الأسئلة(197/5)
حكم المسافر إذا نوى قصر الصلاة وقام إلى الثالثة سهواً
السؤال
فضيلة الشيخ! كنت في سفر وحان وقت صلاة الظهر فصليت الظهر والعصر قصراً وجمعاً، ولكن صليت العصر، فالذي كان يصلي العصر لا يحسن الركوع والسجود، وصلى بنا ثلاث ركعات سهواً، وعندما جلست للركعة الثالثة قمت فأكملت الركعة الرابعة وسلمت ولم أسجد سجود السهو، وهذا كله جهلاً مني، ولكني عدت وصليت مرةً أخرى صلاة العصر لأقطع الشك الذي في قلبي قصراً، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
أما إعادتك الصلاة فلا بأس، وهو عملٌ صحيح، وأما كونك أكملت الرابعة وقد قام الإمام إلى الثالثة سهواً ثم سجد السهو فغلط منه؛ لأن الإنسان إذا كان مسافراً يقصر الصلاة وقام إلى الثالثة سهواً وجب عليه أن يرجع متى ذكر، يرجع ويجلس ويتشهد التشهد الأخير، ثم يسلم ويأتي بسجدتين ويسلم، هذا واجب على الإمام، ولكن لعله جاهل ويكون السجود للسهو جبراً عن النقص إن شاء الله تعالى.
السائل: من لا يطمئن في الركوع والسجود هل نصلي خلفه؟ الشيخ: لا.
من لا يطمئن للسجود والركوع فلا يصلى خلفه، من حين ما يركع أول مرة وعرفت أنه لم يطمئن فانوِ المفارقة وأكمل الصلاة وحدك.(197/6)
من اشترى أرضاً بنية البناء ثم باعها فلا زكاة عليه
السؤال
فضيلة الشيخ! شخص اشترى أرضاً بقصد البناء، ولكن في آخر الوقت أراد أن يبيعها، فهل عليه زكاة، أم لا -في قيمة الأرض-؟
الجواب
لا زكاة عليه؛ لأن الزكاة إنما تجب في الأرض عند الذين يبيعون ويشترون بالأراضي للتجارة.(197/7)
حكم اصطحاب أهل البيت للخادمة لأداء الحج
السؤال
بعض الناس يكون عنده شغالة فإذا أرادوا أن يحجوا أو يعتمروا أخذوها معهم بقصد الخير؟
الجواب
الشغالة التابعة لأهل البيت، إذا لم يكن عندها في البيت أحد عليهم إذا خرجوا إلى الحج أن يحجوا بها؛ لأن حجها معهم أحفظ لها من بقائها وحدها في البيت، وأحفظ لها مما لو جعلوها عند جيرانهم أو أقاربهم، فمثل هذا يرخص به إن شاء الله؛ لأن سفرها معهم آمن من بقائها.(197/8)
حكم استخدام البخور في نهار رمضان
السؤال
فضيلة الشيخ! امرأة تعطر البيت بالبخور في نهار رمضان، فهل عليها شيء؟
الجواب
جزاها الله خيراً، البخور يا إخواني لا يفطر، حتى لو أخذت المبخرة ووضعتها هكذا في الغترة، أي: غطيت وجهي بالغترة من أجل أن يدخل البخور إلى الغترة وإلى اللحية وما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به، المحذور أن تأخذ المبخرة وتضعها تحت أنفك وتستنشقه، هذا هو المحذور، ولا أحد يفعل هذا.(197/9)
حكم من طاف طواف الإفاضة ونسي ركعتي الطواف
السؤال
شخص طاف طواف الإفاضة ونسي ركعتي الطواف، فماذا عليه؟
الجواب
إذا طاف طواف الإفاضة ونسي ركعتي الطواف فلا شيء عليه؛ لأن ركعتي الطواف ليستا واجبتين، وإنما هما سنة إن أتى بهما الإنسان فهو أكمل، وإن تركهما فلا حرج عليه.(197/10)
حكم سجدة التلاوة في الصلاة السرية بخلاف المنفرد
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا صلى الإنسان منفرداً أو إماماً وكانت الصلاة سرية، فمر بآية سجود، هل يسجد للتلاوة أم لا؟
الجواب
أما المنفرد فيسجد، وأما الإمام فذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يكره أن يقرأ آية سجدةٍ في صلاة السر، يعني: الأفضل ألا يقرأ بها؛ لأنه إما أن يسجد فيشوش عليهم، وإما ألا يسجد فيترك السجود، فالأولى ألا يقرأ، ولكن إن صح الحديث أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قرأ في صلاة الظهر بـ (ألم) تنزيل السجدة وسجد فيها.
فالقول بالكراهة لا محل له.(197/11)
حكم تأخير الصلاة بسبب النوم
السؤال
ما حكم تأخير الصلاة بسبب النوم؟
الجواب
إذا لم يصل الإنسان من أجل النوم، فهذا لا شيء عليه، لكن إذا استيقظ فعليه أن يصلي، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان في سفر فناموا عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس وأيقظهم حر الشمس، فصلاها بعد ذلك، لكن يجب على الإنسان إذا أراد أن ينام أن يتخذ الاحتياط، يجعل عنده آلة منبهة، أو يوصي أحداً أن يوقظه، وأما أن ينام هكذا وهو يعرف أنه إذا استغرق في النوم ألا يصحو إلا متأخراً فقد فرط، لكن أحياناً يكون الإنسان يسمع المنبه -الساعة- لكن لا يدري هل هو نائم أم هذا حلم! فيبقى في منامه، فالمهم أنه متى كان معذوراً بالنوم فإنه يصلي إذا استيقظ ولا حرج عليه.(197/12)
حكم كتابة الآيات والأحاديث على جدران المساجد
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم كتابة الآيات والأحاديث على جدران المساجد؟
الجواب
هذه تشوش على الناس، أما كتابة الآيات على الجدران سواءً في المساجد أو غيرها فإنها من البدع، لم يوجد عن الصحابة أنهم كانوا ينقشون جدرانهم بالآيات، ثم إن اتخاذ الآيات نقوشاً في الجدران فيه شيء من إهانة كلام الله، ولذلك نجد بعضهم يكتب الآيات وكأنها قصور أو مآذن أو مساجد أو ما أشبه ذلك، يكيف الكتابة حتى تكون كأنها قصر، ولا شك أن هذا عبث بكتاب الله عز وجل، ثم لو قدر أنها كتبت بكتابة عربية مفهومة فإن ذلك ليس من هدي السلف، وما الفائدة من كتابتها على الجدار؟ يقول بعض الناس: يكون تذكيراً للناس، فنقول: التذكير يكون بالقول، لا بكتابة الآيات، ثم إنه أحياناً يكتب على الجدار: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] وتجد الذين تحت الآية هذه يغتابون الناس، فيكون كالمستهزئ بآيات الله.
إذاً كتابة الآيات في المساجد وعلى جدران البيوت كلها من البدع التي لم تكن معهودة في عهد السلف.
أما كتابة الأحاديث ففي المساجد إذا كانت في القبلة لا شك أنها توجب التشويش، وقد يكون هناك نظرة ولو من بعض المأمومين إليها في الصلاة، وقد كره العلماء رحمهم الله أن يكتب الإنسان في قبلة المسجد شيء، أما في البيت فلا بأس أن يكتب حديثاً يكون فيه فائدة مثل كفارة المجلس: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليه) هذا فيها تذكير.(197/13)
الصيغة الصحيحة التي يقولها العاطس
السؤال
رجل عطس فقلت له: يرحمك الله، فقال: يهدينا ويهديكم الله؟ الشيخ: لا.
غلط، إذا قلت له: يرحمك الله، فقال: يهدينا ويهديكم الله، هذا غلط، لكن يهدينا لماذا تقدم نفسك؟ الإخوان دعوا لك وحدك، ما قالوا: يرحمنا ويرحمك الله، لو قالوا: يرحمنا ويرحمك الله، قل: يهدينا ويهديكم الله، لكنهم قالوا: يرحمك الله، فقدموا لك الهدية خاصة، كيف أنت تقول: يهدينا ويهديكم الله؟! الصواب أن يكون الرد: يهديكم الله ويصلح بالكم.
إذا قال لك: يرحمك الله، قل: يهديكم الله ويصلح بالكم.(197/14)
حكم الدعاء بعد الصلاة
السؤال
ذكرت بالنسبة لقضية الدعاء أو رفع اليدين عند الدعاء أن حال السلف والصحابة وأهل العلم في ذلك أنهم كانوا يدعون قبل السلام، فقضية رفع اليدين بعد الصلاة هل هذا في الفريضة والنافلة كذلك، هل الأفضل أن للإنسان أن يرفع يديه أم لا؟
الجواب
بارك الله فيك، أصلاً لا تسأل عن رفع اليدين بعد الصلاة، اسأل عن الدعاء بعد الصلاة هل هو مشروع أم لا؟ نقول: هو غير مشروع؛ لأن الله قال: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [النساء:103] ما قال: فادعوا، فلا محل للدعاء بعد الصلاة، محل الدعاء قبل السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعلم أصحابه التشهد ويقول: ثم يدعو بما يشاء، فجعل الدعاء قبل السلام، وأوصى معاذاً رضي الله عنه أن يقول بعد التشهد الأخير قبل السلام: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) وهذا دعاء، ثم إن المعنى يقتضي هذا، الإنسان ما دام يصلي فهو يناجي الله، وإذا انصرف من الصلاة انتهت المناجاة، فهل الأولى أن تدعو وأنت تناجي الله، أو بعد أن تنصرف من المناجاة؟ الأول أولى، ولا فرق بين الفريضة والنافلة.
السائل: حديث الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد؟ الشيخ: نعم.
صحيح، تريد أن تدعو بعد السنة التي قبل الإقامة لا لأنه بعد السنة ولكن لأنه محل إجابة، هذا لا بأس به، وارفع يدك إلى أن يقيم الصلاة.
السائل: ولو دعا الإنسان قبل السلام ثم استمر يدعو طويلاً؟ الشيخ: لا بأس يدخل في الحديث.(197/15)
حكم كتابة الآيات بالرسم الإملائي
السؤال
ما حكم كتابة الآيات بالرسم الإملائي؟
الجواب
يعني: حسب الاصطلاح الحالي الجديد، هذه فيها خلاف بين العلماء، بعض العلماء يقول: يكتب المصحف على حسب القواعد الإملائية في كل زمانٍ بحسبه؛ لئلا يتلخبط الناس في قراءة القرآن، ونحن نعلم أن القاعدة الإملائية لو كانت في عهد الصحابة عند كتابة المصحف على القاعدة اليوم لكتبوها على نفس القاعدة، لكن صادف القاعدة في ذلك الوقت على الرسم العثماني، فكتابة المصحف على الإملاء وقت كتابته أول مرة ليس تعبداً ولكنه تبعاً للاصطلاح، فإذا تغير الاصطلاح فإن الكتابة تتغير، لأنه لو قرأ على حسب الرسم العثماني لاختلت القراءة، مثلاً الصلاة كيف تكتب بالرسم العثماني؟ بالواو والتاء، الزكاة كذلك، الربا بالواو وهلم جراً.
وبعضهم يقول: يجب أن تكتب بالرسم العثماني؛ لأنها لو كتبت حسب القاعدة المصطلح عليها ثم نظر الناس إلى الرسم العثماني لقالوا: اختلف القرآن، ولأن في كتابته على الرسم العثماني تذكيراً بكتابته وقت الصحابة فيكون الإنسان متأثراً بالتأسي بالصحابة رضي الله عنهم.
وفصَّل بعضهم فقال: أما بالنسبة للمبتدئين الصغار الذين يقرءون في الألواح فيكتب لهم حسب القاعدة المعروفة عندهم، من أجل أن يقرءوه على وجه صحيح، وأما للمنتهيين فلا يكتب إلا على حسب الرسم العثماني، وهذا القول أقرب الأقوال الثلاثة للصواب، وهو التفصيل.
السائل: لو كتبت في كتب غير المصحف؟ الشيخ: هذه أهون، أي: لو كتبت جاء الإنسان بالآية استشهاداً -يعني: استدلالاً بها- فهنا قد نقول: يكتبها على حسب القاعدة المعروفة؛ لأن الناس لو رجعوا إلى المصحف لوجدوه على الرسم العثماني.(197/16)
حكم السلام على رسول الله بعد كل صلاة
السؤال
في مسجد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم نرى بعض المصلين بعد الصلاة في مكانه الذي صلى فيه أو يتقدم قليلاً ويتجه إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ويتكلم بكلام لا أسمعه، فما حكم السلام على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذه الصفة؟ وهل يسلم على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كل أسبوع أو أقل؟
الجواب
لا شك أن اتخاذ هذا سنة، كلما صلى ذهب يسلم على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بدعة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يفعلون ذلك، وكان ابن عمر لا يسلم على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا إذا قدم من سفر، فكون الإنسان كلما صلى ذهب ليسلم فهذا خطأ، لكن سلم عليه أول ما تقدم، وسلم عليه إذا أردت أن تسافر وكفى.
السائل: على بعد خمسين متراً ومائة متر ثم يتجه إلى القبر ويتكلم وهذا يفعله أكثر العوام؟ الشيخ: هذا من الغلط، هذا يفعله كثير من الجهال، ولكن إذا أردت أن تسلم اذهب وقف أمام القبر وسلم عليه.(197/17)
حكم من أنكر دخول الجن في الإنس
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم من أنكر أن الصرع قد يكون من الجن؟
الجواب
يقول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: إن الذين ينكرون صرع الجن جهلة ليس عندهم علم، وإنما علومهم علوم مادية، وأنكر هذا إنكاراً شديداً وقال: إن الصرع نوعان: صرع من الجن، وصرعٌ لاختلال السحر من الأعصاب.
وما قاله هو الحق؛ لأنه قد تواتر أن المصروعين بعضهم يتكلم الجني الذي فيه، ويخاطب القارئ، وذكر قصةً عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه أوتي إليه برجل مصروع وجعل يقرأ على المصروع وتخاطبه الجنية في الرجل، جنية قد أحبت الرجل هذا ونزلت في جسمه فيعظها وتقول: أنا أحبك، أنا أحب الرجل، فيقول شيخ الإسلام: هو لا يحبك، وهو صادق، وهو لا يحبها بلا شك، وأبت أن تخرج فجعل يضربها شيخ الإسلام، يضرب الرجل وهو في الحقيقة يقع على الجنية التي فيه، يقول: حتى كلت يده من الضرب والمصروع لا يحس، فقالت أي: الجنية- لشيخ الإسلام ابن تيمية: أنا أخرج كرامةً للشيخ، قال: لا تخرجي كرامةً لي، اخرجي طاعةً لله ورسوله؛ لأن الله ورسوله يحرمان الاعتداء على الناس، فخرجت، ولما صحا الرجل قال: ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ؟ أتى به أهله إلى الشيخ وقرأ عليه وضرب الجن وهو لم يشعر، قال: ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ؟ فالمهم أن الصرع نوعان: صرع من الأعصاب، وهذا يعرفه الأطباء ويمكن التصرف فيه ويشفى بإذن الله، وصرع من الجن وهذا يشفى بالقراءة، وكم من إنسان يقرأ ويكون عنده قوة عظيمة حتى إن الجني يصيح ويقول: اتركني اتركني ولكنه إذا داوم عليه بالقراءة خرج، وقد يعود إذا مات القارئ الأول، كما يذكر أن الإمام أحمد رحمه الله كان يقرأ على مصروعٍ فخرج الجني منه، ولما مات الإمام أحمد جاء الجني ودخل فيه مرةً ثانية، وجاء القارئ يقرأ بالآيات التي كان يقرأها الإمام أحمد، وأبى الجني أن يخرج، وقال له -أي: الجني قال للقارئ-: القراءة هي القراءة لكن القارئ غير القارئ، وأبى أن يخرج.
وإني أحثكم بارك الله فيكم حتى تسلموا من شر هؤلاء الجن المعتدين، أحثكم على أن تحرصوا على قراءة الأوراد القرآنية والنبوية، ومنها قراءة آية الكرسي معتقداً أن الله يحفظ بها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه الشيطان حتى يصبح) ولما غفل الناس عن الأوراد الشرعية كثرت فيهم الجن الآن وتلاعبت بهم.(197/18)
حكم قراءة التشهد بدل الفاتحة سهواً
السؤال
رجل يسهو في صلاته ويقرأ بدل الفاتحة التشهد فماذا يلزمه؟ الشيخ: هل قرأ الفاتحة أم لا؟ السائل: لا.
الشيخ: قرأ التشهد وركع؟ السائل: نعم.
الشيخ: هذا ترك ركناً.
السائل: سهواً.
الشيخ: عليه أن يأتي بركعة بدل التي ترك فيها قراءة الفاتحة، ثم يسجد للسهو بعد السلام.(197/19)
نصيحة للمبتدئ في الاستقامة
السؤال
ما نصيحتك لشاب في بداية التزامه واستقامته إن شاء الله؟
الجواب
أولاً: أسأل الله له الثبات، وأهنئه حيث أقبل على الاستقامة؛ لأن هذه أكبر النعم، وأقول له: اثبت واستمر في الالتزام، واحرص على صحبة الصالحين، ودع صحبة الفاسدين؛ فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شبَّه الجلساء بأحسن تشبيه وأحسن تمثيل، فقال: (مثل الجليس الصالح كحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن يبيعك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة) صحيح هذا، إما يعطيك مجاناً، أو يبيع عليك، أو على الأقل تجد منه رائحة طيبة (ومثل الجليس السوء كنافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة) وهذا مثلٌ مطابق تماماً، فأوصي هذا الأخ الذي التزم أن يحرص على الصحبة الخيَّرة، وأن يبتعد عن جلساء السوء، ونسأل الله له الثبات دائماً.(197/20)
من اعتمر قبل بلوغه ولم يكمل عمرته ثم حج بعدها بثلاث سنين
السؤال
شاب ذهب إلى أداء العمرة وعمره لا يتجاوز خمسة عشر عاماً، وعندما نزل إلى الحرم فسخ إحرامه قبل أن يأخذ العمرة ورجع إلى أهله، وبعد ثلاث سنوات رجع وحج، وبعدها تزوج، هل عليه شيء أم لا؟ الشيخ: لكن الأول قبل أن يتم خمسة عشر سنة.
السائل: عمره خمسة عشر سنة تقريباً.
الشيخ: لكن تم أم لم يتم؟ السائل: الله أعلم.
الشيخ: هل نبتت عانته؟ السائل: الله أعلم.
الشيخ: هل احتلم؟ السائل: الله أعلم.
الشيخ: اسأله.
السائل: الشخص ليس عندي.
الشيخ: على كل حال: إذا كان لم يبلغ فلا حرج عليه؛ لأن غير البالغ إذا شرع في النسك ثم خرج منه فلا شيء عليه.
السائل: عقد النكاح ما عليه شيء؟ الشيخ: لا شيء عليه إن شاء الله، لأننا لو قدرنا أنه بالغ فقد أدخل الحج على العمرة ويصير قارناً ويصح، وكذلك النكاح.(197/21)
منهج طالب العلم المبتدئ
السؤال
ما هو المنهج الذي ترونه لطالب العلم المبتدئ؟
الجواب
أرى لطالب العلم المبتدئ أن يحرص أولاً على كتاب الله عز وجل، القرآن الكريم يحرص عليه يحفظه ويتفهم معناه ويعمل به، ثم بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في السنة، ثم ليتخذ معلماً عنده علم وعنده إيمان وعنده أمانة، كل هذه لا بد أن تتوفر في المعلم.(197/22)
حكم استصحاب الخادمة الكافرة إلى الحرم
السؤال
بالنسبة لحكم استصحاب الخادمة الكافرة وإدخالها إلى الحرم؟
الجواب
أجبني: كيف يذهب بامرأة كافرة إلى المسجد الحرام والله عز وجل يقول: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة:28] ؟ لا.
هذا حرام عليه، وإذا قدر أنه اضطر إلى هذا يقول لها: أسلمي.
فإن أسلمت فهذا المطلوب، وإن لم تسلم إما أن يبقى معها، وإما أن يرسلها إلى أهلها، وأما أن يأتي بها إلى مكة فهذا لا يجوز، أولاً: معصية لله عز وجل، ثانياً: امتهان للحرم.
السائل: هو يا شيخ من غير هذه البلاد وجاء بها وعندما سأل عن الحكم وقيل له: لا يجوز، هل يرجع هو وإياها؟ الشيخ: نعم.
يرجع هو وإياها، أو يردها إلى بلدها.(197/23)
ضعف حديث: (من أكل لقمة حراماً فلا تقبل له صلاة أربعين يوماً)
السؤال
فضيلة الشيخ: حديث نسألك عن صحته: (من أكل لقمةً حراماً فلا تقبل له صلاة أربعين يوماً) ؟
الجواب
هذا ليس صحيحاً، لكن لا شك أن أكل الحرام له تأثيرٌ في رد الدعاء وعدم قبوله؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، قال: فأنى يستجاب له؟) ومعنى: (أنى يستجاب) أي: كيف يستجاب؟ والاستفهام هنا للاستبعاد، أي: يبعد جداً أن يستجيب الله له.(197/24)
أسباب نسيان الحفظ
السؤال
يعاني الكثير من الطلاب نسيان المحفوظات وضياع فوائد المقروءات، فما هو الحل الأمثل في نظرك يا فضيلة الشيخ؟ الشيخ: أسباب ضعف الحفظ كثيرة: منها: المعاصي؛ فإن المعاصي توجب النسيان، قال الله تبارك وتعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا} [المائدة:13] وقال الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نورٌ ونور الله لا يؤتاه عاصي
- من أسباب النسيان: ألا يتعاهد الإنسان ما حفظ، يعني: لا يكرره، دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تعاهدوا القرآن -يعني كرروه- فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) .
- ثالثاً: كثرة المشاغل، إذا كان إنسان عنده أشغال كثيرة فإنه ينسى؛ لأن القلب وعاءٌ وهو الإناء، والإناء هذا له حد، له طاقة إذا امتلأ بشيءٍ لم يسع غيره، فإذا كان الإنسان غير متفرغ وعنده شواغل، فإن هذه الشواغل ينسي بعضها بعضاً.
- ومن أسباب النسيان أيضاً: عدم العمل بالعلم، فأنت إذا عملت بما تعلم فعملك دراسة -دراسة للعلم- مثلاً: إذا علمت أنه يجب الترتيب في الوضوء، ثم كنت تتوضأ مرتباً فهذه دراسة بلا شك.(197/25)
السفر لا يمنع من الخير
السؤال
فضيلة الشيخ! هل الأفضل ترك السنة الراتبة في الحرم إذا كان في حال السفر أم لا؟
الجواب
يجب يا إخواني أن تعلموا أن السفر لا يمنع من الخير، وأما قول بعضهم: من السنة في السفر ترك السنة.
فهذه قضية كذب، من قال: إن من السنة في السفر ترك السنة؟ السفر لا يمنع من الخير.
لكن هناك ثلاث سنن لا تفعل وهي: راتبة الظهر، وراتبة المغرب، وراتبة العشاء.
ثلاث لا تصلى في السفر، لكن لو جاء الإنسان إلى الحرم أو إلى مسجدٍ آخر وهو مسافر قبل الإقامة فليصل، السنن ليس الرواتب، لا ينويها راتبة، المسافر -أيضاً- يتهجد في الليل يصلي تحية المسجد، يصلي سنة الضحى، كل النوافل يفعلها، إلا ثلاث رواتب فلا يفعلها.(197/26)
مسح الوجه باليدين بعد الدعاء
السؤال
ما حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء؟
الجواب
يرى بعض أهل العلم أنه من السنة، ويرى شيخ الإسلام أنه من البدعة، وهذا بناءً على صحة الحديث الوارد في هذا، والحديث الوارد في هذا قال شيخ الإسلام: إنه موضوع.
يعني: مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم.
والذي أرى في المسألة: أن من مسح لا ينكر عليه، ومن لم يمسح لا ينكر عليه، وهو أقرب إلى السنة ممن مسح.(197/27)
ثواب صلاة الجماعة إذا تعددت الجماعات
السؤال
جماعة فاتتهم صلاة الفجر، فهل إذا قاموا وصلوها بعد فوات الوقت، فهل يدخلون ضمن حديث: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله) ؟
الجواب
الواقع أن الأجر والنتائج المترتبة على صلاة الجماعة، هي عندي محل إشكال: هل تكون للجماعة الأولى، أو لكل جماعة كانت ولو بعد الأولى؟ مثلاً: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، دخلنا المسجد وجدنا الناس قد صلوا فصلينا جماعة، هل ندرك أن نحصل على سبعة وعشرين درجة؟ هذا عندي محل إشكال؛ لأننا لو قلنا بهذا لزم أن يتوانى الناس عن الجماعة الأولى، وقالوا: ما دام يريد الأجر متى فرغنا ذهبنا نصلي بالمسجد.
فأنا عندي في هذا إشكال، لكن إذا دخلنا المسجد وقد صلوا فإننا نصلي جماعة أفضل من أن يصلي كل واحد منا وحده، ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) ، ودخل رجل والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جالساً مع أصحابه وقد فاتته صلاة الجماعة، فقال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه) .
ثواب الذكر بعد صلاة الفجر لمن فاتتهم الصلاة عندي في هذا نظر؛ لأن جميع الثواب المرتب على صلاة الجماعة إنما هو في الجماعة الأولى فقط.(197/28)
معنى قوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)
السؤال
يقول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] كان مجموعة في السيارة يمشون وشغل أحدهم شريط قرآن، فهل يجب على الجميع استماع هذا الشريط، وهل يأثم من يتكلم والشريط شغال؟
الجواب
قال الإمام أحمد رحمه الله في هذه الآية: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:204] : هذا في الصلاة، وقال: أجمعوا على أن ذلك في الصلاة.
وعلى هذا فلو كنت بجوار شخص يقرأ القرآن ويجهر به وأنا أسبح وأهلل -ذكر خاص- فإنه لا يلزمني أن أستمع له، وإنما ذلك في الصلاة فقط.
ولكني أقول للأخ الذي شغل المسجل: لا تشغل والناس غافلون؛ لأن هذا أدنى ما نقول فيه أنه يشبه من قال الله فيهم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت:26] فإذا رأيت إخوانك لا يريدون الاستماع إنما هم مشغولون بالحديث بينهم، فلا تشغل المسجل، وإذا كنت تشتاق لهذا فهناك سماعة صغيرة أدخلها في أذنك، ويجعل الصوت له وحده.
وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.(197/29)
لقاء الباب المفتوح [198]
إن من تيسير الله لعباده ورحمته بهم أنه لم يجعل لهم نسكاً واحداً يتقيدون به، وإنما جعل لهم ثلاثة أنساك، وهي: التمتع، والقران، والإفراد، وأفضل هذه الأنساك الثلاثة هو التمتع، والعمرة لها صفة معروفة بينها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته.(198/1)
أنواع أنساك الحج
الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: هذا هو اللقاء الثامن والتسعون بعد المائة من اللقاءات المعروفة بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو التاسع من شهر ذي القعدة عام (1419هـ) .
ذكرنا أننا سنخصص هذه اللقاءات بمناسبة موسم الحج بالكلام على الحج، ففي اللقاء الذي قبل هذا تكلمنا عن شروط وجوب الحج، وبيَّنا أنها خمسة: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة.
وتكلمنا عن هذا تفصيلاً وانتهى الكلام عليه، أما هذا اللقاء فإننا سنتكلم فيه عن صفة الحج والعمرة.
فنقول أولاً: اعلم أن الأنساك ثلاثة، علم ذلك بالتتبع للسنة النبوية المطهرة: التمتع والقران والإفراد.
والتمتع: هو أن يحرم الإنسان بالعمرة في أشهر الحج -أي: من بعد دخول شهر شوال- ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج من تلك السنة، فيكون له عمرة مستقلة وحج مستقل، وعليه الهدي، لقول الله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] .
والقران: له صورتان: الصورة الأولى: أن يحرم بهما -أي: بالحج والعمرة- جميعاً من الميقات، فيقول: لبيك عمرةً وحجاً.
والصورة الثانية: أن يحرم بالعمرة أولاً ثم يخشى أن يفوته الوقوف لو قضى العمرة فيدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها.
أما الصورة الأولى فدليلها: فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (فإنه أتاه آتٍ وهو في ذي الحليفة، فقال له: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة، أو عمرة وحجة) .
وأما الصورة الثانية فدليلها: حديث عائشة رضي الله عنها: (أنها أحرمت بالعمرة، تريد التمتع، ثم أتاها الحيض قبل أن تدخل مكة، فأمرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تدخل الحج على العمرة فتكون قارنة) .
أما الإفراد: هو أن يحرم بالحج مفرداً بدون عمرة، بمعنى: أن يسافر من بلده إلى مكة ناوياً الحج فقط، فكيف يقول المتمتع في تلبيته؟ يقول: لبيك عمرة.
ولا حاجة أن يقول: متمتعاً بها إلى الحج؛ لأن النية كافية، وأما القارن فيقول: لبيك عمرةً وحجة.
وأما المفرد فيقول: لبيك حجاً.
هذه الأنساك الثلاثة أفضلها التمتع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بها وحث عليها، وقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة) -وكان قارناً- ثم القران، ثم الإفراد، القران بعد التمتع؛ لأنه داخلٌ باسم التمتع عند سلف هذه الأمة، ولأن المحرم يجمع فيه بين عمرةٍ وحج وكان أقلها الإفراد؛ لأنه حجٌ فقط، القارن عليه هديٌ كالمتمتع، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام وسبعةً إذا رجع إلى أهله.(198/2)
صفة العمرة
أما كيفية ذلك فنقول: إذا وصل إلى الميقات والمواقيت خمسة: ذي الحليفة لأهل المدينة ولمن مر به، والجحفة لأهل الشام ومن مر به، ويلملم لأهل اليمن ولمن مر به، وقرن المنازل لأهل نجد ومن مره به، وذات عرق لأهل العراق، فإذا وصل من يريد الإحرام إلى الميقات اغتسل كما يغتسل للجنابة، ثم تطيب على رأسه ولحيته، ثم لبس الإحرام إزاراً ورداءً، هذا بالنسبة للرجل.
أما المرأة فتفعل هكذا أي: بالاغتسال وتتطيب بما لا يظهر ريحه لمن حولها، وتلبس الثياب التي تريد من غير تقييد، إلا أنها لا تتبرج بالزينة خوف الفتنة، ثم يقول: لبيك اللهم عمرة.
ويستمر يلبي، يرفع الرجل صوته بذلك، والمرأة تسر به، وأفضل كيفية للتلبية تلبية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) ويرفع الرجل صوته بذلك، فإنه لا يسمعه شيء إلا شهد له يوم القيامة، فإذا وصل إلى مكة ودخل البيت -أعني: المسجد- قال عند دخوله كما يقول عند دخوله سائر المساجد: (باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك) ويمضي إلى الحجر فيستلمه بيده اليمنى -أي: يمسحه ويقبله- إن تيسر له وإن لم يتيسر أشار إليه، لفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويقول: باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، كما كان ابن عمر يقول، ثم يجعل البيت عن يساره ويطوف سبعة أشواط، فإذا مر بالركن اليماني الذي يليه الحجر الأسود استلمه بيده اليمنى فإن شق عليه ذلك أشار إليه، ويقول في طوافه ما شاء من قراءة القرآن والذكر والتسبيح والتحميد والتكبير والدعاء، وليس هناك دعاءٌ مخصوص في الطواف إلا التكبير عند الحجر الأسود كلما مر به وقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] بين الركن اليماني والحجر الأسود، وما عدا ذلك فهو راجع إلى اختيار الطائف.
وإياك أيها الحاج! أن تدعو بهذا الدعاء البدعي وهو أن تدعو لكل شوطٍ بدعاء مخصوص، فإن هذا بدعة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم هو دعاءٌ قد يكون ما يريده الطائف غير هذا الدعاء، ثم إن كثيراً من الذين يتلونه لا يدرون ما معناه، فانصحوا إخوانكم إذا رأيتم معهم مثل هذا، وقولوا: هذا بدعة، وادع الله بما تريد، وكل إنسان له حاجة غير حاجة الآخر، وفي هذا الطواف يسن للرجل سنتان: الأولى: الاضطباع.
الثانية: الرمل.
فأما الاضطباع: فهو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، فيخرج كتفه الأيمن في جميع أشواط الطواف.
وأما الرمل: فهو أن يسرع المشي، لكن في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، فإذا أتم سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم وقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] يقول ذلك تذكيراً لنفسه بأمر الله عز وجل، وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيصلي ركعتين خلف المقام خفيفتين، يقرأ في الأولى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] بعد الفاتحة، والثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] بعد الفاتحة، ويخففهما ولا يبقى بعدهما ينصرف فوراً تأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتركاً للمكان الذي يحتاجه غيره ممن فرغ من الطواف.
ثم يتجه إلى الحجر الأسود فيستلمه إن تمكن وإلا انصرف -بدون إشارة- إلى الصفا، فإذا دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] قبل أن يصعد على الصفا تأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتذكيراً بالآية الكريمة التي أخبر الله فيها أن الصفا والمروة من شعائر الله، فإذا صعد إلى الصفا استقبل القبلة ورفع يديه، وقال ما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومنه أن يكبر ثلاثاً ويقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم يدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرةً ثانية ويدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرةً ثالثة، ثم ينزل متجهاً إلى المروة يمشي على عادته حتى يصل إلى العلم الأخضر -أي: العمود الأخضر- الذي جعل بحذائه لمبات خضر من فوق، فيسعى في هذا -أي: يركض ركضاً شديداً إذا تيسر له- حتى يصل إلى العلم الآخر، ثم يمشي مشياً معتاداً حتى يصل إلى المروة، فإذا وصل إلى المروة صعد عليها واتجه إلى القبلة رافعاً يديه يقول مثلما قال على الصفا، ثم ينزل متجهاً إلى الصفا يمشي في مواضع مشيه ويركض في موضع ركضه، ولا يقرأ الآية: ((إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ)) [البقرة: 158] إلا مرة واحدة، إذا أقبل على الصفا بعد الطواف، ولكن يذكر الله تبارك وتعالى ويقرأ القرآن ويدعو، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول وهو يسعى في الوادي الذي جعل عليه العلم علامة يقول: [ربِّ اغفر وارحم، ربَّ اغفر وارحم، ربِّ اغفر وارحم] فإذا أتم سبعة أشواط من الصفا إلى المروة شوط ورجوعه من المروة إلى الصفا شوطٌ آخر، قصَّر رأسه -أي: قصه بالمقص أو بالماكينة- ولا يسن الحلق إذا كان وقت الحج قريباً؛ لأنه لو حلق لم يبق شعرٌ للحج، ثم يحل من إحرامه حلاً كاملاً، ويبقى إلى اليوم الثامن من ذي الحجة، وفي اليوم الثامن من ذي الحجة يحرم بالحج، ويفعل عند إحرامه كما فعل عند إحرام العمرة.
ويأتي إن شاء الله الكلام على صفة الحج في اللقاء القادم إن شاء الله.(198/3)
الأسئلة(198/4)
الجمع بين الاعتكاف والعمرة
السؤال
أيهما أفضل: الاعتكاف، أم العمرة في رمضان؟ الشيخ: يمكن للإنسان أن يأتي بهما جميعاً.
السائل: إذا لم يستطع الجمع؟ الشيخ: إذا لم يستطع الجمع فيمكن، بمعنى: أن يذهب إلى مكة يوماً وليلة قبل دخول العشر الأواخر؛ لأن الاعتكاف إنما يكون في العشر الأواخر فقط، ويرجع ويعتكف في بلده، وهذا سهل.(198/5)
حكم استخدام المحرم للصابون والشامبو للرائحة
السؤال
ما حكم التنظف بالنسبة للمحرم بالصابون والشامبو للرائحة؟
الجواب
لا بأس بذلك؛ لأن اغتسال المحرم جائز، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يغتسل وهو محرم، وأما الشامبو فالظاهر أن رائحته ليست عطرية وإنما رائحة نكهة، نكهة محبوبة للنفس كما يرى في النعناع وفي ورق التفاح وما أشبهه.
السائل: إذا كان من الورد يوضع مثل الياسمين مثلاً؟ الشيخ: المهم ما كان طيباً فلا يجوز استعمال المحرم.(198/6)
الذهاب إلى زمزم في الحج وليس في العمرة
السؤال
أنت تكلمت بالنسبة لصلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم، قلت: يذهب ويشير إلى الحجر ولم تذكر جزاك الله خيراً ذهابه إلى زمزم ثم يشير إلى الحجر؟
الجواب
أقول: لم أذكره؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما شرب من ماء زمزم في الحج.(198/7)
الضابط في العبادات والمعاملات
السؤال
ما هو الضابط الذي به نعرف أن هذا العمل منهي عنه -باطل- حيث أننا نرى بعض أهل العلم يصححون عملاً منهياً عنه ويبطلون آخر؟ الشيخ: مثل؟ السائل: لا يحضرني الآن يا شيخ.
الشيخ: يجب أن نعلم أن العبادات الأصل فيها المنع، فكل من تعبد لله بشيءٍ عقيدة أو قول أو عمل فإن عمله باطل إلا أن يقيم دليلاً على أنه مشروط، هذا هو الأصل، ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى منكراً على الذين يشرعون ما لم يرسل الله به سلطاناً: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] فأنكر عليهم، وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) هذه القاعدة: الأصل في العبادات المنع والتحريم والبطلان ما لم يقم دليلاً صحيحاً عليه.
وأما غير العبادات فالأصل فيها الحل، كالمعاملات الجارية بين الناس، والعادات الجارية بين الناس، والأخلاق الجارية بين الناس، الأصل فيها الحل حتى يقوم دليل على المنع، فهاتان قاعدتان بهما توزن جميع الأعمال التي لا يعرف لها سابق، فمثلاً: صلاة التسبيح حديثها ليس بصحيح، بل هو باطل كما صرح به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وعلى هذا فلا تسن، يعني: لا يمكن أن نعمل عملاً يقربنا إلى الله إلا بدليل.
كذلك: صلاة الحاجة، الإنسان إذا كان له حاجة صلى ركعتين ثم سأل الله على صفة مخصوصة معروفة، هذه أيضاً ليست صحيحة.
كذلك: الاحتفال بالمولد النبوي كما يزعمون، هذا أيضاً باطل لا يصح؛ لأنه أولاً من الناحية التاريخية ليس بصحيح؛ لأن ولادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اختلف فيها المؤرخون على ثمانية أو سبعة أقوال، وقد حقق بعض المعاصرين: أنها كانت في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول، عكس ما هو معروف الآن أنه في اليوم الثاني عشر، وحتى لو فرضنا جدلاً ثبوت الولادة في هذا اليوم، فإنه لا يجوز أن تتخذ عيداً.
السائل: أنا أقصد العمل المنهي عنه يا شيخ.
الشيخ: ما في عمل منهي عنه إلا الشرائع، فالعبادات الأصل فيها النهي والمنع حتى يقوم دليل على أنها مشروعة، نضرب لك مثالاً: لو أن إنساناً طاف بالكعبة وصار يمسح جميع الأركان الأربعة، قلنا: أما الحجر الأسود فهو الركن اليماني، فهذا مشروع، وأما الاثنان فاستلامهما غير مشروط، فيكون منهيٌ عنه مبتدئاً، ولهذا لما طاف معاوية وابن عباس رضي الله عنهما بالبيت جعل معاوية يستلم كل الأركان، فأنكر عليه ابن عباس، فقال معاوية: [ليس شيءٌ من البيت مهجوراً.
فقال له ابن عباس: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستلم الركنين اليمانيين] فرجع معاوية إلى قول ابن عباس.
السائل: حضرني مثال يا شيخ: (لا صلاة بحضرة الطعام) هذا عمل منهي عنه، هل هذا يبطل الصلاة، وما هو الضابط فيه؟ الشيخ: نرجع إلى القواعد، (لا صلاة بحضرة الطعام) لماذا؟ السائل: لأجل الانشغال.
الشيخ: إذاً لو صلى الإنسان وهو لا يأبه بهذا الطعام ولا يشوش له، يدخل في النهي؟ ما دام أننا عرفنا العلة فإنه لا يدخل في النهي، بقي إذا كان يصلي وهو جائع -يريد أن يأكل- نقول: غاية ما فيه أنه انشغال القلب وأكثر العلماء يقولون: إنه لا يبطل الصلاة.
ويستدلون بالحديث: (إن الشيطان يأتي لابن آدم وهو يصلي يقول: اذكر كذا في يوم كذا) وعلى رأي من يقول: إن الخشوع واجب في الصلاة، يقول: إذا أدى حضور الطعام الذي يشتهيه إلى أن ينشغل قلبه عن الصلاة بحيث لا يدري ما يقول فصلاته باطلة.(198/8)
حكم الصلاة إلى النار
السؤال
يا شيخ! نحن مجموعة من الشباب نخرج في طلعات برية ويصادف أحياناً في الليل يكون الجو بارداً ونشعل النار، فكنا إذا صار وقت الصلاة نتنحى عن جهة النار على أساس ألا تكون هي أمامنا كسترة، فجاءنا أحد الإخوة وقال: ما الدليل على ذلك؟ لا يوجد دليل على أن النار إذا صارت أمامكم أنكم تتنحون عنها، جائز لكم تصلون وهي أمامكم، وبحثنا في هذا الموضوع في فتح الباري فلم نجد شيئاً واضحاً ولا في نيل الأوطار، فما صارت عندنا حجة الحقيقة، فجئنا نسألك جزاك الله خيراً إذا كان هناك دليل أو شيء؟
الجواب
ليس هناك دليل نبوي، لكن إذا كانت النار مشتعلة فإن الذي يصلي إليها يشبه عبادة المجوس؛ لأن المجوس يشعلون النار ويصلون خلفها؛ لأنهم يعبدونها، فمن ثم قال أهل العلم: يكره ذلك؛ لئلا يتشبه بالمجوس فقط.
وبناءً على هذا: لو كانت جمراً ما فيها لهب فإنه لا تكره الصلاة إليها.
السائل: أخبرنا بذلك فكان الرد: أن هناك من يعبد الماء، وهناك من يعبد الشجر، وهناك من يعبد كذا، فأخذ يسترسل في قضية أن إذا كانت العبادة على نار مجوس إذاً لا تصلون أمام شجر، ولا تصلون أمام ماء؛ لأن هناك أناساً يعبدون هذه الأشياء؟ الشيخ: نعم.
لكن أي شجرة يعبدونها؟ الشجرة الخاصة التي يعبدونها نلحقها بهذا، لكن هل هم يعبدون كل الشجر؟ لا يعبدون كل الشجر.
السائل: قال: إن المجوس نارهم ليست كناركم هذه، يقول: إنها لا تأتي من تنور أو من شيء آخر.
الشيخ: أبداً، على كل حال العلماء يقولون: لا نص فيها، كلامه أن ما فيها نص صادق، لكن في هذا تشبه وربما يلقي الشيطان في قلب الإنسان خصوصاً إذا كان يعرف أن المجوس يعبدون النار ربما يلقي في نفسه أنه يتشبه بهم، والبعد عن الشك أمرٌ مطلوب.
السائل: إن صلينا مرة أمامها ما فيها بأس؟ الشيخ: لا.
لا تبطل الصلاة، ولا إشكال في هذا، ولولا هذا التعيين الذي قلت لك لقلنا: لا يكره، ولهذا نعرف خطأ بعض الناس حين يقول: هذه الدفايات الكهربائية لا تجعلوها أمام المصلين، غلط هذا، هذا غلط على العلماء وغلط على الشريعة، ليس هذا صحيحاً.(198/9)
الأذان للجمع بين الصلاتين
السؤال
إذا جمع المصلون في الحضر بين الصلاتين من أجل المطر ونحوه من الأعذار، فهل يؤذن للثانية، مع العلم بأن الناس يعلمون بدخول وقت الثانية بوسائل أخرى كالإذاعة؟
الجواب
إذا جمع -أي: في المساجد- بين الصلاتين جمع تقديم فإنه لا يؤذن في الثانية؛ لأن الثانية برأت منها الذمة بالعلم، انتهى، أما الذي في البيوت فإنه -كما قلت- يمكن أن يستدلوا لدخول الوقت بالساعات وبالإذاعة وبالتحري أيضاً.(198/10)
ضعف حديث: (لا يقاد الوالد بالولد)
السؤال
بالنسبة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يقاد الوالد بالولد) هذا الحكم هل يجري على الوالدة؟ الشيخ: هذا الحديث لا يصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنه مشهور بين الفقهاء، ولهذا اختلف العلماء: هل يقتل الوالد بالولد أم لا؟ والصحيح: أنه يقتل به، وكيف نقول: هذا الرجل الذي قتل ولده عمداً لا يقتل به، والله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة:178] ، ويقول: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] وكذلك صحت السنة بأن النفس بالنفس: (لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس) فنقتله، وإذا كنا نقتله بمقتضى الأدلة العامة، فإن القول: بأن الوالد لا يقتل بالولد قولٌ ضعيف، والحديث مشهور بين الفقهاء لكنه ضعيف، ولا يمكن أن نمنع القصاص الذي دلت عليه النصوص في مثل هذا الحديث الضعيف، يقولون: بالتعليل أيضاً: لأن الوالد سببٌ في إيجاد الولد، فلا ينبغي أن يكون الولد سبباً في إعدامه.
ونقول: هذه العلة عليلة بل ميتة، هل الولد هو الذي كان سبباً في إعدام أبيه إذا قتله، أو السبب هو الأب؟ السائل: الأب هو السبب.
الشيخ: الأب هو السبب، هو الذي قتله، لماذا يقتله؟ فالتعليل باطل، والحديث ضعيف، والنصوص عامة في وجوب النفس بالنفس.
أما على القول: بأن الوالد لا يقتل بالولد، فهم لا يفرقون بين الأم والأب، يقولون: لا تقتل الأم بولدها، ولا يقتل الأب بولده.
السائل: بالنسبة لنص الحديث ألا يقيد الآية أحياناً؟ الشيخ: لا.
ما يصح.
السائل: حسنه كثير من أهل العلم.
الشيخ: دعنا من الذين حسنوه، لكن نحن نرى أنه ضعيف، ثم كونه حسناً لا يمكن لضعفه؛ لأن الحسن تعرف أنه دون الصحيح درجة، لا يمكن أن يقيد عموم واضح في القرآن والسنة، ثم نقول: أي عقلٍ وأي قطيعة أشد من أن يقتل الوالد بابنه لخصومةٍ بينهما فيضجعه ويأتي بالسكين ويذبحه؟ أكبر قطيعة، ونجازي قاطع الرحم بأن نمنعه من القتل.
وهنا فائدة: بعض الناس يصحح أحاديث أو يحسنها بمقتضى ظاهر الإسناد، ثم لا يلتفت إلى المعنى، مع أن أهل العلم قالوا: إن من شرط الصحة والحسن ألا يكون معللاً ولا شاذاً، فبعد أن تنظر إلى الإسناد يجب أن تنظر إلى المعنى: هل هو مخالف لقواعد الشريعة أم لا؟ انظر مثلاً إلى حديث: (إن لحوم البقر داء، وألبانها شفاء) هذا الحديث باطل ولا يجوز للإنسان أن يصدقه، لماذا؟ لأن الله نص على حل البقر، حل لأكلها؛ فقال: {وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} [الأنعام:144] وأحلها، فكيف يحل الله لعباده ما يكون داءً عليهم؟!! إن الله يحرم الداء على عباده، بل قد يكون المطعوم طيباً ونحرمه على شخص، إذا قال الأطباء أو تواتر عند الناس: أن هذا الطعام مؤثر على الإنسان وهو طيب، نقول: هو على هذا الإنسان حرام للضرر، كيف يكون لحم البقر داءً ثم يحله رب العباد الذي هو أرحم من العباد من الوالدة بولدها؟! فمثلاً: هذا الحديث لو جاء إنسان وصححه، نقول: أخطأ في تصحيحه، هذه قاعدة أحب أن ينتبه لها طلبة العلم.(198/11)
نصيحة للمعلم الذي عنده طلاب يعلمهم
السؤال
ما نصيحتكم لمن كان لديه شباب على وجه مقتبل الالتزام، هم شباب صغار ويربيهم ويعلمهم من الدين، فما نصيحتكم له؟
الجواب
نصيحتي له: أن يبين لهم الدين ويرغبهم فيه، ويعالجهم معالجة الطبيب للمريض حتى يشفوا بإذن الله، لو أن مريضاً مرض وفيه -مثلاً- جرح يحتاج إلى شق، فجاء الطبيب وشقه بعنف لا يزيد الجرح إلا بلاءً، لكن لو شقه برفق حتى يتمكن من السيطرة عليه صار هذا هو الصواب، ثم ينصحهم عن مصاحبة الأسافل والبعد عنهم؛ لأن المجالسة والمصاحبة تؤثر، وكثيرٌ من الصغار ينخدعون بوسوسة الكبار وغرورهم، فليحذرهم من هذا.(198/12)
السفر المبيح للرخص
السؤال
مجموعة من المدرسين يترددون لقرى بعيدة تقريباً فوق (100كم) ويترخصون برخص السفر، يجمعون بين الظهر والعصر مع أنهم يصلون إلى ديارهم تقريباً الساعة الواحدة والنصف، ويقولون: عندهم فتوى منكم أنتم.
فهل يجوز لهم أن يترخصوا برخص السفر؟ وإذا كان لا يجوز فهل يجوز لهم أن يجمعوا بين الظهر والعصر من غير قصر أم لا؟
الجواب
العلماء رحمهم الله اختلفوا في السفر المبيح للرخص، فمنهم: من يحده بالمسافة ويقول: المسافة (83كم) فإذا جاوزها الإنسان ولو بنصف ذراع حلت له الرخص.
وبناءً على هذا القول: يكون هؤلاء ممكن يكون لهم الرخص؛ لأنك قلت: (100كم) أو أكثر.
هؤلاء يقولون: له القصر وله الفطر وله الجمع ولو قطع هذه المسافة، أعني: (83كم) بنصف ساعة أو أقل، على هذا القول يكون لهؤلاء أن يقصروا إذا صادفتهم الصلاة وهم في غير بلدهم، ويجوز لهم أن يجمعوا.
وأما على القول الثاني الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وهو أقرب إلى الصواب فيقول: العبرة بما يسميه الناس سفراً، وهؤلاء القوم الذين يذهبون صباحاً ويرجعون مساءً قبل المساء لا يعدون مسافرين فلا يقصرون، أما الجمع فإذا كان يشق عليهم انتظار صلاة العصر بمعنى: أنهم يصلون إلى بلدهم وهم متعبون ويخافون إن ناموا لا يقومون، فلهم الجمع لكنه جمعٌ بلا قصر.
السائل: يعني: لا يجوز لهم أن يترخصوا برخص السفر؟ الشيخ: هذا على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه.
السائل: الفتوى التي يسندوها إليكم يا شيخ.
الشيخ: لا.
هذه ما نفتيها، نقول: الذي يذهب يدرس بمسافة (100كم أو 200كم) ويرجع بيومه هذا ليس مسافراً، فلا يترخص -بمعنى لا يقصر- لكن مسألة الجمع شيء آخر؛ لأن الجمع يجوز إذا كان على الإنسان مشقة في انتظار الصلاة الثانية.
السائل: لو كان شبه يومي الجمع؟ الشيخ: ولو كان شبه يومي.(198/13)
حكم شارب الدخان إذا مات بسبب الدخان
السؤال
الذي يموت بسبب التدخين، هل يكون منتحراً؟ الشيخ: هل تظن أن الذي يشرب الدخان شربه ليموت؟ السائل: لا.
الشيخ: إذاً ليس منتحراً، لكن الذي يضع متفجرات في بطنه ويذهب إلى العدو ويفجرها هناك هل منتحر أم غير منتحر؟ منتحر.
فرق بين من يقصد قتل نفسه، ومن لا يقصد.
لكن يقال: إذا كان ضرر الدخان يؤدي إلى القتل، فهذا من أقوى الأدلة على القول بالتحريم، وهو لا شك عندي أنه محرم -الدخان- لما فيه من أضرار بدنية، وأضرار خلقية، وأضرار مالية، ألم تعلم أن الذي يشرب الدخان إذا لم يجده ربما يبيع عرضه؟ قل لي: بلى أم لا؟ السائل: لا.
الشيخ: أحسن تقول: بلى.
إذا قال لك: أليس قل: بلى.
على كل حال: الدخان عندنا لا نشك أنه حرام، لكن لا نقول: إن من شربه قاتل نفسه؛ لأنه ما قصد قتل نفسه.(198/14)
أقوال التابعين في أمور الغيب ليست كأقوال الصحابة
السؤال
بالنسبة لما في الجنة من نعيم أو ما في النار من عذاب، إذا جاءت آثار عن التابعين تنقل وصفاً دقيقاً لما في الجنة أو النار، هذه الآثار البعض يأخذ بها اعتماداً على تصحيح بعض العلماء المعتبرين للسند، فيقول: إن تصحيح العلماء للسند اعتبارٌ عندهم لهذه الآثار، وإلا لما صححوها ولما اهتموا بها، فيأخذ بها اعتماداً على ذلك، هل هذا صحيح؟
الجواب
لا.
غير صحيح؛ لأن أقوال التابعين في أمور الغيب ليست كأقوال الصحابة، الصحابة قد يكون مستندهم الرسول عليه الصلاة والسلام، والتابعون قد يكون مستندهم الأخبار الإسرائيلية التي شاعت بعد الفتوحات الإسلامية، وعلى أعلى تقدير نقول: السند منقطع.
لو قلنا: إنهم يستندون في هذا إلى قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالسند منقطع، والمنقطع من أقسام الضعيف، وتصحيح بعض العلماء السند إلى هؤلاء قصدهم بذلك لو وجدت شواهد من وجهٍ آخر تدل على اتصال السند إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم صار هذا السند المنقطع مقوياً له.(198/15)
أقوال العلماء في صلاة المنفرد خلف الصف
السؤال
هل صلاة المنفرد خلف الصف جائزة إذا كان فيه فرج عن اليمين أو عن اليسار، أو إذا كان شخصان، بين لنا هذه المسألة، رفع الله قدرك وأحسن إليك؟
الجواب
هذه المسألة فيها ثلاثة أقوال للعلماء: القول الأول: أن صلاته ناقصة وليست باطلة، سواء كان الصف تاماً أو غير تام، وهذا مذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل، ويؤولون قوله: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) أي: لا صلاة كاملة كما في قوله: (لا صلاة بحضرة طعام) .
والقول الثاني: أن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح مطلقاً، سواءً تم الصف الذي قبله أم لا، وهذا هو المشهور عند أصحاب الإمام أحمد رحمهم الله.
القول الثالث: الوسط، يقول: إن كانت الصفوف تامة فله أن يصلي خلف الصف منفرداً، وإلا فليس له ذلك، ويستدلون لهذا بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين رأى رجلاً يصلي وحده خلف الصف، فأمره أن يعيد الصلاة، وقالوا في عذره: إذا كان الصف تاماً، أن الله تعالى قال في الكتاب العزيز: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ، وإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صحح صلاة المرأة خلف الصف؛ لأنه ليس لها محلٌ في الصف شرعاً، والذي يجد الصف تاماً ليس له محلٌ في الصف حساً وواقعاً، والتعذر الحسي كالتعذر الشرعي، وهذا الذي قلته أخيراً هو الصواب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية واختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله.
قال بعض الناس: يجذب شخصاً من الصف ليكون معه.
وهذا خطأ؛ لأن هذا جناية على المصلي في الصف، وسببٌ لانقطاع الصف، (ومن قطع صفاً قطعه الله) ، وهو أيضاً موجب للتشويش على المجذوب، وموجب لحركة الصف كله؛ لأن الصف سوف يتحرك ليدنو بعضهم من بعض، ففيه جنايات.
وقال بعضهم: يتقدم فيكون مع الإمام.
وهذا خطأ؛ لأن الشريعة تريد أن يكون الإمام وحده منفرداً ليس معه أحد؛ لئلا يظن الرائي أن لهؤلاء الجماعة إمامين.
ثم إذا قلنا: تقدم مع الإمام، إن كان بينه وبين الإمام صفوف أدى ذلك إلى تخطي الرقاب، ثم إذا تقدم مع الإمام وجاء آخر ولم يجد مكاناً قلنا: تقدم، ربما يكمل الصف مع الإمام، لكن لو بقي هذا يصلي وحده خلف الصف وجاء آخر صاروا صفاً.
على كل حال القول الراجح بلا شك: أنه إذا كان الصف تاماً فيصلي وحده مع الجماعة منفرداً.(198/16)
الوقت الذي يترخص فيه المسافر برخص السفر
السؤال
متى يجوز للمسافر أن يترخص برخص السفر؟
الجواب
إذا خرج من بلده.
السائل: من أول ما يشرع في السفر؟ الشيخ: لا.
إذا خرج من البلد أي: صارت مساكن البلد وراءه.(198/17)
من دخل مسجداً فوجدهم يصلون العشاء وهو لم يصل المغرب
السؤال
دخل شخص وقت صلاة المغرب المسجد فوجد الجماعة يصلون العشاء، فماذا يصنع؟ وهل يجمع صلاة العشاء بعد الانتهاء من الصلاة؟
الجواب
إذا دخل وهو لم يصل المغرب والناس يصلون العشاء يدخل معهم بنية المغرب، ثم إن كان دخل معهم في أول الصلاة فإنه إذا قام الإمام للرابعة يجلس ويتشهد ويسلم ويدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وإن كان دخل معهم في الثانية فما بعدها فالأمر واضح.
إن دخل في الثانية متى يسلم؟ مع الإمام، وإن دخل في الثالثة أتى بركعة بعد سلام الإمام.
السائل: هل يجمع؟ الشيخ: لا أدري هل هو من أهل الجمع أم لا؟ السائل: للمطر.
الشيخ: إن كان أدرك شيئاً من العشاء -أي: بعد أن تشهد- فليجمع، وإن كان لا يدرك فعندي محل توقف؛ لأنه لا يستفيد من هذا الجمع شيئاً، إذ أنه سوف يخرج لبيته ونقول: انتظر حتى يدخل وقت العشاء وصل في بيتك، لكن إذا كان يدرك شيئاً من العشاء مع الإمام فليجمع ليدرك فضيلة الجماعة.(198/18)
حكم اتخاذ السترة للمصلي إذا كان في البرية
السؤال
ما حكم اتخاذ السترة للمصلي إذا كان في البرية؟
الجواب
سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتخذه، كان معه عنزة تركز أمامه ويصلي إليها.
السائل: إذا لم يتخذ الإمام سترة، هل ينكر عليه أم لا؟ الشيخ: لا ينكر عليه على أن ما فعله منكر، بل يرشد إلى السنة، ونقول: أنت فعلت محرماً تب إلى الله من هذا.
السائل: بعض المصلين ينكر على الإمام يقول: لماذا تتخذ سترة ونحن في البرية؟ الشيخ: لا.
هذا خطأ؛ لأنه ما يعرف أن الرسول كان يفعل هذا، لو علم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يفعل هذا ما أنكر.(198/19)
الطريقة الشاذلية الصوفية وهجر أصحابها إن كان هناك مصلحة
السؤال
لي أقارب ينتمون إلى الطريقة الشاذلية الصوفية، وقد قمت بواجب النصح لهم ولكنهم لم ينتصحوا، فنريد منكم بارك الله فيكم وفي علمكم كلمة لعلها تلقى القبول لديهم وأكون قد أقمت بها الحجة عليهم؟ وهل ترون هجرهم إن أعرضوا عن النصح من قطع صلة الأرحام مع العلم أنهم أقارب لي جزاك الله خيراً؟ الشيخ: هل تعرف شيئاً من هذه الطريقة؟ السائل: لا أعلم.
الشيخ: كيف تنكر ما لا تعرف؟ قل: إذاً أنسحب ولا أنكر، هل أحد منكم يعرف الطريقة الشاذلية؟ أنا لا أعرفها.
أحد الحاضرين: عندهم أفكار بدعية يعني: يجتمعون في أماكن مثلاً في الليل بعد صلاة العشاء ويجلسون يقولون أشياء ليست معروفة، مثل قولهم: هوه هوه بذكر جماعي.
الشيخ: يعني: يتقربون إلى الله بهذا؟ أحد الحاضرين: نعم يتقربون إلى الله بهذا.
الشيخ: على كل حال لا شك أنها بدعة منكرة؛ لأن (هو هو) هذه ماذا تعني؟ ضمير لا له أول ولا تابع، وأخشى -أيضاً- أنهم يقولون: (هو هو) يعنون الكون كله، فيكونون قد أرادوا الوحدة أو الاتحاد.
لا ندري.
السائل: يا شيخ! هم يرون الآية أن هذا اسم الله نوع، قال الله سبحانه وتعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [الحشر:22] فيأخذون هذه الآية لاسم الله الأعظم.
الشيخ: على كل حال قولهم هذا منكر، وربما يتسترون بهذا القول، والضمائر في حد ذاتها ليس لها معنى، حروف ما لها معنى في حد ذاتها إلا حسب المرجع، فعلى كل حال تنكر هذه الطريقة، وإذا رأيت من هجرهم مصلحة فاهجرهم، وإن لم تر مصلحة لا تهجرهم.(198/20)
سائق السيارة إذا مات بسبب سرعته لا يكون منتحراً
السؤال
فضيلة الشيخ! هل سائق السيارة إذا ساق سيارة بسرعةٍ أدى ذلك إلى حادث وتوفي، هل يسمى منتحراً؟
الجواب
السؤال أورده عليك كما أوردته على الأخ الذي سأل عن شارب الدخان: هل أسرع ليموت؟ السائل: لا.
الشيخ: إذاً ليس منتحراً، لكنه أخطأ، كل ما كان سبباً للهلاك يجب على الإنسان أن يتجنبه، لقول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء:29] وقد استدل عمرو بن العاص بهذه الآية: على أن الإنسان إذا تعرض للبرد الذي يخشى أن يمرض منه فقد دخل في الآية، فإن عمرو بن العاص بعثه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سرية فأجنب، وكانت الليلة باردة فتيمم وصلى بأصحابه، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد الرجوع: (أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال: يا رسول الله! ذكرت قول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] فضحك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى بدت نواجذه أو أنيابه) موافقةً له على استدلاله بهذه الآية.(198/21)
كيفية تطهير السجاد من النجاسة
السؤال
فضيلة الشيخ! أحسن الله إليك، كيف يطهر السجاد من النجاسة؟
الجواب
بالغسل، السجادات تغسل، بعضها خفيف مثل الثياب العادية هذه تغسل، وأما الشيء الثقيل، أولاً تزال النجاسة، ثم يصب الماء، ثم يشفط بالإسفنج، ثم يصب ثانية ويشفط، ثم ثالثة ويشفط، ويطهر بهذا.(198/22)
الذبائح المشروعة حكمها حكم الأضحية
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة للأضحية تأخذ حكم العقيقة، أو العقيقة تأخذ حكم الأضحية بالنسبة للشروط؟ الشيخ: اختر أي الأمرين شئت.
السائل: العقيقة.
الشيخ: كل الذبائح المشروعة فحكمها حكم الأضحية؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) كل الذبائح المشروعة: العقيقة، والفدية، والهدي كالأضحية تماماً.
السائل: شخص ذبح أقل من ستة شهور، مجزئة أو غير مجزئة؟ الشيخ: لا تجزئ، لا من الضأن ولا من الماعز، وستة أشهر تجزئ من الضأن ولا تجزئ من الماعز.(198/23)
اعتلاء الإمام للمنبر الأفضل أن يكون بعد الزوال مباشرة
السؤال
فضيلة الشيخ! اعتلاء الإمام المنبر يؤذن معه الأذان الثاني فتصلي النساء على هذا الأذان، فكيف إذا أذن قبل دخول وقت الظهر، هل إذا صلين النساء تكون صلاتهن باطلة أم يؤخرن؟
الجواب
أولاً: ينبغي للإمام ألا يأتي إلا بعد زوال الشمس ولا يتقدم؛ لأن هذا هو الوقت المتفق عليه عند العلماء، فإن من العلماء من يقول: إذا خطب الإمام قبل الزوال لا يجزئ، فالوقت المتفق عليه بعد الزوال، فيقال للإمام: الأفضل ألا تأتي إلا بعد الزوال مباشرة، وإذا كان بعد الزوال مباشرة وأذن فقد دخل وقت الظهر فتصلي النساء في البيوت صلاة الظهر، ولكن لا بأس أن يأتي قبل الزوال بساعة أو نحوها، وإذا أتى فليكن عند النساء والمرضى في البيوت خبر بأن الإمام يأتي قبل الزوال فينتظرون، والآن والحمد لله الساعات موجودة، فيقال للنساء: لا تصلين إلا في الوقت الذي كنتن تصلين فيه في الأيام الأخرى.
ينبهن على هذا.(198/24)
حكم تعليق الآيات القرآنية على الجدران
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم تعليق الآيات القرآنية على الجدار؟ الشيخ: لأي شيء نعلق الآيات القرآنية في الجدار؟ السائل: للزينة.
الشيخ: إذا كان للزينة فقد اتخذ آيات الله هزواً، كيف القرآن الكريم العظيم الذي نزل شفاء لما في الصدور وموعظة يجعل زينةً في الجدر؟! السائل: للتبرك.
الشيخ: هل ورد عن السلف أنهم كانوا يتبركون بمثل هذا؟
الجواب
لا ما ورد، ونحن الخلف يسعنا ما وسع السلف.
هات غرضاً ثالثاً؟ السائل: للتذكر.
الشيخ: هل الناس الذين يجلسون في هذا يتذكرون ويقرءون؟ الجواب: لا.
اللهم إلا قليلاً إن كان.
هات الرابع؟ السائل: اتقاء الجن.
الشيخ: هل ورد أن السلف يتقون الجن بمثل هذا؟ السائل: لا.
الشيخ: لا.
إذاً كيف غاب عن السلف هذه الطريقة وفتحت لنا؟!! الواقع أن هذا أقل ما نقول فيه: إنه بدعة، مع ما فيه من نوع امتهان للقرآن؛ لأنه يكتب مثلاً على الجدار في لوحة أو على الجدار نفسه: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] وتجد المجلس مملوءاً بالغيبة، هذا استهزاء، لذلك انصحوا كل إنسان تجدونه معلقاً الآيات على جدره، سواءً كان على الجدار نفسه، أو في ورق، أو ما أشبه ذلك، انصحوهم عن هذا، قل لأخيك: كلام الله لا يقام لهذا الغرض، ومثل ذلك ما نسمعه في الهواتف، عند الانتظار تسمع الهاتف يقرأ القرآن، لا إله إلا الله! القرآن يقضى به غرض؟! ثم إنه قد يسمعه كافر، أو شبه كافر، ويتضجر جداً من سماعه، فتكون أنت السبب في كراهة الإنسان لهذا القرآن الكريم، فلذلك -أيضاً- انصحوا من تسمعون في هاتفه عند الانتظار قراءة الآيات، ثم إنه أحياناً تكون اسطوانة واقفة على كلمة في مخاطبة سابقة فتقرأ الاسطوانة من هذا المنتهى آيةً مقطوعة لا يدري أولها ولا صلتها بالذي قبلها.
فسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(198/25)
لقاء الباب المفتوح [199]
صفة الحج الصحيحة قد تخفى على كثير من الناس حتى على بعض طلبة العلم، فهم بين متشدد ومتساهل ومتوسط، وصفة الحج قد ذكرها الشيخ مفصلة كما جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك مع ذكر أنواع الحج، وذكر عدة مسائل تتعلق بالحج.(199/1)
صفة الحج
الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والتسعون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس عشر من شهر ذي القعدة عام (1419هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بالكلام عن صفة الحج والعمرة؛ لأن اللقاء السابق كان الكلام عن شروط وجوب الحج، أما هذا اللقاء فسنخصصه عن صفة الحج والعمرة.
إذا وصل الإنسان إلى الميقات فإنه مخير بين ثلاثة أنساك: التمتع، والقران، والإفراد.
التمتع: هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، فإذا كان اليوم الثامن أحرم بالحج وسبق الكلام على العمرة.
القران: أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً، فمن حين أن يحرم من الميقات يقول: لبيك عمرة وحجاً.
والإفراد: أن يحرم بالحج وحده، فيقول عند الميقات: لبيك حجاً.
والقارن والمفرد سواء في الأفعال: يحرم من الميقات ولا يحل إلا يوم العيد، لكن يختلف كل شخص عن الآخر بأن القارن يحصل له حجٌ وعمرة والمفرد ليس له إلا حج، والقارن عليه هدي، والمفرد ليس عليه هدي.
نتكلم الآن عن الحج: إذا كان يوم الثامن أحرم الإنسان بالحج من مكانه الذي هو فيه، إن كان في مكة فمن مكة، وإن كان في منى فمن منى، وإن كان في أي مكان يحرم من مكانه، ويغتسل ويتطيب ويلبس ثياب الإحرام كما فعل في العمرة، لكنه يقول: لبيك حجاً.
فإذا أحرم من المكان الذي هو فيه، خرج إلى منى، فنزل فيها من ضحى اليوم الثامن وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، قصراً بلا جمع، فإذا طلعت الشمس في اليوم التاسع من ذي الحجة ارتحل إلى عرفة، فينزل بمكان يقال له: نمرة، إن تيسر له هذا إلى أن تزول الشمس، فإن لم يتيسر فليستمر في سيره إلى عرفة فينزل في مكانه، فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً بأذانٍ واحد وإقامتين، وينبغي أن يصلي مع الإمام في مسجد نمرة إن تيسر، فإن لم يتيسر فليستمع إلى الخطبة، والاستماع إلى الخطبة في وقتنا الحاضر سهل والحمد لله، ما عليه إلا أن يفتح الراديو ويستمع إلى الخطبة كأنما هو تحت المنبر، فإذا فرغ الإمام من الخطبة وهو في خيمته أذن لصلاة الظهر ثم صلى الظهر ركعتين ثم العصر ركعتين، وبعد هذا يتفرغ للدعاء والذكر وقراءة القرآن، ومن المعلوم أن الإنسان يحتاج إلى أكل فليأكل، وينوِ بأكله هذا التقوي على الذكر والطاعة، فيكون هذا الأكل قربةً إلى الله عز وجل، ثم ربما يحتاج إلى النوم أيضاً؛ لأن النفوس الآن ضعيفة والهمة ضعيفة ربما لا يتمكن أن يبقى يدعو إلى غروب الشمس، فلينم ولا حرج، وينوي بنومه نفض التعب السابق وتجديد القوة للاحق، فيستعين بهذا النوم على الذكر والدعاء، ثم في آخر النهار لا يشغله إلا بالدعاء والذكر، ربما يمل الإنسان -أيضاً- من الذكر أو الدعاء، فليتخذ طريقة تيسر عليه الأمر، ليأخذ المصحف ويقرأ، فإذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية وعيد تعوذ، وإذا مر بآية تسبيح سبح، والقرآن كله إما وعيد أو وعد أو تسبيح أو أحكام، فهذا مما يعينه على الذكر والدعاء في هذا الوقت فليفعل هذا، لا على أساس أنه يتقرب إلى الله تعالى بالقرآن في هذا الوقت، لا.
إنما على أساس أن يستعين به على الذكر والدعاء حتى تغرب الشمس، وليجتهد في الدعاء والإلحاح على الله عز وجل في هذا اليوم؛ فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقف رافعاً يديه متجهاً إلى القبلة حتى غابت الشمس.
فإذا غابت الشمس دفع إلى مزدلفة ملبياً، فإذا وصلها نزل فيها وصلى المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، في أي الصلاتين القصر؟ العشاء، فالمغرب لا تقصر، فيصليهما جمعاً، ويبيت هناك، ولا يحيي هذه الليلة بصلاة ولا قرآن ولا ذكر، بل السنة أن ينام ليعطي نفسه راحتها؛ لأنه تعب فيما سبق وسيتعب فيما يلحق، فيعطي نفسه الراحة، فإذا طلع الفجر صلى الفجر مبكراً، في هذه الليلة يصلي الوتر مع العشاء، أو إذا قدر له أن من عادته أن يقوم في آخر الليل أخرها إلى آخر الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يدع الوتر حضراً ولا سفراً، وإن كان الوتر لم يذكر في حديث جابر رضي الله عنه، لكن عدم الذكر لا يدل على عدم الوقوع ما دام عندنا قاعدة من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام: أنه لا يدع الوتر حضراً ولا سفراً يدخل في هذه الليلة، فإذا طلع الفجر أذن وصلى سنة الفجر ثم صلى صلاة الفجر، ثم يبقى في مكانه يدعو الله تبارك وتعالى إلى أن يسفر جداً حتى يتبين الإسفار بياناً واضحاً، إن تيسر أن يقوم عند المشعر فهذا المطلوب وإلا في مكانه، ثم يدفع من مزدلفة متجهاً إلى منى، ولا يقف إلا عند جمرة العقبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما دفع من مزدلفة لم يحط رحله حتى رمى جمرة العقبة، فيبدأ أول شيء برمي جمرة العقبة.
قال أهل العلم: ورمي جمرة العقبة بالنسبة لـ منى كصلاة الركعتين بالنسبة لداخل المسجد، ولهذا يسمونها تحية منى، يرمي بها سبع حصيات، يكبر مع كل حصاة كلما رمى قال: الله أكبر، وإن شاء كبر مع الرمي وإن شاء كبر قبل الرمي ثم رمى، الأمر في هذا واسع، المهم أنه يكبر مع كل حصاة.
ومن أين يأخذ الحصى؟ يأخذها من أي مكان كان، ولا يسن أن يقصد أخذها من مزدلفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأخذها من مزدلفة ولا أمر بأخذها من مزدلفة، يأخذها من حيث شاء، إما من طريقه وهو ذاهب إلى الجمرة، أو من عند الجمرة، وقد ذكر ابن حزم رحمه الله في منسكه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر ابن عباس أن يلقط له الحصى وهو واقفٌ عند جمرة العقبة.
وأما استحباب أخذ الحصى من مزدلفة فليس عليه دليل، إلا أن بعض السلف قال: ينبغي أن يأخذ من مزدلفة من أجل ألا يحبسه حابس عن بدء الرمي من حين يصل إلى منى -أي: أنه قد لا يتهيأ للإنسان أن يحصل على الحصى من حين أن يصل إلى منى - ولكنه ليس بسنة، فيرمي جمرة العقبة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم ينصرف فيذبح الهدي، ثم يحلق رأسه ويلبس الثياب ويتطيب، ويحل له كل شيءٍ من محظورات الإحرام إلا النساء.
ثم ينزل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ويسعى سعي الحج، وطواف الإفاضة هو طواف الحج وهو ركن في الحج، وإذا طاف وسعى بعد فعل ما سبق حلَّ له كل شيء حتى النساء.
أين يصلي الظهر؟ إن تيسر أن يصلي في مكة بعد أن يطوف ويسعى فهذا خير، وإن لم يتيسر صلى في أي مكان؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (جعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً) ثم يرجع إلى منى ويبيت بها ليلة الحادي عشر، فإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر رمى الجمرات الثلاث: الأولى والوسطى والعقبة، يرمي الأولى بسبع حصياتٍ متعاقباتٍ يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلاً حتى لا يصيبه الحصى ويتأذى بالزحام ويقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً، ثم يرمي الوسطى كالأولى ويقف بعدها فيدعو، ثم يرمي العقبة بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة في الجميع ولا يقف بعدها ينصرف إلى رحله، ويبيت ليلة الثاني عشر، فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني عشر رمى الجمرات الثلاث كما رماها في اليوم الذي قبله، ثم إن شاء تعجل وخرج من منى، وإن شاء بقي إلى اليوم الثالث فيبيت في منى ليلة الثالث عشر ويرمي الجمرات في اليوم الثالث عشر بعد الزوال كما رماها في اليومين قبلهما.
وبهذا تم الحج، فإذا أراد أن يرجع إلى بلده لا بد أن يطوف للوداع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يكون آخر عهد الإنسان الطواف بالبيت، فيطوف للوداع ولا يمكث بعده بل ينصرف إلى بلده، هذه خلاصة صفة الحج.(199/2)
مسائل في الحج(199/3)
جواز الإحرام بالحج قبل اليوم الثامن
مسألة: لو أحرم بالحج قبل اليوم الثامن فهل هذا جائز؟
الجواب
نعم.
يجوز، لكن الأفضل ألا يحرم إلا في اليوم الثامن للحج.(199/4)
الإحرام بالحج في اليوم التاسع
مسألة: لو أخر الإحرام إلى اليوم التاسع فهل يجوز؟
الجواب
نعم.
يجوز لكنه خالف السنة وحرم نفسه الأجر؛ لأن السنة أن يحرم في اليوم الثامن، وحرم نفسه الأجر؛ لأنه لو أحرم في اليوم الثامن لبقي من إحرامه إلى اليوم التاسع على عبادة، فيفوت نفسه هذا الأجر، وكثير من الناس يتكاسل ولا يحرم إلا في اليوم التاسع وهذا حرمانٌ بلا شك، فالأفضل أن يحرم في اليوم الثامن.(199/5)
وصول الحاج عرفة وقت العصر
مسألة: لو لم يصل إلى عرفة إلا في العصر هل يجوز؟
الجواب
نعم.
يجوز.
مسألة: لو لم يصل فيها إلا في الليل؟ الجواب: يجوز إلى طلوع الفجر من يوم العيد، كل هذا وقت الوقوف، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سأله عروة بن مضرس وقال: إنه ما ترك جبلاً إلا وقف عنده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وقد وافاه في صلاة الفجر: (من وقف بـ عرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) .(199/6)
حكم الدفع من عرفة قبل الغروب وبعده
مسألة: لو دفع من عرفة قبل الغروب، لكان ذلك حرام عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخر الدفع من عرفة إلى غروب الشمس، وقال: (خذوا عني مناسككم) ولو كان الدفع جائزاً قبل الغروب لدفع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل الغروب؛ لأنه أيسر على الناس، إذ أن النهار باقٍ فهو أهون على الناس.
مسألة: لو أنه دفع عن عرفة قبل غروب الشمس قلنا: إن هذا حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تأخر إلى غروب الشمس، ولو كان الدفع جائزاً قبل الغروب لدفع؛ لأنه في النهار أوضح وأبين، لا سيما في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث لا كهرباء ولا أنوار إلا نور القمر.
مسألة: لو تأخر في الدفع من عرفة ولم يدفع إلا بعد ساعتين من الغروب كان ذلك جائزاً ولكنه خلاف السنة، السنة منذ الغروب أن يمشي يدفع من عرفة، لو حبسه الزحام ولم يصل إلى مزدلفة إلا متأخراً فلا حرج، لكن إن خاف أن ينتصف الليل قبل الوصول إلى مزدلفة وجب عليه أن يصلي المغرب والعشاء ولو في الطريق؛ لأن وقت العشاء إلى منتصف الليل، فمن أخرها إلى منتصف الليل فقد صلاها في غير وقتها، كمن أخر الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حدد وقت العشاء بنصف الليل.
ومن قال من أهل العلم: إن وقتها يمتد إلى طلوع الفجر للضرورة فلا دليل عنده؛ لأن الأحاديث صريحة: بأن وقت العشاء إلى منصف الليل، والقرآن الكريم يدل عليه، فقد قال الله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء:78] أو إلى طلوع الفجر؟ إلى غسق الليل، هذه أربعة أوقات متقاربة، من زوال الشمس إلى منتصف الليل كلها أوقات للصلوات متقاربة، إذا دخل وقت الظهر بالزوال وخرج دخل وقت العصر مباشرة، إذا غابت الشمس انتهى وقت العصر ودخل وقت المغرب، وإذا غاب الشفق انتهى وقت المغرب ودخل وقت العشاء، وإذا دخل وقت العشاء ينتهي إلى غسق الليل وهو ظلمته وأشد ظلمة أن يكون الليل عند منتصفه، وما بعد منتصف الليل إلى طلوع الفجر ليس وقتاً للصلاة المفروضة، كما أن ما بين طلوع الشمس وزوال الشمس ليس وقتاً للصلاة المفروضة.
المهم إذا خفت أن ينتصف الليل قبل أن تصل إلى مزدلفة وجب عليك أن تصلي ولو في الطريق توقف السيارة وتصلي ولا يمكن أن تؤخر.(199/7)
الدفع من مزدلفة قبل الفجر
مسألة: لو دفع من مزدلفة قبل الفجر فهل يجوز؟
الجواب
يجوز لمن يشق عليه مزاحمة الناس من صغير وكبير، أي: شيخ كبير، ومريض، ونساء، كل هؤلاء يجوز لهم، وإذا عللنا بالزحام أمكن أن نقول: كل أحد يمكنه أن يدفع في آخر الليل في الوقت الحاضر؛ لأن الزحام الذي يكاد يكون مهلكاً موجود حتى للشباب، وعلى هذا نرخص في الدفع من مزدلفة في آخر الليل ما دام الزحام شديداً.(199/8)
ما يفعله الحاج في منى
مسألة: إذا وصل إلى منى يفعل: أولاً: الرمي.
ثانياً: الذبح.
ثالثاً: الحلق.
رابعاً: الطواف.
خامساً: السعي.(199/9)
تقديم أعمال اليوم العاشر بعضها على بعض
مسألة: لو أنه قدم بعضها على بعض فهل يجوز؟
الجواب
نعم.
يجوز، أفتى بذلك إمام المفتين محمدٌ صلى الله عليه وسلم فما سئل عن شيءٍ قدم ولا أخر في ذلك اليوم إلا قال: (افعل ولا حرج) ولم يقل: افعل ولا تعد، ولما أسرع أبو بكرة ليدرك الركعة قال: (زادك الله حرصاً ولا تعد) فلو كان الترتيب واجباً يسقط بالجهل لقال النبي صلى الله عليه وسلم: افعل ولا تعد، بل قال: (افعل ولا حرج) وهذا من رحمة الله عز وجل؛ لأن الناس إذا كان الأمر مفتوحاً صار بعض الناس يمشي من مزدلفة إلى مكة ليطوف ويسعى ثم يرجع ويرمي، أو بعض الناس يرمي ثم ينزل إلى مكة قبل الذبح والحلق، أو بعض الناس يرمي ثم يحلق ليحل التحلل الأول وينحر وهو لابسٌ ثيابه، المهم أن هذا من رحمة الله والحمد لله، ومن سعة علم الله؛ لأنه جل وعلا علم أن إيجاب الترتيب فيه مشقة على الناس، فالأكمل الترتيب ولكن للإنسان رخصة أن يبدأ بما شاء.(199/10)
حكم السعي قبل الطواف
مسألة: هل يبدأ بالسعي قبل الطواف؟
الجواب
نعم؛ لأن هذا ورد بإسنادٍ صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال: (سعيت قبل أن أطوف؟ قال: لا حرج) والإنسان قد يحتاج إلى السعي قبل الطواف، مثل: أن يدخل إلى مكة ويجد المطاف مزدحماً شديداً ويقول: أسعى لعله يخف المطاف.
وربما يقول: أسعى لأجل أن أؤخر الطواف إذا أردت أن أسافر، فإذا أخر الطواف من أجل أن يجعله عند السفر وطاف طواف الإفاضة عند السفر أجزأه عن طواف الوداع.(199/11)
رمي الجمرات بعد الغروب
مسألة: لو رمى الجمرات بعد الغروب أيجزئ أم لا؟
الجواب
نعم.
يجزئ، له إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقَّت أول الرمي ولم يوقِّت آخره.
فدل هذا على أن الأمر واسع، وحددناه بطلوع الفجر قياساً على الوقوف بـ عرفة؛ لأن الوقوف بـ عرفة ينتهي بطلوع الفجر.(199/12)
حكم رمي الجمرات قبل الزوال
مسألة: لو رمى في أيام التشريق الجمرات الثلاث قبل الزوال، أو بدأ ولو بحصاةٍ واحدة قبل الزوال فهل يجزئ؟
الجواب
لا.
لا يجزئ، لا في يوم الحادي عشر ولا في اليوم الثاني عشر، ولا في اليوم الثالث عشر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بعد الزوال وقال: (لتأخذوا عني مناسككم) ولأنه كان يتحين ويرتقب زوال الشمس، ومن حين أن تزول يرمي قبل أن يصلي الظهر، مما يدل على شدة تحريه للزوال حتى يبادر، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لفعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولرخص فيه للضعفاء كما رخص في الرمي قبل طلوع الشمس يوم العيد؛ لأنه لو قدمه قبل الزوال أيهما أيسر: قبل الزوال في الفراغ، أو بعد الزوال في شدة الحر؟ قبل الزوال، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما خير بين اثنين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لأجازه للأمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رءوف رحيم، ولا تغتر بمن يفتي بالرمي قبل الزوال في اليوم الثاني عشر محتجاً بأن هذا أرفق بالناس؛ لأننا نقول في الجواب: لست أرفق من الله ورسوله {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] ولو كان هذا جائزاً لأجازه.
فإذا قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يدرك هذا الزحام الشديد، وهذا العنف من بعض الحجاج وهذا الغشم؟! قلنا: ولكن الله يعلم ذلك ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لأباحه الله عز وجل للضرورة كما أباح الميتة للضرورة، فلا يغتر مغترٌ بفتوى أحد من السابقين أو اللاحقين (الهدى مقدمٌ على الهوى) الهدى مقدم على قول كل أحد، والهدى ما جاء به الكتاب والسنة.
فإذا قال قائل: هل يكون زحام شديد إذا أخرنا الرمي في اليوم الثاني عشر إلى ما بعد الزوال؟ قلنا: نعم.
سيكون زحامٌ شديد عند الزوال -يعني: بعد الزوال مباشرة- لكن في آخر النهار يخف، ثم إذا قدر أنه بقي الزحام إلى الغروب ارم بعد الغروب وامشِ؛ لأنك متعجل، والله عز وجل يقول: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:203] لكن عجزت ما استطعت أن أرمي في اليومين، فيكون تأخير الرمي إن لم يكن أداءً فهو قضاءٌ للضرورة، فنقول: لا حرج، أنت تأهب واذهب وإذا حبسك حابسٌ من زحام السيارات أو حابسٌ من زحام الناس عند الجمرة فارم ولو بعد الغروب، واستمر في خروجك من منى.
بهذا علمنا أن المسألة ما هي إلا من فعل الناس لا باعتبار الواقع، من فعل الناس وهو أنهم يزدحمون عند الزوال لينفروا، ولكن لو أنهم تأنوا وانتهزوا الفرصة ما حصل هذا، فالأمر والحمد لله واسع.(199/13)
حكم الرمي بعد طواف الوداع
مسألة: لو أن الإنسان طاف للوداع قبل أن يرمي آخر يوم ثم رجع ورمى هل يجزئه الوداع أم لا؟
الجواب
لا يجزئه، يجب أن يعيد الطواف؛ لأن الواجب في طواف الوداع أن يكون آخر شيء، وهذا إذا طاف ثم رجع ورمى آخر شيء هو الرمي، فلا يجوز أن يطوف للوداع قبل أن يرمي.(199/14)
اللبث في مكة بعد طواف الوداع
مسألة: بعد طواف الوداع هل يجوز أن يمكث في مكة؟ لا.
إلا إذا حبسه حابس إما أصيب بمرض فذهب إلى المستشفى، أو جلس ينتظر أصحابه -رفقته- أو جلس وقف إلى صاحب الدكان يشتري أغراضاً للسفر أو هدايا للأهل فلا بأس، حتى لو طال انتظاره للرفقة فلا بأس، مثل أن يطوف للوداع ويذهب إلى المنزل ينتظره، والرفقة ضاع عنهم واحد وجلسوا ينتظرونه وبقوا ساعة أو ساعتين أو أكثر فلا حاجة إلى إعادة الطواف، يكفي الطواف الأول؛ لأنه إنما بقي في مكة لعذر.(199/15)
أنواع الوقفات في الحج
مسألة: في الحج ست وقفات: الوقوف بـ عرفة، وفي مزدلفة، وبعد الجمرة الأولى في أيام التشريق، وبعد الجمرة الوسطى، وعلى الصفا، وعلى المروة، ست وقفات، لكن أعظم هذه الوقفات وأهمها هو الوقوف بـ عرفة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الحج عرفة) .(199/16)
زيارة الحاج للمدينة النبوية
مسألة: هل من كمال الحج أن يزور الإنسان المدينة؟
الجواب
لا.
ليس من واجبات الحج، ولا من مسنونات الحج، ولا علاقة بينه وبين الحج، لكن العلماء يذكرونه بعد الحج؛ لأن في زمانهم كان يصعب على الإنسان أن يسافر من بلده إلى مكة في الحج ثم يستأنف السفر إلى المدينة، فصاروا يذكرونه من أجل أن يكون السفر واحداً، وإلا فلا علاقة له بالحج.(199/17)
الأسئلة(199/18)
التفصيل في الاستنابة في الحج عن الحي
السؤال
الاستنابة في الحج عن الحي هل تجوز؟ وهل هناك فرق بين إذا كان الحج فرضاً أو نفلاً؟
الجواب
الاستنابة في الفرض عن العاجز عنه عجزاً لا يرجى زواله لا بأس به؛ لأنه جاءت به السنة، وكذلك عن الميت الذي لم يؤد فريضته جاءت به السنة، أما عن الحي في النفل فالذي أرى أنها لا تصح الاستنابة لا للعاجز ولا للقادر؛ لأن السنة إنما جاءت بالفريضة للضرورة بالنسبة للعاجز، والنافلة لا ضرورة فيها، ولهذا أجاز بعض العلماء أن يصرف من الزكاة في حج الفقير، ولا يصرف في نفله؛ لأن الحج فريضة والصرف به ضرورة بخلاف النفل، فلا أرى الاستنابة في النفل؛ لأنا نقول: الحج عبادة إما أن يفعلها الإنسان بنفسه حتى يتأثر بها قلبه ويشعر أنه متعبد لله، فإن حصل ذلك وإلا فلا حاجة، إذا كان لديه مال فليصرفه لمن لم يحج فريضة فهو أفضل؛ لأنه أعان في فرض.(199/19)
قضاء الذكر بعد الصلاة لمن شغله شاغل عن الإتيان به بعد الصلاة
السؤال
هل التسبيح بعد الصلاة إذا حدث لك شاغل فترة من الزمن؟ الشيخ: أسألك: هل الذكر باللسان أو باليد أو بالرجل؟ السائل: باللسان.
الشيخ: هل هناك شيء يشغل اللسان عن الذكر؟ السائل: إذا كان هناك ضيف.
الشيخ: لا بأس أسبح وأنا أمشي، أسبح وأنا أقرب له الضيافة، لقول الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء:103] الحمد لله، سبح وأنت تمشي ولا حرج.(199/20)
الاختلاف في ثبوت صيام النبي صلى الله عليه وسلم للعشر من ذي الحجة
السؤال
الله يحسن إليك! هل ثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه صام عشر ذي الحجة؟
الجواب
أبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) بلغك؟ السائل: نعم.
الشيخ: هل الصيام من العمل الصالح؟ نعم، ما الذي أخرجه من هذا العموم؟ هل قال الرسول عليه الصلاة والسلام: إلا الصيام فلا تصوموا؟ السائل: لا.
الشيخ: إذاً ما الذي أخرجه من العموم؟! حديث عائشة: (ما رأيته صائماً قط) هي ما رأت لكن غيرها رآه، ففي حديثٍ آخر لإحدى أمهات المؤمنين تقول: (إن الرسول كان لا يدع صيامها) قال الإمام أحمد: والمثبت مقدم على النافي.
ثم لو فرض أنه ما وجد ما يثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام صامه، فتدخل في العموم: (ما من أيامٍ العمل الصالح) ، وإذا قدرنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما صامها فهذه قضية عين قد يكون الرسول ما صامها لاشتغاله بما هو أهم.
وهنا قاعدة يجب أن نعمل بها: إذا جاءت النصوص اللفظية عامة فلا تسأل: هل عمل بها الصحابة أم لا؟ لأن الأصل أنهم عملوا بها، وعدم العلم بعملهم ليس علماً بعدم عملهم، فالأصل أنهم عملوا به.
ثم لو فرض -وهو فرضٌ محال- أنهم لم يعملوا بها، فهل نحن نُسأل عن عمل الصحابة، أو عن قول الرسول يوم القيامة؟ عن قول الرسول، كما قال عز وجل: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] هل يمكن لأي إنسان أن يجد حجة إذا سئل يوم القيامة عن قول من أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام عامة هل يمكن أن يقول: يا رب! لم يعمل بها الصحابة، أو لا أدري هل عملوا بها أم لا؟ لا يمكن أن تكون هذه حجة، لذلك نحن نأسف في بعض الناس الذين شككوا المسلمين في هذه القضية، وقالوا: إن صيامها ليس بسنة.
سبحان الله! أنا أخشى أن يعاقبهم الله عز وجل يوم القيامة، كيف يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) وندع العمل الصالح الذي قال الله تعالى: (إنه لي وأنا أجزي به) سبحان الله! لذلك يجب أن نرد هذه الدعوة على أعقابها فتنقلب خاسئة، ونقول لهذا الرجل نفس هذه الأسئلة التي وجهت إليك: - هل الصوم من العمل الصالح أم لا؟ - هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عنه أم لا؟ سيقول: لا.
وإن قال: نعم.
نقول: هات الدليل.
سيقول: إنها من العمل الصالح في الصوم، وسيقول: لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عنها.
فنقول: إذاً يجب أن نعمل بها.
وهذه في الحقيقة مصيبة أن يكون الناس قد عملوا على عملٍ ليس فيه إثم بل فيه أجر، ثم يذهب بعض الناس يخالف ليذكر، فيأتي بما يخالف العادة التي هي أقرب للحق مما قال، وهذه مشكلة.(199/21)
حكم حج من ذهب إلى الحج دون تصريح من الدولة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم حج من ذهب إلى الحج ولم يأخذ تصريحاً، ثم إني سمعت عن بعض الأشخاص أنه يقول: ادخل بدون إحرام ثم اذبح فدية.
فما حكم ذلك وفقكم الله؟
الجواب
أما الثاني وهو أن نقول: ادخل بلباسك العادي واذبح فدية.
هذا من اتخاذ آيات الله هزواً، فرض الله عليك إذا أحرمت ألا تلبس القميص ولا السراويل ولا غيرها وأنت تبارز الله بهذه المعصية، وتدعي أنك متقرب إليه، لا سيما إذا كان الحج نفلاً، سبحان الله! أتقرب إلى الله بمعصية الله! وإن كان هذا معصية في عبادة لكن هذا خطأ عظيم، وحيلة على من؟ على الله عز وجل، كيف تتحيل على الله بهذا وأنت تريد أن تفعل السنة؟! يا أخي! إذا كنت تفعل السنة ابق في بلادك وأعن من يريد الحج على حجه ويحصل لك الأجر.
أما الثانية: وهي التحيل على الأنظمة، فأنا أرى أن الأنظمة التي لا تخالف الشرع يجب العمل بها، فمثلاً: لو أن الحكومة قالت لمن لم يحج فرضاً: لا تحج مع تمام الشروط، فهنا لا طاعة لها؛ لأن هذه معصية، الله أوجبه عليَّ على الفور وهذا يقول: لا تحج.
أما النافلة فليست واجبة، وطاعة ولي الأمر فيما لم يتضمن ترك واجب أو فعل محرم واجبة.
ثم إني أقول لكم أيها الإخوة: طاعة ولاة الأمور أتظنون أنها طاعة بشرٍ لبشر؟! هل تعتقدون أن طاعة ولاة الأمور في غير معصية هل هو طاعة بشرٍ لبشر؟ لا.
بل هي طاعة لله عز وجل؛ لأن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] فوجه القول بالإيمان يعني: من مقتضى إيمانكم أن تطيعوا الله وتطيعوا الرسول وأولي الأمر، فنحن إذا أطعنا ولي الأمر في غير معصية نتقرب بهذه الطاعة إلى الله عز وجل، وتقربنا إلى الله بطاعة ولاة الأمور في عدم الحج هو طاعة؛ طاعة واجبة، وترك حج النفل ليس معصية.
فلا أرى أن الناس يتكلفون ويخالفون ولي الأمر الذي في مخالفته مخالفة لله عز وجل، في أمر له فيه سعة والحمد لله.(199/22)
شروط السفر إلى الخارج
السؤال
فضيلة الشيخ! مما ابتلي به بعض الشباب -هداهم الله- السفر إلى الخارج بزوجاتهم، سواء بعد الزواج أو في الإجازات، فنريد من فضيلتكم التكرم بالإجابة على هذه الأسئلة لعل الله أن ينفع بها من أراد لأهله ولنفسه الخير والسلام من الآثام والفتن: أولاً: إذا كان الأب أو الأم يعلمان أنهما لو حلفا على ابنهما أو ابنتهما أو أخرجاه عندما سافر إلى الخارج، فهل يجوز لهما أن يحلفا عليه أم لا؟ وما نصيحتكم للآباء الذين يعلمون أن أبناءهم أو بناتهم سيسافرون إلى الخارج بعد الزواج ولا يمنعونهم بحجة: أن إثم الولد عليه، وأن البنت ملك زوجها وهو المسئول عنها بعد الزواج؟
الجواب
من المعلوم أن السفر إلى الخارج -وتقصد بالخارج فيما أظن دول الكفر- الأصل فيه التحريم، فلا يجوز إلا بشروطٍ ثلاثة: الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات التي تورد هناك؛ لأن هناك كفاراً يوردون الشبهات فيما يتعلق بالله عز وجل، وفيما يتعلق بالرسول محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفيما يتعلق بالقرآن، فلا بد أن يكون عند الإنسان علم يدفع به هذه الشبهات.
الشرط الثاني: أن يكون لديه عبادة تمنعه من الشهوات، أي: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات؛ لأن الشهوات هناك بابها مفتوح: خمر، زنا، لواط، كل شيء الإنسان حر فيه، وأقول: حر باعتبار المفهوم الحاضر، أما الحرية التامة فهي التعبد لله عز وجل؛ لأن من لم يتعبد لله تعبد للهوى والشيطان، وفي هذا يقول ابن القيم:
هربوا من الرق الذي خلقوا له فبلوا برق النفس والشيطان
ما هو الرق الذي خلقنا له؟ الرق لله عز وجل والعبودية له، وبلوا برق النفس والشيطان {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف:53] والشيطان يأمركم بالفحشاء.
الشرط الثالث: الحاجة الملحة إلى السفر، بأن يكون الإنسان مسافراً لأمرٍ لا يجده في بلاده، والحاجة تدعو إليه.
وما سوى ذلك الأصل فيه التحريم، وإنما قلنا: الأصل فيه التحريم؛ لأنه يتضمن: أولاً: إنفاق مالٍ كثير.
ثانياً: الخطورة على الدين، الخطورة على العقيدة.
ثالثاً: الخطورة على الأخلاق.
رابعاً: الخطورة على العادات، فإن بعض الناس يتلقف هذه العادات ويأتي بها إلى بلده يتشبه بهم زعماً منه أن هذا هو الرقي والتقدم، والمشابهة في العادات يؤدي إلى المشابهة في العقائد والعبادات، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من تشبه بقومٍ فهو منهم) .
إذا كان كذلك، وكان هذا الابن الذي تزوج جديداً يريد أن يسافر مع زوجته فيما يقال له: (شهر العسل!!) ويخشى عليه من هذه الخطورات والأب يستطيع أن يمنعه بالإقسام عليه فليقسم عليه وليمنعه، وله الحق في هذا؛ لأنه المسئول عنه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] (وأهليكم) وهذا يعتبر من أهله ما دام أنه يطيعه فيما يقول.
أما إذا دعت الحاجة وتمت الشروط الثلاثة التي قلتها لك فله أن يسافر بزوجته وهو أمينٌ عليها، وسفره بها أولى من جهة أنه يحصن فرجه، ويأمن على أهله، ويريح أهله لا سيما في أول الزواج.(199/23)
كل شيء يبقى فهو صدقة جارية
السؤال
فضيلة الشيخ! هل تعد المساهمة في إنشاء مشاريع أو مقر سكن لمكاتب الدعوة، أو جمعيات البر الخيرية، أو جمعيات تحفيظ القرآن، هل تعد من الصدقة الجارية؟
الجواب
كل شيءٍ يبقى فهو صدقة جارية، ولا يلزم أن يبقى إلى الأبد لأنه ليس هناك شيء يبقى إلى الأبد، لكن إذا كان الشيء ثابتٌ يبقى، مثل: العقارات والمساكن وما أشبه ذلك، هذا من الصدقة الجارية.(199/24)
حكم الوقوف بعرفة ليلة العاشر من ذي الحجة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما الحكم فيما إذا وقف بـ عرفة في الليل هل عليه شيء؟ الشيخ: أي ليلة؟ السائل: ليلة العاشر.
الشيخ: لا بأس، لكن السنة أن يقف في النهار والليل، أي: إذا غابت الشمس دفع، لكن إذا تأخر فله إلى طلوع الفجر.(199/25)
حكم صيام ثلاثة أيام بعد الثالث عشر من ذي الحجة لمن لا يجد الهدي
السؤال
فضيلة الشيخ! الحاج المتمتع الذي لا يجد هدياً هل له أن يصوم الثلاثة الأيام التي في الحج بعد اليوم الثالث عشر من منى؛ لأنها من الحج؟ الشيخ: الثاني عشر أبداً الحج الثالث عشر وانتهى.
السائل: الآية يا شيخ.
الشيخ: ما هي؟ ثلاثة أيام في الحج؛ الحج يبتدئ من حين الإحرام في الحج اليوم الثامن، لكن لا نقول: يصوم اليوم الثامن والتاسع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصم في عرفة، إذاً يصوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ولهذا قال ابن عمر رضي الله عنهما وعائشة رضي الله عنها: [لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي] .
قال أهل العلم: وله أن يصومها من حين إحرامه بالعمرة إذا عرف أنه لن يجد.
واستدلوا لذلك بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (دخلت العمرة بالحج) وعلى هذا: فإذا قدم الإنسان في ذي القعدة وهو عارفٌ أنه لن يجد هدياً فله أن يصوم من حين أن يحرم بالعمرة، ثلاثة أيام والباقي إذا رجع إلى أهله.
السائل: قوله تعالى يا شيخ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] ، وقوله في الآية الأخرى: {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة:196] ونقول: إن الحج إلى نهايته.
؟ الشيخ: فرق بين: (في الحج) وبين (أشهرٍ معلومات) ، (في الحج) أي: في نفس الحج؛ والحج معروف أنه لا يبدأ إلا في اليوم الثامن إلى اليوم الثالث عشر.
السائل: والأعمال يا شيخ! لا تؤخر مثل طواف الوداع بعد الثالث عشر مثلاً؟ الشيخ: المسألة خلافية: بعض العلماء يقول: لا يجوز تأخير طواف الإفاضة إلى ما بعد أيام التشريق.
وبعضهم شدد وقال: لا يجوز إلا في يوم العيد، وأن من غابت عليه شمس يوم العيد ولم يطف طواف الإفاضة وجب عليه أن يعود محرماً.
وكلا القولين ضعيف.
والصواب: أن الأمر واسع، وأنه إذا غابت الشمس قبل أن يطوف للإفاضة فقد حل التحلل الأول ويبقى على حله، وأما الطواف بعد أيام التشريق فله أن يؤخر إلى آخر يوم من ذي الحجة.(199/26)
ليس كل شيء على شكل الصليب يكون صليباً
السؤال
فضيلة الشيخ! مررت بأحد المباني في إحدى مدننا، وكان هذا المبنى النوافذ فيه على شكل صلبان -كل النوافذ- وهو مكون من عشرة طوابق، وهي مشابهة تماماً لما يصممه الغربيون في منازلهم؟
الجواب
والله يا أخي! هذه تحتاج إلى مشاهدة العمارة، وليس كل ما جاء على شكل الصليب يكون صليباً، وإلا لقلنا: علامة زائد حرام، وقلنا: الغرب الذي كان الناس يستقون به حروثهم حرام؛ لأنه معروف خشبتين معترضتين، الصليب له شكل معين وله قرائن تدل على أنه صليب، فيحتاج إلى مشاهدة العمران، وإذا أردت أن تسير بإخوانك في نزهة حتى نصل هذه العمارة نشاهدها.
السائل: قريبة يا شيخ.
الشيخ: حسن.(199/27)
الأعمال التي يحصل بها التحلل الكامل
السؤال
يا فضيلة الشيخ! هل يجوز للإنسان إذا طاف طواف الإفاضة فقط أن يجامع زوجته؟ وبماذا يحصل التحلل الأول؟
الجواب
التحلل يحصل بالرمي والحلق أو التقصير، والتحلل الثاني يحصل بالرمي والحلق أو التقصير والطواف والسعي أربعة، إذا فعل هذه الأربعة فإنه يجوز له أن يجامع زوجته؛ لأنه حل الحل كله.(199/28)
حكم النيابة عن المرأة في رمي الجمرات بسبب الزحام
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز التوكيل عن المرأة في رمي الجمرات وطواف الإفاضة بسبب الزحام؟
الجواب
الزحام في الواقع يمكن إذا انتظر الإنسان زال الزحام، لكن أحياناً الإنسان ما يمكنه أن يتأخر ويرمي بعد الزوال مباشرة في اليوم الثاني عشر، في هذا اليوم أرى أنه يأخذ إنابة من المرأة؛ لأن المرأة مهما كانت حتى ولو كانت شابة في مثل هذا الزحام لا تستطيع، ثم كيف نقول: إن الإنسان يرمي وهو لا يدري أيموت أم يحيا، وفي الحديث الصحيح: (لا صلاة بحضرة طعام) لأن القلب مشوش، والرمي عبادة.
فأرى: أنه في اليوم الثاني عشر لمن تعجل ولم يتأخر إلى العصر أن يأخذ حصى كل النساء اللاتي معه ويرمي؛ لأنا شاهدنا أمراً فضيعاً جداً، المرأة تتعب تعباً عظيماً وقوتها أدنى من الرجل وربما تسقط عباءتها، تحاول أن تأخذها فتدعس.
في العام الماضي سقط من شخصٍ من الرجال متاعه عند الجمرة فانحنى ليأخذه فدعسه الناس وسقط من وراءه عليه حتى مات اثنا عشر رجلاً، المسألة ليست هينة، وتعرفون غشم الناس اليوم ليس عندهم إيمان ولا ضمير ولا لغة أيضاً، اللغات مختلفة، ربما يضيق عليك إنسان من الزحام وتصيح: ابعد عني، أنقذني، فيظن أنك تسبه ويزيد عليك، هذا صحيح إذا كانوا لا يعرفون اللغة.(199/29)
مدة رمي جمرة العقبة
السؤال
ما هي مدة رمي جمرة العقبة يا شيخ؟ الحواب: رمي جمرة العقبة إلى فجر اليوم الحادي عشر، فإن فاتت طلع الفجر وأنت ما رميت، فمن العلماء من يقول: أخرها إلى ما بعد الزوال.
ومنهم من يقول: ارمها ولو في الضحى؛ لأن هذا قضاء وليس بأداء.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(199/30)
لقاء الباب المفتوح [200]
للحج أحكام كثيرة متعلقة بهذه الشعيرة التي عظمها الله سبحانه وتعالى، ومن أهم تلك الأحكام هو ما تكلم عنه الشيخ في هذا اللقاء المفتوح، حين كان محور حديثه عن محظورات الإحرام وأحوال من وقع فيها من حيث الأحكام المترتبة على الإتيان بأحد المحظورات إما جهلاً أو نسياناً أو تعمداً أو غير ذلك.(200/1)
محظورات الإحرام
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء المتمم للمائتين من اللقاءات المعروفة بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو (23) من شهر ذي القعدة لعام (1419هـ) وهو آخر لقاء يكون قبل الحج.
نذكر فيه محظورات الإحرام.
وذلك أن الله تعالى بحكمته جعل للعبادات شروطاً لا تصح إلا بها، وجعل لها أوصافاً لا تتم إلا بها، وجعل لها موانع تحرم بها، فمثلاً: الصلاة فيها محظورات: الكلام، الأكل، الحركة الكثيرة، وما أشبه ذلك.
الصيام فيه محظورات: الأكل، والشرب، وغيرهما من المفطرات.(200/2)
حلق الرأس
الحج فيه محظورات، ومن محظورات الإحرام: حلق الرأس، لقول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] حلق الرأس محرم على الحاج من حين يحرم إلى أن يحل التحلل الأول في الحج وأن يحل تحللاً كاملاً في العمرة، فمثلاً في العمرة: إذا طاف وسعى بقي عليه التقصير أو الحلق، في الحج إذا رمى جمرة العقبة يوم العيد ونحر حلق أو قصر، فلا يجوز للمحرم أن يحلق رأسه، فإن فعل ذلك لغير عذر صار آثماً ووجبت عليه الفدية وهي كما ذكر الله تبارك وتعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] الصيام فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ثلاثة أيام، والصدقة إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، والنسك ذبح شاة، يخير فيها الإنسان.
وإذا كان غير عامد بأن يكون جاهلاً أو ناسياً فلا إثم عليه، ولا فدية على القول الصحيح.
وإن كان عالماً ذاكراً متعمداً لكن لعذر مثل: أن يصيبه وجعٌ في رأسه ويقول الأطباء: لابد من حلق الرأس.
فهنا يحلق ويفدي، يحلق جوازاً ويفدي بما علمتم، ودليله: حديث كعب بن عجرة -رضي الله عنه- أنه أصابه أذىً في رأسه فأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يذبح شاةً، أو يتصدق بصدقةٍ ثلاثة أصواع يطعم بها ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام.(200/3)
الجماع ومقدماته
ومن المحظورات: الجماع ومقدماته، لقول الله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197] الرفث: الجماع ومقدماته، فلا يجوز للمحرم أن يجامع أو يباشر زوجته لشهوة أو يمسها بشهوة بل يجتنب ذلك كله، بل يجتنب حتى الخِطبة لا يجوز أن يخطب امرأة، حتى عقد النكاح لا يحل، كل هذا بعداً عن الجماع؛ لأن الجماع مما تدعو إليه النفس، فلو عقد فلعله يجامع، ولو خطب فلعله يعقد ثم يجامع، فحرم الشرع كل ما كان وسيلة إلى الجماع، وإذا جامع قبل التحلل الأول ترتب عليه الإثم، وفساد النسك، ووجوب المضي فيه، ووجوب قضائه من العام القادم، وبدنة يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء، فترتب على ذلك خمسة أشياء، وهذا لعظم النكاح أي الجماع.
المباشرة كذلك حرام، يعني: لو كانت امرأته معه فقبلها أو باشرها فذلك حرام، فإن أنزل كان أشد.
ومن محظورات الإحرام: الخِطبة -بكسر الخاء- يعني: أن يخطب الرجل المرأة من أبيها أو وليها.
ومن محظورات الإحرام: عقد النكاح، فإذا عقد المحرم النكاح قبل أن يحل ترتب على ذلك الإثم، وفساد العقد، ولكن النسك لا يفسد، بل يفسد العقد عقد النكاح، فإذا حل من نسكه أعاد النكاح ولابد؛ لأن النكاح كان فاسداً.(200/4)
لبس القميص والسراويل والبرانس والعمائم والخفاف
من محظورات الإحرام: ما ذكره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حينما سئل ما الذي يلبس المحرم من الثياب؟ فقال: (لا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا البرانس، ولا العمائم، ولا الخفاف) أي: وما عدا ذلك فيلبسه، فالممنوع معدود والمباح غير معدود، البس ما شئت، لكن لا تلبس هذه الأشياء.
القميص: الثياب التي علينا هذه تسمى أقمصة.
البرانس: ثياب واسعة لها غطاءٌ للرأس متصلٌ بها، يلبسها أهل المغرب كما تشاهدونه في الحرم.
السراويل معروفة.
العمائم: لباس يلف على الرأس.
الخفاف: هي ما يلبس على الرِجل من جلدٍ أو نحوه يستر الرِجل.
ثم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل ولا فدية عليه، ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين) .
وهذه المحرمات من اللباس هي حرام على الرجل فقط والمرأة لا يحرم عليها قميص ولا سراويل ولا خمار.(200/5)
الطيب
من محظورات الإحرام: الطيب.
فلا يتطيب الإنسان بعد إحرامه لا بالبخور ولا بالدهون، دليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران ولا الورس) والورس: نباتٌ يشبه الزعفران في الطيب.
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الذي وقصته راحلته فمات وذلك يوم عرفة، فجاءوا يستفتون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ماذا يفعلون به؟ فقال: (اغسلوه بماءٍ وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه) والحنوط: أطيابٌ يُطيَّب بها الميت، ثم قال: (فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) وعلى هذا فنقول للمحرم: لا يحل لك أن تتطيب لا بثوبك ولا ببدنك إذا عقدت الإحرام.
فأما البخور فإن أخذه وتطيب به فهو حرام، وإن شمه وهو بعيدٌ عنه فلا بأس، كما أنه لو دخل دكان عطار وشم الطيب فإنه لا إثم عليه؛ لأن الممنوع هو التطيب والشم ليس بتطيب.
وأما الروائح الطيبة التي لا تعد طيباً كرائحة التفاح والنعناع وما أشبهه فلا بأس به؛ لأن هذا ليس بطيب.(200/6)
تغطية الرأس ولو بغير العمامة
ومن محظورات الإحرام: تغطية الرأس ولو بغير العمامة، فلو وضع الإنسان على رأسه منديلاً لكان ذلك حراماً عليه، دليله قول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الذي وقصته راحلته قال: (لا تخمروا رأسه) أي: لا تغطوه.
فأما حمل المتاع يعني: العفش على الرأس فليس هذا تغطية؛ لأنه لا يراد للستر غالباً، فلا حرج على المرء أن يحمل عفشه على رأسه.
وأما الاستظلال دون الستر فلا بأس به، مثل: الشمسية عن المطر أو الحر فتجوز للمحرم، ودليل ذلك ما رأته أم حصين رضي الله عنها: أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر على راحلته ومعه أسامة وبلال أحدهما يقوده والثاني قد رفع ثوباً ليظلله من الحر حتى رمى جمرة العقبة.
وهذا دليلٌ واضح، وبناء عليه: يجوز للإنسان المسلم أن يركب السيارة المسقوفة؛ لأن هذا تظليل وليس تغطية، خلافاً للمشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله فهم يقولون: إنه لا يجوز للمحرم أن يركب السيارة المسقوفة.
وهذا المذهب ضعيف.
واعلم أن تغطية الرأس يكون على أربعة أشياء: 1- تغطية الرأس بما يقصد به الستر، هذا حرام.
2- تغطية الرأس بما لا يقصد به الستر كحمل العفش هذا حلال.
3- الاستظلال بتابعٍ للمحرم كالشمسية والسيارة وهذا فيه خلاف، والصحيح: أنه جائز.
4- الاستظلال بما هو منفصل عن المحرم كالخيمة والشجرة يجعل فوقها ثوباً يستره هذا حلال بالإجماع.(200/7)
قتل الصيد
الصيد: كل حيوانٍ حلالٍ متوحش، يعني: طبيعته التوحش والنفور من الآدميين، هذا هو الصيد، فيحرم على المحرم لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95] .(200/8)
أحوال فاعل محظورات الحج
واعلم أن فاعل المحظورات ينقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- أن يكون معذوراً.
أي: محتاجاً إلى فعل المحظور فيفعله متعمداً للحاجة والضرورة؛ فهذا جائز لكن عليه الفدية، مثاله: حلق الرأس، إنسان قيل له: إن علاجك يحتاج إلى حلق الرأس فحلقه، ليس عليه إثم لكن عليه الفدية.
2- أن يفعله معذوراً بجهلٍ أو نسيان أو إكراه فهذا لا شيء عليه، لا إثم ولا فدية، مثاله: أن يقتل صيداً وهو لا يدري أنه حرام، فلا شيء عليه ولا فدية ولا إثم.
مثال آخر: أن يتطيب ظناً منه أن الطيب ليس حراماً، فليس عليه شيء لا إثم ولا فدية.
مثال ثالث: رجل حاج معه زوجته فانصرف من عرفة إلى مزدلفة وجامع أهله في تلك الليلة ظناً منه أن الحج عرفة وانتهى عرفة، فهذا ليس عليه شيء لا إثم ولا فدية ولا قضاء؛ لأنه جاهل.
مثال رابع: إنسان يطوف وهو محرم فقبل الحجر ولم يعلم أن فيه طيباً فعلق الطيب في شفتيه فليس عليه شيء لأنه لا يدري، لكن عليه من حين يعلم أن الطيب علق به أن يزيله، لكن بماذا يزيله؟ إن قلنا: يزيله بثياب الإحرام علق بثياب الإحرام، فبماذا؟ يزيله بمنديل ويحذف المنديل لا يصحبه.
طيب فإن لم يكن معه منديل؟ إذا أمكن أن يزيله بكسوة الكعبة، يمسحها هكذا بيده ويمسح كسوة الكعبة حتى يذهب، فإن عجز فلا إثم عليه، والإثم على هذا الذي وضع الطيب في الحجر الأسود؛ لأنه هو الذي ألجأ المسلمين إلى أن يمسوا هذا الطيب، ولذلك هؤلاء المساكين يصبون الطيب على الحجر وعلى كسوة الكعبة صباً وربما يكون من أغلى أنواع الطيب، وهم بذلك بالنسبة للحجر الأسود إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة، أما الأجر فليس لهم أجر إلا على النية؛ لأنهم يلطخون المسلمين به، فيأثمون بذلك، لأنهم يلجئون المسلمين إلى أن يأثموا، وإن كان المسلم جاهلاً ولا يدري، ليس عليه إثم.
فاعل المحظور إما أن يفعله متعمداً لكن لعذرٍ يبيح له الفعل فهذا جائز ولكن عليه الفدية، ومن ذلك: أن يضطر الإنسان إلى الأكل ولا يجد إلا أرنباً وهو صائم فيقتلها أو يذبحها إن قدر عليها وهو محرم ويأكلها لكن عليه الجزاء.
الثاني: أن يفعل المحظور معذوراً بجهل أو نسيان أو إكراه فهذا لا شيء عليه إطلاقاً والدليل: (قول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله: قد فعلت) .
وقال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] وهذا لم يتعمد.
الحال الثالثة: أن يفعل المحظور بلا عذر مع علمه وذكره واختياره فهذا آثم وعليه فديته.
نسأل الله أن يجعل حجنا وإياكم حجاً مبروراً وذنبنا ذنباً مغفوراً وسعينا سعياً مشكوراً، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.(200/9)
الأسئلة(200/10)
حكم شراء الذهب بدفتر الشيكات أو بالبطاقة البنكية
السؤال
ما حكم شراء الذهب بدفتر الشيكات وقد يكون ليس فيه رصيد، أو شراءه بالبطاقة البنكية وهذه متفشية كثيراً بين المسلمين؟
الجواب
من المعلوم أن الذهب إذا اشتري بالدراهم، فالدراهم عوض عن فضة، وبيع الذهب بالفضة يشترط فيه التقابض في مجلس العقد، والشيك ولو كان مصدقاً -يعني: أن رصيده معلوم- ليس بقبض، والدليل أنه ليس بقبض: أنه لو أتلف هذا الشيك لرجع به على الذي أعطاه إياه، إذاً فليس بقبض، نعم لو فرض أن المشتري وهو في دكان البائع اتصل على البنك وقال له: انقل من حسابي إلى حساب فلان، فإن هذا الثمن قبض؛ لأنه حول المبلغ إلى حساب البائع في نفس المجلس.
لكن كيف يعمل إذا لم يكن معه دراهم؟ نقول: الحمد لله الأمر سهل، يقول للبائع: ابق الذهب عندك لا تبعه، وأنا أذهب إلى البيت أو إلى الدكان وآتي بالعوض، ثم بعد حضوره بالعوض يتبايع معه بعقد جديد غير العقد الأول.
