهذا لسمو أَمير منطقة الرياض كما كتبنا لوزارة الحج والأَوقاف لملاحظة ذلك من قبلهم. وكذلك بلغنا فضيلة رئيس الهيئات بذلك للأَمر على من يلزم بتفقد الأَئمة والمؤذنين وملاحظتهم والرفع عمن يصدر منه مخالفة لما ذكر للقيام حوله(2/131)
بما يلزم. ونسأَل الله أَن ينصر دينه. ويعلي كلمته، ويذل أَعداءه إِنه سميع مجيب. قال ذلك ممليه الفقير إِلى الله تعالى محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. ... (الختم)
(444- وايقاف السيارات)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم ... أَيده الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد أَصبحت البلاد بحالة سيئة من ناحية عدم المبالاة بأَداء الصلاة جماعة في المساجد، وكان المؤذنون يؤذنون ويصلي الناس والأَسواق مزدحمة بسير السيارات، فأَصبح الأَمر في حاجة ماسة إِلى سرعة علاج حاسم يضمن بإِذن الله اشتغال المسلمين حين وقت الصلاة بالصلاة في المساجد، وأَقرب علاج للموضوع هو أَن يوضع تعليمات لسير السيارات وللأَذان والإِقامة.
أَما السيارات فتصدر الأَوامر المشددة على رجال المرور بتوقيف سيرها بعد الأَذان بعشر دقائق إِلى أَن تنقضي الصلاة. هذا في الظهر والعصر والعشاء. أَما المغرب فتوقف قبل غروب الشمس بخمس دقائق نظرًا لقرب الفترة التي بين الأَذان والإِقامة.
وأَما الأَذان والإِقامة فيصدر تعليمات من الجهات المختصة بأَن يحدد الأَذان بعد دخول وقته بوقت واحد، ويقع دفعة واحدة، وتكون الإِقامة في الظهر والعصر والعشاء بعد الأَذان بثلث ساعة، أَما الفجر فلا حاجة فيه إِلى هذا التحديد. وأَما المغرب فإِن الأَذان لها مؤقت بغروب الشمس، والإِقامة بعده بعشر دقائق، وإِيقاف(2/132)
سير السيارات يكون قبل الغروب بخمس دقائق. هذه تعليمات يجب اتباعها طاعة لله ورسوله حيث أَمر بأَداء الصلوات في أَوقاتها. فنرجو الأَمر بتطبيقها واعتمادها. تولاكم الله بتوفيقه.
(ص-م-2863 في 7-8-1380 هـ)
(445- توبيخ من يقول: لا تنتظروا الامام)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة المكرم أَمير الجبيلة محمد الشنيفي ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصلنا كتاب من إِمام ومؤذن مسجد الجبيلة يذكران فيه أَن هناك سفهاء من البادية يتدخلون فيما لا يعنيهم من تقديم وقت الصلاة وتأْخيره بطريق العنف والمشاغبة. ومن ذلك أَن أَحدهم قد تكلم على المؤذن في المسجد بين الأَذان والإِقامة يقول إِذا وصل المؤذن فصلوا بغير انتظار الجماعة، وهذا أَمر ليس من دلائل الخير ولا من علامات التوفيق لفاعليه، وقد رأَينا الكتابة لكم للتأْكيد على الجميع بتحري الخير والتآلف والتعاون على ما فيه مصلحة الجميع، والتأْكيد على المؤذن يؤذن في أَول الوقت، ويستمر بعد الأَذان ثلث ساعة ثم تقام الصلاة، ويبلغ الجماعة بذلك. ويراعى الإِمام حال الجماعة، وليس لهم أَن يصلوا إِلا بإِذنه ما لم يتحققوا غيبته أَو يتأَخر تأَخرًا كثيرًا أَو يأْذن لهم، وينبغي له الإِذن لهم إِذا تأَخر عن عادته أَن يصلوا. ويعين أَمثلهم يصلي بالجماعة كما يؤكد على هؤلاء الذين يريدون تعجيل الصلاة بأَن يرجعوا إِلى رشدهم ويفهموا أَن هذه المسأَلة مسأَلة طاعة وعبادة ومقام(2/133)
خشوع وطمأنينة وأَدب في بيت الله الذي هو المسجد المحترم لا مقام مشاغبة وجدال وجاهلية، كما يجب على الجميع من إِمام ومؤذن وجماعة أَن يتآلفوا ويتعاونوا على البر والتقوى لا على الإِثم والعدوان الذي يضعف الأَعمال. والله يحفظكم.
(ص-ف-466 في 18-5-1378 هـ)
(446- التأخير الذي لا يضر)
س: - إِذا كان الذين في المسجد يتضررون بالتأْخير في المسجد بعد أَذان المغرب؟
جـ: - المراد مع مراعاة المتقدمين. والكلام مع ناس قد رغبوا في الصلاة وسارعوا إِليها وربما تأَخروا بعض الشيء فيؤخر تأْخيرًا لا يضر هؤلاء ولا هؤلاء، وليس الكلام مع المتخلفين عادة. ... (تقرير)
(447- اجابة المؤذن)
س: - إِذا لم يسمع إِلا بعض الأَذان أَو رأَى المؤذن ولا سمعه فهل يجيبه؟
جـ: - إِذا أَدرك بعض الأَذان فالمرجح عند كثير من الأَصحاب أَنه يبدأُ بأَوله حتى يدركه. والقول الآخر أَنه لا يجيب إِلا ما سمع وأَنه يفوت لفوات محله، ولعل هذا أَرجح. والظاهر أَن هذا تقرير شيخنا الشيخ سعد.
ومن قال إِنه يبدأُ بأَوله فإِن أَقام دليلا ترجح قوله، وإِلا فظاهر ((إِذا سَمِعْتمْ)) يتعلق بما سمع وإِن صار مانع.
ثم هنا مسأَلة إِذا كان يرى المؤذن ولا يسمع صوته أَو يسمع الصوت ولا يفهم ما يقول. فقيل يجيب في الأَخيرة خصوصًا(2/134)
لعموم ((إِذَا سَمِعْتمْ)) . ومنهم من يقول لا يجيب. وهو أَولى، وذلك أَنه لا يهتدي إِلى أَن يقول مثل ما يقول، وهو لا يسمع إِلا أَنه يعلم أَنه يؤذن. ... (تقرير)
(448- صدقت وبررت لا يجاب بهما)
قوله صلى الله عليه وسلم ((فَقُوْلُوْا مِثلمَا يَقُوْلُ)) يدل على أَنه يقول: الصلاة خير من النوم.
وهذه تشابه ((حي على الصلاة)) بأَنه لا يتعبد بها الإِنسان في جلوسه أَو وهو قائم. أَما ((صَدَقتَ وَبَررْتَ)) فإِنما جاءت في حديث ضعيف. ولهذا يختار من يختار أن يقول الصلاة خير من النوم. فالصحيح والله أَعلم أَنه لا يجيب بصدقت وبررت.
فإِن قيل: تركتم حي على الصلاة إِلى لا حول ولا قوة إِلا بالله؟
قيل ذلك ثبت فيه الدليل وهذا لم يثبت. وأَيضًا بيهما فرق إِذا قال في مكانه حي على الصلاة يناندي نفسه؟! أَما الصلاة خير من النوم فإِنها تنفير عن النوم في هذا الوقت. وأَسمع بعض الناس يجمع بينهما: يقول الصلاة خير من النوم، صدقت وبررت ولكن ليس على أَصل. بل الأَولى النظر في الأَدلة. ... (تقرير)
(449- ((أَقامها الله وأَدامها)) )
يقوله بعض العوام ولهم أَجرهم، لكن نعرف أَنها (1) لا تقال وحدها إِجابة للإِقامة. بل يقول: الله أَكبر ... الخ. ومثله رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ونحوها.
وإِذا قال: قد قامت الصلاة. قال: أَقامها الله وأَدامها. لأَنه جاء في حديث ابن عمر ((إِلا أَنه يقول عند الإِقامة: أَقامها الله وأَدامها)) .
_________
(1) أي أقامها الله وأدامها.(2/135)
س: - الحديث ما فيه مقال؟
جـ: - ما فيه مقال يصل إِلى عدم الاحتجاج. وبعض الناس يقول هو مقيس على الأَذان. لكن فيه حديث خاص. ... (تقرير)
(450- قوله: ويستحب للمؤذن والمقيم اجابة أَنفسهما)
والقول الآخر عدم استحبابه وهو أَولى. هو أَتى بهذا اللفظ ولا جاء ما يدل على أَنه يجيب نفسه. يكفي أَذانه هو، حصل له شيء ما حصل للمجيب، والمجيب إِنما يجيب لاشتراكه مع المؤذن. ... (تقرير)
(451- المقام المحمود)
قيل الشفاعة العظمى، وقيل إِنه إِجلاسه معه على العرش كما هو المشهور من قول أَهل السنة.
والظاهر أَن لا منافاة بين القولين، فيمكن الجمع بينهما بأَن كلاهما من ذلك. والإِقعاد على العرش أَبلغ (1) .
(تقرير)
_________
(1) وقال ابن القيم رحمه الله: ((فائدة)) :
قال القاضي صنف المروزي كتابا في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر فيه اقعاده على العرش قال القاضي: وهو قول أَبي داود، وأحمد بن أصرم، ويحي بن أبي طالب، وأبي بكر بن حماد، وأبي جعفر الدمشقي، وعياش الدوري، واسحق بن راهويه، وعبد الوهاب الوراق، وإبراهيم الأصبهاني، وإبراهيم الحربي، وهرون بن معروف. ومحمد بن إسماعيل السلمي، ومحمد بن مصعب العايد، وأبي بكر ابن صدقة، ومحمد بن بشر بن شريك، وأبي قلابة، وعلي بن سهل، وأبي عبد الله بن عبد النور وأبي عبيد، والحسن بن فضل، وهرون بن العباس الهاشمي، واسماعيل ابن ابراهيم الهاشمي، ومحمد بن عمران الفارسي الزاهد، ومحمد بن يونس البصري، وعبد الله بن الامام أحمد، والمروزي، وبشر الحافى، انتهى. (قلت) : وهو قول ابن جرير الطبري، وامام هؤلاء كلهم مجاهد امام التفسير، وهو قول أبي الحسن الدارقطني ومن شعره فيه:
حديث الشاعة عن أحمد ... * ... الى أحمد المصطفى مسنده
وجاء حديث باقعادة ... * ... على العرش أيضًا فلا نجحده
أمروا الحديث على وجهه ... * ... ولا تدخلوا فيه ما يفسده
ولا تنكروا أَنه قاعد ... * ... ولا تنكروا أنه يقعده(2/136)
(452- الدعاء بعد الأذان)
بعض الأَزمنة والأَمكنة أَخص مثل المسجد الحرام والنبوي والأَقصى. وكذلك المشاعر هي تبع للمسجد الحرام، فيتبعه الحرم وما ليس بحرم وهو مشعر. ... (تقرير)
(453- تحريم الخروج من المسجد فيه تفصيل)
إِن كان بلا داعي ولا غرض له صحيح حرم، وذلك أَن صورته صورة من ينصرف عن المسجد لا يصلي. أَما إِذا كان يريد الصلاة في مسجد آخر أَو له عذر أَو ناويًا الرجوع والوقت متسع فلا يحرم. ... (تقرير)(2/137)
باب شروط الصلاة
(454- التوقيت الزوالي والغروبي)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة صاحب السمو الملكي وزير الإِعلام بالنيابة ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد جرى اطلاعنا على خطابكم رقم م-و-ط-124 وتاريخ 26-5-1387 هـ بخصوص رغبة وزارة الإِعلام استعمالها في بثها الإِذاعي التوقيت الزوالي مجاراة للعالم وإِزالة للصعوبات التي يواجهها راغبو الاستماع إِلى برامج إِذاعتنا. إِلى آخر ما ذكرتم.
ونفيد سموكم أَن عدم مجاراة العالم في أُمور شكلية كمسأَلة التوقيت لا يؤثر بحال على كياننا الدولي. وتمسكنا بتوقيتنا المحلي أَمر نحتاجه جدًا في أُمور العبادات كالصلوات والصيام وغير ذلك، ولن نجد فيما نستعيضه به ما يقابل منافعه، وفيه إِرباك العامة بأَمر لم تتهيأْ نفوسهم إِليه، فضلا عما فيه من التقليد والتبعية والتشبه. وتستطيع وزارة الاعلام أَن تجمع في توقيتها البث الإِذاعي بين التوقيتين المحلي والزوالي كأَن تقول مثلاً: تأْتيكم نشرة الأَخبار الأولى في الساعة الواحدة صباحًا بالتوقيت المحلي، الموافق الساعة كذا بالتوقيت الزوالي. وهكذا سائر برامجها الإِذاعية. ونسأَل الله لمعاليكم التوفيق والثبات والسداد.. والله يحفظكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-2887-1 في 16-7-1387 هـ)(2/139)
(455- ضبط الزوال بالساعة)
وقت الزوال في الساعة لا يختلف صيفًا ولا شتاء ولا ربيعًا ولا خريفًا فيمكن ضبط الزوال به. وذلك أَن ينظر من طلوع الشمس إِلى غروبها كم هو من ساعة فينصفه، وهذا لا يختلف في أَي بلد، ولا يختص برأْي أَ ... حد. إِلا أَن الظل ما فيه صعوبة وهو أَبين شيء. ... (تقرير)
(456- قوله: وتحصل فضيلة التعجيل بالتأهب أول الوقت)
ظاهر العبارة أَنه نظير ما لو صلى بالفعل. ولعله إِذا كان بالفعل أَكمل فضيلة ممن عجل بالقوة، ومما يدل على أَصل المسأَلة: (*) (1) فإِن التعجيل دليل صفة الإِيمان كما أَن التأْخير من صفات المنافقين. ... (تقرير)
(457- تأخير الأَذان إِلى الساعة السادسة صيفًا للابراد بالصلاة)
من محمد بن إِبراهيم إِلى إِمام ومؤذن مسجد......
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
نظرًا لاشتداد وطئة الحر، ولما في الأَحاديث الصحيحة من الابراد بالظهر. قال صلى الله عليه وسلم: ((إِذا اشتدَّ الْحَرُّ فأَبْردُوْا بالظُّهر فإِنَّ شِدَّة الْحَرِّ مِن فيْح جهنَّم)) . متفق عليه من حديث أَبي هريرة.
لهذا أَمرنا بالابراد بصلاة الظهر. وبتأْخير الأَذان إِلى تمام الساعة السادسة. أَما الصلاة فبعد الأَذان بثلث ساعة حسب التعليمات
_________
(1) سورة طه - 84.(2/140)
السابقة (1) فيتعين على الجميع مراعاة هذا وأَن لا يؤذن للظهر إِلا إِذا تمت الساعة السادسة، وذلك اتباعًا للسنة، ورفقًا بالناس ومراعاة لأَحوالهم.
وعليكم بالمواظبة على هذا، وحث الناس على الصلاة، وتخولهم بالموعظة في كل فرصة مناسبة، والتعاون على البر والتقوى، ويكون العمل بهذا اعتبارًا من غرة ربيع الأَول عام 1388 هـ إِن شاء الله. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-569-1 في 22-2-1388 هـ)
(458- فيح جهنم)
س: - ((فإِن شِدَّة الْحَرّ مِن فيْح جهنَّمَ)) هل هو حقيقة أَو كناية؟
جـ: - المعروف الأَول، فإِن مذهب أَهل السنة والجماعة الإِيمان بالغيب وأَنه حقيقة. فمثل هذا يؤمن به كما جاء، وفي الحديث ((أَنَّ النَّارَ اشتكت إِلى رَبّها فأَذِنَ لها بنفسَيْن)) (2) والكيفيات من أُمور الغيب، ولا يجوز السؤال عنها، ولا وصول إِلى علمها. ... (تقرير)
(459- س: هل ما بين الزوال الى العصر أطول مما بين العصر والمغرب؟
جـ: - من الناس من يصرح أَن حصة الظهر الربع، وحصة العصر كذلك. وحديث ((مَن يَعْمَل لِيْ غدْرَة إِلى نِصفِ النَّهار عَلى قِيْرَاط فعَمَلتِ الْيَهُوْدُ. ثُمَّ قال: مَن يَعْمَلُ لِيْ مِن نِصْفِ النَّهار إِلى صلاةِ الْعَصر على قِيْرَاط فعَمِلتِ النَّصارَى. ثمَّ قال مَن يَعْمَل لِيْ مِن الْعصْر إِلى أَن تغِيْبَ الشَّمْسُ على قِيْرَاطيْن فأَنتمْ همْ،
_________
(1) وتقدمت في باب الأذان برقم 466 في 18-5-78 هـ و 28635 في 7-8-80 هـ.
(2) متفق عليه عن أَبي هريرة.(2/141)
فغضِبَتِ الْيَهوْدُ وَالنَّصَارَى فقالوْا مَا لنا أَكثرُ عَمَلا وَأَقلُّ أَجْرًا)) ظاهره أَن حصة العصر أَقل. ففي الصيف يتقاربان، وهو مراد من قال بتساويهما، وأَكثر السنة حصة الظهر أَطول في الغالب، والحديث هو الأَصل.
وعندنا نصوص مصرحة بوقت العصر فهذا هو الضابط والاعتبار به في تحديد الوقت. ... (تقرير)
(460- بعض الصلوات أَفضل)
تعرف أَن الصلوات وإِن شملتهن الفضيلة فبعضهن أَفضل من بعض، كما أَن كلام الله بعضه أَفضل من بعض، ولهذا في الحديث ((مَن حَافظ عَلى الْبَرْدَيْن دَخل الْجَنَّة)) (1) . ((فإِن اسْتطعْتمْ أَن لا تغلبُوْا عَلى صلاة قبْل طلوْع الشَّمْسِ وَصَلاة قبْل غرُوْبها فافعَلوْا)) (2) . ... (تقرير)
(461- وقت المغرب إلى مغيب الحمرة)
وقت المغرب ليس فيه ضرورة، وخروجه عقيب الشفق وهو الحمرة فإِذا غابت خرج. وأَما البياض فليس معلقًا به شيء من هذا فيدخل وقت العشاء وباق شيء من البياض. ومنهم من يقول إِلى غيبوبة البياض. والأَول أَصح، وتؤيده اللغة. الشفق اسم للحمرة لا للبياض. ... (تقرير)
_________
(1) عن أبي موسى رضي الله عنه أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى البردين دخل الجنة)) متفق عليه. البردان الصبح والعصر.
(2) متفق عليه.(2/142)
قوله: ويسن تعجيلها.
إِلا أَنه تقدم أَنه يصلي ركعتين (1) . ... (تقرير)
(462- قوله: ألا ليلة جمع لمن يباح له الجمع
تقييدهم هنا احتراز عمن لا يسوغ له الجمع - يعني بخلاف المكي ومن دونه إِلى المشاعر كصاحب منى. وآخرون من أَهل العلم يجوزون لهم ذلك، وهذا هو الصحيح؛ فإِنه لم يجىء لهم حكم خاص زمن النبي صلى الله عليه وسلم. أَما ((أَتِمُّوْا يَا أَهل مَكَّة)) فإِنه قاله عام الفتح. ... (تقرير)
(463- اذا تبين الفجر قبل مغيب الشفق وجبت العشاء)
من لا يوجد عندهم وقت عشاء وهم بعض أَهل البلدان الشمالية يتبين الفجر قبل مغيب الشفق وهو الحمرة. تكلم في صلاة العشاء هل تجب عليهم، أَم لا. وهذه المسأَلة مشهورة وما صدر لبعض العلماء من الفتوى فيها وجواب السرخسي ووافقه المرغيناني على أَن الوقت سبب الوجوب، ثم الحلوني أَنكر ذلك وقال لمن أَفتى بالسقوط ما تقول فيمن ترك واحدة من الخمس؟ قال: كافر. فقال: أَنت تقول أَنها تسقط الصلاة. فقال له الآخر: أَسأَلك لو ترك الأَقطع فرضا.
الله أَعلم أَنه يترجح أَنه لا يسقط العشاء، فالأَوقات الخمسة لمن كانت عندهم الأَوقات الخمسة. أَما من ليس عندهم وهم مسلمون فأَي شيء يسقطها؟! ... (تقرير)
_________
(1) جاء في ذلك أحاديث منها ما رواه مسلم وأبو داود بلفظ ((كنا نصلي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب ... )) وشرعية الأذان للاعلام بدخول الوقت وترك الفرصة للوصول إلى المسجد. وتقدم حديث ((واجعل بين اذانك واقامتك بقدر ما يفرغ الآكل من أكله ... )) .(2/143)
(464- الجمع بين أَحاديث إلى ثلث الليل وإلى نصفه)
وقت الاختيار إِلى ثلث الليل، وهذا في رواية. ورواية أُخرى إِلى نصفه. وكلّ جاء في الأَحاديث الثابتة. والذي يقول كما اختاره بعض المحققين إِلى نصف الليل (1) وذلك أَنه إِذا قيل إِلى نصفه دخل فيه الثلث فصار معتبرًا للزيادة التي في الحديث من الثلث إِلى النصف فحكمها قبولها فإِنها زيادة لا تنافي. ... (تقرير)
(465- الحكمة في النهي عن الحديث بعد العشاء)
كراهية الحديث بعد العشاء كراهية تنزيه. ثم الكراهية للحديث والسمر بعدها لأمور:
(أَحدها) : أَنه لا يكون نائمًا على خاتمة نهاره براتبتها أَو الوتر معها إِن كان لا يوتر آخر الليل.
(الثاني) أَنه يخشى عليه إِذا سهر أَن يفوت الوتر أَو يفوت صلاة الفجر في جماعة وهي واجبة أَو يفوت الفجر مطلقًا. والآن لضعف الإِيمان ولغلبة الأَطماع والمادة واستثقال ذكر الله كثير من الناس كثير من أَعمالهم إِلى الساعة السادسة بيع وشراء وتخليط أَحاديث وبعضهم عند الراديوات التي وصلتهم بالكفار وتهجين الحق ورفع الباطل بالتصريح أَو التلويح. ... (تقرير)
(466- الجمع بين أحاديث التغليس والاسفار)
أَحاديث التغليس أَشهر وأَكثر وأَصح (2) وحديث ((اسْفِرُوْا)) (3) ثابت. والجمع أَن المراد تحقق الفجر واتضاحه ويكون مع هذا
_________
(1) له وجه.
(2) ومنها حديث ابن مسعود ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلاة بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر)) رواه أبو داود.
(3) ((أسفروا بالفجر)) أخرجه الستة.(2/144)
تغليس بل مبالغة في التغليس. أَو أَن المراد باعتبار الخروج منها وينزع بحديث ((أَسْفِرُوْا)) بعض الحنفية، ويقابلهم الشافعية أَو كثير منهم في الصلاة قبل الفجر، وتوسط الجمهور وأَجابوا بالجوابين السابقين. ... (تقرير)
(467- العمل بالساعات عند الحاجة)
مسأَلة: جنس الساعة والعمل بها عند الغيم أَمر معروف. فالناس عند الغيم المطبق ما يرجعون إِلا إِلى الساعة، فلا مانع من العمل بها. إِلا أَنه يحتاط شيء، ولا ينبغي التأْخير الكثير، وإِذا كانوا جماعة فينبغي الاحتياط في عدة ساعات، والشريعة فيها يسر. ولا ينبغي أَن يقال: عند هذه الدقيقة زالت الشمس، ولا أَن يقول: أَنا استويت أَنا والمؤذن أَنا معي ساعة والمؤذن معه ساعة؛ لأَن هذا من فتح الباب للجهال.
لكن فيه أَشياء تكون عمومية للناس ما هي بخاصة فهذا لا يبنى فيها على الساعة. (1) ... (تقرير)
(468- الوقت لا يدرك إلا بركعة)
قوله: وتدرك الصلاة بتكبيرة الإِحرام في وقتها، لحديث ((من أَدرك سجدة)) (2) . لكن السجدة هي الركعة، والروايات المشهورة المعروف فيها الركعة وهذا أَرجح. ... (تقرير)
(469- من فاتته صلاة العصر هل يصليها ولو وقع بعضها بعد الغروب)
(الرابع) : رجل فاتته صلاة العصر ولما قرب وقت المغرب
_________
(1) كغروب الشمس وطلوع الفجر والزوال اذا كانت صحوا.
(2) كما في رواية للبخاري: ((إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أَن تغرب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته)) . ويأتي حديث أبي هريرة.(2/145)
بحيث أَنه لابد أَن يفعل بعضها بعد أَذان المغرب فهل يصليها أَو يؤخرها حتى تغرب الشمس.
والجواب: يصليها ولو وقع بعضها قبل الغروب وبعضها بعده، والأَصل في ذلك ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما بالسند إِلى أَبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قال: ((مَن أَدْرَك رَكعةً مِن الصُّبْح قبْل أَن تطلعَ الشَّمْسُ فقدْ أَدْرَك الْفجْرَ وَمَن أَدْرَك رَكعَة مَن الْعَصر قبْل أَن تغرُبَ الشَّمْسُ فقدْ أَدْرَك الْعَصْرَ)) أَما إِن كان التأْخير بسبب نوم ونسيان فلا إِثم عليه، لما رواه مالك في الموطأ بسنده إِلى النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال: ((مَن نامَ عن صلاة أَوْ نسيَها فليُصلِّيْها إِذا ذكرَها لا كفَّارَة لها إِلاَّ ذلِك)) . فإِن كان التأْخير عمدًا فهذا متلاعب وعليه إِثم التأْخير، وهو تحت مشيئة الله إِن شاء عفا عنه وإِن شاء عذبه، والواجب عليه أَن لا يعود إِلى مثل ذلك وأَن يستغفر ويتوب إِلى الله.
(ص-ف-3626-1 في 21-11-88 هـ)
(470- يصلي المغرب أولا ولو فاتته الجماعة للعشاء)
(المسأَلة الثالثة) : وهي حكم مسافر قصد المسجد فوجد رفقته قد صلوا المغرب وشرعوا في صلاة العشاء فهل يصلي معهم العشاء ثم يأْتي بالمغرب أَو ماذا يفعل.
والجواب: أن الترتيب بين الصلوات واجب بالاتفاق، فيجب أَن يصلي المغرب أَولا، قال الفقهاء رحمهم الله: ويسقط الترتيب بنسيانه وبخشيته خروج وقت اختيار الحاضرة. واختلفوا هل يسقط أَيضًا بخشية فوات الجماعة كما في مسأَلتنا هذه، أَم لا. فالمشهور من المذهب أَنه لا يسقط. فلابد حينئذ أَن يصلي المغرب(2/146)
أَولا ولو فاتته صلاة العشاء في الجماعة، ثم يأْتي بصلاة المغرب بعد ذلك، وقد مر بك أَن الاحتياط في مثل هذه المسائل أَولى.
(ص-ف-1334-1 في 9-7-1383 هـ)
(471- سقوط الترتيب بجهل الوجوب)
قوله: ولا يسقط الترتيب بجهل الوجوب.
وقيل: يسقط. وفيه قوة؛ بل هو أَقوى. وأَما من جهل أَنها عليه ثم علم بعدما صلى حاضرة أَو فائتة - جهل واحدة قبلها أَنها عليه - أَو علم اختلال الشرط فهذا أَولى من النسيان. ... (تقرير)
(472- إن أمكن سرد الفوائت مرتبة والا وزعت)
من محمد بن إبراهيم إِلى جوزا بنت عبد الرحمن بن حتله ... سلمها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد اطلعنا على الكتاب الذي يتضمن السؤال عن الصلوات التي مضت وأَنت تحت العلاج، وجاء في الكتاب أَنها قرابة واحد وعشرين يومًا وهذا مع الاحتياط، وذكرتم أَن الأَوقات تبدأُ من الظهر أَو العصر؟
ونفيدكم أَنه يلزمكم قضاء تلك الفوائت مرتبة حسب الإِمكان فإِن أَمكن سردها في يوم واحد بلا مشقة تعين ذلك، والا تقسمين ذلك على حسب الطاقة مرتبة ذلك على حسب الأَيام والأَوقات من أَول يوم وأَول وقت، أَما الصيام فحيث تركه لأَجل المرض وقد صمتي ذلك بعد الشفاء فلا يلزمك من أَجله شيء. والسلام.
(ص-ف-886 في 6-6-1382 هـ)(2/147)
(473- هل على من نام ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس اثم، وهل يقضي ركعتي الفجر مع صلاة الفجر أَم لا؟)
وأَما من نام ولم يستيقظ إِلا بعد طلوع الفجر فلا إِثم عليه، لما روى الترمذي في (باب النوم عن الصلاة) من جامعة من حديث أَبي قتادة رضي الله عنه، أَنه قال: ذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة فقال: ((إِنَّه ليْسَ فِيْ النَّوْم تفريْطٌ إِنَّمَا التفريْط فِيْ الْيَقظةِ، فإِذا نسيَ أَحَدُكمْ صلاة أَوْ نامَ عنها فليُصلِّها إِذا ذكرَها)) قال الترمذي: حديث أَبي قتادة هذا حديث حسن صحيح. قال: وفي الباب عن أَبي مسعود وأَبي مريم وعمران بن حصين وجبير بن مطعم وأَبي جحيفة وأَبي سعيد وعمرو ابن أُمية الضمري وذي مضير وهو ابن أَخي النجاشي. اهـ.
وأَما قضاء المستيقظ من النوم بعد طلوع الشمس سنة الفجر مع الفجر فيدل عليه ما جاء في حديث أَبي قتادة رضي الله عنه عند مسلم في قصة نوم النبي صلى الله عليه وسلم وأَصحابه عن صلاة الصبح منصرفه من خيبر فإِن فيه ((ثمَّ صلَّى - أَي رسول الله صلى الله عليه وسلم - رَكعَتيْن قبْل الصُّبح ثمَّ صلَّى كمَا كان يُصلِّيْ)) وعنده من حديث أَبي هريرة في هذه القصة أَيضًا ((ثمَّ دَعا بمَاءٍ فتوَضَّأَ ثمَّ صلَّى سَجْدَتيْن - أَي ركعتين - ثمَّ أُقِيْمَت الصَّلاة فصلَّى صلاة الْغدَاةِ)) وللنسائي من حديث جبير بن مطعم ((ثمَّ أَذَّنَ بلالٌ فصلَّى رَكعَتيْن وَصلُّوْا رَكعَتيْ الْفجْر ثمَّ صلُّوْا الْفجْرَ)) ولابن خزيمة والدارقطني من طريق سعيد بن المسيب عن بلال في هذه القصة ((فأمَرَ بلال فأَدَّن ثمَّ توَضَّأَ فصلُّوْا(2/148)
رَكعَتيْن ثمَّ صلُّوْا الْغدَاة)) ونحوه للدارقطني من طريق الحسن عن عمران بن حصين.
وممن استدل بهذه القصة على قضاء سنة الفجر مع الفجر شيخ الإِسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم قال شيخ الإِسلام في الجزء الأَول من ((فتاواه المصرية)) : أَما الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه كان يصلي في السفر من التطوع فهو ركعتا الفجر. حتى إِنه لما نام عنها هو وأَصحابه منصرفين من خيبر قضاهما مع الفريضة هو وأَصحابه. وذكر في موضع آخر: أَن المسارعة إِلى قضاء الفوائت الكثيرة أَولى ن الاشتغال عنها بالنوافل. ثم قال: وأَما مع قلة الفوائت فقضاء السنن معها حسن؛ فإِن النبي صلى الله عليه وسلم لما نام هو وأَصحابه عن الصلاة - صلاة الفجر عام خيبر - قضوا السنة والفريضة، ولما فاتته الصلوات يوم الخندق قضى الفوائت بلا سنن. وقال ابن القيم في ((زاد المعاد)) بعد كلامه على فوائد هذه القصة: فيها أَن السنن الرواتب تقضى كما تقضى الفرائض، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الفجر معها، وقضى سنة الظهر وحدها، وكان هديه صلى الله عليه وسلم.
(ص-ف-64 في 4-1-1380 هـ)
(ستر العورة)
(474- صحة صلاة مكشوف الرأْس)
ورد إِلى دار الإِفتاء بواسطة الإِذاعة سؤال من عبد الله بن سعيد يقول فيه: هل صحيح أَن الصلاة تعتبر باطلة إِذا كان الإِمام مكشوف الرأْس. أَرجو التدليل ببعض الأَحاديث.
فأَجاب سماحة المفتي بالجواب التالي:(2/149)
لا يصح القول ببطلان صلاة مكشوف الرأْس إِمامًا كان أَو غيره. ومن الأَحاديث الدالة على ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن عمر بن أَبي سلمة ((أَنَّه رَأَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ يُصليْ فِيْ ثوْب وَاحِد فِيْ بَيْتِ أُمّ سَلمَة قدْ أَلْقى طَرَفيْهِ على عاتِقيْهِ)) ، ومنها ما رواه البخاري في صحيحه في ((باب الصلاة بغير رداء)) عن محمد بن المنكدر قال: ((دخلت على جابر بن عبد الله وهو يصلي في ثوب ملتحفًا به ورداءه موضوع فلما انصرف قلنا يا أَبا عبد الله تصلي ورداءك موضوع. قال نعم أَحببت أَن يراني الجهال مثلكم رَأَيْت النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ يُصلِّيْ هكذا)) بلفظ: ((صلى جابر في ازار قد عقده من قبل قفاه وثيابه موضوعة على المشجب فقال له قائل: تصلي في ازار واحد؟ فقال: إِنما صنعت ذلك ليراني أَحمق مثلك، وأَينا كان له ثوبان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وروى أَبو داود في سننه في ((باب الرجل يصلي في قميص واحد)) عن محمد بن عبد الرحمن بن أَبي بكر عن أَبيه قال: ((أَمنا جابر بن عبد الله في قميص ليس عليه رداء فلما انصرف قال إِني رأَيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في قميص)) . والأَحاديث الثابتة في هذا المعنى كثيرة لا تخفى على أَئمة العلم، ولذلك يذكرون تخمير المصلي رأْسه بالعمامة وما في معناها من المستحبات، وممن نص على استحبابه المجد في شرحه، ثم قال: ونحن لاستحباب التوبين والعمامة لإِمام أَشد، نصل عليه؛ لأَنه المنظور إِليه والمقتدى به.
أَما ((باب الإِجزاء)) فيذكر الفقهاء أَن من صلى في ثوب واحد بعضه على عاتقه أَجزأَه، واستدلوا بحديث عمر بن أَبي سلمة المتقدم(2/150)
وما في معناه من الأَحاديث، بل ذكر الفقهاء أَن انكشاف جزء يسير من العورة لم يفحش في النظر إِليه لا يبطل صلاة الإِمام والمأْمومين، لما رواه أَبو داود في سننه عن عمر بن سلمة قال: كنا بحاضر (1) يمر بنا الناس إِذا أَتوا النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إِذا رجعوا مروا بنا فأَخبرونا أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا وكنت غلامًا حافظًا فحفظت من ذلك قرآنًا كثيرًا فانطلق أَبي وافدًا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه فعلمهم الصلاة فقال ((يَؤمُّكمنْ أَقرَأَكمْ)) وكنت أَقرأهم لما كنت حفظت فقدموني فكنت أَؤمهم وعلي بردة لي صغيرة صفراء فكنت إِذا سجدت تكشفت عني فقالت امرأَة من النساء واروا عنا عورة قارئكم فاشتروا لي قميصًا عمانيًا فما فرحت بشيء بعد الإِسلام فرحي به فكنت أَؤمهم وأَنا ابن سبع أَو ثمان سنين)) وفي رواية أُخرى عند أَبي داود: ((فكنت أَؤمهم في بردة موصلة فيها فتق فكنت إِذا سجدت خرجت استي)) وقد انتشر هذا الخبر في عهد النبوة لوم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
ما دام الأَمر هكذا فمن باب أَولى كشف الرأْس للرجل الذي أَجمع أَهل العلم على أَنه ليس بعورة، وأَوجب الشرع في الحج والعمرة كشفه في الصلاة وغيرها. هذا ومما يذكر في هذا الباب ما رواه أَبو داود في سننه في ((باب الخط إِذا لم يجد عصا)) قال حدثنا عبد الله بن محمد الزهري: ثنا سفيان بن عيينة قال: رأَيت شريكًا صلى بنا في جنازة العصر فوضع قلنسوته بين يديه. يعني
_________
(1) الحاضر القوم النزول على ماء يقيمون به، وربما جعلوه اسما لمكان الحضور.(2/151)
في فريضة حضرت.
انتهى الجواب. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(من الفتاوي المذاعة)
(475- العورة لا تكشف إلا للأَمراض الخطرة)
قوله: ويباح كشفها لتداو.
وحتى المغلظة، إِلا أَن المغلظة لا تكشف إِلا للأَمراض الخطرة من حيث خوف التلف واستمرار المرض. أَما الأَمراض الخفيفة فلا أَظنها تدخل في كلامهم. وهذا المذكور سواء كان من الرجل أَو المرأَة، لكن المرأَة لا ينظر إِليها رجل؛ بل امرأَة، وإِن كان واجب سترها عن المرأَة، لكن المرأَة أَخف، لأَن ما يسبب الفتنة معدوم في حق المرأَة.
والتداوي المراد عن الأَمراض. وإِلا لمزيد القوة - وهو الذي انهمك فيه كثير من الناس كون الرجل يكشف عن وركها لأَجل مرض بسيط أَو للقوة - هذا ما لا ينبغي، وهذا مفسدته كبيرة وشره عظيم، لكن الجو هذا جو ما يفعله الناس لا ما يجيزه الشرع. هذا عند كثير من الناس. (1) ... (تقرير)
(476- قوله: ولزوج)
ثم كشف عورتها لزوجها إِلى آخر الصور المذكورة. ظاهر العبارة أَنه مطلقًا ليس عند إِرادة الحاجة منها، إِلا أَن الاحتشام شيء مطلوب، كون الإِنسان يتصف بالحشمة والتستر مهما أَمكن إِلا للحاجات فهذا شيء معلوم الأَولوية. (2) ... (تقرير)
_________
(1) قلت: وانظر ما يتعلق بكشف الطبيب على عورة المرأة في كتاب الطب في ((الجنائز)) وفي أول ((كتاب النكاح)) .
(2) قلت: لقول عائشة: لم أر ذلك منه، ولم ير ذلك مني حتى فارق الدنيا.(2/152)
(477- الفرق بين العورة في الصلاة والعورة في النظر)
قوله: وكل الحرة عورة إِلا وجهها.
الحرة البالغة عورة في الصلاة إِلا وجهها فليس بعورة، بل والمشروع أَن تصلي كاشفة وجهها، ولو صلت مغطية صحت الصلاة لكنها تركت الأولى. وهذا بالنسبة إِلى انفرادها عن أَجنبي، ففرق بين عورتها في النظر، وعورتها في الصلاة، فعورتها في الصلاة يخرج الوجه. وفي غيرها يكون منها؛ فإِن السفور محرم فهو محرم في الطواف والصلاة وغير ذلك، وإِنما حرم لما يسببه من الفتنة. والمحاسن الداعية إِلى الشهوة وإِلى مسبباتها هي في الوجه، وإِن كان النظر إِلى محل الجماع من ناحية داع، وكل شيء من محاسن المرأَة، لكن في الوجه خصوصية من نوع آخر.
الحاصل أَن المخدوعين بالسفور فتحوا بابًا كبيرًا إِلى السفور وإِن كان قد قاله من قاله من الأَئمة فهو مجتهد وهم مثابون على اجتهادهم ومعذورون، لكن الحق اتباع الحق مع من كان حيث كان (1) . ... (تقرير)
(478- قوله: وابن سبع الفرجان)
وهذا بالنسبة إِلى النظر واللمس لا بالنسبة إِلى الصلاة. وبهذا يعرف أَن من دون السبع لا عورة له. (2) ... (تقرير)
(479- الدرع، والخمار، والملحفة، والنقاب)
قوله: في درع.
هو القميص، والمرأَة تسميه الدراعة. وهما واحد.
_________
(1) قلت: وقد جمعت ما يتعلق بالسفور من الفتاوي في ((كتاب النكاح، مع حكم النظر إِلى المخطوبة هناك فليرجع إليه من أراده.
(2) وانظر فتوى في تحديد عورة الطفل في كتاب النكاح (2700 في 21-9-85 هـ)(2/153)
قوله: وخمار.
الآن في مكانه الشيلة. والشيال الآن الغالب أَنه ما يكفي واحدة لابد من اثنتين أَو خمار صفيق لا يصف. ثم هنا لبس الخمر الرقيقة داخل في لبس الرقيق. هذا من ((كاسِيَات عاريَات)) . قوله: تدبر منه تحت الحنك.
وهكذا الخمار الموجود إِلا أَنهن هنا يزدن فيه لا للستر بل للبذخ والاسبال.
قوله: ومسلحفه:
في مكانه المشلح هذا - إِلا أَنهن صرفنه لاتخاذ البذخ بإِطالته - (1) والجلال. ولم يذكروا صلاتها في سراويل ولا في ازار. فهذا ربما أَن ذاك متخذًا عادة وهذا شيء زائد، أَو أَن ذلك ليس مستحبًا إِذا حصل الشيء المذكور، لا سيما على كلام الأَصحاب أَن القدمين تظهر فتكون هذه زيادة، كما أَن صلاة الرجل في ثوبين ويجزيه واحد.
قوله: وتكره صلاتها في نقاب:
بعضهن يجعلنه ضيقًا: وبعضهن يجعلنه واسعًا يبدي من حسن العين ولون الوجه. ويجعل الضيق غالبًا الابكار ومن تستحي. ولعل هذا ما فيه محذور. والواسع منه هل يصير ممنوعًا أَو لا؟ فيه البحث. وهل تسمى سافرة أَم لا؟ أَما إِطلاق السفور فليس بسفور. لكن هل هذا المتوسط أَو أَوسع منه ممنوع أَم لا؟ هذا يحتاج إِلى دليل، ولهذا تذكر الأَحكام في الإِحرام ويسمى مغطى. وبكل حال لا ينبغي أَن
_________
(1) قلت: وما ذكر في زيادة الشيلة والبشت قد زال ووجد البسة أخرى يأتي الجواب عنها في الفتوى الخاصة بالكرته وحمالات الثديين والثياب القصيرة والرقيقة.(2/154)
يجعل واسعًا، يجعل نقاب ضيق بقدر الحاجة، ولا يجعل ما يبدي العين كلها ولون البشرة حولها. ... (تقرير)
(480- قوله: أو صلى في مكان غصب)
ونعرف أَن هذا في البقعة التي استولى عليها تملكًا بأَن غصب رقبة الأَرض، وسواء كان غصبًا بالذات أَو في صورة محكوم فيها بأَنه في حكم الغصب. أَما لو صلى في أَرض ما درى صاحبها أَو منعه فأَبى فالصلاة صحيحة. ... (تقرير)
(481- قوله: فان لم يكفهما فالدبر)
وإِذا كفت منكبه وعجزه جميعًا فيستعمل ذلك ولو لم يستوعب العورة. هذا في الفريضة على هذا القول. والقول الثاني أَنه يستر العورة. ولا يستر المنكب. وإِذا علمنا فيما سبق أَنه لا يجب ستر المنكب علمنا قوة هذا القول وأَمنه هو الراجح في الدليل إِن شاء الله كأَصل المسأَلة فيستر العورتين ويتركب المنكب. ... (تقرير)
(482- قوله: ويكره فيها شد وسطه كزنار)
ومفهومه أَنه لا يكره خارجها. وقيل بالتحريم، لعموم المنع، وهو الأَرجح، وهو ظاهر الأَدلة. أَما ما لا يشبه الزنار كالحياصة والسبته فلا يكره. (1) ... (تقرير)
(483- قوله: ويجوز الاسبال من غير الخيلاء للحاجة)
كآفة في رجله فلا تحريم. وكون ما تحت الكعب حرام إِذا فعل ذلك خيلاء وتعاظمًا. وكون الإِنسان يرتخي إِزاره بغير اختيار منه كأَسفل من الكعبين أَو إِلى الأَرض بحيث إِذا فطن له رفعه فهذا
_________
(1) وانظر شد الوسط بما يشبه الزنار في الفتوى اللاذقية في الزكاة ولبس السترة والبنطلون أَيضًا. ويأتي حكم التشبه بأَهل الكتاب في الجهاد.(2/155)
لا يضر. وقال أَبو بكر: إِن ازاري يرتخي إِن لم أَتعاهده. فقال: ((لسْت مِمَّن يَجُرُّه خيَلاء)) . (1) ... (تقرير)
(484- قوله: ويحرم التصوير)
أَي على صورة حيوان: من إِنسان ودابة وطير ونحو ذلك من ذوات الأَرواح. ثم التصوير لا فرق بين ما يمسك باليد - وبعضهم يعرفه بما له ظل - وما ليس مستقلا كفى قرطاس أَو بصبغ أَو نسخ كله ممنوع، لأَن المقصود الحصول على الصورة وإِدراكها بالبصر. وذكره النووي مذهب الأَئمة الأَربعة. وجميع العلماء إِلا ما روي عن بعض التابعين مستدلا بـ ((إِلاَّ رَقمًا فِيْ ثوْب)) والأَدلة مع الجمهور فإِنهما أَصح من هذا الحديث، وهذا الحديث ليس بصريح فإِنه مقيد (2) . فالذي عليه الجمهور وأَمهل العلم المنع منه مطلقًا، لما في سنن أَبي داود ((أَنَّ النَّبي صلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِيْ الْبَيْتِ لَمْ يَدْخُل حَتَّى أَمَرَ بهَا فَمُحِيَت)) ولما في صحيح مسلم ((أَنه صلى الله عليه وسلم بعث عليًا أَلا يَدَعَ صُوْرَةٌ إِلاَّ طَمَسَهَا وَلاَ قبْرٌ مُشرفًا إِلاَّ سَوَّاهُ)) والمحي والطمس لا يكون للمجسد، بل لما كان بالصبغ ونحوه. ويجب قبض وطمس ما يوجد منها. وأَغلظ من ذلك ما كان صنمًا يعبد فعلا، ويليه في ذلك ما يخشى من عبادته كمعظم. وأَصل التصوير إِنما كان للعظماء كما في قصة ود وسواع.. بل التصوير ملحق بالكبائر - والله أَعلم - لحديث ((كُلُّ مُصَوِّر فِيْ النَّار ... )) .
_________
(1) رواه البخاري عن ابن عمر ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر يا رسول الله ازاري يسترخي الا أن أتعاهده. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انك لست ممن يفعله خيلاء)) .
(2) وتقدم في الجزء الأول الجواب عنه.(2/156)
فهذه ثلاثة أَحكام: تصويرها. استعمالها. طمسها. لحديث أَبي الهياج في المسأَلة وفيها أَحاديث أُخر. (1) ... (تقرير)
(485- قوله: وان أزال منها ما لا يبقى معه حياة. الخ.)
كقطع الرقبة فهذا مناف للتعظيم. لكن هي تختلف منها ما لا يكفي فيه هذا كالأَصنام لحديث ((بُعِثتُ بكَسْر الأَصنَام)) . ... (تقرير)
(486- س: هل يصلي وفي يده ساعة أَم صليب)
جـ: - يمسح، ولا يصلي به، كالتصاوير لا تحمل في الصلاة والصلاة تصح. (2)
(487- قوله: لا اذا استويا)
الثوب الحرير البحث محرم اللبس، ومثله أَيضًا ما كان فيه خلط من حرير، وبعض يحد ذلك بأَن يكون النصف فأَكثر، ولكن الصواب أَن يعتبر في ذلك موضع أَربع أَصابع لحديث عمر (3) فإِذا كان ما في الثوب إِذا اجتمع بلغ هذا المقدار فما دون ساغ لبسه. وإن كان أَزيد فإِنه ممنوع اللبس. (4) ... (تقرير)
(488- س: الذي يجعل في مشلح)
جـ: - هو من الطراز إِذا كان أَربع أَصابع فلا بأْس. ... (تقرير)
_________
(1) قلت: وتقدم في توحيد الالهية حكم التصوير مبسوطا بالأَدلة، وتخريج أحاديثه هناك. ويأتي في الحسبة وباب الغضب بعض أَحكامه.
(2) ويأتي جواز لبس الساعة للرجال ما لم تكن مذهبة. في زكاة النقدين.
(3) ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير الا في موضع اصبعين أو ثلاث أو أربع)) أخرجه السبعة إلا مالكا.
(4) وانظر فتوى في لبس الحرير في (باب المسح على الخفين) بتاريخ 25-6-73 هـ.(2/157)
(489- س: اللاس - أبو غزالين)
عند ذكر الحرير فيه من ذكر مسأَلة وكتب فيها يشبه على وُجْد وَتَصَوّر وهو أَنه يقول: اللاس هذا أَبو غزالين، ذكر من له خبرة أَنه حرير، وقال: اختبرناه بالنار كما قال فوجدناه.
وهذا شي لم يحصل منا فيه اختبار. وهذا يحتاج إِلى اختبار دقيق، فإِنه قد يكون بعض الأَشياء تجتمع معه إِذا عرض على النار فإِذا تحقق ذلك فلو لم يكن إِلا البيان، وكونه رخيصًا مما يقرب أَنه ليس حريرًا. أَعرف أَنواعًا من اللاس في الأَزمان الماضية يتخذ منها بطاين وفيه نعومة، وكونه يعلق باليد صفة الحرير، ولكن بحث فيه في ذلك الوقت وعلم أَنه ليس بحرير. بعد وجود أَهل معرفة التحليلات الذين يحسنون هذه الأَشياء إِذا كان فنيًا وموثوقًا في دينه. (1) ... (تقرير)
(490- لبس المرأَة الكرته، وحمالات الثديين، والثياب الرقيقة والقصيرة ونحو ذلك)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة الشيخ المكرم عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إِلينا كتابك الذي تسأَل فيه عن حكم لباس المرأَة ما يبدي تقاطع بدنها من عضدين وثديين وخصر وعجيزة، وعن حكم استعمال حمالات الثديين. وعن لباس الثياب الرقيقة التي تصف البشرة. وكذلك الثياب القصيرة التي لا تستر الساقي
_________
(1) يعني: فيعرض عليه ويعتمد خبره في ذلك.(2/158)
والعضدين ونحو ذلك، وقد جرى تأَمل ما أَشرت إِليه: وحررنا فيها رسالة مستقلة ترون صورة منها برفقه. والسلام.
(ص-ف-127 في 8-6-1382 هـ)
((نص الرسالة))
إِن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إِليه، ونعوذ بالله من شرور أَنفسنا وسيئات أَعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأَشهد أَن لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له وأَشهد أَن محمدًا عبده ورسوله. صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأَصحابه ومن تبعهم بإِحسان إِلى يوم الدين.
من محمد بن إِبراهيم إِلى من يراه من إِخواننا المسلمين وفقني الله وإِياهم لما يرضيه، وجنبنا جميعًا أَسباب سخطه ومعاصيه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أَما بعد:
فقد تغيرت الأَحوال في هذه الأَزمان، وابتلي الكثير من النساء بخلع جلباب الحياء والتهتك وعدم المبالات، وتتابعت في ذلك وانهمكت فيه إِلى حد يخشى منه الانحدار في هوة سحيقة من السفور والانحلال، وحلول المثلات والعقوبات من ذي العزة والجلال، ذلك مثل لبسهن ما يبدي تقاطيع أَبدانهن من عضدين وثديين وخصر وعجيزة ونحو ذلك، ومثل لباس الثياب الرقيقة التي تصف البشرة، وكذلك الثياب القصيرة التي لا تستر العضدين ولا الساقين ونحو ذلك. ولا شك أَن هذه الأَشياء تسربت عليهن من بلدان الأفرنج ومن يتشبه بهم، لأَنها لم تكن معروفة فيما سبق(2/159)
ولا مستعملة، ولا شك أَن هذا من أَعظم المنكرات. وفيه من المفاسد المغلظة، والمداهنة في حدود الله لمن سكت عنها، وطاعة للسفهاء في معاصي الله، وكونه يجر إِلى ما هو أَطم وأَعظم. ويؤدي إِلى ما هو أَدهى وأَمر من فتح أَبواب الشرور والفساد، وتسهيل أَمر التبرج والسفور. ولهذا لزم التنبيه على مفاسدها، والتدليل على تحريمها والمنع منها، ونكتفي بذكر أُمهات المسائل ومجملاتها طلبًا للاختصار.
أَولا: - أَنها من التشبه بالإِفرنج والأَعاجم ونحوهم: وقد ثبت في الآيات القرآنية، والأَحاديث الصحيحة النبوية النهي عن التشبه بهم في عدة مواضع معروفة. وبهذا يعرف أَن النهي عن التشبه بهم أَمر مقصود للشارع في الجملة. وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه ((إِقتضاء الصراط المستقيم، في مخالفة أَصحاب الجحيم)) مضار التشبه بهم، وأَن الشرع ورد بالنهي عن التشبه بالكفار والتشبه بالأَعاجم والتشبه بالأَعراب. وأَنه يدخل في ذلك ما عليه الأَعاجم والكفار قديمًا كما يدخل ما هم عليه حديثًا. وكما يدخل في ذلك ما عليه الأَعاجم المسلمون مما لم يكن عليه السابقون الأَولون، كما أَنه يدخل في مسمى الجاهلية ما كان عليه أَهل الجاهلية قبل الإِسلام وما عاد إِليه كثير من العرب من الجاهلية التي كانوا عليها.
ثانيًا: - أَن المرأَة عورة، ومأْمورة بالاحتجاب والستر. ومنهية عن التبرج وإِظهار زينتها ومحاسنها ومفاتنها، قال الله تعالى: (*) الآية (1) . وقال تعالى: (*) (2) . وقال تعالى: (*) (3) .
_________
(1) سورة الأحزاب آية 59.
(2) سورة النور آية 31.
(3) سورة الأحزاب آية 33.(2/160)
وهذا اللباس مع ما فيه من التشبه ليس بساتر للمرأَة، بل هو مبرز لمفاتنها ومغرلها ومغربها من رآها وشاهدها، وهي بذلك داخلة في الحديث الصحيح عن أَبي هريرة رضي الله عنه أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صِنفان مِنْ أَهل النَّار مِن أُمَّتِيْ لمْ أَرَهمَا بَعدُ: نِسَاء كاسِياتٌ عاريَاتٌ مَائِلاتٌ مُمِيْلاتٌ على رُؤسِهنَّ كأَسْنِمَةِ الْبُختِ الْمَائِلةِ لا يدْخلن الْجَنَّة وَلا يَجدْن ريْحها، وَرجَالٌ مَعَهمْ سِيَاطٌ مِثل أَذناب الْبَقر، يَضربُوْن بها النَّاسَ)) . وقد فسر الحديث: بأَن تكتسي المرأَة بما لا يسترها فهي كاسية ولكنها عارية في الحقيقة، مثل أَن تكتسي بالثوب الرقيق الذي يصف بشرتها، أَو الثوب الضيق الذي يبدي مقاطع خلقها مثل عجيزتها وساعدها ونحو ذلك، لأَن كسوة المرأَة في الحقيقة هو ما سترها سترًا كاملا بحيث يكون كثيفًا فلا يبدي جسمها، ولا يصف لون بشرتها لرقته وصفائه، ويكون واسعًا فلا يبدي حجم أَعضائها ولا تقاطيع بدنها الضيقة. فهي مأْمورة بالاستتار والاحتجاب لأَنها عورة.
ولهذا أُمرت أَن تغطي رأْسها في الصلاة ولو كانت في جوف بيتها بحيث لا يراها أَحد من الأَجانب، لحديث: ((لا يَقبَل اللهُ صلاة حَائِض إِلاَّ بخِمَار)) (1) فدل على أَنها مأْمورة من جهة الشرع بستر خاص لم يؤمر به الرجل حقًا لله تعالى وإِن لم يرها بشر. وستر العورة واجب لحق الله حتى في غير الصلاة ولو كان في ظلمة أَو في
_________
(1) أخرجه الخمسة الا النسائي وصححه ابن خزيمة.(2/161)
حال خلوة بحيث لا يراه أَحد وحتى عن نفسه، ويجب سترها بلباس ساتر لا يصف لون البشرة، لحديث بهز بن حكيم، عن أَبيه عن جده، قال قلت يا رسول الله: ((عوْرَا تنامَا نأْتِيْ مِنها ومَا نذرُ. قال: احْفظ عوْرَتك إِلاَّ مِن زوْجَتِك أَوْ مَا مَلكت يَمِيْنُك. قلت فإِن كان الْقوْمُ بَعْضهمْ مَعَ بَعض قال: فإِن اسْتطعْت أَن لا يَرَاها أَحَدٌ فلا يَرَيَنَّها. قلت فإِذا كان أَحَدُنا خالِيًا. قال فاللهُ تعَالى أَحَقُّ أَن يُسْتحيى مِنهُ)) . رواه أَبو داود.
وقد صرح الفقهاء رحمهم الله بالمنع من لبس الرقيق من الثياب وهو ما يصف البشرة أَي مع ستر العورة بالسترة الكافية في حق كل من الرجل والمرأة ولو في بيتها. نص عليه الإِمام أَحمد رحمه الله، كما صرحوا بالمنع من لبس ما يصف اللين والخشونة والحجم لما روى الإِمام أَحمد عن أُسامة بن زيد رضي الله عنه، قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة كانت مما أَهدى له دحية الكلبي، فكسوتها امرأَتي، فقال صلى الله عليه وسلم: ((مَالك لا تلبَس الْقِبْطِيَّة. قلت يا رسول الله كسوتها امرأَتي. قال: مُرْها فلتجْعَل تحتها غِلالةً فإِنيْ أَخاف أَن تصِف حَجْمَ عِظامِها)) .
وكما صرحوا بمنع المرأَة من شد وسطها مطلقًا، أَي سواء كان بما يشبه الزنار أَو غيره، وسواء كانت في الصلاة أَو خارجها، لأَنه يبين حجم عجيزتها وتبين به مقاطع نبدنها. قالوا: ولا تضم المرأَة ثيابها حال قيامها لأَنه يبين به تقاطيع بدنها فتشبه الحزام. وهذا اللباس المذكور: أَبلغ من الحزام وضم الثياب حال القيام وأَحق بالمنع منه.(2/162)
ثالثًا: - إِن في بعض ما وقعن فيه شيئًا من تشبه النساء بالرجال وهذا من كبائر الذنوب، ففي الحديث: ((لعَن اللهُ الْمُتشبِّهات مِن النِّسَاءِ بالرِّجال وَلعَن الله الْمُتشبِّهيْنَ مِنَ الرِّجَال بالنِّسَاء)) (1) . وفي لفظ ((لَعَنَ اللهُ الْمُتَخَنِّثِيْنَ مِنَ الرِّجَال وَالْمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاء)) (2) .
فالمرأَة المتشبهة بالرجال تكتسب من أَخلاقهم حتى يصير فيها من الظهور والتبرج والبروز ومشاركة الرجال ما قد يفضي ببعضهن إِلى أَن تظهر بدنها كما يظهره الرجال أَو أَكثر لضعف عقلها، وتطلب أَن تعلو على الرجال كما يعلو الرجال على النساء، وتفعل من الأَفعال ما ينافي الحياء والخفر المشروع في حق النساء.
كما أَن الرجل المتشبه بالنساء يكتسب من أَخلاقهن بحسب تشبهه حتى يفضي به الأَمر إِلى التخنت والميوعة والتمكين من نفسه كأَنه امرأَة والعياذ بالله. وهذا مشاهد من الواقع. فصلوات الله وسلامه على من بلغ البلاغ المبين: بلغ الرسالة، وأدى الأَمانة، ونصح أُمته.
قلت: وقد أَفضى الحال بكثير ممن يقلدون المتفرنجين إِلى أَن شارك كثير من النساء الرجال في البروز والخروج والوظائف والتجارة والأَسفار بدون محرم وغير ذلك، كما شارك كثير من الرجال النساء في المبالغة في التزين، والتخنث في الكلام، وحلق اللحى، والتثني عند المشي، والتحلي بخواتيم الذهب، والأَزارير وغيرها، وساعات اليد التي فيها شيء من الذهب، ونحو ذلك وأَمثاله مما هو معروف، حتى صارت العادة عندهم تطويل ثياب الرجال، وتقصير
_________
(1) أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه.
(2) أخرجه الترمذي، والبخاري في الأدب المفرد.(2/163)
ثياب المرأَة إِلى ركبتها، أَو ما فوق الركبة بحيث يبدو فخذها نعوذ بالله من قلة الحياء والتجري على محارم الله.
رابعًا: - أَن هذه الأَشياء وإِن كان يعدها بعض من لا خلاق له من الزينة فإِن حسبانهم باطل، وما الزينة الحقيقية إِلا التستر والتجمل باللباس الذي امتن الله به على عباده بقوله: (*) (1) وليست الزينة بالتعري والتشبه بالافرنج ونحوهم ممن لا خلاق له.
وأَيضًا: فلو سلم أَنه من الزينة فليس لكل امرأَة أَن تخترع لها من الزينة ما تختاره ويخطر ببالها، لأَن هناك أَشياء من الزينة وهي ممنوعة بل محرمة بل ملعون فاعلها: كما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة، والواشرة والمستوشرة، والواشمة والمستوشمة، وعن عبد الله بن مسعود قال: ((لعَن رَسوْل الله صلَّى الله عليْه وَسَلَّمَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتوْشِمَاتِ، وَالْمُتنمصاتِ، وَالْمُتفلجَاتِ لِلحُسْن الْمُغيرَاتِ لِخلق اللهِ، فجاءته امرأَة فقالت بلغني أَنك لعنت كيت وكيت، فقال: ومالي لا أَلعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في كتاب الله، فقالت لقد قرأْت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول. فقال: إِن كنت قرأْتيه فقد وجدتيه، أَما قرأْت قوله: (*) (2) قالت بلى، قال فإِنه قد نهى عنه (3) .
خامسًا: - أن النساء ناقصات عقل ودين وضعيفات تصور
_________
(1) سورة الأعراف آية 26.
(2) سورة الحشر آية 7.
(3) أخرجه السبعة إلا مالكا ((لعن الله الواشمات....)) .(2/164)
وإِدراك، وفي طاعتهن بهذا وأَمثاله من المفاسد المنتشرة ما لا يعلمه إِلا الله. وأَكثر ما يفسد الملك والدول طاعة النساء. وفي الصحيحين عن أُسامة بن زيد مرفوعًا: ((مَا تركت بَعْدِيْ على أُمَّتِيْ مِن فِتنة أَضرُّ على الرِّجَال مِن النِّسَاء)) وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا ((إِنَّ الدُّنيَا حُلوَةٌ خضِرَةٌ، وإِنَّ الله مُسْتخلِفكمْ فِيْها فيَنظرُ كيْف تعْمَلوْن فاتَّقوْا الدُّنيَا، وَاتَّقوْا النِّسَاءَ (1) فإِنَّ أَوَّل فِتنة بَنِيْ إِسْرَائِيْل كانت فِيْ النِّسَاء)) وفي صحيح البخاري عن أَبي بكرة مرفوعًا: ((لن يُفلِح قوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهمْ امْرَأَة)) وروي أَيضًا ((هلك الرِّجَال حِنْن أَطَاعوْا النِّسَاء)) (2) . وفي الحديث الآخر ((مَا رَأَيْتُ مِن ناقِصَاتِ عَقل وَدِيْن أَغْلَبَ لِلُبِّ ذِيْ اللبِّ مِن إِحْدَاكُنَّ)) . ولما أَنشده أَعشى باهلة أَبياته التي يقول فيها: وهن شر غالب لمن غلب. جعل النبي صلى الله عليه وسلم يرددها ويقول: ((هُنَّ شر غالِب لِمَنْ غلبْ)) . فيتعين على الرجال القيام على النساء والأَخذ على أَيديهن ومنعهن من هذه الملابس والأَزياء المنكرة. وأَن لا يداهنوا في حدود الله، كما هو الواجب عليهم شرعًا. قال تعالى: (*) (3) .
وقد صرح العلماء: أَن ولي المرأَة يجب عليه أَن يجنبها الأَشياء المحرمة من لباس وغيره ويمنعها منه. فإِن لم يفعل تعين عليه التعزير بالضرب وغيره، وفي الحديث: ((كُلُّكُمْ رَاع وَمَسْئُوْلٌ عن رَعِيَّتِهِ)) (4) .
والمقصود: أَن معالجة هذه الأَضرار الاجتماعية المنتشرة من أَهم المهمات. وهي متعلقة بولاة الأَمر أَولاً. ثم بقيِّم المرأَة ووليها ثانيًا. ثم المرأَة نفسها مسئولة عما يتعلق بها وبناتها وفي بيتها، كما على
_________
(1) أخرجه ابن ماجه.
(2) أخرجه أحمد والطبراني.
(3) التحريم آية 6.
(4) متفق عليه.(2/165)
طلبة العلم بيان أَحكام هذه المسائل والتحذير منها، وعلى رجال الحسبة والأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أَن ينكروا هذه الأَشياء ويجتهدوا في إِزالتها.
نسأَل الله أَن يجنبنا مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأَن ينصر دينه ويعلي كلمته، ويذل أَعداءه، إِنه جواد كريم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
(ص-ف-127 في 8-6-1382 هـ)
(491- فتوى في الموضوع)
من محمد بن إِبراهيم إِلى المكرم سالم بن علي بن بخيت ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
بالإِشارة إِلى خطابك الذي تسأَل فيه عن مسأَلة وهي: هِدم المرأَة الذي تخيطه حياصة هل هو حرام أَو حلال.
والجواب: يظهر من سؤالك أَنك تريد به معرفة حكم لبس المرأَة للباس المعروف في هذا العصر ((بالكرته)) وإِذا كان هذا هو المقصود فلا يجوز، لما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال: ((صِنفان مِن أَهل النَّار مِن أُمَّتِيْ لمْ أَرَهُمَا بَعْدُ: نِسَاءٌ كاسِيَاتٌ عاريَاتٌ مَائِلاتٌ مُمِيْلاَتٌ على رُؤُوْسِهنَّ مِثلُ أَسْنِمَةِ الْبُختِ لا يَدْخُلن الْجَنَّة وَلا يجدْن ريْحها وَرجَالٌ مَعَهمْ سِيَاطٌ مِثلُ أَذناب الْبَقر يَضربُوْن بها عِبَادَ اللهِ)) وقد فسر قوله ((كاسِيَاتٌ عاريَاتٌ)) بأَن تكتسي ما لا يسترها، فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية: مثل من تكتسي الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها، والثوب(2/166)
الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها مثل عجيزتها وساعدها ونحو ذلك وإِنما كسوة المرأَة ما يسترها فلا يبدي جسمها ولا حجم أَعضائها لكونه كثيفًا واسعًا.
هذا من وجه. ومن وجه آخر فيه تشبه بنساء الافرنج. وقد قال صلى الله عليه وسلم (مَ! ن تشبَّهَ بقوْم فهُوَ مِنهُمْ)) (1) وقوله صلى الله عليه وسلم ((ليْسَ مِنَّا مَن تشبَّهَ بغيْرنا)) (2) . وبمعنى هذين الحديثين عدة أَحاديث.
فما كان من زي الكفار فإِن المسلمين منهيون عنه. يدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أَنه كتب إِلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس: إِياكم والتنعم وزي أَهل الشرك. ورواه الإِمام أَحمد في المسند بإِسناد صحيح. ولفظه:
ذروا التنعم وزي العجم. ورواه أَيضًا في ((كتاب الزهد)) بإِسناد صحيح ولفظه: إِياكم وزي الأَعاجم ونعيمها.
قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: النهي عن التشبه بالعجم للتحريم. وقال شيخ الإِسلام أَبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى التشبه بالكفار منهي عنه بالإِجماع. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-1069- في 13-5-1388 هـ)
(492- سئل شيخنا عن لبس الأَبيض للمرأَة تحت الثياب)
فأَجاب: للحاجة لا بأْس. ولغير الحاجة الأَولى تركه، ولا سيما إِذا كانت مشابهة للأَعاجم. ... (تقرير)
_________
(1) أخرجه أحمد وأبو داود.
(2) أخرجه الترمذي عن ابن عمر.(2/167)
(493- قوله: وتشبه رجل بانثى في لباس وغيره وعكسه)
ومن ذلك تشبه الرجال بالنساء في الحركات والنطق، كعكسه أَن تتحرك وتتصرف تصرف الرجال؛ بل النساء لهن صفة في نطقهن وحركاتهن وأَحوالهن، والرجال لهم صفة في نطقهم وحركاتهم ... الخ. (1) . ... (تقرير)
(494- قوله: ويكره المعصفر والمزعفر للرجال)
والمعصفر على وجهين: إِن كان صفرة فهذا للتنزيه لا للتحريم، وإِن كان قويًا بحيث يصبغ حمرة فهذا عند بعضهم يدخل في تحريم الأَحمر المصمت على القول به. وقد جاء في أَحاديث عديدة النهي عن الأَحمر (2) . و ((العصفر)) هو زهر القرطم، وهو المسمى بالخريع هنا.
(495- قوله: ويكره لبس الثوب الذي يصف البشرة للرجل والمرأَة.)
إِذا كان وحده، والكراهية إِذا صارت العورة مستورة، وإِن كان لبسه الذي على العورة وغيرها فهذا حرام. الحاصل أَنه إِذا كان يتعاهد العورة ولا تبدو فهذا مكروه، وأَما إِذا كانت تبدو فهذا حرام. ... (تقرير)
_________
(1) قلت: وانظر ما يختص بالأنثى وما يختص بالذكر وما يشتركان فيه في فتاوى في زكاة النقدين برقم: (1839/1 في 3-2-85 هـ، 1992/1 في 22-7-75 هـ ومن رسالة في الدبلة 9182/1 في 22-7-85 هـ و 572 في 23-6-28 هـ في ساعة اليد، وفي الفتوى اللاذقية في زكاة النقدين أيضًا، و 355/1 في 26-11-86 هـ الجهاد) .
(2) منها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ((مر رجل وعليه ثوبان أحمران فسلم على النبي فلم يرد عليه)) أخرجه الترمذي وأبو داود.(2/168)
(496- قوله: وللمرأة زيادة إِلى ذراع
أَما الزائد فالظاهر أَنه لا يعفى عنه؛ لأَنها عاصية. وهذا البحث أَقوله فيما يظهر لي. وهو جار على قاعدة الأَصحاب في المسافر سفر معصية. ... (تقرير)
(497- قوله: وثوب الشهرة
وكذلك يكره لبس الثوب مقلوبًا. لكن بعض من يلبسه لا يريد تواضعًا. بل الذي يلبس المشلح ونحوه مقلوبًا يريد التواضع فإِنه بدعة؛ فإِن هذا ليس من الدين. بل المشروع أَن يرى عليه أَثر النعمة وهو داخل في عموم (*) (1) . ... (تقرير)
(اجتناب النجاسة)
(498- س: حمل الدخان على القول بنجاسة الخمر هل يبطل الصلاة؟
جـ: - ما ثبتت نجاسته فهو كذلك. فإِذا كان القول بنجاسته صحيحًا مستقيمًا فلا تصح، وإِلا فتصح. ... (تقرير)
(499- س: الاشراب المدمولة بدمال نجس)
جـ: إذا كان لا لون لها ولا أَعيان فلاصلاة صحيحة مع الكراهة وهذا في الدمال النجس. أَما دمال ما كول اللحم فلا. ... (تقرير)
(500- قوله: وان علم أَنها كانت فيها لكن نسيها أَو جهلها أَعاد)
القول الآخر عدم الإِعادة. ولا فرق بين النسيان والجهل، وهذا هو الصحيح في المسأَلة واختيار الموفق وغيره واختيار الشيخ، ودليله الحديث المشار إِليه وهو أَن بعض صلاة النبي مضى مقدار
_________
(1) سورة الضحى 11.(2/169)
منها والنجاسة في نعليه لا يعلمها صلى الله عليه وسلم ولم تلغ قسها الأَول بل اعتبرت صحيحة. والعذر عدم العلم بها. وهذا بخلاف من صلى محدثًا وهو لا يدري وبعدما فرغ من الصلاة ذكر، فإِنه يعيد بكل حال لقوله: ((لا يَقبَلُ اللهُ صلاة أَحَدِكُمْ إِذا أَحدَث حَتَّى يَتوَضَّأْ)) (1) . ... (تقرير)
(501- الصلاة في النعلين)
س: (*) (2) .
جـ: - أَمر موسى بخلع نعليه هو لسبب أَنها كانت من جلد حمار وحشي غير مذكى. واليهود صاروا لا يصلون فيها.
(تقرير التوحيد 20-10-78 م هـ)
((إِذا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجدَ فليَنظُرْ فإِن رَأَى فِيْ نَعْلَيْهِ أَذَى أَوْ قَذَرًا فَليَمْسَحْهُ وَليُصَلِّ فِيْهمَا)) . هذا فيه مشروعية النظر في النعلين وإِذا وجد فيهما أَذى وجب مسحهما. وفيه أَنه يطهر بالمسح بالأَرض وقلوه ((فَليُصَلِّ فِيْهمَا)) دال على أَنه يجوز الصلاة بالنعلين، بل قد ذكر بعض أَهل العلم أَنه سنة. وهذا طرف من حديث أَبي سعيد (3) فقوله: ((لِمَ خلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ)) هذا يقال إِنه يدل على أَنه سنة. أَو يقال أَن هذا المستمر الجائز لم تركتموه. فيكون دخول المسجد
_________
(1) متفق عليه.
(2) سورة طه 12.
(3) ولفظه قال: ((بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأَصحابه اذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم القوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال ما حملكم على القائكم نعالكم، قالوا رأيناك القيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيها قذرا أو قال أذى. وقال: إذا جاء أحدكم إِلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما، رواية أبي داود.(2/170)
من باب الأَولى بشرطه وهو علم الإِنسان وتحققه من سلامتها من الأَذى. وجاء في بعض رواياته ((أَنَّهُ دَمُ حَلَمَة)) وهي الحمنانة (1) .
(502- قوله: ولا يضر قبران)
لعدم صدق المقبرة عليها. والقول الآخر أَن ذلك يضر، وهو الصحيح، ولا دليل على أَنها لا تسمى مقبرة. بل الكل يسمى مقبرة. ثم العلة في المنع ليس هو النجاسة كما يذهب إِليه من يذهب، بل العلة كون ذلك وسيلة إِلى عبادة القبور من دون الله، وهذا لا فرق بين أَن يكون قبر واحد أَو قبران أَو أكثر، وهذا الذي يظهر من الأَحاديث الصحيحة التي فيها التشديد في الصلاة عند القبور، فإنه نوَّع ذلك بأَساليب متعددة (2) . ... (تقرير)
(503-قوله: ولا في حمام)
الحمام ليس هو مطلق المسبح - موضع التروش الذي هو بالصفة العادية كان بجانب الآبار وفي البيوت حوض أَوقرو (3) فيه الماء محجوز بسترة قليلة ويصب عليه الماء. هذا ليس بحمام - إِنما المراد الذي حدث هنا وكان بالأَمصار الذي يرتب له الماء تارة ساخن وتارية بارد. فالصلاة في داخله أَو في دهليزه أَو في جميع ما ينسب إِليه غير صحيحة، والعلة أَنها مأْوى للشياطين، أَو لأَنها تكشف فيها العورات، أَو هما. ... (تقرير)
(504- قوله: وأعطان ابل)
وهي ما تبيت فيها بيتوتة معتادة. بخلاف مباركها في النزول
_________
(1) قلت: وانظر أحكام المساجد وتطهيرها في باب الاعتكاف، ودخول الحرم بالنعال وكذلك سائر المساجد والصلاة فيها أيضًا.
(2) قلت: وتقدم ما يتعلق بالفتنة بالقبور في وحدانية الالهية.
(3) القرو: الحجر الكبير المحفور لاجتماع الماء فيه.(2/171)
أَو في الفلوات إِذا بانت رواحلهم في موضع ليلة أَو ليلتين كعادة المسافرين أَو بيتت في مفلاها ليلة أَو ليلتين. ... (تقرير)
(505- قوله: ولا في مغصوب)
وهو أَن يتولى على أَرض تولى ملك يريد أَن يبيع وينتفع، وليس من شرطه أَن يتولى الغصب. بل إِذا قصد التملك فهذا هو الغصب. وأَما الداخل ولو قهرًا إِلى أَرض يصلي فيها صلاة أَو صلوات فالصلاة صحيحة (1) . ... (تقرير)
(506- الصلاة في المزبلة لا تصح)
من محمد بن إبراهيم إِلى فضيلة قاضي محكمة المذنب ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
إِليكم ما وردنا من مقبل بن الشيخ محمد الصالح المقبل بخصوص صلاة بعض الجماعة لديكم في تلك الأَرض التي يذكر أَنها موضع أَسمدة بعدما أَزالوا عنها الأَشياء التي عليها وذلك أَثناء عمارة مسجدهم الجامع.
للاطلاع على ما ذكره. فإِن كان صحيحًا. وكانوا إذا انتهى عمار مسجدهم سيتركون تلك البقعة لتعود مزبلة وملقى للقمائم كحالتها الأولى. فالظاهر أَن الصلاة لا تصح في تلك البقعة لما ورد من النهي عن الصلاة في المزبلة. قال الفقهاء: ولا فرق بين طالظاهر منها والنجس، لما روى ابن عمر ((أَنَّ رَسُوْل اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ نوى أَن يُصلَّى فِيْ سَبْع مَوَاطِن: الْمَزبَلةِ. وَالْمَجْزرَةِ، وَقارعةِ الطَّريْق. وَالْحَمَّام. وَمَعَاطِن الإبل. وَفوْق ظهر بَيْتِ اللهِ (2) . وهذا
_________
(1) قلت: وتقدم قريبا.
(2) أخرجه الترمذي بسند ضعيف عن ابن عمر.(2/172)
الحديث وإِن كان فيه مقال إِلا أَن أَكثر الأَصحاب عملوا به، وعللوا ذلك بعلل مذكورة في مواضعها (1) .
أَما لو غيرت تلك البقعة فزال عنها اسم المزبلة كليًا فقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أَن الصلاة تصح فيها. كما تصح في موضع الحمام إِذا هدم وجعل دارًا، وفي المقبرة إِذا نبشت وحولت إِلى بيوت ونحوها. ومسأَلتكم هذه إِن كانت قد غيرت تلك البقعة وأُزيل عنها اسم المزبلة بحيث يتيقن بأَنها لا تعود إِلى حالتها السابقة فلا بأْس بالصلاة فيها. وإِلا فينبغي منعهم من الصلاة فيها. والله الموفق والسلام. ... مفتي البلاد السعودية
(ص-ف-1236-1 في 27-2-1385 هـ)
(507- قوله: وقارعة الطريق)
المراد نفس الجادة ما تقرعه الأَقدام عند المشي، بخلاف ما كان في جوانبها. والمراد السلطانية (2) سواء كانت في البرية أَو الشوارع الكبار والصغار، بخلاف السكة السدة فيها البيتان والثلاثة الأَربعة فإِنها لا تدخل في هذا الحكم، والعلة أَنها تشوش عليه صلاته تأْتي الدواب والمسافرون. ... (تقرير)
(508- س: أَسواق القيصريات)
جـ: - إِذا كانت عابرة فلا تصح، فإِنه لا يشاء أَحد أَن يمشي معها إِلا مشى، طريق من الطرق لا حد فيه ولا عد. ... (تقرير)
_________
(1) ففي المقبرة خشية اتخاذها أَوثانا. وليس مظنة النجاسة. والمزبلة من أَجل النجاسة. وقارعة الطريق التشويش على المصلي وقطع صلاته إذا كان المار مما يقطع الصلاة. والحمام لأَنه بيت الشيطان. ومعاطن الابل مأْوى الشياطين.
(2) العامة.(2/173)
(509- قوله: واسطحتها)
إِلا أَن الأَسطحة فيها خلاف ولا سيما قارعة الطريق. الصحيح في الساباط عدم المنع. وأَيضًا العلة الخشية من المستطرقات وهذا مفقود في الساباط، بخلاف سطح الحمام فإنه داخل معه في البيع وسطح الحش. المقصود أَن فيها خلافًا وربما في بعضها يرجح تبعية السطح كالحمام والمقبرة. والصحيح إِن شاء الله أَن الصلاة في الساباط صحيحة، وإِذا كان عنده سطح يجري تحته نهر فلا محذور. ثم ذكر صاحب المجموع (1) أَنه إِذا كان ساباط متقدم نجعل تحته طريق حادث فهذا تصح بغير خلاف (2) . ... (تقرير)
(510- مسجد يقع فوق طريق نافذ)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة المكرم قاضي محكمة بني مالك ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إِلينا كتابك رقم 230 وتاريخ 17-5-1382 هـ المتضمن ما لاحظتموه على مسجد قرية حداد في منطقة بني مالك المسقف بعريش يقع فوق طريق نافذ، وأَن الصف الأَول مع المحراب يقع على سطح العريش على نفس قارعة الطريق. وتسأَل عن حكم الصلاة فيه، وهل الهواء تابع للقرار. إِلخ.
والجواب: - الحمد لله. الخلاف في هذه المسأَلة معروف في مذهب الإِمام أَحمد. والصواب القول بالجواز إِن شاء الله، وهو مذهب الأَئمة الثلاثة مالك وأَبي حنيفة والشافعي وهو رواية عن الإِمام
_________
(1) فيما هو كثير الوقوع هو جد جد الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أَبا بطن (انظر حاشية الروض المربع جـ 1 ص 153) .
(2) وانظر ((المغني)) لابن قدمه جـ 1 ص 725.(2/174)
أَحمد اختارها الموفق والشارح وجملة من الأَصحاب. والسلام.
(ص-ف-1589 في 23-8-1382 هـ)
(511- تنبش القبور المحدثة في قبلة المسجد..)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة صاحب السمو رئيس مجلس الوزراء ... الأَفخم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
نحيط سموكم أَنه دارت عدة مخابرات بين هذه الرئاسة وبين هيئة الأَمر بالمعروف في الحجاز حول ما رفعه رئيس هيئة الأَمر بالمعروف (بقنا والبحر) من وجود مسجد جامع بقرايا (التين) محيطة به القبور من جوانبه الأَربع، ولما أَشار إِليه في كتابه إِلى رئيس هيئة الأَمر بالمعروف بأَبها من أَن المسجد قديم والمقبرة حادثة.
وحيث أَن وجود المقابر بقبلة المسجد وبقربه لا يجوز شرعًا كما في حديث أَبي مرثد الغنوي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تُصلُّوْا إِلى الْقُبُوْر وَلا تجلِسُوْا عليْها)) رواه مسلم. فلا بد من نبش القبور من قبلة مسافة مترين على الأَقل وجعل ما بين المسجد والمقبرة جدارًا فاصلاً ملاصقًا للقبور الباقية بقدر متر. أَحببنا إِفادة سموكم لإِزالة المحظور، وتوفير المال الخاص لذلك لأَي جهة تقوم به، علمًا بأَن كامل أَوراق المكاتبة مشفوعة بهذا. والسلام.
رئيس القضاة
(ص-ق-1460-3 في 23-3-1380 هـ)(2/175)
(512- ويجعل بينه وبين القديمة جدار غير جدار المسجد، وفاصل)
(برقيًا) ... الرياض.
جلالة الملك المعظم ... أَيده الله
ج 799 بشأْن القبور التي بقرب مسجد جامع ظهران اليمن - قف - لا بأْس ببقاء تلك القبور التي عثر عليها بقرب المسجد، لكن إِن كانت في قبلة المسجد فلا بد من وجود حائل بينها وبين المسجد وهو جدار يبنى عليها غير جدار المسجد. وينبغي أَن يكون بينهما فاصل كنحو طريق. تولاكم الله بتوفيقه.
(محمد بن إِبراهيم)
(ص-م-55 في 13-1-1376 هـ)
(513- وإذا لم يكن هناك اعتقاد فاسد)
وأَما ((المسأَلة الخاصة)) : وهي سؤالك عن حكم الصلاة في المسجد أَو في البيت الذي تحيط به المقبرة من جهتين أَو ثلاث.
فالجواب: - إِن ذلك لا يمنع صحة الصلاة إِذا لم تكن المقبرة إِلى القبلة، فإِن كانت المقبرة إِلى قبلة المصلين وكانت قريبة عرفًا وليس بينهم وبينها حائل، أَو كان هناك اعتقادًا خاصًا في الصلاة حول هذه القبور فإِن هذا مما ينهى عنه ولا تصح الصلاة في مثل هذه الحالة. كما لا تصح الصلاة في المقبرة، ولا يكفي جدار المقبرة، ولا جدار المسجد بل لا بد من حائل ساتر منفصل.
وأَما ((المسأَلة السادسة)) : فيفهم جوابها مما قبلها، لأَن أَسئلتكم هذه متداخلة ومعانيها متقاربة.
وأَما ((المسأَلة السابعة)) : وهي سؤالكم عن نقل المسجد أَو نبش المقبرة.(2/176)
فالجواب: - أَنه إذا أَمكن وضع حائل ساتر بين المسجد والقبور فهذا هو المتعين، وإلا فيزال المتأَخر منهما. والسلام.
(ص-ف-1029 في 8-7-1380 هـ)
(514- لا يكفي جدار المسجد وجدار المقبرة)
من محمد بن إِبراهيم إلى المكرم عبد الله بن صالح العلي المقبل ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إِلينا كتابك الذي تستفتي به عن المسجد الذي عمرته في الخرمة، وذكرت أَنه يوجد في قبلة المسجد مقبرة تبعد عنه مقدار مترين، وتسأَل عن حكم الصلاة فيه.
والجواب: - روى البخاري ومسلم عن أَبي مرثد الغنوي أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لاَ تُصَلُّوْا إِلىَ الْقُبُوْر وَلاَ تَجْلِسُوْا عَلَيْهَا)) فعلى هذا لا بد من وجود حائل يفصل بين المسجد والمقبرة، ولا تكفي جدران المسجد ولا جدران المقبرة، بل يبنى جدار يفصل بينهما زايدًا عن جدرانهما. والله أَعلم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-2985-1 في 19-10-1386 هـ)
(515- فصل الحمامات عن جدار المسجد)
من محمد بن إِبراهيم إِلى المكرم رئيس ديوان مجلس الوزراء ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد جرى الاطلاع على الأَوراق الواردة إِلينا منكم رفق خطابكم رقم 22216 وتاريخ 18-11-1381 هـ المتعلقة بما رفعه الحاج(2/177)
مهدي من أَهل اصفهان عن وجود مغاسل أَمام قبلة مسجد الخيف بمنى إِلى آخر ما ذكر. وترغبون منا الاطلاع والإِفادة بما نراه.
وبتتبع الأَوراق المشار إِليها أَعلاه وتأَمل ما ذكره المستشار الشرعي في إِدارة الحج ظهر لنا أَن الاستشكال ليس من ناحية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة في المراحيض المذكورة، وإِنما وجه الإِستشكال كيف تكون المغاسل في قبلة المصلين في المسجد المذكور. وبناء على هذا فإِن أَمر هذه المغاسل لا يخلو من أَمرين: إِما أن تكون مفصولة عن المسجد بجدار مستقل بها منفصل عن جداره القبلي، وهذا لا محظور فيه ولا بأْس بالصلاة ولو كانت المغاسل في قبلة المسجد ما دامت مفصولة عنه بجدار غير جداره.
وإِما أَن تكون متصلة به ليس بينها وبينه إِلا حائطه القبلي فهذا مما ذكر العلماء كراهة الصلاة إِليه، إِذ قد جاء النهي عن الصلاة إِلى مواضع ومنها ((المراحيض)) ما لم يكن حائل ولو كمؤخرة رحل، ولا يكفي حائط المسجد، لكراهة السلف -رحمهم الله- الصلاة في مسجد في قبلته حُش. وعلى هذا فينبغي فصل هذه المغاسل عن جدار المسجد بحائط مستقل بها منفصل عن حائط المسجد المذكور، ونعيد إِليكم أَوراق المسأَلة. والله يحفظكم.
(ص-ف-194 في 17-2-1382 هـ)
(516- الصلاة على ظهر الطائرة)
من محمد بن إِبراهيم إِلى حضرة المكرم إبراهيم الحمد ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:(2/178)
فقد وصل إِلينا كتابك الذي تستفتي به عن أَربع مسائل. وقد جرى تأَملها والكتابة عليها بما يلي:
((المسأَلة الأولى)) : هل تصح الصلاة على ظهر الطائرة وهي تطير في الجو. وهل يجوز القصر والفطر لمن يسافر على الطائرة.
والجواب: - الحمد لله. نعم تصح الصلاة على الطائرة وهي تطير في الجو، كما تصح الصلاة الصلاة على الباخرة والسفينة ونحوها. وهذا أَشبه بحال الضرورة. لأَنه لا يستطيع إِيقافها ولا النزول لأَداء الصلاة، ولا يجوز تأْخير الصلاة عن وقتها بحال. وكما تصح الصلاة على السيارة إِذا جد به السير ولم يتمكن الراكب من إِلزام السائق بإِيقاف السيارة وخشي خروج الوقت، فإِنه يصلي قبل خروج الوقت ويفعل ما يستطيع عليه.
ثم إِذا صلى الإِنسان في الطائرة ونحوها فإِن استطاع أَن يصلي قائمًا ويركع ويسجد لزمه ذلك في الفريضة، وإِلا صلى على حسب حاله وأَتى بما يقدر عليه من ذلك.
كما يلزمه استقباب القبلة حسب استطاعته. وكلما دارت انحرف إِلى القبلة إِذا كانت الصلاة فرضًا.
وأَما القصر والفطر فهذه من رخص السفر، فإِذا سافر الإِنسان مساقة قصر فأَكثر جاز له أَن يستبيح رخص السفر، سواء قطعها في مدة قليلة أَو طويلة. لكن إِذا أَراد أَن يرجع إِلى وطنه وعلم أَنه يقدم اليوم أَو غدًا لزمه الصوم ولم يجز له الفطر نص عليه الإِمام أَحمد. (1)
(ص-ف-1421 في 25-5-1385 هـ)
_________
(1) المسأَلة الثانية تقدمت في التصوير، والثالثة - تأتي في السلم، والرابعة في الدخان - وتأتي في المسكر.(2/179)
(517- وإذا كانت السيارة واقفة)
السيارة لا تصح الصلاة عليها سائرة فرضًا إِلا أن كان هناك طين ومطر فكالراحلة.
وأَما النفل فتصح واقفة وسائرة. وأَما إِذا كانت واقفة فالظاهر الصلاة عليها فرضًا كالخشب المنصوبة والدكات ونحوها، ليست مثل الراحلة، لأَن الراحلة بهوى نفسها (1) ، وأَما هذه فآلة واقفة ما لها تحرك بنفسها.
(518- س: الصلاة في القطار والسيارة والطيارة وهي سائرة)
جـ: - كالراحلة نافلة وفرضًا إِذا احتيج إِليها، لكن الطائرة إِذا لم يقدر على الصلاة على الأَرض فإِنها تصح للضرورة، فإِن الصلاة عندهم لا تصح إِلا على ما هو معتمد على الأَرض، فإِذا لم يمكنه النزول فلا يفوت الصلاة. وإِذا لم يجد ترابًا فيضرب لو بشته (2) . ... (تقرير)
(519- س: يؤخر في الطائرة إِلى وقت الضرورة؟)
جـ: - ما يظهر أَنه يوخر إِلى وقت الضرورة. ونبحث هل تؤخر عن وقت الاختيار وجوبًا أَو أَولوية، أَولا نقول يؤخر كما في مسأَلة عادم الماء. وبالاتفاق عند الجميع أَنه لو صلى في أَول الوقت فصلاته صحيحة. والشيخ يقول يبادر، وهم يقولون لا، إِذا كان يعلم وجوده أَو يظن.
فنبحث هنا هل هو مثل مسأَلة الوضوء، لكن هناك بدله التيمم
_________
(1) تحركها باختيارها.
(2) مشلحه (العباءة الخاصة بالرجال) .(2/180)
وهذا ما فيه بدل. فيرجح الآن أَنه يؤخر إِذا كان يتمكن من الصلاة في آخر الوقت الاختياري. أَما إِذا كان يخرج الوقت أَو يدخل وقت الضرورة فلا يؤخر. ... (تقرير)
(520- قوله: ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها)
والقول الآخر التسوية، وأَنها تصح. وهذا هو الصحيح أَنها مثلها إِلا ما دل الدليل على التخصيص.
قوله: وقال في ((المغني)) : الأَولى أَنه لا يشترط استقبال شاخص منها.
والراجح -والله أَعلم- قول من يشترط شيئًا شاخصًا، وذلك لأَن القبلة اسم للبنية لا للموضع والهواء، ولذلك وضع ابن الزبير أَخشابًا عليها كسوة لتكون بدل البنية. ... (تقرير)
(استقبال القبلة)
(521- استقبال القبلة في الفريضة في الطائرة)
سئل: - الشيخ محمد عن حكم الصلاة في الطيارة من جهة استقبال القبلة.
فأَجاب: - راكب الطيارة لا يخلو من أَن يكون قادرًا على شروط الصلاة وأَركانها وواجباتها أَولا. فإِن كان قادرًا على ذلك صحت صلاته إِذا أَتى بها كذلك مطلقًا. وإِن لم يقدر على الإِتيان بها على هذا الوجه فلا يخلو من أَن يمكنه النزول بها إِلى الأَرض مع انتفاء الضرر أَولا. فإِن أَمكنه النزول بها إِلى الأَرض مع انتفاء الضرر لزمته الصلاة على الأَرض ولم تصح صلاته في الطيارة. فإِن لم يمكنه ذلك أَو كان في ذلك ضررًا ووجد شيء من الأَعذار التي تصح معها الصلاة على الراحلة فانه يصلي حينئذ في الطيارة على حسب حاله ويفعل ما يقدر عليه ويسقط ما لا يقدر عليه. فإِن(2/181)
أَمكنه استقبال القبلة لزمه ذلك ويستدير إِلى القبلة إِذا استدارت. وهذا التفصيل في الصلاة المكتوبة. وأَما النافلة فحكمها معلوم والتفصيل فيها غير هذا التفصيل. والله أَعلم.
(ملحقة بالدرر)
(522- س: استقبال القبلة وهو في السيارة يصلي نافلة)
جـ: السيارة الواسعة مثل السفينة، والضيقة ليست مثلها والضابط المشقة وعدمها. إِذا لم يشق فحكمها حكم السفينة، وإِن كان بحالة فيها مشقة فلها حكمها الخاص. ... (تقرير)
(523- قوله: ويلزمه افتتاح الصلاة اليها بالدابة أَو بنفسه)
فإِن لم يمكنه لا هذا ولا هذا سقط عنه ذلك. والقول الآخر هو الراجح دليلا أَنه لا يلزمه، وحديث ابن عمر (1) ليس فيه الاستقبال وهو أَصح وأَشهر. وهو أَيضًا أَسهل وأَرفق. والقول الأَول قد يكون فيه شيء من نقص التسهيل. ... (تقرير)
(524- قوله: وان داس النجاسة عمدا بطلت.)
مفهومه أَنه إِذا لم يدسها عمدًا فإِن صلاته صحيحة. والظاهر إِذا لم يطل الزمن بأَن كانت جادة فيها مقدار طويل وكله نجاسة فإِنها لا تصح، وإِن كانت نجاسة عارضة طارئة بمقدار ما داسها ثم ذهب عنها فإِنها تصح. ... (تقرير)
_________
(1) كان صلى الله عليه وسلم يسبح على راحلته قبل أي جهة توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة، متفق عليه.(2/182)
(525- الحث على تعلم الأَرصاد)
الناس عندهم تكاسل بالرصود، ينبغي أَن يكون ناس يعرفون كل فصل وكل منزلة من المنازل الثمانية والعشرين في مسأَلة القبلة وغيرها. والناس الآن لا يعرفونها - وهذا من التغفيل - وهي فيها منفعة للأَسفار والأَوقات. وجاء في حديث الحث على شيء من هذا ((تعَلَّمُوْا مِن النُّجُوْم مَا تهتدُوْن بهِ فِيْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْر ثُمَّ انتهُوْا)) (1) . ... (تقرير)
(526- س: كيف الأَفلاك تذهب إلى جهة المغرب والشمس والقمر والمنازل الثمانية والعشرون إِلى جهة المشرق ونحن نرى الشمس والقمر تذهب إِلى جهة المغرب)
جـ: - الأَفلاك تدور إِلى جهة المغرب دورانًا سريعًا جدًا، والشمس والقمر والمنازل تتخلف عنها شيئًا من التخلف، وتخلفها باعوجاج كما يرى كونها تأَخر وبعضها في تأَخره يتيامن أَو يتياسر. وهم مثلوا ذلك برحى تدور دورانًا سريعًا وفوقها نمل، فإِذا دارت الرحى مثلا مائة دورة أَو أَقل أَو أَكثر إذا النمل قد دار مرة واحدة على الرحى. وكذلك شبهوا الشمس في ممشاها مثل النمل في مسيره يتيامن أَو يتياسر. هذا معنى كلام الشيخين وابن كثير (2) .
وهذا غير الذي يشير إليه المتأَخرون وهو أَن الأَرض تنير. كل أَقوال هؤلاء خرص ولا معهم عليها دليل (3) .
_________
(1) أخرجه ابن مردويه والخطابي في كتاب النجوم عن ابن عمر: 1 هـ (الجامع الصغير) قلت: وكان شيخنا على جانب من العلم بالمنازل، حتى أَن كثيرا من الفلاحين وغيرهم يسأَلونه عن دخولها لمعرفة أَزمان البذور ومواسم الأَمطار، والنبات، والرياح ...
(2) المظر جـ 25 من فتاوي ابن تيمية ص 194ن 195 ومفتاح دار السعادة لابن القيم ص 211 وتفسير ابن كثير لقوله: (وكل في فلك يسبحون) .
(3) ويأتي في قسم ((العلوم)) فتاوي في استقرار الأَرض وأَنها لا تدور.(2/183)
والقول بأَن الشمس في السماء الرابعة مشهور عند الفلكيين وقد يكون شيء منه باخبار بعض الأَنبياء. نعم هي فوق القمر، الكسوف مما يشاهد بالبصر. ... (تقرير)
(527- س: كون القمر في السماء الدنيا هل فيه حديث؟
جـ: - ما أَعلم فيه شيئًا. هو في السماء بكل حال. ... (تقرير)
(النية)
(528- التلفظ بها ومذاهب الأَئمة وشبهة من استحبه)
قوله: والتلفظ بها ليس بشرط.
عند الأَصحاب يستحب التلفظ بها، ولكن هذا من الغلط الظاهر، بل هو بدعة، فإِن النبي صلى الله عليه وسلم مقطوع بأَنه لم يتلفظ بها، وكذلك الخلفاء والبدريون وأَهل بيعة الرضوان بل ولا الأَئمة من السلف، ولا الأَئمة الأَربعة، ولا استحب ذلك أَحد من أَهل العلم. إِنما هي بدعة راجت على بعض الشافعية لقول الشافعي: إِن الصلاة لا تدخل إلا بقول. ومراده التحريمة، لا التلفظ بالنية فإِن الحج لا يحتاج إِلى نية. وكذلك الزكاة. فنسبة ذلك غلط عليه. ومن قاله من أَئمة المذهب فليس منصوصًا عن أَحمد، ولا صحة له عنه، بل التلفظ بها بدعة منكرة.
ثم الشيخ يقول ما معناه: إِن الذي توضح له الأَدلة ثم يصر فإِنه يقتل. وهذا واضح فإِنه من تشريع دين لم يأذن به الله (1) (*) (2) .
_________
(1) وتقدم هذا المعنى في النية في الوضوء.
(2) سورة الشورى 21.(2/184)
فالتعصب للمذاهب يخرج عن جادة الرسول إِلى جادة التقليد المذموم. ... (تقرير)
(529- التلفظ بها أَيضًا)
من محمد بن إِبراهيم إِلى المكرم زهير حسن سمان ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
كتابك لنا المؤرخ في 13-6-1387 هـ وصل، وتسأَل فيه عن حكم التلفظ بالنية قبل الصلاة فمثلا عند صلاة العصر يقول: نويت أُصلي أَربع ركعات فرض العصر.
والجواب: - محل النية القلب دون اللسان في جميع العبادات والتلفظ بها ليس بواجب ولا مستحب، لما ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رَسوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّمَ يَسْتفتِحُ الصَّلاة بالتَّكبيْر وَالْقِرَاءة بالْحَمْدُ للهِ رَب الْعَالمِيْن)) . وهو صلى الله عليه وسلم كما أَنه لم يفعله فهو أَيضًا لم يأْمر به ولم يعلمه أَحدًا من الناس ولو كان ذلك واقعًا لنقل واشتهر كغيره من الأمور التي تدعو الحاجة إِليها.
ومن جهر بها فهو مبتدع مخالف للشريعة إِذا فعل ذلك معتقدًا أَنه من الشرع فهو جاهل ضال يستحق التعزير وإلا العقوبة على ذلك إِذا أَصر على ذلك بعد التعريف والبيان له، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن عَمِل عَمَلاً ليْسَ عِليْهِ أَمْرُنا فهُوَ رَدّ)) (1) . وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَن رَغِبَ عَن سُنَّتِيْ فليْسَ مِني)) (2) والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص/ف/3721/1 في 25/9/87 هـ.)
_________
(1) رواه مسلم.
(2) متفق عليه - في قصة الرهط الثلاثة الذين جاؤا إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسأَلون عن عبادته.(2/185)
(530- نية امامته في أثناء الصلاة)
من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم عبد الرحمن الناصر المساعد ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إِلينا كتابك الذي تستفتي به عن أَربع مسائل:
الأولى: عن رجل جاء إِلى المسجد ووجد الصلاة قد فاتته ولم يجد أَحدًا في المسجد فأَقام الصلاة لنفسه وكبر وبعد أَن أَتم ركعتين من الصلاة جاء رجل آخر إِلى المسجد لم يصل هل يدخل معه في الصلاة. الخ.
والجواب: - الحمد لله. هذه المسأَلة خلافية، وفيها ثلاثة أَقوال في المذهب، فظاهر المذهب الذي مشى عليه في المنتهى أَنها لا تصح مطلقًا سواء كانت الصلاة فرضًا أَو نفلا.
و ((القول الثاني)) : أَنها تصح مطلقًا سواء كانت الصلاة فريضة أَو نافلة.
و ((القول الثالث)) أَنها تصح في النافلة دون الفريضة. وهذا الذي مشى عليه في ((مختصر المقنع)) لحديث ابن عباس الآتي.
والقول بصحتها مطلقًا هو الراجح دليلاً. واختاره الموفق والشيخ تقي الدين وفاقًا للأَئمة الثلاثة: لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((بتُّ عِندَ خالتِيْ مَيْمُوْنة فقامَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّمَ يُصَلي تطوُّعًا مِن اللَّيْل. فقامَ إلى قِرْبَة فَتوَضَّأ، فقامَ فصَلَّى، فَقُمْتُ لَمَّا رَأَيْتَهُ صَنَعَ ذَلِكَ فتوَضَّأْت مِن الْقِرْبَةِ ثُمَّ قُمْتُ إِلى شِقهِ الأَيْسَر فأَخذ بيَدِيْ مِن وَرَاءِ ظهرهِ يُعَدلُنِيْ كَذلِكَ إِلىَ الشِّقِّ الأَيْمَن)) متفق عليه واللفظ لمسلم.(2/186)
قال الموفق في الكلام على تأييد هذا القول: وقد روي عن الإِمام أَحمد ما يدل عليه، وهو مذهب الشافعي، وهو الصحيح إِن شاء الله، لأَنه قد ثبت في النفل. والأَصل مساواة الفرض للنفل، ولحديث جابر وجبار ((أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ وَحْدَهُ فَجَاءَ جَابرٌ وَجَبَّارٌ فَصَلَّى بهمَا)) رواه مسلم وأَبو داود. والظاهر أَنها مفروضة، لأَنهم كانوا مسافرين، ولأَن الحاجة تدعو إِليه. وبيانها أَن المنفرد إِذا جاءَ قوم فأَحرموا معه فإِن قطع الصلاة وأَخبرهم بحاله قبح لما فيه من إِبطال العمل، وإِن أَتم الصلاة ثم أَخبرهم بفساد صلاتهم فهو أَقبح وأَشق. وقياسهم - يعني من قال لا تصح - ينتقض بحالة الإِستخلاف. والله أَعلم.
(ص-ف-571-1 في 17-3-1385 هـ) (1)
(531- بطلان صلاة المأمومين ببطلان صلاة امامهم)
وأَما ((المسأَلة السادسة)) : وهي سؤالكم عن بطلان صلاة المأْمومين إِذا بطلت صلاة إِمامهم بحدث أَو نحوه.
فجوابها: - أَن المشهور عند متأَخري الأَصحاب أَن صلاة المأْموم تبطل ببطلان صلاة الإِمام فليس له أَن يستخلف في هذه الحالة. ... (ص-ف-1286 في 8-10-1379 هـ)
(532- فتوى في الموضوع)
حضرة المكرم القائم بأَعمال رئاسة القضاة بالمنطقة الغربية ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
_________
(1) المسأَلة الثانية في زكاة العروض. والثالثة في الأضحية. والرابعة في صلاة الفذ وتأتي قريبا.(2/187)
فنعيد لكم برفقه الأَوراق الواردة منكم برقم 1473 وتاريخ 6-2- 13 هـ حول ما نشرته الندوة بعددها الصادر برقم 1039 وتاريخ 11-1-82 هـ تحت عنوان (هل هذا صحيح) بخصوص ما ذكره الكاتب عن إِمام مسجد الدندراوي.
ونشعركم بأَنه جرى الاطلاع على ما كتبه بهذا الصدد مدير الأَوقاف لنائبنا في المنطقة الغربية برقم 171-1 وتاريخ 12-1-2 وعلى ما كتبه لكم المفتش برقم 6 وتاريخ 21-1-82 هـ فظهر أَن خلاصة المسأَلة أَن الإِمام بعد أَن كبر تكبيرة الإِحرام وشرع في قراءَة الفاتحة ذكر أَنه دخل في الصلاة على غير وضوء فتأَخر وقدم المؤذن ليتم الصلاة بالمأْمومين وذهب ليتوضأْ، وبعد شروعه في الوضوء تذكر أَن الصلاة لم تنعقد لأَنه دخلها على غير طهارة فعاد واستأْنف الصلاة بهم من جديد.
وحيث الحال ما ذكر فإِن ما عمله الإِمام موافق للمذهب الذي عليه الأَصحاب فيما إِذا علم الإِمام بالحدث قبل تمام الصلاة، كما صرح بذلك في الإِنصاف وغيره. ومن هذا يظهر أَن قول مدير الأَوقاف: إِن هذا خطأ فاحش. قول في غير محله، بل الخطأ لو تركهم يستمرون في اتمام صلاة باطلة. وكون الإِمام ذهل عن حكم المسأَلة في أَول الأَمر وقدم المؤذن ليبني على ما مضى من صلاته ليس غريبًا من نوعه، لأَن طالب العلم قد يذهل عن حكم المسأَلة ثم يتبين له الصواب بعد ذلك فيرجع إِليه. وكان الذي ينبغي لمدير الأَوقاف في مثل هذه المسأَلة أَن يحضر الإِمام ويسأَله عن حقيقة الواقع، ثم يسأَل المرجع الشرعي عن الحكم في المسأَلة،(2/188)
وبعد ذلك يكتب للجريدة باللازم. والسلام.
رئيس القضاة
(ص-ق-581-2 في 11-2-1382 هـ)
(533- س: هل يشترط في حق امام الحي اذا قام يصلي بهم بدل نائبه ان لا يكونوا سبقوه بركعة.)
جـ: - لا يشترط هذا. كلامهم مطلق. ... (تقرير)
(534- س: اذا كان مسبوقا فما يصنع المأمومون معه)
جـ: - ينتظرونه حتى يأْتي بما عليه فيسلمون معه. هذا الأَفضل، أَو يسلمون لأَنفسهم. ... (تقرير)
(535- اقتداء المأموم بالمأموم)
((المسأَلة الرابعة)) : في حكم اقتداء المأْموم بالمأْموم فيما بقي من الصلاة بعد سلام الإِمام.
والجواب: - نص الفقهاء رحمهم الله بأَنه يصح أَن يؤم مسبوق في بعض الصلاة مسبوقًا مثله في قضاء ما فاتهما من الصلاة بعد سلام الإمام، ومثله لو صلى بعض المقيمين خلف إِمام مسافر يقصر الصلاة فيجوز للمقيمين أَن يأْتموا بواحد منهم بعد سلام الإِمام في قضاء باقي الصلاة. والله أَعلم. وصلى الله على نبينا محمد.
(ص-ف-1334-1 في 9-7-1383 هـ)(2/189)
(باب صفة الصلاة)
(536- قوله: بسكينة ووقار ومقاربة خطاه)
وبعضهم نص على أَنه إِذا خشي فوات الركوع وأَسرع من غير عجلة إِسراعًا لا يفوت السكينة أَنه لا يكره.
واختار بعضهم أَيضًا أَنه إِذا خشي فوات الجماعة أَو الجمعة فله العجلة، وذلك أَنه شيء لا بدل له، فيكون ما اختاره الشيخ هو ارتكاب إِحدى المفسدتين لتفويت أَعلاهما. فمفسدة فوت الجمعة أَو الجماعة أَكبر لأَنهما واجبان، والعجلة منهي عنها إِلا أَنه نهي كراهة. ... (تقرير)
(537- قوله: عند (قد) من اقامتها)
لا يقوم عند (قد) إِلا إِذا رأَى الإِمام للأَحاديث في ذلك (1) . ... (تقرير)
(538- قوله: ويتراصون في الصف)
والظاهر - والله أَعلم - تراص لا يفيت الخشوع ويحصل الضيق ويفضي إِلى خروج منكب هذا وتعريج الصف. وصلينا مع أُناس غير القوي يضغط ضغطًا شديدًا. نعم يوجد من يخل بالتراص وهذا إخلال بالسنة. ... (تقرير)
(539- قوله وصفوف النساء بالعكس)
إِذا كان الرجال والنساء.
_________
(1) منها ((كان بلال يؤذن اذا دحضت الشمس فلا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فاذا خرج أَقام الصلاة حين يراه)) رواه مسلم وأبو داود والترمذي.(2/190)
أَما النساء المحض فالأَول أَفضل من الثاني وهكذا، أَو يؤمهم رجل حيث انتفت الكراهة والمفاسد.
ثم الظاهر أَن صلاة النساء صفوفًا وجماعات ليس معهودًا كثيرًا بل ربما روي القصة ونحوها كحديث أُم ورقة ونحوه. وصلاة النساء شهرة وكثرة مع الرجال. ولهذا في الحديث: ((لاَ تَمْنَعُوْا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجدَ اللهِ)) (1) . ... (تقرير)
(540- الجهر بتكبيرة الاحرام)
من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم عبد الله الحامد ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
كتابك وصل، وقد سأَلت فيه عن مسأَلة، وهي: ما حكم التلفظ بتكبيرة الإِحرام جهرًا.
الجواب: - إِن كان المصلي إِمامًا فإِنه يجهر بقدر ما يسمعه من خلفه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤتَمَّ بهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوْا وَلاَ تُكَبِّرُوْا حَتَّى يُكَبِّرُ)) الحديث (2) .
وإِن كان مأْمومًا أَو منفردًا فإِنه يجهر بقدر ما يسمع نفسه. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-1065 في 13-5-88 هـ)
(541- الوسوسة في النطق بـ ((الله أَكبر)) وغيرها من فروض الصلاة وهل تبطلها، وهل كان الوسواس على عهد النبي)
وأَما السؤال عن الوسوسة في الصلاة هل كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أَم لا. وهل تبطل الصلاة، وهل يعتبر
_________
(1) أخرجه مسلم وأحمد في المسند عن ابن عمر.
(2) متفق عليه.(2/191)
ما يوحيه الشيطان إِلى المبتلى بها من أَن الذهاب إِلى المساجد رياء هل يعتبر مبررًا للتخلف عن الجماعة. وكيف التوصل إِلى الخلاص من الوسوسة في الصلاة.
فالجواب: - عنه من ناحية وجود الوسوسة في الصلاة وعدم وجودها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم - أَنها بالوصف الذي ذكرته في خطابك لم توجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أَصحابه رضي الله عنهم، كما صرح به الإِمامان موفق الدين ابن قدامة في كتابه ((ذم الموسوسين)) وشيخ الإِسلام ابن تيمية فيما روى عنه تلميذه ابن القيم.
قال ابن قدامة: ليعلم أَن الصحابة ما كان فيهم موسوس، ولو كانت الوسوسة فضيلة لما ادخرها الله تعالى عن رسوله وصحابته وهم خير الخلق وأَفضلهم. ولو أَدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم الموسوسين لقتلهم، ولو أَدركهم عمر لضربهم وعزرهم، ولو أَدركهم أَحد من الصحابة لبدعهم وكرههم. وذكر ابن قدامة: أَن الموسوس في الصلاة إِنما يظن أَن الشيطان ناصح له ليطيعه. ثم قال في معاتبة له على قبوله من الشيطان ما يوحيه إِليه: أَما علم أَنه - أَي الشيطان الموسوس له - لا يهدي إِلى خير ولا يدعو إِلى هدى. قال: وكيف يقول هذا الموسوس في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر المسلمين الذين لم يفعلوا فعله. فإِن قال هي: باطلة. فقد مرق من الإِسلام وما بقي معه كلام. وإِن قال: هي صحيحة بدون هذا الذي يفعله. فما الذي دعاه إِلى مخالفتهم والرغبة عن طريقهم. وكيف لم يبينه عليه الصلاة والسلام نبي الرحمة. الداعي إِلى سبيل ربه بالحكمة. فأَين يعدل عن سننه!(2/192)
أَين يطلب النجاة في غير طريقته؟ أَيدع مسلم اتباع من لا يشك أَنه على الصراط المستقيم، وأَنه رسول رب العالمين، أَرسله بالهدى ودين الحق، ويتبع الشيطان الذي أَخبره الله عنه بقوله: (*) (1) . قال: فإِن قال الموسوس: هذا مرض ابتليت به. قلنا: نعم، سببه قبولك من الشيطان ولم يعذر الله أَحدًا بذلك.
وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية بعد أَن ذكر عدة بدع من بدع الوسوسة في الصلاة: فلو مكث أَحدهم - أَي الموسوسين - عمر نوح عليه السلام يفتش هل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أَو أَحد من أَصحابه شيئًا من ذلك لما ظفر به إِلا أَن يجاهر بالكذب البحت، ولو كان خيرًا لسبقونا إِليه ولدلونا عليه. فإن كان الذي كانوا عليه هو الهدى والحق فماذا بعد الحق إِلا الضلال. اهـ. نقله عنه ابن القيم في ((إِغاثة اللهفان)) .
والحقيقة أَن من نظر في حالة الموسوس تبين له مقاربته الجنون وإِنكاره الحقائق؛ فإِنه يكبر ويقول ما كبرت، ويقرأُ بلسانه ويقول ما قرأْت، وينوي بالصلاة ويريدها ويقول ما نويتها ولا أَردتها. ولا شك أَن هذا مكابرة للعيان وجحد ليقين النفس ولهذا أَفتى الإِمام ابن عقيل رجلا قال له: إِني أُكبر وأَقول ما كبرت. أَفتاه ابن عقيل بما روى ابن الجوزي عن بعض مشايخه عنه أَنه قال لذلك الرجل: دع الصلاة. فقيل لابن عقيل: كيف تقول هذا. فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رفِعَ الْقلم عَن
_________
(1) سورة فاطر 6.(2/193)
الْمَجْنُوْن حَتَّى يفِيْق)) (1) . ومن يكبر فيقول ما كبرت ليس بعاقل، والمجنون لا تجب عليه الصلاة. اهـ.
وأَما السؤال عن الوسوسة هل تبطل الصلاة.
فالجواب عنه: - أَن منها ما يفسد الصلاة. قال ابن قدامة في ذم ((الموسوسين)) : من أَصناف الوسواس ما يفسد الصلاة مثل تكرير بعض الكلمة، كقوله في التحيات: أَت أَت التحي التحي. وفي السلام: أَس أَس السلام، وفي التكبير: أَكككبر. وفي إِياك: إِياككك. فهذا تكرير الكلمات غيَّر معاني القراءة، وأَخرج اللفظ عن وضعه من غير ضرورة، فهذا الظاهر بطلان الصلاة به. وربما كان إِمامًا فأَفسد صلاة المأْمومين. وصارت الصلاة التي هي أَكبر الطاعات أَعظم أَبعادًا له عن الله من الكبائر. وما كان من ذلك لا يبطل الصلاة فهو مكروه، وإِخراج القراءة عن كونها على الوجه المشروع عدول عن السنة، ورغبة عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته. وربما رفع صوته بذلك فآذى سامعيه وأَغرى الناس بذمه والوقيعة فيه. وجمع على نفسه طاعة إِبليس، ومخالفة السنة، وارتكاب شر الأمور ومحدثاتها، وتعذيب نفسه، وإِضاعة الوقت، وآذى نفسه، وآذى المصلين، وهتك عرضه. انتهى المراد منه.
وأَما السؤال عن اعتبار ما يوحيه الشيطان إِلى بعض المبتلين بالوسوسة من أَن الصلاة في الجماعة رياء.
فالجواب عنه: - أَن ذلك لا يجوز اعتباره، ولا يبيح التخلف
_________
(1) أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم.(2/194)
عن الجماعة، بل إِنما هو من دعوة الشيطان إِلى الإِعراض عن هدى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأَما كيفية الخلاص من الوسوسة في الصلاة، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها ما رواه مسلم في ((كتاب الطب)) من صحيحه عن عثمان بن أَبي العاص رضي الله عنه ((أَنه أَتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إِن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي يلبسها علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك شيْطانٌ يقالُ له خنزبْ (1) . فإِذا أَحْسَسْت بهِ فتعَوَّذ باللهِ وَاتفُل عَلى يَسَارك ثلاثًا. قال ففعلت ذلك قال فأَذهبه الله عني)) اهـ.
هذا وينبغي لك أَن تتحصل على نسخة من رسالة الإِمام الموفق ابن قدامة في ((ذم الموسوسين)) فإِن فيها من التنفير عن الوسوسة ما يكفي ويشفي، وقد اعتمد عليها العلامة ابن القيم في كتابه ((كتاب إِغاثة اللهفان)) وعلق عليها تعليقات لا يستغنى عنها.
(ص-ف-64 في 4-1-1380 هـ)
(542- رفع اليدين في الصلاة في المواطن الأَربعة)
((الرابعة)) : سؤالك هل يجوز رفع اليدين في الصلاة قبل الركوع حيث أَن كثيرًا من الناس لديكم ينكرون ذلك.
والجواب: - الحمد لله. هذه المسأَلة من مسائل الخلاف بين العلماء. فجمهور علماء المسلمين يرون استحباب رفع اليدين عند افتتاح الصلاة بالتكبير، وعند الركوع، والرفع منه، للأَحاديث الصحيحة والآثار المروية في ذلك. ومنها ما رواه الشيخان في
_________
(1) قال أبو عمرو: وهو لقب له. ((والخنزب)) قطعة لحم منتنة. ويروى بالكسر والضم.(2/195)
صحيحهما عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَرْفع يَدَيْهِ حَذوَ مَنكبَيْهِ إِذا افتتح الصَّلاة، وَإِذا كبَّرَ لِلرُّكوْع، وَإِذا رَفعَ رَأْسَه مِن الرُّكوْع رَفعَهمَا كَذلِك، وَقال سَمِعَ الله لِمَن حَمِدَه رَبَّنا لك الْحَمْد. وَكان لا يَفعَل ذلِك فِيْ السُّجوْدِ)) وما أَخرجه البخاري عن نافع ((أَنَّ ابْن عمَرَ كان إِذا دَخل فِيْ الصَّلاةِ رَفعَ يَدَيْهِ، وَإِذا رَكعَ رَفعَ يَدَيْهِ، وَإِذا قال سَمِعَ الله لِمَن حَمِدَه رَفعَ يَدَيْهِ، وَإِذا قامَ مِن الرَّكعَتيْن رفَعَ يَدَيْهِ)) ورفع ذلك ابن عمر إِلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأَخرج نحوه عنه مالك في الموطأ. وما أَخرج النسائي أَيضًا عن علقمة بن وائل حدثني أَبي قال: ((صَليْت خلف رَسوْل اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ فرَأَيْته يَرْفع يَدَيْهِ إِذا افتتحَ الصَّلاة، وَإِذا رَكعَ، وَإِذا قال سَمِعَ الله لِمَن حَمِدَه.
هكذا وأَشار قيس إِلى نحو الأذنين)) وما أخرج البخاري والترمذي وابن ماجه وغيره والنسائي عن سالم عن عبد الله بن عمر قال: ((رَأَيْت رَسوْل اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ إِذا قَامَ فِيْ الصَّلاةِ رَفعَ يَدَيْهِ، وَكان يَفعَل ذلِك حِيْن يكبِّر لِلرُّكوْع، وَيَفعَلُ ذلِك إِذا رَفعَ رَأْسه مِن الرُّكُوْع)) وما أَخرج البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه والنسائي نحوه عن أَبي قلابة ((أَنَّه رَأَى مالِك بْن الْحوَيْرثِ إِذا صَلَّى كبَّرَ وَرَفعَ يَدَيْهِ، وَإِذا أَرَادَ أَن يَرْكعَ رَفعَ يَدَيْهِ، وَإِذا رَفعَ رَأْسَه مِن الرُّكُوْع رَفعَ يَدَيْهِ وحدث أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع هكذا)) وما أَخرج مسلم عن ابن عمر قال: ((رَأَيْتُ رَسوْل اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ إِذا افتتحَ الصَّلاة رَفعَ يَدَيْهِ حَتَّى يحَاذِي مَنكبَيْهِ، وَقبْل أَن يَرْكعَ، وَإِذا رَفعَ رَأْسَهُ مِن الرُّكوْع، وَلا يُرْفعُهما بَيْن السَّجْدَتيْن)) وأخرج أَحمد وأَبو داود وابن ماجه(2/196)
عن عمرو بن عطاء قال سمعت أَبا حميد الساعدي وهو في عشرة من أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أَحدهم أَبو قتادة بن ربعي: وذكر ابن ماجه في موضع آخر أَن منهم سهل بن سعد ومحمد بن مسلمة قال: ((أَنا أَعْلمُكُمْ بصَلاةِ رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّمَ كان إِذا قامَ فِيْ الصَّلاة اعْتدَل قائِمًا وَرَفعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بهمَا مَنكبَيْهِ ثُمَّ قال اللهُ أَكبَرُ. وَإِذا أَرَادَ أَن يَرْكعَ رَفعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بهِما مَنكبَيْهِ، فإِذا قالَ سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ فَاعْتَدَلَ، فَإِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتيْن كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بهِما مَنكَبَيْهِ كمَا صَنَعَ حِيْنَ افتَتَحَ الصَّلاَةِ)) .
وهناك طائفة من أَهل العلم في الكوفة لم تأْخذ بالسنة الواردة في رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، بحجة أَن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لم يكن يرفع يديه فيهما، وهم كما قال عنهم شيخ الإِسلام ابن تيمية وغيره معذورون قبل أَن تبلغهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فعبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو أَحد فقهاء الصحابة وهو الذي بعثه عمر بن الخطاب ليعلم أَهل الكوفة السنة لم يثبت عنه رضي الله عنه خبر أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه إِلا أَول مرة. قال عبد الله بن المبارك: لم يثبت حديث ابن مسعود أَن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه إِلا في أَول مرة، لكنهم رأَوا عبد الله بن مسعود يصلي ولا يرفع إِلا أَول مرة، والإِنسان قد يذهل. ويحتمل أَن السنة في ذلك لم تبلغه. كما لم يبلغه نسخ التطبيق في الصلاة، فكان رضي الله عنه إِذا ركع في صلاته طبق بين يديه كما كانوا يفعلونه في أَول الإِسلام ثم نسخ التطبيق لم يبلغه نسخه.(2/197)
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في إِحدى فتاواه: وأَما رفعهما عند الركوع والاعتدال من الركوع فلم يعرفه أَكثر فقهاء الكوفة كإِبراهيم النخعي وأَبي حنيفة والثوري وغيرهم. وأَما أَكثر فقهاء الأَمصار وعلماء الآثار فإِنهم عرفوا ذلك - كما أَنه استفاضت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم - كالأَوزاعي والشافعي وأَحمد ابن حنبل واسحاق وأَبي عبيد وهو إِحدى الروايتين عن مالك. اهـ. وبالله التوفيق.
(ص-ف-2110-1 في 21-7-1388 هـ)
(543- هل يترك رفعهما لمصلحة راجحة أَحيانًا مع بيان السنة)
من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم عبد الغفار بن محمد البلوشي ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إِلينا كتابك الذي ذكرت فيه أَنكم ببلاد لا يستعملون رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه، لأَن مذهبهم حنفي وجاء رجل منهم إِلى هذه المملكة وتعلم العلم وعرف هذه السنة وغيرها ثم أَراد أَن يرجع إِلى بلاده ليدعو إِلى الله وينشر السنة بين قومه ولكنه يخشى منهم أَو يرونه يرفع يديه عند الركوع أَن لا يقبلوا منه بل يبدعوه ويفسقوه. وهو يحب أَن يدعو إِلى توحيد الله وطرح الخرافات والبدع.
فهل الأَولى أَن يترك سنة رفع اليدين لكي يقبلوا منه ما يدعو إِليه من أُمور التوحيد، أَو أَن يحي تلك السنة ويدعوهم إِليها بقوله وفعله مع دعوته إِلى تحقيق التوحيد سواء قبلوا أَو لم يقبلوا.(2/198)
والجواب: - لا يخفى أَن الشريعة الإِسلامية جاءت بتحصيل المصالح أَو تكثيرها. وتعطيل المفاسد أَو تقليلها. وأَن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وتفويت أَدنى المصلحتين لتحصيل أَعلاهما وارتكاب أَدنى المفسدتين لدرء أَعلاهما.
إذا عرف هذا - فالدعوة إِلى تحقيق التوحيد الذي بعث الله به رسله وأَنزل به كتبه أَهم وأَولى؛ لأَن النبي صلى الله عليه وسلم مكث عشر سنين يدعو إِلى توحيد الله قبل فرضية الصلاة وغيرها من شرائع الإِسلام. ومع هذا فعلى هذا الرجل أَن لا يأْلو جهدًا في تقرير السنة ونشرها بين الناس بأَقواله عند كل مناسبة وبكل وسيلة، وأَن يتقي الله ما استطاع، ولو لم يفعلها فيما بينهم تأْليفًا لهم. فو الله لأَن يهدي الله به رجلا واحدًا خير له من حمر النعم. والله الموفق.. والسلام.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-1108-1 في 15-4-1386 هـ)
(544- يجهر الامام بالقراءة في الجهرية، والمنفرد مخير، والاخفات أَفضل، وعلى المأموم الانصات لقراءة امامه ... )
من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم مخضور بن عوض المحمادي ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إِلينا كتابك الذي تستفتي به عن حكم الجهر بالقراءة للإِمام والمنفرد في صلاة الفجر وفي الركعتين الأوليين من صلاة المغرب والعشاء إِلى آخره.(2/199)
والجواب: - الحمد لله. أَما الإِمام فلا يخفى أَنه يجهر بالقراءة في صلاة الفجر وفي الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، وأَما المنفرد فقد صرح الفقهاء أَنه مخير بين الجهر كالإِمام وبين الاخفات، لأَنه لا يقصد إِسماع غيره، وترك الجهر أَفضل، وإِنما يلزمه أَن يقرأ قراءة يسمع فيها نفسه. ومثله المسبوق إِذا قام لقضاء ما فاته من الصلاة.
وأَما المأْموم فيشرع له الانصات لقراءة إِمامه، والاخفات إِذا قرأَ في سكتات إِمامه. والله أَعلم.
مفتي البلاد السعودية
(ص-ف-1481-1 في 26-5-1386 هـ)
(545- الاسرار في الصلوات الجهرية خلاف السنة النبوية)
وصل إِلى دار الإِفتاء من الأَخ محمد بن علي جحدله الشهري بالرياض سؤال يقول فيه:
هل يجوز للإِمام أَن يصلي صلاة المغرب سرية دون الجهر بالفاتحة وما تيسر من الآيات الكريمة، وهل تصح الصلاة خلفه، وما دليل الجواز من عدمه.
فأَجاب سماحة المفتي بالجواب التالي:
ليس للإِمام أَن يتعمد الإِسرار في الركعتين الأوليين من المغرب وغيرها من الجهريات؛ لما في ذلك من مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفويت المأْمومين سماع قراءة القرآن منهما وأَما الصلاة خلفه فتجزىء، ولكن لا يقر على ذلك. والدليل على منعه تعمد الاسرار في الركعتين الأوليين من المغرب وغيرها(2/200)
من الجهريات قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((صَلُّوْا كَمَا رَأَيْتُمُوْنِيْ أُصَلِّيْ)) وقد تواتر عنه - صلى الله عليه وسلم - الجهر فيهن، وبوب البخاري لذلك في صحيحه بابًا أَخرج فيه عن جبير بن مطعم أَنه قال: ((سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِيْ الْمَغرب بالطُّوْر)) وممن نص على هذا الذي بيناه في هذه المسأَلة الإِمام ابن قدامة في ((المغني)) شرح مختصر الخرقي: ويسر - أَي الإِمام - القراءة في الظهر والعصر، ويجهر في الأوليين من المغرب والعشاء وفي الصبح كلها. قال: الجهر في مواضع الجهر والإِسرار في مواضع الإِسرار الاختلاف في استحابه، والأَصل فيه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت ذلك بنقل الخلف عن السلف، فإِن جهر في موضع الإِسرار وأَسر في موضع الجهر ترك السنة وصحت صلاته، إِلا أَنه إِن نسي فجهر في موضع الإِسرار ثم ذكر في القراءة بنى على قرائته، وإِن أَسر في موضع الجهر ثم ذكر في أَثناء القراءة ففيه وجهان أَحدهما يمضي في قراءته على طريق الاختيار لا على طريق الوجوب.
الخلاصة: - الإِسرار في موضع الجهر غير لائق لمخالفته السنة النبوية، وصلاته وصلاة من خلفه صحيحة. والله أعلم.
(من الفتاوي المذاعة)
(546- الجمع بين الجهر في الصلوات الجهرية وبين قوله (*) (1)
من محمد بن إبراهيم إِلى سعادة رئيس المكتب الخاص لديوان جلالة الملك ... حفظه الله
_________
(1) سورة الاسراء. آية 110.(2/201)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فبالإِشارة إِلى خطابكم رقم 710-3 وتاريخ 12-4-1387 هـ بخصوص ذكركم أَن جلالة الملك حفظه الله أَطلع على الفتوى الصادرة منا بعدد 232 وتاريخ 16-1-1387 هـ بشأْن ما استوضح عنه الأستاذ محمد مبين من مقاطعة غيانا البريطانية عن الجمع بين الجهر فيما يجهر فيه من الصلوات وبين الآية الكريمة: (*) (1) . وأَن جلالته حفظه الله لاحظ تشعبها وطولها واحتمال صعوبة فهم المستفتي لها، ورغب إِعادتها إِلينا لاختصارها. وعليه فلا مانع من ذلك.
فنقول: الحمد لله. لا تعارض بين الجهر والقراءة في الركعتين الأوليين من صلاة المغرب وصلاة العشاء. وكذلك الجهر بالقراءة في ركعتي الفجر وبين قوله تعالى: (*) فإِن النهي عن ذلك الجهر كان بسبب إِيذاء المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم وسبهم القرآن آن ذاك حينما يسمعونه يجهر بالقراءة في ذلك الوقت. وقد كان صلى الله عليه وسلم ومعه أَصحابه متوارين عن أَنظارهم وقت ما كان الإِسلام ضعيفًا.
يؤيد ما ذكرناه ما أَخرجه سعيد بن منصور وأَحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما أَنه قال في قوله تعالى: (*) نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة متوار، فكان إِذا صلى
_________
(1) سورة الاسراء - آية 110.(2/202)
بأَصحابه رفع صوته بالقرآن، فإِذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أَنزله ومن جاء به، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (*) أَي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن (*) عن أَصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأْخذوه عنك. (*) يقول بين الجهر والمخافتة. وفي رواية ابن أَبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس التصريح بأَن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك حينما هاجر إِلى المدينة لزوال المحذور.
وقيل: إِن معنى قوله تعالى: (*) أَي بدعائك. يحتج أَصحاب هذا القول له بما أَخرجه ابن أَبي شيبة وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما أَنه قال: (*) نزلت في الدعاء. كانوا يجهرون بالدعاء: ((اللهم ارحمني)) فلما نزلت أُمروا أَن لا يخافتوا ولا يجهروا. وقيل غير ذلك. والأَول أَولى وأَقرب.
وعلى أَيٍّ جمع بينهما فلا تنافي بين الجهر في الصلوات التي يجهر فيها وبين قوله تعالى: (*) إِذ السنة هي المبينة لمعاني القرآن ومقاصده. قال الله تعالى: (*) . وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-1087 في 1-4-88 هـ)(2/203)
(547- استعانة الامام بالميكرفون اذا كثروا)
قد كان على بعض طلبة العلم إِشكال في مسأَلة الميكرفون ((مكبر الصوت)) وربما أَنه قد زال، قالوا: صلاة النبي ما فعل فيها وهي أَكمل صلاة. فيقال لهم: البحث في الميكرفون ليس في أَنه قربة أَو أَفضل، بل في أَنه يجوز أَو لا يجوز.
ثم قد يحصل للصلاة كمال من هذه الناحية قد يقابل الكمال الذي فاتها من كونها على شكل صلاة الرسول، لأَن هذا مما ينتفع به لسماع القرآن حرفًا حرفًا. وكونه يسمع انتقالاته، وكون الجماعة تنتقل جميعًا، هذا شيء مراد بمرة جدا. والصوت هو صوت القاريء بنفسه وإِن كان فيه زيادة ارتفاع. أَما إِذا صار الجماعة محصورين ويسمعهم الإِمام فلا حاجة إِليه ولا ينبغي، لأَنه يحصل فيه تشويش؛ بل لا يجوز لأَن القصد الشهرة والسمعة. القول الذي هو القول الجواز عند الحاجة، وهذا أَسهل من المبلغ وأَكمل. وذكر عن بعض أَهل الهند أَنه لا يجوزه، ويقول: هذا ليس صوته بل صداه. بل هو الصوت نفسه وليس بصدى، مع أَن الصدى صوت رده الجبل، فلو حلف رجل بالطلاق إِنه ما سمع صوته حنث. (1) ... (تقرير)
(548- وضع اليمنى على اليسرى حال القيام في الصلاة هو السنة، لا ارسالهما)
من محمد بن إِبراهيم إِلى حضرة صاحب السمو الملكي رئيس الديوان الملكي ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
_________
(1) قلت: وتقدمت فتاوي في الميكرفون في (باب الأذان) أَيضا.(2/204)
فقد جرى الاطلاع على خطاب سموكم رقم ... وتاريخ ... المرفق به الرسالة الواردة إِليكم من الحاج (في بلا) من الجمهورية السنغالية المتضمن استفتاءه عن المسأَلتين الآتيتين، وقد جرى تأَملهما والجواب عليهما بما يلي:
((المسأَلة الأولى)) : في حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى حال القيام في الصلاة هل هو السنة أَو أَن السنة ارسالهما.
والجواب: - الحمد لله وحده. السنة للمصلي أَن يضع يده اليمنى على اليسرى حال قيامه، وهو قول الجماهير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهذا مذهب الأَئمة الثلاثة أَبو حنيفة والشافعي وأَحمد، وهو الذي ذكره الإِمام مالك في الموطأ حيث قال: (وضع اليدين إِحداهما على الأخرى في الصلاة) مالك عن عبد الكريم ابن أَبي المخارق البصري أَنه قال: من كلام النبوة الأولى ((إِذا لمْ تسْتح فاصْنعْ مَاشِئت، وَيضع الْيَدَيْن إِحْدَاهمَا عَلى الأخرَى فِيْ الصَّلاةِ يَضع الْيمْنى عَلى الْيسْرَى، وَتعْجيْل الْفِطر وَالإِسْتِئناءُ بالسَّحوْر)) . مالك عن أَبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد أَنه قال: ((كان النَّاس يؤمَروْن أَن يَضعَ الرَّجل يَدَه الْيمْنى عَلى ذِرَاعِهِ فِيْ الصَّلاةِ)) . قال أَبو حازم: لا أَعلم إِلا أَنه ينمي ذلك. اهـ.
قال الزرقاني في ((شرح الموطأ)) : روى أَشهب عن مالك لا بأْس به في الفريضة والنافلة، وكذلك قال أَصحاب مالك المدنيون. وروى مطرف وابن الماجشون أَن مالكًا استحسنه. قال ابن عبد البر لم يأْت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين، وهو الذي ذكره مالك في الموطأ، ولم يحك ابن المنذر غيره عن مالك.(2/205)
وفي ((الشرح الكبير في مختصر خليل)) لأَحمد الدردير عند قول الشيخ خليل: وهل كراهته في الفرض للاعتماد. ما نصه:
فلو فعله لا للاعتماد بل إِستنانًا لم يكره، وكذا إِن لم يقصد شيئًا فيما يظهر.
ومن تأَمل الأَحاديث والآثار الواردة في ذلك عرف يقينًا أَنه هو السنة، وقد تتبع العلماء الأَحاديث والآثار الواردة في هذا الباب فبلغت عشرين حديثًا رواها ثمانية عشر صحابيًا وتابعيان، منها ما قد سبق إِيراده مما رواه الإِمام مالك في الموطأ، ومنها ما رواه الترمذي عن قبيصة بن هلب عن أَبيه قال: ((كان رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّنا فيَأْخُذُ شِمَالهُ بيَمِيْنِهِ)) قال الترمذي: حديث حسن، وعليه العمل عند أَهل العلم من أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم. وعن وائل بن حجر قال: ((صَليْتُ مَعَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوَضعَ يَدَهُ الْيُمْنى عَلى الْيُسْرَى عَلى صَدْرهِ)) أخرجه ابن خزيمة وأَخرجه أَبو داود بلفظ ((ثُمَّ وَضعَ يَدَهُ الْيُمْنى عَلى ظهر كفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغ وَالسَّاعِدِ)) والرسغ هو المفصل بين الساعد والكف.
فأَما القائلون بإِرسال اليدين فاحتجوا بأَنه قد جاءت آثار ثابتة نقلت منها صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيها أَنه كان يضع يده اليمنى على اليسرى. وأُجيب عن ذلك بما ذكره ابن رشد في ((بداية المجتهد)) وهو أَن الآثار التي أُثبتت وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة اقتضت زيادة على الآثار(2/206)
التي لم تذكر ذلك، والزيادة يجب أَن يصار إِليها.
(ص-ف-1932-1 في 22-9-1383) (1)
(549- فتوى في الموضوع أيضًا)
من محمد بن إِبراهيم إِلى المكرم عبد الله بن ابراهيم فلاته ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
بالإِشارة إِلى كتابك الذي تسأَل فيه عن مسأَلة، هي: هل فيه حديث يدل على سنة الارسال في الصلاة؟
والجواب: - الأَصل في هذا القول عند من قال به: الكتاب، والسنة، والاستصحاب.
أَما الكتاب: فقوله تعالى: (*) (2) وما جاء في معنى هذه الآية مما يدل على الخشوع في الصلاة. ووجه الدلالة أَن قبض رسغي اليد اليسرى بكف اليد اليمنى والحركة المؤدية إِلى ذلك بعد تكبيرة الإِحرام مناف للخشوع فيكون ممنوعًا، والأَقرب إِلى الخشوع هو الإِرسال فيكون مشروعًا.
والجواب: - على هذا أَن تحريك اليدين إِلى استقرار القبض وسيلة والغاية سنة كما سيأْتي، والوسائل لها حكم الغايات، وكون الغاية سنة ثابت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأَصحابه بطريق التواتر. فعند الترمذي وابن ماجه عن قبيصة بن هلب عن أَبيه قال الترمذي بعد إِخراجه حديث حسن، وعند مسلم
_________
(1) ((المسأَلة الثانية)) في التأمين وتأتي قريبا.
(2) سورة المؤمنون - آية 251.(2/207)
في صحيحه وابن خزيمة في صحيحه عن وائل بن حجر
(1)
وعند أَحمد في المسند وابن عبد البر في التمهيد والاستذكار عن عطيف ابن الحارث، وعند الدارقطني عن حذيفة بن اليمان وعن أَبي الدرداء عند الدارقطني مرفوعًا وابن أَبي شيبة موقوفًا، وعند أَحمد والدارقطني عن جابر، وعند أَبي داود عن عبد الله بن الزبير، وعند البيهقي عن عائشة وقال صحيح، وعند الدارقطني والبيهقي عن أَبي هريرة، وعند أَبي داود عن الحسن مرسلا وعنده أَيضًا عن طاووس مرسلا، وعند البخاري في الصحيح وأَحمد في المسند عن سهل بن سعد وعند أَبي داود والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود، قال ابن سيد الناس: رجاله رجال الصحيح. وقال الحافظ في الفتح: إِسناده حسن. وقال الترمذي في جامعة بعد سياقه لحديث هلب بن قبيصة عن أَبيه (2) ما نصه: والعمل على هذا عند أَهل العلم من أَصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم يرون أَن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة. ورأَى بعضهم أَن يضعها فوق السرة. ورأَى بعضهم أَن يضعها تحت السرة وكل ذلك واسع عندهم. انتهى كلام الترمذي.
وأَما السنة فإِنهم استدلوا بالدليلين الآتيين:
((الأَول)) : عن أَبي هريرة رضي الله عنه: ((أَن النبي صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ دَخل الْمَسْجدَ فدَخل رَجُلٌ فصلى ثُم جَاءَ فسَلمَ! عَلى النبيِّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ فرَد النبيُّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ فقال ارْجَعْ
_________
(1) وتقدم لفظه وهو قوله: ((صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى على صدره)) .
(2) ولفظه: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه)) .(2/208)
فصَلِّ فإِنك لمْ تُصَلِّ فصَلى ثُم جَاءَ فسَلمَ عَلى النبيِّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ فقال ارْجَعْ فصَلِّ فإِنك لمْ تصَلِّ ثلاثًا فقال وَالذِيْ بَعَثك بالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غيْرَهُ فعَلِّمْنِيْ قال إِذا قُمْت إِلى الصلاةِ فكبِّرْ ثُم اقرَأْ مَا تيَسرَ مَعَك مِن الْقُرْآن ثُم ارْكعْ حَتى تطمَئِن رَاكِعًا ثُم ارْفعْ حَتى تعْتدِل قائِمًا ثُم اسْجُدْ حَتى تطمَئِن سَاجدًا ثُم ارْفعْ حَتى تطمَئِن جَالِسًا ثم اسْجُدْ حَتى تطمَئِن ساجدًا ثُم افعَل ذلِك فِيْ صَلاتِك كُلِّها)) متفق عليه.
وجه الدلالة أَنه صلى الله عليه وسلم لم يبين له وضع اليمنى على اليسرى وهذا موضع البيان، وقد أَجمع العلماء على أَن تأْخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز في حقه صلى الله عليه وسلم.
والجواب على هذا من وجهين:
((الأَول)) : ما سبق من الأَدلة الدالة على مشروعية القبض، وهذا قدر زائد على حديث المسيء فيعمل به.
((الثاني)) : أَن حديث المسيء غير وارد في محل النزاع. وتقرير ذلك: أَن النزاع في الاستحباب لا في الوجوب، فترك ذكره إِنما هو حجة على القائل بالوجوب، وقد علم أَن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على ذكر الفرائض في هذا الحديث.
((الثاني)) : عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: ((خرَجَ عَليْنا رَسُوْلُ اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ فقال مَالِيْ أَرَاكُمْ رَافِعِيْ أَيْدِيْكُمْ كأَنها أَذنابُ خيْل شُمْس اسْكُنُوْا فِيْ الصلاةِ)) رواه مسلم في الصحيح وأَبو داود في السنن.
وجه الدلالة أَنه صلى الله عليه وسلم أَنكر على أَصحابه رضي الله عنهم رفع أَيديهم، وأَمرهم بالسكون في الصلاة، وأَمره يقتضي(2/209)
الوجوب. وقبض الشمال باليمين بعد تكبيرة الإِحرام مخالف للسكون. والأَمر بالشيء نهي عن ضده، ففيه نهي عن القبض، والنهي إِذا تجرد عن القرائن اقتضى التحريم.
والجواب على هذا من وجود ستة.
((الأَول)) : ما سبق من الجواب على الآية.
((الثاني)) : ما سبق من الوجه الأَول من الجواب على حديث المسيء.
((الثالث)) : أَن هذا الحديث ورد على سبب خاص، فعن جابر ابن سمرة رضي الله عنه قال: ((كُنا إِذا صَلينا مَعَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّمَ قُلنا السَّلامُ عَليْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ السَّلامُ عَليْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَأَشارَ بيَدِهِ إِلى الْجَانِبَيْن، فقال لهُمْ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّمَ عَلامَ تُومِئُوْن بأَيْدِيْكُم كأَنَّها أَذنابُ خيْل شُمْس، اسْكُنُوْا فِيْ الصَّلاةِ، إِنَّمَا يَكفِيْ أَحَدَكُمْ أَن يَضعَ يَدَيْهِ عَلى فخذيْهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلى أَخِيْهِ مِن عَن يَمِيْنِهِ وَمن عَن شِمَالِهِ)) رواه مسلم.
وإِذا تقرر أَنه وارد على سبب خاص، فالقاعدة المقررة في علم الأصول في هذا الباب أَن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكن ورد ما يدل على عدم تناول هذا العموم لمسأَلة قبض الشمال باليمين، وإِذا تعارض عام وخاص أُخرج الخاص من العام، لأَن تناول الخاص لمدلوله أَقوى من تناول العام لهذا المدلول، وقد اجتمع في هذا الخصوص قوله صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره.
((الرابع)) : أَن أَدلة القبض متواترة فتقدم.
((الخامس)) : إِذا ورد دليل عام وأَجمع الصحابة على خلافه أَو خلاف بعض مدلوله علمنا أَنهم لم يجمعوا إِلا على أَساس مستند(2/210)
اقتضى ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تجْتمِعُ أُمَّتيْ على ضلالة)) وهذا الحديث متواتر معنى (1) فإِنه ورد من طرق كثيرة عن كثير من الصحابة بأَلفاظ مختلفة ترجع إِلى معنى هذا اللفظ الذي ذكرناه، وبناء على ذلك فقد سبق نقل الإِجماع عن الترمذي في هذه المسأَلة، وحكى الحافظ ابن حجر عن ابن عبد البر أَنه قال: لم يأْت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف. والذي حكاه ابن حجر عن ابن عبد البر هو قوله في كتابه ((النقض)) : وهو أَمر مجمع عليه في هيئة وضع اليدين إِحداهما على الأخرى. فعلم بذلك عدم تناول العموم له.
((السادس)) : أَن مسمى الرفع في اللغة لا يصدق على مسمى الوضع، قال أَحمد بن فارس في ((معجم مقاييس اللغة)) في مادة ((رفع)) : الراء والفاء والعين أَصل واحد يدل على خلاف الوضع، تقول رفعت الشيء رفعًا. وقال أَيضًا في مادة ((وضع)) : الواو والضاد والعين أَصل واحد يدل على الخفض للشيء وحطه. انتهى.
وهذا المعنى في ((اللسان)) و ((القاموس)) وغيرهما من كتب اللغة. إِذا تقرر ذلك بطل الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَالِيْ أَرَاكُمْ رَافِعِيْ أَيْدِيْكُمْ كأَنَّها أَذنابُ خيْل شُمْس)) فإِن الأَدلة جاءت بالوضع لا بالرفع.
وأَما ((الاستصحاب)) فهو أَن الأَصل هو الإِرسال كحالة الإِنسان قبل الدخول في الصلاة، فكذلك إِذا دخل في الصلاة.
والجواب: أَن هذا الأَصل مسلم لو سلم من المعارض. وتقرير
_________
(1) وأَخرجه ابن أَبي عاصم.(2/211)
ذلك أَن الاستصحاب إِنما يستدل به في حالة عدم ما يعارضه، وقد عورض هنا بأَدلة الوضع فتكون رافعة له.
إِذا علمت ما سبق فإِننا نبين لك من علمنا أَنه قال بالإِرسال، قال النووي في ((المجموع شرح المهذب)) : حكى ابن المنذر عن عبد الله بن الزبير والحسن البصري والنخعي أَنه يرسل يديه ولا يضع إِحداهما على الأخرى، وحكاه القاضي أَبو الطيب عن ابن سيرين، وقال الليث بن سعد: يرسلهما فإِن طال ذلك عليه وضع اليمنى على اليسرى للاستراحة. وروى ابن عبد الحكم عن مالك الوضع. وروي عنه ابن القاسم الارسال وهو الأَشهر وعليه جميع أَهل المغرب من أَصحابه أَو جمهورهم. قال ابن القيم في ((إِعلام الموقعين)) بعد ذكر أَحاديث وضع اليدين في الصلاة ما لفظه: فهذه الآثار قد ردت برواية ابن القاسم عن مالك، قال: تركه أَحب إِلي، ولا أَعلم شيئًا قد ردت به سواه. انتهى.
وقال سليمان بن خلف الباجي في كتابه ((المنتقى شرح الموطأ)) : وقد اختلف الرواة عن مالك في وضع اليمنى على اليسرى. فروى أَشهب عن مالك أَنه قال: لا بأْس بذلك في النافلة والفريضة، وروى مطرف وابن الماجشون عن مالك أَنه استحسنه، وروى العراقيون عن أَصحابنا عن مالك في ذلك روايتين إِحداهما الاستحسان والثانية المنع، وروى ابن القاسم عن مالك لا بأْس بذلك في النافلة وكرهه في الفريضة، وقال القاضي أَبو محمد: ليس هذا من باب وضع اليمنى على اليسرى، وإِنما هو من باب الاعتماد. والذي قاله هو الصواب، فإِن وضع اليمنى على اليسرى(2/212)
إِنما اختلف فيه هل هو من هيئة الصلاة أَم لا. وليس فيه اعتماد فيفرق فيه بين النافلة والفريضة، ثم قال: وإِنما منع الوضع على سبيل الاعتماد، ومن جعل منع مالك على هذا الوضع اعتل بذلك لئلا يلحقه أَهل الجهل بأَفعال الصلاة المعتبرة في صحتها. انتهى.
فتبين لك مما سبق أَن الإِرسال ليس بسنة. وإِنما السنة القبض، ولا اعتبار لقول أَحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-3476-1 في 8-11-1388 هـ)
(550- س: هل يوضعان تحت السرة أَو على الصدر؟
جـ: تعرف أَن الأَحاديث في أَصل المسأَلة عدة ثابتة، ولا نزاع بين (جمهور) أَهل العلم في أَنها تقبض اليمنى على اليسرى، لكن أَين يجعلان بعد ذلك؟ من أَهل العلم من يذهب إِلى أَنه يجعلهما تحت سرته لخبر علي (1) والصحابي إِذا قال من السنة فله حكم الرفع، ولكن خبر علي فيه ضعف عند أَهل الحديث. إِلا أَنه عضده بعض الآثار فقوته فمن أَجل ذلك ذهب إِليه أَحمد. وبقي يشكل عليه حديث وائل أَنه يجعلهما على صدره صريحًا، وفي كلام للعلامة ابن القيم في ((البدائع)) (2) و ((الإِعلام)) تكلم على سند حديث وائل وحاول أَن ((على صَدْرِهِ)) شاذة للسكوت عنها في أَكثر الروايات والأَحاديث الأخر. وذكر في أَحد الكتابين ما عاضده من الآثار.
_________
(1) ((من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة)) رواه أحمد وأبو داود.
(2) جزء (3) ص 91.(2/213)
مع أَن الأَمر فيه سهل: إِن جعلت على الصدر، أَو تحت الصدر كما ذهب إِليه الشافعي وهو متوسط بين الموضعين، أَو تحت السرة كما في مذهب أَحمد، كل خير إِن شاء الله. ولو قيل: إِن الكل موضع جمعًا لكان حسنًا إِن قال به أَحد، والسر في ذلك كله أَنه ذل بين يدي الله. ... (تقرير)
(551- حكم قول المصلي ((آمين)) والجهر بها)
وأَما ((المسأَلة الثانية)) : وهو حكم قول المصلي آمين بعد قراءة الفاتحة، وهل يقولها جهرًا في الصلاة الجهرية أَو يسر بها.
والجواب: أَن هذه مسأَلة خلافية، ومذهب الجماهير أَن الجهر بها في الصلاة الجهرية سواء كان إِمامًا أَو مأْمومًا أَو منفردًا، وهو مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن الزبير، وهو قول الثوري وعطاء وإِسحق ومذهب الشافعي وأَصحاب الرأْي، وبه قال الإِمام مالك في رواية المدنيين كما سيأْتي.
واستدلوا على ذلك بالأَحاديث والآثار الواردة في هذا الباب فمنها حديث أَبي هريرة رضي الله عنه أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوْا)) متفق عليه، وحديث وائل بن حجر: ((أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ: وَلاَ الضَّالِيْنَ. قَالَ: آمِيْن، وَرَفَعَ صَوْتَهُ)) رواه أَبو داود، قال الزرقاني: وبه قال مالك في رواية المدنيين والشافعي والجمهور، وفي ((شرح المواق)) لمختصر خليل ما نصه: وفي قول الإِمام إِياها في الجهر اختلاف. قال الباجي: وهما روايتان، وقال بعض أَصحاب الإِمام مالك: لا يسن التأْمين للإِمام، واستدلوا بحديث أَبي هريرة، أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا قَالَ الإِمَامُ غَيْر الْمَغضُوْب عَلَيْهمْ وَلاَ الضَّالِيْنَ فَقُوْلُوْا(2/214)
آمِيْن)) الحديث رواه الإِمام مالك، قالوا فهذا دليل على أَنه لا يقولها.
وأَجاب الأَولون بأَن هذا لا حجة فيه، لأَنه قصد تعريفهم بموضع تأْمينهم وهو موضع تأْمين الإِمام. ليكون موافقًا لتأْمين الملائكة، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن يحي بن يحي قال: قرأْت على مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأَبي سلمة ابن عبد الرحمن، أَنهما أَخبراه عن أَبي هريرة أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوْا فَإِنَّ مَن وَافَقَ تَأْمِيْنُهُ تَأْمِيْنَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبهِ)) قال ابن شهاب كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول آمين.
وقال أَبو حنيفة ومالك في إِحدى الروايتين عنه: يسن إِخفاؤها لأَنه دعاء فاستحب إِخفاؤها كالتشهد.
وأُجيب على هذا بأَن آخر الفاتحة دعاء ومع هذا فهو يجهر به. قال الترمذي: وبه يقول غير واحد من أَهل العلم من أَصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم. يرون أَن الرجل يرفع صوته بالتأْمين ولا يخفيها، وبه يقول الشافعي وأَحمد وإسحق.
ومن تأَمل الأَحاديث والآثار الواردة في ذلك عرف أَن التأْمين والجهر به سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله وتقريره - صلوات الله وسلامه عليه - وقد تتبعها العلماء فبلغت سبعة عشر حديثًا وثلاثة آثار. وليس مع الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبار، فمتى ثبتت السنة اطرح ما سواها. وفق الله الجميع لما فيه الخير. والسلام عليكم.
(ص-ف-1932-1 في 22-9-1383 هـ)(2/215)
(552- من لا يحسن غير الانجليزية كيف يصلي)
أَما من ناحية صلاة الزوجة فإِنها يلزمها تعلم الفاتحة والأَذكار الواجبة للصلاة فورًا، فإِن عرفت بعض الفاتحة فإِنها تكرره بمقدار طول الفاتحة، وإِن لم تعرف منها شيئًا ولا من غيرها من القرآن لزمها قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إِله إِلا الله، والله أَكبر؛ لحديث رفاعة بن رافع رواه أَبو داود والترمذي. والله أَعلم.
مفتي البلاد السعودية
(ص-ف-2314-1 في 23-8-1385 هـ)
(553- قوله: ما بين الستين إلى المأة.)
يعني أَنه إِن أَطال قرأَ بمائة، وإِن قصر قرأَ بستين. والمراد في الركعتين. والله أَعلم. ... (تقرير)
(454- أَما قراءته صلى الله عليه وسلم بالأَعراف فالظاهر أَنه يعلم محبتهم الطول ولا يشق عليهم، فهو أَفضل إِذا لم يكن مشقة على المأْمومين، وإِذا لم يستأْذن فالغالب أَنه يوجد في الجماعات الضعف، فإِذا تحقق الإِمام أَنه ليس فيهم من ذكر ولا حاجة فالإِطالة غير منهي عنها. ... (تقرير)
(555- القراء السبعة، والأَحرف السبعة، ونسخها)
ثم نعرف أَن تحديدهم بسبعة لا أَصل له، لكن أَنما قيل سبعة ليوافق الأَحرف السبعة التي نزل بها. قال معنى ذلك الشيخ (1) . ثم عند ذكر الحرف تعرف أَنما ذكر في الحديث ((أَن الْقُرْآن أُنزل عَلى سَبْعَةِ أَحْرُف)) المراد بالحرف الكلمة. ونعرف أَن اختلافها
_________
(1) في فتاويه انظر جـ 13 ص 390.(2/216)
اختلاف تنوع لا تباين، فإِنه نزل كذلك للتيسير، وجاء في الحديث أَن كلا منها شاف كاف.
ثم الأَحرف نسخت بالعرضة الأَخيرة فما أُبقي فهو ناسخ لما هو ثابت قبل، مثل زيادة قبل العرض ليست موجودة ثبتت (1) ونقص شيء يكون غير باق في القراءة. ... (تقرير)
(550- س: - الذين يدعون في الركوع والسجود بـ (*) و (*) وشبه ذلك.
جـ: - هذا ليس حرامًا، وفيه كلام لأَهل العلم، لكن الأولى تركه. أَما قراءة ثمن في السجود ونحو ذلك فهذا حرام. ... (تقرير)
(551- إِذا كان يشق عليهم إِذا أَتم التسبيحات العشر فلا يستكملها لقوله: ((فأَسْمَعُ بُكاء الصَّبيِّ)) (2) . ... (تقرير)
(556- قوله: وإذا رفع رأسه من الركوع فإن شاء وضع يمينه على شماله، أَو أَرسلهما.)
وفيه رواية عن أَحمد أَنه لا يرسلهما بل يجعلهما كما قبل الركوع، وهذا أَقوى وأَصح في الدليل، فإِن القاعدة الشرعية أَن كل قيام يذكر المصلي فيه ربه يجعل يديه تحت سرته أَو صدره مقبوض كوع يسراه، فيكون هذا ملحقًا بذلك، هذا هو الصواب، وعليه العمل، وهو الراجح. ويؤخذ من الأصول وعموم الأَحاديث أَنه لا يرسلهما، بل يقبض كوع يسراه بيمناه ويجعلهما تحت سرته. ... (تقرير)
_________
(1) أي بالعرضة الأخيرة.
(2) ((اني لأسمع بكاء الصبي وأنا في الصلاة فأخفف مخافة أن تفتتن أمه)) أخرجه الترمذي.(2/217)
(557- قوله: ولا يرفع يديه للسجود)
في هذا الْهُويِّ إِلا ما دل عليه الحديث أَو الحديثان أَو الثلاثة التي ذكرها ابن القيم في كتابه وضعفهن (1) . أَما الأَحاديث الثابتة في ذلك كحديث ابن عمر وأَبي حميد فليس فيها ذلك أَبدًا، وليس في ذلك خلاف إِلا أَن يكون شيئًا لا يعتبر. ... (تقرير)
(558- قوله: ولا يجلس للاستراحة)
هذه الجلسة موضعها عند النهوض من كل وتر من الركعات: النهوض من الأولى، ومن الوتر الثالث في الرباعية. ففي صلاة المغرب والفجر لا يتصور إِلا واحدة، والرباعية فيها محلان. وهذه الجلسة جلسة خفيفة في شكلها نظير الجلسة بين السجدتين.
بعض أَهل العلم ذهب إِلى أَنها سنة، وهو رواية عن أَحمد، وذلك للحديث الذي في الصحيح وهو: ((أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا كان فِيْ وتر مِن صَلاتِهِ لمْ يَنهض حَتَّى يَجْلِس لِلإِسْتِرَاحَةَ)) (2) .
والرواية الأخرى وهي المذهب والمشهورة وبين عليها هذا الكلام أَنها ليست بمشروعة للأَحاديث الكثيرة التي لم تذكر هذه الجلسة، فإِن الجماعة من الصحابة الذين رووا صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كأَبي حميد الذي كان أَوعى لهذا، وكذلك سائر الصحابة الذين رووا (3) لم يذكروا هذه الجلسة.
ولا يقال هنا أَنها من باب الزيادة التي انفرد بها الثقة، فإِن
_________
(1) أنظر بدائع الفوائد لابن القيم جزء 3 ص 89- 91.
(2) ففي صحيح البخاري عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه ((أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا)) .
(3) صفة صلاته صلى الله عليه وسلم.(2/218)
مثل هذا الشيء المتكرر في اليوم والليلة خمس مرات خمسة عشر عامًا لا يتصور أَن يحفظه واحد والبقية لا يحفظون. أَما لو كانت واقعة واحدة لتصور فيها. الحاصل أَنهم جماعة وعدد كثير لا يحفظون صلاة الرسول كل يوم خمس مرات ويحفظ الواحد!. هذا من البعيد جدًا أَو الممتنع.
إِذا علم هذا فما الجواب عن الحديث؟
الجواب: - أَن هذا من الأَشياء العارضة لا الراتب. إِنما هو لما أَسن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. فهذا للحاجة فيكون فعلها للحاجة من السنة العارضة لا الراتبة الدائمة.
فلقائل أَن يقول أَن من أَسن واحتاج إِلى هذا فهو من السنة الجائزة، وبهذا اجتمعت الأَحاديث. ... (تقرير)
(559- قوله: ما عدا التحريمة والتعوذ.)
والرواية الأخرى عن أَحمد أَنه يستعيذ لكل قراءة في كل ركعة وهذا القول فيه قوة، ولعله أَرجح، وهو الذي ذكره الشيخ (1) في آداب المشي إِلى الصلاة (2) . ... (تقرير)
(560- قوله: ويشير بسبابتها من غير تحريك)
فينهضها عن الحالة التي هي بين الإِقامة والإِقامة؛ لحديث ابن الزبير ((كان يُشِيْرُ بأَصْبعِهِ وَلا يُحَركُها)) (3) المعنى أَنه يحركها مرة واحدة ولا يزيد.
_________
(1) محمد بن عبد الوهاب.
(2) وفي الاختيارات: ص 50: ويستحب التعوذ أول كل قراءة.
(3) أخرجه أبو داود والنسائي: ((كان يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها)) وقال في نيل الأوطار: حديث ابن الزبير عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه بلفظ ((كان يشير بالسبابة ولا يحركها)) .(2/219)
إِلا أَنه عارضه حديث وائل بن حجر أَنه يحركها (1) واختيار ابن القيم وآخرين تحريكها.
وأَما الشيء الكثير فهو المراد بحديث ابن الزبير إِن ثبت؛ لأَن ذلك يكون من العبث. ... (تقرير)
(561- قوله: النبي هو من ظهرت المعجزات على يده)
هذا التعريف فيه قصور. فحقيقة ((النبي)) : هو من استقامت أَحواله الظاهرة والباطنة، وقال أَنه نبي، وقامت المؤيدات بصدقه في أَخباره - وهي المعجزات.
بل من يأْتي على يديه الخوارق بعضها لا ينبىء عن كرامة. وأَما إِن كانت أَحواله غير مستقيمة فهذه أَحوال شيطانية؛ فإِنه يكون لأَنواع الكفار ما هو مشهور. وأَيضًا المعجزات تظهر على أَيدي أُناس ولا يقولون إِنهم أَنبياء. ... (تقرير 7-1378 هـ)
(562- هل يقول في الصلاة ((سيدنا ومولانا محمد))
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة الأَخ المكرم الشيخ علي بن قاسم آل ثاني ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إِلينا كتابكم. وسرنا ما ذكرتم عن صحتكم ومن لديكم. الحمد لله على ذلك، كما فهمنا السؤال الذي أَردتم عن جواز قول الرجل: اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد إِلى آخره.
_________
(1) قال وائل: ((جعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ثم قبض ثنتين من أصابعه وحلق حلقة ثم رفع اصبعه فرأيته يحركها يدعو بها)) رواه أحمد والنسائي وأبو داود وغيرهم.(2/220)
والجواب: - الحمد لله. لا يخفى أَن الاقتصار على ما ورد في الأَحاديث وما جاء عن سلف هذه الأمة وأَئمتها أَولى وأَفضل وأَكمل. ولا سيما إِذا كان ذلك في نفس الصلاة، فلا ينبغي أَن يأْتي في الصلاة بأَلفاظ غير ما ورد. فإِن كان خارج الصلاة فهو أَيسر وتركه أَولى على كل حال. وعلى كل فهذه الكلمة لم ترد عن السلف، فمن تركها فقد أَحسن، ومن قالها فلا ينهى عنها نهيًا مطلقًا، بل يرغب بما هو الأَفضل. وهذا لا يغض من قدر نبينا صلوات الله وسلامه عليه؛ فإِن له عند المسلمين من المنزلة والمحبة والتعزيز والتوقير ما لا يعلمه إِلا الله. بأَبي هو وأُمي صلى الله عليه وسلم. وهو بلا شك سيدنا وسيد جميع الخلق، ولكن اقتران هذه الكلمة بالصلاة عليه دائمًا باستمرار لانراه، لأَنه لم يرد بهذه الصفة. والله أَعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-1852-1 في 14-10-1387 هـ)
(563- س: معنى الصلاة على النبي)
جـ: - الثناء على عبده عند ملائكته. وقال آخرون: إِن معناها الرحمة - يعني اللهم ارحم محمدًا - وهذا قول كثير إِن لم يكونوا الأَكثر. وفيه قول ثالث: أَن يثني على عبده وأَن يرحمه جميعًا. وأَشار إِليه ابن كثير في تفسيره. والقول المقدم هو اختيار الشيخ وابن القيم ذكر هذا في ((البدائع)) و ((جلاء الأَفهام)) وهذا هو الراجح.
ثم الواجب هو: اللهم صل على محمد. والقول الثاني: أَنه ركن. وهو المشهور في مذهب أَحمد أَو أَحمد والشافعي.(2/221)
ثم حكى ابن جرير الإِجماع على أَنه ندب، لكن القول بأَن هذا إِجماع فيه شيء. والراجح أَنه ليس بندب.
وأَما الزيادة على ذلك فهو عند جماهير من يذهب إِلى فرضية الصلاة عليه ندب، وذهب بعض أَهل العلم إِلى ذلك واجب إِلى قوله: مجيد. لكونه في حديث كعب. ... (تقرير)
(564- آل النبي المشهور: أَنهم أَتباعه على دينه وهو قول جابر. وفيه قول ثان: أَنهم من تحرم عليهم الزكاة لا فرق بين الآل في الصلاة والزكاة. والقول الآخر: أَنهم أَزواجه وذريته. والقولان الأَولان هما الأَرجح في الدليل، كما هو اختيار الشيخ وابن القيم، وللشيخ في ذلك مسأَلة مطبوعة في الفتاوي ورجح هذين القولين بالأَدلة (1) . ... (تقرير)
(565- ((الَّلهُمَّ إِنِّيْ أَعُوْذُ بكَ مِن عَذَاب جَهَنَّمَ)) الخ.
فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم وأَمره مما يقوى الوجوب، إِلا أَن المرجح قول الجمهور أَن لا وجوب. ... (تقرير)
(566- س: دعاؤه لوالديه بالمغفرة ولأَولاده بالصلاح في الفريضة.
جـ: - ما فيه محذور: ما هو بمرجوح، إِلا أَن الاقتصار على الوارد أَفضل. ... (تقرير)
(567- لعنه نفسه وهو في الصلاة)
وأَما ((المسأَلة السادسة)) وهي حكم لعن الرجل نفسه غضبًا عليها حينما تذكرتْ أَحوال بعض الناس وهو في الصلاة.
_________
(1) أنظر مجموع الفتاوي جـ 22 ص 460- 463 ومختصر الفتاوي المصرية ص 88 وقال ابن القيم: آل الرجل أهله وعياله، وآله أيضًا أتباعه.(2/222)
فالجواب: - إِنه لا يجوز أَن يلعن الرجل نفسه ولا يدعو عليها لحديث ((لاَ تَدْعُوْا عَلى أَنفُسِكُمْ وَلاَ تَدْعُوْا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ)) الحديث رواه مسلم وأَبو داود، ولحديث: (لَيْسَ الْمُؤمِنُ باللَّعَان)) (1) .
وأَيضًا فلعن المعين منهي عنه ولو كان غيره، فكيف يلعن نفسه والأَولى له في مثل هذه الحالة أَن يستغفر الله ويتوب إِليه، ويستعيذ بالله من الشيطان ووساوسه، ولا يطلق لسانه فيما لا يحل له. والسلام عليكم.
(ص-ف-1428 في 22-11-1381 هـ)
(568- قوله: والتسليمتان.)
وبعض أَهل العلم يذهب إِلى أَنها واحدة، والمشهور أَنه لا بد من التسليمتين وهو المذهب وذكره الشيخ (2) هنا.
((وتَحْلِيْلُها التَّسْلِيْمُ)) مفيد الحصر، فهو من أَشهر أَدلة الجمهور أَنه لا يخرج من الصلاة إِلا بالسلام، بخلاف مذهب أَبي حنيفة وهو أَنه إِذا أَتى بالتشهد والصلاة على النبي فقد خرج من صلاته وأَنه لو أَحدث بعد ذلك فصلاته صحيحة. واستدل بحديث ابن مسعود في رواية أَبي داود: ((إِذا قُلت هذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلاَتكَ إِن شِئتَ أَن تَقُوْمَ فَقُمْ وَإِن شِئتَ أَن تَقعُدَ فَاقعُدْ)) وهو حديث ضعيف لا تقوم به حجة، هذا لو لم يعارضه ما هو أَقوى منه وهو حديث علي (3) . ... (تقرير)
_________
(1) أخرجه أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد والحاكم.
(2) لعله: الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
(3) الذي رواه الخمسة إلا النسائي ((مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم)) قال ابن القيم في ((الهدى)) : يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك، هذا فعله الراتب رواه عنه خمسة عشر صحابيا. وذكرهم.(2/223)
(569- س: يرفع رأسه بعد التسليمة الأولى، أَو يخفضه)
جـ: ما له أَصل. ... (تقرير)
(570- قوله: ولا يرفع يديه إذا نهض في الثلاثية أَو الرباعية)
هذا عند الأَصحاب المتأَخرين لعدم ذكره في حديث ابن عمر، لكن هذا ثبت من حديث علي وأَبي حميد، هذه قد صحت عند أَهل الحديث بلا مرية، والزيادة مقبولة.
وقول الأَصحاب: لا يرفع يديه. الصواب أَنه يرفع يديه. يقول بعض المشايخ القدم - بعض مشايخ مشايخنا - ليته تركها في الدواة. ... (تقرير)
(571- قوله: متوركا)
من أَهل العلم من رآه في كل تشهد يعقبه السلام حتى الفجر، والقول الآخر أَنه بعد التشهد الذي يعقبه السلام من ذوات التشهدين فلا يكون في الفجر، وهذا هو الذي تجتمع به الأَخبار، وقد فصل ابن القيم ذلك في الهدي (1) . ... (تقرير)
(572- اجتماع الامام والمأمومين على الدعاء في أَدبار الصلوات بدعة)
أَما ما سأَلت عنه من اجتماع الإِمام والمأْمومين في أَدبار الصلوات الخمس على الدعاء وتأْمين المأْمومين على ذلك بعده. فإِن الدعاء المشروع الذي أَثر عن النبي صلى الله عليه وسلم في أَدبار الصلوات إِنما هو الدعاء قبل السلام والتحلل من الصلاة، على أَنه
_________
(1) انظر جزء (1) ص 64، 65.(2/224)
حسن بعده كذلك ولا بأْس به. لكن الاجتماع عليه بالصفة التي أَشرت إِليها وكذا الاجتماع على غيره من أَلوان التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ونحوها فمبتدع محدث لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم ولا من عمله ولا من عمل أَصحابه - هذا مع أَنه صلى الله عليه وسلم ندب أُمته إِلى التسبيح والتحميد والتكبير في أَدبار الصلوات، وأَوصى معاذًا أَن يقول في أَدبارها: ((الَّلهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكركَ وَشُكركَ وَحُسْن عِبَادَتِكَ)) . والأَصل في ذلك أَن الاجتماع لذكر الله إِذا كان يفعل أَحيانًا حسن، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه صلى التطوع في جماعة أَحيانًا. وكان أَصحابه إِذَا اجتمعوا يأْمرون في بعض الأَحيان واحدًا منهم أَن يقرأَ وهم يستمعون. أَما اتخاذ اجتماع راتب يتكرر لذلك فمبتدع محدث، لأَنه يضاهي الاجتماعات المشروعة كالصلوات الخمس والجمعة والعيدين والحج. ومن هنا نص أَحمد وغيره من الأَئمة على أَن ملحظ التفرقة بين ما يتخذ سنة وعادة أَن ذلك يضاهي المشروع.
(ص-ف-178 في 11-4-1375 هـ)
(568- قال شيخنا بعد ذكر معنى ما تقدم: وحديث معاذ ليس صريحًا في اجتماع المأْمومين والإِمام على الدعاء بعد صلاة الفجر والعصر.
وأَما رفع اليدين في هذا فهو بدعة. أَو بعد الصلوات كلها. أَما رفعها في الدعاء بعد النافلة فيجوز. ... (تقرير)
(573- المصافحة بعد الجلوس في المسجد)
وأَما ((المسأَلة الرابعة)) : وهي مصافحة الرجل من يكون في جانبه بعد جلوسه في المسجد.(2/225)
فجوابها: - أَن المصافحة لا بأْس بها في المسجد وغيره. بل ورد الترغيب فيها في حديث البراء بن عازب مرفوعًا: ((إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَان فَتَصَافَحَا وَحَمِدَا اللهَ تَعَالَى وَاسْتَغفَرَا غُفِرَ لَهُمَا)) رواه أَبو داود.