أما البطاقة البنكية فإنك تشتري كل شيء بهذه البطاقة حتى الذهب، وهذه تعتبر كالدفع الفوري، لكن هذا المبلغ لا يتحول إلا بعد أيام إلى حساب البائع فهنا لا يجوز الشراء بالبطاقة البنكية.(200/11)
حكم صلاة الجماعة في الاستراحة
السؤال
نحن نخرج في استراحة وبجوارنا مسجد ونسمع النداء فإذا أذن المؤذن نصلي في الاستراحة؟
الجواب
إذا كان أذان المسجد بدون مكبر الصوت لا يسمع، فليس عليكم شيء وصلوا في مكانكم.(200/12)
مشروعية تعجيل الجنازة
السؤال
انتشر في الآونة الأخيرة تأخير الجنازة إلى الغد، أو إلى أن يحضر أولياء الميت، وكذلك الاصطفاف بعد الدفن للتعزية، ما رأي فضيلتكم في ذلك؟
الجواب
أما الأول: فهو خلاف السنة لا شك في هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أسرعوا بالجنازة) وتأخيرها خلاف أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم هو من جهة أخرى إساءة إلى الميت؛ لأن الميت الصالح إذا خرج من بيته يقول: قدموني قدموني.
يتمنى الإسراع؛ لأنه مقبل على سكنٍ في الجنة -اللهم اجعلنا منهم- فهو إساءة للميت من جهة، وخلاف أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من جهة أخرى، وأولياؤه أو أصدقاؤه الذين ليسوا بحاضرين يمكنهم إذا جاءوا يصلون على قبره كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قبر الرجل أو المرأة التي كانت تقم المسجد.
وأما الاصطفاف للعزاء فهذا اتخذه الناس يقولون: إنه أسهل، كان الناس في الأول كل إنسان في جهة من أهل الميت فإذا عزوا واحداً جعلوا يلتمسون الآخر أين فلان أين فلان؟ فقالوا: نجتمع جميعاً ليكون ذلك أسهل، فإذا لم يتطور هذا الشيء إلى محذور فهذا لا أرى فيه بأساً -إن شاء الله- لكن الذي لا أرى له وجهاً: هو أنهم يقبّلون (يعانقون) أهل الميت، وهذا لا أصل له، إلا إذا كان الإنسان قادماً من سفر وقبّله (عانقه) بناءً على قدومه من السفر.(200/13)
حكم إجابة الدعوة سواء كانت وليمة عرس أو غيرها
السؤال
فضيلة الشيخ: إجابة الدعوة سنة أم واجبة؟
الجواب
أما دعوة العرس فالإجابة إليها واجبة بشروط: الأول: أن يعينه بقوله: يا فلان! احضر.
الثاني: ألا يكون في الإجابة ضرر عليه.
الثالث: ألا يكون في المكان منكر، فإن كان فيه منكر فإن قدر على تغييره وجب عليه الحضور: إجابة للدعوة ونهياً عن المنكر، وإن كان لا يقدر فلا يجيب.
أما غير وليمة العرس فأكثر العلماء على أن الإجابة سنة وليست بواجبة، وقال بعض العلماء: إنها واجبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست -أو قال: خمس-: وإذا دعاك فأجبه) فلا ينبغي للإنسان أن يتخلف عن إجابة الدعوة إلا لعذر.(200/14)
رجل دخل يصلي مع إمام ركعة زائدة نسياناً من الإمام فهل تحسب له
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا دخل المأموم مع إمام يصلي -صلاة رباعية صلاة العصر أو العشاء- فزاد الإمام ركعة خامسة، هل تحسب للداخل ركعة؟
الجواب
لو دخل معهم في الركعة الثانية وسلم الإمام بعد الخامسة فإنه يسلم معهم، لأنه يكون بذلك قد صلى أربعاً، ولو أتى بخامسة فيكون قد زاد في الصلاة زيادة عمد، وهذا لا يجوز.
لكن إذا دخل في الركعة الرابعة، ولم يعتقد أن الإمام زاد خامسة متعمداً فيكون دخوله مشروعاً فيحتسب الركعة، وإذا سلم الإمام أتى بركعتين.
وأنا قلت هذا لأن بعض العلماء رحمهم الله قالوا: إنه لا يحتسب بالزائدة، ولكنه قولٌ ضعيف، الإمام معذور؛ لأنه زادها نسياناً، وأنت -أيها المسبوق- غير معذور؛ لأنك ستزيد ركعة متأكداً أنها زائدة.(200/15)
إدراك صلاة الجماعة
السؤال
فضيلة الشيخ: بالنسبة لإنسان جاء إلى مسجد وقد فاتته بعض الركعات، وهناك جماعة أخرى ستأتي هل الأفضل أنه يصف معهم أو ينتظر؟ الشيخ: إذا كان سيدرك ركعة مع الجماعة الأولى فلا ينتظر للثانية وإن تيقن من مجيئها؛ لأن الجماعة التي يرتب عليها سبعاً وعشرين درجة هي الأولى، أما الجماعة الثانية فهي أفضل من أن يصلي كل واحدٍ وحده، لكن لا يترتب عليها فضل الجماعة الأولى، فإذا كان يدرك مع الجماعة الأولى ركعة فلا ينتظر الثانية.
أما إذا كان قد فاته التشهد الأخير وتأكد أنه سيأتي أحد فينتظره، وإن لم يتأكد دخل مع الإمام.(200/16)
حكم البقاء في منى والخروج منها
السؤال
فضيلة الشيخ: ذكرت في فتوى سابقة أن من يذهب من منى بعد صلاة الفجر إلى سكنهم في مكة أن أجرهم ناقص، فما هي الفترة التي يستطيع فيها الحاج أن يذهب؟ الشيخ: إذا رمى ونحر وحلق ينزل مكة، هذا هو الأصل.
والأفضل في أيام التشريق أن يكون في منى طوال الفترة.
أما كلام الفقهاء أن كل النهار له حتى لو ذهب إلى القاهرة أو وراء القاهرة ويرجع، فإن هذا قول ضعيف، نحن نرى أن الإنسان الذي يريد أن يحج حجة النبي صلى الله عليه وسلم يتقيد بها، والنبي صلى الله عليه وسلم بقي في منى وما نزل إلى مكة إلا يوم العيد لطواف الإفاضة.(200/17)
حكم حثو التراب على القبر أثناء الدفن
السؤال
فضيلة الشيخ: هل يشترط الحثو على القبر وهل له من أجر؟
الجواب
ليس بشرط، لكن إن شاء الله الذي يحثو ثلاث حثيات يكون مشاركاً في الدفن.(200/18)
كيفية علاج من ابتلي بوساوس شيطانية
السؤال
فضيلة الشيخ! لي أخ في بداية التزامه وأسأل الله له الثبات، ولكنه يعاني من وساوس شيطانية وجميع تلك الوساوس في أمور دينه، وهو الآن في حالة نفسية جعلته يتردد على المستشفيات، علماً أنه ذهب إلى شيخ يقرأ عليه وقال: إنها وساوس، وإن شاء الله تذهب وتزول، ولكن دون جدوى، فما نصيحتكم؟ وهل يأثم يا فضيلة الشيخ! على تلك الوساوس حتى ولو كان لا ينطق بها؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بشر أخاك بأن هذا الذي يجده في نفسه هو الإيمان الخالص؛ لأن الشيطان كان في الأول قد لعب عليه وأفلته من دينه ولا يحس بشيء، لأن الشيطان مستريح ما دخل عليه شيء، فلما اتجه إلى الالتزام حينئذٍ تسلط الشيطان عليه ليفسد عليه دينه، ويصرفه عن التزامه، فبشره أن هذا صريح الإيمان، ولا يلتفت إليه، وهو لا يأثم به، حتى لو قال له الشيطان ما لا أستطيع أن أتكلم به وهو أيضاً لا يستطيع أن يتكلم به، فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولينتهِ، وحينئذٍ يزول عنه؛ لأن الله يقول: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76] فالشيطان يكيد لابن آدم إذا رآه ملتزماً، يكيد إليه بالوساوس التي توصله إلى الشك -والعياذ بالله- فليستعذ بالله، ولينته، وبإذن الله لن يصيبه شيء؛ لأن الذي وصف لنا هذا الدواء هو أعلم الناس بعلاج هذه الأمور وهو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أمرنا إذا أحسسنا بهذه الوساوس أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وننتهي وبالتالي ينخنس الشيطان ويبطل كيده، فبشره بهذه البشرى، وقل له: لا يلتفت لذلك الشيء.
إذا أذن المؤذن يقوم ويتوضأ ويصلي ولو في قلبه كل الوساوس، حتى لو كان يشعر أنه لا يصلي، فإن فإن هذا لا يضره، وإن شاء الله ما له شر، إذا أخذ بهذا الدواء من هذا الطبيب العالم بالدواء والداء؛ فليبشر بالشفاء.(200/19)
حكم الصلاة في ثوب فيه دم كالرعاف مثلاً
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم الصلاة إذا كان في الثوب دم يخرج من الأنف؟
الجواب
الصلاة في الثوب الذي فيه دمٌ من الرعاف صحيحة؛ لأن المسلمين يصلون في ثيابهم بدمائهم في الجهاد، والرعاف كثيرٌ في الناس، ولابد أن يصيب الثياب منه شيء، فالصلاة في ثوبٍ أصابه دم الرعاف جائزة صحيحة.(200/20)
حكم الحج بإزار متصل من جميع النواحي
السؤال
في الحج الماضية حججت بإزار متصل من جميع النواحي غير مفتوح، وكان الناس ينكرون يقولون: أن هذا الشيء ما يجوز، فما حكمه؟
الجواب
هل لما جعلته متصلاً خرج عن كونه إزاراً؟ لا.
ولا يضرك أن يكون مخيطاً أو فيه سير لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أباح الإزار بغير قيد.
أما الناس الذين ينكرون ذلك فإنهم لا يعرفون كل شيء، فما دام إزاراً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل) فأباح الإزار على كل حال، من قال: إنه لا يباح إلا إذا كان مفتوحاً وذهبت تعقده؟ من قال هذا؟ نحن ما دام عندنا لفظ مطلق غير مقيد فالحمد لله.
نظير هذا الشرّاب التي فيها شقوق، بعض الناس ينكر عليك أنك تمسح عليه، ونحن نقول: ما هو الدليل؟ ما دامت تسمى جورباً والشرع أطلق ولم يقيد فالحمد لله، والله تعالى يعلم كل شيء، لو كانت هناك قيود يحتاج إليها المسلم في عباداته لبينها الله عز وجل إما في القرآن أو في السنة.
وأي واحد ينكر عليك قل له: تعال يا أخي! بيني وبينك السنة، هل هذا إزار أو لا؟ سيقول: إزار.
قل: ما دليلك على أن الإزار المتصل حرام، والسنة جاءت بإباحة الإزار مطلقاً؟ سيقولون: المخيط والمخيط كلمة ما جاءت في السنة أبداً، وقد سمعت ما قاله الرسول لما سئل: ما يلبسه المحرم؟ القميص لو كان منسوجاً بدون أي خيط حرام، والإزار والرداء لو كله مرقع فإنه حلال وكله خياط، فكلمة المخيط هذه ما وردت لا في لسان الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في لسان أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا الصحابة، وأول من نطق بها إبراهيم النخعي وهو من فقهاء التابعين رحمه الله، وهي كلمة لا تصح، بدليل: أن الإزار المخيط -المرقع- يجوز، وأما القميص المنسوج من دون خياط حرام مع أنه ليس هناك خلاف.
وانظر إلى هذه الكلمة كيف أوجبت الإشكال على الناس الآن؛ الآن يأتي بعض الناس يستفتي يقول: هل يجوز أن ألبس النعل المخرز بناء على أن فيها خياطاً.
(الكمر) هذا الذي فيه الخياط يأتون يسألون عنه: هل يجوز لبسه؟ لأنه مخيط، فلو أننا بقينا على ما جاءت به النصوص لسلمنا من الإشكالات.(200/21)
حكم الإسبال وهجر من يسبل
السؤال
جزاك الله خيراً يا شيخ! هل الإسبال من الكبائر، وهل يجوز هجر من يسبل؟
الجواب
الإسبال من الكبائر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توعد عليه فقال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليم، قالوا: من هم يا رسول الله! خابوا وخسروا؟ قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) فهو من الكبائر.
أما هجره فيا بني! اعلم أن الهجر دواء إن أفاد فاستعمله، وإن لم يفد أو زاد الطين بِلَّة فاتركه، فهذا الرجل المسبل إن كان إذا هجرناه استقام وخجل وقال: كيف أكون عند الناس مثل السامري يقول: لا مساس.
ثم رفع ثوبه فاهجره.
إن كان إذا هجرته زاد معصية وكرهك وأبغضك وألَّب عليك الناس فهنا لا تهجره، حسبك هذه القاعدة: الهجر دواء إن أفاد فافعله، وإن لم يفد فلا تفعله.(200/22)
حكم شراء المجلات التي فيها صور للفائدة
السؤال
توجد في الأسواق بعض المجلات الإسلامية التي توجد فيها كثير من الصور صور فوتوغرافية أو الصور المرسومة باليد، فما حكم شراء هذه المجلات خاصة التي فيها فائدة؟ وأيهما أخف الصور الفوتوغرافية، أو الرسم اليدوي؟
الجواب
الذي نرى أن المجلات تختلف فهناك مجلات ليس فيها إلا صورة كصورة المتكلم -الكاتب- لإثبات أنه هو؛ لأني لو رأيت شيئاً مكتوباً باسم فلان وهنا في الصورة له قد أشك في هذا، خصوصاً إذا اطّرد العرف بأن طريق الإثبات كونه كلاماً لفلان أن توجد صورة، فهم يجعلون الصورة من باب إثبات النسبة لهذا الشخص، هذا ما فيها شيء.
أما شيءٌ اتخذ للتصوير مثل ما يوجد في بعض المجلات بدليل: أنها تلون الصورة وتلمع الصورة فاقتناء هذه حرام، وإذا قدر أن فيها فائدة فهذه الفائدة موجودة في مجلاتٍ أخرى سواها، وموجودة في كتب العلماء رحمهم الله، هذه اهجروها وقاطعوها وحذّروا منها، ولا تسأل: هل هو باليد أو بالآلة الفوتوغرافية.(200/23)
حكم الصلاة إلى غير اتجاه القبلة
السؤال
أحسن الله عملكم: رجل صلى صلاة الفريضة خارج بلده، فصلى إلى غير جهة القبلة مع العلم أنه قد سأل عن الاتجاه الصحيح ودلوه لكن أشكل عليه عندما غير الغرفة التي سأل فيها؟
الجواب
عليه أن يعيد صلاته، فإن كان مسافراً -وهو الظاهر- فيعيدها قصراً، وإن كان مقيماً فيعيدها إتماماً.(200/24)
حكم جمع الظهر إلى العصر يوم الجمعة للمرأة إذا كانت مسافرة
السؤال
لا يحرم جمع صلاة العصر مع الظهر للرجل إذا كان مسافراً، فما حكمها بالنسبة للمرأة، بما أن المرأة تصلي صلاة الجمعة ظهراً؟
الجواب
لا بأس به، المحذور أن تضم العصر إلى جمعة لا إلى الظهر، ولذلك لو كان الإنسان مسافراً -أي: ما صلى الجمعة- فيصلي ظهراً وعصراً جمعاً.(200/25)
حكم التصوير بكاميرا الفيديو
السؤال
ما حكم التصوير بكاميرا الفيديو؟ الشيخ: ما فيها شيء، إلا إذا كان المشاهد محرماً، مثلاً: بعض الناس الآن في حفلات العرس يصورون النساء في الفيديو وهذا لا يجوز، لكن إن كانوا مجموعة رجال فلا مانع.(200/26)
حكم تربية الديك من أجل سماع الصوت
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز تربية الديك لتحري سماع صوته، لورود الحديث في ذلك؟ بارك الله فيكم.
الجواب
والله! لا أدري عن هذا، لأن المشروع للإنسان إذا سمع صياح الديك أن يسأل الله من فضله، فيقول: هل يجوز أن يقتني ديكاً حتى يؤذن فيسأل الله من فضله؟ لكن أخشى أن يكون ديكك أخرس.
وهذا ما ورد عن السلف، والحمد لله أنت تسأل الله من فضله سواء سمعت صوت ديك أو لا، اسأل الله من فضله دائماً.(200/27)
حكم من ترك رمي الجمار في اليوم الثاني عشر
السؤال
أحسن الله إليكم يا شيخ! ما حكم من ترك ثلاثة واجباتٍ، مثل من ترك رمي الجمار كلها في اليوم الثاني عشر؟ الشيخ: الجمرات كلها من العقبة إلى آخر جمرة في أيام التشريق واجبٌ واحد، وإذا لم يرمها في أيام التشريق كلها، فإنه يفدي مرة واحدة، إلا إذا فدى عن أول يوم فإنه يفدي عما بعد.(200/28)
إمام يصعب عليه نطق (الطاء) من (الصراط) في قراءة الفاتحة
السؤال
فضيلة الشيخ: أنا إمام جامع في الرياض عندما أقرأ الفاتحة في القراءة الجهرية عندما أقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] لا أستطيع أن أمسك الطاء، ما أدري السبب في ذلك، هل علي إثم أو لا؟
الجواب
سأعطيك ضابطاً: إذا كنت لا تنطق بالطاء فصلاتك غير صحيحة؛ لأن العلماء يقولون: من ترك حرفاً أو شدة من الفاتحة لم تصح صلاته.
فالإنسان يقدر على القيام والركوع بمشقة؛ فيوجعه ظهره، ولو شق عليك أعانك الله.(200/29)
حكم من رأى في المنام أن الشيخ يجيبه على أسئلته
السؤال
في كثير من الليالي أرى في المنام كأني في درس فضيلتكم، ويكون عندي بعض المسائل فأسألك فيها فتجيبني! فما هو حكم الجواب يا شيخ؟!
الجواب
أنا لا أستحضر هذا ولا أشعر إذا حلمت أنك تسألني، لا تعتمد على هذا، إن سمعت من الشريط لا بأس، أما نحن فلا ندرس النُوَّمَ.
يقولون: إن شيخ الإسلام رحمه الله -حكاه عنه ابن القيم في إعلام الموقعين - أشكلت عليه مرة مسائل في الدين، فرأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنام، ومن رأى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنام على صفته فهو حق، فسأله عن أشياء منها: أنه قدم جنائز من أهل البدع لا ندري أمسلمون هم أم كفار؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (عليك بالشرط يا أحمد) وابن القيم ثقة وشيخ الإسلام ثقة، وكون الرسول يقول: يا أحمد.
معناه: أنه يعلم بعض الأسماء عليه الصلاة والسلام، وقوله: (عليك بالشرط) هذا حكم لا ينافي الشرط، فإن الاستثناء بالدعاء جائز، في سورة النور في حكم المتلاعنين يقول الزوج: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور:7] وهي تقول: {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:9] وفي دعاء الاستخارة: (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي) فهذه الرؤيا لا تنافي الأحكام في اليقظة فتكون مقبولة، فمثل هذا إذا صدق وصادف أن رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنام كما هي صورته التي هو عليها وأفتاك، ننظر بعد أن نعرض الفتوى هذه على الشريعة.
أما أنا لا تأخذ مني شيئاً بالمنام، ولو تأتي بالمسائل وتعرضها علينا يمكن تكون صحيحة.(200/30)
درجة حديث: (لا سبق إلا في ثلاث)
السؤال
فضيلة الشيخ: ما مدى صحة حديث في ما معناه: (لا سبق إلا في ثلاث: خف، أو نصل، أو حافر) ما رأيكم فيمن يقيم سباقاً للدجاج أو الحمام؟
الجواب
انظر يا أخي! الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر) السبق يعني: العيون؛ لأن هذه الأشياء يستعان بها في الحرب والقتال، فمن أجل هذه الفائدة أباح الشارع العوض فيها، فإن كانت دجاجتك يستعان عليها في القتال تركب عليها وتكر وتفر فلا بأس، وإلا فلا.
الشيخ: فهذه السباقات للحمام أو الدجاج حرام، سواء بعوض أو بدون عوض أما بعوض فظاهر؛ لأنه ميسر، وأما بدون عوض؛ فلأنه ملهاة، والإنسان إذا فتن بمسابقة في الحمام صار ليله ونهاره كله مشغولاً بها، إما جسماً وقلباً وإما قلباً، فدعها.(200/31)
حكم سباق الآدميين
السؤال
ما حكم سباق الآدميين؟
الجواب
يجوز بلا عوض؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سابق عائشة، هذا ما فيه شيء؛ لأن فيه مصلحة للإنسان.(200/32)
موضع التأمين في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ: سمعت في أحد الأشرطة للإمام محمد ناصر الدين الألباني، في مسألة: إذا أمن الإمام فأمنوا.
وشدد في ذلك قال: يجب أنه إذا أمَّن الإمام وقال: آمين، نقول بعده: آمين، أما الذي تقولونه: فهذا خطأ؟
الجواب
إن كنت قد سمعت هذا، فهل أنا أو الألباني أو فلان أو فلان معصومون من الخطأ؟ غير معصومين.
هل خطأ الشيخ الألباني أكثر أو صوابه؟ صوابه أكثر.
هذا من جملة ما أخطأ فيها؛ لأن قوله: (إذا أمَّن الإمام فأمنوا) يفسره اللفظ الثاني في الحديث: (إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين) متى يقولونها؟ بعد: ولا الضالين، إذاً مع الإمام، فيكون معنى: (إذا أمن) يعني: إذا بلغ موضع التأمين، أو إذا شرع في التأمين.
والألباني حسناته أكثر وصوابه أكثر من خطئه، ولا أخاله يتضمن ارتكاب الخطأ، لكنه مجتهد كغيره، إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد، والخطأ مغفور.
مداخلة: يا شيخ! في السلسلة الصحيحة المجلد السادس وهو آخر مجلد قد نزل، رجع الشيخ الألباني عن قوله وقال: لقد تبين لي أنه يؤمن بعدها.(200/33)
رجل أدرك الإمام في الركعة الثانية وقد سها في الركعة الأولى
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا دخل الإنسان مع الإمام في الركعة الثانية وقد سها في الركعة الأولى، هل يسجد المأموم سجود السهو؟
الجواب
إن كان سجود الإمام قبل السلام فيجب أن يسجد مع الإمام؛ لأن الإمام ما انتهت صلاته، وإن كان سجوده بعد السلام -أي: الإمام- فليقم إذا سلم الإمام من الصلاة ولا يسجد للسهو؛ لأن السهو من الإمام كان قبل دخوله معه.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(200/34)
لقاء الباب المفتوح [201]
يجب على الإنسان أن يحاسب نفسه على ما فرط في جنب الله؛ حتى يكون على استعداد تام لاستدراك ما فاته في الماضي قبل أن يعرض الكتاب يوم القيامة فيتندم الإنسان ولا ينفعه الندم.(201/1)
واجب الإنسان أمام سرعة تقضي الزمان
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا نقتصر في هذا اللقاء على التذكير بنعمة الله تبارك وتعالى على عباده الحجاج والعُمَّار في هذه السنة، حيث كانت الأجواء مناسبة جداً، وكان الناس معهم بعض التنظيم في الطواف والسعي والجمرات فحصل -والحمد لله- خيرٌ كثير، نسأل الله تعالى أن يتقبل من الجميع، ونذكركم أيضاً بأن هذا اللقاء هو آخر لقاءٍ في هذا العام، وما أسرع الأيام وما أسرع الساعات تمضي سريعاً وتنتهي جميعاً، وهذا يوجب للعبد أن يتذكر أن كل آتٍ قريب، فبينما كنا نقول: ما أبعد انتهاء العام وإذا به ينقضي بسرعة وهكذا العمر أيضاً، الإنسان يترقب الآن الموت ويظن أنه بعيد ولكن لا يدري فلعله يكون قريباً، قال الله تبارك وتعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب:63] .
أيها الإخوة: إنه يجب على الإنسان أن يحاسب نفسه: ماذا أودع في العام الذي لم يبق فيه إلا يومان؟ وبماذا يستقبل الأعوام التي تأتي بعده حتى يكون على استعدادٍ تامٍ لاستدراك ما فاته في العام الماضي ولطلب المغفرة والعفو عما اجترحه من السيئات؟ وسيعرض الكتاب يوم القيامة على العبد يلقاه منشوراً، ويقال له: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] حاسب نفسك قبل أن تحاسب، واستعن بالله تبارك وتعالى على القيام بطاعته واجتناب نواهيه.(201/2)
الأسئلة(201/3)
ضابط الحرج المبيح للجمع بين الصلاتين
السؤال
فضيلة الشيخ! الحديث المرفوع إلى عبد الله بن عباس أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوفٍ ولا مطر) قالوا: ما أراد من ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته.
ما هو الضابط لتعريف الحرج المقصود بهذا الحديث الذي يجعل المسلم يترخص بهذه الرخصة؟
الجواب
هذا الحديث أخرجه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جمع في المدينة من غير خوفٍ ولا مطر، قالوا: ما أرد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته) أي: ألا يلحقها حرج.
فكلما كان الحرج والمراد بالحرج المشقة، فإنه يجوز الجمع، سواء في الحضر أو في السفر لمرض أو مطر أو ريحٍ باردة شديدة، أو ما أشبه ذلك، حتى الحامل إذا شق عليها أن تصلي كل صلاةٍ في وقتها فلها أن تجمع، حتى المرضع إذا شق عليها أن تصلي كل صلاةٍ في وقتها لكون ولدها يبول عليها وما أشبه ذلك فإنها تجمع، بل قال العلماء: حتى لو كان الخباز يخبز فخاف أن يحترق الخبز واضطر إلى أن يؤخر الصلاة فيجمعها إلى ما بعدها جمع تأخير فلا بأس.
إذاً الضابط هو المشقة، سواء في البدن أو في المال أو في الأهل أو ما أشبه ذلك، حتى لو ضاع عليك شيء وذهبت تطلبه وخفت أن يضيق عليك الوقت فاجمع؛ اجمع الأولى إلى الثانية، أو إذا كنت تخشى أن تسافر بعيداً فاجمع الثانية إلى الأولى، فالجمع بابه واسع والحمد لله.(201/4)
حكم التكبير عند محاذاة الحجر الأسود
السؤال
فضيلة الشيخ! كنت أطوف طواف الوداع وتعديت الحجر الأسود وما كبرت، وكان معي صاحب يقول: التكبير واجب، فما سمعت كلامه؛ لأني سألت واحداً قبله فقال: إنه سنة وليس بواجب.
فما حكمه يا شيخ؟!
الجواب
التكبير عند محاذاة الحجر الأسود ليس بواجب بل هو سنة، ومحله في ابتداء الشوط وليس في انتهائه، وعلى هذا فإذا كان آخر شوط فلا تكبر.
السائل: وفي أثناء الشوط؟ الشيخ: حتى في أثنائه هو سنة وليس بواجب، لو تركه الإنسان عمداً فلا إثم عليه.(201/5)
حكم تقديم الأولاد على الوالدين في الإطعام
السؤال
بالنسبة لحديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة الرجل الذي قال: نأى بي طلب الشجر يوماً.
والصبية يتضاغون جوعاً عند قدمه.
هل يشرع الآن لمن حصل له حاجة يعني: أمر لا يمكن أن يتهيأ إلا هذا الشيء، وعنده أولاد وعنده والداه هل يقدم الوالدين مع أنهما يمكن أن يحصلا عليه فيما بعد ولكن الآن الحاجة للصبي، فبناء على أن الله عز وجل استجاب دعوته هل يشرع للإنسان أن يفعل هكذا في هذه الأيام؟
الجواب
لا، هذا ليس كذلك؛ لأنا نقول: هذا الرجل كما تعرف يرعى غنماً ودائماً الإنسان يقول: الآن ارجع الآن ارجع الآن نصل إلى المرعى حتى ينفرط الوقت، وإلا فإن المحافظة على الأولاد والآباء والأمهات أولى من المحافظة على المال، لكن هذا شيءٌ معروف الإنسان دائماً يتمادى في الشيء فلا يدري إلا وقد فات الوقت، حتى أن الإنسان يكتب أحياناً ويشتغل بالكتابة قلبه وإذا به قد انفرط الوقت.
السائل: أنا أقصد: هل يقدم الوالدين في هذا الأمر مع أنه يمكن أن يحصل على هذا الشيء فيما بعد، فيترك الأولاد.
الشيخ: هذا اجتهادٌ منه، وإذا وقع مثل هذا وكان الوالدان نائمين والصبية يتضاغون من الجوع فنقدم الصبية.
السائل: وكيف استجاب الله دعاءه؟ الشيخ: لكن هذا اجتهادٌ منه، والله سبحانه يثيب الإنسان على قدر اجتهاده.(201/6)
حكم الجمع بين الهدي بمكة والأضحية عند الأهل
السؤال
هل من السنة إذا أهدى الإنسان في الحج أن يضحي؟
الجواب
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنه لا أضحية للحاج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضح، وأهدى مائة بعير، عن سبعمائة رأس من الغنم، لكن إذا كان الإنسان له عائلة ولم يحجوا معه وأوصاهم أن يضحوا عنه وعنهم.
السائل: القصد هل هو سنة؟ الشيخ: قلت لك: إذا كان له عائلة فمن السنة أن يجعل لهم أضحية عنهم وعنه إذا لم يحجوا معه، وأما الحجاج فلا يضحون، وإنما يهدون هدياً.
السائل: هنا الإشكال يا شيخ! أني أنا حججت وأمرت أهلي أعطيتهم نقوداً لكي يهدوا.
الشيخ: هذا صحيح، هذا سنة، وطيب، وحسن، وهذا هو الذي رددته عليك مرتين.(201/7)
حكم حلق شعر الخد
السؤال
يا شيخ! ما حكم حلق الشعر الموجود على الخد؟
الجواب
ذكر أهل اللغة: أن اللحية هي شعر الوجه والخدين، فجعلوا شعر الخدين من اللحية، وعلى هذا فلا يجوز حلقه ومحارشة الشعر دائماً تجعله يكون قوياً وسريع النمو، وتركه ربما إذا كان في غير المواضع المعتادة ربما يضعف ويزول.(201/8)
حكم صلاة أكثر من ركعتين بين الأذان والإقامة
السؤال
يا شيخ! هل يسن للإنسان أن يصلي أكثر من ركعتين بين الأذان والإقامة؟
الجواب
الصلاة خير موضوع أكثر منها ما استطعت إلا في أوقات النهي، فإذا جاء الإنسان مثلاً مبكراً وصلى ركعتي تحية المسجد فليصل حتى تقام الصلاة.(201/9)
حكم النغمات والأجراس الصادرة عن الآلات
السؤال
هناك آلات مثل: النداء الآلي، والبيجر، وأجهزة الهاتف والأجراس، لها نغمات تشابه الموسيقى فما هو الضابط لنعرف أنها موسيقى أو غير موسيقى، مع أنها تصدر من آلات ليست كالطبول أو آلات اللهو؟
الجواب
يقول: إنه ظهرت الآن أجهزة فيها رنات تشبه الموسيقى، أقول: في هذه الأجهزة رنات لا تشبه الموسيقى يحصل بها المقصود، فلا ينبغي للإنسان أن يعرض نفسه لشيءٍ فيه شبهة مع وجود شيءٍ واضح لا إشكال فيه.
السائل: وكيف نعرف الموسيقى؟ الشيخ: الموسيقى معروفة فما أشبهها فهو محرم.
السائل: يختلفون؟ الشيخ: يختلفون في ماذا؟ السائل: يختلفون: هل هو موسيقى أم لا؟ الشيخ: معروف يا أخي! الموسيقى معروفة، اسمع الأخبار اسمع الإذاعات، وقلت لك قبل قليل: الشيء المشتبه به اتركه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) .(201/10)
حكم الطهارة في الطواف
السؤال
فضيلة الشيخ! أحسن الله إليك: هل الطهارة في الطواف شرط؟
الجواب
جمهور العلماء: على أن الطهارة شرط في الطواف، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام) .
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنها ليست بشرط، وأنه يجوز للمحدث حدثاً أصغر أن يطوف وطوافه صحيح، واستدل لذلك بأدلة قوية من راجعها تبين له أنه الحق، وحديث: (الطواف بالبيت صلاة) لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما هو موقوف على ابن عباس، وأراد ابن عباس -والله أعلم- أنه له حكم الصلاة لكون الإنسان يخشع فيه ويذكر الله وما أشبه ذلك؛ لأن قوله: إلا أن الله أباح فيه الكلام.
لا ينطبق، فالطواف يجوز فيه الكلام، ويجوز فيه الأكل والشرب، ويجوز فيه السرعة وعدم السرعة، ولا يشرط فيه استقبال القبلة، بل لو استقبل الكعبة لما صح طوافه، وليس فيه قراءة فاتحة ولا تكبيرة إحرام ولا سلام، فكلام شيخ الإسلام في هذا أقرب للصواب، ولكن مع ذلك لا نقول للإنسان: إن طوافه بوضوء أو بغير وضوء سواء، بل بالوضوء أفضل بلا شك، إنما أحياناً يحدث مع الزحمات الشديدة أن الإنسان يحدث، إما بغازات أو بانطلاق بول أو ما أشبه ذلك، فهنا لا يستطيع الإنسان أن يلزم عباد الله فيقول له: اذهب وتوضأ وأعد الطواف في هذه الزحمات الشديدة متى يجد ماءً يتوضأ به؟ المواضئ كلها مملوءة، ثم إذا توضأ ورجع هل يؤمن ألا يحدث؟ لا يؤمن.
يمكن يحدث مرة ثانية، فإذا قلنا: بطل وضوءك اذهب وتوضأ، وذهب، متى يجد مكاناً يتوضأ فيه، فإذا توضأ وعاد ما يؤمن أن يحدث مرة ثالثة، وهلم جرا.
فإيجاب شيء لم يتبين في الكتاب والسنة أنه واجب لا سيما مع مشقة التحرز منه، فيه نظر.(201/11)
حكم صلاة الجمعة في السجن
السؤال
هل تجب صلاة الجمعة في السجن؟
الجواب
انظر بارك الله فيك، هذه لها أناس مسئولون من قبل الدولة هم الذين ينظمون الجمعة في السجون أو لا ينظمونها.(201/12)
وجوب إتمام صلاة المسافر إذا صلى خلف مقيم
السؤال
رجل مسافر دخل مع إمام مقيم في مسجد، وقد صلى الإمام ركعتين فأكمل ركعتين معه، وسلم بحكم أنه قد قصر الصلاة، هل يجوز له ذلك يا شيخ؟!
الجواب
لا يجوز هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) ، وقال: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وعلى هذا فأبلغ الذي فعل ذلك أنه يجب عليه الآن أن يعيد صلاة الظهر أربعاً، حتى لو لم تدرك مع الإمام إلا التشهد الأخير وهو متم وأنت مسافر فصل أربعاً.(201/13)
حكم التسمية قبل الوضوء
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم التسمية قبل الوضوء؟
الجواب
التسمية قبل الوضوء ليست بواجبة إنما هي سنة، إن سمى الإنسان فحسن وإن لم يسم فلا شيء عليه؛ لأن الحديث الوارد بهذا قال فيه الإمام أحمد: إنه لا يثبت في هذا الباب شيء.
نقله عنه صاحب بلوغ المرام.
ثم إن الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يذكرون البسملة.
فالصواب أن البسملة في الوضوء سنة وليست بواجبة.(201/14)
حكم الطهارة لسجود التلاوة ولسجود الشكر
السؤال
هل يشترط في سجود التلاوة والشكر الطهارة واستقبال القبلة؟
الجواب
أكثر أهل العلم فيما أعلم يقولون: لابد من استقبال القبلة والطهارة.
أما في سجود التلاوة فظاهر؛ لأنها تأتي والإنسان مستقر يستطيع أن يتوضأ ليقرأ ثم يسجد، وأما سجود الشكر فلا تشترط فيه الطهارة؛ لأن النعم التي يسجد من أجلها تأتي الإنسان على غرة وهو على غير طهارة، فإن ذهب يتوضأ فاته الوقت، وإن سجد أدرك الوقت، فالصحيح: أن سجود الشكر لا تجب له الطهارة.
وأما استقبال القبلة فهل يليق بإنسان مسلم أن يسجد ويجعل القبلة وراءه؟ لا.
وأما أن الإنسان يسجد ويجعل القبلة وراءه فلا أظن أحداً يفعل هذا.(201/15)
النهي عن ذكر محاسن الميت على المنبر
السؤال
توفي أحد الشباب من أهل الخير، معروف في جميع أنحاء البلد ويحبه أهل البلد حباً كثيرا، فما كان من أحد الإخوان في خطبة الجمعة إلا أن خطب خطبة عن الموت وفي الخطبة الثانية ذكر أخانا المتوفى باسمه وبعض صفاته، هل هذا الأمر مشروع، وكان هذا بعد خمسة أيام من وفاة الشخص هل هو أمر مشروع أم ممنوع؟
الجواب
هذا ليس بمشروع وهو يفتح باب شر؛ لأنه سيقوم الناس في مدح كل إنسان يريدون مدحه، ثم إذا مات إنسان يستحق المدح عند بعض الناس ولم يمدح صار في هذا كلام، فأرى أن هذا اجتهادٌ في غير محله، وأن الذي يحب الشخص يدعو الله له بالمغفرة بعد موته بدون أن يعلن على المنابر، فصار فيه محذوران، بل محاذير: الأول: أن هذا ليس من عمل السلف، ما سمعنا أن أحداً إذا مات الرجل الذي يثنى عليه خيراً يقوم على المنبر ويثني عليه.
ثانياً: أنه يفتح باب شر، باب الشر: هو أن كل إنسان من الخطباء يحب شخصاً يقوم ويخطب به، ويقول: هذا يستحق أن يثنى عليه على المنابر.
ثالثاً: أنه إذا مات شخصٌ أهل للثناء ولم يتكلم عليه صاحب المنبر يحدث أخذ ورد، لماذا أمس تخطب على المنبر في فلان، ولا تخطب في هذا، فيكون في هذا مفسدة.
السائل: رأيت إجماعاً من أهل البلد على حبه والثناء عليه.
الشيخ: يدعون له، أما أن يعلن على المنابر فهذا ما دام السلف مات منهم أناس يحبونهم بلا شك ولم يفعلوا هذا على المنابر.(201/16)
حكم استخدام عدسات العين للزينة
السؤال
ما حكم وضع عدسات العين بالنسبة للمرأة إذا كان هذا من باب الزينة لزوجها؟
الجواب
عدسات العين لا بأس بوضعها بشرط: ألا يكون في ذلك ضرر، والمرجع في هذا إلى نظر الطبيب، إذا قال: لا ضرر، فلا بأس.
الشرط الثاني: ألا توضع عدسة تجعل العين مشابهة لعين الحيوان، كما نقل لي عن بعض النساء أنها تجعل لها عدسة تشبه عين الغزال، أو تشبه عين الأرنب، أو تشبه عين القط، وبعضهن تجعل العدسة حسب الثياب التي تلبسها، إن لبست أبيض جاءت بعدسة بيضاء أزرق بعدسة زرقاء، فهذا لا يجوز.
أما إذا كان لجمال العين مثل: أن يكون في سوادها شيءٌ من القتمة، وتريد أن تجعل عليها عدسة عسلية تجملها فلا بأس، إذا قرر الأطباء أنه لا ضرر.(201/17)
حكم الإحرام من جدة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم الإحرام من جدة للقادم بغرض الحج أو العمرة؟ الشيخ: من أين هو قادم؟ الذي أحرم من جدة من أين هو قادم؟ السائل: قادم من خارج، من السودان، أو من الغرب، أو من أفريقيا.
الشيخ: إذا كان قادماً من بلد يصل جدة قبل أن يحاذي المواقيت مثل: الذي يقدم من السودان رأساً هذا يحرم من جدة؛ لأنه يصل إلى جدة قبل أن يحاذي رابغ وقبل أن يحاذي يلملم، وأما الذي يأتي من الشمال أو من الجنوب فإنه يحرم إذا حاذى الميقات، وكذلك الذي يأتي من الشرق، فمثلاً الذي يأتي من الرياض يحرم إذا حاذى قرن المنازل في الطائف، والذي يأتي من القصيم يمرون من عند المدينة فيحرم من ذي الحليفة، إذاً ليس أحد يأتي بالطائرة يحرم من جدة إلا الذين يأتون من الغرب رأساً، ومثل العلماء لهم: بأهل سواكن من السودان قال: هؤلاء يصلون جدة قبل أن يحاذوا المواقيت.(201/18)
وجوب وصول الحصى إلى الحوض عند رمي جمرة العقبة
السؤال
بالنسبة لرمي جمرة العقبة الكبرى، إذا رماها شخص من الجهة التي ليس فيها حوض، هل لابد أن يعيد؟
الجواب
بارك الله فيك الجمرة الكبرى وهي جمرة العقبة فيها حوض من كل جانب.
السائل: الآن؟ الشيخ: كل جانب فيها حوض.
السائل: لكن -يا شيخ- لا توجد إلا جهة احدة.
الشيخ: لا لا من كل جانب.
الشيخ: أنتم ما أدركتم، هذا من كل جانب.
مداخلة: في الأسفل.
الشيخ: في الأسفل إي نعم، في الأسفل -بارك الله فيكم- من كل جانب؛ لأن العمود الموجود لا يستوعب كل المساحة في نصف المساحة، جوانبه من اليمين والشمال يرمى منها، فلو أتيت من خلف العمود ورميت عن يمين العمود أو عن يساره أصبت الحوض.
على كل حال: الواجب أن تقع الحصاة في الحوض من أي جهةٍ كانت، حتى لو وقعت في الحوض وتدحرجت وخرجت من الحوض وأنت تشاهد فلا بأس.(201/19)
جواز كتمان العلم لدفع الضرر
السؤال
بالنسبة للوعيد من كتمان العلم الشرعي هل يندرج فيه كتمان العلم الدنيوي أيضاً، مع العلم أن البوح ببعض العلم الدنيوي ربما يجر إلى مضرة؟ الشيخ: ما فهمت؟! السائل: هناك وعيد لمن كتم العلم.
الشيخ: كتمان العلم.
السائل: كتمان العلم الشرعي؟ الشيخ: نعم.
السائل: هل يندرج في ذلك العلم الدنيوي، مع العلم أن البوح ببعض العلم الدنيوي ربما يجر إلى مضرة؟ الشيخ: كتمان العلم الدنيوي لا يحرم على الإنسان أن يكتمه، كما لو تعلم الكمبيوتر أو شيئاً من الحساب أو من الهندسة فله أن يكتمه، لكننا نرى أنه من أبخل الناس أن يمنع من تعليم هذه الأشياء، ماذا يمنعه إذا علم؟ السائل: قد يجر مضرة -يا شيخ- خاصةً إذا كان في مجال الدوائر قد يكون بعض الأشياء الموجودة التي يستخدمها عامة الناس وهو يعلم أن فيها ضرراً قد تجره إلى المضرة؟ الشيخ: إذاً إذا كان يخشى من الضرر يكتم كل شيء حتى العلم الشرعي، إذا كان يخشى من ضرر، أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قال لـ معاذ: (ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ وأخبره، قال له معاذ: أفلا أبشر الناس، قال: لا تبشرهم فيتكلوا) كل شيء يحصل منه ضرر يمنع ولا ينشر، لكن يختص العلم الشرعي بأنه كل من سئل عن علمٍ، فكتمه -وهو علم شرعي- فإنه يلجم يوم القيامة بلجام من نار -نسأل الله العافية- إلا إذا كتمه لمصلحة فلا بأس.(201/20)
وجوب طواف الوداع
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم ترك طواف الوداع بحجة أن هناك زحاماً شديداً؟
الجواب
لا يجوز، يجب أن يطوف للوداع ولو محمولاً، ولهذا لما قالت أم سلمة للرسول صلى الله عليه وسلم في طواف الوداع أنها مريضة، قال: (طوفي من وراء الناس وأنتِ راكبة) ولم يعذرها، فطواف الوداع واجب، لكنه ليس له علاقة بالحج بمعنى: لو أن الإنسان تركه فحجه تام، إلا أنه آثم إذا تعمد وعليه عند أهل العلم فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء.(201/21)
حكم سجود السهو للمأموم الذي فاتته بعض الركعات
السؤال
لو دخل مأموم في الصلاة وقد فاتته بعض الركعات وسها الإمام في صلاته، ثم سجد الإمام لسجود السهو بعد السلام، ولكن هذا المأموم مباشرة بعد السلام قام لقضاء الفوائت؟ الشيخ: طيب على كل حال نقول: إذا دخل المسبوق مع الإمام وعلى الإمام سهو، إن سجد الإمام قبل السلام فهو بالضرورة سيتابع، إن سجد بعد السلام فإنه لا يتابعه يقوم ليقضي ما فاته، فإذا انتهى من صلاته فإن كان قد أدرك الإمام في سهو وجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام، وإن كان الإمام قد سهى قبل أن يدخل معه هذا المسبوق فلا سجود عليه.
مثال ذلك: ركع الإمام في الركعة الأولى مرتين سهواً، فقد زاد في الصلاة ركوعاً، هذا المأموم المسبوق دخل معه في الركعة الثانية فلما سلم الإمام سجد بعد السلام؛ لأنه زاد والزيادة سجودها بعد السلام، المسبوق الآن باقي عليه ركعة، نقول للمسبوق: قم وائت بالركعة ولا تسجد للسهو؛ لأنه لم يدرك سهو الإمام حيث دخل معه من بعد.
مثالٌ آخر: دخل مأموم مع الإمام في الركعة الثانية فسها الإمام وركع ركوعين، ثم سجد بعد السلام، المسبوق هنا يقوم إذا سلم الإمام من الصلاة ويأتي بالركعة ويسلم ويسجد للسهو بعد السلام؛ لأنه أدرك سهو الإمام.(201/22)
الضابط للقنوت في الصلوات
السؤال
ما هو الضابط في القنوت في صلاة الفجر وما سواها من الصلوات؟ الشيخ: ماذا تريد من الضابط؟ السائل: يعني: بعض الأئمة الآن يدعون في صلاتهم، يقنتون في صلاة الفجر وما سواها من صلوات في النوازل وما يحل بالأمة الآن.
الشيخ: هذه المسألة موكولة للإمام (رئيس الدولة) في بلادنا ترجع إلى الملك، فإذا أمر بالقنوت قنتنا، وإن لم يأمر لا نقنت، على أن بعض العلماء رحمهم الله يقول: إن القنوت في النوازل لا تكون إلا للإمام فقط، الملك فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قنت للنوازل ما كانت المساجد الأخرى تقنت، والمسئول عن الأمة الإسلامية عموماً هو الملك، فإذا لم يأمر بقنوت فلا نقنت، لكننا ندعو لإخواننا في السجود، بعد التشهد، بين الأذان والإقامة، في آخر الليل، أما أن نستبد برأينا ونقنت فهذا غلط؛ لأن هذا يوكل إلى ولي الأمر، ولهذا عبارة الفقهاء يقولون: ولا يقنت في الفرائض إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة فيقنت الإمام الأعظم في الفرائض.
كل الصلوات الخمس، لكن قول الإمام الأعظم، يعني: قائد الدولة.
فالذي نرى: ألا يقنت أحد إلا بأمره، والحمد لله الدعاء لا يستجاب إلا في القنوت؟! يستجاب في كل وقت.(201/23)
كيفية التعامل الشرعي مع الشيعة
السؤال
سماحة الشيخ! نحن طلاب في جامعة الملك سعود، وهناك أعداد كبيرة من الرافضة في هذه الجامعة، ما الضابط الشرعي للتعامل معهم؟
الجواب
عاملهم بما يعاملونك به، وادعهم إلى الحق، كل صاحب بدعة عامله بما يعاملك به وادعه إلى الحق، فكثيرٌ من أتباع أئمة أهل البدع لا يعلمون أنهم على بدعة، يحسنون الظن بمتبوعيهم ولا يدرون، لو ناقشتهم بهدوءٍ وبينت لهم الحق رجعوا، فيجب أن نفرق بين الداعية إلى البدعة وبين المقلد العامي الذي لا يعرف، وعلى كلٍ فإننا نعاملهم على ما يعاملونا به، لكننا ندعوهم إلى الحق ونبين لهم الضلال الذي هم عليه من البدع، ولعل الله أن يهديهم.(201/24)
المحافظة على الطعام المتبقي في الإناء
السؤال
بعض الناس عندما ينشرون الطعام يضعون عليه العسيب والسعف ويضعون عنده تمراً، يقولون: حتى لا يأتيه شيء، فما الحكم؟
الجواب
والله! هذه علمناها قديماً ونحن صغار يقولون: إن الوزغ -وهو الذي يخاف منه- يهرب من الخوص ومن التمر ولهذا يضرب به المثل، إذا كان الشخص مثلاً يحصل عليه حوادث ولا يأتيه شيء يقولون: هذه تمرة ما يقدر عليها اللحوس، لكن هذا شيء لا أدري هل هو صحيح أم لا؟ لكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يوضع على الإناء ستر ولو عودة، فلذلك ينبغي مثلاً إذا فضل في الإناء طعام أو تمر، أو غيره مما يؤكل، أن يضع الإنسان عليه شيئاً ولو عودة هكذا جاءت السنة.(201/25)
مشروعية رد السلام على المبتدعة وأهل الكتاب
السؤال
بالنسبة يا شيخ! للرافضة أنت قلت: تعاملهم بما يعاملونك به، هل إذا قالوا: السلام عليكم نرد عليهم بالسلام، هل نبتسم في وجوههم؟
الجواب
إذا قال: السلام عليك، وابتسم في وجهك فقل: عليك السلام، وابتسم في وجهه؛ لأن الله في القرآن يقول: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] ولم يقل: إذا حياكم فلان أو فلان، حييتم أي: إنسان يحيينا بتحية نحييه بمثلها أو أحسن، ولذلك مثلاً: لو سلم عليك اليهودي أو النصراني قال: السلام عليك يا فلان! ماذا تقول؟ قل: عليك السلام يا فلان! مثلما قال تماماً، هذا أقل واجب، والإسلام كما تعلمون دين العدل يعطي كل إنسانٍ ما يستحق بلا جور.
أما إذا سلم عليك اليهودي الذي يعرف اللغة العربية وأدغم اللام فلا تدري أقال: السام عليك، أو السلام، فقل له: وعليك، فقط لا تقل: وعليك السام.
لاحتمال أن يكون قال: السلام، ولا تقل: السلام، لاحتمال أن يكون قال: السام، لكن قل: وعليك، إن كان قال: السلام، فعليه السلام، وإن كان قال: السام، فعليه السام.(201/26)
أقوال العلماء في المجاز
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هو موقف أهل السنة والجماعة من المجاز وجزاكم الله خيراً؟ الشيخ: المجاز ماذا تعني به؟ السائل: الذي هو عند أهل البلاغة وهو نفي في الحقيقة.
الشيخ: إذا كان هذا المجاز يستلزم إنكار ما وصف الله به نفسه أو تحريف النصوص عن معناها فهذا باطل بلا شك، كالذين قالوا: إن قول الله تبارك وتعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39] أي: على مرأىً مني بدون أن نثبت العين، وأن ذكر العين مجاز عن الرؤية فهذا باطل ولا يمكن إقراره، أو قالوا: استوى على العرش، أي: استولى عليه، كناية عن الاستيلاء عليه، فهذا لا يمكن إقراره.
أما إذا قالوا: مجاز، ولكنهم ما حرفوا الكلم عن مواضعه فلا بأس، على أن القول الراجح: أنه لا مجاز في اللغة إطلاقاً، لا في اللغة ولا في القرآن، والعلماء اختلفوا في هذا على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه لا مجاز في اللغة العربية.
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
القول الثاني: أن المجاز ثابت في القرآن وفي اللغة العربية، وهذا قول أكثر البلاغيين والمتكلمين.
والقول الثالث: المجاز في اللغة العربية دون القرآن، وهذا قول اختاره جماعة منهم: الشنقيطي محمد الأمين صاحب أضواء البيان.
والصحيح: أنه لا مجاز أصلاً، لأنك مثلاً إذا قلت: رأيت أسداً يدخل سيفه، هل يمكن لأي إنسان أن يتبادر لأي إنسان أنه الأسد الحيوان المعروف؟! لا، إذاً لهذه القرينة صارت هذه الجملة حقيقة في معناها، وتكون هذه الحقيقة حقيقة في معناها.
فلذلك المجاز لابد فيه من علاقة، ولابد فيه من قرينة، هذه القرينة تجعل هذا الذي كان موضوعاً لمعنىً سابق تجعله لا يحتمل هذا المعنى السابق، وحينئذٍ يكون حقيقة في سياقه، وهذا وجه ظاهرٌ لمن تأمله.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(201/27)
لقاء الباب المفتوح [202]
احتوت آيات سورة الواقعة على أمور، منها: عظم أجر المؤمنين السابقين، بالإضافة إلى أن الأعمال سبب لدخول الجنة وليست ثمناً لها، وأيضاً عن صفة سماع أهل الجنة وكلامهم، وأنهم لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً، ثم من خلال تفسيره ذكر صوراً من نعيم أهل الجنة والأشجار والثمار الموجودة فيها، واستنتج ضرورة الإيمان بالأمور الغيبية، ثم بعد ذلك تطرق الشيخ للإجابة على أسئلة شرعية مهمة.(202/1)
تفسير آيات من سورة الواقعة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني بعد المائتين من اللقاء المعروف بـ (لقاء الباب المفتوح) الذي يتم في كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس من شهر المحرم عام (1420هـ) ، أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذه اللقاءات وما شابهها مفيدة للجميع.(202/2)
تفسير قوله تعالى: (وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون)
نبدأ هذا اللقاء بما اعتدناه من الكلام على بعض آيات الكتاب الحكيم، وقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى في ذكر ثواب السابقين إلى الخيرات في الدنيا، السابقين إلى ثواب الله يوم القيامة، وما أعد الله لهم في جنات النعيم، قال الله عز وجل: {وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:22-23] (حور) : أي بيض، (عين) أي: حسان الأعين؛ لأن (عين) جمع عيناء، وهي ذات العين الواسعة الجميلة {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:23] (المكنون) أي: مغطى حتى لا تفسده الشمس ولا الهواء ولا الغبار، فيكون صافياً من أحسن اللؤلؤ.(202/3)
تفسير قوله تعالى: (جزاء بما كانوا يعملون)
قال تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة:24] أي: يجزون بهذا الثواب الجزيل، (جزاءً بما كانوا يعملون) أي: بعملهم أو بالذي كانوا يعملونه، فـ (ما) هنا يصح أن تكون مصدرية ويصح أن تكون اسماً موصولاً، والباء هنا للسببية، والباء في اللغة العربية هي حرف جر معروف، لها معانٍ كثيرة حسب السياق، فمثلاً إذا قلت: بعت عليك ثوباً بدينار، فالباء هنا للعوض، أي: هذا عوض هذا، فيكون الثمن مكافئاً للمثمن ولا فرق بينهما، وتأتي الباء للسببية كما في قوله تعالى: {فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف:57] فقوله: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} أي: بسببه، الباء هنا للسببية، والباقي قوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة:24] هل هي للعوض أم للسببية؟ أولاً: ما الفرق بينهما؟ العوض أي: أن الشيئين متكافئان، فالباء للسببية، ولا تصلح أن تكون للعوض؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لن يدخل الجنة أحدٌ بعمله -أي: بعوض- قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) .
إذاً الباء في قوله: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة:24] أي: بسبب عملهم، وليس بمعنى أنه عوض؛ لأن الله لو أراد أن يعوضنا لكانت نعمة واحدة تحيط بجميع أعمالنا، أليس كذلك؟ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18] لكن إن نعد أعمالنا أحصيناها، ولذلك استشكل بعض العلماء كيف يقول الله عز وجل: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة:24] والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (لن يدخل الجنة أحد بعمله) أجابوا عن ذلك بأن الباء في النفي باء العوض، والباء في الإثبات باء السببية.
العوض أي: أن الشيئين متكافئان، فالباء للسببية، ولا تصلح أن تكون للعوض؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لن يدخل الجنة أحدٌ بعمله -أي: بعوض- قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) .
إذاً الباء في قوله: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة:24] أي: بسبب عملهم، وليس بمعنى أنه عوض؛ لأن الله لو أراد أن يعوضنا لكانت نعمة واحدة تحيط بجميع أعمالنا، أليس كذلك؟ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18] لكن إن نعد أعمالنا أحصيناها، ولذلك استشكل بعض العلماء كيف يقول الله عز وجل: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة:24] والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (لن يدخل الجنة أحد بعمله) أجابوا عن ذلك بأن الباء في النفي باء العوض، والباء في الإثبات باء السببية.(202/4)
تفسير قوله تعالى: (لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً)
قال تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:25-26] (لا يسمعون) أي: أهل الجنة، لا يسمعون (فيها لغواً) أي: كلاماً لا فائدة منه، (ولا تأثيماً) أي: كلاماً يأثم به الإنسان، فالكلام القبيح لا يوجد، والكلام الذي لا خير فيه لا يوجد {إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:26] قوله: {إِلَّا قِيلاً} هذا يسميه النحويون استثناءً منقطعاً، والاستثناء المنقطع: هو الذي يكون فيه المستثنى من غير جنس المستثنى منه، فقوله: {إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:26] هل هي من اللغو؟ لا، هل هي من التأثيم؟ لا، إذاً الاستثناء هنا منقطع، وعلامة الاستثناء المنقطع أن تجعل بدل (إلا) (لكن) فيستقيم الكلام، فهنا لو قيل في غير القرآن: لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً، لكن قيلاً، لاستقام الكلام، إذاً (إلا) هنا للاستثناء المنقطع، لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، ومثل ذلك قوله تبارك تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ} [الغاشية:21-24] قوله: (إلا) هنا الاستثناء منقطع، لأن ما بعد (إلا) ليس من جنس ما قبلها، لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس بمسيطر، لا على الكافرين ولا غيرهم، فتكون (إلا) هنا بمعنى (لكن) ولهذا جاءت الفاء، (فيعذبه) وعليه لو أن أحداً وقف وقال: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:22] فالوقف صحيح، لأن (إلا) هنا منقطعة ليست متصلة بما قبلها، {إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:26] أي: إلا قولاً فيه السلام وإدخال السرور والفرح بين أهل الجنة جعلنا الله وإياكم منهم.(202/5)
تفسير قوله تعالى: (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين)
ثم قال عز وجل: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} [الواقعة:27] هذه الطبقة الثانية، الطبقة الأولى ما وصفهم؟ {السَّابِقُونَ} [الواقعة:10] ، والطبقة الثانية {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ} [الواقعة:27] دونهم.
{مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} استفهام تعجب وتفخيم، يعني: أي قوم هؤلاء؟ {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الواقعة:27-34] .(202/6)
تفسير قوله تعالى: (في سدر مخضود)
قال تعالى: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} [الواقعة:28] (السدر) هو: شجر معروف بارد، ظله منشط، لكن لا تظن أن السدر الذي في الجنة كالسدر الذي في الدنيا، الاسم واحد والمعنى مختلف، كما قال الله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] ولو كان ما في الجنة كالذي في الدنيا لَكُنَّا نعلم، لكن الاسم متفق وحقيقة الشيء تختلف، {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} [الواقعة:28] أي: أنه ليس فيه شوك.
{وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} [الواقعة:29] (الطلح) قيل: إنه شجر الموز، والمنضود: معناه الذي ملأ ثمرةً، ولكن مع هذا ليس الذي في الجنة كالذي في الدنيا.
{وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة:30] (ظل) أي: لا نهاية له، لأنه لا يوجد شمس في الجنة، بل هي ظل، وصف بعض السلف بأنها كالنور الذي يكون قرب طلوع الشمس، تجد الأرض مملوءة نوراً ولكن لا تُشاهد شمس، فهو (ظل ممدود) أي: ممدود في المساحة ممدود في الزمن، دائماً.(202/7)
تفسير قوله تعالى: (وماء مسكوب)
أما قوله: {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} [الواقعة:31] فالمعنى: أنه ماء مستمر دائماً، كما قال الله عز وجل: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} [الرحمن:50] دائماً، وغير الماء أيضاً هناك أنهار أخرى، من عسل ولبن وخمر، فالأنواع أربعة، وقد ورد في الحديث أن هذه الأنهار تجري بدون أخدود، والأخدود هو الشيء المرتفع، هذه تمنع الماء أن يذهب يميناً وشمالاً، الجنة لا يوجد فيها أخدود، كذلك أيضاً في الدنيا، إذا لم يكن أخدود، لا بد من حفر للماء يمشي مع هذا الحفر، وفي الجنة لا يوجد فيها لا هذا ولا هذا، أنهار تمشي من دون أخدود، سبحان الله العظيم، قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
أنهارها في غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضان
الله أكبر! سبحانه، لا تحتاج إلى تعب لا إقامة أخدود ولا حفر خنادق، إذا قال قائل: هل هذا ممكن؟ نقول: لا تتحدث فتقول: هل هذا ممكن؟ صدِّق، أخبار الغيب ليس فيها ممكن وغير ممكن، صدِّق ولا تتحدث، أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبرنا بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر؟
الجواب
بلى، وهو سبحانه وتعالى له العلو المطلق، كيف يكون عالي وينزل؟ ما هو الواجب؟ الواجب التصديق ولا نقول: كيف ولم، هذا شيء فوق مستوى عقولنا.
أمور الغيب لا تسأل عنها، ما دام أنها ثبتت في القرآن أو السنة فلا تسأل عنها؛ لأنه لا يمكنك الإحاطة بها، قل: آمنت بالله ورسوله واستمر، هنا نقول: أنهار الجنة تمشي بغير أخدود هل هذا ممكن؟ أمكن أو لم يمكن، ما دام ثبت عن المعصوم وجب علينا التصديق، على أنه في الدنيا ممكن، الآن لو مسحت يدك بدهن وصببت عليها الماء لا تجد أنها تكون زبراً بدون شيء، بدون حائل، بدون حفرة، هذا وهو في الدنيا أما في الآخرة فهو أعظم، أليس الله تعالى يقول في أهل الجنة: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات:50-53] قرينه في الدنيا يقول: أنت تصدق إننا بعد ما نكون تراباً وعظاماً أننا نبعث ونجازى تصدق بهذا؟ انظر كيف التلبيس، ما جواب المؤمن؟ هل تصدق أنك بعد أن تموت وتغمس في التراب وتصير عظاماً ورفاتاً أنك تبعث؟ انظر والله، أشد مما أصدق الشمس، هذا القرين السيئ يقول قرينه: أنت تصدق بهذا؟ {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات:53] وهو قرينه في الدنيا، لكن هذا منَّ الله عليه بالثبات وثبت وصار من أهل الجنة فقال لأصحابه: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات:54] تعالوا نطلع على قرينه الذي كان يقول له هذا الكلام {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:55] في قعر الجحيم، وهذا في أعلى عليين في الجنة، قال له يخاطبه: {تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات:56] أي: لتهلكني، بماذا؟ بقوله: أتصدق بهذا، {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:57] للعذاب، كما أنت محضر الآن، يخاطب وهذا في أعلى عليين، وهذا في أسفل السافلين، ويطلع عليه فيقول: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} ؟ هل هذا ممكن؟ كلنا نقول: هذا لا يمكن في الدنيا، لكن في الآخرة مصدقون، لكن وجدنا الآن أنه يوجد في الدنيا من صنع الآدمي، هواتف يتخاطب بها القريب والبعيد ويتراءون الصور، من صنع البشر، كيف بصنع الخالق عز وجل؟! أنا أقصد بهذا يا إخوان أن لا تستبعدوا شيئاً مما أخبر الله به ورسوله، ويجب عليكم أن تصدقوا، ولا توردوا على أنفسكم ولا على غيركم كيف يكون هذا، هذا خبر صادق عن الله ورسوله، قل: آمنت بالله واستقم على دين الله.(202/8)
تفسير قوله تعالى: (وفاكهة كثيرة)
قال تعالى: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} [الواقعة:32] (الفاكهة) كل طعام أو شراب يتفكه به الإنسان، طعامك وشرابك أحياناً يكون ضرورياً معتاداً لا تتفكه فيه، لكنه شيء ضروري للبقاء، والثاني فاكهة يتفكه بها الإنسان، مثل الفاكهة في الدنيا تفاح، وبرتقال، وموز وأشياء كثيرة، ليس فيها قلة، في أي وقت من الأوقات تجد هذه الفاكهة، بينما في الدنيا الفواكه لها أوقات معينة ثم تنقطع، ولهذا قال: {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة:33] أي: لا تقطع أبداً، في كل الأوقات، ليل ونهار، مع أنه ليس فيها ليل ولا نهار، لكنها دائمة (ولا ممنوعة) أي: لا أحد يمنعك منها، بل قد قال الله تعالى: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:23] أي: ما يقطفه الإنسان من الثمرة داني، حتى أن الإنسان إذا اشتهى ثمرة فوقه تدلى الغصن حتى يكون بين يديه، الله أكبر! بدون تعب، فاكهة الدنيا مقطوعة، تأتي في وقت دون آخر، ممنوعة أيضاً لا يمكن أن تدخل البستان وتأكل كما شئت، يمنعك صاحب البستان، أما في الآخرة فلا.
هنا يقول الله عز وجل: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة:32-33] .(202/9)
تفسير قوله تعالى: (وفرش مرفوعة)
قال تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الواقعة:34] (الفُرش) : ما ينام عليه الإنسان، جمع فراش، (مرفوعة) : عالية، انظر الآن {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الواقعة:28-34] ماذا يوجد معك على الفرش؟ الحور.(202/10)
تفسير قوله تعالى: (إنا أنشاناهن إنشاءً)
ولهذا قال: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} [الواقعة:35] بعد ما ذكر الفرش، يعني ينتقل الذهن إلى من يصاحبني في هذا الفراش، قال: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} [الواقعة:35] أي: أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً غريباً عجيباً بديعاً، فسر هذا الإنشاء بقوله: {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً} [الواقعة:36] هؤلاء الزوجات أبكار، مهما أتاها زوجها عادت بكراً، "سبحان الله! {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] نساء الدنيا إذا افتض الزوج بكارة المرأة فلا تعود بكارتها، لكن في الآخرة من حين ما ينتهي منها تعود بكراً.
{فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً} [الواقعة:36-37] (العُرب) المتحببات إلى أزواجهن، سبحان الله! هذا كمال المتعة، أن تكون الزوجة تتحبب لزوجها وتتقرب إليه وتغريه في نفسها، بخلاف نساء الدنيا، نساء الدنيا إذا أتاها الزوج يريدها، وإذا بها متكرهة متبذلة تتعبه، قبل أن ينال مراده منها، لكن هن (عُرباً) متحببات للزوج، يفعلن كل ما يوجب محبته لهن (أتراباً) على سن واحدة، لا تختلف أسنانهنَّ ونساء الدنيا واحدة عجوز لها خمسين سنة، والثانية شابة لها خمسة عشر سنة، وما بينهما ثنتين لأن الزوج في الدنيا ما يملك إلا أربعاً، واحدة خمسين سنة والثانية أربعين، والثالثة ثلاثين والرابعة عشرين، السنين مختلفة، وبالطبع إذا اختلفت السنين اختلفت رغبة الزوج، وفي الغالب يرغب في الصغيرة أكثر مما يرغب في الكبيرة، فيبقى متذبذباً لكن في الآخرة أتراب، لا تختلف أسنانهنَّ على سن واحدة، ثم قال عز وجل: {لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:38] أي: ذلك المذكور من النعيم النفسي والبدني لأصحاب اليمين، اللهم اجعلنا من السابقين الأولين يا رب العالمين إنك على كل شيء قدير.(202/11)
الأسئلة(202/12)
حكم تأخير الصلاة على الميت
السؤال
حينما يموت الإنسان -مثلاً- بعد المغرب أو قبل المغرب ولم يتمكنوا من الصلاة عليه في العشاء، فإنه يحدث من ذلك تأخير الصلاة عليه، ثم جعلوا هذا عادة لأن وسائل الحفظ موجودة والثلاجات والمواصلات متوفرة وننتظر الناس يجتمعون، بعضهم يؤخرها إلى عصر الغد، وبعضهم يقول: يصعب أن أصلي الفجر، هل ترى أن تؤدى الصلاة مثلاً ولو بعد العشاء أو كذا؟
الجواب
إنني أسأل هؤلاء البسطاء لو أن أحداً جنى على ميتهم أيمكنونه من هذا؟ لا يمكنونه، تأخير الميت جناية على الميت؛ لأنه معصية للرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال: (أسرعوا بالجنازة) والعلماء قالوا: يسرع في تجهيزه إلا أن يموت فجأة ويشك في موته فينتظر حتى يتيقن، وإلا فيسرع في تجهيزه، فتأخير ذلك معصية للرسول عليه الصلاة والسلام، هذه من جهة.
ومن جهة أخرى: جناية على الميت، الميت إذا كان صالحاً ماذا تقول نفسه: (قدموني قدموني) لأنه شاهد عند الموت النعيم الذي سيئول إليه وبشر بالجنة، كيف تأخره؟ أرأيت لو كان هناك مائدة من أحسن الموائد بينك وبينها خمسمائة متر، ويوجد شخص مشتاق لها من أقاربك، وحجزته عنها وقلت له: انتظر، أتكون ضغطت عليه أم لا؟ ضغطت عليه لا شك في ذلك ومنعته ما هو أسر له، فيكون في هذا جناية على الميت ومعصية للرسول عليه الصلاة والسلام، ومخالفة لهدي السلف الصالح، فـ السلف الصالح يسرعون بالجنازة حتى في السير بها إلى المقبرة، يسرعون إسراعاً عظيماً حتى تكاد نعالهم تتقطع من الإسراع، فلماذا نؤخر الميت المسكين، وهو قد بشر عند قبض روحه بروح وريحان ورب غير غضبان، لماذا نهينه؟ قالوا: من أجل أن يأتي أخوة من لندن من أمريكا من كذا من كذا!! نقول: الحمد لله، إذا جاء يصلي على قبره، الباب مفتوح ودعوا الميت يتنعم بالنعيم مبكراً.
فأقول: إن هذا معصية للرسول عليه الصلاة والسلام، وجناية على الميت وغلط عظيم وسفه، وما الفائدة من أن يقيم بين أظهرهم، وفي حديث لكنه ضعيف (لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) وكلمة (لا ينبغي) معناها المنع، وهذا محبوس من أجل أن يحضر أخوه أو ابن عمه أو أبوه أو ابنه، هل هذا حفل عرس حتى ينتظر قدوم الغائب، فهذا أكبر غلط وما علمناه إلا متأخراً، كان الناس في الأول يموت الإنسان قبل الصلاة بساعة واحدة ويؤتى بالغاسل والكفن ويجهز في نصف ساعة أو ساعة إلا ربع وجيء به إلى المسجد، يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر دفنه، مات يوم الإثنين ودفن ليلة الأربعاء، بقي الثلاثاء كاملاً وبقية يوم الإثنين، نقول: نعم هذا صحيح، لكن الصحابة أخروا دفنه، لسبب لا يوجد في غيره وهو أنهم قالوا: لا يمكن أن يدفن الإمام وهو ولي الأمر قبل أن يخلفه خليفة، ولو دفن قبل أن يخلف خليفة لكان نزاع وشقاق، لكن إبقاؤه حتى يقوم الخليفة بعده متعين، وأنتم تعلمون المسألة ليست هينة، في موت الرسول عليه الصلاة والسلام، اجتمع المهاجرون والأنصار في السقيفة، وحصل ما حصل حتى استقر الأمر والحمد لله بالإجماع على أن أبا بكر هو الخليفة، فتأخير دفن الرسول عليه الصلاة والسلام لحاجة ضرورية، ولا يقاس عليه غيره.
نعم، لو فرض أن التأخير يسير ساعات قلائل من أجل كثرة الجمع، كما لو فرض أن الناس في صلاة الظهر لا يكثرون لأن كل واحدٍ في وظيفته، وفي صلاة العصر يكثرون هذه ربما يتسامح فيها، أما أن يبقى يوماً أو يومين أو ثلاثة فهذا غلط.(202/13)
حكم نقل الجنازة من مدينة إلى مدينة أخرى
السؤال
ما حكم نقل الجنازة مثلاً من مدينة إلى مدينة لكي يكثر الصلاة عليها؟
الجواب
هذه بدعة ومكروه، إلا لغرض صحيح فيصح، أما لمجرد أن تكون البقعة أفضل أو ما أشبه ذلك، فلا، وكذلك لأجل أن يصلي عليه أهل المدينة الثانية فلا، وأقول: يا إخوان! الإنسان لا ينفعه إلا عمله، الذي ليس عنده عمل لو صلى عليه آلاف الناس لا ينفعونه إلا بمقدار ما ينفعون في الصلاة على غيره.(202/14)
حكم تأخير السنة الراتبة
السؤال
تأخير السنة الراتبة لو أن شخصاً بعد صلاة العشاء قال: سوف أصليها في البيت ثم تأخر ساعة أو ساعتين.
؟
الجواب
السنة الراتبة التي قبل الصلاة لا يمكن أن تأخرها، والتي بعد الصلاة لك أن تؤخرها إلى آخر الوقت، وقت العشاء كما نعلم جميعاً ينتهي منتصف الليل، فلك أن تأخر راتبة العشاء إلى ما قبل منتصف الليل، والأفضل في جميع الرواتب أن تكون في البيت، بل كل النوافل الأفضل أن تكون في البيت كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) .(202/15)
تقسيم الميراث بين الأبناء قبل الموت
السؤال
الإنسان إذا أراد أن يقسم الميراث بين أبنائه قبل أن يموت، فما الحكم؟
الجواب
يقول العلماء: لا بأس للمريض أن يوزع تركته على ورثته على حسب الميراث، لكن هذا غلط وليس بصحيح.
أولاً: لأنه تعجل شيئاً لم يكن، والله عز وجل يقول في الميراث: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء:12] والإنسان ما دام حياً فلم يترك شيئاً.
ثانياً: أنه ربما يموت بعض ورثته قبله، قد يكون هذا مريضاً مدنفاً قد قرب أجله، وله ورثة ثم هؤلاء الورثة يصابون بحادث بين عشية وضحاها، فينقلب الوارث موروثاً.
ثالثاً: أنه إذا قسمه بينهم فربما يوفق أحدهم فيما أخذه فيتجر به ويزداد وينمو ويكون عند الموت ما بيده أكثر ما بيد الورثة الآخرين فيوقع هذا في قلوبهم شيئاً، وإن كان هذا ليس له أثر، ولا ينبغي أن يوقع لكن لا بد أن يوقع، فلذلك نرى أن نبقي الأمر كما أبقاه الله عز وجل، أن الميراث لا يكون مقسوماً إلا بعد الموت.(202/16)
حكم لُعب الأطفال
السؤال
بالنسبة للعبة الأطفال التي تسمى العروسة، سمعنا أنك أفتيت فيها بالجواز؟
الجواب
إي نعم، لعب الأطفال أنا لا أشدد فيها، أولاً: لأن حديث عائشة (أنها كانت تلعب بالبنات) صحيح ثابت في البخاري وغيره، في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، لا نعلم أن الصناعة وصلت إلى هذا الحد المعروف الآن.
فنقول: ما دام المعنى الذي من أجله أبيح للبنات اللعب هو موجود الآن حتى في هذه الصور، ولذلك تجد الصبية إذا صار لها بنت من هذه الصور تعتني بها اعتناءً كاملاً، تلبسه الثياب، وتغسله، وتضعه أمام المكيف وتقول له: يا حلالي ويا حبيبتي وما أشبه ذلك، فالحكمة من ذلك اعتياد البنت على تربية أبنائها، فما دامت هذه العلة فهي موجودة، لكن مع ذلك لا نحبذ هذا الشيء ونقول: من الممكن تأتي بالصورة هذه وتقلع وجهها بالسكين وتجعلها شيئاً آخر، وتكون كأنها بنت متغللة عليها غلال واحد.(202/17)
فضل حافظ القرآن
السؤال
جاء في الحديث أنه يقال لقارئ القرآن: (اقرأ وارتقِ فإن آخر منزلة لك عند آخر آية تقرأها من كتاب الله) فهل هذا يشمل من يحفظ القرآن ومن لم يحفظه ولكنه يقرأه باستمرار؟
الجواب
حديث (اقرأ ورتل كما كنت ترتل) يشمل القراءة عن ظهر قلب أو في المصحف، لكن الثواب المجزوم به هو الذي يقرأه عن ظهر قلب.(202/18)
حكم التهنئة بحلول العام الجديد
السؤال
هل يجوز التهنئة بحلول العام الجديد؟ الشيخ: التهنئة بحلول العام الجديد ليس لها أصل من عمل السلف الصالح، فلا تبتدئها أنت، ولكن إن هنَّاك أحد فرد عليه، لأن هذا أصبح معتاداً في أوساط الناس، وإن كان هذا بدأ يَقِل الآن، لما حصل ولله الحمد عند الناس علم، وكانوا من قبل يتبادلون الرسائل.
السائل: ما هي الصيغة التي يتبادلها الناس؟ الشيخ: أن يهنئوك ببلوغ العام الجديد، ونسأل الله أن يتجاوز عنك ما مضى في العام الماضي، وأن يعينك على ما يستقبل أو كلمة نحوها.
السائل: هل يقال: كل عام وأنتم بخير؟ الشيخ: لا، كل عام وأنتم بخير لا تقال لا في عيد الأضحى ولا الفطر ولا بهذا.(202/19)
من اختير ليحج عن غيره هل له أن يوكل غيره
السؤال
رجل توفي والده وهو صغير ولا يعلم هل أدى والده حج الفريضة أم لا، فطلب من أحد أبنائه أن يحج عنه، وابنه هذا له ابن أو أبناء -يصير الحفيد- يعني: الوالد طلب من أحد أبنائه أن يحج عن والده ولا يعلم هل حج الفريضة أم لا، وهذا الولد كلف أحد أولاده ولداً بالغاً عاقلاً قد حج الفريضة، فهل ينويها فريضة أو ينويها حجاً؟
الجواب
يعني أنها تنفيذاً لوصية والده، ولكن اعلم أن الإنسان إذا حج عن شخص نافلة نواها نافلة وإذا كان لم يحج الفريضة صارت فريضة، حتى إذا لم ينوها، لأن من خصائص الحج أن الإنسان إذا لم يؤد الفريضة فما حجه فهو الفريضة حتى ولو حج عن غيره، إن شاء الله لا بأس بذلك ما دام الإنسان يعلم أن قصد والده أن يحج عنه فقط، أما إذا كان يعلم أن والده يقصده هو بنفسه؛ لأنه طالب علم وفاهم فلا يوصِ بها أحداً.(202/20)
معنى الشهادة في سبيل الله
السؤال
من هو الشهيد في سبيل الله؟
الجواب
الشيخ: أولاً: هل تعرف معنى في سبيل الله؟ السائل: الدفاع عن العرض.
الشيخ: لا، الدفاع عن العرض لا شك أنه شهادة ولكنه ليس شهادة في سبيل الله، بمعنى لو أن إنساناً أراد أهلك مثلا يفعل بهم الفاحشة فلك أن تدافع حتى تموت إذا قتلت فأنت شهيد، لكنه ليس شهادة في سبيل الله، الشهادة في سبيل الله هو: أن يقتل الإنسان وهو مقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، هذا الميزان، إذا قتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو شهيد، لكن هل أشهد على هذا الرجل بعينه أنه شهيد؟ لا يجوز، فلا تغتر بكلام الناس، كل مقتول حتى ولو قتل من أجل القومية والعروبة وما أشبه ذلك قالوا: شهيد؛ هذا ليس بصحيح، اسمع كلام البخاري رحمه الله في صحيحه قال: باب لا يقال فلان شهيد، إلا على من ثبت أنهم شهداء مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام لما صعد الجبل في أحد اهتز الجبل فقال: (اسكن أو اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) النبي محمد عليه الصلاة والسلام، والصديق أبو بكر، والشهيدان عمر وعثمان رضي الله عنهم.
إذاً نشهد أن عثمان شهيد وعمر شهيد وعلياً شهيد، لكن من قتل مجاهداً لا نقول: إنه شهيد.
ثم استدل البخاري رحمه الله بحديث، قد يخفى على كثير من الناس، لكن البخاري عنده استنباطات عجيبة للأحاديث، حتى أنه يأتي بترجمة، ثم يأتي بحديث فتظن أنه بعيد من الترجمة، لكن فهمه دقيق رحمه الله، أتى بحديث (ما من مكلوم يكلم في سبيل الله -والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا إذا كان يوم القيامة يجيء وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك) أخذ من قوله: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) أنه لا يجوز أن نقول: فلان شهيد؛ لأن هذا علمه عند الله، وذكر صاحب فتح الباري أثراً عن عمر رضي الله عنه أنه خطب وقال: [أيها الناس! إنكم تقولون: فلان شهيد، فلان شهيد ولعله أن يكون فعل كذا أو كذا ولكن قولوا: من قتل في سبيل الله أو مات فهو شهيد] .
إذاً لا نقول لشخص معين: إنه شهيد حتى لو كان قتل في صفوف المسلمين وهو يقاتل الكفار، والله أعلم.(202/21)
جزاء الشهيد في الآخرة
السؤال
ما هو جزاء الشهيد في الآخرة؟
الجواب
أما جزاؤه قال الله عز وجل: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد:19] وقال عز وجل: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران:169-170] وقال عز وجل: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} [البقرة:154] .(202/22)
سؤال الله والاستعاذة منه عند مرور آيات الوعد والوعيد
السؤال
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر بآية وعد سأل الله تعالى، أو آية وعيد استعاذ، فمثل هذه الآيات التي تقدمت في أول الدرس، ذكر الله سبحانه وتعالى السابقين وذكر أصحاب اليمين فهل من السنة السؤال في الاثنين أو أنه يقتصر؟ الشيخ: يسأل الأعلى.
السائل: ويسكت.
الشيخ: أنت تقصد في الصلاة أم خارج الصلاة.
السائل: صلاة وفي غيرها.
الشيخ: الرسول صلى الله عليه وسلم ما أثر عنه ذلك إلا وهو في صلاة الليل فقط، هكذا أثر عنه، ولهذا نقول: يسن للإنسان في صلاة الليل إذا مر بآية وعيد تعوذ وبآية رحمة سأل، وبآية تسبيح سبح، وفي غيرها لا نقول: يسن، ولكن إن فعله فلا بأس، في الفريضة مثلاً لا نقول: افعل؛ لأن الواصفين لصلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الفريضة ما ذكروا أنه يفعل هذا، فلذلك الإنسان يتوقف في الفريضة أن يقول هذا، ونرجو أن لا يكون فيه بأس إن شاء الله، لكن لا نندب له أن يقول.
السائل: وفي غير الصلاة؟ الشيخ: ما ورد فيها لكن لا بأس ولا يوجد مانع.
السائل: ويسأل في الأولى أم يسأل في الثانية؟ الشيخ: يسأل في الأعلى ليس فيه إشكال، أيهما أحب لنا: أن نكون من السابقين أم من أصحاب اليمين؟ السائل: من السابقين لا شك.
الشيخ: لكن نسيء الظن بأنفسنا، قل: عسى أن نكون من أصحاب اليمين وعسى أن نسلم من العذاب.(202/23)
موضع تكبيرة الانتقال بين الأركان
السؤال
بالنسبة لتكبيرة الانتقال بين الأركان في الصلاة، هل تكون أثناء الانتقال أم قبله أم بعده؟
الجواب
تكون أثناءه، وبعض العلماء يشدد ويقول: إن بدأ قبل أن ينتقل أي: قبل أن يتحرك من الانتقال لم تصح، وإن كملها بعد أن وصل لا تصح، لا بد أن تكون بينهما، لكننا نرى أن في هذا تشديداً، وأنه لا يمكن العمل به، إنما الأفضل ألا ينطق بها حتى يتحرك، وأن ينهيها إذا وصل، من حين وصل يكون قد أنهاها، وأنه لو بدأ بها قبل وكملها في أثناء الحركة فلا بأس، أو بدأها في أثناء الحركة وكملها بعد الوصول لا بأس، أما إذا لم يكبر إلا إذا وصل فلا ينفع، أن يكبر قبل أن يتحرك، ولهذا لو نسي أن يقول: الله أكبر! حتى سجد لا يكبر فيسجد للسهو لأنه ترك التكبير.(202/24)
حكم تشريح الحشرات
السؤال
بعض الكليات العلمية خاصة بكلية الأحياء تقوم بتشريح الحشرات وذلك بهدف تعلم الاستكشاف، لكن طريقة التشريح تكون بأخذ الحشرة ووضعها في قارورة أو زجاجة وتكون تحت درجة برودة عالية وهي حية حتى تموت ثم تبدأ بالتشريح، فما حكم هذا الفعل؟
الجواب
لا بأس به؛ لأنه لا يمكن الوصول إلا المعلومة إلى بهذا، والله عز وجل يقول: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة:29] ولهذا لو شردت الناقة مثلاً، ولحقها القوم ثم رموها رمياً، فأصابوها حتى سقطت وماتت تحل، مع أن هذا ليس هو النحر المعروف.(202/25)
حكم أخذ الأجرة على طرق الفحل للبعير أو غيره من الحيوانات
السؤال
هناك رجل لديه فحل من الإبل، ويأتي إليه الناس لكي يضرب النوق التي عندهم ويأخذ الأجرة على هذا فما الحكم؟
الجواب
الحكم أنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن بيع عسب الفحل) أي: طرقه البعير، وعجباً من هذا الرجل كيف يحسد إخوانه شيئاً لا يضر جمله، بل ينفع الجمل؛ لأن الجمل كما يتلذذ الإنسان بهذا هو يتلذذ أيضاً، فليعط الجمل حريته، ولذلك من أخطر ما يكون أن تصد الجمل عن الناقة إذا أرادها، فإنه سيطوي لك وبعد حين يقضي عليك، المهم أن عسب الجمل أو التيس أو الخروف أو الثور كله لا يجوز له، إما أن تمنحه مجاناً، وإما أن تمنعه إذا كان يضر الفحل.(202/26)
حكم من استلف مالاً من البنك وأبقاها عندهم يتاجرون بها
السؤال
الآن المعاملات في البنوك مثلاً آتي للبنك ويسلفني البنك خمسين ألفاً مثلاً وتبقى عندهم يساهمون بها ويكون بيني وبينهم اتفاق وبعد أربعة أشهر أقوم بإرجاع المبلغ فإن كنت كسبت فلي ذلك وإن لم أكسب أوقع من جيبي الخسارة.
أيأتمنونك يعني؟ هم الآن يسلفونني خمسين ألفاً وتبقى عندهم مثلاً وهذه بعد أربعة أشهر أقوم بإرجاعها إن كان فيها مكسب لي وإن كان فيها خسارة أدفع من جيبي أنا؟
الجواب
لا يجوز هذا، لكن إذا شئت إن كان البنك صادقاً يتعامل بالبيع والشراء أعطيه أنت خمسين ألفاً أو أكثر أو أقل ويتجر بها، ويكون الربح بينكما على ما شرطتما، والخسارة عليك أنت، هذا إذا علمنا أن البنك صادق يبيع ويشتري حقيقة.(202/27)
حكم الأضحية من الجواميس
السؤال
يختلف الجاموس عن البقر في كثير من الصفات، كاختلاف المعز عن الضأن، وقد فصل الله في سورة الأنعام بين الضأن والمعز ولم يفصل بين الجاموس والبقر، فهل يدخل ضمن الأزواج الثمانية، فيجوز الأضحية بها أم لا يجوز؟
الجواب
إن كان منها فمنها، وإن لم يكن منها فإن الله ذكر المعروف عند العرب، والجاموس ليس بمعروف عند العرب.(202/28)
حكم من صلى منفرداً خلف الصف الأول
السؤال
رجل أراد أن يصلي فدخل المسجد فوجد الصف الأول قد اكتمل وصلى في الصف الثاني وحده، هل تصح صلاته أم لا؟
الجواب
هذا رجل دخل ليصلي مع الجماعة فوجد الصف مكتملاً فيصلي وحده خلف الصف، يصلي وحده تابعاً للإمام، لقول الله تبارك وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] .(202/29)
حكم الاحتفاظ بصور الميت أو بحوائجه
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم الاحتفاظ بصور الميت أو شيء من حوائج الميت كثوبه أو ساعته؟
الجواب
الاحتفاظ بصورة الميت لا يجوز، ومن عنده شيء منه فليحرقه الآن؛ لأن تذكر الميت يجدد الأحزان، وكذلك ما يبقى من ثيابه إما أن يستعمل ويلبس حتى يبلى أو يتصدق به، أما أن تبقى ذكرى للميت فهذا أيضاً مما يجدد الحزن، وهو نعي فعلي، نعي الميت يكون إما بالقول وإما بالفعل، وهذا نعي له بالفعل، فلا يجوز إبقاء صورة الميت، ولا يجوز أيضاً إبقاء ثيابه لتذكره.(202/30)
حكم التقدم للإمامة قبل الإمام الراتب
السؤال
إذا تأخر إمام المسجد وتقدم شخص من جماعة المسجد ثم رأى الإمام الراتب بعد أن كبر تكبيرة الإحرام فهل له أن ينصرف يرجع ويقدم الإمام الراتب أم لا؟
الجواب
أولاً: لا يجوز لأحد أن يتقدم قبل الإمام الراتب إلا إذا كان قد قال لهم: إذا مضى ثلث ساعة أو ربع ساعة أو نصف ساعة كما يقرر فأقم الصلاة، وبعض الناس -والعياذ بالله- يتهاون، إذا تأخر الإمام دقيقتين أو ثلاثاً قالوا له: أقم، هذا لا يجوز؛ لأن الإمام في مسجده كالسلطان في رعيته، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يأمن الرجل الرجل في سلطانه) فلينتظر، لكن إذا كان قد أذن لهم وقال: إذا مضى ثلث ساعة، فأقيموا الصلاة ومضى ثلث ساعة فأقاموا الصلاة يتقدم أحدهم، ثم إذا حضر الإمام فللإمام أن يتقدم وذاك أن يتأخر في الصف، لأن الإمام هو صاحب السلطة في مسجده.
وهل الأفضل أن يتقدم ويتأخر الذي أقام أم أن الأفضل أن يدخل في الجماعة؟ الغالب أن الثاني أحسن وأبعد من العداوة والبغضاء، فأرى أنه إذا جاء وقد تقدم أحد المصلين أن يبقيه على تقدمه ولا يحاول أن يزيحه ويكمل بالناس، سواء في الركعة الأولى أو الأخيرة.(202/31)
حقيقة الصبر عند الصدمة الأولى
السؤال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر عن الصدمة الأولى) هل هو عام على كل المصائب؟
الجواب
الصبر حقيقة عند الصدمة الأولى؛ لأنه هو الذي يأتي الإنسان ويكون متأثراً، فإذا لم يصبر فليس هناك فائدة، يعني مثلاً: لو أنه حينما أصيب بمصيبة مباشرة قام يشق جيبه ويلطم خده، ثم بعد ذلك فكر وقال: أنا غلطان، فإنه فاته أجر الصابرين، لأن الصبر عند الصدمة الأولى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (مر بامرأة تبكي عند قبر فكلمها فقالت له: إليك عني فإنك لم يصبك ما أصابني) أو كلمة نحوها، ولما انصرف قالوا لها: هذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجاءت تعتذر، فقال لها: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) .(202/32)
عدم صحة أن العدد سبعة يدل على الكثرة
السؤال
بعض أصحاب منهج الإعجاز العلمي في القرآن يقولون: بأن رقم سبعة له دلالة غير سبعة بل يدل على الكثرة، فمثلاً: يقول رجل في لغة أهل العرب: "سبّع الله أجرك" بمعنى: أكثر الله أجرك، فما صحة هذا القول؟
الجواب
هذا ليس بصحيح، الأعداد ذكر لها الثلاثة والخمسة والسبعة، وليس فيها شيء.
السائل: يقولون: رقم سبعة إذا لم تكن هناك دلالة على أنه سبع وحدات مثلما جاء في الحج: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196] فهذه قرينة تدل على أن هذا الرقم هنا سبع وحدات، أما سبع سماوات أو غيره فمن الأرقام يقولون: إنها من إعجاز علمي أو هكذا.
الشيخ: أبداً هذا من غلطهم؛ لأن الله قال: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196] لئلا يظن الظان أنها لما تفرقت صار كل واحد لا يتصل بالآخر، لأنه يصوم ثلاثة أيام في رجب وثلاثة أيام في ربيع مثلاً متفرقاً، فهنا يقول: ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجعتم ربما لا يرجع إلى بلده إلا بعد شهر أو شهرين، فقال: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196] لئلا يظن الظان أنها عندما تفرقت لا يضم بعضها إلى بعض.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.(202/33)
لقاء الباب المفتوح [203]
قسم الله الخلق يوم القيامة إلى مراتب ثلاث: في القسم الأول يأتي السابقون، ثم أصحاب اليمين وكلا الفريقين من أهل الجنة لكن تختلف درجاتهم فيها، أما القسم الثالث فهم أصحاب الشمال وهم وقود النار وحصبها، وقد كان للشيخ معهم وقفه في بيان حالهم وذكر صفاتهم في الدنيا والآخرة، وذلك من خلال تفسيره الممتع لآيات سورة الواقعة والتي تناولت ما سبق ذكره.(203/1)
تفسير آيات من سورة الواقعة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث بعد المائتين من اللقاءات التي تعرف بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو العشرون من شهر محرم عام (1420هـ) .(203/2)
تفسير قوله تعالى: (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين)
نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بالكلام على بعض الآيات الكريمة التي وصلنا فيها إلى قول الله تبارك وتعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة:39-40] هؤلاء هم أصحاب اليمين الذين هم في المرتبة الثانية، والمرتبة الأولى السابقون، الذين قال الله تعالى فيهم: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة:13-14] أي: ثلة من الأولين من هذه الأمة، وقليل من الآخرين، فإن خير هذه الأمة خير قرونها القرن الأول الذي هو قرن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم الثاني ثم الثالث، ثم تتناقص.
أما أصحاب اليمين: فقال الله تعالى فيهم: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة:39-40] أي جماعة من هؤلاء وجماعة من هؤلاء.(203/3)
تفسير قوله تعالى: (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال)
ثم ذكر الله القسم الثالث فقال: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ} [الواقعة:41] وهم الكفار والمنافقون {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ} [الواقعة:42-44] هذا الذي هم فيه، سموم أي حرارة شديدة والعياذ بالله، وقد بين الله تبارك وتعالى في آيات كثيرة كيفيتها، فقال الله تعالى: {سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:56] وأخبر أنه {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:19-22] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وقوله: (حميم) الحميم: هو الماء الحار شديد الحرارة، فهم -والعياذ بالله- محاطون بالحرارة من كل وجه ومن كل جانب، {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ} [الواقعة:43-44] اليحموم: هو ما يكون بين الضوء الشديد في اللهب وبين الدخان، {لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ} [الواقعة:44] يعني: ليس بارداً يقيهم الحر، ولا كريماً يتنعمون فيه، ويستريحون فيه، نسأل الله العافية لنا ولكم.(203/4)
تفسير قوله تعالى: (إنهم كانوا قبل ذلك مترفين)
ثم بين حالهم من قبل فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} [الواقعة:45] وذلك في الدنيا، قد أترف الله أبدانهم وهيأ لهم من نعيم البدن ما وصل فيه إلى حد الترف، لكن هذا لم ينفعهم والعياذ بالله ولم ينجهم من النار.(203/5)
تفسير قوله تعالى: (وكانوا يصرون على الحنث العظيم)
تفسير قوله تعالى: {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} [الواقعة:46] (يصرون) أي: يستمرون عليه، والحنث العظيم هو الشرك، لأن الأصل في الحنث الإثم، والعظيم هو الشرك، قال الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] .(203/6)
تفسير قوله تعالى: (وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا تراباً)
وكانوا أيضاً ينكرون البعث: {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} [الواقعة:47-48] يعني: ينكرون هذا إنكاراً عظيماً، يقولون: أإذا بليت عظامنا وصارت رفاتاً هل نبعث، وأيضاً هل يبعث آباءنا الأولون ولهذا يحتجون يقولون: {ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الجاثية:25] وهذه حجة باطلة، لأنه لا يقال لهم: إنكم ستبعثون اليوم، وإنما تبعثون يوم القيامة، فكيف تتحدونا وتقولون هاتوا آبائنا، فاليوم الآخر ليس هو الحاضر اليوم حتى يتحدوا ويقولوا هاتوا آبائنا، نقول إن هذا يكون يوم القيامة.(203/7)
تفسير قوله تعالى: (قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات)
قال الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الواقعة:49-50] الأولون من المخلوقين، والآخرون كلهم سيبعثون في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، لا جبال ولا أشجار ولا كروية بل تمد الأرض مسطحة، يرى أقصاهم كما يرى أدناهم، الآن لما كانت الأرض كروية فإن البعيد لا تراه، لأنه منخفض، لكن إذا كان يوم القيامة سطحت الأرض صارت كالأديم، أي كالجلد الممدود، فيبعث الخلائق كلهم على هذا الصعيد، وقوله: {إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} عند من؟ عند الله عز وجل، لقول الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي.
} [الأعراف:187] .(203/8)
تفسير قوله تعالى: (ثم إنكم أيها الضالون المكذبون)
قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ} [الواقعة:51] أي بعد البعث {أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} [الواقعة:51] الضالون في العمل فهم لا يعملون، المكذبون للخبر فهم لا يصدقون والعياذ بالله، {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} [الواقعة:52] آكلون من شجر، هذا الشجر نوعه من زقوم، كما تقول خاتمٌ من حديد، بابٌ من خشب، جدارٌ من طين، فقوله: {مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} من شجر متعلقة بأكل، من زقوم بيان للشجر، وسمي زقوماً لأن الإنسان -والعياذ بالله- إذا أكله يتزقمه تزقماً لشدة بلعه، لا يبتلعه بسهولة {فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [الواقعة:53] أي أنهم يملئون البطون من هذا الشجر مع أن هذا الشجر مر خبيث الرائحة، كريه المنظر، لكن لشدة جوعهم يأكلونه كما يأكل الجائع المضطر العذرة، وكما يأكل قيئه، فهم يأكلونه على تكره، كما قال الله عز وجل: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم:16-17] هم يأكلون من هذا الشجر ويملئون البطون منها، يأتيهم شغف، شغف عظيم جداً على الأكل، حتى يملئوا بطونهم مما يكرهون، وهذا أشد في العذاب نسأل الله العافية، مع ذلك إذا ملئوا بطونهم من هذا اشتدت حاجتهم إلى الشرب، فكيف يشربون قال الله تعالى: {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ} [الواقعة:54] الحميم: الماء الحار، يشربون من ماءٍ حار بعد أن يستغيثوا مدة طويلة، وقد وصف الله هذا الماء بقوله: {يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:29] وقال عز وجل: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] فتأمل -يا أخي- هذا! إن قربوه من الوجوه يشوِها، وإذا دخلت بطونهم قطع أمعاءهم، ومع ذلك يشربونه بشدة، يقول: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة:55] يعني شرب الإبل الهائمة إلى الماء التي لا يرويها الشيء القليل فيملئون بطونهم والعياذ بالله من الشجر الزقوم ويشربون من الحميم {شُرْبَ الْهِيمِ} أي: شرب الإبل (الهيم) جمع هائمة أو جمع (هيماء) يعني: أنها شديدة العطش، فتملأ بطونها، وبطونها كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (معها سقائها -وهو البطن الذي يمتلئ ماءً- وحذاؤها) أسأل الله أن يجيرني وإياكم من النار {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} [الواقعة:56] أي: هذه ضيافتهم، بخلاف المؤمنين فإن ضيافتهم جنات الفردوس {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} [الكهف:107-108] .(203/9)
تفسير قوله تعالى: (نحن خلقناكم فلولا تصدقون)
ثم قال عز وجل: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ} [الواقعة:57] وهذا أمرٌ لا أحداً ينكره، أن خالقنا هو الله، حتى المشركون الذين يشركون مع الله إذا سئلوا من خلقهم؟ قالوا: الله، يعني {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ} أول مرة، {فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ} أي في إعادتكم ثاني مرة، ولولا هنا بمعنى هلا تصدقون، كان الواجب عليهم وهم يصدقون بأن خالقهم أول مرة هو الله، أن يصدقوا بالخلق الآخر، لأن القادر على الخلق الأول قادر على الخلق الآخر من باب أولى، كما قال عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] وقال عز وجل: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى} [النجم:47] إذاً نحن خلقناكم متى؟ اليوم أو ما مضى {فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ} أي: فهلا تصدقون أننا نعيدكم، نخلقكم مرة ثانية، لأن القادر على الخلق أول مرة، قادر على الخلق في المرة الأخرى.(203/10)
تفسير قوله تعالى: (أفرأيتم ما تمنون)
ثم ضرب الله تعالى مثلاً بل أمثالاً لما فيه وجودنا وما فيه بقاؤنا وما فيه استمتاعنا، فقال: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة:58-59] أي: أخبروني عن هذا المني الذي يخرج منكم، هل أنتم تخلقونه أم الله؟
الجواب
الله عز وجل هو الذي يخلقه، فيخرج من بين الصلب والترائب، هو الذي يخلقه في الرحم خلقاً من بعد خلق، فنحن لا نوجد هذا المني، ولا نطوره في الرحم بل ذلك إلى الله عز وجل {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} الجواب: بل أنت يا ربنا! {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ} [الواقعة:60] أي: قضيناه بينكم فكل نفس ذائقة الموت، اللهم اجعلها على الحق والعدل، كل نفس ذائقة الموت ولابد، حتى الأنبياء والرسل، قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34] {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ} [الواقعة:60-61] أي: لا أحد يسبقنا فيمنعنا أن نبدل أمثالكم، بل نحن قادرون على ذلك وسوف يبدل الله تعالى أمثالنا، أي: ينشئنا خلقاً آخر، وذلك يوم القيامة، {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} [الواقعة:61] وذلك يوم القيامة.(203/11)
تفسير قوله تعالى: (ولقد علمتم النشأة الأولى)
قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى} [الواقعة:62] علمتم النشأة الأولى وأنكم نشأتم في بطون أمهاتكم وأخرجكم الله عز وجل من العدم {فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ} [الواقعة:62] أي: فهلا تتذكرون وتتعظون، وهذا دليل عقلي من الله عز وجل يعرضه على عباده، يقول: إننا بدأناكم أول مرة، وإذا بدأناكم أول مرة فلسنا بمسبوقين على أن نعيدكم ثاني مرة.
وإلى هنا نأتي إلى ما أردنا أن نتكلم عليه في التفسير.(203/12)
الأسئلة(203/13)
حال المؤمن عند وقوع الفتن
السائل: ماذا يجب على المؤمن عند وقوع الفتن، هل يعتزل الناس أم يخالطهم؟ الشيخ: إذا حصلت الفتن فالواجب على الإنسان أن يصبر، وأن يحاول كشف هذه الفتن ما استطاع، ولا يجوز له أن يعتزل الناس ما دام قادراً على أن يساهم في إزالة هذه الفتن أو تخفيفها، نعم لو فرضنا أن الرجل لا يستطيع أن يدافع هذه الفتن ويخشى على نفسه، فهنا الأولى أن يعتزل الناس.(203/14)
حكم افتتاح اللقاءات والاحتفالات بتلاوة القرآن
السائل: ما رأيكم بإفتتاح اللقاءات والاحتفالات بتلاوة شيء من آيات كتاب الله الحكيم؟ الشيخ: أرى أن هذه الاحتفالات لا بأس بها، بل هي مشروعة، لكنها مشروعة لغيرها كيف ذلك؟ هذه الاحتفالات تجري فيها فوائد: أولاً: إدخال السرور على التلاميذ الذين حفظوا، فيسرون بهذا.
ثانياً: أنه مظهر من مظاهر تعظيم القرآن الكريم، حيث جمع الناس له من أجل أن يحتفل به.
ثالثاً: أنه يحصل به التلاقي بين الإخوة من كل جهة والتعارف.
رابعاً: أنه لا يخلو من إرشادات وتوجيهات وبيان لفضل القرآن وحفظه وغير هذا، فهي مقصودة لغيرها في الواقع وفيها خير، فلا نرى بها بأساً، إن لم نقل إنها مطلوبة لما فيها من هذه الفوائد التي ذكرناها.
السائل: يا شيخ! ما حكم إفتتاح اللقاء بتلاوة كتاب الله؟ الشيخ: هذا لا أعلم له أصلاً، أنه يفتتح بشيء من القرآن، لكن جرت العادة به، والأحسن ألا يفعل، وأن يفتتح بالحمد والثناء على الله عز وجل وما تيسر من مقال.(203/15)
حكم كتابة الأسماء المضافة إلى الله في الميداليات ودخول دورة المياة بها
السائل: الميدالية التي تكون لبعض أصحاب المؤسسات، رأيت واحدة فيها اسم عبد الرحمن، وذكر لي صاحبها أنه يدخل بها إلى دورة المياه -أعزكم الله- فقال: إن عبد الرحمن كله بشخصه يدخل إلى دورة المياه، نفس الشخص الذي اسمه عبد الرحمن كله يدخل إلى دورة المياه، والشيء الآخر كتب (باسمه تعالى) في الأوراق التي قد تسقط في الشارع ويطأها الناس، هل هناك شيء في (باسمه تعالى) ؟ الشيخ: أولاً: قوله: إن كل أحد هو عبد الرحمن هذا صحيح، لكن هل أنت اسمك عبد الرحمن؟ هل أنت على صفة كتابة عبد الرحمن؟ قل له هذا الكلام، أو أن لك رأساً ورجلين ولست مشكلاً بحركات أو إعراب؛ فهذه حجة باطلة ولا إشكال، هو نفسه لا يعتقد أنها حجة، ولكن لا شك أن الأفضل ألا يدخل بها، ولكن الغالب أن الميداليات تكون مخفية، فالمخفيات لا تضر، هذه واحدة.
الثاني: أما كتابة (باسمه تعالى) فلا يجوز، أصلاً كتابة (باسمه تعالى) حرام لأنها عدول عما في القرآن، القرآن (بسم الله الرحمن الرحيم) وأيضاً ربما يقول: (باسمه تعالى) من كان مشركاً يريد ولياً من أولياء الله، أو إماماً من الأئمة الذين يعتقد أنهم أئمة ويكتب (باسمه) ويريد اسم الإمام الذي يرى أنه إمام، فالضمير هنا ليس له مرجع بين، فالواجب أن يكتب باسم الله، وما رأينا أحداً يكتب (باسمه تعالى) إلا أهل البدع لأنهم ربما يرون أن أولياءهم أو أئمتهم هم الذين يدبرون الكون فيتبركون بأسمائهم ويقولون: (باسمه تعالى) ولا يصرحون بمرجع الضمير لئلا يتبين أمره.(203/16)
حكم التصوير بالآلة الفوتوغرافية وكاميرا الفيديو
السائل: ما حكم التصوير بالآلة الفوتوغرافية وكاميرا الفيديو؟ الشيخ: لا أرى في تصوير كاميرا الفيديو مانعاً، لكن لا ينبغي إلا إذا كان هناك مصلحة، وأما التصوير بالكاميرا التي تكون على الأوراق فهذه ينظر الغرض من التصوير، إذا كان الغرض التمتع بالنظر إلى المصور كلما مضى وقت فهذا لا يجوز، وكذلك إذا كان المقصود الذكرى فهذا لا يجوز، لأنه يمنع دخول الملائكة للبيت، أما إذا كان للحاجة كالرخصة وتابعية، وما أشبهها، فلا بأس.(203/17)
حكم من يستشهد بآية من الآيات ويقول: قال الله عز وجل حكاية عن فرعون أو غيره
السائل: من يستشهد بآية من الآيات ويقول: قال الله عز وجل حكاية عن فلان فرعون أو عن موسى أو عن كذا، كلمة (حكاية) ما حكمها؟ الشيخ: لا بأس، وليس فيها مانع لأننا لا نقول: إن القرآن حكاية عن كلام الله، هذا هو الممنوع، أما أنه يحكي عن غيره فلا بأس به، وما زال العلماء رحمهم الله يقولونها في كتب التفسير: قال الله تعالى يحكي كذا وكذا.(203/18)
حكم زيادة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأخيرتين من الصلاة الرباعية
السائل: هذا إمام مسجد اعترض عليه أحد المأمومين وقال: إنك تقرأ في الركعتين الأخيرتين من صلاة الظهر والعصر سورة بعد الفاتحة، وقال: إنه سأل بعض المشايخ وقالوا: إنه مخالف للسنة، هل هذا صحيح؟ الشيخ: هذه المسألة اختلف فيها العلماء رحمهم الله، هل يقرأ في الركعتين الأخيرتين في الظهر والعصر أم لا؟ المشهور في مذهب الإمام أحمد أنه لا يقرأ ويقتصر على الفاتحة فقط، بناءً على ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي قتادة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب) فقط، وبعضهم قال: لا بأس أن يقرأ، لأن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فذكر على ما يدل أنه يقرأ في الركعتين الأخريين) لكن هذا الحديث انفرد به مسلم، والأول في الصحيحين فمنهم من قدم الأول وقال: هذا شاذ، وأيضاً قال: إن حديث أبي قتادة صريح بأنه يقرأ أو لا يقرأ، وهذا يقول: حزرنا، والحزر بمعنى التقدير والتخمين، وليس التقدير والتخمين كاليقين، والذي يظهر أنه لا بأس به أحياناً أما أن يداوم عليه فلا.(203/19)
حكم الصلاة في المكان الذي بعضه ظل وبعضه شمس
السائل: ما حكم الصلاة في المكان الذي بعضه ظل وبعضه شمس؟ الشيخ: الجلوس بين الشمس والظل منهي عنه، سواء في الصلاة أو غير الصلاة، حتى لو نمت وجعلت رأسك مثلاً في الشمس ورجليك في الظلال أو بالعكس فقد نهي عليه، لكن لو فرض إنك قائم تصلي والظل يمتد حتى كنت بين الظل والشمس فالظاهر إن شاء الله أنه لا شيء فيه، لأنك لم تتعمد الجلوس بين الظل والشمس.(203/20)
حكم التصفيق في المدارس
السائل: ما القول الصحيح في قضية التصفيق في المدارس؟ الشيخ: التصفيق في المدارس تشجيعاً للطلاب لا بأس به، لأنه ليس هناك دليل على التحريم ولا على الكراهة.
السائل: لكن من حيث التشبه بالكفار؟ الشيخ: ليس هناك تشبه، كل المسلمين يفعلون هذا الآن، وقد ذكر الإمام مالك وابن حجر أيضاً نقله عنه في فتح الباري: إن الشيء إذا شاع وانتشر بين المسلمين والكفار فإنه يزول التشبه، لأن التشبه معناه أن تفعل ما يختص بالكفار، فإذا زالت الخصوصية لم يكن تشبه، أما من يفعله على سبيل اللهو، كالذين يصفقون عند الأناشيد، فهذا من اللهو الممنوع، وأما ما يفعلوه تعبداً كـ الصوفية ونحوهم، فهذا أشد وأشد، هذا بدعة منكرة، ويشبه صلاة المشركين عند البيت الحرام الذي قال الله عنه: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] لكن ليس معنى أن قولنا: إن التصفيق جائز لتشجيع الطلاب أننا نأمرهم أن يفعلوه، لا ما نأمرهم لكن لا ننهاهم.(203/21)
حكم التأجير المنتهي بالتمليك
السائل: ما حكم التأجير المنتهي بالتمليك؟ الشيخ: ما هو التأجير المنتهي بالتمليك؟ السائل: الذي يأجر سيارة لك وأنت تشتغل لمدة ثلاث سنوات وكل شهر تعطيه ثمانمائة ريال، ثم بعد ثلاث سنوات تملكها.
الشيخ: تملكها من دون شيء؟! ما يصير هذا! هذا ما هو معقول! يقول: استأجر منك سيارة بمائة ريال كل شهر وبعد ثلاث سنين يملكها المستأجر، هذا ما هو معقول، لأن معنى ذلك الشركة تعطيك السيارة في النهاية مجاناً، وهي لا يمكن أن تفعل هذا.
أجرت لك السيارة كل شهر بمائة ريال إلى ثلاث سنين وبعد ثلاث سنين أعطيتك إياها، صارت في النهاية السيارة جاءت (مجاناً) لأن المائة الريال مقابل انتفاعك بها، فتكون (مجاناً) هذا لا يمكن أن يعقل، لكن لا يمكن أن يقول: نأجرك بمائة ريال وبعد ثلاث سنين تكون لك، إلا إذا كانت الأجرة مضاعفة، بمعنى أنه لو استأجرتها من غير هذا، لكان بخمسين ريال في الشهر، عرفت أو لا؟ هذا هو المؤكد، فأنت الآن تدفع أجرة أكثر من العادة قطعاً، ولا يضمن لك أن السيارة تبقى إلى ثلاث سنوات بل قد تتلف باحتراق أو صدام أو غير ذلك، وإذا حدث هذا صار المستأجر غارماً أم غانماً؟ صار غارماً وخسرت كل شهر زيادة النصف وما استفاد.
وإن بقيت السيارة فأنت غانم لأن السيارة جاءت (مجاناً) على أنني سمعت أنهم يقولون: إذا عجز عن تسديد آخر قسط أخذوا السيارة ولم يعطوه شيئاً، وهذا ظلم، لذلك هذه حيلة من أرباب الشركات والأموال أن يصطادوا أموال الناس في الماء العكر، وأصل الحيل في البيع والشراء جاءت من اليهود، فإنهم هم الذين تحايلوا لما حرمت عليهم الشحوم ماذا صنعوا؟ أذابوها ثم باعوها وأكلوا ثمنها، وهذه المسألة الآن تحت أنظار هيئة كبار العلماء يبحثون فيها وسيصدرون فيها إن شاء الله فتوى في الجلسة القادمة، لأنهم حتى الآن لم يتصوروا كيف تتم هذه المعاملة، فلا تدخل في هذه المعاملة حتى يأتي الفتوى من هيئة كبار العلماء.(203/22)
حكم وصول ثواب مشروع خيري لشخص ميت
السؤال
شخص مات وقام بعض الإخوة بجمع تبرعات له وجعل في مشروع خيري، صدقة جارية، فهل هذا العمل جائز يا شيخ! وهل يصل إليه الثواب؟
الجواب
إن التصدق للميت يصل إليه لا شك، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة سعد بن عبادة أنه تصدق لأمه بنخلة، وكما في قصة الرجل الذي قال: (يا رسول الله! إن أمي افتلتت نفسها وإنها لو تكلمت لتصدقت، أفتصدق عنها؟ قال: نعم) ، ولكن الدعاء أفضل من هذا والدليل على أن الدعاء أفضل من الصدقة للميت، قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) هذا من حيث الصدقة عن الميت.
أما من حيث هذه الطريقة التي ذكرت أنه يجمع للميت ويجعله في عقار ويكون صدقة فلا أرى هذا، لأن الصحابة رضي الله عنهم مات منهم من العظماء والذين لهم حق على الأمة من الخلفاء وغيرهم وما جمعوا لهم ليتصدقوا لهم ثم هذا يفتح باب شر على الناس، لأن مثل هؤلاء الزملاء إذا تبرعوا وقيل لواحد منهم: هات! تبرع، قال: لا، أنا لا أتبرع، أنا عيالي أحق من أن أتصدق لفلان، شنعوا عليه، وقالوا: فيك كذا وفيك كذا وفيك كذا.
ثالثاً: أنه ربما يؤدي إلى المماراة ويقال ما شاء الله، المدرسة الفلانية حصلوا مائة ألف ريال ونفعوا زميلهم وأنتم ماذا فعلتم؟ فيقال: لا، نحن دفعنا أكثر من مائة ألف، فلا أرى هذا، أخشى أن يسنوا في الناس سنة هم في غنى عنها، وأقول: أنتم جزاكم الله خيراً! والذي يتصدق عنه سراً فيما بينه وبين الله لا نمنعه من ذلك، ومع ذلك نرشده ونقول: أفضل من أن تتصدق عنه أن تدعو الله له.(203/23)
من هم الأبدال؟
السائل: لي قريب يميل إلى الصوفية وأخبرني بأنه يوجد شيء اسمه الأبدال لهم سيطرة في العالم بعد إذن الله وكذا وكذا، وقرأت كتاب تفسير ابن كثير فورد في فضل سورة الإخلاص قال عن فلان وعن فلان وكان من الأبدال ثم أكمل المتن، فما هو قولك في الأبدال؟ الشيخ: الأبدال -بارك الله فيك- هم الذين إذا مات منهم واحد أبدله الله تعالى بغيره، يقوم في الناس معلماً وموجهاً ومرشداً، هذا من الأبدال، أما أن أحداً يتصرف في الكون كمن يدعي أن أحداً يتصرف في الكون مع الله فهو مشرك بالله عز وجل شركاً أكبر قال الله تعالى: {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ:22-23] أما أولئك الصوفية الذين يدعون أن هناك أقطاباً تدبر الكون أو الرافضة الذين يدعون أن هناك أئمة يدبرون الكون فهذا شرك أكبر عليهم أن يتوبوا وأن يعلموا أن المدبر هو الله عز وجل، قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [يونس:31] وهم مشركون، فسيقولون الله.
السائل: هو يقصد أنه إذا احتاج المسلم إلى أحد أو حاجة من الله سبحانه وتعالى فالله يوفق الأبدال أن يأتي من مكان بعيد بسرعة فائقة فيعينه؟ هذا كذب أبداً وإن كان أحداً تراءى له وقال: أنا فلان، فهو شيطان، والشيطان قد يتمثل بالإنسان، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن من الشياطين من يتمثل به، ويقف في عرفة ويفتي الناس، ويقول: أنا شيخ الإسلام ابن تيمية، هذا كذب ولا يجوز، ومراد العلماء الذين قالوا: إن هذه الأمة فيها الأبدال كشيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية وكذلك ابن كثير وغيرهم من علماء السنة، قصدهم الأبدال هم الذين إذا مات أحد ممن يقوم لعباد الله بالتوجيه والإرشاد والعلم خلفه غيره، أي صار بدلاً عنه.(203/24)
حكم الجلوس في مكان المنكر من أجل إزالته
السائل: ما حكم الجلوس في مكان يوجد فيه منكر من باب إزالة المنكر؟! الشيخ: نعم يجلس، من أجل أن ينهاهم عن المنكر.
السائل: حتى لو كان المنكر موجوداً يا شيخ؟! الشيخ: كيف يزيل الإنسان إلا بهذا، كيف يزيل المنكر وهو عنده أو عالم به وينهى عنه من بعيد، لكن إذا جلس مقراً لهم على المنكر ساكتاً على إنكاره فهو مثلهم.
السائل: قد يكون -يا شيخ- غناء ويجلس معهم.
الشيخ: أجلس معهم وأقول يا جماعة! اتقوا الله أوقفوا هذا الغناء، إذا وقفوا فهذا المطلوب، وإذا لم يوقفوا يقوم ويتركهم.
السائل: هناك بعض الناس يحتجون بموقف حصل لبعض طلبة العلم يقول: إنه جاء مرة وكان هناك جلسة أغاني وبعد أن أكملوا قال لهم بعد ذلك: ماذا استفدنا.
الشيخ: هذه من الدعوة.
يعني يريد أن يبين لهم أنه لا خير في هذا المجلس.(203/25)
الثلة والقلة في سورة الواقعة
السائل: فضيلة الشيخ! ما الفرق بين قول الله عز وجل: {ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ} [الواقعة:13-14] وفي الآية الأخرى: {ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنْ الآخِرِينَ} [الواقعة:39-40] ؟ الشيخ: الفرق أن الأول في السابقين، السابقون ثلة من الأولين وقليل من الآخرين، لأنه كلما تمادى الوقت ضعف الدين والثانية أصحاب اليمين وهم أقل مرتبة من السابقين، صار فيهم جماعة من هؤلاء وهؤلاء.