لكن بعض الناس يظن أَن هذا مستحب دائمًا في هذه الحالة ولو كان قد قابله ودخلا المسجد جميعًا. بل ولو كان قد سلم عليه قبل جلوسه. وهذا غلط. لا سيما إِذا اعتاده الناس وتوهموا سنية مداومته. أَما إِذا فعل في بعض الأَحيان وترك في بعض من دون أَن يعتقد من السنة فلا بأْس به إِن شاء الله.
(ص-ف-1286 في 8-10-1379 هـ)
(574- قوله: أَو إلى نار)
ومثله اللنبة الآن (1) ويدخل في ذلك السراج ... . ... (تقرير)
(575- قوله: أو صورة منصوبة ولو صغيرة)
وسواء كانت مجسدة بأَن أُسندت على الحائط أَو كانت في ورقة معلقة؛ لأَنها أَولاً مما يلهي القلب. ثانيًا فيه مشابهة لعباد الأَصنام لأَصنامهم واستقبالهم إِياها.
ثم قولهم: منصوبة. لا مفهوم له. يبين هذا قولهم: وأَن يصحب ما فيه صورة من فص أَو نحوه. فلو كانت ملبوسة أَو موضوعة (2) لكن الكراهة في المنصوبة أَشد للمقابلة التامة. ... (تقرير)
_________
(1) قلت: وقد وضعت اللنبات بأَمره في مسجد امام الاسطوانات (السواري) فكانت خلف المصلين. وكانت اللنبة التي تشعل للقاريء قبل الاقامة تطفأ إذا أقيمت الصلاة.
(2) كره.(2/226)
(576- س: الذي فيه الصليب)
جـ: - كذلك (1) . ... (تقرير)
(577-قوله وان غلبه تثاؤب كظم ندبا فان لم يقدر وضع يده على فمه)
مجرد فتح فمه مكروه لأَنه ينافي الهيئة المناسبة، وإِن كان يتثاءب فهو أَشد كراهة. وجاء في الحديث ((أَنه إِذَا قَالَ هَا ضَحِكَ مِنهُ الشَّيْطَانُ)) (2) وأَيضًا روي ((أَن الشَّيْطَانَ يدخل في الفم)) (3) وإِذا غلبه فإِنه ينبغي تغطية فمه بيده اليسرى؛ لأَنه من باب دفع الخبث؛ فإِن الشيطان خبيث. ويكون الذي يلي فمه ظهر كفه؛ لأَنه من باب الدفع والمنع، يدفع الشيطان ويمنعه لا يدخل. ... (تقرير)
(578- قوله: ويكره أَن يخص جبهته بما يسجد عليه لأَنه من شعار الرافضة.) (4)
فإِن الروافض يأْخذون طينة من مشهد الحسين لغلوهم فيه وفي تلك البقعة، فكونه يخص جبهته بشيء يسجد عليه معتاد لها من قطعة ثوب أَو نحوه مكروه، لمشابهة من يخصون جباههم بالطينة. ... (تقرير)
_________
(1) وتقدم حكم الصلاة بالساعة وفيها صورة الصليب. و ((الصليب)) خطان متقاطعان متساويان، أو أحدهما وهو الأفقي - أطول من الآخر، أو تمثال المسيح مصلو بأعلى الخشبة يعلقه النصارى - المسيحيون - في رقابهم. وعلى كنائسهم وأعلامهم وبعض مصنوعاتهم - تبركا ودعاية.
(2) ((إذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فان أحدكم إذا قال ها ضحك منه الشيطان)) أخرجه البخاري.
(3) ((إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه فان الشيطان يدخل مع التثاؤب)) أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي.
(4) والرافضة الآن هم ((الشيعة الامامية)) . فالشيعي والجعفري والمتولي كلهم روافض.(2/227)
(579- منى والمشاعر كمكة في حكم المرور)
قوله: أَو بمكة (1) .
فإِنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ويمر بين يديه الطائفون. وبقية الحرم كذلك عند الأَصحاب. وأَصل ذلك أَنه من خصائص مكة، لأَنها بلد من شأْنها الازدحام وجمع الخلق الكثير يحتاجون إِلى الذهاب إِلى الطواف، بل وإِلى الطواف نفسه، ولو منع المرور لشق ذلك وصعب فكان مسهلا فيه لذلك، ويلحق به بقية الحرم عند الأَصحاب ولا سيما المشاعر فإِنه قريب من ذلك، ويشبه أَن تكون مثل ما عند الكعبة وجاء في الحديث ((أَنه كان يصلي ومرت أَتان ... )) (2) .
الحاصل أَن منى والمشاعر مظنة الحاجة فناسب أَن تخص بهذا الحكم. ... (تقرير)
(580- قوله: وله الفتح على امامه)
وكذلك إِذا أَسقط آية أَو أَكثر، أَو كلمة، أَو حرفًا. ... (تقرير)
(581- س: اللحن الذي لا يحيل المعنى)
جـ: - كذلك، فإِنه وإِن كان لا يحيل المعنى فهو يعد غلطًا. ... (تقرير)
_________
(1) معطوف على قوله: وله رد المار بين يديه.. ما لم يغلبه أو يكن المار محتاجا إلى المرور.
(2) ولفظه: ((اقبلت راكبا على اتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت فأرسلت الاتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر ذلك أحد)) أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس. ويأتي لذلك زيادة ايضاح في الفتوى 1121 في 14-5-1388 هـ.(2/228)
(582- قوله: ولا تبطل بعمل قلب واطالة نظر في كتاب ونحوه)
لتمام الأَركان والواجبات. لكن يخل بالأَجر فيفوته من ثوابها على قدر عمله. والناس منهم يفكر في محرم، ومنهم من يفكر في دنيا. ومنهم من يفكر في عمل طاعة قاصرة. ومنهم من يفكر في عمل طاعة متعدية. وقول عمر: إِني لأَجهز الجيش وأَنا في الصلاة. إِذا نقص من الأَجر جبره ما هو أَعظم. وهذا يأْخذه بالطبع. ولا ينبغي للإِنسان أَن يتعمد مثل هذه الأمور. ... (تقرير) (1)
(583- الثلاثة كلها تبطل الصلاة)
من محمد بن إبراهيم إِلى المكرم أَحمد حسين الحسين ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
بالإِشارة إِلى خطابكم لنا المؤرخ في 22-11-87 هـ وصل وقد ذكرت فيه تعدد إِقامة الجمعة في الحي الذي أَنت فيه.
والجواب: - أَما ما يختص بتعدد إِقامة الجمعة فقد كتبنا إِلى فضيلة رئيس محكمة الدمام برقم 1120-88-1 وتاريخ 19-5-1388 هـ للقيام بما يلزم. وأَما ما يتعلق بالأَسئلة فقد أَجبنا عنها برفق هذا الكتاب. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-1121-88-ط في 14-5-1388 هـ)
(نص الفتوى)
الأَول: هل المرور بين يدي المصلي يبطل صلاته؟
_________
(1) قلت: وتقدم ما يتعلق بالوسوسة أَيضًا في أول (باب صفة الصلاة) .(2/229)
والجواب: - تبطل الصلاة بمرور المرأَة والحمار والكلب الأَسود البهيم إِذا كان المصلي إِمامًا أَو منفردًا في صلاة فرض أَو نفل ومر واحد منها بينه وبين سترته إِذا كان له سترة أَو بين يديه قريبًا في ثلاثة أَذرع من قدميه إِن لم تكن له سترة.
وبهذا قال عبد الله بن عمر. وأَنس بن مالك، وأَبو هريرة. والحسن البصري، وأَبو الأَحوص. وهذا هو اختيار مجد الدين أَبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن تيمية، وأَحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية. وابن القيم. وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية: هذا مذهب أَحمد.
والأَصل في هذا ما ثبت في صحيح مسلم بسنده إِلى أَبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذا كان أَحَدكُمْ قائِمًا يصَلِّي فإِنَّه يَسْتُره إِذا كان بَيْن يَدَيْهِ مِثل آخِرةِ الرَّحْل، فإِن لمْ يَكُن بَيْن يَدَيْهِ مِثلُ آخِرَةِ الرَّحْل فإِنَّه يَقطع صَلاته الْمَرْأَةُ وَالْحِمَار وَالْكلب الأَسْوَد)) وقال عبد الله بن الصامت يا أَبا ذر ما بال الأَسود من الأَصفر والأَحمر وقال سأََلت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سأَلتني فقال: ((الْكلب الأَسْوَد شيْطان)) وفي رواية لأَحمد: ((وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ)) .
ثم اعلم أَن أَحاديث القطع بهذه الأَشياء وردت عن جماعة من الصحابة، فعن عبد الله بن مغفل عند أَحمد وابن ماجه. وعن أَبي ذر عند أَحمد والترمذي والنسائي وأَبي داود وابن ماجه، وعن الحكم الغفاري عند الطبراني في الكبير - قال الهيثمي: وفيه عمر بن دريج ضعفه أَبو حاتم ووثقه ابن معين وابن حبان وبقية(2/230)
رجاله ثقات. وعن أَنس عند البزار في مسنده - قال العراقي رجاله ثقات وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. وعن ابن عباس عند أَبي داود وابن ماجه. وعن عبد الله بن عمر وعند أَحمد في مسنده - قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : رجاله موثقون، وقال العراقي: إِسناده صحيح.
وقال ابن القيم: فإِن لم تكن سترة فإِنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه يقطع الصلاة مرور المرأَة والحمار والكلب الأَسود. ثبت ذلك عنه من رواية أَبي ذر وأَبي هريرة وعبد الله بن مغفل وابن عباس. ومعارض هذه الأَحاديث قسمان: صحيح غير صريح وصريح غير صحيح. فلا يترك ما ثبت لمعارض هذا شأْنه. انتهى كلام ابن القيم.
وظاهر الحديث أَن المقصود بالقطع هو فساد الصلاة.
وأَما السترة فهي ما يجعله الإِنسان أَمامه، فقد روى أَبو داود في سننه وابن حبان في صحيحه بسنديهما عن أَبي هريرة رضي الله عنه أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا صَلَّى أَحَدكُمْ فليَجْعَل تِلقاءَ وَجْهِه شيْئًا، فإِن لمْ يَجدْ فليَنصِبْ عَصَا، فإِن لمْ يَكُن مَعَه عَصَا فليَخُطَّ خطا)) وروى الأَثرم بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال: ((اسْتتِروْا فِيْ الصَّلاةِ وَلوْ بسَهم)) .
وما سوى هذه الثلاثة فلا يقطع الصلاة إِذا مر. ولكن لا يجوز المرور بين المصلي وبين سترته إن كان له سترة ولو بعيدة. فإِن لم يكن له سترة قدر ثلاثة أَذرع فأَقل سواء كان المار آدميًا أَو غيره. وعلى المصلي دفعه ما لم يغلبه، أَو يخشى فساد صلاته.(2/231)
أو يكن المسار محتاجًا إِلى المرور، أَو كان بالمسجد الحرام، أَو بمكة أَو بسائر الحرم.
والأَصل في منع المرور ووجوب دفع المار حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال: ((إِذا كان أَحَدكُمْ يُصَلِّيْ فلا يَدَعَنَّ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْن يَدَيْهِ. فإِن أَبى فليُقاتِلْهُ، فإِنَّ مَعَهُ القْريْنَ)) رواه مسلم.
وأَما تجويزه في المسجد الحرام فيدل عليه ما رواه الأَثرم بسنده عن المطلب قال: ((رَأَيْتُ رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّمَ إِذا فرَغ مِن سُبْعِهِ جَاءَ حَتَّى يُحاذِي الرُّكن بَيْنهُ وَبَيْن السَّقِيْفة فصَلَّى رَكعَتيْن فِيْ حَاشِيَةِ الْمَطافِ ليْسَ بَيْنهُ وَبَيْن الطَّوَافِ أَحَدٌ)) .
وأَما تجويزه بمكة فيدل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: ((جئتُ أَنا وَغُلامٌ مِن بَنِيْ هاشِم عَلى حِمَار فمَرَرْنا بَين يَدَيْ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فنزلنا عَنهُ وتَركنا الْحِمَارَ يَأْكُلُ من بَقل الأَرْض - فدَخلنا مَعَهُ فِيْ الصَّلاةِ، فقال أَكان بَيْن يَدَيْهِ عَنزةٌ. قال: لا)) رواه أَبو يعلى في مسنده. قال الهيثمي بعد إِخراجه: رجاله رجال الصحيح. وقال أَيضًا: قلت: هو في الصحيح خلا قوله: ((أَكان بَيْن يَدَيْهِ عَنزةٌ فقال: لا)) .
أَما جوازه في باقي الحرم فوجهه أَن الحرم كله محل المناسك والمشاعر - فجرى فجرى مكة، فإِن الناس يكثرون لأَجل قضاء النسك ويزدحمون هناك، فلو منع المصلي من يجتاز بين يديه لضاق على الناس.
ويلحق بهذا ما إِذا كان المار محتاجًا في غير الحرم.(2/232)
وأَما وجه الجواز فيما إِذا غلبه أَو خشي فساد صلاته فمن باب ارتكاب أَخف المفسدتين لمنع وقوع أَعلاهما.
(ص-ف-1121 في 14-5-88 هـ) (1)
(584- الجواب عما عارضها)
قوله: وتبطل بمرور كلب أَسود بهيم فقط.
وكون الأَسود شيطان المراد لخروجه عن طبيعة جنسه. فإِن الإِنس فيهم شياطين، وكذلك الجن.
والرواية الأُخرى أَن المبطل للصلاة ثلاثة، للحديث الصريح في ذلك، وعليه العمل، وهو المعتبر.
أَما مرور الحمار بين يدي الصف. وصلاة عائشة معترضة.
فليس بصريح. إِذ ليس فيه إِلا المرور بين يدي الصف، وحديث عائشة الرجلين (2) وبعض البدن لا يلزم أَن يكون مثل كل البدن، ودليل ذلك إِدخال النبي رأْسه على عائشة ترجله وهو معتكف. ... (تقرير)
(585- قوله: كآخرة الرجل)
والمؤخرة بقدر ثلثي ذراع تقريبًا.
قوله: ويكفي وضع العصا. إِلا أَن الأَتم أَن تكون منصوبة.
قوله: خط خطًا.
يفيد أَنه لو خطه غيره فلا يكفي.
قوله: كالهلال.
_________
(1) السؤال الثاني عن لعبة الشطرنج ويأْتي في (باب السبق) .
(2) فاذا سجد قبضت رجلى واذا قام بسطتهما.(2/233)
وإِن كان معترضًا كفى. ولا يكفي الخط إِلا إِذا عدم الشاخص والعصى. ... (تقرارات)
س: - إِذا عرض عصا للمصلي.
جـ: - العصى أَقوى من الخط. وفي الحديث ((فليَخُطَّ)) . ... (تقرير)
(586- س: إذا كان للامام سترة ومر بين يدي المأمومين)
جـ: - الذي يقرب أَن التغليظ الذي في الحديث لا يتناوله، والعدول عنه ينبغي فإِن فيه نوع تشويش، ومسأَلة كونه لا يقطع هذا وإِن لم يثبت حكمًا فلا يلزم منه السلامة من الوعيد المشار إِليه في الحديث من كل وجه. وهي مسأَلة بحث. ... (تقرير عام 1364)
(587- قوله: وله التعوذ عند آية وعيدو السؤال عند آية رحمة)
هذا في حق الإِمام. أَما المأْموم فالأَصل في حقه الإِنصات لقوله: ((وَإِذا قرَأَ فأَنصِتُوْا)) وهذا هو الذي يظهر ما لم يرد دليل يدل عليه بخصوصه. أَما ما ورد فيه كالفاتحة فذاك شيء آخر. أَما كونه لا يخل بصلاته فهو لا يخل. ... (تقرير)
(588- قوله: ولو في فرض)
ولكن الصحيح أَن ما جاء في النافلة صح أَن يستدل به على الفرض والعكس ما لم يجيء دليل يدل على اختصاص هذه بهذا دون الآخر. والأَركان واحدة والواجبات واحدة وغير ذلك. ... (تقرير)(2/234)
(589- قوله قال أَحمد: إِذا قرأَ (*) . الخ.
وورد في (*) حديث إِلا أَن فيه ضعفًا ظاهرًا، وكذلك ما يقوله العامة عند قوله: (بمَاءٍ مَعِيْن) : يأتي به الله. لا يثبت فيه شيء. إِنما الثابت في آخر القيامة جاء حديث يصلح سنده لمثل هذا. ... (تقرير)
(590- متى تصح تكبيرة الاحرام)
وأَما ما سأَلت عنه مشافهة من إِتيان المسبوق إِذا أَدرك إِمامه في الركوع بتكبيرة الإِحرام في انحنائه.
فاعلم أَن تكبيرة الإِحرام لا تصح في الفريضة من القادر على القيام إِلا أَن يأْتي بها كاملة وهو واقف. وإِن أَتمها في مبادىء انحنائه يجب أَن يتمها قبل وصوله إِلى أَدنى الركوع صحت منه أَيضًا. وأَدنى الركوع هو الانحناء بمقدار ما تمس أَطراف أَصابع يديه أَعلى ركبتيه حين المبالغة في مد يديه، لكن لا ينبغي منه أَن يأْتي بها إلا وهو كامل الانتصاب قائمًا. والله يحفظكم.
(ص-ف-206 في 2-4-1376 هـ)
(591- أعدل الأقوال في قراءة الفاتحة خلف الامام)
أَعدل الأَقوال أَن قراءة الإِمام قراءة للمأْموم. لكن في السكتات يندب قراءته خروجًا من الخلاف، وهذا الذي به تجتمع الأَدلة. ... (تقرير)
(592- الاعتدال من الركوع والجلسة بين السجدتين لا ينبغي أَن يطولهما بمقدار ركعة كاملة. بل يكون تطويلاً مناسبًا للركوع(2/235)
والسجود. بخلاف القيام والتشهد الأَخير فإِنه مستثنى في الحديث (1) . ... (تقرير)
(593- س: اذا أَخل بشيء من الأَعضاء السبعة)
جـ: - فكأَنه لم يسجد، ولكن ليس المراد أَن يضعها على الأَرض من حين يسجد إِلى أَن يرْفع، بل لو أَول ما سجد وضع يدًا وترك يدًا ولكنه في آخر السجود وضعها على الأَرض فقد حصل منه الركن، إِلا أَن الأَكمل الاستمرار. ومثله إِذا سجد وأَحس بشيء يخشاه فرفع يده ليزيله فهذا لا يخل. ... (تقرير)
(594- التشهد الأَخير بعض ذهب إِلى أَنه ليس بركن، لأَنه لم يذكر في حديث المسيء. وليس كذلك، بل حديث المسيء ما ذكر فيه فهو ركن، والأَشياء الباقية تنقسم إِلى قسمين: شيء دل دليل على فرضيته فيكون مفروضًا. فالصحيح أَن يقال: كل شيء في الصلاة لم يشمله حديث المسيء ولا دل عليه بخصوصه دليل فإِنه لا يكون واجبًا. هذه هي العبارة الصحيحة. فالتشهد الأَخير، والجلوس له. والصلاة على النبي، والتسليمتان كلها لم تذكر في حديث المسيء ومع ذلك هي أَركان. ... (تقرير)
(595- والصلاة على النبي في التشهد الأَخير مشروعة، ثم هي ركن على الراجح. وابن جرير حكى الاجماع على الندبية. ولكن مذهب أَحمد والشافعي معروف في الوجوب. وابن جرير من أَوسع الناس اطلاعًا ولكن الإِحاطة لله.
_________
(1) ولفظه ((كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وبين السجدتين واذا رفع رأسه من الركوع ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء)) حديث البراء.(2/236)
ومن أَدلة وجوب الصلاة على النبي: ((إِنَّ اللهَ قدْ أَمَرَنا أَن نُصَلِّيَ عَليك)) والأَمر للوجوب، وسأَلوه عن كيفية الصلاة المأْمور بها فبينها بقوله: ((قُوْلُوْا الَّلهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد)) (1) وكان النبي يصلي ويقرهم على الاتيان بها في حالة الجلوس، فدل على أَن فعلها جالسًا ركن. وكذلك التسليم ودليله الحديث المتقدم ((وَتحْلِيْلُها التَّسْلِيْمُ)) .
والركن المفروض ((الَّلهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد)) فإِذا قال هذا وسلم فإِن الصلاة صحيحة، لكن يكون تشهدًا ناقص الفضيلة على الراجح، وبعض أَهل العلم يقول إِنه فرض فقط. (2)
(باب سجود السهو)
(596- صلى بهم خمس ركعات ساهيًا ولم ينبهوه فما الواجب؟)
من محمد بن إِبراهيم إِلى المكرم عبده هندي ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
_________
(1) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال بشير بن سعد يا رسول الله أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك فسكت ثم قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما علمتم. رواه مسلم.
(2) قلت: وتقدم في توحيد الالهية أَن علماء نجد يرون الصلاة على النبي ركنا عكس ما يدعيه أَعداء التجديد والتوحيد. وأَن علماء نجد وعامتهم خير من جميع النواحي - في الأصول والفروع، في العقائد والأعمال.
قلت: وقد قرأت في بعض المؤلفات التي تدافع عنهم في الشام اذ ذاك: أَن عوام أَهل نجد علماء. واستدل بأنهم اذا سمعوا بعض الأحاديث ينكرونها ويقولون: هذا ما قاله الرسول، هذا ما سمعناه. وأَنه فتش فوجد الأمر كما ذكروا. وكذلك انكارهم للبدع. وقد قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: والعامي من الموحد يغلب الأَلف من علماء هؤلاء المشركين.(2/237)
فقد وصل إِلينا كتابك الذي تستفتي فيه عن إِمام صلى بقوم صلاة الظهر خمس ركعات ساهيًا، وذلك أَنه صلى ركعتين وتشهد، ثم قام وصلى ركعة وتشهد، ثم قام وصلى ركعتين وتشهد، ثم سلم، ولم ينبه أَحد من المأْمومين إِلا بعد ما فرغ من الصلاة. الخ.
والجواب: - الحمد لله. كان الواجب على المأمومين أَن ينبهوه أَول ما وقع منه السهو. وحيث لم ينبهوه إِلا بعد فراغه من الصلاة فكان الواجب عليه أَنه حال ما نبه استقبل القبلة وسجد سجدتي السهو ثم تشهد ثم سلم مع قصر الفصل. وإِن طال الفصل عرفًا أَو أَحدث أَو خرج من المسجد سقط عنه سجود السهو لفوات محله، وصلاتهم صحيحة. إِلا من تابعه عالمًا بأَنه صلى خمسًا ولم يكن جاهلاً ولا ناسيًا فعليه إِعادة الصلاة. والسلام عليكم.
(ص-ف-985-1 في 15-4-1384 هـ)
(597- قوله: وان اختلف عليه من ينبهه سقط قولهم)
ويرجع هو إِلى البناء على اليقين. أَو على غلبة الظن على قول، واحتج بـ ((فليَتحَرَّ الصَّوَاب َ ... )) (1) وهذا القول كأَنه أَرجح. ... (تقرير)
(598- ظن أَنه التشهد الأَخير فسجد للسهو)
سؤال:
إِمام مسجد صلى المغرب فلما أَتى في التشهد الأَول ظن أَنه التشهد
_________
(1) متفق عليه من حديث ابن مسعود.
(( ... واذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم يسجد سجدتين)) .(2/238)
الأَخير فنبهه الجماعة وقام وأَتى بالثالثة وسجد سجود السهو واعترض عليه من يدعى أَنه لا سجود عليه للسهو. أَفتونا مأْجورين.
الجواب: - ليس عليه سجود سهو، لكن ما فعله من سجود السهو ظانًا أَن عليه سجود سهو لا يخل بصلاته؛ بل سائغ أَن يسجد أَو مستحب، لعموم الأَدلة. قال ممليه الفقير إِلى عفو الله سبحانه محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. 13-8-1373 هـ ... (بخط مدير مكتبه الخاص)
(595- سئل عما إِذا سها الإِمام فقال أَحد المأْمومين: إِسْجدْ وَاقتربْ؟
فأَجاب: إِذا قال مثل قولك الآن - بكسر الهمزة وسكون السين وكسر الجيم - بطلت. وإِذا قال (وَاسْجدْ وَاقتربْ) - بلغة القرآن لم تبطل. ... (تقرير)
(599- نسي التشهد الأَول وهو منفرد وذكره قبل أَن يرفع)
((الثالث)) : إِذا نسي المصلي التشهد الأَول وهو يصلي منفردًا وذكره قبل أَن يرفع هل يسجد للسهو؟
والجواب: - التشهد الأَول واجب من واجبات الصلاة. فإِذا نسيه المصلي وقام لم يخل من ثلاثة أُمور:
الأَول: أَن يذكره قبل أَن يعتدل قائمًا فيلزمه الرجوع ويسجد للسهو.
الثاني: أَن يذكره بعد أَن يعتدل وقبل الشروع في القراءة فلا يرجع ويسجد للسهو.
ويدل على ذلك كله ما رواه أَبو داود في سننه بسنده عن المغيرة(2/239)
ابن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذا قامَ أَحدكمْ فِيْ الرَّكعَتين فلمْ يَسْتتِمَّ قائِمًا فليَجْلِسْ فإِذا اسْتتمَّ قائِمًا فلا يَجْلِسْ وَيَسْجُدَ سَجْدَتيْ السَّهو)) . والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-1159 في 20-5-1388 هـ)
(باب صلاة التطوع)
(600- قوله وأَفضل ما يتطوع به الجهاد. الخ.)
لكن هذه الترتيبات روي عن أَحمد خلافها. قال: انظر ما هو الأَصلح لقلبك فافعله. وهذا مرجح. إِذا صار في بعض التطوعات يجد من قلبه خشوعًا وخشية ونحو ذلك صار أَفضل لهذا الشخص. وهذه أَيضًا تختلف باختلاف الأَحوال والبلاد. والراجح كما قال الشيخ: أَنه لا يقال واحد آكدها مطلقًا، بل الآكدية تختلف باختلاف الأَحوال والأَشخاص. ... (تقرير)
(601- س: قراءة (اذا زلزلت) في الوتر)
جـ: لا أَذكر فيها شيئًا. لكن فيها فضيلة. ينبغي بعض الأَحيان - لا سيما الإِمام - إِبدال بعض السور بغيرها، ليعلم من لا يعلم أَن ذلك ليس بفرض. فإِن العوام لا يعلمون من المداومة على الشيء إِلا أَنه فرض، كما نهى مالك عن صيام الست (1) . ... (تقرير)
(602- قوله: ويقنت فيها بعد الركوع)
وظاهر هذا وفي كلام الأَصحاب والمعروف في المذهب والمشهور عند كثير من أَهل العلم: أَنه كل ليلة. وعنه أَنه يقنت في رمضان
_________
(1) لدفع توهم أنها مفروضة كرمضان.(2/240)
كله، وفي بعضها في نصف منه. وينبغي أَن يترك بعض الأَحيان لئلا يظن الوجوب ونحو هذا، لأَنه صح عنه صلى الله عليه وسلم في الفجر ((وَكان يُدِيْمُ ذلِك)) وليس فيه تنافي، فإِن الإِدامة ملازمة ذلك غالبًا وأَنه لا يكاد يدعه، فإِنه يجوز إِطلاق المداومة على ما لا يترك إِلا قليلا.
ثم ولو كان أَن المداومة على بابها وهو الأَصل في الرواية، لكن ما أُشير إِليه استحسنه من استحسنه من أَهل العلم، وهذا يكفي منه الشيء القليل، وكذلك قراءة (أَلم السجدة) و (هل أَتى على الإِنسان) في فجر الجمعة. ... (تقرير)
(603- هل يجوز هذا الدعاء)
الثالث: هل يجوز الدعاء بما نصه: اللهم إِني أَعوذ بك من نفسك.
والجواب: - لا نعلم دليلا يدل على جواز ذلك.
(ص-ف-3626-1 في 21-11-1388 هـ)
(604- القنوت في الفرائض مكروه)
قوله: ويكره قنوته في غير الوتر ... إِلخ.
مكروه ذلك، وبدعة. وذهب طائفة من أَهل العلم إِلى أَن القنوت في الفجر سنة، وهذا القول مشهور من قال به (1) ، وفيه أَحاديث استدلوا بها عليه. إِلا أَن القول الآخر أَصح وأَظهر، وأَدلته لا تحتمل التأْويل بخلاف الأَول فهي غير صريحة أَو غير صحيحة وقد بسط ابن القيم ذلك في ((زاد المعاد)) ووضح ضعف القول الآخر ووجه دلالة الأَحاديث وأَن ما استدلوا به لا استقامة له أَبدا (2) .
_________
(1) هذا قول الشافعي حيث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قنت وروي عنه ((أنه مازال يقنت حتى فارق الدنيا)) .
(2) انظر جزء (1) ص 69، 70 وبسط ابن تيمية ذلك جـ 23 ص 98- 112.(2/241)
الحاصل أَن الراجح أَنه لا يقنت في الفرائض إِلا في النوازل مثل دعائه صلى الله عليه وسلم على رعل وذكوان وعصية، ومثل دعائه على صفوان بن أُمية وسهيل، وكدعوته لواحد معين كقوله ((الَّلهُمَّ أَنج الْوَلِيْدَ ... )) فهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقول به الأَصحاب مذهب أَحمد وغيره. وأَما اتخاذ ذلك في الفجر كل يوم فهذا لا أَصل له ولا يصح عن النبي أَبدا. ... (تقرير)
(605- منع الأَئمة من المداومة على القنوت في صلاة الصبح)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة فضيلة رئيس عام هيئات الأَمر بالمعروف بالحجاز ... الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
لقد وردنا من فضيلة نائبنا بالمنطقة الغربية خطابًا برقم 2552 في 2-3-81 هـ حول المكاتبة بشأْن ما لاحظه رئيس هيئة الأَمر بالمعروف بالليث عن مداومة أَهالي تلك الجهة على القنوت في صلاة الصبح، وأَنه إِذا سها أَحدهم عن ذلك سجد للسهو. وكذلك تعليق التمائم والحروز ومبالغتهم في ذلك.
وحيث أَن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقنت إِلا في النوازل، ولم يداوم على القنوت ولا أَحد من خلفائه الراشدين رضي الله عنهم فقد أَبلغنا فضيلة نائبنا بالمنطقة الغربية بوجوب منعهم عن القنوت والسجود له؛ لأَن هذا السجود مبطل للصلاة، واقتضاء منعهم عن التمائم منعًا باتًا، وتحذيرهم عن كل ما ذكر، فلذا نلفت نظركم(2/242)
ابذال الوسع في تغيير هذه الأَفعال. والله يحفظكم.
رئيس القضاة
(ص-ق-1482-3 في 15-3-1381 هـ)
(606- التراويح سنة)
((الرابعة)) : التراويح والقيام سنتان مؤكدتان، يثاب فاعلهما ولا يعاقب تاركهما، ولا يتعين أَداؤهما جماعة، إِذ لا بأْس من أدائهما من المنفرد. وبالله التوفيق والسلام عليكم.
(ص-ف-973-1 في 15-9-1385 هـ)
(607- لا ينكر على من صلاها عشرين. ولا على من صلاها احدى عشرة..)
من محمد بن إبراهيم إِلى الأَخ المكرم عبد الله الجيلاني ... سلمه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصلنا كتابك الذي تسأَل فيه بما نصه:
وبعد: فأَفتونا جزاكم الله عنا أَحسن الجزاء عن صلاة التراويح: كم عدد ركعاتها؛ لأَن المتبع لدينا كنا نصليها عشرين ركعة، ولكن المرشدين اليمنيين من قبل فضيلة الشيخ عبد الملك ابن إبراهيم آل الشيخ للقيام بالوعظ والإِرشاد بهذه الجهة قرروا أَن صلاة التراويح هي مع الوتر إِحدى عشرة ركعة فقط، مستندين في ذلك بما جاء في الحديث المروي عن عائشة رضي الله عنها حيث قالت: ((مَا كان رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّمَ يَزيْدُ فِيْ رمضان وَلا فِيْ غيْرهِ عَلى إِحْدَى عَشرَة رَكعَةً)) إِلخ (1) .
_________
(1) ((يصلي أربعة فلا تسأَل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا)) متفق عليه.(2/243)
وحيث قد أَشكل علينا الأَمر ونظرًا لقرب شهر رمضان المبارك فإِنا نلتمس من سماحتكم إِرشادنا إِلى إِيضاح عدد ركعات هذه الصلاة، وتعميم الفتوى الصادرة من سماحتكم في هذا القبيل لكافة الهيئات الدينية، مع التكرم بإِعطائنا نسخة بهذه الفتوى لنكون جميعًا على حقيقة من الأَمر.
وهذا هو جواب سؤالك:
الحمد لله. ذهب أَكثر أَهل العلم كالإِمام أَحمد والشافعي وأَبي حنيفة إِلى أَن صلاةِ التراويح عشرون ركعة؛ لأَن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على أُبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة، وكان هذا بمحضر من الصحابة، فيكون كالإِجماع، وعلى هذا عمل الناس اليوم الآن. فلا ينبغي الانكار عليهم بل يتركون على ما هم عليه؛ لأَنه قد ينشأ من الإِنكار عليهم وقوع الاختلاف والنزاع وتشكيك العوام في سلفهم، ولا سيما في هذه المسأَلة التي هي من التطوع، والأَمر فيها واسع، وزيادة التطوع أَمر مرغوب فيه ولا سيما في رمضان لحديث ((أَنَّ رَجُلاً قال يَا رَسُوْل اللهِ أَسْأَلُك مُرَافقتك فِيْ الْجَنَّةِ الَ فَأَعِنِّيْ عَلَى نَفسِكَ بكثرَةِ السُّجُوْدِ)) (1) .
وإِذا كان من عادة أَهل بلد فعل صلاة التراويح على وجه آخر مما له أَصل شرعي فلا وجه للإِنكار عليهم أَيضًا. والمقصود من ذلك كله هو البعد عن أَسباب الشقاق والنزاع في أَمر فيه سعة.
وقد لاحظ الرسول صلى الله عليه وسلم هذا وترك أَمرًا عظيمًا مخافة ما يقع في قلوب الناس، كما جاء في حديث عائشة ((لوْلا حِدثان قومِكِ بالإِسلام)) الحديث وترجم البخاري في هذا المعنى
_________
(1) رواه مسلم عن ربيعة.(2/244)
فقال (باب من ترك بعض الاختيار مخافة أَن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أَشد منه) وساق حديث عائشة ((لولا حِدْثان قوْمِكِ بالإِسْلام لنقضتُ الْكعْبَة فجعَلتُ لها بَابَيْن)) الحديث (1) .
وقال علي: حدثوا الناس بما يعرفون أَتحبون أَن يكذب الله ورسوله. وفي رواية: ودعوا ما ينكرون. وقال ابن مسعود: الخلاف شر. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أَجمعين.
(ص-م-6 في 2-9-1374 هـ)
(608- التعدد في صلاة الوتر جماعة خلاف السنة)
من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم ... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنقدم لجلالتكم الخطاب الوارد إِلينا من فضيلة نائبنا بالمنطقة الغربية رقم 12718 تاريخ 29-8-80 هـ بشأْن ما لاحظه من إِقامة عدة جماعات منفردة بصلاة الوتر في كل من المسجد الحرام والمسجد النبوي وخلافهما من المساجد الأخرى في شهر رمضان المبارك.
ونحيط جلالتكم أَن هذا التعدد الحاصل في هذه المساجد في صلاة الوتر هو خلاف السنة العمرية؛ فإِن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد جمع الناس في زمانه على إِمام واحد.
ومن المعلوم أَنه رضي الله عنه هو أَحد الخلفاء الأَربعة الراشدين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((عَليكم بسنَّتِي وَسنَّةِ الْخلفاءِ الرَّاشِدِين الْمَهدِيين مِن بَعدِي عَضُّوا عَليها بالنَّوَاجذ))
_________
(1) أخرجه البخاري موقوفا.(2/245)
الحديث (1) . والذي قال فيه وفي الخليفة أَبي بكر رضي الله عنهما في الحديث الذي أَخرجه الإِمام أَحمد والترمذي وابن ماجه عن حذيفة رضي الله عنه: ((اقتدوا بالَّلذِين مِن بَعدِي أَبي بَكر وَعمَرَ)) (2) .
وبناء على ذلك ونظرًا إِلى ما في ذلك من أَسباب الخلاف والتفرقة المنافي لمشروعية الجماعة والمقصود منها. فإِننا نرى أَنه يتعين منع إِقامة مثل هذه الجماعة المنفردة، والاكتفاء في ذلك بالإِمام الراتب. ولذا نأْمل من جلالتكم إِجراء ما يلزم نحو ذلك، أَعزكم الله بطاعته، وأَمدكم بتوفيقه. والسلام. ... رئيس القضاة
(ص-ق-6667-2 في 21-9-1380 هـ)
(609- رفع الأَصوات بعد كل ركعتين منها)
وأَما ما أَشرت إِليه من رفع المصلين صلاة التراويح أَصواتهم بعد كل ركعتين منها بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. فصلاة التراويح في ذاتها سنة بقول وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد قال: ((إِنَّ اللهَ فرَض عَليكم صِيَام رَمَضان وَسَننت لكم قِيَامَه)) كما أَنه صلاها جماعة ليلتين بل ثلاثً في أَول شهر رمضان (3) ، وصلاها أَيضًا في العشر الأَواخر منه في جماعة مرات (4)
_________
(1) رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح عن العرباض بن سارية.
(2) وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إن يطع القوم أبو بكر وعمر يرشدوا)) .
(3) روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مرة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال لصلاته فأَصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله فصلى فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: أما بعد فانه لم يخف على مكانكم ولكن خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها)) .
(4) روى ذلك أبو داود وابن ماجه عن أبي ذر ((صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا الخ)) .(2/246)
ففعلها في الجماعة أَفضل من إِفرادها.
لكن الاجتماع الراتب على الذكر ونحوه كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في أَعقابها مبتدع غير مشروع، ويقال فيه: إِن اتخاذه عادة والاجتماع عليه مما يضاهي المشروع. ومما يستقبح رفع الصوت به في المساجد فيكون من جنس سائر الأَقوال المحرمة فيها. والله أَعلم.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إِلى يوم الدين.
حرر 10-4-1375 هز
(ص-ف-178 في 11-4-1375 هـ)
(610- لا راتبة للعشاء قبله)
((الرابع)) : إِذا وجب العشاء وأَرادت المرأَة أَن تصلي قبله فهل له سنة أَم لا؟
والجواب: - ليس للعشاء راتبة قبله، فإِن الرواتب عشر لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ((حَفِظت مِن رَسول اللهِ صَلَّى الله عَليه وَسَلَّمَ عَشرَ رَكعَات: رَكعَتين قبل الظُّهر وَرَكعَتين بَعدَها وَرَكعَتين بَعدَ الْمَغرب فِي بَيتِهِ وَرَكعَتين بَعدَ الْعِشاء فِي بَيتِهِ وَرَكعَتين قبل الصُّبح كانت سَاعَة لا يدخل عَلى النَّبي صَلَّى الله عَليهِ وَسَلَّمَ فِيها حَدَّثتني حَفصَةُ أَنَّه كان إِذا أَذَّن الْمؤذِّن وَطلعَ الْفجر صَلَّى رَكعَتين)) متفق عليه.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-729-1 في 8-3-1387 هـ)(2/247)
(611- س: بعض الناس اذا تحرى لدخول الامام يوم الجمعة قام يصلي.)
جـ: - ما هو بمشروع (1) . ... (تقرير)
(612- تنفل المسافر)
((السابعة)) : سؤالك هل يجوز للمسافر أَن يتنفل وهو يقصر الصلاة؟
والجواب: - لا يخلو أَمر التنفل في السفر من حالين: إِما أَن يكون فيما يختص بالسنن الرواتب، أَو لا.
فإِن كان فيما يختص بالسنن الرواتب، فقد ذكر ابن القيم رحمه الله: أَن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره الاقتصار على الفرض، وأَنه لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أَنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها إِلا ما كان من الوتر وسنة الفجر فإِنه لم يكن ليدعهما حضرًا ولا سفرًا، قال ابن عمر رضي الله عنهما - وقد سئل عن ذلك - ((صَحِبت النَّبيَّ صَلَّى الله عَليهِ وَسَلَّمَ فلمْ أَرَه يسَبِّح فِيْ السَّفر. وقال الله عز وجل: (*) ((لقدْ كان لَكمْ فِيْ رَسوْل اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنةٌ)) (2) ومراده بالتسبيح التنفل بالرواتب وذلك أَن الرباعية قد خففت إِلى ركعتين تخفيفًا للمسافر، فإِذا كان التخفيف بترك بعض الصلاة فترك راتبتها من باب أَولى، ولهذا قال ابن عمر: لو كنت مسبحًا لأَتممت.
أَما إِذا كان التنفل في السفر مطلقًا فقد سئل عنه الإِمام أَحمد فقال: أَرجو أَلا يكون بالتطوع في السفر بأْس. وبالله التوفيق.
_________
(1) قلت: ويأتي في التنفل بعد أذان الجمعة.
(2) أخرجه الستة.(2/248)
والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-136-1 في 8-4-1370 هـ)
(613- وفي تقرير له قال:)
التطوعات المطلقة جاء من السنة أَنها في حق المسافر كهي من المقيم، وفي حديث الثلاثة الذين يعجب الرب منهم: ((الرَّجل الْمُسَافِرُ إِذا قامَ يُصَليْ)) (1) والفرق بينها وبيْن إِكمال الرباعية أَن الرباعية بصفة الوجوب والوجوب يستمر عليه فتلحقه المشقة، وهذه لا وجوب (2) .
(614- الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، وقضاء ركعتيه)
س: - هذه الضجعة ولو كانت في المسجد.
جـ: - نعم. إِلا بالنسبة إِلى أَنه بين يدي الصف فلا ينبغي. والله أَعلم. ... (تقرير)
(615- قضاء ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس، وهو أَولى من قضائها بعد الصلاة ... (تقرير)
(616- س: قضاء الوتر على صفته؟)
جـ: - هذا قول. وقول إِنه يضم إِليه واحدة ويكون شفعًا، وشيخ الإِسلام أَطلق. والظاهر أَنه على صفته. ... (تقرير)
_________
(1) ((ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يشنؤهم الله الرجل يلقى العدو في فئة فينصب لهم نحره حتى يقتل أو يفتح لاصحابه، والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحبوا أن يمسوا الأرض فينزلون فيتنحى أحدهم فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم. والرجل يكون له الجار يؤذيه الخ.))
(2) قلت: وكان شيخنا - رحمه الله - يصلي في السفر تهجده المعتاد في الحضر.(2/249)
(617- قوله: الا ليلة عيد فتقام جميعها)
جاء في ذلك حديث (1) ولكنه ضعيف. والمراد عيد الفطر أَو عيد الأَضحى وهي ليلة فضيلة، ولهذا يشرع فيه من الزينة، فلابد أَن يكون في ليلتها شيء يناسب ذلك اليوم. والصلاة فيها فضيلة، ولا يكون مشروعًا قيامها من أَولها إِلى آخرها إِلا أَن إِن ثبت فيه دليل. ... (تقرير)
(618- قوله: ويتوجه ليلة النصف من شعبان)
هذا جاءَ فيه حديث لا يصح ولا يثبت، وجاء فيه آثار عن جماعة من الصحابة. والصحيح أَنه لا مزية لها بتخصيص عبادة. ومن جاء عنه من السلف ذلك فهذا شيء اجتهد فيه قد يكون يثبت الشرعية وقد لا يثبتها. ومما ورد فيه أَنه تكتب فيه الآجال (2) . ... (تقرير)
619 - ما يفعله بعض القبائل في ليلة النصف من شعبان
من محمد بن إبراهيم إلى صاحب الفضيلة رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد
بالإشارة إلى خطابكم لنا رقم 57-1 وتاريخ 3-1-1387هـ وبرفقه المخابرة المنتهية بخطاب سمو أمير منطقة مكة المكرمة رقم 3886-3-ح وتاريخ 1-12-87هـ المبنية على ما عرض
_________
(1) ذكره ابن رجب في اللطائف.
(2) قال في شرح المهذب: وهاتان الصلاتان - صلاة الرغائب والألفية ليلة النصف من شعبان - بدعتان مذمومتان ومنكرتان قبيحتان فلا تغتروا بذكرهما في قوت القلوب واحياء الغزالي ولا بالحديث المذكور فيهما فان ذلك باطل اهـ وانظر الاختيارات ص 16.(2/250)
عنه أحد مشائخ قبائل الليث المدعو منشي بن صالح الفهمي عما يفعله بعض القبائل هناك ليلة النصف من شعبان في كل عام، حيث ذكر أنهم يجتمعون في مكان واحد على بعد مائة وخمسين كيلو متراً تقريباً، ويختلط في هذا الاجتماع الرجال والنساء، ويذبحون لغير الله، ويطلقون الرصاص. وتم التحقيق عن ذلك بموجب الاعتراف المرفق منهم، وذكرت أنه يلغك ممن تثقن به أن البعض من هذه القبائل وخاصة الرحل لا يحسن الصلاة لجهله بأصول دينه، علاوة على ما يحصل عندهم من بدع وأعمال تنافي وتعاليم الدين الحنيف، وتطلب منا تعيين واعظ مرشد تكون مهمته التجول في تلك المقاطعة للحاجة الماسة إلى ذلك.
والجواب: غير خاف ما للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأهمية، وإن هذا الاجتماع منكر لما اشتمل عليه من المحرمات التي يفعلونها فيه، وأعظمها الذبح لغير الله. ووجود هذا مدة طويلة يدل على جهل عظيم ممن يفعل ذلك، وعدم انتباه واهتمام من المعنيين في تلك الجهة. والواجب عليهم هو التعاون على البر والتقوى، والعمل بقوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) (1) وهذا منكر عظيم يتكرر كل سنة ولا تبلغ الجهات المسئولة به!
وقولهم: إنهم تركوه. هذا لا يكفي، بل الواجب أن الجهات المسئولة هناك من قاض وأمير وأعضاء هيئة عليهم أن يتعاونوا فيما بينهم كل بحسبه في حسم هذه الآفة حسماً مستمراً. ويجب
_________
(1) أخرجه مسلم.(2/251)
على القاضي في تلك الجهة أن يبين لأهلها التوحيد وتحقيقه. ويأمرهم بالتمسك به، ويوضح لهم جميع ما ينافي التوحيد من الشرك، وما ينقص ثوابه من المعاصي، وينهاهم عن ذلك. فإن الناس إذا تهاونوا بترك الواجبات وفعلوا المحرمات فمن كان عندهم ممن له معرفة فالتغيير واجب عليه، وأولى الناس بذلك القضاة لما لديهم من المعرفة وما لهم من السلطة. وقد كتبنا للقضاة للقيام ببيان الصراط المستقيم للناس وتبين ما يخالفه.
وأما ما يختص بإرسال مرشدين. فهذا شيء قد كثر طلب الناس له، وهو أمر يحتاج إلى أن يعطى حقه من الدراسة والتمحيص والبت على حسب مقتضيات المصلحة العامة. نسأل الله التوفيق. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-1023-88 في 10-5-1388)
620 - قوله: وصلاة الليل ونهار مثنى مثنى
هذا ورد فيه حديث بهذا المعنى، لكن حكم بعض الحفاظ بأن (ونهاره) زيادة منكرة.
(تقرير)
621- تطويل الركوع والسجود أفضل من تطويل القيام
قوله: وكثرة ركوع وسجود أفضل من طول قيام فيما لم يرد تطويله.
لكن بالنسبة إلى الركعات والسجدات تطويل الركوع والسجود أفضل من تطويل القيام. وذلك أن القيام مراد للركوع والسجود،(2/252)
وهو عبادة بنفسها ولكن فيها جنس الوسيلة إلى عبادة أخرى، فإنه جاء في الحديث (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) (1) .
والسجود من المعلوم أنه أهم: وضع أكرم عضو في الإنسان في التراب طاعة لربه، وكلما كان هذا من حالة أعلا كان أفضل، إذا كان عن قيام فإنه أفضل منه عن قعود، وبهذا عرفنا أفضلية الركوع والسجود على القيام. فكونه يطال في الصلاة الركوع والسجود أفضل من كونه يطال القيام ولا يطال الركوع والسجود.
(تقرير)
622- صلاة الضحى
السادس: الذي يصلي أربع تسليمات الضحى: هل يجوز له أن يصلي تسليمتين في الضحى وتسليمتين في الإشراق.
والجواب: وقت صلاة الضحى من خروج وقت النهي -وهو ما ارتفعت الشمس قدر رمح إلى قبيل الزوال- وأفضلها إذا اشتد الحر، لما ثبت في الصحيح عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الأوابين حين ترمض الفيصال من الضحى) وإذا أرادت أن تصلي تسلمتين في أول الوقت وتسلمتين في آخره أو فيما بين ذلك فيجوز. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف 729-1 في 8-3-1387هـ)
623- سجود التلاوة ليس بفرض
قول عمر: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء. يدل
_________
(1) أخرجه أبو مسلم وأبو داود والنسائي.(2/253)
على الصحيح والمعروف أنه ما هو بفرض، وهو الذي عليه الجمهور أنه كله ندب. وبعض فرق بأن أوجبه في بعض دون بعض.
(تقرير)
624 - سجدة (ص)
وأما المسألة الخامسة: وهي تحكم السجود في سجدة (صَ)
فالجواب: أن المنصوص أن سجدة (صَ) ليست من عزائم السجود، بل هي سجدة شكر، لما روى البخاري عن ابن عباس قال: (صَ) ليست من عزائم السجود وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (سجدها داود توبة ونسجدها شكراً) رواه النسائي.
فعلى هذا يسجد لها خارج الصلاة، فإن سجد لها في الصلاة فالمشهور في المذهب أن صلاته تبطل. والقول الآخر أنها سجدة من ضمن سجدات القرآن، وعلى هذا مشى الإمام ابن القيم رحمه الله في (زاد المعاد) فإنه عدها من ضمن سجدات القرآن ولم يخصها بشيء من الأحكام، فعلى هذا يسجد بها في الصلاة ولا بأس، وهو الصواب الذي عليه عمل أممه المساجد.
(ص-ف-1428 في 22-11-1381هـ)
625- سجود التلاوة لا يشرع فيه التكبير في النهوض
وأما الجواب على (السؤال الثاني) : وهو جهر الإمام بالتكبير في النهوض من سجود التلاوة في الصلاة.
فاعلم أن هذا قول طائفة من أهل العلم، بناء أن سجود التلاوة صلاة. وذهب آخرون إلى أن هذا التكبير لا يشرع، بناء(2/254)
على أن سجود التلاوة ليس بصلاة. وهذا هو الأرجح واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، قال في الاختبارات: ولا يشرع فيه تحريم ولا تحليل، وأنه السنة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي عليها عامة السلف، وعلى هذا فليس بصلاة. انتهى.
وكان شيخنا ووالدنا العم الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف رحمه الله يكبر في الصلاة للانحطاط لهذا السجود ولا يكبر للنهوض منه، وهو مقتضى ما قرره شيخنا الشيخ سعد بن عتيق رحمه الله. لحديث ابن عمر الذي رواه أبو داود: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فيسجد ونسجد معه) وهذا الحديث دل على شرعية التكبيرة الأولى دون الثانية. إلا أن الحافظ ابن حجر حين ذكره في (بلوغ المرام) : قال وفي سنده لين. قال في (سبل السلام) : لأنه من رواية عبد الله المكبر العمري وهو ضعيف، وأخرجه الحاكم من رواية عبيد الله المصغر وهو ثقة. اهـ.
(ص-ف-318 في 28-7-1375هـ)
626- تقرأ السجدة في الحرم ولو كان الحجاج لا يفهمون
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم مدير الإدارة العامة التفتيش الديني بمكة المكرمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد
فق وصلنا خطابك، وفهمنا ما تضمنه حول قراءة السجدة في صلاة فجر الجمعة، وذكركم أن الحجاج لا يفهمون معنى السجدة، فعندما يسجد الإمام يركعون، وعندما يرفع من السجود يسجدون، وبعد انتهاء الصلاة يعيد بعضهم صلاة الفجر.(2/255)
وتقترحون لفت نظر أئمة المسجد إلى العدول عن قراءة السجدة إبان الموسم منعاً من التشويش والارتباك في الصلاة.
ونفيدك إنما ذكرته من تشوش المصلين من الحجاج الأجانب وارتباكهم في الصلاة وقت السجود في السجدة لا يستبعد، ولكن القضاء على هذا التشويش والارتباك لا يكون بترك السنة الثابتة، وإنما ينبغي للإمام أن ينبه المصلين الحجاج قبل شروعه في الصلاة إلى عزمه على قراءة السجدة في صلاة فجر الجمعة، وأنها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصف لهم هذه السجدة حتى يرجه الحجاج وقد عرف الجاهل منهم بهذه السنة النبوية. وبهذا يحصل الجمع بين تعريفهم بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم والمحافظة عليها وتنبيههم إلى ما يقطع عنهم التشويش والارتباك في الصلاة.
ثم إنه يجب علينا الحرص على أن يجعل من فترة الحج فرصة يتعلم فيها المسلمون كثيراً من أمور دينهم مما يجهارنه في بلادهم وليعلموه ويعلموه، وبذلك يحصل للمسلمين شيء مما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم: {ليشهدوا منافع لهم} (1) . ونسأل الله تعالى أن يعز دينه، ويعلي كلمته، ويجمع شمل المسلمين، وييسر لهم أمورهم. وبالله التوفيق. والسلام عليكم.
(ص-ف-497 في 13-13-1383هـ)
627- أوقات النهي
قوله: من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس.
_________
(1) سورة الحج - آية - 28.(2/256)
بعضهم جعله من بزوغ الفجر، وبعضهم جعله من صلاة الفجر.
الخلف لفظي. ويستثنى من ذلك ركعتا الفجر لقوله: (إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر) (1) هذا يعم ما بين طلوع الفجر إلى صلاة الفجر ويعم ما بعدها إلى أن تطلع الشمس.
(تقرير)
628- تقدم ركعتا الطواف على صلاة الإشراق
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم حمزة المعلم ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن وقت صلاة الإشراق، وهل تقدم على ركعتي الطواف أو بالعكس.
والجواب: لا يدخل وقت صلاة الإشراق إلا بعد زوال وقت النهي وبعد ارتفاع الشمس قيد رمح في رأي العين، لحديث عقبة بن عامر: (ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب) رواه مسلم.
وأما تقديمها على ركعتي الطواف فالأولى أن تقد ركعتي الطواف حتى يصل الطواف بركعتيه وأن لا يفصل بينهما بصلاة. والسلام.
مفتي البلاد السعودية
(ص-ف-3287 في 24-11-1385هـ)
_________
(1) هذا معنى حيث ابن عمر ولفظه: (لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين) رواه أبو داود والترمذي.(2/257)
629 - قوله: ويجوز في الأوقات الثلاثة إعادة جماعة أقيمت وهو في المسجد
واستدلوا بمفهوم فإن أقيمت وأنت في المسجد (1) ولكن هذا ما هو بواضح في أنها لا تشرع، ولهذا ذكر مرعي أنه يتجه ولو لم يحضر الإقامة في هذه المسألة، وهو فيه قوة. وأما الطويلين فلو لم يحضر الإقامة.
(تقرير)
630 - صلاة التطوع قبل أذان المغرب
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم محمد بن عبد اله بن يابس
سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد
وصل كتابك الذي تسأل فيه عن حكم صلاة من دخل المسجد قبل المغرب بسبع دقائق إذا صلى تطوعاً أو تحية المسجد.
والجواب: أما الصلاة تطوعاً من غير ذوات الأسباب في هذا الوقت وفي بقية أوقات النهي فلا يجوز باتفاق الأئمة الأربعة، لعموم النهي عن ذلك.
وأوقات النهي خمسة: بعد طلوع الفجر حتى تطلع الشمس. وبعد العصر حتى تغرب الشمس. وعند طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح. وعند قيامها حتى تزول، وإذا تضيفت للغروب حتى تغرب.
والذي يدل على النهي عن ذلك ما رواه البخاري وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس) . وما رواه
_________
(1) سئل أبو أيوب الأنصاري قال يصلي أحدنا في منزله الصلاة ثم يأتي المسجد وتقام الصلاة فأصلي معهم فقال أبو أيوب سألنا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ذلك له سهم جمع.(2/258)
أصحاب السنن وغيرهم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب) .
(ص-ف-1011-88 في 9-5-1388هـ)
631 - صلاة ركعتي الفجر بعده
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم الأخ عبد الله بن حمدان بن مقنع الزهراني
سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد
فقد جرى الإطلاع على الأسئلة الثلاثة التي وجهتها وهي:
1- عن صلاة تحية المسجد في أوقات النهي المعلومة؟
2- عما يصنع من أدرك الناس في لمسجد يصلون الصبح فصلى معهم هل يصلي ركعتي الفجر بعد فراغه من الصبح، أم يؤخرها إلى طلوع الشمس؟
3- عمن عجز عن الوفاء بنذره ماذا يعمل؟
والجواب عنهما ما يلي، وبالله تعالى التوفيق:
من دخل المسجد في وقت من أوقات النهي فالمشهور عن الإمام أحمد بن حنبل أنه لا يصلي تحية المسجد، وهذا اختيار كثير من أصحابه. وروي عنه جواز صلاة تحية المسجد ونحوها من ذوات الأسباب في أوقات النهي، وهذا اختيار أبي الخطاب وإليه يميل شيخ الإسلام ابن تيمية.
وأما من دخل المسجد فأدرك الناس وهم في صلاة الصبح فصلى(2/259)
معهم فله أن يصلي ركعتي الفجر بعد فراغه من صلاة الصبح، ولكن الأولى له التأخير إلى ارتفاع الشمس قيد رمح، وفي ذلك يقول ابن قدامة في (الكافي) : رأي الإمام أحمد في ركعتي الفجر أن صلاهما بعد الفجر أجزأه.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-1444 في 5/7/1388هـ)
632 - الراجح في ذوات الأسباب
قوله: ويحرم تطوع بغيرها في شيء من الأوقات الخمسة حتى ما له من سبب. حتى للخلاف المتوسط. والرواية الأخرى ومذهب الشافعي واختيار الشيخ جواز فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، ومنشأ الخلاف هو بدو التعارض في الظاهر بين الأحاديث والتحقيق في مثل هذا: أن العموم الذي من حيث الأوقات مقدم على العموم الذي في الصلوات، بدليل مواضع معروفة تفعل فيها جنس الصلاة وإن كان وقت نهي. فيصير العموم الذي في ذوات الأسباب محفوظاً، بخلاف العموم الذي في الأوقات. فإن قيل: ما بقي لما نهي عنه؟ قيل: بقي له ما عدا ما خصص كالرواتب والتنفل المطلق فيكون هذا هو الاعتدال.
فالراجح في الدليل فعل ذوات الأسباب كما تقدم. لكن إذا كان بين أناس فشا فيهم ما عند الأصحاب فترك فعلها أكثر مصلحة، لأن الناس إذا كانوا مستقيمين على طريقة ولو كانت مرجوة خير. الناس إذا اجتمعوا على شيء وألفوه وهو قول طائفة من أهل العلم فلا يشوش عليهم، فوجود التغييرات تشوش على(2/260)
العوام. بعض الناس قصده خير ولكن قصير معرفة.
(تقرير)
س: لو جمعهم الإمام وأخبرهم برجحان الدليل.
ج: الظاهر أنه يكون فيه مفسدة.
ثم يلاحظ أن الكف عنها ولو منفرداً أولى. وذلك تتميماً لحسم المادة كلها، فإنه ولو استخفى قد يدري عنه واحد. والأمر كله سهل. وعند الإنسان من الخير شيء كثير لو فعله.
وقد حصل بين بعض أهل المذاهب سابقاً فتن وحصل بعض القتل من أجل طائفة كذا وطائفة كذا. هذا ما يحصل باليد، وما يحصل في القلوب من النفرة والغيبة. وكذا وكذا (1) .
(تقرير)
633- قوله: وصلاة على قبر
والمتجيزون لها (2) يجوزونها بعد العصر، ولا يتبين دليل في منعه والذي يريد الخروج من الخلاف حسن.
(تقرير)
634 - قوله: وصلاة كسوف
الكسوف نادر. مشايخنا يصلون صلاة الكسوف ولو بعد العصر أو قبيل الغروب لقوله: (إذا رأيتم ذلك) (3) .
(تقرير)
635 - قوله: وقضاء راتبة سوى ظهر بعد العصر المجموعة إليها
النبي صلى الله عليه وسلم قضى راتبة الظهر بعد العصر إلا أنه داوم عليها، ومداومته من أجل أن عملة ديمه، وإلا فأصل فعلها قضاء للرواتب. وهو أصل لمن قال بجواز ذوات الأسباب.
(تقرير)
_________
(1) شيء كثير وضار في الدين.
(2) لذوات الأسباب.
(3) فافزعوا إلى الصلاة. فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف. متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.(2/261)
(باب صلاة الجماعة)
636 - صلاة الجماعة في المسجد فرض عين، وليست الدراسة والتديس عذراً
بسم الله الرحمن الرحيم
حامداً الله تعالى عز وجل ومصلياً على رسوله النبي الكريم حضرة صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
الموقر
مفتي المملكة العربية السعودية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام ... وبعد
فقد قرأت في جريدة البلاد السعودية بتاريخ 27-5-1373هـ فتواكم عن عرائس البنات (1) ولقد سر بها الكثير من الناس وأنا منهم بالطبع. وقد بدا لي أن استفتيتم عن تأخر الصلاة أوقتها لمن يسمع النداء مع قربه للمسجد، معتذراً أنه يدرس العلم أو يدرسه كما هو واقع في المدارس. فهل هذا يقوم عذراً لمن يتخلف عن الصلاة بالجماعة مع معرفتنا لما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين في غزواتهم والرسول صلى الله عليه وسلم معهم لم يؤخروها وهم في صفوف القتال. فإذا تفضلتم بالأمر إلى عمل جداول (أوقات للدراسة) تتفق مع المحافظة على حضور الجماعة حتى يشب الطلاب على الخصوص بمحافظة على الصلاة لوقتها، وحتى لا يكون هناك عذر للمتخلفين الذين يثقل عليهم الصلاة. ودمتم سالمين.
مقدمه
عمر عبد القادر سكندر مكة المكرمة - أجياد
_________
(1) وتقدمت.(2/262)
الجواب: الحمد لله. صلاة الجماعة واجبة على الأعيان حضراً وسفراً. ولا يعتذر بالتخلف عنها إلا من عذره الشرع بالمرض والخوف وما في معناهما. هذا الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما في مسند الإمام أحمد عن ابن أن مكتوم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي المسجد فرأى في القوم رقة فقال إني لأهم أن أجعل للناس إماماً ثم أخرج فلا أقدر على إنسان يتخلف عن الصلاة في بيته إلا أحرقته عليه) وفي لفظ أبي داود: (ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم ليس بهم علة فأحرق عليهم بيوتهم) وقال له ابن أم مكتوم وهو رجل أعمي (هل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي قال لا أجد لك رخصة) (1) . وعن جابر بن عبد الله قال: (فقد النبي صلى الله عليه وسلم قوماً في صلاة فقال: (ما خلفكم عن الصلاة فقالوا الماء كان بيننا فقال لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) رواه الدارقطني، ولدلائل أخر ليس من خالف ما يقاومها.
قال ابن القيم رحمه الله في (كتاب الصلاة) ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له أنه فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة. فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر. وبهذا تتفق جميع الآثار والأحاديث. ولما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ أهل
_________
(1) روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة قال نعم قال فأجب.(2/263)
مكة موته خطبهم سهيل بن عمرو وكان عتاب بن أسيد عامله على مكة قد توارى خوفاً من أهل مكة فأخرجه سهيل وثبت أهل مكة على الإسلام فخطبهم بعد ذلك عتاب وقال: يا أهل مكة والله لا يبلغني أن أحداً منكم تخلف عن الصلاة في المسجد في الجماعة إلا ضربت عنقه. وشكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الصنيع وزاده رفعة في أعينهم. فالذي ندين الله به أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر. اهـ.
فقد عرفت مما تقدم أن الجماعة واجبة على الأعيان، وأنه لا يعتذر عن فعلها جماعة في المسجد إلا من عذره الشرع بالبيان المتقدم.
أما ما ذكرت عن درس العلم وتدريسه فليس عذراً في عدم الحضور والله أعلم. قاله الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم آل الشيخ وكتبه من إملاء سماحته حفظه الله عبد الله بن إبراهيم بن صالح الصانع. 17-6-1373هـ
(الختم)
637 - لم يصح عن واحد من الأئمة أن الجماعة سنة
الجماعة فرض عين على المشهور عند كثير. والقول الآخر أنها شرط في الصحة كما هو اختيار الشيخ وابن القيم وابن حزم وآخرين. ويزعم بعض عن بعض الأئمة أنها سنة. وهذا المروي لا يصح، بل قول الأئمة جميعاً يرجع إلى قول الآخرين من أن ذلك فرض. والمسألة مترددة بين الشرطية والفرضية (ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقان ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم انطلق معهم برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) وفي رواية أحمد لا ما فيها من النساء والذرية) أفتحرق البيوت على تاركي سنة؟ هذا لا يمكن.(2/264)
ولهذا تجد من يتكلم حول هذا الحديث ممن لهم شهرة يتأولون ويقولون: هؤلاء منافقون لا يصلون. الرسول لم يقل: لا يصلون. قال (لا يشهدون الصلاة) ولو كان لأجل الصلاة لقالوا قد صلينا قبل أن نجئ بقليل، لكن المراد شهودها في الجماعة. والرسول أمر أن يقيم الجماعة في المسجد. ومن يقول إنه ومن معه لا يصلون جماعة؟ ثم أيضاً ترك الجماعة لعذر جائز، وهذا من أعظمها - وهو التحقق أنهم موجودون في البيوت والناس في الجماعة.
فهي فرض، والقول بأنها شرط قول قوي. فالرسول لا يهم بباطل، بل همه صواب، ولم يمنعه من التنفيذ إلا ما في رواية أحمد (لولا ما فيها من النساء والذرية) ورواية أحمد لا مطعن فيها، فذكر (الهم) ولم يقل: إني نهيت. فتبين أن ذلك من الحق، مع قطع النظر عن رواية أحمد، فهو يريد أن الشأن يستحق ذلك. ولو لم يكن إلا هذا لكفى (1) .
638 - وجوبها في السفر أيضاً
وإذا دخل المسجد منفرداً وجبت عليه الأربع مع الجماعة
قوله: ولو سفرا في شدة خوف.
وجوبها لا يختص بالحضر، والنبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليها حضراً وسفراً وولا أخل بها في السفر أبداً. ثم الأدلة بعمومها تتناول السفر كما تتناول الحضر ولا فرق. فإذا كانوا مسافرين اثنين فأكثر فيصلون جماعة، ولا يجوز صلاة الواحد منهم منفرداً عن رفيقه في السفر أو جماعة.
_________
(1) وانظر رسالة في الشهادات برقم 482/3/1 في 15-2-86هـ ورسالة في الحسية برقم 2584/2 في 10/8/78هـ.(2/265)
ونعرف هنا مسألة: وهي المسافر يأتي المسجد وهو من أهل الركعتين. بعض الأحيان تجب عليه الأربع، وذلك إذا دخل المسجد.
ولا رفقة له فيتعين عليه فعلها مع الجماعة، فإن الواجب مقدم على السنة. فلا ينفرد ويصلي ركعتين، فإن الله فرض الجماعة حضراً وسفراً، وعلى القول الآخر: أنها شرط فيكون آكد وأبلغ.
(تقرير)
639 - فتوى في الموضوع
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف عن صلاة القصر لمن يباح له القصر منفرداً أو مع جماعة تماماً ما الأفضل. وعما إذا صلى من يباح له القصر مع المقيم ركعتين من آخر صلاته فقط ثم يسلم معه هل تصح أم لا.
فأجاب: أما المسافر الذي يباح له القصر فالجماعة واجبة عليه كالمقيم. فإن أمكن الجمع بين الواجب عليه وهو الصلاة جماعة وبين ما هو السنة في حقه وهو القصر بأن وجد جماعة مسافرين يصلون قصراً صلى معهم، وإلا صلى مع الجماعة المقيمين ولزمه حينئذ الإتمام. وهذه إحدى الصور الإحدى والعشرين التي يلزم المسافر الإتمام فيها.
أما إذا صلى من يباح له القصر مع المقيم ركعتين من آخر صلاته ثم سلم معه فإنها لا تنعقد هذه الصلاة إن أحرم بها ناوياً القصر عالماً وجوب الإتمام عليه كنية المقيم القصر. وأما إن كان جاهلاً فإنها تنعقد ويلزمه إتمامها أربعاً لإتمامه بالمقيم كما تقدم في التي قبلها.
(ملحقة بالدرر - 2 ص207)(2/266)
640 - س: إذا صاروا مسافرين يريدون القصر في بيتهم؟
ج: لا بأس. ولكن إذا لم يريدوا القصر فلا وجه لصلاتهم في البيت.
في مكة يتهاون الناس بالصلاة في المساجد: أما الزحمة الشديدة فربما تكون عذراً، أو ليبعد يشق عليه المشي، فالذي لا يستطيع الوصول إلا راكباًَ أو مشغول. كما يأتي (1) فهذه أعذار. ولكن أكثر ما في هذا أن بعض طلبة العلم مسافرون لا يقيمون.
الأمر الثاني الحجاج في الأزمنة الماضية في خوف ولا يأمنون على أنفسهم، وكان أفرادهم يضربون عند أدنى شيء.
(تقرير)
641 - س: الذين يصلون في الدوائر
ج: إذا كان سائغاً فيجعلون مسجداً ويصلون فيه.
(تقرير)
642 - طلب إعادة المؤذنين والأئمة إلى جميع المؤسسات الحكومية
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
رئيس مجلس الوزراء ... المعظم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد
فنشير إلى الخطاب المرفق المقدم لنا من موظفي وخدام مستشفى الأمير فيصل بالطائف بشان ما أصدره مؤخراً وزير الحج والأوقاف ينقل إمام ومؤذن المستشفى المذكور وما مائله من المؤسسات
_________
(1) في الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة. ويأتي الجواب عن قول الأصحاب: وله فعلها في بيته في الفتوى عدد - 655.(2/267)
والمصالح الحكومية وتعلمون أن الصلاة أمرها عظيم وشانها جسيم، كيف لا وهي أحد أركان الإسلام بل آكدها بعد الشهادتين، وهي عمود الدين من حافظ عليها فقد حافظ على دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
وفعلها جماعة شرط في صحتها عند بعض العلماء. وقد وردت الآيات والأحاديث الكثيرة في ذلك، ولسنا في حاجة إلى سياقها. وحيث أن ما اتخذ من نقل أئمة ومؤذني جميع المصالح الحكومية معناه إهمال أداء الصلاة جماعة، وهذا لا ينبغي، ومخالف لما عليه رسول اله صلى الله عليه وسلم وصحابته السلف الصالح رضوان الله عليهم. وأن هذا الإجراء معناه محاربة للإسلام في عقر داره حيث سيؤدي إلى ترك إقامة الصلاة كلية، خصوصاً ونحن في وقت قد اعترى أهله عوامل الضعف والانحلال والتهاون في أداء الواجبات. والانغماس في ملاذ الحياة واتباع الشهوات. ونعتقد جازمين أن سموكم يأتي هذا الإجراء ولا يرضاه، لأنكم دائماً تسعون إلى ما فيه إعزاز هذا الدين والرفع من شانه والحفاظ على كرامته من عبق العابثين وتلاعن المتلاعبين.
وإننا لنهيب بسموكم الكريم إصدار أمركم السامي على من يلزم بإعادة إمام ومؤذن المستشفى المومى إليهما، وإبقاء أئمة مؤذني جميع المصالح والمؤسسات الحكومية الأخرى يؤدون واجبهم المقدس داخل هذه المؤسسات الملئ بالجم الغفير من الجماهير.
والتعميم على الوزارات والدوائر الحكومية بضرورة المحافظة على الصلاة وأدائها جماعة في أوقاتها وعدم التهاون في أمرها. وأن يكون المسئولون منها عوناً على ذلك. حفظ الله سموكم وأبقاكم(2/268)
ناصراً للإسلام والمسلمين. والسلام عليكم.
رئيس القضاة
(ص-ق-3163 في 15-5- 13هـ)
643 - بناء مساجد قرب المطارات
من محمد بن إبراهيم إلى معالي وزير الحج والأوقاف بالنيابة
وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد
بالإشارة لخطابكم رقم 2209 في 30-11-86هـ بخصوص مطار الظهران وما نشر عنه بصحيفة الرياض من خلوه من المساجد.
لقد اطلعنا على جوابكم من أنه يوجد بمنطقة الظهران وبالقرب من فندق المطار مسجد تقام فيه الجمعة والجماعة إلى آخره.
ونظراً لوجود جملة من الموظفين في مبنى المطار مع من يتصل بهم من المراجعين والمسافرين والمودعين وحاجة الجميع إلى مسجد قريب منهم يؤدون فيه الصلوات الخمس جماعة والمسجد الجامع الذي نوهتم عنه بعيد عنهم نسبياً. لهذا ينبغي أن يجعل لهم مسجد قريب منهم ليؤدوا فيه الصلوات جماعة. وأما الجمعة فيكتفي بالمسجد الحالي. وفق الله الجميع لما يرضيه. والسلام.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف458-1 في 13-2-1387هـ)
644- الصلاة جماعة في المدارس....
من محمد بن إبراهيم إلى معالي وزير المعارف ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد
فنبعث لكم بالخطاب المرفوع لما عن طريق فضيلة رئيس(2/269)
محكمة الباحة من الواعظ بتلك الجهات صالح أحمد الرقيب الغامدي حول مشاهداته وملاحظاته التقصير في الصلاة في المعاهد والمدارس المتوسطة والابتدائية.
فنأمل منكم بعد الإطلاع الاهتمام بما ذكره الأستاذ صالح الغامدي التنبيه والتأكيد على المسئولين عن المدارس والمعاهد بضرورة العناية بالصلاة جماعة في مدرستهم ما دامت الصلاة تدركهم ولم ينتهوا بعد من دراستهم. ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-3208-1 في 20-11-1385هـ)
645 - وتخصص أماكن لها ...
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب المعالي وزير المعارف
المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد
فإن المجلس التأسيس لرابطة العالم الإسلام قد بحث في دورته الخامسة المنعقدة في رجب هذا العام أهمية إلزام الطلبة بالصلاة في الوقت الذي يحل فيه وقتها وهم بالمدرسة. وأن تخصص أماكن لذلك في كل مدرسة. وتؤمن الفرش والماء اللازم لذلك.
وقد اقترح المجلس في دورته تلك أنني أقوم بمخاطبة معاليكم كتابياً في ذلك. ونظراً لما لهذا الموضوع من الأهمية ولما في ذلك من فائدة دينية بل إن ذلك من المتعين، فإني آمل صدور أمركم إلى الجهات المسئولة بنفاذ ذلك والعمل على سرعة تحقيقه.(2/270)
وفق الله الجميع للعمل الصالح النافع. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(ص. م 5019 في 16/11/1384هـ)
646 - في إيطاليا وليس فيها مساجد ولا أذان ولا جماعة
الثانية: ذكره أنه لا يوجد في إيطاليا مساجد ولا أذان ولا جماعة والبلد ما فيه إلا كنائس، ويذكر أنه محتار.
والجواب: لا حيرة في ذلك يصلي هو ورفيقه الصلوات الخمس في مكان سكناهم بأذان وإقامة لكل صلاة.
(ص-ف-973-1 في 15-4-1385هـ)
647- اختيار أفضل من يوجد من المتعاقدين، والتعهد عليهم بالمحافظة على الجماعة والجمعة
من محمد بن إبراهيم إلى معالي وزير المعارف ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد
نبعث لمعاليكم صورة خطاب قاضي محكمة تنومة رقم 79 وتاريخ 9/2/1387هـ بخصوص بعض المدرسين المنتدبين للتدريس في جهات منطقة النماص وبالأسمر ومنطقة تنومة اللذين يتركون صلاة الجمعة والجماعة. وذكر أنه نصحهم فلم يمتثلوا. وقالوا لنا مرجع إلى آخر ما ذكر.
لاطلاع معاليكم على ما ذكره والقيام حوله بما يجب، ونحن نعتقد أنكم لا تضرون بمثل هذا، لأنكم تدركون النتائج التي تترتب على مثل هذا.
فيتعين إصدار الأوامر وإعطاء التعليمات على الذين يتعاقدون مع مثل هؤلاء أن يختاروا أفضل من يجدونه ديناً، وأن يؤخذ عليهم التعهد بالمحافظة على جميع شعائر الدين، لأنهم يعلمون النشأ(2/271)
ويربون الأولاد. فيتعين أن تكون تربيتهم وتعليمهم على الأسس الشرعية ومراعاة أمور الدين. كما تؤمل مناقشة هؤلاء الأساتذة المذكورة أسماؤهم بخطاب قاضي تنومة، وإذا ثبت ما ذكره عنهم فيؤدبون بما تقتضيه المصلحة وأنتم أعرف بمثل هذا. وفق الله الجميع لما يرضيه. والسلام.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف-2583-1 في 16-6-87هـ)
648 - لا يجوز أي عمل في وقت يفوت صلاة الجماعة
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم الأستاذ عبد الرحمن العثمان بن صالح القاضي
المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن المسائل الآتية:
(المسألة الأولى) : هل يجوز التدريس وجميع الأعمال وقت وجوب الصلاة (1) .
والجواب: الواجب على أهل الأعمال من مدرسين وموظفين وغيرهم من أهل الأشغال المبادرة بأداء الصلاة أول وقتها مع الجماعة. فإذا أدوها عادوا لإكمال ما بقي من أعمالهم، ولا يجوز العمل الذي يفوت من صلاة الجماعة مهما كان نوعه.
(ص-ف-2681 - 3 في 19-9-1385هـ)
649 - الملابس الأفرنجية ليست عذراً
المسألة الثانية: في قوم أقيمت الصلاة وهم جالسون
_________
(1) المسألة الثانية والثالثة والرابعة تأتي في التربية والتعليم أما جواب الخامسة فهو في (باب السبق) .(2/272)
لم يصلوا مع الجماعة، وحجتهم أنهم بملابس أفرنجية وشراريب ويصعب عليهم الوضوء، وأنهم سيصلون في بيوتهم مع أنهم أساتذة يعلمون في المدارس.
والجواب: هؤلاء الذين يبقون في مجالسهم والناس يصلون لا رغبة لهم في الخير، ولا يبالون بالصلاة في الجماعة، وأدنى أحوالهم أنهم فساق إن صدقوا أنهم سيصلون في بيوتهم. ويتعين الإنكار عليهم، ولا ينبغي أن يجعلوا معلمين في المدارس، لأنهم غير مأمونين على ذراري المسلمين. وهذه الأعذار التي زعموها كلها واهية ولو كانوا حريصين على صلاة الجماعة لاستعدوا لها بكل ما يلزم، مع أن الملابس التي جعلوها حجة غير مانعة من الصلاة كما لا يخفى على من يتتبع أحوال الناس.
(ص-ف-2265-1 في 13-11-1383هـ)
650 - إغلاق العيادات إذا دخل وقت الصلاة
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
أمير منطقة الرياض ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد
فقد استخف بعض الأطباء بأمر الصلاة، وعمدوا إلى فتح عياداتهم الخاصة والعلاج فيها في أوقات الصلوات. وهذه ظاهرة سيئة لا يجوز السكوت عليها.
فنأمل من سموكم الأمر بالتنبيه على العيادات بإغلاقها عند الشروع في الأذان. وأن لا تفتح إلا بعد الفراغ من الصلاة، وأن من يخالف ذلك فسيجازى جزاء بليغاً، ويحرص على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمراقبة ذلك بدقة. وفق الله سموكم(2/273)
لكل خير وأيدكم بالحق، وأيده بكم، إنه على كل شيء قدير. والسلام عليكم.
(ص-م-6551 في 18-10-1386هـ)
651 - يعزز لإقفاله العيادة على نفسه وقت الصلاة
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
أمير منطقة الرياض ... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد
نبعث لكم برفقه الأوراق الخاصة بقضية عمر صالح العمودي الواردة إلينا من فضيلة رئيس هيئة التمييز مع خطابه رقم 842 وتاريخ 27-7-1385هـ ومشفوعة قرار الهيئة رقم 442 تاريخ 25-7-1385هـ المتضمن موافقة رئيس الهيئة على ما حكم به القاضي من التعزير على عمر بن صالح المذكور والمتضمن مخالفة عضو الهيئة الشيخ محمد البواردي. أما العضوان الآخران فقررا تخفيف التعزير بالنسبة لما اتهم به عمر المذكور من الخلوة بالمرأة الأجنبية مع إقفال العيادة. أما تخلفه عن الصلاة جماعة في المسجد فلم يريا تعزيره لقاء ذلك.
ونشعر سموكم بأن الذي يتعين وتبرأ به الذمة وينتفي به الفساد في الأرض هو أن ينفذ ما حكم به فضيلة القاضي وأيده رئيس هيئة التمييز وهو الحق والصواب إنشاء الله. أما خلاف البقية فإنه في غير محله، مع أنهم لو أجمعوا على نقض هذا الحكم لم يكن قولهم وجيها ً. والله يحفظكم والسلام.
رئيس القضاة
(ص-ق-3633-1 في 22-8-1385هـ)(2/274)
652 - تفقد الأئمة والمؤذنين للجماعة ليلاً، وملاحظتهم نهاراً وتعليمهم أصول دينهم كمختصر ثلاثة الأصول وشروط الصلاة وأركانها والقراءة عليهم بعد العصر وقبل العشاء، وشرح ذلك لهم باختصار)
من محمد بن إبراهيم إلى إمام مسجد ... ومؤذنه
وأعيان الجماعة ... وفقهم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فلا يخفى أن الصلاة أمرها عظيم، وهي أحد أركان الإسلام بعد الشهادتين، من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وفي الحديث (أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة) (1)
وأداؤها جماعة في المساجد واجب من واجبات الدين. وذكر بعض المحققين أن الجماعة شرط لصحة الصلاة.
ولا يخفى ما وقع فيه كثير من الناس من التكاسل عنها وعدم الاهتمام بأدائها جماعة في المساجد، وهذه مصيبة عظمى وبلية كبرى، والسكوت عن مثل هذا مداهنة في الحق والعياذ بالله.
لهذا تعين التنبيه على الجميع بالقيام على الكسالى وتفقدهم جميعاً بأسمائهم لصلاة الفجر كما وردت به السنة وعليه عمل المسلمين، والأصل في ذلك ما رواه أبو داود والنسائي ولفظة أخبرها اسماعيل بن مسعود، حدثنا خالد بن الحارث عن سبيعة، عن أبي اسحق أنه أخبرهم عن أبي عبد الله ابن أبي بصير، عن أبيه
_________
(1) قال الإمام أحمد رحمه الله: فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين إذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام.(2/275)
قال شعبة: وقال أبو اسحاق: وقد سمعته منه ومن أبيه قال: سمعت أبي بن كعب يقول: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً صلاة الصبح فقال: أشهد فلان الصلاة قالوا: لا. قال: وفلان. قالوا: لا. قال: إن هاتين الصلاتين من أثقل الصلاة على المنافقين، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، والصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو يعلمون فضيلته لابتدروه، وصلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثرها فهو أحب إلى الله عز وجل) .
وقد كتبنا لكم هذا لتقوموا باللازم على جماعتكم، فيتعين تلاوة هذا في مسجدكم. وأن يجتمع إمام المسجد ومؤذنه وأربعة أو ثلاثة من أعيان جماعته يكونون نظراء في مسجدهم. فإن رأوا محسناً أعانوه ونشطوه، أو مسيئاً نصحوه وأرشدوه. ويكون ذلك بلين ورفق وتحبب إلى الناس وتعطف عليهم وإظهار للشفقة والرحمة، لأنهم إخواننا وإن غلب الكسل عليهم والتهاون في بعض الأشياء والقصد نفعهم وتقوينهم ومعاونتهم على أداء هذه العبادة العظيمة، إلا من ظهرت منه المكابرة والعناد ولم ينته فيبلغون به الجهات المختصة للقيام حوله بما يلزم.
وعلى كل فرد أن يهتم بأمر التفقد، فإن كان حاضراً فليجب وليتكلم باسمه، وإن تخلف لعذر فليعمد من يتكلم عنه بعذره، فرحم الله امرءاً كف الغيبة عن نفسه.
والقيام بهذا الشأن متعين على الجميع كل أحد بحسب حالته فعلى من أعطاهم الله ميزة على غيرهم مثل طلبة العلم وذوي الوظائف(2/276)
الدينية وكبراء الناس والمطاعين فيهم ورؤساء الأسر على كل منهم من الواجب في هذا ما ليس على من دونهم. وكذلك الجيران فقد ورد " أن العبد يتعلق يوم القيامة بجاره، ويقول: يارب هذا رآني على معصية فلم ينهني ".
إذا علم هذا فيتعين على الجميع القيام بتفقد الكسالى لصلاة الفجر. ومن تكرر منه التخلف عنها لغير عذر شرعي فعلى الإمام والمؤذن وأعيان الجماعة القيام عليه بالنصيحة والموعظة. وإذا لم تجد فيه النصيحة والموعظة فعلى أعضاء الهيئة المختصين الذين عهد إليهم بملاحظة ذلك المسجد من قبل رئيسهم أن يقوموا عليه. ويرفعوا عنه إلى رئيسهم. للرفع عنه من قبله إلى فضيلة الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتقرير مجازاتهم.
أما بقية الصلوات فينبغي للإمام التفطن للجماعة وملاحظتهم، وكل من يتكرر منهم التخلف من غير عذر شرعي فيقام حولهم بما يلزم حسبما ذكر أعلاه من كل من الإمام والمؤذن وأعضاء الهيئة ونحن بدورنا سنتعاون مع الجميع للمصلحة العامة. فعليكم أن ترفعوا لنا بأسماء المتخلفين الذين يتكرر تخلفهم ولا تجدي النصيحة فيهم للقيام بتقرير ما يجب عليهم شرعاً.