السائل: هل الثلة بمعنى القلة؟ الشيخ: الثلة: الطائفة قليلة أو كثيرة، لكن {ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ} [الواقعة:13] يعني كثيرة، بدليل قوله: {وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ} [الواقعة:14] .(203/26)
الإسراء والمعراج بروح الرسول صلى الله عليه وسلم وجسده
السؤال
هل كان الإسراء والمعراج في اليقظة أو المنام، وهل كان ذلك بروحه أم جسده؟
الجواب
الإسراء والمعراج كان ببدنه يقظة لا مناماً، لأن الله قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} [الإسراء:1] ولم يقل: بروح عبده، ثم أن قريشاً لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم صباح ليلة الإسراء أنكروا ذلك، وقالوا: كيف يمكن أنت في مكة وتصل إلى بيت المقدس وترجع في نفس الليلة، هذا لا يمكن، ولو كان مناماً ما أنكروه، لأنهم يعرفون أن النائم يرى أشياء لا تحصل في اليقظة، وليست تنقض المنامات بل تعترف بها، وكذلك لو قال في المعراج فقد قال الله تعالى في سورة النجم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم:1-10] يعني الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يعبر هذا التعبير إلا إذا كان بالروح والجسد.(203/27)
معنى قوله تعالى: (ودانية عليهم ظلالها)
السؤال
في قول الله عز وجل في سورة الإنسان: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا} [الإنسان:14] ما معناها يا شيخ؟! الشيخ: يعني ظلال الشجر دانية عليهم ما هي بعيدة، لأنه كلما دنا ظل الشجر صار الظل أترف وأبرد.
السائل: ذكر شيخ الإسلام في الفتاوي أن ليس في الجنة شمسٌ ولا قمر، إنما ظل تحت العرش؟ الشيخ: حتى لو لم يكن هناك شمس ولا قمر، تجد الآن ظلاً عند طلوع الفجر إذا ارتفع النهار يعني قبل طلوع الشمس، كذلك ينتج ظل عن النور الذي ينبعث من تحت العرش.(203/28)
حكم المظاهرات وتأثيرها في إنكار المنكر
السؤال
ابتلينا في بلادنا بمن يرى بجواز المظاهرات في إنكار المنكر، فإذا رأوا منكراً معيناً تجمعوا وعملوا مظاهرة ويحتجون أن ولي الأمر يسمح لهم بمثل هذه الأمور؟ الشيخ: أولاً: إن المظاهرات لا تفيد بلا شك، بل هي فتح باب للشر والفوضى، فهذه الأفواج ربما تمر على الدكاكين وعلى الأشياء التي تُسرق وتسرق، وربما يكون فيها اختلاط بين الشباب المردان والكهل، وربما يكون فيها نساء أحياناً فهي منكر ولا خير فيها، ولكن ذكروا لي أن بعض البلاد النصرانية الغربية لا يمكن الحصول على الحق إلا بالمظاهرات، والنصارى والغربيون إذا أرادوا أن يفحموا الخصومة تظاهروا فإذا كان مستعملاً وهذه بلاد كفار ولا يرون بها بأساً ولا يصل المسلم إلى حقه أو المسلمون إلى حقهم إلا بهذا فأرجو ألا يكون به بأس، أما في البلاد الإسلامية فأرى أنها حرام ولا تجوز، وأتعجب من بعض الحكام إن كان كما قلت حقاً أنه يأذن فيها مع ما فيها من الفوضى، ما الفائدة منها، نعم ربما يكون بعض الحكام يريد أمراً إذا فعله انتقده الغرب مثلاً وهو يداهن الغرب ويحابي الغرب، فيأذن للشعب أن يتظاهر حتى يقول للغربيين: انظروا إلى الشعب تظاهروا يريدون كذا، أو تظاهروا لا يريدون كذا، فهذه ربما تكون وسيلة لغيرها ينظر فيها، هل مصالحها أكثر أم مفاسدها؟ السائل: كذا منكر حصل، فعملت المظاهرة فنفع.
الشيخ: لكنها تضر أكثر، وإن نفعت هذه المرة ضرت المرة الثانية.(203/29)
القيمة التي تقطع فيها يد السارق، ومكان قطع رجل السارق
السائل: من شروط قطع يد السارق قال الفقهاء: يُقطع في ثمن مجن فأكثر، وبعضهم قال: في ربع دينار فأكثر، وفي الوقت الحاضر ما القيمة التي تقطع فيها يد السارق؟ الشيخ: ربع دينار، يعني ربع مثقال من الذهب.
السائل: كم مقداره يا شيخ؟ الشيخ: قليل جداً، يعني الدينار مثقال -دينار الإسلام- فيسأل أهل الذهب كم يساوي ربع المثقال من الذهب؟ قليل جداً يعني من عشرون ريال إلى حولها.
السائل: لكن رجل السارق من أين تقطع يا شيخ؟ الشيخ: من نفس العرقوب، يعني ظهر القدم فقط، لأن العقب لابد أن يبقى، لو قطع تضرر السارق في المشي، لأنه لو قطع صارت الرجل المقطوعة قصيرة، فيبقى العقب ويقطع من نفس العقب.(203/30)
حكم زكاة الأموال القادمة بعد بلوغ النصاب وحولان الحول على المبلغ الأول فقط
السائل: رجل عنده مال وبلغ نصابه تقريباً عشرة الآف ريال، على سبيل المثال في أول محرم، وفي رمضان أتاه مبلغ من المال تقريباً عشرة الآف أخرى، وأيضاً في ذي الحجة عشرة الآف أخرى، وحال الحول -الجميع ثلاثون ألف- هل يزكي عن الثلاث أو عن الأولى؟ الشيخ: هل العشرة التي جاءت في رمضان وفي ذي الحجة هل هي ربح؟ السائل: لا، مثل ورث أو شيء آخر.
الشيخ: ابتداء ملك يعني، لكل عشرة حولها، فالعشرة الأولى التي ملكها في محرم، إذا جاء محرم يزكيها، والتي ملكها في رمضان يزكيها في رمضان، والتي في ذي الحجة إذا جاءت ذي الحجة يزكيها، وإن أحب أن يزكيها جميعاً مع المحرم، فله ذلك ويكون تعجيلاً لأجل أن يكون زكاة ماله طريقاً واحداً فلا بأس.(203/31)
حكم المسابقات التجارية والمشاركة فيها
السائل: ما حكم المسابقات التي تعلنها بعض المحلات التجارية وتجعل فيها مسابقات مثل السيارات وغيرها وما حكم المشاركة فيها؟ الشيخ: لا بأس بها بشرطين: الشرط الأول: ألا ترفع الأسعار على السلع التي في هذا المتجر.
الشرط الثاني: أن يكون المشتري له غرض بالسلعة، أي: أنه سيشتريها على كل حال.
أما إذا كان لا يشتري إلا من أجل الجائزة فهذا لا يجوز لأنه ربما يشتري أشياء كثيرة ولا يحصل على الجائزة.
الشيخ: لكن من شروط المسابقة الشراء! الشيخ: أنا فاهم، هل أنت إذا اشتريت، اشتريت لحاجتك وإلا لأجل المسابقة؟ السائل: من أجل المسابقة.
الشيخ: ما يجوز، لأنك ربما تشتري بمائتين ريال أو ثلاثمائة ريال ولا تنجح، أما إذا كنت ستشتري حتماً، مثل البنزين الآن، صاحب المحطة وضع الجائزة والبنزين سعره واحد، واخترت هذه المحطة لأن فيها جائزة، ما أنت خسران، هذا لا بأس به، لأنك الآن إما أن تكون غانماً وإما سالماً، ليس هناك قمار، لكن لو كان لا تريد الشراء، مثلما سمعت أن بعض علب الألبان فيها جائزة، وسمعت أن بعض الناس يشترون مائة كرتون أو أكثر ثم يريقها في الأرض لعله يحصل على البطاقة التي فيها الجائزة، هذا لا يجوز، وكذلك لو رفع التاجر السعر فإنه لا يجوز، لأن هذا سيشتري بثمن أكثر فيكون إما غانماً وإما غارماً.
المهم عرفنا الشرطين: الأول: أن تكون قيمة السلعة كسائر القيم في السوق.
الثاني: أن يشتري الإنسان لحاجة لا لأجل الجائزة.(203/32)
وقت إفضاء الرجل لزوجته في الجنة إذا كان له عدد من الحور العين
السائل: في الجنة يكون للرجل عدد من حور العين يفضي إليهن، فمتى يفضي إلى زوجته، وربما تكون الزوجة قد تزوجت أكثر من رجل فمات الواحد تلو الآخر، فمع من تجلس؟ الشيخ: أقول: متى يغتسل هناك إذا أصاب امرأة؟ السائل: ليس عليه غسل.
الشيخ: إذاً ليس عليه قسم، ما يجب عليه أن يقسم بين الزوجات.
السائل: فمتى يفضي إلى زوجته؟ الشيخ: متى ما شاء.
السائل: طيب والحور العين؟ الشيخ: متى ما شاء.
السائل: ألا تغار زوجته؟ الشيخ: ليس هناك غيره يا رجل! أما إذا تزوجت اثنين وكانا من أهل الجنة، فإنها تخير بينهما وتختار أحسنهما خلقاً.
السائل: وإذا تزوجت رجلاً ومات الرجل، فمع من تجلس، وهي لم تتزوج إلا واحداً؟ الشيخ: هو يكون زوجها وله زوجات أخرى.(203/33)
ميزان بعض الأقوال عند الدعاة والخطباء وصحتها
السائل: كثير من الوعاظ والأئمة في خطب الجمعة يقولون: الديان لا يموت افعل ما شئت كما تدين تدان، وحتى يذكر قول الشاعر:
ومن يزنِ يزنَ به ولو بجداره
فهل تصح هذه الأقوال مع القاعدة الشرعية: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ؟ الشيخ: لا، لكن ورد حديث (أن من عف عف أبناؤه، ومن زنى زنى أبناؤه) فيكون هذا من شؤم الرجل على ذريته.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء.(203/34)
لقاء الباب المفتوح [204]
فسر الشيخ في هذا اللقاء آيات من سورة الواقعة مستدلاً بآيات أخرى تؤيد معاني هذه الآيات، مشيراً إلى ما تحمل هذه الآيات من روعة في المعاني، وجمال في التصوير.(204/1)
تفسير آيات من سورة الواقعة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع بعد المائتين من اللقاءات المعروفة بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السابع والعشرون من الشهر المحرم عام (1420هـ) .
نبدأ هذا اللقاء بما جرت به العادة من تفسير كتاب الله عز وجل.
في الدرس الماضي ذكرنا على قول الله: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} [الواقعة:43] أنه ما يكون فوق الذهب من الدخان، وتبين لنا بعد ذلك أنه الدخان المحض، فالـ (يحموم) هو الدخان، وقد وصفه الله بأنه (لا بارد ولا كريم) لا بارد كما هو الشأن في الظلال، ولا كريم أي: حسن المنظر، لأنه دخان كريه منظره حار مخبره، نسأل الله العافية.(204/2)
تفسير قوله تعالى: (أفرأيتم ما تحرثون)
انتهينا إلى قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة:63-64] أي: أخبروني أيها المكذبون بالبعث! عن الذي تزرعونه بالحرث، هل أنتم الذين تخرجونه زرعاً بعد الحب أم نحن الزارعون؟
الجواب
بل أنت يا ربنا! أنت الذي تزرعه -أي: تنبته- حتى يكون زرعاً، كما قال جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعام:95] فلا أحد يستطيع أن يفلق هذه الحبة حتى تكون زرعة، ولا هذه النواة حتى تكون نخلة، إلا الله عز وجل.(204/3)
تفسير قوله تعالى: (لو نشاء لجعلناه حطاماً)
قال تعالى: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} [الواقعة:65] ولم يقل عز وجل: (لو نشاء لم نخرجه) بل قال: {لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} [الواقعة:65] فبعد أن يخرج ويكون زرعاً وتتعلق به النفوس يجعله الله تعالى حطاماً، وهذا أشد ما يكون سبباً للحزن والأسف، لأن الشيء قبل أن يخرج لا تتعلق به النفوس، فإذا خرج وصار زرعاً ثم سلط الله عليه آفة فكان حطاماً -أي: محطوماً- لا فائدة منه، فهو أشد حسرة.
{فَظَلَتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة:65-67] أي: تبكون بالكلام تريدون أن تذهبوا الحزن عنكم، فتقولون: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} [الواقعة:66] أي: لحقنا الغرم بهذا الزرع الذي صار حطاماً، ثم تستأنفون، فتقولون: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة:67] أي: حرمنا هذا الزرع وصار حطاماً ففقدناه.
ثم انتفل الله عز وجل إلى مادة أخرى، هي مادة الحياة وهي الماء، فقال: {أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ} [الواقعة:68] أخبروني عنه من الذي خلقه؟ من الذي أوجده؟ {أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} [الواقعة:69] ؟
الجواب
بل أنت يا ربنا! يعني: هل أنتم أنزلتم الماء الذي تشربونه من المزن -أي: من السحاب- أم نحن المنزلون؟ الجواب: هو الله عز وجل، لأنه ينزل من السحاب فيبقى غيراناً في الأرض وما شربته الأرض يسلكه الله تعالى ينابيع في الأرض يُستخرج بالآلات من الآبار ويجري من العيون، فأصل الماء الذي نشربه من المزن -من السحاب- ولذلك إذا قل المطر في بعض الجهات قل الماء وغار واحتاج الناس إلى الماء.(204/4)
تفسير قوله تعالى: (لو نشاء جعلناه أجاجاً)
قال تعالى: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} [الواقعة:70] أي: جعلناه مالحاً كريه الطعم لا يمكن أن يشرب، وهنا يقول: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} [الواقعة:70] ولم يقل: (لو نشاء لغورناه) أو: (منعنا إنزاله) لأن كونهم ينظرون إلى الماء رأي العين، ولكن لا يمكنهم شربه أشد حسرة مما لو لم يكن موجوداً، والله عز وجل يريد أن يتحداهم بما هو أعظم شيء في حسرة نفوسهم: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة:70] أي: فهلا تشكرون الله عز وجل على إنزاله من المزن، وعلى كونه سائغاً عذباً لذيذ الطعم، سريع الهضم.(204/5)
تفسير قوله تعالى: (أفرأيتم النار التي تورون)
ثم انتقل الله تعالى إلى أمر ثالث يصلح به الطعام والشراب وهو النار، فقال: {أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} [الواقعة:71] أي: توقدون: {أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ} [الواقعة:72]
الجواب
بل أنت يا ربنا! شجرة النار: هو شجر معروف في الحجاز وربما يكون معروفاً في غيره يسمى (المرخ والغفار) هذا الشجر له خاصية إذا ضرب بالمرو أو بشيء ينقدح مع المماسة اشتعل ناراً، يوقد منه، وهو معروف، ولهذا يقال:
في كل شجر نار واستمجد المرخ والغفار
أي: صار أعظمها.
هذه النار التي نوقدها ونطبخ عليها طعامنا ونسخن مياهنا وننتفع بها: {أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ} [الواقعة:72] الجواب: بل أنت يا ربنا!(204/6)
تفسير قوله تعالى: (نحن جعلناها تذكرة ومتاعاً للمقوين)
قال تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} [الواقعة:73] تذكر بالنار -نار الآخرة- مع أن نار الآخرة فضلت على هذه بتسعة وستين جزءاً على نار الدنيا كلها، بما فيها من النيران الحارة الشديدة الحرارة {وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ} [الواقعة:73] أي: للمسافرين، يتمتعون بالنار، بالتدفئة والدلالة على المكان، لأنه في ذلك الوقت وإلى وقت قريب كان الناس يستدلون على الأمكنة بنار يضعونها على مكان مرتفع تهدي الضال، ويضرب المثل في الدلالة بالعلم عليه النار، كما قالت الخنساء ترثي أخاها صخراً:
وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
أي: جبل، يهتدي الناس إليها.(204/7)
تفسير قوله تعالى: (فسبح باسم ربك العظيم)
قال تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:74] أي: سبح الله عز وجل بهذا الاسم، فقل: سبحان ربي العظيم، والتسبيح معناه: أن الله تعالى ينزه عن كل نقص وعيب، فإذا قلت: سبحان الله، فالمعنى: إني أنزهك يا رب من كل نقص وعيب، وقوله: (العظيم) أي: ذو العظمة البالغة، لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اجعلوها في ركوعكم) ، ولما نزلت: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1] قال: (اجعلوها في سجودكم) ولهذا ينبغي للإنسان إذا كان يصلي وقال: سبحان ربي العظيم أن يستحضر أمر الله وأمر رسول الله؛ أمر الله في قوله: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:74] ، وأمر الرسول في قوله: (اجعلوها في ركوعكم) حتى يجمع بين الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وإلى هنا ينتهي هذا الكلام الموجز في تفسير هذه الآيات الكريمة.(204/8)
الأسئلة(204/9)
بيان أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء
السؤال
فضيلة الشيخ! هل الأرض تأكل أجساد الأنبياء والشهداء؟
الجواب
لا.
لا تأكل لحوم الأنبياء، صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر أصحابه أن من صلى عليه فإن صلاته تعرض على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: (يا رسول الله! كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت -أي: صرت رميماً-؟ فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) وهذه خاصة بالأنبياء، هم الذين نجزم بأن الأرض لا تأكل منهم شيئاً، أي: أنهم يبقون كما ماتوا تماماً، أما الشهداء والصديقون والصالحون فهؤلاء قد لا تأكل الأرض بعضهم كرامة لهم، وإلا فالأصل أنها تأكله ولا يبقى إلا عجب الذنب -وهو: أسفل الذنب- فيه حبة (خرزة) تشبه النواة أو أقل، هذه بإذن الله لا تأكلها الأرض، تبقى بذرة للأجساد عند إحيائها في البعث كما جاء بذلك الحديث، لأن الله تعالى جعل لكل شيء سبباً، وإلا فهو قادر على أن يخلق الإنسان وإن لم يبق شيء من جسده الأول، لكن قد يوجد بعض الصديقين أو الشهداء أو الصالحين من لا تأكلهم الأرض كرامة لهم.
حدثني بعض الناس أنهم لما أرادوا أن يجعلوا على هذه البلدة عنيزة سوراً حفروا لأجل أساس الجدار، فوقعوا على قبر، فوجدوا صاحب القبر يابساً، كفنه أكلته الأرض وهو يابس ولم يفقد منه شيء حتى لحيته كانت محناة مصبوغة بالحنى فكانت على ما كانت عليه، لم تتساقط، وفاح عليهم رائحة طيبة لا يوجد لها نظير في الدنيا، وكان القاضي في ذلك الوقت في البلد عبد الله بن عبد الرحمن بابطين رحمه الله الذي له حاشية على الروض المربع، فأتوا إلى الشيخ، وقالوا: القضية كذا وكذا، وإننا حفرنا ووقعنا على هذا القبر، فماذا نصنع أنرده على حاله، أم ننقله؟ فأمرهم أن يردوه على حاله، وأن يعطفوا السور من خلفه أو من أمامه لا أدري الآن، فهذا دليل على أن الأرض قد لا تأكل أجساد بعض الناس، والمهم كل المهم أن يكون الإنسان منعماً في قبره، سواء بقي الجسم أم لم يبق، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من المنعمين في قبورهم.(204/10)
بأي يد يستاك الإنسان؟
السؤال
هل يمسك السواك باليمين أو باليسار؟
الجواب
من العلماء من قال: إنه يمسك باليسار مغلباً جانب الأذى؛ لأن السواك يطهر الفم، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) قالوا: ومعنى هذا أن السواك إزالة للأذى فيكون باليسرى، كما أن الاستنجاء باليسرى والاستجمار باليسرى والاستنثار باليسرى.
ومنهم من قال: بل باليمين؛ لأن السواك سنة، والسنة ينبغي أن يقدم لها اليمين فيكون باليمين.
ومنهم من قال: هو مخير.
كم قولاً ذكرنا؟ ثلاثة، باليمين، باليسار، مخير.
ومنهم من فصل: فقال: إن تسوك للسنة فباليمين، وإن تسوك لتطهير الفم فباليسار، فإذا كان التسوك لظهور رائحة الفم لطول السكوت مثلاً فإنه يكون باليسار، وإذا كان للسنة؛ كرجل توضأ واستاك ثم أتى إلى المسجد وأراد أن يصلي في زمن قريب فهنا السواك للصلاة من باب السنة وليس من باب التطهير فيكون باليمين، والأمر في هذا واسع، ويشبه هذا اختلاف العلماء رحمهم الله متى يقوم للصلاة: هل هو إذا شرع المؤذن في الإقامة، أو إذا قال: حي على الصلاة، أو إذا قال: قد قامت الصلاة، أو إذا انتهى من الإقامة، أو إذا كبر الإمام؟ قال الإمام مالك رحمه الله: الأمر عندنا في هذا واسع، بمعنى: إذا قام حين شرع المؤذن في الإقامة، أو عند حي على الصلاة، أو عند قد قامت الصلاة، أو عند انتهاء الإقامة، أو عند تكبيرة الإحرام، فالأمر في هذا واسع، المهم ألا تفوته تكبيرة الإحرام فلا يتأخر.(204/11)
مشروعية الأذكار بعد الصلاة في السفر
السؤال
الأذكار بعد الصلاة، هل تسقط في السفر؟
الجواب
الأذكار بعد الصلاة لا تسقط في السفر، لأن الأصل أن أحكام السفر كأحكام الإقامة إلا بدليل، ولا دليل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يذكر الله بعد الصلاة إذا سافر فهي باقية، إلا إذا كانت الصلاة تجمع إلى ما قبلها فلا يفصل بينهما بذكر لا في السفر ولا في الإقامة.(204/12)
تقدير الصلاة والصوم في المناطق التي لا تغيب فيها الشمس
السؤال
ما هي القاعدة للمقيمين في البلدان التي لا تغيب فيها الشمس لفترة طويلة من السنة، أو يكون في سفر في الطائرة وقد يطول عليه النهار أو يقصر، فما هي القاعدة للصائم أو للمصلي في هذه الحالات؟
الجواب
أما إذا كان هناك ليل ونهار فإنه يعتبر الليل والنهار طال أو قصر، حتى لو فرض أن الليل أربع ساعات والنهار عشرون ساعة اعتبر الليل ليلاً والنهار نهاراً، وأما إذا لم يكن هناك ليل ونهار كالمناطق القطبية فإنه يقدر تقديراً، ويدل لهذا: أما الأول فيدل له عموم قوله تعالى في الصيام: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] ، وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق، وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) وأما الثاني فدليله: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حدّث عن الدجال، وأن أول يوم يكون فيه النهار كسنة فأنطق الله الصحابة رضي الله عنهم، وقالوا: (كيف نصلي يا رسول الله! قال: اقدروا له قدره) فهؤلاء الذين يكون عندهم الليل ستة أشهر والنهار ستة أشهر، نقول: اقدروا قدره، ولكن بماذا نقدر؟ هل نقدر بالمتوسط، ونقول: اثنتا عشرة ساعة، اعتبروه نهاراً، واثنتا عشرة ساعة اعتبروه ليلاً، لأنه لما سقط التعيين بعدم وجود الفارق رجعنا إلى الوسط، أو نعتبر بهذا أقرب البلاد إلى هذه المنطقة ممن لهم ليل ونهار، أو نعتبر بهذا مكة؛ لأن الله تعالى سماها أم القرى، على أقوال ثلاثة: وليس هناك شيء قاطع أن أحد هذه الثلاثة أصح، لكن أقرب شيء عندي -والله أعلم- أن نعتبر بالبلاد القريبة منهم التي فيها ليلٌ ونهار.
السائل: ولكن الشخص الذي يقيم في تلك البلاد هل يحاول أن ينتقل إلى أماكن فيها إمكانيات؟ الشيخ: ليس باللازم، ويبقى في الأرض التي هو فيها.(204/13)
بيان معنى حديث: (إن عبداً أصححت له جسمه)
السؤال
فضيلة الشيخ! حديث النبي عليه الصلاة والسلام (إن عبداً أصححت له جسمه، ووسعت عليه في معيشته يمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم) هل هذا يشمل الحج والعمرة أم الحج فقط؟
الجواب
والله لا أدري عن هذا الحديث.
السائل: هذا ذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة من حديث أبي سعيد، إن ثبتت يا شيخ صحته، فما الحكم؟ الشيخ: لا يمكن أن يثبت هذا، إن كان المراد الحج والعمرة فلا يثبت أبداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صح عنه أنه لما ذكر الحج، قال له الأقرع بن حابس: (أفي كل عام يا رسول الله! قال: لو قلت نعم لوجبت، الحج مرة فما زاد فهو تطوع) ولو صح هذا الحديث لكان ما زاد فيه تطوع وفيه واجب، فأظن أن هذا الحديث لا يصح.(204/14)
كيفية السجود عند الزحام الشديد
السؤال
حالة السجود في وقت الزحام كيف تكون إذا لم يوجد مكان للسجود؟
الجواب
يضم نفسه بعد أن كان يمتد ويفرج بين يديه.
السائل: إذا لم يكن هناك إمكان يا شيخ! مثل الحرم، فأحياناً لا يمكن السجود؟ الشيخ: إذا كان لا يمكن فقيل: إنه يسجد على ظهر من كان أمامه.
وقيل: إنه يومئ بالسجود جالساً وبالركوع قائماً.
وقيل: ينتظر حتى يقوم الناس من السجود ثم يسجد ويتابع.
أما الظهر فقد وردت به آثار عن الصحابة رضي الله عنهم، ولكن هذا يحمل على قوم يعرفون الحكم الشرعي ولا ينكرون أن يسجد على ظهورهم، أما في وقتنا الحاضر فأعتقد أنك لو سجدت على ظهر إنسان لشوشت عليه كثيراً، أو نفضك بقوة، لو قلنا بهذا وصار هناك صف ثالث يسجد على ظهر من؟ على ظهر صاحبه ثم يترادف الناس، وهذه وإن كانت الصورة غير ممكنة لكن نرى أن القول بالسجود على ظهر إنسان في وقتنا الحاضر فيه تشويش، فإما أن نقول: أومئ بالركوع، مع أن الركوع فيما يبدو لا يتعذر؛ لأنه يمكن أن يركع ولو كان قريباً من صاحبه، وأما في السجود فاجلس وأومئ بالسجود جالساً، فهذا أحسن من كونك تنتظر حتى يقوم الناس فتفوتك المتابعة، وربما يكون الإمام في الركعة التي تلي ركعتك إذا كان سريع القراءة، فإذا قرأ الفاتحة ربما يركع قبل أن تتم الفاتحة فيحصل تخلف كثير، فأقرب الأقوال عندي: أن الإنسان إذا وصل إلى السجود جلس وأومأ، والمسألة ليس فيها قول عن المعصوم، لو كان فيها قول عن النبي صلى الله عليه وسلم لقلنا: على العين والرأس ونفعل ما قال.(204/15)
حكم من مات ولم يؤد العمرة
السؤال
شخص توفي ولم يؤدِ العمرة، فهل يؤخذ من ماله لأداء العمرة؟
الجواب
هل أدى الحج؟ السائل: أدى الحج مفرداً.
الشيخ: إذا كان ماله يتسع للعمرة أخذ من ماله، لأن القول الراجح أن العمرة واجبة، وأنه إذا لم يؤدها في حياته مع قدرته تؤخذ من تركته بعد مماته.(204/16)
حكم السفر لحضور جنازة
السؤال
إذا توفي عالم من المسلمين، هل يجوز لأحد أن يسافر ليحضر دفنه أو الصلاة عليه؟
الجواب
أنا أكره هذا؛ أكره أن يسافر أحد من أجل أن يصلي على شخص، لأن هناك فرقاً بين من يموت في البلد فتذهب من حارتك إلى حارته وتصلي عليه، وبين أن تسافر، ولهذا كان السفر لزيارة القبور حراماً، وزيارة القبور في البلد سنة، وأيضاً لو أننا فتحنا هذا الباب لكان الناس هنا في المملكة يتبارون ويتمارون في الذهاب إلى الصلاة على الميت، لأن الأمر -والحمد لله- عندنا ميسر، سيارات وطائرات وخطوط سهله، فيتبارى الناس بهذا ويتمارون مع أن المقصود أن ينتفع الميت بالصلاة، والميت يمكن أن ينتفع بالدعاء في أي مكان، لكن لو فرض أن الإنسان يسافر ليدرأ الكلام والقول والقيل، بمعنى أنه لو لم يحضر لفقد، وصار هناك كلام: لماذا لم يحضر هذا الرجل؟ فهنا قد نقول: إنه لم يسافر من أجل أن يصلي على الميت، لأنه يعرف أن أي دعاء سينفع الميت، لكن من أجل ألا يتكلم المنافقون في أعراض الناس، فهذه إذا لاحظ الإنسان هذا إن شاء الله لا بأس به.(204/17)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) وبيان الفرق بينهما
السؤال
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) ما معناها يا شيخ؟ وما الفرق بين الضرر والضرار؟
الجواب
الضرر: ما كان عن غير قصد، والضرار: ما كان عن قصد، لأن ضرار مصدر ضار يضار ضراراً، ومضارة، كجاهد يجاهد جهاداً، ومجاهدة، فما كان عن قصد فهو ضرار، وما كان عن غير قصد فليس ضراراً، مثال ذلك: إنسان عنده شجرة في بيته يسقيها فانتشرت الرطوبة إلى بيت جاره بدون قصد، هذا نقول فيه: ضرر، وإنسان آخر غرس شجرة وصار يسقيها من أجل أن ينتشر الماء والرطوبة إلى بيت جاره فيتأذى به، هذا ضرار، وكلاهما منفي شرعاً، فالضرر يزال وإن لم يقصد، والمضارة تزال وعليه إثم القصد.(204/18)
ضابط الكفارة في اليمين
السؤال
رجل كثير الحلف، لا يملك نفسه بل دائماً يحلف في كل شيء، فهل في حقه إذا حلف هل يبدأ بالفعل الذي حلف من أجله، أم يبدأ بالكفارة؟
الجواب
أولاً كثير الحلف لا بد أن نقول: هل هذا يجري على لسانه بغير قصد؟ فإذا كان بغير قصد فليس عليه كفارة؛ لأن هذا من لغو اليمين، وقد الله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ} [المائدة:89] .
وأما إذا كان عن قصد فإننا ننهاه عن هذا؛ لأن الله قال: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة:89] وقد قال بعض المفسرين: إن معناها: لا تكثروا الحلف.
وقد أشار الله تعالى إلى كراهة ذلك في قوله: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ} [القلم:10] أي: كثير الحلف، ولكن عليه أن يُكَفِّرْ، فإن كان المحلوف عليه شيئاً واحداً والأيمان متكررة فعليه كفارة واحدة، وإذا كان المحلوف عليه متعدداً والأيمان متعددة فعليه لكل فعلٍ كفارة، وله أن يفعل قبل أن يُكَفِّر، وله أن يُكَفِّر قبل أن يفعل، فإن كَفَّرَ قبل أن يفعل سميت هذه الكفارة تحله، وإن فعل ثم كفر فهي كفارة.(204/19)
بيان معنى قوله تعالى: (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين)
السؤال
قول الله تبارك وتعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:25] ما تفسير هذه الآية يا شيخ؟
الجواب
اقرأ التي قبلها لأن لها علاقة بالتي قبلها.
السائل: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:24-25] .
الشيخ: أيش الإشكال؟ السائل: الإشكال الوارد عَلَيَّ هو معنى قوله تعالى: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:25] .
الشيخ: أي: أن هؤلاء المكذبين الضالين لا يعلمون أن الله هو الحق المبين حقيقة إلا في يوم القيامة، إذا وفاهم الله دينهم الحق، أي: جزاءهم الحق، عرفوا أن الله هو الحق المبين، أما الآن فلم يعرفوا، أو عرفوا ولكنهم استكبروا.(204/20)
حكم التنازل عن القرض لآخر بمقابل
السؤال
هذا رجل خرج اسمه في البنك العقاري ثم تنازل لشخص آخر مقابل ستين ألف ريال، هل هذا جائز؟
الجواب
هذا ليس بجائز، لأن حق الإنسان في البنك العقاري حق انتفاع، فإن كان لا زال في حاجة للانتفاع بهذا القرض فليفعل، وإن لم يكن في حاجة فعليه أن يدعه، ولا يجوز أن يأخذ عن هذا عوضاً، وهناك أناس تجدهم ينتظرون متى تخرج أسماؤهم، فيقال: إما أن تنتفع به إن كنت في حاجة، مثل أن يكون قد بنى بيته الذي قدم لبنائه ولكنه استدان من الناس لبنائه فهنا هو في حاجة يأخذ القرض، وإما أن يقال: إنك انتهيت فلا حاجة لك بها.
السائل: هل الفلوس التي أخذها تعتبر رباً؟ الشيخ: هذا ربا وظلم أيضاً، لأن المال حق له.(204/21)
العمليات الاستشهادية في الميزان
السؤال
استدل بعض الناس بجواز قتل النفس أو ما يسمونه بالعمليات الانتحارية بحديث ذكره مسلم في صحيحه، حديث قصة غلام أصحاب الأخدود، فهل استدلالهم هذا صحيح؟
الجواب
هذا صحيح في موضعه، إذا وجد أن قتل هذا الإنسان نفسه يحصل به إيمان أمة من الناس فلا بأس، لأن هذا الغلام لما قال للملك: خذ السهم من كنانتي ثم قل: باسم الله رب هذا الغلام، فإنك سوف تصيبني، وفعل الملك، ماذا صنع مقام الناس؟ آمنوا كلهم، هذا لا بأس، لكن الانتحاريين اليوم لا يحصل من هذا شيء بل ضد هذا، أول من يقتل نفسه، ثم قد يقتل واحداً أو اثنين وقد لا يقتل أحداً، لكن ماذا يكون انتقام العدو؟ كم يقتل؟ يقتل الضعف أو أكثر، ولا يحصل إيمان ولا كف عن القتل، هذا الرد عليهم، نقول: إذا وجد حاله مثل هذه الحال فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصها علينا لنسمعها كأنها أساطير الأولين بل قصها علينا لنعتبر، إذا وجد مثل هذه الحال لا بأس، وبعضهم يستدل بقصة البراء بن مالك في غزوة اليمامة، حيث حاصروا حديقة مسيلمة والباب مغلق وعجزوا، فقال البراء: ألقوني من وراء السور وأفتح لكم، فألقوه وفتح، وهذا ليس فيه دليل، لماذا؟ لأن موته غير مؤكد، ولهذا حيي وفتح لهم الباب، لكن المنتحر الذي يربط نفسه بالرصاص والقنابل، ينجو أم لا ينجو؟ قطعاً لا ينجو، ولهذا لولا حسن نيتهم لقلنا: إنهم في النار يعذبون بما قتلوا به أنفسهم.(204/22)
حكم التنازل عن وظيفة لغير مستحقها بمقابل
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك نظام في الحرس الوطني من قبل الدولة حفظها الله، بأن الوظيفة تكون للرجل، فبعد أن يتقاعد أو يموت أجاز له النظام أن يجعل مكانه أحد أبنائه أو أقاربه، لكن إذا لم يكن لهذا الرجل أحد فقد يعرض عليه مبلغ من المال ليتنازل عن هذه الوظيفة، فما رأي فضيلتك في هذا الشيء؟
الجواب
تقصد أن يتنازل قبل أن يموت؟ السائل: أي يتقاعد مثلاً، ليس عنده أحد لا أبناء ولا غير ذلك، شخص يأتي ويقول له: أنا أعطيك كذا كذا، لكن اجعل الوظيفة لي؟ الشيخ: لا يجوز.
السائل: وما هي النصيحة؟ الشيخ: النصيحة: أن يتقي الإنسان ربه، وأن يعلم أنه إذا أكل الحرام فإنه سيؤثر عليه في عباداته ودعائه وغير ذلك, لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك) والدنيا -يا أخي! - ليست دار قرار وليست جنة، الدنيا ممر وامتحان في العمل الصالح، فيجب على الإنسان ألا يجعل المال هو رأس المال، رأس المال حقيقة هو العمل، أما المال فإنه زائل أو زائل صاحبه ولا بد.
السائل: نفس النظام، ما الحكم في التنازل لغير من يحدده النظام؟ الشيخ: نفس النظام هل يجيز هذا؟ السائل: يقول: ابنه أو أحد أقاربه، هذا المتعارف عليه.
الشيخ: دعك من المتعارف عليه، هل النظام يجيز للإنسان أن يتنازل عن تقاعده مثلاً إلى أي شخص.(204/23)
حديث السحابة التي تمطر كمني الرجال فتعود الأجساد
السؤال
بعض الوعاظ يذكر عند بعث الخلائق في الآخرة أن الله يرسل مثل السحابة أو سحابة فتقطر مثل المني، فينبت ما بقي من الإنسان مثل النبات، فهل ورد هذا؟
الجواب
هذا ورد حديث فيه قبل النفخ في الصور: (يرسل الله مطراً غليظاً كمني الرجال أربعين يوماً تنبت منه الأجساد في القبور، فإذا استتمت نفخ الله في الصور فخرجت الأرواح من الصور إلى أجسادهم) فالله أعلم بصحته.(204/24)
حكم استخدام عبارات (الثورة المحمدية) أو (الثورة الإسلامية)
السؤال
يكتب بعض الكتاب في مقالاتهم عبارات مثل: (الثورة المحمدية، الثورة الإسلامية) ، فهل هذا يا شيخ تعبير صحيح؟
الجواب
لا.
ليس صحيح.
السائل: وبماذا نرد عليهم؟ أحسن الله إليكم.
الشيخ: هل سماها الله ثورة أم سماها هداية، هداية وحقاً؟ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ} [النساء:170] ما قال: قد ثار الرسول على الأصنام، نرد عليهم بهذا، ولا يمكن أن نحول الهداية والنور والحق إلى ثورة، يأتي شخص يقول ثورة نابليون وغيرها من الثورات، بلغوا الناس في بلادكم هذا، قولوا: يا جماعة! هذا حق، هذا نور، هذا هدى، هذا شفاء.
السائل: يوجد الثورة الإٍسلامية؟ الشيخ: ولا ثورة إسلامية، لا يوجد ثورة إسلامية، هداية إسلامية لا بأس.(204/25)
المسبوق إذا سها فسجد مع إمامه هل يلزمه سجود ثانٍ؟
السؤال
إذا سها المسبوق مع إمامه فسجد مع إمامه، فهل يجزئه هذا السجود عنه أم يلزمه أن يسجد مرة أخرى إذا سلم؟
الجواب
لا بد أن يسجد، إذا سها المأموم وهو مسبوق مع الإمام وسجد مع الإمام سجود السهو فيجب أن يسجد لنفسه عند انتهاء صلاته؛ لأن سجوده الأول إنما هو لمتابعة الإمام فقط، فلا بد أن يعيد السجود.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.(204/26)
لقاء الباب المفتوح [205]
في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة الواقعة تتمة لما سبق من اللقاءات في تفسير سورة الواقعة، مع بيان بعض دقائق هذه الآيات، وإشارة لما قد يلتبس على الإنسان من معانيها.(205/1)
تفسير آيات من سورة الواقعة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا اللقاء هو الخامس بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الخامس من شهر صفر عام (1420هـ) .(205/2)
تفسير قوله تعالى: (فلا أقسم بمواقع النجوم)
نبتدئ هذا اللقاء كما هي العادة بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل، وقد انتهينا في اللقاء الماضي إلى قول الله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة:75-76] يخبر الله تبارك وتعالى أنه يقسم بمواقع النجوم، و (لا) في قوله: {فَلا أُقْسِمُ} [الواقعة:75] للتنبيه والتوكيد، وليست للنفي؛ لأن المراد إثبات القسم وليس نفيه، وهذا كقوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:1] ، وقوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة:1] ، وقوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} [النساء:65] وأمثال ذلك، يؤتى بـ (لا) بصورة النفي، ولكن المراد بذلك التوكيد والتنبيه، والقسم: تأكيد الشيء بذكر مُعَظَّمٍ بأدوات مخصوصة، وهي: الواو، والباء، والتاء، وقوله: {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75] اختلف فيها العلماء رحمهم الله، فمنهم من قال: إن المراد بذلك أوقات نزول القرآن، أي: أن القرآن نزل مفرقاً، والشيء المفرق يسمى منجماً، كما يقال في الدين المقسط على سنوات أو أشهر، يقال: إنه دين منجم.
وقيل المراد بمواقع النجوم: مواقع الطلوع والغروب، لأن مواقع غروبها إيذان بالنهار، ومواقع طلوعها إيذان بالليل، وتعاقب الليل والنهار من آيات الله العظيمة الكبيرة، من آيات الله العظيمة التي لا يقدر عليها إلا الله عز وجل، فيكون الله تبارك وتعالى أقسم بما يدل على إقبال الليل وإدباره.
وقيل: المراد بمواقع النجوم: الأنواء، وكانوا في الجاهلية يعظمونها، حتى كانوا يقولون: إن المطر ينزل بالنوء، ويقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا.
والمهم أن الله تعالى أقسم بمواقع النجوم على أمر من أعظم الأمور وهو قوله: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة:77] لكن الله بين عظم هذا القسم قبل أن يبين المقسم عليه، فقال: وإنه لقسم عظيم، وأتى بالجملة الاعتراضية في قوله: لو تعلمون، إشارة إلى أنه يجب أن نتفطن لهذا القسم وعظمته حتى نكون ذوي علم به.(205/3)
تفسير قوله تعالى: (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم)
قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة:76-77] أي: أن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم لقرآن كريم، والكرم يراد به: الحسن والبهاء والجمال، كما في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن وأمره أن يبين للناس أن عليهم زكاة في أموالهم، قال: (إياك وكرائم أموالهم) (كرائم) جمع كريمة، والمراد بها: الشاة الحسنة الجميلة.
وهو كريم: يعني القرآن كريم في ثوابه، فالحرف بحسنة، والحسنة بعشرة أمثالها.
وهو كريم في آثاره على القلوب وصلاحها، فإن قراءة القرآن تلين القلوب، وتوجب الخشوع لله عز وجل.
وكريم في آثاره بدعوة الناس إلى شريعة الله، كما قال تعالى: {فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} [الفرقان:52] فالمهم أن القرآن كريم بكل معنى الكرم.
قال تعالى: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:78-79] اختلف العلماء في الكتاب المكنون، فقيل: إنه اللوح المحفوظ، لقوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:21-22] .
وقيل: المراد به الكتب التي بأيدي الملائكة، كما قال تعالى: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس:12-16] وهذا القول رجحه ابن القيم رحمه الله في كتابه التبيان في أقسام القرآن أن المراد به الصحف التي بأيدي الملائكة.
وأكثر المفسرين على أن المراد به: اللوح المحفوظ.
(لا يمسه) أي: لا يمس هذا الكتاب المكنون إلا المطهرون وهم الملائكة، طهرهم الله تعالى من الشرك والمعاصي ولهذا لا تقع من الملائكة معصية بل هم ممتثلون لأمر الله، قائمون به على ما أراد الله.
وذهب بعض المفسرين إلى قول غريب حيث قالوا: المراد بقوله: {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] أي: لا يمس القرآن إلا طاهر، ولكن هذا قول ضعيف لا تدل عليه الآية، لأنه لو كان المراد ذلك لقال: إلا المُطَّهِّرون -يعني: المتطهرين- ولكن قال: الْمُطَهَّرُونَ، أي: من قبل الله عز وجل، فهذا القول ضعيف، ولولا أنه يوجد في بعض التفاسير التي بأيدي الناس ما تعرضنا له، فإنه لا قيمة له، والصواب أن المراد بذلك الملائكة.
فإن قلنا: إن المراد بالكتاب المكنون الصحف التي بأيديهم فواضح في قوله: {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] وإذا قيل: المراد به اللوح المحفوظ، فكذلك الْمُطَهَّرُونَ قد يمسونه بأمر الله عز وجل، وقد لا يمسونه.(205/4)
تفسير قوله تعالى: (تنزيل من رب العالمين)
قال تعالى: {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة:80] أي: هذا القرآن تنزيل من رب العالمين، نزل من عند الله عز وجل، لأنه كلامه، وكلام الله تعالى منزل غير مخلوق.
ويستفاد من هذه الآية الكريمة أن القرآن ليس بمخلوق، لأنه نزل من الله فهو كلامه، وكلامه من صفاته تعالى، وصفاته غير مخلوقه.
وفي قوله: (تنزيل من رب العالمين) إشارة إلى أنه يجب علينا أن نعمل به؛ لأن الذي أنزله هو الرب المطاع الخالق الرازق، الذي يجب أن نطيعه فيما أمر، وننتهي عما عنه نهى وزجر.
{تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} و (العالمين) : كل من سوى الله، وسموا عالمين؛ لأنهم علم على خالقهم، فإن هذا الخلق إذا تأمله الإنسان دله على ما لله عز وجل من عظمة وسلطان ورحمة وغير ذلك من صفات.(205/5)
تفسير قوله تعالى: (أفبهذا الحديث أنتم مدهنون)
قال تعالى: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} [الواقعة:81] أي: أبعد هذا البيان لعظمة القرآن الكريم تدهنون به؟ أي: تدهنون به الكفار، وتسكتون عن بيانه وعن العمل به، وهذا الاستفهام للإنكار، لأن الواجب على من آمن بأنه تنزيل من رب العالمين وأنه قرآن كريم، وأنه لا يمسه إلا المطهرون، الواجب أن يصارح ويصرح ولا يداهن، وقد قال الله تعالى في آية أخرى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9] ولكن هذا ليس بحاصل، فالواجب على المؤمن أن يبرز بدينه ويفتخر به، ويظهر خلاف ما كان عليه، وكثير من الناس اليوم -مع الأسف- تجد الرجل منهم إذا قام يصلي يستحي أن يصلي، وربما يداهن ويؤخر الصلاة عن وقتها موافقةً لهؤلاء الذين لا يصلون، وهذا غلط عظيم، بل الواجب أن يكون الإنسان صريحاً فلا يداهن في دين الله عز وجل.(205/6)
تفسير قوله تعالى: (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون)
قال تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:82] أي: تجعلون عطاء الله إياكم تكذيباً له، كما قال عز وجل: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} [النحل:83] ومن ذلك: أن ينسب الإنسان نعمة الله عز وجل إلى السبب متناسياً المسبب سبحانه وتعالى، كقوله: مطرنا بنوء كذا، فهو ينسب المطر إلى النوء لا إلى الخالق عز وجل، فهذا نوع من الشرك كما جاء ذلك صريحاً في حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بهم صلاة الصبح ذات يوم في الحديبية وقد نزل مطر، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر -انقسموا إلى قسمين: مؤمن وكافر- فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) .(205/7)
الأسئلة(205/8)
حكم السفر للصلاة على الجنازة
السؤال
هل يجوز السفر للصلاة على الجنازة؟
الجواب
أما إذا كان الإنسان لو لم يحضر لفقد إما لقرابته القريبة من الميت أو غير ذلك، فيقال: لماذا لم يأت فلان، ويكون الجواب بينه وبين قريبه عداوة، فهنا يتعين الحضور درءاً لكلام الناس وخوضهم، وكذلك لو كان كبيراً يفقد في هذه الجنازة فإنه يحضر دفعاً لألسنة الناس وتشكيكات المنافقين، أما الرجل العادي فالأولى ألا يفعل، لأن ذلك لم يكن معهوداً من السلف الصالح رضي الله عنهم، فقد مات العظماء في المدينة ومكة وغيرها ولم يسافر أحد للصلاة عليهم، بل إني لا أعلم أن أحداً سافر إلى المدينة ليصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق، ولأن هذا يؤدي إلى نفقات لا داعي لها، ولأن هذا يؤدي إلى أن يتباهى الناس في هذا الشيء ويتباروا فيه ويتماروا، فلو قال: فلان لم يذهب إلى جنازة فلان، ويقول آخر: نعم لأنه ليس عنده بشيء، فيكون سبباً للتعاير بين الناس وعير بعضهم بعضاً، وما دام الأمر ليس معهوداً عن السلف ويحصل به مفاسد فتركه أولى، لكن التحريم: لا أستطيع أن أقول: إنه حرام؛ لأن التحريم يحتاج إلى دليل بين، أما السفر إلى القبور فهذا حرام، لأنه سفر يقصد به مكان معين لشرف هذا المكان حتى النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز السفر إلى زيارة قبره.(205/9)
حكم الفتح على الإمام إذا أخطأ في القراءة
السؤال
رجل يصلي السنة الراتبة في إحدى المساجد ثم جاءت جماعة وصلوا بجوراه فرضاً وذلك في الصلاة الجهرية ثم أخطأ الإمام في إحدى السور، ما موقف هذا الشخص الذي هو في السنة الراتبة، هل يرد عليه أم لا؟ ثم إنه سلم من سنته الراتبة وشرع بعد أن سلم هذا من السنة الراتبة وانتهى منها مع الجماعة الذين يصلون في السورة الثانية ثم أخطأ في نفس العملية، فما موقفه وهو يصلي وبعد أن انتهى من الصلاة، هل يرد عليه أم يتركه؟
الجواب
إذا كان الخطأ يغير المعنى فالواجب أن يرد عليه؛ لأنه لا يجوز إقرار أحد على خطأ في كتاب الله عز وجل، وإن كان لا يغير المعنى فلا يلزمه، ولكن لما انتهى من الراتبة لم أفهم من السؤال أنه دخل معهم.
هل دخل معهم أو أن هذه الراتبة بعدية؟ السائل: هذه الراتبة بعدية.
الشيخ: إذاً الجواب كما سمعت.(205/10)
كيفية الطهارة والصلاة لمن أصابه مرض غير عضوي
السؤال
نشهد الله على محبتكم في الله، هناك امرأة كانت من خيرة النساء خلقاً وديناً؛ حيث تعلمت من أجل كتاب الله عز وجل، وبعد أن بلغت الخمسين أصابها مرض الخوف الشديد؛ حيث أنها تتخيل أشياء لا تُحَسُّ بالواقع وأصبحت تخاف من الوضوء ولا تتوضأ إنما تتعفر بالتراب، هل يصح لها ذلك؟ وأحياناً تؤخر الصلاة عن وقتها، فما رأي فضيلتكم بحال هذه المرأة؟
الجواب
أولاً: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، وجعلنا وإياكم من أحباب الله، هذه المرأة لا شك أن الذي أصابها مرض، ولا يحل لها أن تتيمم مع قدرتها على استعمال الماء، والواجب أن تصبر وتصابر وتضغط على نفسها حتى تصلي بالماء؛ لأن هذا الذي يصيبها عند الوضوء بالماء ربما يكون من الشيطان حتى يمنعها من فعل الواجب، والواجب أن تصلي على حسب حالها سواءً كانت قائمة أو قاعدة أو مضطجعة، ولا تؤخرها عن وقتها إلا إذا كانت الصلاة مما يجمع إلى ما بعدها وكان ذلك أرفق بها فلا بأس أن تجمع، وعليها وزر؛ لأن هذا ليس عجزاً بدنياً، نقول: اتقوا الله ما استطعتم، هذا عجز فكري وتخيلات، وهي إذا عزمت واستعاذت بالله من الشيطان الرجيم وكسرت هذه التخيلات انتفعت.(205/11)
حكم التبرع بالشي المحرم
السؤال
نحن أبناؤك يا شيخ! من حفر الباطن أتينا نعزيكم ونعزي أنفسنا في سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز رحمه الله، والسؤال يا شيخ: جمعية من الجمعيات الخيرية يأتيها بعض المساعدات، ومن ضمن هذه المساعدات ملابس صالحة للاستخدام لكن في بعض هذه الملابس مخالفات شرعية كعباءة الكتف أو العباءة الفرنسية كما يسمونها، أو بعض الثياب التي لها فتحة من الإمام ومن الخلف، فهل يجوز -يا شيخ! - إيصال هذه الملابس بشكلها للمحتاجين أم لابد من إتلافها؟
الجواب
أقول: عظم الله أجر الجميع في فقد الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وأسأل الله تعالى أن يجعل في خلفه خيراً.
أما بالنسبة لهذه الملابس فإن كان يمكن تعديلها حتى تكون صالحة للبس فهذا طيب، ويجب في هذه الحال أن تعدل إلى الوجه السليم الشرعي ثم يتصدق بها، وأما إذا كان لا يمكن فلا يجوز أن يتصدق بها؛ لأن التصدق بها ولبسها حرام وإعانة على الإثم والعدوان، وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] ، وفي هذه الحال يجب على قابض هذه الألبسة أن ينصح من أتى بها؛ لأنه ربما يكون جاهلاً لا يدري، ويقول: يا أخي! هذه لا يتقرب بها إلى الله، إذ لا يتقرب إلى الله بمعصيته أبداً، والآن عليك أن تتلفها أو تنقضها وتخيطها على وجه سليم.
السائل: قد تأتي يا شيخ بأكياس مغلقة؟ الشيخ: إذا جاءت بأكياس مغلفة وأنت لا تدري من الذي جاء بها فاعمل بها كما ذكرت: إن أمكن تعديلها عدلها، وإن لم يمكن فأحرقها.(205/12)
حكم زكاة الحلي
السؤال
نشهد الله على محبتك يا شيخ محمد! ونحن من أبنائكم من أهل منطقة الرياض أتينا لزيارتكم -الله يحفظك- والسؤال في زكاة الذهب ما القول الصحيح فيها؟
الجواب
يعني في الحلي أم في الذهب مطلقاً؟ السائل: في الذهب.
الشيخ: في الذهب مطلقاً لا إشكال أن فيه الزكاة بإجماع المسلمين، كالدنانير والتبر وقطع الذهب، هذه ليس فيها إشكال، فيها زكاة على كل حال سواء أعدها الإنسان للتجارة أو للقنية، الخلاف في الحلي المباح، والعلماء اختلفوا فيه على عدة أقوال، أرجحها وجوب الزكاة مطلقاً إذا بلغ النصاب، فإذا كان عند امرأة أسورة وخواتيم وخروص تبلغ النصاب وهو: خمسة وثمانون جراماً، وجب عليها زكاته كل عام، وتقدر قيمته عند أهل الخبرة والمعرفة بقيمة الذهب وتخرج ربع العشر، سواء كان هذا أكثر مما اشترته به أو أقل.
فمثلاً: إذا كانت اشترت هذه الحلي من الذهب بعشرة آلاف وعند تمام الحول صار يساوي خمسة فالواجب زكاة خمسة فقط، وإذا اشترته بخمسة وصار عند تمام الحول يساوي عشرة فالواجب زكاة عشرة.(205/13)
حكم الطلاق ثلاثاً على يد القاضي
السؤال
فضيلة الشيخ! تزوجت امرأة وهي الثانية منذ ما يقارب أربع سنوات، وقبل الزواج كما في العادات عندنا والتقاليد لا يسمحون أن تراها، في صباح اليوم التالي بعد ليلة الدخلة لاحظت أم البنت أن ابنتها غير طبيعية، وأنا لا أعرف من عاداتها شيئاً، فقالت أمها: إن البنت ليست طبيعية في عقلها وكذا، واستمرت على هذه الحالة تقريباً سنة عندي أعالجها، ذهبت بها إلى المستشفيات وإلى المشايخ أقرأ عليها ولكن لم تتحسن حالتها يا شيخ! فبعثتها إلى أهلها، وبعد سنة تقريباً أرسلت ورقة الطلاق، ذهبت إلى القاضي فقلت: يا شيخ! أنا أريد أن أطلق زوجتي لأنها مريضة لا أستفيد منها.
فقال القاضي: طلقة واحدة؟ فقلت له: ثلاث طلقات، وعندما طلقتها جاءتني أخبار من عند أهلها أن البنت الآن أصبحت طبيعية، أي: ما عاد فيها شيء! هل يجوز مراجعة هذه المرأة أم لا؟
الجواب
أولاً: بارك الله فيك سؤال القاضي: هل هي ثلاث أو واحدة غلط عظيم، وخطأ وقلة بصيرة منه، فلماذا يسأل: هل واحدة أو ثلاث؟! الواجب أن يكتب الطلاق، طلق زوجته فلانة ويسكت؛ لأن بعض الذين يطلقون الثلاث ويأتون بالسكوت يقولون: نحن طلقنا ثلاثاً لأن القاضي ألجأنا، وقال: طلق ثلاثاً، والعوام لا يدرون، وربما يأتي في شدة غضب، ويقول له: طلقت واحدة أو ثلاثاً؟ فيقول: ثلاثاً، فهذه نصيحة أوجهها للقضاة أن يتقوا الله عز وجل وألا يسأل الإنسان: ثلاثاً أو واحدة؟ كأنهم يخيرونه بين المحرم والمباح، لأن الطلاق الثلاث محرم، فالواجب أن يكتب الطلاق، يقول: طلق فلان زوجته فلانة ويكتفي ويسكت، أما بالنسبة للجواب الخاص فلا بد أن يحضر هو والزوجة ووليها حتى نفتيهم بما نرى في هذه المسألة.
السائل: يعني أخبر والدها بأن يأتي إلى فضيلتكم؟ الشيخ: لابد أن تأتي البنت ووليها.(205/14)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (في مصلاه)
السؤال
فضيلة الشيخ! قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ولا يزال في صلاة ما دام في مكانه الذي صلى فيه مالم يحدث) هل المقصود نفس المكان، أو المجال والأمر في ذلك أوسع بحيث يشمل المسجد والمصلى؟
الجواب
الظاهر أنه أوسع، أي: سواء كان في نفس المكان المعين أو في المصلى كله، وإذا أمكن ألا يتجاوز مكانه الذي صلى فيه أول ما أتى فهو أحسن.(205/15)
مقاطعة صاحب المعصية
السؤال
لي عم لديه مقهى ومحل تصوير ويشتغل في الحكومة، يعني: عنده راتب من الحكومة ولا أدري هل آتيه، وأنا أتيته وهجرني، فهل آكل من طعامه؟
الجواب
يعني: تسأل هل يجوز أن تزوره وتأكل من طعامه أم لا؟ أولاً: ننصح العم عن منع فتح المحلات للتصوير أو المطاعم أو التجارة الأخرى ما دام موظفاً؛ لأن الحكومة تمنع من اشتغال الموظف بأي شيء من التجارات، وأخبره عني بأن عمله هذا حرام، فإما أن يدع الوظيفة، وإما أن يدع الشغل.
ثانياً: التصوير إذا كان يقتصر على التصوير المباح كتسويق التابعية والرخصة وما أشبهها فلا بأس، وأما أن يصور ما هب ودب فهذا لا يجوز؛ لأن بعض الناس يصور تصاوير يجعلها كما يقول: ذكرى، واقتناء الصور ولو للذكرى حرام، فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صور، أما بالنسبة لزيارتك إياه وأكلك من ماله فلا بأس، فإن النبي صلى الله عليه على آله وسلم كان يأكل من طعام اليهود، واليهود معروفون بأكل الربا وأكل السحت، وعمك إثمه على نفسه، وأنت ليس عليك منه أثم.
السائل: قال لي يا شيخ عندما أتيته: لا أريدك ولا أريد أن تسلم علي، رفض أن يقابلني ويسلم علي، قال: لا تأتني ولا تسلم علي؟ الشيخ: إذا منعك فأنت معذور، أما إذا كان لا يمنعك ولكن يكره أن تأتي.
السائل: لا.
هو يمنعني؟ الشيخ: لكن يمنعك ألا تدخل؟ السائل: يعني: هو يبين لي ألا أدخل، وأتيت مرة أسلم عليه فقال: لا تسلم علي.
الشيخ: لا يضر، سلم عليه والله تعالى مقلب القلوب، ربما يقول لك الآن: لا تسلم علي ويفتح الله عليه ويمكنك من السلام عليه.(205/16)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (راجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم طلقها)
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لحديث ابن عمر رضي الله عنه حين طلق زوجته، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لوالد عمر حين طلقها وهي حائض: (راجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم طلقها) فكيف يكون الطلاق السني، هل يكون بعد حيضة أو حيضتين بناءً على هذا الحديث؟
الجواب
هذا الحديث يدل على أنه إذا طلقها في الحيض فإنه يشدد عليه، ويقال: لا تطلق في الطهر الذي يلي الحيضة الذي طلقت فيها حتى تحيض مرة ثانية ثم تطهر، لكن هذا ليس على سبيل الوجوب، لأن في بعض ألفاظ الحديث مرة: فليراجعها، ثم: ليطلقها طاهراً أو حاملاً ولا يفيد التكرار، لكن إذا رأى المفتي أو القاضي أن يشدد على هذا المطلق ويمنعه ويحبسه حتى تطهر من الحيضة الثانية فهو خير، وإلا فلو طلق بعد الطهر من الحيضة التي وقع فيها الطلاق فالطلاق ماضٍ.(205/17)
صورة من بيع التقسيط المحرم
السؤال
بيع التقسيط للسيارت: تأتي سيارة لصاحب المعرض ثم يبيعها صاحب المعرض على شخص والشخص يقسطها على ثالث، صاحب السيارة التي اشتراها يبيعها ثم تعود إلى صاحب المعرض من جديد، وقد تعود إلى صاحب المعرض أكثر من مرة ومرتين، ما رأيك في هذا الموضوع؟
الجواب
أرى أولاً: أن هذه المعاملة لا تجوز؛ أن يأتي شخص للتاجر، ويقول: أريد سيارة منك بالتقسيط، ثم يأمره التاجر بالذهاب إلى المعرض ويختار ما يشاء من السيارات، ثم يرجع إلى التاجر، ويقول: أختار السيارة الفلانية، فيشتريها التاجر من المعرض ثم يبيعها على هذا المحتاج، هذه حرام، ولا شك أنها حيلة؛ فإن التاجر بدل أن يعطي هذا الرجل قيمة السيارة نقداً، ويقول: قيمة السيارة عليك بكذا نقداً وعليك بأكثر إلى سنة، لا فرق بين هذا وبين أن يقول: اذهب واشترِ السيارة لي ثم أبيع عليك.
واعلم أن المعاملات بالحيلة أشد إثماً من المعاملات الصريحة؛ لأن الذي يتحيل على محرم يكون قد فعل محرماً، ويكون قد خدع الإسلام وشابه اليهود، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) والمثل واضح، هذا رجل احتاج سيارة من معرض قيمتها خمسون ألف ريال، ثم ذهب إلى التاجر، وقال: إني احتجت إلى سيارة قيمتها خمسون ألف ريال أقرضني خمسين ألفاً مقسطة كل شهر أدفع ألفين، فأقرضه خمسين ألفاً نقداً مؤجلة كل شهر يدفع ألفي ريال، واشترى الرجل السيارة وذهب، هذه لا شك فيها أنها حرام لأن الدراهم بدراهم مع الفضل والتأخير، والفضل: الزيادة، أي فرق بين هذه الصورة وبين أن يقول التاجر: أشتري السيارة من أجلك بخمسين ألفاً نقداً وأعطيها المعرض ثم أبيعها لك بسبعين ألفاً مقسطة إلى ثلاث سنوات مثلاً؟! أي فرق بينهما في الصورة، لا فرق في الواقع، لا تجعلونا نلعب على الله عز وجل، لا فرق تماماً، بل هذه أخبث؛ لأن هذه حيلة على الربا, والأول رباً صريح، فاعل الربا الصريح يشعر بأنه أتى معصية ويخجل من الله عز وجل، ويحاول أن يتوب، وهذا الذي تحيل على الله يرى أنه في حل مما فعل، فلا يشعر بالخجل من الله عز وجل، ويستمر على ما هو عليه، ولا فرق بين الصورتين، ولا يغرنكم كثرة التعامل، وكثرة التعامل ليس بحجة؛ لأن الله يقول: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] ، ويقول عز وجل: {وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:39] فالمسألة واضحة جداً أنها حرام، حتى وإن أفتى بعض الناس بحلها فهو خطأ، والعاقل يعرف أيهما أعظم: هذه الحيلة أو حيلة اليهود الذين حرمت عليهم الشحوم فأذابوها أولاً، ثم باعوها وأكلوا ثمنها؟ الحيلة التي ذكرت لكم أشد من هذه الحيلة، لأن اليهود ما أكلوا الشحم بل ولا باعوا الشحم وإنما أذابوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه.
إذاً البيع على هذا الوجه حرام ولا يجوز، حتى لو أكل الإنسان خفاف الإبل فلا يتعامل هذه المعاملة.(205/18)
حكم مس المصحف للمحدث
السؤال
ما حكم مس المصحف للمحدث؟
الجواب
الصحيح أنه حرام، وأنه لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف إلا من وراء حائل، لأن في حديث عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث مشهور بين العلماء تلقته الأمة بالقبول: (ألا يمس القرآن إلا طاهر) والطاهر هو الذي تطهر من الحدث، لقول الله تعالى حين ذكر آية الوضوء والتيمم: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة:6] ، وأما قول من قال: إن المراد من قوله: إلا طاهر: إلا مؤمن، فهذا بعيد، لأن ألفاظ الشارع إذا قصد بها المؤمن قال: إلا مؤمن ولا يقول: إلا طاهر.(205/19)
ختم الرسالة بقوله: (ولكم خالص تحياتي) أو (خالص شكري)
السؤال
بعض الخطابات في نهايتها يقول: ولكم خالص تحياتي أو خالص شكري، ما حكم هذه الكلمة؟
الجواب
ليس فيها شيء؛ لأن المراد بخالص التحيات: التحيات الخالصة التي لا يشوبها رياء ولا سمعة، والله عز وجل قال: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] ، ويقول عز وجل: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور:61] ولا يشك الإنسان إذا قال: لكم خالص تحياتي، أنه يريد التحيات التي لا تصلح إلا لله عز وجل، كما في قوله: (التحيات لله والصلوات والطيبات) هذا لا يطرأ على باله أبداً، والكلمات التي اعتادها الناس ولم يطرأ على بالهم أنها من المحظور وهي بنفسها ليست محظورة لا ينبغي أن نؤولها على الشيء المحظور بل ندع الناس وما عرفوه باصطلاحهم.(205/20)
حكم الكتابة على القبور أو وضع أرقام عليها لمعرفتها
السؤال
بعض المقابر يضعون على الجدر المحاذية للقبور حتى يعرف القبر الفلاني من قبر فلان، فما حكم هذا يا شيخ! هل هذا يفضي إلى شيء أشد من هذا؟
الجواب
لا أظن أنه يفضي إلى شيء، لعل الذي كتب الرقم أقاربه يريدون أن يسلموا عليه، لكن إذا خشي أن يقع في مفسدة مثل أن يكون هذا الرجل صاحب مال تعظمه العامة به، أو صاحب علم، أو صاحب عبادة، فهنا يمنع، أما أنه رجل عادي ولا يعرفه إلا أقاربه فلا أرى في هذا بأساً.
السائل: هذا يا شيخ! يوضع بصفة جماعية عندنا في الحضر، والمسئول يأمر الشخص المكلف بحفر القبور أن يرقم القبور؟ الشيخ: أهو بالنصائب؟ السائل: لا يا شيخ! دون النصائب.
الشيخ: على الجدار؟ مثل أن يقول: قبر أبي في الصف الرابع في المكان بينه وبين الجدار خمسة قبور.
السائل: نعم.
الشيخ: هذا هو الذي تكلمت عنه، إذا كان رجلاً عادياً ولا يخشى أن يغلو الناس فيه فلا بأس.(205/21)
حكم التصوير بكاميرا الفيديو أو بالكاميرا الفوتوغرافية
السؤال
بالنسبة للتصوير، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله المصورين) هل تدخل كاميرا الفيديو في هذا الحديث؟ لا، لا يدخل في هذا الحديث ولا التصوير الفوتوغرافي، لأن المصور الفوتوغرافي لم يصور في الواقع؛ فهو ما خطط الوجه ولا العين ولا الأنف ولا الشفتين، غاية ما هنالك أنه سلط أضواء معينة تلتقط صورة هذا الشيء، الصورة التي كان عليها بخلق الله عز وجل، لكن اتخاذ الصور هو الذي فيه التفصيل، فهنا ثلاثة أقسام: القسم الأول: التصوير التمثيلي الذي يكون مجسماً، هذا حرام على المصور وعلى المشتري؛ لأن هذا صور صورة يضاهي بها خلق الله عز وجل.
القسم الثاني: الصورة باليد، تخطيط، بمعنى: أنه يصور شكل آدمي أو شكل ذئب أو سبع أو ما أشبه ذلك، هذه أيضاً حرام على القول الراجح، وإن كان بعض السلف خالف فيها، ولكن القول الراجح أنها حرام.
القسم الثالث: الصورة الملتقطة، فهذه لا تدخل في الحديث أصلاً، لأن الملتقط ما صور، غاية ما هنالك أنه ضغط على زر معين فالتقط الشعاع هذه الصورة على الورقة، وهذا ليس معروفاً في عهد النبي عليه الصلاة والسلام حتى نقول: إنه يشمله اللفظ بالعموم، وإذا كنا نشك في دخوله في التصوير وهو لم يوجد في عهد النبي عليه الصلاة والسلام فإن الإنسان لا يستطيع أن يقول: هذا الرجل ملعون، أو إن هؤلاء القوم ملعونون، صعب، فالدخول في التحذير بدون قرينة أو بدون علم لا ينبغي، والإنسان يجب أن يتورع عن تحريم الحلال، كما يجب أن يتورع عن تحليل الحرام، بل إن المتجرئ على تحريم الحلال أشد إثماً من المتجرئ على تحليل الحرام، وهذا مع الشك كما مع اليقين أو الظن هذا شيء واضح أنه يجب أن يتبع ما غلب على ظنه؛ لأن المحرم حكم ومنع، حكم وهو في جانب حق الله عز وجل غلط؛ لأن التحليل والتحريم والحكم إلى الله عز وجل، (منع) : أي: منع الناس مما أحل الله لهم وهو لم يعلم أنه حرام، ولم يغلب على ظنه أنه حرام.(205/22)
من صور بيع التقسيط المحرم
السؤال
التقسيط الآن المنتشر بين الناس أنه محرم، هل من توجيه إلى حِله، إذا كان التعامل مع التقسيط شرعياً؟
الجواب
التقسيط الحلال: أن يأتي على من عنده السلعة، ويقول: بع لي هذه السلعة التي تساوي الآن مائة بمائة وخمسين مؤجلة إلى سنة أو سنتين مثلاً، هذا ليس فيه شيء؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسلفون في الثمار السنة والسنتين، وأباح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك لهم، أما أنه يتحيل: يشتري التاجر السلعة وهو لا يريدها أبداً وإنما يريد الربا الذي فيها، فلا يجوز التحيل على محارم الله، وعلى هذا فنقول للأخ المحتاج: اذهب أنت بنفسك إلى صاحب المعرض، وقل له: بع علي السيارة، التي تبيعها الآن بخمسين بعها لي بستين إلى سنة، وخذ الاستمارة وارهن السيارة إذا كنت تخشى أن أتلاعب بها.(205/23)
التحايل على التأخير عن وقت الدوام الرسمي
السؤال
ما رأيكم في بعض الموظفين الذين يأتون إلى دائرة أعمالهم في وقت متأخر ويكتبون وقت حضورهم في وقت مبكر من العمل في دفتر الحضور؟
الجواب
أسألك: هل هذا صدق أو كذب؟ السائل: كذب.
الشيخ: هل هو من الأمانة أو الخيانة؟ السائل: خيانة.
الشيخ: هل الراتب الذي يأخذه كاملاً وهو ناقص في أداء عمله، هل يكون حلالاً أو بعضه حلال وبعضه حرام؟ السائل: بعضه حرام.
الشيخ: إذاً: هذا الذي كتب تضمن فعله ثلاث جنايات: الكذب، والخيانة، وأكل المال بالباطل.
السائل: ولكن مع العلم بأن مدير العمل متفق على ذلك معهم جميعاً.
الشيخ: مدير العمل إذا وافق على هذا فيجب أن يعزل لأنه خائن ظالم لنفسه وظالم للموظف وظالم للدولة، وظالم لكل شخص ينتسب إلى هذه الحكومة، لأنه سوف يأخذ من بيت المال الذي هو للجميع ويعطي هذا الرجل بلا حق، فيجب أن يعزل عن مكانه، وأرجو منك إذا كان هذا متحققاً أن تثبته ثم ترفع بهذا الأمر إلى من فوق هذا الرجل المباشر حتى يتخذ الإجراء اللازم في مثله، لا تتهاون بهذا، ارفع بهذا الرجل لعله يؤدب حتى يتأدب هو ويتأدب به غيره.(205/24)
النهي عن الكتابة على القبور
السؤال
ما حكم النهي عن الكتابة على القبور؟
الجواب
بلى.
النهي عن الكتابة عن القبور أولاً: هذا ليس كتابة، إنما هو أرقام.
ثانياً: ليس على القبر إنما في جانب، بل في الجدار يمكن بينه وبين القبر مسافة.
ثالثاً: المراد بالنهي عن الكتابة: الكتابة التي فيها التبجيل والتعظيم لهذا الميت، كما كانوا يفعلونه في الجاهلية بدليل: أنه نُهي أن يجصص القبر، وأن يكتب عليه، وأن يجلس عليه، فجمع بين التعظيم وبين الإهانة فالمراد بالكتابة المنهي عنها: الكتابة التي يقصد بها التعظيم والتبجيل لهذا الميت، أما كتابة يقصد بها الإعلان فقط فلا بأس.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء.(205/25)
لقاء الباب المفتوح [206]
في هذا اللقاء أتم الشيخ تفسير سورة الواقعة مبيناً بعض أحوال الموت وأقسام الناس في ذلك.
ثم ختم لقاءه بالإجابة عن الأسئلة التي وردت إليه.(206/1)
تفسير آيات من سورة الواقعة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى: (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثاني عشر من شهر صفر عام (1420هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل، وقد انتهينا في اللقاء الماضي إلى قول الله عز وجل في سورة الواقعة: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:83-87] .(206/2)
تفسير قوله تعالى: (فلولا إذا بلغت الحلقوم)
قال تعالى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الواقعة:83] (بلغت) أي: الروح، والذي يعين المرجع هنا هو السياق، كما في قول الله تبارك وتعالى: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص:32] (توارت) أي: الشمس, ولم يسبق لها ذكر لكن السياق يدل على ذلك، فمرجع الضمير تارةً يكون مذكوراً وتارة يكون معلوماً إما بالسياق وإما بشيء آخر، و (الحلقوم) هو: مجرى النفس، وفي جانب الرقبة الأسفل مجريان: مجرى النفس، ومجرى الطعام والشراب، مجرى الطعام والشراب يسمى: المريء، ومجرى النفس: الحلقوم, وهو: عبارة عن خرزات دائرية لينة منفتحة, أما المري فإنه بالعكس، فإنه كواحد من الأمعاء؛ لأن وجه ذلك أن مجرى النفس لا بد أن يكون مفتوحاً, لأن النفس لو كان مجراه مغلقاً لكان التنفس شديداً, ولكن برحمة الله جعل الله هذا مثل الأنبوب لكنه لين خرزات مستديرة حتى يهون على المرء رفع رأسه وتنزيل رأسه، أما المريء فهو مثل الأمعاء العادية, والطعام والشراب قوي يفتحه عند النزول إليه.
وذكر الله الحلقوم دون المري؛ لأن الحلقوم مجرى النفس وبانقطاعه يموت الإنسان، أي: أنه إذا بلغت الروح الحلقوم وهي صاعدة من أسفل البدن إلى هذا الموضع وحينئذٍ تنقطع العلائق من الدنيا، ويعرف الإنسان أنه أقبل على الآخرة وانتهى من الدنيا.(206/3)
تفسير قوله تعالى: (وأنتم حينئذٍ تنظرون)
قال تعالى: {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} [الواقعة:84] أي: تنظرون إلى الميت وما يعانيه من المشاق والسكرات, ولا تستطيعون أن تردوا ذلك عنه ولو كنتم أقرب قريب إليه, وأحب حبيب إليه, فإنه لا يقدر أحد على منع الروح إذا بلغت الحلقوم.(206/4)
تفسير قوله تعالى: (ونحن أقرب إليه منكم)
قال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} [الواقعة:85] أي: أهله، فإن الله تعالى أقرب إلى الحلقوم من أهله إليه، ولكن المراد: أقرب بملائكتنا، ولهذا قال: {وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:85] والله تعالى يضيف الشيء إلى نفسه إذا قامت به ملائكته؛ لأن الملائكة عليهم السلام رسله, وليس هذا من باب تحريف الكلم عن مواضعه, ولكنه من باب تفسير الشيء بما يقتضيه السياق, أتدرون لماذا قلت هذا؟ لأنه ربما يقول قائل: إن ظاهر الآية: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} [الواقعة:85] أن الأقرب هو الله عز وجل, فلماذا تحرفونه؟ نقول: نحن لم نحرفه, بل فسرنا الآية بما يقتضيه ظاهرها؛ لأن الله قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:85] ومعلوم أن الله لم يكن في الأرض حتى يكون المانع من رؤيته أننا لا نبصره إذاً: هم الملائكة لكننا لا نبصرهم, فإذا قلتم: كيف يضيف الله الشيء إلى نفسه والمراد الملائكة؟ قلنا: لا غرابة في ذلك, فإن الله يضيف الشيء إلى نفسه وهو من فعل الملائكة؛ لأنهم رسله, ففعلهم فعله, ألم تروا إلى قول الله تبارك وتعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة:16-18] (إذا قرأناه (المراد: قرأه جبريل وليس الله, لكنه أضاف فعل جبريل إليه لأنه بأمره, وهو الذي أرسله به.
إذاً: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الواقعة:83] أي: بلغت روح المحتضر الحلقوم صاعدة من أسفل البدن, (وأنتم) أيها الأقارب والأصدقاء تنظرون، حينئذٍ: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} [الواقعة:85] أي: ملائكتنا أقرب إليه منكم؛ لأنهم حضروا لقبض الروح, والله تبارك وتعالى قد حفظ الإنسان في حياته وبعد مماته؛ في حياته هناك ملائكة يحفظونه من أمر الله, وبعد مماته ملائكة يقبضون روحه ويحفظونها لا يفرطون فيها إطلاقاً, فهم قريبون من الميت, ولكننا لا نبصرهم لأن الملائكة عالم غيبي لا يرون.(206/5)
تفسير قوله تعالى: (فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها)
قال تعالى: {فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا} [الواقعة:86-87] أي: فهلا إن كنتم غير مجزيين، أي: غير مبعوثين ومجازين على أعمالكم: {تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:87] ؟
الجواب
لا يمكن, وحينئذٍ يجب أن تصدقوا بالبعث والجزاء, لأنكم لا تقدرون على رد الروح حتى لا تجازى, فأيقنوا بالبعث.(206/6)
تفسير قوله تعالى: (فأما إن كان من المقربين فروح)
ثم قسّم الله تعالى المحتضرين إلى ثلاثة أقسام, فقال: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} [الواقعة:88-89] اللهم اجعلنا منهم, (أما إن كان من المقربين) وهم الذين أتوا بالواجبات وتركوا المحرمات, وأتوا بالمستحبات وتنزهوا عن المكروهات -أي: أكملوا دينهم- والمقربون هم السابقون السابقون, الذين ذكروا في أول السورة, السابقون إلى الخيرات.
{فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} اختلف المفسرون في قوله: (فَرَوْحٌ) فقيل: فراحة؛ لأن المؤمن وإن كان يكره الموت لكنه يستريح به؛ لأنه بشّر عند النزع بروح وريحان ورب راضٍ غير غضبان, فيسر ويبتهج, ولا يكره الموت حينئذٍ بل يحب لقاء الله عز وجل, وهذا لا شك أنه راحة له من نكد الدنيا ونصبها وهمومها وغمومها, وقيل: الروح بمعنى الرحمة, كما قال الله تعالى عن يعقوب حين قال لبنيه: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف:87] أي: من رحمته, وهذا المعنى أعم من الأول, لأن الرحمة أعم من أن تكون راحة أو راحة مع حصول المقصود, وإذا كان المعنى أعم كان حمل الآية عليه أولى, إذاً: فروح -أي: رحمة- ومن الرحمة الراحة.
{وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} قيل: المراد بالريحان: كل ما يسر النفس, وليس خاصاً بالريحان الرائحة الجميلة أو الطيبة؛ بل كل ما فيه راحة النفس ولذتها من مأكول ومشروب وملبوس ومنكوح ومشموم, وقيل: المراد بالريحان: الرائحة الطيبة كالريحان المعروف, أيهما أشمل؟ الأول أشمل فتحمل الآية عليه.
{وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} أي: جنة ينعم بها، وهي الدار التي أعدها الله لأوليائه -جعلنا الله وإياكم منهم- جنة نعيم ينعم الإنسان فيها ببدنه وقلبه, فهو لا يتعب ولا ينصب، ولا يمرض ولا يحزن، ولا يهتم ولا يغتم, بل هو في نعيم دائم, الدنيا فيها نعيم لكن نعيمها منغص على حد قول الشاعر:
فيوم علينا ويوم لنا ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرْ
فهكذا الدنيا, إذا سررت يوماً فاستعد للإساءة من غدٍ, وإذا أُسِئتَ يوماً فقد تنعم في الثاني أو لا تنعم, على كل حال الجنة في الآخرة دار نعيم في القلب ودار نعيم في البدن.(206/7)
تفسير قوله تعالى: (وأما إن كان من أصحاب اليمين)
قال تعالى: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:90] وهم الذين أتوا بالواجبات وتركوا المحرمات لكن فيهم نقص في المستحبات والتنزه عن المكروهات: {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:91] (سلام) أي: سلاماً, (لك) أي: لك أيها المحتضر, (من أصحاب اليمين) أي: أنت من أصحاب اليمين, والمعنى: فسلام لك حال كونك من أصحاب اليمين, الأولون من هم؟ المقربون الذين هم السابقون, هؤلاء أصحاب اليمين لا سابقون ولا مخذولون إنما بين بين, لكنهم ناجون من العذاب, ولهذا قال: {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:91] .(206/8)
تفسير قوله تعالى: (وأما إن كان من المكذبين الضالين)
القسم الثالث: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ} [الواقعة:92] المكذبين بالخبر, الضالين في العمل, فلا تصديق ولا التزام, مثل الكفار, كل كافر داخل في هذه الآية حتى المنافق: {فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ} [الواقعة:93] أي: فله نزل من حميم, و (النزل) بمعنى الضيافة التي تقدم للضيف أول ما يقدم, هؤلاء -والعياذ بالله- حظهم هذا النزل (من حميم) الحميم: هو شديد الحرارة: {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة:94] أي: يصلون الجحيم فيخلدون فيها, و (الجحيم) من أسماء النار أعاذنا الله وإياكم منها.(206/9)
تفسير قوله تعالى: (إن هذا لهو حق اليقين)
قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} [الواقعة:95] (إن هذا) المذكور لكم, وهو انقسام الناس إلى هذه الأقسام الثلاثة (لهو حق اليقين) أي: اليقين المحقق المتأكد, وصدق الله عز وجل, لا يمكن أن يخرج الناس عن هذه الأقسام الثلاثة, وهي: المقربون، وأصحاب اليمين، والمكذبون الضالون.(206/10)
تفسير قوله تعالى: (فسبح باسم ربك العظيم)
قال تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:96] (سبح) بمعنى: نزه عنه كل نقص وعيب أو مماثلة للمخلوق, فهو منزه عن كل نقص لكمال صفاته، وعن مماثلة المخلوق, قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] ، وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38] أي: من تعب وإعياء.
وقوله: {بِاسْمِ رَبِّكَ} [الواقعة:96] قيل: إن الباء زائدة, وإن المعنى سبح اسم ربك, كما قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] وقيل: إنها ليست بزائدة وإن المعنى: سبح الله باسمه, فلابد من النطق بالتسبيح, فتقول: سبحان الله, أما لو نزهته بقلبك فهذا لا يكفي, فعلى هذا تكون الباء للمصاحبة, أي: سبح الله تسبيحاً مصحوباً باسمه.
{بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} الرب هو: الخالق المالك المدبر, والعظيم ذو العظمة والجلال جل وعلا, هذه السورة لو لم ينزل في القرآن إلا هي لكانت كافية في الحث على فعل الخير وترك الشر.
ذكر الله تعالى في أولها يوم القيامة: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الواقعة:1] ثم قسم الناس فيها إلى ثلاثة أقسام: السابقون, وأصحاب اليمين, وأصحاب الشمال، ثم ذكر الله في آخرها حال الإنسان عند الموت، وقسم الناس كلهم إلى ثلاثة أقسام: مقربون, وأصحاب يمين, ومكذبون ضالون, فهي قد اشتملت على كل شيء, وكما ذكر الله فيها ابتداء الخلق في قوله: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة:58-59] والرزق من طعام وشراب وما يصلحهما, فهي سورة متكاملة، ولهذا ينبغي للإنسان أن يتدبرها إذا قرأها كما يتدبر سائر القرآن, لكن هذه السورة اشتملت على معانٍ عظيمة.
وإلى هنا ينتهي الكلام على هذه السورة.(206/11)
الأسئلة(206/12)
بيان متى يبشر المؤمن عند الموت أو بعده
السؤال
عندما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: (كلنا يكره الموت؟ فقال: إن المؤمن إذا بشر بلقاء الله أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه) هل البشرى عند الموت أو بعد الموت؟
الجواب
عند الموت, وهذا الحديث ذكرت عائشة رضي الله عنها لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه, ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه, قالت: يا رسول الله! كلنا يكره الموت؟ -لأنها تعرف أن لقاء الله يحصل بالموت, كما قال الله جل وعلا: ((يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ)) [الانشقاق:6]- قال لها: ليس ذلك, وإنما المراد أن الإنسان إذا بشر عند الموت بالجنة أحب لقاء الله) ولهذا يظهر على وجوه بعض الموتى أثر السعادة والسرور, حتى أن رجلاً ذكر لي عن جد له من قبل أمه حضرته الوفاة وهو في المستشفى في غرفة, يقول: فما راعني إلا أن الغرفة امتلأت نوراً غير عادي, فخفت على نفسي, وإذا الرجل قد احتضر واستنار وجهه وجعل يتبسم, في هذا الحال يفرح الإنسان أن ينتقل إلى روح وريحان ورب راضٍ غير غضبان, فيحب لقاء الله فيحب الله لقاءه.
أما الكافر -والعياذ بالله- تراه يبشر بعقوبة بالنار ورب غضبان فيكره الموت, ولهذا ترجع روحه وتتفرق في جسده فتنزع منه بشدة وقوة, أجارنا الله وإياكم من هذا.(206/13)
بشرى من رأى ملائكة بيض عند الاحتضار
السؤال
هناك إحدى النساء عند الاحتضار قالت لزوجة ابنها: أنقذيني من هؤلاء لابسين لبساً أبيض وجوههم بيض يريدون أن يذبحوني فأنقذيني منهم! فكيف تفسير هذا؟
الجواب
هذه بشرى خير, ما دام أنها رأت ملائكة على هذا الوصف فهذه بشرى خير, لأن ملائكة العذاب -والعياذ بالله- على العكس من هذا؛ وجوههم سود وغير ملائم لطبيعة الإنسان.(206/14)
صحة رواية: نم نوم العروس إلى يوم القيامة؟
السؤال
هل ثبتت هذه اللفظة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المؤمن الذي يرى مكانه في الجنة نام نومة العروس إلى يوم القيامة) ؟
الجواب
بهذا اللفظ لم يرد, ولا أعلم أنه ورد, لكن ورد أنه يقال له: (نَم مستريحاً) أو كلمة نحوها.(206/15)
أسباب الفتور عن طلب العلم
السؤال
ما أسباب الفتور في طلب العلم؟
الجواب
أسباب الفتور في طلب العلم أو غيره من فعل الطاعات: أولاً: ضعف الهمة والعزيمة, وإلا فالإنسان ينبغي كلما ازداد في طلب العلم أن يزداد نشاطاً لأنه يجد زيادة في معلوماته, فيفرح كما يفرح التاجر إذا ربح في سلعة فتجده ينشط, فإذا ربح في نوع من السلع ربحاً كثيراً تجده يحرص على أن يحصل على كمية كبيرة من هذا النوع, كذلك طالب العلم ما دام جاداً في طلبه الصادق فإنه كلما اكتسب مسألة ازداد رغبة في العلم, أما الإنسان الذي لا يطلب العلم إلا ليقضي وقته فقط فهذا يلحقه الفتور والكسل.
ثانياً: أن الشيطان ييئس طالب العلم, يقول: المدى بعيد, ولا يمكن أن تدرك ما أدرك العلماء، فيكسل ويدع الطلب, وهذا خطأ.
ذكر أحد المؤرخين عن أحد أئمة النحو وأظنه الكسائي أنه همّ بطلب العلم، وهو معروف أنه إمام في النحو, ولكنه صعب عليه -وأظن أن النحو صعب على كثير منكم- فهمّ أن يدعه, فرأى نملة تحمل طعماً معها تريد أن تصعد جداراً, فكلما صعدت سقطت, كلما صعدت سقطت, إلى عشر مرات أو أكثر! وفي النهاية وبعد التعب والإعياء صعدت, فقال: هذه النملة تكابد وتكدح كل هذه المرات حتى أدركت إذاً لأفعلن, فجدّ في الطلب حتى أدرك الإمامة فيه.
ثالثاً: مصاحبة الأشقياء, فإن الصحبة لها تأثير على الإنسان, ولهذا حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على مصاحبة الأخيار, وأخبر أن الجليس الصالح مثله كحامل المسك؛ إما أن يهدي لك منه, وإما أن يبيع، وإما أن تجد منه رائحة طيبة, وأن الجليس السيئ كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد رائحة كريهة, وهذه مسألة لها تأثير عظيم, حتى أنها تؤثر على الإنسان لا في ترك طلب العلم فقط بل حتى في العبادة, فإن بعض الملتزمين يسلط الله عليه رجلاً سيئاً فيصحبه ثم يهوي به في النار والعياذ بالله.
رابعاً: التلهي عنه بالمغريات, وإضاعة الوقت, مرة يخرج يتمشى, وبعض الناس يكون مفتوناً بمشاهدة ألعاب الكرة وما أشبه ذلك.
خامساً: أن الإنسان لا يشعر نفسه بأنه حال طلبه للعلم كالمجاهد في سبيل الله بل أبلغ, أي: أن طلب العلم من حيث هو أفضل من الجهاد في سبيل الله, لا شك في هذا؛ لأن طالب العلم يحفظ الشريعة ويعلمها الناس, والمجاهد غاية ما فيه أنه يصد واحداً من الكفار عن التأثير في الدين الإسلامي, لكن هذا ينفع الأمة كلها, صحيح أننا قد نقول لهذا الشخص: الجهاد أفضل لك لأنه أجدر به, ونقول للآخر: طلب العلم أفضل لك, لكن قصدي أن طلب العلم من حيث هو أفضل من الجهاد في سبيل الله، وقد قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:122] أي: وقعد طائفة: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة:122] أي: القاعدون: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] .
هذا ما حضرنا الآن من أسباب الفتور في طلب العلم, فعليك أيها الطالب أن تكون ذا همة عالية, وأن تترقب المستقبل, وأنك بإخلاصك النية لله قد تكون إماماً في الإسلام.(206/16)
حكم المسبوق إذا سجد الإمام للسهو بعد السلام
السؤال
إذا سجد الإمام للسهو بعد السلام فكيف يعمل المسبوق؟
الجواب
إذا سجد الإمام بعد السلام فالمسبوق لا يتابعه، بل إذا سلّم الإمام من الصلاة قام المسبوق وقضى ما فاته, أما السجود فإن كان قد أدرك سهو الإمام وجب عليه أن يسجد بعد السلام, وإن كان الإمام قد سها قبل أن يدخل معه هذا المسبوق فلا سجود عليه.(206/17)
حكم تغيير موضع صلاة النافلة من مكان لآخر
السؤال
هل هناك أفضلية في تغيير موضع الصلاة من مكان لآخر؟
الجواب
يعني إذا أدى الفريضة في مكان، فهل الأفضل أن يصلي النافلة في مكان آخر؟ الجواب: جميع النوافل الأفضل أن تكون في البيت, وعلى هذا فإذا قلنا: الأفضل أن تكون في البيت لزم من هذا التغيير, لكن إذا كان الإنسان يخشى إذا ذهب إلى البيت أن ينسى أو يحدث ويشق عليه أن يتوضأ أو ما أشبه ذلك أن يصلي في المسجد, قال العلماء: الأفضل أن يغير المكان إذا أمكن, واستدلوا بحديث معاوية رضي الله عنه، قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نصلي صلاة بصلاة حتى نخرج أو نتكلم) وذلك ليكون هناك تمييز بين الفريضة والنافلة, ولهذا -والله أعلم- شرع للإنسان إذا قرأ الفاتحة جهراً أن يسكت قليلاً حتى يتبين أن القراءة الأولى فرض والثانية نفل.(206/18)
حكم ترك النوافل
السؤال
قال بعض العلماء: من ترك النوافل رغبة عنها وزهداً فيها فهو فاسق، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني) ؟
الجواب
هذا غير صحيح, والصواب أن ترك النوافل مما أباحه الله عز وجل, لأن القيام بالواجب هو الواجب, وهو الذي قد يكون تاركه فاسقاً, أما النوافل فلا, وأما قول الإمام أحمد رحمه الله: "من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة" فهذا يحتمل أن الإمام أحمد يرى أنه واجب, لأن بعض العلماء قالوا: إن الوتر واجب, ويحتمل أنه قال ذلك لأن الوتر قليل, والعلماء مختلفون في وجوبه, فكونه يتهاون بهذا الشيء القليل مع اختلاف العلماء في وجوبه دليل على أنه رجل سوء, فلا ينبغي أن تقبل له شهادة.(206/19)
بيان حال حديث: (الماء طهور لا ينجسه شيء)
السؤال
حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابن ماجة: (الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه) ما حكم الحديث من ناحية التصحيح والتضعيف, وترتيب العلماء عليه بعض القواعد؟
الجواب
هو حديث ضعيف من حيث السند, لكنه صحيح من حيث المعنى, فالماء طهور, كل ماء نزل من السماء فهو طهور، كما قال الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} [الفرقان:48] وكل ماء نبع من الأرض فهو طهور، لأن الماء النابع من الأرض هو الماء النازل من السماء, كما قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} [الزمر:21] فإذا كان الأصل في المياه النازلة من السماء أو النابعة من الأرض الطهارة, فإنه لا يمكن أن تنتقل عن هذا الأصل إلا بما يغيرها, فإذا تغيرت بالنجاسة صارت نجسة.
فالحديث سنده ضعيف ومعناه صحيح, وهذا يؤدي إلى قاعدة أحب أن تفهموها: أحياناً يكون السند صحيحاً والمتن ضعيفاً منكراً, فلا يجوز أن نعتمد على ظاهر السند, ومن ثم قال أهل العلم في الصحيح: إنه ما رواه عدل تام الضبط بسند متصل -هذه ثلاثة كلها تتعلق بالسند, إما بالرجال وإما بالسلسلة- وسلم من الشذوذ -وهو: مخالفة الأحاديث الصحيحة- والعلة القادحة, فأحياناً يكون السند ظاهره صحيحاً, لكن المتن منكر فلا يعول عليه.(206/20)
حكم من صلى المغرب مع من يصلي العشاء فأتم معه نسياناً
السؤال
إنسان سافر وأراد أن يجمع المغرب والعشاء ولكنه عندما دخل مع الجماعة في صلاة العشاء نسي وأتم الصلاة أربع ركعات على أنها المغرب فما حكمه؟
الجواب
يسجد للسهو إن كان قد فاته شيء, وإلا تحمله الإمام عنه, وصلاته هذه هي المغرب على نيته.(206/21)
بيان معنى النجوى
السؤال
{إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادلة:10] كلمة (النجوى) في هذه السورة ما معناها؟
الجواب
النجوى: التناجي, كان المنافقون يتناجون سراً، إذا جلس عندهم مؤمن قام بعضهم يسار بعضاً من أجل أن يحزن المؤمن, المؤمن يحزن ويخشى أن هؤلاء يدبرون له كيداً, يحزن لأنهم احتقروه, فصاروا يتناجون من دونه, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه) فكان المنافقون يفعلون هكذا.
وأنت الآن قسها في نفسك, لو كان معك اثنان وجلسا يتحدثان سراً وجعلاك صفراً على اليسار, أتحزن أم لا تحزن؟! ستحزن لا شك, فهؤلاء أقل ما تقول: احتقروني.
ومن ذلك أيضاً: أن يتحدث بلغة لا تفهمها أنت ولو جهراً, فلو فرضنا أنهما يعرفان اللغة الإرتيرية وأنت لا تعرفها, وجعلا يتحدثان بها, فلا يجوز هذا, أو اللغة الإنجليزية أو الفرنسية، المهم أنها لغة لا تفهمها وهم يتكلمون بها جهراً فإن ذلك داخل في النهي.(206/22)
بيان أن الجهل بالعقوبة المترتبة على فعل محرم ليس عذراً
السؤال
كنت طالباً في إحدى الجامعات وكنت أغش في اختبارات أعمال السنة, حتى في السنة الأخيرة -سنة التخرج في الفصل الدراسي الثاني- وقد تعينت مدرساً حسب تخصصي الدراسي في الجامعة, مع علمي بأن الغش حرام ولكن لم أكن أعلم أنه يترتب عليه شيء بخصوص الراتب, وأنا الآن تائب إن شاء الله، فماذا أعمل؟
الجواب
هنا توجد مسألة انتبهوا لها, إذا كان الإنسان يعلم الحكم ولكن لا يدري ماذا يترتب عليه، فلا يعذر, فلو فرضنا أن رجلاً محصناً متزوجاً وزنى وهو يعلم أن الزنا حرام لكنه لا يعلم أنه يرجم, هل نرجمه أم لا نرجمه؟! نرجمه؛ مع أنه يقول: لو علمت أن الإنسان يرجم ما فعلت, نقول: جهلك بالعقوبة ليس عذراً.
كذلك رجل جامع زوجته في نهار رمضان، وقال: ما علمت أن في الجماع كفارة مغلظة, ظننت أن الإنسان يقضي يوماً وينتهي, ولو علمت أن فيه الكفارة المغلظة ما فعلت, هل يعذر أم لا يعذر؟! لا يعذر، بل يجب أن يكفر، المهم أن الجهل للعقوبة ليس عذراً, ما هو العذر؟ الجهل بالحكم هذا هو العذر, ولهذا لو جامع إنسان زوجته في نهار رمضان وقال: لا أدري أنه حرام، إنما ظننت أن الأكل والشرب هو الحرام فقط, نقول: ما عليك شيء لا قضاء ولا كفارة.(206/23)
بيان معنى الاسترقاء
السؤال
ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب, ثم ذكر أنهم لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون) السؤال: الإنسان قد يصاب له أخ أو قريب أو صديق فيطلب الرقية له, أو الاكتواء, فهل يكون هذا مما كرهه أهل العلم؟
الجواب
لا.
يخرج, إذا كان الذي جاء بالراقي غير المريض فإنه لا يضر, ولا يخرج من هذا الوصف أنه لم يسترقِ.
السائل: أليس طلب الإسترقاء؟ الجواب: لا ما طلب, الذي جاء به صديقه أو أخوه أو قريبه دون أن يطلب, ودون أن يمنع, فهو ما طلب ولا منع فلا يخرج عن هذا الوصف أنه لم يسترقِ.(206/24)
حكم رواية (لا يرقون)
السائل: ما رأيكم فيمن ذهب إلى أن رواية (لا يرقون) عدم ثبوت مشروعية الرقي؟
الجواب
هذه الكلمة انفرد بها مسلم وهي منكرة ولا تصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي على أصحابه, هل نقول: خرج من هذا؟ هذه من شاهد الكلام أنه قد يكون السند صحيحاً والمتن منكراً, ومثل ما انفرد به مسلم: (أفلح وأبيه إن صدق) , فإن كلمة (أبيه) هذه منكرة شاذة فلا تعارض قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تحلفوا بآبائكم) أشياء كثيرة من هذا النوع, ووجه هذه القاعدة التي ذكرت لكم أن: وهم الواحد من الرواة أقرب إلى هدم قاعدة من قواعد الشريعة.(206/25)
حكم تداخل النية في العبادات
السؤال
بالنسبة لتداخل العبادات كسنة العشاء والاستخارة مثلاً, أو صيام الإثنين والخميس في ستة أيام من شوال, فكيف ندخل النية؟ وما هو الضابط حتى لا تتداخل؟
الجواب
إذا كان المقصود الفعل تداخلت, وإذا كان المقصود نفس العبادة لم تتداخل, فمثلاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) فدخل رجل وصلى ركعتين راتبة الفجر, الآن هل جلس قبل أن يصلي ركعتين أم صلّى ركعتين؟ صلّى ركعتين, والمقصود أن يصلي ركعتين وحصل.
يصلي في سنة الظهر ركعتين وركعتين قبل الصلاة, لو قال: سأجعل الركعتين عن الأربع فهل هذا يجزئ؟ لا يجزئ؛ لأن المقصود فعل نفس الأربع.
صلاة الاستخارة اختلف العلماء رحمهم الله في قوله صلى الله عليه وسلم: (فليصل ركعتين من غير الفريضة) هل لو صلّى الراتبة واستخار بعدها يحصل له المقصود أم لا بد أن تكون للاستخارة صلاة مستقلة؟ من قال: إن قوله: (من غير الفريضة) يشمل النوافل كلها حتى الرواتب وحتى تحية المسجد وسنة الوضوء قالوا: يجزئ, فاستخر بعد الراتبة ولا مانع.
ومن قال: إن هذا من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه لا بد أن تكون الاستخارة صلاة مستقلة, وهذا هو الأقرب عندي قول من قال: إنه لا يجزئ إلا أن يصلي صلاة خاصة للاستخارة.
أما مسألة الإثنين والخميس، فالإنسان إذا صام يوم الإثنين والخميس ثلاثة أسابيع صدق عليه أنه صام ستة أيام من شوال, ويحصل له أجر صيام الإثنين والخميس, لكن في ستة من شوال المتابعة فيها أفضل من تحري الإثنين والخميس, بمعنى أنك تصوم بعد العيد مباشرة وتكمل الست كلها.(206/26)
حكم قوم جمعوا مالاً لاستثماره ثم أخذه أحدهم بزيادة
السؤال
مجموعة من الأشخاص يضعون شهرياً مبلغاً من المال -مائة ريال أو خمسين ريالاً- بمبلغ غير متساوٍ, وبعد مضي سنة أو سنتين يشترون بها سلعة معينة من أجل بيعها والاستفادة منها, إما بثمن حال أو بثمن مقسط, فيسأل بعض الأشخاص العشرة أو الخمسة عشر لو أخذها واحد منهم بالتقسيط من الأشخاص أنفسهم أيجوز له أم لا يجوز؟
الجواب
لا يجوز هذا, يعني هم يجمعون من الراتب كل شهر مائة ريال, وإذا اجتمع عندهم جزء كبير من المال اشتروا به سلعة للتكسب, يقول: هل يجوز أن يأخذها واحد منهم بزيادة؟ فالجواب: لا يجوز, لأن هذا رباً.
لكن اسأل سؤالاً آخر: هل في هذه الدراهم زكاة أم لا؟ فالجواب: فيها زكاة؛ لأنها إما نقد وإما عروض إذا اشتروا بها السلعة للتكسب.(206/27)
استغلال الإجازة في طلب العلم والدعوة إلى الله
السؤال
أفضل ما يقضى به الوقت في الإجازة؟
الجواب
أفضل شيء: نشر العلم والدعوة إلى الله عز وجل إذا كان عند الإنسان قدرة، أو الانكباب على طلب العلم.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك, اللهم صلِ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(206/28)
لقاء الباب المفتوح [207]
في هذا اللقاء شرع الشيخ في تفسير وبيان سورة الحديد، واقتصر في هذا اللقاء على تفسير الآية الأولى من السورة مبيناً ما تحتوي عليه كلمة (سبح) من معانٍ، وما هو تسبيح الكائنات؟ وكيف يكون تسبيح الكافر؟(207/1)
تفسير آيات من سورة الحديد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى: (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو التاسع عشر من شهر صفر عام (1420هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدنا أن نبتدئ به وهو تفسير القرآن الكريم, لأن المقصود من إنزال القرآن الكريم هو التدبر -أي: التفكر في معانيه- ثم الاتعاظ به -أي: العمل به- قال الله تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] فبين الله الحكمة من إنزاله, أنه للتدبر والاتعاظ: {وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] أي: يتعظوا به, (أولو الألباب) : أي أصحاب العقول.
وكان الذين يقرءون القرآن من الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل, فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعاً, أما أكثر المسلمين اليوم فإنما يقرءون القرآن تلاوة فقط يرجون به ثواب الله عز وجل ولا شك أن هذا خير, ولكن تمام الخير أن تعرف المعنى، فإن كونك تقرأ كتاباً لا تعرف معناه لا فائدة من قراءته, بل أنت أمي وإن قرأت القرآن, لقول الله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة:78] أي: إلا قراءة, فسماهم الله تعالى أميين, لأنهم لا يفهمون, ومن ثم أحث إخواني المسلمين ولا سيما طلبة العلم على فهم القرآن الكريم قبل كل شيء، ثم الاتعاظ به، وهو: العمل به تصديقاً بأخباره، وامتثالاً لأوامره، واجتناباً لنواهيه.
فمن ثم آثرنا أن يكون ابتداء هذا اللقاء المبارك هو تفسير ما تيسر من كتاب الله عز وجل, وقد انتهينا من أول المفصل من سورة ق إلى آخر سورة الواقعة.
واليوم نبتدئ بسورة الحديد.(207/2)
تفسير قوله تعالى: (سبح لله ما في السماوات والأرض)
قال الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحديد:1] معنى (سبح) أي: تنزه الله عز وجل عن كل عيب ونقص وعن مماثلة المخلوقين, دليل تنزهه عن كل عيب ونقص: قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38] (اللغوب) التعب والإعياء, وهذا يدل على كمال قوته عز وجل, وقال تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] ، وقال تعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:74] فنزه الله نفسه عن الغفلة, وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [فاطر:44] فنزه نفسه عن العجز.
المهم أن التسبيح يعني: تنزيه الله من كل نقص وعيب وعن مماثلة المخلوقين, دليل ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] .
أثبت الله لنفسه وجهاً في قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:27] فنسأل: هل وجه الله كوجه المخلوق؟ لا.
لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] .
أثبت لنفسه أنه استوى على العرش, والإنسان يستوي على البعير بأن يركب ويستقر ويعلو عليه, فهل استواء الله على العرش كاستواء الإنسان على البعير؟ لا يمكن: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] .
إذاً: كل صفة يثبتها الله لنفسه وللمخلوق مثلها فإن ذلك موافقة في الاسم فقط, أما في الحقيقة فليس كمثله شيء, أثبت الله لنفسه علماً وأثبت للمخلوق علماً, قال الله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة:10] فأثبت لنا علماً, وأثبت لنفسه علماً: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة:187] فهل العلم الذي أثبته لنفسه كعلم المخلوق؟ لا.
والدليل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] .
إذاً: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (سبح) بمعنى نزه، والتنزيه عن شيئين: عن النقص, وعن مماثلة المخلوقين, لا يمكن أن يماثله شيء من المخلوقات لا في ذاته ولا في صفاته, ولهذا لا يمكننا أن ندرك الله عز وجل, نعلمه بآياته وصفاته وأفعاله لكننا لا ندرك حقيقته عز وجل, لأنك مهما قدرت من شيء فالله تعالى مخالف له غير مماثل.
قوله: {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:1] أي: كل ما في السماوات والأرض فإنه يسبح الله عز وجل وينزهه, يشمل الآدميين والجن والملائكة والحشرات والحيوانات وكل شيء, فكل ما في السماوات والأرض يسبح الله.
وهل يسبحه بلسان مقال؟ بأن يقول: سبحان الله! أم بلسان الحال بمعنى: أن تنظيم السماوات والأرض والمخلوقات على ما هي عليه يدل على كمال الله عز وجل وتنزهه عن كل نقص؟
الجواب
إنه يسبح الله بلسان الحال وبلسان المقال, إلا الكافر فإنه يسبح الله بلسان الحال لا بلسان المقال, لأن الكافر يصف الله بكل نقص، يقول: اتخذ الله ولداً, ويقول: إن معه إلهاً, وربما ينكر الخالق أصلاً! لكن حاله وخلقته وتصرفه تسبيح لله عز وجل.
إذاً: لو سألنا: هل تسبيح ما في السماوات والأرض بلسان الحال أم بلسان المقال؟ الجواب: بلسان حال ولسان مقال, إلا الكافر فإنه بلسان الحال لا بلسان المقال.
سؤال: هل الحشرات والحيوانات تسبح الله بلسان المقال؟ الجواب: نعم.
قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44] الذر يسبح الله بلسان المقال, الحشرات كلها تسبح الله بلسان المقال, الحصى يسبح الله, كما كان ذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, لكن الكافر لا يسبح الله بلسان المقال بل بالعكس.(207/3)
تفسير قوله تعالى: (وهو العزيز الحكيم)
قال تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحديد:1] (العزيز) ذو العزة, والعزة هي: الكبرياء والغلبة والسلطان وما أشبه ذلك, إذاً العزيز هو ذو السلطان الكامل والغلبة الكاملة فلا أحد يغلبه عز وجل, يقول الشاعر الجاهلي:
أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب
إذاً: (العزيز) الغالب في سلطانه وقدرته وقوته وغير ذلك.
(الحكيم) : لها معنيان: المعنى الأول: ذو الحكمة.
والمعنى الثاني: ذو الحكم التام.
فهي مشتقة من شيئين: من الحكمة والحكم, الحكمة هي: أن جميع أفعاله وأقواله وشرعه حكمة وليس فيها سفه بأي حال من الأحوال, ولهذا قيل في تعريف الحكمة: هي وضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها, فما من شيء من أفعال الله أو من شرع الله إلا وله حكمة, إذا قدر الله الحر الشديد الذي يهلك الثمار فهو حكمة بلا شك, وإذا منع الله المطر فهو حكمة, وإذا ألقى الله الموت بين الناس فهو حكمة, كل شيء له حكمة, الشرائع إذا أحل الله البيع وحرم الربا فهو حكمة في تحليله وحكمة في تحريمه, لأنا نعلم أن الله حكيم, ففرق عز وجل بين البيع والربا؛ فالبيع أحله، والربا حرمه، وإذا قال قائل: لماذا؟ قلنا: الله أعلم، الله عز وجل حكيم, ولهذا لما قالت المرأة لـ عائشة رضي الله عنها: (يا أم المؤمنين! ما بال الحائض تقضي الصوم إذا حاضت في رمضان ولا تقضي الصلاة؟ -سؤال فيه إشكال- قالت لها -رضي الله عنها-: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) استدلت رضي الله عنها بالحكم على الحكمة, لأنا نعلم أن الله عز وجل حكيم, فلم يوجب عليها قضاء الصوم دون قضاء الصلاة إلا لحكمة, لكننا أحياناً نعرف الحكمة وأحياناً لا نعرفها.
البيع والربا لماذا أحل الله البيع وحرم الربا؟ نقول: لأن الله أحل البيع وحرم الربا, ولذلك لما قال أهل الربا: إنما البيع مثل الربا, رد الله قولهم، فقال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة:275] .
إذاً الحكيم: مشتق من الحكمة وهي: وضع الشيء في موضعه, فإذا حكم الله بشيء شرعاً أو حكم بشيء قدراً فلا يشكل عليك, إن وفقك الله لمعرفة الحكمة فهذا خير, وإن لم تعرف فاعلم أن الله حكيم.
أيضاً: له الحكم عز وجل, قال الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:40] فالحكم لله عز وجل, من يستطيع أن يرفع حكم الله عز وجل فيما إذا نزل به الموت؟ لا أحد.
قال الله تعالى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:83-87] لا يمكن هذا, لأن الله حكم بهذا, إذا حكم عز وجل بحروب وفتن، من يرفع هذا؟ الله عز وجل, الحكم له.
في الأمور الشرعية من الذي يحكم بين الناس بالشرع؟ الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10] فالحكم لله عز وجل, فإذا عرفت أن الله تعالى له الحكمة فيما شرع وفيما خلق وقدَّر حينئذٍ تستسلم ولا تجادل؛ لأن الذي حكم بذلك هو الله, إذا علمت أن الحكم لله عز وجل بين العباد فإلى أي شيء ترجع في الأمور الشرعية؟ إلى الكتاب والسنة, وفي الأمور القدرية ترجع إلى الله, إذا حكم عليك بالمرض تفزع إلى الله عز وجل, إذا حكم عليك بالفقر تفزع إلى الله: اللهم اقض عني الدين وأغنني من الفقر.
فإذا آمن الإنسان بأن الحكم كله لله, إن كان حكماً قدرياً استسلم، وقال: هذا أمر الله وأنا عبد الله ولا يمكن أن يكون سوى ما كان, وإذا كان شرعياً، قال: الله عز وجل أعلم وأحكم بما يصلح للعباد.(207/4)
الأسئلة(207/5)
بيان مراد الشيح ابن عثيمين في بعض مصطلحاته العلمية
السؤال
بعض المصطلحات العلمية عن فضيلتكم, إذا قال الشيخ ابن عثيمين: الراجح، ولم يحدده بقوله: عندي, هل هو الراجح عند الشيخ أم عموماً؟
الجواب
الراجح عندي, إذا قيل: الراجح أو الصحيح فهو عندي وإن لم أحدد.
السائل: إذا قال الشيخ ابن عثيمين: لا ينبغي، هل ترتقي للتحريم؟ الجواب: لا.
السائل: أو لا أرى ذلك؟ الجواب: أيضاً ليست للتحريم, لأنه -حقيقة- أحياناً يكون الأمر مشتبهاً فأقول: لا أرى ذلك، ولا أقول: حراماً أو مكروهاً؛ لأن هذا يحتاج إلى دليل, ولهذا كان الأئمة الذين نحن أصغر من خناصرهم يقولون: لا ينبغي أو لا أراه, الإمام أحمد يسأل عن شيء يقول: لا أراه أكره ذلك لا ينبغي لأن التحريم ليس بهين, التحريم والتحليل صعب, وكان بعض العلماء لا يقول عن شيء محرم إلا ما صرحه القرآن بأنه حرام أو السنة.
السائل: وقولك لا يجوز؟ الجواب: لا يجوز يعني: حرام, عندي وعند غيري.(207/6)
بيان أن الحكمة تكون للخالق والمخلوق
السؤال
الحكمة هي وضع الشيء في موضعه، هذا بالنسبة لله تعالى, تعريف ابن القيم يقول: الحكمة فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي, للمخلوق أو الخالق سبحانه وتعالى؟
الجواب
للمخلوق والخالق, حتى الإنسان الحكيم إذا كان يتصرف ولا يتصرف إلا حيث كان التصرف خيراً فهو حكيم, يقول الشاعر:
إذا كنت في حاجة مرسلاً فأرسل حكيماً ولا توصه(207/7)
حكم التأجير المنتهي بالتمليك في وكالات السيارات
السؤال
قضية التأجير المنتهي بالتمليك في وكالة سيارات, تأتي إليهم تستأجر سيارة فتدفع دفعة مقدمة, ثم تبدأ بالقسط الشهري، والسيارة باسم الشركة, أي: لا تملك بيعها إلا أنك تقودها فقط بإذن منهم, وفي النهاية هناك من الشركات من تطلب منك دفعة مؤخرة لكي تتملك بها السيارة, وهناك من تكتفي بسداد الأقساط، فما حكم ذلك؟
الجواب
لماذا لا يقولون: أجرتك السيارة لمدة ثلاث سنوات, وبعد تمام ثلاث سنوات تشتريها أنت أو غيرك؟ لماذا لا يكون هذا؟ إذا أجرني السيارة لا يمكن أأجرها, لكن أتعرف ما هو السبب.
أولاً: هم أذكياء، هم يريدون أنها إذا تلفت في هذه المدة تكون عليك أنت, لأنها ملكي أبيعها عليك.
ثانياً: إذا كانت تؤجر في الشهر بألف ريال يكون عليك بألفي ريال, لأنك في النهاية ستملكها, ولهذا كانت هذه المعاملة قيد البحث والمناقشة في هيئة كبار العلماء، وربما إن شاء الله يصدرون فيها فتوى عن قريب, فأنت لا تستعملها حتى تخرج الفتوى.(207/8)
حكم من دخل المصلى: هل يصلي تحية المسجد؟
السؤال
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) أو كما قال صلى الله عليه وسلم, ولكن إذا دخل المسلم المصلى، مثلاً: عندنا في العمل مصلى وليس مسجداً، فهل يصلي ركعتين؟
الجواب
فليس له حكم المسجد, إن شئت فاجلس, لكن كيف تحرم نفسك الركعتين سوف تحتاجها أشد الحاجة بعد الموت, متى كانت فرصة للصلاة فأكثر.(207/9)
كيفية استغلال الإجازة
السؤال
ما نصيحتكم لنا مع بداية الإجازة الصيفية؟ والطلب بصفة عامة؟
الجواب
الناس يختلفون, أحدهم يسافر مكة والمدينة , وأحدهم يسافر لصلة الرحم وزيارة الأقارب, وأحدهم يبقى في طلب العلم, ولا شك أن أفضل ما يكون طلب العلم, أفضل من الذهاب إلى مكة والمدينة؛ لأن طلب العلم لا يعدله شيء, لكن ربما يكون الإنسان عنده ملل ويحب أن يرفه عن نفسه بعض الشيء ويسافر أسبوعاً ثم يرجع إلى بلده.(207/10)
حكم التثبت في الأخبار دائماً وإن كان الناقل أميناً
السؤال
عندما يأتي أحد بخبر لي، وقلت له: لا بد أن نتثبت لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] فيقول: هل أنا فاسق؟ أو تعتقد أني فاسق؟ فما رأيكم في هذا؟
الجواب
التثبت يحتاج الإنسان إليه من جهتين: الأول: من جهة الأمانة, وهذا هو الذي يعنيه قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات:6] لأن الفاسق ليس بأمين.
الثاني: من جهة القوة, وهو قوة الحفظ تلقياً وأداءً من حيث السرعة والعجلة, فأنا إذا قلت: سأتثبت.
لا أقول: إنك فاسق، أنت عندي عدل, لكن قد تفهم الشارع خلاف ما يراد به وقد تتعجل وقد تنسى.
ولا ينبغي للإنسان إذا أخبره شخص ظاهره العدالة أن يقرأ الآية، لا يجوز, لأنه إذا قرأها عندما يخبره يعني أن الرجل فاسق وهذا لا يجوز, لكن تقول: أنا الآن سمعت ما تقول، وسأبحث في الموضوع إذا كان في شك.(207/11)
نصيحة للطالب المبتدئ
السؤال
ما نصيحتكم لطالب العلم المستجد في طلب العلم؟
الجواب
نصيحتي بارك الله فيك: أولاً: إخلاص النية لله عز وجل, هذا أهم شيء؛ ألا يريد بطلب العلم إلا رفع الجهل عن نفسه وعن غيره، وحفظ الشريعة والدفاع عنها, لا يريد جاهاً ولا يريد مرتبة ولا راتباً.
ثانياً: أن يعمل بما علم, حتى لو لم يتعلم إلا مسألة في اليوم يطبقها مباشرة لكي يستفيد, أما أن يكدس العلوم بدون عمل ويصير كأنه نسخة كتاب, فهذا الغالب عليه أنه لا يوفق.
ثالثاً: أن يتخذ شيخاً يثق به في علمه وأمانته, فلا بد من شرطين: علمه وأمانته, لأن من لا تثق بعلمه ربما يقول عن جهل, ومن لا تثق بأمانته ربما يتكلم في بدع وضلالات يقصد بذلك إضلال الناس والعياذ بالله.