وكذلك تعليم الجماعة أمر الدين وسؤالهم عنه كما في " مختصر ثلاثة الأصول " فيتعين على كل إمام مسجد إبلاغ جماعته بذلك ويعقد لهم مجلساً يومياً يسألهم فيه عن أمور دينهم، ويعلمهم ما يخفى عليهم منها. ومن طلب مهلة لتذكرها وتحفظها فيمهل، ومن امتنع من ذلك فيلزم به من قبل الإمام والمؤذن والهيئة، وإن لم يمتثل فيرفع باسمه إلينا ونحن نقوم حوله بما يلزم إن شاء الله(2/277)
براءة للذمة ونصحاً للأمة. والله الموفق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ... (الختم)
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 1475 ـ 1 في 7 /11/1387هـ)
(653 ـ حث القضاة على تنفيذ ذلك)
(تعميم)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
لا يخفى ما ورد في فضل نشر العلم والتذكير بأيام الله ونعمه وآلائه. ولا سيما مع أعراض كثير من الناس عن شكر ما أنعم الله به عليهم وغفلتهم عن ذلك مما يخشى منه زوال النعم وحلول الثلاث والعياذ بالله من ذلك، لهذا رأينا الكتابة إليكم لتقوموا بأنفسكم، وتعمموا على جميع أئمة المساجد بملاحظة ما ذكر، وتخول الناس بالموعظة في كل مناسبة ولا سيما في أوقات الفراغ. كما ينبغي لكل إمام مسجد تعاهد إلقاء درس خفيف بعد صلاة العصر وقبل صلاة العشاء، يقرأ فيه ما يتيسر من كتب السنة ويشرح لهم ما قرأه باختصار، ويجعل من باله تبيان أُمور الدين وأحكام العبادات وما لا يسع المسلم جهله. وقد عملنا مثل هذا فيمن حولنا فعليكم العمل به فيما لديكم، والتعميم به على جميع المساجد في القرى، وملاحظة تطبيقه، ومعرفة من يتخلف عنه، وإخبارنا بنتيجة ما تجرونه. وينبغي قراءة هذا الكتاب على الناس في الجوامع بعد صلاة الجمعة رجاء أن يعم نفعه ويتم امتثال موجبه.(2/278)
والله يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والصلاح. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 2234 ـ 1 في ... )
(654 ـ هل يكفر من ترك الجماعة)
من يترك الجماعة لا يقال إنه كافر، لكنه من أسباب ترك الصلاة بالكلية، فهو وسيلة، وموجود جنس هذا في كثير من الناس كما أنه سيما المنافقين إذا قاموا إلى الصلاة (تقرير)
س: في حديث أبي داود: " أشاهدٌ فُلانٌِ
لو قال قائل: إنما سمى أُناساً هم منافقون، فلما أحس منهم التخلف قال: " أشاهدٌ فُلانٌ"
جـ: أن هذه سيما المنافقين.
أكثر ما فيه من الاشكال أن بعض الدول لا تستعمله. أيُّ شيء من الله به على أهل نجد؟ أي شيئ عمل أُولئك؟ أفيترك الإنسان هو ونفسه؟ وحديث الأعمى لم يعذره وهو أرحم الخلق. فالنفوس قد تكره الشيئ في المبدأ كالجهاد.
المنافقون أعذر من هؤلاء، لأنهم أهل مهن وتعب، وهؤلاء أهل نعمة ولهو.
وأيضاً هؤلاء الذين يقولون لا تجب هم في كل ما يخالف شهواتهم يقولون لا يصلح دليلاً ونحو هذا، ويوجد منهم أشياء تدل على أنهم ما صلوا الصلاة الشرعية: يوجد منهم شرب. ويوجد منهم أشياء أخر. ... (تقرير)(2/279)
(655 ـ الجمع بين حديثين)
س: ما لجمع بين " لا حرّقَن عليهم بيوتهُم" (1) وبين " لا يُعذبُ بالنار إلا ربُ النار" (2)
ج ـ: الأول فيه جواز العقوبة المالية. وليس المراد أنه قصد تحريق ذواتهم، فإن البيوت تحرق على أهلها وقد تصيبهم وقد لا تصيبهم، وهو الأكثر. أما لو قال: لأحرقهم. لكان يحتاج للنظر في الجمع بينهما. ... (تقرير)
(656 ـ تأديب أشخاص لا يشهدون الصلاة في المسجد)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
أمير منطقة الرياض ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فنرفع لسموكم من طيه الخطاب المقدم إلينا من إمام مسجد حارة آل مسعود جنوبي الشميسي بصدد الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في الخطاب المذكور والذين ذكر أنهم لا يحضرون الصلاة مع الجماعة، وأنهم لما أمروا بالحضور امتنعوا ـ إلى آخر ما ذكره في خطابه المذكور.
والحقيقة سلمكم الله أن هؤلاء وأمثالهم إن لم يحقق في موضوعهم ويجازوا بما يردعهم ويردع أمثالهم استفحل الشر وفشى ترك الصلاة، فنأمل قيامكم نحو ذلك باللازم. تولاكم الله بتوفيقه. (ص ـ م ـ ـ 402 في 30/1/1382هـ)
_________
(1) وتقدم لفظه ومن خرجه.
(2) لا يعذب بالنار إلا الله رواه البخاري.(2/280)
(657 ـ تعزير شخص ترك الصلاة جماعة..)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة ... رئيس مجلس الوزراء ... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد جرى الاطلاع على البرقية الواردة إلينا من معالي وزير الدولة لشئون رئاسة مجلس الوزراء برقم 9849 وتاريخ 23/7/80 مشفوعة بالبرقية المرفوعة إلى جلالتكم من مأمور سجن ظهران اليمن برقم 187 وتاريخ 14/7/1380هـ بشأن شكواه من قاضي ظهران ومن رئيس الهيئة هناك وأن القاضي حكم بمجازاته بسجنه عشرين يوماً وجلده أربعين جلدة. إلى آخر ما ذكره. وقد كتبنا عن طريق نائبنا في المنطقة الغربية للإفادة عن حقيقة تشكي المذكور من القاضي فوافانا جواب القاضي رقم 8148 وتاريخ 16/10/1380هـ رفق خطاب نائبنا رقم 19630 وتاريخ 29/10/1380هـ وبالاطلاع عليه وجد يتضمن أن ما أشار إليه المبرق لا صحة له / وإنما قصد بذلك ادحاض الحق بالباطل، وذكر القاضي أنه لما تحقق لديه مجاهرته بالمعصية ومعاندته ومكابرته للحق وعدم قبوله النصيحة واستهزاؤه بالناصحين وتركه الصلاة مع الجماعة قرر توقيفه عشرين يوماً وتعزيره أربعين جلدة مع أخذ التعهد عليه بعد ذلك بالحضور لأداء الصلاة مع الجماعة.
ونفيد جلالتكم أن ما قرره القاضي في حق المشتكي لما ذكر عنه في محله. فينبغي تنفيذ ما حكم به عليه. ولا يلتفت لما ذكره، ونعيد إلى جلالتكم كامل أوراق القضيةومنها جواب القاضي(2/281)
المشار إليه أعلاه. والله يحفظكم.
رئيس القضاة (ص ـ ق في عام 1380هـ) (1)
(658 ـ القول الصحيح أنه ليس له فعلها في بيته)
قوله: وله فعلها في بيته.
وإذا فعلها في بيته صلوا جماعة وسقط الفرض بذلك على هذا القول.
والقول الآخر: أنه ليس له فعلها في بيته، وهو الصحيح بل لا يفعلها في بيته إلا إذا كانوا معذورين وإلا فلا، ويأثم بفعلها في بيته مادامت الجماعة في المسجد، هذا خلاف السنة، وخلاف المقصود من بناء المساجد، وخلاف الحكمة المقصودة في الجماعة، وهذا فتح باب الفرقة والرغبة عن الجماعة (تقرير)
(659 ـ يصدق إذا قال صليت في بيتي ويؤدب. والصلاة صحيحة)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم الخ أحمد بن صالح بن صليصل ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصلني كتابك الذي يتضمن أسئلتك التي أولها: هل يصدق الإنسان بمجرد قوله: إنه صلى في بيته؟
والجواب: الحمد لله. يصدق الإنسان إذا قال: إنه صلى في بيته، أو أنه أدى زكاته، أو أن ما عنده ليس له ونحو ذلك
_________
(1) وقال في تقرير له: قد أمرنا بسجن ثلاثة من الكسالى. وهذا كالكي للمريض. نرجوا الله أن يهدينا واياهم.(2/282)
ويوكل إلى أمانته لحديث " لا يُستَحلفُ الناسُ على صدقاتهم" (1) لكن لا يجوز إقرار المذكور على صلاته في بيته وتركه الجماعة في المسجد، وإذا تكرر ذلك منه من غير عذر وجب تأديبه بما يردعه وأمثاله عن ترك واجب أداء الصلاة جماعة في المسجد.
(ص ـ ف 22 في 7/1/1378هـ)
(660 ـ جواب عن حديث)
الجواب عن تفضيل صلاة الجماعة على الفذ (2) أن صلاة الفذ فيها فضل وصحيحة، ولكن هذا في حق من كان له عذر (تقرير)
قوله: لعموم " جُعِلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" (3) .
عموم هذا يستدلون به على جواز فعلها في بيته، وهذا عموم، والعموم دلالته ضعيفة وإن كان مسلماً أنه حجة صحيحة، ولكن عارضه أدلة أقوى منه، وهذا من العموم الضعيف، فإن العموم تارة يكون قوياً، وتارة يكون ضعيفاً.
وأضعف من هذا لو استدل به منفرد فقال: أنا في مسجد فيقال: أنت في مسجد، لكن تركت الأدلة الآخر.
ويقال: هذا العموم يسلم إذا لم يوجد في المسجد أحد. أما ما دام الجماعة قائمة في المسجد فلا (4) . (تقرير)
_________
(1) قال في الانصاف: قال في عيون المسائل: ظاهر قوله " لا يستحلف الناس على صدقاتهم " لا يجب ولا يستحب، بخلاف الوصية للفقراء بمال.
(2) " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة " أخرجه الستة الا أبو داود.
(3) متفق عليه عن جابر.
(4) وانظر الجواب عن قول بعض الموسوسين: ان الصلاة في الجماعة رياء في الفتوى عدد 536.(2/283)
(661 ـ حضور المرأة مجالس الوعظ وخروجها لحاجتها وللغزو)
قوله: ومجالس الوعظ كذلك وأولى.
كذلك يجوز بشرطه المشار إليه (1) ويكره في حقها، ككراهة صلاتها مع الرجال.
لكن قد يرد على هذا مسالة نساء العرب، فإن من عادتهن التجوز في مسألة الخروج ومباشرة الأعمال والحوائج: منهن من تفعل كذا. ومنهن من تفعل كذا. حتى كان نساء يغزون مع الرجال يسقين الماء ويداوين؟
فيقال: هذه حاجة تجوز. ومن لم يكنّ برزات لا يخرجن، ولهذا أمر النبي بإخراج العواتق في العيدين (2) لأنه ليس من شأنهن الخروج فنص عليهن، فدل على أنه يوجد إذ ذاك من لا يخرج ولا يبرز فانتفى الإشكال.
والكلام هنا في الخروج للمسجد إرادة للطاعة، فإذا كانت تريد الطاعة فتكون بفة جواز: من ترك الطيب ونحوه. وحوائج الناس شيئ آخر، فإذا لم تكن حسناء وخرجت لحاجتها وتركت ما يسبب الفتنة فهذا جائز. (تقرير)
(662 ـ والمسافرون لا يؤمون في مسجده إلا بإذنه)
قوله: وإن بعد محله (3) أو لم يظن حضوره أو ظن ولا يكره ذلك صلوا.
_________
(1) في قوله: منفردات عن رجال، ويكره لحسناء حضورها مع رجال.
(2) فعن أم عطية قالت: " أمرنا أن نخرج العواتق والحيض في العيدين يشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيض المصلى " متفق عليه.
(3) أي الامام الراتب.(2/284)
ظاهره سواء كانوا هم جماعة المسجد وهذا هو عِظم المسألة.
ويتناول المسافرين إذا أرادوا أن يقيموا جماعة في المسجد بكل أهله فهذا فيه من الأول (1) .
(663 ـ جمع بين حديثين)
س: ما الجمع بين حديث " لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه إلا بإذنه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه" (2) وبين حديث " من زار قوماً فلا يؤمهم " (3) .
جـ: يحمل على إمامتهم بغير إذنهم. أو يجمع بأن الأولى له أن يدع وإن أذن له. وبكل حال أن كلمة" بإذنه" دالة على الجواز.
والله أعلم أنه يختلف من أذن له باختلاف الأئمة الذين لهم حق التقديم، وباختلاف من أذن له بأن يكون له علم وتقوى فيستفاد منه فضيلة الصلاة المعينة، وقد يكون بالعكس المأذون له ليس عنده الصفات السابقة " ولا يجلس على تكرمته" وهو المحل المعد لجلوسه الذي هن أحسن مجلس في البيت " إلا بإذنه" فإن الحق له إن أذن جلس وإلا فلا. ... (تقرير)
(664 ـ تعاد المغرب جماعة)
قوله: إلا المغرب، لأن التطوع لا يكون بوتر.
والظاهر أن هذا التعليل غير ظاهر. وأيضاً عموم الأدلة تتناول
_________
(1) وهو عدم الجواز وانظر مراعاة الإمام حال الجماعة، وانالمؤذن لا يقيم إلا بإذنه، وينبغي له الاذن لهم إذا تأخر عن عادته، ويعين أمثلهم يصلي بالجماعة (في رسالة في الاذان برقم 266 في 18/5/78هـ) وتحديد ما بين الاذان والاقامة هناك.
(2) رواه مسلم.
(3) " إذا زار أحدكم قوماً فلا يصلين بهم " أخرجه أصحاب السنن عن مالك بن الحويرث.(2/285)
المغرب كغيرها ولا فرق. وأيضاً ذهب إليه من ذهب من الصحابة آخرون (1) وفيه أثر أو حديث يدل على إعادتها فالراجح أنها تعاد كركعتي المغرب بعد المغرب فإنها لا تزيل الوترية (تقرير)
(665 ـ مكة والمدينة كغيرهما في اعادة الجماعة)
من محمد بن ابراهيم إلى المكرم صالح بن مقبل البجل سلمه الله
_________
(1) وذكر ابن تيمية رحمه الله الاقوال في المسألة جـ23 ص261 وابن قدامة في المغني.(2/286)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك المتضمن الاستفتاء عن ست مسائل، وقد جرى تأملها والجواب عليها بما يلي:
"أما المسألة الأول": وهي حكم إعادة الجماعة.
فالجواب أن ذلك غير مكروه، كما صرح به الفقهاء رحمهم الله بقولهم: ولا كره إعادة الجماعة لمن فاتته صلاة الجماعة مع الإمام السابق إلا في مسجدي مكة والمدينة لأنه أرغب في توفير الجماعة، ولئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مع الإمام الراتب، وقيل: أن مسجدي مكة والمدينة كغيرهما من المساجد وهو أظهر.
(ص ـ ف ـ 1428 في 22/11/1381هـ) (1) .
(666 ـ المبادرة بتحية المسجد إذا لم يشرع في الإقامة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة الأخ المكرم عبد المحسن بن ابراهيم العقيلي ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك المؤرخ 23/2/83هـ الذي تستفتي به عن المسألتين الآتيتين:
"المسألة الأول" رجل دخل المسجد بعد أذان المغرب فشرع في صلاة تحية المسجد ثم أقيمت الصلاة قبل فراغه منها.. الخ.
والجواب: ما فعله هذا الرجل من مبادرته بتحية المسجد هو السنة إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " وحديث " بين كل أذانين صلاة" ومن أنكر عليه في مثل هذه الحالة فهو مخطئ (2)
(ص ـ ف ـ 777 ـ 1 في 23/4/1383هـ)
(667 ـ س: اذا أقيمت الصلاة وهو في نافلة)
جـ: فيه عن أحمد ثلاثة روايات الأولى يقطعها ولا يظهر لي أنه يقطع الصلاة وهو ما درى.
مايظهر لي أن هنا شيئاً صريحاً عن الرسول أنه يقطعها. ... (تقرير عام 1364هـ)
(668 ـ لا تدرك الجماعة إلا بادراك ركعة. وإذا جاء اثنان فأكثر والامام في التشهد الأخير فلا يدخلان)
قوله: ومن كبر قبل سلام إمامه لحق الجماعة.
عند أصحاب أنها تدرك بتكبيرة الإحرام قبل سلامه، يستدلون على هذا بحديث " فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" (3) مقصودهم أن ما أدركتم بتناول أي جزء فيكون قد أدرك الجماعة.
والقول الآخر أنها لا تدرك إلا بإدراك ركعة كالجمعة وإدراك
_________
(1) المسألة الثانية " حكم قراءة المأموم خلف امامه "الثالثة" و"الرابعة" في معنى (وانزل لكم..) "الخامسة" في حكم السجود في سجدة (ص) " السادسة" في حكم لعن الرجل نفسه في الصلاة.
(2) الثانية في حكم مثي الرجل إلى فرجة.
(3) متفق عليه.(2/287)
الوقت واختيار الشيخ وإمام الدعوة أنها لا تدرك إلا بركعة فإن " ما أدركتم" يحتمل أن يكون ركعة أو دونها، والاحتياط أن يكون ركعة.
وحينئذ على أصل الشيخ إذا جاء أُناس: إثنان فأكثر والجماعة في التشهد فلا يدخلون معهم يكونون جماعة مستقلة فيؤمهم واحد منهم. وإن علموا مسجداً آخر يدركون فيه ركعة فيقصدون إليه. فإذا فاته ركعات وهناك جماعة يدرك جميعها معهم فهو خير من أن يصلي مع جماعة لا يدرك إلا بعضها. (تقرير)
(669 ـ اذا وجد الامام راكعاً فكبر في انحناء)
وأما ما سألت عنه مشافهة عن إتيان المسبوق إذا أدرك إمامه في الركوع بتكبيرة الإحرام في انحنائه.
فاعلم أن تكبيرة الإحرام لا تصح في الفريضة من القادر على القيام إلا أن يأتي بها كاملة وهو واقف، وإن أتى في مبادئ انحنائه يجب أن يتمها قبل وصوله إلا أدنى الركوع صحت منه أيضاً.
وأدنى الركوع هو الإنحناء بمقدار ما تمس أطراف أصابع يديه أعلى ركبتيه حين المبالغة في مد يديه. لكن لا ينبغي منه أن يأتي بها إلا وهو كامل الإنتصاب قائماً. والله يحفظكم.
حرر في 1/4/1376هـ
(ص ـ ف ـ 206 في 2/4/1376هـ)
(670 ـ سقوط القراءة عن المأموم)
قوله: ولا قراءة على مأموم الخ.
يحتمل الإمام عنه القراءة في قول جماهير أهل العلم: مذهب(2/288)
مالك وأبي حنيفة واختيار الشيخ وله في ذلك رسالة أو أكثر (1) . ... (تقرير)
قوله لحديث: " من كان له إمام فقرأته له قراءةٌ " رواه أحمد.
هذا الحديث مشهور ضعفه لكنه مجبور بأشياء عديدة دلت على هذا الشيء: منها قوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} (2) ومنها قول الإمام أحمد: أجمعوا على أنها في الصلاة ولقصة أبي بكر (3) صحت منه الركعة وهو لم يقرأ الفاتحة ولا سمع قراءتها.
إن قيل: هذا للعذر. قيل: العذر لا يسقط الأركان، لكن إنما سقطت عنه لأجل أنه ارتبط بالإمام فصحت صلاة الإمام لأجل قراءة الفاتحة، والمأموم اكتفى بقراءة إمامه فهي مقروءة في حقه لكن لا من نفسه بل من إمامه.
ثم أيضاً قوله عز وجل: {قد أُجيبت دعوتكما} (4) من المعلوم أن هارون ما دعى، الداعي موسى، فكذلك الإمام، والمأموم سامع في الجهرية، وغير الجهرية تتبع ذلك، وكذلك ما علم من النهي عن القراءة"وإذا قرأ فأنصتوا" (5) وقوله: " ما لي أنازع القرآن "
_________
(1) انظر مجموع فتاويه جـ37 ص76، 77.
(2) سورة الاعراف: آية 204.
(3) انه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: زادك الله حرصاً ولا تعد " أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي.
(4) سورة يونس آية 89.
(5) أخرجه مسلم عن أبي موسى.(2/289)
ومن المعلوم أنه لم يرد سكتة تسع الفاتحة، والمدعى ذلك مدع شيئاً لابرهان عليه، فأين محل الفرضية. وحينئذ فقول الجماهير أنه يقرأ في حال إسرار إمامه وخروجاً من خلاف الشافعي والبخاري وغيرهما.
وأيضاً قد تقرر أن القيام ركن مراد للقراءة، والركن من القراءة هو الفاتحة. فيقرأ في الثالثة والرابعة، فالراجح سقوطها عن المأموم لكن يتأكد خروجه من الخلاف إذا أمكنه في السكتات. _ (تقرير)
(671 ـ فتوى في الموضوع)
وأما " المسألة الثانية " وهي حكم قراءة المأموم خلف إمامه فالذي نص عليه الفقهاء أنه يشرع للمأموم أن يقرأ في الصلاة السرية، وأما الجهرية فيقرأ المأموم فيها حال سكوت الإمام وإذا لم يسمعه لبعد لا لطرش. وبعضهم قال بوجود قراءة الفاتحة مطلقاً، لحديث: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" (1) والجمهور على سقوط فرضيتها عن المأموم مطلقاً.
(ص ـ ف ـ 1428 في 22/11/1381هـ)
(672 ـ قوله: وما أدركه المسبوق مع الامام فهو آخرها. الخ..)
الراجح في المسألة أن الذي يدرك من صلاته هو أولها وما يقضيه هو آخرها القول بهذا هو الذي لا يرد عليه شيء بخلاف القول الآخر فإنه يرد عليه الجلوس الأول، فإن اضطر إلى أن يقول بالقول الثاني فلا نتيجة للخوف حينئذ على الأفعال. (تقرير)
_________
(1) أخرجه الستة إلا مالكاً، عن عبادة بن الصامت مرفوعاً.(2/290)
(673 ـ هل يتم المسبوق التشهد الأخير)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم الأستاذ محمد علي أبو الغيث مدير مدرسة حقل (الموقر)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل إلي خطابكم المؤرخ 24/7/1376هـ المتضمن سؤالكم عما يترتب على الجلوس الأول على المصلي في التشهد إذا كان مأموماً. الخ؟ .
وسؤالكم أيضاً عن تفسير الآية ـ قوله تعالى (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) .
والجواب: الحمد لله الظاهر أن سؤالكم: هل يتم المسبوق التشهد الأخير خلف إمامه أم يقتصر على التشهد الأول؟
وفقهاؤنا ـ رحمهم الله تعالى ـ قالوا: يقتصر على التشهد الأول ويكرره حتى يسلم الإمام، ثم ينهض ليأتي بما سبق به. (ص ـ ف ـ 613 في 18/8/1376هـ) (1)
(674 ـ تخلف عن امامه بثلاث أركان)
(المسألة الثانية) : عن مأموم تخلف عن إمامه فسجد الإمام وجلس بين السجدتين وسجد السجدة الثانية فلحقه المأموم في السجدة الثانية فلما قام الإمام للركعة الثانية جلس المأموم بين السجدتين وسجد السجدة الأخرى ثم قام فلحق إمام قائماً.
والجواب: ما كان ينبغي له أن يتخلف عن إمامه، بل المشروع أن يتابعه من غير سبق ولا تخلف والمنصوص عليه في مثل هذا
_________
(1) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من صلاة جهر فيها فقال هل قرأ معي أحد منكم آنفاً قال رجل نعم فقال - صلى الله عليه وسلم - أنا أقول مالي أنازع القرآن فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر فيه حين سمعوا ذلك" أخرجه مالك وأصحاب السنن.(2/291)
أنه إن كان تخلف لغير عذر بطلت صلاته إذا كان عالماً متعمداً، فإن كان جاهلاً أو ناسياً أو لعذر من نعاس ونحوه وأمكنه الاتيان بما تخلف عنه ومتابعة إمامه، ويأتي بركعة بدل التي لغت بعد سلام إمامه. والله أعلم. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 3190 ـ1 في 16/11/1388هـ)
ج ـ: الغالب على أكثرهم بطلان صلاته، إلا أن الذي يفعل هذا جهال في الغالب، فإنه ترك ركن إنما يتركونه تكاسلاً عن الصلاة فيما يتبقى فينبغي من يفعله (1) (تقرير)
(فصل في أحكام الإمامة)
(676 ـ الصلاة خلف الفاضل) (2)
كل من كان أعلم بصلاته فالصلاة خلفه أفضل من الصلاة خلف من دونه ... (تقرير)
_________
(1) وفي " الدرر السنية جزء ـ 3ص195: سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين عمن يجلس خلف امامه بقدر الفاتحة. فأجاب: من جلس في أول قيام امامه في الركعة الثانية أو الرابعة إلى قريب فراغ امامه من الفاتحة ونحوه. فالذي أرى بطلان صلاته والله أعلم.
(2) وتقدمت فتوى في " باب الأذان" برقم 647 في 15/4/78هـ وفيها ان الامامة يعتمد لها الامانة والديانة والفقه باحكامها وأنه لا مانع من الجمع بين الوظائف الدينية الأخرى، وكيف توزع بينهم رواتبهم.(2/292)
(677 ـ صلاة الفاضل خلف المفضول)
"السؤال السادس": هل يجوز للأفقه الأجود قراءة أن يصلي خلف من لا يحسن ذلك؟ .
الجواب: الحمد لله، يجوز ذلك، مع أن الأقرأ، ثم الأفقه أولى بالإمامة من ضدهما، إلا إذا كان إمام الحي ـ أي الإمام الراتب ـ فإنه يقدم ولو كان في المأمومين من هو أقرأ أو أفقه منه. وأما إذا كان الإمام أُمياً وهو من لا يحسن الفاتحة أو يدغم فيها مالا يدغم أو يلحن لحناً لا يحيل المعنى أو يبدل حرفاً فهذا لا تصح إمامته إلا بمثله، فإن قدر على إصلاح ذلك ولم يفعل لم تصح صلاته. والسلام عليكم.
(ص ـ ف ـ 22 في 7/1/1378هـ)
(678 ـ الصلاة خلف الفاسق إذا ابتلي به الناس هل تصح، لا يجوز تقديمه وترتيبه)
الفاسق من جاهر بالمعاصي.
أما صحة الصلاة خلفه ففيها الخلاف المشهور، قيل: إنه كالكافر لا تصح خلفه، وقيل تصح والراجح عند العلماء والأدلة أنها تصح، لكنها ناقصة بكل حال، فينبغي العدول عنه إذا كانت صلاة فيها تعدد أو الجمعة إذا كان فيها تعدد، وغلا صلى خلفه ولو مع فسقه، لأن الأمر دائر بين فعلها خلف فاسق وترك الجماعة وترك الجماعة فيه الوعيد الشديد، فصلاة ناقصة ساقط بها الفرض خير من صلاة لا تصح بحال.
لكن كونه يقدم، أولا؟ هذا معلوم في النصوص أنه لا يقدم، بل يجب عزله ولا كرامة، ويحرم ابتداء ترتيبه. (تقرير)(2/293)
(679 ـ الصلاة خلف حالق اللحية)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم صالح بن حسين عطيه ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل إلينا كتاب المؤرخ 26/11/1382هـ المتضمن الإستفتاء عن خمس مسائل الآتية، وقد جرى تأملها والجواب عليها بما يلي: ـ
" المسألة الأولى" حكم الصلاة خلف حالق لحيته وشارب الدخان.
والجواب: لا ريب في تحريم شرب الدخان الخبيث. وكذا حلق اللحية ومثل هذا لا يجوز أن يولى الإمامة لأنه فاسق، والفاسق ليس أهلاً للإمامة. لكن الصلاة خلفه صحيحة مجزئة من صلاها إذا ابتلى به الناس على ما فيها من النقص، فإن الصحابة ثبت أنهم صلوا خلف الفاسق ولم يكونوا يعيدون الصلاة التي صلوها ولا يأمرون غيرهم بإعادتها.
(ص ـ ف ـ 2265 ـ 1 في 13/11/1383هـ)
(680 ـ امامة شارب الدخان وبمثله)
من محمد بن ابراهيم إلى المكرم مطلق بن ناشي العتيبي ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن إمامة شارب الدخان إلى آخره.
والجواب: الدخان خبيث محرم، والذي يجاهر بشربه فاسق(2/294)
لا يصلح للإمامة. ولا ينبغي أن يولى الإمامة في الصلاة إلا بمثله كما لوكانوا كلهم يشربون الدخان ـ والعياذ بالله ـ فيصلي بهم أقرؤهم للضرورة، لعدم وجود من ليس كذلك. إلا إذا كان الذي لا يشرب الدخان أُمياً بمرة لا يحسن قراءة الفاتحة وأذكار الصلاة ووجد من يحسن ذلك ممن يشربون الدخان، فحينئذ يصلي بهم هذا للضرورة لعدم وجود من يحسن الفاتحة وغيرها من أذكر الصلاة والله أعلم.
(ص ـ ف 3659 ـ 1 في 3/12/1386هـ)
(681 ـ المتهم ببيع وشراء الدخان)
من محمد بن ابراهيم إلى معالي وزير الحج والأوقاف بالنيابة ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فنبعث لكم المعاملة المتعلقة بفصل إمام جامع فرسان هادي بن حسن عثمان حيث أن المذكور أكثر تظلمه وتشكيه من فصله ونفى أن يكون لما قيل عنه في تبرير فصله صحة وبراءة للذمة فقد انتدبنا فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع عضو دار الإفتاء إلى فرسان للتحقيق عن صحة ما قيل عنه بأنه غير لائق للإمامة لسوء قراءته ولعجزه عن خطبة الجمعة ولأنه ذو بدع فذهب فضيلته إلى هناك وحقق فيما قيل عن هذا ورفع لنا تقريره المرفق بالمعاملة. ومنه يتضح أن المذكور هادي محق في تظلمه وأن فصله في غير محله، إلا أن اتهامه ببيع وشراء الدخان بحاله. وحيث أنه لم يثبت عليه شيء(2/295)
من ذلك وإنما هو متهم فقد جرى منا إحضاره لدينا ونصحه وتوجيهه وإخطاره بفصله إن ثبت في المستقبل ما يقوي هذا الاتهام. وعليه فتعين إعادته إلى إمامة المسجد المذكور حيث أن فصله كان في غير محله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 363 في 11/1/1389هـ)
(682 ـ من عمله اعطاء فسوح ورخص بالتعامل به)
من محمد بن ابراهيم إلى المكرم عبد الله بن مشبب الرجاع ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصلنا خطابك وفهمنا ما تضمنه من أنك موظف في مالية الدمام، وأن من عملك إعطاء فسوح ورخص بالتعامل بالدخان بيعاً وشراءاً واستيراداً، وأنك إمام مسجد جامع حي البادية بالدمام وتسأل عن إمامتك والحال أن عملك ما وصفت.
والحقيقة أن رضاك بهذا العمل والحال أنك من منسوبي أهل الخير والصلاح مستغرب، والذي ننصحك به التخلي عن هذا العمل والبحث بعد ذلك عن غيره، فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، فأبواب الرزق ليست محصورة في مثل عملك، فإن أصررت على البقاء فيه فيلزمك الابتعاد عن الإمامة في المسجد لأن وظيفتها تتنافى تمام التنافي مع عملك. هذا ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والسلام.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 1171 في 25/6/1389هـ) .(2/296)
(683 ـ امامة الزيدي بالسني)
من محمد بن ابراهيم إلى حضرة المكرم رئيس ديوان جلالة الملك ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصلتنا المعاملة المحالة إلينا منكم برقم 4/7/2377 وتاريخ 9/6/1377هـ وفهمنا ما ذكرتموه من أن تعيين الشيخ عبد الله بن موسى الحازمي في قاء بني مالك قد تم بناء على ما تحقق لدى رئيس محكمة جيزان من عدم اعتناقه لمذهب الزيدية. وأنه يدين بمذهب أهل السنة والجماعة. بموجب خطابه رقم 360 وتاريخ 22/1/1376هـ المرفوع منه لرئاسة القاة. وصدور موافقة جلالة الملك حفظه الله على ذلك. ونحن قد تحققنا من مصدر وثيق أنه زيدي المعتقد. لكن حيث بني الأمر بتوظيفه على ما أصدره رئيس محكمة جيزان فعسى أن يكون ذلك منه حقيقة والله يحفظكم في 16/6/1377هـ)
(684 ـ.. بناء مسجد للشيعة)
من محمد بن ابراهيم إلى فضيلة رئيس محاكم الأحساء ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد جرى الاطلاع على خطابكم رقم 4136 وتاريخ 2/11/1388هـ ومشفوعاته بخصوص طلب علي محمد صالح الإذن له في بناء مسجد في قرية الخليلة لأبناء الشيعة. وحيث أنه ينبغي أن يكون جوابنا لكم مبنياً على ما يسنده فاعتمدوا البحث(2/297)
والتحري عن كيفية الأعمال التعبدية في مساجدهم من قراءة وصلاة وحلق ذكر ونحوها، وإفادتنا بذلك والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف 1150 في 22/6/1389هـ)
(685 ـ امامة الاشاعرة بالسنين)
"الثانية" طلب منا أُناس من الجماعة (أهل نجد) نصب إمام لهم من الجنسية، ولكن قام أهل بيت الأحساء معهم حجة وقفية المسجد، وشراء أوقافه لجدهم. وموقع عليها قاضي من نحومائتي سنة، ومحبس عليهم وعلى ذراريهم، وذاكر الواقف أنه ليس للقضاة ولا للولاة فيه عزل ولا نصب، ومن بدل أو غير فالله حسيبه وولي الانتقام منه، وفي ذرية الواقف من يصلح للإمامة، ولكن أقل أحوالهم أشاعرة إلى آخره.
الجواب: لا يجوز تقديم مبتدع إماماً في الصلاة وإن كان نص الواقف وشرطه كما ذكرت، فإن " قاء الله أحق وشرط الله أوثق" (1) وغير خاف عليك حكم إمامة الفاسق فكيف بالمبتدع (1355هـ)
(من أسئلة فضيلة الشيخ عبد الله بن دهيش لسماحته)
(686 ـ امامة من يقول: خذوه ياجن)
وأما " المسألة الثالثة ": وهي قولكم: ما حكم الصلاة خلف من يستعمل هذه الألفاظ (2) وما حكم ذبيحته؟
فالجواب: أن ذبيحته حلال مالم يعتقد معنى هذه الكلمات.
_________
(1) وهذ انص حديث بربرة.
(2) وهي كما تقدم في السؤال: خذوه يا جن، وكمن يرد على من يدعوه بقوله: جني ونحوه.(2/298)
وأما الصلاة خلفه فلا ينبغي للإنسان أن يصلي خلفه وهو يجد من هو خير منه، مع صحة الصلاة خلفه على الصحيح ما دامت صلاته في نفسه صحيحة.
(ص ـ ف ـ 1029 في 1/7/1380هـ)
(687 ـ امامة من لا يستطيع السجود على رجله)
من محمد بن ابراهيم إلى المكرم ثاني ال....
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد بلغنا ما حصل لكم من مشقة في الإمامة وعلمنا أنه يحصل في إمامتكم نقص حيث أنك لا تستطيع السجود على رجلك المصابة بل تمدها أمامك، وهذا فيه نقص في الإمامة كبير. وأنت لا يخفى عليك مثل هذا. قال في " حاشية الروض المربع " جـ1 ص250 قوله: ولا عاجز عن ركوع أو سجود. الظاهر أن الذي يمد رجله عند سجوده أولا يقدر على السجود على شيء من الأعضاء السبعة لا تصح إمامته إلا بمثله. إلا إمام الحي المرجو زوال علته.
وحيث لا ضرورة هناك تدعو لبقائك إماماً فقد رأينا إعفاءك من إمامة المسجد. فاعتمدوا ذلك والسلام.
(ص ـ ف ـ 890 في 19/7/1381هـ)
(688 ـ الائتمام بمن يخرج منه دود)
وجواب " المسألة الرابعة ": خروج الدود من الدبر حكمه حكم سلس البول، ولا يقتدى به إلا من هو مثله. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(ص ـ ف ـ 611 في 18/8/1376هـ) .(2/299)
(689 ـ اذا كان ينطق بالضاد ظاء)
من محمد بن إبراهيم إلى الأستاذ اسحاق أحمد الباكستاني سلهتي ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك الذي ذكرت من أن جماعة من الأعاجم غيروا حرفاً من القرآن الكريم بحرف آخر. فينطقون بحرف الضاد ظاء مثالة، وتستفتي: هل تصح قراءتهم أم لا؟
والجواب: الحمد لله، لقد امتن الله على عباده بتعليم البيان، وأنزل كتابه بلسان عربي مبين، فيتعين على من قرأه أن يقيم حروفه ما استطاع، مراعياً بذلك قواعد التجويد التي قررها العلماء رحمهم الله. ولا يجوز أن يبدل حرفاً بحرف أو يدغم حرفاً بحرف غير ما ورد إدغامه (1) .
أما هؤلاء الأعاجم الذين ذكرتم فإن كانوا لا يستطيعون النطق ببعض الحروف لأن ألسنتهم لا تساعدهم على النطق بها لعجمتهم فهم معذورون لقوله تعالى: {لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها} (2) مع أن العلماء رحمهم الله سهلوا في أمر ابدال الضاد ظاء لا سيما من يعجزه النطق بالضاد، قال في " الاقناع وشرحه ": وحكم من أبدل منها ـ أي الفاتحة ـ حرفاً بحرف لا يبدل كالألثغ الذي يجعل الراء غيناً ونحوه حكم من لحن فيها لحناً يحيل المعنى، فلا يصح أن يؤم من لا يبدله لما تقدم. إلا ضاد (المغضوب) و (الضالين) إذا أبدلها بظاء فتصح إمامته بمن لا يبدلها ظاء، لأنه لا يصير أمياً بهذا الإبدال وظاهره واو علم الفرق بينهما لفظاً ومعنى
_________
(1) ويأتي بحث في استحباب التجويد آخر الكتاب إن شاء الله.
(2) سورة البقرة. آية 286.(2/300)
كما تصح أمامته بمثله، لأن كلاً منهما ـ أي الضاد والظاء ـ من طرف اللسان ومن الأسنان، وكذلك مخرج الصوت واحد، قاله الشيخ في شرح العمة. وإن قدر على إصلاح ذلك أي ما تقدم من إدغام حرف في آخر لا يدغم فيه أو إبدال حرف بحرف غير ضاد المغضوب والضالين بظاء أو على إصلاح اللحن المحيل للمعنى لم تصح صلاته مالم يصلحه، لأنه أخرجه عن كونه قرآناً والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.
مفتي البلاد السعودية
(ص ـ ف ـ 572 ـ في 17/3/1385هـ)
(690 ـ اللحن)
اللحن الذي يحيل المعنى إذا تعمده في الفاتحة أو غيرها بطلت، وذلك أنه ليس قرآناً، فتعمد كلا ما ليس من القرآن وذلك مبطل وإن كان جهلاً أو سهواً فان كان في الفاتحة فلابد أن يعيده مُصلحاً حتى يكون قد أتى بفاتحة، فلو قال (أنعمتُ) عمداً بطلت، وسهواً يعيدها ويلزمه سجود السهو، وفي غير الفاتحة لو لم يعده ويسجد. (تقرير) .
(691 ـ القراءة الملحنة)
"القراءة الملحنة": هي قراءة القرآن بما يشبه الغناء الملحن ـ ولحن الغناء معروف ـ وهي ما يأتي منها زيادة في القرآن: كأن يزيد في الفتحة حتى تتولد الألف، أو في الضمة فتولد الواو، أو الكسرة فتولد الياء.
(تقرير حموية) .(2/301)
(692 ـ امامة من يوسوس في صلاته ويكرر الفاتحة والتشهد ويلتفت أحياناً)
السؤال: حضرة العلامة المفتي الكبير: الشيخ محمد بن إبراهيم ... حفظه الله ذخراً للإسلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بلغنا أن الشيخ يعقوب الفارسي طلب أن يكون إماماً في مسجدنا الذي نصلي وجماعتنا، ولكن الرجل موسوساً في صلاته يكرر الفاتحة والتشهد، وتارة يكبر بالجماعة ثم يلتفت عليهم ويأمرهم أن يصبروا حتى يستأنف تكبيرة الإحرام مرة أخرى والمذكور إذا جاء المسجد والإمام محرم يصلي بالجماعة لم يصل خلفه مع الجماعة بل يجلس على باب المسجد، وإذا دخل أحد قبضه وطلبه أن يصلي معه والإمام السابق لم يسلم من صلاته وتارة يتأخر منفرداً حتى يسلم إمام المسجد بالجماعة. ونحن قاصدين سماحتكم، ونسألكم حيث أنكم المرجع العام للقضاة والأئمة والمسلمين جميعاً في الدين.
ونقول: هل تصح الصلاة خلف الرجل المذكور بما ذكر فيه في صلاته، نسترحم إفادتنا بعلمكم الشريف، وفتوى سماحتكم، حفظكم الله وأيدكم ذخراً للإسلام والمسلمين في 3/7/1373هـ.
جماعة المسجد: محمد بن علي آل خاطر وجماعته.
الجواب: الحمد لله، كون الرجل المذكور يوسوس في صلاته ويكرر الفاتحة والتشهد، وأحياناً يكبر بالجماعة ثم يلتفت عليهم ويأمرهم أن يصبوا حتى يستأنف تكبيرة الإحرام مرة أخرى , مثل هذا لا ينبغي أن يوظف إماماً في الصلاة. أملاه الفقير إلى ربه(2/302)
محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ وصلى الله على محمد في 27/7/1373هـ) . (الختم)
(693 ـ مشاغبة بعض الجماعة لا يلتفت إليها)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير الرياض وفقه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فجواباً على خطاب سموكم المرفق رقم 1197 وتاريخ 11/1/79 حول شكاية جماعة مسجد حلة ابن نصار (1) في مشاغبتهم لامام مسجدهم.
نفيد سموكم بأن الامام المذكور فيما يظهر رجل مستقيم وصاحب ديانة وطالب علم. ولا نرى أن يلتفت لكلامهم فيه، بل ينبغي زجرهم، وأخذ التعهد عليهم بعدم معارضة الامام المذكور، وأنهم إن عادوا للمشاغبة مرة ثانية فسوف يقام عليهم ويؤدبون جزاء مشاغبتهم. هذا والله يحفظكم.
(ص ـ ف ـ 246 في 17/2/13179هـ)
() 694 ـ واذا اتهموه ولم يثبتوا)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض ... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
بناء على خطابنا الموجه إليكم رقم 284 ـ 1 في 10/2/1384هـ حول شكوى بعض أهالي وشيقر ضد إمام الجامع إبراهيم بن إسماعيل
_________
(1) وذكر أسماؤهم هنا مما لاحاجة إليه.(2/303)
والمتضمن اقتراحنا بعث مندوب من رئاسة القضاة ومندوب من وزارة الحج والأوقاف للتحقيق في قضية المشار إليهم وموافقة سموكم على ذلك. لذا فقد أمرنا على مفتش المحاكم الشيخ عبد الله بن عمر آل الشيخ بالاشتراك مع مندوب من وزارة الحج والأوقاف بالشخوص إلى بلد وشيقر للغرض نفسه، وقد قاما بالتحقيق اللازم مع المشتكين وإمام الجامع إبراهيم بن إسماعيل، وبعد انتهائهما رفعا إلينا قرارهما المتخذ بهذا الشأن.
وبدراسة هذا القرار تبين لنا أن إمام الجامع لم يثبت عليه شيء مما اتهم به من قبل منازعيه، وأن القائمين ضده لم تكن لديهم بينات ثابتة شرعاً يدان بها الإمام المذكور، وإنما هي مجرد تغرضات شخصية يقصد من ورائها إزاحة هذا الامام عن منصبه وإحلالا غيره محله، كما اتضح لنا أيضاً من القرار بأن الأكثر من أعيان البلد ووجهائها مصرون على بقاء الإمام ومطمئنون من إمامته ولا يرغبون أن يؤمهم سواه، كما أن الفتنة الأخيرة التي وقعت بين الأهالي لم يكن لإمام الجامع فيها أي سبب.
هذا ولتأييد ما جاء في قرار الهيئة فإننا نأمل من سموكم ردع هؤلاء المشاغبين لهذا الإمام وأخذ التعهد اللازم عليهم بعدم التعرض له في المستقبل، لأن في ذلك مصلحة عامة، إذ لو سمع مثل هذا الشيئ في أئمة المساجد لكثر النزاع وولج إليه من أوسع أبوابه، ولكن الأولى عدم الالتفات لشيء من ذلك. هذا ونسأل الله أن يوفق الجميع إلى ما فيه الخير والمصلحة. والله يحفظكم.
رئيس القضاة (ص ت ق ـ 1396 ـ 3 خ في 18/6/84) .(2/304)
(695 ـ قصور الامام في العلم ليس مسوغاً لغزله، ولا تغرض بعض المأمومين)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير الرياض الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فبالاشارة إلى خطابكم رقم 452 وتاريخ 4/4/1375هـ بخصوص مطوع أهل السلمية.
أُفيدكم أن الثابت لدي أنه لا مطعن فيه، وأن ما نسبوه إليه غير صحيح، وإنما حملهم الهوى والتغرض لقيامه على سفهاء منهم من قبل الصلاة.
وأما قصوره في العلم فليس بعذر للقائمين عليه هذا القيام الشديد وهذا التعصب، لأن السلمية قرية، وأكثر أئمة القرى التي من جنس السلمية أو عامتهم كمثله قاصرون في العلم. نعم طلب أهل السلمية من ولي أمرهم طالب علم يكون أنفع فهذا لا يستنكر ولا يستغرب، ولكن يلزمهم إذا لم يتيسر في الوقت الحاضر وجود مطلوبهم أن يصبروا، وأن يعاملوه معاملة المسلم لأخيه المسلم، بل معاملة الجماعة لإمامهم، ومعاملة التعاون معه على البر والتقوى حسب الطاقة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(ص ـ ف ـ 172 في 6/4/1375هـ)
(696 ـ حكم صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح، والمغرب خلف من يصلي العشاء)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم أحمد بن علي أفندي غامدي محكمة الباحة ... المحترم(2/305)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقدوصل إلينا كتابك المؤرخ 29/11/1381هـ المتضمن الاستفتاء عن المسائل الآتية وقد جرى تأملها والجواب عليها بما يلي:
"المسألة الأولى" في حكم ائتمام المفترض بالمتنفل كصلاة العشاء خلف من يصلي التراويح.
والجواب: الحمد لله، هذه المسألة فيها خلاف في مذهب الإمام أحمد رحمه الله. فالمشهور من المذهب عدم الجواز، اختاره جملة من الأصحاب، وهو قول الزهري ومالك وأصحاب الرأي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه" متفق عليه.
وفيه رواية أخرى عن الإمام أحمد أنها تصح. اختارها الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وهو قول عطاء والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وابن المنذر، ويستدل لهذا بحديث معاذ " أنه كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يرجع فيصلي بقومه تلك الصلاة" متفق عليه. وهذا هو الراجح عندنا بمعنى أننا لانأمره بالإعادة، ولكن الخروج من الخلاف أولى وأحوط.
وأما " المسألة الثانية " وهي حكم رجل وجد الجماعة يصلون العشاء فدخل معهم ونوى صلاة المغرب هل تصح صلاته؟ .
والجواب: أن هذه المسألة كالتي قبلها خلافاً ومذهباً وقد عرفت الراجح آنفاً.
(ص ـ ف ـ 1334 ـ 1 في 9/7/1383هـ) (1)
_________
(1) المسألة الثالثة والرابعة تقدمتا في شروط الصلاة.(2/306)
(فصل في موقف المأمومين والإمام)
(697 ـ صلاة الفذ بلا عذر أو معه)
وأما المسألة الرابعة ": وهي حكم صلاة الفذ:
الجواب: المشهور أن صلاة الرجل فذاً خلف الصف أو خلف الإمام لا تصح إن صلى ركعة فأكثر، لقوله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة لفرد خلف الصف " رواه الإمام أحمد وابن ماجه، وفي حديث آخر: " أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة " رواه الإمام أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وإسناده ثقات.
إلا أن يكون الفذ امرأة منفردة وحدها فتصح صلاتها، لحديث أنس أن جدته مليكة دعت النبي صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل، ثم قال: " قوموا لا صلى لكم فقمت إلى حصير قد اسوَدّ من طُول ما لُبس فنضحته بماء فقام عليه صلى الله عليه وسلم وقمت أنا واليتيم وراءه وقامت العجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين ثم انصرف " رواه الجماعة إلا ابن ماجه.
واستدل المحققون بهذا الحديث أن الرجل المعذور الذي لم يجد له محلاً في الصف يقف فيه ولم يحصل له بعد أن نبه أحد المأمومين بجذب أو غيره أن يتأخر من أجله ليصف معه ولم يتمكن أن يقف عن يمين الإمام أن صلاته فذاً صحيحة للحاجة، لأنه اتقى الله ما استطاع واختاره الشيخ تقي الدين وغيره، وهو الصواب إن شاء الله.
وإن ركع الرجل فذاً لعذر بأن خشي فوات الركعة ثم دخل في الصف قبل سجود الإمام أو وقف معه آخر قبل سجود الإمام صحت(2/307)
صلاته قولاً واحداً، لقصة أبي بكرة حين ركع دون الصف ثم مشى حتى دخل الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "زادك الله حِرصاً ولا تَعُدْ " رواه البخاري , والله أعلم والسلام عليكم.
مفتي البلاد السعودية
(ص ـ ف 507 ـ 1 في 17/3/1385هـ)
(698 ـ صلاة الفذ أيضاً)
"السادسة" سؤالك عن رجل دخل المسجد للصلاة فوجد المصلين في الركعة الأخيرة، ووجد الصف مستكملاً وأراد جذب أحد المأمومين معه في الصف الثاني فامتنع فصلى مع الإمام وحده في الصف، ثم أكمل صلاته بد فراغ الإمام من الصلاة هل تبطل صلاته؟
والجواب: تذكر أن هذا الإنسان بذل إستطاعته في حصوله على من يقف معه في الصف.
ونفيدك أنه يلزمه بذل استطاعته في ذلك، فإذا لم يجد من يصافه فينبغي له أن يصف مع الإمام عن يمينه، فإذا لم يستطع وقد تعذر حصوله على من يقف معه في الصف وصلى وحده في الصف فصلاته صحيحة.
أما صلاة من صلى فذاً في الصف خلف الإمام بلا عذر فصلاته باطلة، لقوله صلى الله عليه وسلم فميا رواه أحمد وابن ماجه والأثرم " لا صلاة لفرد خلف الصف".
(ص ـ ف ـ 1036 ـ 1 في 8/4/1387هـ)(2/308)
(699 ـ الصلاة في السرحة المنفصلة عن المسجد)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي ضرما ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فبالإشارة إلى الاستفتاء الموجه إلينا من إمام جامع المسجد لديكم بخصوص الصلاة السرحة الجديدة في الليل طلباً للبراد، وأن بعض الجماعة شك في جواز ذلك حيث أن السرحة منفصلة عن المسجد وأن المسجد يهجر في بعض الأوقات. وتذكرون أنكم لم تلتفتوا إلى هذا الاستشكال رفقاً بالضعفاء.
ونفيدكم أنه ينبغي إفهام من وقع في نفسه شيء من الصلاة في السرحة أنه لا بأس بالصلاة فيها ولو كانت منفصلة عن المسجد، ولا يعد ذلك هجراناً للمسجد. وبالله التوفيق. والسلام عليكم.
(ص ـ ف ـ 848 ـ ... 4/1384هـ)
(700 ـ إذا سمعوا صوت الإمام بدون مكبر وبينهم وبينه حائل)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم خليل بن نعيس ... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
كتابك لنا المؤرخ في 1/11/86هـ وصل وذكرت فيه أنكم تقتدون بصوت إمام مسجد سجن الملز في صلاة الجمعة وأن بينكم وبينه ومن معه حائلاً، وتسأل عن حكم هذا الاقتداء.
والجواب: إذا كان الصوت الذي تسمعونه هو صوت الإمام بدون مكبر فلا مانع من الاقتداء، وإذا كان بمكبر فلا يجوز والسلام عليكم. ... مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 993 ـ 1 في 3/4/1387هـ)(2/309)
(701 ـ شروط بناء مسجد جديد بجوار قديم)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي الزلفى ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فبالإطلاع على الأوراق الواردة منكم المتعلقة بطلب أهالي السليمة من ميلح الإذن لهم بالصلاة في المسجد الجديد المراد عمارته.
وإذا لم يكن لهم منازع في طلبهم المذكور، ولم يتضرر المسجد القديم بانفصالهم عنه فلا مانع من إقامتهم الصلاة في المكان المذكور والسلام عليكم.
(ص / ف / 2256 في 23/11/82هـ)
(فصل في الاعذار المسقطة للجمعة والجماعة)
(702 ـ أكل الثوم والبصل والكراث، والفجل ومن فيه قروح يتأذى بها)
البقولات التي يكون فيها بعض الرائحة غير الطيبة كالكراث والبصل والثوم لا يمنع من أكلها سواء للشهوة أو للتداوي، فإنها من الطيبات لا من الخبائث. لكن من أكلها فلا يأتي المسجد، ولا يتحيل بأكلها على ترك الجماعة والجمعة. ثم إذا أمكن إزالة الرائحة بشيء فهو أولى.
ثم نعرف أن جميع من فيه ما يؤذي الناس يجتنب المسجد ولا يأتيه كمن فيه قروح يتأذى منها الناس، وتكون له عذراً مسوغاً عدم الحضور.
ثم الأعذار منها ما لو حضر كان أفضل، ومنها ما لو حضر كان ممنوعاً كأكل الكراث ونحوه. (تقرير)
س: الفجل يؤذي عند التجشي؟
جـ: يضم فمه قليلاً كالمتجشي. ... (تقرير العمدة)(2/310)
(703 ـ المصاب بالسلس هل يعذر بترك الجماعة)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم حمود بن عبد العزيز البازعي ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد جرى اطلاعنا على استفتائك الموجه إلينا منك بخصوص ذكرك أنك مصاب بسلس في البول والغائط. وتسأل هل تعذر في ترك صلاة الجماعة في المسجد؟
ونفيدك أنه إذا أمكنك التحفظ من تلويث المسجد فيتعين عليك الصلاة جماعة في المسجد. أما إذا لم يمكنك ذلك فتعذر في صلاتك في بيتك والسلام عليكم.
مفتي البلاد السعودية
(ص ـ ف ـ 3101 ـ 1 في 29/10/1385هـ)
(704 ـ وجوب الجماعة على العجزة ويخرج القادر منهم للجمعة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير الرياض ... نايف بن عبد العزيز وفقه الله وأعانه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فبالإشارة إلى مذكرتكم رقم 6586 وتاريخ 28/2/74هـ المعطوفة على ما رفعته لكم مالية الرياض عطفاً على ما رفعه لها مدير " دار العجزة " عن حاجة الدار إلى إمام يصلي بمن فيها ومؤذن يؤذن لهم، وأمركم بإجراء ما يلزم.
أرفع لسموكم ـ وفقكم الله ـ أننا قد عينا للمذكورين إماماً(2/311)
يصلي بهم ويعظهم ويرشدهم وهو عبد الرحمن بن عيفان أحد طلبة العلم والتزم بذلك.
أما المؤذن فقد رفع لنا مدير الدار أن لديهم رجلاً من سكنة الدار يدعى عبد الرحمن بن منيع كفيف البصر من أهل الدرعية يصلح للأذان. فأرسلنا له من يختبر أذانه فوجدناه صالحاً، لذا عيناه مؤذناً للدار المذكورة، فنأمل إجراء ما يلزم للإمام والمؤذن.
وليلاحظ أنه إنما أذن لهم في إقامة الجماعة فقط.
أما الجمعة فلا يؤذن لهم في إقامتها بل على القادر منهم الخروج للصلاة في المساجد التي تقام فيها الجمعة، ومن لم يقدر فيصلي في الدار ظهراً. والله يرعاكم.
(ص ـ م ـ 299 في 9/3/1374هـ)
(705 ـ جنود المرور هل تلزمهم الجماعة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي ... أمير الرياض ... وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 4636 وتاريخ 11/10/1375 هـ بخصوص ما رفعه سلموكم مدير الشرطة عن جنود المرور الذين مهمتهم المحافظة على أموال الناس وأرواحهم وطلبه السماح لهم بتأدية الصلاة في مراكزهم.
أُفيدكم أن من كان في مركز هام بإخلائه إياه يخشى ضرر على الأنفس والأموال إذا أخلاه وذهب لصلاة الجماعة فإنه يسوغ له ملازمة مركزه ويسقط عنه حضور الجماعة في المسجد. وإن أمكن(2/312)
فعلها جماعة في المركز كاثنين فأكثر تعين صلاتهم جماعة والله يحفظكم.
(ص ـ ف ـ 664 في 20/0/1375هـ)
(باب صلاة أهل الاعذار)
(صلاة المريض)
(706 ـ تفريط بعض المرضى) بعض الناس إذا مرض ترك الصلاة مدة طويلة والله قد سهل عليه فالله يسهل وهو يريد أن يصعب، يأتي بالذي يستطيعه ويكون مؤدياً للفريضة، فيفعلها ولا ينتظر الأشد، ولكن الجهل يأبى عليهم. (تقرير)
(707 ـ كيفية صلاة المريض)
" المسألة الثالثة" عن كيفية صلاة المريض والمسافر والمرأة والصبي والعبد.
والجواب: أما المريض ففيه حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صل قائماً، فإن لم تسطع فقاعداً، فإن لم تستطع فمستلقياً " وحديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يصلي المريض قائماً، فإن لم يستطع صلى قاعداً فإن لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع صلى مستلقياً رجلاه مما يلي القبلة " رواه الدارقطني.(2/313)
وأما المسافر فإنه يستبيح رخص السفر، وهي أربع رخص: قصر الرباعية، والجمع بين الصلاتين، والفطر في رمضان، وزيادة المسح على الخفين إلى ثلاثة أيام بلياليها. والمرأة كالرجل في ذلك، والعبد كالحر، والصبي كالبالغ إلا في ستر العورة فهناك فروق مذكورة في كتب الفقه.
(ص ـ ف ـ 298 ـ في 12/11/1384هـ)
(708 ـ كيف يصلي من أجريت له عملية)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم سعد بن سعيد الغامدي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصلنا كتابك الذي تستفتي به عن إنسان دخل المستشفى وأُجريَ له عملية جراحية فلم يستطع أن يصلي مدة ثلاثة أيام فهل يلزمه أن يقضي صلاة ثلاثة الأيام بعدما شفي؟
والجواب: ـ الواجب عليه ألا يؤخر الصلاة عن وقتها، فيصلي على حسب حاله: إن استطاع القيام صلى قائماً، وإلا صلى جالساً، فإن لم يستطع صلى مضطحعاً ويومئ إيماءً وإن أمكنه الوضوء بلا ضرر وإلا تيمم ولا إعادة عليه، ولا يحل له تأخير الصلاة عن وقتها مادام عقله معه. والآن ما دام لم يصل تلك الصلاة فعليه قضاؤها فوراً مرتبة. والله المستعان والسلام عليكم.
مفتي البلاد السعودية
(ص ـ ف ـ 72 في 12/9/1385هـ)
(709 ـ أو يخرج منه دم عند الانتقالات)
أما " المسألة الثانية" وهي قولك إن دماً يخرج منك عندما تتعب نفسك، وأنك تخشى من حدوث هذا النزيف معك وأنت(2/314)
في ركوعك أو سجودك وتسأل هل يجوز لك الإيماء بالركوع والسجود؟
والجواب: إذا لم يسبق أن كان منك نزيف بسبب ركوع أو سجود وإنما تخشى ذلك وأنك تستطيع الركوع والسجود فلا يجوز إيماؤك بالسجود والركوع طالما أنك تقدر عليهما. فإن كان يحدث لك بالفعل إذا ركعت أو سجدت نزيف فإنه عند ذلك يجوز لك الإيماء بالركوع والسجود وصلى الله على محمد.
(ص ـ ف ـ 1903 ـ 1 في 20/9/1383هـ) (1)
(710 واذا كان إذا أطال الامام السجود يشق عليه)
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم: إذا كان السجود يشق علي إذا طال ولايكون هذا مفارقاً إمامه، فإن كان لا يقدر السجود على الأرض فيسجد قدر ما يستطيع من الأرض.
(ملحقة بالدرر 204)
(711 ـ اذا منعه الطبيب من السجود على الأرض)
(المسألة الثالثة: عن حكم السجود على الأرض في الصلاة إذا منع منه الطبيب وقرر أنه مما يزيد المرض ويكون سبباً في طول العلاج وبطئ البرء؟
_________
(1) وتأتي بقية مسائل التضرر بالصيام إن شاء الله.(2/315)
والجواب: إذا كان الطبيب ثقة غير متهم. وكان تقديره عن علم ودراية فلا مانع من الأخذ بقوله وترك السجود بقدر المدة التي يقررها (1) وحينئذ فيومئ إيماءً لحديث علي في صلاة المريض وفيه "فإن لم يستطع أن يسجد أومأ برأسه " (2) .
(فصل ـ في قصر المسافر الصلاة)
(712 ـ الذين يسافرون للخارج قصدهم التفرج.. هل يقصرون)
وأما الذين يسافرون إلى الخارج قصدهم التفرج وحضور ملاعب السينمات وغيرها من الملاهي فإن هذا سفر محرم ومعصية بمجرده لا يجوز قصر الصلاة فيه، وإذا انضم إلى ذلك حضورهم تلك المجامع التي قصدوا حضورها من مجامع السينمات وغيرها من المواضع المشتملة على المنكرات غلظت المعصية والسلام عليكم. قاله الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم آل الشيخ. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم 29/7/1377هـ. (الختم)
(713 ـ مسافة القصر)
"المسألة الرابعة": كم مسافة القصر؟
والجواب: اختلف العلماء في مقدار مسافة القصر، فالمشهور عند الجمهور أنها مسيرة يومين قاصدين بسير الأثقال ودبيب الأقدام، وهي ستة عشر فرسخاً، أربعة برد. وقال بعض المحققين
_________
(1) ويأتي قوله: وغير المسلم والفاسق يقبل قوله إذا حفت القرائن بصدقه كوجود المريض ذلك من نفسه والتجارب (انظر رسائل في هذا المعنى في أول الصيام) برقم 551 في 17/6/78 هـ 984 في 3/8/77 وغيرهما، وتقدم وجوب القيام في الطائرةونحوها في الفريضة اذا قدر.
(2) وتقدم تخريج حديث على ولفظه في كيفية صلاة المريض.(2/316)
إنه لا تحديد فيها، بل كل ما سمى سفراً عرفاً واحتاج إلى حمل الزاد والمزاد والراحلة للركوب فهو سفر تستباح به رخص السفر، وهذا هو الأصح دليلاً، لعدم ورود حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحديد ذلك.
(ص ـ ف ـ 2908 ـ 1 في 11/11/1384هـ)
قلت: وفي تقرير له على قول الأصحاب " أربعة برد" ما يلي: لابد من بلوغه عند الأصحاب أربعة برد، وللأحاديث في ذلك من قصره صلى الله عليه وسلم ما بين عسفان إلى مكة، وحديث " كان إذا سافر مسيرة يومين قصر" ولكن المعروف عند أهل الحديث أن الأحاديث التي تتعلق بالقصر ولا سيما اليومين فإنه لا يصح منها شيء تقوم به الحجة. والراجح ما تقدمت الإشارة إليه مما هومدلول إطلاق (وإذا ضربتم في الأرض) الآية (1) أنه لا يحدد بل كل ما احتاج إلى الزاد والمزاد.
(714 ـ استباحة رخص السفر مدة خمسة أيام أو عشرة)
وأما " المسألة الخامسة" وهي استباحة رخص السفر للموظف في الدورية إذا سافر لأداء عمله مدة خمسة أيام أو عشرة.
فجوابها: أن من سافر سفراً مباحاً إلى جهة معينة ساغ له أن يستبيح رخص السفر كالفطر والقصر والجمع وزيادة مدة المسح على الخفين إذا كان سفره طويلاً بحيث يكون بينه وبين البلد التي قصدها مسافة قصر.
(ص ـ ف ـ 1286 في 8/7/1379هـ)
_________
(1) انظر الجواب فيما يفسد الصوم.(2/317)
(715 ـ اذا خرج بعد صلاة الجمعة مسافة ستين كيلو وتغدى هناك ورجع المغرب)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الرحمن بن إبراهيم بن رميح ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك المؤرخ في 23/1/1382هـ المتضمن الاستفتاء عن قصر الصلاة في مثل مسافة ستين كيلو عن طريق الاسفلت، مثل أن يخرج الإنسان بسيارته بعد صلاة الجمعة يتغدى هناك ثم يرجع المغرب ويتعشى عند أهله.. الخ.
والجواب: الحمد لله الظاهر أنه لا يسوغ استباحة رخص السفر في تلك المسافة التي ذكرتها إذا كان الرجل يقطعها على السيارة في تلك المدة الوجيزة التي أشرت إليها. والسلام عليكم.
(ص ـ ف ـ 145 في 8/2/1382هـ)
(716 ـ هل يقصر اذا خرج مسافة عشرين أو ثلاثين كيلو)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم عبد الله بن محمد السعدون ... سلمه الله آمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل إلي كتابكم المؤرخ 28/5/1376هـ المتضمن السؤال: (أولاً) : عن المسافة التي تعتبر رخصة في قصر الصلاة. هل إذا خرج الإنسان مسافة عشرين أو ثلاثين كيلو متر يجوز له القصر أم لا؟ وهل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ينطبق على هذه المسافة أم لا؟(2/318)
(ثانياً) الحديث الذي أخرجه البخاري عن هشام أن الصحابة أفطروا يوم رمضان في غيم وبعد فطرهم طلعت الشمس وثبت أنها لم تغب فهل وجه عليهم القضاء أم لا؟ (1)
والجواب: ـ عن السؤال الأول ـ الحمد لله. لا تقصر الصلاة في المسافة المذكورة في السؤال، فإن مثل هذا لا يسمى سفراً.
ولا يحتاج فيه إلى حمل الزاد والمزاد لا سيما على السيارات والقول بالترخيص في القصر في هذه المسافة ونحوها لا يتمشى على أصل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ولا على أصل الجمهور.
(ص ـ ف ـ 560 في 2/8/1376هـ)
(718 ـ ومن سفره ست ساعات أو سبع)
سئل شيخنا عمن يسافر في السيارة وغالب سفره ست ساعات أو سبع ـ مثل أهل " ثادق " وأهل " البير" وأهل القصب (2) وهم يحملون الماء والزاد في الغالب احتياطاً.
فأجاب: الظاهر أن هذا سفر يبيح الفطر والقصر حتى عند الشيخ. وأما الأصحاب فواضح لأنهم يعتبرون مسيرة يومين ولا يعتبرون سرعة الراكب وعدمها. (تقرير)
_________
(1) قبل تعبيد الطريق. وهو مسافة خمسةوعشرين كيلو عن الرياض.
(2) قبل تعبيد الطريق أيضاً. ومسافتها أكثر من مائة وثلاثين كيلو بعد تعبيد الطريق، ويقطعها الراكب الآن في ساعة ونصف.(2/319)
(719 ـ والذاهب من الرياض إلى مكة)
سئل: أيقصر من ذهب من بلده الرياض إلى مكة في يوم؟
جـ: نعم. إن شاء الله تصل إلى مكة في يوم إذا عمل هذا الطريق وتقصر كما عند الشيخ. (تقرير)
(720 ـ قوله: اذا فارق عامر قريته.. الخ)
أو أراض في كل أرض مسكن. وليس شرط أن لا يراها، بل لو لم يكن بينه وبينها إلا أذرع يسيرة لكن يشترط أن يفارقها ويفارق ما يتبعها، فما دام في معمور من قصور وبساتين فإنه فيها. (تقرير)
(721 ـ هل يقصر البدوي الذي ضاعت ابله وخرج للبحث عنها)
(المسألة الثالثة" عن جواز الفطر والقصر للبدوي الذي ضاعت إبله وسافر يبحث عنها لا يقصد مكاناً معيناً ولا يعلم هل يستمر سفره إلى مسافة القصر أو يجدها دونه؟
والجواب: يجوز للمسافر استباحة رخص السفر كلها وهي الفطر والقصر والجمع وزيادة أيام المسح على الخفين، فهذه الأشياء تشرع استباحتها لكل من يسافر سفراً يصدق عليه اسم السفر ويحتاج إلى حمل الزاد والراحلة، سواء كان سيره يومين قاصدين كما هو المشهور من المذهب، أو كان دونهما على القول الآخر الذي اختاره شيخ الاسلام ابن تيمية وغيره من الأصحاب.
لكن من كان بهذه الصفة المسئول عنها فلا يستبيح رخص السفر حال ما يخرج من بلده. حتى يجاوز المسافة، فإذا جاوزها ابتدأ استباحة رخص السفر. قال في " الاقناع " وإن شك في قصر(2/320)
المسافة، أو لم يعلم قدر سفره كمن خرج في طلب آبق أو ضال ناوياً أن يعود به أين وجده لم يقصر حتى يجاوز المسافة. والله أعلم والسلام.
مفتي البلاد السعودية (ص ـ ف ـ 588 ـ 1 في 23/2/1386هـ)
(722 ـ قوله: وكذا لو سافر بعد دخول الوقت أتمها وجوباً)
عند الأصحاب، وأظنها من المفردات، إعتباراً بأصل وجوبها عليه وهو دخول الوقت، وطروء السفر لا يؤثر.
وقول الجمهور ورواية عن أحمد وقول قوي أن له الترخص، إعتباراً بحالة الفعل. والراجح في الدليل هو القول الثاني، فإن الله يقول: {وإذا ضربتم في الأرض..} الآية فهو يتناول من كان سفره قبل دخول الوقت ومن كان بعده. (تقرير)
(723 ـ المرابطون في الثغور لمدة عام ليس لهم القصر والجمع)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم رئيس الوعظ والارشاد بالحرس الوطني المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن حكم صلاة الجنود المرابطين في الثغور هل يجوز لهم قصر الصلاة والجمع أم لا؟ وذكرت أنهم مزمعون الاقامة مدة سنة كاملة حسب الأوامر المبلغة لهم، وليسوا في حالة خوف ولا شد رحل، وإنما هم مقيمون في منازلهم إلا لعارض يحدث لا سمح الله.(2/321)
والجواب: الحمد لله الأصل في صلاة المقيم الاتمام، والأصل في صلاة المسافر أن يقصر والاقامة التي تعرض للمسافر على نوعين (الأول) : الاقامة العارضة للمسافر من دون قصد مكث أيام معينة وإنما هي إقامة مرهونة بحاجته ولا يعلم متى تنقضي فإذا انقضت سافر، ففي مثل هذه الحالة يجوز له الترخص بقصر الصلاة وغيرها من رخص السفر مدة إقامته طالت أو قصرت وذلك لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: " أنه أقام في مكة عام الفتح سبعة عشر يوماً يقصر الصلاة" (1) و " أقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة" (2) وذكر العلماء أن هاتين الاقامتين منه صلى الله عليه وسلم على غير نية إقامة. ومثله ما ورد عن عبد الله بن عمر: أنه أقام بأذربيجان ستة أشهر محصوراً بالثلوج يقصر الصلاة.
(النوع الثاني) أن يقصد المسافر الاقامة أياماً معينة ليس له نية أن يسافر فيها، وهذا ينقسم إلى قسمين:
"القسم الأول" أن تكون إقامته أربعة أيام فأقل فهذا قد دل الدليل على أنه يجوز له الترخص برخص السفر من قصر وغيره، وذلك لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقصر الصلاة مدة إقامته في مكة عام حجة الوداع حين دخوله إياها في اليوم الرابع من ذي الحجة حتى خرج منها إلى منى في اليوم الثامن، ولا شك أنه كان مزمعاً الإقامة هذه المدة.
_________
(1) أخرجه البخاري واصحاب السنن، وفي بعضها تسعة عشر، وفي بعضها خمس عشرة.
(2) أخرجه أبو داود عن جابر.(2/322)
"القسم الثاني" أن تكون إقامته أكثر من أربعة أيام، فهذا قد اختلف العلماء في حكمه. فمنهم من أجاز له القصر وغيره من رخص السفر، واستدلوا بما سبق آنفاً من قصر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في مكة عام الفتح وفي تبوك، لأنه كان يقصر مدة إقامته فهي تزيد على أربعة أيام.
ومنهم من منعه مستدلاً بما تقدم من أن الأصل في صلاة المقيم الاتمام، لكن جاز القصر لمن أزمع إقامة أربعة أيام فأقل، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك في حجة الوداع، ومازاد عن أربعة الأيام إذا كان مزمعاً الاقامة فلم يقم به دليل صريح خال من معارض، وإذا حصل الاحتمال سقط الاستدلال، وحينئذ نرجع إلى الأصل وهو الاتمام.
فالذي نراه في هذه المسألة عمل الأحوط من أن مثل من ذكرتم لا يجوز لهم الترخص برخص السفر، لأنهم قد عزموا على الاقامة مدة عام كامل. والله أعلم. والسلام علم.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 928 ـ 1 في 12/4/1385هـ)
(724 ـ هل يقصر صاحب سيارة معه أهله يسافر من كل أسبوع أربعة أيام، وما هي موانع القصر)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم أحمد عمر الشتمي الزهراني سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
بالاشارة إلى كتابك الذي تسأل فيه عن خمسة أسئلة:(2/323)
(الأول) : أنت صاحب سيارة تسافر للتجارة مسافة تقرب من سبع مراحل من الحجرة إلى مكة من كل أسبوع أربعة أيام فهل يجوز القصر؟
والجواب: إن كنت تحمل أهلك معك أو لا أهل لك لزمك الاتمام، لأن سفرك هذا غير منقطع. وإن كان لك أهل ولا تحملهم معك فالسنة في حقك القصر لعموم أدلته.
(الثاني) : ما هي أنواع السفر الذي تقصر فيه الصلاة؟
والجواب: يشرع قصر الصلاة في كل سفر، إلا السفر المحرم كسفر قطاع الطريق ومن يتجرون في أمور محرمة.
(الثالث) ما هي موانع القصر؟
والجواب: هي:
1) الشك في قدر المسافة.
2) عدم قصد جهة معينة
3) السفر من أجل الترخص برخص السفر.
4) كون المسافة أقل من مسافة القصر.
5) الشك في قدر المسافة المعلومة لهذا المسافر هي مسافة قصر أو أقل أو أكثر.
6) إئتمام المسافر بمقيم أو بمن يشك في إقامته.
7) وجوب الصلاة في الحضر ثم يسافر قبل فعلها أو تجب في السفر ولا يفعلها إلا بعد الإقامة.
8) عدم نية القصر، أو الشك فيها هل نوى القصر، أو لا.
9) نية الإقامة لأكثر من أربعة أيام.(2/324)
10) كون سفره لا ينقطع وهو لا أهل له ولا مسكن، أو له أهل وهم معه.
(الرابع) ما هي حدود السفر الذي تقصر فيه الصلاة؟
والجواب: لا نعلم دليلاً يدل على مسافة معينة لقصر الصلاة، ومالم يرد له تحديد في الشرع فيرجع في تحديده إلى العرف، فما تعارف عليه الناس بأنه سفر واحتاج إلى زاد وراحلة فإن المسافر يقصر فيه.
(الخامس) : ما حكم قصر الصلاة في السفر؟
والجواب: الأصل في مشروعية القصر أنه سنة، لفعله صلى الله عليه وسلم وفعل خلفائه الأربعة.
والسلام عليكم. ... مفتي الديار السعودية.
(ص ـ ف ـ 1223 في 20/6/1389هـ)
(725 ـ س: البادية إذا حالوا؟
جـ: محوال حقيقي لهم حكم المحوال (1) وكونهم يقيمون بعض يوم من أجل مواشيهم لا يضر (تقرير)
(726 ـ اذا كان قد تزوج في بلد ومر به)
قوله: أو كان تزوج فيه.
ظاهر العبارة أنه ولو لم تكن الزوجة موجودة. وهذا غير مستقيم إذا كانت على ظاهرها , وبعض يحملها على ما إذا كان قد تزوج بها في مجيئه ذلك ـ مر بقرية فتزوج ـ وهذا ظاهر، فإذا مر بقرية وتزوج فيها ذلك اليوم فيتم، أو مرها وهي فيها.
_________
(1) المحوال هو السفر من جهة إلى أخرى قصداً للمرابع وأماكن نزول الغيث.(2/325)
أما إذا مر على البلد والزوجة ليست فيها أو ماتت أو طلقها فيقصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترخص في مكة وهو قد تزوج فيها، وكذلك الصحابة. ... (تقرير)
(فصل ـ في الجمع بين الصلاتين)
(727 ـ إذا عزموا على الاقامة عشرة أيام لم يجمعوا، لا تجمع العصر إلى الجمعة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم ... أيده الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنشير إلى برقية جلالتكم رقم 837 وتاريخ 16/1/1378هـ بشأن استفتائكم هل يجوز لكم الجمع في سفركم هذا، وهل يجوز جمع العصر إلى صلاة الجمعة؟
ونبدي لجلالتكم ما يأتي:
لقد فر الله الصلاة الرباعية أربعاً بيقين فلابد من فعلها أربعاً إلا فيما تحقق شرعاً قصره. ولم يتحقق القصر والجمع ويجزم به إلا في مسألتين:
"إحداهما " السفر بشروطه المعتبرة شرعاً وهو الحل والترحال والسير، ويلحق به الاقامة التي هي أربعة أيام فما دون فإنها في حكم السفر.
و" الحالة الثانية " الاقامة لحاجة يأمل صاحبها أن تنقضي اليوم أو غداً، وإذا انقضت حاجته سافر.
أما ما عدا هذا فتبقى الصلاة الرباعية على أصلها من وجوب فعلها أربعاً. ومن ذلك مسألتكم فإن فيها العزم على إقامة عشرة(2/326)
أيام فيجب في حقكم الإتمام وفعل كل صلاة في وقتها، لكن لأجل خفاء الحكم عليكم وكون في المسألة قول وإن كان غير معول عليه في الإفتاء والعمل فلا يلزمكم إعادة صلوات ما مضى في غير ما يأتي التنبيه بلزوم إعادته وهو جمعكم صلاة العصر إلى الجمعة، فإنه يلزمكم قضاء صلاة العصر عن تلك الأيام التي جمعتم العصر فيه إلى الجمعة، لأن جمع العصر إلى الجمعة لا يصح بحال، وأنتم حفظكم الله غير معذورين في ترككم السؤال من أول وهلة، وهذه الأمور الهامة لا يلتفت فيها إلا إلى قول مفت وعالم راسخ يتصور الحجة ويعرف الحكم بدليله، ولا سيما وأنتم قدوة فيما تفعلون ويتأسى بكم غيركم ظناً أنكم عملتموه عن فتوى، ومثل هذه المسائل التهاون فيها يجر العامة إلى التساهل إلى مالا حد له قياساً منهم لبعض المسائل على بعض وهم أبعد شيء عن العلم ومعرفة القياس. نسأل الله تعالى أن يتولاكم بتوفيقه ويحمي بكم حوزة الدين. والسلام عليكم ورحمة الله.
(ص ـ م ـ 168 في 17/1/1378هـ)
(728 ـ إذا تناول المريض حقنة تستمر أربع ساعات أو خمس)
(المسألة الثانية " عن الجمع بين الصلاتين للمريض الذي يبقى مدة تحت العلاج باستمرار، مثل من يتناول حقنة كبيرة تنفذ في العرق وتُعلّق مدة أربع ساعات أو خمس متوالية ولا يمكن فصلها حتى تنتهي.
والجواب: لا مانع من الجمع في مثل هذه الحالة، إلا أنه ينبغي التفاهم مع الطبيب بأن لا يجعلها وقت الصلاة بل يقدمها(2/327)
أو يؤخرها، فإن ما أمكن هذا فلا بأس بالجمع، لأنه من جملة الأعذار المبيحة للجمع.
(ص ـ ف ـ 1712 في 1/9/1383هـ)
(729 ـ لا يجمع بين الظهر والعصر للبرد)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم علي اسماعيل الغامدي سلمه الله وعبد:
فقد جرى الاطلاع على استفتائك الموجه إلينا منك، وفيه: تسأل عن " مسألتين" إحداهما سؤالك عن جواز جمع العصر مع الظهر والعشاء مع المغرب إذا كان في يوم شديد البرد والظلام.
والجواب: لا بأس بجمع العشاء مع المغرب إذا كان في الليلة ريح شديدة باردة.
أما جمع العصر مع الظهر فالذي عليه أئمة الدعوة رحمهم الله وعليه العمل عدم الجمع، حيث أن المشقة في النهار أخف بكثير من المشقة في الليل.
(ص ـ ف ـ 582 في 28/2/1384هـ)
730 ـ وفي تقريره على هذه المسألة (الجمع بين الظهرين) ذكر زيادة تعليل لمنع الجمع بينها، قال رحمه الله:
الظهر والعصر لا يجمعان للمطر إلا في رواية عن أحمد ذكر صاحب الافصاح أنها هي المذهب، والرواية الأخرى اختصاص ذلك بين المغرب والعشاء، وهذا قول الجماهير ودليله واضح، بخلاف الجمع بين الظهر والعصر فإن دليله في ذلك غير واضح، ولهذا الذي عليه الناس في هذا البلد ونحوها من عشرات السنين(2/328)
هو عدم الجمع بين الظهر والعصر، ومخالفة ما مضى عليه علماء الوطن المحققون سبب نقص في الدين لا زيادة ولا ركود، بل يسبب النزاع والشقاق، ويهون عند العوام أمر الدين، حتى لا يكتفون أن يسألوا من وجدوا لتحصيل الرخص بل يسلكون بنيات الطريق، بخلاف ما إذا ساروا على طريقة بعيدة عن النزاع والشقاق.
ولو لم يكن من مصلحة إلا خروج من خلاف من يرى أن الصلاة لا تصح.
والجمع في مثل هذه الأمور الشواذ نشأ عن أشياء: أحدها الجهل.
الثاني: الضعف والكسل، فيأخذ بالقول المرجوح حقيقة أو نسبياً ومن الناس من يجتهد ويرى أن هذا مقتضى الدليل ولا يكون هو مقتضى الدليل، فيعدل عن الراجح إلى المشتبه، وهو ما حقق ولا دقق وفي الحديث (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" أمر آخر وهو المشار إليه أولاً أن الخلاف شر في نفسه، مع قطع النظر هل يحدث شراً بالنسبة إلى المفروضات، وبالنسبة إلى ما يزعزع كيان الاجتماع على البر والتقوى والذين قالوه قالوا: هو رخصة لا واجب. وإذا أفتاهم مفت فهو غلطان، سداً للذريعة، وعدم شق عصى المسلمين.
(تقرير)
(731 ـ الجمع للشغل الخاص، لا لمطلق الاشغال، الجمع لحفر الآبار، ولمن يذود الجراد والدبا)
أحمد رحمه الله مذهبه أوسع المذاهب في الجمع، فإنه يرى الجمع للشغل (1) ومن هذا مثلاً حفر الآبار فيما تقدم لما كان السني على
_________
(1) الذي يبيح ترك الجمعة والجماعة انظر (الاختيارات ص74) .(2/329)
البهائم لو خرجوا للصلاة لتزايد الماء عليهم فيجوز أن يجمعوا ومثله من يبتلى بذود الجراد والدبا ونحو ذلك (1) .
بخلاف مطلق الأشغال فإنها ليست مرادة هنا، إذ الانسان لا يخلو غالباً من شغل، ولو قبل بذلك لكان الفرد يجمع كل يوم، والجماعة يتفق لهم أشغال، وهذا لا قائل به، بل المراد الشغل الذي يحصل بتفويته نقص. ... (تقرير)
(732 ـ لا يجمع لمجرد المطر، ولا لمطر لم توجد معه مشقة)
قوله: لمطر يبل الثياب.
أما مطلق المطر ف لا وكذلك إذا لم يوجد معه مشقة فلا أما ما ينشأ عنه من دحض أو برد فهذا شيء آخر. (تقرير) ... (733 ـ الجمع للوحل، وللطين والماء)
قوله: ولو حل.
الوحل هو الطين، إذا كان في الأرض طين بأن مطرت في أول النهار فيجوز الجمع ما دامت طيناً.
فإذا كان طين وماء فكذلك. فإذا نضب الماء وبقي الطين فكذلك، وكذلك الدحض بمجرده كما لو نزل مطر وصار دحض بعده ولا وصلت الأسواق إلى التطين والمطر قد وقف، و " الدحض، هو الزلق إذا جفت لا يكون جفافها إلى طين. (تقرير)
(734 ـ الجمع في الصحراء لشدة البرد والثلوج)
وأما " المسألة السابعة " وهي سؤالك عن الجمع بين العشائين
_________
(1) وتقدم أيضاً أنه لم يفت العوام في هذه المسألة.(2/330)
في الحالة التي ذكرتم إذا كنتم في الصحراء وفي شدة البرد والثلوج واجتماع الجماعة في الوقت الأول دون الوقت الأخير؟
فجوابها: أن هذا يجوز، وقد دلت السنة على جواز الجمع للمطر، وهذا مثله بل أولى، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(ص ـ ف ـ 1286 في 28/10/1379هـ)
(735 ـ الجمع في أثناء وقت الظهر " صلاة الجمع "
التقديم فيه صورتان أو ثلاث، والأفضل ما كان أرفق.
وكان هذا يصير للمسافرين فيه أرفقية، لأنهم قد يقضون أشغالهم ويصنعون طعامهم وقد عزموا على الممشى إلى المغرب فصار الغالب أنهم يفعلون هذا. أو أنهم لا يأكلون طعام العشاء إلا بعد ما ينزلون ليتصل لهم السير فما لبثوه من وقت الظهر تبع للمقيل هذا أرفق بهم. ... (تقرير)
(736 ـ س: هذه الأزمان الجمع في مزدلفة لأهل السيارات.
جـ ـ منبه عليه في كلام الأصحاب (1) (تقرير)
(737 ـ ترك الجمع في منى)
مسألة منى لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يجمع فيه ولا ثبت أنه جمع الصلاتين في منى حال نزوله. فهذا الجمع الذي يستعمله الناس، لقول الأصحاب والجماهير: إن القصر يلازمه الجمع.
والقول الآخر أنه لا يلازمه بل يجمع بينهما إذا كان المسافر جاداً به السفر. أما إذا كان غير جاد بل نازل فإنه يقصر ولا يجمع. ... (تقرير)(2/331)
(738 ـ س: هل يخبر الامام المأمومين إذا أراد أن يجمع؟
جـ: إذا كان المأموم من نيته أنه إذا جمع إمامه جمع كفى نية الإمام عند من يقول باشتراطها، وإن كان لو ما أخبر الجماعة وقع شر واختلاف فلو أخبرهم لا على وجه السنة بل على قصد الموافقة جاز. (تقرير) ... (739 ـ س: لو صلى جمعاً ثم رجع.
جـ ـ صحيحة من جميع الوجوه ... (تقرير)
(740 ـ س: إذا لم يجمعوا فجمع رجل وحده في المسجد هل تصح أو يؤمر بالاعادة.
جـ: ينكر عليه بكل حال لمخالفته الجماعة، ولو أمر بالاعادة تنكيلاً فله وجه، أما صلاته فصحيحة إن شاء الله _ (تقرير) .(2/332)
فتَاوى ورَسَائل
سَماحة الشيخ
محمَّد بن إبراهيم بن عَبداللطِيف آل الشيخ
مفتي المملكة
ورَئيس القضاة والشؤون الإسلامية
طيَّبَ اللهُ ثراه
جَمع وترتيب وتحقيق
محمد بن عبد الرحمن بن قاسم
وفقه الله
الطبعة الأولى
مطبعة الحكومة بمكة المكرمة
1399 هـ(/)
الجزء الثالث
الجمعة ـ الجنائز(3/3)
(باب صلاة الجمعة)
(741 ـ الجمعة أفضل من الظهر مطلقاً)
قوله: ـوهي أفضل من ظهرها. وقيل: ظهر غير يومها. والذي يتبادر أنها من حيث هي أفضل من الظهر من حيث هو. ومما يد على أنها أفضل من الظهر ما جاء من الأدلة الخاصة، ومما يدل على أنها أفضل من الظهر مطلقاً ما في بعض الأحاديث التي فيها من التغليظ مالم يوجد مثله في تفويت الجماعة.