ثم ليختار من العلوم الأقل فالأقل, بمعنى إذا أراد أن يقرأ في الفقه ينظر إلى الكتب المختصرة في الفقه, ويتدرج شيئاً فشيئاً, لأن الإنسان لو أراد أن يصعد إلى السطح أول خطوة يخطوها عبر الدرج واحدة ثم الثانية فالثالثة حتى يصل إلى السطح, وهذا مع توفيق الله للعبد.(207/12)
بيان تفسير الأحلام لا يكتسب بل هو ملكة
السؤال
ما رأيكم فيمن يقول: إن تفسير الأحلام يعود لملكة الشخص، فهل هناك ضوابط شرعية في تفسير الرؤى والأحلام؟
الجواب
هي صحيحة، تعبير الرؤيا ليس مكتسباً, لكنه شيء يقذفه الله في قلب الإنسان, ولهذا تجد بعض المعبرين جهالاً لا يعرفون شيئاً من الدين ومع ذلك يعبرون, ومع التمرن يكون مكتسباً, وليس هناك قواعد يمشي عليها الإنسان, لأنه قد يخطئ خطأً كثيراً في التطبيق, إذ قد تكون صورة الرؤيا واحدة وتختلف اختلافاً عظيماً بحسب الرائي وبحسب الحال، ولكن الذي أنصح به إخواننا ألا يهتموا بهذا الأمر كثيراً, لأنهم إذا اهتموا بهذا كثيراً لعب بهم الشيطان في منامهم, فيأتيه كل ليلة يريه رؤيا تفزعه, ثم يطلب من يؤولها أو من يعبرها, والإعراض عن هذا أحسن بكثير, وإذا رأى ما يكره فلا يحاول أن تعبر له, بل يفعل كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم: يتفل عن يساره ثلاث مرات، ويقول: (أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت) ولا يخبر أحداً بهذا, وحينئذٍ لا تضره شيئاً, قال الصحابة رضي الله عنهم: [كنا نرى الرؤيا في المنام ونمرض منها, فلما حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث استرحنا] إذا رأيت ما تكره فافعل هذا, ولا تحرص على ملاحقة الرؤى.(207/13)
حكم الضرب بالدفوف والغناء في مناسبات الزواج
السؤال
هل من السنة في مناسبة الزواج الضرب بالدفوف؟ وهل يضرب الدف الأطفال أم أن يؤتى بالمغنيات؟ وهل السنة الغناء الماجن أو الإنشاد؟
الجواب
المقصود من ضرب الدف والغناء شيئان: 1/ إعلان النكاح وإظهاره, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعلنوا النكاح, واضربوا عليه بالغربال) أي: بالدف.
2/ الفرح, لأن النفس إذا فرحت تحب أن تطرب بعض الشيء, فلهذا رخص لها من المعازف بالدف والغناء, الغناء المناسب ليس غناء المجون والغزل, والأشياء التي تثير الشهوة, وما عدا الدف من آلات اللهو كالطبل والمزمار والربابة وما أشبه ذلك هذا لا يجوز.
السائل: ولكنها تستنبط من أشرطة غنائية؟ الجواب: لا يجوز السماع لها, لكن الحمد لله هناك أناشيد كثيرة فيها الترحيب والتحية للقادمين إلى مكان الزفاف يستن بهم ذلك.
السائل: حتى وإن كان جلبهن غالي الثمن لأن أقل شيء بثلاثة آلاف ريال؟ الجواب: مسألة المغالاة هذه خطأ, نبحث عن واحد بثلاثمائة ريال, الله ييسر, وأما المغالاة بعض الأحيان الواحدة بثلاثة آلاف وبعضهن بعشرة آلاف وبعضهن بأكثر, فهذا إضاعة للمال.
السائل: ما يجب على ولي المرأة؟ الجواب: يجب عليه أن يمنع هذا, ويجب أيضاً على أهل الرجل أن يوافقوا على منعه, لأن المشكلة أحياناً أن أهل الزوجة لا يرغبون هذا الشيء, لكن أهل الزوج يقولون: لا بد أن يفعل بولدنا مثلما فعل بولد فلان, أحياناً أهل الزوج لا يرغبون وأهل الزوجة يقولون: يجب، بنتنا ليس فيها قاصر لا بد أن نفعل كما فعل ببنت فلان, لكن العاقل يعرف كيف يتحكم.
السائل: بعض النساء تقول: إني أذهب ولكن لا أهتم؟ الجواب: لا تذهب.(207/14)
من منع من أداء صلاة الجمعة
السؤال
طالب مسافر إلى دولة أجنبية للدراسة، لكن دراسته توافق صلاة الجمعة, وهم لا يسمحون له أن يصلي الجمعة, فماذا يفعل في هذه الحالة؟
الجواب
إذا منعوه بالقوة فهو معذور, ويصلي ظهراً.(207/15)
حكم من دخل المسجد قبل الفجر فأوتر بركعة هل تجزئه عن تحية المسجد
السؤال
في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد حتى يصلي ركعتين) أحياناً تقع في الحرم, يدخل الإنسان متأخراً قبل الفجر فيريد أن يوتر ركعة واحدة, فهل تجزئ الركعة, وهل يكون مفهوم حديث الركعتين ما يؤخذ بالأقل كأن تجزئ الركعة عن تحية المسجد؟
الجواب
نعم.
الوتر يغني عن الركعتين, وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين؛ لأن هذا هو الغالب, متى يأتي شخص يدخل من أجل أن يوتر بركعة, والنادر فيما يقول العلماء تابع للكثير.(207/16)
حكم صلاة المسافر خلف إمام مسافر فأتم نسياناً
السؤال
إذا صلى المسافرون خلف إمام مسافر ولكنه نسي فأتم الرباعية, هل يتابعه المأتمون؟
الجواب
يتابعوه, لكن الواجب أن المأموم إذا قام إلى الثالثة يسبح به, ثم الواجب على الإمام أن يرجع ويسجد للسهو بعد السلام.(207/17)
حكم بيع إصدارات الأشرطة وجعلها في عمل خيري واحتكار هذا الإصدار
السؤال
بعض المشايخ يخرج بعض المحاضرات بمبلغ من المال, كأن يقول: أخرج الشريط أو المحاضرة بثلاثمائة ألف ريال مثلاً أو أربعمائة ألف، ويضعها في وجوه الخير, ويحفظ حقوق طبع الشريط, هل جائز هذا؟
الجواب
ليس بجائز.
السائل: هو يقول: أفعل هذا وأضعه في وجوه الخير؟ الجواب: هذا من وجوه الخير، نشرها بين الناس من وجوه الخير, أفضل من أن تتصدق بها على فقير.
السائل: بعض المشايخ لا يأخذون مبالغ مقابل حفظ حق الشريط ويحفظ حقوق الطبع لتسجيلات معينة, والتسجيلات هذه لا توفر الشريط هذا لكل المناطق, كأن يصعب توفيره لبعض المناطق وبعض القرى التي في الشمال أو الجنوب, ويصعب وجود الشريط في تلك المنطقة, هل هذا صحيح؟ الجواب: الواجب على من اتفق مع صاحب المحاضرات أن يوفر هذا للكل, فإن كان لا يستطيع فليفسح المجال لغيره.
السائل: دروسكم قليل ما أن توجد في القرى, لأن حقوق الطبع محفوظة؟ الجواب: لا.
أنا أخبرك أن تسجيلات الاستقامة التي اتفقنا معها أنه مشروط عليها أن تؤديها إلى بيت من الشعر فيه عجوز, المهم إذا أخذت بشيء أبلغونا.
السائل: تسجيلات واحدة في منطقة عنيزة لا تستطيع أن توفر للمنطقة الجنوبية كامل الأشرطة؟ الجواب: هم يدعون أنه يمكن.
السائل: هذا صعب يا شيخ! بعض الشباب ذهبوا بعض القرى فلم يجدوا أشرطتك, فقالوا: هذه حقوق الطبع محفوظة للاستقامة؟ الجواب: أنا أقول: إذا وجدتم شيئاً قدموه لنا, وبيننا وبينهم عقد مكتوب على أنها توفر للقرى كلها, وللداخل والخارج وبسعر معقول اتفقنا عليه, ولكن لا نريد أن تكون هذه الأشرطة فوضى, وتسجل في أشرطة رديئة, لا تبقى إلا زمناً قليلاً وتخرب, وهم ملتزمون لنا بالشريط القوي, وإيصالها إلى كل مكان, وأنت جزاك الله خيراً تعاون على البر والتقوى, إذا ما كانت تصل إلى بعض الأماكن قدمها لنا.(207/18)
بيان صحة قاعدة: (كل ما حرم فعله حرم الاستماع إليه)
السائل: بعض العلماء يذكر قاعدة وهي: (كل ما حرم فعله حرم الاستماع إليه) فلا أدري ما صحة هذه القاعدة وإذا كانت صحيحة فما دليلها؟
الجواب
أو قد يقول: كل حرام فإنه يحرم الاستماع إليه, هذا صحيح, كل حرام فإنه يحرم الاستماع إليه.(207/19)
حكم تخصيص خطبة لذكر محاسن الميت
السؤال
يتم في بعض المساجد تخصيص خطبة يذكر فيها محاسن الميت ومآثره مثل عالم أو داعية، فما حكم هذا الكلام؟
الجواب
والله أنا رأيي ألا يفعل, لأنها في قرب موت العالم أو الداعية تعتبر من النعي, ولهذا تهيج الناس ويبكون, أما لو كان بعد مدة طويلة وبعد ما تنسى المصيبة وتذكر مآثره كتاريخ له فهذا لا بأس به, لأن العلماء كلهم يكتب عنهم مآثرهم وآثارهم, أما أن يقصد بهذا التهييج والتحزن على فقد هذا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النعي، وهو من النعي, وإذا جاءت برنة معينة صار من الندب أيضاً.
السائل: يستشهد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ذُكر في بعض الغزوات أنه نعى بعض الصحابة؟ الجواب: نعم.
نعاهم لسبب, نعى النجاشي من أجل أن يخرج الناس يصلون عليه, ونعاه وأثنى عليه وقال: (أخ لكم صالح -وفي رواية-: عبد صالح) من أجل الصلاة عليه.
السائل: ما ورد خطبة بعد أحد الغزوات كـ جعفر؟ الجواب: لا, هذا أخبر بموته فقط, في غزوة مؤتة أخذها فلان فقتل, وأخذها فلان فقتل, هذا خبر بموتهم.(207/20)
حكم راية الجهاد في كشمير والذهاب للجهاد هناك
السؤال
هل راية الجهاد في كشمير صحيحة؟
الجواب
يا إخواننا! الجهاد يحتاج أولاً: إلى راية من خليفة أو إمام, وهذا مفقود في الواقع.
ثانباُ: الجهاد يحتاج إلى أن ذهاب الإنسان ليجاهد يكون فيه نفع وغنائم, ومعلوم أن في الوقت الحاضر لا يحصل فيه ذلك, طائرات تأتي من فوق, والذين تحتها كلهم تحت قوة الطائرات, لا يوجد غنم, كان في الأول الحرب برية الناس يحاربون بالسيف والرمح ويحصل فائدة وغنم.
ثالثاً: أنه يشترك في هذه الحروب أناس جاءوا لينفسوا عن أنفسهم لأنهم في بلادهم مكبوتين, فيأتون لينفسوا عن أنفسهم ثم يبثون السموم في الآخرين, ويكرهون ولاتهم لهم, فيرجع هؤلاء إلى بلادهم وهم قد مقتوا البلاد رعيتها ورعاتها, ويحصل بذلك مفاسد كثيرة, والأمثلة لا أحب أن أذكرها, لكن تأملوا في عدة بلاد.
ثم إذا استتب الأمن في البلاد ونجت من الغزو، وأراد أحد الدعاة أن يدعو على حسب منهجه وطريقته، هناك مشيخة في البلاد معروفة معتمدة عندهم، أي إنسان يدعو على خلاف ما هم عليه يمنعونه, بمعنى أن الدعوة الصحيحة لا تقوم هناك, وهذه مشكلة, لكن موقفنا مع إخواننا هؤلاء نسأل الله لهم النصر والتأييد, وهذا الذي نقدر عليه, وكذلك إذا أمكن أن نبذل بالمال فلنجاهد بالمال.
السائل: قد سبق لك أن أفتيت بالجواز أو بالذهاب إلى بعض تلك الأماكن؟ الجواب: لكن الأمور تتغير باختلاف النتائج, فأول ما ظهرت الحرب في أفغانستان كنا نؤيد هذا, ونقول: اذهبوا، لكن النتائج صارت عكس ما نريد, الراجعون من هناك معروف حالهم إلا من سلمه الله عز وجل, والباقون هناك لا يخفاكم الآن الحروب الطاحنة فيما بينهم يتقاتلون.
السائل: بلغنا أن لكم فتوى متداولة بين المجاهدين في كشمير أنكم تنصحون بالجهاد في كشمير وأنها راية صحيحة؟ الجواب: ليس بصحيح.(207/21)
حكم من قال: علي الطلاق أو علي الحرام
السؤال
هل من قال: عليّ بالطلاق! أو: عليّ الحرام, حلف بغير الله؟
الجواب
النبي عليه الصلاة والسلام حرم ما أحل الله له, وقال له الله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2] هل نقول: إن الرسول حلف بغير الله؟ لا.
الحلف أن يقسم الإنسان بحروف القسم المعروفة، وهي ثلاثة: الواو والباء والتاء, لكن هناك ألفاظ يكون حكمها حكم اليمين وليست يميناً, كأن تقول: حرام علي أن أتكلم مع فلان, هذا ليس حلفاً بالحرام, هذا بمعنى الحلف؛ لأن الحلف يراد به تأكيد المحلوف عليه, وهذا الذي حرم يريد بذلك تأكيد المنع, ولهذا لا يعتبر حلفاً بغير الله ولكن يعتبر حكمه حكم اليمين, وكذلك إذا قال: علي الطلاق! إذا قصد المنع ولم يقصد الطلاق حقيقة فهو في حكم اليمين وليس حلفاً بالطلاق.
السائل: أليس شركاً أصغر بالحلف: علي الطلاق! أو علي الحرام؟! الجواب: لا.
ليس شركاً أصغر.(207/22)
حكم أداء تحية المسجد في أوقات النهي
السؤال
ما حكم تحية المسجد في وقت النهي؟
الجواب
لا بأس به, وسأدلك على فائدة: كل صلاة لها سبب فليس فيها نهي؛ كركعتي الطواف تصلي ولو طفت العصر, وسنة الوضوء لها سبب إذا توضأت بعد العصر صلِ سنة الوضوء, صلاة الكسوف لو كسفت الشمس بعد العصر صلِ صلاة الكسوف, صلاة الاستخارة في أمر يفوت قبل زوال النهي صلِ أيضاً, المهم القاعدة عندنا هي: أن كل صلاة لها سبب فليس فيها نهي, والدليل على هذا: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى ذات يوم صلاة الفجر في منى , ولما سلم وجد رجلين لم يصليا, فقال: (لماذا لم تصليا؟ قالا: صلينا في رحالنا, قال: إذا أتيتما المسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة) .(207/23)
حكم الوتر بعد أذان الفجر
السؤال
هل يجوز أداء ركعة الوتر بعد أذان الفجر وقبل الإقامة؟
الجواب
لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خشي أحدكم الصبح صلّى واحدة فأوتر ثم صلّى) فدل هذا على أنه لا وتر بعد الفجر, لكن ماذا يصنع إذا كان قد غلبه النوم؟ نقول: إذا صار الضحى فصل الوتر شفعاً؛ فإذا كان من عادتك أن تصلي الوتر ثلاث ركعات فاجعلها أربعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غلبه نوم أو وجع صلّى من النهار اثنتي عشرة ركعة, فيأخذ صلى الله عليه وسلم بالأكثر ويصلي اثنتي عشرة ركعة.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء, نفعنا الله وإياكم بما علمنا.(207/24)
لقاء الباب المفتوح [208]
انتقل الشيخ في هذا اللقاء إلى تفسير آيات من سورة الحديد معلقاً على ما مضى من تفسير الآية الأولى من هذه السورة، راداً على من يقول: إن معنى (استوى) أي: استولى؛ مشيراً إلى أن الأرض سبع طبقات كالسماء ومدللاً على ذلك بنصوص القرآن والسنة.(208/1)
تفسير آيات من سورة الحديد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن بعد المائتين من اللقاءات المسماة: لقاء الباب المفتوح, التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس والعشرون من شهر صفر عام (1420هـ) .(208/2)
تفسير قوله تعالى: (سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم)
نبتدئ هذا اللقاء كما هو العادة بتفسير ما يمن الله به عز وجل من كتابه العزيز, قال الله تبارك وتعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحديد:1] وسبق معنا التسبيح: وهو أن كل السماوات والأرض وما فيها تسبح لله عز وجل, على وجهين: 1- بلسان المقال, تقول: سبحان الله.
2- بلسان الحال, بمعنى أن حال هذه المخلوقات تدل على تنزه الله تبارك وتعالى عن العبث واللعب, وأنه منزه عن كل عيب ونقص.
الكافر يسبح الله بأي وجه؟ بلسان الحال, لأنه لا يسبح الله بلسان المقال, بل هو يكفر بالله عز وجل.
وسبق معنا قوله: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وأن الله له الحكم, وأن حكمه مبني على الحكمة وعلى العزة.(208/3)
تفسير قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن)
قال تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد:3] أربعة أشياء, (الأول) أي: ليس قبله شيء, لأنه لو كان قبله شيء لكان الله مخلوقاً وهو عز وجل الخالق, ولهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الأول بأنه الذي ليس قبله شيء, كل الموجودات بعد الله عز وجل, لا أحد مع الله ولا قبل الله.
(والآخر) : الذي ليس بعده شيء, لأنه لو كان بعده شيء لكان ما يأتي بعده غير مخلوق لله، ومع العلم أن كل المخلوقات كلها مخلوقة لله عز وجل, فهو الذي ليس بعده شيء, إذاً: هو الأول لا ابتداء له, والآخر لا انتهاء له, ليس بعده شيء.
{وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} (الظاهر) : قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيرها: (الذي ليس فوقه شيء) كل المخلوقات تحته جل وعلا, فليس فوقه شيء.
(الباطن) : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الذي ليس دونه شيء) خبير عليم بكل شيء, لا يحول دونه جبال ولا أشجار ولا جدران ولا غير ذلك, ليس دونه شيء, لا دون بصره يرى كل شيء عز وجل, ولا دون سمعه يسمع كل شيء, ولا دون علمه يعلم كل شيء.
الأول والآخر اشتملا على عموم الزمان, والظاهر والباطن على عموم المكان.(208/4)
تفسير قوله تعالى: (وهو بكل شيء عليم)
قال تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3] كل شيء الله عليم به: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:5] لو عمل الإنسان في جوف بيته, في حجرة مظلمة، فهل يعلم الله تعالى عمله؟ نعم.
يعلم, بل زد على ذلك أنه يعلم ما توسوس به نفسه, كما قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق:16] أنت إذا فكرت في شيء فالله يعلم به قبل أن يكون, هل يعلم الماضي البعيد؟ نعم.
بكل شيء, هل يعلم المستقبل البعيد؟ نعم.
بكل شيء, ولهذا قال موسى عليه الصلاة والسلام لما سأله فرعون: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه:51] أي: ما شأنها؟ قص علينا: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:52] (لا يضل) : أي لا يجهل, لأن الضلال معناه الجهل, كما قال الله عز وجل في نبيه: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} [الضحى:7] ضالاً ليس بمعنى فاسق، لا.
بل معناه أنه جاهل لا يدري, كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} [الشورى:52] ، وقال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] إذاً: الله بكل شيء عليم.
يا أخي! إذا علمت أن الله بكل شيء عليم, هل يمكن لك أن تقدم على معصية الله وأنت في خفاء عن الناس؟ لا.
لأنك تعلم بأن الله يعلمك, قال الله عز وجل: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] فإذاً: إذا آمنت بأن الله جل وعلا عليم بكل شيء فإنه يستلزم ألا تقوم بمعصيته ولو في الخفاء, وألا تترك طاعته ولو في الخفاء, ولقد قال الله عز وجل عن نوح عليه الصلاة والسلام: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح:7] لئلا يسمعوا {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح:7] تغطوا بها لئلا يبصروا والعياذ بالله؛ لأنهم يكرهون الحق.(208/5)
تفسير قوله تعالى: (هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام)
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [الحديد:4] (خلق السماوات والأرض) : أوجدها عز وجل بكل نظام وتقدير, والسماوات سبع والأرضون سبع, والأرض سابقة على السماء لأن الله تعالى قال في سورة فصلت لما ذكر خلق الأرض: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11] خلق السماوات والأرض, الأرض قبل خلق السماوات لكن الله يبدأ بالسماوات لأنها أشرف من الأرض, وأعلى من الأرض.
كيف السماوات؟ هل هي ملفوفة لفة واحدة؟ أو بينها مسافة؟ بينها مسافة, المسافة بعيدة جداً جداً, وهذا يلزم أن يكون أصغر السماوات سماء الدنيا, ويليها الثانية, والثالثة, كل واحدة أوسع من الأخرى, وسعة عظيمة، وهي متطابقة بعضها فوق بعض, وفي حديث المعراج أن الرسول صلى الله عليه وسلم كلما صعد إلى سماء استفتح ففتح له.
والأرض جعلها الله تعالى في القرآن بصيغة الإفراد, الجمع أرضون, لا تجد (أرضون) في القرآن لا تأتي إلا (أرض) لكن الله أشار إلى أنها متعددة في قوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12] أي: مثلهن في العدد لا في الصفة, لأن الصفة بين الأرض والسماء التماثل فيها بعيد جداً, لكن مثلهن في العدد، وصرحت بذلك السنة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين) .
خلقها في ستة أيام, كم الأيام؟ أطلقها الله عز وجل, ما بين أن اليوم خمسون ألف سنة أو أقل أو أكثر, وإذا أطلق يحمل على المعروف المعهود, وهي أيامنا هذه, وقد جاء في الحديث أنها الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة, الجمعة منتهى خلق السماوات والأرض, مبتداها الأحد, والسبت ليس فيه خلق لا ابتداء ولا انتهاء, فإذا قال قائل: أليس الله قادراً على أن يخلقها في لحظة؟
الجواب
بلى, لأن أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن، فيكون, إذاً: لماذا كانت في ستة أيام؟ أجيب عن ذلك بجوابين: الأول: أن المخلوقات هذه يترتب بعضها على بعض, فرتب الله بعضها على بعض حتى أحكمها وانتهى منها في ستة أيام.
الثاني: أن الله علم عباده التؤدة والتأني, وأن الأهم إحكام الشيء لا الفراغ منه, حتى يتأنى الإنسان فيما يصنعه ولو كان يكمله بساعة يتأنى ولو أكمله بساعتين, فعلم عز وجل سبحانه عباده التأني في الأمور التي هم قادرون عليها, وكلا الأمرين وجيه.(208/6)
تفسير قوله تعالى: (ثم استوى على العرش)
قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد:4] (استوى) أي: علا عليه, على وجه يليق بجلاله, لا يمكن أن نمثله بخلقه؛ لأن الله ليس كمثله شيء, والعرش مخلوق عظيم, لا يعلم قدره إلا الذي خلقه عز وجل, وقد جاء في الحديث: (إن السماوات السبع والأرضين السبع في الكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض) الحلقة: حلقة الدرع المكون من حلق الحديد: (وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة) إذاً: لا يعلم قدره إلا الله عز وجل, وليس لنا أن نسأل: ما مادة هذا الكرسي؛ من ذهب أو من فضة، أم لؤلؤ؟ ليس لنا حق أن نتكلم في هذا, هو عرش عظيم كما وصفه الله: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:129] {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج:15] عرش عظيم جداً جداً، لا يعلم قدره إلا الله, استوى الله عليه لكمال سلطانه جل وعلا, قد تجدون في بعض الكتب: (استوى على العرش) أي: استولى عليه, أهكذا تجدون؟ الذي اطلع منكم على بعض كتب الأشعرية وما أشبههم يرى هذا, وهذا تحريف للكلم عن مواضعه, وقول على الله بلا حق وبلا علم؛ لأنه إذا كان خلق السماوات والأرض ثم استوى العرش قلنا: استولى على العرش, قبل الاستيلاء لمن العرش؟! انظر إلى بطلان هذا, ثم نقول: الله استولى على كل شيء, هل نقول: استولى على الأرض؟ لا يمكن أن نقول هذا, إذاً: يتعين أن تكون (استوى) بمعنى علا, كيف استوى؟ لا ندري، الله أعلم.(208/7)
الأسئلة(208/8)
حكم إقامة السنن في السفر
السؤال
فعل السنن الرواتب في السفر وخاصة ركعتي الضحى, وسنن قيام الليل, وسنة الفجر, والسنن بصفة عامة، هل ورد إقامتها في السفر؟
الجواب
أولاً: الذي تبين لنا من السنة أن الذي يسقط في السفر ثلاثة أشياء فقط والباقي باق على ما هو عليه, والثلاث هي: سنة الظهر الراتبة, وراتبة المغرب, وراتبة العشاء, ثلاثة, والباقي افعله كما تشاء, حتى الظهر لو شئت أن تصلي تطوعاً بدون راتبة فلا بأس, إذاً: سنة الضحى مشروعة, التهجد في الليل مشروع, الوتر مشروع, سنة الفجر مشروعة, تحية المسجد مشروعة, كل النوافل باقية على أصلها إلا ثلاث، هي: راتبة الظهر, وراتبة المغرب, وراتبة العشاء، هذا الذي دلت عليه السنة.(208/9)
حكم الاستثناء في الإيمان
السؤال
ما حكم الاستثناء في الإيمان, كأن يقول إنسان: أنا مؤمن إن شاء الله؟
الجواب
قول الإنسان: أنا مؤمن إن شاء الله, إن كان قصده بذلك التبرك، أو أن إيماني وقع بمشيئة الله فهذا حق, ولا إشكال فيه، جائز, وإن كان متردداً بأن قيل له: أنت مؤمن؟ قال: إن شاء الله، أي أنه متردد، قد يكون وقد لا يكون، فهذا كفر مخرج عن الملة, لماذا؟ لأن التردد في الإيمان ليس بإيمان, إذ أن الإيمان هو الجزم، هذا بالنسبة لعقيدة الإيمان, أما بالنسبة للأعمال فالأعمال من الإيمان، لقوله عليه الصلاة والسلام: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول: لا إله إلا الله, وأدناها إماطة الأذى عن الطريق, والحياء شعبة من الإيمان) إن كان قصده الأعمال، وقال: أنا مؤمن إن شاء الله بمعنى أنني مقيم لجميع خصال الإيمان, فهذا أيضاً صحيح, ليس كل إنسان مؤمن ويقوم بجميع الشرائع.(208/10)
حكم اختبار المعلم لطلابه وهو يعلم الإجابة
السؤال
هل يجوز سؤال المعلم لطلابه تفسير آية من القرآن هو يعلم إجابتها لكن من باب أنه يرى طلابه هل فهموا أم لا؟
الجواب
يجوز امتحان الطالب بما يعلمه المدرس ولا حرج, أليس جبريل سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام والإيمان والإحسان وهو يدري؟ نعم يدري، ولهذا قال: (صدقت) مع أن جبريل أراد أن الرسول عليه الصلاة والسلام أن يبين الدين الذي هو (الإسلام والإيمان والإحسان) على وجه السؤال والجواب ليكون أثبت, فيجوز للمدرس أن يسأل الطالب عن شيء هو يعلمه, في هذه الحال إذا سأله عن تفسير آية فمن المعلوم أنه لا يجوز أن يفسر الإنسان القرآن إلا بعلم, لكن لو فسره الطالب بما عنده هو، ولا يدري أصحيح هو أم لا، هل يجوز أم لا يجوز؟ الجواب: يجوز, لماذا؟ لأن عنده من يعدله ويصحح كلامه, أما أن يفسرها الطالب وهو لا يعلم من شخص على أنه استفتاه وأفتاه وانتهى فهذا لا يجوز, كذلك لو سأله المدرس، هل هذا حرام أم لا؟ يجوز؛ لماذا؟ لأن عنده من يعدل كلامه ويصححه.(208/11)
حكم التسمي بـ (عبد الإله) و (عبد الكامل)
السؤال
حكم التسمي بعبد الإله, وعبد الكامل؟
الجواب
لا بأس بهذا؛ لأن الإله من أسماء الله؛ ولأن الكامل أيضاً على وجه الإطلاق هو الله عز وجل، فلا بأس.(208/12)
كيفية وضع السبابة في التشهد
السؤال
كيف يكون وضع السبابة في التشهد؟
الجواب
تضم البنصر والخنصر, والوسطى حلقها مع الإبهام, وإن شئت ضممتها أيضاً, والإبهام إما أن تحلقها مع الوسطى وإما أن تضمها مع الاثنين وتضم الإبهام إليهما, والسبابة لا تضمها ولا ترفعها, عندما يأتي دعاء ارفعها مثل: اللهم صلِّ ارفعها إشارة إلى علو المدعو وهو الله سبحانه وتعالى.(208/13)
حكم أطفال المشركين في الآخرة
السؤال
ما هو الراجح في حكم أطفال المشركين في الآخرة؟
الجواب
أطفال المشركين الذين لا يميزون حكمهم في الدنيا حكم آبائهم إذا كانوا مشركين, بمعنى أننا لا نغسلهم ولا نكفنهم، ولا نصلي عليهم ولا ندفنهم مع المسلمين, فإن كان أحد أبوي الطفل مسلماً فهو مسلم, وأما في الآخرة فالصحيح أن علمهم عند الله, وأن الله عز وجل يمتحنهم يوم القيامة بما شاء, فمن أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار.
أعطيكم فائدة: الطفل بالنسبة لأبويه في الدين يتبع خيرهما؛ إن كانت الأم مسلمة فهو مسلم, وإن كان الأب مسلماً فهو مسلم.
في النسب يتبع الأب: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب:5] .
في الحرية والرق يتبع أمه, فلو تزوج الحر أمة فأولاده أرقاء مملوكون لمالك الأم.
في الطهارة والنجاسة والحل والحرمة يتبع أخبثهما, فلو نزا الحمار على الفرس أنثى الخيل وأتت بولد, فالولد نجس حرام, فالقواعد الآن أربع.(208/14)
حكم الاتفاق على استصناع السلعة وتأخير الثمن
السؤال
الآن بعض التجار يشتري سلعة من صاحب مصنع يتفقان عليها حسب النموذج, فهل هذا البيع يعتبر بيع سَلَمَ, وإذا كان التاجر يقول: لا أستطيع أن أدفع المبلغ كاملاً, وإنما أدفعها على دفعات لكي أضمن حقي؟
الجواب
هذا ليس سَلَمَاً, هذا يسمى استصناع سلعة, فيجوز أن يتفق مع صاحب المصنع من نجار أو حداد أو غيره على شيء معين موصوف مضبوط بالصفة ولا يسلمه إلا بعد إنجازه, سواء الثمن كله أو بعضه.(208/15)
حكم حلق الشعر الذي يظهر في الرقبة
السؤال
ما حكم حلق الشعر الذي يظهر في الرقبة؟
الجواب
لا بأس به, الشعور ثلاثة أقسام: قسم أمر بإزالته, وقسم نهي عن إزالته, وقسم سكت عنه.
فالذي أمر بإزالته العانة والإبط والشارب, والذي نهي عن إزالته اللحية, والمسكوت عنه بقية الشعور, فيجوز إزالتها لكن الأفضل إبقاؤها ليس لأنه من المسكوت عنه؛ ولا لأنه من اللحية, لكن لأنها من خلقة الله عز وجل, ولا خلقها الله إلا لحكمة, لكن إذا دعت الحاجة إلى إزالتها فلا بأس.(208/16)
الرأي في جماعة التبليغ وحكم الخروج معهم
السؤال
ما قول فضيلتكم في جماعة التبليغ والخروج معهم؟
الجواب
من هم جماعة التبليغ؟ السائل: هم أهل الدعوة.
الجواب: أنا إن شاء الله صاحب دعوة, مسلمون أم غير مسلمين؟ السائل: مسلمون.
الجواب: يصلون أم لا يصلون؟ السائل: يصلون.
الجواب: يسبحون أم لا يسبحون؟ السائل: لا أدري.
الجواب: لا، يسبحون وأكثر من غيرهم, هل يزكون؟ هل يحجون؟ السائل: نعم.
الجواب: هؤلاء في الواقع الذي أعطاه الله تعالى رغبة في العلم وتحصيلاً في العلم الأفضل ألا يخرج معهم, لأنه يضيع أوقاتاً كثيرة ليس فيها طلب علم, والقوم يكثر عندهم الجهل, والإنسان الذي ليس عنده شغل ويخشى أنه إن بقي في البلد ساح وضاع مع الضائعين فليخرج معهم, لا سيما الذين في بلادنا السعودية، وكم من إنسان فاسق خرج معهم فصار من المستقيمين, بل إن الله هدى على أيديهم أناساً كفرة, فالتشنيع عليهم غلط, والحث على مصاحبتهم غلط, بل يقال: إن شأنهم من الأمور المباحة التي إن اشتغل الإنسان بالعلم فهو أفضل, وإن كان إذا بقي ضاع وقته عليه فلا بأس أن يصحبهم, لأننا لا نعلم عنهم إلا خيراً.
بقي أن يقال: إنهم يقننون الخروج ثلاثة أيام, وأربعين يوماً, وأربعة أشهر, وقد سألناهم عن هذا: لماذا؟ قالوا: إن المقصود بهذا هو تمرين الإنسان في هذه المدة على العبادة, فأنت إن كان عندك رغبة في العلم وتحصيل العلم فاجلس واطلب العلم أفضل.
السائل: الذي خرج معهم قد تنطلي عليه بعض البدع؟ الجواب: أشكل ما عندهم هو هذا, الذين عندنا في السعودية أما الباقون لا أدري عنهم.
السائل: والخروج معهم إلى باكستان؟ الجواب: أبداً.
أنا أرى الذين عندنا لا يخرجون إلى باكستان ولا إلى غيرها للاجتماعات.
السائل: أو قطر؟ الجواب: قطر أو غيرها, يبقون في بلادهم يأتون القرى ويدعونهم للخير, ويحثونهم عليه.
السائل: يدعون أنهم مرتبطين فيمن هناك في باكستان؟ الجواب: أنا لا أرى ارتباطاً, ذهب أناس من الجماعة من القصيم وحضروا جلساتهم وأثنوا عليهم, لكن تعرف الناس في كثير من الأمور بين قادح ومادح.(208/17)
حكم التسمي بـ (عبد الجابر وعبد الناصر وإيمان وليلى)
السؤال
ما حكم تسمية (عبد الجابر) و (عبد الناصر) و (إيمان) و (ليلى) فقد سمعنا أنها لا تجوز؟
الجواب
أما (إيمان) لا أرى جوازها, الحكمة أن فيها تزكية من جهة, وفيها تذكير, والمرأة أنثى المسماة, والباقي ليس فيها شيء، بل تجوز, و (عبد الناصر) يجوز إلا إذا قصد بذلك التبرك بطاغية مصر.(208/18)
حكم جلسة الاستراحة ومتى يكبر: هل حال الجلوس أو عند الشروع في القيام؟
السؤال
متى يكبر الإمام إذا كان جالساً للاستراحة, هل في حال الجلوس أم إذا شرع في القيام؟
الجواب
إذا شرع في النهوض من السجود, يكبر ولو جلس, إذا كان إماماً هذا ربما نقول: يرجح أن يكون تكبيره إذا قام, وإذا كنت مؤتماً إذا جلس الإمام للاستراحة اجلس معه وإن كنت لا ترى هذه الجلسة، فحينئذٍ يكون التكبير أول ما ينهض من السجود، والجلسة هذه ليست سنة مطلقاً ولا مكروهة مطلقاً إنما هي للمحتاج إليها لكبر أو مرض أو وجع مفاصل، يجلس ثم ينهض, وأما الإنسان النشيط الذي ليس فيه شيء يقوم من السجود مباشرة, وإذا كان الإمام يجلس اجلس وإذا كان لا يجلس لا تجلس.(208/19)
كيفية صلة الأقارب والأباعد من الأرحام
السؤال
كيف يكون التواصل لذوي الأرحام غير الوالدين؛ الخالات والعمات، والأخوال والأعمام, خاصة إذا كان المكان بعيداً؟
الجواب
الصلة -بارك الله فيك- لم تبين في السنة ولا في الكتاب, فما عده الناس صلة فهو صلة, وهذا يختلف باختلاف الأحوال والأزمان والقرابة, مثلاً: من القرابة من له حق كبير عليك مثل عم وخال وابن عم البعيد ليس مثل هذا, أيضاً الأحوال تختلف؛ في حال المرض يجب أن تواصل عيادته والسؤال عن حاله, في حال الفقر يجب أن تواصل, وفي حال الغنى والصحة وكل الناس لاهون بأحوالهم ولا تزوره إلا في الشهر مرة, أو عن طريق الهاتف كفى.(208/20)
حكم السفر لصلة الرحم
السؤال
لي خالة وهي في منطقة بعيدة والوصول إليها مكلف، هل يجوز أن أصلها في السنة مرة فقط؟
الجواب
نعم.
يكفي, في الوقت الحاضر يكفي في السنة مرة, والهاتف موجود إذا كان عندها هي هاتف.(208/21)
بيان أن في جماعة التبليغ من هو جاهل
السؤال
قابلت أحد قادة التبليغ من الموجودين هنا في المملكة , يقول: إن مكة ليست مهبط الوحي وإنما مهبط الشيطان, وأن مهبط الجهد باكستان؟
الجواب
الظاهر أنه باكستاني! السائل: لا هو سعودي هنا.
الجواب: هذا جاهل! علمه جزاك الله خيراً, أول ما نزل الوحي على رسول الله أين هو؟ اسأله.
السائل: بلغناه يا شيخ! الجواب: إذا كنت بلغته فقد قامت عليه الحجة, وأمره إلى الله, لكن لا يحكم على الجماعة بحكم الفرد.
السائل: هو يقود؟ الجواب: ولو قادهم لا يطيعون بهذا أبداً, ونحن شاهدنا تأثيرهم، شيء عجيب! وإيثارهم وحسن أخلاقهم, صحيح أن عندهم جهل لكن يجب على طلبة العلم أن يوجهوهم.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(208/22)
لقاء الباب المفتوح [209]
بعد أن أعقب الشيخ في مستهل هذا اللقاء بما ذكره في اللقاء السابق من تفسير الآية الثالثة من سورة الحديد شرع الشيخ في موضوع هذا اللقاء وهو تفسير الآية الرابعة من هذه السورة موضحاً معنى (استوى) وكم هي الأرض، وبيان نوع معية الله سبحانه وتعالى لعباده.(209/1)
تفسير آيات من سورة الحديد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح, التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثالث من شهر ربيع الأول عام (1420هـ) .
نتكلم فيه كما هي العادة بما ييسره الله عز وجل من تفسير الآيات, وقد سبق أن فسرنا قول الله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحديد:1-2] .(209/2)
تفسير قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن)
قال تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3] (الأول) أي: الذي ليس قبله شيء, و (الآخر) : الذي ليس بعده شيء, و (الظاهر) : الذي ليس فوقه شيء, و (الباطن) الذي ليس دونه شيء, هكذا فسره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن المعلوم أننا لا نرجع إلى قول أحد كائناً من كان من البشر بعد تفسير النبي صلى الله عليه وسلم.
(وهو بكل شيء عليم) أي: عليم بما كان وما يكون, فلا ينسى ما مضى ولا يجهل ما يأتي, كما قال الله تعالى على لسان موسى صلى الله عليه وسلم حين سأله فرعون: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:51-52] (لا يضل) أي: لا يجهل, لأن الضلال يراد به الجهل, كما في قوله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} [الضحى:7] أي: جاهلاً, والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يعلم عن الشريعة الإسلامية شيئاً قبل أن يوحى إليه، لقول الله تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ} [الشورى:52] .
وقوله: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3] هل يشمل أفعال العباد وأقوال العباد؟ نعم.
يشمل هذا, بل إنه يعلم سبحانه وتعالى ما في قلب الإنسان وإن لم يظهره, كما قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:16-17] فإياك أن تضمر في قلبك شيئاً يحاسبك الله عليه, لكن الوساوس التي تطرأ على القلب ولا يميل الإنسان إليها بل يحاربها, ويحاول البعد عنها بقدر إمكانه لا تضره شيئاً, بل هي دليل على صدق إيمانه؛ لأن الشيطان إنما يأتي إلى القلب فيلقي إليه الوساوس إذا كان قلباً سليماً, أما إذا كان قلباً غير سليم فإن الشيطان لا يوسوس له, لأنه قد انتهى.(209/3)
تفسير قوله تعالى: (هو الذي خلق السماوات والأرض)
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد:4] خلق السماوات السبع وكذلك الأرض هي سبع، لقول الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12] أي: مثلهن في العدد, ولا يصلح أن تكون في الكيفية؛ لأن هناك فرقاً عظيماً بين السماء والأرض، فيتعين أن يكون المعنى مثلهن في العدد, وقد جاء ذلك صريحاً في السنة, كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع من الأرض شبراً بغير حق طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين) .
وقوله: {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} هذه الأيام هي: الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة, ولو شاء الله لخلقها في لحظة, كما قال عز وجل: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] ولكنه خلقها في ستة أيام لحكمتين والله أعلم: الحكمة الأولى: أن الأشياء المخلوقات يترتب بعضها على بعض, وينشأ بعضها من بعض, فتحتاج إلى مدة.
الحكمة الثانية: أن يعود عباده التأني في الأمور, وأن العبرة بالإحكام لا بالإسراع, وإن كان هناك حكمة أخرى ثالثة أو رابعة أو خامسة فالله أعلم, المهم أن هذا هو الذي تبين لنا، ومع هذا لا نجزم به, ونقول: الله أعلم.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (ثم) : تدل على الترتيب, أي: أن خلق السماوات والأرض سابق على الاستواء على العرش, لا على خلق العرش؛ لأن العرش قبل السماوات والأرض, لكن الاستواء عليه كان بعد خلق السماوات والأرض, ومعنى (استوى) أي: على, لأن (استوى) في اللغة العربية إذا تعدت بـ (على) كان معناها العلو, مثاله قول الله تبارك وتعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف:12-13] أي: تعلوا عليها.
ومن ذلك قوله تعالى عن نوح: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون:28] فقوله: (استويت على الفلك) أي: علوت عليه.
إذاً: استوى على العرش، أي: علا على العرش, وإذا رأيتم من يقول: استوى على العرش أي: استولى على العرش فقد كذب على الله عز وجل, لأن الله تعالى نزَّل هذا القرآن العظيم باللغة العربية, واللغة العربية تدل على أن (استوى) إذا تعدت بـ (على) فهي بمعنى العلو لا غير, فيكون الذي يفسرها باستولى كاذباً على الله عز وجل, جانياً على نصوص الكتاب, محرفاً لها, وجنايته عليها من وجهين: الوجه الأول: صرفها عن ظاهرها.
الوجه الثاني: إحداث معنىً لا يدل عليه ظاهرها.
وهذا قد يوجد كثيراً في كتب الأشاعرة سواء كانوا من المفسرين أو غير المفسرين, لكنهم بهذا -والله والله والله- قد ضلوا ضلالاً مبيناً -نسأل الله العافية- من الذي استولى على العرش حين خلق السماوات والأرض؟ إذا كان الله لم يستولِ عليه إلا بعد خلق السماوات والأرض فهو لمن من قبل؟ يلزمهم أن يقولوا: إنه لغير الله, وإلا فقد تبين خطؤهم وهم مخطئون والحمد لله واضح.
قوله: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [الحديد:4] .
{مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ} أي: ما يدخل فيها من جثث الموتى, ومن الحبوب التي تنبت بإذن الله, ومن المياه التي يسلكها الله ينابيع في الأرض ثم يخرجها, وغير ذلك من الحشرات وغيرها, المهم كل ما يلج في الأرض يعلمه الله.
وسؤالنا الآن: هل يعلم حال الذر إذا ولجت في جحورها؟ نقول: (ما يلج) (ما) اسم موصول، والاسم الموصول يفيد العموم, أي: كل ما يلج في الأرض.
{وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من النبات والمياه والمعادن وغيرها.
{وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ} من الملائكة والأمطار والشرائع وغير ذلك.
{وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} أي: إليها, لكن جاءت (فيها) بدل (إليها) لنستفيد فائدتين: الفائدة الأولى: العروج، أي: الصعود.
الفائدة الثانية: الدخول, لأن (في) يناسبها من الأفعال الدخول, دخل في المكان.
أما عرج ويعرج فالذي يناسبها (إلى) لكن الله عز وجل عدل عن قوله (يعرج إليها) إلى قوله: (يَعْرُجُ فِيهَا) ليفيد الصعود والدخول, أي: الأشياء لا تصل إلى السماء الدنيا وتقف, تعرج في السماء الدنيا حتى تصل إلى الله عز وجل.
إذاً: (يَعْرُجُ فِيهَا) لو قال لك أحد النحاة: لماذا جاءت (في) بدل (إلى) والقرآن فصيح؟ فما الجواب؟ نقول: ضمن (يعرج) معنى يدخل, والتضمين هذا موجود في القرآن الكريم وفي اللغة العربية, قال الله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} [الإنسان:6] المناسب (يشرب من) كما قال تعالى: {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون:33] أي: منه: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ} [البقرة:249] ، وهنا قال: (يَشْرَبُ بِهَا) ما الحكمة؟ قال العلماء: الحكمة أن (يشرب) هنا ضمنت معنى يروى بها, ومعلوم أنك إذا قلت: (يروى بها) فقد تضمن معنى (يشرب) وزيادة, والتضمين هذا فن مهم في باب البلاغة, ينبغي لطالب العلم أن يدرسه ويحققه حتى يستفيد مما إذا اختلفت الحروف مع عواملها ولا يشكل عليه.
{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (هو) الضمير يعود على الله عز وجل, (معكم) أي: مصاحبٌ لكم, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أنت الصاحب في السفر, والخليفة في الأهل) .
لكن هل هذه الصحبة صحبة مكان, بمعنى أننا إذا كنا في مكان كان الله معنا؟ حاشا وكلا, لا يمكن هذا, وكيف يتصور عاقل أن الله معنا في مكاننا وكرسيه وسع السماوات والأرض, هذا مستحيل [الكرسي موضع القدمين] كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه, فإذا كان كذلك هل يعقل أن رب السماوات والأرض الذي يوم القيامة تكون السماوات مطويات بيمينه, والأرض جميعاً قبضته, هل يمكن أن يكون معنا في أماكننا الضيقة أو الواسعة؟ لا يمكن, إذاً (معكم) أي: مصاحب لكم, والمصاحب قد يكون بعيداً عنك, تقول العرب في أسلوبهم: ما زلنا نسير والقمر معنا, ما زلنا نسير والقطب معنا, ما زلنا نسير والجبل الفلاني معنا, وهل هو معهم في مكانهم؟ معلوم أن القمر في السماء, والنجم في السماء, والجبل قد يكون بينك وبينه مسافة أيام, ومع ذلك فالعرب تطلق عليه المعية مع البعد في المكان, وكوننا نؤمن بأن الله معنا إذاً: هو عالم بنا, سميع لأقوالنا, بصير بأفعالنا, له القدرة علينا والسلطان, مدبر لنا بكل معنى تقتضيه المعية.
واعلم أن من الضلال من يقولون: إن الله معنا في أمكنتنا -نسأل الله العافية- وينكرون أن يكون الله في السماء عالياً, فأتوا بداهيتين عظيمتين: 1- إنكار علو الله.
2- اعتقاد أنه في الأرض.
سبحان الله! هل يُعقل أن يعتقد عاقل فضلاً عن مؤمن أنه إذا كان في المرحاض كان الله معه؟ أعوذ بالله, الذي يعتقد هذا أشهد بالله أنه كافر, لأن أعظم استهزاء بالله وأعظم حط قدر الله هو هذا, وكما يقولون: الله في كل مكان! يعني أنه في الحجرة وفي السوق وفي المسجد, ثم من الذي يكون مع أناس في الحجرة, وأناس في الشارع, أهما إلهان؟ لا, ولا يمكن أن نقول: إن الله متعدد, إذا لم يكن إلهان هل هو متجزئ بعضه هنا وبعضه هنا, إذاً معناه بطل أن يكون معنا بذاته في أمكنتنا؛ لأنه إما أن يكون متعدداً وإما أن يكون متجزئاً, وكلاهما باطل, قررت هذا لأنه يوجد الآن كما لمسناه في الوافدين إلى مكة من يعتقد هذا الاعتقاد.
يقول الله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد:4] المعية: هي المصاحبة, ولا يلزم من المصاحبة المقارة في المكان, أي: أن يكون قاراً في مكان, لا يلزم هذا, وكيف يمكن أن يكون الله تعالى معك في مكانك وهو سبحانه وتعالى وسع كرسيه السماوات والأرض, ولكن هؤلاء الذين يعتقدون هذا ما قدروا الله حق قدره, ولا عظموه حق تعظيمه, ولا عرفوا عظمته وجلاله, قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] فكيف يعتقد أن الله معنا في مكاننا؟ فلهذا يجب على الإنسان أن يعرف نعمة الله عليه لكونه يؤمن بالقرآن على ما هو عليه على ظاهره, معظم لله حق التعظيم.
وقوله: {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4] أي: في أي مكان كنتم؛ لأن (أين) ظرف مكان, قال الله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:150] مثل: {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4] .
{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:4] أي: بما تعملون من الأعمال كلها بصير, وهل البصر هنا بصر علم أم بصر رؤية؟ يشمل هذا وهذا, فهو بصير بصر رؤية يرانا عز وجل, ولا نخفى عليه, قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه: (حجابه النور, لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) هذا بصر رؤية.
أما بصر العلم: فمن المعلوم أن أعمالنا قد تكون مرئية كالحركات, وقد تكون مسموعة كالأقوال, المسموعة لا ترى بالعين, لكنها تسمع, فرؤية المسموع علم, وعلى هذا نقول: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:4] يشمل العلم والبصر بالرؤية.(209/4)
الأسئلة(209/5)
حكم اللحوم المستوردة لا سيما المكتوب عليها: (مذبوح على الطريقة الإسلامية)
السؤال
ما حكم اللحوم المستوردة؟
الجواب
حلال, إذا كنا لا نعلم أنها ذبحت على غير الطريقة فهي حلال, كما جاء في صحيح البخاري (أن قوماً جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله! إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ قال: سموا أنتم وكلوه) ولم يقل: اسألوهم: هل سموا أم لا؟ فمتى وردت اللحوم من بلد أهلها أهل كتاب فهي حلال, ولا تسأل, وقد بحث هيئة كبار العلماء هذه المسألة قبل سنوات وأحضروا وزير التجارة ومن يتعلق بهذا وسألوهم عن اللحوم التي ترد إلى الملكة، وقالوا: ليس فيها شيء, وأن هناك هيئة تلاحظها وتمنع ما لا تقطع رقبته, لكن إذا أردت أن تأكل فسم الله تعالى.
السائل: بعضها مكتوب عليه مذبوح على الطريقة الإسلامية؟ الشيخ: هي ليس لها داعٍ, لكن الظاهر أنهم يكتبون: تذبح على الطريقة الإسلامية, لأنهم يفرقون بين الذي يأتي إلى السعودية لأنهم يعرفون تمسكها بالإسلام وغيرها, حتى يصرف هذا إلى السعودية، وأما ما ذكر أنهم رأوا مرة سمكةً في الكرتون فهذا أول من يقوله, يحتاج إلى إثبات, ثم على فرض أنه وقع أليس من الجائز أن تعبأ هذه الحوتة بهذا الكرتون لأن الذين يعبئون لا يعرفون اللغة العربية, هذا جائز, والخطأ وارد.(209/6)
حكم تغرير المؤسسات المصرفية بإعطاء مزايا إن زاد رصيد الشخص عن كذا وكذا
السؤال
إحدى المؤسسات المصرفية وضعت أمراً وهو إذا كان رصيدك مثلاً مائة ألف يكون علاجك بالمجان, وإن كان أكثر علاجك وعلاج زوجتك وهكذا , فإذا فرضنا أن هذه المؤسسة خالية من الربا، فهل يجوز الإيداع فيها؟
الجواب
هذا العمل حرام من وجهين: الوجه الأول: أنه قد يلجأ بعض السفهاء إلى أن يستدين ليودع في هذه المؤسسة, يستدين ما يبلغ مائة ألف من أجل أن يودعها في هذه المؤسسة ويكون علاجه مجاناً, وهذا غرر على الشعب وعلى المجتمع أن يثقل كاهله بالديون, ولهذا نأسف لتسهيل الديون على الناس الآن, لأن هذا يؤدي بالشباب وغير الشباب إلى أن يتدينوا لأمور تافهة أو كمالية, وهذا ضرر سيرهق كواهل الشباب وغير الشباب في الاستدانة, ويتساهلون الأمر, ثم إذا وقعت الواقعة ظهروا مفلسين وظهرت الشركة التي كانت تدينهم مفلسة أيضاً, فلهذا نرجو الله تعالى أن يوفق الحكومة للتدخل في هذا الأمر, ومنع الاستدانة إلا للضرورة القصوى.
الوجه الثاني: إذا كان عنده مائة ألف وليس بحاجة أن يستدينها ثم وضعها فهنا لا شك أن الشركة سوف تستفيد من هذه المائة ألف استفادة كبيرة, ربما تمضي مدة طويلة لم يمرض هذا الرجل, وحينئذٍ تكون الشركة غانمة مستفيدة وهذا لم يستفد شيئاً, وربما يقدر الله عليه أمراضاً كثيرة يستهلك أموالاً كثيرة على الشركة فتكون الشركة خاسرة.
الوجه الثالث: أنا أخشى أن هذا يضعف التوكل على الله عز وجل, وأن الإنسان يقول: الحمد لله مرضي مضمون برؤه, لان هذه الشركة ستقوم بالمعالجة, ويكون اعتماده على الشركة دون الله عز وجل, وربما يبتليه الله عز وجل بأمراض كثيرة لأن من تعلق شيئاً وكل إليه.(209/7)
حكم الإتمام خلف من يقضي
السؤال
إذا دخل شخص المسجد ووجد إنساناً يقضي، هل يجوز أن يأتم به؟
الجواب
بعض العلماء يقول: إنه جائز؛ لأن غاية ما فيه أن المأموم الأول صار إماماً, ولكن حتى لو قلنا بالجواز فإنه لا ينبغي, لأن هذا غير معروف عند السلف، فالأفضل ألا يفعل.
السائل: وإذا فعل؟ الشيخ: إذا فعل فصلاته صحيحة.
السائل: لكن لا يستحب؟ الشيخ: نعم.
لا يستحب, الأولى ألا يفعل.(209/8)
بيان أن السماء ليس لها عمد
السؤال
اختلف المفسرون في سورة الرعد أن الله سبحانه وتعالى رفع السماوات بغير عمد, فبعضهم قال: إننا لا نراها, وبعضهم قال: إنها رفعت بغير عمد فقط, فما رأيكم؟ الشيخ: اقرأ الآية.
السائل: - {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد:2] الشيخ: نعم المفسرون اختلفوا, هل قوله: (تَرَوْنَهَا) جملة مستأنفة أم هي صفة لعمد, أي: بغير عمد مرئية, والظاهر أنه ليس لها عمد, وأن المعنى: الله الذي رفع السماوات بغير عمد كما ترونها, ليس لها عمد, والله سبحانه وتعالى قال: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [الحج:65] ولم يذكر أعمدة تحملها, فالصواب أن السماوات مرفوعة بقدرة الله عز وجل.(209/9)
حكم من أراد الصلاة في جماعة فوجد جماعتين في آن واحد
السؤال
من الملاحظ في بعض المساجد التي على الطرقات تكون فيها جماعتان في آن واحد, فهل هذا صحيح؟
الجواب
لا الأفضل إذا دخلت وهناك جماعة عليك أن تصلي معهم وعلى نيتك أنت.
السائل: ولكن إذا كانت هناك جماعتان في آن واحد؟ الشيخ: إذا وجدت جماعتين فالغالب أن المتقدمة إلى القبلة هي الأولى, فيصلي معها, لأن الظاهر أن الجماعة الثانية هي الطارئة على الجماعة الأولى.(209/10)
بيان ما هو الشرك الأصغر
السؤال
من تعريفات الشرك الأصغر أنهم قالوا: أن تجعل ما ليس سبباً سبباً فما رأيكم؟ وهل هذا على إطلاقه؟
الجواب
لا ليس هكذا, هذا من الشرك الأصغر وليس هو الشرك الأصغر, الشرك الأصغر كلما أطلق الشرع عليه أنه شرك ولا يخرج من الملة, وهذا كـ (من حلف بغير الله فقد أشرك) ، و (سئل عن الشرك الأصغر؟ فقال: هو الرياء) المهم الضابط هو: أن الشرك الأصغر كل ما جاء في الكتاب والسنة أنه شرك وليس مخرجاً عن الملة, ومنه: أن تجعل ما ليس بسبب سبباً, مثل: القلادة ووضع الأشياء عن العين.
السائل: تجعل ما ليس سبباً سبباً؟ الشيخ: هذا صحيح, لأنك إذا جعلت هذا سبباً والله لم يجعله, فقد جعلت نفسك شريكاً مع الله.(209/11)
حكم الهدي في العمرة
السؤال
يستحب للعمرة هدي, هل هناك دليل عليه؟
الجواب
الدليل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية ساق معه الهدي, بل إن الهدي مشروع ولو بغير نسك, كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبعث بالهدي من المدينة وهو في المدينة، فالأصل الاستحباب.(209/12)
حكم الترديد بعد المؤذن في حالة الترجيع
السؤال
هل يردد الشخص مع المؤذن في حالة الترجيع (إذا رجع المؤذن في الشهادتين) ؟
الجواب
إذا رجع فليس يسمعه لكن إذا سمع صوته تابعه, ولهذا الحديث: (إذا سمعتم المؤذن) .(209/13)
حكم من طلق امرأته وهي حائض في كونه لا يقع إلا بعد اغتسالها
السؤال
بالنسبة لحديث ابن عمر رضي الله عنه في طلاق زوجته عندما طلقها وهي حائض, في سنن النسائي قال: (فإذا طهرت من حيضتها الأخرى بعد غسلها فإن شئت فطلق وإن شئت فأمسك) , هل معنى هذا أنه لا يجوز الطلاق إلا بعد اغتسال المرأة؟
الجواب
هذا على سبيل الاستحباب, لا يجوز الطلاق إلا إذا طهرت المرأة من الحيض, كما في رواية الصحيحين: (حتى تطهر) .
السائل: إذا أراد الإنسان ردها هل لا بد من غسلها؟ الشيخ: تقصد إذا طهرت من حيضها الثالث؟ السائل: نعم.
الشيخ: فله أن يراجعها ما لم تغتسل.
السائل: يعني: إذا راجعها قبل غسلها يعتبر راجعها؟ الشيخ: نعم.
لقوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ} [الطلاق:2] (أجلهن) إذا انقطع الحيض ويتم الأجل, وتنقطع جميع العلائق فلا ترثه ولا يرثها.
السائل: حتى ولو لم تغتسل؟ الشيخ: الجواب: نعم.
لا يوجد إلا الرجعة فقط, والطلاق أيضاً إذا راجع قبل الغسل فإن مراجعته صحيحة, لكن العدة انتهت بانقطاع الحيض, لو ماتت بعد انقطاع الحيض لا يرثها, ولو مات لم ترث, لكن الرجعة تختلف وسع الله فيها, ولكن لا يحل لها أن تؤخر الغسل رجاء أن يراجعها زوجها, بل متى جاءت الصلاة تغتسل.(209/14)
حكم لزوم تحية المسجد لمن دخل مكتبة المسجد
السؤال
هل تجب تحية المسجد في مكتبة المسجد في مؤخرة المسجد؟ الشيخ: هل المكتبة داخل المسجد أم خارجه؟ السائل: خارج المسجد.
الشيخ: هل دخلت في سور المسجد؟ السائل: لا.
الشيخ: ليس لها تحية, وليس لها حكم المسجد, يجوز فيها البيع والشراء والاستئجار والإجارة, إذا كانت داخل السور فهي منه إلا إذا كانت قد بنيت من قبل فهذه مستقلة.(209/15)
حكم قسمة الكفارة بين الإطعام والكسوة
السؤال
هل تجزئ كفارة اليمين إطعام خمسة وكسوة خمسة؟
الجواب
تقصد التفريق؟ السائل: نعم.
الشيخ: الظاهر أنه يجوز, أي: يجعل بعض الكفارة إطعاماً وبعضها كسوة, والأفضل أن تكون من نوع واحد, إطعام عشرة أو كسوتهم.(209/16)
حكم من دخل في عقد يعلم فساده
السؤال
سمعتك في الحرم قبل سنتين تقريباً تقول: الإنسان إذا علم بالعقد الفاسد ودخل فيه فتكون تصرفاته كتصرفات الغاصب, ثم نقل إلي أحد الأخوان أنك تفتي بغير ذلك؟ الشيخ: ما هو؟ مثل ماذا؟ السائل: يعني إنسان إذا دخل في عقد فاسد يعلم فساده، كأن يكون بعد نداء الجمعة الثاني، فهل تكون تصرفاته تصرفات الغاصب في الضمانة؟ الشيخ: المذهب: إذا تصرف تصرفاً فاسداً، كما لو باع للإنسان الذي التزمه بعد النداء الثاني فالعقد باطل, ويرون أن تصرفه كتصرف الغاصب.
السائل: عليه الضمان يا شيخ؟ الشيخ: كل شيء, كل ما ترتب في الأصل فعليه, لكن هناك قول آخر أنه ليس كذلك.
السائل: الذي ترجحه يا شيخ؟ الشيخ: ينظر في كل قضية بعينها, قد يكون من المناسب أن تجعله كغاصب, وإذا تلفت تضمنه الأجرة, وقد يكون من المناسب ألا تفعل، كل قضية بعينها يحكم لها.(209/17)
حكم تفضيل بعض الأولاد بالعطايا
السؤال
ما رأي فضيلتكم فيمن أعطى ابنه مبلغاً من المال ليستعين به على الزواج, وبعد فترة أعطى الابن الآخر مبلغاً آخر ليشتري به سيارة, وبعد فترة أقرض الثاني مبلغاً ليبني له بيتاً, فسدد الابن بعض القرض وسامحه الوالد على الباقي, علماً أن له أولاداً غيرهم لم ينلهم شيء؟
الجواب
الواجب العدل بين الأولاد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ، فأما الذي أعطاه ليتزوج فهذا حق تبع النفقة, ولا يلزمه أن يعطي الآخرين مثله إلا إذا بلغوا وأرادوا الزواج زوجهم, وأما الذي أعطاه السيارة فلا يجوز أن يعطيه السيارة, إذا كان الابن محتاجاً للسيارة يعطيه إياها على أنها عاريّة عنده, والملك ملك الأب, وهذا الذي أعطاه القرض لا يجوز أن يسقط منه شيئاً, يجب عليه أن يستوفيه كاملاً, إلا إذا كان الأولاد من بنين وبنات بالغين وراشدين وسمحوا بذلك عن طيب نفس فلا بأس.(209/18)
حكم الاشتراك بأسهم مع شركات أمريكية صناعية وتجارية عبر وكلاء في البلدان الإسلامية
السؤال
ما حكم الاشتراك بأسهم في شركات أمريكية صناعية بواسطة وكيل يوكل من قبل شخص موجود في هذا البلد يعلمه برقم الحساب في أي بنك وبالمبلغ الذي يساهم به, على اتفاق على نسبة للوكيل الذي بـ أمريكا؟ - الشركة ما عملها؟ - صناعية.
- ليس فيها رباً؟ - لا.
صناعية وتجارية.
- ليس فيها شيء إذا لم يكن فيها رباً ولا غرر، المهم إذا كان يصح بيعه وشراؤه فلا بأس.
- ما حكم العقد بين الشخص هذا والوكيل الذي في أمريكا؟ - لا يوجد إشكال، إذا كان برضاه فلا بأس.(209/19)
حد شعر اللحية
السؤال
ماذا يشمل شعر اللحية؟
الجواب
اللحية، قالوا العلماء هي: شعر الخدين, وشعر الوجه كله, ما عدا الشارب والحواجب فهذه معروفة, وأما شعر الحلق فليس من اللحية.(209/20)
حكم سب الرجل لتدينه أو سب لحيته
السؤال
ما حكم إنسان سب إنساناً ملتحٍ في لحيته؟
الجواب
هذا فيه تفصيل: إن سبه لالتزامه بالشرع فقد سب الشرع, فعليه أن يتوب إلى الله من هذا.
- لو قال مثلاً: لعن الله لحيتك! الجواب: أعوذ بالله، من الذي خلق اللحية؟ الله سبحانه وتعالى, بمعنى أنه سب الله, عليه أن يتوب, ولكن في ظني أن هذا لا يقع إلا في غضب شديد, بعض الناس الحقيقة إذا غضب لا يدري ما يقول, فهذا ليس عليه شيء, ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بترك الغضب حين جاءه رجل يقول: (أوصني! قال: لا تغضب, قال: أوصني! قال: لا تغضب, قال: أوصني! قال: لا تغضب، فردد مراراً وقال: لا تغضب) لأن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب الإنسان, فيفور دمه ولا يدري ما يقول, فالواجب أن الإنسان إذا شعر بالغضب أن يتفل عن يساره ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.(209/21)
بماذا تدرك الجماعة؟
السؤال
بم تدرك الجماعة؟
الجواب
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فتدرك بآخر ركعة, لكن لو أتيت والإمام في التشهد الأخير وأنت لا ترجو جماعة أخرى, فالأفضل أن تدخل معهم؛ لأن إدراك بعض الصلاة أهون من فواتها كلها.(209/22)
بيان أن القديم ليس اسماً ولا صفة لله
السؤال
هل (القديم) اسم لله تعالى, أو من صفاته؟
الجواب
لا, القديم ليس من أسماء الله, وليس من صفاته, لكن المقدم من أسماء الله، كما في الحديث: (أنت المقدم وأنت المؤخر) .
السائل: توجيه الحديث يا شيخ: (وسلطانك القديم) .
الجواب: هذا وصف للصفة وليس وصفاً للموصوف, سلطانه القديم، أي: القديم هو السلطان.(209/23)
حث طلاب العلم على نصح جماعة التبليغ
السؤال
عندما تكلمتم في الدرس الماضي عن جماعة التبليغ سمع أحد الإخوان هذا الكلام، فقال: لو خرج الشيخ لكان له رأي آخر, فما رأيكم في هذا الكلام؟
الجواب
ما هو الرأي الآخر؟ - يقول: الشيخ ما قد خرج قبل هذه المرة.
- لكن ما هو الرأي الآخر الذي يظن أن أقوله؟ - لا نعلم ما رأيك - على كل حال ليس لنا إلا ما يظهر لنا, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أقضي بنحو ما أسمع) .
- لكن قد خرج طلبة العلم معهم؟ - خرج معهم طلبة العلم, ليت الطلبة يخرجون معهم حتى إذا رأوا ما يخالف الشرع دلوهم على الحق.(209/24)
حكم من قضي عنه دينه حالاً وهو قادر على قضائه مؤجلاً
السؤال
إذا كان الرجل له مرتب طيب لكن عليه ديون كثيرة, هل يجوز إعطاؤه من الزكاة؟
الجواب
نعم.
إذا كان لا يستطيع قضاء الدين إلا بعد مدة طويلة فلا بأس أن يقضى دينه, ولكن هنا مسألة ينبغي أن نلاحظها وهي: تربية الناس, لو كنا نقضي كل دين قدمه إلينا إنسان, ولشجعنا الناس على الاستدانة وهوناها عليهم, وصار الواحد يقول: أريد أن أستدين عشرة آلاف وإذا جاء رمضان ذهبت لفلان وأعطاني إياها, وهذه مسألة قل من يتفطن لها, لكن إنسان تعرف أنه حصل عليه خسائر أو أنه ذو عائلة كبيرة وتعرف أنه ليس له مورد، هذا لا حرج لو أعطيته, لكن يأتي شاب يشتري السيارة بمائة ألف، ويقول: أنا مدين بمائة ألف, مع أنه يستطيع أن يشتري سيارة بعشرين ألفاً أو بعشرة آلاف, لماذا تشتري بمائة ألف؟ فلهذا يجب أن نلاحظ هذا الشيء, وهي تربية الناس على عدم التهاون بالدين, والدين ليس هيناً, الاستشهاد في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين, وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم إليه رجل عليه دين ليس لو وفاء لا يصلي عليه, ما أكبر شيء من هذا أن تتقدم جنازة للرسول ثم يتأخر، ويقول: (صلوا على صاحبكم) هذا شيء عظيم, كل هذا ليرتدع الناس عن الدين, ولما وهبت إليه امرأة نفسها ولم يكن له بها حاجة, قال بعض الحاضرين: (زوجنيها إن لم يكن لديك حاجة, قال: ماذا تعطيها من الصداق, قال: أعطيها إزاري, قال سهل بن سعد وهو راوي الحديث: ليس له رداء -فقير ما عليه إلا إزار- قالوا: إزارك؟ كيف تعطيها إزارك؟ إن أعطيتها إياه بقيت بلا إزار, وإن بقي عليك بقيت بلا مهر, فبحث فما وجد شيئاً, قال: التمس ولو خاتماً من حديد, ولم يجد ولا خاتماً من حديد -وهل قال له الرسول: استقرض من إخوانك! لم يقل هذا, ولا قال: استدن, ولا قال: يكون المهر مؤجلاً في ذمتك- قال: هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم, سورة كذا وكذا قال: فعلمها, وهو مهرها) وهذا يدل على أن المهر يصح أن يكون منفعة لا نقوداً ولا أمتعة, ما هي المنفعة هنا؟ التعليم؛ تعليم القرآن, كما حصل لموسى عليه الصلاة والسلام كان مهره الذي لإحدى البنتين رعي الغنم، فالحاصل أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرشد إلى الاستدانة، فعليكم أنتم الحاضرون أن ترشدوا الناس إلى عدم التهاون بالاستدانة, وتبينوا للمساكين، يأتي شباب الواحد عليه مائة ألف أو ثلاثمائة ألف أو مليون ريال, كلها من أجل أن يستدين، وإن لم يحل الدين ذهب يستدين من الآخر حتى لا يحبس, وإذا حل الدين ذهب واستدان من ثالث وهلم جراً.(209/25)
بيان كيفية غسل اليدين ثلاثاً بعد الاستيقاظ من النوم
السؤال
ورد في السنة غسل اليدين ثلاثاً بعد الاستيقاظ من النوم قبل غمسها في الإناء: أولاً: الوضوء من الصنبور -البزبوز- داخل في ذلك؟ ثانياً: في تطبيق السنة غسل اليدين للوضوء ثلاثاً هل تكون الغسل ست غسلات أو ثلاث غسلات؟
الجواب
أما من جهة الصنبور -البزبوز- تضع يديك تحته والماء يجري, كل جرة تعتبر غسلة, وأما من جهة ست غسلات فلا, الغسلات الثلاث التي قبل لتنظيف الأيدي لأنها آلة الأخذ والغرف, وليس داخلة في الوضوء, ولهذا لو قدر أن الإنسان لم يفعل وغسل وجهه مباشرة صح وضوءه؛ لأن غسل اليدين ليس من الوضوء, وأيضاً لو فرض أنه لن يتوضأ إما لعدم الماء أو يتعذر استعماله فإنه يغسل يديه من أجل تناول الأكل والشرب.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، نشهد ألا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.(209/26)
لقاء الباب المفتوح [210]
خصص الشيخ هذا اللقاء على موضوع الاحتفال بالمولد النبوي مبيناً حكمه والرد على من يقول بجوازه، مشيراً إلى أول من ابتدعه، وما ترتب على هذه البدعة من مفاسد عظيمة.(210/1)
الاحتفال بالمولد النبوي
الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء العاشر بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح, التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو اليوم العاشر من شهر ربيع الأول عام (1420هـ) .
من عادتنا أن نتكلم في أول اللقاء على تفسير شيء من القرآن الكريم, أما اليوم فنخصص هذا اللقاء بالكلام عن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.
فنقول: من المعلوم أنه يجب على كل مسلم أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, وأنه لا يؤمن أحد حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين, ولا يمكن التأسي الكامل بالبدن والقلب إلا بمحبته؛ لأن المحبة هي الدافع والمانع, ولهذا تجد الرجل إذا أحب شخصاً اقتدى به في أقواله وأفعاله لأنه يحبه, فلا يتم الإيمان إلا بتقديم محبة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على كل أحد من البشر, وهذا أمر مفروغ منه لا يمتري فيه شخصان, ولا ينتطح فيه عنزان.
وهل من محبته أن يقام احتفال بمولده؟
الجواب
لا.
ليس من محبته, وإن كان بعض الناس تحمله محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يقوم بهذا الاحتفال, ويقول: إني فعلت هذا محبة للرسول صلى الله عليه وسلم, هذا قد يقع من بعض الناس, ولكن حقيقة المحبة تنافي ذلك؛ لأن حقيقة المحبة: أن تلتزم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم, كما قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] فجعل الميزان لمحبة الله عز وجل اتباع النبي صلى الله عليه وسلم, إذاً: الميزان في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم اتباعه, فمن قال إنه يحبه ولم يتبعه لم يكن صادقاً في هذه الدعوى.(210/2)
حكم الاحتفال بالمولد
فلننظر الآن هذا الاحتفال متى كان؟ وهل هو مطابق للواقع؟ وهل هو مطابق للشرع؟ حتى يتبين حكمه، ويجب على المرء أن يعمل بما يقتضيه الدليل.
أما بالنسبة للواقع فإنه لا يصح من الناحية التاريخية؛ لأنه لم يثبت أن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في اليوم [12] من ربيع الأول, بل الثابت حسب العملية الحسابية الفلكية أنه كان في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول, وليس في اليوم الثاني عشر, وحينئذٍ يبطل الاحتفال بهذا اليوم من الناحية التاريخية.
ثم نقول: إذا ثبت اليوم الذي ولد فيه، فهل لنا فائدة من ولادته قبل أن يكون رسولاً يهدي الناس إلى الحق؟ لا.
ولهذا قال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً} [آل عمران:164] ما قال: إذ وُلِدَ فيهم رسول! قال: {إِذْ بَعَثَ} [آل عمران:164] فالنعمة إنما هي في الحقيقة ببعث الرسول عليه الصلاة والسلام لا بولادته؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، بل قال الله له: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى:52] فلم يكن نبياً ولا رسولاً إلا بعد بعثته صلى الله عليه وسلم, أما قبل ذلك فليس نبياً ولا رسولاً, فالاحتفال لو قدر أن هناك احتفالاً لكان ببعثته لا بمولده, ومن المعلوم أن أول ما نزل عليه القرآن نزل في شهر رمضان ليس في شهر ربيع.
من الناحية الشرعية لا يثبت هذا الاحتفال, بل هو من البدع, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار, لا يثبت؛ لأن طريق ثبوت كون الأمر مشروعاً الكتاب أو السنة أو عمل الصحابة, فهل في الكتاب الأمر أو الندب للاحتفال بمولده؟ لا يوجد, هل في السنة ذلك؟ لا يوجد, غاية ما هنالك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين، فقال: (ذاك يوم ولدت فيه وبعثت فيه وأنزل علي فيه) وهذا تنويه بفضل يوم الإثنين, لا بفضل الولادة, فهذا اليوم كان يوماً مباركاً حصلت فيه هذه الأمور, فكان صيامه مشروعاً.
هل ورد من عمل الصحابة أنهم يحتفلون بمولده؟
الجواب
لا.
هل كان ذلك في عهد التابعين لهم بإحسان؟ الجواب: لا.
هل هو في عهد تابع التابعين؟ الجواب: لا.
فمضت القرون الثلاثة كلها لم تحتفل بهذه البدعة.
حدثت في القرن الرابع الهجري عن حسن نية أو عدم حسن نية, لكنها بدعة, شيء لم يندب الله إليه في الكتاب, ولم يفعله الرسول, ولا الخلفاء من بعده, ولا الصحابة, ولا التابعون لهم بإحسان, ولا تابعوهم, فكيف يأتي آخر هذه الأمة فيعمل به؟ ثالثاً: إذا قالوا: إن هذا قربة إلى الله لأننا لا نتجاوز أن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ونذكر مناقبه وفضائله؟ فالجواب أن نقول: لو كان خيراً لسبقونا إليه, هل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه وأصحابه والتابعون وتابعوهم جاهلون بهذه القربة أو عالمون؟! إن قيل: إنهم جاهلون فقد رموا بالجهل وهذا قدح فيهم، وادعى هذا أنه أهدى من الرسول وأصحابه؛ لأنه وفق للحق وهم لم يوفقوا له, وإن قيل: إنهم غير جاهلين، قيل: إذاً: هم كاتمون مستكبرون لم يبينوا هذا للأمة, ولم يعملوا به؛ فهم لعدم بيانهم للأمة كاتمون للحق, ولعدم العمل به مستكبرون عن الحق, أي إنسان يجرؤ أن يقول: إن الرسول عليه الصلاة والسلام كاتم أو مستكبر؟! لا يجرؤ أحد, هؤلاء يلزم من بدعتهم هذه أن النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون جاهلاً بأنها من الحق, وإما كاتماً بيان ذلك للناس، وإما مستكبراً عن العمل بها, كل هذا باطل! لا يمكن لمؤمن أن يصف النبي صلى الله عليه وسلم به, لكنه لازم البدعة.
ثم نقول: هل الدين كَمُل بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام أم لا؟ الجواب: كمل, قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] أكملت لكم دينكم! هذه البدعة التي يدعي مبتدعوها أنها من الدين تستلزم أن يكون الدين لم يكمل بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بقي عليه البدعة هذه, وهذا يلزم عليه فضيعة عظيمة, وهي تكذيب قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] لأنه على حد فعل هؤلاء لم يكمل الدين, فيكون الدين ناقصاً حتى جاء هؤلاء وابتدعوا هذه البدعة وأكملوه بها, فإن قالوا: لا.
إن الدين كامل ونحن لم نأتِ بشيء إلا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر مناقبه, وإحياء ذكراه, نقول: هذا غير صحيح؛ لأن المعروف من هذه الاحتفالات أن فيها الغلو العظيم الذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام, وأنهم يترنمون بقول البوصيري يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم:
يا أكرم الخلق! ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
فما تقولون في هذا البيت؟ إذا قال: ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم؛ كالخسف والعواصف والصواعق والأمراض والحروب, ما لي من ألوذ به سواك!! وهذه الجملة كما تعلمون حصر (ما لي سواك) أين الله؟! مقتضى هذا البيت أن لا إله يستغاث به, (ما لي سواك عند حلول الحادث العمم) .
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفواً وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
(الدنيا) هي ما نعيش فيه (وضرتها) الآخرة, هذا من جود الرسول عليه الصلاة والسلام وليس كل جود إلا منه, فماذا بقي لله؟!! لا شيء, ما دام الدنيا والآخرة من جود الرسول إذاً: الله ما له سبب فيها!
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
أيضاً من علومه علم اللوح والقلم, هل الرسول يعلم ما في اللوح المحفوظ؟ لا.
وهذا تكذيب لقول الله تعالى: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام:50] فالمسألة خطيرة, خطيرة جداً جداً, ولولا أنها استمرئت عند بعض الناس الذين يستعملونها لكانت فادحة عند كل إنسان.
ثم نقول: إذا كنتم تقولون: إن ذلك إحياء لذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم, فهل أنتم لا تذكرونه إلا في هذه الليلة؟ إن كنتم كذلك فمعناه أنه ليس لكم عمل صالح, وليس لكم أذان ولا تشهد ولا ذكر عند الوضوء ولا غيره, لأن ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام في كل وقت وحين, الأذان فيه ذكر الرسول: أشهد أن محمداً رسول الله, الصلاة فيها ذكر للرسول في التشهد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, بل كل عبادة فيها ذكر الرسول, لأنه لا تصح العبادة إلا إذا كان فيها الإخلاص والمتابعة, المتابعة لابد أن تشعر أنك في عملك هذا التعبدي تابع للرسول عليه الصلاة والسلام, وإذا شعرت هذا الشعور، هل يكون هناك ذكرى أم لا؟ نعم يكون هناك ذكرى, وعلى كلامهم لا ذكرى للرسول إلا في هذه البدعة, سبحان الله! أنتم تذكرون الرسول في كل المجالات, كل عمل صالح يذكرك بالرسول.(210/3)
من مفاسد الاحتفال بالمولد
من مفاسد هذه البدعة: أن الذين يفعلونها ولا سيما العوام منهم يعتقدون أنها شريعة وأنها شرعية, ويلومون من لم يفعلها, وحينئذٍ يكون المعروف منكراً والمنكر معروفاً, لأن الذين يقيمون هذه الاحتفالات يلومون الذين لا يقيمونها, يقولون: هؤلاء لا يحبون الرسول! أيهما أشد محبة الذي يتبعه ولا يبتدع في دينه ما ليس منه, ويكون متأدباً مع الله ورسوله, فلا يتقدم بين يديه ولا يشرع ما لم يشرعه, أم المحافظ على الدين الذي لا يقوم لله بأي عبادة إلا إذا كانت مشروعة؟ الثاني لا شك, لذلك يجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس أن هذا منكر, وأن حضوره لا يجوز, وأن البدعة لا تزيده من الله إلا بعداً, وكما قال أحد السلف: وما ابتدع قوم بدعة إلا حرموا من السنة مثلها, وصدق, كل بدعة تحرم الإنسان من السنة مثلها, لأن كل بدعة يقابلها سنة, فإذا كانت فعلية صارت السنة ترك هذا الفعل, وحينئذٍ يهدم من السنة ما يقابل البدعة, فعلى طلبة العلم أن يبينوا هذا للناس وأن يقولوا: إن حقيقة المحبة ثمرتها حقيقة الاتباع.
نسأل الله أن يهدي إخواننا المسلمين إلى ابتاع السنة وطرح البدعة, وأن يفتح القلوب لذكر الله عز وجل, والاطمئنان به, إنه على كل شيء قدير.(210/4)
الأسئلة(210/5)
حكم من اشترى مؤجلاً فباعه مؤجلاً لمدة أطول وبزيادة ثمن
السؤال
أوصاني أحد الأشخاص أن أسألكم بهذا السؤال: ما رأي الشرع في نظركم بمن يستدين سيارة بأربعين ألفاً لمدة سنة, ثم يدينها بستين ألفاً لمدة سنتين؟
الجواب
لا بأس بذلك, بشرط أنه يكون قد قبض السيارة في العقد الأول وحازها إلى رحله ثم يبيعها, لكن كما تعلم أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: كل إنسان يشتري السلعة بثمن مؤجل وقصده الدراهم لا السلعة فهو واقع في الربا, وأن هذا من العينة التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم.(210/6)
حكم تخصيص خطبة الجمعة لذكر حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم مولده
السؤال
هل الاحتفالات وإلقاء المحاضرات عن النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر من البدع؟
الجواب
لا, يقول: إذا خطب الخطيب خطبة الجمعة وذكر فيها مبدأ بعث الرسول عليه الصلاة والسلام وشيئاً من حياته، هل يعتبر بدعة؟ الجواب: لا.
لماذا؟ لأن هذه خطبة الجمعة موجودة وثابتة من قبل, أما أن يحدث محاضرة في نفس اليوم فهذا من وسائل البدعة, بالنسبة للعام هذا لا توافق الجمعة الثاني عشر, الجمعة هي الحادي عشر, فعلى كل حال إذا كان أصل الخطبة مشروعة كخطبة الجمعة وذكر فيها الإنسان بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام فلا بأس؛ لأن هذا ذكر تاريخ لحياته بمناسبة مبعثه عليه الصلاة والسلام ومولده, أما أن يحدث محاضرة في هذه الأيام فهذا من البدع, فإن لم يكن من البدع فهو حجة لأهل البدع.(210/7)
الواجب على أهل العلم تجاه المناطق التي تحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم
السؤال
هناك أناس في مناطق معروفة فيها الاحتفالات بالمولد وهذه موجودة عندهم, فلو أن هناك تركيزاً بالمحاضرات على هذه المناطق؟
الجواب
الحمد لله! بالنسبة للمملكة لا أعلم أن هذا يقام بصفة علنية, يمكن أن بعض الناس الجهال يقيمونه في بيوتهم, ومع ذلك ينبغي لأهل العلم أن يبينوا في البلاد التي يكثر فيها هذا ولو خفية أن هذا بدعة وأنه لا يزيده من الله إلا بعداً.(210/8)
حكم الاستدلال بفعل عمر حين جمع الناس لصلاة التراويح على مشروعية المولد
السؤال
يقول هؤلاء الذين يحتفلون بمولده صلى الله عليه وسلم: إن في ذلك أصلاً: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها) ويقولون أيضاً: إن عمر بن الخطاب سن سنة صلاة التراويح, فكيف نرد على هؤلاء؟
الجواب
نقول: صدقوا: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) , لكن: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) , ولهذا قال الرسول: (من سن في الإسلام سنة حسنة) والمراد بقول: (من سن سنة حسنة) أحد أمرين: 1- إما أن يكون المعنى من ابتدر العمل بها, كما يدل على ذلك سبب الحديث.
2- وإما أن المعنى من أحياها بعد أن ماتت, وليس المعنى أن ينشئ عبادة من جديد, هذا لا يمكن.
لأن سبب هذا الحديث: أن الرسول عليه الصلاة والسلام حث على الصدقة فأتى رجل من الأنصار بصرة قد أثقلت يده, ووضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) , ولا يمكن أن تكون البدعة حسنة أبداً, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل بدعة ضلالة) .
أما بالنسبة لفعل عمر , فـ عمر ما ابتدع صلاة الجماعة في القيام أبداً, أول من سن الجماعة في قيام رمضان النبي صلى الله عليه وسلم, صلّى بأصحابه ثلاث ليالٍ, ثم تخلف في الرابعة، وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها) ثم تركت وهجرت في أيام أبي بكر رضي الله عنه, في زمان عمر خرج ذات يوم ووجد الناس يصلون أوزاعاً, يصلي الرجل مع الرجل والرجل مع الرجلين, متفرقون, فقال: لو جمعتهم على إمام واحد, فأمر تميماً الداري وأبي بن كعب أن يقوما للناس على إمام واحد, فيكون عمر لم يحدث هذه البدعة ولكنه أحياها بعد أن تركت.
السائل: هل هذا الحديث صحيح.
الشيخ: صحيح, ثابت في الموطأ بأصح إسناد.(210/9)
تذكير المسلمين بما يجب عليهم في عامهم الجديد
السؤال
ما حكم من يذكر أو يخطب رأس كل عام المسلمين بأن يتذكروا وينظروا ماذا عملوا في العام المنصرم؟
الجواب
نعم.
لا بأس, فلو ذكرهم في آخر العام بما حصل منهم من تقصير أو غيره ليتوبوا إلى الله فلا بأس, لكن لا يتخذها سنة راتبة.(210/10)
معنى قول عمر: (نعمت البدعة هذه)
السؤال
ما معنى قول عمر: [نعمت البدعة هذه] ؟
الجواب
بدعة نسبية, لأنها تركت وهجرت ونسيت، فلما أعادها من جديد صارت بدعة نسبية.(210/11)
بيان أول من أحدث بدعة المولد
السؤال
من هم أول من أحدثوا هذه البدعة (بدعة المولد) وما هي مسوغاتهم؟ وكيف جاءت؟
الجواب
أول من أحدثها الفاطميون في مصر في القرن الرابع الهجري, في القرن السابع أحدثها ملك أربل في العراق , ثم انتشرت في المسلمين, وسببها كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: سببها إما محبة الرسول عليه الصلاة والسلام, فظنوا أن هذا من مقتضى المحبة, وإما مضاهاة للنصارى, لأن النصارى يقيمون عيداً لمولد المسيح عليه الصلاة والسلام, وأياً كان السبب فكل بدعة ضلالة.(210/12)
حكم من يوصي بغير المال
السؤال
إذا أراد الإنسان أن يجعل وصية خاصة لكل شخص كأن يجعل لوالدته وصية بما يجب عليها, ويوصي لكل شخص بعينه, كأن يوصي خاله بتقوى الله عز وجل, والأمور التي كان يقع فيها خطأ, وبعد وفاته توزع على كل شخص كابن خاله وأصدقائه؟
الجواب
الوصية التي أرادها الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله: (ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) هي ما يتعلق بالمال, أما ما يتعلق بتوجيه الناس إلى الخير, فهذه تكتب في منشورات ومؤلفات وتوزع في حياة الإنسان وبعد مماته.(210/13)
السنة المتروكة في مقابل فعل المولد
السؤال
ذكرت أنه ما أحدثت بدعة إلا وترك من السنة مثلها كما قال أحد السلف , فما هي السنة المتروكة بسبب ابتداع بدعة المولد؟
الجواب
السنة المتروكة هي تركها, ترك هذه البدعة, لأن السنة تكون بالترك وتكون بالفعل, إذا ترك الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً مع وجود سبب الفعل فلم يفعله فتركه سنة, فهنا نقول: أنتم أحدثتم بدعة وتركتم سنة, والسنة هنا ترك هذه البدعة.(210/14)
بيان أن الباطل مردود من أي إنسان كان
السؤال
بعض طلبة العلم الشرعي في المملكة العربية السعودية يجيزون هذه البدعة, فيغتر الناس بهم، وعندما تقول للطلبة الذين يحضرون لهذا الشيخ: إن هذه بدعة، يقولون: نحن نأخذ الحق من الشيخ أما الباطل فنرده, ويستدلون بقصة أبي هريرة مع الشيطان لما صدق الشيطان, قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (صدقك وهو كذوب) فيستدلون بهذا الحديث, فيذهبون للشيخ ويأخذون منه العلم, فالشيخ مع أدلته وبراهينه التي يضربها لهم يقتنعون بهذا الأمر؟
الجواب
نحن نقول: هؤلاء كقول من يقول: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف:22] ، وقول من يقول: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب:67] هم يشبهونهم وإن لم يكونوا منهم, لأن الفرق بَيّن بَيْنَ هذا وهذا, لكن يشبهونهم فالمبدأ واحد, فنقول: أي شيء يأتي به شيخهم الذي يدعون أنه على حق, فنحن بحول الله متصدون لرده, ولو لم يكن هذا -يا إخواني! - لشيء واضح, هل هذه عبادة أم غير عبادة؟ هم يدعون أنها عبادة يتقربون إلى الله بها, نقول: أين الرسول؟ وأين الصحابة؟ وأين التابعون؟ وأين تابعو التابعين عن هذا؟ وسبق أن قلنا: هؤلاء إما أنهم جهال, وإما أنهم كاتمون للحق, وإما مستكبرون عن الحق, كل هذا لا يمكن.
وقصة أبي هريرة تدل على أن الحق مقبول من أي إنسان, ونقول: والباطل مردود من أي إنسان.(210/15)
حكم من يسافر مدة طويلة ويترك أبويه
السؤال
لكل أحد منا يكون له أب أو أم على قيد الحياة, فلا يستطيع رؤيتهم وزيارتهم إلا بعد فترات طويلة، هل يأثم الإنسان بهذا؟
الجواب
هذا يقول: إنه يغيب عن والديه في سفر لحاجته الضرورية الدنيوية أو العلمية, فهل يجوز وله والدان؟ الجواب: إذا كان الوالدان لا ضرورة لوجوده بينهما فلا بأس أن يغيب عنهما مدة طويلة, ولكن في هذه الغيبة يجب أن يواصلهم, والاتصالات الآن -والحمد لله- متيسرة, هناك الهاتف والبريد والبرق متيسر.(210/16)
الوسائل المعينة على تدبر كتاب الله تعالى
السؤال
كيف نتدبر كتاب الله عز وجل؟ وما هي الأسباب التي تعين على التدبر؟
الجواب
التدبر معناه: أن الإنسان يفكر في معناه, فيردد ما يكون في ذهنه من المعاني حتى يصل إلى النتيجة, وسببه سهل: القرآن الآن بين يديك مفتوح اقرأ آية أو آيتين وتأمل ما معناها؟ ما المراد بهما؟ لماذا ذكر الله ذلك حسب علمك, فإن لم تعلم شيئاً فاسأل العلماء, أو راجع كتب التفسير الموثوقة, الآن لو أن إنساناً أعطي كتاب حساب وطولب بفهمه، أليس يردد عبارات الكتاب أم لا؟ يرددها ليفهمها, فإذا لم يفهم رجع لأهل العلم بذلك.(210/17)
الواجب نحو من يعمل ويدعو الناس للاحتفال بالمولد
السؤال
أحد الخطباء في الجمعة الماضية بين للناس بعد الخطبة أنهم يتأهبون للاستعداد بالاحتفال بهذه البدعة في إحدى الولايات المجاورة في دولتنا, فما واجبنا نحوهم, ونحن غرباء على تلك المنطقة؟
الجواب
إذا كان يمكن أن تقوم لله ببيان أن هذا ليس بحق, والحمد لله دليل أن الاحتفال بالمولد بدعة سهل جداً, لأنه يمكنك وبكل سهولة أن تقول: يا أخي! هل الرسول فعله؟ هل الخلفاء فعلوه؟ هل الصحابة فعلوه؟ هل التابعون فعلوه؟ هل الأئمة الأربعة فعلوه؟ إن قال: نعم.
قل: هات الدليل.
(لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال من دماء القوم وأموالهم) هات الدليل، إذا قال: ليس عندي دليل لكن الناس كلهم يعملون به، قل: عمل الناس ليس بدليل، وكم من بدعة مشوا عليها وهي بدعة, إذا لم يكن هناك دليل، لا فعله الرسول ولا الخلفاء ولا الصحابة ولا التابعون ولا الأئمة فهو باطل قطعاً, لأنه ما الذي جعلهم لا يعملون به ولا يدلون الناس عليه, أهم جاهلون أم مستكبرون؟ وأنت إذا قلت هكذا أبطلتها من أصلها.(210/18)
حكم المناهج الدراسية التي تخالف الشرع وبيان حال أصحاب الكبائر يوم القيامة
السؤال
المناهج الدراسية يأتون فيها بأحاديث ضعيفة, والأدهى من ذلك والأمر يأتون بقضايا تمس العقيدة خاصة في قضية الخلود في النار, فما موقفنا نحن؟ هذا هو منهج الدولة عندما نخالفهم، أليس في ذلك مخالفة لقوانين الوزارة أو الدولة؟
الجواب
المقررات عندكم في بلدكم فيها أشياء مخالفة للصواب يجب أن تبين ويقال للطلبة: هذا ما في الكتاب وهذا ما قررته الوزارة ولكن الحق خلاف ذلك ويبين الحق.
ومسألة الخلود في النار معروفة لا يقول أحد بخلود أصحاب الكبائر إلا طائفتان مبتدعتان؛ إحداهما: الخوارج والثانية المعتزلة , لكن المعتزلة يقولون: إنه مخلد في النار ولكنه ليس بكافر, بل إنه في منزلة بين منزلتين, لا هو مسلم ولا كافر, والخوارج يصرحون بأنه كافر وأنه حلال الدم والمال, وكلاهما قد خالفا الصواب, كما أن الذين يقابلونهم من المرجئة ويحملون آيات وأحاديث الوعيد على من استحل ذلك أو على الكافر أيضاً جانبوا الصواب, والصواب: أن أصحاب الكبائر تحت مشيئة الله عز وجل؛ لأن الله قال في آيتين من كتابه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ذكرها الله في سورة النساء مرتين.(210/19)
حكم عدم بيان الحق للضرورة ثم بيانه بعد ذلك
السائل: إذا كان هناك زائر مع المعلم موجه وهو خارجي من الخوارج ومعتقده فاسد, ما موقفنا نحن؟
الجواب
من الممكن إذا كان يخشى أنه إذا بين الحق فصلوه, أن يقرر ما في الكتاب عند حضور الموجه، ويقول: قال صاحب الكتاب كذا وكذا ينسبه للكتاب, ثم في غيبة الموجه له أن يتكلم بالحق.(210/20)
كيفية الجمع بين حفظ كتاب الله وطلب العلم والدعوة
السؤال
كيف يمكن الجمع بين حفظ كتاب الله وطلب العلم والدعوة؟
الجواب
كل هذه بعضها من بعض, لا تتنافى, لكن ما دام الإنسان في الصغر فالحفظ أولى, لأن الصغير سريع الحفظ قليل النسيان, وليس عليه مسئوليات كبيرة, ثم كلما كبر يتوسع في مسائل العلم, وفي الدعوة إلى الله عز وجل.(210/21)
حكم من حلف بقوله: (سقط عليك جاه الله ألا تفعل كذا وكذا)
السؤال
نحن شباب من سلطنة عمان وبحاجة إلى دعائكم الخاص لنا, والسؤال يقول: امرأة أقسمت على زوجها بهذه الصيغة وهي: (سقط عليك جاه الله ألا تفعل كذا وكذا) فهل هذا يعتبر قسماً؟ وما الحكم إذا خالف الزوج أمرها؟
الجواب
هذا لا يحل, هذا استشفاع بالله إلى هذا الزوج ولا يحل, لأن الشافع دون منزلة المشفوع عنده, ولا يحل أن تجعل الله تعالى شفيعاً إلى خلقه, لأنه أعظم من أن يكون شفيعاً إلى خلقه, فالقسم هذا باطل ولا يترتب عليه شيء، إلا أن على المرأة ومن اعتاد هذا أن يتوب إلى الله ولا يعود إلى ذلك.(210/22)
حكم استقبال القبلة لقارئ القرآن
السؤال
هل يسن استقبال القبلة لقارئ القرآن؟
الجواب
لا أعلم في هذا سنة أن الإنسان إذا أراد قراءة القرآن أن يستقبل القبلة, لكن بعض أهل العلم رحمهم الله قالوا: إن كل عبادة الأفضل فيها استقبال القبلة إلا ما دل الدليل على خلافه, وجعلوا إذا توضأ استقبل القبلة, وإذا جلس يذكر الله يستقبل القبلة, كل عبادة يستقبل القبلة إلا ما دل الدليل على خلافه, لكن هذا يحتاج إلى دليل واضح, والعبادات ليس فيها قياس, فالصواب ألا يتحرى الإنسان استقبال القبلة ولا يتعمد تركها, يقرأ حيث ما كان, وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يتكئ في حجر عائشة رضي الله عنها ويقرأ القرآن, ولم يرد أنه كان يتقصد استقبال القبلة, ولا حث أمته على استقبال القبلة عند قراءة القرآن فيما أعلم.(210/23)
حكم من استدل على جواز المولد بالاحتفالات العامة
السؤال
المبتدعة هؤلاء الذين يقولون: أنتم تحيون بعض الذكرى للأشخاص، أو مثلاً ما حصل من الأسبوع للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه, فيقولون: عملنا مشابه لهذا الشيء والرسول عليه الصلاة والسلام أعظم من الإمام محمد؟
الجواب
رسول الله أعظم من كل بشر, لكن إحياء ذكرى الرسول ليست خاصة بهذه الليلة, ذكرت لكم آنفاً أن كل عبادة فيها إحياء ذكرى الرسول عليه الصلاة والسلام, هذا من جهة.
من جهة أخرى: أسبوع محمد بن عبد الوهاب , هل جعل عيداً يتكرر؟ نقول: ما جعل عيداً, أنتم تجعلون هذا عيداً يتكرر والعيد هو الشيء الذي يعود ويتكرر, تجعلون هذا عيداً يتكرر في كل سنة وهذا المنكر, ولهذا لو أن أحداً في يوم من الأيام قام يتحدث عن بعث الرسول عليه الصلاة والسلام وعن زيارته ما قلنا: إنه مبتدع, لكن أن نجعل هذا عيداً يتكرر كل سنة كالأعياد الشرعية كعيد الفطر وعيد الأضحى هذا هو المنكر, وعلى فرض أن أسبوع محمد بن عبد الوهاب غلط, هل نقيس الغلط بالغلط؟ لا نقيس.
السائل: لو قال قائلهم: إن هذا ليس تعبداً؟ الجواب: ماذا يقصدون؟ السائل: ذكرى.
الجواب: يقصدون الجلوس كأصحاب الفن الذين يغنون, يقولون: نحن نحب الرسول, محبة الرسول هل هي دين أم غير دين؟ دين وعبادة.(210/24)
حكم شراء السيارات بنظام التقسيط
السؤال
ما حكم شراء السيارة بنظام التقسيط, أن يقسط اثنين وأربعين شهراً كنظام التأجير؟
الجواب
قل لي ما حكم التأجير المنتهي بالتمليك، هذه المسألة فيها بحث الآن عند هيئة كبار العلماء في السعودية , وظني أنهم سوف يصدرون فيها فتوى ويمشون عليها, أنت الآن لا تستعملها انتظر الفتوى وستخرج قريباً إن شاء الله.(210/25)
حكم إخراج زكاة الذهب للزوج
السؤال
هناك امرأة أخرجت زكاة ذهبها وهي كانت ناوية أن تتصدق به على زوجها, وبعد أن أخرجت الزكاة وكان المبلغ عندها ما أعطته الزوج بل اقتطعت منه جزءاً بسيطاً ظناً منها ما دام أن الزوج يلزمه نفقتها أن هذا من النفقة الواجبة على الزوج, وهي كانت مخبرة زوجها أنها تريد أن تخرج زكاة الذهب وتعطيه إياه؟
الجواب
لا يجوز, أولاً: بعض العلماء يقول: إن المرأة لا يجوز أن تدفع زكاتها لزوجها مطلقاً, سواء كان فقيراً أو غارماً, والصحيح أنه يجوز أن تدفع زكاتها لزوجها إذا كان غارماً يريد أن يقضي دينه أو كان فقيراً, لكن لا يجوز أن تقتطع منها قبل أن تسلمه إياها ما يقابل نفقتها, تعطيه إياه ويتصرف بها كما شاء.(210/26)
حكم من حضر مولداً من أهل العلم
السؤال
الاحتفالات بالمولد تقام في تلك البلاد البعيدة فيراها أهلها ويسمعون بها دون أن تبث إلى الدول الأخرى, لكنها الآن تنقل بالفضائيات إلى الدول فيراها أبنائنا في البيوت فيحضرها المفتون في تلك البلاد والزعماء, فكيف يكون التصرف؟ الشيخ: ماذا أصنع؟ السائل: ما تعليقك على هذا؟
الجواب
تعليقي على هذا أنه خطأ, وهؤلاء العلماء إذا كانوا يعلمون أن ذلك بدعة فهم آثمون والعياذ بالله, والواجب عليهم أن يبينوا للناس أن هذه بدعة وألا يحضروها, لكني أقول بهذه المناسبة: العلماء ثلاثة أقسام: عالم دولة, وعالم أمة, وعالم ملة.
عالم الدولة: الذي ينظر ماذا تريد الدولة فيفتيهم مباشرة, ينظر ماذا يقول الرئيس أو الوزير وما أشبه ذلك, ما أحله الرئيس فهو حلال, وما حرمه فهو حرام, هذا عالم الدولة.
عالم أمة: هو الذي يتبع ما ترتاح له العامة, وإن كان خلاف الحق عنده, هذا عالم لكن يتبع الأمة وهذا كالأول, آثم وعلمه وبال عليه.
الثالث: عالم ملة, لا يبالي بالدولة ولا بالعامة يفتي بما دل عليه الكتاب والسنة, سخط الناس أم رضوا, هذا هو العالم حقيقة, وهذا هو العالم الرباني, والواجب على كل عالم بشريعة الله أن يكون عالم ملة, ولا يبالي بالناس، هو سوف يخرج من الدنيا بكفنه وحنوطه فقط, والناس لا يغنون عنه شيئاً: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ} [البقرة:166] {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب:67] لو كان عالم أمة وحظي عند العامة فهذا بموته يزول كل شيء, لكن إذا كان عالم ملة رفع الله ذكره في الدنيا وبعد مماته, وحصل في علمه بركة، فلذلك أرجو من إخواني طلاب العلم أن يكونوا من هذا النوع؛ من علماء الملة, ليبينوا الحق كما أمرهم الله بذلك وأخذ عليهم الميثاق: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] وهذا كما يشمل اليهود والنصارى يشمل من أوتي الكتاب من هذه الأمة: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] .(210/27)
حكم حضور خطب ومواعظ من يقوم ببدعة المولد
السؤال
بالنسبة للخطباء والوعاظ الذين لديهم مثل هذه البدع وما شابهها, هل يجوز السماع لمواعظهم وخاصة إذا كانت جيدة وليس فيها بأس أو حث الناس على الموعظة الطيبة؟
الجواب
الحمد لله! الحق لا يقتصر على مواعظهم, ولا على خطبهم, فإذا كان ذهابك إلى مواعظهم وخطبهم يوجب اغترار الناس بهم لأنك ذهبت, فلا تذهب, ما عندهم من خير موجود في موضع آخر, أما إذا كنت تذهب من أجل أن ترد عليهم خطأهم فهذا أفضل.(210/28)
أيهما أفضل: الحفظ أم الفهم؟
السؤال
قد يجد طالب العلم المبتدئ صعوبة في طلب الحفظ فما نصيحتك لهذا؟
الجواب
أرى أن طالب العلم المبتدئ يحرص على حفظ المتون, لأنه كما قلت: الصغير لا ينسى, وحفظ المتون هو العلم، ولا تعتبروا بقول من قال: العلم هو الفهم، هذا غلط, نحن لم ينفعنا الله عز وجل إلا بما حفظناه من قبل في حال الصغر, نستحضر العبارات التي كنا نحفظها من قديم, ولذلك تجد الذين يعتمدون على مجرد الفهم ليس عندهم علم, لأنهم لا يرتكزون على شيء.(210/29)
حكم من يقول: المولد جائز بشروط
السؤال
بعض من يروج بدعة المولد يقولون: إن المولد جائز لكن بشروط وقيود, منها: أن يبعد عن الشعر الشركي وغير ذلك؟
الجواب
أولاً: نقول: أين الدليل على أن أصله ثابت سواء بشروط أو غير شروط؟ ثم هل هذه الشروط تطبق بحسب الواقع؟! لا.
سمعنا عن بعضهم أنهم في غمرة الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يقومون قيام رجل واحد, ويقولون: جاء حضرة النبي!! فالمهم ما دامت بدعة فلا تجوز بأي حال من الأحوال, وعليكم أنتم يا طلبة العلم! أن تبينوا للناس, لكن بالأسلوب اللين, وتكونوا -يا جماعة! - عليكم بالشيء الثابت والوارد, أكثروا من الصلاة والسلام على الرسول عليه الصلاة والسلام, أكثروا من ذكر الله, انشروا في الناس خصال النبي عليه الصلاة والسلام في بقية العام ليس في هذه الليلة.(210/30)
حكم الأناشيد الجماعية في الموالد
السؤال
ما حكم الأناشيد وخصوصاً الجماعية في الموالد؟
الجواب
ما هي الأناشيد؟ ما موضوعها؟ ربما يكون فيها غلو في الرسول عليه الصلاة والسلام, أنا أقول: المولد بأناشيده وغيرها كلها حرام لا يجوز.
وإلى هناك ينتهي هذا اللقاء, نسأل الله تعالى أن يبارك لنا ولكم فيه.(210/31)
لقاء الباب المفتوح [211]
كانت الآية الخامسة من سورة الحديد هي موضوع هذا اللقاء الذي بين فيه الشيخ معاني كلمات هذه الآية، مبيناً التعجيز في إيلاج الله الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل، داعياً إلى تصفية القلوب من الرياء والنفاق والغل على المسلمين؛ لأن الله عليم بذات الصدور.(211/1)
تفسير آيات من سورة الحديد
الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي عشر بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى: (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السابع عشر من شهر ربيع الأول عام (1420هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدنا أن نبدأ به وهو التفسير, على ما ييسره الله عز وجل, لأن علم التفسير أشرف العلوم؛ لأنه يتعلق بأعظم كتاب وهو القرآن الكريم, والعلم يشرف بشرف المعلوم, وكان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل, قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً, فينبغي لطالب العلم أن يعتني بالتفسير, ويفهم كتاب الله عز وجل ليعمل به, لأنه لا يمكن العمل إلا بعد معرفة المانع, والعمل بالقرآن واجب, فيجب علينا أن نعرف معناه, فوصيتي لطلاب العلم أن يعتنوا بتفسير كتاب الله عز وجل عناية تامة, وإذا أمكن أن يحفظوه فهو أكمل وأفضل.(211/2)
تفسير قوله تعالى: (له ملك السماوات والأرض)
آخر آية قرأناها هي قول الله تبارك تعالى: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:5] (له) أي: لله تعالى وحده, (مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) خلقاً وتدبيراً, فلا يملك السماوات والأرض أحد إلا الله عز وجل, لا استقلالاً ولا مشاركة, قال الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} [سبأ:22] فنفى الاستقلال ونفى المشاركة: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} [سبأ:22] أي: ما لله منهم، (من ظهير) أي: من مساعد ساعده على خلق السماوات والأرض, فله ملك السماوات والأرض, نعلم أن عددها سبع، قال تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [المؤمنون:86] الأرضين عددها سبع, كما جاء ذلك ظاهراً في القرآن وصريحاً في السنة, قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12] أي: في العدد, وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله به يوم القيامة من سبع أرضين) .
قال تعالى: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [الحديد:5] كل الأمور، أي: الشئون العامة والخاصة, الدينية والدنيوية والأخروية, كلها ترجع إلى الله عز وجل, يتصرف بما شاء ويحكم بما شاء, ولا معقب لحكمه عز وجل, هل أمور الإنسان الخاصة ترجع إلى الله؟
الجواب
نعم.
ترجع إلى الله, ولذلك يجب عليك إذا ألمت بك ملمة أن ترجع إلى الله عز وجل, لأن المشركين -وهم المشركون- إذا ألمت بهم الملمات التي يعجزون عنها يلجئون إلى الله عز وجل, إذا عصفت بهم الرياح في البحار وهم على السفن لمن يلجئون؟ إلى الله عز وجل, يسألونه أن ينجيهم وهم مشركون, فكيف بك أنت أيها المسلم؟! الجأ إلى الله في كل شيء, صغير أو كبير, ديني أو دنيوي, خاصة بك أو بأهلك, لا تلجأ إلى غير الله, فمن أنزل حاجته بالله قضيت, ومن أنزل حاجته بغير الله وكل إليه.
إذاً: نقول: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [الحديد:5] أَيّ أمور؟ كل الأمور, الأمور العامة, الأمور الدينية والدنيوية والأخروية, والخاصة والعامة, وإذا آمنت بهذا ويجب أن تؤمن به صرت لا تلجأ إلا إلى الله عز وجل.(211/3)
تفسير قوله تعالى: (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل)
قال تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحديد:6] (يولج) : أي يدخل الليل في النهار, و (يولج النهار) أي: يدخله في الليل, وهذا يعني اختلاف الليل والنهار في الطول والقصر, أحياناً يبدأ الليل في الزيادة -كما في أوقاتنا الآن؛ فيدخل على النهار، هذا يولج الليل في النهار, أحياناً يبدأ الليل ينقص ويزيد النهار, فيدخل النهار على الليل, لا أحد يقدر على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى, لو اجتمع الخلق كلهم، إنسهم وجنهم، البشر والملائكة، ما استطاعوا أن يولجوا دقيقة واحدة من الليل في النهار أو من النهار في الليل, والله عز وجل يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل.
ثم هذا الإيلاج ليس يأتي دفعة واحدة, فلا يمكن أن تقول: أقصر ليلة في أطول ليلة في يومين! لا يمكن, ولكنه يأتي تدريجياً شيئاً فشيئاً, أول ما يبدأ بزيادة تجده يأخذ قليلاً, في اليومين أو الثلاثة دقيقة واحدة, ثم يزداد يزداد حتى يكون عند تساوي الليل والنهار يأخذ حوالي دقيقتين في اليوم تدريجياً, أرأيتم لو جاء دفعة واحدة, كنا مثلاً في أطول يوم في السنة وإذا بنا في اليوم الثاني إلى أقصر يوم في السنة, ماذا يترتب عليه؟ مفاسد عظيمة, لأن الناس سينقلبون من حر مزعج إلى برد مؤلم في خلال أربع وعشرين ساعة, وهذا لا شك مضر للأبدان والنبات والجو, لكنه عز وجل يولجه على تنظيم, موافق للحكمة تماماً, ولا أحد -والله- يستطيع أن يفعل هذا أبداً, ومهما بلغ من القوة.
{وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الحديد:6] (ذات الصدور) هي: القلوب, (ذات الصدور) أي: صاحبة الصدور وهي: القلوب, والدليل أنها القلوب: قول الله تبارك وتعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] إذاً: هو عليم بما في القلب, هل تصدق بذلك؟ نعم.
تصدق, لأن الخبر خبر الله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:122] إذا كنت تصدق بذلك، فهل يمكن أن تضمر في قلبك ما لا يرضاه الله؟ إن كنت مؤمناً لا يمكن, طهّر قلبك من الرياء والنفاق والغل على المسلمين, والحقد, والبغضاء, طهره لأن قلبك معلوم عند الله عز وجل -اللهم طهر قلوبنا- طهر قلبك من هذا, املأه محبة لله وتعظيماً, ومحبة للرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيماً كما يليق به, ومحبة للمؤمنين, ومحبة لشريعة الله وإن كرهتها, قال الله عز وجل للصحابة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216] .
لا تضمر في هذا القلب المضغة شيئاً يكرهه الله, إن فعلت فإن الله عليم به لا يخفى عليه, فطهر قلبك حتى يكون نقياً سليماً, لأنه لا ينفع يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم, كما قال عز وجل: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89] .
وتغيرات القلب تغيرات سريعة وعجيبة, ربما ينتقل من كفر إلى إيمان أو من إيمان إلى كفر في لحظة -نسأل الله الثبات- تغير القلب يكون على حسب ما يحيط بالإنسان, وأكثر ما يوجب تغير القلب إلى فساد حب الدنيا, حب الدنيا هذه آفة, والعجب أننا متعلقون بها, ونحن نعلم أنها متاع الغرور, وأن الإنسان إذا سر يوماً وسيء يوماً آخر, كما قال الشاعر:
فيوم لنا ويوم علينا ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرّ
كل لذة في الدنيا فهي محوطة بمنغص، لذلك احرص على تطهير القلب من التعلق بالقلب, إلا ما ينفعك في الآخرة كأن تتعلق بالدنيا لتصبح غنياً تنفق مالك في سبيل الله, وفيما يرضي الله عز وجل فهذا شيء آخر, طلب المال للأعمال الصالحة خير, لكن طلب المال لمزاحمة أهل الدنيا في دنياهم هذا شر.(211/4)
الأسئلة(211/5)
حكم إيجاد قنوات إسلامية وحكم شراء الدش بحجة مشاهدة القنوات الإسلامية
السؤال
البعض من الإخوة يرى أن وجود قناة شرعية تزاحم تلك القنوات الهابطة التي تبث عن طريق الدش تسوغ اقتناءه, أرجو بيان ما يراه فضيلة الشيخ تجاه ذلك؟
الجواب
الذي أرى أن يوجد قناة إسلامية يتكلم بها علماء راسخون في العلم, أهل عقيدة سليمة, ويبينون الحق دون مهاترات أو منازعات أو سبٍ للآخرين, فهذه إذا وجدت نفع الله بها, وأرجو الله عز وجل أن يحقق هذا, لأن بقاء الناس لا يشاهدون إلا ما ينشر في هذه الفضائيات المدمرة ضرر عظيم, لكن إذا وجدت قناة إسلامية يتكلم فيها علماء راسخون في العلم أقوياء في بيان الحق, فلكل سلعة مشترٍ, أهل الباطل يذهبون للباطل, وأهل الخير يذهبون إلى الخير.
وإذا كانت القناة الإسلامية هذه مشيقة في العرض، في طرح المسائل، وفي الإجابة عن الإشكالات سوف ينصرف إليها أناس كثيرون حتى ممن لا يريدون هذا, فأسأل الله أن يحقق هذا عن قريب حتى يشتغل الناس به عن مشاهدة القنوات الفضائية الفاسدة المفسدة.
السائل: يكون هذا مسوغاً لمن لم يحصل على الدش أن يشتري الدش بحجة هذا؟ الجواب: نعم يشتري الدش بهذه الحجة, أليس الآن عندنا إذاعة القرآن كلها سليمة, وأناس عندهم راديو وما يستمعون إلا إلى إذاعة القرآن, وما دام عندنا مصلحة محققة فالأوهام هذه مطرحة ولا عبرة بها.(211/6)
حكم هجر من ترك الصلاة
السؤال
بعض الشباب -هدانا الله وإياهم- يتهاونون في الصلاة تهاوناً عظيماً, لدرجة تصل إلى تركها بالكلية, وهؤلاء الشباب قد يكونون أقارب لنا مثل: الإخوان وغير ذلك, وبعضهم أصدقاء, فكيف التعامل معهم في نظركم: هل نقاطعهم مقاطعة شرعية أم ماذا؟
الجواب
لا شك أن التهاون بالصلاة سبب الشقاء والبلاء؛ لأن الصلاة إذا صلحت صلحَت الأعمال, وإذا فسدت فسدت الأعمال, فهي للأعمال بمنزلة القلب, ولهذا عند الحساب يوم القيامة أول ما ينظر في الصلاة, إن كان قد أضاعها هو لما سواها أضيع, وإن كان قد حافظ عليها ينظر في بقية أعماله, والصلاة عمود الدين إذا سقطت سقط البناء, ولقد قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً} [مريم:59-60] .
هؤلاء الذين يتهاونون في الصلاة من الآباء والأبناء والإخوان، والأعمام والعمات والخالات وغيرهم من الأقارب, أو من الأصحاب أو من الجيران, يجب علينا أن ننصحهم ونحذرهم ونبين لهم ما في الصلاة من الخير والأجر العظيم, والآثار الحميدة, وما في تركها وإضاعتها من الشر والبلاء, فإن اهتدوا فهذا المطلوب, وإن لم يهتدوا نظرنا: هل في هجرهم والبعد عنهم فائدة بحيث يخجلون فيستعتبون, أو هذا لا يزيد الأمر إلا شدة ونفوراً, إن كان الثاني فإننا لا نهجرهم, وإن كان الأول فإننا نهجرهم, أي: إذا هجرناهم خجلوا واستقاموا, فهنا نهجرهم حتى يستقيموا, وإن كان الهجر لا يفيد شيئاً بل لا يزيد الأمر إلا شدة وبعداً ونفوراً منا فلا نهجرهم, لأن الهجر دواء, والدواء متى يستعمل؟ يستعمل عند الحاجة وعند ظن النفع, إذا لم تظن النفع في الدواء فلا تستعمله, إلا إذا كانوا تركوا الصلاة بالكلية فهؤلاء مرتدون عن دين الإسلام, يجب هجرهم ومقاطعتهم وعدم الإنفاق عليهم إذا كنت تنفق عليهم حتى يرجعوا إلى الإسلام.