(تقرير)
(742 ـ وجوبها على العمال في الشركات)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد بلغني أنه يوجد في مقر أعمال الشركة في المقاطعة ورأس تنورة مسلمون يعملون عند الشركة وقت أداء صلاة الجمعة ولا يشهدونها في المساجد.
كما قد بلغني أن الشركة وضعت مدارس وتدرس فيها وتتخلل دراستهم أوقات الصلاة ولا يقومون ـ أي المسلمون ـ بتأديتها جماعة، بل من أراد أن يصلي صلاها منفرداً،(3/5)
فأحببنا إخبار سموكم بذلك لشهامتكم وغيرتكم الدينية وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه. والسلام عليكم ورحمة الله. (ص ـ م في 5 ـ 5 ـ 1377هـ (1))
(743 ـ حث الحسبة على ملاحظة المتخلفين عنها)
من محمد بن إبرهيم إلى حضرة صاحب الفضيلة الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة نجد وتوابعها. المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد لوحظ أن كثيراً من المكلفين يجلسون في الصفاة يوم الجمعة وبعضهم على سطوح الدكاكين والعمائر المحيطة بها استعداداً للتفرج بعد الصلاة على الذين تقام عليهم الحدود والتعزيرات ولا يصلون الجمعة، وأن ذلك قد كان منذ زمن طويل ولا يزال في ازدياد فرأينا لفت نظر فضيلتكم إلى هذا المنكر الظاهر لإزالته وجعل عدد من النواب يراقبونه ويكافحون وجوده. وفقكم الله والسلام عليكم. (ص ـ م ـ 1243 في 17 ـ 3 ـ 1383هـ) .
(744 ـ وجوبها على من يقصد المنتزهات التي فيها مساجد)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض الموقر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
_________
(1) وانظر رسالة في الشهادات برقم 482/ 3/ 1 في 15/3/1386هـ.(3/6)
فقد اتصل بعلمنا بأنه يحصل في مشتل الخرج (السيح) في بعض الأيام وخاصة يوم الخميس وليلة الجمعة ويومها مفاسد كبيرة وكثيرة مع ترك صلاة الجمعة من أكثر من يقصده.
لذا نرجو الأمر بما ترونه حائلاً دون ذلك لأن هذا من الأشياء الظاهرة التي لا ينبغي التساهل بها بحال من الأحوال. وفق الله الجميع للخير، وسدد خطاكم.
(ص ـ م ـ 603 ـ 2 في 23/3/1383هـ)
(745) ـ إذا حضرها العبد والمريض وجبت عليهما)
سقوط الجمعة عن العبد كسقوط وجوب الحضور عن المريض فيصلون ظهراً. ولو وجبت وهم في المسجد وجبت عليهم. (تقرير)
(746 ـ المزارع الذي يمكث أشهراً ثم إذا انقضى الزرع رحل لا يسمى مستوطناً. (تقرير)
(747 ـ العشش ومثلها الصنادق وأشباهها مما جنسه يتخذ للاستيطان كالبناء المعتاد من الحجر والقصب. (تقرير)
(747م ـ لو قدر أن أهل الوطن خرجوا لعار كفزع أو لطمع ـ مثال ذلك الخروج للجراد أو للكمأة ـ فلما كان وقت الجمعة إذا هم في البرية ولابقي إلا عشرون طالب علم (1) وخمسة تجار فلا يصلون جمعة، بل إن حضر أهل البلد صلوا معهم.
ومثلهم من كان بينه وبين البلد أكثر من فرسخ (تقرير)
_________
(1) مغترب.(3/7)
(748 ـ الرسخ ثمن يوم يسير الجمال: ساعة ونصف تقريباً. الفرسخ ثلاثة أميال. والميل كيلو متر ونصف وزيادة. وتحريره في مواضعه (1) والكيلو ألف متر. والمتر مائة سنتي. وذراع الحديد أربعة وخمسون سنتي. (تقرير)
والتحديث بالفرسخ تقريب. وجاء التحديد بسماع النداء، فنظر من نظر من أهل العلم ذلك فوجده فرسخاً فحدد به. وهذا إذا كان خارج البلد. والناس انفتح عليهم الكسل يودون أن كل حارة يكون فيها مسجد، والتساهل في مثل هذا يفضي أحياناً إلى عدم صحة صلاة بعض أهل المساجد. (تقرير)
(شروطها (2))
(749 ـ لا دليل على اشتراط الأربعين لصحة الجمعة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم مبارك بن سعيد الدوسري الموقر.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد.
فقد وصلنا كتابكم المؤرخ 28 ـ 2 ـ 1377هـ وفهمنا سؤالكم
_________
(1) وهو بالتحديد ألف وستمائة وتسعة أمتار.
(2) "غريبة" قد وقع الغلط في الجمعة. وجاء إلينا امام أهل قرية وسألنا عن صلاتهم: وهو: أنهم صلوا الجمعة يوم الخميس، فلما كان آخر وقت الجمعة علموا أنه الجمعة، وأن صلاتهم أمس الخميس غلط. ومع ذلك ما اهتدوا كيف يفعلون.
وسببه أن الإمام قرأ (تنزيل. وهل أتى) فجاؤا للجمعة، فلما جاء يوم الجمعة جاء من خارج البلد حوا ... وبوادي فقالوا: اليوم الجمعة. (تقرير)(3/8)
عن العدد الذي تقام به صلاة الجمعة. فلا يخفى أن المسألة خلافية، والخلاف فيها قديم، ولا أعلم دليلاً صريحاً صحيحاً يجب المصير إليه في اشتراط الأربعين، ولهذا ذهب كثير من العلماء المحققين إلى عدم اشتراط الأربعين. وعلى هذا فإذا اجتمع عدد كثير وإن نقصوا عن الأربعين فلا بأس إن شاء الله بإقامتهم الجمعة. والسلام عليكم.
تحرر في 21/3/1377هـ.
(ص ـ ف ـ 309 في 22/3/1377هـ)
(750 ـ الأربعون شرط للوجوب، لا للجواز والصحة)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم أحمد سعيد العماني سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد جرى الاطلاع على استفتائك الموجه إلينا بخصوص سؤالك عن أهل قرية لا يبلغ عددهم الأربعين، وليسوا قريبين من بلدة تقام فيها الجمعة، إذ أن أقرب قرية إليهم تبعد مابين الساعة والساعتين. وتسأل هل يسوغ لهم إقامة جمعة، أو يصلونها ظهراً.
والجواب: ـ الحمد لله. إذا كان الأمر كما ذكرته. ولم يكن بين القريتين المشار إليهما في الاستفتاء مسافة عامرة بمباني أو المزارع بل هي أرض فلاة، ولم تكن إحدى القريتين تابعة للأخرى في الإمارة ونحوها بل كل واحدة منهما مستقلة عن الأخرى فيسوغ لهم إقامتهم الجمعة في قريتهم، وإن صلوها ظهراً لا بأس بذلك.
حيث أن عددهم ينقص عن الأربعين رجلاً. حيث أنه لم يثبت وجوبها على من دونهم كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث جاء في " الاختبارات "....(3/9)
وتنعقد الجمعة بثلاثة واحد يخطب واثنان يستمعان، وهو إحدى الروايات عن أحمد، وقول طائفة من العلماء. وقد يقال بوجوبها على الأربعين لأنه لم يثبت وجوبها على من دونهم، وتصح ممن دونهم لأنه انتقال إلى أعلا الفرضين كالمريض (1) وبالله التوفيق. والسلام عليكم.
(ص ـ ف ـ 953 ـ 1 في 14/4/1385هـ)
(فتاوي في العدد إذا نقص عن الأربعين)
وجه لسماحته استفتاءات من عدة بلدان وقرى وهجر يطلبون الإذن لهم بإقامة الجمعة فيها: وعددهم مابين ثلاثين إلى خمسة عشر، فرخص لهم، ومنع الثمانية إلى ستة فما دون. وفيما يلي ملخص الاستفتاءات:
(751 ـ (أهل بوضاء) : عدد المقيمين فيها ثلاثون.
أفتى بأنه يسوغ في حقهم إقامة الجمعة.
(ص ـ م في 3/12/1373هـ)
(752 ـ (بلد العين) : إذا كثروا بلغوا ثلاثين.
أجاب بأنهم إذا كانوا مقيمين فيها استيطاناً ومعهم أهلهم , وتجب الجمعة على كل واحد منهم ولم يكونوا موظفين حيث أنهم عرضة للتنقل فلا بأس.
(ص ـ ف ـ 567 ـ في 16/5/1381هـ)
(753 ـ (هجرة الصلوم) : إذا قلوا كانوا خمسة وعشرين رجلاً وبينهم وبين البلد الأخرى مسافة اثنتي عشرة ساعة للراكب.
_________
(1) انظر ص79.(3/10)
أفتاهم بأن يقيموا الجمعة في هجرتهم التي بنوا فيها واستوطنوها.
(ص ـ م في 21/5/1375هـ)
(754 ـ (أهالي الجبرية) : عددهم خمسة وعشرون رجلاً. وكانوا في السابق متوفري العدد.
أجاب: الذي يظهر أنهم يقيمونها.
(ص ـ م ـ 887 في 15/4/1380هـ) .
(755 ـ قرية الجفرة) : عددهم يتراوح بين الخمسة والعشرين والعشرين. وأن أقرب قرية إليهم تبعد مسافة كيلو متر. أفتاهم بلزوم أداء الجمعة في القرية منهم. إلى أن يبلغ عددهم الحد المعتبر.
(ص ـ ف ـ 710 ـ في 17/6/1381هـ) .
(756 ـ (المعشبة) : عدد المقيمين فيها عشرون رجلاً. وفي بعض الأحياء يزيدون، وبينها وبين أقرب بلد مقدار ساعتين للراجل. أفتاهم بإقامة الجمعة.
(ص ـ م في 11/8/1376هـ) .
(757 ـ (ذيخين) : عددهم عشرون، وبينهم وبين الجامع سبعة كيلو متر، والمسافة كلها صحارى.
أجاب: لا نرى مانعاً من السماح لهم بالانفراد بصلاة الجمعة.
(ص ـ ف ـ 2345 ـ1 في 12 ـ 8/1388هـ) .
(758 ـ (هجرة آل قضيع) : عددهم يقارب العشرين. وهم مستوطنون بهجرتهم صيفاً وشتاء طوال العام. وبينهم وبين أقرب بلد مسافة طويلة.(3/11)
أجاب: الذي نرى إقامة الجمعة في مسجدهم، ولا تجب عليهم. هذا إذا كان لهم إمام.
(ص ـ ف ـ 2355 ـ 1 في 29/8/1385هـ)
(759 ـ (الجرير) : عددهم من خمسة عشر إلى عشرين وبينهم وبين أقرب بلد مسافة ساعة، ويلحقهم مشقة من الذهاب إليها.
أجاب: لا يلزمهم ال ذهاب إليها إذا كانت المسافة بينهما صحراء، ولانرى مانعاً من صلاتهم جمعة.
(ص ـ ف 1768 في 29/6/1385هـ) .
(760 ـ (جودة) : ثمانية إلى ستة.
أجاب الذي نرى أن ينتظروا حتى يكثر السكان ويجتمع العدد الكافي لصلاة الجمعة.
(ص ـ ف ـ 3556 ـ 3 في 14 ـ 10 ـ 1379هـ)
(761 ـ اثنان في ايطاليا)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم محمد أبو زيد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصلنا استفتاء ابنك بواسطتك بخصوص طلب الجواب عن الأسئلة التي ذكرها في استفتائه.
" أحدها": أنهم في إيطاليا ليس عندهم أحد يصلي الجمعة، وهم اثنان، ويسأل كيف يصليها.
والجواب: إذا كان الأمر كما ذكر فيصليها ظهراً (1)
(ص ـ ف ـ 973 ـ 1 في 15/4/1385هـ) .
_________
(1) المسألة الثانية تقدمت في صلاة الجماعة والثالثة تأتي في أول الصيام والرابعة تقدمت في صلاة التراويح.(3/12)
(762 ـ الجمعة لا تقام في السجن)
من محمد بن إبراهيم إلى صاحب الفضيلة رئيس المحكمة الكبرى بأبها ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
بالإشارة إلى خطابكم رقم 3209 وتاريخ 14/6/1388هـ بخصوص طلب سجناء المشرف إقامة صلاة الجمعة بالسجن وتسألون عن حكم ذلك.
والجواب: لم يبلغنا أن أحداً من السلف فعل ذلك. مع أنه كان في السجون أقوام من العلماء المتورعين. والغالب أنه يجتمع معهم أربعون وأكثر موصوفون بصفات من تنعقد بهم الجمعة، فلو ك ان ذلك جائزاً لفعلوه. ووجه عدم جواز إقامتها في السجن أن المقصود من الجمعة إقامة الشعار. ولذلك اختصت بمكان من البلد ما لم يوجد مسوغ شرعي يوجب تعددها من ضيق المسجد وحصول العداوة وغير ذلك من الأسباب. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف 3158ـ 1 في 11/10/1388هـ)
(763 ـ إقامة جمعة في محطة ضخ مياه تبعد ثمانية كيلو والطريق رمال وجبال)
من محمد بن إبراهيم إلى سعادة رئيس مصلحة المياه في الرياض ... سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد اطلعنا على كتابكم رقم م ـ 1 , ـ 91 ـ9 وتاريخ 4/4/1387هـ وملحقة برقم 1 ـ وـ 179 وتاريخ 6/6/87هـ.(3/13)
المتضمن طلب الإذن لسكان حي محطة مشروع الحائر بإقامة صلاة الجمعة للمسوغات التي أشرتم غليها.
وبتأمل ماذكر لم نر مانعاً من الإذن لهم بإقامة صلاة الجمعة إذا توفرت الشروط الآتية:
أولاً: أن يتم العدد المشترط لصلاة الجمعة بأن يكون أربعين فصاعداً.
ثانياً: أن يكونوا ساكنين في تلك المحطة صيفاً وشتاء بحيث تعتبر المحطة كقرية مستقلة بنفسها.
ثالثاً: أن تكون المسافة التي ذكرتم بينها وبين الحائر صحراء غير معمورة بالسكان، والنخيل غير متصلة بينها وبين الحائر فإذا انضم إلى هذا ماذكرتم من الأمور التي تخشون من حدوثها على مكائن المياه إذا غادرها العمال وذهبوا لصلاة الجمعة في قرية الحاير.
ونظراً لما في هذا من المصلحة العامة فأرجو أن لا بأس لمثل هؤلاء بالانفراد بصلاة الجمعة والله يحفظ. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 3716 في 25 ـ 9 ـ 1387هـ)
(764 ـ عمال غير مستوطنين)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم قاضي بقيق فضيلة الشيخ أحمد بن غنيم ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصلني خطابكم رقم 350 وتاريخ 20/5/1377هـ ومابرفقه وفهمت مضمونه من سؤالكم الذي نصه: فيه مكان(3/14)
من ملحقات بقيق عن البلد ثلاثة عشر كيلو متر تقريباً، وهو لشخص وبنى فيه مساكن وسكنها أُناس من عمال الشركة بالإيجار الشهري. وأقام فيها مالكها جمعة في شهر صفر من هذا العام، وسكانها تارة يبلغون العدد المشترط في المذهب. وتارة ينقصون عنه وكل منهم في عمل مؤقت. وقسم منهم بلاده الهند. والقسم الثاني فلسطين باعتبار الموجودين فيه الآن. وحيث أن هذه الجمعة أُقيمت بهذه الصفة نأمل من سماحتكم التكرم بإفادتنا بما ترونه من صحتها أو عدمه.
والجواب: الحمد لله صلاة الجمعة يشترط لصحتها شروط: منها استيطان أربعين رجلاً من أهل وجوبها لا يرحلون عنه صيفاً ولا شتاءاً، وأن يكون الإستيطان ببناء معتاد يشمله اسم واحد.
ومما تقدم يعلم أن صلاة الجمعة لا تجب ولا تصح من أهل ذلك المكان المسئول عنه، لأنهم غير مستوطنين. والسلام عليكم.
(ص ـ ف ـ 892 في 29/7/1377هـ)
(765 ـ صلاة الجمعة في الباخرة)
" المسألة الخامسة ": عن صلاة الجمعة في الباخرة.
والجواب: المسافر لا تشرع له صلاة الجمعة، لأن من شروطها أن يكونوا مستوطنين بقرية لا يرحلون عنها صيفاً ولا شتاء.
والسلام ـ مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 2908 ـ 1 في 11/11/1384هـ)(3/15)
(766 ـ البدو المتنقلون إذا أقاموا شهراً ونحوه)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم مساعد بن قابل السفياني ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن البدو المتنقلين في البر إذا أقاموا مدة تقارب الشهر أو تزيد: هل تلزمهم صلاة الجمعة، أم لا؟
والجواب: لا جمعة على هؤلاء، ولا تصح منهم، لأن من شروطه أن يكونوا مستوطنين ببناء معتاد يشمله اسم واحد لا يرحلون عنه صيفاً ولا شتاءاً. والله أعلم.
مفتي البلاد السعودية
(ص ـ ف ـ 62 ـ 1 في 6/1/1386هـ)
(767 ـ جمعة في مطار القصيم)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس محكمة بريدة ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
نعيد إليكم أوراق المكاتبة الخاصة بطلب موظفي مطار القصيم الإذن لهم بإقامة صلاة الجمعة في المطار.
ونحيطكم علماً أنه جرى الاطلاع على ماتضمنه خطابكم من إيضاح المسافة بين المطار ومدينة بريدة وغيرها من القرى المجاورة بأكثر من عشرين كيلو متراً، ومن كون المطار واقع في صحراء ومنفصل عن البنيان إلى آخره. وبعد نأمل الخطاب المشار إليه نرى أنه لا مانع من إقامة صلاة الجمعة في المطار مازال موظفوه(3/16)
مستوطنين فيه لا يرحلون عنه صيفاً ولا شتاء. وعليكم إبلاغ المذكورين بموافقتنا على هذا الطلب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 695 ـ 1 في 6/3/1386هـ)
(768 ـ جنود في البرود)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم
سعود بن عبد العزيز أيده الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
حفظك الله من خصوص فارس أبا العلا والجند الذين معه في البرود يصلون الجمعة وهم ليس في حقهم جمعة، ولا يشرع لهم ذلك. فينبغي المبادرة في تنبيههم على ذلك، ومنعهم من التجميع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(ص ـ م في 2/12/1374هـ)
(769 ـ الصلاة على النبي في الخطبة)
يتعين لفظ الصلاة. ولايكفي غيرها خلافاً للقول الآخر، يذكر اسمه المظهر من إسمه العلم كمحمد أو النبي أو أحد أسماء النبي.
(تقرير)
(770 ـ هل يقول: " سيدنا محمد " في الخطبة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ علي بن قاسم آل ثاني ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:(3/17)
فقد وصل إلينا كتابكم وسرنا ماذكرتم عن صحتكم ومن جواز قول الرجل: اللهم صل على سيدنا محمد إلى آخره.
والجواب: الحمد لله لا يخفى أن الاقتصار على ماورد في الأحاديث وماجاء عن سلف هذه الأمة وأئمتها أولى وأفضل وأكمل ولا سيما إذا كان ذلك في نفس الصلاة، فلا ينبغي أن يأتي في الصلاة بألفاظ غير ماورد.
فإن كان خارج الصلاة فهو أيسر، وتركه أولى على كل حال. وعلى كل فهذه الكلمة لم ترد عن السلف، فمن تركها فقد أحسن ومن قالها فلا ينهى عنها نهياً مطلقاً، بل يرغب بما هو الأفضل، وهذا لا يغض من قدر نبينا صلوات الله وسلامه عليه، فإن له عند المسلمين من المنزلة والمحبة والتعزير والتوقير مالا يعلمه إلا الله ـ بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ـ وهو بلا شك سيدنا وسيد جميع الخلق: ولكن اقتران هذه الكلمة بالصلاة عليه دائماً باستمرار لا نراه، لأنه لم يرد بهذه الصفة. والله أعلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 3852 ـ 1 في 14/1011387هـ) (1)
(771 ـ قوله: لو قرأ آية لا تستقل بمعنى أو حكم كقوله: (ثم نظر) (2) أو: (مدهامّتان) (3) .
وهذا القول هو الراجح إن شاء الله. (تقرير) .
_________
(1) وتقدمت في (باب صفة الصلاة) : قول الرجل: اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد.
(2) سورة المدثر ـ آية 21.
(3) سورة الرحمن ـ آية 64.(3/18)
(772 ـ ترجمة الخطبة بعد القائها بالعربية ـ قبل الصلاة)
من محمد بن إبراهيم إلى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد أطلعنا على خطابكم رقم 2 ـ 1 ـ 1 ـ 3779 وتاريخ 11/10/1388هـ بخصوص ماوردكم من سعادة سفير المملكة العربية السعودية بالهند عن حكم إلقاء خطبة الجمعة باللغة العربية ثم شرحها باللغة المحلية " الأوردو" لأن جميع الحاضرين في المساجد هناك لا يفهمون خطبة الجمعة لجهلهم باللغة العربية وتطلبون بيان مالدينا في ذلك.
والجواب: الحمد لله، لا يخفى أن الله تبارك وتعالى بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بلسان قومه، وأنزل كتابه بلسان عربي مبين، وجعله معجزاً بلفظه ومعناه، فلابد من إلقاء الخطبة باللغة العربية، وإذا كان الحال كما ذكرتم من أن جميع الذين يحضرون في المساجد هناك لا يفهمون خطبة الجمعة لجهلهم اللغة العربية فينبغي للخطيب أن يشرح لهم معانيها باللغة المحلية بعد الفراغ من إلقائها، لتحصل لهم الفائدة المقصودة من الخطبة. والله الموفق والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 1086 ـ في 27/5/1389هـ)
(773 ـ ترجمة الخطبة بعد صلاة الجمعة)
من محمد بن إبراهيم إلى صاحب السمو الملكي وزير الداخلية المحترم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:(3/19)
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 4072 وتاريخ 25/11/1386هـ حول ما تقدم به مقبول عبد الكافي إلى إمارة منطقة مكة المكرمة بخصوص ضعف مكبرات الصوت بالمسجد الحرام. ورأيه أن تترجم خطبة الجمعة إلى بعض اللغات الأجنبية كاللغة الإنجليزية لإذاعتها بعد صلاة الجمعة لتتم الإستفادة منها لمن لا يعرف اللغة العربية. وأن وزارة الحج والأوقاف تبلغت بما يتعلق بمكبرات الصوت وتطلبون مالدينا حول ترجمة الخطبة.
وعليه فإننا لا نرى الموافقة على ما ذكر، ولا يسوغ أن يخطب يوم الجمعة قبل الصلاة وبعدها. وإذا كان المقصود إبلاغ الخطبة لمن لا يفهم اللغة العربية فيمكن أن تترجم الخطبة وغيرها من ضمن برامج الإذاعة في غير وقت صلاة الجمعة. والله يحفظكم والسلام.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 812 ـ 1 في 17/3/1387هـ) .
(774 ـ ينبغي أن تكون الخطبة مشتملة على ذكر دعائهم الدين وقواعده العظام، وكذلك ينبغي بل يجب أن يأتي بما يحرك القلوب. أما شيء لا يحركها فلا ينبغي.
ثم الاقتصار على ذكر فناء الدنيا والموت (1) كما أنه لا يكفي الاقتصار على كلمات الحكم النافعة. لابد من موعظة وشيء يحرك القلوب. ثم أيضاً اعتمار التشجيع وكونه ... الخطيب مرجوع ولا ينبغي فإن أتى به مع إتيانه بالأمور الهامة فلا مانع (تقرير) .
_________
(1) لايكفي.(3/20)
(775 ـ إعتماد النبي على القوس والعصا في حديث أبي داود (1) فيه فوائد:
منها شرعية الاعتماد في الخطبة على قوس أو على عصى. وذلك لكونه أرفق للخطيب وأثبت له. لاسيما إذا كان يطول وقوفه أو مقصود مهم. فكونه معتمداً على قوس أو عصى هو السنة. وخص القوس والعصا لأنهما يستصحبان عادة زمن النبي، كما تستصحب العصا عندنا، أما السيف فليس بمشروع، وهم عللوا ذلك بأنه إشارة إلى أن الدين فتح به وهذا غير صحيح إنما فتح بالقرآن.
وإنما السيف منفذ فقط (تقرير)
776 ـ قوله: ويدعو المسلمين.
ويكون دعاؤه المسلمين بالأمور الهامة من نصرة الإسلام والمسلمين وكبت أعداء الدين ونحو ذلك. (تقرير)
(77 ـ وهاهنا مسالة بحث " وهو الدعاء للسلطان وتسميته في الخطبة والمعول عليه منذ سنين أنه وإن كان مباحاً أصله لكن له شرط فتركه أولى (2) ... (تقرير)
(778 ـ قول ابن أبي موسى: يصلي مع الخوارج جمعة ويعيدها ظهراً.
الظاهر والمشهور في المذهب أنه لا يعيدها، وتقدم لنا عند قولهم: ولا تصح خلف فاسق ككافر، أن الصحيح والذي تدل عليه الأدلة
_________
(1) ولفظه عن الحكم بن حزن الكلفي قال: شهدت الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم فقام متوكئاً على عصى أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات، ثم قال: أيها الناس انكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كلما أمرتم به ولكن سددوا وابشروا " أخرجه أبو داود ورواه أحمد أيضاً.
(2) وانظر الدرر السنية جـ 4 ص230(3/21)
الشرعية صحتها، وأن من صحت صلاته في نفسه صحت خلفه هذه مسألة. واختيار الشخص شيء آخر، فإذا كان تحت اليد والتصرف فلا يقدم ذو البدعة وذو الفسق بحال. (تقرير)
(779 ـ المداومة على قراءة السجدة فيها)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم عبد الرحمن العبد الله الوهيبي الموقر.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل إليّ كتابكم المتضمن السؤال عن الإمام الذي يقرأُ " سورة السجدة " صباح كل جمعة.
والجواب: أن السنة هي قراءة السجدة في فجر كل جمعة ويداوم عليها. وإذا كان الإمام يخشى ظن الجهال وجوب قرائتها فمن المستحسن أن يقرأ بعض الأحيان بغيرها.
(ص ـ ف ـ 225 في 9/4/1376هـ)
(870 ـ إذا كان الجامع قريباً وواسعاً لم يجز تفريق الجمعة ولو كان فيهم مرضى وشيوخ)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم محمد بن علي بن خاطر وكافة جماعته.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل إلينا كتابكم المؤرخ في 29/11/1375هـ الذي تذكرون فيه أنه قد أسس في الجهة الشرقية بالجبيل مسجد ثاني(3/22)
وتطلبون السماح لكم بالتجميع فيه، لأن منكم كبير السن والعاجز. إلخ.
والجواب: أنه لا يسوغ لكم أن تجمعوا فيه أبداً، لقربه من مسجد الجامع، وسعة مسجد الجامع.
وأما كون فيكم الشيخ الكبير ونحوه فهذا لا يسوغ شرعاً الانفراد بجمعة أبداً، وهذا الشيخ الكبير ونحوه الذي لا يستطيع الذهاب إلى المسجد الجامع ماشياً يتعين عليه حضور الجمعة وإتيانها راكباً أو محمولاً إن استطاع ذلك، وإلا فهو معذور يصلي في بيته ظهراً. هذا ونرجو الله لنا ولكم التوفيق وقبول أعمالنا وأعمالكم، وأن يجعلها على وفق الشريعة المحمدية. والسلام عليكم.
(ص ـ ف 165 في 13/3/1376هـ)
(781 ـ انفراد أهل كل حارة بمسجد لا يسوغ)
رفع فضيلة رئيس محكمة الأفلاج إلى سماحته طلب جماعة الإذن لهم في إقامة الجمعة في حارتهم لينفردوا عن حارتين مجاورتين لهم حيث أنهم يبلغون العدد المعتبر لها.
فأجاب بما نصه: لا نرى مسوغاً لتفريق جمعة المسلمين إذ أن السماح لهم معناه فتح الباب لأهل الحارات الأخر بإقامتهم الجمعة في حاراتهم، وهذا يتنافى مع مشروعية الجمعة، وتشوف الشارع إلى اجتماع أكبر عدد ممكن من المسلمين لها في مسجد واحد.
فافهموهم هذا. وأكثروا عليهم النصح والتوجيه بلزوم الأدب والإستقامة والسعي في تحصيل مقاصد الجمعة من التآلف والتوادد والتواخي والتسامح فيما بينهم. وأسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
(ص ـ ف ـ 3005 ـ 1 في 30/10/85هـ)(3/23)
(782 ـ بعده ثلث ساعة والمؤذن يسمع المؤذن)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الرحمن بن عبد الله بن يحيى إمام مسجد " قولعان" ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , وبعد:
فقد جرى الاطلاع على خطابكم المتضمن طلب الجماعة إقامة جمعة في محلتكم " قولعان ".
ونفيدكم أننا تحققنا فلم نر مسوغاً لانفرادكم عن الصلاة في جامع القاعة، وتعرفون بارك الله فيكم أن أعظم المقاصد الشرعية لمشروعية الجمعة اجتماع المسلمين وتعاونهم على البر والتقوى والتناصح وتآلفهم، وهذا لا يتم بتفريقهم، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، والسلام عليكم.
(ص ـ ف ـ 975 ـ 1 في 15/4/1384هـ)
(783 ـ بين المسجدين عشرون دقيقة والمسجد المتوسط بينهما واسع)
رفع فضيلة رئيس المحكمة الشرعية بالأحساء خطاباً يطلب فيه بيان حكم تعدد الجمعة في ثلاثة مساجد. المسافة بين اثنين منها عشرون دقيقة، والثالث متوسط بينهما وواسع.
فأجاب سماحته بما يلي: لا يخفى عليكم حكم تعدد الجمع، وأن ذلك لا يجوز شرعاً، لتفويته بعض المصالح المقصودة من إقامة الجمع، إلا بأحد المسوغات كضيق المسجد، أو بعده، أو نحو ذلك.
(ص ـ ف ـ 1437 في 19/11/1379هـ)(3/24)
(784 ـ الشحناء الدنيوية بينهم وبين امام المسجد ليست مسوغا)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي محكمة العيون بالأحساء ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
بالإشارة إلى المعاملة الواردة إلينا منكم برقم 284 وتاريخ 17/3/88هـ بخصوص انقسام أهل قرية المراح إلى قسمين في صلاة الجمعة والعيد، وأسا ذلك شحناً دنيوية بينهم وبين إمام مسجد الجامع القديم أحمد العودة / جرى الاطلاع على ذلك، وبناء على أنه لا يوجد مسوغ شرعي يسوغ لهم الانفراد في الجمعة والعيد فاعتمدوا تكليفهم ليؤدوا صلاة الجمعة والعيد في جماعة المسجد القديم، فإن امتثلوا وغلا فارفعوا عنهم إلى صاحب السمو أمير الأحساء ليكون التكليف من قبله. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 1035 ـ 88 في 11/5/88هـ9
(785 ـ إذا بني مسجد في محلة جديدة بجوار قديمة فيها الجامع لم يؤذن لهم)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس محكمة الأفلاج ... سلامه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد جرى اطلاعنا على خطابكم رقم 1135 وتاريخ 28/8/86هـ المتعلق بطلب آل حفيظ إقامة جمعة في حلتهم الجديدة، وتذكرون(3/25)
أن الأمر ليس كما ذكره آل حفيظ من أنه لا يوجد بالمحلة القديمة إلا خمسة رجال، بل فيها اثنى عشر رجلاً منهم ثلاثة قرب السنة السابعة من العمر ويوجد عشرة رجال ساكنون فيها ويصلون في مسجد هذه الحلة، غير أن منهم ثلاثة تبع وظيفتهم في المدرسة، ومنهم خمسة ساكنون بحرثهم المجاور لهذه الحلة من مدة ثمان سنين حتى الوقت الحاضر، وأنه ليس بين الحلتين واد منخفض، وأنكم ترون عدم إجابة طلبهم لإقامة الجمعة في حلتهم الجديدة، نظراً لقربها من القديمة، ولامتناعهم في السابق عن الصلاة في المسجد الذي عمر أخيراً في الحلة القديمة.
ونفيدكم أن ما ذكرتموه هو مااتجه لدينا، فاعتمدوا بارك الله فيكم إبلاغهم عدم إذننا لهم في إقامتهم الجمعة في مسجدهم الجديد وأن عليهم الصلاة في مسجد الحلة القديمة، حيث أن تفريق المسلمين مع إمكان تجميعهم أمر يتعارض مع المقتضيات الشرعية، ولولا إحساننا الظن بهم لاتجه لدينا القول باعتبار مسجدهم هذا مسجد ضرار تجب إزالته. وبالله التوفيق والسلام.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 1355 ـ 1 في 2/11/1386هـ)
(786 ـ تقام في أكثر المحلتين عدداً)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي الأفلاج ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد جرى الاطلاع على خطابكم رقم 112 وتاريخ 18/4/83هـ ومشفوعاته الأوراق المتعلقة بطلب آل فويضل إقامة جمعة في مسجدهم الذي بنته أم ماجد في حلتهم، ومعارضة آل قاسم ذلك.(3/26)
وبتأملنا جميع الإفادات المبعوثة منكم إلينا وتصورنا لمكان المسجد المطلوب إقامة الجمعة فيه بالنسبة للمحلتين محلة آل قاسم ومحلة آل فويضل تبين لنا أن المسجد واقع بين المحلتين محلة آل فويضل عنه شمالاً ومحلة آل قاسم عنه جنوباً.
فإذا كان الأمر كما تصورنا والحال كما ذكرتم من أن آل فويضل أكثر من آل قاسم وأن آل قاسم لا يكملون العدد المطلوب لإقامة الجمعة فتكون الجمعة في مسجد آل فويضل، ويكون مسجد آل فويضل هو الجامع لهاتين المحلتين آل فويضل وآل قاسم، ويكتفي بإقامة الجمعة فيه عن إقامتها في مسجد آل قاسم، نظراً لتوسطه بين المحلتين ولأن المصلحة العامة تقتضيه، ونسأل الله أن يوفق الجميع للعمل لما يرضيه والسلام عليكم.
(ص ـ ف ـ 1119 ـ 1 في 13/6/1383هـ)
(787 ـ الاطفاء يصلون في أقرب جامع مستعدين للحوادث)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الله بن محمد العسيري ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد وصلنا استفتاؤك، وفهمنا ماتضمنه من سؤالك عن إقامتكم الجمعة في مركز الإطفاء بالعدد الذي ذكرت مقداره، حيث أن عملكم يقتضي ملازمتكم للمكان بصفة مستمرة إلى آخر ماذكرت.
ونفيدك أن ماذكرته لا يعتبر مسوغاً لإقامتكم الجمعة بالعدد المذكور،(3/27)
أم ماذكرت من وجوب ملازمتكم المكان بصفة مستمرة فلا شك أنه يمكنكم تحري الأسباب التي تجمع لكم بين الاستعداد لحوادث الحرائق وأداء الجمعة في أقرب جامع إليكم. ومن الأسباب أن يؤمن لكم بصفة مستمرة تليفون في الجامع القريب منكم، ثم يعلن للأهالي أن الاتصال بكم وقت الجمعة بواسطته إن احتاج الأمر إليكم.
وتخرجون إلى الجامع ومعكم استعداداتكم فمتى حصل حادث ما توجهتم من المسجد إليه ويمكنكم تحري أسباب أخرى تجمع لكم بين الصلاة مع المسلمين ودوام الاستعداد وبالله التوفيق والسلام عليكم.
(ص ـ ف ـ 539 في 2/4/1382هـ)
(788 ـ قرية بين مسجدين والمسافة بينهما أقل من نصف كيلو)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي نائب رئيس مجلس الوزراء حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فبالإشارة إلى خطاب سموكم رقم 22593 وتاريخ 6/9/1383هـ بصدد أهالي " العشاش" وتظلمهم من منعهم إقامة الجمعة في مسجدهم الذي بنوه وطلبكم منا للإفادة بحقيقة أمرهم.
نفيدكم أنه سبق أن طلب منا أهالي " العشاش" الإذن لهم في إقامة جمعة لديهم، فكتبنا لقاضي جهتهم لإفادتنا عن وجاهة طلبهم من الناحية الشرعية، فأفادنا بأن قرية " العشاش" بين نخيل الرجيان ونخيل المخاريم، وأن أكثر سكانها منقسمون إلى قسمين: قسم تبع المخاريم، وقسم تبع الرجيان، وأن المخاريم لما علموا بمطالبتهم تقدموا بالمعارضة بدعوى أن مسجد العشاش سيكون مضاراً(3/28)
لمسجدهم، ثم إن القاضي شكل هيئة تنظر الأبعاد بين مسجد المخاريم ومسجد الرجيان، فكانت النتيجة أن المسافة بينهما لا تبلغ نصف كيلو وحيث أن هذه القرية بين المسجدين فقد عمدنا القاضي بإبلاغهم أننا لا نرى مسوغاً لإقامتهم الجمعة في مسجدهم، وإنما يستمرون كما كانوا عليه في السابق، أحببنا تعريفكم بذلك والسلام عليكم.
(ص ـ ف ـ 31 في 7/1/1384هـ)
(789 ـ صلاة العيدين بين القريتين)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم فضيلة قاضي بقعاء سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
قد وصلنا خطابكم الجوابي رقم 251 وتاريخ 16/11/1385هـ حول ما استفسرنا عنه بصدد ما تقدم به أهالي " حمام" بشأن طلبهم الإذن لهم بصلاة عيدي الأضحى والفطر، وفهمنا ما جاء مشروحاً بخطابكم المذكور من أنكم عمدتم أحد موظفي المحكمة بتكييل المسافة الواقعة بين " حمام" و "بقعاء" وأنه وجد أن المسافة تقدر بستة أكيال للقرية القريبة، والبعيدة بتسعة أكيال، وأنه كما ذكرتم يترتب على هذا البعد مشقة بالنسبة لأهل القريتين في ذهابهم إلى بقعاء لصلاة عيدي الفطر والأضحى، كما أنه يوجد مكان يسمى قاع المسلح إذا سال تتوقف المواصلات بينهم مما قد ينجم عنه تفويتهم لصلاة أحد العيدين إلى آخر ماذكرتم.
وبناء على ذلك لا نرى مانعاً من إقامة صلاة عيدي الأضحى والفطر في مكان يقع بين القريتين وتسهيلاً لهم لصلاة العيدين على(3/29)
وجه صحيح، وعليكم إبلاغهم بموافقتنا على ذلك هذا والسلام عليكم.
(ص ـ ف ـ 2695 في 22/11/1385هـ)
(790 ـ بين الهجرة والبلد أكثر من عشرين كيلو)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم قاضي محكمة بقعا ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
بشأن ماذكرتم في خطابكم الوارد إلينا برقم 27 وتاريخ 27/7/84هـ بخصوص الهجرة التي كان يقام فيها جمعة فيما سبق ثم تركت إقامة الجمعة لأسباب لم تعرضوها، ولا تزال الهجرة قائمة وأهلها يلاقون مشقة من الذهاب إلى البلدة المجاورة لهم. حيث المسافة تبعد أكثر من عشرين كيلو متراً، وأن أهلها يطالبون بإعادة الجمعة والحال أن عددهم يقل عن العدد المطلوب لإقامتها إلى آخر ما ذكرتم.
وجواباً على ما عرضتموه في الخطاب المشار إليه نرى أنه مازال الأمر كما ذكرتم من تحقق وجود المشقة للمسافة البعيدة والتي نبهتم عنها، وأهل الهجرة مستوطنون فيها صيفاً وشتاء، فلا مانع من إقامة جمعة عندهم هذا والسلام عليكم.
مفتي البلاد السعودية
(ص ـ ف ـ 2613 ـ 1 في 23/10/1384هـ)
(791 ـ بينهما أكثر من فرسخ وتختص كل قرية باسمها)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بالطائف ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:(3/30)
فنعيد إليكم أوراق المعاملة الواردة إلينا منكم برقم 1561 وتاريخ 7/3/1384هـ المتعلقة بالتحقيق حول ماتقدم به حميد ابن فرج المالكي من أن بعض جماعتهم انفرد عنهم بصلاة الجمعة في قريتهم، حيث أطلعنا على ماأجراه فضيلة قاضي بني مالك بخطابه رقم 38 وتاريخ 27/2/1384هـ أن القرى الثلاث متباعدة بعضها عن بعض، وتقدر المسافة بين قرية الهلال وقرية عيضه بن درويش وحمزه بن تركي بما ينوف عن فرسخ، وبينهما مزارع وأرض فضاء كما أن كل قرية تختص باسم مفرد عن الأخرى، وبالنظر للمصلحة العامة من درء المفاسد وجلب المصالح فإن الذي نراه عدم تكليف سكان قرية ابن درويش وحمزه بن تركي بالذهاب لقرية الهلال لصلاة الجمعة، والسماح لهم بإقامتها في قريتهم اهـ.
وبتأمل ماذكره فضيلة قاضي بني مالك رأينا الموافقة عليه، فبلغوهم بذلك. والسلام.
مفتي البلاد السعودية.
(ص ـ ف ـ 1080 في 24/4/1384هـ)
(792 ـ قرية مستقلة باسمها وتبعد كيلو ونصف عن الهجرة)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي محكمة ضرية ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فبالإشارة إلى الاستفتاء الوارد إلينا من طلحاب بن زهيميل بخصوص طلبه هو وجماعته إفتاءهم بإقامتهم جمعة في مسجدهم الكائن في هجرة البدائع وذكركم أن عددهم يقارب الخمسة(3/31)
والعشرين، وأنهم يبعدون عن هجرة مطيوى وهي أقرب إليهم قرابة كيلو ونسف.
فإذا كانت هجرتهم البدائع منفصلة عن غيرها من الهجر المجاورة ومعروفة باسمها الذي يميزها عن غيثرها، فلا نرى بأساً في السماح لهم بإقامتهم الجمعة في هجرتهم. حيث أنها حسب تفصيلكم قرية مستقلة ليس غيرها من القرى المجاورة أولى بتبعيتها، لإحاطتكم بفتوانا. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف 1037 ـ 1 في 8/4/1387هـ)
(793 ـ قرية منفصلة عن البلد بصحراء ولها اسم خاص وعددهم كثير)
الحمد لله , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد: فقد سألني الشريف ناصر بن صامل عن السماح بإقامة الجمعة في مسجدهم الواقع في محلتهم الحزم من قرايا ونية.
وحيث أنه تحقق لدينا أن محلة الحزم منفصلة عن بلدة رنية بصحراء. ولها اسمها الخاص , وعددهم أكثر من الأربعين بكثير أفتيت له بجواز إقامتهم الجمعة في المسجد المذكور كي لا يخفى، قاله ممليه الفقير إلى ربه محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
(ص ـ ف 195 في 28/5/1383هـ)
(794 ـ بينهم وبين الجامع أربع كيلو صحراء)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس محكمة الرس ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:(3/32)
بالإشارة إلى كتابكم لنا رقم 802 وتاريخ 6/9/88هـ الجوابي على كتابنا لكم برقم 1872 ـ 1 وتاريخ 2/7/8هـ بخصوص طلب أهل الرفايع الانفراد بصلاة الجمعة، وحيث ذكرتم أن المسافة بينهم وبين أقرب مسجد جامع تقام فيه الجمعة أربعة كيلو ومائتا متر تقريباً، وأن هذه المسافة صحراء، وأن عدد الجماعة سبعة وأربعون نفراً منهم ثلاثون مستوطنون وسبعة عشر مجا ورون لهم، وأنهم أبدوا رغبتهم في الصلاة معهم، وأن انفرادهم لا يضر بأهل مسجد سمحه، وأنه ليس بينهم شحناء، وبناء على ذلك فاعتمدوا تبليغهم بإذننا لهم بالانفراد في صلاة الجمعة في مسجدهم الرفايع.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 3535 ـ 1 في 11/11/1388هـ)
(795 ـ نقل الجمعة من مسجد بعيد إلى آخر في وسط البلد)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم الشيخ صالح عبد الرحيم قاضي رابغ ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فقد وصلنا خطابكم المتضمن استفتائكم الذي تقول فيه: إن أهالي رابغ يصلون في مسجد عشرات السنين الجمعة والجماعة، وهذا المسجد يبعد عن البلد كثيراً، ويضيق الآن بالمصلين، زيادة على قدمه وعدم تهويته، والحال أن بعض المحسنين قد بنى في وسط البلد مسجداً واسعاً بكثير عن سابقه مع تهويته وحسن بنائه، وقد طلبوا إفتائي في صحة نقل صلاة جمعتهم فقط في هذا المسجد الجديد مع إقامة الجماعة في المسجد السابق، نظراً لقربه منهم ولمميزاته السابقة(3/33)
ولعدم إمكان إقامة جمعتين في رابغ. إلخ.. وتستفتي في جواز نقل صلاة الجمعة فقط إلى هذا المسجد.
والجواب: الحمد لله حيث كان الأمر كما ذكرت فلا بأس بنقل الجمعة فقط إلى المسجد الجديد للمسوغات الموضحة في السؤال والله والموفق والسلام عليكم.
(ص ـ ف ـ 357 في 18/4/1387هـ)
(796 ـ تفريقها لازدحام الجوامع وبعد المساكن)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم فضيلة رئيس محكمة بريدة سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد وصلنا كتابك رقم 2434 وتاريخ 23/2/81هـ والأوراق المشفوعة به بصدد الاستئذان في إقامة الجمعة في جهة الخبيب، وماذكرتموه من أن هناك ضرورة لإجابة طلبهم وضرراً لاحقاً لبعضهم لبعد الجوامع عن مسكنهم.
ومادام قد ثبت لديكم مسوغ جواز إقامة الجمعة في تلك الجهة لازدحام الجوامع بالمصلين وبعدها عن مساكن أهل الخبيب فلا بأس بالسماح لهم بذلك. وتعمدون أهل الخبرة والمعرفة من يوثق بكلامه ويعرف منه العدل والتقى في تعيين المسجد، درءاً للنزاع وتحصيلاً للصالح العام. وبالله التوفيق.
والسلام عليكم (ص ـ ف ـ 451 في 13/4/1381هـ)
(797 ـ الجوامع تمتلء وبينهم وبينها مسافة كيلو ونصف)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بالطائف ... سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:::::::(3/34)
فقد جرى الإطلاع على المعاملة المرفوعة إلينا منكم رفق خطابكم رقم 5737 وتاريخ 19/8/84هـ بخصوص مطالبة أهالي محلة الشهداء بإقامة جمعة في محلتهم نظراً لبعدها عن جوامع مدينة الطائف، ونظراً لازدحام المساجد بالمصلين، وتذكرون في خطابكم أن المسجد المراد إقامة جمعة فيه في محلة الشهداء يبعد عن أقرب جامع إليهم مسافة كيلوين ونصف، وأن الجوامع تمتلئ بالمصلين ماعدا مسجد ابن ع باس فإن فيه سعة في فصل الشتاء فقط، أما في الصيف فجميعها تمتلئ ويحصل فيها تضايق، وتذكرون أن محلة الشهداء كبيرة وآهلة بالسكان مترامية الأطراف إلى آخر ماذكرتهم وحيث الأمر كما ثبت لديكم من وجود مسوغات الإذن لهم بإقامتهم الجمعة في محلتهم فلا بأس بإقمتهم الجمعة في المسجد المشار إليه في أوراق المعاملة، فاعتمدوا إبلاغهم بذلك، وإذا كان إمام المسجد أهلاً للصلاة بهم جمعة فذاك، وإلا فتعمدون من ترونه أهلاً للصلاة بهم بصفة مؤقتة حتى يتم تعيين إمام جمعة راتب.
وبالله التوفيق. والسلام عليكم.
مفتي البلاد السعودية
(ص ـ ف 2354 ـ 1 في 11/9/1384هـ)
(798 ـ إذا أقيمت في مسجد آخر بغير إذن الإمام)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة.
رئيس مجلس الوزراء ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فنبعث لجلالتكم بالأوراق المتعلقة بقضية نقل الجمعة من مسجد الجامع في قرية موقق إلى مسجد جديد اقترح تأسيسه(3/35)
المشتملة على خطاب فضيلة رئيس محكمة حائل رقم ... وتاريخ ... المتضمن أن هذا العمل من مندوبي وزارة الحج والأوقاف أحدث تشويشات بين الأهالي، وشقاقاً بينهم.::::::
وتعرفون حفظكم الله أن نقل الجمعة من مسجد إلى آخر من الأمور الشرعية التي لا يجوز إجراء شيء منها إلا لجهة الاختصاص بموجب المسوغات الشرعية، ذلك أن الجمعة لا تجوز إلا فيما يأذن الإمام بإقامتها فيه، فإذا أُقيمت في مسجد آخر بغير إذن الإمام فجمعة من صلى فيه غير صحيحة وتصرفات مندوبي الأوقاف بنقل الجمعة من مسجد مأذون بإقامتها فيه من الإمام أو نائبه إلى مسجد آخر لم يؤذن فيه بإقامة الجمعة تصرفات في غير محلها.
وفضلاً عن أنها تدخل فيما لا يعني مما أثار بين أهالي تلك القرية التشويشات والشقاق بينهم، فهي تصرفات تعر جمعة أهل هذه القرية للخلل.
لهذا نأمل جلالتكم تعميد وزارة الحج والأوقاف بملاحظة هذه الأمور وإرجاعها إلى جهة اختصاصها، والله يحفظكم.
مفتي الديار السعودية (ص ـ ف ـ 1056 ـ 1 في 11/8/1384هـ)
(683 ـ س: إذا صلى العبد يوم الجمعة هل تسقط الجماعة في المسجد الظهر؟
جـ ـ لهم يرد في الحديث أنهم يجتمعون ويصلون في المسجد ويؤذن لهم ظهراً والظاهر أنه لو فعل ذلك كان بدعة لأنه لم يكن(3/36)
في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بل سقط الحضور وكفى مجمع عن مجمع (1) (تقرير) .
(800 ـ ترك العمل يوم الجمعة)
جاء ترك التحلق يرم الجمعة للعلم وغيره، لأجل أنه يعوقه عن الصلاة، أما أن يترك العمل كل يوم جمعة فهذا من مشابهة أهل الكتاب. (تقرير)
(801 ـ ساعة الإجابة)
الراجح من أقوال العلماء أنها آخر ساعة ويليه في الرجحان أنه من حين يخرج الإمام إلى أن يفرغ من الصلاة، والأقوال هذه مبسوطة في " زاد المعاد " (2) (تقرير)
(802 ـ قوله: إلا أن يكون إماماً.
إذا لم يكن هناك باب من جهة المحراب.
(803 ـ مشي المأموم إلى فرجة أمامه إذا لم يكن كثيراً فلا بأس)
وأما " المسألة الثانية ": وهي حكم مشي الرجل متقدماً إلى فرجة في الصف الذي أمامه وهو في الصلاة.
فالجواب: إذا كان هناك فرجة ليس فيها أحد وتقدم لها الرجل فلا بأس بذلك ولو كان في الصلاة، وإذا قصد بذلك اتباع
_________
(1) أما الأمام فيصلي الجمعة لحديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، فما شاء أجزأه من الجمعة، وأنا مجمعون " رواه ابن ماجه.
قال شيخ الإسلام: والقول الثالث وهو الصحيح أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة، لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد، إلى أن قال: ثم أنه يصلي الظهر إذا لم يشهد الجمعة فتكون الظهر في وقتها. اهـ المقصود (الفتاوى الكبرى ج1 ص 150، 151.::::::
(2) انظر ج1 ص 473.(3/37)
الستة وامتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: " سدوا الخلل ولا تذروا فُرجات للشيطان " (1) فهو مثاب على قصده ونيته: ولا تبطل به الصلاة إذا لم يكن مشيه كثيراً، بدليل مشيه صلى الله عليه وسلم حين فتح الباب لعائشة، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. ... (ص ـ ف ـ 777 ـ 1 في 23/4/1383هـ)
(804 ـ لو صفوا فيما هو متخذ طريقاً في المسجد للنفوذ من موضع إلى موضع فإن له أن يتخطى، لأنهم هم الذين جلسوا في الطريق، فيقامون، لا ليجلس المقيم لهم. (تقرير)
(805 ـ وضع السجاجيد في المسجد الحرام ومنع الناس من الجلوس والصلاة عليها لا يجوز)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم أحمد رمضاني ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
وصلنا كتابكم تاريخ 23/9 الذي تذكرون فيه أن بعض الزمازمة والمطوفين يفرشون بسط وحنابل في المسجد، ويمنعون الناس من الجلوس عليها والصلاة، ويتحجرونها لبعض الحجاج الذين يفدون عليهم.
فنفيدكم أن هذا لا يجوز، لأن المساجد لله سبحانه، والسابق أحق من المتأخر، والسبق والتقدم إلى المسجد يكون بالبدن لا بالفراش والوطاء، فمنع الناس والحالة هذه لا يجوز، بل هو ظلم وغصب لتلك
_________
(1) أخرجه النسائي وأبو داو، ولفظه عن ابن عمر مرفوعاً: " أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي أخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفاً وصله الله ومن قطعه قطعه الله.::::::(3/38)
البقعة من المسجد بدون حق ,وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ظلم قيد شبر من الأرض طُوقَ به سبع أرضين يوم القيامة" (1) .
وأيضاً: فعمارة المساجد بطاعة الله فيها من الذكر والقراءة والصلاة كما في حديث أبي سعيد: " إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان ثم قرأت (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتي الزكاة) " الأية (2) رواه ابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب.
ومتحجر تلك البقعة مانع لتلك العمارة المعنوية المطلوبة شرعاً والمرغوب فيها، ولا يبعد دخوله تحت قوله سبحانه: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) الآية (3) .
ثم إن واضع ذلك الوطاء والفراش ونحوه قد يحمله ذلك على التأني والتأخر عن إتيان المسجد في أول الوقت، ويفوت على نفسه بسبب ذلك خيراً كثيراً، وقد يأتي متأخراً ويتخطى رقاب الناس وهذا حرام كما في الحديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتخطى رقاب الناس فقال له اجلس فقد آذيت " (4) .
ولم يكن من عادة السلف الصالح وضع تلك الفراش وتحجر المساجد، بل أنكروا ذلك وعدوه بدعة في الدين، وكل بدعة ضلالة، كما يرون أن عبد الرحمن بن مهدي فرش مصلاه في مسجد الرسول
_________
(1) عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أخذ شبراً من أرض ظلماً طوق يوم القيامة إلى سبع أرضين ". متفق عليه.
(2) سورة التوبة ـ 18.
(3) سورة البقرة ـ 114.
(4) وآنيت رواه ابن ماجه.::::::(3/39)
صلى الله عليه وسلم فأمر بحبسه، وقال أما علمت أن هذا في مسجدنا بدعة.
فإذا علمت ما ذكر فلا شك أن فعل ذلك في المسجد الحرام أعظم تحريماً وأشد منعاً، لعظم حرمة ذلك المسجد، وقد صرحت الأدلة أن المعاصي في الأيام المعظمة والأمكنة المعظمة تغلظ معصيتها وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان، قال الله سبحانه: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نُذقه من عذاب أليم) (1) .
قال ابن الحاج في " المدخل ": ليس للإنسان في المسجد إلا موضع قيامه وسجوده وجلوسه وما زاد على ذلك فلسائر المسلمين، فإذا بسط لنفسه شيئاً ليصلي عليه احتاج لأجل توسعة ثوبه شيئاً كبيراً ليعم ثوبه على سجادته، فيكون في سجادته اتساع خارج فيمسك بسبب ذلك موضع رجلين أو نحوهما إن سلم من الكبر من أنه لا ينضم إلى سجادته أحد، فإن لم يسلم من ذلك وولى الناس عنه وتباعدوا منه هيبة لكمه وثوبه وتركهم هو ولم يأمرهم بالقرب إليه فيمسك ما هو أكبر من ذلك فيكون غاضباً لذلك القدر من المسجد، فيقع بسبب ذلك في المحرم المتفق عليه المنصوص عن صاحب الشريعة حيث قال: " من غصب شبراً من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة " وذلك الموضع الذي أمسكه بسبب قماشه وسجادته ليس للمسلمين به حاجة في الغالب إلا وقت الصلاة، وهو في وقت الصلاة غاصب له، فيقع في هذا الوعيد بسبب قماشه وسجادته، فإن بعث بسجادته إلى المسجد في أول الوقت أو قبله ففرشت له هناك وقعد هو إلى أن يمتلئ المسجد بالناس ثم يأتي كان غاضباً لذلك الموضع
_________
(1) سورة الحج ـ 35.::::::(3/40)
الذي عملت السجادة فيه، لأنه ليس له أن يحجزه، وليس لأحد فيه إلا موضع صلاته. انتهى.
وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية في " الفتاوى المصرية" (1) : وأما مايفعله كثير من الناس من تقديم المفارش إلى المسجد يوم الجمعة أو غيرها قبل ذهابه إلى المسجد فهذا منهي عنه باتفاق المسلمين بل محرم. وهل تصح صلاته على ذلك المفروش، فيه قولان للعلماء لأنه غصب بقعة في المسجد في فرش ذلك المفروش فيها، ومنع غيره من المصلين الذين يسبقونه إلى المسجد أن يصلي في ذلك المكان، ومن صلى في بقعة من المسجد مع منع غيره فهل هو كالصلاة في الأرض المغصوبة؟ على وجهين وفي الصلاة في الأرض المغصوبة قولان للعلماء، وهذا مستند من كره الصلاة في المقاصير التي تمنع صلاة عموم الناس، والمشروع في المسجد أن الناس يتمون الصف الأول. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا تصفون كما تصف الأول. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها قالوا وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصف الأول فالأول ويتراصون في الصف " (2) وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لو يعلم الناس مافي النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون مافي التهجير لاستبقوا إليه " والمأمور أن يسبق الرجل بنفسه إلى المسجد، فإذا قدم المفروش وتأخر فقد خالف الشريعة من وجهين: من وجه تأخره وهو مأمور بالتقدم. ومن جهة غصبه لطائفة من المسجد ومنع السابقين إلى المسجد أن يصلوا فيه وأن يتموا
_________
(1) جـ 2 ص49.
(2) أخرجه النسائي في الامامة.(3/41)
الصف الأول فالأول. ثم أن يتخطى الناس إذا حضروا، وفي الحديث " الذي يتخطى رقاب الناس يتخذ جسراً إلى جهنم" (1)
وقال النبي صلى الل عليه وسلم للرجل: " اجلس فقد آذيت" ثم إذا فرش هذا فهل ان سبق إلى المسجد أن يرفع ذلك ويصلي موضعه؟ فيه قولان: أحدهما ليس له ذلك لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه والثاني وهو الصحيح أن لغيره رفعه والصلاة مكانه، لأن هذا السابق يستحق الصلاة في الصف المتقدم، وهو مأمور بذلك أيضاً، ولا يتمكن من فعل هذا المأمور واستيفاء ذلك الحق إلا برفع ذلك المفروش. ومالا يتم المأمور إلا به فهو مأمور به، وأيضاً فذلك المفروش وضعه هناك علىوجه الغصب، وذلك منكر , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " (2) لكن ينبغي أن يراعى في ذلك أن لا يؤول إلى منكر أعظم منه (3) وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(ص ـ ف ـ 131 في 30 ـ 10ـ 1374هـ)
(806 ـ في مقدمة الصف وأمره بالقيام)
" الثانية " أنك ترى أُناساً عندما يجدون أحد المصلين جالساً في مقدمة الصف في المسجد يأمرونه بالقيام من مكانه بحجة أن هذا المكان لشخصية كبيرة، وتسأل هل هذا جائز؟
والجواب: من سبق إلى مالم يسبق إليه مسلم فهو أحق به: فإذا ثبت أحقيته بهذا المكان الذي سبق غيره إليه فلا يجوز إقامته
_________
(1) " من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسراً إلى جهنم " أخرجه الترمذي عن معاذ ين أنس الجهني..::::::
(2) رواه مسلم.
(3) انتهى كلام شيخ الاسلام.(3/42)
عن مكانه، إلا أنه إذا لم يكن من أولى الأحلام والنهى كما أمر صلى الله عليه وسلم.
(ص ـ ف ـ 1036 ـ 1 في 8/4/1387هـ)
(807 ـ س: وضع العصا)
جـ: إن قدم عصاه وحدها لم يجز، أما من طرأ عليه حادث فوضع عصاه فقد يكون مستحباً. (تقرير) .
(808 ـ س: " ومن لغا فلا جمعة له " (1)
جـ ـ يكتب له فضل صلاة أخرى غير صلاة الجمعة، فإن الجمعة تشتمل على خطبة وصلاة لأنه تكلم في ذلك وخالف.
وممكن أن يكون من أحاديث الوعيد يمر كما جاء" فقد لغى ولا جمعة له " (تقرير)
(809 ـ تكلم الامام على أود يلعبون وهو في الخطبة.. ونزل وضرب الصبيان)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس محكمة الدوادمي ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك رقم 1843 وتاريخ 8/8/88 هـ المرفق به استفتاء حسن الخطيب المدرس بكبشان عن مسألتين: المسألة الأولى: عن إمام يخطب خطبة الجمعة فجاء صبيان يلعبان فتوقف عن الخطبة وتكلم على الأولاد وقال: الله يقلعكم ثم تكلم على الحاضرين وقال: أنتم ماتعرفون تربون أولادكم، قوموا أخرجوهم
_________
(1) أخرجه أبو داود عن علي في حديث طويل.::::::(3/43)
فلم يقم أحد، ثم أكمل الخطبة الأولى وأخذ عصاه ونزل عن المنبر وضرب الصبيين وأخرجهما من المسجد ويسأل عن حكم ذلك.
والجواب: ماكان ينبغي للإمام أن يفعل هذا، وإذا أراد أن يعلمهم فيكون بطريقة الحكمة والموعظة الحسنة وتبيين كلام أهل العلم: وكأن الإمام وفقه الله لم يبلغه الحديث الصحيح: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس إماماً وهو حامل أمامة بنت بنته زينت على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها " (1) وقصة ركوب الحسين عليه في سجوده وكلام العلماء في هذا معروف، ومع هذا ف لا تبطل الخطبة بمثل هذا الكلام لأنه ليس بكلام محرم، وإ نما هومكروه لا يليق من مثل هذا الإمام في مثل هذا المقام، مع أن جنس الكلام من الإمام وهو يخطب جائز لا بأس به، فيجوز له أن يخاطب أحد المأمومين أو يخاطبه فيما كان فيه مصلحة عامة أو خاصة (2) .
(ص ـ ف ـ 379ـ1 في 19/12/1388هـ) .
(810 ـ مصافحة المأموم من على يمينه وشماله إذا دخل الخطيب)
" السؤال السادس" اعتاد بعض الناس في الجمعة إذا دخل الإمام يصافح من عن يمينه وشماله بعد جلوس الإمام على المنبر، وكذلك استعماله المروحة (المهفة) في وقت الحر في القرى.
والجواب: أما مااعتاده بعض الناس من المصافحة إذا دخل الإمام يوم الجمعة فيصافح الذي عن يمينه والذين عن شماله فبدعة، وأما استعمال المهفة في وقت الحر والإمام يخطب فلا بأس به.
مفتي البلاد السعودية، (ص ـ ف ـ 3026 ـ 1 في30/7/1387هـ)
_________
(1) أخرجه الستة إلا الترمذي.
(2) المسألة الثانية تقدمت في سجود السهو.::::::(3/44)
(811 ـ التذكير بعد صلاة الجمعة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم عبد المحسن بن محمد التويجري سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فبالإشارة إلى كتابكم المؤرخ 9/3/1375هـ بشأن بعض المسائل التي تسألون عنها:
ونفيدكم أن الوعظ والارشاد والتعليم لا يتقيد بزمن بل ينظر فيه المصلحة وحالة المتعلمين ونحوهم، فينبغي تخولهم بالموعظة وعدم الإملال، كما روى البخاري في صحيحه عن أبي وائل قال: كان عبد الله بن مسعود يذكر الناس في كل خميس، فقال له رجل ياأبا عبد الرحمن أوددت أنك ذكرتنا كل يوم، قال أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا.
وإما المنع من الموعظة والتذكير بعد صلاة الجمعة فلا أعلم له أصلاً بل قد روي عن جماعة من الأئمة كالشيخ تقي الدين أنه كان يقرأ الحديث بعد صلاة الجمعة، وكذلك يذكر الشيخ عبد الغني بن سرور صاحب العمدة وغيرهم، وقال الإمام أحمد: إذا كانوا يقرؤون الكتاب يوم الجمعة على الناس بعد الصلاة أعجب إليّ أن يسمع إذا كان فتحاً من فتوح المسلمين، أو كان فيه شيء من أمور المسلمين وإن كان إنما فيه ذكرهم فلا يسمع.
أما قبل صلاة الجمعة فقد صرح العلماء بكراهة التحلق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة " رواه أحمد وأبو داود والنسائي (ص ـ ف ـ 201 في 29/4/1375هـ) .(3/45)
ومن تقرير لشيخنا على (كتاب الإيمان ص147) في وصف ابن تيمية لنفاق عبد الله بن أبي سلول.:
قال ابن تيمية: فإن ابن أبي كان مظهراً لطاعة النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان به، وكان كل جمعة يقوم خطيباً في المسجد يأمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
قال شيخنا: هذا مما يستدل به على أنه لا بأس بالموعظة بعد الجمعة، ولعله لا في كل شيء، وكان الشيخ تقي الدين يحاضر بعد الجمعة في أشياء من بيان السنة، فلعله إذا كان لأشياء هامة لا بأس ولعله إذا كان من باب الوعظ لا ينبغي، إكتفاء بالخطبة.
(تقرير 79هـ)
(باب صلاة العيدين)
(الحكمة في شريعة العيدين)
" عيد الفطر " شكر لله وسرور وابتهاج بما من الله على العبد بتكميل رمضان. ومثله " عيد النحر " فإنه يوم سرور وأنس لكمال ماتعبد به في يوم عرفة وماحواليه من أيام الحج، وأيضاً مابعده من الأيام الثلاثة هي أيام أعياد تبعاً. (تقرير)
(812 ـ انقسام الأعياد إلى شرعية وبدعية)
" العيد ": منه مايكونواجباً اعتياد ذلك، ومنه مايكون منندوباً، ومنه ماهو بدعي ولا يجوز، لا يسوغ تعظيم شيء إلا ماعظم في الشريعة.(3/46)
فالبدعي هو اتخاذ زمن عيداً لم يتخذه الشرع ولم يأذن فيه لمفهوم قوله " عيدُنا أهل الإسلام" (1) .
وفي الحديث الآخر " هل كان في ها عيدٌ من أعياد الجاهلية" (2) فأهل الجاهلية يعظمون أزمنة لمناسبات لها، ويعظمون أمكنة لمناسبات لهم، وكلها أو أكثرها أو الكثير منها على تخيل جهلي وخرافة، والخالي من الخرافة من الأمور الجاهلية.
وقد اتبع الجاهلية في تعظيم الأزمنة والأمكنة كثير من أمة الدعوة وهي من قبور، وفي الحديث: " لا تتخذوا قبري عيداً " (3) ومن تماثيل، ومن أزمنة، وقد يسمونها (الذكريات) جمع ذكرى، كل معظم يكون له ذكرى إما حولية أو مأوية أو ألفية، أو لأوقات جرى لمعظميهم فيها سرور من تولية رياسة، يجعلون ذلك اليوم عيداً، حتى يجعلون لبعض الأشياء التي ليست من الأناسي كما عند أهل مصر من ذلك ألوان، ومن ذلك (عيد النيل) وراثة منهم للصنيع الفرعوني من عيد النيل الذي جاء في الأثر أن عمراً كتب إلى عمر أنه كان لهم في النيل عادة وأنه يقف ولا يجرى حتى يجهزوا جارية حسناء بالحلي وغير ذلك ثم يلقونها فيه فيجري فكتب عمر كتاباً وأرسله إلى عمرو، ومضمونه، من عبد الله عمر، إلى نهر النيل، وبعد إن كنت تجري من عند نفسك فلا تجر، وإن كنت تجري بأمر الله
_________
(1) ولفظه عند مسلم عن عائشة قال: " دخل عليّ أبو بكر وعندي جاريتان تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث قالت: وليستا بمغنيتين فقال أبو بكراً بمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ياأبا بكر ان لكل قوم عيد وهذاعيدنا، وأخرجه ابن ماجه في النكاح.
(2) الحديث أخرجه أبو داود في كتاب الايمان.::::::
(3) رواه في المختاره.::::::(3/47)
فاجر، فجرى وانقطعت تلك العادة، لكن العيد لم ينقطع فكانوا يعملون جارية من جبس.
المقصود: أن الأعياد الزمانية السنوية ليس لأهل الإسلام إلا هي، وهي عيد الفطر والأضحى وأيام التشريق، ثم الأعياد المكانية مافيه إلا يوم عرفة والمشاعر، وماسوى ذلك فهو من أسباب الشرك ومحرم. (تقرير) .
(813 ـ حكم إقامة الموالد، وذكريات الأيام، والاحداث، والوقائع في الهجرة والفتح، وهل هي من علامة حب الرسول)
1 ـ السؤال الأول: مجمع الموالد والجلوس فيها ثم القيام فيها وإيقاد العود واللبان وفرش البساط وغير ذلك: هل هذا جائز، أو منهي عنه؟ وكذلك تعيين يوم معلوم لذلك؟ .
2 ـ السؤال الثاني: بعد الصلاة المكتوبة والإمام والمأمومين يصلون السنة والنوافل يرفع الإمام يديه ويدعو هو والمأمومين، ويؤمنون: هل هذا جائز، أو منهي عنه؟
3 ـ السؤال الثالث: بعد صلاة التراويح وبعدما يصلي الرجل ركعتين منها يرفع رجل منهم صوته ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرفع الباقون أصواتهم معه حتى يكونوا بصوت واحد: هل هذا جائز، أم لا؟
4 ـ السؤال الرابع: بعدما يتم العشرين من التراويح يجتمعوا على صوت واحد لإظهار شوكة الإسلام فيقولوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، برفع الصوت حتى يكونوا كصوت واحد، هل هذا يجوز، أم لا؟ .(3/48)
(هذه الأسئلة موجهة من الجمعية الإسلامية ببرمان بلدة ماندلي)
الجواب: الحمد لله، إقامة الموالد وذكريات الأيام والاحداث والوقائع مما شرعه النصارى واليهود، وقد نهينا عن أعياد أهل الكتاب والأعاجم، لما في ذلك من الإبتداع ومشابهة الكفار. وسائر ما استحدث من الأعياد والمواسم منكر مستكره، حتى وإن لم تكن فيه مشابهة لأهل الكتاب والأعاجم، لدخوله في مسمى البدع والمحدثات، حتى ولو كانت إقامتها لذكرى " مولد الرسول صلى الله عليه وسلم " ذلك لأن الأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ماشرعه الله تعالى.
والأصل إنما قام على اتخاذ دين لم يشرعه الله أو تحريم مالم يحرمه ومن هنا بنى الأئمة انقسام الأعمال إلى عبادات تتخذ ديناً وعادات ينتفع بها، والأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره.
والمواسم المحدثة إنما استكرهت وأنكرت ونهى عنها لما يحدث فيها مما يتقرب به كدين، ولدخولها في مسمى البدع والمحدثات.
وقد روى مسلم في صحيحه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا خطب يقول: " أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ".::::::
وروى مسلم كذلك في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، وفي حديث صحيح من رواية أهل السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ".
وكما أن هذه القاعدة مدلول السنة ومدلول الإجماع فهي كذلك(3/49)
مدلول كتاب الله تعالى، قال تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) (1) فمن ندب إلى شيء يتقرب به أو أوجبه بقول أو فعل من غير أن يشرعه الله فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكاً لله فيما أوجبه عليه من طاعة، ومن أطاع أحداً في دين لم يأذن به الله من تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب فقد لحقه من الإثم ما يلحق الآمر الناهي، أخذاً من قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم) الآية (2) وقد أثر في تفسيرها أن عدي بن حاتم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما عبدوهم قال: " ما عبدوهم ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم ".
هذا والذهاب إلى انقسام البدع والمحدثات إلى حسن وقبيح أخذاً من قول عمر في صلاة التراويح: نعمت البدعة هذه.
واستدلالاً بما حدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال مما استحسن ولم يستكره أخذاً من الأدلة الدالة عليه من الإجماع والقياس ـ الذهاب إلى ذلك مدفوع بإطلاق نص رسول الله صلى الله عليه وسلم " وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة".
فلا يحل لأحد أن يقيد إطلاق دلالة هذا النص، والمنازع في ذلك مراغم على أنه يقال: ما ثبت حسنه فليس من البدع، فيبقى العموم محفوظاً لا خصوص فيه، أو يقال: ما ثبت حسنه مخصوص من هذا العموم، فيبقى فيما عداه على عمومه، والمخصص إنما هو الدليل الشرعي من الكتاب والسنة والإجماع نصاً واستنباطاً، لا عادات
_________
(1) سورة الشورى ـ 31
(2) سورة التوبة ـ آية 21.::::::(3/50)
بعض البلاد ولا الأقوال ولا الآراء مهما كثر أصحابها، فإن شيئاً من ذلك لا ينهض أبداً، ولا يصلح معارضاً لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا فتخصيص يوم من الايام وتمييزه على غيره بشيء من الطاعات أمر توقيفي إنما يصار في معرفته إلى الشريعة المطهرة، ولم تخصص الشريعة يوماً من الأيام باتخاذه عيداً للإسلام سوى يومي العيدين عيد الفطر وعيد النحر وما يتبعه من أيام التشريق الثلاثة، وسوى العيد النسبي وهو يوم الجمعة، فإنه عيد الأسبوع فليس للمسلمين أن يتخذوا عيداً سواها.
على أن الوقائع المتعددة وأبرزها " الهجرة" و " الفتح " لم تتخذ أعياداً فاتخاذ الذكريات والموالد أعياداً حدث في الإسلام منكر مستكره لم يشرعه الله وليس من دين الحق في شيء، ولو كانت إقامتها خيراً محضاً أو راجحاً لسارع إليها السلف الصالح، فإنهم كانوا أحرص الناس على الخير أخذاً به وسبقاً إليه.
ولو كانت إقامة الموالد للنبي صلى الله عليه وسلم من أعلام حبه أو تعظيمه لأقاموها، فإنهم كانوا أعلم الناس بما يصلح له صلى الله عليه وسلم، ومن أشدهم تعظيماً له وحباً فيه، ولو كانت خيراً لسبقونا إليها، لكنه لم يؤثر شيء من ذلك أصلاً عن أحد من خلفائه أو صحابته أو أئمة آله المرضيين المهديين، وإنما الذي أثر عنهم هو ما عرفوه من الحق من محبته وتعظيمه وهو متابعته وطاعته وإحياء سنته ونشر ما بعث به، وهذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.::::::
(ص ـ ف ـ 178 في 11/4/1375هـ) (1)
_________
(1) جواب السؤال الثالث والرابع تقدماً في صلاة التطوع.::::::(3/51)
(814 ـ انكار ما في مفكرة الرابطة من أعياد أهل الضلال)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
اطلعت على مفكرة عام 1389هـ التي تهديها الرابطة لبعض الشخصيات، ووجدنا في الورقة الرابعة منها ما عنوانه (الأعياد الدينية) وعدد فيها عشرة أعياد، والحقيقة أن هذا شيء مؤسف جداً كيف وصلت الحال إلى هذه الغاية، فإن أعياد الإسلام هي عيد الفطر وعيد الأضحى فقط، هذه أعياده السنوية، وما عداها مما ذكر في الورقة فهو من أعياد أهل الضلال والإبتداع وشرع دين لم يأذن به الله: [أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله] ولانقر صدور هذا وأمثاله عن الرابطة، ونبرؤ إلى الله من ذلك. وإنا لمنتظرون ما تعملونه تجاه هذه الدسية الشيطانية. والسلام عليكم ورحمة الله.
(ص ـ م ـ 195 في 13/8/1389هـ)
(815 ـ حكم نشر ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد طالعنا مجلة رابطة العالم الإسلامي العدد الأول الصادر في ربيع الأول قام 1383هـ فوجدنا فيها في الصحيفة السادسة(3/52)
والسابعة كلمة بعنوان " مولد محمد صلى الله عليه وسلم " إعداد هيئة التحرير، كما وجدنا في الصحيفة الثامنة عشرة قصيدة قيل إنها للشاعر جورج نقولا عطية في ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وأنت تعرف أن ذكرى المولد شيء محدث في الدين، ولا أصل له في صدر هذه الأمة أبداً، وأن تعظيم وقت من الأوقات على سواه وتمييزه على ما عداه كتخصيص مكان على خلافه من الأمكنة من غير تخصيص شرعي لذلك الزمان أو المكان باطل، والتخصيص المذكور يدخل في التعبد، والعبادات مبناها على الأمر، وتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بالإيمان به، واتباعه، ومحبته، وتقديم محبته على النفس والأهل والمال والولد والناس أجمعين، إننا إن عظمنا يوماً من الأيام لم يجيء عن المعصوم صلى الله عليه وسلم تعظيمه أو مكاناً لم يثبت في الشرع المطهر تعظيمه نكون قد قدمنا بين يدي الله ورسوله، ودخلنا في عموم من ذمهم الله عز وجل بقوله: [أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله] وأعياد المسلمين ما جعله الشرع للمسلمين عيداً كعيد الفطر وعيد الأضحى ويوم عرفة وأيام التشريق وكيوم الجمعة فإنه عيد الأسبوع، كما أن أعيادهم المكانية هي التي جعلها الله لهم عيداً وهي مكة شرفها الله والمشاعر.::::::::::::
هذا وإن هذا الاقدام على إثبات ذلك ونشره في مجلة الرابطة من غير إذن من رئيس المجلس التأسيسي افتيات عليه، وربما نكتب رسالة حول هذا الصدد نبين فيها بالبرهان الشرعي صحة ما أبديته في هذه الأسطر، ولديكم كتاب إقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم، لشيخ الإسلام ابن تيمية فإنه ذكر حول ما نحن(3/53)
بصدده ما يكفي ويشفي، وكذلك غيره من كتب السلف التي اعتمد مؤلفوها بيان حقيقة ما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، والسلام عليكم (ص ـ م)
(16 ـ حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وقولهم ان الرسول يحضره، وهل يجوز حضور هذه الموالد، والانفاق عليها)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الرحمن بلوشي ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد جرى اطلاعنا على استفتائك الموجه إلينا بخصوص مجموعة مسائل.
" إحداها ": سؤالك عن حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وهل فعله أحد من أصحابه أو التابعين وغيرهم من السلف الصالح؟
الجواب: لاشك أن الإحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من البدع المحدثة في الدين، بعد أن انتشر الجهل في العالم الإسلامي وصار للتضليل والإضلال والوهم والإيهام مجال، عميت فيه البصائر وقوي فيه سلطان التقليد الأعمى، وأصبح الناس في الغالب لا يرجعون إلى ما قام الدليل على مشروعيته، وإنما يرجعون إلى ما قاله فلان وارتضاه علان، فلم يكن لهذه البدعة المنكرة أثر يذكر لدى أصحاب رسول الله ولا لدى التابعين وتابعيهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " وقال أيضاً " من(3/54)
أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " (1) وفي رواية: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (2) .
واذا كان مقصدهم من الاحتفال بالمولد النبوي تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإحياء ذكره فلاشك أن تعزيره وتوقيره يحصل بغير هذه الموالد المنكرة وما يصاحبها من مفاسد وفواحش ومنكرات، قال الله تعالى: [ورفعنا لك ذكرك] (3) فذكره مرفوع في الأذان والإقامة والخطب، والصلوات، وفي التشهد، والصلاة عليه في الدعاء وعند ذكره، فلقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ" (4) .
وتعظيمه يحصل بطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، فهو أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط، ولو كانت هذه الاحتفالات خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف الصالح رضي الله عنهم أحق بها منا، فإنهم كانوا أشد منا محبة وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم على الخير أحرص، ولكن قد لا يتجاوز أمر أصحاب هذه الموالد ما ذكره بعض أهل العلم: من أن الناس إذا اعترتهم عوامل الضعف والتخاذل والوهن راحوا يعظمون أئمتهم بالاحتفالات الدورية دون ترسم مسالكهم المستقيمة، لأن تعظيمهم هذا لا مشقة فيه على النفس الضعيفة.
ولاشك أن التعظيم الحقيقي هو طاعة المعظم والنصح له والقيام بالأعمار التي يقوم بها أمره ويعتز بها دينه: إن كان رسولاً، وملكاً إن كان ملكاً، وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيماً للنبي
_________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه مسلم.::::::::::::
(3) سورة الم نشرح ـ 4.
(4) أخرجه الترمذي في الدعوات وأخرجه الأمام أيضاً.::::::(3/55)
صلى الله عليه وسلم ثم للخلفاء الراشدين من بعده، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في هذا السبيل، إلا أن تعظيمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين لم يكن كتعظيم أهل هذه القرون المتأخرة ممن ضاعت منهم طريقة السلف الصالح في الإهتداء والإقتداء وسلكوا طريق الغواية والضلال في مظاهر التعظيم الأجوف، ولا ريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بكل تعظيم يناسبهم إلا أنه ليس من تعظيمه أن نبتدع في دينه بزيادة أو نقص أو تبديل أو تغيير لأجل تعظيمه به.
كما أنه ليس من تعظيمه عليه الصلاة والسلام أن نصرف له شيئاً مما لا يصلح لغير الله من أنواع التعظيم والعبادة. وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين، فقد كان جل ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية، وما زالوا يبتدعون بقصد التعظيم وحسن النية حتى صارت أديانهم غير ما جاءت به رسلهم، ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا وكما تساهل الخلف لضاع أصل ديننا أيضاً، ولكن السلف الصلاح حفظوا لنا الأصل فالواجب علينا أن نرجع إليه ونعض عليه بالنواجذ.
والخلاصة أن الاحتفال بالموالد من البدع المنكرة وقد كتبنا فيها رسالة مستقلة فيها مزيد تفصيل نزودكم بصورة منها (1) للانتفاع والله ولي التوفيق.
" الثانية" ذكرك عما يقوله بعض الجهال والمضللين: من أن الرسول عليه الصلاة والسلام يحضر الاحتفالات بمولده، وهذا من أبطل الباطل ومما لا يتسع له عقل عاقل.
_________
(1) وهي التي بعد هذه الفتوى.::::::(3/56)
" الثالثة " سؤالك عن حكم هذه الموالد، وهل يجوز الاشتراك فيها والإنفاق عليها , وقد مر الجواب عن حكم هذه الموالد في معرض جوابنا عن المسألة الأولى، أما الاشتراك فيها بالحضور والإنفاق عليها ونحوها فقد سبق لنا القول بأنها بدعة، وأن كل بدعة ضلالة فحضورها ضلال، والإنفاق عليها أو المشاركة في الإنفاق عليها مشاركة في الضلال والإضلال، وإشاعة الفحشاء والمنكر.
(ص ـ ف ـ 2110 ـ 1 في 21/7/188هـ) (1)
(701 ـ واذا اجتمع مع الاحتفال بمولده غناء ورقص ومردان واختلاط ونحو ذلك)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم إبراهيم بن محمد بن حمد ... سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفى به عن المسائل الآتية.
" المسألة الأولى": عن حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وهجرته، وغير ذلك مما ذكرتم في كتابكم.
والجواب: الحمد لله ـ لم يكن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم مشروعاً ولا معروفاً لدى السلف الصالح رضوان الله عليهم، ولم يفعلوه مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، فهم أحق بالخير وأشد محبة للرسول صلى الله عليه وسلم وأبلغ تعظيماً له، وهم الذين هاجروا معه وتركوا أوطانهم وأموالهم
_________
(1) وتقدم السؤال الرابع في رفع اليدين في الصلاة في الجزء الثاني والخامس عن اعتقاد أكثر الناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم نور من الله وجزء منه وليس بشراً في الرد على أهل الوحدة، والسادس في الذبح والنذر لغير الله، وكلاهما في الجزء الأول، والسادس في حكم الطعام للميت ويأتي الجنائز.::::::(3/57)
وأهليهم، وجاهدوا معه حتى قتلوا دونه، وفدوه بأنفسهم وأموالهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فلما كان غير معروف لدى السلف الصالح ولم يفعلوه وهم القرون المفضلة دل على أنه بدعة محدثة، وقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " وروى أصحاب السنن عن العرباض ابن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة " قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلية وهي قوله: " كل بدعة ضلالة" بسلب عمومها، وأن يقال ليست كل بدعة ضلالة فإن هذا إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل، وقال: إن قصد التعميم المحيط ظاهر من نص الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة الجامعة فلا يعدل عن مقصوده.::::::
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق عليه وفي رواية لمسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " تعرف بذلك أن هذا العمل لما كان مخالفاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مردود على صاحبه، لأنه محدث لم يكن عليه عمل الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وأصحابه السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم.(3/58)
إذا عرف هذا فالاحتفال بالمولد بدعة محدث مردود على فاعله، وهو يختلف بحسب على فاعله، وهو يختلف بحسب ما يعمل فيه من البدع والمحرمات، فإن خلا من المحرمات عموماً واقتصر فيه على عمل الدعوة من طعام وشراب وطيب ولم يحضره مردان ولا اختلط الرجال بالنسوان واعتقد فاعله أن هذامن الدين الذي يتقرب به إلى رب العالمين فهذا بدعة محدث مردود على فاعله.
وإن انضم إلى ذلك مايفعله كثير ممن يقيمون الاحتفالات بالموالد من استعمال الأغاني وآلات الطرب وقلة احترام كتاب الله تعالى، فإنهم يجمعون في هذه الاحتفالات بينه وبين والأغاني ويبدؤن به وقصدهم الأغاني، ولذلك ترى بعض السامعين إذا طول القارئ القراءة يملون ويتثاقلون منه لكونه طول عليهم.
وكذلك الافتتان بالمردان فإن الذي يغني في الاحتفالات ربما يكون شاباً لطيف الصورة حسن الهيئة فتجدهم يتثنون ويتكسرون في مشيتهم وحركاتهم ويرقصون ويتعانقون فتأخذهم أحوال النفوس الرديئة ويتمكن منهم الشيطان وتقوى فيهم النفس الأمارة بالسوء والعياذ بالله من ذلك.
وكذلك ما يحضره من النساء وافتتان الرجال بهن، وتطلعهم إليهن، وسماع أصواتهن، وتصفيقهن، وغير ذلك مما يكون سبباً لوقوع مفاسد عظيمة، إلى غير ذلك من الفتن والمفاسد التي لا تخفى على من عرف أحوالهم.::::::
وهذه البدعة أول من أحدثها أبو سعيد كوكابوري بن أبي الحسن علي بن باتكين في القرن السادس الهجري، ولم يزل العلماء المحققون(3/59)
ينهون عنها، وينكرون مايقع فيها من البدع والمحرمات منذ حدثت حتى الآن، وإليك بعض ما قالوا:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلكواتخاذه عبادة فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات واتخاذه عبادة فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا لجاهل أو زنديق.