لاحظ أيهما أعظم الكافر الأصلي الذي لم يُسْلِمْ من الأصل, أم المرتد؟ المرتد أعظم, ولهذا الكافر يمكن أن نبقيه على دينه ونتركه, المرتد لا نبقيه على ردته, نقول: أسلم وصلِ وإلا قتلناك, فإذا كان لا يجوز إقراره على الحياة فلا يجوز صلته.(211/7)
حكم من شك في انتقاض وضوئه
السؤال
عندما أنتهي من الوضوء وأدخل في الصلاة فعند الركوع والسجود أحس بقطرة من البول تنزل, فما العمل؟ وما هو سلس البول؟
الجواب
إذا تيقنت مثل الشمس انتقض وضوءك ويجب عليك الانصراف وغسل ما حصل من البول, ثم إعادة الوضوء, أما إذا كان غلبك ظن (90%) أنه حصل هذا لا تلتفت له, أنا أظن والله أعلم أن الذين يبتلون بهذا يكون عندهم (50%) أنه خرج شيء, إذا كان (90%) أو (95%) لا يؤثر فما دونه من باب أولى, ما هو الدليل من أجل أن تطمئن, أن النبي صلى الله عليه وسلم شكي إليه أن الرجل يجد الشيء في صلاته ويشك هل أحدث أم لا؟ فقال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) أي: حتى يتيقن تيقناً ليس وهماً, فلا تلتفت لهذا, أيضاً لو كنت خارج الصلاة وأحسست لا تذهب تفتش, لأن مع تحريك الذكر للاطلاع يحصل شيء اتركه, نسأل الله أن يعافي إخواننا مما ابتلاهم به.(211/8)
حكم تارك الصلاة
السؤال
قضية الذين يتركون الصلاة بالكلية, هل تجري عليهم أحكام المرتدين مثل: البغض، والولاء والبراء ومثل هذه الأحكام؟
الجواب
الذي يترك الصلاة بالكلية يجب بغضه وكراهته, وإذا مات لا يجوز أن نقول: اللهم ارحمه, ولا يجوز أن ندفنه مع المسلمين، ولا أن نغسله ولا أن نكفنه, نخرج به في سيارة خارج البلد ونحفر له حفرة وليس قبراً ونرمسه فيها رمساً بثيابه, لأن هذا كافر, والكافر الأصلي له شيء من الحقوق, أما هذا فليس له حق ولا يجوز أن يبقى على الدنيا طرفة عين, ولا حرمة له، ويوم القيامة يحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف رءوس الكفر، والعياذ بالله.(211/9)
حكم تكليف الممسوس حين يصرع
السؤال
يوجد شخص قال لي: ثبت بالرقية الشرعية والاستقراء والمتابعة لحالته لأنه مصاب بالمس, أنه تحدث منه بعض الأقوال والأفعال الكفرية, والعياذ بالله كسب الله وسب رسول الله -نسأل الله السلامة- وعند مساءلته في حال صحوته ينفي أنه قد عمل ذلك ويعلم ذلك, ومثل هذا ما العمل تجاهه: هل يهجر أم يصبر عليه؟ وفي حال وفاته ما الأحكام الشرعية المتوجبة تجاهه؟
الجواب
هذا لا شيء عليه ولو ترك الصلاة؛ لأنه الآن لا يحس أنه ترك, فيعني هذا أن الجن أغموا عليه وحالوا بينه وبين الإرادة, فتركه لذلك كالمكره تماماً, فهو على إيمانه حكماً في الدنيا وإن شاء الله في الآخرة كذلك.(211/10)
حكم الذي يصلي أحياناً
السؤال
حكم من يصلي فترة وينقطع فترة؟
الجواب
الذي يصلي فترة وينقطع فترة على رأي شيخنا ابن باز رحمه الله كافر, لأنه يرى أن من ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها فهو كافر, وعلى ما نرى ليس بكافر لأن الحديث: (من تركها -أي: الصلاة-) ما قال: من ترك صلاة, وما ذهب إليه شيخنا رحمه الله قد ذهب إليه بعض السلف , وقال: الأصل أنه إذا ترك صلاة سيترك الباقي, ما الذي أدرانا أنه تركها نهائياً؟ فنحكم بالظاهر، نقول: متى ترك صلاة واحدة عمداً بلا عذر حتى خرج وقتها فهو كافر.
وبناء على ذلك يوجد -والعياذ بالله- أناس لا يصلون الفجر ويصلون البقية, لا يصلون الفجر لأنهم ينامون إلى أن يأتي وقت الدوام, وإذا قام غسل وجهه وأفطر ومشى, فعلى كل حال الواجب التناصح فيما بيننا, وأن نحذر من التهاون بالصلاة, لأن أمرها عظيم وخطأها جسيم, وما ابتلي الناس الآن بالمعاصي التي ظهرت والدعايات الباطلة، والدعوة إلى تحلل المرأة مثلاً إلا بسبب الذنوب, قال الله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة:49] .(211/11)
حكم مصافحة الأجنبيات وحكم الطعن فيمن ترك ذلك
السؤال
يوجد في بلدنا عادة وهو المصافحة باليد للنساء الأجنبيات, كزوجة الأخ أو زوجة العم أو الخال, وذلك عندما يقدم الرجل من سفره ونحوه, ويكثر هذا أيام الأعياد، وإذا امتنع الإنسان عن فعل هذا وصفوه بالتشدد والتعقيد, وربما التكبر أيضاً، فما رأيكم في هذا؟
الجواب
لا يجوز للمرأة أن تصافح إلا زوجها ومحارمها فقط, فلا تصافح أخا زوجها, لأنه ليس مَحْرَمَاً, ولا ابن خالها, ولا ابن عمها, ولا غيرهم ممن ليسوا من محارمها, وإذا امتنع الإنسان من ذلك فليبين أن هذا حرام, ويقول تطييب لقلوبهم: اسألوا العلماء, فإن أبوا أن يسألوا العلماء ووصفوه بالكبرياء أو ما أشبه ذلك فليصفوه بما شاءوا, ما دام على ما يرضي الله فلا يهمه أحد, أتدري بماذا وُصف الرسول عليه الصلاة والسلام؟ المجنون، والساح، والشاعر, والكاهن, والكذاب، وكل وصف, هل هذا منعه أن يقول الحق؟ لا.
بل هذا مما يضاعف الثواب به للإنسان, حيث يثاب بترك المحرم من وجه, وعلى ما يصيبه من أذىً من وجه آخر, وما أعظم الخطر على أولئك الذين يؤذون المتمسكين بالدين, لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب:58] .
دعهم يقولون ما شاءوا, والحق منصور ولو على المدى الطويل, يقول ابن القيم رحمه الله في النونية:
والحق منصور وممتحن فلا تعجب فهذي سنة الرحمن
إذاً: لا تصافح، وأعلن أن هذا حرام، وقل: يا جماعة! إن كنتم في شك فهؤلاء العلماء عندكم.(211/12)
حكم الانتخابات العامة والقبلية في الكويت
السؤال
ما حكم الانتخابات الموجودة في الكويت , علماً بأن أغلب من دخلها من الإسلاميين ورجال الدعوة فتنوا في دينهم؟ وأيضاً ما حكم الانتخابات الفرعية القبلية الموجودة فيها يا شيخ؟!
الجواب
أنا أرى أن الانتخابات واجبة, يجب أن نعين من نرى أن فيه خيراً, لأنه إذا تقاعس أهل الخير من يحل محلهم؟ أهل الشر, أو الناس السلبيون الذين ليس عندهم لا خير ولا شر, أتباع كل ناعق, فلابد أن نختار من نراه صالحاً فإذا قال قائل: اخترنا واحداً لكن أغلب المجلس على خلاف ذلك, نقول: لا بأس, هذا الواحد إذا جعل الله فيه بركة وألقى كلمة الحق في هذا المجلس سيكون لها تأثير ولابد, لكن ينقصنا الصدق مع الله, نعتمد على الأمور المادية الحسية ولا ننظر إلى كلمة الله عز وجل, ماذا تقول في موسى عليه السلام عندما طلب منه فرعون موعداً ليأتي بالسحرة كلهم, واعده موسى ضحى يوم الزينة -يوم الزينة هو: يوم العيد؛ لأن الناس يتزينون يوم العيد- في رابعة النهار وليس في الليل, في مكان مستوٍ, فاجتمع العالم، فقال لهم موسى عليه الصلاة والسلام: {وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه:61] كلمة واحدة صارت قنبلة, قال الله عز وجل: {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [طه:62] الفاء دالة على الترتيب والتعقيب والسببية, من وقت ما قال الكلمة هذه تنازعوا أمرهم بينهم, وإذا تنازع الناس فهو فشل, كما قال الله عز وجل: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال:46] {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} [طه:62] .
والنتيجة أن هؤلاء السحرة الذين جاءوا ليضادوا موسى صاروا معه, ألقوا سجداً لله, وأعلنوا: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [طه:70] وفرعون أمامهم, أثرت كلمة الحق من واحد أمام أمة عظيمة زعيمها أعتى حاكم.
فأقول: حتى لو فرض أن مجلس البرلمان ليس فيه إلا عدد قليل من أهل الحق والصواب سينفعون, لكن عليهم أن يصدقوا الله عز وجل, أما القول: إن البرلمان لا يجوز ولا مشاركة الفاسقين, ولا الجلوس معهم, هل نقول: نجلس لنوافقهم؟ نجلس معهم لنبين لهم الصواب.
بعض الإخوان من أهل العلم قالوا: لا تجوز المشاركة, لأن هذا الرجل المستقيم يجلس إلى الرجل المنحرف, هل هذا الرجل المستقيم جلس لينحرف أم ليقيم المعوج؟! نعم ليقيم المعوج, ويعدل منه, إذا لم ينجح هذه المرة نجح في المرة الثانية.
السائل:.
الانتخابات الفرعية القبلية يا شيخ! الجواب: كله واحد أبداً رشح من تراه خَيِّرَاً، وتوكل على الله.(211/13)
من كان فيه خصلة من النفاق: هل هو في الدرك الأسفل أم لا؟
السؤال
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:145] إذا كان فيه خصلة من النفاق يعتبر في الدرك الأسفل من النار؟
الجواب
المنافقون: هم الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر, هؤلاء هم الذين في الدرك الأسفل من النار, أما من فيه خصلة من النفاق فقد يعفو الله عنه, لأن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] فلا يكون في الدرك الأسفل من النار ولا في الدرك الأعلى.(211/14)
حكم أكل اللحم من بائع يتلفظ بالكفر وليس هو الذابح
السؤال
ما حكم الأكل من يد الجزار إذا كان يقطع اللحم, وأنا سمعته بأذني وهو يمازح صديقه بألفاظ كفرية, علماً بأن بعض الشعوب الإسلامية عندهم مثل هذا من سب الدين وغيره, فهل أرفض اللحم؟
الجواب
هل هو الذي ذبحها؟ السائل: لا.
الجواب: كُلْها.(211/15)
بيان الأفضل من الكتب لطالب العلم
السؤال
كما تعلمون هذه الأيام قد كثرت المؤلفات والمصنفات في جميع الفنون, فلو بينتم لنا أهم الكتب في جميع الفنون لطلب العلم, أفيدونا مأجورين؟
الجواب
أولاً: بارك الله فيك أنا لا أحيط بكل الفنون هذه واحدة, ولا أحيط بكل ما ألف في فن واحد, فإذا كان كذلك فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
ولكني أنصح نصيحة عامة: عليكم بكتب من سلف؛ كتب السابقين فإنها أبرك وأتقن وصادرة عن إيمان, وهم غير معصومين, المتأخرون حسب ما رأينا أكثر علومهم سطحية, ليس هناك علم راسخ, ولهذا لو أنك أخرجت هذا الدكتور العظيم الذي هو دكتور ألف واثنين ومائة وألف, لو أخرجته عن مساره وقع, هؤلاء سطحيون في أكثر ما يكتبون، نقول: وقد تكون غير محررة أو محرفة أيضاً من الأصل, لأنهم لا يعرفون المعاني كثيراً, ثم ينقل من هذا ومن هذا ومن هذا ويختلط, فوصيتي لطلاب العلم عموماً أن يأخذوا بكتب السابقين, أبرك وأقل تكلفاً وكلاماً, المتأخرون تقرأ صفحة أو صفحتين لا تحصل إلا على سطرين, عهن منفوش, لكن كتب الأولين فيها بركة، سبحان الله! لأنه ليس عندهم تكلف, والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (هلك المتنطعون) أحياناً نجد رسائل جامعية يكتب النقاش بين العلماء ثم يقول: استدل الأولون بكذا وكذا ويسرد, استدل الآخرون بكذا وكذا ويسرد, بينما تجد هذه المناقشة التي صارت بعشرة ورقات تجدها في ورقتين فقط عند السابقين, كصاحب المغني , وشرح المهذب وغيره, فنصيحتي لإخواني طلبة العلم أن يعتنوا بكتب السابقين.
السائل: في الفقه نأخذ أي كتاب؟ الجواب: المغني لـ ابن قدامة، شرح المهذب للنووي , هذا الذي أعرفه، ويمكن أن هناك كتباً أخرى لا أدري عنها.(211/16)
حكم من يصلي الجمعة فقط
السؤال
ما حكم الذي يصلي صلاة الجمعة فقط؟
الجواب
لماذا لا يصلي إلا الجمعة؟ السائل: عادته.
الجواب: عادة, إذاً: هذا الرجل لا أعتقد أن صلاته عبادة, ولهذا يصلي الجمعة عادة لأنه يلبس ويتزين ويتطيب ويذهب, وإن كنت أنا أرى أنه لا يكفر إلا من ترك الصلاة نهائياً أشك في إسلام هذا الرجل, لأن هذا الرجل إنما اتخذ صلاة الجمعة عيداً فقط؛ يتجمل ويذهب للناس وهو متطيب ومتجمل فقط, فأنا أشك في كون هذا باقياً على الإسلام.
أما على ما رآه شيخنا عبد العزيز فهو كافر, وانتهى أمره.(211/17)
كيف يصنع من قل في منطقته أهل العلم أو عدموا
السؤال
نحن في مدينة حفر الباطن المدينة العسكرية نفتقر إلى الدروس العلمية, نرجو من سماحتكم التوجيه؟
الجواب
الآن -والحمد لله- ما لأحد عذر, الأشرطة تسير مسار الليل والنهار, يمكن للإنسان أن يتخذ عالماً من العلماء يثق به ويستمع أشرطته وكأنه جالس عنده, فأشير عليكم أن تأخذوا أشرطة العلماء الذين تختارون, ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
أما قلة العلماء فنشكو إلى الله عز وجل, العلماء قليلون في كل مكان, حتى المدن الكبار الآن ليس فيها العدد الذي يكفي, تحتاج إلى عدد من العلماء, لكن نسأل الله عز وجل أن يجعل فيهم البركة، والحمد لله الآن اتسعت الأمور في هذه الأشرطة, وأيضاً بدأ الناس أخيراً يطلبون الاتصال عبر الهاتف: محاضرات أو لقاءات أو ما أشبه ذلك, وصار فيها خير كثير, ويمكن أن تطلبوا من أحد العلماء الذين تثقون بهم ويرتب لكم مثلاً لقاء شهرياً أو أسبوعياً أو نصف شهري, ويكون فيه خير.(211/18)
حكم تزكية الصداق
السؤال
عندنا في بعض القرى إذا أراد الشخص أن يتزوج يُعطى الزوج ورقة فيها احتياج الزوجة من ذهب وغيره, وعند عقد الملكة أو القران, يقول الأب: حق البنت مع النية, فلا أدري هذا الحق، هل هو يعتبر الصداق أم الصداق يكفي الذهب؟
الجواب
الصداق كل ما قدم للمرأة من أجل التزوج بها, هذه القاعدة, فما أهدي لها من قبل هو من الصداق.
السائل: إذا لم يدفع الإنسان مقدماً, فدفعه مؤخراً على دفعات, هل يكون حكم الزوجة أن تزكيه؟ الجواب: هذا حكمه حكم الديون على غير الزوجة.
السائل: الزوج غير قادر.
الجواب: إذا كان ليس قادراً فإذا قبضته ولو بعد سنوات تزكيه مرة واحدة, إلا إذا قبضته قبل إتمام السنة فتنتظر حتى تنتهي السنة, فمثلاً: زوجها أصدقها عشرة آلاف ريال, بعد ستة أشهر أعطاها العشرة, لا تجب عليها الزكاة حتى تتم السنة من العقد.(211/19)
حكم من يُقَصِّر في قراءة بعض الآيات من كبار السن
السؤال
سؤال من ناحية كبار السن من البدو, إذا قرءوا آيات فإنهم يضيعون آية ويأتون بآية، ويزيدون أو يحطون كلمة وإذا أتيت تكلمهم فإنهم يعاندونك، مثلاً: أنا عندي شايب حط صور كبار, ويأخذ منه حتى الجاهل وهو ما عنده علم في هذا, ما الحكم في هذا؟
الجواب
تعليق الصور حرام, إذا كان إبراهيم عليه السلام أصغر من أبيه, وهذا الحال, ينصحه ويقول له: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} [مريم:43] انظر إلى الأسلوب الرفيع, لم يقل: يا أبت أنت جاهل! لو قال: أنت جاهل فلن يقبل منه ولكن قال له: {قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} [مريم:43] أي: أنت عالم لكن أنا أعلم منك, ودعاه, فقل لأبيك: يا أبتِ! لا, إبراهيم الخليل دعا أباه وهو دون الأب, وأنا إذا شئت اسأل أي إنسان من العلماء الذين يوثق بهم, وإلا أرسل له كتاباً يجيب عليه بالخط.
السائل: قراءة الآيات خطأً, مثلاً: لا يقول: (قل أعوذ برب الناس) يقرأ مباشرة, ويقرأ خطأ؟ الجواب ليس بلازم الوقوف عند كل آية, ما دام يقول: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ} [الناس:1-2] الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] أنتم علموهم وتبرأ ذمتكم.
السائل: هل عليهم شيء؟ الجواب: لا.
ليس عليهم شيء ما دامت هذه قدرتهم, لكن أنتم علموهم -إن شاء الله- جزاكم الله خيراً.(211/20)
حكم الطهارة للطواف
السؤال
هل الطهارة في الطواف واجبة إذا كان هناك زحام شديد؟
الجواب
أكثر العلماء على أنها واجبة, وأن الإنسان إذا طاف محدثاً فلا طواف له, وإذا أحدث في أثناء الطواف وجب عليه الخروج, لكن يرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنها ليست واجبة, وأن الطواف على طهارة أكمل وأفضل, ولكن ليست بواجبة, ولا شك أن كلام شيخ الإسلام في الوقت الحاضر في أيام الزحام هو الأنسب, لأنه أحياناً في طواف الإفاضة في الحج يحدث الإنسان -رجل كان أو امرأة- في أثناء الطواف, على رأي جمهور العلماء عليه أن يخرج من الطواف ويذهب يتوضأ, وعلى رأي الشيخ رحمه الله يقول: ليستمر في طوافه يكمل ولا عليه, ولا شك أن هذا القول أرفق بالناس, لأنه لا يوجد دليل على أن الطواف لابد فيه من الوضوء, الوضوء للصلاة: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] فعلى رأي الشيخ رحمه الله يستمر ويكمل ولا عليه، وهذا الذي نراه ونفتي به.
على رأي الجمهور إذا قلنا: اذهب توضأ, ما الذي يخرجه من الزحام أولاً؟ إذا خرج من الزحام ما الذي يمكنه من الوضوء؟ لأن الحمامات كلها مزحومة, إذا قدر أنه توضأ ثم رجع يطوف وأحدث, نقول: اذهب ثانية, وكلما رجع وأحدث، قلنا: اذهب ثالثة! هذه مشقة, وهذا وارد في أيام الزحام, كثير من الناس لا يتحمل الزحام إطلاقاً ويصيبه الحدث إما قطرة من بول تخرج, وإما ريح, فنحن نقول فتوانا: إن الأفضل بلا شك أن يطوف على طهارة, لأنه إذا طاف سوف يصلي ركعتين بعد الطواف وهذا لابد من أن يكون على طهارة في الركعتين, لكن في حال المشقة نرى أنه لا بأس أن يطوف على غير طهارة, كذلك لو أتانا إنسان وأخبرنا أنه طاف بلا طهارة، لا نقول: هل هناك مشقة أم لا؟ انتهى الأمر والطواف صحيح.(211/21)
بماذا يبدأ طالب العلم من الحفظ؟
السؤال
هل ترون حفظ متن من متون الفقه المختصر كـ الزاد والدليل من المهم لطالب العلم, والرد على من يقول: يكفيك حفظ متون أحاديث الأحكام كـ البلوغ وغيره؟
الجواب
بل أرى الخير كل الخير أن يجمع بين الأحاديث وبين كلام الفقهاء, ويحفظ لأن العلم بالحفظ, ونحن ما استفدنا إلا بما حفظنا, الحفظ كنز متى شاء الإنسان مد يده إليه, ولا تغتر بقول من يقول: عليك بالفهم دون الحفظ؛ فإن هذا خطأ, عليك بالحفظ, الحفظ يبقى أي وقت تريد استحضاره تجده, لكن إذا قال: أنا إما أن أحفظ متن الزاد أو أحفظ العمدة ولا أستطيع أن أجمع بينهما, فـ العمدة أحسن؛ لأن العمدة كلام الرسول عليه الصلاة والسلام, فهو أولى أن يحفظ ويتدبر.(211/22)
حكم طواف الوداع في العمرة
السؤال
هل للعمرة طواف وداع, مع الدليل؟
الجواب
أما إذا طاف وسعى وقصر ومشى فهذا لا يحتاج إلى وداع؛ لأنه طاف ومشى ولم يجلس, وأما من جلس فعليه أن يطوف للوداع, والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ يعلى بن أمية: (اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك) وهذا عام، لكن استثناء وقوف عرفة ومزدلفة ورمي الجمرات والمبيت في منى واضح بالإجماع, والباقي العمرة كالحج, ثم إنه ورد في حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم سماها الحج الأصغر, ثم القياس أنه دخل البيت بتحية، ما هي؟ طواف القدوم للعمرة, فليخرج منه بتحية, فليست الأولى بأحق من الثانية, ثم إن ذلك أحوط وأبرأ للذمة, لأنه إذا ترك طواف الوداع قال له بعض العلماء: إنك آثم, وإذا طاف للوداع لم يقل أحد: إنك آثم.
فالذي نرى ونفتي به أنه لا بد للعمرة من طواف الوداع إلا إذا سافر فور انتهائه من عمرته فالطواف الأول مجزئ.(211/23)
بيان فضل طلب العلم وكيفيته
السؤال
هل تستطيع أن تدلنا على بعض الأشرطة في حفظ طلب العلم وفضله وكيفية طلبه, والكتب الخاصة بالمبتدئين؟
الجواب
أما طلب العلم -بارك الله فيك- فلا حاجة إلى أن أدلك على شيء, أدلك على كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم, قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] يكفي هذا, وقال عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] ، وقال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران:18] جعلهم شهداء, في الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) هذا يكفي في الحث على طلب العلم.
أيضاً: العلماء هم الشهداء الذين هم في الدرجة الثالثة من طبقات الخلق, قال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء:69] (الشهداء) أي: العلماء, لأنهم شهدوا بوحدانية الله عز وجل, وكذلك الذين قتلوا في سبيل الله.(211/24)
حكم من كان محافظاً على جميع الفرائض إلا أنه مدخن
السؤال
هناك إنسان مدخن ولكنه يقيم جميع الفرائض من الصلاة والصوم وحتى صلاة الفجر, ويقوم بجميع الواجبات المطلوبة من الله سبحانه وتعالى, فما ترى في ذلك؟
الجواب
أنا أرى أنه مصر على معصية, والله عز وجل يقول: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] فعليه أن يقوي نفسه وأن يكون شجاعاً في ترك هذا الدخان, إن تيسر أن يتركه مرة واحدة فهذا واقع وحاصل وكم من أناس فعلوا هذا, وإن لم يستطع فبالتدريج, وإذا علم الله من نيته أنه صادق عازم أعانه الله عز وجل, وأما أعماله الأخرى الصالحة فلا شك أنه ينال بها درجات ويجعله في خير إن شاء الله.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك.(211/25)
لقاء الباب المفتوح [212]
بدأ الشيخ حديثه عن أهمية تدبر القرآن الكريم، والحث على تفهم معانية والرجوع إلى كتب أهل العلم في التفسير، ثم تكلم عن تفسير آية من سورة الحديد، ذكر من خلالها حقيقة الإيمان بالله ورسوله، بالإضافة إلى أهمية الإنفاق والبذل، ويعود السبب إلى الأجور المترتبة على هذا الإنفاق، فقد حرص الصحابة رضوان الله عليهم على التنافس في هذا الباب.(212/1)
تفسير آية من سورة الحديد
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني عشر بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح, التي تتم كل يوم خميس وهذا الخميس هو الرابع والعشرون من شهر ربيع الأول عام 1420هـ.
نبتدئ هذه الجلسة بما اعتدناه من تفسير القرآن الكريم.
وإني أقول لكم -أيها الإخوة-: إن القرآن الكريم نزل على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووصفه الله بأنه مبارك, وبيّن الحكمة من إنزاله فقال جل وعلا: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] وهذا يعني: أنه لابد للمسلمين من أن يتدبروا القرآن, ويتفهموا معناه, وإلا لكانوا كالذين لا يقرءون, لأن الذي لا يفهم المعنى كالذي لا يفهم الوقت, قال الله عز وجل: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة:78] فوصف هؤلاء الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني, أي: إلا قراءة, وصفهم بأنهم أميون أي: كالذي لا يقرأ ولا يكتب.
لذلك أحثكم -أيها الإخوة- ومن بلغه كلامي هذا على تدبر القرآن وتفهم معناه, لكن لا يقول فيه أحد برأيه بدون علم, لأن من قال برأيه في القرآن فليتبوأ مقعده من النار, وقد أخطأ ولو أصاب, والحمد لله كتب التفسير موجودة, لكن المراد الكتب التي يوثق بها وبمؤلفيها, لأن الذين تناولوا تفسير القرآن لهم مناهج ولهم مذاهب كلٌ منهم يحمل الآيات على مذهبه الذي كان يتبعه, فتجد تفسير المعتزلة يوافق منهج المعتزلة وآراءهم وعقائدهم, وكذلك الخوارج, وكذلك غيرهم من أهل الأهواء والبدع, لكن عليكم بالكتب الموثوق بها كـ تفسير ابن كثير وتفسير السعدي رحمه الله, فإنهما خير ما نعلم مما يتداوله الناس بينهم اليوم.(212/2)
تفسير قوله تعالى: (آمنوا بالله ورسوله)
الآية التي نريد أن نفسرها هي قول الله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:7] (آمنوا) الخطاب للعباد كلهم, (بالله) رب العالمين (ورسوله) محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم, والأمر هنا للوجوب، الذي هو أشد أنواع الوجوب تحتماً, الإيمان بالله أن تؤمن بأنه رب العالمين, أن تؤمن بأنه الإله المعبود حقاً الذي لا يستحق العبادة إلا هو, أن تؤمن بأن له الأسماء الحسنى والصفات العليا, أن تؤمن بأنه الفعال لما يريد, أن تؤمن بأنه لا معقب لحكمه وهو السميع العليم, أن تؤمن بأن مرجع الخلائق إليه في الأحكام الشرعية وفي الأحكام الكونية, فمن يدبر الخلق؟! الله.
لا يدبر الخلق إلا الله عز وجل.
من الذي يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون؟ الله عز وجل.
رسوله محمد عليه الصلاة والسلام أرسله الله تعالى إلى جميع الخلق الإنس والجن, وختم به النبوات, فلا نبي بعده والدليل: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] فلا نبي بعده, فمن ادعى النبوة بعده فهو كافر, يجب أن يقص عنقه إلا أن يتوب ويرجع.(212/3)
تفسير قوله تعالى: (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)
قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:7] الإنفاق البذل, و (مما جعلكم مستخلفين فيه) أي: المال؛ لأن الله جعلنا مستخلفين في هذا المال, فهو الذي ملَّكنا إياه, فلا منة لنا على الله بما ننفق, بل المنة لله علينا بما أعطى، والمنة له علينا بما شرع لنا من الإنفاق, ولولا أن الله شرع لنا أن ننفق لكان الإنفاق ضياعاً وبدعة, ولكن شرع لنا أن ننفق, إذاً له المنة أولاً لما ملكنا من المال, وله المنة ثانياً بما شرع لنا من إنفاقه.(212/4)
تفسير قوله تعالى: (فالذين آمنوا وأنفقوا لهم أجر كبير)
قال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد:7] الذين آمنوا بمن؟! بالله ورسوله؛ لأنه قال: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه) وأنفقوا أي: مما جعلهم مستخلفين فيه لهم أجر كبير, والآيات كما تعلمون لهم أجر كبير, ولهم أجر عظيم {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160] فوصف الله الأجور على العمل بهذه الأوصاف كبير, وعظيم, وكثير؛ أما الكثير نأخذه من قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) وبهذا تعرف منة الله عز وجل علينا والحمد لله, يأمرنا بالعمل ونعمل به ويأجرنا عليه أجراً كثيراً, أجراً عظيماً, أجراً كبيراً, منة عظيمة كبيرة, فعلينا أن نشكر الله, وأن ننفق مما جعلنا مستخلفين فيه.
وهل ننفق كل ما نملك أم بعضه؟ (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ) (من) هذه هل هي للتبعيض أم هي لبيان ما ينفق منه؟ إذا كانت للتبعيض فالمعنى أنفقوا بعض ما جاءكم، ليس كله, وإذا جعلناها للبيان فالمعنى أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه حسب ما تقتضيه المصلحة، إما الكل وإما البعض, فأيهما أحسن، أن نجعل من للتبعيض أم نجعل من للبيان؟ الثاني, إذا جعلناها للبيان صار الإنسان مخيراً أي: ينفق كل ماله أو بعض ماله أكثره أو أقله حسب ما تقتضيه المصلحة.
ومعلوم أنه كلما كان المعنى أوسع كان أولى بالأخذ به, والقرآن الكريم العظيم معانيه واسعة عظيمة, ولذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم مرة على الصدقة وكان الصحابة رضي الله عنهم يتسابقون إلى الخير, كل واحد يحب أن يكون هو السابق, فقال عمر رضي الله عنه: اليوم أسبق أبا بكر؛ لأن هذين الرجلين هما أخص الصحابة بالرسول عليه الصلاة والسلام, وأحب الصحابة إلى الرسول.
إن النبي صلى الله عليه وسلم، يحب أبا بكر رضي الله عنه أشد من حب علي بن أبي طالب رضي الله عنه, مع أن علي بن أبي طالب ابن عمه وزوج ابنته, لكن أبا بكر يحبه أشد وأكثر, فقد سئل: (من أحب الناس إليك؟ قال: أبو بكر) وهذا كلامه, وكلامه صدق ولا شك في ذلك, يقول: (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر) .
المهم أن عمر كان هو وأبو بكر كفرسي رهان, يحب أن يسبقه, لا حسد لـ أبي بكر ولكن حباً للفضل لنفسه, قال: اليوم أسبق أبا بكر فجاء بنصف ماله لينفقه, أتى به للنبي عليه الصلاة والسلام قال: (يا عمر ماذا تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الشطر أي النصف-) وجاء أبو بكر قال: (ما تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الله ورسوله) أي أنفق كل ماله, فقال عمر: والله لا أسابقك على شيء بعدها أبداً, عرف أنه يعجز أن يسبق أبا بكر.
الشاهد من هذا الحديث أن أبا بكر تصدق بجميع ماله, فإذا رأى الإنسان المصلحة في التصدق بجميع ماله وأن عنده من قوة التوكل, والاعتماد على الله, واكتساب الرزق، ما يمكنه أن يسترد شيئاً من المال لأهله ونفسه حينئذٍ نقول: تصدق بجميع مالك, إذا كان الأمر بالعكس.
كان رجلاً أخرق لا يعرف أن يكتسب, وليس هناك داعٍ أن ينفق كثيراً, فهنا نقول: الأولى أن تنفق بعض المال.
إذاً: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ) هل (من) للتبعيض أو للبيان؟ للبيان, أي: أنفقوا من هذا المال ما يكون فيه المصلحة, في هذه الآية دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يحقق إيمانه ويثبته, وكلما رأى فيه تزعزعاً استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ومضى في سبيله, وأن ينفق من المال.
وهنا سؤال: هل المال محبوب للنفوس؟ نعم, قال الله تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} [الفجر:20] وقال الله عز وجل: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:8] أي: المال؛ لا يمكن أن يبذل الإنسان شيئاً محبوباً إليه، إلا لما هو أحب, فإذا بذل الإنسان المحبوب إليه ابتغاء رضوان الله, علمنا أن الرجل يحب رضوان الله أكثر من محبة المال, وبذلك يتحقق الإيمان.
أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من ذوي العلم الراسخ, والإيمان الثابت, إنه على كل شيء قدير.(212/5)
الأسئلة(212/6)
حكم من تحلل قبل أن ينتهي من العمرة بسبب التعب
السؤال
رجل قام بأداء العمرة قبل ثمان سنوات, وأثناء الطواف أحس بتعب شديد وإعياء ولم يستطع إكمال العمرة وتحلل ولبس ملابسه وخرج من مكة فهل عليه شيء؟
الجواب
منذ ثمان سنوات سبحان الله! منذ ثمان سنوات ما سأل عن دينه, لو ضاعت له شاة عرجاء لذهب يطلبها في الليل, وهذا الدين لا يسأل عنه إلا بعد ثمان سنوات انظر التفريط! هذا الرجل يلزمه على قول بعض العلماء أن يلبس الآن ثياب الإحرام ويذهب إلى مكة ويتم عمرته, فيطوف ويسعى ويقصر, وإن كان قد جامع في أثناء هذا فإنها فسدت عمرته فيكملها, ثم يأتي بعمرة جديدة قضاءً لما فسد, وإن كان قد تزوج بعد أن ألغى العمرة فنكاحه فاسد يجب أن يتجنب زوجته, وأن يجدد عقداً جديداً بعد أن يقضي العمرة, الذي أقوله الآن مذهب الإمام أحمد بن حنبل عند أصحابه.
وهناك قول آخر أن الإنسان إذا عجز عن إكمال النسك لمرض -ليس تعباً, لأن التعب يمكن أن يستريح ويكمل- فإنه يتحلل ولكن عليه هدي لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] هنا إشكال هل يحل قبل أن يذبح الهدي أو لا يحل؟ إذا قلنا: لا يحل؛ بقت المشكلة الأولى التي ذكرت, وإذا قلنا: يحل؛ فالأمر أهون ما عليه إلا أن يذبح فدية, فاسأل الرجل هل تعبه هذا أدى إلى مرضه، بحيث لا يستطيع أن يكمل العمرة لو استراح أم لا؟ إذا كان يستطيع فمعناه أنه لا زال في عمرته, فيذهب مباشرة ولكن المحضورات التي فعلها على القول الراجح لا تضره لأنه جاهل, إلا مسألة الزواج فإنه يجب عليه في هذه المدة أن يجدد العقد.
الخلاصة: نرى أنه إن كان هذا التعب أدى إلى مرض لا يستطيع أن يكمل فهذا ليس عليه إلا الهدي, وإلا فإنه لا يزال محرماً الآن يجب عليه الذهاب محرماً من بلده أو من بيته الآن ويكمل العمرة وليس عليه شيء فيما فعل من المحضورات لأنه جاهل, وإن كان قد عقد النكاح في هذه المدة فعليه أن يتجنب زوجته حتى يتم العمرة ويعقد من جديد.(212/7)
من حلف على ترك شيء ثم فعله
السؤال
إذا حلف شخص على ترك شيء محرم ثم عاد إلى فعله, فلا خلاف أنه تلزمه الكفارة, لكن هل كلما عاد إلى فعل ذلك المحرم تلزمه الكفارة, أفيدونا؟ جزاكم الله خير.
الجواب
أولاً: هذا السائل أجاب نفسه, وحكى الإجماع على ذلك, حيث قال: لا خلاف, وليس من الأدب إذا قدم الإنسان سؤالاً إلى عالم من العلماء أن يبتدر بالجواب, إذا كان عنده الجواب ما الفائدة؟! فمن الأدب أن يقول: ماذا تقول يا فلان! يوجد كذا وكذا وهو الذي يفصل, وهذه مهمة جداً بالنسبة للتأدب مع المسئول, أتعلم أن جبريل عليه الصلاة والسلام، لما جاء يسأل الرسول عن الإسلام والإيمان والإحسان كيف جلس؟! وعلى كل حال الصحيح عندنا أن الإنسان يعذر بالجهل, وإن فاتتك هذه.
أقول: إن الإنسان إذا حلف ألا يفعل شيئاً ثم فعله, فعليه كفارة يمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة, فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام, وإذا حنث انحلت اليمين كأنه لم يحلف, لكننا لا نرخص لهذا الرجل الذي حلف أن يأتي المعصية, بل عليه أن يتوب ولا يرجع.(212/8)
حكم لفظة (يرد الروح)
السؤال
هناك لفظ شائع بين الناس عندما يجلس في مكان معين, يقول: هذا المكان يرد الروح؟
الجواب
يعني يوجد السرور, مادام أننا نعلم المقصود، وأن هذا الشيء مشهور عند الناس فلا حرج.(212/9)
الوضوء المشروع يرفع الحدث وإن خالفته النية
السؤال
إذا توضأ الإنسان للنوم ويريد أن ينام, ولكن حينما أراد أن ينام تذكر أنه يلزمه أن يوتر قبل أن ينام, فهل يوتر بهذا الوضوء؟
الجواب
نعم, إذا توضأ الإنسان وضوءاً مشروعاً إما للنوم أو لقراءة القرآن أو ما أشبه ذلك, ثم أراد أن يصلي بهذا الوضوء فلا بأس, لأنه لما نوى الوضوء المشروع ارتفع حدثه, فيصلي ما شاء.(212/10)
إرجاع الدين إلى ورثة الدائن عند موته
السؤال
رجل أخذ مبلغاً من المال من رجل غني ديناً, فقبل حلول المدة مات صاحب المال، الدائن, فهل يرد المال إلى أهله علماً بأنه يخشى ألا يصل المال إلى جميع ورثته وقد يتلفون هذا المال, وإذا كان كذلك فهل بإمكانه أن يتصدق بالمال نيابة عنه؟
الجواب
هذا رجل استدان من رجل ديناً قرضاً أو ثمن مبيع أو أجرة عقار أو شيء, ثم مات من له الحق, فماذا يصنع المدين؟ نقول: يجب عليه أن يوصل الحق للورثة, فإذا قال: أراهم متفرقون أحدهم في مكة والثاني في المدينة والثالث في الرياض والرابع في مكان آخر, نقول: اذهب إلى المحكمة، وتحصل الإرث، وسلّم كل إنساناً ما يستحقه من الميراث, وإذا كان لهم وكيل ثابت وكالة شرعية فأعطها الوكيل، بذلك تبرأ ذمتك.
السائل:.
غير ملتزمين يخشى أنهم يتلفون المال؟ الجواب: ليس عليه شيء من معاصيهم؛ لأن هذا مالهم.(212/11)
إشكال حول لفظة (من تتبع رخص الفقهاء تزندق)
السؤال
ما مدى صحة القول بأن من تتبع رخص الفقهاء تزندق؟
الجواب
هذه أطلقها بعض العلماء, وقال: إن الذي يتتبع الرخص يكون زنديقاً؛ لأن الذي يتتبع الرخص لم يعبد الله وإنما عبد هواه, وجعل الدين ألعوبة بيده, يسأل هذا العالم على أنه هو الواسطة بينه وبين شريعة الله, وأن ما قاله العالم فهو حق, فإذا أعجبه فهو حق، وإذا لم يعجبه تركه وذهب لآخر يفتيه بأهون، وإذا أفتاه بأهون ولم يجز له أيضاً ذهب إلى ثالث ورابع وخامس, حتى يأتي من يفتيه ويقول: الخمر حلال, وقال: هذا العالم, هذا من وجهة كلام بعض العلماء, وقالوا: هذا من اتباع الهوى, وهو لا شك أنه من اتباع الهوى, لكن كونها تصل إلى حد الزندقة، فيه نظر.
ولهذا الصواب أن يقال: من تتبع الرخص فسق, أي: صار فاسقاً, والواجب على الإنسان ألا يتلاعب بدين الله, إذا سأل عالماً واثقاً من علمه وأمانته، وأن ما يقوله هو الشريعة، وجب عليه التمسك بها, قال أهل العلم: ولا يجوز أن يسأل غيره.(212/12)
حكم مخالفة المقلد لشيخه
السؤال
سمعنا أنكم تنصحون طالب العلم الملتزم بالدراسة على شيخ معين ممن يثق في علمه وأمانته, فإذا كان عند هذا الشيخ مسألة تخالف الدليل فهل يأخذ بها هذا الطالب على اعتبار أنه مقلد, أو يخالفه في بعض المسائل التي يرى الصواب فيها عند غيره, أفتونا مأجورين؟
الجواب
هذا سؤال غير وارد, لأنه لم يثق بهذا في علمه وأمانته, فمعنى ذلك أنه يعلمه بالدليل, وإذا كان كذلك كيف يأتي الطالب بالدليل من شيخ آخر؟! نعم له الحق إذا علم من شيخ آخر أنه يقول بخلاف شيخه وأتى بالدليل, أن يورد هذا على شيخه, فيقول: سمعت عالماً يقول هذا الحكم كذا والدليل قوله تعالى أو قوله صلى الله عليه وسلم, وينظر رأي الشيخ, لأن بعض العلماء أحياناً يقول بالحق بحسب ما يفهم من الحق فيفوته إما العلم وإما الفهم, وهذا واضح الآن خصوصاً في الإخوة الذين -جزاهم الله خيراً- ينتسبون إلى الأخذ بالحديث, تجده يفهم الحديث على غير مراده, فجعل يفتي به, أو يفهم الحديث، وهناك حديث آخر مخصص أو مقيد أو ناسخ وهو لا يعلم به, فإذا كنت واثقاً من عالم وتلقيت العلم عنده واعتبرته شيخك, وأنه الواسطة بينك وبين شريعة الله, فإذا سمعت من عالم آخر يخالف قوله ويذكر الدليل أورده على شيخك, ربما يقول شيخك نعم, هكذا ورد, لكن هذا الحديث يخصصه الحديث الآخر.
مثال ذلك: سمعت شيخاً يقول: كل ما خرج من الأرض ففيه زكاة، قليلاً كان أو كثيراً, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر, وفيما سقي بالنضح نصف العشر) , الآن حكم واستدل, حكم بماذا؟ أن بكل ما سقي ففيه العشر إذا كان سقته السماء, وفيما سقي بالنضح نصف العشر, ظاهر الحديث أنه سواء كان قليلاً أو كثيراً وسواء كان من الحبوب والثمار أو من الفواكه أو من غير ذلك, وأنت سمعت عالماً يقول هذا الكلام كل ما خرج من الأرض ففيه الزكاة قليله وكثيره، إما العشر أو نصف العشر، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر) وأنت سمعت من شيخك أنه لا تجب الزكاة إلا فيما كان خمسة أوسق فأكثر, العالم الذي قال لك فيما سقت السماء العشر, حكم بما ظهر له، عنده حديث عام غير مقيد ولا مخصص, لكن معلمك عنده علم أوسع، قال هذا الحديث عام مخصص فيما بلغ النصاب, الذي يبلغ فيه النصاب فيه الزكاة وما دونه ليس فيه زكاة.
السائل: إذا كان يعتمد على الكتب والأشرطة؟ الشيخ: لا يخالف الكتب والأشرطة، إذا كنت تعرف صوت العالم وأنت تثق بعلمه وأمانته فخذ به, لكن كلامي أن إنساناً -مثلاً- وثق بعالم وصار يتتلمذ على يديه ويحضر دروسه ويقرأ عليه ويعتمد قوله, سمع عالماً آخر يقول بخلاف قوله ويستدل, ليس له الحق أن يذهب إلى العالم الثاني حتى يراجع شيخه, فإذا راجع شيخه فقد يكون عنده علم أكثر من العلم الأول.(212/13)
حكم الحقوق التي تحدث بين الشباب
السؤال
بالنسبة لما يحدث غالباً بين الشباب بما يسمى الحقوق, أحياناً قد يخطئ شخص على آخر مثل أن ينتقصه أو يقول فيه شيئاً, ولكن بنفس طيبة يأخذها ويتقبلها, لكن يقول: عليك حق لأنك قلت كذا وكذا فيكون عندك العشاء اليوم, والآخر كذلك يتقبلها بنفس طيبة؟
الجواب
ما أرى هذا, لأن هؤلاء يلعبون إذا قال له: عبد الله, واسمه عبد الرحمن وأخطأ, قال: اسمي عبد الرحمن عليك حق! أو يقول: خذ الفنجان الحليب, ويأخذ الفنجان الشاي يقول: عليك حق! هذا تلاعب.
أما لو كان الأمر حقيقة أن الرجل المعتدى عليه غضب وانقبض وهجر الجلوس وذهبوا يترضونه وقالوا: نجعل لك حقاً, هذا لا بأس هذا حقيقة, لأنه أكل للمال بحق للإصلاح بين الناس.
الأول هل هو إصلاح بين الناس أم لعب؟ أنا سمعت بهذا كثيراً وأرى أنه من أكل المال بالباطل, على أي أساس يكون على هذا غرامة 400 أو 500 ريال على أي أساس؟ السائل: الشخص الذي أخطأ متقبل جداً! الشيخ: أصحاب الربا يتقبلون الربا جداً, أصحاب القمار الذين يتقامرون بالملايين راضين, تجد الإنسان يغلب بالقمار ويذهب كل ماله وهو راضٍ, هذه المسألة لها ضوابط شرعية, الله سبحانه وتعالى جعل المال قياماً للناس ليس لعباً, ولذلك يجب الكف عن ذلك, وعليكم أيضاً أن تنصحوا من ترونه يعمل هذا العمل, يقبل بأي حق؟ إذا كان صاحبكم هذا يريد أن يعزمكم، يعزمكم بدون هذا, حتى أن بعضهم يتعمد الخطأ من أجل أن يقولوا: عليك حق!(212/14)
الوعد بالشراء لا يكون ملزماً
السؤال
الوعد بالشراء هل هو ملزم, مثال البنك الأهلي عنده إدارة تسمى خدمات المصرفية الإسلامية، يقومون بالتقسيط على من يرغب، تطلب أي سلعة من عندهم فيطلبون من المتقدم تسعيرة يأتي بها, على سبيل المثال سيارة يقال لمن يريد شراءها: ائتِ بتسعيرة من المعرض, فيأتي بالتسعيرة فيقوم البنك بشراء هذه السيارة ثم يعقدون معه عقداً بعد أن تتحدد النسبة, لو أن الشخص غير رأيه عن هذا الشراء, هم الآن يبيعون السيارة للبنك وإذا كان فيها خسارة يتحملها من باب الوعد بالشراء, هل هذا جائز؟
الجواب
ما رأيك لو أن البنك قال لهذا الرجل: أنا أعطيك خمسين ألف تشتري بها سيارة, على أن تكون بالتقسيط ستين ألفاً, أسألك: ماذا تقول حرام أم حلال؟ السائل: حرام.
الجواب: أليس مثله بالضبط أن يقول: اذهب وانظر السيارة التي تريد وأنا أشتريها بخمسين ألف وأبيعها بستين ألف مقسطة, أليست مثلها؟ يعني بدلاً من يأتي الربا صريحاً مثل الشمس يأتيه بالحيلة, والحيلة -يا إخواني- على المحرمات أخبث من إتيان المحرمات بصراحة, لأنك جمعت بين مفسدة الحرام وبين خداع رب العالمين عز وجل, ولهذا حول اليهود الذين تحيلوا على السبت قردة قال تعالى: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] .
أقول: هذا حرام, وقولهم: إن البنك لا يلزم هذا إذا اشتريت هذا كلام لا فائدة فيه, هل هذا الذي جاء للبنك وقال: أريد السيارة الفلانية, هل يتصور أن يرجع وهو محتاج إليها؟! يتصور, وإذا قدر أن واحداً بالمليون رجع, فالبنك يحسبه بالقائمة السوداء، أن هذا لا يثق ببيعه وشرائه, لكن -والله- الإنسان يأسف كثيراً أن الأمة الإسلامية بدأت تتجرأ على الربا بالحيل والخداع، ويخشى أن تظهر فيها أوجاع ليست في الأمم السابقة, ويُخشى أن يضرب الله قلوب بعضهم ببعض.
السائل: عندهم هيئة شرعية؟ الشيخ: الفتاوى وغيرها المرد إلى من؟ إلى الكتاب والسنة, كل إنسان يعرف أن هذه حيلة أقرب من حيلة اليهود, اليهود لما حرم الله عليهم الشحوم ماذا فعلوا؟ قالوا: نذوب الشحم فيصير ودكاً, ثم نبيع الودك ونأكل ثمنه, هذه الحيلة أبعد, ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها أذابوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه) ولكن هذا الواقع المؤلم مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتركبن سنن من كان قبلكم.
! قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن) وهو ارتكاب لما نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال: (لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله لأجل الحيل) .(212/15)
تأثير جماعة التبليغ في الواقع
السؤال
ما رأيك في جماعة التبليغ والذهاب معهم كمبتدئ لوجود بعض الخطأ؟
الجواب
هل لهذه الجماعة تأثير في هداية الناس؟ السائل: لا.
الجواب: هذا تكذيب بالواقع, كلامك هذا تكذيب بالواقع, والواقع أن لها تأثيراً عظيماً في هداية الناس, كم من فاسق صار مستقيماً, وكمن كافر أسلم, هذا شيء لا ينكره أحد, إلا من اتخذ منهم موقفاً معيناً فإن الحسنات تكون سيئات, وهذا معروف كما قال الشاعر:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا
حدثني من أثق به عن شخص لا أثق به إلا في هذه القضية, كان له ابن أخت فاسقاً فاجراً، ما من معصية ذكرت إلا ارتكبها, مظلم الوجه, سيئ الملكة, يقول في يوم من الأيام فقدنا هذا الرجل, بقي خمسة أشهر أو أكثر أو أقل تقريباً, فقلنا لعل الله أتى بسائق مجنون وارتطم به! ويقول بعد مدة ما بين صلاة الظهر وصلاة العصر, رجل يقرع الباب فقلنا من؟ -أي: الخال؛ لأن هذا ابن أخته- يقرع الباب السلام عليكم, والرجل هذا قال: أسأل الله ألا يبتليني! مَنْ الرجل المطوع الذي جاءنا في هذا الوقت؟ فقام وفتح الباب, وإذا بالرجل البهي المنور وجهه الملتحي, من أنت؟ قال: أنا ابن أختك, ولم يعرفه, قال: لو تريدني أن أعد لك الآن حجر البيت, وغرف البيت, وحمامات البيت, وأنواع الفرش في البيت لفعلت! المهم أنه قال له: ادخل, فدخل, وقال: ما الذي حولك إلى أن صرت إلى هذا الحال؟ قال: والله! الحقيقة إني ما عرفت الدنيا ولا أني مخلوق إلا بعد ما حصل, قال: ما الذي حصل؟ قال: جاءني إخوة من جماعة التبليغ واتصلوا بي وقالوا ادخل معنا في المسجد اسمع الذكر واسمع القرآن, ففعلت, ثم قالوا لي: اذهب إلى الحمام وتغسل وتنشط, وقالوا: اخرج معنا, فخرجت معهم, تسبيح وقراءة قرآن وصلاة وإيثار وخدمة, تعجبت قلت: هل هذا في عالم آخر غير عالمنا؟ يقول: فمشيت معهم وسبحان الله عرفت الآن أنني في الدنيا, استنار قلبي وهداني الله, وقصص كثيرة من هذا النوع أو القريب منه, فلهم تأثر بالغ.
لكن فيهم مسألتين: المسألة الأولى: الجهل, ليس عندهم علم, قد يكون أفراد منهم عندهم علم لكن غالبهم ليس عندهم علم.
المسألة الثانية: ما يذكر من البدع في القوم الذين خارج البلاد السعودية , على أن هذا غير مسلَّم, لأنه يوجد أناس من أهل القصيم ذهبوا إلى الأمكنة تلك ويقولون: والله ما رأينا شيئاً! بل كان الرجل يأتي منهم له تسعين سنة ثم يصلى المغرب ويخطب إلى العشاء, وبعد صلاة العشاء خطب إلى ثلث الليل, وهو كبير السن وكل كلامه ليس فيه ما ينتقد, ولما انتهى أتينا سلمنا عليه ولما عرف أننا من السعودية جلس وقال: الحقيقة نحن ما نريد إلا الحق, والواجب عليكم أنتم يا علماء السعودية إذا سمعتم عنا أي شيء بلغونا عنه.
فالحاصل أن الجماعة لا شك أن لهم تأثيراً بالغاً في إصلاح القلوب وإرجاعها, ولكنهم يحتاجون إلى علم.(212/16)
الجمع بين حديث: (لله مائة رحمة) وبين حديث: (إن الله خلق مائة رحمة)
السؤال
حديث في صحيح البخاري: (لله مائة رحمة) ورد أيضاً لفظ في البخاري: (أن الله خلق مائة رحمة) فأشكل -يا شيخ- وصف الرحمة بالخلق؟!
الجواب
الرحمة تطلق على شيئين: رحمة هي وصف الله فهذه غير مخلوقة, وهذه لا يعلم كنهها إلا الله وليست محصورة بعدد, ورحمة أخرى مخلوقة فهذه تعلم بآثارها, وكذلك قد تحصى, ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى للجنة: (أنتِ رحمتي أرحم بك من أشاء) مع أن الجنة ليست صفة من صفات الله, فالمقصود بهذه الرحمات المائة رحمات مخلوقة يلقيها الله تبارك وتعالى على الخلق, فألقى عز وجل رحمة في الدنيا تتراحم بها الخلائق، حتى أن البهيمة لترفع حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه, ونحن رأينا من هذا عجائب! حتى الذر إذا دخل الماء جحره أخذ يحمل أولاده إلى مكان آمن شاهدت هذا بعيني, حتى السباع والقطط وغيرها, الذئبة إذا أخذت ولدها لا يمكن أن تتركه إلا أن تموت هي, من علمها هذا؟ الذي ألقى الرحمة.(212/17)
حكم الجهاد في هذا الزمن
السؤال
ما حكم الجهاد في زمننا هذا هل هو فرض كفاية أم فرض عين؟ وإذا كان فرض كفاية متى يكون فرض عين على هذه الأمة؟
الجواب
أولاً يجب عليك أن تعلم أن الجهاد لا يكون فرض عين على جميع المسلمين, هذا شيء مستحيل, قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:122] وبين سبحانه وتعالى الحكمة فقال: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة:122] أي: القاعدون, لأنهم لو انصرفت الأمة كلها للجهاد تعطلت بقية الشرائع والشعائر.
لكن يكون فرض عين في مواضع: الموضع الأول: إذا حضر الإنسان صف القتال فإنه يجب عليه أن يكمل, قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال:15-16] .
الموضع الثاني: إذا حصر العدو بلده, فهنا يجب عليه أن يقاتل دفاعاً عن نفسه وعن بلده الإسلامي.
الموضع الثالث: إذا استنفره الإمام -واضبط كلمة الإمام واكتبها بحرف كبير- إذاً لابد من إمام يقود الجيش الإسلامي, إذا استنفره الإمام يجب أن يخرج, فمثلاً يقول لأهل البلد: اخرجوا للجهاد يجب أن يخرجوا؛ لأن معصية ولاة الأمور محرمة, ولما وجه الخطاب لهؤلاء وجب عليهم أن يقوموا بذلك.
الموضع الرابع: إذا احتيج إليه بأن يكون هذا الرجل يعلم من استعمال هذا النوع من السلاح وغيره لا يعمله, فهنا يتعين عليه أن يباشر.
في غير هذه المواضع الأربعة لا يكون الجهاد فرض عين, ثم الجهاد -يا إخواني- لابد من راية إمام, لأنه سيصبح عصابات, لابد من إمام يقود الأمة الإسلامية, ولذلك تجد الذين قاموا بالجهاد من غير راية إمام لا يستقيم لهم حال, بل ربما يبادون عن آخرهم وإذا قدر لهم انتصار صار النزاع بينهم.
فعلى كل حال نسأل الله أن يعيننا على جهاد أنفسنا, نحن الآن بحاجة إلى جهاد النفس, القلوب مريضة والجوارح مقصرة والقلوب متنافرة, هذا يحتاج إلى جهاد قبل كل شيء.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك, وإلى إشعار آخر إن شاء الله.(212/18)
لقاء الباب المفتوح [213]
لأهل العلم وحملته منزلة عظيمة في الإسلام، لا ينالونها إلا بضوابط، فإن حاملو العلم كان لزاماً عليهم أن يقوموا بحقه من العمل به، والدعوة إليه، والحرص على التزود منه.
وبعد هذه الاستهلالة عن العلم والعلماء، أوردت هذه المادة الكثير من الفتاوى العامة والفوائد والإجابات القيمة عن أسئلة الحاضرين.(213/1)
فضل العلم وواجبات حامليه
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث عشر بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح, التي تتم كل يوم خميس, وهذا الخميس هو التاسع والعشرون من شهر جماد الأولى عام (1420هـ) .
نفتتح هذا اللقاء بما ينبغي أن نفتتح به هذا العام الدراسي, هذا العام الدراسي يستقبل فيه الناس الأعمال الدراسية, من السنة الابتدائية إلى الدراسات العليا, والذي ينبغي استقباله به هو أولاً إخلاص النية لله عز وجل, بأن ينوي الإنسان بطلبه للعلم رضوان الله عز وجل وامتثال أمره؛ لأن الله أمر بالعلم ورغب فيه فقال عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] وقال الله عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] والتحريض على الشيء يستلزم الأمر به, ولا شك أن هذه الشريعة الإسلامية قامت بالعلم والعمل.(213/2)
طلب العلم والجهاد في سبيل الله
وجعل الله سبحانه وتعالى العلم معادلاً للجهاد في سبيله، فقال سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] فبين الله عز وجل أنه لا يمكن للمؤمنين أن ينفروا للجهاد في سبيل الله كلهم, وهذا يدل على أن الجهاد في سبيل الله لا يمكن أن يكون فرض عين على كل واحد كفرض الصلوات مثلاً, بل لابد أن يكون كل جهة من الشريعة الإسلامية لها أهلها القائمون بها, قال: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) من كل فرقة طائفة لا كل فرقة أيضاً من الفرق في القبائل أو البلدان طائفة ليتفقهوا في الدين, أي: القاعدون, لأن معنى الآية: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) وقعد طائفة, ليتفقهوا -أي: القاعدون- في الدين, (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) .
فإذا علمت أن طلب العلم معادل للجهاد في سبيل الله فاعلم أنه جهاد في سبيل الله, وفي بعض الأحيان لا يمكن الجهاد إلا بالعلم, فالمنافقون مثلاً لا يمكن جهادهم بالسلاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما استؤُذِن في قتلهم أبى, وقال: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) ولأن النفاق مستور, ونحن مأمورون بأن نعامل الناس بما يظهر من حالهم في الدنيا أما في الآخرة فأمرهم إلى الله, فالمنافق -مثلاً- لا يمكن جهاده بالسلاح بل بالعلم والمجادلة بالتي هي أحسن, والتخويف وما أشبه ذلك.(213/3)
أهمية العمل بالعلم
ثانياً: أن يكون طالب العلب متحلياً بما علمه من العلم, فهو أول مسئول عن تطبيق علمه؛ لأن العلم إما لك وإما عليك, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (القرآن حجة لك أو عليك) وليس هناك شيء وسط لا لك ولا عليك بل هو إما لك إن عملت به, وإما عليك إن لم تعمل به, فأنت الآن إذا كنت طالب علم كحامل سلاح, إما أن يكون عليك أن تصوبه إلى صدرك, وإما أن يكون لك تدافع به.
فيجب على طالب العلم إذا علم شيئاً من مسائل الدين أن يكون أول عامل به إن كان أمراً فعله, وإن كان نهياً اجتبنه؛ ولأن الإنسان إذا عمل بعلمه بارك الله له في العمل, وحفظه عليه, وزاده منه, كما قال عز وجل: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] ولأن طالب العلم إذا عمل بعلمه وثق الناس به, وصار أسوة للمسلمين في مقاله وفعاله, وما أكثر الذين يقتدون بالعالم في فعله أكثر من قوله, وما أكثر الذين ينتقدون العالم أكثر وأكثر إذا رأوه لا يطبق علمه, فإنهم يقولون: لو كان هذا صادقاً في العلم لكان هو أول من يعمل به, فعليك -أخي- بالعمل بما علمت حتى يبارك الله لك في علمك, وينفع الله بك أكثر.(213/4)
أهمية الدعوة إلى الله
وينبغي لطالب العلم أن يدعو إلى الله تعالى بعلمه, بل يجب أن يدعو إلى الله تعالى بعلمه, لأن الله تعالى إذا علمك علماً فقد أخذ عليك ميثاقاً أن تبينه وتدعو إلى الله به, قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] , ورجل لا يدعو الناس بعلمه كتابه خير منه, لأن الكتاب قد ينتفع به في المستقبل, وأما هذا الذي لا يدعو فإنه حجر غير نافع, فالواجب على كل من آتاه الله علماً أن يبلغه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) لا تقل أنا ما وصلت إلى حد الاجتهاد, متى علمت المسألة وتيقنتها فعلم الناس إياها, وبلغهم إياها, ولا تحقر نفسك، فإنك إذا علمت شخصاً وانتفع، وعلمه آخر وانتفع، صار لك مثل أجورهم, فالدال على الخير كفاعل الخير.
ولكن في هذا الحال يجب التثبت من العلم؛ لأن بعض الناس يدعو وهو يظن أنه عالم وليس بعالم, فالواجب أن تتثبت إما من عالم تثق به وإما إذا كان عندك ملكة تستطيع أن تفهم المسائل من الكتب فافعل, وينبغي لطالب العلم أن يحرص على نشر علمه في كل مناسبة, في المجالس, في المجتمعات, في الصحف والمجلات, في المطويات والرسائل, المهم أن ينشر علمه ما استطاع؛ لأنه إذا فعل ذلك كسب خيراً كثيراً, وصار خيره أفضل من خير التاجر الذي يبذل المال ليلاً ونهاراً لمن ينتفع به, والعلم ليس له مئونة في نشره وبيانه, ولا ينقص في بذله بل يزيد كما قيل في العلم:
يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً قبضتَ(213/5)
أهمية تقييد العلم
وينبغي لطالب العلم أن يقيد ما علمه, خصوصاً القواعد والضوابط والمسائل النادرة لئلا تفوته, فكثيراً ما يستحضر الإنسان مسألة نادرة ليست قريبة يدركها الإنسان بأدنى تأمل, ثم يعتمد على حفظه ويقول: هذه إن شاء الله لا أنساها, فينساها سريعاً, فقيد المسائل خصوصاً النادرة أو القواعد أو الضوابط حتى يكون لديك رصيد, وقد قيل: (قيدوا العلم بالكتابة) وقيل:
العلم صيد والكتابة قيده قيد صيودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أن تصيد غزالة وتتركها بين الخلائق طالقة(213/6)
أهمية احترام المعلم
وينبغي لطالب العلم أن يحترم معلمه, وأن يجعله في منزلة الأب, فإن الأب إذا كان يغذيك بما يقوم به البدن, فهذا يغذيك بما يقوم به الإيمان والعمل, فاحترم المعلم بقدر المستطاع, واحترام المعلم يؤدي إلى الإنتاج؛ لأن المعلم إذا رأى من تلاميذه أنهم يحترمونه احترمهم, وزاد في إنتاجه وفي تعليمه إياهم, لكن إذا كان الأمر بالعكس انعكس الأمر, بمعنى أنه إذا رأى الأستاذ من تلاميذه أنهم لا يحترمونه لم يحترمهم, ولم يحرص على منفعتهم, بل كان يعلمهم وهو كاره لمقابلتهم, فاحترم المعلم, وإذا أخطأ وتيقنت خطأه فلا تقم أمام التلاميذ ترد عليه, لأن هذا غير لائق وهذا يوجد انتقاص المعلم، والطلاب إذا انتقصوا المعلم لم ينتفعوا منه, بل بإمكانك أن تتركه حتى يخرج من مكان الدرس ثم تكلمه بهدوء وتبين له ما رأيته من خطأ, فقد تكون أنت المخطئ, فإذا حصل التفاهم فلابد من الوصول إلى الحق مع حسن النية, فإذا رجع الأستاذ عن خطئه في المقابلة التالية فهذا هو المطلوب، وإن لم يرجع فحينذٍ لك العذر أن تقوم وتورد إشكالاً لا تعليماً بمعنى لا تقوم كأنك معلم له, تقول: يا أستاذ! أخطأت! مثلاً, لكن تورد إشكالاً فتقول: لو قال قائل كذا وكذا حتى يتم الأمر على الوجه المطلوب مع احترام المعلم.
أسأل الله تعالى أن يجعل عامنا هذا عام خير وبركة وأن يرزقنا العمل بما علمنا مع الإخلاص والمتابعة إنه على كل شيء قدير.(213/7)
الأسئلة(213/8)
حكم العمل لنيل الأجر الدنيوي والأخروي من الطاعة
السؤال
جاءت أدلة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك نوعاً من الطاعات إذا فعلها الإنسان يؤجر عليها في الدنيا والآخرة, مثل: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب) وكذلك أيضاً: (ما نقص مال من صدقة) كذلك: (صلة الرحم وبر الوالدين تطيل في العمر وتكثر الرزق) فهل الإنسان إذا فعل هذه الطاعة لكي يكثر ماله ويطيل في عمره يؤجر في الآخرة؟
الجواب
نعم هذا سؤال مهم, الشريعة الإسلامية والحمد لله جاء فيها حوافز دينية ودنيوية, لأن الله تعالى علم نقص العبد واحتياجه إلى ما يشجعه, ونقص العبد واحتياجه إلى ما يردعه, فجاءت الأعمال الصالحة يذكر فيها ثواب الآخرة وثواب الدنيا, تشجيعاً للمرء لأن المرء محتاج لهذا في الدنيا والآخرة كما قال الله عز وجل: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [البقرة:201-202] فلا حرج على الإنسان أن يعمل العمل الصالح ملاحظاً ما رتب عليه من ثواب الدنيا, ولا ينقص أجره شيئاً؛ لأنه لو كان هذا ينقص العبد شيئاً ما ذكره الله ورسوله, لكن هذه من باب الحوافز, ثم ما يحصل للقلب من الطاعات جدير بأن يشجع الإنسان عليها, كذلك بالعكس النواهي, جاءت الحدود والتعزيرات حتى يرتدع الناس عما فيه الحد, فالزنا حده للبكر أن يجلد مائة جلدة ويطرد من البلد لمدة سنة, وفي الثيب أن يرجم, الإنسان ربما يكون عنده ضعف إيمان ولا يردع عن الزنا إلا مثل هذه العقوبات, فهذه من حكمة الشرع, حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في بعض غزواته: (من قتل قتيلاً فله سلبه) أي: ما معه من سلاح وثياب وغيرها.(213/9)
الأرض هي مركز الكون
السؤال
مادة الجغرافيا التي تدرس أذكر أن الأرض هي مركز الكون والشمس تدور حولها, هل هذا موافق لما هو موجود في القرآن؟
الجواب
هذا الذي في القرآن, أن الأرض هي المركز والشمس تدور عليها, الدليل قول الله تبارك وتعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف:17] فأضاف الله الطلوع والغروب إلى الشمس, وأضاف إليها التزاور والقرض, وقال الله عز وجل: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس:38] فظاهر القرآن أن الشمس هي التي تدور على الأرض, ويجب علينا أن نأخذ بهذا الظاهر, لأن الذي يتكلم بهذا هو الخالق عز وجل, وهو أعلم بخلقه من غيره, ولا يمكن أن نكذب هذا ونلجأ إلى قول العصريين أن الأرض هي التي تدور, وبدورانها يكون اختلاف الليل والنهار, إلا إذا علمنا علماً يقينياً أن هذا هو الواقع فحينئذٍ نؤول الآيات عن ظاهرها إلى ما يوافق هذا الواقع, أما مجرد قولهم فإنا نقابل قولهم بقول الله عز وجل الخالق, ونقول: الأرض هي المركز والشمس تدور عليها, والقمر يدور عليها, والنجوم تدور عليها, وليس هذا هو الموجود في كتب الفلكيين المتأخرين, المعروف عنهم أن الأرض هي التي تدور وبدورانها يكون اختلاف الليل والنهار, ولكن هذا غير مسلَّم إلا إذا علمناه كما نعلم ثيابنا التي علينا, لأنه لا يمكن أن نخالف ظاهر القرآن والسنة لكلام أي إنسان, حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أبي ذر وقد غربت الشمس: (أتدري أين تذهب؟ قال: الله ورسوله أعلم, قال: فإنها تذهب وتسجد تحت العرش فتستأذن فإن أذن لها وإلا رجعت من حيث جاءت) هذا صريح بأن الشمس هي التي تغيب وهي التي تذهب فما بالنا ندع هذا؟ إذا كان يوم القيامة والإنسان واقف بين يدي الله وكان عقيدته على خلاف ذلك ما حجته عند الله؟ قول فلان وفلان ليس بحجة.
فالواجب علينا أن نأخذ بظاهر القرآن والسنة في هذا الأمر, إلا إذا علمنا علم اليقين كما نعلم ثيابنا التي علينا بأن الأرض هي التي تدور وبدورانها يكون اختلاف الليل والنهار فحينئذٍ نسلم, ثم لنا الفسحة أن نؤول الكتاب والسنة لما يوافق الواقع, لأن القرآن والسنة لا يخالفان الواقع.(213/10)
بين طلب العلم ومخالطة الناس
السؤال
كان من طريقة علماء السلف رضوان الله عليهم البارزين أنهم كانوا يعاملون العامة ويصبرون على أذاهم في سبيل التأثير عليهم, ومحاولة دعوتهم إلى الصراط المستقيم, ألا ترى أنه ينبغي لطالب العلم كذلك الدخول في أوساط الناس ومعاملتهم بالحسنى, والصبر على أذاهم, وقضاء حوائجهم, والشفاعة لهم؛ لأن بعض طلبة العلم -يا شيخ- يترفع عن ذلك بدعوى أن هذا قد يشغله عن طلب العلم, والدخول في أوساط الناس بدعوى أنهم مقصرون, ولديهم بعض التقصير في بعض السنن أو بعض الواجبات يجعله يترفع عنها, فكيف يجمع بين هذا الأمر؟
الجواب
لا شك أن مخالطة الناس والصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم, لكن إذا كانوا يشغلونه عما هو أهم, فالقواعد الشرعية تقتضي أن نبدأ بالأهم فالأهم, والإنسان لو بقي يتلقى كلما يطلب الناس منه لانشغل حتى عن الصلوات, في وقتنا الحاضر ما أكثر الذي يتكففون يطلبون المال, وما أكثر الذين يطلبون الشفاعة, ولو فتح الإنسان الباب للناس في هذا الأمر لانشغل حتى عن الفريضة, لكن تارة وتارة, ويفرق بين الشيء الملح والشيء غير الملح, فيجب التفريق.
ثم أيضاً إذا رأى الإنسان من مخالطة الناس أنهم يمتهنونه ولا يهابون قوله ولا توجيهه فليختصر, لأن بعض الناس إذا خالط الناس وصار يضحك معهم ويمزح معهم ويجعل نفسه كواحد منهم لا يهابوه ولا يأخذون بقوله, لكن قد يكون مع أناس ينزل إلى هذه المرتبة لأنه يعرف قدره في نفوسهم حتى لو خالطهم هذا الاختلاط ومع الآخرين لا يمكن أن يخالطهم هذا الاختلاط, والإنسان طبيب نفسه.(213/11)
رؤية الله في المنام
السؤال
هل يرى الله في المنام؟
الجواب
إن الله سبحانه وتعالى يعلم بما أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم, فالقرآن كلام الله كأنما يخاطبك الله به, كما قال عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} [النساء:174] هذا يكفيك عن رؤية الله, ورؤية الله في الدنيا يقظة لا تمكن, حتى موسى عليه الصلاة والسلام وهو من أولي العزم من الرسل لما سأل الله الرؤية, قال الله له: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143] أي: لا يمكن أن تصبر على رؤيته, ثم ضرب له مثلاً فقال: {انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} [الأعراف:143] صار الجبل كالرمل حينئذٍ خر موسى صعقاً, وعلم أنه ليس بإمكانه أن يرى الله عز وجل.
أما رؤيته في المنام فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المنام كما في حديث اختصام الملأ الأعلى, أما غير الرسول فذكر عن الإمام أحمد أنه رأى ربه والله أعلم هل يصح هذا أم لا يصح؟ لكن نحن لسنا في حاجة في الهداية إلى رؤية الله عز وجل, حاجتنا أن نقرأ كلامه ونعمل بما فيه, وكأنما يخاطبنا, ولهذا ذكر الله أنه أنزل الكتاب على محمد وأنزله إلينا أيضاًَ حتى نعمل به, ولا تشغل نفسك بهذه الأمور, فإنك لن تصل إلى نتيجة مرضية, عليك بالكتاب والسنة والعمل بما فيهما.(213/12)
ضرورة تحديد أجر الأجير
السؤال
رجل بنى بيتاً بتسعمائة ألف ريال ولكن لم يكتمل البناء, والمالك ليس معه مال, فعرض المالك البيت في السوق ولم يُبَعْ, فأتوا أناس آخرون وعرضوا مبلغاً إضافياً لتكملة البناء, واشترطوا على تكملة البناء في بيعه يتناصفون الربح مع المالك, هل يجوز؟
الجواب
لا يجوز هذا لأنه مجهول, لابد أن يتفقوا على تكميل البيت بشيء معين, وإذا اتفقوا على شيء معين انتهى الموضوع, والربح يكون للمالك.
السائل: يعني المالك يشرط عليهم (5%) من الربح؟ الشيخ: أبداً يقول المالك كملوا ما بقي مثلاً بعشرة آلاف أو عشرين ألف مقطوع.
السائل: يعني يدفعون فرضاً مائة ألف تكملة ويقول لهم: لكم عشرة آلاف زيادة؟ الشيخ: يتفق مع هذا الشخص أن يكمل البناء بعشرة آلاف أو بمائة ألف أو بمليون, بعد التكملة تعطونه أجرته وانتهى.(213/13)
كسب الحجام خبيث وليس حراماً
السؤال
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كسب الحجام خبيث) وفي المقابل في الحديث الآخر أنه أعطى الحجام أجره, فكيف الجمع بين هذا الحديثين؟
الجواب
ثبت عنه أنه سمى البصل والكراث ونحوها خبيثاً, هو حلال أم حرام؟ حلال, هذا مثله, خبيث أي: كسب رديء, فلا ينبغي للحجام أن يأخذ أجرة, وإن أخذ فبقدر العمل فقط بدون ربح, ولكنه ليس حراماً, ولهذا احتج ابن عباس رضي الله عنهما بإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم أجر الحجام على أنه حلال, فقال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو كان حراماً ما أعطاه, والخبث يكون له معاني كثيرة, قال الله عز وجل: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة:267] ما المراد بالخبيث؟ الخبيث الرديء, ليس كل خبيث حراماً, قد يكون مراد الخبيث الرديء, أو الذي يكرهه الناس مثلاً.(213/14)
حكم تقبيل المصحف
السؤال
ما حكم تقبيل المصحف, ومع توجيه ما يروى عن بعض الصحابة أنهم كانوا يقبلونه ويضعونه على صدورهم؟
الجواب
لا أظنه يصح عن الصحابة, هذا بدعة محدثة أخيراً, والصواب أنها بدعة وأنه لا يقبل, ولا شيء من الجمادات يقبل إلا شيء واحد وهو الحجر الأسود, وغيره لا يقبل, احترام المصحف حقيقة بألا تمسه إلا على طهارة, وأن تعمل بما فيه, تصديقاً للأخبار وامتثالاً لأوامره واجتناباً لنواهيه.(213/15)
طلب العلم لأجل الدنيا شرك أصغر
السؤال
الآن يقال عن بعض أهل العلم: إذا أراد إنسان بعلمه ابتغاء الدنيا فقط لا يريد الآخرة فهذا شرك, فهل المقصود بالشرك الشرك الأصغر أم الشرك الأكبر؟
الجواب
شرك أصغر, ولهذا جعلوا على من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة, أما علوم الدنيا فلا بأس كالهندسة والصناعة وما أشبه ذلك, لكن علم الشريعة لا تنوِ به إلا حفظ الشريعة.(213/16)
خطورة البحث في الغيبيات
السؤال
ورد في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قابل الأنبياء في السماء في حديث المعراج وهذا بعد موتهم إلا عيسى, فهل نقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام بعد موته في السماء الآن بمنزلته, لأن بعض أهل العلم يرى بضعف حديث أن الأرض حرمت (إن تأكل أجساد الأنبياء) فما رأيكم؟
الجواب
رأينا أن نقف في أمور الغيب على ما جاء به النص ولا نبحث, وهذا من التعمق والتنطع, البحث في أمور الغيب غلط عظيم, فالرسول عليه الصلاة والسلام قابل الأنبياء في السموات وسلم عليهم وردوا عليه السلام ورحبوا به, وصلى بهم أيضاً في بيت المقدس, وأخبر أن الأرض حرم الله عليها أن تأكل أجساد الأنبياء فنقف على هذا, فأما جسد الرسول عليه الصلاة والسلام فلا شك أنه في الأرض وكذلك أجساد الأنبياء, وأما أرواحهم فالله عز وجل قال في الشهداء {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169] والأنبياء أفضل من الشهداء, لكن مع ذلك نسكت كما سكت الله ورسوله.
وإياك في أمور في الغيب أن تحاول أن تتقدم ولو خطوة واحدة على ما جاء به النص! لا في هذا الأمر ولا في أسماء الله وصفاته, لأن الزلة عظيمة, والصحابة رضي الله عنهم أشد منا حرصاً على العلم, وعندهم من هو أعلم منا الرسول عليه الصلاة والسلام ومع ذلك لا يسألونه عن مثل هذه الأمور, أنت عليك بما يختص بك, ما الذي يجب عليه اعتقاده, ما الذي يجب عليه فعله من طهارة وصلاة وزكاة وغيرها.
أنا لم أجد طمأنينة أكثر من الوقوف على ما ورد في أمور الغيب, ولا نبحث وراءها.(213/17)
صورة بيع العربون وحكمه
السؤال
ما صورة بيع العربون؟ وما حكمه؟
الجواب
أن أقول اشتريت منك هذا التلفون بعشرة ريالات, هذه ريالان إن تم البيع فهو أول الثمن ويبقى ثمانية ريالات, وإن لم يتم البيع فالريالان لك, هذا جائز وفيه مصلحة, لأن البائع إذا ردت عليه السلعة سوف تنقص عند الناس لا سيما إذا علموا بذلك, فكون الريالين لي تكميلاً لما ينقص, والمشتري أيضاً يكون في حل كونه يخسر ريالين ولا يخسر عشرة، والعربون جائز.(213/18)
حكم لحوم أهل الكتاب
السؤال
لقد أفتيت سابقاً فيما يتعلق باللحوم المستوردة من بلاد أهل الكتاب بالجواز, فهل يجوز قياساً على ذلك أكل لحوم أهل الكتاب حتى في بلادهم, علماً بأنهم لا يذبحون بالذبح الشرعي؟
الجواب
الله عز وجل قال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5] وسكت, فما يعتقدونه طعاماً ولم يحرم بعينه فهو حلال ولا تسأل, إلا ما علمت يقيناً أنه حرام, فمثلاً الخنزير لا نأكله لأنه حرام بعينه, الظأن والمعز نأكلها إلا إذا علمنا أن هذه الشاة نفسها ذبحت على غير الطريقة الإسلامية, على أن بعض العلماء السابقين واللاحقين يقولون: حتى ولو خنقوها خنقاً وهم يعتقدونها حلالاً فهي حلال لك, لأن الله قال: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) فما اعتقدوه طعاماً فهو حلال لنا, لكننا لا نرى هذا.
نرى أنه لابد من انهار الدم وذكر اسم الله عليه, إلا أننا إذا أتانا ممن تحل ذبيحته ليس علينا -بل ولا لنا- أن نسأل كيف ذبحتموه؟ وهل سميتم الله عليه؟ والدليل حديث عائشة عند البخاري قالت: (إن قوماً قالوا: يا رسول الله! إن قوماً يأتونا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ قال: سموا أنتم وكلوه) وهذه إشارة من الرسول عليه الصلاة والسلام أنه لا ينبغي السؤال, عليك بفعل نفسك أنت، سم وكل.(213/19)
تملك المال الحرام لكسبه بطريق الإرث مباح
السؤال
إذا ورث إنسان مالاً من شخص وكان يعلم أن جزء من هذا المال مثلاً عشرة آلاف أو عشرين ألفاً أنه ربا صريح محرم, والباقي لا يعلم عنه أو مختلط, فماذا يفعل بالربا الصريح المحرم؟
الجواب
لا بأس به هو حل له, لأنه ملكه بطريق مباح وهو إرث, إلا إذا علمت أن هذا مال فلان, وأن الميت غصبه فحينئذٍ لا يحل لك, وأما إذا كان محرماً لكسبه كالربا وما أشبه ذلك فهذا لا بأس به.(213/20)
حكم وقوع الطلاق ثلاثاً في مجلس واحد
السؤال
تحديد محل النزاع في مسألة الطلاق الثلاث بكلمة واحدة, هل هو المقصود به أن يقول: أنتِ طالق ثلاثاً أو أن يكون أنتِ طالق طالق طالق؟!
الجواب
هذه المسألة لا يمكن أن نفتي بها هكذا, إذا وقعت عليك قضية معينة فاستفت.
-السؤال يا شيخ من ناحية التعليم أنا أريد أن أتعلم؟ -لا, لأن الذي عندك الآن طلبة علم وعوام, اسمح لي أن أقول هكذا, وهذه المسائل الدقيقة لا يفتى بها علناً, يعني بعض العلماء كانوا يفتون بها سراً, حتى المجد ابن تيمية رحمه الله جد شيخ الإسلام كان يفتي أن الثلاث واحدة لكن سراً, فالمسائل العظيمة هذه لا يطلق الباب هكذا! ألم تعلم الآن لما فتح الباب بأن الطلاق قد يقع موقع اليمين صار العالم الآن لا تبالي, كل الذي يقول: إن ذهبتِ إلى فلانة، فأنتِ طالق مع أن المسألة تافهة, مع أن الأئمة الأربعة كلهم وجمهور الأمة على أن هذا طلاق ولو قصد اليمين, فالآن تجرأ الناس, يعني أنا أكاد أقول: إني أفتي بأن الطلاق الثلاث واقع, لأني رأيت الناس تتايعوا فيه, وعمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أوقعه إلا حين كثر في الناس, ففي هذه المسائل لا يفتح الباب هكذا, إذا كان لك مناقشة فبيني وبينك إن شاء الله.(213/21)
حكم إطالة الكم
السؤال
طول الكم هل يدخل في الإسبال؟
الجواب
لكن هذا الكم هل هو إلى الكف أم إلى الأصابع؟ كل هذا جائز إلا إذا فعل الإنسان خيلاء, فنقول: يحرم من أجل الخيلاء.(213/22)
معاملة أهل الكتاب المعاصرين كمعاملة السابقين
السؤال
بالنسبة لليهود والنصارى الموجودين الآن، هل يعتبرون من أهل الكتاب أم أنهم انقرضوا ما بقي إلا قليل منهم؟
الجواب
هم الآن يدينون بدين النصارى, واليهود يدينون بدين اليهود ويتعصبون له.
هل كانوا يحرفون الكلم عن مواضعه في عهد الرسول؟ هل كان النصارى يقولون: إن الله ثالث ثلاثة؟ هل كفرهم الله بهذا؟ هل السورة التي فيها: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73] هي التي فيها: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5] ؟ هل كان هذا خافياً على الله؟ الحمد لله فهمت الجواب الآن.(213/23)
حكم التسمي بـ (أبرار، شيرين، نسرين)
السؤال
ما حكم الشرع في نظركم في بعض الأسماء والتي قد تكون مأخوذة من بعض آيات القرآن الكريم مثل آلاء وأنفال و (إسراء) و (معارج) و (أبرار) و (طه) و (يس) وكذلك الأسماء التي مثل (شيرين) و (نسرين) هل هي جائزة؟
الجواب
على كل حال بالنسبة للرجال (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن, وأصدقها حارث وهمام) والأسماء والحمد لله كثيرة ولا إشكال, أما ما جاء في القرآن فما كان خاصاً بالقرآن فلا يسمى به مثل: (بيان) ، (موعظة) وما أشبه ذلك, وما لم يكن خاصاً بالقرآن فإنه لا بأس بالتسمية به إلا إذا كان فيه تزكية, فـ (أبرار) مثلاً لا يسمى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم (برة) وهي واحدة فكيف الأبرار؟! لكن (أفنان) و (أغصان) و (آلاء) و (أنفال) ما فيها شيء.
السائل: بالنسبة لشيرين؟ الشيخ: لا أعرف شيرين, ما الذي يدل عليه ما معناه؟ السائل: يطلق على آلهة الفرس.
الشيخ: إذاً: آلهة الفرس! لا يحل؛ تسمية الأشخاص بما فيه الشرك لا يجوز.(213/24)
اغتسال أحد الزوجين بفضل الآخر
السؤال
في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تغتسل المرأة: فضل الرجل، والرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعاً) والحديث الثاني: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة) كيف الجمع بينهما؟
الجواب
الأول نهي إرشاد يعني ينبغي للرجل مع زوجته ألا ينفرد بالغسل وهي بالغسل, والأفضل أن يغتسلا جميعاً في إناء واحد وفي مكان واحد هذا معنى الحديث, وليس نهياً للتحريم بل ولا للكراهه لكنه نهي إرشاد بدل من أنك تغتسل في إناء والزوجة في إناء اجتمعا, وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وعائشة من إناء واحد, تختلف أيديهما فيه, حتى تقول: دع لي! دع لي! وهذا أيضاً مما يؤدي إلى قوة المحبة والرابطة بين الزوجين.
أما اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم بفضل ميمونة فلأنها سبقته, ولم يصادف وقت اغتسالها بوقت اغتساله, فاغتسل بعدها, وعلى هذا يتبين ضعف ما ذهب إليه الفقهاء من أن الرجل لا يغتسل بما خلت به المرأة لطهارة واجبة, بل نقول يغتسل ولا حرج.(213/25)
صرف الفوائد الربوية في المشاريع الخيرية
السؤال
بعض الطلاب المبتعثين في الخارج عندهم إشاعة أن هناك فتوى تجيز أخذ الفوائد الربوية من البنوك في الخارج, واستثمارها في الجمعيات الخيرية, سواء في الخارج أو في الداخل, السبب هو أن بعض البنوك تستغل هذه الفوائد في توزيعها للجمعيات سواء نصرانية أو يهودية أو في أعمال ضد الإسلام, فالإشكالية الآن أن هناك بعضهم يصدق هذه الإشاعات على أنها فتاوى صدرت من علماء أو من طلاب علم معروفين, رأيك يا سماحة الشيخ؟
الجواب
لا استحسان مع النص, ولا قبول لفتوى تخالف الكتاب والسنة, فالقرآن الكريم يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:278-279] , وفي السنة أعلن النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في حجة الوداع: (ربا الجاهلية موضوع -أي: الربا الذي كان في الجاهلية موضوع- وأول رباً أضعه من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب) فوضع الربا الذي كان في الجاهلية قبل أن يحرم في الإسلام وأهدره, فكيف يمكن أن نستحسن مع هذا النص, أخذ هذا الشيء وصرفه في مصالح خيرية هذا لا يجوز, وكيف يقابل الإنسان ربه يوم القيامة وهو يقول كذا, وأنت تقول: نأخذه استحساناً, هذه أنا أرى أنها فتوى خاطئة ممنوعة.
وأما قولهم أن هؤلاء يجعلونها في أشياء ضد المسلمين فكل مالهم من أولها لآخرها يريدون بها ضد المسلمين, إذاً لا تبايعهم ولا تشاريهم, إذا اشتريت منهم سلعة وزعمت أنهم يتخذونها من المسلمين فالربح الذي تعطيهم سيجعلونه ضد المسلمين ولا فرق, ثم هذا الربا هل هو كسب مالك؟ لأن مالك ربما يجعلونه ويتجرون به ويخسر, فليس من نماء ملكك, إنما هو رباً يضعونه هم بأنفسهم, فإذا كان كذلك فأنت ليس منك التفريط, وليس منك معونة على المسلمين, لأنه بكل سهولة تقول: هذا ليس ربحاً مالياً, أنا لا أدري ما الذي تصرفوا به أكسبوا أم خسروا.
فالمهم -يا أخي! والكلام للجميع- لا تستحسنوا شيئاً نهى الله ورسوله عنه, وأنت إذا تركت هذا فقد كسبت أشياء كثيرة: 1- علم هؤلاء الكفار أنك مسلم حقاً؛ لأنهم كفار -ولا سيما علماؤهم- يعلمون أن الربا محرم, محرم في التوراة والإنجيل وفي الإسلام, فإذا تركت هذا علموا أنك مؤمن حقاً وأنك لن تقدم الدنيا على الآخرة.
2- إذا تركت هذا ولا سيما إذا كان ملايين أوجب للمسلمين أن يكوِّنوا بنوكاً إسلامية, وينفردوا بمعاملاتهم كما سمعنا اليوم في الإذاعة في لندن أن المسلمين في إنجلترا يطالبون ببنوك إسلامية وأن الحكومة تدرس هذا الطلب, أما كوننا ننساب مع الناس ونستحسن بعقولنا ما منعه الشرع هذا خطأ, هذا من جنس ما استحسن المعطلة معطلة الأسماء والصفات من الأشاعرة وغيرهم استحسنوا أن ينكروا من صفات الله ما يثبته الله لنفسه, لحجة أن العقل ينكرها, عليك بكتاب الله وسنة رسوله, وهما المتبوعان لا التابعان.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم التمسك بدينه والوفاة عليه, إنه على كل شيء قدير, وإلى هنا انتهى المجلس, والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(213/26)
لقاء الباب المفتوح [214]
تحدث الشيخ رحمه الله عن تفسير آيات من سورة الحديد، وقد تناول هذا التفسير إنكار الله على الكفار في عدم إيمانهم مع أنه قد تمت أسبابه، ثم إنكاره على الذين لا ينفقون في سبيله، ثم ذكر الشيخ مسألة مهمة، وهي: أن الدين الإسلامي دين العدل لا دين المساواة كما يزعم بعض الناعقين محذراً من هذه الدعوة ومبيناً خطرها.(214/1)
تفسير آيات من سورة الحديد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع عشر بعد المائتين من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس من شهر جمادى الثانية عام (1420هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل مما انتهينا إليه في سورة الحديد.(214/2)
تفسير قوله تعالى: (وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم)
قال الله عز جل: {وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الحديد:8] وهذه الآية معطوفة على الآية التي قبلها، وهي قوله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ * وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [الحديد:7-8] يعني: أي شيء يمنعكم من الإيمان بالله، وقد تمت أسباب وجوب الإيمان به، وذلك بدعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما قال عز وجل: {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ} [الحديد:8] يعني أخذ الله ميثاقكم: العهد أن تؤمنوا به، وبرسله، فصار هناك سببان للإيمان.
الأول: دعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليه.
والثاني: الميثاق الذي أخذه الله علينا، وذلك بما أعطانا عز وجل من الفطرة والعقل والفهم الذي ندرك به ما ينفعنا ويضرنا، هذا هو الصحيح بمعنى الميثاق، وقيل أنه الميثاق الذي أخذه الله تعالى على بني آدم حين أخرجهم من ظهره إن صح الحديث الوارد في ذلك.
المهم أن الله تعالى ينكر على من لم يؤمن ويقول: ما الذي حملك على ألا تؤمن وقد تمت أسباب وجوب الإيمان في دعوة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخذ الميثاق؟! {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} يعني إن كنتم مؤمنين فالزموا الإيمان بالله ورسوله.(214/3)
تفسير قوله تعالى: (هو الذي ينزل على عبده آيات بينات)
ثم قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الحديد:9] لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدعو إلى الإيمان، بين أنه صلى الله عليه وسلم أتى بآيات بينات، أي علامات دالة على صدقه وأن ما جاء به فهو حق، ومعنى بينات: ظاهرات، فيما اشتملت عليه من القصص النافعة، والأخبار الصادقة، والأحكام العادلة، والفصاحة التامة، والبيان العجيب، حتى أن العرب وهم أئمة البلاغة وأمراؤها تحداهم الله عز وجل عدة مرات أن يأتوا بمثل هذا القرآن فلم يستطيعوا، فيقول عز وجل: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} أي علامات دالة على أنه رسول الله حقاً، وأن ما جاء به فهو حق، وذلك لما اشتملت عليه من الأخبار الصادقة والأحكام العادلة والقصص النافعة، والفصاحة والبلاغة وغير ذلك مما هو معلوم.
وقوله عز وجل: {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحديد:9] قوله: (لِيُخْرِجَكُمْ) يحتمل أن يكون المراد بذلك الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أي ليكون سبباً لإخراجكم من الظلمات إلى النور، ويحتمل أن يعود إلى الله عز وجل، أي ليخرجكم الله تعالى بهذه الآيات من الظلمات إلى النور وكلا المعنيين حق، قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة:257] وقال الله تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم:1] فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سبب أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأما المخرج الحقيقي هو الله عز جل.
والمراد بالظلمات ظلمات الجهل والشرك وظلمات العدوان والعصيان، فكل ما خالف الحق فهو ظلم، وكل ما وافقه فهو نور، فقوله عز جل: {لِيُخْرِجَكُمْ} الضمير يعود على من؟ إما على الله وإما على الرسول، ما هو الذي يؤيد أنه يعود إلى الله؟ قول الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة:257] والذي يؤيد أنه يعود إلى الرسول؟ {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم:1] وإذا كانت الآية تحتمل معنيين، ولا منافاة بينهما، تحمل عليهما جميعاً، فالله المخرج حقيقة والرسول مخرج على أنه سبب.
{وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحديد:9] الجملة هذه خبرية مؤكدة بإن واللام {وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} والرأفة أرق الرحمة، والرحمة أعم، فهو عز وجل رءوف رحيم أي ذو رحمة بالمؤمنين عز وجل، كما قال تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:43] رحمة الله سبحانه وتعالى إما عامة وإما خاصة، فالعامة: الشاملة لجميع الناس، والخاصة: بالمؤمنين، كما قال عز وجل: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:43] .
فإذا قال قائل: أي رحمة من الله عز وجل للكافر؟ أمده بأنعام وبنين وعقل وأمن ورزق بل إنه أي الكفار قد عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، أليس كذلك؟ قال الله عز وجل: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [النحل:61] فإذا سألك سائل: هل لله رحمة على الكافر؟ فلا تقل: نعم، ولا: لا، أما بالمعنى العام فنعم، ولولا رحمة الله به لهلك، وأما بالمعنى الخاص فلا، الرحمة الخاصة بالمؤمنين فقط كما قال عز جل: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} .(214/4)
تفسير قوله تعالى: (وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله)
قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الحديد:10] استمع لتعرف أن القرآن يتصل بعضه ببعض، قال الله تعالى في أول الآيات: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:7] ثم قال: {وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [الحديد:8] ثم قال: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الحديد:10] لما أمرنا أن ننفق مما جعلنا مستخلفين فيه قال: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} يعني: أي شيء يمنعكم؟! والإنفاق في سبيل الله يشمل كل شيء أمر الله بالإنفاق فيه، ففي سبيل الله هنا عامة، وعليه يدخل في ذلك الإنفاق على النفس، والإنفاق على الزوجة، والإنفاق على الأهل، والإنفاق على الفقراء، واليتامى، والإنفاق في سبيل الله، كل ما أمر الله بالإنفاق فيه فهو داخل في هذه الآية، حتى على النفس، إنفاقك على نفسك صدقة، إنفاقك على زوجك صدقة، لكن لاحظ النية لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ سعد بن أبي وقاص: (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها) وهذا القيد لازم، فلابد من أن تبتغي بها وجه الله (إلا أجرت عليها) أي: أثبت عليها.
إذاً: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ما المراد بالإنفاق في سبيل الله؟ كل ما أمر الله بالإنفاق فيه.
{وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:10] يعني كيف لا تنفق والذي سيرث السماوات والأرض هو الله، ومن جملة ذلك مالك الذي بخلت به سيرثه الله عز وجل، فإذا وُرث مالك من بعدك، فإما أن يرثه صالح فيكون أسعد به منك، وإما أن يرثه مفسد فتكون خلفت له ما يستعين به على إفساده، أفهمتم هذا؟ إذا خلفت المال فإما أن تخلفه إلى من ينفقه في سبيل الله فيكون هو أسعد بمالك منك، وإما أن تخلفه لمفسد يستعين به على معصية الله فتكون أعنته على معصية الله بما خلفت له من المال.
إذاً: ما هو اللائق بك؟ أن تنفقه في سبيل الله، حتى يكون لك غنماً، وتسلم من غائلته لو ورثه من يفسد به.
وتذكر -يا أخي- عندما تفكر في الإنفاق فيأتيك الشيطان ويأمرك بالبخل ويعدك الفقر فكر أنك إذا خلفت هذا المال فلابد أن يورث، فهو لن يدفن معك، ويكون الإرث دائراً بين الأمرين السابقين اللذين ذكرتهما وهو: إما أن يرثه من ينفقه في سبيل الله فيكون أسعد بمالك منك، وإما أن يرثه من يستعين به على الفساد في الأرض فتكون أنت سبباً في الإفساد في الأرض ولابد من هذا.(214/5)
تفسير قوله تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل)
قال تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد:10] لا يستوي من أنفق منكم في سبيل الله وقاتل مع من لم ينفق ولم يقاتل، لا يمكن أن يستوي هذا وهذا؛ لأن دين الإسلام دين العدل في العمل والجزاء وليس كما يقول المحدَثَون المحدِثُون أنه دين المساواة، هذا غلط عظيم، لكن يتوسل به أهل الآراء والأفكار الفاسدة إلى مقاصد ذميمة، حتى يقول المرأة والرجل سواء، والمؤمن والفاسق سواء، والعربي والعجمي سواء، ولا فرق، وسبحان الله! أنك لن تجد في القرآن كلمة المساواة بين الناس، لابد من فرق، بل أكثر ما في القرآن نفي المساواة ((لا يَسْتَوِي)) [النساء:95] {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] وآيات كثيرة.
فاحذر أن تتبعهم فتكون كالذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداءً، بدلاً من أن تقول: الدين الإسلامي دين مساواة قل: دين العدل الذي أمر الله به أن يعطى كل ذي حق حقه، أرأيت المرأة مع الرجل في الإرث سواء أم يختلفون؟ يختلفون، في الدية؟ دية المرأة نصف دية الرجل، وكذلك في العقيقة، فك الرهان: الذكر اثنتان والأنثى واحدة، وفي الدين المرأة ناقصة، إذا حاضت لم تصل ولم تصم، في العقل المرأة ناقصة: شهادة الرجل بشهادة امرأتين، وهلم جرا، الذين ينطقون بكلمة مساواة إذا قررنا هذا وأنه من القواعد الشريعة الإسلامية، ألزمونا بالمساواة في هذه الأمور، وإلا لصرنا متناقضين، فنقول: دين الإسلام هو دين العدل، فهو يعطي كل إنسان ما يستحق، حتى جاء في الحديث: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) يعني إذا أخطأ الإنسان الوجيه الشريف في غير الحدود فاحفظ عليه كرامته وأقله، هذا الذي تقيله إذا كان من الشرفاء، إقالتك إياه أعظم تربية من أن تجلده ألف جلدة، لأنه كما قيل: الكريم إذا أكرمته ملكته، لكن لو جاء إنسان فاسق ماجن فهذا اشدد عليه بالعقوبة وعزره، ولهذا لما كثر شرب الخمر في عهد عمر بن الخطاب ماذا فعل؟ ضاعف العقوبة، بدل أربعين جعلها ثمانين.
كذلك الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن: (من شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب يعني الرابعة فاقتلوه) يعني هذا ليس فيه فائدة، ثلاث مرات نعاقبه ولكن لا فائدة، إذاً خيرٌ له ولغيره أن يقتل، إذا قتلناه استراح من الإثم، كما قال عز وجل: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران:178] .
الخلاصة: التعبير بأن دين الإسلام هو دين المساواة خطأ والصحيح أنه دين العدل ولا شك.
العجب أن هؤلاء الذين يقولون هذا الكلام يقولون: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) فيتناقضون، الحديث ما نفى مطلقاً قال: إلا بالتقوى، إذاً يختلفون بالتقوى أو ما يختلفون؟ يختلفون، ثم إن هذا الحديث أظنه لا يصح للنبي عليه الصلاة والسلام، لأنه قال: (إن الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) ففضل، ولا شك عندنا أن العرب -أعني جنس العرب- أفضل من جنس غير العرب، والدليل على هذا أن الله جعل في العرب أكمل نبوة ورسالة، وهي نبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد قال الله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] فالأجناس تختلف، وقال عليه الصلاة السلام: (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا) احذر أن تتابع في العبارات التي ترد من المحدِثِين المحدَثَين حتى تتأملها وما فيها من الإيحاءات التي تدل على مفاسد ولو على المدى البعيد.
أسأل الله أن يهدينا وإياكم الصراط المستقيم وأن يتولانا في الدنيا والآخرة إنه على كل شيء قدير.(214/6)
الأسئلة(214/7)
خطورة دعوى التقارب بين الأديان
السؤال
ما رأي فضيلتكم فيما يسمى بالتقريب بين الأديان كأن يكون هناك اجتماع بين المسلمين والنصارى لمحاولة تقوية الروابط بينهم، أو بين المسلمين: أهل السنة والرافضة جزاك الله خيراً؟
الجواب
أرى بارك الله فيك أنه لا يجوز إطلاقاً أن نقر بأن النصارى على دين أو أن اليهود على دين، كلهم لا دين لهم؛ لأن دينهم منسوخ بدين الإسلام، فكوننا نقول: الأديان ما نقر بهذا أبداً، نقول: ليست اليهود على شيء وليست النصارى على شيء، والدين دين الإسلام، كما قال عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] .
إذا كان كذلك فهل يمكن أن نقارب بين حق وبين منسوخ؟ لا يمكن، وما ذاك إلا مداهنة كما قال عز وجل: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9] نعم إذا كان مقاربة خاصة محدودة بين شخص وآخر، لأجل أن يدعوه إلى دين الإسلام فهذا شيء آخر، لكن أن نداهن ونقول: أنتم يا يهود! على دين، وأنتم يا نصارى! على دين، ونحن على دين؛ والأديان كلها سماوية، فهذا لا يجوز.
أولاً: التوراة التي بيد اليهود والإنجيل الذي بيد النصارى محرف مبدل مغير، فهو ليس على ما جاء به الرسل.
ثانياً: أنه لو فرض أنهم على ما جاء به الرسل مائة بالمائة فهو منسوخ، والذي يحكم بالأديان ويشرعها هو الله الخالق عز وجل، قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة:48] فدين اليهود ودين النصارى انتهى ولا قيام له أبداً.
أما بالنسبة للشيعة وأهل السنة فكل منهم يقول: إنه مسلم، ولكن يجب أن يوزن ذلك بميزان الحق، وينظر هل الخلاف بينهم كالخلاف بين الشافعي وأحمد وأبي حنيفة ومالك وسفيان الثوري وغيرهم أو خلاف جذري في العقيدة، إن كان الثاني فلابد أن يدعى هؤلاء إلى دين الإسلام، ويبين لهم أنهم على ضلال، ولا يمكن أن نقارب بين الإسلام وبين ما ليس بإسلام، ولذلك أنا أرى أنه يجب على علماء أهل السنة أن يدعوا إلى السنة دون أن يهاجموا بذكر بطلان مذهب الرافضة مثلاً الذين يسمون أنفسهم شيعة؛ لأن الإنسان مهما كان إذا كان له مبدأ وهوجم نفر وابتعد، لكن تبين له السنة، وتبين فضائل الصحابة ولا سيما الخلفاء الراشدين أبو بكر عمر عثمان علي، وإذا بُين الحق فالنفوس مجبولة على قبول الحق، لكن الذي يضر الناس الآن المهاجمة، وهذا غلط ليس من الحكمة، قال الله عز وجل: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] مع أن سب آلهة المشركين واجب، لكن لا نسبه؛ لأنه إذا سببنا آلهتهم وهي باطلة سبوا إلهنا وهو حق، كذلك الآن الدعوة، أنا لا أحب من الدعاة أن يهاجموا، بل أحب أن يبينوا الحق، وإذا بان الحق فالنفوس مجبولة على قبوله.(214/8)
حكم إهداء القُرب للأموات
السؤال
ما القرب التي تهدى ويصل نفعها إلى الميت؟
الجواب
أولاً: -بارك الله فيك- أصل الإهداء إلى الأموات ليس مشروعاً ولا مسنوناً، لا صدقة ولا عمرة ولا حجاً ولا شيء، والمشروع هو الدعاء، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) والحديث الآن في سياق عمل أم في سياق دعاء؟ عمل، عدل النبي عليه الصلاة والسلام عن العمل للميت إلى الدعاء له، فدل هذا على أن هذا المشروع، أما العمل فليس بمشروع، ولكن هل ينفع الميت إذا أهديت إليه العمل أو لا؟ نقول: ما جاءت به السنة فلا مناص عنه، كالصدقة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أذن لـ سعد بن عبادة رضي الله عنه أن يتصدق بمخرافه لأمه، وأذن للرجل الذي قال: (يا رسول الله! إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم) وأذن للرجل الذي كان يلبي عن شبرمة قال: (أحججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة) وأذن في قضاء صوم النذر، وفي الحج عن العاجز الذي لا يرجى زوال عجزه، فما جاءت به السنة، فهو ما حكمت به السنة، فهل نقيس عليه جميع الأعمال؟ اختلف في هذا أهل العلم، فمنهم من قال: الأصل أن عمل الإنسان لنفسه كما قال عز وجل: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] وقال: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة:134] وما جاء استثناؤه في السنة فعلى العين والرأس، أما الباقي فلا، ومنهم من قال: إن هذه المسائل التي جاءت بها السنة قضايا أعيان يعني: ليست ألفاظاً لها عموم، فلا ندري لو أن أحداً استأذن من الرسول عليه الصلاة والسلام، أن يسبح لأبيه أو يقرأ لأبيه هل يمنعه أم لا؟ ما ندري، وإذا كانت السنة جاءت بهذا الأصل أي بأصل جواز إهداء القرب فالعموم أولى، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكذلك أيضاً قبله الإمام أحمد قال: أي قربة فعلها وجعل ثوابها لميت مسلم أو حي نفعه، لكن مع ذلك لا نحبذ هذا، ونقول: الدعاء للميت أفضل، دعوة واحدة أفضل من ألف درهم، اجعل العمل لنفسك فأنت محتاج إذا مت سوف تتمنى أن يكون لك حسنة واحدة، واجعل الدعاء لميتك هذا هو السنة.(214/9)
حكم الخارج من البدن غير البول والغائط
السؤال
هل خروج الدم عن طريق الرعاف أو الجرح من الجسم ينقض الوضوء؟
الجواب
لا، كل ما خرج من البدن لا ينقض الوضوء إلا البول والغائط، أما الدم والقيء والقيح وما يسميه النساء بالطهر الذي يسيل من فرج المرأة دائماً، حتى إن بعض العلماء قال: سلس البول فلا ينقض الوضوء أيضاً، إذا تطهر الإنسان أول مرة فإنه لا ينتقض وضوءه ما لم يحدث بحدث آخر، وعلل ذلك بأنه لا يستفيد من الوضوء، إذ أن الحدث دائم فلا فائدة من الوضوء، نعم لو انتقض وضوءه من ريح مثلاً وفيه سلس بول فهنا يجب أن يتوضأ، وهذا القول ليس ببعيد من الصواب، وكنت بالأول أرى أنه ينقض الوضوء وأنه لا يجوز أن يتوضأ الإنسان للصلاة إلا بعد دخول وقتها لكن بعد أن راجعت كلام العلماء واختلافهم، وقوة تعليل من علل بأن هذا الوضوء لا فائدة منه إذ أن الحدث دائم تراجعت عن قولي الأول، وهذا القول أرفق بالناس بلا شك، ولا سيما بالنسبة للنساء اللاتي يخرج منهن هذا السائل الدائم، ولا سيما في أيام الحج والعمرة عندما تذهب المرأة مثلاً إلى المسجد من بعد المغرب لتصلي صلاة العشاء، إذا قلنا بانتقاض الوضوء، يعني لابد أن تبتدئ الوضوء بعد دخول الوقت، فصار في هذا مشقة عظيمة، لا سيما في أيام الزحام، شيء فيه مشقة على المسلمين، والدليل فيه ليس بواضح، وقد قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة:185] وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] .
والظاهر أيضاً أن الذي يصيب النساء هو الذي يصيب النساء السابقات، ولم يبلغ أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر النساء أن تتوضأ لوقت كل صلاة، غاية ما هنالك المستحاضة على خلاف في هذا؛ فإن مسلماً رحمه الله أشار إلى أن قوله: توضئي لكل صلاة لم يصح، ولذلك حذفها عمداً من حديثه، المهم الشيء المعتاد لا ينقض إلا البول والغائط فقط والريح لأنه ثبت به الحديث.
السائل: خروج الفاحش النجس ما المقصود به؟ الشيخ: لا يضر، والفاحش النجس: هو الدم والقيء، والصحيح أن دم الإنسان وقيء الإنسان طاهر، لأنه لا يوجد دليل على النجاسة، كثرةً وقلةً، ما دام أنه لا يوجد دليل فالأصل الطهارة.(214/10)
حكم السجود للبشر
السؤال
رجل أو كفيل عنده عامل، وهذا العامل كافر، فألح العامل على الكفيل بالسفر إلى أهله فامتنع، فسجد العامل أمام الكفيل فيقول الكفيل فرحمته شفقة مني وسمحت له بالسفر؟ الشيخ: لما أشرك به أليس كذلك؟ السائل: والله! هذا نظره، يقول: شفقة مني؟! الشيخ: المهم لما سجد ولما أشرك بالله رق له، فهذا خطأ ومن أكبر الخطأ.
السائل: بدون قصد هذا.
الجواب
المهم على كل حال شيء مضى، لكن انصح هذا الكفيل وقل: تب إلى الله عز وجل، كان الواجب عليه لما سجد له أن ينهاه وينهره، ويقول: السجود لله، لكن نظراً لجهله أرجو الله ألا يعاقبه، أليس النبي عليه الصلاة والسلام لما قال له رجل: (ما شاء الله وشئت، أنكر عليه وقال: أجعلتني لله نداً؟!! بل ما شاء الله وحده) على كل حال بلغ سلامي للكفيل وقل له: يتوب إلى الله ويستغفر، وكان عليه أنه لما سجد له أن يقول له: هذا ما يصلح، هذا لا يجوز إلا لله، ربما لو قال له في هذه الحال ربما ينتبه ويعرف أنه على خطأ.(214/11)
تنفيذ وصية الأب إذا جرت إلى فتنة أو معصية
السؤال
رجل أوصى ابنه الكبير قبل أن يموت على ألا يزوج أخواته صغاراً حتى يتخرجن من الجامعة؛ لأن الرجال اليوم لا يوثق بهم، حيث يتزوجون النساء ويطلقوهن متى شاءوا، فتصبح المرأة لا حول لها ولا قوة، فإن درست وتخرجت من الجامعة وحصل الفراق بينها وبين زوجها تتوظف وتستغني عن سؤال الناس، وبعد موت الأب كبرت أخواته فخشي على أخواته الفتنة في دخول الجامعة من وجود الاختلاط والفساد وما أشبه ذلك فهل له عدم تنفيذ وصية أبيه؟ وإذا كان الجواب بـ (نعم) فماذا تقولون في قوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة:181] وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
أقول: هذه الوصية لا عبرة بها ولا يعمل بها، بل متى خطب المرأة رجل كفء ورضيت به تزوجت، ولا عبرة بوصية أبيها.
وأما قوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ} [البقرة:181] فالمراد به الوصية النافعة، أما غيرها فقد قال الله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:182] وهذا لا شك أنه جنف، فهذه شابة تريد الزواج نقول: لا، حتى تتخرجي من الجامعة، ولا ندري ربما ترسب مرتين أو ثلاثاً وتبقى سنوات، المهم أن هذه الوصية جائرة ولا تنفذ.(214/12)
حكم من يطوف حول القبور ويذبح لها
السؤال
إذا كان الرجل من القبورية، يسجد للقبور ويطوف حول القبور ويذبح للأضرحة ويعد هذه الأشياء من الإسلام، علماً بأن دعوة الإسلام ما وصلت إليه وهو لا يعرف معنى التوحيد ولا كلمة التوحيد، فما الحكم عليه هل نعتبره من المسلمين أو من المشركين؟
الجواب
هل بلغته الدعوة على وجه صحيح أو لا؟ إن لم تبلغه الدعوة على وجه صحيح، وهو ينتسب إلى الإسلام فهو مسلم ظاهراً، أما في الآخرة فأمره إلى الله، أما إذا كانت الدعوة بلغته، لكن قال أنه وجد آباءه على هذا فهذا كافر، لأنه كالذين قال الله فيهم {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22] .(214/13)
عدم صحة القول بأن الحجامة تورث النسيان
السؤال
أنا شخص أريد الحجامة، ولكني سمعت أن الحجامة تورث النسيان فما رأي فضيلتكم؟
الجواب
الحجامة من الأدوية السنية، فإذا كان الإنسان عنده دم كثير فاسد فلابد من الحجامة، وحينئذٍ يعرض الأمر على طبيب مختص، فإذا قال: لابد من الحجامة فلابد منها، ثم اعلم أن الإنسان إذا حجم أول مرة اعتاد بدنه على هذا، وصار لابد أن يحتجم كل عام وإلا غشى عليه الدم، وإذا لم يحتجم أصلاً فإنه في الغالب لا يحتاج إليه.
أما أنها تورث النسيان فلا، كيف الرسول يبين أنها من الأدوية النافعة ونقول: إنها تورث النسيان، هذا ليس بصحيح.
النسيان من أكبر أسبابه معصية الله عز وجل، كما قال الله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] .(214/14)
السنن البعدية بعد صلاة الجمعة
السؤال
كيف يجمع بين قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا) وبين فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يصلي في بيته ركعتين حفظكم الله؟
الجواب
اختلف بهذا أهل العلم فقال بعضهم: إنه يصلي ستاً، ركعتان ثبتتا بالسنة الفعلية، وأربع بالسنة القولية هذا قول.
قول ثاني: أن المعتبر القول، وهو أن يصلي أربعاً فتكون سنة الجمعة أربعاً فقط.
القول الثالث: التفصيل: إن صلى في المسجد صلى أربعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا صلى الله عليه وسلم أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) ولم يقيد، فيكون إن صلى في المسجد فأربع، وإن صلى في بيته فركعتان، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يعني التفصيل، والحمد لله الأمر واسع يعني: لو أنه ذهب إلى البيت وصلى أربعاً بتسليمتين كان حسناً ما يضر إن شاء الله.(214/15)
حكم فك السحر بالسحر
السؤال
نسأل عن فك السحر بالسحر للضرورة بعدما ذهب الإنسان إلى القراء وقُرئ عليه ولم ينفك هذا السحر؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
يتابع القراءة ويشفيه الله عز وجل.(214/16)
هل الأعمال المباحة تكتب في الصحف
السؤال
الأعمال والأقوال المباحة هل تكون في ميزان حسنات العبد أو في ميزان سيئاته؟ وهل هناك أقوال وأعمال لا يثاب الإنسان عليها ولا يعاقب؟
الجواب
تكلمنا قبل قليل عن العدل، فإذا كان العمل ليس مأموراً به ولا منهياً عنه وفعله الإنسان، ما هو العدل؟ لا يثاب ولا يعاقب، ولهذا العلماء أجمعوا على ما دل عليه الكتاب والسنة من أن هناك قسماً في الشريعة الإسلامية يسمى الحلال أو المباح ليس فيه ثواب ولا عقاب، إلا إذا كان وسيلة لمطلوب شرعاً ففيه ثواب، أو كان وسيلة لمحرم ففيه عقاب، ولهذا لو قال لنا قائل: ما تقولون في شراء الماء للصلاة؟ قلنا: فيه أجر أو ما فيه أجر؟ فيه أجر، ولو أن أحداً اشترى سلاحاً ليقاتل به المسلمين، فيه إثم أو لا؟ فيه إثم، مع أن أصل الشراء والبيع حلال.
السائل: لكن قول بعض السلف يا شيخ: (أني أحتسب على الله نومتي وقومتي) ؟ الشيخ: لأنه ينوي بالنوم الاستعانة على الطاعة، وينوي بالقيام العمل الصالح والدعوة إلى الله وما أشبه ذلك.(214/17)
لقاء الباب المفتوح [215]
الإنفاق في سبيل الله من أعظم الأعمال الصالحة والتي تسبق الجهاد بالنفس في كثير من الآيات، ولقد مدح الله المنفقين قبل صلح الحديبية وقاتلوا وزادهم درجة على الذين جاءوا من بعدهم وأنفقوا وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى، في ظلال آيات سورة الحديد كان للشيخ بيان وتفسير لها وحث على الإنفاق في سبيل الله.(215/1)
تفسير آيات من سورة الحديد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس عشر بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو العشرون من شهر جمادى الثانية عام (1420هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بما ييسر الله عز وجل مما وقفنا عليه في تفسير القرآن الكريم، الذي أدعو فيه جميع المسلمين إلى أن يتدبروا كلام الله عز وجل؛ لأنه لا يمكن العمل بالقرآن إلا إذا فُهم معناه.(215/2)
تفسير قوله تعالى: (وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض)
انتهينا إلى قول الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:10] يعني أي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله عز وجل، والمال ليس بباق لكم فإنكم سوف تخلّفونه، ولهذا قال: {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:10] وقد قال بعض أهل العلم: إن الشح بإنفاق المال سفه في العقل، لأن هذا المال إما أن يفنى في حياتك فتعدمه، وإما أن يبقى بعد موتك فيرثه أهل الخير فينفقونه ويكون أجر الإنفاق لهم، أو يرثه أهل شر فيستعينون به على معصية الله، فأنت خاسر على كل حال، وهنا يقول الله عز وجل: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:10] فإنه لن يبقى هذا المال لكم بل سيورث وترجع الأمور كلها إلى الله تبارك وتعالى.(215/3)
تفسير قوله تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل)
قال تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد:10] أي: لا يكونون سواءً، الذي أنفق من قبل الفتح -والمراد بالفتح هنا صلح الحديبية الذي جرى بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبين قريش، وذلك في ذي القعدة من العام السادس من الهجرة- وسمي فتحاً لأنه صار فيه توسيع للمسلمين، وتوسيع أيضاً للمشركين، اختلط الناس بعضهم ببعض وأمن الناس بعضهم من بعض، حتى يسر الله عز وجل أن نقضت قريش العهد فكان من بعد ذلك الفتح الأعظم فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة في رمضان.(215/4)
تفسير قوله تعالى: (أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا)
قال الله عز وجل: {أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد:10] وذلك لأن الأولين أنفقوا وقاتلوا وسبقوا إلى الإسلام، وكان الإسلام في حاجة لهم ولإنفاقهم فكانوا أفضل ممن أنفق من بعد وقاتل، والله سبحانه وتعالى يقضي بالعدل بين عباده، ولكن لما كان تفضيل السابقين قد يفهم منه ألا فضل للاحقين قال: {وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:10] (كلاً) من الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والذين أنفقوا من بعده وقاتلوا، وعدهم الله الحسنى، يعني: الجنة.(215/5)
تفسير قوله تعالى: (والله بما تعملون خبير)
قال تعالى: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد:10] أي: عليم ببواطن أموركم كظواهرها لا يخفى عليه شيء، وإذا كان عالماً بها فسوف يجازي جل وعلا كل عامل بما عمل، قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] والمراد بالفتح هنا صلح الحديبية، والمراد بالحسنى: الجنة.