وقال العلامة تاج الدين علي بن عمر اللخمي الكندري المشهور بالفاكهاني في رسالته في المولد المسماة " بالمورد، في الكلام على المولد " قال في النوع الخالي من المحرمات: لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولم ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة اعتنى بها الأكالون، بدليل أنا إذا أدرنا عليها الأحكام الخمسة: إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً، أو مكروهاً، أو محرماً، فليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً، لأن حقيقة المندوب ماطلبه الشرع من غير ذم على تركه وهذا لم يأذن فيه الشرع ولا فعله الصحابة ولا التابعون ولا العلماء المتدينون فيما علمت وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت , ولا جائز أن يكون مباحاً بإجماع المسلمين، فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً أو محرماً.::::::
ثم صور الفاكهاني نوع المولد الذي تكلم فيه بما ذكرناه: بأن يعمل رجل من عين ماله لأله وأصحابه وعياله، ولا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام، ولا يقترفون شيئاً من الآثام وقال: فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروه وشناعة، إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة الذين هم فقهاء الإسلام، وعلماء الأنام(3/60)
إلى أن قال الفاكهاني في " النوع الثاني " من المولد: وهو أن تدخله الجناية، وتقوى به العناية، لا سيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء مع البطون الملئى بآلات الباطل من الدفوف والشابابات، واجتماع الرجال مع الشبان المرد والنساء الفاتنات، إما مختلطات بهم أو مشرفات، ويرقصن بالتثني والانعطاف والإستغراق في اللهو.
وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذو المروءة من الفتيان، وإنما يحلو لنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات، لا من الأمور والمنكرات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقال ابن الحاج في " المدخل ": إن نية المولد بدعة، ولو كان الاشتغال في ذلك اليوم بقراءة صحيح البخاري.
وقال ابن حجر الهيثمي في " الفتاوى الحديثة": إن الموالد التي تفعل عندهم في زمنه أكثرها مشتمل على شرور، ولو لم يكن منها إلا رؤية النساء الرجال الأجانب لكفى ذلك في المنع، وذكر إنما يوجد في تلك الموالد من الخير لا يبررها مادامت كذلك القاعدة المشهورة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
وأما كونهم يرون أن من لم يفعل هذا فهو مقصر بحقوق النبي صلى الله عليه وسلم ومتنقص له.::::::
فجوابه: وأي تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الاحتفالات التي وصفها العلماء بما تمجه الأسماع، وتنفر منه سليمة الطباع، أليس المرجع في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره إلى ما يفعله به أصحابه وأهل بيته، وما فعله التابعون وتابعوهم بإحسان المشهود لهم بالخير، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم " كلّ بدعة(3/61)
ضلالة " وقوله " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وعن حذيفة رضي الله عنه: كل عبادة لم يتعبدها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها، فإن الأول لم يترك للآخر مقالاً.
وأيضاً فأكثر ما يقصد من تلك الاحتفالات التي تقام للرؤساء ونحوهم إنما هو الذكرى وبقاء أسمائهم، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أُعطى من ذلك ما لم يعطه أحد غيره، فقد رفع الله له ذكره دائماً قال تعالى: [ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذين أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك] فذكره صلى الله عليه وسلم مرفوع ومقرون بذكر ربه كما في الأذان والإقامة وخطبة الجمعة وغيرها.
وفي الصلوات، وفي التشهد، وغيرها، فهو صلى الله عليه وسلم أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط.
وقال السيد محمد رشيد رضى في كتابه " ذكرى المولد النبوي": إن من طباع البشر أن يبالغوا في مظاهر أئمة الدين والدنيا في طور ضعفهم في أمر الدين والدنيا، لأن هذا التعظيم لا مشقة فيه على النفس، فيعملونه بدلاً مما يجب عليهم من الأعمال الشاقة التي يقوى بها أمر المعظم ويعتز بها دينه.::::::
وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في هذا السبيل، ولكنهم دون أهل هذه القرون التي ضاع فيها الدين في مظاهر التعظيم اللساني، ولاشك أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بكل تعظيم، وليس من تعظيمه أن يبتدع في دينه شيء نعظمه به وإن كان بحسن نية، فقد كان جل ما أحدث أهل الممل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية، ومازالوا يبتدعون بقصد التعظيم وحسن النية حتى صارت أديانهم(3/62)
غير ما جاءت به رسلهم، ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا وكما تساهل الخلف الذين اتبعوا سننهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع لضاع أصل ديننا أيضاً، ولكن السلف الصالح حفظوا لنا الأصل، فعلينا أن نرجع إليه ونعض عليه بالنواجذ. انتهى.
وفيما ذكرنا كفاية لإيضاح حكم الاحتفالات بالموالد، وبيان مايفعل فيها من البدع والمفاسد.
(ص ـ ف ـ 1234 في 21/6/1389هـ) (1)
(818 ـ انكار الاحتفال بالمولد النبوي أو رد شبه الشنقيطي في تجويزه)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أما بعد:
فإن مما أحدث بعد القرون المشهود لها بالخير " بدعة الاحتفال بالمولد النبوي ".
وقد تجاهل محمد مصطفى الشنقيطي ذلك، حيث برر هذه البدعة في مقالته المنشورة في جريدة الندوة عدد 1111 الصادر في 7/4/1383هـ بأمور:
أحدها: دعوى تلقي الأمم الإسلامية هذا الاحتفال بالقبول منذ مئات السنين.
الثاني: تقسيم العز بن عبد السلام البدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة.
الثالث: قول عمر بن الخطاب في قضية التراويح: " نعمت البدعة"
_________
(1) المسألة الثانية في رجل اضطر للاقتراض من البنك. والمسألة الثالثة في حكم سفور المرأة وخروجها بين الرجال الأجانب، وتأتي في أول النكاح.
هذه الرسالة الثانية من ضمن " ثلاث رسائل " لسماحة مفتي الديار السعودية، نشرتها دار الافتاء عام 84هـ.::::::(3/63)
الرابع: قول عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.
الخامس: دعوى الكاتب في إقامة الاحتفال بالمولد صون عرض المملكة الغربية السعودية عن أن تنسب إلى تنقص النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يذاع عنها تنقصه وإحراق كتب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
فلهذا وجب نقض هذه الشبه التي أتى بها هذا الشخص أولاً، وبيان حكم المولد، ثانياً فمنقول، وبالله التوفيق:
أما دعوى الشنقيطي أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي وإن كان بدعة فقد تلقته الأمة بالقبول، فمن أقوى الأدلة على جهالته لأمور:
" أحدها ": أن الأمة معصومة من الاجتماع على ضلالة، والبدعة في الدين بنص الأحاديث النبوية ضلالة، فمقتضى كلام الشنقيطي أن الأمة اجتمعت في قضية الاحتفال بالمولد على ضلالة.
" الثاني " أن الاحتجاج على تحسين البدع بهذه الدعوى ليس بشيء في أمر تركته القرون الثلاثة المقتدى بهم كما بينه الشاطبي في " الاعتصام" نقلاً عن بعض مشايخه، ثم قال: ولما كانت البدع والمخالفات وتواطأ الناس عليها صار الجاهل يقول لو كان هذا منكراً لما فعله الناس، ثم قال: ما أشبه هذه المسألة بما حكي عن أبي علي ابن شاذان بسند يرفعه إلى أبي عبد الله بن إسحاق الجعفري، قال: كان عبد الله بن الحسن ـ يعني ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ـ يكثر الجلوس إلى ربيعة، فتذاكروا يوماً، فقال رجل كان في المجلس: ليس العمل(3/64)
على هذا فقال عبد الله: أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام فهم الحجة على السنة، فقال ربيعة: أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء.::::::
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " إقتضاء الصراط المستقيم، مخالفة أصحاب الجحيم ": من اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليها بناءاً على أن الأمة أقرتها ولم تنكرها فهو مطئ في هذا الاعتقاد، فإنه لم يزل ولا يزال في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المستحدثة المخالفة للسنة.
قال: ولا يجوز دعوى إجماع بعمل بلد أو بلاد من بلدان المسلمين فكيف بعمل طوائف منهم.
قال: وإذا كان أكثر أهل العلم لم يعتمدوا على عمل علماء أهل المدينة وإجماعهم في عصر مالك بل رأوا السنة حجة عليهم كما هي حجة على غيرهم مع ما أتوه من العلم والإيمان فكيف يعتمد المؤمن العالم على عادات أكثر من اعتادها عامة أومن قيدته العامة، أو قوم مترئسون بالجهالة لم يرسخوا في العلم، ولا يعدون من أولي الأمر ولا يصلحون للشورى، ولعلهم لم يتم إيمانهم بالله وبرسوله، أو قد دخل معهم فيها بحكم العادة قوم من أهل الفضل عن غير روية أو لشبهة أحسن أحوالهم فيها أن يكونوا فيها منزلة المجتهدين ثم ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الاحتجاج بمثل هذه الحجة ـ وهي دعوى الاجماع على العادات المخالفة للسنة ـ ليس طريقة أهل العلم، لكن لكثرة الجهالة قد يستند إلى مثلها خلق من الناس حتى من المنتسبين إلى العلم والدين، وذكر أن الأستناد إلى أمور ليست مأخوذة عن الله ولا رسوله ليس من طريقة أولي العلم والإيمان ثم قال: والمجادلة(3/65)
المحمودة إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستند الأقوال والأعمال. وأما إظهار الاعتماد على ما ليس هو المعتمد في القول والعمل فنوع من النفاق في العلم والجدل والكلام والعمل.::::::
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الإقتضاء": ما أكثر ما قد يحتج بعض من يتميز من المنتسبين إلى علم أو عبادة بحجج ليست من أصول العلم التي يعتمد في الدين عليها، وذكر أن التعلق في تحسين البدع بما عليه الكثير من الناس إنما يقع ممن لم يحكم أصول العلم، فإنه هو الذي يجعل ما اعتاده هو ومن يعرفه إجماعاً وإن لم يعلم قول سائر المسلمين في ذلك، ويستنكر تركه.
وذكر الشاطبي في " الإعتصام " أن منشأ الاحتجاج بعمل الناس في تحسين البدع الظن بأعمال المتأخرين وإن جاءت الشريعة بخلاف ذلك، والوقوف مع الرجال دون التحري للحق.
" الأمر الثالث " ما سنذكره عن علماء المسلمين من احتواء الاحتفال بالمولد على المحرمات، وبيان أن ما لم يحتو على المحرمات منه بدعة.
وأما تقسيم الشنقيطي للبدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة، وتمثيله للبدعة الواجبة بنقط حروف القرآن وتشكيلها وبناء مدارس العلم.
فالجواب عنه: أن هذا التقسيم في غاية المناقضة لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " وفي رواية النسائي " وكل ضلالة في النار" (1) وروى أصحاب السنن عن العرباض بن
_________
(1) وتقدم إلى شيخ الإسلام يتعقب هذه الرواية.::::::(3/66)
سرية، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الاقتضاء ": لا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلية وهو قوله: " كل بدعة ضلالة " بسلب عمومهاوهو أن يقال ليست كل بدعة ضلالة فإن هذا إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل وقال: إن قصد التعميم المحيط ظاهر من نص رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة الجامعة فلا يعدل عن مقصوده بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم. وذكر شيخ الإسلام: أن تخصيص عموم النهي عن البدع بغير دليل من كتاب أو سنة أو إجماع لا يقبل، فالواجب التمسك بالعموم.
وقال الشاطبي في " الاعتصام " في رد تقسيم البدعة إلى أحكام الشرع الخمسة: إن هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي، قال: وهو ـ أي هذا التقسيم ـ في نفسه متدافع، فإن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي لا من نصوص الشرع ولا من قواعده، إذ لو كان هناك من الشرع ما يدل على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثم بدعة، ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها أو المخير فيها، فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعاً وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متناضين أما المكروه منها والمحرم فمسلم من جهة كونها بدعة لا من جهة أخرى إذ لو دل دليل على منع أمر أو كراهته لم يثبت(3/67)
ذلك كونه بدعة، لإمكان أن يكون معصية كالقتل والسرقة وشرب الخمر ونحوها، فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم إلا الكراهية والتحريم.
ومن تعقب تقسيم العز بن عبد السلام البدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة العلامة زروق (1) في " شرح رسالة القيرواني" قال بعد ذكر هذا التقسيم: قال المحققون، إنما تدور ـ أي البدعة ـ بين محرم ومكروه لقوله عليه الصلاة والسلام: " كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكلام العلماء في رد هذا التقسيم كثير.
وأما التمثيل بنقط المصحف وتشكيله، وبناء المدارس للبدعة الواجبة فليس بمسلم، لأن ما ذكر ليس من البدعة في الدين، فإن نقط المصحف وتشكيله إنما هو لصيانة القرآن من اللحن والتحريف وهذا واجب شرعاً.
وأما بناء المدارس للعلم، فيقول الشاطبي في " الاعتصام " رداً على التمثيل به للبدعة ما نصه: أما المدارس فلم يتعلق بها أمر تعبدي يقال في مثله بدعة إلا على فرض أن يكون من السنة أن لا يقرأ العلم إلا في المساجد، وهذا لا يوجد، بل العلم كأن في الزمان الأول يبث بكل مكان من مسجد أو منزل أو سفر أو حضر أو غير ذلك حتى في الأسواق، فإذا أعد أحد من الناس مدرسة يعني بإعدادها الطلبة، فلا يزيد ذلك على إعداده له منزلاً من منازله أو حائطاً من حوائطه أو غير ذلك، فأين مدخل البدعة ههنا، وإن قيل البدعة في تخصيص ذلك الموضع دون غيره فالتخصيص هنا ليس بتخصيص
_________
(1) قال في الاعلام: فقيه محدث صوفي.::::::(3/68)
تعبدي، وإنما هو تعيين بالحبس كما تتعين سائر الأمور المحبسة (1) وأما استدلال الشنقيطي على أن البدعة في الدين تكون حسنة بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في " قضية التراويح" نعمت البدعة هذه فاستدلال ليس في محله، فإن عمر لم يقصد بذلك تحسين البدعة في الدين.
قال الشاطبي في " الاعتصام ": إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفق أن لم تقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه، لا أن هذا بدعة من حيث المعنى، فمن سماها بدعة بهذا الاعتبار فلا مشاحة في الأسامي، قال: وعند ذلك فلا يجوز أن يستدل بها على جواز الابتداع بالمعنى المتكلم فيه، لأنه نوع من تحريف الكلم عن مواضعه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " إقتضاء الصراط المستقيم " أما قول عمر: نعمت البدعة هذه، فأكثر المحتجين بهذا لو أردنا أن نثبت حكماً بقول عمر الذي لم يخالف فيه لقالوا: قول الصاحب ليس بحجة فكيف يكون حجة لهم في خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن اعتقد قول الصاحب حجة فلا يعتقده إذا خالف الحديث، فعلى التقديرين لا تصلح معارضة الحديث بقول الصاحب قال: ثم نقول: أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع حسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن " البدعة في اللغة " تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سبق، وأما " البدعة الشرعية " فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي، قال: فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل على استحباب فعل أو إيجابه
_________
(1) المحبسة الموقوفة.::::::(3/69)
بعد موته أو دل عليه مطلقاً ولم يعمل به إلا بعد موته ككتاب الصدقة الذي أخرجه أبو بكر رضي الله عنه فإذا عمل أحد ذلك العمل بعد موته صح أن يسمى بدعة في اللغة لأنه عمل مبتدأ قال: وقد علم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم" إن كل بدعة ضلالة" لم يرد به كل عمل مبتدأ، فإن دين الإسلام بل كل دين جاءت به الرسل فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد ما ابتدئ من الأعمال التي لم يشرعها هو صلى الله عليه وسلم، قال: وإذا كان كذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى، وقد قال لهم في الليلة الثالثة والرابعة لما اجتمعوا: " إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن يفرض عليكم فصلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ".::::::
فعلل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم فلما كان في عهد عمر جمعهم على قارئ واحد وأسرج المسجد، فصارت هذه الهيئة ـ وهي اجتماعهم في المسجد على إمام واحد مع الإسراج ـ عملاً لم يكونوا يعملونه من قبل، فسمى بدعة لأنه في اللغة يسمى بذلك، وإن لم يكن بدعة شرعية، لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض قد زال بموته صلى الله عليه وسلم فانتفى المعارض.
وقال شيخ الإسلام أيضاً في " الاقتضاء" أما صلاة التراويح فليست بدعة في الشريعة: بل هي سنة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله، فإنه قال: " إن الله فرض عليكم صيام رمضان(3/70)
وسننت لكم قيامه (1) ولا صلاتها جماعة بدعة بل هي سنة في الشريعة، بل قد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجماعة في أول شهر رمضان ليلتين، بل ثلاثاً، وصلاها أيضاً في العشر الأواخر في جماعة مرات وقال: " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة " لما قام بهم حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح رواه أهل السنن، وبهذا الحديث احتج أحمد وغيره على أن فعلها في الجماعة أفضل من فعلها في حال الانفراد. وفي قوله هذا ترغيب في قيام شهر رمضان خلف الإمام وذلك أوكد من أن يكون سنة مطلقاً. وكان الناس يصلونها جماعة في المسجد على عهده صلى الله عليه وسلم ويقرهم، وإقراره سنة منه صلى الله عليه وسلم.
وأما استدلال الشنقيطي على استحسان الابتداع في الدين بما عزاه إلى عمر بن عبد العزيز أنه قال: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور، يقصد الشنقيطي بذلك القياس، أي فكذلك تحدث لهم مرغبات في الخير بقدر ما أحدثوا من الفتور، فقد أجاب الإمام الشاطبي في " الاعتصام" عن هذا الاستدلال بأمور:
"أولها" أن هذا قياس في مقابلة النص الثابت في النهي عن الابتداع، وهو من باب فساد الاعتبار.
" الثاني" إن هذا قياس على نص لم يثبت بعد من طريق مرضي.
"الثالث" أن هذا الكلام على فر ثبوته عن عمر بن عبد العزيز لا يجوز قياس إحداث العبادات عليه، لأن كلام عمر إنما هو في معنى عادي يختلف فيه مناط الحكم الثابت فيما تقدم كتضمين الصناع، أو الظنة في توجيه الأيمان دون مجرد الدعاوي،
_________
(1) رواه أهل السنن.::::::(3/71)
فيقول إن الأولين توجهت عليهم بعض الأحكام لصحة الأمانة والديانة والفضيلة، فلما حدثت أضدادها اختلف المناط فوجب اختلاف الحكم وهو حكم رادع أهل الباطل عن باطلهم، فأثر هذا المعنى ظاهر مناسب، بخلاف ما نحن فيه فإنه على الضد من ذلك.
ألا ترى أن الناس إذا وقع فيهم الفتور عن الفرائض فضلاً عن النوافل ـ وهي ما هي من القلة والسهولة ـ فما ظنك بهم إذا زيد عليهم أشياء أخرى يرغبون فيها ويحضون على استعمالها، فلاشك أن الوظائف تتكاثر حتى تؤدي إلى أعظم من الكسل الأول وإلى ترك الجميع، فإن حدث للعامل بالبدعة هو في بدعته أو لمن شايعه فيها فلابد من كسله عن ماهو أولى، قال فصارت هذه الزيادة عائدة على ماهو أولى منها بالإبطال أو الإخلال، وقد مر أنه ما من بدعة تحدث ألا ويموت من السنة ماهو خير منها.
" الرابع ": إن هذا القياس مخالف لأصل شرعي وهو طلب النبي صلى الله عليه وسلم السهولة والرفق والتيسير وعدم التشديد، فزيادة وظيفة لم تشرع تظهر ويعمل بها دائماً في مواطن السنن هي تشديد بلا شك، فليس قصد عمر بن عبد العزيز بهذا الكلام على فرض ثبوته عنه فتح السبيل إلى إحداث البدع.::::::
وقال العلامة قاسم بن عيسى بن ناجي المالكي في " شرح رسالة القيرواني، في معنى: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور، قال معناه، ما أحدثوا من الفجور مما ليس فيه نص، وقال: قال التقي السبكي في الكتاب الذي ألفه في شأن رافضي جاهر بلعنة أبي بكر الصديق وقال فيه: عدو الله فقتله القاضي المالكي، قال في هذه الكلمة بعدما عزاها إلى مالك بن أنس بلفظ: يحدث للناس(3/72)
أحكام بقدر مايحدثون من الفجور: لا نقول إن الاحكام تتغير بتغير الزمان، بل باختلاف الصور الحادثة، فإذا حدثت صورة على صفة خاصة علينا أن ننظر فيها، فقد يكون مجموعها يقتضي الشرع له حكماً، على هذا حمل التقي السبكي هذه الكلمة، وذكر أنها منطبقة على قضية الرافضي، لكن صورتها مجموعة من إظهار سب الصديق في ملإ من الناس ومجاهرته وإصراره عليه وإعلاء البدعة وغمض السنة، ونقل السيوطي هذا التأويل عن السبكي في " الحاوي ".
ومن هذه النقول يعلم أن عمر بن عبد العزيز لم يقصد بهذه الكلمة فتح أي باب يناقض الشريعة، وكيف ينسب إلى عمر بن عبد العزيز فتح باب الابتداع في الدين وهو الذي يقول حينما بايعه الناس بعد ما صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه: يا أيها الناس إنه ليس بعد نبيكم نبي، ولا بعد كتابكم كتاب، ولا بعد سنتكم سنة ولا بعد أمتكم أمة، وإن الحلال ما أحله الله في كتابه على لسان نبيه حلال إلى يوم القيامة، ألا وإن الحرام ما حرم الله في كتابه على لسن نبيه حرام إلى يوم القيامة، ألا وإني لست بمبتدع ولكني متبع.
وأما دعوى الشنقيطي أن عدم احتفال المملكة العربية السعودية بالمولد النبوي وازدرائه حيث تحتفل بغيره ولا تحتفل بمولده، ويذاع عنها ذلك، كما يذاع عنها أنها تحرق كتب الصلاة عليه، فهذا من عندياته وذلك لأمور:::::::
" احدها ": أن الحكومات الإسلامية كلها تعترف للحكومة السعودية بتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، مع علمها بأنها لا تحتفل بالمولد النبوي مخافة من الابتداع، وأقرب شاهد في زماننا(3/73)
هذا على ذلك إقبال وفودها على المؤتمر الإسلامي الذي يعقد بمكة.
فإنه لا يتصور ذلك الإقبال الشديد على من يتهم بما ذكره الشنقيطي، وكذلك على الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وتلك الإشاعات التي يشير إليها الشنقيطي إنما حاول المبطلون التنفير بها عن دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وكان الشيخ يجيب عن كل ذلك بقوله: سبحانك هذا بهتان عظيم.
وكان يذكر أن ما ينسب إليه من إحراق كتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليس له أصل، إلا أنه نصح بعض من يتعلق بكتاب " دلائل الخيرات " بأنه لا يصير هذا الكتاب أجل في قلبه من كتاب الله، فيظن أن القراءة فيه أنفع من قراءة القرآن، ورغم هذه الإفتراءات أبى الله إلا أن يظهر الحق ويبطل الباطل، ويعلي الدعوة التي حاول أولئك المبطلون التنفير عنها بمثل تلك الإشاعات الباطلة.
" الثاني " أن القائل بأن تارك الإحتفال بالمولد متنقص للنبي صلى الله عليه وسلم، إن أراد بقوله هذا أن ذلك اعتقاد التارك فقد كذب وافترى، وإن أراد أن ذلك تنقيص للنبي صلى الله عليه وسلم عما يستحقه شرعاً، فالمرجع في ذلك إلى الكتاب والسنة وما عليه القرون المشهود لها بالخير فنحاكم كل من يطالبنا بهذا إلى ذلك، فإن جاء بدليل صحيح صريح وإلا فنحن مستمسكون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن كل بدعة ضلالة" وبما روى أبو داود في سننه عن حذيفة رضي الله عنه، قال: كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها، فإن الأول لم يترك للآخر(3/74)
مقالاً، ولا نصون أعراضنا في الدنيا بالتقريب إلى الله تعالى بما لم يشرعه.::::::
" الثالث ": أن أكثر ما يقصد من تلك الاحتفالات التي تقام للرؤساء إحياء الذكرى والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال الله في حقه: {ورفعنا لك ذكرك} فذكره مرفوع في الأذان والإقامة والخطب والصلوات وفي التشهد والصلاة عليه وفي قراءة الحديث واتباع ما جاء به، فهو أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط. ولكن الأمر كما قال السيد رشيد رضا في كتابه " ذكرى المولد النبوي" قال: إن من طباع البشر أن يبالغوا في مظاهر تعظيم أئمة الدين أو الدنيا في طور ضعفهم ـ أي البشر ـ في أمر الدين أو الدنيا، لأن هذا التعظيم لا مشقة فيه على النفس، فيجعلونه بدلاً مما يجب عليهم من الأعمال الشاقة التي يقوم بها أمر الدين أو الدنيا، وإنما التعظيم الحقيقي بطاعة المعظم والنصح له والقيام بالأعمال التي يقوم بها أمره ويعتز دينه إن كان رسولاً، وملكه إن ك ان ملكاً، وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم ثم للخلفاء، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في هذا السبيل، ولكنهم دون أهل هذه القرون التي ضاع فيها الدين في مظاهر التعظيم اللساني، ولاشك أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بكل تعظيم، وليس من التعظيم الحق له أن نبتدع في دينه بزيادة أو نقص أو تبديل أو تغيير لأجل تعظيمه به، وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين، فقد كان جل ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية، وما زالوا يبتدعون بقصد التعظيم وحسن النية حتى صارت أديانهم غير ما جاءت به رسلهم، ولو تساهل سلفنا الصالح(3/75)
كما تساهلوا، وكما تساهل الخلف الدين اتبعوا سننهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع لضاع أصل ديننا أيضاً، ولكن السلف الصالح حفظوا لنا الأصل: فالواجب علينا أن نرجع إليه، ونعض عليه بالنواجذ.::::::
هذا مع أن الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان بطريق القياس على الاحتفالات بالرؤساء صار ملحقاً بهم في التعظيم، وهذا مالا يرضاه عاقل.
حكم المولد
قسم العلماء الاجتماع الذي يعمل في ربيع الأول ويسمى باسم " المولد " إلى قسمين:
" أحدهما" ماخلا من المحرمات، فهو بدعة لها حكم غيرها من البدع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى الكبرى": أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول الذي يقال إنها ليلة المولد: أن بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال " عيد الأبرار" فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها.
وقال في " الإقتضاء " إن هذا ـ أي إتخاذ المولد عيداً ـ لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه، قال: ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا وهم على الخير أحرص.::::::(3/76)
وقال ابن الحاج في " المدخل": فإن خلا ـ أي المولد النبوي" ـ منه ـ أي من السماع وتوابعه ـ وعمل طعاماً فقط ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان وسلم من كل ما تقدم ذكره فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ أن ذلك زيادة في الدين، وليس من عمل السلف الماضين، واتباع السلف أولى وأوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيماً له ولسنته صلى الله عليه وسلم، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع فيسعنا ما وسعهم، وقد علم أن اتباعهم في المصادر والموارد كما قال الشيخ أبو طالب المكي ـ رحمه الله ـ في كتابه: وقد جاء في الخبر " لا تقوم الساعة حتى يصير المعروف منكراً والمنكر معروفاً " (1) وقد وقع ما قاله عليه الصلاة والسلام بسبب ما تقدم ذكره وما يأتي بعد، لأنهم يعتقدون أنهم في طاعة، ومن لا يعمل عملهم يرون أنه مقصر، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقال العلامة تاج الدين علي بن عمر اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني في رسالته في المولد المسماة " بالمورد في الكلام على المولد" قال في النوع الخالي من المحرمات من المولد: لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها الباطلون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون، بدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا: إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً، أو مكروهاً، أو محرماً، وليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً
_________
(1) وتقدم تخريجه في الجزء الأول.::::::(3/77)
لأن حقيقة المندوب ماطلبه الشرع من غير ذم على تركه وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون: ولا العلماء المتدينون فيما علمت، وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت، ولا جائز أن يكون مباحاً، لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين، فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً أو محرماً، ثم صور الفاكهاني نوع المولد الذي تكلم فيه بما ذكرنا بأنه هو أن يعمله رجل من عين ماله لأهله واصحابه وعياله لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام ولا يقترفون شيئاً من الآثام قال: فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشناعة، إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة، الذين هم فقهاء الإسلام، وعلماء الأنام، وسرج الأزمنة، وزين الأمكنة.::::::
ويرى ابن الحاج في " المدخل " إن نية المولد بدعة، ولو كان الاشتغال في ذلك اليوم بقراءة صحيح البخاري وعبارته: وبعضهم أي المشتغلين بعمل المولد يتورع عن هذا ـ أي سماع الغناء وتوابعه ـ بقراءة البخاري وغيره عوضاً عن ذلك، وهذا وإن كانت قراءة الحديث في نفسها من أكبر القرب والعبادات، وفيها البركة العظيمة والخير الكثير، لكن إذا فعل ذلك بشرطه اللائق به على الوجه الشرعي لا بنية المولد ألا ترى أن الصلاة من أعظم القرب إلى الله تعالى ومع ذلك فلو فعلها إنسان في غير الوقت المشروع لها لكان مذموماً مخالفاً، فإذا كانت الصلاة بهذه المثابة فما بالك بغيرها، هذا مابينه المحققون في هذا النوع من المولد.
وقد حاول السيوطي في رسالته "حسن المقصد، في عمل المولد: الرد على ما نقلناه عن الفاكهاني، لكنه لم يأتي بشيء يقوى على معارضة ما ذكره الفاكهاني: فإنه عارضه بأن الاحتفال بالمولد النبوي(3/78)
إنما أحدثه ملك عادل عالم قصد به التقرب إلى الله، وارتضاه ابن دحية، وصنف له من أجله كتاباً، وهذا ليس بحجة، فإن البدعة في الدين لا تقبل من أي أحد كان بنصوص الأحاديث، فلا يمكننا أن نعارض الأحاديث المحذرة من الابتداع في الدين بعمل أبي سعيد " كوكبوري " بن أبي الحسن علي بن بكتكين الذي أحدث الاحتفال بالمولد في القرن السادس، وعدالته لا توجب عصمته، وقد ذكر ابن خلكان: أنه يحب السماع، وأما " ابن دحية" فلا يخفى كلام العلماء فيه، وقد اتهموه بوضع حديث في قصر صلاة الم غرب كما في تاريخ ابن كثير.
وأما " القسم الثاني" من عمل المولد، وهو المحتوى على المحرمات، فهذا قد منعه العلماء، وبسطوا القول فيه، وإليك بعض عباراتهم في ذلك:::::::
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له: فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك واتخاذه عبادة فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق (1) .
وقال الفاكهاني في رسالته في المولد: " الثاني" أي من نوعي عمل المولد ـ أن تدخله الجناية، وتقوى به العناية، حتى يعطي أحدهم الشيء ونفسه تتبعه، وقلبه يؤلمه ويوجعه، لما يجد من ألم الحيف، وقد قال العلماء: أخذ المال بالحياء كأخذه بالسيف، لاسيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء، مع البطون الملئى بآلات الباطل من الدفوف والشبابات، واجتماع الرجال مع الشباب المرد
_________
(1) وانظر جـ25 من فتاويه ص 298.::::::(3/79)
والنساء الفاتنات، إما مختلطات بهم أومشرفات، ويقصن بالتثني والانعطاف، والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاوف: وكذلك النساء إلا اجتمعن على انفرادهن رافعات أصواتهن بالتهنيك والتطريب في الانشاد، والخروج في التلاوة والذكر عن المشروع والأمر المعتاد، غافلات عن قوله تعالى (إن ربك لبالمرصاد) وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذو المروءة من الفتيان، وإنما يحلو ذلك لنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات لا من الأمور المنكرات، فإنا لله وإنا إليه راجعون " بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ" ولله در شيخنا القشيري حيث يقول فيما أجازناه:
قد عرف المنكر واستنكر الـ ... معروف في أيامنا الصعبة
وصار أهل العلم في وحدة ... وصار أهل الجهل في رتبه
حادوا عن الحق فما للذي ... ساروا به فيما مضى نسبه
فقلت للأبرار أهل التقى ... والدين لما اشتدت الكربه
لاتنكروا أحوالكم قد أتت ... نوبتكم في زمن الغربه
قال الفاكهاني: ولقد أحسن أبو عمرو بن العلا حيث يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب.
هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو ربيع الأول ـ هو بعينه الذي توفي فيه، فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه: وهذا ما علينا أن نقول، ومن الله تعالى نرجو حسن القبول.(3/80)
وقال الشيخ أبو الحسن ابن عبد الله بن الحسن النباهي المالقي الأندلسي في كتابه " المرقبة العليا، فيمن يستحق القضاء والفتيا " في ترجمة القاضي أبي عبد الله محمد بن عبد السلام المنستيري: إن الأمير أبا يحيى استحضره مع الجملة من صدور الفقهاء للبيت بدار الخلافة والمثول بين يديه " ليلة الميلاد " الشريف النبوي، إذ كان قد أراد إقامة رسمه على العادة المغربية من الاحتفال في الأطعمة، وتزيين المحل بحضور الأشراف، وتخير القوالين للأشعار المقرونة بالأصوات المطربة فحين كمل المقصود من المطلوب، وقعد السلطان على أريكة ملكه ينظر في ترتيبه، والناس على منازلهم بين قاعد وقائم، هز المسمع طاره، وأخذ يهنؤهم بألحانه، وتبعه صاحب يراعه كعادته من مساعدته، تزحزح القاضي أبو عبد الله عن مكانه، وأشار بالسلام على الأمير، وخرج من المجلس، وتبعه الفقهاء بجملتهم إلى مسجد القصر فناموا به.::::::
فظن السلطان أنهم خرجوا لقضاء حاجتهم، فأمر وزراءه بتفقدهم، والقيام بخدمتهم إلى عودتهم، وأعلم الوزير الموجه لما ذكر القاضي بالغرض المأمور به فقال له: أصلحك الله، هذه الليلة المباركة التي وجب شكر الله عليها، وجمعنا السلطان ـ أبقاه الله ـ من أجلها، لو شهدها نبينا المولود فيها صلوات الله وسلامه عليه لم يأذن لنا في الاجتماع علىما نحن فيه من مسامحة بعضنا البعض في اللهو ورفع قناع الحياء، بمحضر القاضي والفقهاء، وقد وقع الاتفاق من العلماء على أن المجاهرة بالذنب محظورة، إلا أن تمس إليها حاجة كالإقرار بما يوجب الحد أو الكفارة، فليسلم لنا الأمير ـ أصلحه الله ـ في العقود بمسجده هذا إلى الصباح، وإن كنا في مطالب أُخر من تبعات رياء ودسائس أنفس وضروب غرور،(3/81)
لكنا كما شاء الله في مقام الاقتداء، لطف الله بنا أجمعين بفضله.
فعاد عند ذلك الوزير المرسل للخدمة الموصوفة إلى الأمير أبي يحيى، وأعلمه بالقصة، فأقام يسيراً وقام من مجلسه، وأرسل إلى القاضي من ناب عنه في شكره وشكر أصحابه، ولم يعد إلى مثل ذلك العمل بعد، وصار في كل ليلة يأمر في صبيحة الليلة المباركة بتفريق طعام على الضعفاء، وإرفاق الفقراء شكراً لله، انتهى كلام النباهي.
وقد ذكر ابن الحاج في " المدخل " مما احتوى عليه الاحتفال بالمولد في زمانه ـ فكيف بزماننا هذا ـ مايلي:
1 ـ إستعمال الأغاني وآلات الطرب من الطار الصرصر والشبابة وغير ذلك. قال ابن الحاج: مضوا في ذلك على العوائد الذميمة في كونهم يشتغلون في أكثر الأزمنة التي فضلها الله وعظمها ببدع ومحرمات، وذكر ابن الحاج قول القائل:
ياعصبة ماضر أمة أحمد ... وسعى إلى إفسادها إلا هي
طار ومزمار ونغمة شادن ... أرأيت قط عبادة بملاهي
2 ـ قلة احترام كتاب الله عز وجل، فإنهم يجمعون في هذه الاحتفالات بينه وبين الأغاني، ويبتدئون به وقصدهم الأغاني.::::::
قال ابن الحاج: ولذلك نرى بعض السامعين إذا طول القارئ القراءة يتقلقلون منه لكونه طول عليهم ولم يسكت حتى يشتغلوا بما يحبونه من اللهو قال: وهذا غير مقتضى ماوصف الله به أهل الخشية من أهل الإيمان، وهو أنهم يحبون سماع كلام مولاهم، لقوله تعالى في مدحهم: {وإذا سمعوا ماأُنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين} (1)
_________
(1) سورة المائدة ـ آية 83.::::::(3/82)
فوصف الله من سمع كلامه بما ذكر، وبعض هؤلاء يستعملون الضد من ذلك إذا سمعوا كلام ربهم عز وجل قاموا بعده إلى الرقص والفرح والسرور والطرب بما لا ينبغي، فإنا لله وإنا إليه راجعون على عدم الاستحياء من عمل الذنوب، يعملون أعمال الشياطين، ويطلبون الأجر من رب العالمين، ويزعمون أنهم في تعبد وخير، قال: وياليت ذلك لو كان يفعله سفلة الناس، ولكن قد عمت البلوى فتجد بعض من ينتسب إلى شيء من العلم أو العمل يفعله، وكذلك يعض من ينتسب إلى الشيخة ـ أعني في تربية المريدين ـ كل هؤلاء داخلون فيما ذكر.
ثم العجب كيف خفيت عليهم هذه المكيدة الشيطانية والدسية من اللعين.
2 ـ الافتتان بالمردان، فإن الذي يغني في الاحتفالات ربما يكون شاباً نظيف الصورة، حسن الكسوة والهيئة، أو أحداً من الجماعة الذين يتصنعون في رقصهم، بل يخطبونهم للحضور، فمن لم يحضر منهم ربما عادوه ووجدوا في أنفسهم عليه، وحضوره فتنة، سيما وهم يأتون إلى ذلك شبه العروس، لكن العروس أقل فتنة لأنها ساكنة حبيبة، وهؤلاء عليهم العنبر والطيب يتخذون ذلك بين أثوابهم، ويتكسرون مع ذلك في مشيتهم إذ ذاك وكلامهم ورقصهم، ويتعانقون فتأخذهم إذ ذاك أحوال النفوس الرديئة من العشق والاشتياق إلى التمتع بما يرونه من الشبان، ويتمكن منهم الشيطان، وتقوى عليهم النفس الأمارة بالسوء، وينسد عليهم باب الخير سداً. قال ابن الحاج: وقد قال بعض السلف: لأن أؤتمن على سبعين عذراء أحب إليّ من أن أؤتمن على شاب وقوله هذا ظاهر بين، لأن العذراء(3/83)
تمتنع النفوس الزكية ابتداء من النظر إليها، بخلاف الشاب، لما ورد أن النظرة الأولى سهم، والشاب لا يتنقب ولا يختفي بخلاف العذراء، والشيطان من دأبه أنه إذا كانت المعصية كبرى أجلب عليها بخيله ورجله ويعمل الحيل الكثيرة، قال ابن الحاج: وبعض النسوة يعاين ذلك على ما قد علم من نظرهن من السطوح والطاقات وغير ذلك. فيرينه ويسمعنه، وهن أرق قلوباً. وأقل عقولاً، فتقع الفتنة في الفريقين. هذا بعض ما ذكره ابن الحاج من المحرمات التي تحصل في احتفال الرجال بالمولد.
ثم ذكر من المفاسد المتعلقة بالنساء ما يلي:
1 ـ افتتان الرجال بالنساء، لأن بعض الرجال يتطلع عليهن من بعض الطاقات والسطوح، وتزداد الفتنة برفع أصواتهن وتصفيقهن بالأكف وغير ذلك مما يكون سبباً إلى وقوع المفسدة العظمى.::::::
2 ـ إفتتانهن في الاعتقاد، وذلك لأنهن لا يحضرن للمولد إلا ومعهن شيخة تتكلم في كتاب الله وفي قصص الأنبياء بما لا يليق، فربما تقع في الكفر الصريح وهي لا تشعر، لأنها لا تعرف الصحيح من السقيم، والحق من الكذب فتدخل النسوة في الغالب وهن مؤمنات ويخرجن وهن مفتتنات في الاعتقاد أو فروع الدين.
3 ـ خروج النساء إلى المقابر وارتكاب أنواع المحرمات هناك من الاختلاط وغيره ويذكر ابن الحاج أن هذه المفسدة من آثار بناء البيوت على المقابر، قال: إذ لو امتثلنا أمر الشرع في هدمها لانسدت هذه المثالم كلها، وكفي الناس أمرها، قال: فبسبب ما هناك من البنيان والمساكن وجد من لا خير فيه السبيل إلى حصول أغراضه الخسيسة ومخالفة الشرع قال: ألا ترى ما قد قيل: من(3/84)
العصمة أن لا تجد. فإذا هم الإنسان بالمعصية وأرادها وعمل عليها ولم يجد من يفعلها أو وجده ولكن لا يجد مكاناً للاجتماع فيه فهو نوع من المعصية فكان البنيان في القبور فيه مفاسد منها هتك الحريم بخروجهن إلى تلك المواضع، فيجدن أين يقمن أغراضهن. هذا " وجه "
" الثاني ": تيسير الأماكن للاجتماع للأغراض الخسيسة، فتيسير الأماكن هناك سبب وتسهيل لوقوع المعاصي هناك.
4 ـ فتح باب الخروج لهن لغير ضرورة شرعية، فإنهم ـ أي أهل زمانه ـ ضموا لأيام المولد النبوي الثلاثة يوم الإثنين لزيارة الحسين وجعلوا يوم الأربعاء لزيارة نفيسة. فالتزمن الزيارة في تلك الايام لما يقصدن من أغراض الله أعلم بها. قال ابن الحاج: ولو حكى هذا عن الرجال لكان فيه شناعة وقبح فكيف به في النساء. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
هذا ماذكره ابن الحاج في " المدخل " من مفاسد الاحتفالات بالمولد في زمانه بالنسبة لمن يقصدن المولد. ثم قسم الذين يعملون المولد في ذلك الزمن لا لقصد المولد إلى خمسة أقسام:::::::
" أحدها ": من له فضة عند الناس متفرقة قد أعطاها لهم في بعض الأفراح والمواسم فعمل المولد ليستردها. قال ابن الحاج: فهذا قد اتصف بصفة النفاق وهو أنه يظهر خلاف ما يبطن. إذ ظاهر حاله أنه عمل المولد يبتغي به الدار الآخرة وباطنه أنه يجمع به فضته.
"الثاني": من يتظاهر من ذوي الأموال بأنه من الفقراء المساكين فيعمل المولد لتزيد دنياه بمساعدة الناس له. فيزداد هذا فساداً على(3/85)
المفاسد المتقدم ذكرها، ويطلب مع ذلك ثناء الناس عليه بما ليس فيه.
" الثالث": من يخاف الناس من لسانه وشره وهو من ذوي الأموال فيعمل المولد ليأخذ من الناس الذين يعطونه تقية على أنفسهم وأعراضهم. قال ابن الحاج: فيزداد من الحطام بسبب ما فيه من الخصال المذمومة شرعاً، وهذا أمر خطر، لأنه زاد على الأول أنه ممن يخاف من شره، فهو معدود بفعله من الظلمة.
"الرابع": من يعمل المولد وهو ضعيف الحال ليتسع حاله.
"الخامس": من له من الفقراء لسان يخاف منه ويتقي لأجله فيعمل المولد حتى يحصل له من الدنيا ممن يخشاه ويتقيه، حتى إنه لو تعذر عن حضور المولد الذي يفعله أحد من معارفه لحل به من الضرر ما يتشوش به، وقد يؤول ذلك إلى العداوة أو الوقوع في حقه في محافل بعض ولاة الأمور قاصداً بذلك حط رتبته بالوقيعة فيه أو نقص ماله، أو غير ذلك مما يقصده من لا يتوقف على مراعاة الشرع الشريف.
قال ابن الحاج بعد بسط الكلام على هذه المفاسد: هذا الذي ذكر بعض المفاسد المشهورة المعروفة، وما في ذلك من الدسائس ودخول وساوس النفوس وشياطين الإنس والجن مما يتعذر حصره، فالسعيد السعيد من أعطى قياده للاتباع وترك الابتداع، وفقنا الله لذلك بمنه.::::::
وذكر ابن الحاج أن سكوت من سكت من العلماء على إنكار ما ذكر ليس بدليل، لأن الناس كانوا يقتدون أولاً بالعلماء، فصار الأمر بعد ذلك بالعكس وهو أن من لا علم عنده يرتكب ما لا ينبغي فيأتي العالم فيقتدى به في ذلك. قال: فعمت الفتنة، واستحكمت(3/86)
هذه البلية، فلم تجد في الغالب من يتكلم في ذلك ولا من يعين على زواله أو يشير إلى أن ذلك مكروه أو محرم.
وقد ذكر ابن حجر الهيثمي في " الفتاوى الحديثية" أن الموالد التي تفعل عندهم في زمنه أكثرها مشتمل على شرور أو لم يكن منها إلا رؤية النساء الرجال الأجانب لكفى ذلك في المنع، وذكر أن مايوجد في تلك الموالد من الخير لا يبررها ما دامت كذلك، للقاعدة المشهورة المقررة: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح قال: فمن علم وقوع شيء من الشر فيما يفعله من ذلك فهو عاص آثم، وبفرض أنه عمل في ذلك خيراً فربما خيره لا يساوي شره، ألا ترى أن الشارع صلى الله عليه وسلم اكتفى من الخير بما تيسر، وفطم عن جميع أنواع الشر، حيث قال: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه " فتأمله تعلم ما قررته من أن الشر وإن قل لا يرخص في شيء منه، والخير يكتفى منه بما تيسر.
هذا ما ذكره أهل العلم في بحث الاحتفال بالمولد النبوي ولم يخل عصر من العصور المتقدمة منذ أحدث من عالم يبين الحق فيه، ولم يزل المتبصرون من أهل العلم في وقتنا هذا ينكرون ما يقع في تلك الأيام من البدع والمحرمات.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خذلها، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.(3/87)
بسم الله الرحمن الرحيم
ملحق في انكار الاحتفال بالمولد النبوي، والرد على الشنقيطي
بعدما نشر ردنا على الشنقيطي كتب مرة أخرى في الموضوع رددنا عليها بالسرد التالي:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وآله وصحبه وسلم.::::::
وبعد: فقد نشرت جريدة " الندوة" في العدد الصادر يوم السبت 16/4/1382هـ للشنقيطي محمد مصطفى العلوي في تبرير الاحتفال بالمولد النبوي مقالاً آخر تحت عنوان (هذا ما يقوله ابن تيمية في الاحتفال المشروع بذكرى " المولد النبوي" مضمون ذلك المقال أن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى الاحتفال بالمولد النبوي واعتمد الشنقيطي في تلك الدعوى على ثلاثة أمور:
1 ـ قول شيخ الإسلام في " اقتضاء الصراط المستقيم" في بحث المولد: فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو كما قدمت أنه يستحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد.
يقول الشنقيطي: فكلام شيخ الإسلام ـ يقصد هذه العبارة ـ صريح في جواز عمل مولد النبي صلى الله عليه وسلم الخالي من منكرات تخالطه.
2 ـ قول شيخ الاسلام في " الاقتضاء " أيضاً: إذا رأيت من يفعل هذا ـ أي المنكر ـ ولا يتركه إلا إلى شر منه فلا تدع إلى ترك(3/88)
منكر بفعل ما هو أنكر، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه.
يقول الشنقيطي: من الجدير بالذكر ما اشار إليه شيخ الإسلم أن مرتكب البدعة لا ينهى عنها إذا كان نهيه يحمله إلى ما هو شر منها ومن المعلوم عند العموم أن أكثر أهل هذا الزمان يضيعون الليالي وخصوصاً ليلة الجمعة في سماع أغاني أم كلثوم وغيرها من حفلات صوت العرب الخليعة، مما يذيعه الراديو والتلفزيون، فلا يخفى علىمسلم عاقل أن سماع ذكر صفة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من سماع الأغاني الخليعة والتمثيليات الماجنة.
3 ـ دعوى أن شيخ الإسلام ابن تيمية لا ينكر الابتداع في تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكر الشنقيطي أن أكبر شاهد على ذلك تأليفه " كتاب الصارم المسلول".
هذا ماذكره الشنقيطي مما برر به هذه الدعوى الباطلة.::::::::::::
والحق أنه إنما أتى من سوء فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وسيرته. وفي نوع ما وقع فيه يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب " الاستغاثة ": الوهم إذا كان لسوء فهم المستمع لا لتفريط المتكلم لم يكن على المتكلم بذلك بأس: ولا يشترط في العلماء إذا تكلموا في العلم أن لا يتوهم من ألفاظهم خلاف مرادهم، بل مازال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم. وهذا هو عين ما وقع للشنقيطي في عبارات شيخ الإسلام ابن تيمية. وإلى القراء بيان ذلك فيما يلي:
أما قول شيخ الإسلام: فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول(3/89)
الله صلى الله عليه وسلم فليس فيه إلا الإثابة على حسن القصد، وهي لا تستلزم مشروعية العمل الناشئة عنه، ولذلك ذكر شيخ الإسلام أن هذا العمل ـ أي الاحتفال بالمولد ـ يستقبح من المؤمن المسدد.::::::::::::::::::
ولكن الشنقيطي أخذ أول العبارة دون تأمل في آخرها. وفي أول بحث المولد في " اقتضاء الصراط المستقيم " فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الذين يتخذون المولد عيداً محبة للنبي صلى الله عليه وسلم ص294 ـ 295: والله تعالى قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فهذا تصريح من شيخ الإسلام بأن إثابة من يتخذ المولد عيداً محبة للنبي صلى الله عليه وسلم من ناحية حسن قصده لا تقتضي مشروعية اتخاذ المولد عيداً ولا كونه خيراً، إذ لو كان خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا لأنهم أشد محبة وتعظيماً لرسول الله منا، ثم بعد ذلك صرح شيخ الإسلام بذم الذين يتخذون المولد عيداً فقال في ص295، 296: أكثر هؤلاء الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع مع مالهم فيها من حسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة تجدونهم(3/90)
فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه، وبمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلاً، وبمنزلة من يتخذ المسابح والسجادات المزخرفة وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع ويصحبها من الرياء الكثير والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها.::::::::::::
وقال شيخ الإسلام في " الاقتضاء " ص371: من كانت له نية صالحة أُثيب على نيته وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع إذا لم يتعمد مخالفة الشرع. وصرح في ص290 بأن إثابة الواقع في المواسم المبتدعة متأولاً ومجتهداً على حسن قصده لا تمنع النهي عن تلك البدع والأمر بالاعتياض عنها بالمشروع الذي لا بدعة فيه.
وذكر أن ما تشتمل عليه تلك البدع من المشروع لا يعتبر مبرراً لها (1) كما صرح في كلامه على مراتب الأعمال بأن العمل الذي يرجع صلاحه لمجرد حسن القصد ليس طريقة السلف الصالح، وإنما ابتلى به كثير من المتأخرين، وأما السلف الصالح فاعتناؤهم بالعمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه بوجه من الوجوه، وهو العمل الذي تشهد
_________
(1) عبارته بعد ذكر الاثابة لما فيها من المشروع ولحسن القصد ممن فعل ذلك متأولاً مجتهداً أو مقلداً: لكن هذا القدر لا يمنع كراهتها والنهي عنها والاعتياض عنها بالمشروع الذي لا بدعة فيه، كما أن الذين زادوا الاذان في العيدين هم كذلك، بل اليهود والنصارى يجدون في ع باداتهم أيضاً فوائد، وذلك لأنه لا بد أن تشتمل عباداتهم على نوع ما مشروع في جنسه، كما أن قولهم لا بد أن يشتمل على صدق مأثور عن الأنبياء، ثم ذلك لا يوجب أن تفعل عباداتهم أو تروى كلماتهم، لأن جميع المبتدعات لابد أن تشتمل على شر راجح على ما فيها من الخير، إذ لو كان خيرها راجحاً لما أهملتها الشريعة، فنحن نستدل بكونها بدعة على أن اثمها أكبر من نفعها، وذلك هو الموجب للنهي.::::::(3/91)
له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: وهذا هو الذي يجب تعلمه وتعليمه والأمر به على حسب مقتضى الشريعة من إيجاب واستحباب.
أضف إلى هذا أن نفس قول شيخ الاسلام: فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له أجر عظيم لحسن قصده الخ.
إنما ذكره بصدد الكلام على عدم محاولة إنكار المنكر الذي يترتب على محاولة إنكاره الوقوع فيما هو أنكر منه يعني: أن حسن نية هذا الشخص ولو كان عمله غير مشروع خير من اعراضه عن الدين بالكلية.
ومن الأدلة على عدم قصده تبرير الاحتفال بالمولد تصريحاته في كتبه الأخر بمنعه، يقول في " الفتاوى الكبرى": أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد أو بعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها.
وقال في بعض فتاويه: فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك واتخاذه عبادة فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان إن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق.
وأما قول شيخ الإسلام: إذا رأيت من يعمل هذا ـ أي المنكر ـ ولا يتركه إلا إلى شر منه فلا تدع إلى ترك منكر يفعل ما هو أنكر أو يترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه.::::::(3/92)
فمن غرائب الشنقيطي الاستدلال به على مشروعية الاحتفال بالمولد مادام شيخ الإسلام يسمي ذلك منكراً، وإنما اعتبر مايترتب على محاولة إزالته من خشية الوقوع في أنكر منه عذراً عن تلك المحاولة، من باب اعتبار مقادير المصالح والمفاسد وقد بسط شيخ الإسلام الكلام على هذا النوع في رسالته في " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ومن ضمن بحثه في ذلك قوله: ومن هذا الباب ترك النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي ابن سلول وأمثاله من أئمة النفاق والفجور لما لهم من أعوان، فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك بغضب قومه وحميتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه، ولهذا لما خطب الناس في قضية الإفك بما خطبهم به واستعذر منه وقال له سعد بن معاذ قوله الذي أحسن فيه حمي له سعد بن عبادة ـ مع حسن إيمانه وصدقه ـ وتعصب لكل منهما قبيلته حتى كادت تكون فتنة.
ومن هذا يعلم أن لا ملازمة بين ترك النهي عن الشيء لمانع وبين إباحة ذلك الشيء كما تخيله الشنقيطي، وقد فاته أن هذه العبارة التي نقلها عن شيخ الإسلام في عدم النهي عن المنكر إذا ترتب عليه الوقوع في أنكر منه لا تصلح جواباً لمن سأل عن الاحتفال بالمولد هل هو بدعة أم لا في بلد لا يقام فيه ذلك الاحتفال، وإنما تعتبر جواباً لمن سأل عن حكم الإنكار على من اتخذ المولد عيداً إذا ترتب على الإنكار الوقوع في أنكر منه.
كما فاته أن ما ذكره من جهة أغاني أم كلثوم وما عطفه عليها لا يعتبر مبرراً للابتداع، فإن الباطل إنما يزال بالحق لا بالباطل.::::::(3/93)
قال تعالى: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} (1) وليس النهي عن الاحتفال بالمولد من ناحية قراءة السيرة، بل من ناحية اعتقاد ما ليس مشروعاً مشروعاً، والتقرب إلى الله تعالى بما لم يقم دليل على التقرب به إليه ومن أكبر دليل على عدم اعتبار ما ذكره الشنقيطي أن المواضع التي تقام فيها الاحتفالات بالموالد ما حالت بينها وبين الاستماع لأغاني أم كلثوم وما عطف عليها، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم أرفع من أن لا تقرأ في السنة إلا في أيام الموالد.
وأما دعوى الشنقيطي فتح شيخ الإسلام ابن تيمية باب الابتداع فيما يتعلق بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم فكتابات شيخ الإسلام ابن تيمية تدل أوضح دلالة على بطلانها، فقد قرر فيها أن كيفية التعظيم لابد من التقيد فيها بالشرع، وأنه ليس كل تعظيم مشروعاً في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فإن السجود تعظيم ومع ذلك لا يجوز لغير الله، وكذلك جميع التعظيمات التي هي من خصائص الألوهية لا يجوز تعظيم الرسول بها، كما قرر في غير موضع من كتبه أن الأعمال المضادة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإن قصد فاعلها التعظيم فهي غير مشروعة، لقوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} (2) ويستدل كثيراً بما جاء في النصوص من النهي عن الإطراء، وكلامه في ذلك كثير لا يحتاج إلى الإطالة بذكره مادامت المراجع بحمد الله موجودة، هذا على سبيل العموم.
_________
(1) سورة الإسراء آية 81.
(2) سورة آل عمران ـ آية 31.::::::(3/94)
أما مايخص مسألة اتخاذ المولد النبوي عيداً بدعوى التعظيم فقد تقدم قول شيخ الإسلام ابن تيمية فيه: إنه لم يفعله السلف مع قيام المقتضي، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره واحياء سنته باطناً وظاهراً ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
وتمثيل الشنقيطي " بالصارم المسلول" لدعواه فتح شيخ الإسلام ابن تيمية لباب الابتداع في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، إنما نشأ من عدم تدبر كلام شيخ الإسلام في مقدمته، فإنه قد بين فيها أن مضمون الكتاب" الصارم المسلول" بيان الحكم الشرعي الموجب لعقوبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر بياناً مقروناً بالأدلة، ومن نظر إلى الأدلة التي سردها شيخ الإسلام في هذا الكتاب من نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة تبين له أنه دفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم وحماية لجنابه من التعرض له بما لا يليق به، وهذا لا صلة له بالابتداع، هذا وليت الشنقيطي فكر في تعذر الجمع بين الأمور التي استدل بها على تبرير الاحتفال بالمولد، فإن كون الشيء الواحد مشروعاً منكراً بدعة في آن واحد لا يتصور، لكن من تكلم فيما لا يحسنه أتى بالعجائب، هذا ما لزم بيانه وبالله التوفيق.
(انتهى ملحق الرسالة الثانية)(3/95)
(819 ـ الاحتفال بذكرى نزول القرآن بدعة)
من محمد بن إبراهيم إلى سعادة وكيل وزارة الخارجية ... المحترم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:::::::
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 34 ـ 1 ـ 41143 ـ 3 وتاريخ 3/4/1396هـ المرفق به صورة مذكرة السفارة الباكستانية بجدة رقم ـ ح وـ 66 ـ س وتاريخ 14 يوليو 1966 المتضمنة أن حكومة الباكستان تنوي الاحتفال بذكرى الـ 1400 لنزول القرآن الكريم.
وبما أن المؤسسات الدينية في الباكستان تختلف آراؤها في تحديد تاريخ نزول القرآن الكريم بالضبط. فطلبت حكومة الباكستان من سفارتها أن تتصل بحكومة المملكة العربية السعودية للحصول على التاريخ الصحيح الذي أُنزل الله فيه القرآن الخ.
وعليه ونظراً لأن ما جاء بمذكرة السفارة الباكستانية تطرق إلى بحثين مهمين:
" البحث الأول" عن وقت نزول القرآن.
البحث الثاني" عن جواز اتخاذ مثل هذا عيداً.
فلهذا نلفت النظر إلى مايلي:
" أولاً ": أما تاريخ نزول القرآن فإنه معروف لدى العلماء في كتب التفسير والحديث والتاريخ، بل ذكره الله في كتابه بقوله {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} (1) ولاشك أن بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن عليه من أكبر النعم التي أنعم الله بها على هذه الأمة، بل هي أكبرها على الإطلاق، فلهذا
_________
(1) سورة البقرة ـ آية 185.::::::(3/96)
يجب أن تقابل بالشكر , والشكر إنما هو باتباع شريعته والاقتداء بهديه وهدي الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم.
أما " البحث الثاني " هو جواز اتخاذ يوم نزول القرآن عيداص يتكرر بتكرر الأعوام فهذا ـ وإن ك ان قصد صاحبه حسناً ـ إلا أنه لما لم يكن مشروعاً، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه الراشدين وسائر صحابته والتابعين لهم بإحسان ولا عن أحد من الأئمة الأربعة ـ مالك وأبي حنيفة والشافعي، وأحمد بن حنبل ـ ولا عن غيرهم من الأئمة المقتدى بهم سلفاً وخلفاً فلما لم يكن مشروعاً ولا ورد عن أحد ممن ذكر تعين التنبيه على أن مثل هذا لا يجوز شرعاً، لأنه لا أصل له في الدين، ولم يكن من عمل المسلمين، ونحن نجزم أن حكومة الباكستان أيدها الله بنصره وأعز بها شريعته ورزقها التمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ترد من هذا إلا خيراً، ونجزم أنها إذا تبين لها أن مثل هذا لا يجوز ستعدل عنه إلى غيره من الأمور المشروعة والله الموفق، والسلام.
مفتي البلاد السعودية (ص ـ ف ـ 1313 ـ 1 في 6/5/1386هـ)
(820 ـ والاحتفال بذكرى الاسراء والمعراج غير مشروع)
من محمد بن إبراهيم إلى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بالإشارة إلى خطابكم لنا رقم 9ـ3ـ2ـ2939 وتاريخ(3/97)
11/8/1388هـ ومشفوعه البطاقة المرفوعة إليكم من الاتحاد الإسلامي في الغرب وهذا نصها: دعوة جميع المسلمين في روما إلى مقر الاتحاد الإسلامي في الغرب وهذا نصها: دعوة جميع المسلمين في روما إلى مقر الاتحاد الإسلامي في الغرب في الساعة السابعة والربع من مساء السبت تاريخ 19/10/1968م بمناسبة " ذكرى المعراج المعظم" في ليلة 17 رجب للعام الثاني عشر من الرسالة إذ حضر محمد صلى الله عليه وسلم الوحي الأمير جبريل عليه السلام وعرج بالمصطفى عيناً وروحاً إلى المسجد الاقصى القدس الجريحة فصلى سيد الأنبياء ثم عرج به إلى السماء ليريه من آيات ربه.::::::
إن الإتحاد الإسلامي في الغرب يدعو كل مسلم بعد إقامة صلاة المعراج (12: ركعة كل في بيته التفضل إلى مقر الاتحاد للإسهام بالدعاء الخاص بهذه المناسبة " سبحان الله، أستغفر الله، اللهم صلي، بإمامية الشيخ باكير إمام الاتحاد الإسلامبي في الغرب، سيختتم الاحتفال بتلاوة قصيرة من آيات الله البينات. انتهى.
وتطلبون منا الجواب عن ذلك.
والجواب: هذا ليس بمشروع: لدلالة الكتاب والسنة وا لاستصحاب، والعقل، أما الكتاب فقد قال تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} (1)
وقال تعالى {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} (2) والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرجوع إليه في حياته وإلى سنته بعد موته، وقال تعالى: {قل إن كنتم تحبون
_________
(1) سورة المائدة ـ آية 3.
(2) سورة النساء ـ آية 59.(3/98)
الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} (1) .
وقال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (2) .
وأما السنة: فالأول ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وفي رواية لمسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ".
" الثاني " روى الترمذي وصححه وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والمحدثات فإن كل محدثة ضلالة ".
" الثالث " روى الإمام أحمد والبزار عن غضيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة" رواه الطبراني إلا أنه قال: " ما من أمة ابتدعت بعد نبيها بدعة إلا أضاعت مثلها من السنة ".
" الرابع ": روى ابن ماجه وابن أبي عاصم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته " ورواه الطبراني. إلا أنه قال: " إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته ".
وأما الاستصحاب فهو هنا استصحاب العدم الأصلي. وتقرير ذلك أن العبادات توقيفية، فلا يقال: هذه العبادة مشروعة إلا بدليل
_________
(1) سورة آل عمران ـ آية 31.
(2) سورة النور آية 63.::::::::::::(3/99)
من الكتاب والسنة والإجماع، ولا يقال إن هذا جائز من باب المصلحة المرسلة أو الإستحسان أو القياس أو الاجتهاد، لأن باب العقائد والعبادات والمقدرات كالمواريث والحدود لا مجال لتلك فيها.
وأما المعقول فتقريره أن يقال: لو كان هذا مشروعاً لكان أولى الناس بفعله محمد صلى الله عليه وسلم.
هذا إذا كان التعظيم من أجل الإسراء والمعراج وإن كا ن من أجل الرسول صلى الله عليه وسلم وإحياء ذكره كما يفعل في مولده صلى الله عليه وسلم فأولى الناس به أبو بكر رضي الله عنه ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم ثم من بعدهم من الصحابة على قدر منازلهم عند الله ثم التابعون ومن بعدهم من أئمة الدين ولم يعرف عن أحد منهم شيء من ذلك فيسعنا ما وسعهم.::::::::::::::::::
ونسوق لك بعض كلام العلماء في ذلك، فمن ذلك ما قاله ابن النحاس في كتابه " تنبيه الغافلين": ومنها ـ أي البدع المحرمة ـ ما أحدثوه ليلة السابع والعشرين من رجب وهي " ليلة المعراج " الذي شرف الله به هذه الأمة، فابتدعوا في هذه الليلة وفي ليلة النصف من شعبان وهي الليلة الشريفة العظيمة كثرة وقود القناديل في المسجد الأقصى وفي غيره من الجوامع والمساجد، واجتماع النساء مع الرجال والصغار اجتماعاً يؤدي إلى الفساد وتنجيس المسجد وكثرة اللعب فيه واللغط، ودخول النساء إلى الجوامع متزينات متعطرات، ويبتن في المسجد بأولادهن فربما سبق الصغير الحدث، ربما اضطرت المرأة والصبي إلى قضاء الحاجة، فإن خرجا من المسجد لم يجدا إلا طريق المسلمين في أبواب المساجد وإن لم يخرجا حرصا على مكانهما(3/100)
أو حياء من الناس ربما فعلا ذلك في إناء أو ثوب أو في زاوية من زوايا المسجد وكل ذلك حرام، مع أن الداخل في الغلس لصلاة الصبح قل أن يسلم من تلويث ذيله أو نعله بما فعلوه في باب المسجد، ويدخل بنعله وما فيه من النجاسة إلى المسجد فينجسه وهو لا يشعر، إلى غير ذلك من المفاسد المشاهدة المعلومة.
وكل ذلك بدعة عظيمة في الدين ومحدثات أحدثها إخوان الشياطين، مع ما في ذلك من الإسراف في الوقيد والتبذير وإضاعة المال.::::::::::::
وقال أيضاً: واعتقاد أن ذلك قربة من أعظم البدع، وأقبح السيئات، بل لو كان في نفسه قربة وأدى إلى هذه المفاسد لكان إثماً عظيماً. فينبغي للعاجز عن إنكار هذه المنكرات أن لا يحضر الجامع وأن يصلي في بيته تلك الليلة إن لم يجد مسجداً سالماً من هذه البدع، لأن الصلاة في الجامع مندوب إليها وتكثير سواد أهل البدع منهي عنه، وترك المنهي عنه واجب وفعل الواجب متعين. هذا إن لم يكن مشهوراً بين الناس، فإن كان مشهوراً بينهم بعلم أو زهد وجب عليه أن لا يحضر الجامع ولا يشاهد هذه المنكرات، لأن في حضوره مع عدم الإنكار إيهاماً للعامة بأن هذه الأفعال مباحة أو مندوب إليها وإذا فقد من المسجد وتأخر عن عادته في الصلاة جماعة وأنكر ذلك بقلبه لعجزه ربما يسلم من الإثم، ولا يغتر به غيره، ويستشعر الناس من عدم حضوره أن هذه الأفعال غير مرضية، لأن حضور من يقتدى به في هذه الليلة هو الشبهة العظمى. فظن الجهال. والعوام أن ذلك مستحسن شرعاً، ولو اتفق العلماء والصلحاء على إنكار ذلك لزال(3/101)
بل لو عجزوا عن الانكار وتركوا الصلاة في الجامع المذكور لظهر للناس أن ذلك بدعة لا يسوغها الشرع ولا يرضاها أهل الدين، وربما امتنع الناس عن ذلك أو بعضهم فحصل لهم الثواب بفعل ما يقدرون عليه من الإنكار بالقلب والإمتناع عن الحضور إن كانوا عاجزين عن التبيين، وإن كانوا قادرين فيسقط عنهم بعض الإثم ويخفف عنهم الوزر.
وقال الشيخ علي محفوظ في كتابه " الإبداع في مضار الابتداع " تحت عنوان " المواسم التي نسبوها إلى الشرع وليست منه ": ومنها " ليلة المعراج " التي شرف الله تعالى هذه الأمة بما شرع لهم فيها.::::::
وقد تفنن أهل هذا الزمان بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروباً كثيرة: كالاجتماع في المساجد وإيقاد الشموع والمصابيح فيها وعلى المنارات مع الإسراف في ذلك، واجتماعهم للذكر والقراءة وتلاوة قصة المعراج، وكان ذلك حسناً لو كان ذكراً وقراءة وتعلم علم: لكنهم لا يخرجون عن الثابت قيد شعرة ويعتقدون الخروج عنه ضلالة لاسيما عصر الصحابة ومن بعدهم من أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير. إنتهى.
وإن اردتم المزيد من الكلام على الموضوع فعليكم مراجعة " الاعتصام" للشاطي و " البدع والحوادث " للطرطوشي و " البدع والنهي عنها" لابن وضاح القرطبي. هذا ونسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين التوفيق والهداية إلى دين الإسلام والثبات عليه والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف ـ 1125 في 2/6/1389هـ)(3/102)
(821 ـ الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج مبتدع لا تجوز المشاركة فيه)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد اطلعت على خطابكم رقم 682 في 4/7/85هـ بصدد الدعوة الموجهة لكم من قاضي القضاة في المملكة الأردنية الهاشمية لحضور الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، وطلبكم الإفادة برأينا تجاه ذلك.
إنني أقول: الاحتفال بذكرى " الإسراء والمعراج" أمر باطل، وشيء مبتدع، وهو تشبه باليهود والنصارى في تعظيم أيام لم يعظمها الشرع. وصاحب المقام الأسمى رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي شرع الشرائع، وهو الذي وضح ما يحل وما يحرم، ثم إن خلفاءه الراشدين وأئمة الهدى من الصحابة والتابعين لم يعرف عن أحد منهم أنه احتفل بهذه الذكرى.::::::
المقصود أن الاحتفال بذكرى " الإسراء والمعراج" بدعة، فلا يجوز ولا تجوز المشاركة فيه، ولا أوافق على أن تشارك الرابطة فيه لا بإرسال أحد من موظفيها ولا بإنابة الشيخ القلقيلي أو غيره عنها في ذلك والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية (ص ـ م ـ 2803 في 8/7/1385هـ) .(3/103)
(822 ـ الذبح ليلة الاسراء والمعراج معصية)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الكريم سعيد زهراني ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
كتابك لنا المؤرخ في 21/7/1387هـ وصل وقد ذكرت فيه أن والدتك نذرت بعدما وضعت في شعبان أن تذبح ذبيحة في اليوم السابع والعشرين من رجب من كل سنة وذلك منذ ثمان وعشرين سنة واستمرت موفية بنذرها طول هذه المدة، وتسأل عن حكم هذا النذر.
والجواب: هذا النذر لا ينعقد لاشتماله على معصية، وهي أن شهر رجب شهر معظم عند أهل الجاهلية، وليلة السابع والعشرين منه يعتقد بعض الناس أنها ليلة " الإسراء والمعراج" فجعلوها عيداً يجتمعون فيها، ويعملون أموراً بدعية، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوفاء بالنذر في المكان الذي يفعل فيه أهل الجاهلية أعيادهم أو يذبح فيه لغير الله فعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد. قالوا: لا قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم، قالوا: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم " رواه أبو داود وإسناده على شرط البخاري ومسلم. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية (ص ـ ف 3727 ـ 1 في 25/9/1387هـ)(3/104)
(823 ـ الهدايا بمناسبة عيد النصارى ـ عيد الميلاد ـ لا تجوز)
من محمد بن إبراهيم إلى معالي وزير التجارة ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:::::::
ذكر لنا أن بعض التجار في العام الماضي استوردوا هدايا خاصة لمناسبة العيد المسيحي لرأس السنة الميلادية، من ضمن هذه الهدايا " شجرة الميلاد المسيحي" وأن بعض المواطنين كانوا يشترونها ويقدمونها للأجانب المسيحيين في بلادنا مشاركة منهم في هذا العيد.
وهذا أمر منكر ما كان ينبغي لهم فعله، ولا نشك في أنكم تعرفون عدم جواز ذلك، وما ذكره أهل العلم من الاتفاق على حظر مشاركة الكفار من مشركين وأهل كتاب في أعيادهم.
فنأمل منكم ملاحظة منع ما يرد للبلاد من هذه الهدايا وما في حكمها مما هو خصائص عيدهم.
كما أننا نلفت نظركم إلى أن كثيراً من الغيورين على دينهم قد ذكروا لنا أن لحوماً معلبة مستوردة من الخارج تباع في البقالات وغيرها، وتعرفون بارك الله فيكم أن الذبح الشرعي شرط في حل ذلك وأن مصدري هذه اللحوم المعلبة لا يعتبرون للذكاة الشرعية دخلاً في الحل والتحريم، لا سيما البلدان الشيوعية وما في حكمها ممن تربوا على الإلحاد والكفر بالله.
فاعتمدوا بارك الله فيكم الاحتياط لبراءة ذمم المسلمين بمنع ورود هذه اللحوم المعلبة، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف 3340 ـ 1 في 24/8/1387هـ)(3/105)
(824 ـ ذكرى ابن سيناء)
لكن " ابن سيناء" الذي هذه حالته (1) كيف يجعل له ذكرى وعيد.
(تقرير على شرح الطحاوية)
(825 ـ عيد الجلوس)
عيد الجلوس هو من طرائق اليهود والنصارى، فإن الأعياد كلها من باب العبادة، فإن تعظيم الزمان والأعياد المكانية ما لأهل الإسلام إلا المساجد الثلاثة وما يتبع المسجد الحرام من المشاعر، وغيره لا أبدا (2) ... (تقرير)
(825/م ـ تكذيب مانشرته جريدة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة فضيلة الشيخ محمد البيز ... رئيس محكمة الطائف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد نشرت جريدة البلاد في عددها رقم (240) الصادر يوم الجمعة الموافق12 الجاري أن المشائخ توافدوا إلى قصر الحكم في الرياض لتهنئة جلالة الملك بيوم ذكرى جلوسه.
ونقول إن هذا غلط، فإننا وإخواننا المشايخ لا نرى ذلك سائغاً، فضلاً عن أن نهنئ الملك به، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (الختم)
(ص ـ م ـ 1290 في 28/5/1375هـ) .
_________
(1) ابن سيناء: هو ابن علي الملقب (الرئيس) قال شيخ الاسلام ابن سيناء وأمثاله في العلوم الالهية خير من سلفه (فلاسفة الصائبة) وأهل بيته (الباطنية) لما عرف شيئاً من دين المسلمين أراد أن يجمع بينه وبين ماتلقاه عن سلفه، كما أحدث أشياء أصلح بها فلسفة من قبله حتى ضل بها من لم يعرف الإسلام. أنظر ج36 ص26، 490.::::::
(2) وانظر فتوى لسماحته مع الشيخ محمد بن عبد اللطيف والشيخ صالح بن عبد العزيز في هذا الموضوع في الدرر السنية جزء (4) (ص/ 239) .(3/106)
(826 ـ العيد الوطني)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد: ـ فإن تخصيص يوم من أيام السنة بخصيصة دون غيره من الأيام يكون به ذلك اليوم عيداً، علاوة على ذلك أنه بدعة في نفسه ومحرم وشرع دين لم يأذن به الله، والواقع أصدق شاهد، وشهادة الشرع المطهر فوق ذلك وأصدق، إذ العيد اسم لما يعود مجيؤه ويتكرر سواء كان عائداً يعود السنة أو الشهر أو الأسبوع كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (1) .
ولما كان للنفوس من الولع بالعيد ما لا يخفى لا يوجد طائفة من الناس إلا ولهم عيد أو أعياد يظهرون فيه السرور والفرح ومتطلبات النفوس شرعاً وطبعاً من عبادات وغيرها، ولهذا لما أنكر أبو بكر الصديق رضي الله عنه على الجويريتين الغناء يوم العيد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " دعهما ياأبا بكر فإن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا أهل الإسلام ".
وقد منّ الله على المسلمين بما شرعه لهم على لسان نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم من العيدين الإسلاميين العظيمين الشريفين الذين يفوقان أي عيد كان، وهما: " عيد الفطر " و " عيد الأضحى " ولا عيد للمسلمين سنوياً سواهما، وكل واحد من هذين العيدين شرع شكر الله تعالى على أداء ركن عظيم من أركان الإسلام.::::::
_________
(1) في اقتضاء الصراط المستقيم ص189.::::::(3/107)
فـ" عيد الفطر" أوجبه الله تعالى على المسلمين وشرعه ومنّ به عليهم شكراً لله تعالى على توفيقه إياهم لإكمال صيام رمضان وما شرع فيه من قيام ليله وغير ذلك من القربات والطاعات المنقسمة إلى فرض كالصلاة وصدقة الفطر وإلى مندوب وهو ماسوى ذلك من القربات المشروعة فيه، وللجميع من المزايا ومزيد المثوبة ما لا يعلمه إلا الله تعالى و " عيد الأضحى " شرع شكراً لله تعالى على أداء ركن آخر من أركان الإسلام وهو حج بيت الله الحرام، وقد فرض الله فيه صلاة العيد، وشرع فيه وفي أيام التشريق ذبح القرابين من الضحايا والهدايا التي المقصود منها طاعة الله تعالى والإحسان إلى النفس والأهل بالأكل والتوسع والهدية للجيران والصدقة على المساكين، وشرع فيه وفي أيام التشريق وفي عيد الفطر من التكبير والتهليل والتحميد ما لا يخفى، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب " وفي حديث آخر زيادة " وذكر لله تعالى " كما منّ تعالى بشرعه إظهار السرور والفرح ولابروز بأحسن مظهر وأكمل نظافة والامبساط والفراغ في ذلك اليوم والتهاني بذلك العيد والراحة من الأعمال توفيراً للسرور والأنس وغير ذلك وكل ذلك يدخل في مسمى العيد حتى أذن فيه بتعاطي شيء من اللعب المباح في حق من لهم ميل إليه كالجويريات والحبشة الذين لهم من الولع باللعب ما ليس لغيرهم , كما أقر فيه صلى الله عليه وسلم الجويريتين على الغناء المباح بين يديه صلى الله عليه وسلم: وأقر الحبشة على اللعب بالدرق والحراب في المسجد يوم العيد، وبذلك يعرف أن المسلمين لم يخلوا بحمد الله في السنة من عيد، بل شرع(3/108)
لهم عيدان اثنان، اشتمل كل واحد من العيدين من العبادات والعادات من الفرح والامبساط ومظهر مزيد التآلف والتواد والتهاني به بينهم ودعاء بعضهم لبعض على ما لم يشتمل عليه سواهما من الأعياد.::::::
وتعيين يوم ثالث من السنة للمسلمين فيه عدة محاذير شرعية. " أحدها " المضاهات بذلك للأعياد الشرعية.
" المحذور الثاني ": أنه مشابهة للكفار من أهل الكتاب وغيرهم في إحداث أعياد لم تكن مشروعة أصلاً، وتحريم ذلك معلوم بالبراهين والأدلة القاطعة من الكتاب والسنة، وليس تحريم ذلك من باب التحريم المجرد، بل هو من باب تحريم البدع في الدين، وتحريم شرع دين لم يأذن به الله كما يأتي إن شاء الله بأوضح من هذا، وهو أغلظ وأفضع من المحرمات الشهوانية ونحوها.
وقد ألف شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه في تحريم مشابهة الكفار ولا سيما في أعيادهم سفراً ضخماً سماه " اقتضاء الصراط المستقيم، في مخالفة أصحاب الجحيم " ذكر فيه تحريم مشابهة الكفار بالأدلة: من الكتاب، والسنة، والإجماع، والآثار، والإعتبار، فذكر من الآيات القرآنية ما ينيف على ثلاثين آية، وقرر بعد كل آية وجه دلالتها على ذلك , ثم ذكر من الأحاديث النبوية الدالة على تحريم مشابهة أهل الكتاب ما يقارب مائة حديث، وأعقب كل حديث بذكر وجه دلالته على ذلك، ثم ذكر الإجماع على التحريم، ثم ذكر الآثار.(3/109)
ثم ذكر من الاعتبار ما في بعضه الكفاية، فما أجل هذا الكتاب وأكبر فائدته في هذا الباب.
" المحذور الثالث": أن ذلك اليوم الذي عين الموطن الذي هو أول يوم من الميزان هو يوم المهرجان الذي هو عين الموطن الذي هو أول يوم من الميزان هو يوم المهراجان الذي هو عيد الفرس المجوس، فيكون تعيين هذا اليوم وتعظيمه تشبهاً خاصاً، وهو أبلغ في التحريم من التشبه العام.::::::
" المحذور الرابع ": ان في ذاك من التعريج على السنة الشمسية وإيثارها على السنة القسرية التي أولها المحرم ما لا يخفى، ولو ساغ ذلك ـ وليس بسائغ البتة ـ لكان أول يوم من السنة القمرية أولى بذلك، وهذا عدول عما عليه العرب في جاهليتها وإسلامها، ولا يخفى أن المعتبر في الشريعة المحمدية بالنسبة إلى عباداتها وأحكامها الفتقرة إلى عدد وحساب من عبادات وغيرها هي الأشهر القمرية، قال تعالى {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون} (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة ثم قال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام الثلاثين يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين " فوقت العبادات بالأشهر القمرية من الصيام والحج وغير ذلك كالعدد، وفضل الله الأزمنة بعضها على بعض باعتبار الأشهر القمرية.
_________
(1) سورة يونس ـ آية 5.(3/110)
" المحذور الخامس" أن ذلك شرع دين لم يأذن به الله، فإن جنس العيد الأصل فيه أنه عبادة وقرية إلى الله تعالى، مع ما اشتمل عليه مما تقدم ذكره، وقد قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} (1) .
وأنا أذكر إن شاء الله أنموذجاً مما استدل به شيخ الإسلم رحمه الله في هذا الباب من الأصول الخمسة التي تقدمت الإشارة إليها، إقامة للحجة، وإيضاحاً للمحجة، وبراءة للذمة، ونصحاً لإمام المسلمين ولجميع الأمة، ثم أنقل بعد مواضع مفرقة من كتابه المذكور، ثم أذكر بعد ذلك خاتمة دعت إلى ذكرها الضرورة.
فمن الكتاب قوله تعالى: {كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون} (2) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله في الكتاب المذكور المطبوع في مطبعة أنصار السنة المحمدية حول دلالة هذه الآية الكريمة على ما نحن بصدده صحيفة (26) ما نصه: وقد توعد الله سبحانه هؤلاء المستمتعين الخائضين بقوله {أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون} وهذا هو المقصود هنا من هذه الآية وهو أن الله قد أخبر أن في هذه الأمة من استمتع بخلاقه كما استمتعت الأمم قبلهم، وخاض كالذي خاضوا، وذمهم على ذلك، وتوعدهم
_________
(1) سورة الشورى ـ آية 21.::::::
(2) سورة التوبة ـ آية 69.(3/111)
على ذلك، ثم حظهم على الإعتبار بمن قبلهم، فقال: {ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود} الآية (1) وقد قدمنا أن طاعة الله ورسوله في وصف المؤمنين بإزاء ما وصف به هؤلاء من مشابهة القرون المتقدمة وذم من يفعل ذلك ـ إلى أن قال:
ثم هذا الذي دل عليه الكتاب من مشابهة بعض هذه الأمة بالقرون الماضية في الدنيا وفي الدين وذم من يفعل ذلك دلت عليه أيضاً سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأول هذه الآية على ذلك أصحابه رضي الله عنهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لتأخذن كما أخذت الأمم من قبلكم ذراعاً بذراع وشبراً بشبر وباعاً بباع حتى لو أن أحداً من أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه " (2) قال أبو هريرة: إقرؤوا إن شئتم {كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة} الآية قالوا: يارسول الله كما صنعت فارس والروم وأهل الكتاب، قال: فهل الناس إلا هم " وعن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية أنه قال: ما أشبه الليلة بالبارحة، هؤلاء بنوا إسرائيل شبهنا بهم، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتاً وهدياً، تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا.
وقال رحمه الله صحيفة (184) : وأما السنة فروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم
_________
(1) سورة التوبة ـ آية 70.::::::
(2) رواه ابن جرير في تفسير هذه الآية، وله شاهد في الصحيح عن ابي سعد.::::::(3/112)
يومان يلعبون فيهما فقال: " ماهذان اليومان، قالوا: كنا نلعب فيها في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر " رواه أبو داود بهذا اللفظ، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن حميد، عن أنس ورواه أحمد والنسائي وهذا على شرط مسلم.
وقال رحمه الله: وأيضاً مما هو صريح في الدلالة ما روى أبو داود في سننه: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو النظر يعني هاشم بن القاسم، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت، حدثنا حسان بن عطية، عن أبي منيب الجرشي: عن ابن عمر رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم، " وهذا إسناد جيد وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} (1) وهو نظير ما سنذكره عن عبد الله بن عمرو أنه قال: من بنى بأرض المشركين، وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة، فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك وقد يحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفراً أو معصية أو شعاراً للكفر أو للمعصية كان حكمه كذلك. وبكل حال فهو يقتضي تحريم التشبه بهم بعلة كونه تشبهاً.
وقال رحمه الله صحيفة (198) : وأما الإجماع والآثار فمن وجوه:
_________
(1) سورة المائدة ـ آية 51.::::::(3/113)
" أحدها ": ما قدمت التنبيه عليه من أن اليهود والنصارى والمجوس ما زالوا في أمصار المسلمين بالجزية يفعلون أعيادهم التي لهم، والمقتضى لبعض ما يفعلونه قائم في كثير من النفوس، ثم لم يكن على عهد السلف من المسلمين من يشركهم في شيء من ذلك، فلولا قيام المانع في نفوس الأمة كراهة ونهياً عن ذلك وإلا لوقع ذلك كثيراً، إذ الفعل مع وجود مقتضيه وعدم مانعه واقع لا محالة، والمقتضي واقع، فعلم وجود المانع، والمانع هنا هو الدين، فعلم أن الدين دين الإسلام هو المانع من الموافقة وهو المطلوب.
و" الثاني " أنه قد تقدم في شروط عمر رضي الله عنه التي اتفقت عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم: أن أهل الذمة من أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام وسموا (1) الشعانين والباعوث، فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها فكيف يسوغ للمسلمين فعلها، أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها مظهراً لها، وذلك أنا إنما منعناهم من إظهارها لما فيه من الفساد: إما لأنها معصية: أو شعار المعصية، وعلى التقديرين فالمسلم ممنوع من المعصية ومن شعار المعصية، ولو لم يكن في فعل المسلم لها من الشر إلا تجرئة الكافر على إظهارها، لقوة قلبه بالمسلم، فكيف بالمسلم إذا فعلها، فكيف وفيها من الشر ما سننبه على بعضه إن شاء الله.
ومن الآثار التي ذكرها رحمه الله ها هنا ما رواه البيهقي بإسناده
_________
(1) أي: سموا أعيادهم بـ " الشعانين " و " الباعوث ".::::::(3/114)
عن عبد الله بن عمرو قال: من بنى ببلاد الأعاجم، وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة.