إذاً كل الصحابة وعدهم الله تعالى الجنة، فنحن نشهد لكل الصحابة أنهم في الجنة، لكن لا نشهد لأحد بعينه إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(215/6)
تفسير قوله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له وله أجر كريم)
ثم قال عز وجل حاثاً ومرغباً على الإنفاق في سبيله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:11] أي: أين الذين يقرضون الله قرضاً حسناً، أي: ينفقون فيما أمرهم بالإنفاق فيه، وأشار الله في هذا إلى شيئين: الإخلاص والمتابعة، الإخلاص في قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ} [الحديد:11] أي: لا يريد سوى الله عز وجل، والمتابعة في قوله: ((حَسَناً)) [الحديد:11] لأن العمل الحسن ما كان موافقاً للشريعة الإسلامية، وهذان -أعني: الإخلاص والمتابعة- هما شرطان في كل عمل: أن يكون مخلصاً لله وأن يكون متابعاً فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وصف الله تعالى الإنفاق في سبيله بالقرض تشبيهاً بالقرض الذي يقرضه الإنسان غيره؛ لأنك إذا أقرضت غيرك فإنك واثق من أنه سيرد عليك، وهكذا أيضاً العمل الصالح سيرد على الإنسان بلا شك، ولهذا قال: {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:11] المضاعفة هنا الزيادة، وقد بيَّن الله تبارك وتعالى قدرها في سورة البقرة، فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] فأنت إذا أنفقت درهماً، فإن جزاءه سبعمائة درهم ثواباً من عند الله عز وجل، والله فضله أكثر من عدله وأوسع، ورحمته سبقت غضبه، إذاً يضاعفه له إلى سبعمائة بل إلى أكثر، كما جاء في الحديث إلى أضعاف كثيرة {وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:11] أي: حسن واسع وذلك فيما يجده في الجنة، ففيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.(215/7)
تفسير قوله تعالى: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات)
ثم قال الله عز وجل: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الحديد:12] أي: اذكر للأمة يوم ترى أيها الإنسان المؤمنين والمؤمنات يوم القيامة {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} يكون من الأمام ومن اليمين، أما من الأمام فلأجل أن يقتدي الإنسان به، لأن النور إذا كان أمام الإنسان تبعه، وأما عن اليمين فتكريماً لليمين، يكون بين أيديهم وبأيمانهم.
وقوله: ((يَسْعَى نُورُهُمْ)) يفيد أن هذا النور على حسب الإيمان؛ لأن الحكم إذا علق بوصف كان قوياً بقوة ذلك الوصف وضعيفاً بضعفه.
إذاً نورهم على حسب إيمانهم.
قال تعالى: {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ} تقوله الملائكة لهم: (بشراكم) أي: ما تبشرون به (اليوم) يعني يوم القيامة {جَنَّاتٌ} وهذه الجنات فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} [الزخرف:71] فيها ما يشاءون كما قال الله عز وجل: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] وجمعها بأنها جنات متعددة متنوعة درجات مختلفة حسب قوة الإيمان والعمل.
وقوله: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أي: تسير والأنهار جمع نهر، وقد بين الله تبارك وتعالى في سورة القتال أنها أربعة أنواع {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] وهذه الأنهار لا تحتاج إلى حفر ساقية ولا إلى جدولة، تسير على سطح الأرض حيث شاء أهلها، قال ابن القيم رحمه الله:
أنهارها من غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضانِ
لا تذهب يميناً ولا شمالاً إلا حيث أراد أهلها، وقوله: {مِنْ تَحْتِهَا} إشارة إلى علو قصورها وأشجارها، يعني: تكون هذه الأنهار من تحت هذه القصور العالية والأشجار الرفيعة {خَالِدِينَ فِيهَا} أي: ماكثين فيها، وقد جاءت آيات متعددة بأن هذا المكث دائم، ليس فيه زوال ولا انقطاع ولا تغير {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (ذلك) المشار إليه ما وعدهم الله به، الجنات التي تجري من تحتها الأنهار (هو الفوز العظيم) (هو) ما يسميه العلماء ضمير فصل، وهو مفيد للتوكيد والاختصاص، أي: هذا الذي ذُكر هو الفوز العظيم، لأنه لا فوز مثله كما أنه لا فوز أعظم منه، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهله إنه على كل شيء قدير.(215/8)
الأسئلة(215/9)
الأفضلية في الصلاة: إلى الصف الأيمن أم الأيسر؟
السؤال
لو حضر الإنسان إلى الصلاة هل الأفضل أن يأتي في آخر الصف إلى اليمين أو في الروضة من اليسار؟
الجواب
أولاً: كلمة (الروضة) هذه لا أصل لها، وقول العوام: إن الروضة ما كان خلف الإمام أو عن يمينه أو عن شماله وقريباً منه هذه لا أصل لها.
سؤال الأخ يقول: هل الأفضل الأيمن مطلقاً أي: من الصف أو إذا بَعُدَ فاليسار أفضل منه إذا كان أقرب؟ الجواب: اليسار أفضل إذا كان أقرب إلى الإمام، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل: أتموا الأيمن فالأيمن، إنما قال: (أتموا الأول فالأول) ولذلك نقول في الأول والثاني: الأول أفضل من الثاني وإن كان الثاني خلف الإمام والأول في طرف الصف، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن نكمل الأول فالأول، أما اليمين فلم يقل: أتموا الأيمن فالأيمن، ولو كان الأيمن أفضل مطلقاً لقال: أتموا الأيمن فالأيمن، وعلى هذا فنقول: إذا تقارب اليمين والشمال فاليمين أفضل، وإذا تساوى اليمين والشمال فاليمين أفضل، أما مع البعد فاليسار أفضل؛ وذلك لدنوه من الإمام، والدنو من الإمام معتبر شرعاً.
ويدل لهذا أيضاً أن المسلمين كانوا في أول الأمر إذا كانوا ثلاثة يصفون صفاً واحداً، ويكون أحدهما عن يمين الإمام والثاني عن يساره، ثم نسخ هذا إلى أن يتقدم الإمام إذا كانوا ثلاثة، فدل هذا على أنه إذا تساوى اليمين والشمال فاليمين أفضل، وإلا فاليسار أفضل، لو كان اليمين أفضل مطلقاً لكان الثلاثة واقفون بحيث يكون الاثنان عن يمين الإمام، وهذه مسألة تخفى على كثير من طلاب العلم فضلاً عن العوام، في بعض المساجد تجد الصف الأيمن يكاد يتم والأيسر ما فيه إلا واحد أو اثنان وهذا غلط، هذا إذا قلنا بأن قوله: وسط الإمام ضعيف، أما إذا قلنا بأنه حسن فهي أصلاً لا يتنازع فيها اثنان، صار الأيمن أفضل إذا تساوى الأيمن والأيسر أو تقاربا فرق رجل أو رجلان، أما إذا كان الفرق بيناً فاليسار أفضل.(215/10)
حكم الملابس التي تظل في المغسلة أكثر من الفترة المشروط مكوثها عندهم
السؤال
مغسلة ملابس فيها ملابس مضى عليها أكثر من شهرين ولا يعرف أصحابها، مع أنه من ضمن الشروط في الفاتورة أن المغسلة غير مسئولة عن الملابس التي يتركها أصحابها أكثر من شهرين، هل لصاحب المغسلة أخذها إما للاستعمال أو البيع أو التصدق بها، وإذا أخذها ثم طالب بها صاحبها بعد أن تصرف بها فهل يلزم رد ثمنها أم لا؟
الجواب
إذا كان مشروطاً على صاحب الثياب أنه إذا تأخر لمدة شهرين فلا حق له فهو الذي تأخر، وإذا تمت الشهران إما أن يتصدق بها صاحب المغسلة إن وجد من يقبلها ويلبسها، أو يبيعها ويتصدق بثمنها، لكن أرى أن ينتظر بعد الشهرين عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً؛ لأنه ربما يكون صاحبها قد أقبل، ولكن تعطلت سيارته أو حصل له مرض فالأفضل أن ينتظر.(215/11)
حكم بيع وشراء الأقنعة المخيفة
السؤال
هناك الآن أقنعة مخيفة على شكل صور تباع في المحلات يشتريها الناس ويلبسونها هل فيها شيء؟
الجواب
أولاً: أرى أن هذه الأقنعة محرمة في بيعها وشرائها واقتنائها واستعمالها؛ لأنها مضيعة للمال ولا فائدة فيها إطلاقاً، وكل شيء لا فائدة فيه فبذل المال فيه محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن إضاعة المال.
ثانياً: أنها مشوهة ترعب الصبيان وتخيفهم، وتبقى هذه الصورة المرعبة في مخيلة الصبي إلى أن يموت إلا أن يشاء الله، فلا أرى جوازها؛ بل أرى منعها، ولا يجوز للإنسان أن يشتريها، أو يبيعها، أو يقتنيها، أو يستعملها.(215/12)
حكم الهجرة من بلاد المسلمين إلى دول غربية كافرة
السؤال
ما حكم الهجرة من بلاد المسلمين إلى دولة غربية أو كافرة؟
الجواب
الهجرة بارك الله فيك هي الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام وليس من بلد الإسلام إلى بلد الشرك، اللهم إلا أن يضطهد الإنسان في بلد الإسلام، ويمنع من إقامة شعائر دينه، ويكون في بلد الكفر يستطيع أن يقيم شعائر الدين وأن يدعو إلى الله عز وجل، فهنا انتقاله خير من بقائه، إلا إذا كان انتقاله يسبب ضرراً على الآخرين الملتزمين، يعني لو قلنا: ارتحلوا من هذه البلاد التي يضطهد فيها الملتزم ثم رحلوا واحداً واحداً بقيت البلاد على المفسدين، ففي هذا الحال نقول: اصبر وابق في بلدك وتساعد مع إخوانك في إصلاح الأمور بالتي هي أحسن.
حتى أنا أرى ما دام بقاؤه فيه مصلحة للموجودين الإخوة الآخرين الملتزمين فليبق وإن شاء الله سوف يفرج الله له.(215/13)
حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد القيام من الركوع
السؤال
هل ورد دليل ثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه وضع يده اليمنى على اليسرى بعد القيام من الركوع؟
الجواب
روى البخاري رحمه الله عن سهل بن سعد رحمه الله قال: (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى أو كفه اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) هكذا جاء في صحيح البخاري ويستثنى من هذا السجود؛ لأن اليدين على الأرض، ويستثنى من هذا الجلوس لأن اليدين على الفخذين، ويستثنى من هذا الركوع؛ لأن اليدين على الركبتين، وما بقي إلا القيام قبل الركوع وبعده، وهذا هو الدليل.(215/14)
حكم الزكاة في النخيل الذي في البيوت
السؤال
ما حكم الزكاة إذا كان في بيتنا ثلاث نخيلات؟
الجواب
النخل الذي في البيوت إن كان يبلغ النصاب ففيه الزكاة، وإن كان دون النصاب وليس للإنسان مثلاً استراحة أو بستان يضمها إليه فلا زكاة فيه.(215/15)
هل العبرة في سداد الديون القيمة أم المثلية؟
السؤال
هل العبرة بسداد الديون في العملة: القيمة أم المثل؟ مثلاً استلفت ألف دينار أردني وهي تساوي بالسعودي خمسة آلاف ريال سعودي، هل إذا ارتفعت القيمة ونزلت أردها بنفسها؟
الجواب
عليك دينار أردني، القرض على اسمه، ترد مثله زادت قيمته أو نقصت، كما لو استقرضت منك صاع بر فالواجب علي أن أرد صاع بر، استقرضت منك صاع رز، أرد عليك رزاً، لما استقرضته مني كان الصاع يساوي خمسة ريالات، ولما أردت أن توفيني صار يساوي عشرة ريالات هل تقول: لا أرد عليك إلا نصف الصاع؟ لا، ترد علي الصاع ولو كان يساوي عشرة، والعكس كذلك لو كان يساوي عشرة عند القرض وعند الاستيفاء يساوي خمسة، ما لي إلا الصاع، والخلاصة أن الإنسان يرد مثلما استقرض زادت القيمة أم نقصت، هذه هي القاعدة.(215/16)
حكم بيع التورق
السؤال
عندي مكتب لخدمات البيع بالتقسيط يدفع له مستودع، فالتاجر يشتري البضاعة فيعرضها للبيع بالتقسيط فقط، والمكتب يبيعها له، ويأخذ مقابلاً لذلك العقد وتخليص الأقساط، والمشتري يأخذ البضاعة ويبيعها في مكان آخر، ما حكم هذه العملية؟
الجواب
الآن فهمنا أن عندنا تاجر اشترى سيارات وأودعها عنده، ويبيع بالتقسيط وله دلال يبيع له ويخلص الثمن من المشترين، إلى هنا جائز وما فيها إشكال، بقينا في هذا الذي اشترى أنت تقول: إنه باعها من أجل أن يأخذ الدراهم.
هذا الرجل الذي اشترى السلعة من أجل ثمنها يسميه العلماء التورق، منهم من أجازه ومنهم من منعه.
الذين منعوه قالوا: إن هذه حيلة لأنه ما اشترى السيارة مثلاً يريد السيارة لكن يريد الدراهم، والآخرون يقولون: هذا ما علينا منه اشترى السيارة وغرضه آخر ما علينا منه، سواء أراد أن يبيعها أو أن يكدسها لنفسه، يشتغل بها بالأجرة، أو يذهب بها إلى بلد آخر تكون أرفع قيمة، ما علينا منه، فالمسألة فيها خلاف، فمن أراد التورع فليترك ذلك، ومن أراد التوسع فيتبع العلماء الآخرين.
لكن المحظور الممنوع الذي هو شبيه بعمل اليهود، هؤلاء القوم الذين يأتون إليهم من يريد السيارة ويقول: اذهب إلى المعرض واختر السيارة التي تريد، وأنا أشتريها من المعرض وأنقد له الثمن وأبيعها عليك بالتقسيط بأكثر، هذه لا شك أنها حرام، ولا يغرنك فتوى من قال: إنها حلال، لأن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، أي فرق بين أن يعطيك التاجر دراهم يقول: خذ هذه قيمة السيارة اشتريها ولكن هذه الدراهم مؤجلة عليك بأكثر، هذه حرام وما فيها إشكال، فرق بينها وبين الصورة الأولى إلا أن الصورة حيلة وهذه صريحة، والحيلة أشد إثماً من الصريحة، لأنه كما قال أيوب السختياني رحمه الله: يخادعون الله كما يخادعون الصبيان ولو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون.(215/17)
حديث: (فإذا أتاني يمشي أتيته هرولة)
السائل: جاء في الحديث القدسي: (فإذا أتاني يمشي أتيته هرولة) هل تفسر كما فسره النووي بأنها الرحمة أم تبقى على ظاهرها؟ الشيخ: هل سمع الصحابة هذا الحديث عن رسول الله؟ السائل: نعم.
الشيخ: هل قالوا: يا رسول الله! ما المراد بالهرولة؟ وهل أنت تسير خلف الصحابة أو تتقدم بين أيديهم؟ السائل: أنا أسير خلف الصحابة.
الشيخ: إذاً اسكت كما سكتوا، وكل شيء من صفات الله امش فيها على ما مشى عليه الصحابة رضي الله عنهم.
السائل: في شرح رياض الصالحين لفضيلتكم ما ورد تعليق على كلام النووي بأنها الرحمة؟
الجواب
هذا غلط وهذا من التحريف، وتفسيرها بالرحمة من تحريف الكلم عن مواضعه، أيعجز الله عز وجل أن يقول: من أتاني يمشي؛ رحمته؟! لا يعجز، قال: أتيته هرولة.(215/18)
حكم الملابس التي يمضي عليها أكثر من أربعة أشهر في المغسلة
السؤال
بالنسبة لسؤال الأخ عن المغاسل يا شيخ تقول: ينتظر عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً لكن بعض الملابس يمضي عليها أربعة أشهر وخمسة وستة، هل لصاحب المغسلة البيع أو الاستعمال؟
الجواب
انظر بارك الله فيك إذا كان بينهما أجلٌ معين فمتى انتهى الأجل فهو في حل أن يتصدق بها أو يبيعها ويتصدق بثمنها.
وأما إذا لم يكن بينهما أجل معين؛ فلا يجوز أن يبيعها بعد شهر أو شهرين بل لا يبيعها ولا يتصرف فيها إلا حيث أيس من صاحبها، فإذا أيس فهو في حل؛ لأنه لا يمكن أن يشغل مكانه بهذه الثياب أو هذه الفرش إلى ما لا نهاية له.(215/19)
حكم انتظار الجماعة الثانية إذا أدركت الإمام في الركعة الأخيرة بعد الركوع
السؤال
إذا دخل رجل المسجد والجماعة في الركعة الأخيرة وقد انتهت الصلاة في آخر الركعة فهل يدخل معهم أم ينتظر إلى أن تنتهي الصلاة وينتظر جماعة أخرى؟ الشيخ: أنت قلت في الركعة الأخيرة؟ السائل: بعد الركوع.
الشيخ: إذاً نقول: إن كنت ترجو أن يحضر أحد فانتظر، أو كان معك أحد فانتظروا حتى يسلم الإمام ثم صلوا، وإذا كنت لا ترجو فادخل مع الإمام، لأن إدراك بعض الصلاة خير من عدمها.(215/20)
المقصود بالقتال قبل صلح الحديبية
السؤال
في الآية التي ذكرت كلمة القتال قبل صلح الحديبية ما المراد بها؟
الجواب
أي: في بدر وفي أحد وفي غيرها من الغزوات.(215/21)
حال المؤمن بين الخوف والرجاء فيما عند الله
السؤال
عندما يسمع المؤمن ما أعد الله عز وجل للمؤمنين في الجنة تتطلع النفس إلى هذا الأمر، ولكن يا شيخ عندما يسمع وقوف الناس يوم القيامة بين يدي الله عز وجل ووقوف خمسين ألف سنة يتأخر في هذا الأمر ويتمنى ألا يلقى ذلك اليوم فكيف يجمع بين هذا وهذا؟
الجواب
يجمع أن نقول له: هذا اليوم الطويل وما فيه من الأهوال هو على المؤمن يسير؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: {وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً} [الفرقان:26] معناه أنه على المؤمنين يسير، هذا مفهوم الآية، كذلك قال الله تعالى: {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر:8] والمؤمنون يقولون: هذا يسير، فهو بالنسبة للمؤمن كأداء فريضة من فرائض الصلوات يسير جداً، أما على الكافر فهو عسير.(215/22)
حكم من لا يستطيع جذب الماء إلى أنفه في الوضوء
السؤال
يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً) وقد يحصل في الأنف لبعض الأشخاص أمراض حساسية أو غيره فلا يستطيع جذب الماء إلى الأنف فما العمل؟
الجواب
ليس بلازم أن يستنشق، يعني: لو دخل الماء في يده حتى يدخل في المناخر كفى، الوصول إلى الخياشيم ليس بفرض، وأظن -إن شاء الله- أن هذا ليس فيه ضرر.(215/23)
الجمع بين قول الله تعالى: (إن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله.
) وقوله: (ما أصابك من حسنة فمن الله)
السؤال
قول الله عز وجل: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء:78] ثم يقول في الآية التي بعدها: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:79] فكيف الجمع بينهما بارك الله فيك؟
الجواب
الجمع بينهما أن الآية الأولى تقديراً يعني من الله هو الذي قدرها، والآية الثانية سبباً يعني: أن ما أصابك من سيئة فأنت السبب، والذي قدر السيئة وقدر العقوبة عليه هو الله.(215/24)
حكم القسم بعين الله
السؤال
عندنا بعض العوام يقسم بعين الله هل هذا جائز؟
الجواب
أعوذ بالله، أعوذ بالله، هذا حرام، ولا يحل، لأن الله تعالى لم يطلق عينه على ذاته، والحلف إنما يجوز بالله عز وجل، ولهذا نقول: يجوز أن يقسم بوجه الله؛ لأن الله أطلق الوجه على ذاته في قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:27] أما عين الله ويد الله فهذا لا يجوز.
وسبحان الله العظيم فإن الشيطان يؤز الإنسان أزاً إلى المعاصي.
ما بقي شيء يحلف به إلا عين الله؟!!(215/25)
حكم ترك صلاة الجماعة لعدم وجود (الشماغ)
السائل: إذا حضرت الصلاة ولم يكن عند الإنسان (شماغ) كأن يكون مغسولاً أو لم ينشف ومن عادة الناس أنهم يعيبون أن تحضر بلا شماغ فهل هذا عذر لترك صلاة الجماعة؟ الشيخ: هذا ليس بعذر، أولاً: أن هذه مسألة نادرة، يندر جداً أن يكون الإنسان ما عنده إلا (شماغ) واحد يغسله الآن ولم ينشف بعد.
وثانياً: أنه يجوز أن يصلي وهو أصلع، وإذا قدر أن الناس يقولون: لماذا جاء هكذا؟ فإنه يصلي الصلاة الثانية ويأتي بالشماغ.
السائل: فإذا كان ليس عنده ثوب هل يبقى عارياً في البيت؟ الشيخ: لا.
لديه سروال وفنيلة.
إذاً هذا ربما لا يستطيع أن يقابل الناس في المسجد العام بسروال وفنيلة يكون عذراً.(215/26)
حكم صلاة التسبيح
السؤال
هل ثبت في صلاة التسبيح حديث صحيح وما صفته؟
الجواب
صلاة التسبيح لا أصل لها، لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحديثها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: باطل، قال رحمه الله: ولم يستحبها أحدٌ من الأئمة، ويذكر أنها أول ما أثرت عن عبد الله بن المبارك رحمه الله وعبد الله بن المبارك ليس من الصحابة حتى نقول: إن ما قاله مما لا يدخله الاجتهاد يعتبر مرفوعاً، فالصواب أنها ليست بسنة، وأنه لا ينبغي للإنسان فعلها، ثم هي صلاة غريبة يفعلها الإنسان كل يوم، كل أسبوع، كل شهر، كل سنة، أو مرة في العمر، عبادة على هذا الوجه بعيدة أن تكون من الشارع الإسلامي، المهم أنها ليست بسنة فلا تفعلها.(215/27)
حكم من غرق وقد ذهب ليعصي الله
السؤال
إنسان ذهب إلى البحر ليعصي الله عز وجل في شرب خمر ثم سقط في البحر هل يعتبر شهيداً؟
الجواب
ظاهر الحديث أنه شهيد لأنه غريق ومسلم، ولعله تاب قبل أن يشرب.(215/28)
ضابط تغيير المنكرات
السائل: في حديث أبي سعيد الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً.
الخ) هل الحديث على سبيل التخيير أم على سبيل الترتيب؟ وإذا كان على سبيل الترتيب، ما هو الضابط إلى الانتقال من مرحلة إلى مرحلة من الإنكار؟ الشيخ: اقرأ الحديث من أجل تعرف.
السائل: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) .
الشيخ: هل هذا ترتيب أو تخيير؟ السائل: ترتيب.
الشيخ: إذاً هو على الترتيب.
السائل: لأن البعض يظن أن الإحراج الذي قد يتسبب له من إنكار المنكر كأن ينكر على فتاة.
الشيخ: لا، انظر بارك الله فيك إنكار المنكر غير تغييره، التغيير لا يكون إلا لسلطة، مثلاً أنا أقول للشخص: هذا غلط، حرام، منكر، لكن لا أقدر أن أغيره، معه مثلاً ربابة فأنا أنكر عليه، ولهذا لم يأت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقيداً بالاستطاعة لكن لا أستطيع أن أغيره، هل أقدر أن أكسرها؟ لا أقدر، فيجب ألا تختلط علينا الأمور، إنكار المنكر غير تغيير المنكر، ولذلك نقول في وقتنا الحاضر: لما كثرت الأهواء وكثر الجهل لا تغيير للمنكر باليد إلا من ذي سلطان.
هذا الضابط، أنت ليس لك حق أن تغير المنكر باليد، وذلك لأننا في الوقت الحاضر لما غلب الهوى والجهل؛ قد يظن الظان أن هذا منكر وليس بمنكر، هناك أناس متشددون الآن، كل شيء عندهم منكر، كل شيء عندهم بدعة، لو أطلقنا العنان لهؤلاء ماذا يحصل من الفساد؟ يحصل من الفساد ما لا يعلم به إلا رب العباد.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(215/29)
لقاء الباب المفتوح [216]
النفاق من أخطر الأمراض الفتاكة بأمة الإسلام، ولهذا كانت عقوبة المنافقين في الآخرة أشد من عقوبة الكفار، فهم في الدرك الأسفل من النار، فالمنافقون يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ويفسدون في الأمة أكثر من إفساد الكفرة والمشركين، وقد ذكر الله في آيات سورة الحديد التي كان للشيخ وقفة معها ذكر محاورتهم للمؤمنين والمؤمنات وتمنيهم الاقتباس من نورهم، ولكن لا ينفعهم من ذلك شيء.(216/1)
تفسير آيات من سورة الحديد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس عشر بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى (لقاء الباب المفتوح) والتي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السابع والعشرون من شهر جمادى الثانية عام (1420هـ) أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذه اللقاءات لقاءات خيرة نافعة.(216/2)
تفسير قوله تعالى: (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا)
نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدنا أن نبتدئ به وهو الكلام بما ييسره الله عز وجل من آيات من كتاب الله، وقد انتهينا فيما سبق إلى قول الله تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] .
يقول: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ} أي: اذكر يوم يقول، فكلمة (يوم يقول) ظرف زمان ولابد لظرف الزمان والمكان والجار والمجرور من شيء تتعلق به، والعلماء يقدرون المحذوف في كل مكان بما يناسبه، فهنا المناسب أن يكون التقدير: اذكر أيها الإنسان يوم يقول المنافقون.
الخ.
هذا اليوم هو يوم القيامة، والمنافقون هم الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح:11] ولم يظهر النفاق إلا بعد أن قويت شوكة المسلمين بعد غزوة بدر، وكانت غزوة بدر في رمضان في السنة الثانية من الهجرة، انتصر فيها المسلمون انتصاراً ساحقاً على الكفار، فلما بزغ فجر الإسلام وقويت الشوكة ظهر النفاق.
النفاق هو أن الإنسان يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وشاع ذلك في المسلمين، وقد كانوا يأتون إلى الصلاة مع الناس ويحضرون الجماعة لكنها كانت ثقيلة عليهم، وأثقل الصلوات على المنافقين هي صلاة العشاء وصلاة الفجر؛ لأنه ليس هناك أضواء يشاهدون فيها وهم إنما يصلون ويراءون الناس.
في يوم القيامة يظهر نور للمؤمنين والمنافقين ثم ينطفئ نور المنافقين، وأنت تعلم أيها الإنسان أن انطفاء النور بعد وجوده يكون أشد ظلمة مما لو لم يكن هناك نور، ولهذا لو أنك أطفأت النور القوي ثم فتحت عينيك لم تر شيئاً إلا بعد برهة من الزمن، فيكون انطفاء النور بعد وجوده أشد عليهم مما لو لم يكن هناك نور، ثم تكون الحسرة أشد.
فيقول المنافقون للذين آمنوا: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:13] انظروا إلينا (نقتبس من نوركم) أي: نأخذ شيئاً قليلاً بقدر الحاجة {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ} [الحديد:13] والقيل هذا إما من المؤمنين وإما من الملائكة، لا ندري الله أعلم {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} [الحديد:13] وهل هذا حقيقة أو تهكم بهم؟ يعني: هل هو حقيقة أنهم يريدون أن يذهبوا إلى مكان النور الذي انطفأ فيه النور لعله يتجدد النور؟ أو أن هذا من باب الاستهزاء بهم والسخرية، والآية محتملة هذا وهذا.
ثم بعد ذلك {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ} [الحديد:13] أي: بين المنافقين والمؤمنين {بِسُورٍ لَهُ بَابٌ} [الحديد:13] هذا السور عظيم يمنع من القفز من وراءه (له باب) يدخل منه المؤمنون ويمنع منه المنافقون.
{بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} [الحديد:13] باطن هذا السور فيه الرحمة للمؤمنين {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] للمنافقين، وأنت لا تستطيع أن تتصور هذا الحالة، لأن الحال أعظم من أن نتصورها، حال عظيمة.(216/3)
تفسير قوله تعالى: (ينادونهم ألم نكن معكم)
قال تعالى: {يُنَادُونَهُمْ} [الحديد:14] المنادي من؟ المنافقون، والمنادى؟ المؤمنون {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} [الحديد:14] أي: في الدنيا كنا معكم نصلي، ونتصدق، ونذكر الله {قَالُوا بَلَى} [الحديد:14] أي: أنتم معنا ولكن في الظاهر دون الباطن ولهذا قالوا: {بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} [الحديد:14] أي: أظللتموها {وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ} [الحديد:14] انتظرتم بنا الدوائر؛ لأن المنافقين يتربصون الدوائر للمؤمنين {وَارْتَبْتُمْ} [الحديد:14] شككتم في الأمر ليس عندكم إيمان {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ} [الحديد:14] أي: ظننتم أنكم محسنون، لأنهم يقولون: {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} [النساء:62] نوفق بين المؤمنين والكافرين، وبين الإيمان والكفر {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} [البقرة:14] أي: فهم مع المؤمنين {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة:14] فهم مع الكفار، ظنوا بهذه المداهنة أنهم كسبوا المعركة {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} [الحديد:14] وذلك بموتهم.
{وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [الحديد:14] (الغرور) هو الشيطان، ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى عنهم حين وسوس الشيطان إلى أبوينا قال الله عنه: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف:22] إذاً فالغرور هو الشيطان.(216/4)
تفسير قوله تعالى: (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية)
قال تعالى: {فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ} [الحديد:15] الله المستعان، الأسير في الدنيا يمكن أن يفدي نفسه ويبذل مالاً فيسلم، لكن في الآخرة لا توجد فدية {فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ} [الحديد:15] أيها المنافقون.
{وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الحديد:15] الذين أعلنوا الكفر وصاروا أشجع من هؤلاء المنافقين، فلا فدية لا لهؤلاء ولا إلى هؤلاء.
{مَأْوَاكُمُ النَّارُ} [الحديد:15] أي: مثواكم ومآلكم النار {هِيَ مَوْلاكُمْ} الذي تتولونه والتي تتولاكم، فهم يتولون النار بعمل أهلها، والنار تتولاهم لأنهم مستحقون لها {هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد:15] أي: المرجع، وهذا تقبيحاً لها أعاذنا الله وإياكم منها ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن زحزح عن النار وأدخل الجنة، ومن الفائزين المتقين المفلحين.(216/5)
الأسئلة(216/6)
حكم الصلاة على الغائب
السؤال
صلاة الغائب هل تشرع لا سيما إن ظن أنه صلي عليه في بلده؟
الجواب
الصلاة على الغائب الصحيح أنها ليست بسنة إلا من لم يُصلَ عليه كرجل مات في البحر وغرق ولم يُصلَ عليه فحينئذٍ نصلي عليه، أما إذا صلي عليه في أي مكان فإنه لا يصلى عليه صلاة غائب؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصلِ على الغائب إلا على رجل واحد لم يُصلَ عليه وهو النجاشي، ولو كانت الصلاة على الغائب مشروعة لكان أول من يسنها للأمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
كذلك الصحابة رضي الله عنهم ما أثر عنهم أنهم صلوا على الغائب، يموت القواد، ويموت الخلفاء، ويموت الأمراء ولم يُصلَ عليهم، وهذا الذي ذكرناه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد وفق للصواب، لكن إذا أمر به ولي الأمر صار طاعة، أي: صارت الصلاة على الغائب طاعة؛ لأنها من طاعة ولي الأمر الذي أمرنا بها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ولقد ضل قومٌ بلغنا أنه لما أمر ولي الأمر بالصلاة على الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تخلفوا ولم يصلوا وهذا من جهلهم، لأننا نصلي على الغائب بأمر ولي الأمر طاعة لله عز وجل، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] فإذا قال هذا: أنا أرى أنها بدعة هل إذا أمر ولي الأمر ببدعة نوافق؟ نقول: لا، هذه ليست بدعة لأنها مسألة خلافية بين العلماء، ومسائل الخلاف الفقهي لا يقال: إنها بدعة، لو قلنا: إنها بدعة لكان كل الفقهاء مبتدعون، يعني كل شخص يقول للآخر إذا كان على خلاف رأيه: أنت مبتدع، وهذا لم يقله أحد من العلماء، لذلك نقول: إن اجتهاد هؤلاء الإخوة في غير محله.
على كل حال: الصحيح أن الصلاة على الغائب ليست بسنة، لكن إذا أمر بها ولي الأمر فهي طاعة لله عز وجل؛ لأنه أمر بها.(216/7)
حكم العقيقة لمن لم يعق عن أولاده
السؤال
رجل له عشر بنات ولم يعق عنهن وهن الآن متزوجات فماذا على والدهن؟ وما حكم العقيقة؟ وهل صحيح أن المولود لا يشفع لوالديه إذا لم يعق عنه؟
الجواب
العقيقة سنة مؤكدة للذكر اثنتان وللأنثى واحدة، وإذا اقتصر على واحدة للذكر فلا حرج، وهي سنة في حق الأب، فإذا جاء وقت العقيقة وهو فقير فليس عليه شيء، لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] وإذا كان غنياً فهي باقية على الأب وليس على الأم ولا على الأولاد شيء منها.(216/8)
ضابط التشبه المحرم بالكفار
السؤال
ما هو الضابط للتشبه المحرم بالكفار؟
الجواب
ضابط التشبه بالكفار أن يفعل الإنسان شيئاً يختص بهم، من لباس أو هيئة أو غير ذلك، أما ما هو مشترك بين المسلمين والكفار فليس بتشبه.(216/9)
التوفيق بين قيام الليل وعمل النهار
السؤال
كيف يوفق المسلم بين قيام الليل وعمل النهار حيث أن النوم يغلب عليه في النهار إذا كان يطيل القيام في الليل؟
الجواب
إذا كان يشق عليه أن يقوم كثيراً في الليل ويعمل في النهار يوفق بينهما بأن يقلل من التهجد، وإذا كان يشتغل بأمور شرعية فليوتر أول الليل وينام إلى الصباح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أبا هريرة رضي الله عنه أن يوتر قبل أن ينام؛ لأنه رضي الله عنه كان متفرغاً لحفظ الحديث في أول الليل فينام متأخراً ولا يقوم إلا إذا طلع الفجر.(216/10)
مضاعفة صلاة الجنازة في الحرم المكي
السؤال
هل صلاة الجنازة في الحرم المكي تضاعف مثل بقية الصلوات في أجر القيراط؟
الجواب
هذا فيه خلاف بين العلماء، بعض العلماء يقول: الذي يضاعف في المسجد الحرام هو الصلوات الخمس فقط وغيرها لا يضاعف، والذي يظهر من الحديث العموم، وتكون الصلاة على الجنازة داخلة في العموم تضاعف في المسجد الحرام والله أعلم.(216/11)
وجوب الإيفاء بعقود النكاح
السائل: هل والد الزوجة إذا اشترط على الزوج عمل البنت وبعد الدخول بها الشيخ: ما معنى عمل البنت؟ الشائل: عمل الزوجة.
الشيخ: أي تشتغل.
السائل: أن تشتغل يعني هي موظفة، فهل يجب على الزوج إن وجد هناك مفسدة الوفاء بالشرط؟ الشيخ: إذا اشترط والد الزوجة على الزوج عند العقد أن يبقي الزوجة تعمل؛ وجب عليه أن يوفي بالشرط؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] والأمر بالوفاء بالعقود يشمل الوفاء بأصل العقد وبشروطه، ولقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34] لكن لو اتفق الزوج والزوجة على أن تترك العمل وتشتغل في بيت زوجها وأولادها فليس للأب عليهما سبيل.
فالحق الآن للزوجة إذا رضيت أن تدع العمل فليس للأب سبيل عليها، ولا يجبرها أن تعمل.(216/12)
حكم عصيان الوالد إذا كان يمنع ولده من طلب العلم
السؤال
رجل يريد طلب العلم، لكن والده يقول: اجلس عندي ولا يحثه على طلب العلم، فإذا أراد أن يذهب لزيارة أحد العلماء أو لطلب العلم قال: سوف أراجع لي معاملة في الدوائر الحكومية في الرياض أو كذا، لأن أهون عنده، فإذا ذهبت في طلب الدنيا فليس هناك إحراج، فقط لو قلت: أذهب للدعوة أو لطلب العلم لا يرضى بذلك؟
الجواب
بارك الله فيك، الوالد دنيوي حسب كلامك، تقول: إذا استأذنته إلى عمل الدنيا مباشرة يأذن لك، وفي عمل الآخرة يقول: لا أو يتثاقل!! أولاً: أنصح هذا الأب بأن أقول له: اتق الله لا تمنع ابنك من طلب العلم الشرعي، أو من أمر فيه مصلحة له شرعاً؛ فإنك تكون من الناهين عن المعروف، كحال المنافقين.
ونقول للابن: لك أن تعصي والدك وتذهب إلى طلب العلم وتزوره أحياناً اللهم إلا أن يكون هناك ضرورة لا بد من بقائك عنده فهنا -بر الوالدين- مقدم.
فمثلاً: لو كان أبوك مريضاً وليس عنده أحد يمرضه، فهذه ضرورة تبقى ودوام الحال من المحال ولا بد أن تنتهي هذه الضرورة.(216/13)
حكم بيع السيارة المستعملة بسيارة جديدة مع فارق في القيمة
السؤال
ما حكم بيع السيارة بالسيارة كأن يكون عندي سيارة مستعملة ثم أريد أن أشتري سيارة جديدة فأعطي صاحب السيارة المستعملة هذه وأدفع معها فارق قيمة؟
الجواب
نعم، لأن السيارات ليس فيها ربا.(216/14)
حكم الاستماع إلى أناشيد البنات
السائل: يوجد في السوق أناشيد تسمى أناشيد إسلامية للأطفال ينشدها بنات أعمارهن فوق الاثنتي عشر، والثلاث عشرة تتداول في السوق بين الشباب، عندنا مثلاً نشيد اسمه الأم هذا خاصة النشيد تقريباً عمر الفتاة تقريباً خمس عشرة سنة متداول.
الشيخ: لكن هل هي مصورة وإلا فقط أصوات؟ السائل: الصوت فقط.
هل ذلك يدخل في الوعيد فيمن استمع القانية؟ الشيخ: هذا يخشى منه الفتنة؛ لأنها إذا كانت كبيرة سيكون صوتها جذاباً فتمنع لهذا، وينصح صاحب التسجيل الذي يبيع هذه الأشرطة، ويقال: إن ما دخل عليك من أجل هذا سحت وحرام عليك، فإن انتهى فهذا المطلوب وإن لم ينته يرفع للسلطات.(216/15)
وجوب العدل بين الزوجات
السؤال
رجل متزوج اثنتين الأولى أرجعها بلادها وتركها وما وراءها من ستة عشر سنة فهل له أن يطلقها أو يتركها على ذمته؟
الجواب
أولاً: أقول لهذا الزوج: لا يحل له أن يجور في القسم بين الزوجات، يجب أن يعدل بينهن؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) فإن كانت هي التي نشزت، يعني هي التي تقول: أذهب إلى أهلي ولا أبقى عندك، فليس لها حق على زوجها وهي آثمة ويجب عليها أن ترجع إلى زوجها.
فصار الحكم إن كان الزوج يجور بينها وبين ضرتها الجديدة؛ فهو آثم ولها حق أن تبتعد عنه، وإن كان قائماً بالواجب؛ فليس لها الحق أن تبتعد عنه وعليها أن ترجع إلى بيتها.
السائل: لكن هل له أن يطلقها؟ الشيخ: إذا شاء طلقها فلا بأس له أن يطلقها.(216/16)
حكم بناء عمارة من قرض ربوي
السؤال
الوالد رجل عامي كان عنده أرض وكان يبنيها بالليل عنده رصيد بناء، وعند قدوم التدوين قام ببيع البيت بدون فلوس على الورق فقط لابنة زوجته التي هي ابنته في الجنسية، وذلك لكي يستفيد من البيت الحكومي حيث أنه لا يجوز أن يكون هناك بيت حكومي وتدوين -والكلام هذا في دولة الكويت - وعندما تم تدوين البيت أخذ الفلوس واشترى أرضاً، والباقي من الفلوس زاد عليها قرضاً من البنك ربوياً وقام ببناء عمارة وهي الآن تدر دخلاً وهذا الكلام منذ عشر سنوات فما هو الحكم وكيف الحل جزاك الله خيراً؟ الشيخ: هذا رأيي فيه أن الرجل يأتي إلي وأتفاهم أنا وإياه ثم ينظر الجواب.
السائل: يا شيخ هو رجل عامي.
الشيخ: ما ينفع دع العامي يجيء وننظر في الموضوع.
السائل: هو مثل ما قلت لك يا شيخ.
الشيخ: ليس هناك فتوى إلا له، يجيء السائل: هو ليس مهتماً بالموضوع أنا المهتم وأنا ابنه.
الشيخ: إذا لم يهتم فإن كان هناك إثم فالإثم عليه السائل: وهل يحق لي أن آخذ فلوساً هو يعطيني إياها؟ الشيخ: إذا كانت هذه الفلوس من قيمة الأرض التي باعها لا تأخذ منها حتى يفتى.(216/17)
حكم استخدام الجن واستدعائهم لأعمال خفية
السؤال
هناك عمل يفعله بعض الشباب وصغار السن وهو أن يأتي أربعة أشخاص في مكان لا يذكر فيه اسم الله ويجلسون أحد الطلاب بينهم، أو يكون نائماً وهم واقفون ثم يقولون كلاماً نصه: بالمغسلة غسلوه، وبالمقبرة أدخلوه، ومن المقبرة أخرجوه يا الله يا شياطين، ويغطون وجهه ثم يحملونه جميعاً فيرتفع عالياً بخفة، فإذا تحدث أحدهم بكلام فيه ذكر الله؛ وقع ذلك المحمول وهذه الطريقة تفعل في بعض المدارس وقت الفسح أو في أماكن مظلمة فما رأيكم في هذا الفعل؟ وما هو توجيهكم لمن يفعل ذلك؟
الجواب
أنا رأيي أن هذا منكر عظيم؛ لأنهم يدعون الشياطين، والواجب أن يرفع هذا إلى ولي الأمر أو إلى وزارة الداخلية أو من فوقها حتى يؤدبوا هؤلاء، لا بد أن ترفع الأمر فقط تأكد من الموضوع وخذ إثباتات حتى لا ينكروا؛ لأن هؤلاء يدعون الشياطين دعاء واضحاً ويؤدون إلى الخطر والموت.(216/18)
ضابط التيمم
السؤال
يخرج بعض الشباب للبر ويكون هذا البر غير بعيد لا يتجاوز عشرة كيلو مترات، فتحين وقت الصلاة فيتيممون ثم يصلون، فهل فعلهم هذا جائز وما الضابط في جواز التيمم؟
الجواب
الضابط ألا يكون هناك ماء، وأن يكون طالب الماء يشق عليه، وفي ظني أن عشرة كيلو مترات لا يشق لا من جهة أن يذهبوا ويتوضئوا، ولا من جهة أن يحملوا معهم ماء في برميل أو في تنك صغير يتوضئون به.
السائل: إذاً يلزمهم أن يرجعوا يا شيخ؟ الشيخ: يلزمهم أن يذهبوا يتوضئون للعشرة كيلو وهي بالنسبة للسيارة عشر دقائق.
السائل: عشرة كيلو أو أكثر يا شيخ الشيخ: المهم إذا كان الماء قريباً لا بد أن يتوضئوا بالماء، فإما أن يحملوه وإما أن يذهبوا إليه.(216/19)
من عمل عملاً مباحاً هل يثاب عليه؟
السؤال
المباح إذا لم ينو الإنسان فيه الأجر يعني مستنداً في ذلك إلى حديث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة) ولم يشترط فيه الرسول صلى الله عليه وسلم امتثال الأمر فهل يثاب عليه الإنسان؟
الجواب
أشار إلى هذا لما قيل: (أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم.
قال: وإذا وضعها في الحلال كان له أجر) وهذا إيماء من الرسول إلى أنه يفعل هذا الشيء أي: يجامع زوجته استغناءً بالحلال عن الحرام، وهذه نية طيبة لا شك، وما على الإنسان من ضرر إذا نوى هذا، أو نوى التمتع بما أحل الله له، حتى نية التمتع بما أحل الله لك نية طيبة تؤجر عليها.
السائل: والمباح عامة لا يقاس عليه.
الشيخ: لا أبداً المباح عامة لا يقاس منه إلا إذا تولد منه منفعة للغير أجر عليه.(216/20)
حكم الوفاء بالنذر لمن كان عاجزاً
السؤال
عندي والدتي كبيرة في السن حصل لها حادث قبل سنة، وبعد ذلك نذرت وقالت: أنذر لله نذراً إن شفاني الله لأصوم شهراً كاملاً والآن هي مريضة وكبيرة في السن وفيها سكر وضغط هل تصوم الشهر أم تتصدق عنه؟ الشيخ: لا تتصدق عنه، لا بد أن تصوم ويقال لها: أنت التي نفسك، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن النذر حتى أن بعض العلماء قال: النذر حرام، نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير) وقال: (إنه لا يرد قضاءً) وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام لا يأتي بخير ولا يرد قضاء.
السائل: هل الله عز وجل لا يشفيك إلا بشرط؟ الشيخ: لا، الله يشفي بغير شرط.
الشيخ: إذاً لماذا تشرط؟ السائل: شرطت وقالت: إن شفاني الله أصوم شهراً كاملاً.
الشيخ: أقول: هذا غلط منها، الله سيشفيها إن قدر لها الشفاء سواء نذرت أو لم تنذر، أولاً: انهها عن النذر، وانه غيرها عن النذر والذي كتبه الله سيأتي، وهي يلزمها أن تصوم شهراً الآن، بيننا وبين رمضان شهرين تبدأ إن شاء الله من أول رجب، والنهار صار قصيراً الآن والبرد الآن أقبل إلينا، وتستعين بالله وتصوم.
السائل: لكنها كبيرة الشيخ: هل هي تصوم رمضان؟ السائل: نعم تصوم رمضان.
الشيخ: إذاً هذا مثله نذر، لابد أن تصوم، إن شاءت صامت في رجب، وإن شاءت صامت في شعبان، وإن شاءت من النصف من رجب إلى النصف من شعبان.(216/21)
حكم من لا يحكم بشرع الله بل يحكم بحكم أجداده ويقول: إن حكم الله هو الحكم الصحيح
السؤال
الحاكم المسلم الذي لا يحكم بشرع الله عز وجل ولكن يقول: حكم الله هو الحكم الصحيح، ويقول: أنا أحكم بحكم أجدادي حيث أن كثيراً من طلبة العلم في الكويت اختلفوا على هذه المسألة أنه ولي أمر أو ليس ولي أمر، ومن تنصحنا من طلبة العلم أخذ العلم عنه أو الفتوى جزاك الله خيراً يا شيخ؟
الجواب
هذه مسألة شائكة لا نقول فيها بشيء، ونقول: إن الواجب على كل مسلم إذا بان له حكم الله ورسوله أن يتبع حكم الله ورسوله، وألا يعدل به شيئاً، وأن يعلم أنه لا يصلح الخلق إلا رب الخلق عز وجل، فلا يصلح الخلق إلا شريعة الله، والقوانين مهما كانت إذا خالفت الشريعة فلا خير فيها، ومهما ظن فيها الإنسان من الصلاح فليس فيها صلاح، لو لم يكن فيها إلا مخالفة أمر الله ورسوله لكان كافياً في الفساد، فعلى جميع ولاة الأمور من المسلمين أن يتقوا الله عز وجل فيما ولاهم الله عليه، وألا يحكموا إلا بشريعة الله، وما وافق الشريعة من الأنظمة فهو مقبول، لا لأنه نظام فلان وفلان، ولكن لأنه شريعة الله عز وجل.
وأما قول: أنا لا أنصاع للشرع تبعاً لأجدادي وآبائي؟ فنقول: هذا كقول الكفار: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22] فعليه أن يتقي الله.
أما بالنسبة لمن أشير عليكم فأنا لا أعرف جميع العلماء في بلادكم، ولكن هناك أناس كانوا عندنا يأخذون العلم فيهم خير وإذا سألت عنهم ستعرفهم إن شاء الله.
- من هم يا شيخ؟ - تعرفهم إذا سألت عنهم.
- نسأل عنهم في الكويت.
- اسأل في الكويت.(216/22)
حكم من ترك ركناً أو واجباً في الصلاة
السؤال
ما الحكم إذا سها المأموم في ركن مثل التشهد الأخير، أو واجب مثل التسبيح أو قول: رب اغفر لي أو من هذه الأشياء وقد أدرك الإمام من أول ركعة هذا ما نقول عليه؟
الجواب
إذا سها في ترك واجب وهو أدرك الإمام من أول الصلاة؛ فهذا يتحمل عنه الإمام سجود السهو وليس عليه شيء، وأما إذا ترك ركناً فلا بد أن يأتي بالركن، فإذا أتى بالركن فإنه يسجد السهو بعد السلام؛ لأنه لن يأتي بالركن إلا بعد سلام الإمام، التشهد الأخير مثلاً نسيه وقام هو يجلس حتى سلم الإمام، نقول: لا بد أن تقرأه الآن أولاً قراءة تامة ثم تسلم؛ لأنه هنا ما خالف الإمام إنما تأخر بعده فقط وليس عليه سجود السهو.
السائل: سلم مع الإمام؟ الشيخ: سلم مع الإمام وترك التشهد الأخير فقط؟ السائل: نعم.
الشيخ: قرأ التشهد أو ما قرأه؟ السائل: ما قرأ التشهد.
يقوم ركعة كاملة؟ الشيخ: لا، يقرأ التشهد فقط.
السائل: سلم مع الإمام.
الشيخ: إذا سلم يعود للصلاة ويتشهد ويسلم.
السائل: وإن لم يسجد سجود السهو؟ الشيخ: قلت لك: إذا كان لم يفته شيء فليس عليه سجود سهو.
السائل: وإذا تعمد ترك واجب مثلاً ولم يسجد سجود السهو.
الشيخ: إذا تعمد ترك الواجب بطلت صلاته وعليه أن يعيدها من جديد.(216/23)
حكم التوسل بالأنبياء والصالحين وما وجه الخلاف في ذلك
السؤال
في الأسبوع الماضي نشرت إحدى المجلات الإسلامية مقالاً لأحد كتابها جاء فيه تحت عنوان قضية التوسل قالوا: أما قضية التوسل بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم والأنبياء والملائكة والصالحين من عباد الله فقد ذكر الأستاذ البنا أن هذا من الأمور الخلافية بين الأئمة وأنه خلاف في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة، وليس الإمام البنا هو أول من قال بذلك، بل قال به محمد بن عبد الوهاب نفسه كما نقل في مجموع فتاويه، حيث قال في المسألة العاشرة قوله في الاستسقاء: لا بأس بالتوسل بالصالحين، وقول أحمد: يتوسل بالنبي خاصة مع قولهم: إنه لا يستغاث بمخلوق.
فالفرق ظاهر جداً وليس الكلام مما نحن فيه، فكون بعضٍ يرخص بالتوسل بالصالحين وبعضهم يخص بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه فهذه المسألة من مسائل الفقه، ولو كان الصواب عندنا هو قول الجمهور: إنه مكروه فلا ننكر على من فعله، فقد تضمن كلام الشيخ أن التوسل بالصالحين أو بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو موضع خلاف بين العلماء وأن الصواب هو قول الجمهور أنه مكروه، وأن هذه المسألة من مسائل الفقه، وهذا أيضاً أقره البنا فلا وجه للإنكار عليه، ولأن موضوع التوسل فقهي لا عقدي تكلمت عنه جميع كتب المذاهب الفقهية على اختلاف أحكامها فيه، ودخل في الموسوعة الفقهية باعتباره من المسائل الفروعية العملية التي تدخل في إطار البحث الفقهي.
وهناك كثيرون من المستقلين عن المذاهب قالوا بإجازة التوسل، منهم: الإمام الشوكاني وهو سلفي معروف في كتابه تحفة الذاكرين شرح الحصن الحصين، وهناك غيره من القدامى والمحدثين، ومنهم من أجاز التوسل بالنبي وحده ولم يجز التوسل بغيره من الأنبياء والصالحين كما هو رأي الإمام العز بن عبد السلام.
والخلاف في المسألة ظاهر يمكنك أن تراجعه في بحث التوسل في الموسوعة الفقهية الكويتية في الجزء الرابع عشر، وبهذا يتضح لنا سلامة ما قاله الشيخ البنا وأنا شخصياً أميل إلى ترجيح عدم التوسل بذات النبي والصالحين وأتبنى رأي شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك.
ما رأيك يا شيخ؟
الجواب
التوسل بالصالحين الذي ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره من الفقهاء ظاهره التوسل بذواتهم والتوسل بدعائهم وهذا ظاهر غير مراد، مرادهم التوسل بالصالحين -أي: بدعائهم- كما فعل عمر رضي الله عنه حين قال: [اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قم يا عباس فادعو الله] ولو كان التوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جائزاً هل يمكن أن يعدل عمر ومعه الصحابة عن التوسل بالرسول إلى التوسل بـ العباس؟ لا يمكن أبداً.
ثم التوسل بذواتهم وبجاههم ما فائدته؟ ليس سبباً لإجابة الدعاء، التوسل أصله التوصل، أي: أن نتخذ من هذا الذي توسلنا به ما يوصلنا إلى مقصودنا، وذات النبي أو جاهه ليس لنا فيه منفعة، فكل ما ورد من كلام العلماء المعروفين بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمرادهم التوسل بالإيمان به أو التوسل بدعائه إن كان حياً، وكذلك التوسل بالصالحين يعني: التوسل بدعائهم، هذا هو الصحيح.
وسبحان الله! كيف يصر بعض الناس على أن يقول: هذا جائز ويورد عليه هذه المشتبهات وعنده توسل جائز ما فيه إشكال ويعدل عنه، لولا أنها فتنة، لماذا لا يقول: ربنا إننا آمنا فاغفر لنا كما يقول المؤمنون، لكن بعض الناس مغرم بإثارة المسائل الخلافية.
أما هل هو عقيدة أو حكم فرعي؟ فهذه المسألة الخلاف فيها لفظي.
المهم أنه هل يجوز أم لا يجوز؟ والذي نرى أنه لا يجوز أن نتوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذاته أو بجاهه، وإنما نتوسل بالإيمان به واتباعه.(216/24)
حكم الكي وهل ينافي التوحيد؟
السؤال
ذكر الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في حاشية كتاب التوحيد من ترك الكي والاسترقاء قاصداً التوكل فهو محقق للتوحيد، ومن تركه تجلداً أو تصبراً لم يكن في التوحيد من شيء فضلاً أن يكون في تحقيقه فما قصد الشيخ في ذلك يا شيخ؟
الجواب
بارك الله فيك يجب أن تعلم أن ترك المعاصي خير على كل حال، لكن هل يكون الإنسان مدركاً لما يترتب عليه من الفضل، هذا لا يمكن إلا إذا نوى ذلك لله عز وجل، ولهذا جاء في الحديث القدسي أن من هم بسيئة فلم يعملها كتبت حسنة كاملة، قال في الحديث: (لأنه إنما تركها من جرائي) أي: من أجلي، فترك المعاصي خير على كل حال، لكن لا يثاب عليها إلا إذا تركها لله، وبهذه المناسبة أقول: تارك المعاصي أقسام: القسم الأول: ألا ترد على باله إطلاقاً كرجل لم يخطر بباله أن يشرب الخمر ولا أن يزني مثلاً هذا لا له ولا عليه.
القسم الثاني: من تركها عجزاً عنها مع فعل الأسباب لكنه عجز، كرجل حاول أن يزني بامرأة، ولكن عجز أن يتوصل إليها، هذا يكتب له إثم الفاعل، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟! قال: لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه) فجعله في النار مع أنه مقتول، لكنه حريص ولكنه عجز.
القسم الثالث: أن يتركها لأنه نوى لكنه لم يفعل الأسباب، نوى أن يفعل السيئة ولكن تركها لا لله ولا لعجزه عنها، هذا أيضاً لا يثاب ولا يعاقب.
السائل: الكي بالنار هل هو حرام؟ الشيخ: لا ليس بحرام، الكي بالنار ليس حراماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نفسه كوى سعد بن معاذ رضي الله عنه في أكحله، وأخبر أنه إذا كان الشفاء في شيء ففي ثلاث وذكر منها الكي، لكن الذي يطلب أن يكوى هذا هو الذي يخرج من قوله: (ولا يكتوون) .
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى.(216/25)
لقاء الباب المفتوح [217]
تحدث الشيخ عن تفسير آيات من سورة الحديد والتي احتوت على عدة أمور، منها: المبادرة إلى خشوع القلب والتذلل والانقياد لذكر الله بالقلب واللسان والجوارح، وأن لا يكونوا مثل أهل الكتاب الذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم لبعدهم عن زمن الرسالات، وبالإضافة إلى ذلك الأمر بالمسابقة والمسارعة إلى فعل الطاعات التي هي من أسباب المغفرة الموصلة إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمؤمنين بالله ورسله.(217/1)
تفسير آيات من سورة الحديد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع عشر بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس وهذا الخميس هو الخامس من شهر رجب عام (1420هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدنا أن نبتدئ اللقاءات به وهو الكلام اليسير في تفسير القرآن الكريم.(217/2)
تفسير قوله تعالى: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم)
قال الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد:16] أي: ألم يحق لهؤلاء المؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله، أي: تذل وتنقاد غاية الانقياد لذكر الله تعالى في القلوب واللسان والجوارح.
{وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} أي: القرآن الكريم وهو من ذكر الله لكنه ذكره بخصوصه لأهميته.
{وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] (الذين أوتوا الكتاب من قبل) هم اليهود والنصارى {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} أي: طال بهم الزمن ونسوا حظاً مما ذكروا به {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} والعياذ بالله {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} وبعضهم مستقيمون.
ففي هذه الآية الكريمة يبين الله تبارك وتعالى أنه قد حق للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله ولكتاب الله، وأن لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم؛ لبعدهم عن زمن الرسالات، وفي هذا إشارة إلى أن أول الأمة خيرٌ من آخرها، وأخشع قلوباً؛ وذلك لقربهم من عهد الرسالة، وقد صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) .
وفي هذا التنديد التام باليهود والنصارى؛ لأنهم قست قلوبهم لما طال عليهم الأمد، وفيه العدالة التامة في حكم الله عز وجل، حيث قال: {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] ، ولم يعمم، وهذا هو الواجب على من تحدث عن قومه أن يبين الواقع، لأن بعض الناس إذا رأى من قوم زيغاً في بعضهم، عمم الحكم على الجميع والواجب العدل، إن كان الأكثر هم الفاسقون قال: أكثرهم، وإن كان كثير منهم فاسقون دون الأكثر عبر بكثير، على حسب ما يقتضيه الحال، لأن الواجب أن يقول الإنسان بالعدل ولو على نفسه أو الوالدين والأقربين.(217/3)
تفسير قوله تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم)
ثم قال عز وجل: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد:21] أمر بالمسابقة، وقد جاء الأمر في آية أخرى بالمسارعة فيجمع الإنسان بين المسابقة: وهي شدة العدو في حال السير، وبين المسارعة: وهي المبادرة إلى فعل الخير.
{إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} وذلك بفعل أسباب المغفرة.
ومن أسباب المغفرة: أن تسأل الله المغفرة، فتقول: اللهم اغفر لي، أو تقول: أستغفر الله وأتوب إليه.
ومن أسباب المغفرة: فعل ما تكون به المغفرة، كقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنب) وكقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في (من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه) .
وكقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) والأمثلة على هذا كثيرة، المهم أن المسابقة إلى المغفرة أي: ما تحصل به المغفرة من طلب المغفرة مباشرة، كقولك: اللهم اغفر لي، أو فعل ما تحصل به المغفرة، مثل: صيام رمضان إيماناً واحتساباً، والصدقة أيضاً تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.(217/4)
تفسير قوله تعالى: (وجنة)
قال تعالى: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا} [الحديد:21] الجنة: هي دار النعيم التي أعدها الله عز وجل للمتقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيها فاكهة ونخل رمان وفرش وعسل ولبن وغير ذلك، لكن هل تظن أن ما فيها يشابه ما في الدنيا؟
الجواب
لا، لا تظن هذا، لأن الله يقول: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17] وليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء فقط، فهناك فاكهة اسمها الرمان لكنها تختلف عن رمان الدنيا، وهناك فرش لكنها تختلف عن فرش الدنيا، وهلم جراً.
فانتبه لهذا ولا تظن أن ما ذكر في الجنة من الأسماء توافق مسمياته ما في الدنيا، فهذا لا يمكن لما سمعت من الآية: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17] وفي الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) .(217/5)
تفسير قوله تعالى: (عرضها كعرض السماء والأرض)
قال تعالى: {كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:21] وفي سورة آل عمران: {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133] ولا منافاة؛ لأن الأول عرضها كعرض السماء تشبيه، والثاني: عرضها السماوات والأرض أيضاً تشبيه؛ لكن يسميه أهل البلاغة تشبيهاً بليغاً.
{كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} من يستطيع أن يقدر عرض السماء والأرض؟ لا أحد يستطيع، السماوات بسعتها، فالسماء الدنيا واسعة جداً، كم بينها وبين الأرض من المسافة؟ وهي محيطة بها، والسماء الثانية فوقها وهي أوسع منها، والثالثة أوسع وهلم جراً، إلى أن تصل إلى الكرسي، والكرسي يقول عنه النبي عليه الصلاة والسلام: (ما السماوات السبع، والأرضين السبع في الكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض) حلقة المغفر ليست هي حلقة الباب الكبيرة، إنما هي حلقة المغفر، وهي صغيرة، أقصد حلقة الدرع صغيرة جداً، ألقها في فلاة من الأرض ماذا تكون بالنسبة للفلاة؟ لا شيء.
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة) فمن يستطيع أن يدرك عرض السماوات والأرض؟ لا أحد يستطيع، الجنة عرضها كعرض السماء والأرض، ولذلك كان أقل أهل الجنة منزلة: من ينظر إلى ملكه مسافة ألفين سنة، ينظر أقصاه كما ينظر أدناه، وإنما ذكر الله تعالى أن عرضها عرض السماوات والأرض؛ من أجل أن نحرص على ملء هذه الأرض -أرض الجنة- وفي الحديث أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فاحرص يا أخي على أن تملأ ما تستحقه من هذه الجنة بذكر الله، وتلاوة كتابه، وغير ذلك مما يقرب إلى الله.
لمن هذه الجنة التي عرضها كعرض السماوات والأرض؟(217/6)
تفسير قوله تعالى: (أعدت للذين آمنوا بالله ورسله)
قال الله عز وجل: {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد:21] أعدت من أعدها؟ أعدها الله عز وجل، كما قال عز وجل: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التوبة:89] ومعنى الإعداد: التهيئة للشيء.
{لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} آمنوا بالله وكل ما أوجب الله الإيمان به، فالإيمان إذاً بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
وقوله: {وَرُسُلِهِ} يشمل جميع الرسل الذين أولهم نوح وآخرهم محمد، لكن إيماننا بالرسل يختلف عن إيماننا بمحمد عليه الصلاة والسلام، فإيماننا بالرسل أن نؤمن بأنهم صادقون، ومبلغون عن الله، ونؤمن بكل ما صح من أخبارهم، أما اتباعهم فلا، فالاتباع للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقط، فهم يشتركون مع الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نؤمن بأنهم صادقون، وأن كل ما أخبروا به صدق، وأن كل ما جاءوا به فهو عدل، ومناسب لأحوال أممهم في وقتهم، أما الاتباع فلا نتبع إلا واحداً منهم، وهو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقوله: {آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} يدل على أن أهل الكتاب اليهود والنصارى ليسوا من أهل الجنة؛ لأنهم لم يؤمنوا برسل الله، والدليل: أنهم كفروا بمحمد عليه الصلاة والسلام، والكافر برسول من الرسل كافر بالجميع، كيف وقد جاء محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنسخ جميع الشرائع السابقة، ألم تسمعوا قول الله عز وجل: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105] هل سبق نوحاً أحد من الرسل؟ كيف يقول: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105] الجواب؟ لأن من كذب رسولاً من الرسل فقد كذب جميع الرسل، فكيف بمن كذب محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي نسخت شريعته جميع الشرائع، والذي قال الله فيه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران:81] أخذ الميثاق من النبيين كلهم {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران:81] من هذا الرسول؟ إنه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الرسل كلهم لابد أن يؤمنوا بالرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا في ليلة الإسراء من كان الإمام؟ كان إمامهم في صلاتهم هو محمد صلى الله عليه وسلم.
إذاً اليهود والنصارى ليسوا من أهل الجنة بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنهم لم يؤمنوا برسله؛ كفروا بمحمد، بل كفروا برسلهم أيضاً؛ لقوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105] .
ولأن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، بشرهم بمحمد، قال الله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] فلما جاءهم هذا الرسول الذي بشر به عيسى قالوا: هذا سحر مبين وكفروا به.
إذاً هم كفروا بعيسى وردوا بشارته، وأنكروها، ولا يجوز لنا أبداً أن نقول: إن أديان اليهود والنصارى اليوم أديان صحيحة أبداً، بل هي أديان باطلة غير مقبولة عند الله، كما قال عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] .(217/7)
تفسير قوله تعالى: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)
قال الله عز وجل: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [الحديد:21] (ذلك) -أي: ما أعد الله لهؤلاء المؤمنين بالله ورسله- (فضل الله) في أنهم آمنوا بالله، آمنوا برسله، اتبعوا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أثيبوا بهذه الجنات {فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} اللهم آتنا من فضلك.
قوله: (يؤتيه من يشاء) هل تظنون أن هذه المشيئة مجرد مشيئة؟ لا.
هي مشيئة مقترنة بالحكمة، يعني: من كان أهلاً للفضل آتاه الله الفضل، ومن لم يكن أهلاً له لم يؤته، والدليل قول الله تبارك وتعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] فلم يجعل رسالته إلا فيمن هو أهل له، وقال الله عز وجل: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] وقال عز وجل: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة:49] لا تظن أن الله يعطي الفضل من شاء دون سبب، بل لا بد من سبب، فمتى علم الله في قلب الإنسان خيراً -اللهم اجعل قلوبنا ممتلئة بالخير- آتاه الله الخير، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال:70] أصلح قلبك فيما بينك وبين الله تجد الخير كله.(217/8)
تفسير قوله تعالى: (والله ذو الفضل العظيم)
قال تعالى: {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] أي: صاحب الفضل العظيم عز وجل، فلا أحد أعظم منة من الله تعالى، فإنه أوجدك من العدم، وأعدك وأمدك بالنعم، ويسر لك الهدى، وهداك له، هل هناك أحد أعظم من الله؟ لا أحد، ولهذا قال الله عز وجل: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات:17] ولما جمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الأنصار في غزوة حنين حين قسم الغنائم بين المؤلفة قلوبهم كان يقرر عليهم ويقول لهم: (ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟! قالوا: الله ورسوله أمن، قال: ألم أجدكم متفرقين فألفكم الله بي؟ قالوا: الله ورسوله أمن) كلما قال قولاً قالوا: الله ورسوله أمن.
يعني أعظم منا.
فالحاصل أن الله تعالى ذو الفضل العظيم، ولكنه يعطي فضله من هو مستحق له، كما قال عز وجل: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود:3] اللهم إنا نسألك من فضلك العظيم أن تهدي قلوبنا، وتصلح أعمالنا، وتختم لنا بخير إنك على كل شيء قدير.(217/9)
الأسئلة(217/10)
حكم تخصيص العمرة في شهر رجب
السؤال
ما حكم تخصيص العمرة في شهر رجب؟ وهل البدع أكبر الكبائر؟
الجواب
هذان سؤالان جعلا في غلاف واحد، وهو من ذكاء هذا السائل؛ لأننا في هذا المقام لا نقبل إلا سؤالاً واحداً أيهما أحب إليك الأول أم الثاني؟ السائل: الأول.
الشيخ: رجب أحد الأشهر الأربعة الحرم، فهل تعرفها؟ السائل: ذو القعدة ذو الحجة محرم رجب.
الشيخ: هذه أربعة أشهر حرم ورجب منها بلا شك، والله حرم القتال فيها، أما الثلاثة: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، فلأنها أشهر الحج، القعدة للقادمين إلى مكة، والحجة للذين في مكة، ومحرم للراجعين من مكة، جعل الله هذه الأشهر الحرم يحرم فيها القتال، حتى يأمن الناس الذين يأتون إلى الحج، وشهر رجب كان أهل الجاهلية يعظمونه ويعتمرون فيه فجعله الله محرماً، واختلف السلف رحمهم الله: هل العمرة فيه سنة أم لا؟ فقال بعضهم: إنها سنة، وقال آخرون: لا، لأنها لو كانت سنة لبينها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إما بقول وإما بفعل.
والعمرة في أشهر الحج أفضل من العمرة في رجب، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتمر في أشهر الحج ولما ذكر ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتمر في رجب) وهَّمته عائشة، وقالت: [[لقد وهم أبو عبد الرحمن]] قالت له ذلك وهو يسمع فسكت، فعلى كل حال: لا أرى دليلاً واضحاً على استحباب العمرة في رجب.
كذلك أيضاً يوجد في رجب بعض الناس يخصه بالصوم يقول: إنه يسن الصيام فيه، وهذا غلط، فإفراده بالصوم مكروه، أما صومه مع شعبان ورمضان فهذا لا بأس به، وفعله بعض السلف، ولكن مع ذلك نرى أن لا يصوم الثلاثة الأشهر، أي: رجب وشعبان ورمضان.
وأما ما يسمى بصلاة الرغائب: وهي ألف ركعة في أول ليلة من رجب أو في أول ليلة جمعة منه، فأيضاً لا صحة لها وليست مشروعة، وأما العتيرة التي تذبح في رجب فهي أيضاً منسوخة، كانت أولاً مشروعة ثم نسخت وليست مشروعة، وأما الإسراء والمعراج الذي اشتهر عند كثير من الناس أو أكثرهم أنه في رجب وفي ليلة سبع وعشرين منه فهذا لا صحة له إطلاقاً، وأظهر الأقوال: أن الإسراء والمعراج كان في ربيع الأول، ثم إن إقامة الاحتفالات ليلة سبع وعشرين من رجب بدعة لا أصل لها.
والبدع أمرها عظيم جداً وأمرها شديد؛ لأن البدع الدينية التي يتقرب بها الناس إلى الله فيها مفاسد عظيمة، منها: أولاً: أن الله لم يأذن بها، وقد أنكر على الذين يتبعون من شرعوا بلا إذن، فقال: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] .
ثانياً: أنها خارجة عن هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وإياكم ومحدثات الأمور) .
ثالثاً: أنها تقتضي إما جهل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه بهذه البدعة، وإما عدم عملهم بها، وكلا الأمرين خطأ.
إن قلت: إن الرسول علم عنها مشكلة، وإن قلت: علم ولكن لم يعمل ولم يبلغ مشكلة أيضاً.
رابعاً: أنها تستلزم عدم صحة قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] لأنك إذا أتيت بشيء جديد يعني: أن الدين في الأول ناقص لم يكمل، وهذا خطير جداً أن نقول: هذه البدعة تقتضي أن الدين لم يكمل.
خامساً: أن هؤلاء المبتدعين جعلوا أنفسهم بمنزلة الرسل الذين يشرعون للناس، وهذه أيضاً مسألة خطيرة، ولو تأملت لوجدت أكثر من هذه الخمس في مضار البدع ولو لم يكن منها إلا أن القلوب تتعلق بهذه البدع أكثر مما تتعلق بالسنة، كما هو مشاهد، حيث تجد هؤلاء الذين يعتنون بهذه البدع ويحرصون عليها لو فكرت في حال كثير منهم لوجدت عنده فتوراً في الأمور المشروعة المتيقنة، فهو ربما يبتدع هذه البدعة وهو حليق اللحية، مسبل الثياب، شارب للدخان، مقصر في صلاة الجماعة.
يقول بعض السلف: ما ابتدع قوم بدعة إلا تركوا من السنة مثلها أو أشد.
حتى إن بعض العلماء قال: المبتدع لا توبة له.
لأنه سن سنة يمشي الناس عليها إلى يوم القيامة أو إلى ما شاء الله، بخلاف المعاصي الخاصة، فهي خاصة بفاعلها وإذا تاب ارتفعت لكن المشكلة البدعة، حيث لو تاب الإنسان من البدعة فالذين يتبعونه فيها لم يتوبوا، فلذلك قال بعض العلماء: إنه لا توبة لمبتدع، لكن الصحيح أن له توبة، وإذا تاب توبة نصوحاً تاب الله عليه، ثم يسأل الله أن تمحى هذه البدعة ممن اتبعوه فيها.(217/11)
حكم احتجاب الزوجة من أبي الزوج من الرضاع
السؤال
اشتهر عند بعض الأسر أن أبا الزوج من الرضاعة لا تحتجب عنه الزوجة، وكذلك أم الزوجة من الرضاعة لا تحتجب عن زوج ابنتها من الرضاعة، ويأذنون له بالدخول عليها والخلوة بها، وقد يسافر بها أيضاً باعتباره محرم لها، فنأمل من فضيلتكم بيان الوجه الشرعي فيما يظهر لكم في ذلك أعانكم الله؟ الشيخ: أم الزوجة من الرضاع وأبو الزوج من الرضاع هل هو محرم؟ أما المذاهب الأربعة وجمهور العلماء فيقولون: إنها محرم، أي: أن الرضاع يؤثر في المحرمات بالصهر، ولكن أبى ذلك الحبر البحر العلامة المتقي لله ولا نزكيه على الله شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: إن أم الزوجة من الرضاع ليست محرماً لزوج ابنتها من الرضاع، وأن الأب من الرضاع ليس محرماً لزوجة ابنه من الرضاع، وقوله أرجح من أقوال جمهور العلماء؛ لأن الآية واضحة والحديث واضح قال الله عز وجل: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] وابن الرضاع ليس من صلبه، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) ولو سأل سائل: أم زوجتك هل تحرم عليك من النسب أو من المصاهرة؟ لقيل: من المصاهرة، ما بينه وبينها شيء، هي أم زوجتي ولكنها بعيدة مني، والحديث: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) .
وقالوا: إنه لا يمكن إلحاق الرضاع بالنسب مع أنه يخالفه في أكثر الأحكام، بمعنى أنه كما لا يصح نصاً لا يصح قياساً؛ لأن الرضاع يخالف النسب في أكثر الأحكام، هل فيه توارث بين التقارب بالرضاع؟! بمعنى أن أباك من الرضاعة هل يرث منك كما يرث أبوك من النسب؟ لا، هل يؤدي عنك الدية في قتل الخطأ؟! لا، هل يجب عليك الإنفاق عليه؟ لا، هل تجب صلته كما تجب صلة الأب من النسب؟ لا، إذاً أكثر الأحكام منتفية، فلا نص ولا قياس، فقول الشيخ رحمه الله - شيخ الإسلام - أصح بالدليل النقلي والدليل العقلي لكن مع ذلك جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة يرون أن المحرمات بالرضاع تشمل من يكون تحريمهن بواسطة المصاهرة.(217/12)
حكم ترك قول: (آمين) بعد قراءة الإمام للفاتحة
السؤال
هل يكتفي المأموم في الصلاة الجهرية أن يقول: آمين إذا لم يكن هناك الوقت الكافي لقراءة الفاتحة؟
الجواب
وقول: آمين هل تحجزه؟ كم تبلغ آمين؟! كم من الدقيقة؟! السائل: يسير.
الشيخ: على كل حال المأموم لا بد أن يقرأ الفاتحة، وأما قول آمين فهي سنة، لكن مع ذلك نقول: قل آمين مع الناس فإنه (من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر الله له ما تقدم من ذنبه) ، وهذه مصلحة عظيمة، فقل: آمين ثم اقرأ الفاتحة، واستمر فيها ولو كان الإمام يقرأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم انصرف من صلاة الصبح وكان بعض الصحابة يقرأ معه، فقال لهم: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) .
إذاً قل: آمين واقرأ الفاتحة حتى تكملها.(217/13)
حكم من رضع من جدته مع خالته وخالته رضعت من أمه
السؤال
رضعت من جدتي مع خالتي، وخالتي رضعت من أمي التي هي أختها، فهل بذلك أعتبر أخاً للخالات وخالاً لبناتهن وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
ما دمت رضعت من جدتك الرضاع المحرم خمس رضعات فأكثر فأنت ابن لها، وبناتها أخواتٌ لك، وبنات بناتها أنت خالهن، إذاً أنت أخٌ لأمك من الرضاعة، هل تناديها يا أمي أم يا أختي؟ لا، يا أمي، كذلك الذي رضع من أمك يكون أخاً لك وأخاً لإخوانك كلهم.
بنات خالاتك تكون خالاً لهن لأنك أخ لأمهاتهن.(217/14)
الطريقة المثلى للانتفاع بالعلم
السؤال
ما هي الطريقة المثلى للانتفاع بالعلم؟
الجواب
الانتفاع بالعلم طريقته سهلة، إذا علمت شيئاً فطبقه، علمت أن صلاة الجماعة واجبة صل مع الجماعة، علمت أن بر الوالدين واجب بر والديك، التطبيق سهل لكن هوى النفس يمنعه فكن أقوى من هوى نفسك.(217/15)
حكم أكل المتوضئ لأجزاء من البعير غير اللحم
السؤال
هل كبد الجزور ولبن الجزور ينقض الوضوء كما ينقض لحمها؟
الجواب
من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن يتوضأ من لحوم الإبل، وسئل: (نتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، قال: ومن لحوم الغنم؟ قال: إن شئت) فالبعير كل أجزائه ناقض الوضوء، الكبد والرئة والطحال والأمعاء والكرش وغيره، واللبن يرى بعض العلماء أنه ناقض؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (توضئوا من ألبان الإبل) لكن أكثر العلماء القائلين بنقض لحم الإبل يقولون هذا على سبيل الاستحباب، ويستدل لهذا بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما جاءه الوفد من جهينة أصابهم مرض المدينة واستوخموها، فقال: (اخرجوا إلى إبل الصدقة واشربوا من ألبانها وأبوالها) ولم يأمرهم بالوضوء مع أنهم حديثو عهد بإسلام، قالوا: فسكوت النبي صلى عليه وعلى آله وسلم عن أمرهم بالوضوء، مع أن احتمال الجهل فيهم كثير يدل على عدم نقض الوضوء بلبن الإبل، ولكن إن توضأت فهو أفضل.(217/16)
اتخاذ الصحبة في الالتزام لا تكفي بل لابد من المنهج والمبدأ
السؤال
بعض الشباب تجده إذا التزم وسلك طريق الهداية لا يتخذ له منهجاً ومبدأ يسير عليه وإنما يكتفي باتخاذ الصحبة، فإذا حصل له ظرف بفراق هذه الصحبة قد يضعف التزامه وقد يسبب له انتكاسة؟
الجواب
هذا يقول: إن بعض الشباب يلتزم ويستقيم؛ لأنه مع صحبة ملتزمة مستقيمة، فإذا قدر الله أن يفارقهم ضعف استقامته والتزامه، فنقول له: هذا صحيح، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مثل الجليس الصالح كحامل المسك إما أن يهديك، وإما أن يبيع عليك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة) لكن الواجب أن الإنسان يلتزم مع الملتزمين لله عز وجل، لا من أجل أنه صاحب الملتزمين، حتى يكون هذا منهجاً له ويستقيم عليه ولو بعد مفارقتهم، ولهذا نقول: دائماً نسأل إذا اتفق الملتزمون على أن يصوموا مثلاً يوم الإثنين أو يوم الخميس ويفطرون جميعاً نقول: لا تفعلوا هذا: أولاً: لأن هذا شبيهاً بالطريقة الصوفية الذين يكبرون تكبيراً جماعياً ويذكرون ذكراً جماعياً.
وثانياً: أنه يؤدي إلى أن الإنسان لو فارق هؤلاء قد لا يصوم؛ لأنه ما صام إلا من أجل متابعتهم أو موافقتهم.
نعم إذا صاموا بدون اتفاق فلا بأس.
نسأل الله أن يزيدنا علماً نافعاً، وأنا أبشر إخواني الذين يأتون أنهم سلكوا طريقاً يلتمسون به علماً، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة.(217/17)
حكم السفر إلى رجل يداوي المرضى ويجري العمليات بدون جراحة
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل اشتهر في علاج الأمراض وإجراء العمليات بدون جراحة، ويخبر الناس بما فيهم من الأمراض، وظاهره الصلاح، وأنه محافظ على الصلاة، ولا يطلب من الناس نقوداً، ولكن الناس تعلقوا به، وأعرف أناساً من هذه المنطقة يريدون السفر إليه وهو موجود في خارج هذه البلاد فما حكم السفر إليه وما تعليقكم؟
الجواب
يقولون: حدث العاقل بما لا يعرفه، فإن صدق فلا عقل له! ونحن ما أخبرنا أن أحداً يشفي الله المرضى على يده بمجرد مسح يده إلا عيسى عليه السلام، فأنا لا أصدق بهذا أبداً، وإن قدر أن الناس فتنوا به، وحصل أن أحداً ذهب إليه وعالجه بدون عملية، فهناك شياطين تعمل له؛ لأنه ليس بمعقول، الله أكبر! لو قال لنا أحد: هذه الشمس ما هي شمس، هذه لمبات مكونة مجموعة وتضيء الأرض هل نوافق على هذا؟ لا نوافق، أي إنسان له عقل أو أدنى مسكة من عقل لا يمكن أن رجلاً من بني آدم يؤتى إليه بالمرضى يحتاجون إلى عمليات يعاملهم بدون جراحة، سبحان الله عجائب! وهذا مما ابتلي به الناس اليوم، صاروا يعتمدون على غير ربهم عز وجل، يتعلقون بالمخلوق، فيصدقون بما لا يعقل.
فأقول للأخ الذي يريد السفر: لا تسافر وابق في مكانك واسأل ربك عز وجل، فالله على كل شيء قدير، كم من أناس حفرت قبورهم وجهز الماء لتغسيلهم، وجلبت الأكفان ليكفنوا فيها ولم يموتوا، لأن الله على كل شيء قدير، الذي أنزل المرض قادرٌ على أن يرفعه، ما لم يكن الأجل قد حل فلا فائدة، ماذا قال زكريا حين بشره الله بالولد، وماذا قال الله له؟ {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً} [مريم:8] قال الله له: {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} [مريم:9] من الذي أوجدك؟ الله عز وجل، قادر على أن يوجد لك ولداً، من الذي أمرضك؟ الله، الذي أمرضك قادر على أن يرفع المرض عنك، لكن الله تعالى يقول: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق:3] ولا بد أن أمره يبلغ مكانك {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3] قد يكون الله عز وجل قدر أن هذا المرض هو المرض النهائي، والدعاء حينئذٍ يكون رفعاً للدرجات، وقد يكون الله قدَّر أن هذا المرض لا يزول إلا بدعاء فلان أو فلان، فيدعو الله ويبرأ.(217/18)
لقاء الباب المفتوح [218]
في هذا اللقاء المفتوح قام الشيخ بتفسير آيات من سورة الحديد، وكان من المواضيع التي تطرق إليها: إحياء الله للأرض بعد موتها وتشبيه ذلك بإحياء الموتى للبعث والنشور.
كما تحدث عن أهل الصدقة وأجرهم الكبير عند الله ومضاعفة الأجور لهم.(218/1)
تفسير آيات من سورة الحديد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن عشر بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثاني عشر من رجب عام 1420هـ.(218/2)
تفسير قوله تعالى: (اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها)
قال الله تبارك وتعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد:17] .
{اعْلَمُوا} فعل أمر بالعلم لهذه القضية الهامة، وهي أن الله يحيي الأرض بعد موتها، أي: أن الأرض تجدها يابسة ليس فيها نبات، فينزل الله عليها المطر فتنبت وتحيا وتنمو، إذا علمنا هذا ونحن عالمين به نشاهده فإننا نستدل به على قدرة الله تبارك وتعالى على إحياء الموتى، فإن الناس أحياءٌ الآن ثم يموتون ثم يبعثون يوم القيامة، فالقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الأجسام بعد موتها من أجل الحساب والجزاء؛ لأنه ليس من الحكمة أن يخلق الله تبارك وتعالى خلقاً يأمرهم وينهاهم ويبيح دماء وأموال من لم يستجب، ثم تكون النتيجة أن يموت الإنسان فقط.
بل لا بد -أيها الإخوة- من حياة هي الحياة الحقيقية، كما قال عز وجل: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت:64] معنى (الحيوان) : أي: الحياة الحقيقية التي ليس بعدها موت، وليس المراد بالحيوان الحيوانات الدواب، المراد بالحيوان أي: الحياة التامة الكاملة.
أنتم الآن تشاهدون الأرض يابسة ليس فيها ورقة خضراء، فينزل الله المطر ثم تنبت وتنمو، فالقادر على أن يجعل هذه العيدان اليابسة خضراء نامية قادر على أن يحيي الموتى، وبكلمة واحدة قال الله تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14] وقال عز وجل: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53] {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] .
{قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ} أي: أظهرناها لكم، والآيات هي العلامات الدالة على كمال قدرة الله جل وعلا وعلى كمال رحمته، وأضرب لكم مثلاً: إذا أنزل الله المطر، ونبتت الأرض، وشبعت البهائم، وطابت الأجواء، فهذا من آثار رحمته، نستدل بهذا على رحمة الله، ونستدل بما خلق الله في الكون من الشمس والقمر والنجوم وما خلق الله تعالى في الأرض من الجبال والأنهار وغيرها على كمال حكمة الله عز وجل؛ لأنك إذا تدبرتها وجدت فيها من الحكمة ما يبهر العقل.
إذاً (الآيات) جمع آية وهي العلامة، أي: العلامات الدالة على كمال قدرة الله عز وجل وسلطانه.
{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لعل هنا للتعليل وليست للرجاء مع أنها في اللغة العربية تأتي للرجاء كثيراً لكنها هنا للتعليل، لأن الرجاء لا يمكن بحق الله، إذ أن الرجاء طلب شيء فيه نوع من العسر، لكن الله عز وجل لا يتصور في حقه الرجاء، لكن تأتي (لعل) للتعليل، أي: لأجل أن تعقلوا، والمراد بالعقل هنا عقل الرشد، أي: تعقلوا عقلاً ترشدون به، ويكون دليلاً لكم على ما فيه الخير.(218/3)
تفسير قوله تعالى: (إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً)
قال تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:18] .
{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ} أصلها (إن المتصدقين) لكن قلبت التاء صاداً لعلة تصريفية معروفة عند أهل النحو، يعني: إن المتصدقين والمتصدقات.
قوله: {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} أي: أنفقوا في سبيل الله إنفاقا حسناً، والإنفاق الحسن ما جمع شرطين: الأول: الإخلاص لله عز وجل.
والثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فالمرائي الذي ينفق رياءً هل أقرض الله قرضاً حسناً؟! لا، فأي إنسان تصدق على فقير من أجل أن يراه الناس، فيقولون: فلان كثير الصدقة، هذا مرائي وصدقته لا تنفعه ولا تقبل منه؛ لأن كل عمل يراد به غير الله فهو غير مقبول، قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) إنسان آخر صار يتعبد لله تعالى بعبادات غير مشروعة، صاحب بدعة، لكنه مخلص لو سألته: لم فعلت هذا؟ قال: أريد ثواب الله، أريد التقرب إلى الله.
هل تنفعه العبادة؟ لا، لعدم المتابعة.
فإذاً يكون قوله عز وجل: {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [الحديد:18] أي: المخلصين فيه لله ومتبعين لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وهنا سؤال: (أقرضوا الله) هل الله فقير حتى يقرض؟! حاشا وكلا ليس فقيراً، (لقد كفر الذين قالوا إن الله فقيرٌ ونحن أغنياء) إذاً كيف يقول: أقرضوا الله؟ يقول هذا جل وعلا ليبين أن أجرهم مضمون كما أن القرض مضمون، أنا لو أقرضت شخصاً ألف ريال ثبت في ذمته ولا بد أن يوفيني، كذلك جعل الله عز وجل التعبد له بمنزلة القرض، أي: أنه مضمون سيرد عليك.
الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
لكن كيف تكون الواحدة بعشرة وهذا ربا في القرض؟!
الجواب
أولاً: لا ربا بين العبد وبين ربه.
ثانياً: إذا أعطاك المقترض شيئاً بدون شرط فهو حلال، أي: لو استقرض منك ألف ريال وأعطاك ألفاً ومائة بدون شرط فهو حلال؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استقرض بكراً -البكر أي: بعيراً صغيراً- ورد خيراً منه، وقال: (أحسنكم أحسنكم قضاءً) هل المقرض استفاد أم لا؟ استفاد، لكنه استفاد بلا شرط، ولهذا تجدون عبارة الفقهاء: (كل شرطٍ جر نفعاً للمقرض فهو ربا) انظر (كل شرط) ولم يقولوا: كل زيادة.
إذاً: إذا قال قائل: إن الله عز وجل يجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وقد سمى الله تعالى الإنفاق في سبيله قرضاً فكيف يصح أن يجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف؟ قلنا: الجواب من وجهين: الأول: أنه ليس بين العبد وبين ربه ربا.
ثانياً: أن الزيادة إذا لم تكن شرطاً فهي جائزة وهذه تدل على كرم الموفي.
قال تعالى: {يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} هذه خبر إنَّ، أي: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ} [الحديد:18] أي: يعطون أجرهم مضاعفاً، عشرة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
قال تعالى: {وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:18] أي: ثوابٌ كريم، والكريم هو الحسن الطيب، وذلك أن الجنة فيها ما لا عين رأيت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
هذا كريم، وأصل الكرم الحسن، ودليل هذا: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ معاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن: (وإياك وكرائم أموالهم) أي: إذا أخذت الزكاة اجتنب كرائم الأموال، أي: أحاسنها: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) .(218/4)
تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون)
ثم قال عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} [الحديد:19] .
{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الإيمان بالله يتضمن أربعة أشياء.
أولاً: الإيمان بوجوده.
والثاني: الإيمان بربوبيته.
والثالث: الإيمان بألوهيته.
والرابع: الإيمان بأسمائه وصفاته.
الأول: الإيمان بوجود الله لا ينكره إلا مكابر في الواقع، لا ينكره أحدٌ من قلبه إطلاقاً؛ لأن كل إنسان يعرف أن هذا الكون المستقر المنظم لا بد له من موجد ومنظم من الموجد والمنظم؟ الله عز وجل، لأن كل إنسان يعلم أنه لا يستطيع أحدٌ من البشر أن يتصرف في هذا الكون، من الذي يأتي بالليل مع وجود النهار؟ من الذي يأتي بالنهار مع وجود الليل؟ لا أحد يقدر.
إذاً كل إنسان عاقل فهو مؤمن بقلبه وإن أنكر بلسانه فهو مؤمن بوجود الله عز وجل، ووجه ذلك: أن هذه الخليقة العظيمة لا بد لها من مدبر.
لو قال قائل: إنها جاءت هكذا صدفة؟ لقلنا: من جاء بها؟ ثم الشيء إذا جاء صدفة لا يكون منظماً.
- لو قال قائل: هي أوجدت نفسها؟ نقول: هذا أيضاً محال عقلاً! كيف توجد نفسها وهي عدم؟! هذا لا يمكن، إذاً: لا بد لها من موجد، ولهذا قال الله تعالى في سورة الواقعة: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة:58-59] ما الجواب؟ بل أنت يا ربنا ونحن لا نقدر أن نخلق، الإنسان لا يقدر أن يخلق جنيناً في بطن أمه أبداً، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الحج:73] استمع {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [الحج:73] خطاب للناس كلهم الكافر والمؤمن {ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الحج:73] ولهذا إذا قرأت الآية يجب أن تستمع {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الحج:73] كلهم.
{لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج:73] هذا الذباب المهين لا يمكن أن يخلقوه ولو اجتمعوا له، كل المعبودات لا يمكن أن تخلق ذبابة، وهو من أصغر الحيوانات وأذلها وأهشها، وزد على هذا {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} [الحج:73] أي: لو أن الذباب أخذ من هذه الأصنام شيئاً ما استطاعت أن تستنقذه منهم.
قال أهل العلم: المعنى لو وقع الذباب على أحد هذه الأصنام وامتص من الطيب الذي فيها -لأنهم يطيبون أصنامها- ما استطاعت الأصنام أن تستنقذه {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:73] .
أقول مرة ثانية: لا يمكن لأحد أن ينكر من صميم قلبه وجود الله عز وجل أبداً، لأنه باتفاق العقلاء أن كل حادث لا بد له من محدث، ولا أحد يحدث هذا الكون إلا الله عز وجل.
الثاني: الإيمان بربوبيته، أي: بأنه وحده الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، هو الله وحده، هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور فلا خالق إلا الله، ولا مدبر للكون إلا الله، ولا مالك للكون إلا الله عز وجل حتى ملك الإنسان ما في يده ليس ملكاً حقيقياً، والدليل: أنه لا يمكن أن يتصرف فيما في يده كما يشاء، الآن هذا قلمي ملك لي، لكن ليس لي أن أتصرف فيه كما أشاء، لو أردت أن أحرقه أو أكسره منعت، شرعاً حرام علي؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن إضاعة المال.
إذاً ملك الإنسان لما في يده ليس ملكاً حقيقياً، بل إنه يختص به عن غيره فقط.
الثالث: أنه وحده المنفرد بتدبير الأمور ولا أحد يستطيع أن يدبر الأمور أبداً، فالألوهية هي أن تؤمن بأنه لا إله إلا الله، ليس في الكون شيء يعبد بحق إلا الله عز وجل أبداً، عبادة الأصنام حق أم غير حق؟ غير حق، الأصنام نفسها تسمى آلهة فهل هي إله حق؟ لا، كما قال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج:62] إذاً الألوهية: أن تؤمن بأنه لا إله إلا الله، أي: لا معبود حق إلا الله عز وجل، وما عبد من دونه فهو باطل، وعليه فلا تصرف العبادة إلا لله.
الرابع: الإيمان بالأسماء والصفات.
هل لله أسماء؟ نعم، هل له صفات؟ نعم، أسماؤه حسنى، قال الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف:180] وصفاته كذلك عليا، ليس هناك صفة نقص، قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل:60] أي: الوصف الأعلى.
إذاً علينا أن نؤمن بأسماء الله وعلينا أن نؤمن بصفات الله.
أسماء الله تعالى كثيرة لا يمكن حصرها مهما أردت، ولا يمكن أن تحصيها، والدليل: حديث عبد الله بن مسعود (ما من إنسان يصيبه هم أو غم أو حزن ثم يقول: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمه أحداً من خلقه، أو استأثرت به في علم الغيب عندك) فجعل الله الأسماء ثلاثة أقسام: ما أنزله في كتابه مثل: الرحمن.
أو علمته أحداً من خلقك، مثل: الرب.
الشافي، هذه ليست في القرآن لكن جاءت في السنة، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) وقال عليه الصلاة والسلام: (أما الركوع فعظموا فيه الرب) هذا أنزله في كتابه أو علمه أحداً من خلقه؟ الثاني.
القسم الثالث: ما استأثر الله به في علم الغيب -استأثر بمعنى انفرد- لكن ما انفرد الله بعلمه فلم ينزله في الكتاب ولم يعلمه أحداً من الخلق، هل يمكن الإحاطة به؟ لا يمكن، إذاً أسماء الله لا يمكن الإحاطة بها أو حصرها بعدد لأننا لا نعلمها، وأما قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن لله تسعاً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) فالمعنى أن من الأسماء تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، ومن أحصاها أي: عرفها لفظاً وعرفها معنى، وتعبد لله بمقتضاها، وليس المراد أن تحفظها فقط، لا، بل لا بد من حفظ اللفظ، والثاني: فهم المعنى، والثالث: التعبد لله بها وبمقتضاها، فمثلاً: إذا علمت أن الله سبحانه وتعالى غفور تعرض للمغفرة، لا تقل: الله غفور وتفعل الذنب كل ما شئت، تعرض للمغفرة واستغفر الله، تجد الله غفوراً رحيماً، إذا علمت أن الله عزيز تتعبد لله بمقتضى هذا وتخاف منه وتحذر وهلم جراً.(218/5)
الأسئلة(218/6)
حكم قتل الحشرات في الحرم
السؤال
ما حكم قتل الحشرات في الحرم؟ الشيخ: مثل ماذا؟ السائل: مثل أي شيء يؤذي.
الشيخ: مثل ماذا؟ السائل: طيور أو أي شيء.
الشيخ: حمام؟ السائل: حمام أو أي شيء.
الشيخ: ما حكم قتل الحشرات في الحرم؟ وأردت منه مثالاً للحشرات ولكنه عجز وقال: الطيور.
السائل: أي شيء.
الشيخ: قتل الآدمي؟! السائل: آدمي؟! الشيخ: أنت تقول: أي شيء.
السائل: قتل الحشرات.
الشيخ: حشرات مثل ماذا؟!! السائل: إذا كان داخل الحرم مثلاً نمل أو أي شيء؟ الشيخ: مثل النمل! أنا ما رأيت نملة في الحرم.
السائل: حكم قتل الحمام.
الشيخ: حدد لي الآن، انظر أن فهمت الآن أن من الحشرات الحمام! السائل: هذا مثال.
الشيخ: البعوض؟ طيب على كل حال الحشرات ونحوها ثلاثة أقسام: القسم الأول: قسم أمر الشرع بقتله فهذا يقتل في الحل والحرم، حتى لو تجده في وسط الكعبة، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (خمس من الدواب يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور) والوزغ أيضاً مأمور بقتله، أتعرف الوزغ؟ السائل: البريص.
الشيخ: يسمى السام والأبرص والوزغ والضاطور، المهم لكثرة وجوده بين الناس كثرت أسماؤه، على كل حال أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقتل الأوزاغ وقال: إنه كان ينفخ النار على إبراهيم، سبحان الله! هذه الحشرة الضعيفة سلطت لتنفخ النار على إبراهيم، لذلك نحن الآن نقتلها امتثالاً لأمر الله تعالى، وانتصاراً لأبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنها تنفخ النار عليه.
هذا القسم الأول: ما أمر الشرع بقتله فهذا يقتل في الحل والحرم ولا إشكال.
القسم الثاني: ما نهى عن قتله، فهذا لا يقتل لا في الحل ولا في الحرم، مثل: النملة والنحلة والهدهد والصرد.
هذا لا يقتل لا في الحل ولا في الحرم إلا إذا آذى، فإنه يدافع بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفع إلا بالقتل قتل.
القسم الثالث: ما سكت الشرع عنه كالصراصير والجعلان والخنفساء وما أشبهه، هذه قال بعض العلماء: إنه يحرم قتلها، وقال بعضهم: إنه يكره، وقال بعضهم: إنه يباح، لكن تركه أولى، وهذا القول الثالث هو الصواب أن قتلها مباح، والدليل: أنه لم ينه عنها -أي: عن قتلها- ولم يؤمر بها -أي: بقتلها- مسكوت عنه لكن الأولى ألا تقتل، لماذا؟ لأن الله تبارك وتعالى قال: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44] فدعها تسبح الله عز جل ولا تقتلها، لكن لو قتلتها عليك إثم؟ لا.
انتهينا الآن من الحشرات المحرمة، بقينا في الأشياء الحلال ومعروف أن مكة شرفها الله عز وجل لا يجوز فيها قتل الصيد، كالحمام والبط والأرانب والغزلان وما أشبه ذلك، انتهى.
- لكن البعوض من أي الأقسام؟ نقول: إنه ممن أمر بقتله قياساً على الخمس؛ لأن البعوض مؤذٍ بلا شك، أذيته واضحة، أحياناً تقرصك البعوضة وينتفخ الجلد، وربما يسبب جروحاً فهي مما أمر بقتله، لكن إذا لم نتوصل إلى قتله إلا بصعوبة كما يوجد الآن مما يعلق في المقاهي والدكاكين والمساجد أيضاً فهل نفعل أم لا نفعل؟ نفعل.
ونضع هذه الصاعقات حتى تجذبها وتصعقها.(218/7)
حكم تعبير الرؤيا
السؤال
ما حكم تعبير الرؤيا؟
الجواب
بشرط أن يكون الإنسان عنده علم، وتفسير الرؤيا لا يتبع العلم الشرعي، قد يكون بعض الناس عنده علم شرعي ولا يستطيع يعبر الرؤيا، وقد يكون بعض الناس ليس عنده علم شرعي ويعبر تعبيراً تاماً، ولكني أنصح من يبلغه كلامي هذا ألا يحرص على تتبع الرؤى؛ لأن الشيطان إذا علم من الإنسان تتبعه للرؤى صار يؤذيه بأن يريه ما يكره، حتى يحزن بل يتناساها ولا يهتم بها؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرون الرؤيا فتزعجهم ويمرضون منها، حتى أرشدهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنهم إذا رأوا ما يكرهون استعاذوا بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأوا، ولا يخبرون أحداً، ثم لا تضرهم.(218/8)
حكم مسح العين بإبهامي اليدين بعد قول المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله
السؤال
أحد الكتاب في الصحف ذكر بعض الأمور ثم قال: إنها ليست بدع مثل: قول الشخص عندما يقول المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله، يمسح بإبهامي يديه بعدما يسلم عليهما عينيه فما تقولون في هذا؟ الشيخ: أقول: لأي شيء يفعل هذا؟ السائل: عبادة يا شيخ.
الشيخ: ما هي العبادة؟ السائل: يجلي البصر.
الشيخ: نقول: هذا بدعة من وجه، ونوع من الشرك من وجه آخر، مسح العين عند الأذان لا سيما إذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول المؤذن) ولم يذكر فعلاً، ما ذكر أن تمسح على عينك أو أذنك أو رأسك، فيكون هذا الفعل بدعة.
ثانياً: نوع من الشرك؛ لأنه اعتقد أنه ينفع وهو لا ينفع، فهو مثل التمائم التي يعلقونها في الجاهلية، يرون أنها تنفع المرضى وهي لا تنفعهم، فإذا رأيت أحداً يفعل هذا؛ فانصحه بلطف ورفق وقل له: هذا لم تأت به السنة وانصحه.(218/9)
حكم إنكار المنكر باستمرار في العمل
السؤال
ما رأيكم بإنكار المنكر في العمل إذا كان بشكل مستمر كقضية التدخين؟
الجواب
رأيي أن إنكار المنكر إذا كان مستمراً أن تنصح أول مرة وتبين كل ما تستطيع أن تبينه من أن هذا منكر، ويكفي ولكنك لا تجلس معهم، فمثلاً لو رأينا شخصاً يشرب الدخان نهيناه أن هذا حرام ولا يجوز ولكنه مستمر، ليس من الواجب علينا أننا كلما رأيناه أن نقول له: إن هذا منكر، أحياناً نعرف أن الرجل معاند ولكن نعم بعد مدة ربما تقول: لعله تغير وتنصحه، وكذلك يقال في إسبال الثوب وفي حلق اللحية.(218/10)
حكم قراءة سورتي السجدة والإنسان في صلاة الفجر يوم الجمعة
السؤال
ما حكم ما يفعله بعض الأئمة في فجر يوم الجمعة من قراءة سورة السجدة في الركعتين أو قراءة سورة الإنسان في الركعتين؟
الجواب
لا شك أن هذا خطأ فاحش؛ لأن كونه يقسم السورة الواحدة بين الركعتين، معناه: أن فعل الرسول ليس بصواب نسأل الله العافية! هل هو أعلم بما يرضي الله من رسول الله؟ الجواب: لا.
هل هو أرفق بعباد الله من رسول الله؟! الجواب: لا.
إذاً لماذا يتعدى الحدود؟! إن كان يريد أن يقرأ السورتين كاملتين كما جاءت به السنة فهذا لا شك أنه حسن وطيب ويدعى له، وإن كان لا يريد قراءتهما فيقرأ ما تيسر من القرآن، أما أن يأتي ليقسم السنة ويوزعها سبحان الله! كيف يلاقي الله عز وجل يوم القيامة؟! أنا لا أدري ماذا يجيب؟! {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فأنت إما أن تصلي كما صلى الرسول تقرأ سورة (السجدة) في الأولى و (هل أتى) في الثانية، وإلا فاعدل إلى السور الأخرى، ومن رأيت من هؤلاء فانصحه، وقل له: يا أخي لا تكن يوم القيامة خصماً للرسول تخالفه بصراحة واضحة.
قد يقول: إنه يشق على الناس؟ نقول: نعم هو يشق على الناس لأنكم ما عودتموهم، لو اعتادوا هذا لهان، ثم إنكم لستم أرفق بالناس ممن قال: (إذا أم أحدكم الناس فليخفف) قد يقول: عندي شيبان وعندي مرضى؟ نقول: يقعد الشايب -الحمد لله- إذا تعب يجلس.(218/11)
حكم السؤال عن نوع الدجاج الموجود في المطاعم خوفاً من الوقوع في الشبهة
السؤال
ما حكم فعل بعض الإخوان عندما يذهبون إلى المطاعم ويسألون عن الدجاج الموجودة عندهم ويلحون عليهم ويقولون: هذا من باب الورع كي لا يقعون في الشبهة؟
الجواب
أقول: إن هذا ليس من الورع، الورع اتباع السنة، ليس الورع أن الإنسان يتعنت ويتعمق ويتنطع بل هذا من الهلاك، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (هلك المتنطعون) ثلاث مرات، قالت عائشة رضي الله عنها: (إن قوماً أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالوا: يا رسول الله! إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ قال: سموا أنتم وكلوا، قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر) توهم مسلمين يمكن تخفى عليهم الأمور، فقالوا: (سموا أنتم وكلوا) ما قال: اسألوهم هل سموا أم لا، ولو سلكنا طريق هؤلاء لقلنا حتى في مطاعمنا: نسأل ربما يكون الذي ذبح هذه الدجاجة أو الشاب لا يصلي، والإنسان الذي لا يصلي كافر ولا تحل ذبيحته، فهل معنى ذلك أن نأتي عند المطعم ونقول: من الذي ذبحه؟ أخذته من السوق، ما سألت: هل هو يصلي أم لا يصلي؟ سأله وقالوا: يصلي.
نقول: هل أنهر الدم أو خنقها خنقاً؟ إذا قال: أنهر الدم.
نقول: باقي هل سمى الله أم لا؟ إذا قال: سمى الله.
نقول: هل هذه الدجاجة والشاة ملك له وليس سارقها ولا ناهبها؟! هذه حقيقة إذا ضل واحد يتعمق، قال: لا.
اشتراها، من أين؟ الذي باعها عليه هو سرقها أم ماذا؟ إلى ما لا نهاية له.
فالحقيقة أن الإنسان إذا فتح على نفسه هذه الأبواب مع أنها مسدودة شرعاً تعب.
فنقول: الحمد لله أنا أخبركم هذه القضية عرضت على مجلس كبار العلماء، ودعي إلى المجلس المسئولون في الدولة من وزير التجارة وعضو وزير المالية وسئلوا سؤالات من أكابر العلماء في المملكة، وقالوا: كل ما يرد إلى المملكة فإنه مذبوح على الطريقة الإسلامية والحمد لله نحن على ذمة هؤلاء.
إذاً عليه أن يأكل حتى لو قال: برازيلي أو إنجليزي أو أمريكي المهم ما دام هؤلاء المسئولون عندنا فهم مسئولون عن الأمة كلها.
السائل: هناك من يقول: إنه لا يجوز أكل اللحوم المستوردة.
الشيخ: على كل حال إذا قالوا: لا يجوز، قل له: ائت به وأنا آكله وانتهى الموضوع.(218/12)
مدى صحة الإجماع على تحريم حلق اللحى وسماع الأغاني
السؤال
هل صح الإجماع على تحريم حلق اللحى وسماع الأغاني؟
الجواب
لا، ما صار إجماع لا في حلق اللحى ولا في سماع الأغاني، ولكن هل كل حكم يلزمنا لا بد أن نكون مجمعين عليه؟! - لا.
- إذا كان هناك نزاع؛ فمرجعنا إلى شيئين فقط، الكتاب والسنة؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] وأما ما وقع فيه بعض أهل الأهواء الذين إذا جاءتهم مسألة فيها خلاف؛ قال: هذه مسألة فيها خلاف، حتى الربا -الآن يستجيزونه- يقولون: لا بأس به لأن فيه خلافاً، الأغاني والمعازف إذا قال: حرام قال: هذه فيها خلاف، حلق اللحية قال: هذا فيه خلاف، هذا ليس بصحيح، ولن ينفع الإنسان يوم القيامة عند الله هذا العذر، لأن الله حدد ماذا يسأل عن الإنسان {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] ولو أننا ذهبنا نحلل كل مسألة فيها خلاف تبعاً لأهوائنا لانفلتنا من الدين.(218/13)
حكم قول الشخص: من علامات الساعة أن تفعل كذا
السؤال
ما حكم قول الشخص: من علامات الساعة أن تفعل كذا؟ الشيخ: من علامات ماذا؟ السائل: من علامات الساعة أن تفعل كذا.
الشيخ: أي ساعة؟ السائل: القيامة.
الجواب
إذا كان هذا الفعل من أشراط الساعة قلناه وإلا فلا يحل أن نقوله، مثلاً: نزع العلم من علامات الساعة، مقرون بالأصح: (لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم) هكذا لأنه قد يكون قريباً من الساعة وقد يكون بعيداً، إذا جاء مثل هذا الحديث: لا تقوم الساعة حتى يكون كذا، بعض العلماء يجعلها من الأشراط وليس كذلك، لكن لا تقوم الساعة حتى توجد، وقد يكون بينها وبين الساعة أزمان لا يحصيها إلا الله (لا تقوم الساعة حتى تعود جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً) هل نقول: إنها إذا عادت مروجاً وأنهاراً؛ نقول: هذا علامة على قرب الساعة؟ لا، لكن حقيقة الأمر أن أشراط الساعة موجودة منذ زمان، لكن أشراط بعيدة، مثلاً: بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أشراط الساعة، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار إلى السبابة والوسطى) .(218/14)
حكم الرد على أقوال المخالفين في المسائل
السؤال
ما رأيك في طالب العلم عندما يتلقى الخلاف بين العلماء في مسألة من المسائل، وخاصة إذا كانت مسألة عملية يعملها يومياً مثلاً، فاتبع أحد الأقوال، فما رأيك في كلامه في الأقوال الأخرى، خاصة أن الأقوال الأخرى قال بها علماء كبار وهو لا يتعرض لهؤلاء العلماء، وإنما يتعرض إلى نفس القول والفعل ولا يتكلم، ويقول: فلان من العلماء فيه كذا وإنما يتعرض للفعل الفلاني يقول: الفعل الفلاني كذا فيه؟
الجواب
هو على كل حال القول المرجوح لا بد أن يبينه، ثم يبين القول الراجح عنده ويبين أدلته، ثم يبين القول المرجوح ويذكر أدلته ويرد عليها؛ لأنك إذا أردت أن ترجح قولاً يلزمك أن تأتي بأدلة، ثم بالنسبة للمرجوح تذكر أدلته وترد عليه، هذا بالنسبة للعالم الذي يستدل ويجتهد، أما بالنسبة للعامي أو لطالب العلم الصغير، فهذا يجب عليه أن يقلد أقرب ما يراه صواباً ويقلده.
السائل: ولكن يا شيخ هذا يتكلم عن كلام القول الآخر هو اتبع الشيخ: لا يخالف، مثلاً: تحريم وتحليل، اتبع القول بالتحريم مثلاً، لا يخالف إذا كان مجتهداً وبحث في الأدلة ورأى أنها تدل على التحليل فليقل بالتحليل، ثم يقول: ومن قال بالتحريم فقد استدل بكذا وجوابه كذا من أجل أن تتم المسألة.(218/15)
حكم إجزاء الغسل عن الوضوء
السؤال
هل الغسل يجزئ عن الوضوء؟ الشيخ: الغسل من ماذا؟ السائل: الغسل كغسل الجمعة.
الجواب
غسل الجمعة لا؛ لأن غسل الجمعة ليس عن حدث، أما غسل الجنابة فيجزي عن الوضوء، والدليل على أنه يجزئ عن الوضوء قول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ولم يذكر الوضوء.(218/16)
حكم مس تجليدة المصحف باليد بغير طهارة
السؤال
ما حكم مس تجليدة المصحف باليد بدون طهارة؟ الشيخ: هل التجليدة متصلة أم غير متصلة؟ السائل: متصلة به.
الجواب
المصحف لا يجوز مسه إلا بوضوء، سواء الورق أو الكتابة أو الجلد الذي يحفظ به المصحف إذا كان متصلاً بالمصحف، أما الجلد الذي يدخل فيه المصحف، فلا بأس به على أن يمسه بلا طهارة ولو كان المصحف في وسطه.(218/17)
قراءة البسملة في أول السورة
السؤال
ما حكم البسملة في أول السورة هل هي واجبة أم سنة؟
الجواب
سنة، حتى في الفاتحة الصحيح أنها ليست من الفاتحة، وأنه يسر بها في الصلاة الجهرية ولا يجهر بها، وأن الإنسان لو تركها عمداً فصلاته صحيحة.(218/18)
المتون التي يحفظها طالب العلم بعد حفظ القرآن
السؤال
إذا فرغ طالب العلم من حفظ القرآن فهل يبدأ بـ الصحيحين أم يبدأ بالمتون؟ الشيخ: متون ماذا؟ السائل: مثل الأصول الثلاثة وعمدة الأحكام وغيرها.
الشيخ: والله أنا أرى أن يعتني بكتب السنة من الكتب المؤلفة في هذا، أما الصحيحان فنعم لا شك أنها مهمة، لكن كما تعلم هناك أحاديث في الصحيحين لا يحتاجها الناس كثيراً كالمعاملات والمزارعة وغيرها، فليحفظ مثلاً بعد ذلك بلوغ المرام، أو عمدة الأحكام، ثم بعد هذا يأتي إلى التوحيد والعقيدة والمتون الفقهية.(218/19)
حكم قراءة القرآن قبل قراءة أي كتاب للتبرك به
السؤال
سمعت أحد الدعاة في شريط يقول: إن طالب العلم إذا قرأ كتاباً أنه قبل ذلك يقرأ شيئاً من القرآن ليتبرك به فهل يصح هذا؟
الجواب
هذا غير صحيح، أي: لم يرد تقديم القرآن بين الخطب لا خطب الجمعة، ولا مجالس الذكر، ولا المحاضرات مثلاً، ما ورد هذا، لكن الناس تلقوها أخيراً عن بعضهم بعضاً، نعم لو فرضنا أن موضوع المحاضرة يتعلق بآيات من القرآن وأتى بالآيات التي تتعلق بالمحاضرة هذا لا بأس وتكون المحاضرة كالتفسير، مثلاً يتكلم عن الصيام يقرأ آيات الصيام قبل المحاضرة لا بأس به، أما تعمد ملازمة قراءة آيات من القرآن قبل البدء بالحديث والمحاضرة فهذا لا أصل له.
السائل: أنا قصدي إذا قرأ كتاباً عادياً بين نفسه أن يقرأ آيات من القرآن ثم يقرأ الكتاب.
الشيخ: أبداً لا يقرأ شيئاً، ولا يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، حتى إذا أراد أن يقرأ الحديث لا يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن الله خص هذا بالقرآن، فقال: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98] .(218/20)
حكم حجز الأماكن في المسجد
السؤال
ما حكم حجز الأماكن في المسجد؟
الجواب
الذي أرى في حجز الأماكن في المسجد أنه إذا كان الإنسان في المسجد فلا بأس بشرط ألا تكثر الصفوف فيتخطاها فيما بعد، وأما الذي يضع الحجز ويخرج فهذا لا يجوز؛ لأنه حجر ما لا يستحقه، وقال بعض أهل العلم: إنه جائز وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله، قالوا: لا بأس أن الإنسان يحجز مكاناً له ليصلي فيه، لكن هذا قول ضعيف بلا شك، إذ أن المسجد لله وأحق به من سبق.(218/21)
حكم مشاركة النساء في الأمور السياسية
السؤال
يقول بعضهم: إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي في المسجد ومعه رجال ونساء وليس بينهم حائل، وكان عليه الصلاة والسلام يغزو ومعه النساء، وكانت بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم يرجع إليهن في الفتوى والعلم، فلماذا تمنعون من مشاركة المرأة في العمل والمشاركات السياسية؟
الجواب
نقول: كل هذا حق النساء في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلين وليس بينهن وبين الرجال حاجز، ولكن النبي صلى عليه وعلى آله وسلم ندب إلى شيئين: الشيء الأول: أنه قال: (بيوتهن خير لهن) مع سلامة الناس في ذلك الوقت، فالصحابة هم خير القرون ومع ذلك قال: (وبيوتهن خير لهن) وهذا يعني أن صلاة المرأة في بيتها أفضل.
ثانياً: أنه قال: (خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) وهذا يدل على أن الأفضل أن تبتعد المرأة عن مخالطة الرجل هذه واحدة.
أما أنه ليس بينهما من حاجز، فهل المساجد في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كمساجدنا اليوم في الإضاءة والإنارة؟ لا، وهل نساء الصحابة كنساء اليوم؟ لا، نساء الصحابة لما أمر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالصدقة جعلن يلقين من أخراصهن وأسوارهن في ثوب بلال، الآن لو تصيح ملء أذانك وفمك تقول: تصدقن لوجدت واحدة تتصدق وعشر لا يتصدقن، ففرق.
وأما الرجوع إلى النساء في الفتيا فمن قال: إنه لا يجوز أن تستفتى المرأة؟! إذا كانت المرأة عندها علم تستفى حتى إلى وقتنا هذا، لكن هل تستفتى وهي متبرجة متطيبة متمكيجة أمام الرجال؟ لا.
ولا نمنع -لو فرضنا- امرأة متحجبة تماماً مغطية وجهها ويديها ورجلها وكل شيء وجالسة في مصلاها وجاء رجل يستفتيها بلا خلوة، نقول: نعم ليس هناك مشكلة.
وأما مشاركتهن في الرأي والجهاد فنعم لكن هل شاركن الرجال في أمور السياسة؟! لا أعلم هذا أبداً، وعمر رضي الله عنه لما جعل أمر الخلافة شورى هل أشرك فيهم امرأة؟! ما أشرك ولا علمنا أحداً أنه يشرك المرأة، وكيف يمكن أن نشرك المرأة في أمور هامة سياسية مصيرية والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) نحن عقلاء نعرف، وإذا أصابت واحدة من مائة من النساء، فلدينا من يصيب 99% من الرجال، وفيهم كفاية.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(218/22)
لقاء الباب المفتوح [219]
الإيمان بالله هو الأساس لسائر الأعمال، ولذلك كان المؤمنون موعودين بأجرهم ونورهم من رب العباد، في يوم الحشر والمعاد.
وبهذه المعاني العظيمة من تفسير آيات من سورة الحديد استهل الشيخ حديثه، وبعد بيانه للصديقين والشهداء ذكر الطرف الآخر -وهم الكفار- لحكمة أوردها في المادة.
وبعد ذلك تطرق إلى آية أخرى، متكلماً عن حقيقة الدنيا وزيفها، وختم حديثه ليجيب عن كثير من الأسئلة والإشكالات التي أوردها الحاضرون.(219/1)
تفسير آيات من سورة الحديد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع عشر بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو التاسع عشر من شهر رجب عام (1420هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بالكلام بما ييسره الله عز وجل على ما انتهينا إليه من تفسير القرآن.(219/2)
تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون)
في سورة الحديد قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} [الحديد:19] الإيمان بالله سبق أنه يتضمن أربعة أشياء: الإيمان بوجوده، وربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وتكلمنا على هذا.
أما الإيمان بالرسل فإنه يتضمن تصديقهم فيما أخبروا كلهم من أولهم إلى آخرهم، يجب أن نصدق بما أخبرت به الرسل إذا صح عنهم، وأما العمل بشرائعهم فإننا لا نعمل -أو لا يلزمنا العمل- إلا بشريعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك لأن الشرائع السابقة كلها نسخت بهذه الشريعة، لقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] .
وقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة -يعني أمة الدعوة- يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار) .
إذاً الإيمان بالرسل يتضمن شيئين: أولاً: تصديقهم فيما أخبروا به، لكن بشرط أن يصح عنهم.
ثانياً: العمل بالشرائع، ولكن هذا لا يكون إلا بشريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن شريعته نسخت جميع الشرائع.
قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} (أولئك) أي: الذين آمنوا بالله ورسله.
(هم الصديقون) أي: البالغون في الصدق مبلغاً كبيراً؛ لأن الصديق صيغة مبالغة، والصدق يكون بالقصد وبالقول وبالفعل، فأما الصدق بالقصد فأن يقصد الإنسان بعبادته وجه الله تبارك وتعالى لا يقصد غيره، فمن قصد بعبادته شيئاً غير الله فقد أشرك ولا يقبل عمله، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث القدسي عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) .
الثاني: الصدق في القول، بأن يكون الإنسان صادقاً فيما يخبر به، وقد أثنى الله تعالى على الصادقين وأمر أن نكون معهم، فقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] وأثنى على المهاجرين الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون.
وأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالصدق وحث عليه ورغب فيه، فقال: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) .
أما الصدق بالفعل: فمتابعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن من كان صادقاً فيما يدَّعي من محبة الله ورسوله فليتبع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] وقد سمَّى بعض السلف هذه الآية آية المحنة -أي: آية الامتحان- فمن ادعى أنه يحب الله ورسوله قلنا له: اتبع الرسول، فإن اتبعه فهو صادق، وإن خالفه فليس بصادق.(219/3)
تفسير قوله تعالى: (والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم)
قال تعالى: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد:19] (الشهداء) جمع شهيد، والمراد بهم: من قتلوا في سبيل الله، والقتال في سبيل الله: أن يقاتل الإنسان عدو الله لتكون كلمة الله هي العليا، هذا هو القتال في سبيل الله، قال ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سُئل: (الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل ليرى مكانه أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) (يقاتل شجاعة) معناها يحب القتال فهو شجاع كالصياد يحب أن يصيد، الصياد الذي يهوى الصيد تجده يحب هذا، ويخرج ويتجشم المصاعب ليصيد الصيد، وإذا صادها صارت عنده أرخص من كل شيء.
فهذا يقال فيه شجاعة؛ لأنه شجاع يحب أن يقاتل.
(ويقاتل حمية) أي: عصبية لقومه.
(ويقاتل ليرى مكانه) : أي: رياءً، كما جاء في اللفظ الآخر (ويقاتل رياء) قال صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) من قاتل ليسترد أرضه المغصوبة فقتاله من باب الحمية، إلا إذا قاتل يريد أن يستردها ليقيم عليها شعائر الإسلام فهذا في سبيل الله، وأما من قاتل؛ لأن هذه أرضه ويريد أن ترد عليه فهذه حمية، ليس له أجر الشهداء إذا قتل.
هؤلاء شهداء (لهم أجرهم عند ربهم) أي: ثوابهم العظيم، كما قال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169-171] .
قال تعالى: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد:19] ولما ذكر عز وجل أصحاب اليمين وثوابهم ذكر أصحاب الشمال بعد ذلك، فقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [الحديد:19] وهذا لأن القرآن مثاني، أي: تثنى فيه الأمور والمعاني، ولهذا تجد القرآن الكريم في الغالب إذا ذكر الله الجنة ذكر النار، وإذا ذكر أولياء الله ذكر أعداء الله، والحكمة من ذلك: ألا يمل الإنسان؛ لأنه كلما تنقل المعنى إلى معنى آخر نشط الإنسان.
وحكمة أخرى: أن يكون الإنسان سائراً إلى الله -أي: متعبداً لله- بين الخوف والرجاء؛ لأنه إذا ذكر صفات المؤمنين أو إذا مرت به صفات المؤمنين قوى جانب الرجاء، وإذا ذكرت أحوال الكافرين غلب جانب الخوف، ولهذا قال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا} [الحديد:19] عطف التكذيب على الكفر وهو نوع منه، لكن لأنه أشد، الذي يكفر ولكن لا يكذب أهون من الذي يكذب، فعطف (كذبوا بآياتنا) على (كفروا) من باب عطف الخاص على العام كعطف الروح على الملائكة وهو منهم، قال الله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر:4] والروح جبريل وهو من الملائكة.(219/4)
تفسير قوله تعالى: (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم)
قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [الحديد:19] (الجحيم) اسم من أسماء النار وأصحابها، أي: الملازمين لها، ولهذا إذا مرت بك آية فيها (أصحاب) فالمعنى أنهم ملازمون لها مخلدون فيها نسأل الله العافية.
في الآيات الأولى الترغيب بالأوصاف التي توصل إلى الجنات، لأن الله تعالى لم يذكر لنا هذه الأمور لنطلع عليها فقط، ولكن لنسعى لها، وفيها التحذير من الكفر والتكذيب، لئلا يقع الإنسان في هذا العقاب الأليم {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [الحديد:19] .(219/5)
تفسير قوله تعالى: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعبٌ ولهوٌ)
قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20] لما ذكر الله أحوال المؤمنين وأحوال الكافرين وهم في الدنيا كل يعمل على شاكلته، بين حقيقة الدنيا ما هي، وأمرنا أن نعلم ذلك من أجل أن يجتهد الإنسان في التأمل والتفكر، فالأمر في العلم بشيء واقع يعني أن المطلوب أن تتأمل كثيراً حتى يتبين لك الأمر.
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} وهي حياتنا هذه {لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} خمسة أشياء، اللعب بالجوارح، واللهو بالقلوب.
أما اللعب بالجوارح: كأن يعمل الإنسان أعمالاً تصده عن ذكر الله وعن الصلاة.
وأما اللهو بالقلوب وهو الغفلة، وهذا أشد وأعظم غفلة القلب أعاذنا الله وإياكم منها وأحيا قلوبنا وقلوبكم، الغفلة عظيمة تفقدك جميع لذات الطاعات، وتحرم من جميع آثارها، لقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف:28] لم يقل: لا تطع من أسكتنا لسانه، قال: (من أغفلنا قلبه) وما أكثر ذكرنا باللسان مع غفلة الجنان، وهذا لا شك أنه ينقص الثواب وينقص الآثار المترتبة على الذكر، من صلاح القلب والاتجاه إلى الله، وإنابته إليه، وغير ذلك.
{لَعِبٌ وَلَهْوٌ} اللعب في الجوارح، واللهو في القلوب.
{وَزِينَةٌ} نعم زينة في الملابس، زينة في المراكب، زينة في المساكن، زينة في كل شيء، ولذلك تجد الإنسان ولو كان فقيراً يحب أن يزين بيته بالديكور وغيره، وكذلك سيارته، عنده أزواج إذا أراد الزوج أن يركب سيارة يجعل عليها عقوداً من الأزهار زينة.
{وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} كل واحد يفخر على الآخر، أنا من القبيلة الفلانية وأنت من القبيلة الفلانية، قبيلتك لا تساوي شيئاً في المجتمع، وقبيلتي قبيلة رفيعة يتفاخرون تفاخر في العلم، يكون هذا عنده علم في الطب وهذا لا يعرف الطب، هذا علمه بالهندسة وهذا لا يعرف فيفخر عليه، وأقبح من ذلك التفاخر بالعلم الشرعي؛ لأن العلم الشرعي يجب على الإنسان إذا اكتسبه ومنَّ الله عليه به أن يزداد تواضعاً وأن يعرف نفسه وقدر نفسه.
{وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} ومن ذلك ما يحصل بين الشعراء في بعض الأحيان من التطاول على الآخرين والتفاخر، كما يوجد في بعض الأفراح وبعض المناسبات كما نسمع ذلك.
{وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} تكاثر كل واحد يحب أن يكون أكثر أموالاً وأكثر أولاداً، وهذا كقوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران:14] هذه حقيقة الدنيا، ومع هذا اللهو واللعب والتفاخر والزينة هل تبقى؟ أبداً لا تبقى لا بد أن تزول، وإذا طال بالإنسان زمان عاد إلى الهرم، وفي هذا يقول الشاعر:
لا طيب للعيش ما دامت منغصة لذاته بادكار الموت والهرم
كل إنسان إذا فكر في عيشه وأنه في نعيم نقول: فما بعد ذلك؟ إما موت أو هرم، إما أن تموت وتنتهي من الدنيا، وإما أن تهرم وتكون عالة على ابنك وبنتك حتى أهلك يملون منك، ولهذا أشار الله عز وجل إلى هذه الحالة، فقال: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء:23] لأنهما إذا بلغا الكبر اختل تفكيرهما، وصارا يتعبان، فأنت إما أن تموت أو تصل إلى حال الهرم، هذا إن بقيت لك الدنيا وإلا فقد تسلب إياها قبل أن تصل إلى الهرم.
إذاً نأخذ من هذا الحذر من فتنة الدنيا، وكم من إنسان أطغته الحياة الدنيا فهلك، وفي الحديث القدسي: (إن من عبادي من إذا أغنيته أفسده الغنى) بل قد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والله ما الفقر أخشى عليكم وإنما أخشى عليكم أن تفتح الدنيا عليكم فتنافسوا فيها كما تنافس فيها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم) وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام، أكثر الفسقة والكفرة من الملأ والأشراف، اقرءوا القرآن! من يكذب الرسل؟ الملأ والأشراف، اعتبروا بالواقع الآن، أكثر ما يفسد في الدنيا هم الأثرياء والأغنياء الذين فتحت عليهم الدنيا، فليحذرها العاقل اللبيب وليقتصر منها على ما ينفعه في الآخرة.
ثم ضرب الله لها مثلاً في قوله: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20] .(219/6)
الأسئلة(219/7)
حكم الجمع بين الصلاتين (الظهر والعصر) لوجود المشقة
السؤال
أيحق لرجل يعمل في قرية تبعد ما يقارب (200كم) يتردد عليها يومياً أن يجمع الظهر والعصر إذا كان لا يستطيع أن يصلي يعني: يتعب إذا أراد أن يستيقظ من النوم لصلاة العصر؟
الجواب
لا بأس، هذا إنسان يقول: يشتغل في قرية بعيدة عن بلده وأنه يأتي متعباً بعد الظهر ويخشى ألا يقوم لصلاة العصر أو أن يشق عليه ذلك مشقة كبيرة، فهل يجمع العصر مع الظهر وينام إلى المغرب؟ الجواب: نعم له ذلك، لأن الجمع أوسع من القصر، القصر ما له إلا سبب واحد وهو السفر، أما الجمع فسببه محدود وليس بمعدود، وهو المشقة، متى وجدت مشقة فاجمع، بل الجمع يجوز لأهون من هذا، إذا خفت أن تفوتك الجماعة فاجمع، ولهذا في أيام المطر يجمع الناس في البلد لماذا؟ لأنه لو لم يجمع فاتته الجماعة، وإلا لو انصرف الناس من صلاة المغرب مثلاً وقيل لهم: صلوا في بيوتكم؛ لأنه مطر فاتتهم صلاة الجماعة، فمن أجل تحصيل الجماعة جاز الجمع.
إذاً الجمع جائز للمشقة أو لمصلحة تتعلق بالصلاة.
أما مسألة السفر هذه فلا أراه سفراً؛ لأن كل الناس لا يرونه سفراً.(219/8)
حكم تقليد أصوات الفنانين والممثلين والحيوانات
السؤال
ما حكم تقليد أصوات الفنانين والممثلين والحيوانات؟
الجواب
{بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف:50] أصوات الفنانين لا يصلح أن تقلدها، ولا تستمع لهم، ولا خير فيهم، وكذلك أصوات الحيوانات، ماذا يقلد الإنسان؟ صوت كلب ينبح، أو حمار ينهق.
السائل: لا.
يقلد عصفوراً.
الشيخ: عصفور! حتى العصفور، ماذا يقول العصفور؟ قلده وأسمعنا.
على كل حال لا يصلح تقليد الحيوان؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يلحق الآدمي بالحيوان إلا في مقام الذم.
السائل: يا شيخ أسد الله؟ الشيخ: هذا يضرب مثلاً بالشجاعة معروف هذا أسلوب عربي.(219/9)
حكم من مات وعليه صوم من رمضان
السؤال
فضيلة الشيخ! كان عندي والدي رحمه الله وأسكنه الجنة أمضى أربع سنوات مريضاً أصابه شلل، وفي ذات يوم ونحن في رمضان قال: يا ولدي أخرجني خارج الدار، فأخرجته ثم عدت به إلى سريره قبل أن يصل إلى سريره قال: يا ولدي هل يوجد غداء؟ قلت: يا أبي أنت صائم أم مفطر؟ قال: لا، أنا صائم، قلت: إن كنت جائعاً أمرت أهلي أن يصنعوا لك غداءً؟ قال: لا يا ولدي أنا أقدر على الصبر، قلت: باقي ساعة فقط لا غير، فهل تستطيع أن تصبر أنا ما أريد أن أفطره ولا أريد أن أحرمه الأكل قال: لا، أقدر فعدت به إلى سريره وبعدما وضعته على فراشه ذهبت ائتي ماء فأذن المغرب وجلسنا على الفطور وجاءني ابن أخي فقال: الشيبة "وصلان"؟ الشيخ: ما معنى: "وصلان"؟ السائل: أي: يحتضر، فتركت الفطور ورجعت إليه فجئت وهو لا يدري من يروح ومن يجيء، فاستمر في هذه الحالة إلى ليلة العيد وليلة العيد توفي.
الشيخ: مِن متى؟ السائل: رمضان صامه كله إلى يوم الثامن عشر وهو صائم، لكن غلب عليه المرض من بعد يوم الثامن عشر، فمات ليلة العيد، فهل علي شيء أنا عندما طلب الغداء؟
الجواب
لا ليس عليك شيء، وعليكم أن تطعموا عن كل يوم مسكيناً في الاثني عشر يوماً.(219/10)
حكم ترك الشارب وقص اللحى
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم ترك الشارب وقص اللحية؟
الجواب
لا يجوز هذا، الواجب إعفاء اللحية وتركها، وقص الشارب سنة مؤكدة، ولهذا جاء في الحديث: (من لم يأخذ من شاربه فليس مني) فذهب بعض أهل العلم إلى وجوب الأخذ من الشارب، وقال: إنَّ ترك الأخذ من الشارب من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تبرأ منه، وممن صرح بذلك ابن حزم رحمه الله، قال: إن إعفاء اللحية والأخذ من الشارب فرض.(219/11)
حكم الأخذ من العنفقة
السؤال
العنفقة هل يجوز الأخذ منها أم تعطى حكم اللحية؟
الجواب
إذا رجعنا إلى كلام القاموس يقول: إن اللحية شعر الوجه والخدين، فأطلق قال: شعر الوجه، وهذا يقتضي أن تكون العنفقة وهي التي بين الشفة واللحية من اللحية.(219/12)
إنكار المنكر يكون حسب الاستطاعة
السؤال
هل يجب علي إنكار المنكر إذا رأيت إنساناً مسبلاً أو حالق لحيته أو شارب دخان أو سامع أغانٍِ يجب علي إنكار كل منكر كأن أكون في المسجد مثلاً في الحرم وأرى كثيراً مسبلين؟
الجواب
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] الواجب إنكار كل منكر على كل فاعله، لكن {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] لأن كون الإنسان مثلاً في مجتمع أكثرهم حالقو لحاهم ليس من المستطاع أن الإنسان يمسك كل شخص ويقول: هذا حرام، لكن اتق الله ما استطعت، ربما إذا جمعك مجلس مع أحد من هؤلاء تنصحه.(219/13)
حكم الذهاب للجهاد في الشيشان ويوغسلافيا
السؤال
الذي يذهب إلى الشيشان ويوغسلافيا للجهاد، هل يعتبر من المجاهدين في سبيل الله؟
الجواب
سمعت كلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) بالنسبة للشيشان هل طلبوا منا أن نأتي إليهم؟ لأننا يا إخواني إذا لم يطلبوا منا هذا صار الناس عبئاً عليهم، لأن كل واحد يحتاج إلى نفقة، ويحتاج إلى سلاح، ويحتاج إلى مكان، فنكون عبئاً عليهم، ثم ثانياً ربما يقع هذا المجاهد الذي ذهب من غير البلد للشيشان ربما يعثروا عليه جنود الروس، فيقولون: إذاً هذه الدولة أو الجمهورية تئوي أهل الإرهاب فيكون في ذلك ضرر، إنما حق إخواننا الشيشان علينا الآن أن ندعو الله عز وجل لهم في كل وقت؛ لأن سقوط جمهورية إسلامية على يد ملاحدة كفرة طُردوا منها بالأمس فيأتوا اليوم منتصرين ليس هيناً، ثم إن انتصارها أيضاً نواة لانتصار الجمهوريات الأخرى التي قد استعمرها الروس نسأل الله أن ينزل في قلوبهم الرعب، وأن يخذلهم ويردهم من حيث جاءوا.
أيضاً: يمنع سريان الإسلام في تلك الجمهوريات فالمسألة خطيرة جداً، وليت المسلمين عرفوا قدر هذه النكبة وقاموا مثنى وفراداً ينكرون على الروس وينكرون على دول الغرب؛ لأن دول الغرب نصرانية كافرة، والروس ملاحدة كفار، والله عز وجل يقول: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:73] لا تقل: هؤلاء أهل كتاب بدعواهم وهؤلاء ملاحدة كلهم سواء، كلهم حرب على الإسلام، والدليل على هذا تيمور الشرقية جزء من إندونيسيا لكن غالبها نصارى، لما حصل ما حصل في الانتخابات ثارت الأمة الغربية كلها بأسطولها الجوي والبحري والأرضي من أجل تحقيق انفصال هذا الجزء عن إندونيسيا المسلمة، انظر كيف؟ الشيشان الآن دولة مستقلة تضرب بها الروس، الآن تقود الفتيات إلى الفجور، والفتيان إلى المذابح، ولم يتكلموا بشيء، ولكن نحن لا نشرح على الكفار.
الكفار كفار، الذي نشرح عليهم هي هذه الدول الإسلامية أين هي عن هذه؟ ولهذا كان الواجب على الدول الإسلامية -أقولها وأرجو الله أن يصل كلامي إلى أسماعهم- أن ينفروا خفافاً وثقالاً إلى نصرة هؤلاء ولو بالكلام، أما السكوت هكذا ولا كأن شيئاً كان، فهو والله مزعج، وليس حزننا أن تهزم دولة مقابل دولة، حزننا أن هذا هزيمة للإسلام، لأن الروس ما تسلطوا هذا التسلط إلا خوفاً من الإسلام، والدول الغربية -قاتلها الله وأذلها وأخزاها- ما سكتت عن الروس أن تفعل ما تفعل؛ إلا أنها ترى في ذلك القضاء على الإسلام مع أننا لا ندري لأني أسمع أن اليهود يساعدون الروس على هذا القتال، ولا يستبعد، اليهود أعداء واضحون.
أقول: علينا الآن أن ندعو الله عز وجل، في السجود، وبين الأذان والإقامة، وفي آخر الليل، ويوم الجمعة إذا جاء الإمام حتى أثناء الصلاة أن الله ينصر إخواننا الشيشان ويذل هؤلاء الكفرة والله المستعان.(219/14)
حكم شراء السيارات بالتقسيط عن طريق البنوك الربوية
السؤال
تقوم بعض البنوك الربوية ببرنامج تقسيط السيارات لموظفي بعض الدوائر الحكومية ويشترطون على الموظف تحويل الراتب للبنك، أو يختم على الشيك مناولة للبنك، حفظاً لحقهم وبعد ذلك للموظف حق التصرف في راتبه فما الحكم؟ الشيخ: لكن كيفية البيع الذي يكون على هؤلاء؟ السائل: هم يملكون سيارات.
الشيخ: السيارات عندهم موجودة؟ السائل: نعم في معرض يقولون: إنه تابع لهم.
الشيخ: لا بأس، فمثلاً يقول: اشتر من المعرض سيارة نقداً بخمسين ألفاً ومؤجلاً بسبعين ألفاً مثلاً ولكن نريد أن نرهن الراتب بحيث يحول علينا من أجل أن نخصم القسط؟ السائل: نعم.
الشيخ: أقول: هذا جائز ولا شيء فيه.
السائل: ألا يكون معاونة لهم على الإثم؟ الشيخ: إذا كنت لا تريد أن تعاونهم فلا تشتر منهم أصلاً.
السائل: لكن الحكم أنه جائز.
الشيخ: الحكم جائز، الرسول عامل اليهود قبل هديتهم وباع لهم واشترى منهم.
السائل: الربا يكون للمسلمين يعني اليهودي كافر أم مسلم؟ الشيخ: الربا حرام على المسلم وغير المسلم.
السائل: لكن نقول: الكافر لا ذنب له.
الشيخ: بل يؤاخذ.
السائل: لكن هل يعاقب؟ الشيخ: يعاقب لا على الحرام فقط بل يعاقب حتى على ثيابه التي يلبس، وأكله الذي يأكل، ألم تسمع قول ربك: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة:93] والذين لم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات عليهم جناح أم لا؟ عليهم جناح.
ألم تسمع قول ربك {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف:32] وغير الذين آمنوا ما هي لهم في الدنيا حرام عليهم، وما هي بخالصة يوم القيامة سيجزون عليها.
الآن لا تظن أن الكافر يشرب شربة إلا ويحاسب ويعاقب عليها، ولا يأكل لقمة من العيش إلا ويحاسب عليها.
السائل: بالنسبة للبنوك لا يملكون السيارات، يقولون: اذهب إلى المعرض وهات ثمن السيارة؟ الشيخ: هذه لا تجوز هذه حرام، مثلاً: يأتي إنسان إلى شخص تاجر بنك أو غيره، يقول: أنا أريد سيارة وأنا ما عندي مال قال: اذهب انظر المعرض الذي تريد وأعطني إياه وأنا أشتريها من المعرض ثم أبيعها عليك، هذه حرام، وهذا أشد من كونه يقول: خذ هذه خمسين ألف ريال بستين ألفاً، لأنه إذا أعطاه خمسين ألف ريال يشتري بها السيارة بستين ألفاً إلى سنة، هذا رباً صريح أم لا؟ بلى.
وإذا قال: اذهب اختر السيارة وأنا أشتريها وأبيعها عليك؟ هذه حيلة، وخداع، وفعل الذنب مع الخداع أشد من فعله الصريح لسببين: السبب الأول: أن هذا المخادع -والعياذ بالله- كالمستهزئ بآيات الله، كأن الله لا يطلع على نيته.
السبب الثاني: أنه ما دام يعتقد أن هذا حلال سوف يستمر عليه، لكن الصريح يفعله الإنسان وهو خجلان من الله مستحٍ من الله، يترقب أول ساعة تأتيه يمن الله عليه بالتوبة.
وأضرب لكم مثلاً بشيء أكبر من هذا، أيهما أعظم ذنباً: كافر يعلن الكفر أم منافق؟ المنافق أعظم، لأن المنافق كافر ومخادع والكافر صريح.
إذاً هؤلاء الذين يقولون: اذهب اختر السيارة ونحن نشتريها ونبيعها منك أملى عليهم الشيطان كلمة اغتروا بها، قالوا: إن الذي يريد أن يشتريها ثم يبيعها، لو أن الرجل ترك الشراء بعدما اشتراها التاجر أو البنك كما سأل السائل ترك الشراء فإنه لا يلزمه بها، قالوا: إذا كان لا يلزمه معناه ما صار بيع قبض، فنقول: الأعمال بالنيات، ومتى يأتي شخص يترك الشراء؟! الرجل اختار السيارة هو الذي اقترحها يريد أن يترك ما هو بتارك، وكلمة لو ترك ما خالفناه ما هو بصحيح، لأننا سمعنا أنه يكتب اسمه في القائمة السوداء بمعنى أنه لو أراد المعاملة الثانية لا يعامل.
المهم على كل حال أرجو منكم أن تشيعوا بين الناس أن هذه معاملة حرام، ووقوع في الربا، ووقوع في المخادعة.(219/15)
حكم التصوير بالفيديو
السؤال
الآن الناس توسعوا في مسألة التصوير بالفيديو حتى صوروا النساء والبنات اللاتي هُنَّ قريبات من البلوغ وهذا يباع حتى في التسجيلات، بنات فوق العشر سنوات تنشد الأناشيد وبحجة أن هذا التصوير جائز، ويوجد الآن في التسجيلات الإسلامية صور لبعض المشايخ الذين توفوا مثل الشيخ ابن باز في التصوير في الفيديو وقد سمعنا أن الشيخ ابن باز منع التصوير وقال: لا أسمح لأحد أن يصورني، فما رأيكم يا شيخ لأننا إذا ناقشنا بعض الإخوان في هذه المسألة قال: هل أنت أعلم من الشيخ ابن عثيمين، لقد أجاز التصوير بالفيديو فجزاكم الله خيراً؟
الجواب
نعم صحيح أنا أُجيز التصوير بالفيديو، وليس عندي فيه إشكال، وأجيز الخبز يأكله الواحد إذا أراد أن يتغدى وليس عندي فيه إشكال، سمعت يا أخي؟ لكن لو أن أحداً أكل الخبز يستعين به على المحرم؟ لا يجوز، وإذا أجزنا التصوير هل معناه أننا نجيزه في كل شيء؟ السائل: هذا فهم الناس يا شيخ.
الشيخ: رد عليهم، قل لهم: الذي أباح هذا يقول: هو كغيره من المباحات إذا اشتمل على المحرم صار حراماً، ولهذا نحن ننهى ونشدد في تصوير حفلات الزواج، لأنه تخرج النساء بالكاميرا وهذا محرم، بل أنا أمنع من تصوير النساء مطلقاً في الفيديو؛ لأننا لا نأمن أن تكون هذه المرأة جميلة، وكل واحد يعرضها على الناس يقول: انظر! ماذا تقول في هذه المرأة؟ هذه ملكة الجمال، قال: لا، هناك ملكة جمال أحسن منها، أين هي؟ انظر الفيديو الذي عندك، وهكذا يتلاعبون بالنساء، فهذا ممنوع.
السائل: تصوير الأموات يا شيخ.
الشيخ: اترك تصوير الأموات، هذا إن كانوا يحفرون القبر ويصوروا، هذا لا يجوز.
السائل: أقصد قبل موته؟ الشيخ: هذا مصور في حياته، لكن قل: عرض صورته بعد موته ليس تصوير الأموات، لا أعلم فيها بأساً إلا إن خيفت الفتنة، كقوم نوح فهذا يمنع، لو خيف مثلاً أنه إذا صور هذا الشخص العابد أو العالم أنه يبقى تذكاراً عند الناس، ويدعي أنه كلما كسل في العبادة ذهب ينظر صورته، هذا حرام بلا إشكال ويجب إتلافها فوراً.
أما إذا صارت لا يأبه بها الإنسان ولا يهمه، فلا شيء فيها.(219/16)
حكم التبادل في العمل للموظفين مع وجود عوض من أحدهما للآخر
السؤال
ما حكم الانتقال من مدينة إلى مدينة بالنسبة للموظفين مع إعطاء عوض للآخر من أحدهما؟ الشيخ: يعني التبادل قصدك؟ السائل: إي نعم.
الشيخ: إذا سمحت الجهات المسئولة فلا بأس؛ لأن هذا تنازل عن حق معلوم، والجهة المسئولة التي تطالب بالحق سامحة فلا حرج.(219/17)
حكم بيع العين المشتراة قبل حيازتها
السؤال
ما حكم شراء السيارة وهي في المعرض وإتيان رجل آخر وشراء السيارة ذاتها وهي لم تتحرك؟
الجواب
هذا بارك الله فيك مبني على مسألة: هل يجوز أن تباع السلع في محلها أم لا؟ بعض العلماء يقول: يجوز إذا قبضها المشتري ولو بقيت في المكان، وبعض العلماء يقول: هذا خاص بالطعام يعني: البر والرز وما أشبه ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من باع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه) لكن الأقرب أنه عام، وأنه لا يجوز للإنسان أن يبيع السلعة في مكان شرائها، خصوصاً إذا كان فيها فائدة، فمثلاً: اشتراها بألف وباعها بألفين، وقال: إن الحديث ورد على هذا لئلا يندم من البائع الأول ويصير في قلبه شيء على المشتري، فتقول له نفسه: هذا الرجل خدعك، اشتراها بألف ثم انظر كيف باعها بألفين! أو بألف ومائة فيكون في قلبه شيء، أما إذا باعها بثمن مثلها أو بأقل قالوا: فلا بأس ولو في مكانها، ولا شك أن الورع وتمام التقوى أن لا تبيعها حتى تئويها إلى رحلك.(219/18)
وجوب العدل بين الأولاد في العطية
السؤال
شخص له من البنات إحدى عشرة بنتاً وسبعة أولاد، أعطى البنات مزرعة والأولاد لم يعطهم شيئاً؟ الشيخ: هل الأولاد كبار أم صغار؟ السائل: نعم كبار يا شيخ.
الشيخ: هل سمحوا بهذا؟ السائل: إلى الآن هو على قيد الحياة.
الشيخ: أقول: هل سمحوا، أي: هل قال لهم: يا أولادي أنا أعطيت أخواتكم كذا وكذا هل تسمحون أم لا؟ السائل: سمحوا.
الشيخ: عن طيب نفس؟ السائل: نعم.
الشيخ: ما فيه شيء.
السائل: فما حظ الأولاد في التركة.
الشيخ: لا إذا مات تقسم التركة حسب فرائض الله.(219/19)
حقيقة الزهد ومزاولة الأعمال الدنيوية
السؤال
سمعنا من الآيات ما يرغب في الزهد في الدنيا فإذا ترك الإنسان الفرص التجارية وهي أمامه بهذه النية فهل يثاب إذا تركها عمداً وهو يرى أنها تكسبه؟
الجواب
الزهد ليس ترك البيع والشراء، لأن الله عز وجل أمر بالبيع والشراء، فقال عز وجل: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} [الجمعة:10] أي: صلاة الجمعة {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً} [الجمعة:10] مع أنه قال قبل ذلك: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] إذاً بم نبتغي من فضل الله إذا قضيت الصلاة؟ بالبيع والشراء، فالبيع والشراء ما فيه بأس، الزهد: هو ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع: ترك ما يضر في الآخرة، فإذا باع الإنسان واشترى بنية أن يبتغي من فضل الله، بنية أن يستغني بما أعطاه الله عن سؤال الناس وتكففهم، بنية أنه ينفق على أولاده وعلى أهله، بنية أنه يتصدق مما أعطاه الله، صار هذا زهداً، لا تظن الزهد أن يلبس الإنسان ثياباً رديئة ومشلحاً ويركب على سيارة رديئة ويترك مثلاً البيوت التي تناسب حاله، الزهد هذا كما قال شيخ الإسلام أو ابن القيم: ترك ما لا ينفع في الآخرة.
فاتركه يبيع ويشتري بهذه النية الطيبة، أن يكف نفسه عن الناس، وأن يقوم بنفقة من ينفق عليه، وأن يتصدق.(219/20)
حكم أخذ السيارة بالإيجار المنتهي بالتمليك
السؤال
ما حكم شراء سيارة بالتقسيط المنتهي بالتمليك؟ الشيخ: ما معنى شراء السيارة بالتقسيط المنتهي بالتمليك وبمجرد ما يشتريها يملكها؟ السائل: بالإيجار.
الشيخ: طيب قل لي: الإيجار المنتهي بالتمليك، كيف؟ السائل: يعني تكون باسم الشركة ولا تكون باسم المشتري حتى ينتهي من جميع الأقساط ثم ينقلونها بعد ذلك باسمه.
الشيخ: معناه بيع معلق.
السائل: نعم.
الشيخ: البيع المعلق لا يجوز ولكني أقول لك: المسألة الآن تحت أنظار هيئة كبار العلماء، وهي محل البحث، وبعد أن يبحثوا إن شاء الله يتبين، يفتون بما يرشدهم الله إليه إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطئوا فلهم أجر.
انتظر حتى تخرج الفتوى عن قريب إن شاء الله.
السائل: هو قد اشترى يا شيخ؟ الشيخ: يحاول أن ينقد قيمتها الآن.
السائل: لا يستطيع.
الشيخ: يحاول أن يلغي العقد.
السائل: يوجد بينهم عقد.
الشيخ: لا يمكن أن يلغيه يقول: تعال يا أخي أجرني السيارة إجارة لا تنتهي بالتمليك؛ لأن هناك فرقاً بين الإيجار وبين الملك، الآن مثلاً: إذا صارت السيارة تحت يدي بالتأجير وتلفت على من تتلف؟ على مالكها، إذا لم يحصل مني تعدٍ ولا تفريط ما علي منها، لو كانت ملكه، تلفت علي، لأنه قد أعطى الرجل ثمنها كاملاً سواء تعديت أو ما تعديت فرطت أو ما فرطت.(219/21)
حكم صلاة من يخرج منه قطرات من البول
السؤال
ما حكم الشخص الذي تخرج منه قطرات من البول وهو في الصلاة وفيه مرض، هل يترك الصلاة ويرجع يتوضأ؟ الشيخ: يعني لا يمسك البول، إذا كان هذا الرجل لا يمسك البول كلما جاءه البول نزل عليه أن يصلي ولو نزل منه البول.
السائل: لا.
بعض الأحيان يمكن أن يتحمل وبعض الأحيان ينزل منه.
الشيخ: يمكن يتحمل ويمسك البول؟ السائل: نعم.
الشيخ: يمسك البول ويصلي ويخفف الصلاة حتى لو كان مع الإمام ينفصل عن الإمام ويسرع بالصلاة وينتهي.
ولما قلنا: وينتهي، انتهى المجلس، وإن شاء الله تعالى إلى مجلس قادم.(219/22)
لقاء الباب المفتوح [220]
تناول هذا اللقاء تفسير آيات من سورة الحديد، والتي تحدثت عن الدنيا وحقيقتها الزائفة وما أعده الله للمؤمنين من مغفرة ورضوان، وما يناله المشركون من عذاب النار.
ثم عرج على مسألة المصائب التي تحدث للخلق في السماوات والأرض، وأنها قدرت من قبل الخلق لهذا الكون بخمسين ألف سنة، فلا ينفع الندم ولكن الرضا بقضاء الله وقدره وعدم الفرح بما آتانا الله هو الطريق الصحيح في التعامل مع المصائب.(220/1)
تفسير آيات من سورة الحديد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء المتمم للعشرين بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس والعشرون من شهر رجب عام (1420هـ) .(220/2)
تفسير قوله تعالى: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة)
نبتدئ بهذا اللقاء كالعادة بما ييسره الله عز وجل من تفسير كلماته التامة، يقول الله تبارك وتعالى في بيان حال الدنيا التي ذكر الله عنها أنها لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر خمسة أشياء {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} [الحديد:20] هذه حقيقة الدنيا.
ثم ضرب الله لنا مثلاً لأن الأمثال تقرب المعاني، إذ أن المثل يعني قياس المعنى على المحسوس {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحديد:20] (غيث) أي: مطر تنبت به الأرض، وتزول به الشدة، {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحديد:20] أي: النبات الناشئ عنه، وأعجبهم -أي: استحسنوه- والكفار هم الكافرون بالله عز وجل؛ لأن الكافر تعجبه الدنيا، ويفرح بها، ويسر بها، وقلبه متعلق بها، ليس له هم إلا ما يراه من زينتها ولهوها، فهو قد (أعجب الكفار) أي: الكفار بالله.
{نَبَاتُهُ} أي: نبات هذا الغيث، ولماذا خص الكفار؟ لأن الكفار هم الذين يستحسنون الدنيا، ويعجبون منها، وتتعلق قلوبهم بها، أما المؤمنون فهم على العكس لا يهمهم إلا ما فيه مصلحة الآخرة، وقيل: إن المراد بالكفار هنا الزراع، ولكن هذا ليس بصحيح، لأن إطلاق الكفار على الزراع نادرٌ جداً هذا إن صح، والذين يقولون: إن المراد بهم الزراع يقولون: لأن الكافر يكفر الحب -أي: يستره في الأرض ويحرث الأرض عليه- لأجل أن يخرج، ولكن ما قررناه أولاً هو الصواب أن المراد هم الكفار بالله.
{أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ} [الحديد:20] بعد ما يظهر ويعجب الكفار ويستحسنونه ويتعجبون منه {يَهِيجُ} [الحديد:20] أي: ييبس ويجف {فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً} [الحديد:20] بعد أن كان أخضر نامياً يكون مصفراً ذائباً {ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً} [الحديد:20] أي: يتحطم ويتكسر؛ لأنه يبس فماذا كانت النتيجة لهذا الزرع؟ التلف والزوال، هذه حال الدنيا، تزهو للإنسان بنعيمها وقصورها ومراكبها وأموالها وأولادها وزوجاتها وغير ذلك، وإذا بها تتحطم.
كم من غني كان مسئولاً في أهله منعماً في بيته وفي مركوبه وفي ثيابه وفي كل أحواله وإذا به يعود فقيراً، فتتحطم دنياه، فإن لم يكن مات وتحطمت دنياه بفراقه هذه الدنيا فلا بد من أحد أمرين: إما أن تفارقك الدنيا، وإما أن تفارقها، هذه حال الدنيا وهذا أمرٌ لا يشك فيه بالواقع، لكن النفوس معها غفلة، يسهو بها الإنسان عن مثل هذا الأمر الواقع، فيظن أن كل شيء على ما يرام ويستبعد زوال الدنيا أو زواله هو عن الدنيا.
أما الآخرة فاستمع إليها قال: {وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الحديد:20] للكافرين {وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} [الحديد:20] للمؤمنين، فأيهما أحق: أن يؤثر الإنسان الدنيا التي مآلها الفناء والزوال أم الآخرة؟ يؤثر الآخرة هذا العقل، لأنك إن آثرت الدنيا ففي الآخرة عذاب شديد، وإن آثرت الآخرة ففيها مغفرة من الله ورضوان، مغفرة للذنوب ورضوان بالحسنات {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20] هذه الجملة فيها حصر طريقه: النفي والإثبات وهو أعلى طرق الحصر، ما الحياة الدنيا إلا متاع لا غير، ومتاع الغرور يغتر بها الإنسان فيلهو ويلعب ويفرح ويبطر ثم تزول.
كل هذه الجمل وهذه الأوصاف يريد بها الله عز وجل -وهو أعلم- أن يزهد الإنسان في الدنيا ويرغب في الآخرة.
وإني سائلكم: مَن زَهِدَ في الدنيا ورغب في الآخرة هل يفوته شيء من نعيم الدنيا؟
الجواب
لا، حتى وإن افتقر، فإنه لا يفوته نعيم الدنيا، ودليل هذا من القرآن والسنة قول الله عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] حياة مطمئنة مستريح البال فيها، لم يقل: لنكثرن ماله وأولاده وقصوره {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك في قوله: (عجباً لأمر المؤمن إنه أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له) .(220/3)
تفسير قوله تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض)
قال عز وجل: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22] أي: أن جميع المصائب التي تصيب الإنسان في الأرض أو في نفسه قد كتبت من قبل، المصيبة في الأرض كالجدب وقلة الأمطار، غور المياه وصعوبة منالها، وربما يقال أيضاً: الفتن والحروب وغيرها {وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ} أي: في نفس الإنسان ذاته من مرض، أو فقد حبيب، أو فقد مال، أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها.
{إِلَّا فِي كِتَابٍ} وهذا الكتاب هو اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه مقادير كل شيء (لما خلق الله سبحانه وتعالى القلم قال له: اكتب.
قال: رب! وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) سبحان الله! ما أعظم هذا اللوح الذي يسع كل شيء إلى يوم القيامة، ولكن ليس هذا بغريب على قدرة الله عز وجل، لأن أمر الله {إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] ولقد كان الإنسان يتعجب من قبل ولا يستبعد أن يكتب في هذا اللوح مقادير كل شيء، والآن ظهر من صنع الآدمي قطعة صغيرة مسجل فيها آلاف الكلمات، أليس كذلك؟ بلى وتسمى الليزر، وهو عبارة عن لوحة صغيرة كالقرص تسجل فيها آلاف الكلمات، قد يسجل فيها جميع كتب الحديث المؤلفة، أو جميع التفاسير، أو جميع كتب الفقهاء وهي من صنع الآدمي، فكيف بصنع من يقول للشيء: كن فيكون، لما قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فالمصائب التي تصيب الناس هل هي في أمر سابق؟ أو هي مستأنفة؟
الجواب
الأول، ولهذا قال: {إِلَّا فِي كِتَابٍ} [الحديد:22] .
قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22] (الهاء) في قوله: (نبرأها) قيل: إنها تعود على مصيبة، وقيل: على الأرض، وقيل: على الأنفس، وقيل: على الجميع، والصحيح أنها على الجميع، أي: من قبل أن نبرأ كل هذه الأشياء، أي: أن نخلقها، وذلك أن الله كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وخمسين ألف سنة مدة طويلة وهذا مكتوب.
إذاً {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} الضمير يعود على ماذا؟ أن نبرأ الأرض؟ أن نبرأ المصيبة؟ أن نبرأ الأنفس؟ أن نبرأ الجميع؟ الجميع.
و (نبرأها) أي: نخلقها، بكم مدة؟ قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
{إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22] أي: إن كتابة هذه المصائب يسير على الله عز وجل، كيف يسره؟ لأنه قال للقلم: اكتب فكتب، وهذا يسير أم صعب؟ يسير، كلمة واحدة حصل بها كل شيء {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22] كل شيء فهو يسير على الله، لأن الأمر كلمة واحدة (كن فيكون) أرأيتم الخلائق يوم القيامة تبعث بكلمة واحدة، قال الله عز وجل: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53] وقال عز وجل: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14] أي: على وجه الأرض خرجوا من القبور، هذا يسير والله.
ولما قال زكريا لله عز وجل حين بشره بالولد: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً} [مريم:8] قال الله عز وجل: {كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} [مريم:9] فأنا أوجدتك من قبل أن تكون، فبقدرتي أن يكون لك ولد بعد المدة الطويلة.
والله عز وجل لا يعجزه شيء، ولا يستعصي عنه شيء، ولا يتأخر عن أمره الكوني شيء {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22] .(220/4)
تفسير قوله تعالى: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم)
ثم قال: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [الحديد:23] أي: أخبرناكم بهذا أن كل مصيبة تقع فهي في كتاب {لِكَيْلا تَأْسَوْا} [الحديد:23] (اللام) هنا للتعليل، و (كي) بمعنى أن، أي: لئلا تأسوا، ومعنى تأسوا: تندموا على ما فاتكم مما تحبون.
{وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد:23] أي: لا تفرحوا فرح بطر واستغناء عن الله بما آتاكم من فضله.
إذا علمت أن الشيء مكتوب من قبل فهل تندم على ما فات لأنه مكتوب والمكتوب لا بد أن يقع؟ هل تفرح فرح بطر واستغناء إذا آتاك الله الفضل؟ لا، لأنه من الله مكتوب من قبل فكن متوسطاً، لا تندم على ما مضى، ولا تفرح فرح بطرٍ واستغناء فيما أتاك الله من فضله؛ لأنه من الله، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) القوي في إيمانه، وليس القوي في بدنه، أصحاب الرياضة يجعلون هذا عنواناً (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) ويقولون: المراد المؤمن القوي في بدنه وهذا غلط، القوي هنا وصف يعود على ما سبقه وهو الإيمان، (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير) هذا يسميه البلاغيون احتراس بمعنى أنه قد يظن الظان أن الضعيف لا خير فيه، فقال: (وفي كلٍّ خير) ، ثم قال: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان) والإنسان إذا علم أن كل شيء مقدر ولا بد أن يقع رضي بما وقع، وعلم أنه لا يمكن رفع ما وقع أبداً، ولهذا يقال: دوام الحال من المحال، وتغيير الحال بمعنى رفع الشيء بعد وقوعه من المحال.
نعود إلى الآية {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد:23] مختال في فعله، فخور في قوله، ومن الاختيال في الفعل أن يجر ثوبه، أو مشلحه، أو عباءته، أو غير ذلك مما يدل على الخيلاء، حتى وإن لبس ثوباً وإن لم يكن نازلاً لكنه يعد خيلاء.
الفخور والمعجب بنفسه هو الذي يقول: فعلت وفعلت وفعلت، يفخر به على الناس، لأنك ما دمت فاعلاً للشيء تريد ثواب الله، ما حاجة أن تفخر به على الناس! بل اشكر الله عليه وحدث به على أنه من نعمة الله عليك.(220/5)
الأسئلة(220/6)
من هم أهل السنة الحق؟
السؤال
ربما يلتبس على بعض العامة وربما بعض طلبة العلم الفرق بين علماء السنة علماء الحق وعلماء الباطل، ولقد أخبرني أحد الأفاضل أن هناك صفات في العامي أو الملبس عليه أنه لا بد أن يكون مخلصاً في طلبه السؤال والعمل بعد ذلك، وكذاك بذل الوسع والطاقة وأن يسأل فيما يعنيه، وثلاث صفات تكون في العالم وهو أن يكون على الحق، وأن يترضى على السلف رضوان الله عليهم، وأن يرد على من أخطأ، وقد حدثني بحادثة حصلت بينه وبين من ابتلي بالتكفير في خارج المملكة، فقال له: إن كنت تقول: إن حاكم بلدك كافر فعض على ساق الشجرة كما في حديث حذيفة بأن يعتزل الناس، فهل يا شيخ -حفظك الله- هذا الفهم صحيح وهذه التفاصيل صحيحه، ونود أن نستفيد منك يا شيخ؟
الجواب
أهل السنة هم المتمسكون بها تمسكاً واضحاً، ولهذا يسمون أهل السنة، فإن قيل: أهل السنة في مقابلة الرافضة الشيعة دخل في هذا الأشعرية وغيرهم ممن ينتسب إلى السنة، ولهذا يقال: سنة وشيعة.
وإن أريد بـ أهل السنة المتمسكون بها فهنا يخرج من خرج عن السنة بعدم التمسك بها، فـ الأشاعرة مثلاً في باب الصفات ليسوا من أهل السنة لأن أهل السنة هم المتمسكون بها عقيدة وقولاً وعملاً، وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وأئمة المسلمين من بعدهم.
ولهذا تجد بعض المصنفين يجعلون أهل السنة ثلاثة أقسام: أشعرية وماتريدية وسلف وهذا غلط، إلا أن يراد في مقابلة الرافضة فلا بأس هم سنة، ولكن الصواب أن أهل السنة هم المتمسكون بها، ولهذا يقال: أهل السنة والجماعة، الجماعة: بمعنى الاجتماع، أي: متمسكون بالسنة مجتمعون عليها.
وأما هذه الشروط التي ذكرها في السؤال فلا وجه لها، بل يقال: من تمسك بالسنة عقيدة وقولاً وعملاً فهو من أهل السنة.(220/7)
حكم (الشيك) الذي يصرف مقابل السلامة في آخر السنة الميلادية
السؤال
هناك شركة أعمل فيها تدفع لنا شيكاً في آخر السنة الميلادية بقيمة مائة وثلاثة وسبعين ريالاً مقابل السلامة -أي: الحوادث المرورية- وهذا الشيك لا يشترى به إلا من شركة واحدة وهي شركة سابكو أي: لا تصرفه؟ الشيخ: كم قيمته؟ السائل: قيمته مائة وثلاثة وسبعون ريالاً.
الشيخ: مائة وثلاثة وسبعون ريالاً فقط؟! السائل: إي نعم.
الشيخ: فقط؟! السائل: فقط هذا مقابل السلامة.
الشيخ: يعني مائة ألف ريال؟ السائل: لا، مائة وثلاثة وسبعون ريالاً.
الشيخ: فقط؟! السائل: إي نعم.
السائل: هذا الشيك يا شيخ.
الشيخ: مقابل ماذا السلامة؟ السائل: يعني من الحوادث ومن المخالفات المرورية ولا تُسحب فيه فلوس ولكن مشتروات من شركة سابكو.
فالسؤال: هل يجوز بيع هذا الشيك بسعر أقل عن مائة وعشرين وهل يعتبر سلعة أم فلوساً؟ الشيخ: لا يجوز أبداً، لأنك أنت معطاه على أنه دراهم، لكن أنا في شك من هذه المعاملة، على أي أساس أعطوك؟ مسألة السلامة ليس لهم فيها دخل، لكن إذا سلمك الله من الحوادث هل هذا من فعلك؟ السائل: لا.
ليس من فعلي.
الشيخ: من الله عز وجل.
كيف يعطونك عوضاً على شيء ليس من فعلك.
ثم إذا كان مكافئة فكيف تكون المكافئة مائة وسبعة وثلاثون ريالاً.
السائل: هذا الشيك يا شيخ معي؟ الشيخ: هذه شهادة مكتوب عليها وتخول حاملها الحصول على بضائع بقيمة مائة وثلاثة وسبعين ريالاً ولا أدري والله، لا أعرف الجواب عنه.
السائل: ما الحكم إذا بعته بأقل؟ الشيخ: لا، لا تبعه، رده عليهم.
السائل: يا شيخ أنا إذا انتظمت بالمرور فإن هذا يكون حافزاً لي وجائزة من الشركة نفسها.
الشيخ: لكن مائة وثلاثة وسبعين ريالاً ماذا يشتري الإنسان بها؟ كرتون تفاح! السائل: نعم، هل أرده يا شيخ؟ الشيخ: إي والله، أرى الأحوط أنك ترده؛ لأنه والله في شك من هذا، إن كانت الأمور هذه عظيمة عندهم فليست جائزة مائة وثلاثة وسبعين ريالاً، ثم مائة وثلاثة وسبعون ريالاً هي مصلحة لهم؛ لأنه يقول: لابد أن تشتري بها حوائج منهم.
السائل: لا، ليس منهم من شركة أخرى.
الشيخ: أو من شركة أخرى ما عليهم هم، ما دام أنها ملكي أفعل بها ما أريد.
السائل: هناك موظفون كثر يمكن عشرة آلاف الشيخ: أما أنا ما عندي فيها جواب، والأسلم لك أن ترده فقط.(220/8)
أفضل كتب التفسير للمبتدئين
السؤال
ماذا يستحسن أن يقرأ المبتدئ من كتب التفسير؟
الجواب
أحسن شيء إما تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي لأنه واضح وليس فيه تكلف ولا شيء، أو تفسير ابن كثير، والباقي من التفاسير كلها طيبة إن شاء الله، لكن بعضهم غلب عليه مذهب الأشاعرة.(220/9)
فن تخريج الفروع على الأصول
السؤال
ما رأيكم في فن تخريج الفروع على الأصول؟ الشيخ: ما معناه؟ السائل: أنا أسألك.
الشيخ: تسألني عن فن هو تخريج الفروع على الأصول وما معناه؟ أنا أرى -بارك الله فيك- أن طلب العلم لا بد يكون على أصول، أولها: الكتاب والسنة، ثم المعاني الشرعية التي تعتبرها الشريعة؛ لأن معرفة الأصول مهم، وطالب العلم الذي لا يعرف العلم إلا مسائل فقط ناقص بلا شك، لأنه لو خرج قيد أنملة عن هذه المسائل التي يعرفها وقف، فأنت اعرف الأصول حتى تقيس عليها ما يتفرع عنها.
أما تخريج الفروع على الأصول فهذه بعض الناس قد يغالي فيها، فيدخل في الأصل ما ليس منه، وبعض الناس قاصر فيها فيخرج عن الأصل ما هو منه.(220/10)
من حلف بالطلاق على زوجته إن ذهبت تدعو أحد مشايخ الصوفية الأموات
السؤال
حلفت على زوجتي بالطلاق بألا تذهب إلى شيخ من مشايخ الطرق الصوفية وهو متوفي، وكان نيتي التهديد وليس الطلاق وذهبت في غيابي فهل تعتبر طلقة؟ الشيخ: ذهبت إلى أين؟ السائل: ذهبت إلى هذا الرجل.
الشيخ: وهو ميت؟ السائل: وهو ميت.
الشيخ: تدعوه؟ السائل: نعم.
الشيخ: هي الآن بانت منك ليس بالطلاق؛ لأنها أشركت وارتدت عن الإسلام، الذي يدعو القبور مشرك شركاً أكبر، فالآن انظر هل تابت أو لم تتب؟ فإن انقضت العدة قبل أن تتوب فلا بد أن تجدد العقد، وإن تابت قبل انقضاء العدة فذلك المطلوب، وإن كانت جاهلة لا تدري أن هذا شرك فهي معذورة، ويبقى طلاقك أنت يميناً تكفره كفارة يمين، ولا تتعود على هذا، المرأة ليست رخيصة.(220/11)
كيفية معاملة الشيعة
السؤال
ما التحقيق في مذهب الرافضة وحكم معاملتهم إذا كانوا يعملون معنا في المدارس؟
الجواب
أرى أن تعاملوهم كما يعاملونكم، حذو القذة بالقذة، لقول الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] .
السائل: ما الحكم إذا رأيته سجد على شيء؟ الشيخ: انصحه.
السائل: هل أرد عليه السلام؟ الشيخ: نعم لا بد إذا سلم أن ترد عليه السلام، كذلك إذا تبادلتم أنتم وإياهم العزائم فلا بأس، لكن كما قلت لك: لا بد من مراعاة المصلحة.(220/12)
من حج عن غيره ومات أثناء الحج
السؤال
رجل لا يستطيع الحج فأعطى رجلاً أموالاً ليحج عنه فراح ذاك وأدى الحج عنه وتوفي.
الشيخ: من الذي توفي؟ السائل: الرجل الذي لا يستطيع أن يحج أعطى رجلاً فلوساً يحج عنه وذهب ذاك الذي معه الفلوس يحج عنه فتوفي.
الشيخ: هل توفي قبل الحج أم بعده؟ السائل: توفي في الحج.
الشيخ: هل توفي في أثناء الحج؟ السائل: نعم، فمن يعتبر الشهيد الذي أعطى الفلوس؟ الشيخ: الشهيد؟ السائل: نعم.
الشيخ: ما في شهادة.
السائل: الذي توفي.
الشيخ: هل توفي في الحريق؟ السائل: نعم.
الشيخ: الذي احترق هو الشهيد.
السائل: وهل الذي أعطى الفلوس يعتبر حجه قد انتهى؟ الشيخ: نعم قد انتهى.(220/13)
حكم وضع العباءة على القبر عند إدخال المرأة قبرها وحكم إدخال المحرم لها في قبرها
السؤال
نرى عند إدخال المرأة في قبرها بعض الناس يضع العباءة على القبر وقد لا يدخلها إلا محرمها.
؟
الجواب
أما وضع العباءة على القبر حين تنزيل المرأة فهذا حسن، وقد ذكره العلماء وقالوا: إن قبر المرأة يسجى عند وضعها فيه -يعني: يغطى- وأما كونه لا يدخله إلا المحرم فليس بشرط، يجوز أن يدخلها محرمها أو غيره، ولهذا لما خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جنازة إحدى بناته قال: (أيكم لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا، فقال: انزل.
فنزل في قبرها) وزوجها عثمان موجود، وأبوها محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم موجود.(220/14)
حكم حلق الشارب
السؤال
سمعت بعض أهل العلم يقول: إن حلق الشارب يكون في بعض المناسبات فما هي تلك المناسبات؟
الجواب
وأسمعك أن الإمام مالك رحمه الله قال: ينبغي أن يؤدب من يحلق شاربه.
أي: يقول الإمام مالك: الذي يحلق شاربه يؤدب؛ لأن السنة إنما وردت في قص الشارب أو حف الشارب أما حلقه بالكلية فيقول: إنه ينبغي أن يؤدب فاعله.
وليس هناك شيء اسمه مناسبات، فالشارب لا يحلق.(220/15)
حكم إفساد غسيل الكلى للصوم
السؤال
هل غسيل الكلى يفسد الصوم؟ الشيخ: أولاً: بارك الله فيك الذي يحتاج إلى الغسيل هل يمكن أن يغسل في الليل أم لا؟ السائل: لكنهم يغسلون في النهار.
الشيخ: أسألك: هل يمكن أن يقول للأطباء: سأكون أغسل في الليل، إذا كان يمكن فلا يجوز في رمضان أن يغسلها في النهار، وإذا كان لا يمكن فإنه يفطر في النهار لأنه مريض، ويقضي فيما بعد.(220/16)
حرمة سب العلماء وسب غيرهم من الناس
السؤال
أيهم أكثر إثماً: سب العلماء أو سب الناس العاديين؟
الجواب
سب العلماء أشد إثماً؛ لأن سب العالم لا يكون الضرر فيه على شخص العالم بل عليه وعلى ما يحمله من العلم؛ لأن العالم إذا سبه أحد نزل قدره في أعين الناس، وإذا نزل قدره في أعين الناس لم يتقبلوا منه، فيكون في ذلك ضرر على الشرعية التي يحملها، مع أن السب حرام سواء من العالم أو من العامي؛ قال الله عز وجل: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] .(220/17)
حكم الفصل بين جمع التأخير أو التقديم في الصلاة
السؤال
إذا ذهبت للعمرة ودخلت الحرم في وقت صلاة العصر، وقد نويت جمع التأخير للظهر مع العصر، ثم وصلت الحرم قبل الإقامة بخمس دقائق تقريباً فصليت الظهر وتأخرت خمس دقائق هذه ثم أقيمت صلاة العصر هل في ذلك شيء؟
الجواب
لا.
ليس في ذلك شيء.
السائل: ما الحكم إذا تأخر الجمع أي: فصل بين الصلاتين؟ الشيخ: إذا كان الجمع جمع تأخير فالفصل لا يضر، وإذا كان جمع تقديم فالعلماء اختلفوا رحمهم الله: هل يضر الفصل أم لا يضر؟ فاختار شيخ الإسلام رحمه الله أن الفصل لا يضر في جمع التقديم كالتأخير، وقال: إن معنى الجمع الضم بأن يصلي الصلاتين في وقت إحداهما ولا فرق بين أن تتوالى الصلاتان أو لا تتوالى.(220/18)
حكم السلام في المجلس الواحد أثناء طرح السؤال
السؤال
بالنسبة للسلام في المجلس الواحد إذا سلم -مثلاً- أثناء طرحه للسؤال هل يشرع ذلك؟ الشيخ: لا.
السائل: وحديث المسيء صلاته ما تأويله؟ الشيخ: المسيء في صلاته ذهب ورجع.
السائل: لكن كان في مرأى من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الشيخ: لا يضر، ما دام ذهب ورجع فليعد السلام، أما إذا كان في نفس المكان فما عهدنا أن الصحابة كانوا إذا أرادوا أن يسألوا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم سلموا أولاً.(220/19)
حكم من اشترى شيئاً لرجل آخر ليبيعه إياه بزيادة في الأجل
السؤال
إذا كان هناك شخص -مثلاً- يدين سيارات، يذهب هو والشخص الذي يريد سيارة فيحدد نوعها الشخص الذي يريد أن يتدين، فإذا أرادها الشخص الذي سوف يشتريها مثلاً يشغلها ويحركها عن مكانها وينظر فيها ومن ثم يشتريها ويبيعها من الشخص الذي يريدها بثمن زائد عن سعرها في الوكالة هل يجوز هذا العمل؟
الجواب
لا، هذا لا يجوز، هذه المسألة صورتها أن شخصاً احتاج سيارة وليس عنده دراهم فذهب إلى تاجر وقال: أنا أريد السيارة الفلانية اشترها لي وآخذها منك إلى أجل بزيادة، هذا محرم، لأنه حيلة؛ فالتاجر إنما اشتراها من أجل الرجل الذي جاء يطلبها وليست عنده من الأول، فإذا كان اشتراها من أجل أن يبيعها عليه بمؤجل مع الزيادة فهذا هو عين الربا، لكنه بدل ما يكون صريحاً صار خداعاً وحيلة، فبدلاً من أن يقول: يا أيها المحتاج إلى السيارة! هذه خمسون ألف ريال اشتر بها السيارة وهذه الخمسون عليك بستين إلى سنة، قال: أنا أشتري السيارة ثم أبيعها لك.
فقد اشتراها التاجر من أجل المحتاج هذا ولم يشترها من أجل المحتاج رأفة به، ولهذا يبيعها بزيادة، وهذه لا شك أنها أخبث مما لو قال خذ خمسين ألف ريال وهي عليك بستين ألف ريال، وإنما كانت أخبث لأنها مبنية على الخداع، ومفسدة الربا متحققة فيها، ولا يمكن للربا العظيم الذي رتب الله عليه من العقوبة ما لم يرتب على ذنب دون الكفر، لا يمكن أن يكون حلالاً بمثل هذه الطريقة، لا يمكن للشخص أن يقول هكذا.
مثلما قال بعضهم: أنا سأشتري مثلاً ذهباً زنته مائة غرام بذهب زنته ثمانون غراماً، وأنوي العشرين الغرام أنها هبة وتبرعاً.
هل هذا معقول؟ ليس بمعقول؛ لأننا لو قلنا: هذا جائز كان كل شخص يقدر على الربا ولا يهمه، ولا تغتر بفتوى من قال بالجواز في المسألة الأولى، فإنه لو تأمل المسألة حق التأمل لوجد أنها حيلة واضحة جداً على الربا، وأنه لا يمكن لهذه الشريعة العظيمة العزيزة الجانب أن تتنزل حتى تحل هذه المعاملة مع تحريم الربا.
السائل: إذا كان صاحب السيارة يحتج بأنه لا يجبر المشتري؟ الشيخ: كلمة (لا يجبر) لغو لا فائدة لها، هل هذا الذي جاء يطلب السيارة هل يمكن يهون هو الذي محتاج إلى السيارة، ما يمكن يهون، وقوله: لو هون ما أجبره.
هذه كلها كلمة لا يمكن أن ينخدع بها المؤمن أبداً، ولهذا يقال لي: إن هذا الرجل إذا هون يأخذونه على إغماضه ويكتبون اسمه في القائمة السوداء، فلا يعاملونه بعد ذلك، مع أنه ما يهون، وهناك شروط تكتب عليه ما يمكنه من التهوين.
والمهم أنه يجب علينا قبل أن نعمل الأعمال أن ننظر من سنعامل، ألسنا نعامل رب العالمين، يجب أن نعلم أنه سبحانه وتعالى عليم بالسرائر، وأن نبيه محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات) وانظر إلى اليهود لما حرمت عليهم الشحوم، أذابوا الشحم ثم جعلوه ودكاً ثم باعوه وأكلوا ثمنه، ما أكلوا الشحم ولا أكلوا الودك، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (قاتل الله اليهود) وصدق رسول الله حيث قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم) نحن بهذه المعاملات وأشباهها ارتكبنا ما ارتكبت اليهود، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) .(220/20)
مسمى السلفية في الميزان
السؤال
درج على وصف فئة معينة من المسلمين بالسلفيين وأن هذا الاسم لا يمتد إلى غيره من المسلمين السؤال هنا: إذا كان الإسلام والسلفية شيء واحد وأنه لا فرق بين مسمى سلفي ومسلم، وعليه كما أن في الإسلام هناك مسلم ملتزم ومسلم عاص ومسلم مبتدع، فهل ممكن أن نقول: هناك سلفي ملتزم وعاص ومبتدع، حتى إننا ممكن أن نصف مغنياً فاسقاً بأنه مسلم، ولكن هل نستطيع أن نسمي هذا المغني الفاسق بأنه سلفي؟
الجواب
أولاً: يجب أن نعلم أن السلفي ليس محصوراً على فئة معينة، كل من تمسك بمذهب السلف فهو سلفي، هذا السلفي سواءً تقدم زمنه أو تأخر.
وأما أن نجعله في فئة معينة نقول: هؤلاء سلفيون وهؤلاء عقلانيون فهذا غلط، ولكن ليعلم أن من العلماء من يغلب جانب العقل ومنهم من يغلب جانب الشرع، ولهذا تجد في كتب الخلاف الفقهية إذا أرادوا أن يتكلموا عن أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله يصفونهم بأنهم أصحاب الرأي؛ لأن عندهم أصحاب الدليل وأصحاب الرأي.
فخذ هذه القاعدة: السلفي من تمسك بمذهب السلف ولا يختص بطائفة معينة، ولا يجوز أن نصنف الناس ونقول: هؤلاء سلفيون وهؤلاء عقلانيون، أو ما أشبه ذلك.
أقول: السلفي من أخذ بمذهب السلف عقيدة وقولاً وعملاً في أي مكان، ولا يصح أن نقسم المسلمين ونقول: هذا عقلاني، وهذا سلفي وما أشبه ذلك، بل يجب على الجميع أن يكونوا سلفيين، لا على أنها مسألة حزبية لا، على أنها هي الحق، قال الله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:100] .(220/21)
حكم (الطربوش) الذي له مقدمة
السؤال
ما حكم (الطربوش) الذي له زائد؟ الشيخ: الذي فيه هذا الرف؟ السائل: نعم.
الشيخ: والله أنا أكرهه لسببين: السبب الأول: أنه عادة حادثة وأنا أحب من المسلم ألا يتغير عن عادته إلا إلى عادة أحسن، ولم تخالف الشرع.
والسبب الثاني: أن هذا الرف يؤثر على العين بحيث تضعف عن مقاومة شعاع الشمس، دع المسألة الآن على طبيعتها ولا يضر، ولقد أمسكت شاباً عليه هذا (الرف) في الليل بعد العشاء وقلت له: ماذا تريد بهذه الطاقية؟ لماذا لا تلبس (طاقيات) مثل الناس؟ قال: هي تقي من الشمس.
نحن الآن بعد العشاء أين الشمس؟! انظر التقليد الأعمى.
فأنا أكرهها لهذين السببين.
وأقول: ينبغي لنا أن نكون أعزة في أنفسنا، أقوياء الشخصية، وألا نتحول عن عاداتنا إلا إلى ما هو أحسن منها بشرط ألا يكون مخالفاً للشرع، أما كوننا نتلقى كل شيء منهم فهذا غلط.(220/22)
حكم لبس النظارة الشمسية
السائل: ما حكم لبس النظارة الشمسية؟
الجواب
النظارة الشمسية لا أراها إلا لإنسان تحتاج عينه إليها، أما بدون حاجة فغلط؛ لأنه لا يتحمل فيما بعد أن ينظر إلى الشمس بدون النظارة، حاول ألا تلبس النظارة لا الشمسية ولا غيرها إلا إذا احتاجت العين لهذا، بحيث أنك إذا تركت النظارة الشمسية دمعت العين وسخنت فهذا لا بأس.
وهناك شيوخ كبار جداً ينظرون إلى الهلال ولا ينظر إليه الشباب الذين عندهم النظارات الشمسية، لكن العين ترى مثل الجسد، إذا رأيتها تعبانة من مطالعة أو تحديق في شيء توقف، كما أنك إذا قصرت توقف عن المشي، فهي عضو من الأعضاء.(220/23)
لقاء الباب المفتوح [221]
أرسل الله رسله بالبينات والمعجزات الدالة على النبوة والرسالة، وكانت معجزة كل نبي ورسول بما يناسب الوقت وحال القوم الذين أرسل فيهم، وفي إطار هذا الموضوع كان هذا اللقاء الذي تم فيه تفسير آيات من سورة الحديد تشير إلى ما سبق ذكره.(221/1)
تفسير آيات من سورة الحديد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة! فهذا هو اللقاء الحادي والعشرون بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثالث من شهر شعبان عام (1420هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بما جرت به العادة من الكلام بما ييسره الله عز وجل على آيات من كتاب الله.(221/2)
تفسير قوله تعالى: (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل)
يقول الله تبارك وتعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [الحديد:22-24] (يبخلون) أي: يمنعون ما يجب عليهم بذله من مال وجاه وعلم.
مثال الأول: الذي يبخل بالزكاة وهي أعظم وأوجب ما ينكر، والإنفاق على من تجب نفقته من الأقارب والزوجات.
ومثال الثاني: أن يجد الإنسان شخصاً مسلماً واقعاً في مظلمة يتطلب المقام أن يشفع فيها ليرفع عن هذا الظلم ولكنه يبخل بجاهه.
ومثال الثالث: وهو البخل بعلمه، أن يمتنع من تعليم الناس مما علمه الله عز وجل، وأن يبخل بالجواب والفتيا إذا استفتي عن مسألة دينية وتعين عليه أن يفتي بها، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (البخيل من إذا ذكرت عنده ولم يصلِ علي) اللهم صل وسلم عليه، وهذا نوع من البخل؛ لأنه بخل بما يجب عليه إذ أن القول الراجح: إنه إذا ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجب على من سمعه أن يصلي عليه، بدليل الحديث الذي في السنن أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (رغم أنف امرئٍ ذكرت عنده فلم يصل عليك قل: آمين، فقال: آمين) .
قال تعالى: {وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [الحديد:24] (يأمرون) أي: يقول هؤلاء للرجل: لا تنفق من مالك فإن مالك ينقص، لا تتعب نفسك في الشفاعة لفلان، لا تتعب نفسك في تعليم العلم، هؤلاء أمروهم بالبخل فصاروا -والعياذ بالله- فاسدين مفسدين.
قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَتَوَلَّ} [الحديد:24] أي: يعرض عن طاعة الله {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد:24] من يتول فإن الله ليس بحاجة إليه، فهو عز وجل غني بذاته عن جميع مخلوقاته، وهو (الحميد) أي: المحمود على غناه؛ لأنه ليس كل غني يكون محموداً، فالغني البخيل لا يُحمد، لكن الله عز وجل غني حميد يحمد على غناه؛ لأنه عز وجل واسع كثير العطاء.
وفي هذه الآية دليل على أن الإنسان الذي يتولى عن طاعة الله إنما يضر نفسه ولا يضر الله شيئاً، فإن الله غني، وفي الحديث القدسي: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً) .(221/3)
تفسير قوله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب)
قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25] .
قوله جل وعلا: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} هذه جملة مؤكدة باللام وقد والقسم المقدر؛ لأن مثل هذه جملة يقدر فيها قسم، والتقدير: والله لقد أرسلنا رسلنا بالبينات، ولعل قائل منكم يقول: كيف يقسم الله عز وجل؟ كيف يؤكد الله خبره بالقسم وهو الصادق بدون ذلك؟ هذا محل إشكال والجواب أن يقال: القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، واللسان العربي المبين يؤكد الأشياء الهامة أو الأشياء المنكرة بأنواع المؤكدات حتى يطمئن المخاطب ولا يكابر المكابر، فهنا نقول: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} [الحديد:25] وتقدير الكلام: والله لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وهذا يتكرر في القرآن كثيراً والتقدير كما سمعتم.
{أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} أي: أعطيناهم الوحي وأمرناهم أن يبلغوه إلى الناس هذا الرسول.
وقوله: {بِالْبَيِّنَاتِ} أي: بالآيات البينات الواضحة الدالة على أنهم رسلٌ من عند الله.
مثال ذلك: أرسل الله سبحانه وتعالى موسى إلى فرعون وأعطاه آيات بينات، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرائيلَ إِذْ جَاءَهُمْ} [الإسراء:101] منها: العصا العجيبة، عصا عادية فيها آيات، من آيات الله فيها أنه لما اجتمع السحرة الحذاق الجيدون بأمر فرعون ومساندته وألقوا حبالهم وعصيهم وصارت هذه الحبال والعصي كأنها حيات وثعابين أرهبت الناس، حتى موسى عليه الصلاة والسلام أوجس في نفسه خيفة؛ لأنها فوق ما يتصور، سحرة مهرة أتوا بكل قوتهم وألقوا وملئوا الأرض حبالاً وعصياً فجعلت هذه الحبال والعصي كأنها حيات وثعابين، {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:116] أوحى الله إليه أن يلقي العصا، فألقاها، فانقلبت هذه العصا حية عظيمة، وجعلت تلقف ما يأفكون من الحبال التي جاءوا بها، أكلتها هذه الحية، وهذه من آيات الله العظيمة، كيف تكون هذه الحية تأكل كل هذه الدنيا؟ أين تذهب؟ لكنها -والله أعلم- بمجرد ما تأكلها تكون كالبخار تذهب، وإلا فإن بطن هذه الحية لا يسعها، لكن هذه آية! أنتم الآن تتصورون هذه الواقعة خبراً لكن ما ظنكم لو رأيتموها نظراً؟ كان الأمر أشد وأعظم، نحن الآن لا نتصورها إلا في الخبر والذهن فقط، لكن لو تشاهد الموضوع عرفت أنها آية عظيمة.
الآية الثانية في هذه العصا: أن موسى استسقاه قومه -أي: طلبوا منه الماء- فضرب حجراً من الأحجار فتفجر عيوناً اثنتي عشرة عيناً، الماء ينبع من هذا الحجر الذي ضرب به العصا؛ لأن بني إسرائيل كانوا اثني عشر نقيباً أليست هذه آية؟ بلى، حجر أصم تنبع منه العيون بدون حفار وبدون أي شيء آية من آيات الله.
الآية الثالثة: أن موسى عليه الصلاة والسلام لما أدركه فرعون وحشره إلى البحر أيقن أصحاب موسى أنهم هالكون، وقالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] ما لنا مفر، البحر أمامنا إن خضناه غرقنا، وفرعون وجنوده خلفنا سيقضون علينا، {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] ولكن انظر إلى الإيمان واليقين: {قَالَ كَلَّا} [الشعراء:62] لن ندرك {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] أي: سيدلني على ما فيه النجاة، فأوحى الله إليه {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} [الشعراء:63] ضرب البحر مرة واحدة بالعصا فانفلق اثني عشر طريقاً على عدد النقباء من بني إسرائيل {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء:63] أي: كالجبل العظيم، الأرض في الحال يبست {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً} [طه:77] والماء على أيمانهم وعن شمائلهم كالجبال، وانظر إلى الإيمان أيضاً كيف دخلوا في هذه الطرق والمياه على أيمانهم وعلى شمائلهم لكنه الإيمان؛ لأنهم عرفوا أنهم ناجون ولا بد، هذه من آيات الله عز وجل.
عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام أعطاه الله آيات بينات كان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، وهذان الداءان لا حيلة للأطباء فيهما إلى الآن، اللهم إلا الأكمه ربما، كان عيسى يحيي الموتى بإذن الله، يقول للجنازة أمام الناس: احيي فتحيا بإذن الله، كان يخرج الموتى من قبورهم، يقف على القبر ويأمر صاحب القبر أن يخرج حياً، من يستطيع هذا إلا الله عز وجل؟ جعله الله آية لهذا النبي.
كان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخه فيطير! قال الله عز وجل: {فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران:49] وفي قراءة ثانية: فيكون طائراً، وإذا جمعت بين القراءتين صار طيراً بإذن الله يطير؛ لأنه ما كل طير يطير، النعامة لها جناح ولكنها لا تطير، لكن يكون طيراً يطير يشاهد في الجو، وهو خلقه من طين! من يقدر على هذا؟! ثم بعد الموت وإيجاد من العدم، هذا لا يقدر عليه إلا الله جعله الله آية لعيسى.
فإن قال قائل: لماذا خص الله موسى بالعصا وخص عيسى بإحياء الموتى وخلق الطيور؟ قال أهل العلم: إن الله عز وجل حكيم، يجعل لكل نبي من الآيات ما يناسب الوقت وحال الناس حتى يعجزهم، يقولون: إن السحر ترقى إلى حد بعيد في عهد موسى؛ فأراهم الله آية يعجزون عنها بسحرهم، ولهذا في قصة موسى السحرة العارفون بالسحر ما ملكوا أنفسهم إلا أن يؤمنوا {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} [الأعراف:120] ما سجدوا كأنهم بغير اختيار، دهشوا فسجدوا، وقالوا إعلاناً: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف:121-122] .
عيسى عليه السلام ترقى في عهده الطب ترقياً عظيماً فأعطاه الله تعالى آية لا يستطيع الأطباء أن يأتوا بمثله.
أما محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه بعث في زمن البلاغة العظيمة التي ترقت إلى أعلى ما يكون في العرب واللسان العربي أفصح الألسنة وأدلها على ما في الضمير، فبعثه الله عز وجل بقرآن كريم أعجز العرب أن يأتوا بمثله، ولن يأتي أحد بمثله لا الجن ولا الإنس، قال الله عز وجل: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] ولو أن بعضهم عاون بعضاً لا يأتون بمثله، وصدق الله عز وجل، القرآن كلام الله فكما أن الله ليس كمثله شيء فكلامه ليس كمثله كلام، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} [الحديد:25] وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أن الله تعالى ما بعث نبياً إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر حتى تقوم الحجة.
قال: وإنما الذي أوتيته وحي أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً) وحصل ما توقع والحمد لله، وأكثر الأنبياء تابعاً هو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن آيته الكبرى هي القرآن العظيم، القرآن العظيم باق وكل الناس يقرءونه ويستنتجون منه من الآيات ما يزدادون به إيماناً ويعلمون به صدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فإن قال قائل: ما الحاجة إلى إعطاء الأنبياء آيات؟ هنا الحاجة واقعة بل للضرورة، بل للعقل أيضاً، لأنه ليس من العقل أن يأتي شخص ويقول: إنه رسول ثم يتبع، لا بد أن تكون هناك بينة تدل على أنه رسول.
لو جاء إنسان في غير أمة محمد عليه الصلاة والسلام وقال: إنه رسول ولم يأت بآية، فالناس معذورون إذا لم يتبعوه، وإلا لكان كل واحد يدعي أنه رسول، أما بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالنبوة انقطعت لأنه كان خاتم النبيين، لذلك لا بد أن يكون مع الأنبياء آيات تدل على صدقهم، وعلى صحة ما جاءوا به من الشريعة.
{وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد:25] (الكتاب) الوحي الذي أوحاه الله تعالى إليه، وما من رسول إلا معه كتاب بخلاف النبي، فالنبي قد لا يكون معه كتاب، لكن الرسول لا بد أن يكون معه كتاب؛ لأنه رسول لا بد أن يعطي الناس الذين يدعوهم ما يشاهدونه بأعينهم، وقوله: (الكتاب) هل هو واحد أو المراد الجنس؟ المراد الجنس، يعني: الكتب، لأنه قال: {رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ} [الحديد:25] ليس كتاباً واحداً بل كل رسول معه كتاب، وقوله: {وَالْمِيزَانَ} [الحديد:25] أي: العدل، الذي توزن به الأشياء ويعرف قدرها وحالها، وهذا يدل دلالة واضحة على أن القياس الصحيح مما بعث به الرسل، لأن القياس تسوية فرع بأصل في حكم لعلة جامعة، وقد قال الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد:25] أي: العدل والمقايسة بين الأمور.
{لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد:25] أي: ليقوم الناس في الدين والدنيا بالقسط والعدل في حق الله وفي حق العباد، فما هو العدل في حق الله؟ العدل في حق الله ما ذكره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ معاذ بن جبل حين قال له: (أتدري يا معاذ! ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً) قوله: (ألا يعذب من يعبده ولا يشرك به شيئاً) ح(221/4)
الأسئلة(221/5)
حكم الذكر بعد إقامة الصلاة
السؤال
هل ورد الذكر بعد إقامة الصلاة كقوله: اللهم رب هذه الدعوة التامة أو قوله: أقامها الله وأدامها أم هل السكوت أفضل من ذلك؟
الجواب
جواب هذا السؤال ينبني على صحة الحديث الوارد في ذلك، فمن صحح الحديث قال: إنه يجيب المقيم كما يجيب المؤذن، ويدعو ويقول في الإقامة: أقاماها الله وأدامها، ويدعو بعد انتهاء الإقامة بما يدعو به بعد انتهاء الأذان؛ لكن الحديث ضعيف، والقول الراجح: أنه لا يقول شيء ولا يتابع المقيم، ولا يدعو بدعاء الأذان.(221/6)
حكم تقسيط الزكاة على رجل لا يحسن التصرف فيها
السؤال
رجل يريد إخراج زكاة ماله وله قريب من أهل الزكاة، ولكن هذا القريب لا يحسن التصرف في المال، فلو أعطي ما يكفيه شهراً لأنفقه في أسبوع فهل لهذا المزكي أن يبقي المال لديه ولو لعدة شهور ينفق منه على قريبه حسب حاجته؟
الجواب
إذا كان له ولاية على هذا القريب فلا بأس، وإن لم يكن له ولاية فيعطيه ما يحتاجه لمدة قليلة ويصرف الباقي إلى غيره من الفقراء.(221/7)
حكم المسافر يقصر خلف متم للصلاة
السؤال
رجل صلى العصر فجاء خلفه رجلان، ثم صليا معه وهو يتم صلاة العصر، فلما قام من التشهد الأول جلس الرجلان حتى أتى بالركعتين ثم سلم فسلما معه، فما حكم صلاتهما؟ الشيخ: أي: أنهما مسافران.
السائل: نعم.
الشيخ: صلاتهما هذه غير صحيحة، وقل لهما: يعيدان الصلاة، لأن المسافر إذا صلى خلف من يتم لزمه الإتمام، والدليل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه) وهذا اختلف على الإمام بدون عذر، فعليهما أن يعيدا الصلاة، وليعلم أن المسافر إذا أدرك ركعة مع الذي يصلي أربعاً أو أقل ولو في التشهد الأخير لزمه الإتمام، لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) .(221/8)
حكم دخول لبس الغترة والجورب والخف في اللباس الأبيض المستحب إذا كانت بيضاء
السؤال
هل تدخل لبس الغترة البيضاء والجورب الأبيض والخف الأبيض في قوله: (خير لباسكم البياض) ؟
الجواب
أما الخف فلا، لأن هذا يتبع أعراف الناس، وأما اللباس الآخر فنعم يكون هذا أفضل، ولكن إذا قدر أنه يريد أن يلبس ثوباً آخر كثياب الشتاء الملونة نقول: لا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبس الثياب الملونة ولبس العمامة السوداء ولا حرج، وظاهر الحديث أنه يستحب لبس البياض على غيره.(221/9)
حكم من دخل في الصلاة لمفرده ثم أقيمت جماعة أخرى
السؤال
دخلت المسجد والإمام قد فرغ من الصلاة وشرعت أنا في الصلاة وإذا باثنين بعدي يدخلون في صلاة جماعة ثانية فما الحكم بالنسبة لي؟
الجواب
إن أتم صلاته فلا حرج عليه، وإن انصرف منها وابتدأ الصلاة من جديد مع اللذين دخلا فلا حرج، لأن أجر الصلاة الأولى انتهى، أي: أن الجماعة الثانية لا تنال عشرين درجة، لكن لا شك أن صلاة الرجل مع الرجل أفضل من صلاة الواحد.(221/10)
الطريقة المناسبة للتمكن من علم التفسير
السؤال
كيف يتمكن طالب العلم من علم التفسير وما هي الطريقة المناسبة للتمكن من فن التفسير؟
الجواب
على كل حال الله عز وجل يعين من شاء من عباده، لكن الطرق أن يعرف الإنسان معنى كلام الله من المفسرين الموثوقين في علمهم وفي دينهم وأمانتهم، لأن بعض المفسرين عنده علم جيد في التفسير لكنه لا يؤمن من جهة العقيدة، فأحسن التفاسير مما اطلعت عليه تفسير ابن كثير رحمه الله وتفسير ابن السعدي وتفسير القرطبي على أن فيه بعض الشيء، وتفسير الشوكاني أيضاً لا بأس به وأظنه لا يخلو من الملحوظات، والمسألة فهم يؤتيه الله من يشاء، ولهذا لما قيل لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [هل خصكم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشيء؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهماً يؤتيه الله تعالى من شاء في كتابه] .(221/11)
حكم الاستجمار إذا تعدى الخارج موضع العادة
السؤال
هل يجوز الاستجمار إذا تعدى الخارج موضع العادة؟
الجواب
ظاهر السنة أنه جائز إذا كان التعدي يسيراً، أما لو كان البول ترشرش على الفخذ أو على قصبة الذكر؛ فإنه لا بد من غسله.(221/12)
حكم صلاة من أم الناس في الصلاة وقد نسي الصلاة على النبي
السؤال
إمام صلى فنسي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو إمام فما الحكم؟ الشيخ: يصلي.
السائل: نسي وسلم.
الشيخ: يعود إلى التشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويكمل التشهد ويسلم ثم يأتي بسجدتي السهو.
السائل: كيف يخبر الجماعة إذا قاموا وذهبوا؟ الشيخ: الذين ذهبوا ما عليه شيء، وأما الذين بقوا معه فسيعملون عمله.(221/13)
حكم الإجابة على الأسئلة الشرعية التي تحدث في المجالس
السؤال
في المجالس أحياناً يسأل الإنسان عن مواضيع يمكن تكون بسيطة لكن خشية الإجابة عليها يدخل حديث للمجالس ومناقشات في أمور الدين وممكن يتكلم فيها جهال فيخطئون في أشياء كثيرة، فهل نسكت عن هذا؟
الجواب
أولاً يسأل يقول: إذا كنا في مجلس وكثرت الأسئلة الموجهة إلى طالب العلم هل يجب أن يجيب عن كل سؤال؟ هذا سؤالك؟ السائل: أو أي واحد في مجلس أو اجتماع.
الشيخ: لا يجوز أن تستفتي إلا من يغلب على ظنك أنه أهل للفتوى؛ لأن هذا دين فانظر عمن تأخذ دينك.
أي واحد يتصدر بين عوام ثم يتكلم العامي يظن هذا بحر العلوم لا يدريه، لكن لا تتوهم ولا تستفت خصوصاً في وقتنا هذا الذي أصبح كل واحد يفتي إلا من تثق بعلمه ودينه.
السائل: يعني لا يجاوب على الأسئلة البسيطة.
الشيخ: أنت تسأل عن العالم هل يجاوب أم لا يجاوب؟ أو تسأل عن السائل: هل يسأل أو ما يسأل؟ الشيخ: أنا لا أدري هل أنت عالم أو غير عالم.
السائل: الذي يسألني هل أقول: اسأل العالم الفلاني أم ماذا؟ الشيخ: يجوز أن تحول على إنسان آخر.
السائل: ولو كنت أعرف أنا الجواب؟ الشيخ: ولو كنت تعرف خصوصاً إذا خشيت على نفسك الفتنة؛ لأن الفتوى في الحقيقة سحر، إذا أفتى الإنسان وصار يفتي أصبح لا ينزل عنها أبداً، فهي في الحقيقة تأخذ بلب الإنسان إذا خشيت الفتنة قل: اسأل فلاناً.
السائل: والآية {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء:37] ؟ الشيخ: نعم {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء:37] لكن أنت ما بخلت، أنت أهديته إلى من هو أوثق منك في العلم وأدرى منك وهذا ليس ببخل، ولهذا كان السلف الصالح يتدافعون الفتيا، يقول: اذهب إلى فلان اذهب إلى فلان.(221/14)
حكم الأذان لمن كان قريباً من البلد وقد حضر وقت الصلاة
السؤال
إذا كان هناك مجموعة أشخاص قريبين من البلد وحضر وقت الصلاة ويريدون أن يصلوا هل يجب عليهم الأذان أو يكتفون بالإقامة ويصلون؟ الشيخ: هل هم يسمعون الأذان أم لا؟ السائل: يسمعون عبر مكبرات الصوت.
الشيخ: نعم لا يخالف، يكفي.
ما دام أنهم قد سمعوا الأذان بقي عليهم الإقامة فليقيموا.(221/15)
حكم الخروج للدعوة إلى الله عز وجل في باكستان
السؤال
هذا شاب أراد أن يخرج إلى الدعوة إلى الله عز وجل في باكستان، وأراد أن يخرج زوجته معه، فأخرج لها جوازاً وخرج بها إلى الدعوة إلى الله في باكستان، وعندما عاد أخبر كثيراً من الشباب عن حركته في الدعوة هناك وعن نشاطه فتحمس الشباب إلى هذا الأمر، وأرادوا أن يفعلوا أو يحذوا حذوه، فنريد بيان هذه المسألة حفظكم الله إن كان الأمر جائزاً وتبيينه لكثير من الشباب لوقوعهم في ذلك؟
الجواب
بارك الله فيهم وفي علمهم ودعوتهم، قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدعو الناس مرحلة مرحلة، الأقرب فالأقرب، هؤلاء الإخوة الذين ذهبوا إلى باكستان أو غيرها من البلاد الخارجية لماذا لا يعملون في داخل المملكة؟! الآن هناك جهات من المملكة لا يعرفون كيف يتوضئوا، بل وبعضهم لا يعرف كم عدد الصلوات!! فهم في حاجة شديدة.
قد يقولون: والله نحن لا نتمكن لأننا لا نعطى رخصة، فإذا وصلت الحال إلى هذا فلا بأس أن يخرجوا، ولكن يجب أن يكون لهم رئيس يرجعون إليه فيما يشكل عليهم، حتى لا يتخبطوا في دين الله فيضلوا ويضلوا عباد الله.
السائل: وما حكم خروج النساء؟ الشيخ: خروج النساء لا بد، كون امرأته معه يحفظها وتحفظه خير من كونها تبقى فتضيع وهو أيضاً ربما يضيع.
السائل: لكنه يدع أولاده عند الناس يكفلونهم.
الشيخ: إذا لزمه أن يذهب بامرأته ويدع الأولاد فإن هذا غلط، حتى هو نقول له: لا تذهب بالأولاد، أولادك أحق منك، والآن الشوارع مخيفة من جهة الشباب، إذا لم يكن عند الإنسان عناية بأولاده مع التوكل على الله وسؤال الهداية لهم فإنهم على خطر.(221/16)
كيفية التخلص من الشيكات التي تأتي من البنك الربوي للمساهم فيه
السؤال
شخص ساهم في أحد البنوك الربوية منذ عشرين سنة تقريباً، ويأتيه بين الفينة والأخرى شيكات من هذا البنك، فهو لا يدري كيف يتصرف فيها.
؟ الشيخ: شيكات أي أوراق؟ السائل: هي أرباح من البنك.
فهو يسأل الآن كيف يتصرف فيها هل يبيع الأسهم ويتخلص منها أم يأخذ هذه الأرباح؟ الشيخ: المشكلة أنه إذا باعها على من يبيعها؟ السائل: على أناس آخرين.
الشيخ: هل يتعاملون بالربا؟ السائل: إي نعم.
الشيخ: إذاً أعان على الربا.
السائل: إي نعم.
الشيخ: أرى أن يبقى على ما هو عليه، ولكن الأرباح التي تأتي -وأقول: أرباحاً تبعاً للعرف وإلا ليست ربحاً إنما هي خسارة- يقول للبنك: لا أريدها.
السائل: ما يدعونه، يقولون: خذها.
الشيخ: فإذا قالوا: لا نقبلها ضعها على الماسة ما علينا منك، فإنه يأخذها ويتصدق بها.
السائل: يرسلونها بالبريد.
الشيخ: حتى لو أرسلوها بالبريد يردها بالبريد، لكن إذا قالوا: لا نقبلها إطلاقاً، فيأخذها ويتصدق بها.
السائل: يتصدق بها على نية التخلص منها؟ الشيخ: نعم على نية التخلص منها، لا على نية التقرب.(221/17)
حكم رفع أحد أعضاء السجود أثناء الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ: إنسان رفع أحد أعضاء السجود هل تبطل صلاته وهو ساجد؟
الجواب
الظاهر أنه إن رفع في جميع السجود -أي: ما زال ساجداً وهو رافعٌ أحد الأعضاء- فسجوده باطل، وإذا بطل السجود بطلت الصلاة، وأما إذا كان رفعه لمدة يسيرة مثل أن يحك رجله بالأخرى ثم أعادها فأرجو ألا يكون عليه بأس.(221/18)
ظهور علاج جديد للسكر
السؤال
ظهرت الآن في الآونة الأخيرة خاصة في الحجاز شيء يسمى الزهرة، وهي عبارة عن زيت طحلب يوضع في ماء وبعد أسبوع يضعون لها الشاي والسكر والماء.
الشيخ: وأين يضعونها؟ السائل: يضعونها وسط الشاي والماء والسكر وتظل أسبوعاً كاملاً الشيخ: ما الذي يوضع؟ السائل: شيء مثل الطحال يسموه الزهرة.
الشيخ: قل لي: شجرة.
السائل: نعم هم يسموها الزهرة وهي عبارة عن طحال، وإذا استمرت أسبوعاً كاملاً يكون لها مثل رائحة الخمر تقريباً، فهذه يقولون: إنها دواء لجميع الأمراض، وبدأت تنتشر الآن في الحجاز بصفة كبيرة جداً حتى أن الناس يحجزون إلى سنة كاملة، ويقولون: إنه لا يجوز بيعها بل لا بد أن توزع مجاناً، فما حكم هذا الفعل يا شيخ؟ الشيخ: لم أسمع بهذا.
السائل: ظهرت ولها ستة شهور.
الشيخ: وهذه إن صحت ستغلق جميع المستشفيات، ما دامت شفاء من كل داء.
السائل: يقولون: إنها دواء للسكر.
الشيخ: السكر إذا أكله المصاب بداء السكر ارتفع عليه وهلك.
السائل: إذا شرب من هذه فإنه يشفى منه.
الشيخ: المصاب بالسكر؟! السائل: إي نعم.
الشيخ: خاصة؟ السائل: إي نعم.
الشيخ: إذاً الحمد لله راح عنا التعب الآن.
السائل: لكن يا شيخ لو ثبت أنها في انتشار فهل هناك بأس؟ الشيخ: والله يا أخي! انظر الشيء الذي على غير علم هذا لا تصدق به.
السائل: وإن ثبت بالتجارب؟ الشيخ: لا أدري هل جربتها؟ السائل: لا ما جربنا الشيخ: هل جربها أحدٌ من أقاربك؟ السائل: إي نعم.
الشيخ: بماذا هم مصابون؟ السائل: بالسكر.
الشيخ: وهل شفوا من ذلك؟ السائل: يقولون: خف المرض كثيراً.
الشيخ: إذا ترك الإنسان أكل الحلا وأكثر من شرب المر يخف أحياناً يقولون للمصاب بالسكر يخف أكثر من اللازم يقولون: وقف لأن المصاب بمرض السكر يكون غير متزن، إذا خف أحياناً كثيراً وينزل كثيراً فلا بد من الانضباط.
وعلى كل حال لا أدري عن هذا شيئاً ولا أشير به، شيء ليس له أصول لا يمكن أن يقبل.(221/19)
حكم التحميد بعد العطاس في الصلاة سراً
السؤال
هل يجوز التحميد بعد العطاس في الصلاة سراً؟ الشيخ: يحمد الله، وهذا ثبت بإقرار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن معاوية بن الحكم دخل في الصلاة مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعطس رجل، فقال: (الحمد لله، فقال له معاوية: يرحمك الله، فرماه الناس بأبصارهم -أي: نظروا إليه نظر المنكر- فقال: واثكل أماه -وهي كلمة تُقال عند التوجع- فجعلوا يضربون أفخاذهم يسكتونه فسكت) فلما انصرف من صلاته دعاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقال له: (إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس أو من كلام الآدميين إنما هي للتسبيح والتكبير وقراءة القرآن) .
فإذا عطس المصلي فإن من السنة أن يحمد الله، ولكن لو وجد سبب ذكر آخر والإنسان يصلي هل يقول أم لا؟ نقول: يقوله فيما جاءت به السنة، مثلاً: لو حدث أن بدأ يهوجس في الصلاة فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
طيب! لو سمع نباح كلب؟ يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
سمع صياح الديك؟ يقول: أسأل الله من فضله.
سمع المؤذن يؤذن هل يجيب أم لا يجيب؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: يجيب، لأن هذا ذكر وجد سببه في الصلاة، ولكن في النفس من هذا شيء بالنسبة للأذان؛ لأن الأذان سوف يستغرق جزءاً كبيراً من الصلاة ويشغلك عنها، فالأولى ألا يجيب المؤذنين، لكن من الممكن أنه إذا سلم أجاب المؤذن قضاءً.(221/20)
حكم تقصير المرأة لشعرها
السؤال
نقل لي أحد الإخوة عن طريق الهاتف أنكم لا تجيزون للمرأة أن تقصر شعرها أقل من الكتفين، وقد سمعت منكم حفظكم الله في نور على الدرب في فتوى لكم أنكم جوزتم ذلك واستدللتم بدليلين: الأول: ما ورد عن أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صحيح مسلم أنهن بعد وفاة النبي قصرن شعورهن حتى كن كالوفرة.
فرجعت إلى لسان الميزان وغيره ووجدت الوفرة إلى شحمة الأذنين، ويفرقون بين الوفرة والجمة واللمة فما الفرق بين هذه وهذه؟
الجواب
الفرق أنه لكل حادث حديث، الرجال الآن بدأ كثير منهم يقص رأسه إلى حد الكتف أو أعلى قليلاً، فحينئذٍ وقعت المرأة فيما يباح لها، وقعت في التشبه بالرجال، والتشبه بالرجال ممنوع، على أن بعض أهل العلم يحرم أخذ المرأة من شعر رأسها مطلقاً إلا في الحج والعمرة، ويجيب عن فعل أمهات المؤمنين رضي الله عنهم بأنهن فعلن ذلك إظهاراً لكونهن لا يصلحن للزواج بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن كثرة الشعر ووفرة الشعر وطول الشعر من الأمور التي تعد جمالاً للمرأة، لكن على كل حال هذا التعليل فيه نظر، والأقرب أنه يجوز لها ما لم يكن قصها على وجه المشابهة للنساء الكافرات، أو مشابهة لرءوس الرجال.(221/21)
حكم لبس الذهب الأبيض وما هو أغلى من الذهب
السؤال
ما حكم لبس الذهب الأبيض للرجال؟ الشيخ: الذهب الأبيض!! هل هناك ذهب أبيض؟ السائل: نعم هناك ذهب أبيض.
الشيخ: لا يوجد ذهب أبيض يا رجل.
الله المستعان! السائل: يسمونه ذهباً أبيض، رأيت رجلاً يلبس خاتماً من ذهب أبيض فقال لي: إنه ذهب أبيض.
الشيخ: لا نعرف الذهب الأبيض يا رجل.
السائل: موجود يا شيخ.
الشيخ: ليس له لون الذهب الأحمر؟ السائل: نعم.
الشيخ: إذن لو رأيته فليس بذهب.
السائل: لكن اسمه ذهب يا شيخ.
الشيخ: الاسم لا عبرة به، الناس الآن يسمون البترول ذهباً أسود، هل نقول: الإنسان لا يجوز أن يلبس البترول؟! يلصقه بيده ويكون لابساً ذهباً؟! على كل حال انظر يا أخي الذهب هو الأحمر وما كان أبيض فليس بذهب ولو سمي ذهباً، لكن إذا لبس هذا فإنه يعد إسرافاً وصار محرماً من جهة الإسراف، وعلى هذا فإذا لبس الفقير هذا الخاتم، قلنا: حرام عليك؛ لأنه يعد في حقه إسرافاً، وإذا لبسه الغني لم يكن حراماً عليه لأنه لا يعد إسرافاً.
السائل: وما حكم لبس ما هو أغلى من الذهب؟ الشيخ: إذا كان أصله ذهباً أحمر هذا ينظر فيه، أما إذا كان معدناً مستقلاً فهو جائز ولو سمي ذهباً، ولو كان أغلى من الذهب.(221/22)
حكم الدراسة للحصول على شهادة من أجل رفع راتب الموظف
السؤال
موظف قيل له: إن حصلت على شهادة كذا وكذا زاد مرتبك كذا وكذا، فهل يؤجر على إكمال دراسته ليحصل على زيادة في المرتب؟
الجواب
هل هذه الدراسة دراسة شرعية أم هي دراسة دنيوية كالهندسة وما أشبه ذلك؟ إن كانت الأولى فلا يجوز، وإن كانت الثانية فلا بأس.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تبارك وتعالى، والحمد لله رب العالمين.(221/23)
لقاء الباب المفتوح [222]
فرض الصيام في شهر رمضان فأصبح أحد الأركان الخمسة في الإسلام، وفي هذا اللقاء أزاح الشيخ الستار عن الأحكام المتعلقة بالصيام، فتحدث أولاً عن شروط وجوب صوم رمضان، ثم انتقل إلى تعريف الصيام وذكر مفطراته، كما بين الشروط الواجب توافرها في الصائم حتى إذا ارتكب مفطراً من المفطرات فسد صومه.(222/1)
من أحكام الصيام
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والعشرون بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو العاشر من شهر شعبان عام (1420هـ) .
وبما أن شهر رمضان المبارك قد قرب، نسأل الله أن يبلغنا وإياكم صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً، وبما أن الخميس القادم ليس فيه لقاء نجعل هذا اللقاء فيما يتعلق بالصيام.(222/2)
حكم الصيام والتدرج في الأمر به
فنقول: الصيام فرض على المسلمين بإجماع المسلمين، ومرتبته في الدين أنه أحد أركان الإسلام الخمسة، فهو الركن الرابع بعد الشهادتين والصلاة والزكاة، أي: هو الذي يلي الثلاثة، والخامس حج بيت الله.
وقد فرض في السنة الثانية من الهجرة بالإجماع، فصام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسع رمضانات بالإجماع أيضاً.
وكان الصيام أول ما فرض يخير فيه المسلم بين أن يصوم، أو يفدي عن كل يوم إطعام مسكين لقول الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:184] ثم نزلت الآية بعدها فأوجب الله تعالى الصوم عيناً بدون تخيير، فقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] .(222/3)
شروط وجوب الصيام
لا يجب الصوم أداءً إلا بشروط: أولها: العقل.
الثاني: البلوغ.
الثالث: الإسلام.
الرابع: القدرة.
الخامس: الإقامة.
السادس: الخلو من الحيض والنفاس بالنسبة للنساء.
- الأول: العقل وضده فقد العقل، سواءً بجنون خرف يعني: هرم، أو حادث أزال عقله وشعوره، فهذا ليس عليه شيء؛ لفقد العقل، وعلى هذا فالكبير الذي وصل إلى حد الهذرمة ليس عليه صيام ولا إطعام؛ لأنه لا عقل له، وكذلك من أغمي عليه بحادث أو غيره فإنه ليس عليه صوم ولا إطعام؛ لأنه ليس بعاقل.
- الثاني: البلوغ وضده الصغر، فمن دون البلوغ لا صوم عليه، لكن يؤمر به إذا أطاقه بلا ضرر، فإنه يؤمر به ويأمره به وليه، ليعتاده ويسهل عليه بعد البلوغ.
- الثالث: الإسلام، فغير المسلم لا يلزم بالصوم، ولو صام لم يصح منه، لفقد شرط القبول وهو الإسلام، وليس معنى هذا: أننا نسقط عنه عقوبة تركه، بل هو يعاقب على تركه يوم القيامة، لكننا في الدنيا لا نطالبه به ولا نأمره بقضائه بعد إسلامه، والدليل قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] ولم يأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحداً ممن أسلم أن يقضي ما أفطره، ولأننا لو أمرنا المسلم أن يقضي ما كان قبل إسلامه لكان في ذلك تنفير عن الإسلام، فكان مقتضى الدليل والنظر الصحيح: ألا يؤمر الكافر إذا أسلم بقضاء ما ترك، لكن لو مات على كفره عوقب على تركه، أي: ترك ما يجب على المسلم.
- الرابع: القدرة على الصيام، فالعاجز عن الصيام لا يجب عليه الصوم، ولكن إن كان عجزه مستمراً لا يرجى زواله أطعم عن كل يوم مسكيناً، وإن كان عجزه يرجى زواله كالمريض مرضاً معتاداً فإنه ينتظر حتى يزول عجزه ثم يقضي، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] .
- الخامس: الإقامة، وضدها السفر، فالمسافر لا يجب عليه الصوم، ولكنه يقضي إذا رجع عن السفر، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] فإن سافر في أثناء اليوم يعني: كان مقيماً وصام ثم سافر في أثناء اليوم فله الفطر؛ لوجود السبب المبيح للفطر وهو السفر، كما أنه لو أذن للصلاة وهو مقيم ثم سافر بعد الأذان فإنه يصلي ركعتين ولا يصلي أربعاً، لوجود السبب المبيح للقصر، وإن قدم بلده وهو مفطر لم يلزمه الإمساك بل يبقى مفطراً ويقضي ذلك اليوم كما يقضي سائر الأيام التي أفطرها.
- السادس: الخلو من الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة، فإن كانت المرأة حائضاً فإنها لا تصوم بالإجماع، ولو صامت لم يقبل بالإجماع، فإذا طهرت في أثناء اليوم لم يلزمها الإمساك، بل تبقى على فطرها لأنها ستقضي هذا اليوم، وإن حاضت في أثناء اليوم أفطرت ولا يحل لها الاستمرار في الصوم لوجود المفسد وهو الحيض.
واعلم أيها الطالب: أن وضع الشروط والأركان والواجبات عند أهل العلم مما يقرب العلم ويسهل الحصول عليه، لأنهم رحمهم الله جمعوا هذه الشروط من نصوص الكتاب والسنة ورتبوها، فكان في ذلك تسهيل للعلم، وأما قول بعض المحدثين: إن هذا من البدع.
فالجواب على هذا أن نقول لهم: ومن البدع بناء المدارس، ومن البدع طبع الكتب، فهل تنكرون بناء المدارس وطبع الكتب؟ سيقولون: لا.
نقول: هذا مثله هذه وسيلة لتسهيل العلم وتقريبه وقد وجد في السنة ما يدل عليه، أحياناً يقول النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة كذا وكذا خمسة كذا وكذا سبعة كذا وكذا، كما قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) وذكرهم، وقال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) أحياناً السنة تأتي بالحصر.(222/4)
تعريف الصيام ومفطراته
ما هو الصيام الذي يشترط لوجوبه تلك الشروط السابقة؟ الصيام: هو التعبد لله عز وجل بترك المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، أي: من حين أن يتبين طلوع الفجر إلى أن تغرب الشمس، تعبداً لله عز وجل لا حرمة عن الأكل والشرب ولا عادة تجري على الإنسان، لابد من قيد: التعبد لله عز وجل.
والمفطرات: الأكل والشرب والجماع، وهذا ذكرت في القرآن في مكان واحد، قال تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] هذه ثلاث ذكرت في موضع واحد في القرآن الكريم.
الرابع: الحجامة إذا ظهر الدم، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) .
الخامس: القيء إذا تعمده لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمداً فليقض) هذه خمسة أشياء منصوص عليها، ثلاثة في القرآن واثنان في السنة.
هل هناك شيء يفطر سوى هذه؟
الجواب
أما النص فلا نعلم شيئاً يفطر بالنص سوى هذه، أما بالقياس فنعم، فمثلاً الأكل والشرب يقاس عليهما الحقن التي تحقن في المريض عوضاً عن الأكل والشرب، وهي ما يعبر عنه: بالإبر المغذية، فهذه تفطر؛ لأنها بمعنى الأكل والشرب، والقاعدة العامة في الشريعة الإسلامية: ألا تفرق بين متماثلين ولا تجمع بين متفرقين.
أما الإبر التي ليست للتغذية كإبر العلاج والتنشيط، هذه الإبر التي للعلاج لا تفطر سواء أخذت مع العضلات أو مع الوريد أو مع أي مكان، لأننا نقول: إنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب، وإذا لم تكن أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب فلا يمكن أن نفسد عبادة خلق الله بدون دليل شرعي، لأننا مسئولون عما نحل وعما نحرم، فالمعنى: أننا إذا قلنا: هذا حلال فإننا سنسأل عنه يوم القيامة ما الدليل؟ وإذا قلنا هذا حرام سنسأل عنه يوم القيامة، وإذا شككنا في الشيء هل هو مفطر أو غير مفطر فما الواجب؟ أن يكون غير مفطر؛ لأن العبادة ثبتت بدليل شرعي، فلابد من دليل شرعي يدل على أنه يفطر.
كذلك أيضاً مما يفطر: إنزال المني بشهوة بفعل العبد، أي: بفعل من الإنسان، مثل: أن يستمني بيده، أو يباشر زوجته حتى ينزل، أو ما أشبه ذلك، فأما إذا أنزل بمجرد التفكير فإنه لا يفسد صومه إذا لم يمس ذكره لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تتكلم) قد يعترض معترض ويقول: ما هو الدليل على أن إنزال المني بشهوة يفسد الصوم؟ فجوابنا على هذا أن نقول: إنه جاء في الحديث القدسي أن الله قال في الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) والإنزال شهوة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟ قال: نعم.
أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) .
وعلى هذا تكون المفطرات سبعة: الأكل، والشرب، والجماع، والحجامة، والقي، وما في معنى الأكل والشرب، والإنزال بفعل من العبد.(222/5)
شروط وقوع المفطرات على الصوم
هذه المفطرات لا تفطر إلا إذا كان الصائم ذاكراً عالما قاصداً، إذا كان عالماً يعلم أن هذا مفطر، ذاكراً وما نسي، قاصداً لم يأتِ بغير قصد بل فعله قصداً، ثلاثة شروط: الأول: أن يكون عالماً وضد العلم الجهل، فإن كان جاهلاً لا يدري أن هذا يفطر، أو جاهلاً لا يدري أن الفجر طلع، فإنه لا يفسد صومه، صومه باقٍ، لقول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] قال الله: قد فعلت.
ولقول الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] وهذا لم يتعمد.
الثاني: أن يكون ذاكراً وضده الناسي، فإذا أكل أو شرب ناسياً أنه صائم فلا شيء عليه، لقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) ولكن يجب على الجاهل متى علم أن يمسك وعلى الناسي متى ذكر أن يمسك، حتى لو كانت اللقمة في فمه أو الشربة في فمه وجب عليه أن يلفظها، لارتفاع الجهل أو النسيان.
الثالث: أن يكون قاصداً وضده من لم يقصد، كشخص يتوضأ فتمضمض فنزل الماء بغير قصد إلى بطنه فإنه لا يفسد صومه، لقول الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] وهذا الرجل ما تعمد وإنما كان غصباً عليه، وكذلك المكره لو أن الرجل أكره امرأته فجامعها وهي صائمة، فإن صومها لا يفسد؛ لأنها مكرهة، ولا تستطيع أن تتخلص.(222/6)
ما ينبغي أن يكون عليه الصائم
ينبغي للصائم أن يكون صومه صوماً حسياً وصوماً معنوياً، الصوم الحسي عن المفطرات، والصوم المعنوي عن المنكرات، أن يمسك عن المنكرات في حال صومه، وأن يقوم بالواجبات لأن هذه هي الحكمة من وجوب الصوم كما قال الله عز وجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل؛ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) .
والكثير من الناس اليوم وقبل اليوم يصومون الصوم الحسي ولا يصومون الصوم المعنوي، فتجده يصوم ولكنه لا يمسك عن المنكرات التي كان يفعلها في حال فطره، فيغتاب الناس ويسبهم ويعتدي عليهم بأكل الأموال وهضم الحقوق وما أشبه ذلك، وهذا لم يصم صوماً معنوياً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق، وإن أحد سابه أو شاتمه فليقل: إني امرؤ صائم) يعني: ولا يرد عليه، ليقل: إني امرؤ صائم، أحدهم رفع صوته عليك وسبك فلا ترد عليه؛ لأنك إن رددت عليه زاد وإذا زاد زدت أنت، ثم تبقيان في خصومة، لكن إذا قلت: إني صائم.
فإنك تخجِّله وتبين له أنه لولا الصيام لرددت عليه، وأنك لم تترك الرد عليه لعجزك ولكن لأنك صائم.
بعض الناس يصوم الصوم الحسي ولكن لا يصوم الصوم المعنوي، تجده إذا تسحر نام إلى الغروب، هل هذا صائم؟ صائم صيام بهيمة عن الأكل والشرب وبقية المفطرات لكنه لم يصم صوم أهل التقوى الذين يصومون عما حرم الله، بل إني في شك من قبول صيام هذا الرجل لأنه ترك الصلاة في وقتها عمداً، وقد قال بعض العلماء: إن من ترك صلاة واحدة عمداً حتى خرج وقتها فقد كفر وارتد.
نسأل الله العافية.
وينبغي للصائم أن يكثر من العبادات: من قراءة القرآن والتسبيح والتكبير والتحميد والصدقات وغيرها مما يقرب إلى الله تبارك وتعالى، حتى إذا خرج رمضان خرج على حال ليس عليها قبل رمضان، يخرج ملتزماً متقياً ربه، لأنه تمرن على هذا شهراً كاملاً، وإنني بهذه المناسَبَة أدعو إخواننا الذين ابتلوا بشرب الدخان: أن ينتهزوا الفرصة في رمضان، فيمسكوا عن شربه؛ لأنهم في النهار لن يشربوا وفي الليل يتلهون عن الشرب، فإذا مضى عليهم شهر كامل؛ فإن ذلك سوف يؤثر فيما خالط دماءهم من مضار الدخان ويسهل عليهم تركه، فهي فرصة في الواقع لا ينبغي أن تفوت.
أسال الله تعالى للجميع التوفيق لما فيه الخير والصلاح إنه على كل شيء قدير.(222/7)
الأسئلة(222/8)
حكم وضع علامات لتمييز القبور فقط
السؤال
هناك بعض الناس يضع علامات على القبور لكي يعرفه به يميزه ويدعو له فهل هذا جائز؟ الشيخ: ما هي العلامة التي وضعها على القبر؟ السائل: يضع على منتصفة -مثلاً- عوداً أو حجراً مميزاً أو يضع خرقة أو أي شيء.
الجواب
لا بأس أن يضع الإنسان على قبر قريبه، أو من يحب أن يزوره بخصوصه علامة، لكن بشرط: ألا يكون ذلك تشييداً للقبر، أو تجصيصاً، أو ضربه ببوية، أما مجرد علامة كعصا أو حجر مع النصيبة فهذا لا بأس به.(222/9)
الرد على شبهة من يقول: إن الدخان لا يفطر الصائم
السؤال
بعض الإخوان يقولون: إن الدخان ليس بمعنى الأكل والشرب فشربه لا يفطر، فما الجواب على هذه الشبهة يا شيخ؟
الجواب
الشبهة: أن تقول: إنه شرب دخاناً.
السائل: لكنهم يقيسونه على الطيب ويقولون: أنتم تستنشقونه!! الشيخ: لا.
نحن لا نستنشقه، الطيب لا يستنشقه الصائم بحيث يصل إلى جوفه، أما التطيب فلا بأس.
السائل: فهل الدخان يكون مفطراً؟ الشيخ: ينبغي لمن شرب الدخان وهو صائم أن يجلد مرتين: مرة على فطره، ومرة على شربه الدخان.(222/10)
حكم قول: كرم الله وجهه
السؤال
هل يجوز أن نقول: علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، أو الإمام علي بن أبي طالب، أو علي بن أبي طالب بيض الله وجهه، وما الأفضل أن نقول؟
الجواب
علي بن أبي طالب رضي الله عنه أحد الخلفاء الراشدين أحسن ما نلقبه به أن نقول: الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، هذا أحسن شيء، ولا شك أن علي بن أبي طالب وعثمان وعمر وأبا بكر كلهم أئمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرنا أن نقتدي بهم، فقال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) وأعلاهم قدراً ومرتبة وإمامة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي.
أما أيهما أفضل: أن نقول: كرم الله وجهه أو رضي الله عنه؟ فإن رضي الله عنه أفضل، وهو الحكم الذي ارتضاه الله للمهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فقال عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:100] إذاً: أحسن ما نقول: الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.(222/11)
حكم من تعمد الأكل أو الشرب بعد سماع المؤذن بعلة أن التقويم غير دقيق
السؤال
من تعمد الأكل أو الشرب بعد سماع المؤذن بخمس دقائق مثلاً، بحجة أن المؤذن يؤذن على التقويم والتقويم غير دقيق؟
الجواب
لا بأس لأنه متأول، والتقويم الموجود بين أيدينا -تقويم أم القرى - فيه تقديم خمس دقائق يقيناً بالنسبة للفجر، ولكن يبقى النظر الآن حتى لو فرضنا أنه دقيق للغاية أليست الساعات تختلف، إذا قدرنا أن الأذان الساعة الخامسة والربع مثلاً وساعة المؤذن مقدمة خمس دقائق، معناه أن المؤذن أذن الساعة الخامسة وعشر دقائق.
لكن إذا علم أن هذا المؤذن رجل حازم ثقة يضبط الساعة تماماً وأذن على التقويم فكما قلت لكم: التقويم بالنسبة للفجر مقدم خمس دقائق، فليس هناك إشكال.
بالنسبة للغروب حدثني أناس شاهدوا الشمس مع أنها في التوقيت قد غابت، وهذا يدل على أن التقويم قد يكون فيه تقديم، لكن نقول على الشيء الذي ما بان الأصل إن شاء الله أن التقويم على صواب، وأما الذي يتبين خلافه فيخالف.(222/12)
مدى صحة فضائل ليلة النصف من شعبان
السؤال
بعض النساء في ليلة النصف من شعبان كل عام تقوم بصنع طعام وتتصدق به، وتعتقد في ذلك اعتقاد أن له مزية وأن له فضلاً؟
الجواب
بعض الناس في النصف من شعبان يعمل الطعام ويتصدق به على الفقراء، يظن أن لهذا اليوم مزية في الصدقة وليس كذلك، الواقع أن هذه من البدع، وأن نصف شعبان ما له مزية هو كغيره من أنصاف الشهور، ليس فيه شيء إلا أنه إذا كان يصوم البيض صام النصف فقط، وأما تخصيص ليلة النصف بقيام أو يوم النصف بصيام فلا أصل له، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك شيء.
والمرأة يجب عليها أن تمتثل وألا تتصدق بعد أن علمت أن هذا من البدع وليس وارداً.
السائل: وإذا لم تمتنع؟ الشيخ: سبحان الله! إذا لم يمتنع المبتدع الآخر من بدعته ماذا نعمل؟ إذا بينا للناس فما علينا إلا البلاغ.(222/13)
ضابط صغير الكذب وكبيره
السؤال
ذكرت في أحد دروسك: أن بعض الكذب منه ما هو صغائر ومنه ما هو كبائر، فما هو الضابط؟
الجواب
هذا على حسب النصوص، فمثلاً: الكذب على الرسول عليه الصلاة والسلام هذا من الكبائر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد من فعل ذلك.
والكذب بأن فلاناً جاء وهو ما جاء مثلاً، هذا لا يصل إلى حد الكبائر.(222/14)
التعليق على قول والد يحيى بن كثير: (لا ينال العلم براحة الجسد)
السؤال
في صحيح مسلم عن يحيى بن كثير قال: سمعت أبي يقول: لا ينال العلم براحة الجسد.
ما هو التعليق حفظكم الله؟
الجواب
صحيح العلم التام لا ينال براحة الجسم، لابد من تعب، ولهذا يقال: (أعط العلم كلك تنل بعضه، وأعطه بعضك يفوتك كله) .
فلابد من تعب، لكن إذا قرأت التاريخ بالنسبة للعلماء الكبار عرفت أنهم يتعبون تعباً عظيماً، يسهرون الليل من أجل مسألة واحدة، ومع ذلك ما يسهرون على مثل هذه الأنوار، بل على شمع يتعب العين عند القراءة في ضوءه، لكنهم مجتهدون لأنهم يعلمون أن هذا جهاد في سبيل الله.(222/15)
الضابط في التفريق بين الأوامر والنواهي من حيث الأصل فيها
السؤال
بعض أهل العلم يقول: إن الأصل في الأوامر الوجوب إلا في الآداب والمستحب، والأصل في النواهي التحريم إلا في الآداب فمكروه.