ومنها أيضاً ما رواه البخاري في صحيحه عن قيس بن أبي حازم قال: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على امرأة من أحمس يقال لها: زينب، فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تتكلم، قالوا حجت مصمتة، فقال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية فتكلمت فقالت: من أنت، قال: امرؤ من المهاجرين، فقالت: من أي المهاجرين قال: من قريش قالت: من أي قريش قال: إنك لسؤول، وقال: أنا أبو بكر، قالت: مابقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية، قال: بقاؤكم عليه ما استقامت لكم أئمتكم قالت: وما الأئمة، قال: أما كان لقومكم رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم، قالت: بلى قال: فهم أولئك على الناس.
وقال رحمه الله صفحة (27) وأما الاعتبار في مسألة العبد فمن وجوه.
" أحدها " أن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} (1) وقال: {لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه} (2) كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج
_________
(1) سورة المائدة ـ آية 48.
(2) سورة الحج ـ آية 63.::::::(3/115)
فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروع موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به بين الشرائع، ومن أظهر مالها من الشرائع، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة وشروطه إلى أن قال:
"الوجه الثاني" من الاعتبار: أن ما يفعلونه في أعيادهم معصية لله، لأنه إما محدث مبتدع وإما منسوخ، وأحسن أحواله ـ ولا حسن فيه ـ أن يكون بمنزلة صلاة المسلم إلى بيت المقدس، هذا إذا كان المفعول مما يتدين به، وأما ما يتبع ذلك من التوسع في العادات من الطعام واللباس واللعب والراحة فهو تابع له في دين الإسلام إلى أن قال:
" الوجه الثالث " من الاعتبار يدل أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس، بل عيداً، حتى يضاهى بعيد الله، بل قد يزيد عليه حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر، إلى أن قال:
" الوجه الخامس" من الإعتبار: أن مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، خصوصاً إذا كانوا مقهورين تحت ذل الجزية والصغار، فإنهم يرون المسلمين قد صاروا فرعاً لهم في خصائص دينهم، فإن ذلك يوجب قوة قلوبهم وانشراح صدورهم إلى أن قال:(3/116)
" الوجه الثامن "من الاعتبار أن المشابهة في الظاهر نورت نوع مودة ومحبة وموالات في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة، إلى أن قال رحمه الله: فإذا كانت المشابهة في أمور دينية تورث المحبة والموالاة فكيف بالمشابهة في أمور دينية فإن افضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان، قال الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (1) .
وأما المواضع المتفرقة (2) فقال رحمه الله (ص293) : " النوع الثاني" ماجرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره من غير أن يوجب ذلك جعله موسماً ولا كان السلف يعظمونه كثامن عشر ذي الحجة الذي خطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم مرجعه من حجة الوداع، فإنه صلى الله عليه وسلم خطب فيه خطبة وصى فيها باتباع كتاب الله، ووصى فيها بأهل بيته، كما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، فزاد بعض أهل الأهواء في ذلك حتى زعموا أنه عهد إلى علي رضي الله عنه بالخلافة بالنص الجلي، إلى أن قال: وليس الغرض الكلام في " مسألة الإمامة" وإنما الغرض أن اتخاذ هذا اليوم عيداً محدث لا أصل له
_________
(1) سورة المائدة ـ آية 51 ـ 53.::::::
(2) من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم التي أشار إليها سماحته في أول هذه الرسالة.::::::(3/117)
فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم من اتخذ ذلك عيداً حتى يحدث فيه أعمالاً، إذ الأعياد شريعة من الشرائع فيجب فيها الاتباع لا الابتداع، وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة: مثل بدر، وحنين، والخندق، وفتح مكة، ووقت هجرته، ودخوله المدينة، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين، ثم لم يوجب ذلك أن تتخذ أمثال تلك الأيام أعياداً، وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً أو اليهود، وإنما العيد شريعة، فما شرعه الله اتبع، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه.
وقال أيضاً صحيفة 18 (فصل) إذا تقرر هذا الأصل في مشابهة الكفار فنقول: موافقتهم في أعيادهم لا تجوز من الطريقين " الأول العام": هو ما تقدم من أن هذه موافقة لأهل الكتاب فيما ليس من ديننا ولا عادة سلفنا، فيكون فيه مفسدة موافقتهم، وفي تركه مصلحة مخالفتهم، حتى لو كانت موافقتهم في ذلك أمراً اتفاقياً مأخوذاً عنهم لكان المشروع لنا مخالفتهم، لما في مخالفتهم من المصلحة لنا كما تقدمت الإشارة إليه.
وقال رحمه الله ص 267 (فصل) ومن المنكرات في هذا الباب سائر الأعياد والمواسم المبتدعة، فإنها من المنكرات المكروهات، سواء بلغت الكراهة التحريم أو لم تبلغه، وذلك أن أعياد أهل الكتاب والأعاجم نهى عنها لسببين:
أحدهما: أن فيها مشابهة الكفار(3/118)
و" الثاني " أنها من البدع.
فما أحدث من المواسم والأعياد فهو منكر وأن لم يكن فيه مشابهة لأهل الكتاب لوجهين:
" أحدهما": أن ذلك داخل في مسمى البدع والمحدثات، فيدخل فيما رواه مسلم في صحيحه عن جابر قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم، ويقول: أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة " وفي رواية للنسائي: " وكل ضلالة في النار" وفيما رواه أيضاً في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي لفظ في الصحيحين: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وفي الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" وهذه قاعدة دلت عليها السنة والإجماع مع ما في كتاب الله من الدلالة عليها أيضاً، قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} (1) إلى أن قال: وقد قال سبحانه: {اتخذوا
_________
(1) سورة الشورى ـ آية21.(3/119)
أحبارهم ورهبانهم أرباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلا إلاهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} (1) .
قال عدي بن حاتم للنبي صلى الله عليه وسلم: " يا رسول الله ما عبدوهم قال: ما عبدوهم ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فتلك عبادتهم " انتهى.
وأما " الخاتمة" فقد جاء الكتاب والسنة والإجماع بوجوب طاعة الله ورسوله، والرد عند التنازع إلى الله والرسول، وتحريم الخروج عن سبيل المؤمنين، وتحريم طاعة العلماء والعباد والأمراء في معصية الله، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} (2) وقال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} (3) وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف " والآيات والأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تستقصى فإنه لا طاعة لمخلوق في خلاف ما أمر الله به ورسوله سواء كان من العلماء أو الأمراء والعباد، قال شيخ الإسلام إمام الدعوة قدس الله روحه في " كتاب التوحيد " ما نصه: " باب من أطاع العلماء
_________
(1) سورة التوبة ـ آية 31.::::::
(2) سورة النساء ـ آية 59.
(3) سورة النساء ـ آية 115.(3/120)
والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أرباباً من دون الله " وقال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر، وقال الإمام أحمد: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (1)
أتدري ما الفتنة، الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، وعن عدي بن حاتم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلاها واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} فقلت له: إنا لسنا نعبدهم قال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه، فقلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم " رواه أحمد والترمذي وحسنه انتهى. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
تحريراً في 19/5/1385هـ) (2)
(برقية)
صاحب الجلالة الملك المعظم أيده الله ... الرياض
بلغني أن هناك يوماً في السنة عند الموظفين والمدارس يسمى " يوم النظافة"
_________
(1) سورة النور ـ آية 63..::::::
(2) هذه الفتوى وجدتها بيد بعض طلاب العلم، وهي مما أملاه علي في مكتبته الخاصة.::::::(3/121)
وقد احتفل به في جدة، وأبدى لجلالتكم حفظكم الله، أن تخصيص هذا اليوم والاحتفال به أمر لا يجيزه الشرع حيث يكون بصفة العيد، ولا عيد لأهل الإسلام غير أعيادهم التي سنها الشرع، وما سواها فحدث باطل ينهى عنه الإسلام ويمنعه.
أما النظافة فأمرها معروف، وهي مطلوبة في كل وقت، لا تخصص بوقت دون وقت، قف، بلغني هذا الخبر وعسى أن لا يكون صحيحاً وغيرتكم للشرع وحمايتكم له تأبى إقرار هذا الشيء وأمثاله تولاكم الله بتوفيقه.
محمد بن إبراهيم (ص ـ م ـ 229 في 16/8/1379هـ)
(827 ـ كان في أميركا يوم يشبه عيد، يكذب فيه وهذا يدل على ميل القلوب للباطل ... (تقرير)
(828 ـ إذا قامت البينة في أثناء النهار فمتى يصلون العيد)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم محمد السعود العيسى ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد وصلني كتابكم المؤرخ 3 شوال 76هـ وفهمنا ما أشرتم إليه من تأخير القاضي لديكم لصلاة عيد الفطر من السنة الماضية إلى اليوم الثاني مع أن خبر العيد قد وصل إليكم الساعة الحادية عشر والنصف صباحاً(3/122)
ونفيدكم أنه إذا قامت البينة من أول النهار وجبت صلاة العيد، لبقاء الوقت، فإنه من ارتفاع الشمس إلى الزوال، وإن لم يعلم بالعيد إلا بعد زوال الشمس أو قبله ولم يمكن فعلها في الوقت فإنهم يصلونها من الغد قضاء، لفوات وقت فعلها يوم العيد بزوال الشمس، لما روى أبو داود عن ابن عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن ركباً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا فإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم " وفي لفظ " فجاء ركب في آخر النهار " الخ. والسلام عليكم. في 9/3/1377هـ.
مفتي الديار السعودية (ص ـ ف ـ 252 في 11/3/1377هـ)
(اللعب والطرب المباح في العيدين، والمحظور، والعرضات)
العيد من شأنه اللعب، حتى إن الصغار من الجواري لهم أن يلعبوا في ذلك اليوم اللعب الذي لا يشتمل على محظور، لأنه يوم سرور، والصغار لهم ميل في وقت السرور إلى جنس ذلك، وكذلك ما يشبههم، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر الحبشة يلعبون ومعهم الحراب، لكون الحبشة يميلون للطرب المباح في مثل هذا اليوم الذي لا يفضي إلى محظور، ولهذا في الحديث " دعهما فإن لكل قوم(3/123)
عيداً وهذا عيدنا" (1) ولهذه في الزواج: أتيناكم أتيناكم (2) أما مايشتمل على محظور فلا يجوز بحال كمدح الخدود والقدود ونحو ذلك. فإنه لا يجوز، وأكل مال بالباطل، ويكون سبباً لاستيلاء الغفلة.
" العرات" التي توجد في هذه السنوات أيام الأعياد مما ينافي العيد، وهو من الباطل لا من السرور، ثم اتخاذه عيداً لا يجوز كثيراً ما يلتبس على الناس عرضات العيد، من قال إن الصحابة يعرضون يوم العيد؟ والحبشة لهم ميل إلى أشياء مباحة في الأصل من ناحية القول والعمل، أما الأشياء التي هي مواسم الفساد وأهل الفساد والاختلاط الذي لا يجوز وترك الصلوات بعض الأحياء فإنه سكر بخمر الهوى.
سكر هوى وسكر مدامة ... فمتى يفيق من به سكران
وقد كان في العام الماضي وقبله بعام يأخذ ثلاثة أيام، وهذا من عادات الجاهلية، وقد صدر الأمر بتركه في هذه البلاد وأظن في البلدان التي يكون من شأنها، ولم يكن في نجد قبل الحاصل أن هذا أمر جاهلي يبطل واللعب الذي مثل التدرب مثل أخذ الحراب وهزها وأخذ الدرق ونحو ذلك (3) .
(تقرير 16 ـ 10 ـ 1378هـ) .
_________
(1) أخرجاه في الصحيحين.
(2) أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم
لولا الذهب الأحـ ... ـمر ماحلت بواديكم
لولا الحبة السمرا ... ما سمنت عذاريكم::::::
(3) جائز.::::::(3/124)
(830 ـ تناول طعام العيد في الأسواق)
تناول طعام العيد في البيوت كان مشهوراً في نجد، وأخرج في الأسواق ليكمل الانتفاع به، فهو رآه من رآه نظراً إلى أن مجمع فيه يكمل السرور والاطعام ونحو ذلك ... (تقرير)
(831 ـ تجول أهل القرى بعضها على بعض وتقديم بعض أنواع الطعام)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم علي الصعيري ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
جواباً على خطابكم المرفوع إلينا بصدد الاستفسار عن حكم ما يجري عندكم عادة من تجول أهل القرى بعضها على بعض في أيام العيد، وذلك بعد عودتهم من صلاة العيد وتقديم بعض أنواع الطعام، وأن بعض المرشدين منعكم من فعل ذلك، ورأى الاكتفاء بأحد هذه الأشياء دون غيرها.
نفيدكم أن منع أحد المرشدين في غير محله، إلا أن يكون من باب المشورة والإرشاد إلى الاقتصار على واحد منها ولا سيما الأخف فهذا حسن إن شاء الله والسلام.
(ص ـ ف ـ 294 في 6/3/1381هـ)
(832 ـ مصلى العيد)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي الدلم ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
نرفق لك بهذا الأوراق الواردة منك برقم 944 ـ 2 وتاريخ(3/125)
22/9/138هـ بشأن مصلى العيد في العذار، ونشعرك أننا اطلعنا على ما شهد به الشهود لديك على ما أجراه سلفك الشيخ عبد الرحمن بن فارس، وحيث أن القاضي الذي شهدوا على تصرفه قد قرر في خطابه لنا المرفق بهذا برقم117 وتاريخ 10/7/1380هـ أن ذلك التصرف صدر منه مؤقتاً للضرورة ريثما تصدر منا الفتوى في ذلك فإن ذلك التصرف لا يعتبر نافذ المفعول.
والذي نراه أن يكون مصلى عيد أهل العذار في بقعة ليس فيها شبهة ولا وقف على جهة أخرى، ويكون تعيين البقعة بواسطتك سواء كانت في موات أو في أرض مملوكة تشترى من أهلها، وقد بلغنا أنهم كانوا يصلون مع أهل الدلم في مسجد ثم قد عين لأهل حلة الدلم وما حولها مسجد قرب المحلة وبقي الأول الآن معطلاً وإذا كان ذلك صحيحاً فينبغي بيع ذلك المسجد المتعطل وصرف ثمنه في مصلى لأهل العذار، وإن احتاج لزيادة ثمن سعي في تحصيله بواستطك من جهة الحكومة أو من أهل البلد أنفسهم، وأن لم يتيسر تعيين مسجد لهم قبل هذا العيد فيصلون مع أهل الدلم كعادتهم السابقة والسلام.
رئيس القضاة
(ص ـ ق ـ 182 ـ 1 في 29/11/138هـ)
(833 ـ افتتاح خطبتهما بالحمد لله)
خطبة العيدين تفتتح بالحمد، لما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح خطبه بالحمد لله، وهذا هو اختيار الشيخ (1)
_________
(1) قال في الاختيارات ص82: ويستفتح خطبتها " بالحمد لله " لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح خطبة بغيرها.::::::(3/126)
وتلميذه، وهو الراجح في الدليل، وبقول ابن القيم: إن التكبير يعني جنسه ـ في أثناء الخطبة، أما كونها تبتدى بذلك فلا بل نبتدي بالحمد كسائر الخطب. (تقرير)
(834 ـ التكبير في مصلى العيد أفضل)
التكبير في حال الجلوس في مصلى العيد أفضل من قراءة القرآن ومن سائر الذكر، لتخصيص شرعيته في هذا الوقت، لكن نعرف أنها ليست من المنكرات في الجلوس لانتظار صلاة العيد، البحث في بيان الأفضل. ... (تقرير)
(835 ـ التكبير الجماعي في المسجد الحرام)
(برقية)
صاحب الجلالة الملك المعظم ... أيده الله ... الرياض
ج ـ 15189 ـ في 4/1/79هـ اطلعت على برقية عمر فتحي من مكة لجلالتكم، وأعرض لأنظار جلالتكم أن الذي حدث وصار حوله كلام هو التكبير الذي كان يعمل في المسجد الحرام يوم العيد، يجلس شخص أو أشخاص في سطح زمزم ويكبرون، وأناس يجاربونهم في المسجد فقام الشيخ عبد العزيز بن باز وأنكر عليهم هذه الكيفية وقال: إنها بدعة، ومقصود الشيخ أنها بدعة نسبية بهذا الشكل الخاص، ولا يقصد أن التكبير بدعة، فتذمر من ذلك بعض عوام أهل مكة، لأنهم قد ألفوا ذلك، وهذا هو الذي حدى عمر فتحي على رفعه هذه البرقية، قف وسلوك هذه الكيفية في التكبير(3/127)
لا أعرف أنا وجهها، فالمدعي شرعية ذلك بهذا الشكل عليه إقامة الدليل والبرهان مع أن هذه المسألة جزئية لا ينبغي أن تصل إلى ما وصلت إليه (ص ـ م ـ 2932 في 9/10/1379هـ)
(836 ـ هل يستغفر (1) قبل التكبير أو بعده، ونظيره التلبية هل يلبي بعد الاستغفار)
يقول الشيخ: أتوقف في ذلك (2) وتوقفه لأنه لم يظهر له مما يستدل به تقديم هذا فأخذ من هذا أنه يقدم على الأذكار الأخر التي غير الاستغفار " اللهم أنت السلام" (تقرير)
(837 ـ التعريف عشية عرفة بالأمصار بدعة)
ولكن أحمد قال: لا بأس به وأنا لا أفعله وحينئذ الراجح هو عدم فعله، لأن هذه عبادة اختصت بمكان وهو عرفة، ولا يلحق غيره به، فإلحاق مكان بمكان في عبادة زيادة في الشرع فالذي عليه العمل أنه بدعة. (تقرير)
(باب صلاة الكسوف)
838 ـ الكسوف يدرك بالحساب، وليس توثباً على علم مستقبل، بل هو أخذ مستقبل من ماض عادة ضبطت به بالنسبة إلى المنازل والبروج إلا أنه لا يجزم بقولهم، فلا يصدقون ولا يكذبون، لأنه أمر حابي قد يصيبون وقد يخطئون، كأخبار بني إسرائيل، يعرض عنه
_________
(1) بعد الفريضة.
(2) وفي الاختبارات ص ـ 82 ـ بيض لذلك أبو العباس.::::::(3/128)
ويغلطون في جزمهم به إذا تفوهوا بذلك، وتوضؤ الإنسان وتهيؤه هو تصديق وهو مخطئ وغلطان (1) .
وقول أهل الفلك في سبب الكسوف والخسوف لا ينافي كون ذلك تخويفاً، ليس من شرط التخويف ألا يكون له سبب، فإن الله كون العالم على هذا الشكل الذي يوجد فيه كسوف، ولو شاء لكونه على خلاف ذلك. ... (تقرير)
(839 ـ الصحيح أن صلاة الكسوف تفعل في وقت النهى كبعد العصر، وسائر ذوات الأسباب، إلا أنه تقدم لنا أنه إذا كان تشويش وحدث نزاع قد يفضي إلى الفتنة والشر فيكون ما عليه أهل البلد خير. (تقرير)
(840 ـ الزلزلة، والبراكين)
ونعرف أن أهل العلم بأحوال الأرض يقولون إن سبب الزلزلة براكين في الأرض، وأنها تتنفس أو نحو هذا مما يفيد أن له سبباً. قالوا: ومن أماراته أنه يوجد في بلاد دون بلاد، ثم على تقدير صحته من الممكنات ولا هنا ما يمنعه. (تقرير)
س: البراكين كأنها مواد نارية.
ج: لعل لها اتصال بهذه الزيوت، ممكن أن يكون هذا سبباً، وممكن أن لا يكون سبباً، بل (كن) كقوله لنار إبراهيم: {كوني برداً وسلاماً} (2) ما جاء سيل أو ماء آخر غمرها حتى خمدت، وكانفلاق البحر لموسى وإن كان قد وجد الضرب بالعصى فإنه ليس في الوجود
_________
(1) قلت: وتقدمت فتوى في التنجيم ذكر فيها انكار المشايخ على الحاسب الذي قصد المسجد في الدرعية.
(2) سورة الأنبياء ـ آية 69.::::::(3/129)
والحس أنه يؤثر في البحر ويكون بهذه الصفة اثنى عشر طريقاً، وأشياء شبه هذا (تقرير)
(841 ـ الراجح في صلاتها)
القول الراجح أن الكسوف وقع مرة واحدة، فيتعين مسلك الترجيح، وتكون الصلاة أربع ركعات في أربع سجدات لشهرة الأحاديث وصحتها بذلك، وما عدى هذه الصفة وهم، والوهم واقع في أحاديث كثيرة، ولا مانع من أن تصح بدون تعدد الركوعات لأن تعدد الركوعات من باب الندب، فلو صليت كالفجر.
(تقرير)
(842 ـ تغليط امام اكتفى بالفجر عن الكسوف)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم راشد الفهد التويجري ... سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة وبركاته وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن إمام دخل لصلاة الفجر، فقيل له: القمر كاسف، فقال: نظيل القراءة، فأمر المؤذن وأقام الصلاة وقرأ في الركعة الأولى ثلاث سور من طوال المفصل، وفي الركعة الثانية كذلك، ثم دخل رجل وكبر تكبيرة الإحرام ناوياً صلاة الفجر، فلما أكمل الإمام السورة وشرع في سورة أخرى ظن هذا المأموم أن الإمام يصلي الكسوف.
والجواب: الحمد لله أما الإمام فإنه أخطأ من وجوه:(3/130)
أولاً: أنه ترك صلاة الكسوف واكتفى بصلاة الفجر ظاناً أن تطويل صلاة الفجر فيه تعويض عن صلاة الكسوف، وهذا لا وجه له، بل هو جهل صرف.
وثانياً " أنه ابتدأ بصلاة الفجر قبل الكسوف لو فرنا أنه سيصليها بعد، وهذا غلط أيضاً، لأن المشروع البداءة بالكسوف أولاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم بالكسوف خرج إلى الصلاة مسرعاً فزعاً يجر رداءه، فهذا يدل على المبادرة بها فوراً كما يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم "فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة" (1) وأيضاً فإنه إذا قدم صلاة الفجر قبل الكسوف ربما أفضى ذلك إلى فوات صلاة الكسوف بالتجلي، بخلاف ما إذا صلى الكسوف وخففها حسب مالديه من الوقت ثم صلى الفجر في وقتها فبهذا يجمع بين المصلحتين من دون محذور.
" ثالثاً " أن فعله هذا يضر بالمأمومين ويربكهم فلا يعلمون هل هو يصلي الفجر أو الكسوف كما فعل ذلك الرجل الذي دخل معه.
أما بالنسبة لصحة صلاته فإن كان لم ينو غير صلاة الفجر فصلاته صحيحه، وإن كان نوى الفجر ومعها صلاة الكسوف فصلاته غير صحيحة، كمن صام قضاء رمضان يوم عرفة ونوى به القضاء وصيام عرفة.
وأما المسبوق الذي قلب النية فلا تصح صلاته، لأنه قلب فيه الفرض إلى النفل، فعليه الإعادة والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(ص ـ ف ـ 1413هـ ـ 1 في 25/5/1385هـ)
_________
(1) أخرجه الستة.::::::(3/131)
(باب صلاة الاستسقاء)
(842 ـ تقديم صلاتها على الخطبة، الصيام ذلك اليوم، منع الزكاة سبب منع القطر، التقوى سبب كل خير)
نعرف أنه جاء تقديم الصلاة على الخطبة وهو الذي عليه العمل، وصرح به الأصحاب، ولكن يجمع بينه وبين حديث عبد الله بن زيد بأن الكل جائز، فيكون وجهان في ذلك، كل سنة (تقرير) .
الأمر بالصيام لم يجيء فيه شيء من الأحاديث، ولكنه طاعة، وجاء أن دعوة الصائم مجابة.
من أعظم المعاصي تأثيراً في منع القطر منع الزكاة وفي الحديث " ما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ".
إذا وجد التقوى حصل الخير إما كمية أو كيفية، لو لم يكن في التقوى إلا البركة وكفاية الأسقام فان الغنى غنى القلب، فكذلك الخير والبركة ليس عن كثرة المال والمطر، التشاحن سبب كل شر والتآلف سبب كل خير. (تقرير) .
(اربع نصائح)
أرسلها إلى أئمة المساجد والقضاة: حث الناس فيها على التوبة النصوح، والاستغفار، والخروج من المظالم، وجمع الصدقات وتفريقها قبل صلاة الإستسقاء.(3/132)
(843 ـ النصيحة الأولى)
من محمد بن إبراهيم إلى من يراه من المسلمين، رزقنا الله وإياهم قلوباً صاغية، وآذاناً للحق واعية. آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:::::::
قال الله تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} (1) قال ابن عباس رضي الله عنهما: الفساد القحط وقلة النبات وذهاب البركة، قال أبو العالية: من عصى الله في الأرض، لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة، وقال تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} (2) قال: البركات المطر والنبات، وقال تعالى في أهل الكتاب: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} (3) قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير: {من فوقهم ومن تحت أرجلهم} يعني المطر والنبات، وقال هود لقومه: {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم} (4) ذكر المفسرون: أن قوم هود حبس الله عنهم المطر بسبب ذنوبهم ثلاث سنين، فقال لهم هود: إن آمنتم أحيا الله بلادكم، وزادكم عزاً على عزكم وقال نوح لقومه {استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم
_________
(1) سورة الروم ـ آية 41.
(2) سورة الاعراف ـ آية 69.
(3) سورة المائدة ـ آية 66.
(4) سورة هود ـ 52.(3/133)
بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً} (1) قال قتادة: علم نبي الله أنهم أهل حرص على الدنيا، فقال: هلموا إلى طاعة الله، فإن في طاعة الله سعادة الدنيا والآخرة. وقال تعالى {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً} (2) ومعنى الآية: لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها، لاستقيناهم ماءً غدقا يعني سعة الرزق، وضرب الماء الغدق مثلاً لأن الخير والرزق كله من المطر.
هذه الآيات تدل على أن المعاصي سبب لحبس المطر وذهاب البركة وأن طاعة الله سبب للمطر والبركات.
وقد روى الإمام أحمد بن حنبل، عن أبي مخدع أنه قال: وجد رجل في زمان زياد أو ابن أزياد صرة فيها حب يعني من بر أمثال النوى، مكتوب فيها: هذا نبت في زمان كان يعمل فيه العدل وجاءت في هذا المعنى أحاديث: روى ابن ماجه والبزار والبيهقي واللفظ لابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر المهاجرين: خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشى فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم
_________
(1) سورة نوح ـ آية 10.
(2) سورة الجن ـ آية 16 ـ 17.::::::(3/134)
لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله تعالى أو يتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم " ورواه الحاكم من حديث ابن بريدة بنحوه، ورواه مالك بنحوه موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: " ماظهر الغلول في قوم إلا ألقى الله في قلوبهم الرعب، ولا فشى الزنا في قوم إلا كثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع الله عنهم الرزق ولا حكم قوم بغير حق إلا فشى فيهم الدم، ولا خفر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو" ورفعه الطبراني إلى النبي صلى الله عليه وسلم في معجمه من حديث سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما طفف قوم كيلاً ولا بخسوا ميزاناً إلا منعهم الله القطر، وما ظهر في قوم الزنا إلا ظهر فيهم الموت، وما ظهر في قوم الربا إلا سلط الله عليهم الجنون، ولا ظهر في قوم القتال ـ يقتل بعضهم بعضاً ـ إلا سلط الله عليهم عدوهم، ولا ظهر في قوم عمل قوم لوط إلا ظهر فيهم الخسف، وما ترك قوم الأمر بالمعروف::::::
والنهي عن المنكر إلا لم ترفع أعمالهم ولم يسمع دعاؤهم " وروى الإمام أحمد، عن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مامن قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنين، وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب " والسنة: العام القحط.
عباد الله. إنه ليس في الدنيا شر إلا سببه الذنوب والمعاصي:(3/135)
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه: فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبدل بالقرب بعداً، وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحاً، وبالجنة ناراً تلظى، وبالإيمان كفراً، وبموالات الولي الحميد أعظم عداوة ومشاقة، وبزجل التسبيح والتقديس والتهليل بزجل الكفر وال شرك والكذب والزور الغش، وبلباس الإيمان لباس الكفر والعصيان والفسوق، فهان على الله غاية الهوان، وسقط من رحمته غاية السقوط، وحل عليه غضب الرب تعالى فمقته أكبر المقت وأرداه.
وما الذي أغرق أهل الأرض حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال.
وما الذي سلط الريح العقيم على عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض، كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمرت ما دمرت عليهم من ديارهم وحروثهم ورزوعهم ودوابهم، حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة.
وما الذي أرسل على ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم.
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعاً، ثم أتبعهم حجارة من سجيل السماء أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمة غيرهم، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد(3/136)
وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل، فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى.
وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم، فالأجسام للغرب، والأرواح للحرق.::::::
وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله.
وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها تدميراً.
وما الذي أهلك قوم صاحب (يس) بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم.
وما الذي بعث على بني إسرائيل قوماً أُلي بأس شديد فجاسوا خلال الديار: فقتلوا الرجال، وأخربوا الديار، ونهبوا الأموال، ثم بعثهم إليهم مرة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علوا تتبيرا.
وما الذي سلط عليهم أنواع العذاب والعقوبات مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد، ومرة بجور الملوك، ومرة بمسخهم قردة وخنازير، وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى {ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب} (1) .
وقد روى الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، قال: لما فتحت قبرص فرق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي، فقلت: ياأبا الدرداء(3/137)
ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله. فقال: ويحك ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى.
وروى النسائي بإسناد صحيح وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد عن ثوبان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الرجل يحرم من الرزق بالذنب يصيبه ".
واعلموا أن كل معصية من المعاصي هيه ميراث أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل.
فاللواط ميراث عن قوم لوط، وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ميراث عن قوم شعيب، والعلو في الأرض والفساد ميراث عن فرعون، والتكبر والتجبر ميراث عن قوم هود، فالعاصي لا بس لباس ثياب بعض هذه الأمم.::::::
وقد روى عبد الله بن الإمام أحمد في " كتاب الزهد " لأبيه عن مالك بن دينار، قال: أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل: أن قل لقومك: لا تدخلوا مداخل أعدائي، وتلبسوا ملابس أعدائي، ولا تطعموا مطاعم أعدائي: فتكونوا أعدائي، كما هم أعدائي.
فتوبوا إلى الله واحذروا من الإغترار بنعمه عليكم، فقد روى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا قول الله عز وجل: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم(3/138)
بغتة فإذا هم مبلسون} (1) قال بعض السلف: إذا رأيت الله عز وجل يتابع عليك نعمه وأنت مقيم على معاصيه فاحذره فإنما هو استدراج منه يستدرجك به، وقد قال تعالى: {ولولا أن يكون الناس أمة واحد لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوباً وسرراً عليها يتكئون وزخرفاً وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين} (2) .
وقد رد سبحانه على من ظن هذا الظن بقوله: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن} (3) وفي جامع الترمذي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله يعطي الدنيا من يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب " وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(هذه النصيحة سبق أن طبعت في ـ الدرر السنية جزء11 ص147)
(844 ـ النصيحة الثانية)
من محمد بن إبراهيم إلى من يراه المسلمين، نفعني الله وإياهم باستماع الوصايا الدينية والنصائح، وجنبنا جميعاً أسباب سخطه وموجبات الخزي والفضائح.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد قال الله عز شأنه: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} (4)
_________
(1) سورة الأنعام ـ آية 44.
(2) سورة الزخرف ـ آية 23 ـ 25.
(3) سورة الفجر ـ آية 15 ـ 16.::::::
(4) سورة الذاريات ـ آية 55.(3/139)
وقال: {وذكرهم بأيام الله} (1) وقال تعالى: {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} (2) .
وأعظم شيء أوصيكم ونفسي به تقوى الله عز وجل، فإنها وصيته تعالى لعباده الأولين والآخرين، كما قال تعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} (3) وهي وصية نبيه صلى الله عليه وسلم لأمته عموماً وخصوصاً، كما قال صلى الله عليه وسلم " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" (4) ولما بعث صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال له: " اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن " (5) .
إذا عرف هذا فإن حقيقة التقوى أن يجعل العبد بينه وبين غضب ربه وعقابه وقاية تقيه ذلك: بفعل أوامره، واجتناب نواهيه وزواجره، وأعظم المأمورات وأهمها توحيد الرب جل شأنه فإنه الأمر الذي من أجله خلق الثقلان الجنس والإنس، وأرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، كما قال تعالى {وماخلقت الجن والإنس
_________
(1) سورة سبأ ـ آية 19.
(2) سورة (ق) ـ آية 45.
(3) سورة النساء ـ آية131.
(4) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
(5) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.::::::(3/140)
إلا ليعبدون} (1) وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (2) وقال تعالى: {الر. كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير. أن لا تعبدوا إلا الله إنني لكم نذير وبشير} (3) وذلك هو الإقرار بوحدانيته تعالى والإيمان بأسمائه وصفاته وأفعاله، وإثباتها على ما يليق بجلاله وعظمته: إثباتاً بريئاً من تمثيل الممثلين، وتنزيهه تعالى عن جميع ما لا يليق بجلاله وعظمته تنزيهاً بريئاً من تعطيل المعطلين، والإيمان بأنه تعالى رب كل شيء ومليكه، وأن العالم بجيمع ما فيه هو خلقه وحده لا شريك له وتحت تدبيره وتصرفه، وإفراده سبحانه بجميع أنواع العبادة عن اعتقاد جازم أنه سبحانه وتعالى هو المستحق لذلك دون ما سواه، وهذا هو معنى كلمة الإخلاص التي هي أساس الملة (لا إله إلا الله) فإن معناها لا معبود حق إلا الله. وأعظم المحرمات هو الشرك به في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
وأهم خصال التقوى وأفرضها وأكدها بعد التوحيد إفراد رسوله صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، وتحكيمه في القليل والكثير، والنقير والقطمير، وفي كل شيء يحصل التنازع فيه، قال تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجندوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليما} (4)
_________
(1) سورة الذاريات ـ آية 56.
(2) سورة النحل ـ آية 36.
(3) سورة هود ـ آية 1 ـ 3.::::::
(4) سورة النساء ـ آية 65.(3/141)
ومن أهم خصال التقوى وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين أداء الجمعة والصلوات الخمس في أوقاتهن، وهي عمود الدين كما قال صلى الله عليه وسلم: " رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله" (1) ولا شيء من الفرائض مجرد تركه كفر غير الصلاة، كما قال صلى الله عليه وسلم: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" (2) وقال صلى الله عليه وسلم: " بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة" (3) .
ومن أهم فرائضها أيضاً أداء زكاة الأموال الزكوية وهي: بهيمة الأنعام بأنواعها الثلاثة، والنقد أن الذهب والفضة وما في معناهما وحكمها من العروض وغيرها، والخارج من الأرض من الحبوب والثمار مما يكال ويدخر، بشرط كمال النصاب في كل منها، ومضى الحول كل نوع منها بحسبه، ويجب على الجاهل تعلم ذلك ومعرفته وسؤال أهل العلم عنه ليؤدي هذا الفرض العظيم بيقين.
ومن أهم خصال التقوى: صيام رمضان، وحج بيت الله الحرام بشرط الاستطاعة، وهذه الخمس هي أركان الإسلام الخمسة كما في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان ".
_________
(1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
(2) رواه الخمسة وصححه الترمذي.
(3) رواه مسلم.::::::(3/142)
ومن أهم خصالها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ـ إلى قوله تعالى ـ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} (1) وقال تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون، ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم انفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما تخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون} (2) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن من كان قبلكم كان إذا عمل العامل فيهم بالخطيئة جاءه الناهي تعذيراً فقال: ياهذا اتق الله، فإذا كان من الغد جالسه وواكله وشاربه كأنه لم يره على خطيئة بالأمس، فلما رأى الله عز وجل ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ثم لعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، والذي نفس محمد بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم " (3) .
_________
(1) سورة آل عمران ـ آية 104 ـ 110.
(2) سورة المائدة ـ آية 78 ـ 81.
(3) وفي هذا المعنى أحاديث أخرجها الامام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهما.::::::(3/143)
فتقوى الله تعالى بفعل المأمورات وترك المنهيات هي مجانبة كل خير، والنجاة والسلامة من كل شر في الدنيا والآخرة، فكل صلاح وبركة وخير في الدنيا والآخرة واستقامة في العقائد ونزاهة في الأخلاق والحصول على كل خير والسلامة من كل شر وضير والخروج من كل ضيق وحصول الفرقان بين الحق والباطل وغير ذلك مما لا يحصى كل ذلك سببه تقوى الله تعالى، وكل فساد ونقص في الإعتقاد والأخلاق والأعمال والعلوم والفهوم والقوى والإرادات والتصورات وغور المياه وحبس القطر من السماء ونقص الحروث والثمرات وغير ذلك فسببه الإخلال بتقوى الله، وعدم المبالاة بأوامره ونواهيه، وقلة الاكتراث بوعيد الله الذي يعيده في كتابه وبيديه. فما حل بسالف الأمم شديد العقوبات، ولا أخذ من غير بفضيع المثلات إلا بسبب الإخلال بالتقوى، وإيثار الشهوات والأهواء، وقد ق ال تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} (1) .
و" الأمر بالمعروف" يشمل الأمر بجميع الفرائض التي تقدمت وغيرها، ومن أهمها: بر الوالدين، وصلة الأرحام، وصدق الحديث والوفاء بالعهود، والقيام بجميع أنوا ع المنكرات: الزنا وغيره من الفواحش، والربا، وآكل الربا محارب لله ولرسوله، كما قال
_________
(1) سورة الأعراف ـ آية 167.::::::(3/144)
تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربى إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} وفي الأثر: ماظهر الربى والزني في قرية إلا أذن الله بخرابها.
ومن أعظم المنكر: تعاطي المسكرات، واستعمال جميع الملاهي والاستماع إليها، وبخس المكاييل والموازين، إلى غير ذلك من سائر المنكرات، وفي سنن ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب: " كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: يامعشر المهاجرين خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن: ماظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عذواً من غيرهم فأخذوا بعضهم بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم ".::::::
فيجب على المسلمين التوبة إلى الله مما سلف من المعاصي والمخالفات، وذلك بالتخلي من جميع المعاصي، والندم حقاً على ما فات، والعزيمة على عدم العودة، فإنه لا توبة من المعاصي بدون ذلك كما يجب اجتناب ذلك في المستقبل، والصدق مع الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك واجب على ولاة المسلمين أن يقوموا بعزم صارم، ويبذلوا المجهود حقيقة، فإن الله جعل الأمور في أيديهم، وهم الذين بين الله وبين خلقه، كما يجب على العلماء(3/145)
النصيحة بها، والبيان حقيقة، والبعد كل البعد عن الكتمان ويجب على كل أحد إنكار المنكر كل بحسبه، والتوبة واجبة في كل حين، ومن كل أحد، وتتأكد عند سؤالهم ربهم ما هو من ضرورياتهم الدينية، وكذلك ضرورياتهم الدنيوية، ومن أهمها طلب الغيث الذي هو سبب الحياة، ومن التوبة الخروج من المظالم، والتخلي من حقوق الخلق في الدماء والأموال والأعراض، وترك التشاحن ـ وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أريتُ ليلة القدر، فخرجت لأخبركم فتلاحا رجلان فرفعت " (1) فهذا يدل على أن التشاحن من أسباب موانع حصول الخير ـ وتعاطي الحلال أكلاً ومشرباً وملبساً، وفي حديث أبي هريرة الذي في الصحيح: " ثم ذكر الرجل يطيل السفر يمد يديه إلى السماء يقول: يارب يارب ومأكله حرام ومشربه حرام وملبسه حرام فأنى يستجال لذلك " وفي الأثر عن بعض أنبياء بني إسرائيل: أنه خرج بقومه يستسقون فلم يسقوا، فأوحى الله إلى نبيهم أن قل لهم: إنكم قد رفعتم أكفاً قد سفكتم بها الدماء، وأكلتم بها الحرام.
ويجب الحرص كل الحرص على التخلي من حق الزكاة، والتطهير للمال من ذلك.
وكل من: منع الزكاة، وأكل الحرام، وترك الأمر بالمعروف: سبب خاص في منع القطر، وعدم استجابة الدعاء كما تقدم في حديث ابن عمر في منع القطر، وعدم استجابة الدعاء كما تقدم في حديث ابن عمر: " خمس خصال" الخ.. وكما في بعض روايات التشديد
_________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت.::::::(3/146)
والوعيد في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما معناه " ثم تدعونه فلا يستجيب لكم" (1) وكما في آخر حديث أبي هريرة السابق.
ومما ينبغي أن يقدم بين يدي الاستسقاء الصدقة، وملاحظة الفقير والنظر إليه نظرة رحمة، عسى أن يرحمنا ربنا، وفي الحديث: " الراحمون يرحمهم الرحمن (2) "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" (3) .
وينبغي اللجاء إلى الله عن صدق، ودعاؤه عن تضرع وخشية وصدق رغبة إليه في إجابة المطلوب، والإكثار من الاستغفار. أسأله تعالى بأسمائه وصفاته أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويمن على المسلمين بالغيث الشامل النافع، وصلى الله على محمد. (2/5/381)
(هذه من فتاويه التي بعث بها إلينا ديوان رئاسة مجلس الوزراء برقم7953/3 في 23/11/1393هـ)
(845 ـ نصيحة ثالثة)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على صفوته من بريته وخيرته من خليقته محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
_________
(1) روى ابن ماجه في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم "
(2) أخرجه الترمذي.
(3) أخرجه أبو داود والنسائي.::::::(3/147)
من محمد بن إبراهيم، إلى من يراه من المسلمين، وفقني الله وإياهم للإتعاظ بالمواعظ وقبول النصائح، وجنبنا جميعاً أسباب الخزي والندم والفضائح.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
تعلمون وفقني الله وإياكم ما أصيب به المسلمون من قحوط الأمطار، وتأخر الغيث عن الأكثر من الديار، وما نشأ من ذلك من غور مياه الآبار وما نال المواشي من النقص الكثير والأضرار، وليس ذلك لعمرو الله من نقص في جود الباري جل شأنه وفضله وكرمه وإحسانه، ولا نقص مما بيمينه، بل الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم: " يمين الله ملئى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه والقسط بيده الأخرى يخفض ويرفع" وإنما سبب ذلك إضاعة أمر الله وعدم المبالاة بأوامره نواهيه، قال الله تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} (1) وقال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير} (2) وقال صلى الله عليه وسلم: " ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة" (3) .
وكل من هاتين الآيتين الكريمتين والحديث المذكور على أثرها يدل بعمومه على أن جميع ما في الوجود من النقص والفساد في العلوم والأعمال والأفهام والتدبيرات والتصرفات والأمراض في الأبدان
_________
(1) سورة الروم ـ آية 41.
(2) سورة الشورى ـ آية 30.
(3) هذا وجدته من قول الحسن رحمه الله.(3/148)
والأشجار والثمرات، إلى غير ذلك مما يصيب أي نوع وأي فرد من الموجودات: فسببه المعاصي والمخالفات.
ومن أكبر الكبائر ترك الصلاة، وهو بمجرده ردة عن الإسلام، ولو كان ذلك الترك تهاوناً أو كسلاً، قال صلى الله عليه وسلم: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" (1) .
أما ترك فعلها في الجماعة فليس بردة، وإنما هو من المحرمات، ومن أسباب تركها بالكلية، قال صلى الله عليه وسلم: " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو بعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام وآمر رجلاً فيؤم الناس ثم انطلق ومعي رجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار" وفي رواية " لولا ما فيها من النساء والذرية لأحرقتها عليهم" (2) .
ومن أكبر الكبائر أيضاً عدم أداء الزكاة، وإقام الصلاة وإ يتاء الزكاة هما أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهما مع الشهادتين الأركان التي يقاتل من ترك واحداً منها، قال صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام (3) .
_________
(1) رواه مسلم.::::::
(2) متفق عليه من حديث ابن عمر.
(3) أخرجه الخمسة.(3/149)
ومن أكبر الكبائر أيضاً الربا في المعاملات، ولكل من هاتين الكبيرتين كبيرة منع الزكاة وكبيرة أكل الربا من الخصوصية في منع القطر ما سيأتي بيانه إن شاء الله.
ومن أكبر الكبائر وأعظم العظائم التهاون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم القيام حولهما بما يشترط ويفتقر إليه في حصوله على الوجه الذي تبرؤ به الذمة ويحصل به المقصود، قال الله تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} وقال صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة، والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم (1) .
ومن أعظم الجرائم والمحرمات تطفيف المكاييل والموازين، قال صلى الله عليه وسلم: " يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، وما لم تحكم
_________
(1) أخرجه أحمد والترمذي وقال هذا حديث حسن.::::::(3/150)
أئمتهم بكتاب الله تعالى أو يتخيروا في ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم (1) وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: " لم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا " (2) .
وبالجملة فما أهلكت الأمم وحلت بهم المثلات: من إغراق قوم نوح بالطوفان، وتدمير الريح العقيم لعاد، ولا أخمدت ثمود في ديارهم بالصيحة التي أخمدتهم في مساكنهم، وما أغرق فرعون وقومه في البحر، وما قلبت ديار قوم لوط وجعل عاليها سافلها، وما أخذ غيرهم من الأمم التي دمر الله عليهم إلا بمعاصيهم ومخالفتهم رسلهم والتمادي في ما نهوهم عنه.
وكما أن كل فساد ونقص في الأرض مطلقاً سببه المعاصي، فكل خير ونمو وبركة وإجابة دعوات ودفع نقمات وإعطاء طلبات فإنما سببه تقوى الله تعالى والقيام بأوامره والإنزجار عن محارمه والاتعاض بمواعظه وأداء فرائضه، قال الله تعالى: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً، وإذاً لآتيناهم من لدُنا أجراً عظيماً ولهديناهم صراطاً مستقيماً} (3) .
فيا عباد الله اتقوا الله تعالى تنالوا المطلوب، وتحصل لكم النجاة من كل مرهوب في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {ومن يتق الله
_________
(1) وتقدم في النصيحة الأولى تخريج هذا الحديث.
(2) تقدم تخريجه أيضاً.
(3) سورة النساء ـ آية 66.::::::(3/151)
يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} (1) وقال تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} (2) وقال تعالى: {ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم، ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منها ساء ما يعملون} (3) .
وقد عزم المسلمون على الاستسقاء يوم الإثنين الموافق سبعة عشر (17) رمضان، فيجب أن نقدم بين يدي نجوانا لربنا ودعائنا إياه التوبة، وإن كانت واجبة في كل حال فلها من آكدية الوجوب أمام الاستسقاء مالا يخفى، وأن نحافظ على الصلاة، ونقيم الجمعة والجماعات، وأن نؤدي الزكاة المفروضة على وجهها ونحذر من المحابات، وذلك كل مسلم ملك نصاباً وحال عليه الحول وهو في ملكه، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً، وقدره من الجنيه السعودي والإفرنجي أحد عشر جنيهاً ونصف جنيه، ونصاب الفضة مائة وأربعون مثقالاً، وقدره من الريالات السعودية فضة كانت أو ورقاً ستة وخمسون ريالاً ومن الريالات الفرنسية ثلاثة وعشرون ريالاً تقريباً، وتجب الزكاة أيضاً في قيم العروض، وهي ما عدى الذهب والفضة مما أُعد للبيع والشراء، إذا ملكها بفعله، وبلغت قيمتها من أحد النقدين نصاباً،
_________
(1) سورة الطلاق ـ آية 3.
(2) سورة الأعراف ـ آية 96.
(3) سورة المائدة ـ آية 66.::::::(3/152)
وتم عليه الحول في ملكه، ويتأكد الإكثار من الاستغفار، كما قال نوح لقومه {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً. يرسل السماء عليكم مدراراً} (1) وكما قال هود لقومه: {وياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} (2) .
وكان جل خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في الإستسقاء استغفار الله سبحانه، ودعوته، والابتهال إليه. وينبغي أن يكثر من الدعاء بتضرع وخشوع ورغبة ورهبة وكمال صدق في الطلب، ويجب الخروج من المظالم لوجوبه في كل حال وهو ها هنا آكد، ويجب ترك التشاحن قال صلى الله عليه وسلم: " تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا امرء كان بينه وبين أخيه شحناء فيقول اتركوا هذين حتى يصطلحا" (3) .
ويجب التباعد مما يمنع إجابة الدعاء من أكل الحرام، لحديث " أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة" (4) وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما سبق في حديث حذيفة. وينبغي الإكثال من الصدقة صدقة
_________
(1) سورة نوح ـ آية 10.
(2) سورة هود ـ آية 52.
(3) رواه مسلم.::::::
(4) أخرجه الطبراني عن ابن عباس ولفظه: عن ابن عباس قال: تليت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {ياأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً} فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مجاب الدعوة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ياسعد أطب مطعمك تكن مجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده أن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل الله منه عملاً أربعين يوماً، وايما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به ".(3/153)
التطوع رحمة للفقراء وإحساناً إليهم، وذلك من أسباب رحمة الله بعباده وإحسانه إليهم، وحصول ما طلبوا من ربهم ورغبوا إليه فيه، وفي الحديث " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " وفي الحديث الآخر " إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم" (1) .
وينبغي ـ وفقني الله وإياكم ـ أن أهل كل مسجد من المساجد يجمعون صدقاتهم، ويدفعونها إلى وكيل منهم أمين إما المؤذن أو غيره، وبعد ما تجتمع تفرق على المساكين من جيران المسجد ومن يحضر معهم من الغرباء الفقراء، ويكون تقسيمها عليهم قبل يوم الاستسقاء بيوم. ولا يخفى ما في هذا الصنيع من التنشيط والتعاون على البر والتقوى. أسأل الله أن يغيث قلوب الجميع بالتوبة النصوح ويغيث البلاد والعباد بالغيث العام العاجل غير الآجل، الهنيء، النافع الذي ليس بضار، الذي هو سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق، كما أسأله تعالى أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويدمر أعداء الدين، ويكفينا سوءهم، ويرد كيدهم في نحورهم، إنه على كل شيء قدير. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
14/9/1382هـ.
(هذه النصيحة قدمها لي إمام " بلد الفرعه " محمد بن عبد الله ابن فايز ـ أثابه الله) .
_________
(1) أخرجه البخاري.::::::(3/154)
(846 ـ النصيحة الرابعة)
من محمد بن إبراهيم إلى من بلغه هذا الكتاب من المسلمين، وفقنا الله وإياهم لقبول النصائح، وجنبنا وإياهم أسباب الخري والفضائح آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فقد رأيتم الواقع ـ وهو تأخر نزول الغيث عن إبانه، وقحوط المطر وعدم مجيئه في أزمانه. ولاريب أن سبب ذلك هو معاصي الله ومخالفة أمره بترك الواجبات، وارتكاب المحرمات، فإنه ما من شر في العالم ولا فساد ولا نقص ديني أو دنيوي إلا وسببه المعاصي والمخالفات، كما أنه ما من خير في العالم ولا نعمة دينية أو دنيوية إلا وسببها طاعة الله تعالى وإقامة دينه، قال الله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيدكم ويعفو عن كثير} (1) قال الحسن رحمه الله تعالى: لما نزلت هذه الآية: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} الآية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لا يصيب ابن آدم خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب، وما يعفوا الله عنه أكثر " (2) وقال رضي الله عنه: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة. وفي دعاء العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم حين استسقى به عمر والصحابة رضي الله عنهم عام الرمادة: اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة
_________
(1) سورة الشورى ـ آية 30.
(2) أخرجه ابن أبي حاتم.(3/155)
وهذه أكفنا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا , وفي الحديث: " إن العبد ليحرم الرزق الذنب يصيبه" (1) وقال تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأر ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} (2) .
وقال تعالى في حق أهل الكتاب: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} الآية. قال ابن عباس: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم} يعني لا رسل السماء عليهم مدراراً {ومن تحت أرجلهم} (3) تخرج الأر من بركاتها.
وجاء في تفسير قوله تعالى {ويلعنهم اللاعنون} (4) عن مجاهد قال: إذا اسنتت السنة قالت: البهائم هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم. وعن مجاهد أيضاً قال: تلعنهم دواب الأرض وما شاء الله حتى الخنافس والعقارب تقول نمنع القطر بذنوبهم وروى ابن ماجه في سننه من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل علينا بوجهه فقال: " يا معشر المهاجرين خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في يوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في
_________
(1) أخرجه الإمام أحمد.
(2) سورة الأعراف ـ آية96.::::::
(3) سورة المائدة ـ آية 66.
(4) سورة البقرة ـ آية 159.::::::(3/156)
أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم.
فقوله صلى الله عليه وسلم: " وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء " واضح في أن لهذا الذنب خصوصية في منع القطر من السماء، لما في ذلك من منعهم الفضل عن مستحقه، فجوزوا بنظير أعمالهم، لأن الجزاء من جنس العمل، وكثير من الناس لا يؤدي الزكاة المفروضة من الأموال الخفية: إما بخلا ـ والعياذ بالله ـ أو جهلاً بالنصاب، أو غير ذلك. فإنه كان عند الإنسان ستة وخمسون ريالاً عربياً فحال عليها الحول وجبت فيها الزكاة وهي ربع العشر، وإذا كان عنده من الذهب أحد عشر جنيهاً ونصفاً تقريباً سعودياً أو جرحاً فحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة وهو ربع العشر.
وقوله " ولولا البهائم لم يمطروا " يدل على أن ما ينزله الله تعالى من المطر في بع الأحيان رحمة للبهائم التي لا جرم لها.
ويشهد لهذا ما رواه أبو يعلى والبزار من حديث أبي هريرة: " مهلاً عباد الله مهلاً، فإنه لولا شباب خشع، وبهائم رتع، وأطفال رضع، لصب عليكم العذاب صباً " وروى أبو نعيم من حديث أبي الزاهرية(3/157)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من يوم إلا وينادي مناد: مهلاً أيها الناس، مهلاً، فإن لله سطوات، ولولا رجال خشع وصبيان رضع وبهائم رتع: لصب عليكم العذاب صباً، ثم لرضتم به رضا ".::::::
فعلى من يقتدي بهم خصوصاً وسائر المسلمين عموماً أن يتقوا الله ويتوبوا إليه، وأن يرجعوا إلى ربهم بالتجرد والتخلص من حقوقه التي له قبلهم، وأن يخرجوا من جميع المظالم التي عند بعضهم لبعض وأن يرحموا الفراء والمساكين ويتصدقوا عليهم، لما في الحديث، " الراحمون يرحمهم الرحمن " " ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" وأن يتركوا التشاحن والتهاجر والتقاطع وغير ذلك مما هو من أسباب عدم إجابة الدعاء، وأن يكثروا من الاستغفار حتى يجيب دعاءهم ويغيث قلوبهم وأوطانهم، قال الله تعالى: " ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} وصلى الله نينا محمد وآله وصحبهوسلم في 22/1/1386هـ.
(هذه من النصائح التي كانت لدي)
(847 ـ تعميم مستعجل ولجمع الصدقات وتوزيعها ... )
فضيلة ...
تعلمون ما أصيب به المسلمون من قحط الأمطار، وتأخر الغيث عن أكثر الديار، وقد عزم المسلمون على الاستسقاء يوم الإثنين الموافق(3/158)
سبعة عشر رمضان، فحثوا من قبلكم على التوبة، والإكثار من الاستغار، وأداء الزكاة، والتزود من الخير، ولو جمع أهل كل مسجد صدقاتهم عند أمين منهم، ثم وزعت على الفقراء والمساكين من جيران المسجد وغيرهم من الفقراء قبل يوم الاستسقاء بيوم أو يومين لكان في ذلك خير كثير بفضل الله وتوفيقه. وقد أعددنا نصيحة في هذه المناسبة تصلكم إن شاء الله عن قريب. أغاث الله القلوب والبلاد آمين. رئيس القضاة ـ محمد بن إبراهيم
(صورة بدون رقم ولا تاريخ في ملفات رئاسة القضاة)
(848 ـ مراد الأصحاب بقولهم: والتوسل بالصالحين)
التوسل بدعائهم الله، لا بذواتهم، فإن ذات أحد لا تكون وسيلة لإجابة دعوة أحد. (تقرير)
(849 ـ قولهم: ويجلس للاستراحة) ::::::
يحتاج إلى دليل، فإن قام دليل وإلا فلا، ولهذا العمل على خلافه وهذا الذي علمنا عن مشايخنا، والداعي قليل إلى هذا، اللهم إذا كان شخص يحتاج إلى ذلك لكبر ونحو ذلك. وهم يريدون أن له ذلك بقدر ما يتراد إليه نفسه بحيث إذا قام إلى الخطبة إذا هو قد جم، قاسوه على العيد. (تقرير)
(850 ـ رفع المأموم يديه في دعاء الاستسقاء)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الفضيلة الشيخ فيصل ابن محمد آل مبارك وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:(3/159)
فقد استلمت كتابكم المؤرخ 25/6/1375هـ والمتضمن السؤال عن مايلي: ـ
1 ـ ماذا يحسن بالمأموم في حالة رفع الإمام يديه بالدعاء في خطبة الاستسقاء.
2 ـ نستنكر على الإمام في حالة سجود التلاوة في الصلاة التكبير جهراً في الرفع من السجود كما يكبر في الهبوط.
3 ـ قول صاحب " لمعة الاعتقاد": وما اشكل من ذلك وجب الإيمان به لفظاً.
الجواب: الحمد لله، أما رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء فمستحب للإمام والمأموم، كما هومصرح به، لما روى البخاري عن أنس، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا الاستسقاء، وأنه يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه" وفي حديث أيضاً لأنس: " فرفع النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس أيديهم" (1) .
(ص ـ ف ـ 328 في 28/7/1375هـ)
(851 ـ قوله: وينادى لها: الصلاة جامعة)
هذا عند الأصحاب مقيس على الكسوف. ولا يصح هذا القياس، فإنه انعقد سببه زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا جاء أنه نادى لها. (تقرير)
مما يندب الخروج إلى الوادي إذا سال، وترجم عليه البخاري في الأدب المفرد، وهذا مطلقاً، وبعد الاستغاثة آكد. (تقرير) .
_________
(1) رواه البخاري.::::::::::::(3/160)
كتاب
" الطب والجنائز"(3/161)
(852 ـ كراهة الانين مقيدة)
قوله: ويكره الأنين.
لما فيه من نوع التشكي، إلا فيما لا يستطيع الكف عنه، كالذي تقتضيه الحال والطبيعة وشدة الألم فهذا لا يدخل تحت الكراهة. (تقرير)
(853 ـ قوله: وتمنى الموت) .
لكن عند خوف الفتن وتوافر وتظافر أسبابها، قيل بإباحته حينئذ، وكذلك تمني الشهادة سؤال الله الشهادة. (تقرير)
(854 ـ س: الكتابة بالزعفران والنفث فيه)
ج ـ: الكتابة بالزعفران فيه خلاف، وكتابته عمل الناس، ولا فيه إن شاء الله بأس، فهذا شيء يعرض ثم يزول (1) .
أما النفث في أواني فلا (2) لأن الأول ضعيف، والضعيف لا يبنى على الضعيف، إلا إن كان من باب الطب إذا كان فيه جزء دواء. (تقرير العمدة)
(855 ـ التداوي بالرضاع من أجنبية والحقنة)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم محمد خليل إبراهيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصلنا استفتاؤك وفهمنا ما ذكرته من السؤال عن الرجل
_________
(1) قلت: وتقدمت الفتوى بجواز كتابة آيات قرآنية للمريض في اناء يغسله ثم يشربه برقم (1582) في 28/2/84 هـ في (باب الرقي) .
(2) مراده أواني فيها زعفران ينفث فيها الراقي ثم يأمر أولاده أو نحوهم ممن لا يحسنون الرقية بتخطيطها في صحون. أما النفث في الماء ثم يسقاه المريض فلا بأس. وتقدم في (باب الرقي) .::::::::::::(3/163)
الذي له خمسة عشر عاماً هل يجوز له أن ترتضع من امرأة أجنبية، أو غير أجنبية للتداوي، وما حكم ذلك لو وقع، وهل لارتضاعه هذا أثر بالنسبة لانتشار الحرمة بين المرتضع والمرضعة في مثل هذا السن وعن تحديد زمن الرضاع المحرم، وعمل إذا كانت الحقنة من لبن المرأة للتداوي عند الضرورة حرام أم حلال.. الخ.
وجواباً على ما تقدم ذكره نقول: أما رضاع الشخص الذي بلغ من العمر خمسة عشر عاماً من امرأة للتداوي، فلا يظهر لنا وجه تحريمه.
أما بالنسبة لتأثيره على انتشار الحرمة بينهما فلا يؤثر ذلك بحال في مثل هذا السن، والرضاع المحرم هو ما بلغ خمس رضاعات فأكثر وبشرط أن يكون ذلك في الحولين من عمر المرتضع. أما بخصوص الحقنة من لبن امرأة للتداوي سواء كان ذلك في الوريد أو في العضل فهو كماتقدم لا نعلم فيه تحريماً. هذا والسلام.
مفتي الديار السعودية (ص ـ ف ـ 3558 ـ 1 في 26/11/1386هـ)
(856 ـ قطع أصبع سادس، والتمثيل)
ورد إلى دار الإفتاء سؤال بواسطة الإذاعة من الأخ محمد بن علي البيشي النائب بالبوليس الحربي يمنطقة جدة عن غلام ولد وله ستة أصابع في يده، ويسال عن جواز قطع الأصبع الزائدة.
وقد أجاب عليه سماحة المفتي بما يلي:
الغلام له أحوال:
" الحال الأولى ": أن تكون هذه الإصبع الزائدة ثابتة عظامها في الكف من أصل خلقتها، ولا يمكن قطعها إلا بتكسير عظام الكف(3/164)
فهذا لا يجوز قطعه، لأنه يشوه منظر الكف، وهو من التمثيل المنهي عنه شرعاً.
" الحال الثانية": أن تكون الأصبع الزائدة غير ثابتة في عظام الكف بل تتدلى كالسلعة الزائدة، وليس في قطعها تشويه لمنظر الكف فالظاهر أن هذا لا بأس به، لا سيما أن كان يؤذي صاحبه عند حركة اليد، فهذا يقطع اتقاء لأذاه، فهو بمنزلة الداء، وما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله، والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله.
(من الفتاوي المذاعة)
(857 ـ التداوي بالحجامة، وانكار الأطباء لها) ::::::
الحجامة شأنها هام في الصحة، وجاء في حديث الإسراء " أنه ما مر بملءٍ من الملائكة إلا أمروه أن يأمر أمته بالحجامة" (1) فإن الدم يبقى فيه فضلات زائدة على مايدور في البدن وما يفرز، ولولا أنه يتلاشي شيئاً فشيئاً ما بقيت الحياة، ثم أيضاً يفرز منه فضله لا حاجة إليها، فجاءت الحجامة. ولكن الدكاتر لا يرونها شيئاً، وليس بمستنكر عليهم، فإن عندهم قصور من نواح عديدة.
فالعدل أن كلا يعطى نصيبه، فيعطون حقهم، ولكن أمر الطب وراء الإحاطة لأشخاص، فهم يجهلون أموراً عظيمة، وعموم قوله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} (2) فهم كثيراً ماينكرون
_________
(1) أخرجه ابن ماجه في سننه عن أنس، ولفظه: " ما مررت ليلة أسري بي بملاء إلا قالوا: يامحمد مر أمتك بالحجامة".
(2) سورة الاسراء ـ آية 85.(3/165)
أشياء شرعية لأجل عظيم جهلهم، فالواحد منهم: إما إفرنجي، أو تلميذ للإفراج أو آخذ لمقالات الإفرنج.
ثم أيضاً إنكارهم ليس لأجل أصول تعلموها، بل هو لأجل أنهم أخذوا عمن ينكر النبوات، إنكارهم الجن من جملة ماكذبوا به، وإنكارهم العين يقولون في الجن مرض أعصاب (1) (تقرير)
(858 ـ الكشف على الجنين بالأشعة واخراجه ... )
يجوز الكشف بالأشعة على الحامل التي مضى عليها أربع سنوات وتسعة أشهر للتأكد من حياة الجنين، وإخراجه بالعملية إن كان ميتاً.
(أنظر فتوى في العدد رقم 1014 في 8/4/84هـ) .
لا يجوز إسقاط الحمل إن كان حياً. (انظر فتوى برقم 516 في 2/6/78هـ وفتوى بتاريخ 7/4/1376هـ) .
الكشف على العورة للتداوي فيه تفصيل. (انظر ستر العورة في باب شروط الصلاة) .
نظر الطبيب إلى المرأة فيه تفصيل أيضاً (انظر كتاب النكاح ـ انطر إلى المخطوبة)
الكشف على المتهمين بالزنا أو اللواط عن طريق القاضي إذا.. (انظر كتاب القضاء)
(859 ـ تحليل الدم)
تحليل الدم يجوز، مثل الفصد فيلحق به، لأن هذا لمعرفة حال الشخص وللآخر التغير (2)
(تقرير) .
_________
(1) وانظر فتوى ابن تيمية) ايضاح الدلالة في عموم الرسالة ج19 ص9 ـ 65) .::::::
(2) أي لفساد الدم.(3/166)
(860 ـ التداوي بدم البرازي وبالمحرمات عموماً لا يجوز)
المحرمات لا يجوز التداوي بها، وفي الحديث (تداووا ولا تتداووا بحرام) (1) فيفيد تحريم التداوي به، ولا يفيد أنه لا شفاء فيه بل يفيد أن مضرته أكثر. أما حديث: " إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها" (2) فهو يفيد أنه لابد أن يعتقد عقيدة أن الله لم يجعل فيه شفاء فهو مسلوب العافية.
وقد يوقع الشيطان كثيراً من العوام بأشياء يزعمون فيها شفاء وهو خداع من الشيطان مثل " دم البرازي" عندما يوجد في أحد عضة الكلب الكلب. فإن هذا باطل ومن الشيطان، وكثير منه يحصل اتفاق أنه يشفى ثم إن الشيطان جعل لهم شبهة فإنه تارة يشفى، وتارة لا. وإذا لم يوجد شفاء قالوا نسب فلان فيه شيء، وكل هذا تحسين لمسلكهم السيء وترويج لباطلهم.
المقصود أنه باطل ولا صحة له ولا شفاء فيه أبداً، لقول الصادق المصدوق، وهذا الدم نجس حرام.
(تقرير)
(861 ـ شرب دم الضب للسعال الديكي)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الرحمن الحماد العمر ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
بالإشارة إلى كتابك الذي تسأل فيه عن مسألة وهي: ماحكم
_________
(1) أخرجه أبو داود والطبراني ـ ويأتي.
(2) وروى البخاري في صحيحه معلقاً عن ابن مسعود، أن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ".::::::(3/167)
إسقاء الاطفال المصابين بالكحة الشديدة التي تسمى بـ " السعال الديكي" دم الضب، لأنه ثبت بالتجربة أنه دواء ناجح لهذا المرض، ولأنه ثبت أن الأطباء غير مستطيعين غالباً لعلاج هذا المرض الذي يضر الطفل ضرراً بالغاً.
والجواب: إذا كان دم الضب مسفوحاً فهو حرام، والتداوي بالمحرمات لا يجوز، والأصل في ذلك الكتاب والسنة والنظر أما الكتاب فقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم} (1) وقوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحى إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً} (2) وما جاء في معنى هاتين الآيتين من القرآن.
وجه الدلالة: أن الله تعالى حرم الدم في الآية الأولى على سبيل الإطلاق، وحرمه في الثانية تحريماً مقيداً، فيحمل المطلق على المقيد ومن المقرر في علم الأصول أن الأحكام من أوصاف الأفعال، فإذا أضيفت إلى الذوات فالمقصود الفعل الذي أُعدت له هذه الذات، فإضافة التحريم إلى الدم المسفوح إضافة إلى ما أعد له من شرب وتداو وبيع ونحو ذلك.
وأما السنة فأدلة:
" الأول ": روى البخاري في صحيحه معلقاً عن ابن مسعود رضي الله عنه، إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم وقد وصله الطبراني بإسناد رجاله رجال الصحيح، وأخرجه أحمد وابن حبان في صحيه، والبزار وأبو يعلى في مسنديهما، ورجال
_________
(1) سورة المائدة ـ آية 3.
(2) سورة الانعام ـ آية 145.::::::(3/168)
أبي يعلى ثقات. وتقرير الاستدلال من هذا الحديث أن قوله صلى الله عليه وسلم " يجعل" فعل مضارع في سياق نهي وهو "لم" والفعل المضارع يشتمل على مصدر وزمان، وهذا المصدر نكرة وهو الذي توجه إليه النفي. وقد تقرر في علم الأصول أن النكرة في سياق النفي تكون عامة إذا لم تكن أحد مدلولي الفعل، والحق بذلك النكرة التي هي أحد مدلولي الفعل، وقد صدر الجملة بأن المؤكدة فالمعنى أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بعدم وجود شفاء في الأدوية المحرمة، وباب الخبر لفظاً ومعنى لا لفظاً من المواضع التي لا يدخلها النسخ، فحكمه باق إلى يوم القيامة.
فيجب اعتقاد ذلك. وتقريره أن من أسباب الشفاء بالدواء تلقيه بالقبول واعتقاد منفعته، وما جعل الله فيه من بركة الشفاء، ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين مما يحول بينه وبين اعتقاد منفعتها وبركتها وبين حسن ظنه بها وتلقيه لها بالقبول، بل كلما كان أكره لها وأسوأ اعتقاداً فيها وطبعه أكره شيء لها، فإذا تناولها في هذه الحال كانت داء له لا دواء، إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة، وهذا ينافي الإيمان، فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجه داء.
" الثاني ": روى مسلم في صحيحه، عن طارق بن سويد الجعفي: " أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه وكره أن يصنعها فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: إنه ليس بدواء ولكنه داء" وفي صحيح مسلم، عن طارق بن سويد الحضرمي، قال: قلت يارسول الله: " إن بأرضنا أعناباً نعتصرها فنشرب منها قال: لا فراجعته قلت: إنا نستشفى للمريض قال: إن ذلك ليس(3/169)
بشفاء ولكنه داء " ويقرر الاستدلال من هذين الحديثين ما سبق، إلا أن هذا نص في الخمر، ويعم غيرها من المحرمات قياساً.
" الثالث " روى أصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث " وجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الدواء الخبيث، والنهي يقتضي التحريم، فيكون تعاطيه محرماً. وما حرم إلا لقبحه، والقبيح لا فائدة فيه، وإذا انتفت الفائدة انتفى الشفاء.
روى أبو داود في السنن من حديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام " وأخرجه أيضاً الطبراني ورجاله ثقات.
وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم بيّن أن الدواء في المباح، أما المحرم فلا دواء فيه. وبيان ذلك من وجوه:::::::
" الأول ": أن الله جل وعلا هو الذي قدر الأمراض وقدر لها الأدوية، وهو المحيط بكل شيء، فما أثبته فهو المستحق أن يثبت، وما نفاه فهو المستحق أن ينفى قولاً وعملاً واعتقاداً.
"الثاني ": إن الله جل وعلا شرع لإزالة الأمراض أسباباً شرعية، وأسباباً طبيعية، وعادية فالأسباب الشرعية مثل قراءة القرآن والأدعية وقوة التوكل ونحو ذلك. وأما الطبيعية فمثل ما يوجد عند المريض من قوة البدن التي تقاوم المرض حتى يزول.(3/170)
وأما الأسباب العادية فمثل الأدوية التي تركب من الأشياء المباحة فكيف تجتنب الأسباب المشروعة إلى أسباب يأثم مرتكبها إذا كان عالماً بالحكم.
" الثالث" أن أصل التداوي مشروع وليس بواجب، فلا يجوز ارتكاب محظور من أجل فعل جائز.
" الرابع": أن زوال المرض مظنون بالدواء المباح. وأما بالدواء المحرم فمتوهم، فكيف يرتكب الحرام لأمر متوهم.
" الخامس": أنه قال " ولا تتداووا بحرام " فهذا نهي، والنهي يقتضي في الأصل التحريم، وهو إنما حرم لقبحه، فلا يكون فيه شفاء.
وأما النظر فمن وجوه:
" الأول": أن الله تعالى إنماحرمه لخبثه، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيباً عقوبة لها كما حرمه على بني إسرائيل بقوله جل وعلا: {فبظلم من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيبات أُحلت لهم} (1) وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه، وتحريمه له حمية لها وصيانة عن تناوله، فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل، فإنه وإن أثر في إزالتها لكنه يعقب سقماً أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه، فيكون المداوي به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب.
_________
(1) سورة النساء ـ آية 160.::::::(3/171)
" الثاني ": أن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته، وهذا ضد مقصود الشارع.
" الثالث ": أنه داء كما نص عليه الشارع، فلا يجوز أن يتخذ دواء.
" الرابع ": أنه يكسب الطبيعة والروح صفة الخبث، لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالاً بيناً، فإذا كانت كيفيته خبيثة أكسب الطبيعة منه خبثاً، فكيف إذا كان خبيثاً في ذاته ولهذا حرم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة لما تكتسب النفس من هيئة الخبث وصفته.
" الخامس ": أن إباحة التداوي به ولا سيما إذا كانت النفوس تميل إليه ذريعة إلى تناوله للشهوة واللذة، لا سيما إذا عرفت النفوس أنه نافع لها مزيل لاسقامها، جالب لشفائها، فهذا أحب شيء إليها والشارع سد الذريعة إلى تناوله بكل ممكن، ولا ريب أن بين سد الذريعة إلى تناوله وفتح الذريعة إلى تناوله تناقضاً.
" السادس": أن في هذا الدواء المحرم من الأدواء ما يزيد على ما يظن فيه الشفاء.
وأما قولك: إنه ثبت بالتجربة أنه دواء ناجح لهذا المرض. فهذا غير صحيح، لأنه لا تلازم بين تعاطي الدواء المحرم وبين زوال المرض بعد التعاطي، لأن زواله قد يكون بدواء شرعي وطبيعي وعادي ولكن صادف زواله تعاطي هذا الدواء الذي هو في الحقيقة داء فنسب(3/172)
إليه. وقد يكون زواله لا من أجل كونه دواء ولكن من باب الابتلاء والامتحان.
وأما قولك إن الأطباء عاجزون في الغالب عن علاج هذا الداء، فهذا لا يصح الاستناد عليه لإباحة التداوي بهذا المحرم، لأن عجز عدد من الأطباء لا يلزم منه عجز غيرهم، ولا يلزم منه عدم وجود داء مباح مما يعرفه الأطباء على أن الأدوية الشرعية هي المصدر الأول للتداوي، والشفاء بيد الله تعالى، والدواء المباح سبب من الأسباب التي شرع التداوي بها، هذه إجابة مختصرة قصدنا بها التنبيه على أصل المسألة، وفيها كفاية. والله الموفق، والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية (ص ـ ف ـ 1151 في 2/5/1388هـ)
(862 ـ التداوي بالدم حقنة) ::::::
أما أخذ الدم وحقن شخص بهذا فهذا. لا يجوز، الأصل فيه المنع، لأنه نجس، والتغذي بالنجاسات له من الآثار السيئة ما هو معلوم.
بقي " مسألة الضرورة":
إن صح لنا ضرورة كبرى تسيغ مثل ارتكاب هذا المحظور شرعاً استثنيت منه هذه الصورة، كثير من المنتسبين ـ وهم كلامهم لا يؤخذ ـ كل شيء يدرج ع ليهم يحللونه ـ قبل أن يصل إليهم يحرمونه، وإذا كان بين أظهرهم أباحوه لكثرة الإمساس ـ عندهم ما تحرم هذه الأمور، يرون أن إحياء للنفس (تقرير) .(3/173)
(863 ـ من الضرورات التي تبيح نقل الدم)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الرحمن الحماد العمر ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بالإشارة إلى خطابك لنا الذي تسأل فيه عن مسألة وهي:
هل يجوز تزويد دم المسلم بدم غيره من بني الإنسان إذا احتيج لذلك كما في حالة النزيف أو الإصابة بالجراح ونحو ذلك، أم لا؟ والجواب على هذا السؤال يستدعي الكلام على ثلاثة أمور:
الأول: من هو الشخص الذي ينقل إليه الدم.
الثاني: من هو الشخص الذي ينقل منه الدم.
الثالث: من هو الشخص الذي يعتمد على قوله في استدعاء نقل الدم.
أما " الأول ": فهو أن الشخص الذي ينقل إليه الدم هو من توقفت حياته إذا كان مريضاً أو جريحاً على نقل الدم. والأصل في هذا قوله تعالى: {إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه} (1) وقال سبحانه في آية أخرى: {فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم} (2) وقال تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} (3) .
_________
(1) سورة البقرة ـ آية 173.
(2) سورة المائدة ـ آية 3.
(3) سورة الانعام ـ آية 119.::::::(3/174)
وجه الدلالة من هذه الآيات: أنها أفادت أنه إذا توقف شفاء المريض أو الجرح وإنقاذ حياته على نقل الدم إليه من آخر بأن لا يوجد من المباح ما يقوم مقامه في شفائه وإنقاذ حياته جاز نقل هذا الدم إليه، وهذا في الحقيقة من باب الغذاء لا من باب الدواء.
وأما " الثاني " فالذي ينقل منه الدم هو الذي لا يترتب على نقله منه ضرر فاحش، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار" (1) .
وأما " الثالث " فهو أن الذي يعتمد على قوله في استدعاء نقل الدم هو الطبيب المسلم: وإذا تعذر فلا يظهر لنا مانع من الاعتماد على قول غير المسلم يهودياً كان أو نصرانياً إذا كان خبيراً بالطب ثقة عند الإنسان، والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيح: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استأجر رجلاً مشركاً هادياً خريتاً ـماهراً " (2) .
قال ابن القيم في كتابه " بدائع الفوائد " ما نصه: في استئجار النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن اريقط الديلي هادياً في وقت الهجرة وهو كافر دليل على جواز الرجوع إلى الكافر في الطب والكحل والأدوية والكتابة والحساب والعيوب ونحوها، ما لم يكن ولاية تتضمن عدالة. ولا يلزم من مجرد كونه كافراً ألا يوثق به في شيء أصلاً، فإنه لا شيء أخطر من الدلالة في الطريق، ولا سيما في مثل
_________
(1) أخرجه أحمد وابن ماجه والدارقطني.
(2) أخرجه البخاري.::::::(3/175)
طريق الهجرة. وقال ابن مفلح في كتابه " الآداب الشرعية" نقلاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية ما نصه: إذا كان اليهودي والنصراني خبيراً بالطب ثقة عند الإنسان جاز له أن يسطبه، كما يجوز له أن يودعه ماله وأن يعامله كما قال تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا مادمت عليه قائماً} الآية (1) وفي الصحيح " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استأجر رجلاً مشركاً هادياً خريتاً ـ ماهراً، وائتمنه على نفسه وماله. وكانت خزاعة عيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمهم وكافرهم (العيبة) موضع السر، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستطب الحارث بن كلدة وكان كافراً. وإذا أمكنه أن يستطب مسلماً فهو كما لو أمكنه أن يودعه أو يعامله فلا ينبغي أن يعدل عنه. وأما إذا احتاج إلى ائتمان الكتابي واستطبابه فله ذلك، ولم يكن من ولاية اليهود والنصارى المنهي عنها. انتهى كلامه.
وهذا مذهب المالكية، وقال المروذي: أدخلت على أبي عبد الله نصرانياً فجعل يصف وأبو عبد الله يكتب ما وصفه ثم أمرني فاشتريت له. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية (ص ـ ف ـ 3819 ـ ف1 في 2/12/1388هـ) .
_________
(1) سورة آل عمران ـ آية 75.::::::(3/176)
(864 ـ التبرع بشيء من بدن الانسان كعينه)
س: هل يسوغ لابن آدم أن يتبرع بشيء من بدنه كدمه؟
ج ـ لا يسوغ. أبلغ من هذا أن بعض الناس قد تبرع بعينه لشخص آخر، وهذا لا يجوز في العين (1) والدم من المعلوم أنه ليس ملكاً له. ثم انتقال الملك فيه لا يصح لأنه حرام، وقصة قتلى المشركين لما أرادوا أن يبذلوا ما لا لم يوافق الرسول عليه.
فالذي في الجسد فيه أنه نجس، وفيه أنه ما يحل أن يأذن ويده يجرح، وليس معهوداً في الزمن السابق لفقير الدم. والنص لا يقوم نص. والله أعلم.
ما بقيت إلا " مسألة الضرورة " إذا كان إنسان فارغاً من الدم وقال له الطبيب الذي هو موثوق به إن لم يفعل هذا مات (تقرير)
(865 ـ حكم سلخ قرينة عين الميت وتركيبها لحي)
من محمد بن إبراهيم إلى سعادة وكيل وزارة الخارجية المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 34/1/1/6478 ـ 3 وتاريخ 30/5/86هـ المرفق به صورة من مذكرة سفارة ماليزيا بجدة رقم 81 ـ 66 وتاريخ 22 ـ 5 ـ 86هـ المشفوع بها الاستفتاء الموجه في فضيلة الشيخ عبد الحليم عثمان رئيس المجلس الأعلى للشئون الدينية الإسلامية بمقاطعة قدح التابعة لحكومة ماليزيا. والمتضمن استفتاء فضيلته عن حكم سلخ قرنية عين الميت وتركيبها لحي
_________
(1) قلت: وتأتي الفتوى بتوقفه في هذه المسالة.::::::(3/177)
مكفوف البصر. وأن الطب قد نجح في إنقاذ النسان وإخراجه من الظلام إلى النور. إلا أنه نظراً لما في هذا العمل من إضرار الميت نتيجة سلخ قرنية عينه، وأن الإضرار بالميت حرام شرعاً إلى آخر ما أورده فضيلته في استفتائه. لقد جرى تأمل ما ذكر وتحرر عليه الجواب الآتي: ـ
لقد كثر السؤال عن حكم هذه المسألة ولا سيما بعد تطور الطب وتوصيل الأطباء إلى إمكان مثل هذا بشروط يعرفونها، ومنها أن تؤخذ العين من الميت إثر وفاته فوراً وأصبح بذلك من الممكن أن يرتد الأعمى بصيراً في بعض حالات العمى.
وقد اختلف علماء العصر في جواز مثل هذا فمنهم المتردد، ومنهم المانع، ومنهم المجيز. وكل من هؤلاء ينظر إلى الموضوع من زاوية معينة.
فمن نظر إلى أن هذا انتفاع بجزء من الميت وأن فيه مثله وتشويهاً بالميت ترجح لديه المنع.
ومن نظر إلى ما فيه من المصلحة الإنسانية والانتفاع العام ترجح لديه الجواز.
ومن حجج المانعين أن هذا من المثلة والتشويه بالميت وهو ممنوع شرعاً، فقد أخرج البخاري من حديث عبد الله بن زيد " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة" وأخرج أحمد وأبو داود من حديث عمران بن حصين وسمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من مثل بذي روح ثم لم يتب مثل الله به يوم القيامة"(3/178)
ولما في ذلك من تشقيق لحم الميت وتقطيعه، وقد نص الفقهاء على أنه يحرم قطع شيء من أطراف الميت وإتلاف ذاته وإحراقه، واستدلوا بحديث " كسر عظم الميت ككسر عظم الحي" (1) قالوا ولو أوصى به فلا تتبع وصيته لحق الله تعالى. قالوا: ولوليه أن يحامي عنه ويدافع من أراد قطع طرفه ونحوه بالأسهل فالأسهل كدفع الصائل، وإن آل ذلك إلى اتلافه ولا ضمان. قالوا: ولا يجوز استعمال شعر الآدمي احتراماً له مع الحكم بطهارته، لقوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} (2) وكذلك عظمه وسائر أجزائه، واستدلوا بأشياء أخرى تركنا إيرادها اختصاراً.
ومما استدل به المجيزون أن حرمة الحي أعظم من حرمه الميت، وأن الضرورات تبيح المحظورات. وهذا الترقيع لإعادة البصر يمكن قياسه على الحاجة إلى استنقاذ الحياة بدافع الهلاك، أو إلى منع إتلاف العضو عندما يتوقف ذلك على تناول بعض المحرمات. وقد صرح الفقهاء أنه يسوغ بل يجب تناول مثل هذا لدفع الهلاك، قالوا: ويجوز كشف عورة الرجل والمرأة لأجل العلاج ودفع الأذى مع أن ذلك محرم في الأصل وإنما أبيح لأجل الحاجة أو الضرورة وكما يجوز ترقيع جلد الآدمي بأجزاء من جلده، وكما يجوز نقل الدم من آدمي لآخر لاستنقاذ حياته أو تعجيل برئه، ولهم أدلة غير هذه. وأما رأيي الخاص فأنا متوقف في حكم هذه المسألة، مع أني أميل
_________
(1) رواه ابن ماجه وأبو داود وابن حبان في صحيحه، ويأتي.
(2) سورة الاسراء ـ آية 70.::::::(3/179)
إلى المنع أخذاً بظواهر النصوص التي مر ذكرها وغيرها. والمسألة تحتاج إلى زيادة تحقيق وإلمام بأطراف أقوال كل من الطرفين، ولعل الله أن ييسر هذا فيما بعد والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
مفتي الديار السعودية (ص ـ ف ـ 3653 ـ 1 في 2/12/1386هـ)
(866 ـ تليقيح الجدري)
التوتين فيه كلام لأهل العلم، لما فيه من تعجل البلاء، ولكونه نجاسة تدخل في البدن ـ قطعة من الصديد بعد جرح الجلد ـ ثم بإذن الله إذا لقح خرج فيه خروج ويخفف وطء الجدري، ولهم فيها فتاوى (1) منها الكراهة ـ وهو الظاهر. والتحريم ما قام عليه دليل، والفائدة فيه معروفة إذا أراد الله، ولكنه يعود بعد سنوات، وإذا عاد إذا هو خفيف، وبعد سنوات أخرى.
(تقرير تدمرية)
(867 ـ التداوى بصوت الملاهي)
الأصوات التي تسمع: فيها محرمات، وفيها مباحات.
جميع آلات الملاهي محرمة السماع، إلا ما أذن فيه وهو الدف في العرس، أما بقية الملاهي فلا يجوز، فإن المحرمات تزيد الداء داء لحديث " انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا" (2) "
"تداوو
_________
(1) انظر الدرر السنية جزء 4ص 245 ـ 247.
(2) رواه أحمد بسند لا بأس به.::::::(3/180)
ولا تتداوو بحرام (1) ، هذه الصيغة ما خصصت مأكولاً أو مشروباً، فدل على أن العلة كونه محرماً، وقد ترتب عليه مصلحة دنيوية ابتلاء وامتحاناً.
(868 ـ شرب البول علاجاً لا يجوز)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم علي بن محمد القحطاني سلمه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد اطلعنا على كتابك المؤرخ 24-5-8هـ والذي تذكر فيه أنك مصاب بمرض السل، وأنك تعالجه مدة طويلة فلم تسر فائدة، وتذكر أن بدوياً وصف لك وصفاً. الخ- وهو شرب بوله ثمانين يوماً - وتسأل هل التداوي به حرام أم لا؟
ونفيدكم أنه لا يصح التداوي بمحرم، وليس في المحرم شفاء، وحرام التداوي بما 1كرت، لحديث (تداوو عباد الله ولا تتداوو بحرام (2) ، ولحديث (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها) (3) ، ولكن أسال الله بقلب خاشع أن يشفيك ويوفقك لما فيه الشفاء، ونسأله تعالى أن يهبك الصحة. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية - (ص- ف- 961 في 25-6-1381هـ)
(869 ـ القراءة على المحتضر)
القراءة المشروعة ما كان قبل الموت وعند الاحتضار كقراءة (يس~) أو الفاتحة أو تبارك أو غير ذلك من كتاب الله.
_________
(1) رواه أبو داود والطبراني ـ وتقدم.
(2) وتقدم.
(3) رواه البخاري في صحيحه معلقاً.::::::::::::::::::::::::(3/181)
(70 ـ س: جعل العوام مصفحاً على بطنه)
جـ ـ لا ينبغي فإن الغرض هنا تثقيل بطنه، والعوام يرون أن المصحف يؤنه ولا يرون أنه من أجل انتفاخ بطنه. (تقرير)
(871 ـ المبادرة بتجهيز الأموات وتأمين ثلاجة للمجهولين)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير الرياض سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد
بالإشارة إلى خطابكم رقم 5685-2 وتاريخ 30-6-1376هـ المختص بما كتبه لسموكم مدير مستشفى الملك سعود عن اللذين يتوفون في المستشفى ويتأخر أهاليهم عن المبادرة بدفنهم، وطلب مدير المستشفى تعميده بما يلزم.(3/182)
(ثالثاً) إذا لم يعثر على أهل الميت في مدة يوم وليلة فيسلم الميت بجميع أوراقه التي دخل المستشفى بها تسليماً رسمياً بمحضر وشهود إلى الهيئة الموجودة الآن المعينة لتجهيز الموتى المجهولين ونحوهم.
والظاهر أن هذه الهيئة لم يتم تشكيلها وتنظيمها، فينبغي أن تعزز بما يضمن جميع ما يلزم شرعاً لذلك. وا لله يحفظم.
(ص ـ ف ـ 523 في 16/7/1376هـ)
(872 ـ س: الموت بالسكتة؟)
جـ: يمهل به، فإنه قد يعتري الإنسان سكتة ويتبين بعد ذلك أنها ليست موتاً.
وقصة ابن الماجشون معروفة، فإنه تكلم أهله بوفاته، وحضر الناس عند الباب ثلاثة أيام، والذي يريد الغسل كأنه رأى في جسده نحو عرق.
وفي هذه البلد رجل يقالله " ابن مساعد " أعرفه أصيب بمرض فخمدت حركته فظنوا أنه مات فغسل وصلى عليه، ولما كان عند شرج اللبن عليه سمع أحد من تولى ذلك صوتاً خفيفاً، فأسكت من حوله، فسمع صوتاً آخر فوجد حياً، وعاش عشرين سنة، ثم توفى. (تقرير)
(873 ـ س: إذا شك في موته؟)
جـ: ـ ينظر ويستعمل ما يعلم به ذلك من تحضير دكاتر، فإن عندهم من المعرفة ما ليس عند غيرهم، فإن لم يكونوا حتى بعلم من علامات جسده. (تقرير) .(3/183)
(874 ـ س: النعي)
جـ: ـ النعي هو أن يقال: فلان مات. وكان أهل الجاهلية إذا مات أركبوا فارساً ينادي: فلان مات، تعظيماً لأمره.
أما إعلام أقاربه ومن له في إعلامه مزيد رغبة فإنه لا يدخل في ذلك. (تقرير)
س: ـ إذا وقف على أهل المسجد، وقال: فلان مات.؟
جـ: ـ هذا من نعيه. ... (تقرير)
س: ـ إذا وقف في السوق، وقال: جنازة.
جـ: هذا ليس نعياً ... (تقرير)
(غسل الميت)
(875 ـ لا يحرم أخذ الأجرة على غسله)
قوله: وكره الإمام الغاسل والحفار أخذ اجرة على عمله الخ.
ولا يحرم أخذ الأجرة على ذلك، لأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك، فإن لم يوجد من يتبرع فلا كراهة في أن يأخذ بشرطه، نظير الذي وجد ماء من المياه المكروهة التي صرح العلماء بأنها مكروهة ثم لا يجد إلا هو فتزول الكراهة.
ولو كان فقيراً لا يجد إلا هذا فيأخذ وتزول الكراهة، يعطى من بيت المال لئلا يهمل ذلك ويخل به.
(تقرير)
(876 س: صلوا على من قال لا إله إلا الله) (1)
جـ: ـ المراد أهلها حقاً، وهو من نطق بلفظها، عارفاً لمعناها، عاملاً بمقتضاها، ولم يأت بما ينقضه. إلا أن عوام المسلمين نطقهم
_________
(1) رواه الخلال والدارقطني وضعفه ابن الجوزي والطرباني في الكبير وأبو نعيم في الحلية.(3/184)
بها نطق رضوخ ودينونه. وليس كل من يقولها يصلي عليه. اليهود يقولونها ولا يصلى عليهم، فهذا كحديث " أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله " (1) بل قام البرهان على بطلان هذه الدعوى. وابن الجوزي ضعف هذا الحديث إلا أن معناه صحيح، ومدلول عليه بأصول شرعية وأحاديث دالة على أصل المعنى، إلا أن هذا الحديث اصرح من غيره. فمعنى الحديث الصلاة على أهل الإسلام الذين لهم معاصي لم تخرجهم عن الإسلام، فضلاً عمن يقولها حقاً من معرفة معناها والعمل بموجبه والبعد عما ينافيه. (تقرير)
(877 ـ تجهيز من لا ولي له من بيت المال)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي ... وزير الداخلية الأفخم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
نشير إلى المعاملة الدائرة بخصوص تجهيز الموتى الذين يتوفون بمستشفى شقراء وليس لهم أولياء، المنتهية بخطاب سموكم رقم 14443 في 9/11/1380هـ وطلبكم إبداء رأينا حيال ذلك ونفيدكم أننا نرى أن تجهيز المذكورين من بيت المال، ويعهد به إلى رجل أمين يتولى ذلك تحت إشراف القاضي، ويجعل له مكافأة شهرية، ويقرر لكل جنازة مائة ريال تحت الزيادة والنقص بموجب الكشوفات التي ستقدم من المسئول عن ذلك والله يحفظكم.
(رئيس القضاة (ص ـ ف 897 ـ 3 في 27 ـ 1380هـ) .
_________
(1) أخرجه الشيخان ـ عن أسامة بن زيد.::::::(3/185)
(878 ـ استعمال الصابون)
س: الصابون.
ج: قد يستعمل، إلا أن فيه شيئاً من الحرارة، وهو متقدم الوجود ومع ذلك لم يذكروه. على كل حال هذا الاشنان أولى منه. (تقرير)
(879 ـ الاشنان هو دقيق أعواد العراد، وهو نوع من الحمض (تقرير) .
(879/2 ـ الحمام الذي كرهوا تغسيله فيه هو " الفني" المشتمل على أنواع المياه: من ساخن، ومتوسط وبارد. (تقرير)
(880 ـ س: أسنان الذهب؟)
جـ: تقلع وتؤخذ، فإن نبت اللحم عليها وخيف حصول قطع شيء فتترك. (تقرير)
(881 ـ الشهداء وأحكامهم)
الشهداء أوصلهم بعض العلماء بالتتبع إلى نحو عشرين، لكنهم ينقسمون إلى أربعة أقسام:
قسم شهيد في الدنيا والآخرة ـ وهو قتيل المعركة الذي قتل صابراً لإعلاء كلمة الله. فهذا لا يغسل في الدنيا ولا يصلى عليه، لفعله صلى الله عليه وسلم بقتلى أُحد. وما جاء أنه صلى عليهم فلا يصح، وإن صح فليس معناه إلا الدعاء لهم في مصارعهم.
وشهيد في الدنيا فقط ـ وهو من قتل في المعركة لكن نيته ليست في سبيل الله.(3/186)
وشهيد في الآخرة فقط ـ وهو الذي قاتل في سبيل الله فقتل وتأخر موته فيصلى عليه في الدنيا ويغسل.
والمقتول ظلماً مثل شهيد المعركة في الأحكام الدنيوية، وكذلك في الأجر بالنسبة إلى مقامه فإنه شهيد في الدنيا والآخرة.::::::
أما بقية الشهداء فإن لهم أحكام الشهداء في الآخرة لا في الدنيا، فالواحد منهم يغسل ويصلى عليه. (تقرير)
(882) المجدور الجدري الشديد ونحوه إذا خشي سقوط شيء من أجزائه اكتفى بتيميمه. وإن كان بصفة لا مضرة في غسله كأن يكون نصفه سليماً ونصفه غير سليم (1) أما كونه بقدر اليد يخشى عليه وبقدرها لا يخشى عليه فالظاهر أن تتبع هذا فيه من المشقة شيء ظاهر، فهذا ييمم كله. وأيضاً تغسيلها ربما يسبب وصول الماء إلى الآخر فيحصل التبضيع. (تقرير)
(883 ـ قوله: ونرجو للمحسن ونخاف على المسيء) .
هذه عقيدة، ولا نقطع لهم من الله بالخير، ونخاف على المسيء، ولا نشهد، حتى الكافر لا نقطع له بالنار، لكن نقول: إن مات على الكفر فهو من أهل النار.
لكن هنا شهادتان عامتان وهو أن من مات على التوحيد فهو من أهل الجنة بفضل الرب ونقول كل من مات على الكفر فهو من أهل النار،
_________
(1) غسل السليم ويمم عن غير السليم.(3/187)
ثم أصحاب المعاصي الذين ماتوا على التوحيد ولهم معاص غير تائبين منها فهم تحت المشيئة، ونخاف عليهم أن يعاملوا بالعدل.
ثم صاحب التوحيد إذا عذب على جريمته فإنه يدخل الجنة (تقرير) .
قوله: وأن يطيب بورس وزعفران (1) .
لأن هذا يراد لأجل لونه لزينة الحي (تقرير)
(884 ـ قوله: وطليه بما يمسكه كصبر ما لم ينقل يكره. فإذا نقل لمسوغ لم يكره، فإن الصبر يصبر الجسد ويصلبه ويكون أنفع وأبقى له. (تقرير)
(885 ـ سئل عن فك الحزام)
فأجاب: الظاهر أن له أصلاً، وهذا نراه يتولاه طلبة العلم ومشايخنا، والظاهر أنه مروي عن ابن مسعود (2) ... (تقرير)
(885/2 ـ قوله: وحرم دفن ثياب غير الكفن.
وكان بعض من لديهم سخافة يجعلون مع الميت ثياباً، وبعض ينويه لبعض الموتى السابقين. هذا كان في بعض البلاد في السابق (تقرير) .
(886) سئل عن العنبر الأبيض الذي يستعمله بعض الناس في أكفان الموتى.
فأجاب: هذا يبحث في طهارته أولاً. (تقرير)
_________
(1) يعني يكره.
(2) وفي المغني لابن قدامة ج2 ص 383: واما حل العقد من عند رأسه ورجليه فمستحب، لأن عقدها كان للخوف من انتشارها وقد أمن ذلك بدفنه. وقد روى: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أدخل نعيم ابن مسعود القبر نزع الأخلة بفيه، وعن ابن مسعود وسمرة بن جندب نحو ذلك.::::::(3/188)
(تكفينه)
(887 ـ مقدار الكفن)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة نائبنا بالمنطقة الغربية ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
بالإشارة إلى المكاتبة المرفقة الواردة منكم برقم 7157 في 1/3/80هـ بشأن أكفان الموتى. وعليه فإننا نود تزويدنا بالمعلومات التالية:
1 ـ أن الأمر التعميمي المبلغ للمحاكم من قبلكم برقم 4607 وتاريخ 13/7/66هـ المرفق صورته بهذه المكاتبة يقضي بصرف خمس هناديز ونصف للرجل، وسبع هناديز للمرأة مبالغة في سترها، في حين أن المشرف على إدارة شئون الموتى رفع لأمين العاصمة بأن مأمور بيت مال مكة لا يصرف سوى خمس هناديز فقط كما يتضح لكم من مطالعة مذكرة أمين العاصمة المرفقة بهذا رقم 2848 في 2ـ 3/9/79هـ.
2 ـ تكرر طلب إفادتنا عن الأسباب التي جعلت هذه المسألة باقية دون بحث موضوعها حتى هذا الوقت.
3 ـ ونعيد إليكم كامل أوراق المكاتبة لما ذكر. والسلام.
رئيس القضاة (ص ـ ق ـ 1314 ـ 3 في 15/3/1380هـ)
(888 ـ إذا أصاب الكفن ماء نجس وجب غسله..)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم لافي بن ضافي ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل إلينا كتابتك الذي تستفتي به عن المسألتين الاثنتين:(3/189)
" المسألة الأولى ": إذا رضع شخص من امرأة ولها أولاد ولأولادها إخوان من أبيهم فهل يكونون إخواناً للشخص المرتضع.
والجواب: إن كانت المرضعة زوجة لأبيهم حال الرضاع ولبنها لبن أبيهم فهم إخواناً له، لأن اللبن لبن الفحل فيكونون إخوة له من الأب (وأولادها إخوة من الأب والأم) وهذا كله من الرضاع.
" المسألة الثانية" إذا أصاب الكفن ماء نجس فماذا يكون العمل.
والجواب: إذا أصاب الكفن ماء نجس لزم غسله وتطهيره وتجفيفه أو يبدل بكفن غيره، ولا تصح الصلاة على الميت مع هذه النجاسة المذكورة. والله أعلم.
مفتي البلاد السعودية (ص ـ ف 3298 ـ 1 في 24/11/1385هـ)
(الصلاة على الميت)
(889 ـ الصف عن يمين الامام فيها)
السنة أن يتقدم الإمام على المأمومين كما في الصلاة، وما يفعله كثير من الناس من الصف عن يمين الإمام لا أصل له بحال، لكن إنما يتسامح في هذا لأنهم قد لا يجدون مكاناً في الصفوف وليحملوه بسرعة، وغلا فليس هنا سنة أن يكون بعض أهله مع الإمام، بل الأمر المشروع في الجنائز كالأمر المشروع في الصلاة. (تقرير)
(890 ـ الصلاة على الحائض والنفساء في المسجد)
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف والشيخ عبد العزيز العنقري عن الحائض والنفساء إذا ماتت إحداهما هل تجوز الصلة عليها في المسجد.(3/190)
فأجابا: نعم، يجوز إذا أمن تلويثه، لأن الأحكام انقطعت بالموت (ملحقة بالدرج2 ـ248)
(891 ـ حديث " كبر عليه ستاً" (1)
يفيد أن لا بأس أن يكبر ستاً، ولا يظهر لي أنه يتابعهن، وتعليله بأن له مزية. (تقرير)
(892 ـ والتسليمتان جاءت عن بعض. والراجح هو الذي يعمل به الآن أنه واحدة (تقرير)
(893 ـ س: كيف يخبرهم إذا أراد الصلاة على الغائب أو الحاضر؟)
صلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي فيها دليل على أنه إذا صلى على الغائب يخبر المصلين: أخوكم فلان توفي، لكن النداء شبه الأذان لا. فإنه صلى الله عليه وسلم لم يقم بلالاً لينادي الصلاة على فلان، فإن الإعلان التام إلى الشرع، فليس مقرراً مرتباً، بل ينبغي أن يخبر الإمام عند التكبير عليه، واما جنس الإخبار فهو مثل ما يقول بعض الناس: جنازة. لكن كونه صيغة مرتبة تتخذ كالشيء المشروع الذي لا يغبر لا ينبغي. (تقرير)
(894 ـ إذا شك في اسلام شخص فهل يصلي عليه؟)
س: إذا شك في إسلامه كالذين يصلى عليهم في الحرم.
ج: الأصل الصلاة عليه، والأصل فيمن ينتسب إلى الإسلام
_________
(1) روى الطبراني في الكبير عن عبد الله بن مغفل أن علياً صلى على سهل بن حنيف فكبر عليه ستا، ثم التفت إلينا فقال: انه بدري.::::::(3/191)
سلامة العقيدة، فيصلي المسلمون ويكون حالتهم واحدة، إلا إذا كان يعرف انه كافر (1) (تقرير)
(895 ـ المقتول في الزنا أو غيره من الحدود)
الصلاة على العاصي المستعلن بالمعاصي، من أهل العلم من قال: لا يصلى عليه، تنكيلاً، أو لعظم ذنبه. ولكن الصحيح قول الجمهور أنه يصلى عليه، وانه أحق من غيره، فإنه عاصي، والعاصي أحق بالصلاة.
نعم هناك جرائم خاصة جاء فيها التغليظ بترك الإمام الصلاة عليه كالغال وقاتل نفسه، واما ان ذلك في مطلق الجرائم فلا.
والمقتول في حد أولى العصاة أن يصلى عليه، وذلك ان قتله كفارة ومن حكمتها ردع المجرمين، فكأن المقتول في حد من الحدود كفى في تأديبه على جريمته ما صنع به من الحد فيصلى عليه (تقرير)
" السؤال الثالث"
(896 ـ هل يصلى على المتخلف عن الجماعة من غير عذر)
والجواب: الحمد لله، يصلى على جميع من مات من المسلمين ولو عاصياً: كزان، وقاطع طريق، وقاتل، وغيرهم، لحديث: " صلوا على من قال لا إله إلا الله" (2) لكن لا يصلي الإمام ـ فقط ـ على الغال وقاتل نفسه، واختار المجد انه لا يصلي على كل من مات على معصية ظاهرة بلا توبة، قال في " الفروع " وهو متجه. (ص ـ ف ـ 22 في 7/1/1378هـ)
_________
(1) وتقدم حديث " صلوا على من قال لا إله إلا الله " والتفصيل فيه هناك.::::::
(2) وتقدم تخريجه.::::::(3/192)
(897 ـ س: من هو الذي يترك الصلاة على الغال الآن)
ج: كان السلف الأول الصلاة كانت للأئمة. وفي وقتنا الذي يصلى بالجماعات والجمعة غيرهم. ففي وقتنا كل إمام مسجد راتب إذا كان فيه تأهيل لذلك بأن كان يحصل بترك صلاته التأديب فلا مانع.
والله أعلم انه في كل حارة من الحارات إذا مات في حارتهم فيترك إمام المسجد. وهذا إذا كان الإمام فيه أهلية العلم، وإلا فالجاهل لا يحصل بتركه التأديب. فالمعاصي كثرة والأئمة الآن لا يعزرون بذلك، حتى في المحاكم يسمع القاضي المعاصي ولا يقيم التعزير. (تقرير)
(899 ـ الدعاء للميت بعد السلام من صلاة الجنازة)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم ولد نور أحمد (باكستان الغربية) حفظه الله آمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
إشارة لخطاب سعادة رئيس المكتب الخاص لجلالة الملك المعظم رقم 243 ـ3 وتاريخ 20/9/867هـ المتضمن أمر جلالته حفظه الله بالإجابة على أسئلتكم المرفقة، ونصها ما يلي:
1 ـ هل يمكن الدعاء للميت بعد السلام من صلاة الجنازة؟
2 ـ هل يجوز الدعاء عند قبر الميت بعد دفنه أم لا؟
3 ـ هل يمكن الدعاء بعد خطوتين إلى الوراء؟(3/193)
4 ـ هل يجوز قراءة الفاتحة لأهل الميت بعد عودتهم من الدفن أم لا.
5 ـ هل يجوز أن تقام الأحزان على الميت يوم العاشر والعشرين والحول أم لا؟
والجواب عنها مايلي:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما الدعاء للميت بعد السلام من صلاة الجنازة فلا مانع منه إذا لم يكن على هيئة جماعية تلحقه بالبدع (1) .
(899 ـ حمله على السيارات)
حمله هنا أعلم من أن يحمل على الأكتاف: كالحمل على دابة، أو سيارة. لكن المشروع أن يحمل على الرقاب، إلا أن الناس توسعوا في ذلك فصاروا لا يحملونه إلا على السيارات: بل ربما تساوى عندهم هذا وهذا. نعم إذا كان حمله لا يطاق على الأكتاف (تقرير)
(900 ـ رفع الصوت حال اتباع الجنازة)
سئل عن الجنازة إذا حملت، ثم أحدث أهلوها صوتاً عالياً بأي ذكر كان. فهل يقرون على فعلهم أم ينهون؟
والجواب: الحمد لله رب العالمين، أما رفع الصوت عند اتباع الجنازة بذكر أو غيره فهو بدعة، ينهى عنه.
(ص ـ م ـ 12 في 24/8/1373هـ)
_________
(1) وتأتي قريباً بقية الأجوبة. ولم أجد تاريخ صدور هذه الفتوى.::::::(3/194)
(901 ـ إذا توفي في بئر اخرج منها ودفن)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي ... أمير الرياض ... المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
جواباً على مذكرتكم رقم 1165 وتاريخ 20/2/1377هـ حول طلب والدة القتيل سعد بن حاضر إخراجه من البئر، ودفنه في مقابر المسلمين.
نفيد سموكم أن هذا الميت يجب إخراجه من البئر، وليس فيه من المحذور إلا خشية التلف على من يخرجه بسبب الرائحة، فإن كان الأطباء أفادوا بما يقتضي زوال الرائحة الضارة الآن بودِرَ إلى الإخراج بأجرة، وإن كان المحذور موجوداً الآن فتقرر الأطباء أسباب زوال الرائحة، ويستعمل ذلك ويخرج الميت من البئر، فإن لم تقرر شيئاً فإن فقهائنا رحمهم الله ذكروا ما يزيل الرائحة التي يخشى من أجلها على من ينزل في البئر بأن تدلى فيها ثياب مبلولة بالماء تجعل على جوانب البئر تجذب تلك الرائحة. ويعرف خلو قرار تلك البئر من الرائحة بإنزال سراج مولع، فإن وصل إلى قعر البئر ولم ينطفئ علم أن المحذور قد زال، وإن انطفأ فالمحذور بحاله ويؤخر الإخراج إلى أن يزول المحذور وإذا أخرج دفن في مقابر المسلمين، ولا يغسل ولا يصلى عليه، لأنه مقتول ظلماً. والله يحفظكم.
حرر في 21/2/1377هـ (ص ـ ف ـ 170 في 22/2/1377هـ)(3/195)
(902 ـ جواز ادخال الأجنبي المرأة في قبرها، وخلعه عقد أكفانها، ولو كان ثم محرم)
وأما قولها في معرض استعراضها لحاجتها إلى محرم: وإذا مت فمن يدخلني القبر ويحل العقد.
فجوابه أنه لا بأس من إدخال الأجنبي المرأة قبرها وحله عقد أكفانها ولو كان ثم محرم. وبالله التوفيق. والسلام عليكم. (ص ـ ف ـ 2182 ـ 1 في 12/8/1385هـ) (1)
(903 ـ تلقينه بعد الدفن بدعة)
جاء فيه حديث (2)
إلا أنه عند الحفاظ لا يصح، بل هو معدود عندهم في الموضوعات. وصفة التلقين المشار إليه أن يقف رجل من أهله فيقول: يافلان بن فلان أو يافلانة اذكر ماخرجت عليه من شهادة أن لا إله إلا الله.. إلخ. إلا أنه لا يصح، فيكون ذلك بدعة. (تقرير)
(904 ـ الدعاء للميت بعد الدفن)
الدعاء له معروف، كما في الحديث: " استغفروا لأخيكم" (3)
_________
(1) ويأتي أول هذه الأسئلة في كتاب الرضاع ـ ان شاء الله.
(2) عن ضمرة بن حبيب أحد التابعين قال: كانوا يستحبون اذا سوي على الميت قبره وانصرف الناس عنه أن يقال عند قبره: يافلان قل: لا إله إلا الله ثلاث مرات، يافلان قل: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد.
رواه سعيد بن منصور موقوفاً وللطبراني نحوه من حديث أبي أمامة مرفوعاً مطولاً (انظر سبل السلام جزء2ص156، 157، والدرر السنية ج4ص249) .::::::
(3) أخرجه أبو داود ولفظه: " استغفروا لأخيكم واسألوا الله له التثبيت فإنه الآن يسأل ".
قال ابن القيم في " جلاء الافهام " كان ابن مسعود رضي الله عنه إذا فرغ من دفن الميت وقف، ثم قال: اللهم نزل بك صاحبه، وخلف الدنيا وراء ظهره ونعم المنزول به، اللهم ثبت عند المسألة منطقه، ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به، اللهم نور له في قبره، والحقه بنبيه صلى الله عليه وسلم ا. هـ.(3/196)
ورفع اليدين بعد دفن الجنازة والدعاء لها عند القبر (1) ما جاء فيه شيء، ولا ترفع. (تقرير)
" السؤال الثاني"
(905 ـ هل يجوز الدعاء عند قبر الميت بعد دفنه أم لا؟
وأما الدعاء للميت عند قبره بعد دفنه فقد روى أبو داود في سننه من حديث عثمان رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: " استغفروا لأخيكم وسألوا الله له التثبيت فإنه الآن يُسأل " وفي " الاختيارات" لعلاء الدين أبي الحسن البعلي ص52 ضمن مجموعة الفتاوى المصرية ما نصه: ويستحب أن يدعو للميت عند القبر بعد الدفن واقفاً، قال أحمد: لا بأس به قد فعله علي والأحنف، وروى سعيد عن ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف فيدعوا، لقوله تعالى في المنافقين: {ولاتقم على قبره} (2) وهذا هو المراد على ما ذكره المفسرون. اهـ.
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية في جـ24 من مجموعة فتاواه وجه الاستدلال بالآية المذكورة بقوله: إنه لما نهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين وعن القيام على قبورهم كان دليل الخطاب أن المؤمن يصلى عليه قبل الدفن ويقام على قبره ـ أي للدعاء له بعد الدفن.
_________
(1) يعني: بصورة جماعية.
(2) سورة التوبة ـ آية 84.::::::(3/197)
" تنبيه": قد يعمل بعض الناس حال هذا الدعاء المشروع بشكل غير مشروع وهو أن يقوم صف يتقدمهم شخص قد يكون أمثلهم يدعون هذا الدعاء، كما أن رفع اليدين حال هذا الدعاء لم يرد فيه شيء، وهذا شيء بدعة لم يرد به سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم (ص ـ ف ـ 2655 ـ1) .
(906 ـ السؤال الثالث: هل يمكن الدعاء بعد خطوتين إلى الوراء؟)
وأما الدعاء بعد التخطي خطوتين إلى الوراء فلا نعلم لذلك أصلاً. (ص ـ ف ـ 2655 ـ1)
(907 ـ قوله: ويكره الزيادة عليه ـ أي على الشبر)
والمراد كراهة التنزيه. وهذا بالنسبة إلى الشيء اليسير الذي ليس الرفع الكثير الذي يفعل على وجه الغلو في الميت، فإن الثاني محرم، وهو من وسائل الشرك، فإنه جاء النهي عن عدة أشياء تفعل حول القبر: منها تعليته. ومنها تجصيصه. وفتنة القبور عظيمة ووسيلة قريبة إلى الإيقاع في الشرك. وقصة العلماء من قوم نوح وما فعل في زمانهم معهم في قبورهم كاف في ذلك، مع ما ورد من أشياء أخرى.
وقد حصل في هذه الأوقات من الجفاء في القبور من الوطئ عليها (1) وإكرام القبور موجود حتى عند الكفار ومستحسن. (تقرير) .
_________
(1) والاستهانة بها مالا يجيزه الشرع وتأتي أمثلة ذلك قريباً.::::::(3/198)
(908 ـ اصلاح وترميم القبة)
سئل عن إصلاح وترميم الخراب الواقع في قبة الرسول ـ ضمن رسالة بعث بها رئيس المحكمة بالمدينة.
فأجاب: أما ما أشرتم إليه بخصوص ما عرض عليكم صالح قزاز بصدد إصلاح وترميم الخراب الواقع في قبة الرسول صلى الله عليه وسلم، فنحب أن توضحوا له: هل هذا الترميم وهذا الإصلاح مجعول إليكم ومسند إليكم النظر فيه، أم لا. نؤمل البيان في ذلك. بارك الله فيكم والسلام 11/5/1375هـ.
(909 ـ تجصيص القبور)
لا يجوز تجصيص القبور لا في القبر ولا في اللحد (1) . (تقرير)
(910 ـ التعليم بغير الحجارة)
الحجارة أولى، والحديد ليس مما يستعمل جنسه، ولا منع، لكن ليس في زمن الصحابة. (تقرير عام64) .
(911 ـ س: الخرقة)
ج ـ لا، لأنه قد يجعلها من يلمح التبرك، فمحذور. (تقرير)
(912 ـ تعليمه بعظم)
عند الشيخ أن عظام الميتة طاهرة إذا كانت بالية ليس فيها رطوبة والظاهر أنه لا بأس إذا صارت بالية ولا فيها بلل (تقرير) .
_________
(1) وانظر ماتقدم في " الجزء الأول " من حكم رفع القبور، وتشييدها، والبناء عليها.
فيجب هدمها، ولا علمت أنه يصل إلى الشرك الأكبر. (الدرر السنية ج4ص250) .::::::(3/199)
(913 ـ س: نقش حصاة (وسم) تبين أن هذا قبر فلان)
ج: هو بمعنى الكتابة، وفيه مزيد الاعتناء الذي ليس شرعياً، وليس عليه الصحابة، فهو ما ينبغي. (تقرير 1364) .
(914 ـ تشجير المقابر واضاءتها وترخيمها لا يجوز)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد اطلعت على المعاملة المرفقة الواردة رفق خطاب سموكم رقم 2147 وتاريخ 19/6/84هـ حول قيام أمانة العاصمة بتشجير مقبرة المعلاة، مع وضع عدة صنابير فيها. إلى آخره. كما أطلعنا على خطاب فضيلة الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف بالحجاز وإجابة أمين العاصمة على خطاب وزارة الداخلية بهذا الصدد.
ونفيد سموكم أن ما ذكرته الأمانة من بناء ما قد تهدم من سور المقبرة من الجهات المؤدية إلى أطرافها، مع عمل الأبواب اللازمة لحجرها، وإقامة حارس للمراقبة، وإتمام ما يجب نحو تنظيفها، وعمل ممر بين المقابر، فكل ذلك لا باس به.
أما تشجير المقبرة فهو لا يجوز، وفيه تشبه بعمل النصارى الذين يجعلون مقابرهم أشبه ما تكون بالحدائق، فيجب إزالتها وإزالة صنابير الماء التي وضعت لسقيها، ويبقى من الصنابير ما يحتاج إليه للشرب وتليين التربة.(3/200)
وأما إضاءة المقبرة فيخشى أن يجر ذلك إلى إسراج القبور الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله، ولا سيما ونفوس الجهال تتعلق كثيراً بالخرافات، فتزال هذه الأنوار سداً للذريعة.
وترخيم القبور لا يجوز أيضاً، فيجب منعه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم " نهى أن يُجَصص القبر أو يبنى عليه" (1)
وهذه المسائل يجب إزالتها خشية من الوقوع في المحذور، وحماية لجانب التوحيد. ويمكن أن الذي أشار بتنوير هذه المقبرة وتشجيرها من الذين لهم تعلق بالقبور والخرافات، ويريد إحياء الشرك والخرافات وهذه البلاد المقدسة قد طهرها الله ـ وله الحمد والمنة ـ من الشركيات والبدع والخرافات، فيجب علينا أن نحافظ عليها، ونبتعد عن الأسباب التي تفضي إلى شيء من ذلك. هذا ونسأل الله لكم التوفيق والسداد. والسلام عليكم. (ص ـ ف ـ 2143 ـ 1 في 18/8/1384هـ)
(915 ـ وتبليط أرضها أيضاً لا يجوز)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة مشعل بن عبد العزيز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
نرفق لكم النسخة الواردة إلينا من إخبارية (مواطن غيور) يفيد فيها بأن ترميمات حوازط بعض قبور مقبرة المعلاة وترخيمها
_________
(1) والحديث في صحيح مسلم.::::::(3/201)
وغرس أنواع الشجر وإنارتها بالكهرباء وتبليط بعض أرض المقبرة وغير ذلك التي أحدثت فيها لا تزال باقية لم تزل رغم صدور الأوامر بإزالتها.
وسموكم حفظكم الله قد علمتم ماصار في الموضوع، ولا شك أن سموكم سيكون أول متحمس لسد أبواب الشرك وذرائعه، وإنا نضع هذه الإخبارية بين أنظار سموكم، ونرجو أمركم بإزالة هذه الأشياء المحدثة، والأمر على من يلزم بمتابعة ذلك حتى تتم إزالته. تولاكم الله بتوفيقه.
(ص ـ م ـ 658 في 5/2/1386هـ)
(916 ـ وجوب صيانة المقابر عن الأذى ومياه الدبلات)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم أمين مدينة الرياض سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وبعد:
بلغني بأن " مقبرة شلقا " قد سلط عليها مياه دبلات عماير ابن سليمان، وأن سكان العماير المذكور ومساكن العمانيين يلقون الأوساخ والزبالة والكراتين وغيرها على المقبرة المذكورة، وهذا منكر، ولا يجوز شرعاً. فالأمل التحقيق فيما ذكر، ومنع ما أحدث على المقبرة من الأذى، وأخذ التعهد اللازم بمنع الأذى عن المقبرة وإزالة الدبلات الموجودة عليها وإفادتنا. والله يحفظكم.
(ص ـ ف 333 في 19/3/1379هـ)(3/202)
(917 ـ جعلها موقفاً للسيارات بعد تبليطها)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:::::::
فقد جرى الاطلاع على المكاتبة المشفوعة بخطاب سموكم رقم 25524 وتاريخ25/12/1379هـ بشأن مقبرة الشبيكة: واتخاذ الأطفال فيها ميداناً للعب الكرة، وإفادة عمدة محلة الشبيكة أن بعض سور المقبرة غير مرتفع في الوقت الذي توجد بعض أرض المقبرة عالية بشكل كبير مما يساعد الأطفال على ذلك. كما جرى الاطلاع على رغبة أمين العاصمة بالتوسط بالموافقة على تبليط الأرض عامة أو سفلتتها، أو صبها صبة واحد بالأسمنت المسلح وجعلها موقفاً عاماً للسيارات أو أية مصلحة أخرى. إلى آخر ماذكر.
وبتأمل ما ذكر رأينا أن بقاء المقبرة على حالتها صيانة للموتى في قبورهم هو المتعين، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ويمكن منع الأطفال من اللعب فيها بتعلية سور المقبرة كما ذكره عمدة محلة الشبيكة. والله يحفظكم.
(ص ـ ف 85 في 22/2/1380هـ)
(918 ـ ردمها وجعلها طريقاً للسيارات)
من محمد بن إبراهيم إلى صاحب الفضيلة رئيس المحكمة الكبرى بالمدينة المنورة سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
بالإشارة إلى خطابكم لنا رقم 125 وتاريخ 6/2/88هـ وصل(3/203)
ورفقه الأوراق المقدمة لكم من هاشم غندوره مهندس وزارة المواصلات الخاصة بالمقبرتين اللتين سيمر طريق المدينة خيبر: إحداهما قديمة وسيمر بمائة متر مربعاً منها. والثانية جديدة وسيمر بستمائة وخمسة وعشرين متراً مربعاً، وأن هذه المساحة ستردم ولن ينبش شيء من القبور وتستفون عن حكم ذلك.::::::
والجواب: لا يجوز نبش هذه القبور، ولا يجوز ردم المساحة المذكورة ومرور الطريق معها، لأن هذا من امتهان الأموات، ومعلوم أن لهم حرمة، والأصل في ذلك من السنة مارواه أحمد في المسند وأبو داود وابن ماجه والبيهقي في سننهم وابن حبان في صحيحه بأسانيدهم إلى عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كسر عظم الميت ككسره حياً " وقد سكت عنه أبو داود والمنذري، وحسنه ابن القطان، وقال ابن دقيق العيد والحافظ في " بلوغ المرام" إنه على شرط مسلم.
ومعنى الحديث: أن كسر عظم الميت ككسر عظم الحي في الإثم، كما جاء في رواية القضاعي من وجه آخر عنها وزاد " في الإثم" قال الطيبي: إ شارة إلى أنه لا يهان ميتاً كما لا يهان حياً، وقال الباجي: يزيد أن له من الحرمة في حال موته كما له من الحرمة في حال الحياة إنتهى كلام الباجي.
ويحتمل أن الميت يتألم كما يتألم الحي، يؤيد ذلك مارواه ابن أبي شيبة في " المصنف " عن ابن مسعود وقال: " أذى المؤمن(3/204)
في موته كأذاه في حياته " قال ابن عبد البر: يستفاد منه أن الميت يتألم بجميع ما يتألم به الحي، ومن لازمه أن يستلذ بما يستلذ به الحي.
ومما يدل على المنع أيضاً ما رواه الإمام أحمد في مسنده بسنده إلى عمرو بن حزم قال: " رآني النبي صلى الله عليه وسلم متكئاً على قبر فقال: لا تؤذ صاحب القبر. أو لا تؤذه " رواه النسائي في السنن بلفظ " لا تقعدوا على القبور " ورواه الإمام أحمد بهذا اللفظ. قال الحافظ في " الفتح": إسناده صحيح.::::::
وجه الدلالة أن الحديث فيه النهي عن إيذاء أهل القبور بالتكاء أو الجلوس عليها، وهو يقتضي التحريم، فإذا كان هذا في الجلوس فكيف يسوغ القول في ردم هذه المساحة التي تشتمل على قبور وجعلها طريقاً مسلوكاً للسيارات وغيرها. ولو كانت هذه المسافة متصفة بوصف يمنع المرور مطلقاً فإنهم سيعملون حلاً لهذا الطريق بحيث يمر مع موضع آخر، فما هم عاملوه على هذا التقدير فليعملوه مع وجود هذه القبور، لأن هذا مانع شرعي لا يجوز تجاوزه.
وأما ما أشرتهم إليه من وجود طريق قديم للأهالي يستعملونه حالياً فهذا يجب عمل ما يلزم من منعهم من السير معه، لما فيه من إهانة أهل القبور، وتنبيه بلدية المدينة لتقوم بتسويرها. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية (ص ـ ف 1022 في 10/5/88هـ) .(3/205)
(919 ـ وجوب تعدد المقابر في نواحي مكة. لا يجوز أن يدفن في القبر أكير من واحد، ولا يدفن عليه حتى يتحقق بلاؤه)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي ... وزير الداخلية ... الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد جرى الاطلاع على أوراق المعاملة المشفوعة الواردة بخطاب سموكم رقم ... وتاريخ ... المتعلقة بموضوع دفن الأموات في مكة المكرمة، وما دار حوله من نقاش بغية توحيد الدفن في مقبرة المعلاة أو جعله في عدة مقابر نظراً لتوسع البلد.
وبتتبع أوراق المعاملة، وتأمل ما دار فيها، وما أبدته إمارة مكة للمبررات التي أدلت بها لما فيه من راحة المواطنين والتسهيل عليهم يكون كل أهل جهة يدفنون فيما يليهم، ولأنه أقرب تناولاً لزيارة موتاهم فيما بعد إذا أرادوا الزيارة المرغب فيها شرعاً، ولأنه أطيب لنفوسهم إذا كانوا يشاهدون قبور موتاهم لم يطرأ عليها ما أشارت إليه إمارة مكة من أن القبر الواحد يدفن فيه عدة أموات ويفتح بين آونة وأخرى لاستقبال الدفن وجمع العظام. إلخ ... ::::::
وأما تخصيص مقبرة للحجاج، ومنعهم من الدفن في مقبرة المعلاة فهذا لا يسوغ شرعاً، كما أن فيه تفرقه تسبب إشكالات لا تخفى.
وأما ما يخشى من وجود الفوضى إذا تعددت المقابر، فهذا يزول بجعل حراس على كل مقبرة كما هو المتبع في مثل هذا والسلام عليكم.(3/206)
(ملاحظة) : بهذه المناسبة نلفت نظر سموكم إلى أنه لا يجوز أن يدفن في القبر أكير من ميت واحد، إلا من حاجة ككثرة الموتى، كما لا يجوز أن يدفن عليه حتى يظن أنه بلي وصار تراباً، وإ ذا شك في ذلك رجع فيه إلى أهل الخبرة، فإن حفر فوجد فيه عظاماص لم يجز دفن آخر عليه نص عليه الإمام أحمد. فينبغي التنبيه على القبوريين بهذا والتأكيد عليهم بمراعاته. والله يحفظكم والسلام.
(ص ـ ف ـ 995 في 24/5/1383هـ)
(920 ـ اذا بلي الميت في قبره جاز أن يدفن فيه غيره)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فبالإشارة إلى خطاب سموكم برقم 21714 وتاريخ 22/12/78 بشأن ما رفعه وزير الصحة عن المقبرة التي بطريق مستشفى أبها الجديد، واستفتائه عن جواز توسيع الطريق من تلك المقبرة، ونقل رفات القبور التي بجانب الطريق إلى موضع آخر من المقبرة.::::::
والجواب: أن مثل هذا لا يجوز شرعاً، لأن الموتى قد سبقوا إلى هذا الموضع، وصار داراً لهم، وقد أسلمهم أهلوهم إلى ربهم، فصارت القبور أول منازل الآخرة، وهم مرتهنون فيها إلى يوم البعث والنشور، فلا يحل لأحد نبش أموات المسلمين من قبورهم إلا لغرض شرعي صحيح، وهو ما كان من مصلحة الميت أو كف الأذى عنه ونحو ذلك، وأما إذا كان لمصلحة غيره من الأحياء أو الأموات فلا، كما لا يجوز لأحد أن يهينهم في قبورهم أو يطأ(3/207)
عليهم أو يمشي فوقها، وقد دلت على هذا النصوص من الكتاب والسنة وكلام العلماء رحمهم الله، وإذا بلي الميت في قبره بعد مرور المدة الكافية لبلائه فحينئذ يجوز أن يدفن في محله ميت غيره لأن المقبرة المسبلة لا يجوز استعمالها في غير ما وقفت فيه: وأما مجرد ضيق الطريق فليس من مسوغات نقلها، لأنه يمكن توسيع الطريق من جانب آخر، أو العدول عنه إلى طريق سواه، أو غير ذلك مما لا يخفى وقد كتبنا بهذا فتيا مطوله دعمناها بآيات قرآنية وأحاديث نبوية وكلام المحققين من العلماء رحمهم الله وستطبع قريباً إن شاء الله. والله يحفظكم.
(ص ـ ف ـ 485 في 19/4/1379هـ)
(921 ـ المقابر والطرق والأسواق لها أحوال)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي ... وزير الداخلية ... المحترم
فقد جرى الاطلاع على أوراق المعاملة الواردة إلينا بخطاب سموكم برقم 37 وتاريخ 1/1/1382هـ المختصة بسوق الشعف والقبور الموجودة فيه، كما جرى الاطلاع على ما كتبه رئيس دورية الشعف وعلى قراري رئيس محكمة أبها برقم 7192 وتاريخ 18/11/81هـ ورقم 4881 وتاريخ 26/7/1381هـ
وبتتبع أوراق المعاملة وتأمل ما دار فيها ظهر أن تلك الأرض لا تخلو من أحوال: ـ::::::
" الأولى " ان تكون الأرض مقبرة مسبلة قديمة قد استوعبت بالدفن ولم تبل الأموات فيها ثم طرأ عليها استعمال أهل السوق لها(3/208)
بالإستطراق والمباسط ونحوها. ففي هذه الحالة حق الموتى مقدم على غيره، ولا يجوز استعمالها في غير ما سبلت له.
" الثانية" مثل الأولى، تكون الأرض مقبرة مسبلة قديمة استوعبت بالقبور، ولكن قد بلي الموتى منها وصاروا رميماً. فحينئذ لا مانع من استعمالها سوقاً لمصالح المسلمين، إلا أنها تقوم بقيمة مثلها، ويشترى بقيمتها مقبرة بدلها.
" الثالثة " أن يثبت أقدمية السوق، وأن الأموات لم يدفنوا فيها إلا بعد أن كانت سوقاً، ولم تبل الموتى منها. ففي هذه الحالة إن أمكن الجمع بين المصلحتين بأن تتسع الأرض لمرور الناس مع حفظ كرامة الموتى وصيانتهم بإحاطة حائط على جميع القبور إن كانت مجتمعة في بقعة واحدة أو إحاطة كل بقعة فيها أموات بحائط ويترك الباقي سعة للسوق والاستطراق فلا مانع. وإن لم يمكن الجمع فيتعين نبش القبور احتراماً لهم، لأن نبش الميت لا يجوز إلا لغرض صحيح يتعلق بمصلحة الميت خاصة. فحينئذ ينقلون إلى المقبرة العامة. غلا أن تكون أجسامهم قد بليت وصارت رميماً.
ويعرف ذلك بواسطة أهل الخبرة والمعرفة من قبوريين وغيرهم ـ ففي هذه الحالة لا يحتاج إلى نبشهم بل يجوز استعمال الأرض على حالتها الراهنة. والسلام. رئيس القضاة.
(ص ـ ق ـ 939 ـ 1 في 4/7/1382هـ)
(923 ـ نقل من دفن في أرض مملوكة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي ... وزير الداخلية ... وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:::::::(3/209)
نشير إلى أوراق المكاتبة الواردة إلينا بخطاب سموكم رقم 3172 وتاريخ 14/9/1385هـ المتعلقة بموضوع دفن المرأة في الأرض التي سبق وأن حيزت من قبل الحكومة لإقامة مبنى عليها لطارفة قرية نمره التابعة لمنطقة القنفذة ومحاولة المسئولين هناك لنقل رفات المرأة ودفنها في مقبرة أخرى وامتناع ولي المرأة من نقل المتوفاة من تلك الأرض ودفنها في مقبرة أخرى. على آخره.
ونحيط سموكم علماً انه بتأمل ما تضمنه خطاب سموكم من رغبتكم من إبداء رأينا في الموضوع نرى أنه والحال ما تقدم ذكره يتعين نقل رفات المتوفاة ودفنها حيث توجد مقابر أخرى. بيد أنه يلاحظ في ذلك مراعاة نقل المتوفاة من قبل أشخاص موثوق بهم، لأن للميت حرمة كحرمة الأحياء.
هذا والسلام عليكم ورحمة الله.
مفتي الديار السعودية (ص ـ ف 142 ـ 1 في 1/1/1386هـ)
(923 ـ اذا نبشت لم يلزم اعادتها إلى محلها)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي ... أمير الرياض ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد جرى النظر في الأوراق الواردة إلينا رفق خطاب سموكم برقم 3546 وتاريخ 11/8/79هـ عطفاً على ما وردكم من أمانة مدينة الرياض بخصوص سالم بن سعيد بن ثريا الذي حظر إلى الأمانة من مدة ومعه عظم ميت وجدها في أرض مسكنه، ومحتفظ بها من مدة كحجة على أن مسكنه مقبرة.
وبتأمله ومرفقاته رأينا أنه لا بد من تحضير سالم المذكور والتحقيق معه عن صحة ما نسب إليه، لأن فعله هذا لا يحل شرعاً(3/210)
فيتعين توبيخه وتعزيره على ابتذاله عظام الموتى وعدم احترامها، لأن الميت قد سبق إلى محل قبره، وصار أحق به من غيره، لأنه مسكنه فلا يحل إخراجه منه بدون مبرر شرعي.::::::
أما الحكم في هذه العظام فحيث قد جرى نبشها فلا يلزم إعادتها إلى محلها الأول، بل تدفن في مقابر المسلمين. وينبغي أن تكون هذه الإجراءات من طريق المحكمة، فتحال إليها لإجراء اللازم على ضوئها ماذكر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(ص ـ ف ـ 77 وتاريخ 20/1/1380هـ)
(924 ـ كونها في وسط البلد ولا ينتفع بها ليس مبرراً لجواز امتهانها، وتعريضها للشوارع)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ عبد الملك بن إبراهيم الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف بالحجاز.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد اطلعنا على كتابكم رقم 2469 وتاريخ 9/4/1381هـ الخاص بالمقبرة الكائنة في الحفائر بالقرب من مسجد الدهلوية وأنها قديمة العهد. كما اطلعنا على كتاب أمين العاصمة المرفق بكتابكم وعلى القرار المرفق به والمتخذ من اللجنة المشكلة للكشف على المقبرة المذكورة والمشتمل على وجود عظام في المقبرة لم تستحل.
وحيث أن المقبرة المذكورة لازال باقياً بها أثر العظام فإنه لا ينبغي أن يتعرض لها بشيء، لأن القبور لها حرمة المساكن، بل هي أهم من مساكن الأحياء، فلا ينبغي لأحد الإقدام على التصرف في شيء من مقابر المسلمين، ويجب أن تحاط تلك المقابر من لدن الجهات(3/211)
المسئولة حتى لاتمتهن. وكونها في وسط البلد ولا ينتفع بها ليس مبرراً على جواز امتهانها وتعريضها للشوارع، فمتى كانت مشغولة بقبور المسلمين فهي منتفع بها، والمسلم يجب أن ترعى حرمته حياً وميتاً، فكما لا يزعج من منزله لا يتعرض له في قبره الذي هو سكنه ولا ينبغي التعرض لأي مقبرة إلا بعد صدور فتوى من الجهة المعينة وكل مقبرة لم تستحل الأموات فيها بحيث تكون رفاتاً (تراباً) فإنها تبقى على حالها، ويعتني بحياطتها وحفظها من الامتهان. والله يحفظكم.
(ص ـ ف ـ 69 وتاريخ 16/5/1381هـ)
(925 ـ توسعة الشارع من المقبرة) ::::::
من محمد بن إبراهيم إلى سعادة أمين مدينة الرياض ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد اطلعنا على خطابكم رقم 478 وتاريخ 19/11/1386هـ وفهمنا ما ذكرتم عن شارع الملك فيصل بمدينة الرياض، وأنه شارع مهم، وتقع عليه محلات تجارية، ويوجد في منعطفه مقبرة. وتستفتون عن جواز توسيع الشارع من جهتها الغربية بعرض العشرين متراً. إلى آخره.
ونخبركم أنه قد وردنا من سمو أمير منطقة الرياض سؤال عن تلك المقبرة فأجبناه بخطابنا رقم 2477 ـ 1 وتاريخ 8/9/85هـ وفيه نقول من كلام العلماء بعدم جواز مثل هذا، وإليكم برفقه صورة الجواب لإطلاعكم عليه، والله يحفظكم. والسلام.
مفتي الديار السعودية (ص ـ ف 436 ـ 1 في 11/2/1387هـ)(3/212)
(926 ـ صورة الجواب)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فبالإشارة إلى هذه المعاملة الواردة إلينا منكم مناولة خادمكم والتي وردت إليكم من سمو وزير الداخلية برقم 1095 وتاريخ 26/5/1386هـ حول ما كتب بجريدة الرياض في عددها رقم 74 وتاريخ 27/3/85هـ عن موضوع المقابر القديمة التي تقع في وسط مدينة الرياض وتعترض الشوارع، وما ارتآه سموه من اتصالكم بنا لمعرفة رأينا حول ذلك، فقد جرى تأمل ما نوه عنه ووجدنا هذه المسألة قد بحثت سابقاً، وجرى مخابرة حولها بيننا وبين الجهات المختصة، وقد كتب عنها كتابة مستوفاة (1) نلخص لكم منها ما يلي: ـ
لا ريب أن الميت إذا وضع في قبره فقد تبوأ هذا المنزل وسبق إليه وصار داره ومنزله وهو حبس عليه، وقد سلمه أهله إلى ربه، فهذا أول منازل الآخرة، وهو مرتهن فيه إلى يوم البعث والنشور، فلا يحل لأحد أن ينبشه ويخرجه من قبره وينقله إلى غيره إلا لغرض صحيح شرعاً وهو ما كان من مصلحة الميت أو كف الأذى عنه ونحو ذلك وأما إذا كان لمصلحة غيره من الأحياء أو من الأموات فلا يحل، كما لا يجوز لأحد أن يهينه في قبره أو يطأ عليه أو يمشي فوقه
_________
(1) بتاريخ 10/2/76هـ وقد احتواها هذا الجواب.::::::(3/213)
أو يجلس عليه كما يأتي. قال الله تعالى: {ولقد كرّمنا بني آدم} (1) وقال تعالى ممتناً على عباده: {ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياءً وأمواتاً} (2) وقال تعالى في سياق امتنانه على الإنسان في خلقه وتقديره وتيسيره السبيل: {ثم أماته فأقبره} (3) وقال تعالى في قصة بني آدم: {فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه} (4) الآية.
فدلت هذه الآيات الكريمات على عظم منة الله ورحمته وستره لابن آدم وأنه أكرمه بالدفن وستر عورته وسوأته، ولم يجعله مثل ميتة غيره من الحيوانات التي إذا ماتت طرحت على وجه الأرض كسائر الجيف تأكلها الطيور وتنهشها السباع وتسفي عليها الرياح فله الحمد والشكر على ذلك. ونبشه من قبره وإخراجه منه مخالف لهذا كله.
وهو أيضاً مما يسبب كسر عظامه وإزالة كل عضو من محله ونحو ذلك فيدخل في المثلة المنهى عنها، كما أخرج البخاري من حديث عبد الله بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنه نهى عن المثلة " وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر " رواه مسلم وأبو داود والنسائي
_________
(1) سورة الاسراء ـ آية 70.
(2) سورة المرسلات ـ آية 25 ـ 26.
(3) سورة (عبس) آية 21.
(4) سورة المائدة ـ آية31.::::::(3/214)
وابن ماجه، وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأن أمشي على جمرة أو سيفٍ أو أخسف نعلي برجلي أحب إليّ من أن أمشي على قبر " رواه ابن ماجه. وعن عبد الله بن مسعود قال: لأن أطأ على جمرة أحب إليّ من أن أطأ على قبر مسلم. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن، وعن عمارة بن حزم قال: " رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً على قبر، فقال: ياصاحب القبر انزل من على القبر لا تؤذ صاحب القبر ولا يؤذيك " رواه الطبراني في الكبير من رواية ابن لهيعة، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كسر عظم الميت ككسره حياً " رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه.
وعن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " رواه أبو داود. وعن بشير مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: حانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرة فإذا رجل يمشي على القبور عليه نعلان فقال: " ياصاحب السبتيتين ويحك ألق سُبتيتيك فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعهما فرمى بهما " رواه أبو داود (1) .
وقال ابن القيم رحمه الله: من تدبر النهي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبر والاتكاء عليه والوطئ عليه علم أن النهي إنما كان احتراماً لسكانها أن يوطأ بالنعال فوق رؤوسهم، ولهذا ينهى عن التغوط بين القبور، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن
_________
(1) والنسائي والقزويني.::::::(3/215)
الجلوس على الجمر حتى تحرق الثياب خير من الجلوس على القبر، ومعلوم أن هذا أخف من المشي بين القبور بالنعال، وبالجملة فاحترام الميت في قبره بمنزلة احترامه في داره التي كان يسكنها في الدنيا، فإن القبر قد صار داره، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: " كسر عظم الميت ككسره حياً " فدل على أن احترامه في قبره كاحترامه في داره. والقبور هي دار الموتى ومنازلهم ومحل تزاورهم، عليها تنزل الرحمة من ربهم، والفضل على محسنهم، فهي منازل المرحومين، ومهبط الرحمة، ويلقى بعضهم بعضاً على أفنية قبورهم يتجالسون ويتزاورون كما تظافرت به الآثار.
ومن تأمل " كتاب القبور" لابن أبي الدنيا رأى فيه آثاراً كثيرة من ذلك، فكيف يستبعد أن يكون من محاسن الشريعة إكرام هذه المنازل عن وطئها بالنعال واحترامها، بل هذا من إتمام محاسنها. انتهى كلامه رحمه الله.
وأما كلام الفقهاء من اتباع الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم فكثير معروف قال في " المغني ": (فصل) : وإن تيقن أن الميت قد بلى وصار رميماً جاز نبش قبره ودفن غيره فيه، وإن شك في ذلك رجع إلى أهل الخبرة، وإن حفر فوجد عظاماً دفنها وحفر في مكان آخر نص عليه الإمام أحمد، واستدل بأن كسر عظم الميت ككسر عظم الحي. اهـ.::::::
قال في: الإقناع وشرحه،: ولا ينبش قبر ميت باق لميت آخر. أي يحرم ذلك لما فيه من هتك حرمته. ومتى علم ومرادهم ظن أنه بلى وصار رميماً مجاز نبشه ودفن غيره فيه. إلى أن قال: وإذا صار(3/216)
رميماً جازت الزراعة والحراثة وغير ذلك كالبناء وإلا فلا. والمراد إذا لم يخالف شرط الواقف لتعيينه الجهة، فإن عين الأرض للدفن فلا يجوز حرثها ولا غرسها. وذكر في موضع آخر عن ابن عقيل رحمه الله: أن جميع بدن الميت عورة، ولهذا يشرع ستر جميعه بالكفن. قال: فيحرم نظره، ولا يجوز نظره إلا لمن يتولى أمره، ولهذا يشرع ستره عن العيون، ولا يمس الغاسل عورته ولا سائر جسده إلا بحائل كخرقة ونحوها.
وقال في " المنتهى وشرحه" ولا يباح نبش قبر مسلم مع بقاء رمته إلا لضرورة كأن دفن في ملك غيره بلا إذنه، أو كفن بغصب، أو بلع مال غيره بلا إذنه وبقي كالذهب ونحوه، وطلبه ربه، وتعذر غرمه اهـ فهذا كلام فقهاء الحنابلة رحمهم الله.
وأما كلام الشافعية فقال الإمام النووي في " المجموع شرح المهذب " وأما نبش القبر فلا يجوز لغير سبب شرعي باتفاق الأصحاب، ويجوز للأسباب الشرعية كنحو ما سبق، ومختصره أنه يجوز نبش القبر إذا بلى الميت وصار تراباً، وحينئذ يجوز دفن غيره فيه.
ويجوز زرع تلك الأرض وبناؤها وسائر وجوه الانتفاع والتصرف فيها باتفاق الأصحاب، وهذا كما إذا لم يبق للميت أثر من عظم أو غيره. اهـ.
وأما كلام الحنيفية فقال الإمام السرخسي في كتابه " المبسوط": وإن دفن قبل الصلاة عليه صلى على القبر، لأنه قد سلم إلى الله تعالى وخرج من أيديهم. وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " القبر أول منازل الآخرة " اهـ.(3/217)
وأما كلام المالكية فقال في " شرح أقرب المسالك " للشيخ أحمد بن محمد الدردير رحمه الله: والقبر حبس على الميت لا ينبش. أي يحرم نبشه ما دام الميت به، إلا لضرورة شرعية إلى آخر كلامه رحمه الله.::::::
فهذا ماتيسر إثباته هنا من النصوص الشرعية الواردة في هذه المسألة وكلام أهل العلم، وفيه كفاية ومقنع إن شاء الله. وحيث أن المقابر أوقاف على الموتى وحبس عليهم فإن مجرد الحاجة إلى الانتفاع بها لتوسعة طريق ونحوه لا يكون مسوغاً لاستعمالها أصلاً، ولأن استعمالها على هذه الصفة مفسدة متحققة، وتوسعة الطريق جلب مصلحة، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح. مع أن الغالب في مثل هذه الأمور أن للناس مندوحة عن نبش المقابر، لإمكانهم من إدراك غرضهم من ناحية أخرى من دون مفسدة ولا مشقة.
والله ولي التوفيق.
مفتي الديار السعودية (ص ـ ف ـ 2477 في 28/19/1385هـ) (1)
(927 ـ توسعة شارع بدون ضرر على القبور)
من محمد بن إبراهيم إلى صاحب السمو الملكي وزير الداخلية سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد جرى الاطلاع على المعاملة المحالة إلينا منكم برفق خطابكم رقم 1886 في 19/2/1383هـ المتعلقة بصدد طلب أمين العاصمة
_________
(1) وله فتوى برقم 2589 /1/ في 5/9/88هـ تتضمن الأمر بتغيير المخطط الذي يعترض مقبرة وإيقاف تنفيذه ـ في مدينة ينبع.::::::::::::(3/218)
توسعة شارع الحجون المار بين بقبرتي المعلاة، وذلك بإقامة أعمدة على أر المقبرة على يمين الصاعد إلى الريع، وإنشاء كوبري من المسلح المشتملة على مشروط بعدم التعرض للقبور إن وجدت، وذلك بأن تقام أعمدة من المسلح على شكل كوبري مستوي بالشارع مرتفع عن أرضية المقبرة، غير متعرض للقبور والخاسكيات إلى آخر ماذكره ونفيد سموكم أنه نظراً للحاجة الماسة إلى توسيع الشارع المذكور ونظراً إلى أنه محاط الجانبين بالمقبرة ولا يتم له توسيع إلا بأخذ السعة من أحدهما، ونظراً إلى أن المصلحة العامة تقتضي ذلك من غير أن تؤثر على القبور أي تاثير كان، فإنه لا يظهر لنا وجه في الاعتراض على التوسعة المذكورة، إلا أنه يشترط لذلك ما يأتي:
أولاً: أن تكون التوسعة عبارة عن أعمدة يقام عليها كوبري بمستوى الشارع مرتفع عن أرضية المقبرة ارتفاعاً كبيراً.
ثانياً: ألا يتعرض للمقابر والخسكيات إن وجدت، وذلك بأن تقام الأعمدة بعيداً عما يظن به وجود قبور.
ثالثاً: تصان المقبرة بسور مرتفع يضمن للمقبرة حرمتها وعدم إهانتها.
رابعاً: يقوم رئيس المحكمة بالاشتراك مع أمين العاصمة ورجلين عدلين ممن لهما مزيد من العلم والخبرة بحال هذا الطرف من المقبرة وما فيه من قبور أو خلافه للتقيد بهذه القيود لا سيما حفريات الأعمدة وبعدها عن القبور.
أما ماذكره أمين العاصمة من طلبه قاعدة عامة للقبور التي تتعرض توسعة الشارع.(3/219)
فنفيد سموكم الكريم أنه ليس هناك قاعدة عامة، إذ ليست المقابر على وضع موحد، فلكل مقبرة وصفها الخاص ونظرها المستقل وقد يجوز في واحدة إجراءات لا تجوز في أخرى، نظراً لما يحيط بها من صفات خاصة بها، وبالله التوفيق. والسلام عليكم.
رئيس القضاة (ص ـ ق ـ 702 ـ 1 في 10/4/1383هـ)
(928 ـ اذا بليت العظام وهي واقعة بين المنازل وكانت عرضة للامتهان فما لحكم، بأي شيء يعرف بلاؤها)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس محكمة أبها ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:::::::::::::
فقد جرى الاطلاع على المعاملة المرفوعة إلينا منكم برقم 3162 في 27/5/84هـ بخصوص الأرض التي يطلب سعيد أبو مسمار تعويضه عن الأرض التي قيل عنها بأنها مقبرة، وتذكر البلدية أن الأرض واقعة بين المنازل وهي ملقى للقمائم، وتستفتي البلدية عن حكم نبش ما فيها من قبور ونقل الرفات وصيانتها، وتشير إلى فتوانا السابقة موجب خطابنا رقم 942 في 4/7/82هـ القاضية بأن المقبرة إذا كانت قديمة موغلة في القدم وبليت بلاء أحال عظام الموتى إلى رفات يقرب من التراب، فينبغي والحال هذه تقوية أغطيتها بما يمنع انهارها واستعمالها مرفقاً للبلاد كتوسعة للسوق ونحوه. أما إن كانت عظام الموتى لا تزال فيها صلبة أو فيها بعض الصلابة فينبغي تسويرها بسور يحميها من الامتهان والاستطراق.(3/220)
ويذكر رئيس البلدية أن قطعة الأرض المشار إليها ليس بها قبور مسنمة، ولا توجد شواهد لها ويستفتي هل تعتبر في حكم المقبرة الموغلة في القدم. ونفيدكم بما يلي:
أولاً: مادامت هذه الأرض مقبرة قديمة فكيف ساغ لسعيد أبو مسمار نسبتها إليه وما هو مستند تملكه إياها.
ثانياً: ماذكره رئيس البلدية عن فتوانا فنحن عليها فإذا كانت قبور هذه الأرض قد بلت بلاً أحال عظامها إلى رفات يقرب من التراب وهي واقعة بين المنازل مما يجعلها عرضة للاستطراق وإلقاء القمائم والامتهان فلا بأس من تقوية أغطيتها بما يمنع انهيارها ثم استعمالها كفناء للبيوت المجاورة لها أو توسعة لما حولها من شوارع، وذلك بعد أن تقدر قميتها بمبلغ يشتري به عوضاً عنها مقبرة أخى، إذ المقابر من أوقاف المسلمين لا يباح أخذ شيء منها إلا بمسوغ شرعي، مع ملاحظة تقدير ثمنه وجعله في مكان آخر.
أما إن كانت القبور لا تزال العظام فيها صلبة أو فيها بعض الصلابة فينبغي تسويرها بسور يحميها من الامتهان والاستطراق.::::::::::::
ثالثاً: ذكر رئيس البلدية أن الأرض المشار إليها ليس فيها قبور مسنمة ولا شواهد لها. ونفيدكم أن هذا ليس مقياساً لبلاء العظام وتحولها إلى رفات يقرب من التراب، وإنما معرفة ذلك بشق الأرض ورؤية عظام الموتى فيها.
هذا ونعيد إليكم كامل الأوراق. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية (ص ـ ف ـ 2068 ـ 1 في 12/8/84هـ) .(3/221)
ومن فتوى ذكر فيها السائل أنها قد مضى عليها تسعون سنة.
أجاب: والتحديد بالسنين لذلك غ ير معول عليه ولا صحة فيه بل بلاء الأموات في قبورهم يختلف باختلاف البلاد حرارة وبرودة وغير ذلك.
(ص ـ ف ـ 26 في 10/9/1374هـ)
(929 ـ الأخذ مما لم يدفن فيه لحاجة الشارع)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم أمين مدينة الرياض ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وبعد:
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 699 وتاريخ 29/2/1376هـ المرفق به المعاملة الخاصة بطلب سكان السبالة النائب عنهم (علي بن نفجان) توسيع الشارع المؤدي إلى الحلة حتى يتسع لمرور السيارات معه.
أفيدكم أننا نوافق على توسيع الشارع المذكور من أرض السبالة (المقبرة) لحاجة الطريق إلى ذلك. ولكون تلك الأرض التي ستؤخذ توسعة للطريق (صفا) لا تصلح للدفن فيها، ويكون ذلك بعد وقوف هيئة النظر عليها وتقدير الأرض بما يبرئ الذمة. والله يحفظكم.
(ص ـ ف 138 في 29/2/1376هـ)
(930 ـ متى يجوز استعمالها للحرث والزراعة والبناء وغير ذلك)
حضرة صاحب الفضيلة الشيخ المكرم محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:::::::::::::
أحسن الله إليك ـ قدر الله أننا نشتري أرض من الجماعة قصدنا(3/222)
بناءها بيت، وفي أثناء عملنا فيها عثرنا في قسم منها على آثار قبور لم يعرف قبل عنها شيء، ولذلك مستعملينها الناس موضع دمال وقذرات ـ أجلكم الله ـ ويتطرقون معها. أفتنا أجزل الله لك الأجر: هل يجوز نقل الآثار إلى المقبرة واستعمال الأرض بيت ولا علينا في أمر ديننا خلل أم لا.
الداعي ولدكم ـ محمد بن عبد الله بن عبد الجبار.
الجواب: الحمد لله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وما ذكرت من جهة الأرض المذكورة فينظر فإن كانت قد سبلت لدفن الأموات فيها فإنه لا يجوز استعمالها. وإن كانت لم تسبل لما ذكر فينظر فإن علم أن الأموات الذين قد قبروا فيها قد بلوا وصاروا رميماً فإنه يجوز استعمالها بالحرث والزراعة والبناء وغير ذلك. وإن كانوا لم يبلوا فيبقى ما في القبور محترماً وينتفع بباقي الأرض. والله أعلم. قاله الفقير إلى عفو الله سبحانه محمد بن إبراهيم آل الشيخ في 30/6/1373هـ.
(بقلم مدير مكتب سماحته)
(931 ـ يجب على البلديات مراعاة كرامة الأموات، وأن لا تتعدى: بالنبش والاستطراق، والتوزيع) .
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية ... سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد جرى الاطلاع على المعاملة المحالة إلينا رفق خطاب سموكم برقم 3218 وتاريخ 29/2/1382هـ الخاصة بطلب بلدية أبها(3/223)
جزء من مقبرة " الخشع " لتوسعة الشارع المزمع سفلتته، المشتملة على القرار الصادر من الهيئة المنتدية للنظر في واقع هذه المقبرة بتاريخ 16/1/82هـ المتضمن أنه جرى وقوفها على نفس الجزء المراد ادخاله في الشارع المشار إليه توسعة له، وأنه لدى معاينتهم لهذا الجزء وجد مكتظاً بالأموات، وفيه بعض الرفات ظاهرة على وجه الأرض. إلى آخره ... وتطلبون منا إفادتكم بمرئياتنا تجاه ذلك.::::::
ونفيدكم بأن الميت له حرمة الحي، ونبش الميت من قبره لا لمصلحته وإنما لمصلحة الأحياء ظلم وتعد على كرامته وحرمته وحقه من الأرض. وإننا لنعجب من أمر هذه البلديات وتجاهلها كرامة الأموات وتجاسرها على محاولة إهانتهم والتعدي على حقوقهم.
والمفروض فيها أن ترعى مصالح البلاد وأهلها أحياءها وأمواتها، فكما تقضي جل أوقاتها في التفكير في مصالح الأحياء، ينبغي أن تعير الأموات ما يستحقونه من الرعاية والعناية بصيانة مقابرهم التي هي مساكنهم إلى يوم يبعثون، والشعور بكرامتهم أمواتاً كما كانوا أحياء ونعيد إلى سموكم كامل أوراق المعاملة مؤكدين لكم عدم موافقتنا على إدخال الجزء المذكور من المقبرة ضمن الشارع المراد توسعته، مؤملين منكم التعميم على البلديات بوجوب مراعاة حقوق الأموات، وأن من اختصاصاتهم العناية بالمقابر بصيانتها عما يؤذي الأموات كالاستطراق والتخلي وإلقاء القمائم فيها ونحو ذلك مما لا يخفى. والله ولي التوفيق والله يحفظكم. (ص ـ ف 437 في 22/3/1382هـ) .(3/224)
(932 ـ هدم ما بني فيها من المساكن وعدم تعويضهم)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد جرى الاطلاع على المعاملة المحالة إليها رفق خطاب سموكم برقم 12713 وتاريخ 20/6/79هـ بشأن الأرض التي اشتراها حمزة سنان من عمر جعفر في جيزان، ثم طهر أنها ضمن أراضي المقبرة، المشتملة على خطاب فضيلة رئيس محكمة جيزان الموجه إلى إمارتها برقم 1666 وتاريخ 17/5/1379هـ حول القضية.
وبتتبع المعاملة ومرفقتها، وتأمل خطاب فضيلة رئيس المحكمة المذكور أعلاه المتضمن ثبوت أن الأرض موضوعة الدعوى من ضمن الأراضي الواقعة في المقبرة، وأنه قد بني على المقبرة المذكورة عشرات البيوت ما بين حجر ومسلح وعشاش، وبعض الذين بنوا علهيا بيدهم اقطاع ورخص من البلدية، وبعضهم بدون ذلك.::::::
نفيد سموكم أن تمليكهم قبور أموات المسلمين وانتهاك حرمتها مر لا يقرون عليه، وذلك محرم شرعاً، وينبغي حفظ كرامة الأموات بهدم البيوت الواقعة في المقبرة، وترحيل أهلها منها، وتسويرها بما يحفظها، أما مسألة تعويض أهل البيوت فهم مخطئون في تملك أراضي المقابر، ومن رخص لهم بذلك أو أقطعهم مخطئ أيضاً، لذا يكون التعويض مقسوماً قسمين: قسماً يلتزم بدفعه من رخص لهم أو أقطعهم، والقسم الآخر يلزمون به. فيعوضون نصف تكاليفهم(3/225)
وذلك على من مكنهم بالبناء والعمارة. أما من بنى ولم يكن معه إقطاع أو ترخيص فلا تعويض له مطلقاً، لانفراده بالتعدي. وبالله التوفيق. والله يحفظكم.
(ص ـ ف ـ 819 وتاريخ 4/7/1379هـ)
(933 ـ نقل الميت من بلده إلى المدينة)
من محمد بن إبراهيم إلى صاحب السمو الملكي ... وزير الداخلية ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد جرى الاطلاع على الاستفتاء الموجه إلينا رفق خطاب سموكم رقم 6734 وتاريخ 1/6/82هـ من المدعو س أملك المتضمن استفتاءه عن حكم نقله بعد موته من بلده إلى المدينة المنورة لدفنه فيها.::::::
نفيد سموكم أنه لا يظهر لنا جواز ذلك، لما روى البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسرعوا بالجنازة فإن تلك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تلك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم، وروى الطبراني بإسناد حسن من حديث ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره " ولا شك أن في نقله تأخيراً لجنازته وحبساً لها، زيادة على تعريضها للتغيير والانتهاك، وإلزام تركته بزيادة كبيرة في مؤنة نقله وما يستتبعه النقل من تصبير ونحوه، وهذا هو الذي دفع عائشة رضي الله عنها أن تقول بشأن أخيها عبد الرحمن ما قالت مما رواه الحاكم في(3/226)
مستدركه بسنده إلى صفية بنت شيبة قالت: قدمت عائشة رضي الله عنها فأتيتها أعزيها بأخيها عبد الرحمن بن أبي بكر فقالت: رحم الله أخي إن أكثر ما أجد في نفسي أنه لم يدفن حيث مات.
قالت رحم الله أخي إن أكثر ما أجد في نفسي أنه لم يدفن حيث مات.
قالت: وكان أخوها قد توفي بالحبشي فخرجت إليه فئة قريش فحملوه إلى أعلا مكة.
قال في " المغني والشرح الكبير ": ولا ينقل الميت من بلد إلى بلد آخر إلا لغرض صحيح، وهذا قول الأوزاعي وابن المنذر. قال عبد الله بن أبي مليكة: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشي فحمل إلى مكة فدفن، فلما قدمت عائشة أتت قبره، ثم قالت: والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت، ولو شهدتك مازرتك. ولأن ذلك أخف لمؤنته وأسلم له من التغيير. اهـ.::::::
وقال في " فتح القدير" لابن الهمام الحنفي: أما إذا أرادوا نقله قبل الدفن وتسوية اللبن فلا بأس بنقله نحو ميل أو ميلين. قال المصنف في " التجنيس" لأن المسافة إلى المقابر قد تبلغ هذا المقدار. وقال السرخسي: قول محمد بن مسلمة ذلك دليل على أن نقله من بلد إلى بلد مكروه، والمستحب أن يدفن كل في مقبرة البلدة التي مات بها ـ إلى أن قال: ثم قال المصنف: وذكر أنه إذا مات في بلده كره نقله إلى أخرى لأنه اشتغال بما لا يفيد بما فيه تأخير دفنه وكفى بذلك كراهة. اهـ.
ولم ينقل إلينا أن أحداً من الصحابة رضوان الله عليهم نقل بعد موته من بلد إلى بلد، اللهم إلا ما ورد عن حمل سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد من العقيق إلى المدينة، وكذلك ما ذكره ابن عيينة من أن ابن عمر مات هنا يعني في مكة فأوصى ألا يدفن ههنا وأن(3/227)
يدفن بسرف، فهذان الموضعان قريبان، مع أن عائشة رضي الله عنها أنكرت نقل أخيها من الحبشي إلى مكة، والحبشي موضع قريب من مكة. وبالله التوفيق. والسلام عليكم.
(الختم) (ص ـ ف ـ 168 ـ 1 وتاريخ 28/8/1383هـ)
(934 ـ قوله: ولا تكره القراءة على القبر)
على هذا القول. وهو مرجوح، والراجح المنع من ذلك، للعموم، وفي الحديث: " فلا تتخذوا القبور مساجد" (1) فإن المساجد من شأنها أن يقرأ فيها القرآن، وفي حديث الأعرابي: " إنما هي لذكر الله وتلاوة القرآن" (2) وقراءة القرآن عندها من الغلو فيها المسبب للشرك فإن مافعله قوم نوح ليس من باب الحزن على الميت، بل من باب تعظيمه فانجر إلى عبادتها.
وهذا الحديث لا يصح. والله أعلم (3) .
وحديث ابن عمر (4) لا يدل على الإطلاق، ولو لم يعارضه شيء لقيل إنه دل على الجنس، ولكن جاء ما يعارضه وهو النهي عن اتخاذها مساجد واللعن، واتخاذها مساجد استعمالها فيما شرع أن يستعمل في
_________
(1) أخرجه مسلم عن جندب.
(2) أول هذا الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك فان المساجد لم تبين لهذا ".::::::
(3) يعني قوله: لما روى أنس مرفوعاً: " من دخل المقابر ف قرأ فيها (يس) خفف عنهم يومئذ، وكان له بعددهم حسنات ".
(4) انه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها.
قلت: وفي " الانصاف ": وعنه القراءة على القبر بدعة ليس من فعله عليه الصلاة والسلام ولا فعل أصحابه. وفي " الاختيارات ": القراءة على الميت بعد موته بدعة، بخلاف القراءة على المحتضر.(3/228)
المساجد، فالذي يقصد القبور لقراءة القرآن عندها قد اتخذها مساجد ويظهر أنه ليس من عادة الصحابة ولا من فعلهم، ولا فعله أبوه ولا أبو بكر ولا بقية العشرة والصحابة. والمسألة ذكرها شيخ الإسلام في " الاقتضاء " وذكر الخلاف فيها (1)
(تقرير)
(935 ـ القراءة على الميت في المسجد أو عند القبر أو في بيته بدعة، وعمل الطعام بعد ثلاثة أيام أو بعد الختمة، القراءة المشروعة) .
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم أحمد بن محمد العماري ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فجرى الاطلاع على استفتائك الموجه إلينا بخصوص ذكرك عن القراءة على الميت عند القبر أو في المسجد أو في بيته ثم يوهب ثواب هذه القراءة لروح الميت، وبعد ثلاثة أيام من وفاة الميت، وبعد ختم القرآن يعمل طعام من أرز ولحم لأهل القرية، وتسأل عن حكم ذلك.
والجواب: الحمد لله. القراءة على الميت سواء كان في المسجد أو عند القبر أو في البيت ثم عمل طعام بعد الختمة وبعد الوفاة بثلاثة أيام يوزع على الفقراء من الأمور المبتدعة.
وأما القراءة المشروعة فهي ما كان قبل الموت وعند الاحتضار كقراءة سورة "يس" أو " الفاتحة" أو " تبارك" أو غير ذلك من كتاب الله.
_________
(1) انظر " الاقتضاء": ص378 إلى 381.::::::(3/229)
أما حكم صرف ثواب قراءة القرآن للميت فلا يظهر لنا بأس في جوازه إذا لم يكن محدداً بوقت أو مكان أو صفة فيها ميزان البدع والمنكرات. وبالله التوفيق. والسلام عليكم.
(ص ـ ف 1326 ـ 1 وتاريخ 20/5/1384هـ)
(936 ـ اهداء ثواب القرب)
وصول الثواب المهدى من الحي إلى الميت جنسه معروف في الأدلة. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك في شيء مخصوص، نزعاً منه بآية {وأن ليس للإنسان إلا ماسعى} (1) وهذا هو مذهب الشافعي ويستثنى من ذلك " إذا مات ابن آدم" (2) وقالوا هو نفي ويقاس عليه نحوه.
والذي عليه الجمهور والمحققون وصول ذلك إلى الميت، وليس الإهداء تقرباً إليهم وطلباً للشفاء والنفع، بل هذا نفع من الحي للميت، والآخر طلب من الميت، والنصوص دالة على أن الحي ينفع الميت، لا العكس. (تقرير)
(937 ـ اهداء ثواب صلاة النوافل والذبح والصدقة)
أما صلاة النوافل وأهداء ثوابها إلى أقربائه، وكذلك ذبح الذبيحة والصدقة بها وإهداء ثوابها إليهم: فلا بأس بذلك إن شاء الله.
(ص ـ ف ـ 59 وتاريخ 24/1/1377هـ)
_________
(1) سورة النجم ـ آية 39.
(2) انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له " أخرجه مسلم.::::::(3/230)
(938 ـ اهداء ثواب الدعاء)
" الثانية": ذكرك أن رجلاً كان يدعو لوالديه ويكثر الدعاء ويقول في ختام دعاه: اللهم تقبل مني هذا الدعاء واجعله منه لروح والدي وتسأل هل يجوز هذا.
ونفيدك أنه لا يظهر لنا به بأس. وبالله التوفيق. والسلام عليكم.
مفتي البلاد السعودية (ص ـ ف ـ 218 ـ 1 وتاريخ 22/8/1384هـ)
(عجيبه)
قلت: حدثنا شيخنا قال: إن رجلاً (وهو عبد العزيز بن حسن) توفيت زوجته، وذات يوم قرأ القرآن كله، وبعد فراغه أهدى ثوابه ودعا الله أن يقبله، وليس في المسجد أحد، وكان لهذا القارئ عمود معروفة يستند إليها، وبعد فراغه المذكور بقليل دخل أعمى (وهو ابن هداب) حتى وصل إليه وقال: أنا ناعس توْ، شفت مرتك تقول أنا تؤيْ خاتمه هالحين. قال: نعم أنا توي خاتم ومهدي لها ثواب تلاوتي. والمكفوف لا علم له بأن زوجته متوفاة. وهذا من العجائب وصول الثواب بهذه السرعة. (تقرير)
(939 ـ صنع الطعام للمعزين ولقراء القرآن ثلاثة أيام)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم السيد صالح النهاري المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك الذي تسأل فيه عما يفعله بعض الناس إذا مات عندهم الميت من صنع طعام للناس الذين يأتون للعزاء(3/231)
من قريب وبعيد ويقرءون القرآن مدة ثلاثة أيام يجلسون فيها ويسمونها العزاء إلى آخره.
والجواب: كل هذا من البدع المحدثة التي لم يرد فيها نص من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا فعلها أحد من السلف الصالح من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، ولهذا ينهى عنها لما ذكر، وفيها من إظهار الجزع المنافي للصبر. وقد صرح الفقهاء رحمهم الله أنه يكره لأهل الميت صنع الطعام للناس، وأن هذا طعام المأتم المنهي عنه. وإن كان الطعام في تركة الميت وفي الورثة قصار أو غائبون أو من لم يرض من الورثة فهو حرام لما فيه من التصرف بأموال الغير بدون إذن شرعي.
قالوا: ويستحب صنع الطعام لأهل الميت، لأن المصيبة قد أشغلتهم، ولحديث: " اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم" (1) والله والموفق. والسلام.
مفتي الديار السعودية _ (ص ـ ف ـ 1352 ـ 1 وتاريخ 8/5/1386هـ)
وفي تقرير له قال: هو من البدع ومن النياحة، لأنه يجتمع مع أهل الميت من يجتمع للبكاء معهم، فصناعة أهل الميت الطعام مما يساعد على ذلك. (تقرير)
(940 ـ اقامة المأتم في أي يوم كان غير مشروعة)
وأما إقامة المآتم على الميت في أي يوم كان فغير مشروعة، وقد حكى أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي في كتابه " الحوادث
_________
(1) رواه الخمسة إلا النسائي، وحسنه الترمذي.::::::(3/232)
والبدع " إجماع العلماء على منعها، قال في ص166: فأما المآتم ممنوعة بإجماع العلماء. قال الشافعي: وأكره المآتم وهو اجتماع الرجال والنساء، لما فيه من تجديد الحزن. قال: ويكره المبيت في المقبرة، لما فيه من الوحشة. والمآتم هو الاجتماع في الصبحة أي الاجتماع حول القبر صباحاً غداة الدفن، وهو بدعة منكرة لم ينقل فيه شيء، وكذلك ما بعده من الاجتماع في الثاني والثالث والسابع والشهر والسنة فهو طامة، وقد بلغني عن الشيخ ابن عمران الفاسي وكان من أئمة المسلمين: أن بعض أصحابه حضر صبحة فهجره شهرين وبعض الثالث، حتى استعان الرجل عليه فقبله وراجعه وأظنه استتابه ألا يعود. فأما ما يوقد فيها من الشمع والبخور فتبذير وسرف. وإن أنفقه الوصي من مال التركة ضمنه وسقطت به عدالته واستأنف الحاكم النظر في الوصية. قال ابن السمان: سألت بعض رهبان الأكواخ: لِمَ يسمى الاجتماع في المصيبة مأتماً قال: فبكى. ثم قال: لأن المجتمع عليه ومن أجله لم يتم. اهـ.::::::
وقد أطال الشيخ علي محفوظ في كتابه " الإبداع في مضار الابتداع " في التحذير من إقامة المآتم، ومن ضمن كلامه في ذلك يقول (ص218 و 219) : أما بدع المآتم فمعلوم أن كل مجتمع للحزن على الميت فيه النساء لا يخلو من المحظورات شرعاً من الندب والنياحة ولطم الخدود، والتهتك بكشف العورات، وإضاعة الكثير من الأموال، إلى غير ذلك مما عمت به البلوى، حتى استعصى الداء، وعز الدواء. وأما اجتماع الرجال في المآتم لداعية الحزن فمعلوم أيضاً ما يستلزم هذا الاجتماع من النفقات الطائلة لغرض المباهاة والرياء باعداد محل الاجتماع وإحضار البسط والسجاجيد ونحوها،(3/233)
ولا شك في حرمة ذلك، لما فيه من إضاعة المال لغير غرض صحيح، هذا إذا لم يكن في الورثة قاصر، فما بالك إذا كان فيهم قاصر، وقد يتكلفون ذلك بالقرض بطريق الربا نعوذ بالله من سخطه. وأن ما يقع بعد الدفن من عمل المأتم ليلة أو ثلاثاً مثلاً لا نزاع في أنه بدعة، ولم يثبت عن الشارع ولا عن السلف أنهم جلسوا بقصد أن تذهب الناس إلى تعزيتهم، وكانت سنته صلى الله عليه وسلم أن يدفن الرجل من أصحابه وينصرف كل إلى مصالحه، وهذه كانت سنته، وهذه كانت طريقته، والله تعالى يقول: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} (1) فلنتأسى به فيما ترك كما نتأسى به فيما فعل، والجمهور على كراهة ذلك لأنه يجدد الحزن المعزى. قال الإمام الأذرعي: الحق أن الجلوس للتعزية على الوجه المتعارف في زماننا مكروه أو حرام. إنتهى.
ومر صاحب " الإبداع " إلى أن قال في ص220: وصفوة القول أن المآتم اليوم لا تخلو من المنكرات ومخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وناهيك ما يكون من القراء في تلاوة القرآن، وما يفعله المستمعون في المأتم من الخروج عن حد الأدب حال تلاوته من رفع أصوات الاستحسان أو الاشتغال عن استماعه أو شرب الدخان وغير ذلك مما يحول بين المجلس وبين نزول الرحمة نسأل الله السلامة والهداية. انتهى المراد من كلام صاحب " الابداع في مضار الابتداع" والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق.
مفتي الديار السعودية (ص ـ ف ـ 2655 ـ 1 في 86هـ)
_________
(1) سورة الأحزاب ـ آية 21.::::::(3/234)