فما هو الضابط في التفريق بين أن هذا الأمر من الآداب أو أنه غير ذلك؟
الجواب
الآداب ما يتعلق بالمروءة والمنهج الذي يسير عليه العبد، وأما العبادات فهي التعبد لله عز وجل، على أن هذا حتى في العبادات ليس له ضابط، وكثير من هذه الأوامر في العبادات يجمع العلماء على أنها مستحبة، لكن هذه كلها مسائل يتجادل فيها أصحاب أصول الفقه: هل الأمر للوجوب أو الاستحباب؟ بعضهم قال: الأصل الوجوب، لقول الله تبارك وتعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] وبعضهم قال: للاستحباب لأن الأصل في الأمر المشروعية، والأصل عدم التأثيم بالترك، وهذا حقيقة الاستحباب، والمسألة عند التدبر ليس لها ضابط معين.(222/16)
حكم من أفطر قبل غروب الشمس ظناً أن المغرب قد دخل
السؤال
إذا قلنا: إذا أكل الإنسان بعد طلوع الفجر ظناً أن الفجر لم يطلع فصومه صحيح، فما رأيك فيمن أكل قبل غروب الشمس، مؤذن أذن قبل الوقت ظناً أن المغرب قد دخل فأكل، فلما تبين له فإذا المغرب لم يأت فهل نقول بفساد صومه؟
الجواب
لا.
نقول بصحة صومه، فالسائل كان جاهلاً فصومه صحيح، وفي هذا نص بعينه تقول أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: (أفطرنا في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس ولم نؤمر بالقضاء) .(222/17)
حكم التكشف لمن أحدث بعد غسل الجنابة يريد الوضوء
السؤال
اغتسل رجل من الجنابة وبعدها فهل يتوضأ وهو متكشف، أو عليه أنه يلبس اللباس ويتوضأ؟
الجواب
اعلم بارك الله فيك: أن العري إنما يكون عند الحاجة فقط، ولا حاجة به أن يبقى عرياناً حتى يتوضأ، فليلبس الثياب ثم ليتوضأ، أما الوضوء الذي قبل الاغتسال فمعلوم أنه سوف يخلع ثوبه ثم يشرع في الاغتسال وهو مسبوق بالوضوء وهذا لا يضر.(222/18)
الضابط الشرعي في التمثيل
السؤال
ما رأيك في التمثيل في المدارس، يأمرون بإقامة حفلات، لكن التمثيل في المدارس ما هو الضابط الشرعي فيه؟ وجزاك الله خيراً.
الجواب
بعض العلماء المعاصرين يمنع من التمثيل مطلقاً، وبعضهم يسرف فيه ويتجاوز الحد، والوسط خير الأمور، بعضهم يسرف في إباحته ويجعل الذكر يمثل دور الأنثى ويجعل الأنثى تمثل دور الذكر، وربما يمثل العبادات كالصلاة مثلاً وما أشبه ذلك، هذا لا يجوز، وبعضهم يمنع مطلقاً، والذي أرى القول الوسط: أنه إذا كان المقصود معالجة مشكلة اجتماعية دون أن ينسب القول إلى شخص معين فهذا لا بأس به.(222/19)
معنى قوله تعالى: (والتفت الساق بالساق)
السؤال
ما معنى قوله تعالى: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة:29] ؟
الجواب
اقرأ التي قبلها: - {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [القيامة:26-30] .
- الساق ساق الرجل (التفت الساق بالساق) أي: انضم بعضهما إلى بعض، تذكيراً للإنسان بأن هذه الساق التي الآن يمشي بها ويخطو بها سوف يأتي اليوم الذي يلتف بعضها إلى بعض فلا تتحرك.
ويحتمل أن معنى: (والتفت الساق بالساق) أي: تراكمت الشدائد؛ لأن الساق تطلق على الشدة، لكن المعنى الأول أبلغ وأعظم تصويراً لحال الإنسان إذا بلغت روحه التراقي وطلب من يقرأ وأيقن أنه مفارق، والتفت ساقه بالساق الأخرى هذا أشد وأبلغ في الزجر وتذكير بهذه الحال، نسأل الله أن يميتنا وإياكم على الإسلام.(222/20)
حكم مصافحة زوجة الجد
السؤال
هل يصح لولد الابن أن يسلم على زوجة جده؟
الجواب
نعم يصح، وجد جده.
السائل: كذلك غير جدته.
الشيخ: نعم غير جدته؛ لأن الأصول وإن علوا زوجاتهم من محارم أحفادهم وأسباطهم أيضاً.
بهذه المناسبة أقول لكم بارك الله فيكم: إذا تزوج الإنسان امرأة، صار أصله محرماً لها، وأصله هم الآباء والأجداد وإن علوا، وصار أبناؤه محارم لها وأبناء أبنائه وأبناء بناته محارم لها، وصارت أصول الزوجة من محارم الزوج، يعني: أمهاتها وجداتها، فهذه الثلاثة بمجرد العقد يثبت الحكم.
الرابع: فروع الزوجة -أي: بناتها- لا يكون الزوج محرماً لهن حتى يدخل بأمهن، كما قال عز وجل: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23] .(222/21)
حكم الرسوم التي تمثل غيبيات كالجنة والنار
السؤال
ما حكم رسم بستان كأنه يمثل الجنة، ونار كأنها تمثل النار؟
الجواب
هذا لا يجوز، لأننا لا نعلم كيفية ذلك، كما قال عز وجل: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] ولا يعلم كيفية النار، فهي فضلت على نار الدنيا بتسع وستين جزءاً بما فيها النار الغليظة كنار الغاز وغيرها وما هو أشد، فهل أحد يستطيع أن يمثل النار؟ لا أحد يستطيع، ولهذا بلِّغ من يفعل ذلك أن هذا حرام، ومع الأسف الشديد أن الناس الآن بدءوا يجعلون الأمور الأخروية كأنها أمور حسية مشاهدة.
رأيت ورقة مكتوب فيها مربعات كذا الموت وآخر القبر وآخر القيامة وهكذا، فهذا كأنه صور ما بعد الموت خطوط ومربعات هندسية، جرأة عظيمة والعياذ بالله، ثم يقال: ما الذي أدراك أن هذا بعد هذا؟ نحن نعرف أن القبر بعد الحياة الدنيا وأن البعث بعد القبر، ولكن تفاصيل ما يكون يوم القيامة من الحساب والموازين وغير ذلك من يعلم الترتيب؟ لكن هذه جرأة عظيمة، والغريب أن هذه الورقة توزع، لكن هذا من جملة ما يوزع الآن على الناس من الأوراق المكذوبة على الرسول عليه الصلاة والسلام، فيجب الحذر والتحذير من هذه الأوراق.(222/22)
حكم دفع الزكاة إلى أصنافها إذا لم يُدرَكْ عامل الزكاة
السؤال
من جهة زكاة بهيمة الأنعام إذا لم أدرك عامل الزكاة المبعوث من قبل ولي الأمر -يا شيخ- هل تدفع لأصناف مصارف الزكاة؟
الجواب
إي نعم، لكن هل أنت لا تخشى أن يرجع إليك؟ السائل: المسافة بعيدة يا شيخ! الشيخ: حسناً! إذا علمت أنه لن يرجع أخرجها أنت.
السائل: هل أخرجها إلى أصناف الزكاة المستحقين الباقين؟ الشيخ: نعم.
ليس هناك إشكال.(222/23)
حقيقة السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب
السؤال
السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ذكرتم في كتابكم القول المفيد ثلاثة أقوال، قلتم: قد يكون الصحابة ونفيتم ذلك، وقلتم: إن الصحابة أكثر من سبعين ألف، وذكرتم أنهم قد يكونون مهاجرين، أو قد يكونوا من كان مع صلى الله عليه وسلم في فتح مكة، ثم قلتم: هذه المسألة تحتاج إلى مزيد من البحث، فما الذي ترجح لديكم حفظكم الله؟
الجواب
حديث السبعين ألفاً وارد في مسند الإمام أحمد بسند صحيح: أن مع كل واحد سبعين ألفاً.
فلا يستطيع الإنسان الحصر، نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم حصر هؤلاء بالأوصاف لا بالتعيين، فقال: (هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) .(222/24)
الراجح في سماع الموتى كلام الأحياء
السؤال
ما هو الراجح في سماع الموتى؟
الجواب
الراجح ما جاءت به السنة وهذا ثابت وليس فيه إشكال كما في الحديث: (إن الإنسان إذا انصرف منه أصحابه بعد دفنه يسمع قرع نعالهم) وكما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف على القتلى في قليب بدر يؤنبهم ويوبخهم ولما قالوا: (يا رسول الله! كيف تكلم هؤلاء؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) ومثلما جاء في الحديث أيضاً: (ما من مسلم يسلم على قبر يعرفه في الدنيا إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام) وإلا فالأصل أنهم لا يسمعون؛ لأن أرواحهم قد فارقت أجسادهم، لكن ما جاءت به السنة لابد من الإيمان به.(222/25)
حكم قضاء الصوم لمن جن أو أغمي عليه
السؤال
إذا جن الإنسان أو إذا أغمي عليه في رمضان هل يقضي أم لا؟ الشيخ: هل في أثناء اليوم أو في كل الشهر؟ السائل: يومين أو ثلاثة أيام.
الجواب
أما المجنون فلا يقضي بالاتفاق؛ لأنه رفع عنه القلم، وأما المغمى عليه ففيه خلاف، والصحيح: أنه لا يلزمه القضاء، ولا يصح قياسه على النائم لوجهين: الوجه الأول: أن النائم صومه صحيح ولو استغرق ثلاثة أيام.
الوجه الثاني: أن النائم يستيقظ إذا أوقظ والمغمى عليه لا يستيقظ، فهو فاقد العقل وليس عليه قضاء.
السائل: وإذا أفاق المجنون فماذا يعمل؟ الشيخ: وإذا فاق يصوم بقية الشهر ولا يقضي ما فاته.(222/26)
طفل وقع البيت عليه من غير تفريط أمه، فماذا عليها؟
السؤال
امرأة تسكن في البدو ووضعت طفلها في بيت الشعر، فجاءت رياح ووقع البيت على الطفل فمات، فهل عليها شيء؟
الجواب
ليس عليها شيء؛ لأن المرأة لم تفرط، وضعته في البيت حسب العادة، وجاء أمر من الله عز وجل فليس عليها شيء أبداً.(222/27)
هل من الصحابة من قد يكون فاسقاً؟
السؤال
جاء في قول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] وذكر بعض المفسرين: أنها نزلت في الوليد بن عقبة.
وهل يعني هذا أن من يرمى من الصحابة بالفسق أن هذا سبب نزول صحيح أم ماذا؟
الجواب
مسألة: أنه سبب النزول هذا شيء، ومسألة: أنه هل يكون في الصحابة فاسق؟ نعم يكون فيهم فاسق، لكنه كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، قليل جداً، والأصل فيهم العدالة، وإلا فيهم من زنى وفيهم من سرق وفيهم من شرب الخمر لكن هذا نادر، فلا يجوز أن يجعل من هذا قاعدة: في أن الصحابة غير عدول كما فعلت الرافضة، الرافضة لا يرون الصحابة عدولاً إلا نفراً قليلاً من آل البيت ومن عينوا من غيرهم.
والصواب: أن الأصل في الصحابة العدالة، وأن ما جرى من بعضهم من الذنوب مغمور في بحر الفضائل التي اتصفوا بها.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى اللقاء القادم إن شاء الله.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.(222/28)
لقاء الباب المفتوح [223]
تحدث الشيخ عن آداب الصوم، وأهمية متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أوصى بالإكثار من الطاعة وقراءة القرآن والذكر والصدقة والإحسان في رمضان، وذكر من الآداب التبكير بالفطر، وذكر أهمية الدعاء عند الإفطار وأهمية القيام في رمضان لما يترتب عليه من الأجور العظيمة، ثم تطرق للإجابة عن أسئلة شتى من الحاضرين.(223/1)
آداب الصوم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والعشرون بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الرابع والعشرون من شهر شعبان عام (1420هـ) وهو آخر خميس من شهر شعبان، وستستأنف اللقاءات إن شاء الله بعد تمام شهر رمضان وستة أيام من شهر شوال.
نفتتح هذا اللقاء بالكلام على ما تيسر من آداب الصوم:(223/2)
تأخير السحور
من آداب الصيام: أن يعتني الإنسان بآدابه التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمنها: أكلة السحور، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (تسحروا فإن في السحور بركة) أمر وبين الحكمة، (تسحروا) هذا فعل أمر (فإن في السحور بركة) هذا بيان الحكمة من هذا الأمر بالسحور.
من بركة هذا السحور: أولاً: أن فيه امتثال أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا شك أن امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم خير وبركة، قال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] هذه المباركات.
ثانياً: من بركة هذا السحور: أنه فصل ما بيننا وبين صيام أهل الكتاب، لأن أهل الكتاب لا يتسحرون، يأكلون الطعام قبل منتصف الليل ويبدءون بالصوم من منتصف الليل إلى منتصف النهار، لكن المسلمين يأكلون السحور في آخر الليل.
ثالثاً: من بركته أنه يغذي الجسم طوال النهار، ويحمل على الصبر عن الأكل والشرب، حتى في أيام الصيف الطويلة الحارة، بينما الإنسان في غير الصيام تجده يشرب في اليوم خمس ست مرات، ويأكل مرتين، لكن هذا السحور يجعل الله فيه بركة فيتحمل الجسم.
رابعاً: من بركة السحور: أنه عون على طاعة الله، يعني على الصيام، وكل ما كان عوناً على طاعة الله فهو خير وبركة، أهم شيء الآن الذي أريد أن نفعله، عندما يقدم لك السحور استشعر الآن عندما تأكل أنك تمتثل أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، ليس مجرد أكل من أجل تتقوى على الصوم.
ثانياً: استشعر بأنك تتأسى به؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتسحر ثم يقوم إلى الصلاة، وبين سحوره وبين الصلاة مقدار خمسين آية، يعني: يؤخر السحور عليه الصلاة والسلام، استشعر هذا -يا أخي- حتى يكون أكلك عبادة.
أيضاً: استشعر أمراً آخر وهو أنك بهذا تخالف أهل الكتاب، فهم في مثل هذا الوقت صائمون؛ لأنهم يصومون من منتصف الليل أما أنت الآن تأكل، مخالفة لهم، لأن مخالفة أهل الكتاب رضاً لله عز وجل، فإنهم أعداء الله فمخالفتهم رضاً لله تبارك وتعالى، وموافقتهم يخشى أن ينزل على الإنسان فيه السخط، ولهذا نهى عمر رضي الله عنه عن دخول الكنائس حين يتعبد فيها النصارى وقال: [أخشى أن تنزل عليكم السخطة] .(223/3)
الانشغال بطاعة الله
ومن آداب الصيام: أن يكون الإنسان شاغلاً وقته بطاعة الله عز وجل، من الذكر وقراءة القرآن والصدقة والإحسان إلى الناس، لأن (النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يأتيه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم -حين يدارسه جبريل القرآن- أجود بالخير من الريح المرسلة) .
لا تجعل يوم صومك كيوم فطرك، اجعل عليك الخشوع والتعبد أكثر من قراءة القرآن، لأن شهر رمضان هو شهر القرآن، وأنزل القرآن في رمضان، إذاً هو شهر القرآن أكثر فيه من قراءة القرآن بتأمل وتدبر واستحضار بأنك تقرأ كلام الله عز وجل، كلام رب العالمين.
أرأيتم لو أن إنساناً يقرأ كتاباً ورد إليه من صديقه، ماذا يكون شعوره حين قراءته هذا الكتاب؟! يستشعر أن صديقه بين يديه.
أيضاً أنت تقرأ كلام الله عز وجل.
يا أخي! تأدب بآداب القرآن، كأن الله يخاطبك الآن، إذا قال: (يا أيها الذين آمنوا) أول من ينتبه أنت، يخاطبك، فاستشعر هذا حتى يكون للقرآن في قلبك عظمة، ولذلك يحرم على الجنب أن يقرأ القرآن تعظيماً للقرآن حتى يغتسل، ويحرم على المحدث حدثاً أصغر أن يمس القرآن حتى يتوضأ، ويحرم على الإنسان أن يدخل المصحف في الأماكن القذرة، كالحمام وشبهه إلا للضرورة، المهم أن القرآن كلام الله عز وجل استشعر أنك حينما تقرأه تقرأ كلام رب العالمين عز وجل، ليس كلاماً عادياً إنه كلام الله.(223/4)
تقديم الفطور
ومن آداب الصوم: أن الإنسان يفطر مبكراً من حين غياب قرص الشمس أفطر ولو كان أثر النهار واضحاً، سواءً أذن أم لم يؤذن، يعني: لو فرضنا أنك في مكان عالٍ ورأيت الشمس قد غابت وغاب القرص والمؤذنون لم يؤذنوا أفطر، لقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) وبادر بالفطر قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) انظر لا يزالون بخير ما عجلوا الفطر، معناه: إذا لم يعجلوا الفطر فليسوا في خير، هذا مفهوم الحديث.
أفطر على رطب، الرطب الآن والحمد لله متيسر، إن كنت في أيام الرطب فهو متيسر، وإن لم تكن فإنه متيسر لأن الناس يجعلونه في الثلاجات و (الفريزرات) كأنه قطف الآن، فإن لم تجد فعلى تمر، فإن لم تجد فعلى ماء، حتى لو كان عندك طعام آخر خبز أو رز أو حلوى لا تفطر عليها وعندك ماء، أفطر على الماء وإذا عندك حليب وماء أفطر على الماء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور) وكان صلى الله عليه وسلم يفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء.
وإن كنت مثلاً في بر وغابت الشمس وليس عندك رطب ولا تمر ولا ماء فعلى أي طعام معك، أي طعام، فإن لم تجد شيئاً فالنية تنوي أنك أنهيت الصوم وقطعت الصوم، ولا حاجة أن تفعل كما يقول العوام، يقول العوام: بِلَّ شماغك بالريق ثم أخرجه ثم أردده ومصه، لأن الريق إذا انفصل ثم رددته وبلعته أفطرت، فهذا مما ليس له أصل، إذا لم تجد انوِ والنية كافية.
وينبغي عند الإفطار أن تدعو الله سبحانه وتعالى بما شئت، من خيري الدنيا والآخرة، وإذا كنت في يوم حار صائف وأنت عطشان وشربت فقل: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل هذا.(223/5)
قيام الليل
قيام الليل هو التراويح، (ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه) و (إذا قام الإنسان مع الإمام حتى ينصرف الإمام كتب له قيام ليلة) ليلة كاملة والحمد لله وأنت على فراشك، وهذه نعمة، ولهذا لما طلب الصحابة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتمم بهم الليل، أي: يقوموا الليل كله قال لهم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وأنت على فراشك، انتبه لهذا، لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم قوموا، إذا انصرفت فقوموا أنتم إلى الفجر إن شئتم، مما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أراد بهم اليسر بأنهم ينهون قيام الليل بتسليم الإمام، ولا حاجة أنهم يقومون في آخر الليل.
وإذا فعلوا ذلك أي: قاموا مع الإمام حتى ينصرف كتب الله لهم قيام ليلة كاملة، ولو كانوا نائمين على فرشهم، فلله الحمد رب العالمين.(223/6)
الاعتكاف
الاعتكاف أيضاً مما يتعلق برمضان: وهو أن يبقى الإنسان ملازماً للمسجد من غروب الشمس ليلة عشرين، إلى غروب الشمس، آخر يوم من رمضان، ليتفرغ للعبادة، فهذا طيب وفيه أجر واقتداء بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإن لم يتيسر لكونك مشغولاً بعائلتك، والعائلة ليس عندهم من يقوم عليهم، فاشتغالك بهم ورعايتهم أفضل من الاعتكاف.
أسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليكم بالتوفيق والهداية لما يحب ويرضى، إنه على كل شيء قدير.(223/7)
الأسئلة(223/8)
حكم الصلاة أمام المدفأة الكهربائية
السؤال
هل يجوز الإنسان أن يصلي والدفايات الكهربائية أمامه؟
الجواب
أقول: نعم، لا بأس به ولا كراهة ولا شيء.(223/9)
بعض أحكام حداد المرأة
السؤال
نسأل عن حداد النساء يقولون: إننا نذهب إلى الطبيب وهم رجال هل يجوز أم لا؟
الجواب
المرأة المحدّة معروف أنها تبقى في بيتها ولا تخرج إلا لحاجة في النهار، الحاجة مثل: امرأة ليس عندها أحد يشتري لها خبزاً، ولا طعاماً تخرج تشتري من السوق وترجع، امرأة احتاجت إلى المستشفى تخرج إلى المستشفى وترجع، امرأة احتاجت إلى المحكمة لحصر الإرث أو لغير ذلك، تخرج وترجع، المهم أنها لا تخرج من بيتها إلا لحاجة، حتى إذا كان الذي يباشر علاجها رجلاً فلا بأس.(223/10)
حكم المراهنة بعوض
السؤال
ما حكم المراهنة بعوض في جميع الأمور؟
الجواب
المراهنة على عوض لا تجوز إلا في ثلاث مسائل: الأولى: الإبل يتسابقون عليها.
الثاني: الخيل.
الثالث: السهام يعني: الرمي.
هذه أجاز النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيها العوض وما عدا ذلك لا يجوز.
السائل: وهل مراهنة أبي بكر لكفار قريش تدل على العوض؟ الشيخ: حديث أبي بكر من باب العلم، والعلم الشرعي كالجهاد في سبيل الله.(223/11)
حكم المسابقات والجوائز المترتبة على الشراء
السؤال
يوجد الآن في الأسواق بعض السلع يضع فيها أصحابها نقوداً تقل وتكثر حسب حظ المشتري يقولون، فتجد أن السلعة بثلاثين ريال وربما تجد فيها إلى ثلاثين ألف ريال، كما يزعمون وأعلنوا في الجريدة قبل يومين: أن شخصاً حصل على ثلاثين ألفاً في علبة حليب قيمتها ثلاثون ريالاً؟
الجواب
هذه دعاية، على كل حال: إذا كان سعر الحليب لا زيد واشترى الإنسان الحليب لأنه محتاج إليه فلا بأس.
السائل: ما يدخل في الميسر يا شيخ؟! الشيخ: لا، ما هو بميسر؛ لأن هذا الذي اشترى إما سالم أو غانم، لا يكون إما غارماً أو غانماً، الميسر: هو الذي يكون إما غارماً وإما غانماً، وأما هذا إما سالم وإما غانم.
السائل: إن كان الدافع للشراء هو الجائزة؟ الشيخ: لا، إن كان الدافع للشراء هو الجائزة فلا يجوز.(223/12)
حكم الجمع بين الصلاتين لوجود المشقة
السؤال
جدتي عندها غسيل كلى تفوتها صلاة العصر والمغرب صلاتين فما العمل؟
الجواب
هذا سهل تجمع العصر إلى الظهر قبل أن تبدأ بالغسيل، وتجمع المغرب إلى العشاء.
السائل: قبل أو بعد؟ الشيخ: قبل لأنني فهمت من كلامك أنها تبدأ بالتغسيل بعد الظهر.
السائل: الساعة الثانية.
الشيخ: إيه! الساعة الثانية بعد الظهر، نقول: تصلي الظهر أول ما يؤذن ثم العصر، وتجمع المغرب مع العشاء الآخر ولها إلى نصف الليل.
لكن كيف حالها في الصيام، هي تستطيع تصوم؟ السائل: نعم.
الشيخ: الحمد لله.(223/13)
متى يقال: (ذهب الظمأ وابتلت العروق)
السؤال
قول النبي صلى الله عليه وسلم أنت ذكرت -يا شيخ- إذا كان في وقت صيف وعطشان يسن له أن يقول: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) فلا يقال هذا إلا في الصيف أو العطش؟
الجواب
نعم.
السائل: أما فصل الشتاء لا يقال؛ لأنه لو قال: "ذهب الظمأ".
قيل له: كذبت لا يوجد ظمأ، ولو قال: "ابتلت العروق".
قلنا له: كذبت العروق ما يبست حتى تبتل.
والرسول صلى الله عليه وسلم ما قال إلا حقاً، قال: (ذهب الظمأ) معناه: أنه بالأول ظمآن، (وابتلت العروق) معناه: أن العروق يابسة.(223/14)
حكم الانتقال من مسجد إلى آخر إذا فاتته تكبيرة الإحرام أو الركعة الأولى
السؤال
إنسان إذا أتى المسجد ووجد الإمام قد شرع في تكبيرة الإحرام أو الفاتحة أو أنهى ركعة، هل الأفضل له أن يدخل في هذا المسجد، أو إذا رغب أنه يحصل الفضيلة بإدراك الصلاة من تكبيرة الإحرام أنه يذهب مسجداً مجاوراً أو كذا.
الشيخ: وإذا ذهب إلى المجاور وإن كان فاتته التكبيرة.
السائل: يضمن يعني: بعض المساجد معروفة بأنها تتأخر، إذا كان يضمن أنه إذا أتى أنه يدرك تكبيرة الإحرام الشيخ: الحمد لله أنا أرى أنه يبقى بمسجده، (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) .
السائل: حتى ولو كان يريد الفضيلة يا شيخ؟! الشيخ: لا يكلف نفسه، الحمد لله! السائل: إذا لم يكن فيها تكليف؟ الشيخ: ما أرى هذا، أرى أن يدخل المسجد الذي هو داخل فيه ومع إمامه، (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) .
نعم إذا كان بالأول قبل أن يدخل فلا بأس، أما إذا دخل انتهى.
السائل: يعرف لأنهم يصلون في مكبرات الصوت الشيخ: المهم هل أنت عدلت المسجد هذا قبل أن تدخل المسجد، أو بعد؟ السائل: قبل ما أدخل المسجد.
الشيخ: قبل لا بأس، أما بعد فلا يمكن، إذا كان الإنسان لا يجوز أن يطلع من المسجد إذا أذن، فكيف والناس يصلون، إذا دخلت فلا تخرج إلا بعد أن تصلي.(223/15)
حكم لعب الشطرنج
السؤال
ما حكم لعب الشطرنج؟
الجواب
تعرف الشطرنج؟ السائل: نعم هو الطاولة.
الشيخ: ماذا عليها؟ السائل: أشكال لعب.
الشيخ: يعني: هي مثل القرش أو مثل البيضة؟ السائل: أصنام.
الشيخ: أصنام لا يجوز، هذه تصلح للصبيان، الصبيان لا بأس؛ لأنهم ما كلفوا، لكن الإنسان المكلف لا يرخص فيها يمضي حياته باللعب هذا.(223/16)
كيفية الجمع بين الاختبارات الدراسية والعبادة في رمضان
السؤال
يا شيخ! الآن نستقبل رمضان ونستقبل اختبارات، كيف يجمع الطالب بين هذين، علماً أن الاختبارات بها ضغط ورمضان أيضاً فيه ضغط من ناحية العبادة؟
الجواب
اتق الله ما استطعت، حافظ على هذا وعلى هذا، والإنسان الذي حرص على المقررات من أول السنة تراه يسهل عليه.(223/17)
حكم من نسي وقال في سجوده: سبحان ربي العظيم
السؤال
شخص مثلاً هو في الصلاة مع الإمام مثلاً بالسجود قال: سبحان ربي العظيم، ثم تذكر هل يسجد سجود السهو؟ الشيخ: هل قال: سبحان ربي الأعلى؟ السائل: لا.
لأنه ما تذكر وهو في السجود، تذكر يوم قام، هل يسجد سجود السهو؟
الجواب
نعم يسجد سجود السهو، إذا صار مع الجماعة، وإذا لم يفته شيء لا يسجد.
السائل: وإن فاته شيء.
الشيخ: يسجد قبل السلام؛ لأنه ترك واجباً.(223/18)
حرمة البنت التي من الزوج الثاني على الزوج الأول
السؤال
امرأة تزوجت برجل فطلقها ثم تزوجت آخر فأتت ببنت هل هذا الرجل يكون محرماً لهذه البنت؟
الجواب
هل دخل بها أو لا؟ يعني: هل الزوج الأول جامع المرأة؟ السائل: جامعها.
الشيخ: إذاً يكون محرماً لها، اقرأ قول الله عز وجل: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23] .
حتى البنت التي من قبل يكون محرماً لها، يعني: الإنسان إذا تزوج امرأة -خذوها قاعدة- كل بناتها هو محرم لهن، إذا كان قد دخل بها.(223/19)
حكم من احتلم وهو صائم
السؤال
إنسان احتلم وهو صائم هل يتم صومه، أم يقطعه إذا كان في رمضان؟
الجواب
هل هذا باختياره؟ السائل: ما هو باختياره.
الشيخ: شروط مفسدات الصوم ثلاثة: أن يكون ذاكراً عالماً قاصداً.
السائل: يعني يتم صومه؟ الشيخ: نعم يتم صومه، كل شيء يكون الإنسان فيه ناسياً أو جاهلاً أو بغير اختياره ما عليه شيء.
لو أكلت ناسياً هل يفسد صيامك؟ لا يفسد.
جاهل حسب أن الشمس قد غربت لا يفسد، تمضمضت ودخل الماء إلى جوفك غير قاصد لا يفسد، إذا عرفت الشروط هذه استرحت.(223/20)
حكم من أتى والإمام راكع فكبر وركع ولم يقرأ الفاتحة
السؤال
أتيت والإمام راكع فكبرت وركعت، فلم أقرأ الفاتحة، ما حكم هذه مصداقاً لما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ؟
الجواب
صلاتك صحيحة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) هو الذي أقر أبا بكرة حينما دخل والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم راكع وركع، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ولم يأمره بإعادة الركعة، ولأن هذا الإنسان لم يدرك القيام الذي هو محل القراءة.(223/21)
حكم أكل السحور مع أذان الفجر الثاني
السؤال
بعض كبار السن يأكل السحور والمؤذن يؤذن الفجر؟ الشيخ: لماذا؟ السائل: يقولون: لأنه لم يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
الشيخ: أجل وإذا لم يتبين له إلا وقت الظهر سبحان الله! لا، قل له: هذا حرام عليك، لكن الحمد لله إذا كان المؤذن يؤذن على التقويم، التقويم فيه تقديم خمس دقائق في الفجر، أما أن يقول: لم يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، إن كان نظره ضعيفاً متى يتبين.
لكن هذا قصته مثل قصة عدي بن حاتم رضي الله عنه، كان يتسحر وجعل عقالين -الذي تربط به البعير- واحد أبيض وواحد أسود تحت وسادته، وكلما أكل نظر إلى العقالين ولم يتبين الأبيض وأكل، ولما تبين الأبيض أمسك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (إن وسادك لعريض أن وسع الخيط الأبيض والخيط الأسود، إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل) ولم يأمره بالإعادة لأنه جاهل، فالمهم بلغ هذا -جزاك الله خيراً- أنه يجب عليه أن يمسك، وغاية ما هنالك إذا كان المؤذن يؤذن على التقويم، له أن يأكل إلى أن ينتهي من الأذان.
السائل: من حين يقول: المؤذن الله أكبر يمسك، أو عندما ينتهي من الأذان؟ الشيخ: لا، قلت: إذا كان يؤذن على التقويم فالتقويم فيه خمس دقائق تقديم.(223/22)
حكم الزواج في سن مبكر
السؤال
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج) إذا استطاع الشاب المهر، أو القدرة على الزواج وهو في سن الخامسة عشر مثلاً فهل يجوز له التأخير؟ وهل هناك سن معين للزواج؟
الجواب
أبداً لا يوجد سن معين، يجوز أن يتزوج وعمره عشر سنين، يقال: إن عمرو بن العاص وابنه عبد الله بينهم عشر سنين، كلما تقدم الشاب فهو أحسن.
ويقال: بين عمرو بن العاص وابنه عبد الله إحدى عشرة سنة، ويقول الشافعي رحمه الله: (رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة) .
وهي جدة معناه: أنها تزوجت مبكرة، وبنتها تزوجت مبكرة.(223/23)
وجوب إتمام الصلاة لمن وصل إلى بلده
السؤال
لما دخل وقت العصر خرجت من مدينة الدمام مسافراً قاصداً مدينة الدوادمي، ففاتتني صلاة المغرب والعشاء ووصلت متأخراً مدينة الدوادمي هل أصليها قصراً؟ الشيخ: الدوادمي هي بلدك أم لا؟ السائل: نعم.
الجواب
لا ما تقصر، متى وصل الإنسان إلى بلده انتهى القصر.
السائل: أنا ما صليت المغرب.
الشيخ: نعم ولو ما صليت، صلِّ المغرب ثم صلِّ العشاء أربعاً.
الشيخ: صليت ركعتين؟ السائل: نعم صليت ركعتين.
الشيخ: أعد أربعاً، أنت على وضوء الآن؟ السائل: لا.
الشيخ: أجل! إذا توضأت قبل صلاة الظهر من أجل الترتيب، قبل أن تصلي الظهر صلِّ أربعاً.(223/24)
حكم وضع علامة على القبر
السؤال
ما حكم وضع الأسيام على القبور لتكون علامة على القبر، وأيضاً حك الحصاة التي على القبر بحصاة أخرى، لتكون أيضاً علامة، ما حكم وضع هذا على القبر وفقكم الله؟
الجواب
لا بأس بهذا، يعني: لا بأس أن يضع الإنسان على قبر قريبه أو صديقه علامة بشرط: ألا يكون طلاء ملوناً، فإن كان ملون فلا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يجصص القبر) أما حصاة عادية أو عصاً أو حديدة فلا حرج.(223/25)
دفع التعارض بين الدراسة وحفظ القرآن
السؤال
أيهما أفضل للدراسة القرآن أم الدراسات علماً أن رغبة الوالدين في الأغلب الدراسات الحاضرة الآن مثل الدكتوراه؟
الجواب
يعني قصدك في رمضان أو في غير رمضان.
السائل: لا في الدراسة عموماً.
الشيخ: الدراسة أو حفظ القرآن.
السائل: حفظ القرآن أو الدراسة تقدم؟ الشيخ: على كل حال: أنا عندي ليس هناك منافاة، يعني: يمكن أن يقرأ دراسة نظامية ويحفظ القرآن، عندنا الآن طلاب يحفظون القرآن ويدرسون في المدارس، يمكن هذا وهذا.(223/26)
حكم المنة في العطية
السؤال
ما حكم المنة في العطية؟
الجواب
هل تقرأ القرآن؟ فاقرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة:264] أنت إذا أعطيت فاجعلها لله إن كانت صدقة، وإن كانت هدية فانوِ بها التقارب بينك وبين الشخص؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (تهادوا تحابوا) وقال: (الهدية تذهب السخيمة) أي: ما في القلب من الضغينة وما أشبه ذلك، ولا تمن -يا أخي- لا تمن، لكن اضرب لي مثلاً بالمنة؟ السائل: مثلاً: اشترى لي أخي من البقالة، فبعد فترة جاء قال: أنا اشتريت لك قبل فترة فاشتر لي.
الشيخ: لا، هذه ليست طيبة، أو يكون مثلاً: أهدى له هدية ولما صار بينهم خلاف أو شيء قال: هذا جزائي يوم أني أعطيك كذا وأعطيك كذا، هذا لا يجوز.(223/27)
حكم فعل المعاصي في نهار رمضان
السؤال
ما رأيكم في رجل يصوم: وفي نهار رمضان يرى التلفاز، ويسمع الغناء، ويرى النساء، وفي نهار رمضان يتكلم بالكلام البذيء ونحو ذلك؟
الجواب
أقول: رب صائم حظه من صيامه الجوع والظمأ، هذا في الحقيقة ما صام، وإن كانت ذمته برئت، ولا نلزمه بقضاء الصيام لكنه حقيقة ما صام، الدليل: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ما هي الفائدة من الصوم؟! لكن عليك أن تنصحه جزاك الله خيراً، وتقول: يا أخي! هذا شهر مبارك، شهر طاعة، شهر تقوى، ولا تدري لعله لا يعود عليك بعد هذا العام.
انصحه(223/28)
حكم دفن الأوراق التي فيها ذكر الله في الأرض
السؤال
هل يجوز دفن الأوراق التي فيها ذكر الله عز وجل مثل الجرائد ونحوها؟
الجواب
إي نعم لا تكون في أرض قذرة تكون في أرض نظيفة، كذلك أيضاً: ما يتلف من المصاحف أدفنه في أرض نظيفة، وأحسن من هذا، أن تحرقه أولاً ثم تدفنه ثانياً؛ لأنك إذا دفنته ربما تأتيك السواقي وتطلعه، فإذا أحرقته أولاً ثم دفنته صار أحسن.(223/29)
حكم مقولة: هذا يوم نحس أو تعيس
السؤال
ما حكم قول القائل: هذا يوم نحس، أو يوم تعيس؟
الجواب
أتقرأ القرآن؟ السائل: نعم.
الشيخ: انظر ماذا قال لوط حين نزلت به الملائكة قال: {وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود:77] أي: شديد، فإن كان قصد القائل لما قال: هذا يوم نحس سب اليوم هذا فهذا حرام، وإن كان قصده الإخبار فقط فهذا لا بأس به، أما يوم سعيد فهذا طيب، من باب التفاؤل والتفاؤل كله خير.(223/30)
حكم بيع السلعة في مكان شرائها
السؤال
هذا تاجر لديه مستودع وفيه كمية من البضاعة، أتى أحدهم واشترى من هذا التاجر البضاعة التي في المستودع جميعها بعلمه.
الشيخ: كلها؟ السائل: نعم.
الشيخ: بدون أن يعلم بها؟ السائل: وجاء وأخذها لكن بقت في المستودع وجاء آخر واشترها من هذا المشتري الأول أيضاً، بعد مدة، صاحب المستودع اتصل بالمشتري الثاني وقال: إني أحتاج البضاعة هذه وأريد أن أشتريها منك، وهي في المستودع ما تحركت فهل يجوز للتاجر أن يشتريها؟
الجواب
إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن تباع السلع في مكان شرائها، فالواجب على المشتري الأول إذا أراد أن يبيعها، أن ينقلها إلى بيته، أو إلى دكانه، أو إلى السوق ويبيعها.
السائل: هو أبقاها على أنه سوف يأخذها.
الشيخ: ما يصح حتى ينقلها، لكن إن كان الأمر وقع، فالأمر ماضٍ إن شاء الله، وما فيه شيء، يعني: يتوبون إلى الله ولا يعودون.(223/31)
أسباب تحريم المعاملات المالية المحرمة في الشريعة الإسلامية
السؤال
الأصل في المعاملات الحل والإباحة كما في القاعدة الفقهية، لكن -يا شيخ- ما هي أسباب تحريم المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية، والتي يصل بها المجتهد إلى الحكم على المعاملة الفلانية على أنها محرمة شرعاً؟
الجواب
هذا يدور على ثلاثة أشياء: الظلم، والغرر، والربا، كلها تدور على هذه الثلاثة.
الظلم: كالغش مثلاً، والغرر كبيع المجهول، والربا كبيع درهم بدرهمين، هذا هو أصل التحريم في المعاملات، يعني يدور على هذه القواعد الثلاث، ثم طبق كل جزئية على هذه القواعد.(223/32)
حكم تحويل الراتب إلى بنك ربوي
السؤال
من اضطر إلى تحويل راتبه إلى بنك ربوي فما العمل في ذلك؟
الجواب
العمل يقبل الحوالة لأنك عاملت البنك معاملة نزيهة سليمة فلا حرج.
السائل: بعضهم يتحرج يذهب بالكوبون فيعمل بطاقة يسحب قبل ما يستثمر المال هل هذا العمل يصح؟ الشيخ: ما معنى ذلك؟ السائل: يعمل بطاقة صرف -بطاقة صراف- إذا وصل الراتب يأخذه بسرعة من أجل ألا يستفيدوا منه.
الشيخ: جزاه الله خيراً، هذا لا يمنع.(223/33)
الجمع بين حديث (إن الشيطان يئس أن يعبد في الجزيرة) مع وجود الشرك في الجزيرة
السؤال
ورد حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه (يئس إبليس أن يعبد في هذه الجزيرة) ومع ذلك حصل شرك وعبادة الأصنام في زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فكيف نجمع بين الأمرين؟
الجواب
نعم (الشيطان يئس) إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: إن الله لا يعبد معه غيره في الجزيرة.
لو كان الرسول أخبرنا هو نفسه أنه لا يمكن أن يقع الشرك في الجزيرة لكان فيه إشكالاً، لكن يقول: (الشيطان يئس) لأن الشيطان لما رأى الفتوحات وانتصار الإسلام يئس أن يعبد غير الله في الجزيرة، لكن هل يأسه يعني: أنه لا يمكن؟ لا.
لأن هذا ظن إبليس وتبين أن ظنه غير صحيح.(223/34)
الفرق بين الجدال والنقاش والمراء
السؤال
كيف نفرق بين الجدال والمناقشة، ومتى تخرج المناقشة من كونها مناقشة إلى كونها جدالاً؟
الجواب
الجدال هو المناقشة أو أن المناقشة أعم، والجدال هو: أن الإنسان يجادل من أجل أن يغلب خصمه، والمناقشة: يستفهم ويستطلع المعنى والعلم وما أشبه ذلك، لكن الجدال إذا كان مراءً هذا هو المحرم، إذا كان المقصود بالجدال أن ينتصر لنفسه بحق أو بباطل فهذا لا يجوز، أما إذا كان الجدال يصل إلى الحق ويبطل الباطل فهذا حق مأمور به.
فعندنا الآن مراء وجدال ومناقشة.
المراء: أن يجادل لينتصر قوله.
الجدال: أن يجادل لانتصار الحق.
المناقشة: قد يكون يناقش مع أستاذه لأجل أن يتبين له العلم، ويتبين له وجه الحكم، هذا أيضاً لا بأس به.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء لأنه أذن، نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، إن شاء الله تعالى إلى اللقاء الذي بعد رمضان وصيام الست إن شاء الله.(223/35)
لقاء الباب المفتوح [224]
إن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بإرسال الرسل إلى بني البشر ليقيموا عليهم الحجج والبراهين الدالة على صدقهم من آيات ومعجزات شرعية وكونية، وما ذلك إلا لأجل أن يقوم الناس بالقسط والعدل وعبادة الله سبحانه، وليعلم الله أولياءه وأصفياءه من أعدائه المحاربين لهذا الدين.(224/1)
تفسير آية من سورة الحديد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع والعشرون بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس الحادي والعشرون من شهر شوال، عام (1420هـ) .
نبتدئه بالكلام على قول الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25] .(224/2)
تفسير قوله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات)
قال الله عز وجل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} [الحديد:25] هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات حسب قواعد اللغة العربية: المؤكد الأول: القسم المقدر.
المؤكد الثاني: اللام.
المؤكد الثالث: قد.
لأن تقدير اللام: والله! لقد أرسلنا رسلنا بالبينات.
والتوكيد هنا ليس منصبَّاً على إرسال الرسل؛ لأن إرسال الرسل معلوم: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر:24] لكنه منصبٌّ على قوله: (بالبينات) أي: أن الرسل جاءوا بالبينات، والبينات صفة لموصوف محذوف، والتقدير: بالآيات البينات.
أي: العلامات البينة الدالة على صدق رسالتهم وصحتها، فإن الله تعالى ما بعث نبياً إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وهذا من الحكمة والرحمة.
أما كونه من الحكمة فلأنه ليس من الحكمة أن يأتي رجل من بني آدم ويقول للناس: أنا رسول الله إليكم بدون آية وبدون بينة.
وأما من الرحمة فلأن الناس لو كلفوا بالإيمان برسل الله دون بينات معهم لكان في ذلك مشقة عظيمة، فمن رحمة الله أن الله أيد الرسل بالآيات البينات الظاهرة.
قال العلماء: والله تعالى من حكمته ورحمته جعل لكل نبي من الآيات ما يتبين به رسالته، وقالوا: إن موسى عليه الصلاة والسلام أتى بآيات بينات تعجز عنها السحرة مع قوة علم السحرة وانتشار السحر، لكن عجزوا أن يأتوا بمثل ما جاء به، ولا يخفى أن موسى عليه الصلاة والسلام كان معه عصا إذا ألقاها صارت حية، وإذا حملها صارت عصاً يهش بها على غنمه، ويتوكأ عليها، وله فيها حاجات أخرى.
عيسى عليه السلام قالوا: إنه انتشر في وقته الطب وارتقى ارتقاءً بالغاً، فأتى بآية يعجز عنها الأطباء، ألا وهي: إحياء الموتى وإخراجهم من القبور، إبراء الأكمه والأبرص، وهذا يعجز عنه الطب.
أما محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه أتى في زمن فشت فيه البلاغة باللسان العربي، وارتقت إلى أعلى مستوياتها البشرية فأنزل الله تعالى عليه هذا القرآن الذي أعجز هؤلاء العرب الفصحاء أن يأتوا بمثله، وتحدوا عدة مرات، فمرة قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] ومعنى (ظهيراً) أي: معاوناً.
وقال عز وجل: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود:13] وقال عز وجل: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس:38] وقال عز وجل: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} [الطور:33-34] أي حديث، وعجزوا عن ذلك.
فالمهم أن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جاءوا بالآيات البينات حتى لا يبقى للناس عذر.(224/3)
تفسير قوله تعالى: (وأنزلنا معهم الكتاب والميزان)
قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد:25] (وأنزلنا معهم الكتاب) المراد به: الكتب، فهو اسم جنس، لأن موسى عليه السلام نزلت عليه التوراة، وعيسى الإنجيل، وداود آتاه الله زبوراً، وإبراهيم آتاه الله صحفاً، فالكتاب هنا اسم جنس يشمل الكتب كلها، ما من رسول إلا ومعه كتاب فيه الأمر والنهي، والخبر والقصص، وغير ذلك مما تقتضيه الحال.
(والميزان) يعني: العدل، كما قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل:90] العدل الذي توزن به الأشياء في كل شيء، حتى في الموازنة بين الأصنام ورب العباد، انظر إلى قول الله تعالى: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل:59] يوازن (آلله خير أما يشركون)
و
الجواب
الله خير، هذا عدل: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:140] وأشياء كثيرة فيها العدل؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً، فأحكامه كلها عدل، وأخباره كلها أصول، ولهذا قال: (الميزان) وقد استدل العلماء رحمهم الله بهذه الآية: على أن القياس دليل شرعي، وهو حق، القياس في الأحكام الفقهية دليل شرعي لا إشكال فيه، وله أدلة ليس هذا موضع ذكرها.(224/4)
تفسير قوله تعالى: (ليقوم الناس بالقسط)
قال تعالى: {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد:25] أي: بالعدل، يعني: ما دام أنزلت كتب بوحي الله عز وجل نوزنه بالعقل إذاً لابد أن يقوم الناس بالقسط، فاللام في قوله (ليقوم) للتعليل، يعني: أرسلنا الرسل وأنزلنا معهم الكتاب، وأنزلنا معهم الميزان لهذه الحكمة: (ليقوم الناس بالقسط) ولهذا لا تجدوا أعدل من دين الله تعالى في كل زمان ومكان، وكل ما خالف دين الله عز وجل فهو جور وظلم، ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: أن أظلم الظلم أن تجعل لله نداً وهو خلقك، حين سئل: (أي الظلم أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك) فلو مشى الناس على شريعة الله لقاموا بالقسط، لكن كل من لم يتمشَ على شريعة الله فهو جائر، قال الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ} [النحل:9] يعني: ومن السبيل ما هو جائر وهو سبيل الظالمين.(224/5)
تفسير قوله تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد)
قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد:25] (أنزلنا الحديد) أي: خلقناه لهم من المعادن، واستنبط بعض العلماء من قوله: (أنزلنا الحديد) على أن المعدن إذا كان في قمم الجبال فهو أقوى وأنفع مما كان في الأسفل، لأن النزول إنما يكون من أعلى، فالله أعلم، هذا يرجع إلى علم الجيولوجيا، لكن (أنزلنا) بمعنى: وضعنا لهم الحديد، وهو معدن معروف من أقوى المعادن.
قوله: {فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} بأس شديد في الحرب، تصنع منه السيوف والخناجر وجميع آلات الحرب، وإنما ذكره بعد ذكر الكتب؛ لأن الدين لا يقوم إلا بهذا، بالدعوة والقتال، فإذا أبى الكفار أن يكون دين الله هو العالي حينئذ يقاتلون، وبماذا؟ بالحديد، (فيه بأس شديد) أي: في الحرب.(224/6)
تفسير قوله تعالى: (ومنافع للناس)
قال تعالى: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد:25] جمع المنافع؛ لأنها لا تحصى أجناسها، فضلاً عن أنواعها وأفرادها، من يحصي لي المنافع التي تحصل في الحديد؟ نعطيكم مهلة أسبوع، لا تستطيعوا أن تحصوه، ولهذا جاءت بالجمع المعروف بصيغة منتهى الجموع، (ومنافع للناس) دينية ودنيوية، فردية واجتماعية.(224/7)
تفسير قوله تعالى: (وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب)
قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} [الحديد:25] معطوفة على (ليقوم الناس بالقسط) .
وقوله: (ليعلم من ينصره) المراد علم الظهور الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب، أما علم أنه سيكون فهذا سابق على إرسال الرسل وإنزال الكتب؛ لأن الله لم يزل ولا يزال عالماً بكل شيء، فلا يشكل عليك الأمر لا تقل: إن الله لا يعلم إلا بعد هذا، نقول: نعم.
العلم علمان: علم بالشيء قبل وجوده، وعلم بالشيء بعد وجوده، ما هو العلم الذي يترتب عليه الثواب والعقاب؟ الثاني أو الأول؟ الثاني؛ لأن العلم السابق لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب حتى يمتحن الناس.
إذاً: (ليعلم الله) أي: علم ظهور، أي: أنه ظهر ووقع بالفعل، هذه واحدة، وعلماً يترتب عليه الثواب والعقاب، أما العلم بأنه سيكون فهذا معلوم من الأزل.
قوله: {مَنْ يَنْصُرُهُ} أي: ينصر دينه، وليس المعنى: ينصر نفس الله، لا، لأن الله غني عن العالمين، ولهذا قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:4] إذاً: ينصره بماذا تفسرها؟ ينصر دينه، فلو قال القائل: كيف ينصر دينه والله يقول: {مَنْ يَنْصُرُهُ} ؟! هذا تفسير مخالف للفظ، وأنتم تنكرون على من يفسر القرآن بما يخالف ظاهر اللفظ فما الجواب؟
الجواب
نحن لا ننكر على الناس إذا فسروا القرآن بما يخالف ظاهر اللفظ إذا كان ذلك بدليل، إذا كان هذا بدليل فإننا لا ننكر عليهم، ولهذا إذا قال قائل في قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98] إذا قال قائل: إن المعنى: إذا قرأت القرآن أي: أردت قراءته، فهذا فسره بخلاف ظاهره، هل نقول: هذا التفسير صحيح أو غير صحيح؟ صحيح؛ لأن الإنسان يستعيذ بالله إذا أراد أن يقرأ ما هو إذا أتم القراءة، بدليل فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ ولأن هذا هو الذي يفيد أن يستعيذ الإنسان بالله قبل أن يقرأ ليقرأ والشيطان بعيد عنه.
على كل حال: إذا قال لك قائل: كيف تفسر قوله تعالى: {مَنْ يَنْصُرُهُ} أي: من ينصر دينه، وأنت تنكر على من يفسر القرآن بخلاف ظاهره؟ فالجواب: أننا لا ننكر من يفسر القرآن بخلاف ظاهره إذا كان في ذلك دليل صحيح، والدليل على أن المراد ينصر دينه قوله: {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25] لا يحتاج إلى أحد، فهو قوي عزيز غالب بقوة لا يلحقها ضعف.
وقوله عز وجل: {مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ} [الحديد:25] نصر الرسل هل المراد أن ينصر الرسول نفسه أو أن ينصر الشريعة التي جاءت بها؟ الأمران إذا كان الرسول حياً فالمراد ينصر الرسول نفسه وشريعته، وبعد موته ينصر شريعته، وفي هذا دليل على أن نصر الشريعة نصر لمن جاء بها، فلا يشكل على هذا أن الله سبحانه وتعالى قد يميت الرسول قبل أن يرى النصر الواسع له، فنحن نقول: نصر شريعته نصر له.
وقوله: ((بِالْغَيْبِ)) أي: أنه ينصر الله عز وجل، وينصر رسله وهو لم ير الله؛ لأن الله تعالى يُنْصَر ولا يُبْصَر، لا يرى في الدنيا، ولهذا قال بعض السلف: ينصرونه ولا يبصرونه، تفسيراً لقوله: (بالغيب) ينصرونه ولا يبصرونه، والمراد لا يبصرونه في الدنيا أما في الآخرة فنسأل الله تبارك وتعالى، فنظر الله تعالى حق، ثابت في القرآن والسنة وإجماع الصحابة.
إذاً: (بالغيب) أي: ينصرون الله وهو غائب، ويحتمل أن يكون المعنى (بالغيب) أي: بغيبتهم عن الناس، فيكون في هذا دليلاً على إخلاصهم، وأنهم ليسوا ممن يعبدون الله إذا كانوا بين الناس بل يعبدون الله تعالى في الغيب والشهادة.(224/8)
تفسير قوله تعالى: (إن الله قوي عزيز)
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25] هذه الجملة استئنافية لبيان أن نصر الله عز وجل ليس عن ضعف ولا عن قهر، بل هو قوي عزيز لا يحتاج إلى أحد ينصره بنفسه ولكن النصر لدينه.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه، إنه على كل شيء قدير.(224/9)
الأسئلة(224/10)
أفضلية صلاة العيد داخل البلد لوجود عذر أو مشقة
السؤال
لا شك أن صلاة العيد في المصلى هي أفضل، لكن إذا كان هناك عذر من برد شديد أو أمطار فهل الأفضل ننصب الخيام في المصلى، أو نصلي في البلد؟
الجواب
الأفضل أن نصلي في البلد، لأن إقامة صلاة العيد في البلد عند العذر جاءت بها السنة، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يصلي بالعاجزين عن الصلاة في المصلى في نفس البلد، ولأن هذا أقل تكلفاً، ولأنه قد يكون مشقة على الناس قبل أن يصلوا إلى الخيام، فالمصلى ليس بين البيوت حتى نقول: يخرج الإنسان من بيته إلى الخيمة مباشرةً لابد من مسافة، هذه المسافة يلحق الناس منها أذىً ومشقة.(224/11)
كيفية تقدير وقت صلاة الفجر على الطائرة
السؤال
رجل سيسافر من الرياض إلى أمريكا الساعة الواحدة ليلاً فكيف يقدر وقت صلاة الفجر؟ الشيخ: يمشي فإذا طلع الفجر صلى ولو طالت المدة بين العشاء والفجر؛ لأنه إذا كان سيسافر غرباً فستطول المدة، المهم أنه لا يلزمه أن يصلي إلا إذا طلع الفجر، فإذا قال مضيف الطائرة: إنه طلع الفجر صلى.(224/12)
حكم مس الصبي للمصحف من غير طهارة
السؤال
حكم مس المصحف للأطفال على غير طهارة؟
الجواب
رخص به بعض العلماء بحجة: أن الطفل غير مكلف وغير ملزم، فالتكليف ساقط عنه فليمسه ولو بغير طهارة، لكن هذا التعليل عليل بل ميت؛ لأننا نقول لهذا الرجل: أرأيت لو صلى بلا طهارة هل تقول: إنه غير ملزم بالوضوء؟ لا.
نقول: يجب عليه الوضوء وإلا فلا يصلي.
كذلك مس المصحف نقول: إذا دلت الأدلة على أنه لا يجوز مس المصحف إلا بطهارة فليتطهر الصبي، لكن رخص بعض العلماء ترخيصاً أهون من هذا، قال: بالنسبة للصغار لهم أن يمسوا المصحف بشرط: ألا تقع أيديهم على الحروف، بل يمسه من الجانب وبشرط: أن يكون هذا من قطع الألواح التي يحملها الصغار عادة، فأجازوها والعمل على هذا القول.
أما إذا كان الصبي يقرأ في المصحف فلابد من الوضوء.(224/13)
جواز دخول مدائن صالح لمن دخلها باكياً
السؤال
هل يجوز زيارة مدائن صالح للعظة؟
الجواب
يجوز بشرط: ألا يدخلها الإنسان إلا وهو يبكي.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا وأنتم باكون) أما أن يذهب إليها لينظر مدى قوة القوم فيما سبق فهذا لا يجوز، والفرق ظاهر، لأن هذا الذي يذهب إليها من أجل أن ينظر قوة هؤلاء ذهابه إليها نزهة وترف ولا كأنه وقع بهم من العذاب ما وقع، أما الذي يذهب إليها وهو يبكي ويخاف فهذا لا حرج فيه.
ولهذا لما مر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذه الديار في سفره إلى تبوك قنع رأسه وأسرع في السير.(224/14)
حكم حراسة البنوك الربوية
السؤال
ما حكم عمل حارس في بنك الراجحي؟
الجواب
لا بأس أن يحرس بنك الراجحي، والبنك الأهلي، والبنك السعودي الأمريكي، والبنك السعودي البريطاني، والبنك السعودي الهولندي، وكل البنوك لا بأس أن يحرسها؛ لأنه يحفظ أموال الناس؛ ولأنه مأمور من الدولة، والدولة عليها حفظ أموال الناس المعاهدين والمسلمين.
السائل: حتى لو كان في هذا البنك رباً يا شيخ؟! الشيخ: هو غالب معاملة البنوك بالربا، فنقول: لا بأس أن يحرسه ولا إثم عليه.(224/15)
حكم كشف المرأة رأسها لعذر مرضي
السؤال
سائلة تسأل في إحدى الدول العربية فتقول: إنها بدأت ترتدي الحجاب في سن الخامسة عشرة وبعد سنتين تقريباً أصيبت بمرض السرطان في أذنها اليسرى، واحتاجت إلى عملية جراحية وتم استئصال هذا المرض، ثم أشار الطبيب وقال: إنه لابد من نزع الحجاب حتى يتعرض الرأس لأشعة الشمس، وبعده بسنة أصيبت بهذا المرض مرة أخرى وأصيبت بانتفاخ في الرأس، وذهبت إلى طبيب آخر وأشار إليها بمثل كلام الطبيب الأول وإزالة شعر رأسها حيث أن شعرها طويل وأنه يمنع وصول أشعة الشمس لتنفس شعر الرأس، فما هو قولكم في هذا؟
الجواب
قولنا: ألا يطاع هؤلاء، يجب عليها أن ترتدي الحجاب وأن تغطي رأسها ووجهها، وأنا أسأل: هل هي دائمة في السوق؟ ليست دائماً في السوق، أكثر الوقت في بيتها، وإذا كانت أغلب الوقت في بيتها تخرج إلى السطح وتخلي رأسها يبين للشمس ساعة أو ساعتين أو ما شاءت، وكل هذا إما تخرص من هؤلاء الأطباء، وإما لغرض سيئ من أجل أن يذهب عنها الحياء؛ لأن المرأة إذا ذهب عنها الحياء صارت كأنها رجل أو أردى من الرجل.
وذهاب الحياء له أسباب: منها: الاختلاط، ومنها: أن ترتدي المرأة من صغرها ألبسة بعيدة عن الحشمة وعن الحياء فتألف هذا الشيء.
المهم قل لها: لا تطع هؤلاء، تحتجب، وما يدريها لعلها تطيعهم ثم يعود المرض فتكون آثمة والمرض باقٍ.(224/16)
توجيه حديث ابن عباس: (إن القرآن أنزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا)
السؤال
توجيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: [إن القرآن أنزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا] ؟
الجواب
هذا الأثر لا تطمئن إليه النفس لا من جهة سنده ولا من جهة معناه، القرآن الكريم تكلم الله به حين إنزاله، وهو في اللوح المحفوظ هذا الذي جاء به القرآن: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:21-22] وقال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:77-79] وهذا اللوح المحفوظ، إما أنه نزل إلى بيت العزة إلى السماء الدنيا فهذا يحتاج إلى نص صريح من الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه.(224/17)
لزوم رفع من يستهزئ بالدين إلى المحاكم
السؤال
هناك كُتَّاب يستهزئون بالدين ويستهزئون بسنن النبي صلى الله عليه وسلم وبالحدود الشرعية، وببعض قضايا الدين الغيبية، فما حكم رفع القضاء عليهم في بلد لا يحكم شرع الله ولا يقيم حد الردة بل يكتفي بتغريمهم أو سجنهم شهراً أو إيقاف حكم التنفيذ، فهل يجوز رفع قضايا عليهم؟
الجواب
أسألك الآن: لو كانوا في بلد يقيمون الحدود هل يرفعون إلى الحاكم، أم لا؟ السائل: نعم يرفعون.
الشيخ: لو كانوا في بلد لا يقيمون الحدود أبداً ولا يتعرض الفاعل لا بحبس ولا تغريم يرفعون أو لا يرفعون؟ السائل: لا يرفعون.
الشيخ: بلد يعطيهم شيئاً من العقوبة ولكن ليست العقوبة التامة يرفعون أو لا يرفعون؟ السائل: قد يرفعون وقد لا يرفعون.
الشيخ: (قد) ليس بصحيح بل يرفعون؛ لأن في هذا من المصلحة أن يعرف أن شعائر الله محترمة ودين الله محترم بدليل أنها أنزلت العقوبة بهذا.
فالآن عندك ثلاثة أقسام: قسم يطبق الشريعة ويعطي هذا حقه من العقوبة كاملاً، فهذا لا شك أنه يجب رفعه.
قسم آخر لا يبالي، ولا يرفع بهذا رأساً، ولا يرى في هذا بأساً هذا لا يرفع! ما الفائدة؟! الثالث: يعطي نوعاً من العقوبة فيرفع.
السائل: حتى لو كان مخالفاً لحكم الشرع؟ الشيخ: لكنها عقوبة فأيهما أولى أن يعاقب عقوبة ويشتهر عند الناس: أنه عوقب لأنه فعل كذا وكذا، أو أن يسكت عنه يفعل ما شاء ويقتدي به من شاء، أيهما أولى؟ السائل: يعاقب.(224/18)
كراهية فرقعة الأصابع في الصلاة
السؤال
ما حكم فرقعة الأصابع في الصلاة؟
الجواب
هي عمل أو غير عمل؟ السائل: عمل.
الشيخ: لمصلحة الصلاة، أو لغير مصلحة الصلاة؟ السائل نفسه: لغير مصلحة الصلاة.
الشيخ: إذاً هذا مكروه، كل عمل لغير مصلحة الصلاة فهو مكروه، وأما العمل لمصلحة الصلاة كما لو تقدم الإنسان للصف، أو قرب إلى الصف فهذا لا بأس به.(224/19)
كيفية التعامل مع جماعة التبليغ
السؤال
نسب إليكم أحد الأشخاص أنكم تؤيدون جماعة التبليغ، ما قولكم في هذا؟
الجواب
كيف نؤيدهم ماذا نقول؟ السائل: يقول: بأنك تقول: جائز الذهاب معهم.
الشيخ: نعم.
أنا أقول: جائز، وقد يتعين على طالب العلم الذي إذا خرج معهم أرشدهم إلى الحق، الجماعة ليسوا يفعلون المنكرات الظاهرة، لكن صحيح أنه ثبت عنهم قصور ويحتاجون إلى من يعلمهم ويرشدهم، وإلا فمن عرف حالهم وعرف إيثارهم وأخلاقهم وآثارهم يقول: هذه جماعة لا يوجد لها نظير.
فهم أسلم على أيديهم كثير من الناس، وصلح على أيديهم كثير من الفساق، وهذا أمر لا ينكر، وفيهم من الإيثار واللطافة وحسن الخلق ما لا يوجد في غيرهم، لكن عندهم جهل لا شك، فإذا خرج الإنسان معهم ليرشدهم ويقول: يا إخواني! هذه مثلاً بدعة، هذه لم تأت بها السنة، فهذا خير، أنا أحب أن طلاب العلم يأتون بهم ويرشدونهم أو يخرجون معهم ويرشدونهم.
أما أن نبقى نتلاعن فيما بيننا، ونبدع أو نكفر أو ما أشبه ذلك، فهذا غلط، ولا مجال لذكر الوقائع التي وقعت من تأثير هؤلاء في فساق وكفار وملحدين.
لكن لو قال شاب: هل الأفضل أن أخرج معهم، أو أطلب العلم؟ قلنا: الأفضل تطلب العلم لا شك؛ لأنهم هم ليس عندهم زيادة علم، أكثر ما عندهم النظر في الأخلاق والفضائل وما أشبه ذلك، وهم كثير منهم لا يميز بين الصحيح والضعيف.(224/20)
حكم زراعة الشعر
السؤال
ما حكم استزراع الشعر؟
الجواب
أنا أتوقف في هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة، واستأذنته امرأة في أن تصل شعر ابنتها لأنه مزقته الحصبة فمنع من ذلك.
والحمد لله الإنسان إن كان عنده نشاط فذهاب الشعر لا يضره، وإن كان ضعيفاً لو زرع الشعر لا ينفعه.(224/21)
حكم من قال: إن إبليس ليس بكافر
السؤال
ما حكم من قال: إن إبليس ليس بكافر، وأنه أقسم بعزة الله؟
الجواب
وقول الله: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34] الذي يقول ليس بكافر يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ لأنه كذب القرآن، وإقسامه بعزة الله لأنه يعرف أن الله عزيز، فأقسم بعزة الله عز وجل، وهو قال أيضاً: إني أخاف الله رب العالمين: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:16] لكن هذا ليس خوف عبادة، هذا مثلما نحن نخاف الآن من الذئب والسبع وما أشبه ذلك.
قل لهذا الأخ الذي قال لك: يتوب إلى الله عز وجل، ولا يكذب كلام الله عز وجل: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34] .
السائل: يا شيخ هذا في كتاب؟ الشيخ: ما أظنه في كتاب أين الكتاب؟(224/22)
حكم صلاة الكسوف في أوقات النهي
السؤال
بأمر الله سبحانه وتعالى يوم الجمعة الماضي خسف القمر بعد أذان الفجر، واختلف الناس هل يصلون أو لا يصلون، بعضهم صلى وبعضهم لم يصل، وإذا كان القمر طالعاً في النهار في الصباح أو في المساء وخسف فهل يصلي الناس أم لا؟
الجواب
هو القمر كما تفضلت خسف بعد طلوع الفجر، فعلى من يرى أن ذوات الأسباب من النوافل لا تفعل في وقت النهي ورأى أن النهي يدخل من طلوع الفجر يقول: يحرم أن يصلي لأن هذا وقت نهي، وهذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
ومن يرى أن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي يقول: يصلي ولو بعد طلوع الفجر، بل ولو بعد صلاة الفجر، لكن بشرط: ألا يخفي النهار ضوء القمر، فأما إذا انتشر النهار وصار وجود القمر وعدمه سواء فإنه لا يصل، لقول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء:12] وآية الليل هو القمر كما فسره بذلك مجاهد وغيره.
وهو لا يمكن أن يكون له أثر إلا إذا كان الجو مظلماً، أما إذا ارتفع ضوء النهار فلا يصلى، هذا القول هو أرجح وأعدل الأقوال.
على أن بعض أهل العلم يقولون: إن صلاة الكسوف فرض كفاية.
وهذا هو القول المتعين، أنه لا يجوز للمسلمين تركه، والأفضل: أن تصلى في الجوامع أيضاً، ولذلك صلاتها يجهر فيها حتى لو كان ذلك في النهار إذا كسفت الشمس، لأنها صلاة اجتماع، وصلاة الاجتماع كلها أن يجتمع الناس في مكان واحد.(224/23)
حكم الشرب من ماء زمزم بعد ركعتي الطواف
السؤال
بعض الكتب لم تذكر بعد الطواف وصلاة ركعتي الطواف الذهاب إلى زمزم، فهل ورد في الحج أم في العمرة أم في كليهما؟
الجواب
هذه اختلف فيها العلماء: هل إن الرسول صلى الله عليه وسلم شرب ذلك تعبداً، أو إنه احتاج إلى الشرب وقام يشرب؟ ما ندري، فما دامت المسألة مشكوك فيها هل هي عبادة أو طبيعة لا نشرعها إلا لو أمر الرسول بهذا، فقال: من طاف فليشرب من ماء زمزم، أليس من الممكن أن الرسول لما طاف احتاج إلى الشرب؟ هذا ممكن لا شك، ولهذا لم يبلغني الآن أنه شرب حين طاف للعمرة عمرة الجعرانة ولا عمرة القضاء، وعلى هذا فيه احتمال قوي جداً: أنه شربه لحاجته إليه، فالذين لم يذكروه لأنهم لا يرون هذا، يرون أن هذا احتاج الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يشرب فشرب.
إنما الشرب من ماء زمزم من حيث الأصل أمر مطلوب؛ لأنه (لما شرب له) كما جاء ذلك في حديث حسن عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكن لما شرب له لأي شيء؟ قيل: إنه لما شرب له لإزالة العطش أو لإزالة الجوع أو لإزالة المرض العضوي البدني، وأما تعميمه لكل شيء حتى الواحد يشرب لأجل أنه يتزوج، والله! في النفس من هذا شيء، أو يشرب لكي يصير ابن هشام في النحو وابن تيمية في الدين والعلم، ما أظن هذا، لكن نعم هو ينتفع به البدن بإزالة العطش وإزالة الجوع وإزالة السقم، كما جاء في حديث آخر أنه (شفاء سقم وطعام طعم) .(224/24)
حكم من فاته الركوع الأول من الركعة الأولى من صلاة الكسوف
السؤال
من فاته الركوع الأول من الركعة الأولى في صلاة الكسوف فهل يقضيها؟
الجواب
يقضي الركعة كاملة، الكسوف في كل ركعة ركوعان والذي تدرك به الركعة هو الركوع الأول، أما الركوع الثاني فلا تدرك به الركعة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) ولابد أن يصلي ركعة كاملة بركوعيها بعد سلام الإمام.(224/25)
عدم إثم الشخص إذا لم يأمر أهله بالخروج لصلاة العيد
السؤال
هل يأثم ولي أمر الأسرة بعدم أمره لأهله بالخروج لصلاة العيد؟
الجواب
إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل للناس: مروا أهلكم؛ لكنه أمر أن يخرج الناس حتى العواتق وذوات الخدور والحيض، إلا أن الحيض يعتزلن المصلى؛ لأن مصلى العيد مسجد، ولذلك يسن للإنسان إذا دخل مسجد العيد أن يصلي ركعتين إذا لم يكن الإمام قد حضر يصلي ركعتين تحية المسجد.(224/26)
تشجيع الطلاب على الصلاة في الصف الأول
السؤال
في المدارس تقام صلاة الظهر ويتفاوت الطلاب بإدراكهم لأهمية الصلاة وفعلها على الكيفية المطلوبة، ويتسابقون على الصف الأول، فهل ممكن جعل الصف الأول للأكبر سناً، وكذلك الصف الثاني للذين يلونهم، حتى يتم تدريبهم على السنة القبلية قبل الظهر والسنة البعدية بعد الظهر لإدراكهم لذلك؟
الجواب
هذا يتطلب أن نقول: أعطونا شهادة المواليد، ما دام أنه سنقدم الأكبر فالأكبر لازم يحضرون شهادة المواليد، لأنه ما يدري كثير من الناس تراه تقول: هذا عمره -مثلاً- عشرون سنة وإذا عمره أربعون سنة.
السائل: المرحلة الابتدائية يا شيخ! الشيخ: المرحلة الابتدائية لو قيل: إنك تقدم الصغار لم يكن بعيداً لأنه أحفظ لهم، إذا تأخر الصغار فإنهم يلعبون، لكن نقول: نشجع الجميع نقول: الأسبق هو الأحق، من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به.(224/27)
حكم أخذ بدل الوديعة صرفاً من عملة أخرى
السؤال
عندي بطاقة سحب (اكترون) صادر من دولة الكويت.
الشيخ: أيش؟ السائل: بطاقة سحب (اكترون) فيزة صادرة من دولة الكويت هل يجوز أن أسحب بها من لجنة الصرف الآلي في السعودية بالعملة السعودية، علماً بأنه يتم الحجز على المبلغ ثم يستقطع بعد أيام؟
الجواب
إذا دعت الحاجة لهذا فلا بأس، وإلا فاصرفها دنانير كويتية ثم اصرف الدنانير ريالات سعودية.(224/28)
استحباب رفع اليدين في تكبيرات العيد والجنازة
السؤال
بالنسبة لصلاة العيد وصلاة الجنازة هل يجب على المأموم أن يرفع يديه، أم فقط يكبر بالصوت؟
الجواب
يرفع يديه عند كل تكبيرة في الجنازة وفي تكبيرة العيد؛ لأنها تكبيرات في حال القيام فاستحب فيها رفع اليدين، كما جاء هذا في السنة أيضاً وهي الأصل.(224/29)
جواز الجمع في الصلوات لشدة البرودة
السؤال
هل يجوز جمع الصلاة في البرد الشديد وتكرار ذلك وخاصة في الظهر والعصر؟
الجواب
والله! هذا ينظر: هل في هذا البرد الشديد هواء يلفح الناس ويؤذيهم فنعم يجوز الجمع، ودليل هذا: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المدينة من غير خوف ولا مطر، قالوا له: ما أراد إلى ذلك؟ -يعني لماذا صنع هذا- قال: أراد ألا يحرج أمته) وهذا يدل على أنه كلما وجدت المشقة جاز الجمع.(224/30)
حكم سداد الضامن للدين عمن ضمنه بزكاة ماله
السؤال
رجل اشترى سيارة وضمنه ضامن وتأخر هذا المشتري في السداد، فهل لهذا الضامن أن يسدد عن هذا بزكاة ماله؛ لأنه إن لم يسدد فسوف تقوم الشركة باستقطاع من مال الضامن؟
الجواب
أرأيت إذا سدد من زكاة ماله أليس يدفع عن نفسه؟ بلى هو يدفع عن نفسه، والزكاة يجب أن تكون خالصة لله، ما للإنسان فيها شيء، لكن له أن يعطي الرجل دراهم من الزكاة إذا كان فقيراً ويقول: اقض دينك، أما أن يدفع عن نفسه المطالبة بزكاته فهذا لا يجوز.(224/31)
حكم تحية المسجد إذا خرج من المسجد بنية الرجوع
السؤال
هل يلزم تكرار تحية المسجد بتكرار الخروج من المسجد؟
الجواب
لا يلزم، إذا كان الإنسان من نيته أن يرجع عن قرب فلا يلزم كما لو خرج وتوضأ، أو خرج يكلم أحداً، فلا يلزم أن يكررها، أما لو خرج بنية عدم الرجوع، فهذا إذا رجع ولو بخطوة واحدة يصلي تحية المسجد، فيفرق بين من رجع عن قرب وبين من خرج لا ليرجع عن قرب، فالأول لا يحتاج إلى صلاة تحية المسجد، والثاني: يصلي تحية المسجد ولو لم يخط إلا خطوة واحدة.
وفي تعبيرك: كلمة (يلزم) لا تظن أنها واجبة بمعنى: أن الإنسان يأثم بتركها، فإن الظاهر أن تحية المسجد ليست واجبة، لكنها سنة مؤكدة لا ينبغي للإنسان أن يدعها.(224/32)
عدم جواز وضع الدين عن المدين المعسر على حساب الزكاة
السؤال
رجل أقرض شخصاً ثم عجز المدين عن السداد لحاجته وفقره، فهل يجوز أن يتنازل عن هذا الدين ويعتبره من زكاة ماله؟
الجواب
لا يجوز، يعني: لا يجوز للإنسان إذا كان عليه زكاة وله غريم معسر أن يسقط عنه من دينه بقدر زكاته، قال شيخ الإسلام: هذا لا يجوز بلا نزاع.
ووجهه ظاهر، لأن الزكاة أخذ وإعطاء، قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:103] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ بن جبل: (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم) والدين ليس كذلك.
ثالثاً: الدين على المعسر مال تالف في الواقع لأنه ربما يموت بلا وفاء، والمال الذي بيدك مال حاضر، لا يمكن أن تجعل التالف زكاة عن الحاضر، فإن هذا يشبه إخراج الزكاة الرديئة عن الزكاة الطيبة، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة:267] يعني: لا تقصدوا الرديء فتخرجوا منه الزكاة.(224/33)
أهمية العدل بين الأولاد في العطية
السؤال
بالنسبة للوالد أحياناً يعطي بعض أبنائه مالاً لحاجته، وهذه نقطة قد يرضى بها بقية الأبناء لكن على مضض مثلاً، وقد يعطي هبة هكذا يعني: للصغير مثلاً يراه احتاج دون غيره لأنه صغير كون عندهم بعض المال وهو ليس عنده شيء، هذه الأمور كثير منا يتحرج منها، قد يقع فيها ظلم، لكن هذا يحدث يفضل ولد على ولد لحاجته أو غير ذلك، ما قولكم في ذلك؟
الجواب
الواجب في عطية الأولاد أن تكون بالعدل، لحديث بشير بن سعد حين أعطى ابنه النعمان بن بشير ولم يعط بقية أولاده، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) والعدل بين الأولاد: أن يعطي كل واحد منهم ما يحتاج إليه، فمثلاً: هذا الولد طالب يحتاج إلى الكتب يحتاج إلى أجرة للمعلم، فنعطيه وإن لم نعط إخوانه؛ لأن إخوانه لا يحتاجون، هذا ابن يحتاج إلى تزويج ما عنده فلوس فزوجه أبوه لا يلزم أن يعطي إخوانه مثلما أعطاه للزواج، يلزمه إذا بلغ إخوانه النكاح أن يزوجهم إذا كان عنده شيء، ألم تر أن الإنسان يكون له ابن وبنت الابن يحتاج إلى غترة وطاقية والبنت تحتاج إلى خروص وإلى أسورة وإلى خواتم يعطي الولد قيمة الغترة والطاقية والبنت قيمة الخروص والأسورة والخواتم، أيهم أكثر؟ الثاني أكثر، لكن لأنها تحتاج.
ولهذا من الخطأ الفادح والجهل الفاضح: أن بعض الناس إذا زوج أولاده الكبار الذين لا يستطيعون الزواج لأنفسهم وله أولاد صغار أوصى لأولاده الصغار بقدر ما أعطى الكبار للنكاح، وهذا غلط، حتى لو مات فالوصية لا تنفذ، ويعطى ما أوصى به للصغار يدخل في التركة ويقسم على فرائض الله.
حسناً ما تقول: فيما لو كان له ولدان احتاج كل منهم إلى سيارة، فأعطى واحد أعلى السيارات والثاني الوسط، يجوز أو لا يجوز؟ السائل: يجوز، إذا كان هذا يحتاج إلى سيارة كبيرة الشيخ: لا، كلهم يقرءون في مدرسة سواء.
السائل: هذا لا يجوز إذا كانوا سواء.
الشيخ: إذا قال: أنا أعطي لهذا ما يوصله إلى المدرسة ويرده سيارة، نقول: لا يجوز، لأن السيارة تختلف هذه مثلاً بستين ألفاً وهذه بأربعين ألفاً، كذلك لو ألبس أحد الأولاد لباساً فاخراً والآخر دون ذلك فإنه لم يعدل، لا يقول: أنا أعطيتهم ما يستر العورة، نقول: لا، هذا لا يجوز لابد أن يكونوا سواء أو متقاربين؛ لأن التسوية من كل وجه قد تكون متعذرة لكن متقارب.
حسناً: لو أعطى الصبي الصغير حلوى لأنه صاح فأعطاه حلوى يسكته نقول: أعط الكبير حلوى؟ السائل: لا أعطيه.
الشيخ: لا تعطيه، حتى لو أعطيته ينقد عليك، لأنه هذا يرضى به عادة.
السائل: بالنسبة للسيارة -يا شيخ- أحياناً يحتاج الأخ أو الأخوان إلى سيارة رحلات بعيدة مثلاً بخلاف الثاني.
الشيخ: ما يضر، على كل حال: إذا أعطى كل واحد ما يحتاج فلا بأس.(224/34)
حكم امرأة خرجت للحج فسمعت بوفاة زوجها
السؤال
إذا خرجت المرأة حاجة وبعد وصولها إلى جدة سمعت بوفاة زوجها، فهل لها أن تتم الحج، أو أن تجلس للحداد؟
الجواب
تتم الحج؛ لأن الآن إن رجعت سترجع بسفر، وإن بقيت بقيت في سفر مستمر، فتتم الحج لا سيما إذا كان فريضة ثم بعد ذلك ترجع، وحتى لو كان نافلة لها أن تستمر.(224/35)
وجوب المهر الجديد والعقد الجديد على الزوج إذا انتهت عدة زوجته المطلقة
السؤال
رجل طلق زوجته لأول مرة طلاقاً رجعياً ولم يراجعها حتى انتهت مدة المراجعة فيقول: هل ترجع لي الآن بعقد جديد، أم يكتفى بالشهود، مع العلم: أنه لو كان بعقد جديد ربما طمعوا بي وتعسرت المراجعة؟
الجواب
إذا تمت العدة حرمت على الزوج وصار الزوج كسائر الناس، يخطبها من جديد ويعقد لها من جديد ويسلم المهر الذي يتفق الطرفان عليه، ولابد، قال الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:2] .(224/36)
الفرق بين وسائل الدعوة ووسائل التأليف
السؤال
ما رأي فضيلتكم هل وسائل الدعوة توقيفية، أم اجتهادية كالأناشيد الإسلامية تعطى للشباب لغرض هدايتهم؟ الشيخ: هو على كل حال: الدعوة إلى الله عز وجل بأي طريقة، لكن المعلوم أن أفضل ما يدعى به الناس كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57] هذا أفضل شيء.
لكن إذا كان هناك شباب بعيدون وأردنا أن نتألفهم تألفاً إما بإحداث رياضة مباحة، وإما بأناشيد غير محرمة فلا بأس.
إذا كان الآن التأليف على الإسلام لا يكون بالدراهم، المؤلفة قلوبهم يعطون من الزكاة يزاحمون الفقراء ويعطون من الزكاة وهي مال لتأليفهم، فما يقال: إنه وسائل دعوة فهذا فيه إيهام في الواقع، الدعوة لا تكون إلا بالكتاب والسنة، لكن التأليف بأي سبب بأي طريقة غير محرمة ألِّف الناس، وكثير من الشباب مثلاً قد ينفر من الدعاة لأن بعض الدعاة لا يلينون لهم، فإذا أراد أن يجذب شباباً بأن يخرج مثلاً بعد العصر للعب الكرة أو للمسابقة على الأقدام أو ما أشبه ذلك هذا طيب من باب التأليف.
السائل: ما هي شروط الأناشيد حتى تكون مشروعة؟ الشيخ: ما أستطيع لأنه الآن تنوعت الأناشيد، حتى أصبحت تشبه في أدائها أداء الأغاني الهابطة هذه.(224/37)
حكم الحج على من عليه دين
السؤال
هل الدين يمنع من الحج، وإذا كان مانعاً من الحج فما الحكم بالنسبة لديون البنوك الطويلة، لا سيما بنك التسليف فالديون فيه ربما تستغرق العمر كله، ولا نستطيع سدادها إلا؟
الجواب
الدين إذا كان حالاً مقدم على الحج لسبقه وجوب الحج، فيوفي الدين ويحج، فإذا لم يكن عنده شيء وبعد وفاء الدين ينتظر حتى يغنيه الله، وإذا كان مؤجلاً نظرنا: إن كان الإنسان واثقاً من نفسه أنه إذا حلَّ الأجل يسدده فإن الدين هنا لا يمنع وجوب الحج سواء أذن له الدائن أم لم يأذن، وإن كان لا يضمن من القدرة على الوفاء فإنه ينتظر حتى يحلَّ الأجل ويوفي، وبناء على ذلك نقول: من عنده لصندوق التنمية العقارية ديون إذا كان يعرف من نفسه أنه إذا حلَّ الأجل أوفاه يجب عليه الحج ولو كان عليه دين.(224/38)
عدم جواز الاستنابة لمن لا يقيم الحروف في الإمامة
السؤال
شخص استناب في الإمامة لإقامة الصلاة عنه رجلاً، لكن هذا الشخص النائب لا يقيم الحروف مثل القاف والغين وهكذا، فهو يسأل هل يجوز له علماً بأن الحضور من المأمومين لا يستطيعون الصلاة، وهو الآن في حرج يا شيخ؟
الجواب
أقول: إنه لا يحل للإمام أن ينيب عنه من لا يقيم الحروف، وإذا لم يجد إلا هذا يبقى لا يذهب لا يميناً ولا يساراً، أو يستقيل من الوظيفة.
هذا أمر.
بالنسبة للمأمومين يرفعون الأمر إلى الجهات المسئولة ويطلبون من الجهات المسئولة بأن ينظروا شخصاً يقيم القراءة.
السائل: هي منطقة سوق.
الشيخ: حتى منطقة السوق لا يصلون خلف من لا يقيم القراءة مع القدرة على غيره، أما لو تعذر إلا هذا فاتقوا الله ما استطعتم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(224/39)
لقاء الباب المفتوح [225]
إن الله سبحانه وتعالى فرض فرائض وحد حدوداً وأمرنا بالالتزام بها وأدائها، فمن هذه الفرائض فريضة الحج، ولذلك تحدث الشيخ عن الحج وفريضته، ومتى يجب على المرء أن يحج، وصفة الحج وأنساكه الثلاثة، ثم ختم ذلك بأسئلة متنوعة.(225/1)
مسائل تتعلق بالحج(225/2)
مرتبة الحج في الإسلام
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والعشرون بعد المائتين من اللقاءات التي يعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثامن والعشرون من شهر شوال عام (1420هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بما انتهينا إليه عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا} [الحديد:26] ولكن نظراً لقرب موسم الحج فإننا نتكلم عن الحج، لأن كل شيء في وقته أهم وأنفع، والكلام عن الحج في أمور: الأول: ما مرتبة الحج في دين الله عز وجل؟ والجواب على هذا أن نقول: مرتبته أنه أحد أركان الإسلام الخمسة، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) .
وهو فريضة بإجماع المسلمين، وفريضته معلومة من الدين بالضرورة بمعنى: أن كل إنسان يعرف أن الحج فرض عليه إذا كان يعيش بين المسلمين، ولهذا قال العلماء: من أنكر فرضيته فهو كافر، إذا كان قد عاش بين المسلمين؛ لأن هذا مما يعلم بالضرورة، كل إنسان يعرفه حتى الصبي في السوق يعرف أن الحج فرض.(225/3)
على من يجب حج بيت الله
على من يكون الحج فرضاً؟
الجواب
يكون فرضاً على من جمع خمسة أوصاف: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة.
فأما الإسلام: فإن الكافر لا يجب عليه الحج ولا يصح منه؛ لأننا نقول له: أسلم أولاً، ثم حج ثانياً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: (ليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) .
وبناءً على ذلك: لو أن رجلاً حج وهو لا يصلي فإن حجه غير صحيح وليس مقبولاً منه ولا مجزئ عنه، فإذا صلى دخل في الإسلام، وحينئذ نقول: يجب عليك أن تحج، فإذا قال: إنه قد حج، نقول: نعم.
لكن حججت في حال لا يصح منك الحج؛ لأنك حججت وأنت مرتد.
وأيضاً: لا يحل لك أن تدخل حدود حرم مكة، لأن الكافر لا يحل له أن يدخل حدود حرم مكة، وهو آثم من حينما يدخل إلى أن يخرج، آثم إثماً زائداً عن إثم الكفر، وهذه مسألة قلَّ من يتفطن لها، فالواجب التنبه لهذه المسألة، وأن يقال لمن عرف أنه لا يصلي: يا فلان! لا تتعب نفسك فإن حجك غير مقبول ولا مجزئ، ولو هداك الله إلى الإسلام ورجعت وصليت لوجب عليك أن تحج، لأن الحج الأول لم يجزئ فلا يسقط به الفرض.
الثاني: العقل وضده الجنون، فالمجنون لا يجب عليه الحج، ولا يحج عنه حتى لو كان عنده من الأموال الشيء الكثير، مثل: أن يكون أبوه قد ورَّث له مالاً ولكنه مجنون، فلا حج عليه، ولا يصح منه الحج، ولا يحج عنه؛ لأنه مجنون.
والثالث: البلوغ وضده الصغر، فالصغير لا يجب عليه الحج، لكن لو حج فحجه صحيح، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم.
ولك أجر) لكنه لا يجزئ عنه، بمعنى: أنه إذا بلغ يجب أن يحج حجة الإسلام.
الرابع: الحرية بمعنى: ألا يكون الإنسان رقيقاً مملوكاً، فالرقيق المملوك لا حج عليه، لكن لو حج لصح حجه، وهل يجزئه عن الفريضة أم لا؟ فيه خلاف بين أهل العلم: منهم من قال: يجزئه، ومنهم من قال: لا يجزئه.
الخامس: الاستطاعة، لقول الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] بأن يكون الإنسان عنده مال زائد عن حاجته وعن ديونه، قادراً في بدنه، فهنا يلزمه الحج ويلزم أن يبادر إلى الحج ولا يتأخر؛ لأن أوامر الله تعالى على الفور ما لم يدل دليل على التراخي، ولأن الإنسان لا يدري ما يعرض له، قد يكون هذه السنة قادراً والسنة الثانية عاجزاً، وقد يموت، فعليه أن يبادر ولا يتأخر.
من الاستطاعة: أن يكون للمرأة محرم، فإذا لم تجد المحرم فلا حج عليها، وإن حجت فهي آثمة، لو ماتت وهي غنية قادرة لكن ليس عندها محرم فهل تحاسب على ذلك أم لا؟ الجواب: لا تحاسب؛ لأنها لا تستطيع الوصول إلى البيت، من منعها؟ منعها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) أرأيت -لا قدر الله إلا الخير- لو أن عدواً في طرق مكة يمنع الناس هل يلزم الإنسان أن يحج؟ الجواب: لا.
لا يلزمه، فإذا كان العدو المانع حساً يسقط به فريضة الحج فالمانع شرعاً تسقط به فريضة الحج، فلتهنأ المرأة التي لا تجد محرماً، ولتطمئن، ولتعلم أن الله لن يحاسبها على ترك الحج، لأنها غير قادرة شرعاً.(225/4)
العام الذي فرض فيه الحج
متى فرض الحج على المسلمين؟ هل هو في أول البعثة، أو قبل الهجرة، أو بعد الهجرة، أم ماذا؟ فنقول: التوحيد والرسالة والشهادة بهما من أول البعثة، فمن أول البعثة فرض على الناس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والصلاة فرضت ليلة المعراج، قبل الهجرة إما بسنة أو نحوها، والزكاة: فرضت على المسلمين في السنة الثانية من الهجرة، والصيام: كذلك في السنة الثانية من الهجرة، والحج: فرض في السنة التاسعة من الهجرة، انظروا أركان الإسلام كيف كان ترتيبها في الفريضة.
إن قال قائل: لماذا تأخر فرض الحج إلى السنة التاسعة؟ ف
الجواب
إن مكة -شرفها الله- كانت إلى وقت الفتح تحت سيطرة المشركين، ولا يتمكن المسلمون عن الحج؛ لأن المشركين صدوهم عن العمرة فضلاً عن الحج.
إذا قال قائل: لماذا لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة؟ فالجواب: تأخر في المدينة لكثرة الوافدين من المسلمين إلى المدينة ليعلمهم دينهم، هذا من وجه.
ومن وجه آخر: في السنة التاسعة حج مع المسلمين المشركون، وفي هذه السنة نادى المنادي: ألا يحج بعد العام مشرك، فصار العام العاشر خالياً من المشركين وهو الذي فيه تمت حجة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يحج معه إلا المسلمون ولم يطف بالبيت عريان.
وكان العرب في الجاهلية بعضهم يطوف بالبيت عرياناً؛ لأنهم يقولون: لا يمكن أن يطوف الإنسان إلا بثياب من ثياب الحمس، فإذا لم يجد ثوباً طاف عرياناً، وكانت المرأة تطوف وتضع يدها على فرجها وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
وذلك جهلاً.(225/5)
صفة الحج وأنساكه الثلاثة
ثم كيفية الحج؟
الجواب
الحج أن تحج كما حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأن ذلك من شرط قبول العبادة؛ بل شرط قبول العبادة اثنان: الأول: الإخلاص لله تعالى.
الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول للناس: (خذوا عني مناسككم) فلا بد من الإخلاص لله والمتابعة.
وعليه لو حج الإنسان للمال فقط فحجه مردود، لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110] ومن ذلك ما يأخذه بعض الناس الآن من النيابة في الحج لو سألته: لماذا أخذت هذه النيابة؟ قال: لأجل الدراهم، هذا ليس له في الآخرة من خلاق، قال شيخ الإسلام رحمه الله: من أخذ ليحج فلا حرج؛ لأنه أخذ المال يستعين به على طاعة، ومن حج ليأخذ فليس له في الآخرة من خلاق.
فانتبه لهذا، لا يحملنك الطمع على أن تأخذ النيابة خمسة آلاف أو أكثر أو أقل لأجل المال، فيحبط عملك ولا تنتفع أنت ولا صاحبك، لا بد من الإخلاص لله عز وجل، أن تنوي بحجك التقرب إلى ربك تبارك وتعالى، ورجاء ثوابه، لأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
الثاني: المتابعة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنقول: حج كما حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكما أمر، وأمامك ثلاثة أنواع من الأنساك: التمتع، والقران، والإفراد، ثلاثة يختلف بعضها عن بعض.
أما التمتع: فأن تحرم بالعمرة في أشهر الحج، أي: بعد دخول شهر شوال، وتحل منها إحلالاً تاماً ثم تحرم بالحج، وفيه هدي للقادر عليه، ومن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
الثاني: القران، تحرم بالحج والعمرة جميعاً من الميقات، وتبقى على إحرامك حتى تحل يوم العيد، وفيه هدي لمن وجد، ومن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.
الثالث: الإفراد، وهو أن تحرم بالحج وحده من دون عمرة، وتبقى على إحرامك إلى يوم العيد ولكن لا هدي فيه؛ لأن أصل الهدي في التمتع والقران هو شكر الله عز وجل على ما أنعم به على العبد من تحصيل النسكين في سفر واحد.
ولهذا يجوز للإنسان أن يأكل من هدي التمتع ويهدي ويتصدق، وليس كالدم الواجب لفعل محظور أو ترك واجب؛ لأن هذا لا يأكل منه الإنسان بل يطعمه الفقراء.
وأفضل هذه الأنساك: التمتع، وإن أفرد أو قرن فلا حرج، لكن الأفضل أن يتمتع؛ لأن هذا هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه في حجة الوداع.
ويأتي إن شاء الله صفة التمتع والقران والإفراد على وجه التفصيل في لقاء قادم، كما يأتي إن شاء الله الكلام على محظورات الإحرام.(225/6)
الأسئلة(225/7)
الزمن الذي تقطع فيه التلبية للمعتمر والحاج
السؤال
فضيلة الشيخ! متى يقطع التلبية من أراد العمرة أو الحج؟
الجواب
المعتمر يقطع التلبية إذا شرع في الطواف، والقارن أو المفرد أو المتمتع يقطع التلبية عند شروعه في جمرة العقبة يقطع التلبية قبل الرمي.(225/8)
عدم جواز إحضار الخادمات إلى البيوت إلا بمحرم
السؤال
سؤال يتعلق بقضية الخادمات ووجودهن الآن في البيوت، والتساهل في أمر المحرم، لكن إذا جاء بها وصارت غير متحجبة وليست ملفتة النظر في جمالها ولا يؤبه بها فهل تبقى بدون غطاء على وجهها؟
الجواب
هذا يسأل عن الخادمة هل يجوز أن تحضر بدون محرم وتبقى في البيت بدون محرم؟ نقول: لا، لا، لا.
لا بد من محرم، وإنما حملنا على تأكيد ذلك ما سمعنا من الفضائع في المرأة الخادمة إذا جاءت بلا محرم، فلا يحل للإنسان أن يستجلب خادمة إلا بمحرم، فإن كان قادراً على مئونتهما جميعاً فذاك، وإن لم يقدر فلا يأتي بها، قد عاش الناس أزمنة كثيرة طويلة بدون خوادم.
السائل:.
كشف وجهها في البيت مع وجود محرمها معها ولكن لا يؤبه بها؟ الشيخ: لا.
لا تكشف وجهها، حتى ولو كان معها محرم لا تكشف الوجه.
السائل: ولا ينظر إليها نظر شهوة الشيخ: الخادمة وغيرها سواء لا تكشف وجهها، ولا تقل: لا يوجد محظور (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) .(225/9)
وجوب إعادة الصلاة لمن مسح على الخفين بعد انتهاء مدة المسح
السؤال
مسحت على الخفين بعد انتهاء وقت المسح عليهما ثم صليت الفجر ولم أذكر أني مسحت عليهما بعد مرور يوم إلا بعد خروج الوقت فهل أعيد صلاة الفجر أم لا؟
الجواب
يعني: مسحت بعد تمام المدة في الخفين، إذا مسح الإنسان بعد تمام المدة فإنه يعيد وضوءه ويغسل قدميه ويصلي من جديد ويعيد الصلاة.
السائل: ولو خرج وقتها؟ الشيخ: نعم ولو خرج وقتها، يصليها قضاءً.
السائل: وإذا ذكر وأثناء الصلاة؟ الشيخ: إذا ذكر أثناء الصلاة يقطع الصلاة ويتوضأ ويغسل قدميه ويبدأ الصلاة من جديد.(225/10)
حكم حضور صلاة الجمعة لمن صلى العيد في اليوم نفسه
السؤال
من صلى العيد في يوم جمعة وأراد أن يصلي الظهر، هل تجب عليه الجماعة، أو له أن يصليها لوحده؟
الجواب
إذا صادف العيد يوم الجمعة وصلى الإنسان مع الناس يوم العيد، فإن شاء حضر الجمعة وهو أفضل، وإن شاء لم يحضر وصلى في بيته منفرداً ولا حرج؛ لأن الجماعة لم تقم في البلد، الذي يقام في البلد هو الجمعة، ومن حضرها صلى جمعة ومن لم يحضرها صلى ظهراً.
السائل: هل تقام في مسجد الحي؟ الشيخ: أصلاً لا تقام في مسجد الحي تمنع؛ لأنه لا يمكن أن تقام جمعة وجماعة في مسجدٍ واحد.(225/11)
معنى قوله تعالى: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون)
السؤال
ما تفسير قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] ؟
الجواب
أي: ظهر لهم من العذاب ما لم يكونوا يظنونه، يعني: العذاب لم يخطر لهم على بال.(225/12)
حج المرأة إذا كان لديها مال وليس لها محرم
السؤال
المرأة إذا كانت ذات مال ولا محرم معها أفلا نقول: لها أن تنيب من يحج عنها؟
الجواب
لا يجب، والسبب في ذلك: أنه غير واجب عليها الحج الآن هي لا تستطيع، وفي نفسي من هذا شيء.(225/13)
معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مادام في مصلاه)
السؤال
ورد في الحديث: (أن الملائكة تستغفر للمصلي ما دام في مصلاه) هل مقصود المصلى: مكان الصلاة، أو المسجد عموماً؟
الجواب
ثبت في الصحيحين: (أن الرجل إذا توضأ في بيته وأسبغ الوضوء وخرج من بيته إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا دخل المسجد وصلى فإن الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، تقول: اللهم صل عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه) مصلاه هل المعنى: ما دام في صلاته، أو المعنى: ما دام في مكان صلاته، بمعنى: أنه انتهى من الصلاة وجلس، أو المعنى: ما دام في المسجد الذي هو أعم من مكان صلاته؟ كل هذا محتمل، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون الأخير، أي: ما دام في المسجد، وفضل الله واسع.
السائل: إمام المسجد سلم من الصلاة ثم غير مكانه، هل ينطبق عليه أنه لا زال في مصلاه؟ الشيخ: إمام المسجد كيف؟!! إذا انتهت الفريضة لم يبق شيء فلا يكتب، تصلي عليه ما دام في مصلاه منتظراً للفريضة، وإذا انتهت الفريضة لم يكتبوا له ثواب البقاء في المسجد.(225/14)
حكم صلاة المرأة بالبنطال والفنيلية
السؤال
صلاة المرأة في منزلها بما يسمى (بالبجامة) وهي عبارة عن بنطال وفنيلة من غير غطاء يشمل جميع البدن؟
الجواب
أنا لا أرى جواز البنطال، لا في الصلاة ولا خارج الصلاة، فقط انتهى، أي: إذاً لا تصلي، ومن قال من العلماء: إن من صلى في ثوب محرم عليه فصلاته باطلة، فتكون صلاتها باطلة.(225/15)
(هدايا العمال غلول)
السؤال
بعض الطالبات تهدي إلى المدرسات هل في ذلك شيء؟
الجواب
لا يجوز للمدرسة أن تقبل هدية من الطالبة؛ لأن هذا داخل في عموم الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده: (هدايا العمال غلول) ولأن الهدية ستوجب المودة، كما جاء في الحديث: (تهادوا تحابوا) ، فإذا ازدادت محبتها لهذه التلميذة يخشى عليها أن تحيف، فيجب عليها أن ترفض، أي: يجب على المعلمة أن ترفض الهدية وتقول: لا أقبل.(225/16)
سبب نزول قوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك)
السؤال
ما تفسير قوله تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء:110] ما المقصود بالصلاة يا شيخ؟
الجواب
الدعاء والاستغفار حقيقة شرعية، المخافتة يعني: لا تسر، وهذه الآية نزلت لسبب: وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يجهر في قراءته فحصل بذلك من المشركين اعتراض، فقال الله عز وجل: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء:110] .(225/17)
يسن الاستسقاء ولو كان القحط في غير أرضنا
السؤال
إذا أمر ولي الأمر بصلاة الاستسقاء فنزل المطر قبل الصلاة، فهل تصلى الصلاة؟
الجواب
إن كان ولي الأمر قال: استسقوا لبلادكم خاصة، ونزل المطر فلا تستسقي، لكن هل يرد أمر ولي الأمر أن تستسقي لبلدك خاصة؟ السائل: يعمم على البلاد؟ الشيخ: أنت مثلاً من أي بلد؟ السائل: من الرياض.
الشيخ: قال ولي الأمر: استسقوا للرياض فقط.
ثم نزل المطر على الرياض نستسقي أم لا؟ لا نستسقي؛ لأن السبب الذي شرع من أجله الاستسقاء زال، لكن الأوامر التي تأتي من ولي الأمر استسقاء عام، أمر عام، وكما تعلم المملكة واسعة الأرجاء إذا نزل المطر في الرياض قد يكون لم ينزل في الخرج أقرب شيء له، فيستسقون ولو نزل المطر، ولهذا قال العلماء: يسن الاستسقاء ولو كان القحط في غير أرضهم.(225/18)
جواز صيام النافلة دون تبييت نية
السؤال
الآن في الصيام الشخص إذا قام في الصباح وهو لم ينو الصيام فلم يجد الإفطار فقد يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: هل من فطور.
فإن لم يكن هناك فطور استمر في الصيام طيلة ذلك اليوم؟
الجواب
تشهد أن الرسول قال: أين الفطور؟ السائل: في معنى الحديث.
الشيخ: نعم لا تقول ذلك قل: إنه طلب أكلاً وقالوا: ما عندنا، فقال: إني إذاً صائم، لا ندري هل هو طلب -الرسول- في الضحى أو قبل الظهر لا ندري.
إذاً حتى روايتك هذه بالمعنى غير صحيحة، أنا قصدي من هذا: أن ما ينسب إلى الرسول يجب أن يكون محرراً معلوماً غير مشكل، خطير أن يقول الإنسان عن الرسول ما لم يقله، وهذا الكلام أفيد من الجواب على سؤالك.
الجواب على سؤالك: إنسان مثلاً لم ينو الصيام لكن عندما أصبح ولم يجد طعاماً نوى الصيام نقول: لا بأس، لأن النفل يجوز أن ينويه الإنسان في أثناء النهار، بشرط: ألا يفعل مفطراً من قبل، فإن كان فعل مفطراً من قبل -يعني: أفطر أول النهار عندما صلى الضحى قال: أريد أن أصوم- هل يصح أم لا يصح؟ السائل: لا يصح.
الشيخ: كيف؟ السائل: لأنه فعل مفطراً من قبل.(225/19)
حرمة الهدية من الموظف لرئيسه
السؤال
هل يجوز الهدية من الموظف لرئيسه؟
الجواب
الهدية من الموظف لرئيسه لا تجوز؛ لأنك كما تعلم أن عبد الله بن اللتبية بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ليأتي بالصدقة، فجاء بالصدقة فقال: هذا لكم وهذا أهدي إليَّ، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (ما بال الرجل نستعمله على العمل فيأتي إلينا ويقول: هذا لي وهذا لكم فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر هل يهدى له أم لا) انظر الكلام، هذا الرئيس لولا أنه رئيس هل ستعطيه؟ لا تعطيه.
إذاً لا تعطه.
السائل: ولو كان قلماً؟ الشيخ: ولو سواكاً.
السائل: وإن كان من باب الدعوة؟ الشيخ: لا ليس من باب الدعوة، الدعوة اذهب المسجد، لأن الهدية تجذب الإنسان غصباً عليه، إذا أهديت للرئيس تريد في المستقبل يحابيك ويتغاضى عن تقصيرك ويرخص لك في وقت ليس فيه ترخيص، الهدية تجبر الإنسان أنه يحابي صاحبه.
أنا لو أعطيك قلماً أو غير قلم أليس تنظر إليَّ؟ السائل: بلى.
السائل: فكيف يصنع للرئيس؟ الشيخ: نعم يرده.
السائل: ولو بعد سنة.
الشيخ: هذه إذا مرت سنة ربما يعزل هذا وينتهي الموضوع.
وأنا والله في الحقيقة أخاطب الرئيس والمرءوس، المرءوس لا يهدي، والرئيس لا يأخذ.(225/20)
لزوم التأدب في حلقات العلم
السؤال
إذا دخل إنسان مجلس علم أو عطس في مجلس العلم نفسه هل يلقي السلام بصوت مرتفع أو يحمد الله بصوت مرتفع أم بصوت منخفض؟
الجواب
إذا كان يشوش على الحاضرين فلا يرفع صوته، يجلس وإذا انتهى المجلس يسلم، وإن كان لا يشوش بمعنى: أن الناس اعتادوا هذا، وأنه إذا سلم رد عليه أحدهم فلا بأس، وكذلك العطاس لا أرى أن يحرج القوم فيحمد الله برفع صوته؛ لأنه سيحرجهم، إن قلنا: بأن تشميت العاطس فرض عين معناه: كل الناس ألف نفر مثلاً يستمعون كلهم يقولون -إذا قلنا: إنه فرض عين- يرحمك الله ألف صوت، وهذا محرج ومسبب لتشويش المجلس، الحمد لله يحمد الله خفية ويثيبه الله عز وجل على حمده.(225/21)
الراجح في الدعاء دبر الصلاة أن يكون قبل السلام
السؤال
هل الأفضل في دعاء: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) أن يكون قبل السلام أو بعد السلام، أم الأفضل أن يكون في الموضعين معاً؟
الجواب
الأفضل أن يكون قبل السلام، لأنه هكذا ورد في بعض الروايات، ولأن الدعاء يكون قبل السلام كما في حديث ابن مسعود لما ذكر التشهد قال: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) وعلى هذا فيقول: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) قبل أن يسلم، وبعد السلام ماذا قال الله؟ {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [النساء:103] ما قال: فادعوه.
وأما قول المصلي حينما يسلم: أستغفر الله، ثلاث مرات، فهذا لأن المقصود بهذا الاستغفار ترقيع ما حصل من نقص في الصلاة، فناسب أن يكون بعد السلام مباشرة.(225/22)
كيفية الوقاية من النفاق
السؤال
كيف نتوقى النفاق؟
الجواب
النفاق يتوقى بأشياء: أولاً: بتمرين النفوس على الإخلاص لله عز وجل.
وهذه قبل كل شيء.
ثانياً: أن يتجنب خصال النفاق، وهي: إذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا اؤتمن خان، لأن هذه من أعمال المنافقين، فمن مارسها يخشى أن يكون في قلبه النفاق الأكبر والعياذ بالله.
ثم إن الشيطان قد يوحي إلى الإنسان أنه مراءٍ في عبادة مثلاً، يقول: لا تصلي لا تتعبد يعني: لا تصلي نافلة فتكون مراءٍ، هذا يوجب أن يطرحه وألا يهتم به وألا يلتفت إليه، وحينئذٍ لا يضره والحمد لله.
عليك بالصدق في القول، والوفاء بالوعد، وأداء الأمانة، وعدم الفجور في المخاصمة، ثم اسأل الله عز وجل: اللهم أزل ما في قلبي من الرياء، وما في قلبي من النفاق، وما أشبه ذلك.(225/23)
حكم قصر المسافر للصلاة بعد إمام مقيم
السؤال
أنا قادم من سفر بعيد ووجبت صلاة الظهر وحان وقتها، فقصرتها مع صلاة العصر، علماً أن الإمام قد صلى العصر، فصليت العصر الركعتين الأولى معه، ثم سلمت وأكملت صلاة العصر معه، هل هذا صحيح؟
الجواب
من صلاة الظهر.
السائل: صليت الركعتين الأولى، وصليت الركعتين الأخرى.
الشيخ: يعني: دخلت مع الإمام في صلاة الظهر وصليت الركعتين الأوليين ثم سلمت على أنها الظهر، ثم دخلت معه في الثالثة والرابعة على أنها العصر؟ السائل: نعم.
الشيخ: هذا لا يجوز وعليك الآن أن تعيد الصلاتين جميعاً على أربع أربع، لماذا؟ لأن الإنسان إذا كان مع الإمام يجب أن يقتدي بالإمام، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وسئل ابن عباس: [ما بال الرجل في السفر يصلي ركعتين ومع الإمام يصلي أربعاً؟ فقال: تلك هي السنة] فقل للأخ: عليه الآن أن يصلي أربعاً للظهر وأربعاً للعصر.(225/24)
كل من شرع في واجب حرم عليه قطعه إلا لعذر
السؤال
رجل صام هذا اليوم (الخميس) ونواه قضاءً عن يوم من أيام رمضان، فهل يحرم عليه أن يقطع هذه النية في النهار؟
الجواب
يقول: رجل شرع في صوم قضاء رمضان فهل يجوز أن يقطع هذا الصوم في أثناء النهار؟ فالجواب: أنه لا يجوز، وسأعطيكم قاعدة مفيدة: كل من شرع في واجب حرم عليه قطعه، إلا لعذر شرعي يبيح القطع.
فإذا شرع في قضاء رمضان وجب عليه أن يتم اليوم ولا يجوز له القطع، وإذا شرع في صلاة مفروضة وجب عليه أن يتمها ولا يجوز له القطع، وعلى هذا فقس، فإذا كان قد فعل فعليه أن يتوب ويأتي بدله بيوم.(225/25)
كراهية تخصيص صيام يوم الجمعة
السؤال
هل يجوز صيام يوم الجمعة؟
الجواب
صيام يوم الجمعة جائز، لكنه مكروه إذا صام يوم الجمعة لكونها يوم الجمعة، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام) ، ولأنه وجد إحدى نسائه صائمة يوم الجمعة فقال لها: (أصمت أمس؟ قالت: لا.
قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا.
قال: فأفطري) فأمرها أن تفطر لأنها لا تريد إلا صوم يوم الجمعة، لكن إذا كان لعذر: كرجل عليه القضاء من رمضان ولا يتسنى له أن يصوم في بقية الأيام إلا يوم الجمعة، فلا بأس أن يصومه.(225/26)
حكم إلقاء الشعر في حفلات الأعراس والرقص للرجال
السؤال
بعض الناس في حفلات الأعراس يجتمعون وعندهم بعض الشعراء فيترادون بعض الشعر لكن لا يكون فيه لا سفه ولا فجور ولا فساد فهل يجوز هذا، مع أنه تصحبه أحياناً تصفيق وأحياناً الطبول أو الدفوف؟
الجواب
أما مجرد المرادة إذا لم يكن فيها إقذاء في الهجاء أو غلو في المدح فلا بأس بها، فقد كان الناس ينشدون الأشعار في مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولما مر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحسان بن ثابت ينشد الشعر في المسجد النبوي لحظ إليه، فقال حسان: [قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك] أي: الرسول عليه الصلاة والسلام، أما إن تبعه رقص أو طبول فهذا لا يجوز، لأن الرقص للنساء، والرجال لا يجوز لهم أن يقتدوا بالنساء، والطبول آلة عزف وآلة العزف محرمة إلا ما خصه الدليل كالدف في المناسبات.
السائل: خاص للنساء في المناسبات؟ الشيخ: لا للنساء ولا للرجال، لكن في مسألة العرس لا نفتي به خوفاً من المحظور، لكن مثلاً قدوم إنسان له قيمته إلى البلد لا بأس أن يضرب الدف لقدومه، وكذلك العيد.
السائل: التصفيق؟ الشيخ: التصفيق لا أحبه لكنه ليس حراماً، إذا كان مجرد تصفيق هكذا ما أرى أنه حرام.
السائل: والرقصة تسمى رقصة الحرب؟ الشيخ: المحاربون سوف يرقصون؟! السيوف فوقهم وتقول: يرقصون، أيش هذا الكلام؟! السائل نفسه: يسمونها عرض الحرب؟ الشيخ: عرض الحرب لا بأس لكن ليس فيه رقص.
السائل: رقص لكن لا يشبه النساء.
الشيخ: لا أدري أنا إلى الآن ما دخلت فكري هذه.(225/27)
معنى قوله تعالى: (وليالٍ عشر)
السؤال
قال تعالى: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:2] هل المقصود بها عشر ذي الحجة أو العشر الأواخر من رمضان؟
الجواب
فيها خلاف بين العلماء: - منهم من قال: إنها عشر رمضان؛ لأنه قال: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:2] .
- ومنهم من قال: عشر ذي الحجة؛ لقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر -أي: عشر ذي الحجة- قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) .
ولو قال قائل: يشمل هذا وهذا لا بأس كلها عشر فاضلة، لكن عشر رمضان أفضل بلياليها، وعشر ذي الحجة أفضل بنهارها.(225/28)
الوكالة تكون بالقول والفعل
السؤال
ما حكم استلام مكافئة من الجامعة عن زميلي بدون وكالة شرعية؟
الجواب
وهل الجامعة تسلمك بدون وكالة؟ السائل: لا.
بموجب البطاقة يعطوني يا شيخ.
الشيخ: هل تسلمك بدون وكالة؟ السائل: إذا أتيت بالبطاقة الشيخ: بطاقة من؟ السائل: بطاقة زميلي.
الشيخ: إذاً ما أعطاك البطاقة إلا هذا دليل التوكيل، والوكالة تنعقد بما دل عليها من قول أو فعل، حتى قال العلماء: لو فرضنا أن هذا دلال صاحب دكان تجبى إليه التمور ليبيعها، ثم جاء شخص ولم يأت صاحب الدكان فوضع التمر على العتبة فلصاحب الدكان أن يبيعه، بناءً على ماذا؟ على أنه ما وضع إلا ليبيعه، وهذه صيغة فعلية وليست قولية.
السائل: يحسبون أني صاحب البطاقة يا شيخ؟ الشيخ: هذه ترجع إلى صاحب الصندوق في الجامعة، وسوف يتحرى.(225/29)
جواز إلقاء السلام على المصلي
السؤال
شخص قد يكون يصلي تحية المسجد أو السنة الراتبة في المسجد فيأتي إليه أخوه يصلي فيأتي إليه قبل أن يصلي يسلم عليه يقول: السلام عليكم.
هل يشرع السلام؟ وكيف يرد عليه وهو يصلي، وكثيراً ما يحصل هذا؟
الجواب
السلام على المصلي سواء الراتبة أو تحية المسجد أو الفريضة يشير المصلي برد السلام بيده، يرفعها هكذا إشارة إلى أنه فطن له ورد عليه، فإن بقي هذا المسلِّم حتى سلم المصلي رد عليه بالقول، وإن انصرف كفت الإشارة، لكن هل يسن للإنسان أن يسلم على المصلي أو لا؟ نقول: هو جائز، وإن خاف أن المصلي يكون ساهياً فإذا سلم عليه قال: وعليكم السلام؛ لأن المصلي أحياناً يكون ساهياً، فإذا سلم عليه قال: وعليكم السلام.
فلا يسلم.(225/30)
حكم مسابقة الإمام في الصلاة بدون قصد
السؤال
أقيمت الصلاة في المسجد فصليت مع الجماعة فكبر الإمام للسجود وأثناء السجود رفع الإمام صوته في قول: سبحان ربي الأعلى، فظننته قد كبر للقيام فقمت وحدي قبل الإمام فما الحكم في ذلك أحسن الله إليك؟
الجواب
رجل يصلي مع الإمام فسمع صوت الإمام فظن أنه رفع من السجود فقام، ثم تبين أن الإمام ساجد نقول: ارجع واسجد مع الإمام ثم تابع الإمام فيما بعد، ولكن ينبغي للإمام ألا يرفع صوته بما يسر فيه إلا بعض الآيات أحياناً في الظهر والعصر، وأما الأذكار: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي العظيم فلا يجهر بها فيشوش على الناس.(225/31)
توجيهات ونصائح لطلاب العلم
السؤال
نحن أبناؤكم من منطقة الحدود الشمالية من مدينة رفحة جئنا لننهل من بحر علمكم الزاخر، ونحن في بداية طلبنا للعلم، فهل يا شيخنا أحسن الله إليكم من وصايا جامعة نافعة في هذا المجال والله يحفظكم؟
الجواب
أولاً: نهنئكم على هذه الهمة العالية، وهي سلوك الطريق لطلب العلم، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) هذا أمر.
ثانياً: أبشروا بالخير ما دام أن هذه النية موجودة واثبتوا على طلب العلم، وكرسوا جهودكم واجعلوا أكبر همكم ما جئتم له من طلب العلم، ولا تلتفتوا إلى غيره، لأن العلم كما قال بعضهم: إن أعطيته كلك -يعني: جعلت نفسك كلك للعلم- أعطاك بعضه، وإن أعطيته بعضك حرمت منه.
فالعلم يحتاج إلى جهد وتعاهد وصبر؛ لأنه جهاد في سبيل الله، بل طلب العلم أفضل من الجهاد في سبيل الله؛ لأن طلاب العلم كل الأمة تحتاج إليهم، الكافرة والمسلمة، والجهاد لا نحتاج إليه إلا لرد الأعداء.
ثم احرصوا على البدء بالكتب المختصرة احفظوها بعد حفظ كتاب الله عز وجل، مثلاً: احفظ الكتاب أولاً، ثم انظر للسنة تخير الأحاديث الصحيحة منها فاحفظها، وهنا شيء (لقمة سائغة) على ما يقولون عمدة الأحكام لـ عبد الغني المقدسي رحمه الله، جاهزة، جمع فيها ما يحتاجه غالب الناس إليه من الأحكام مما في الصحيحين، احفظوها.
وأخيراً: طبقوا العلم بالعمل، لا تكن نسخة كتاب، بل كن متأثراً بعلمك في عبادتك وفي أخلاقك وفي معاملتك للناس، لا يكون أكبر همك أن تجمع وتحوش العلم فقط، العلم المراد به العمل، ومن عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم.
كذلك أوصيكم: ألا يكون همكم وشغلكم الشاغل ما فتن به بعض الشباب الآن في مسألة التكفير: هل هذا كافر أو مسلم؟ هل هذا الحاكم كافر أو مسلم؟ وإذا حصل أي اختلاف بين الشباب قال: هذا اتركوه هذا مبتدع، هذا إخواني هذا تبليغي، هذا سلفي، وما أشبه ذلك.
الدين الإسلامي يأمر أهله بالاتحاد، وأن يكونوا على شريعة الله، قال الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105] وقال الله تبارك وتعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه} [الشورى:13] وقال الله لنبيه مؤكداً: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام:159] لا يكن همكم أن تقولوا: العالم الفلاني أيش فيه! العالم الفلاني أيش فيه! لا، دعوا هذا، اتجهوا لطلب العلم والعمل به ودعوا الناس.
العلماء ما منهم أحد معصوم، كل يخطئ ويصيب، فمن أخطأ لم نقبل خطأه، ومن أصاب قبلنا صوابه لا لأنه فلان بن فلان ولكن للصواب، ألم تعلموا أن الله تبارك وتعالى قبل قول المشركين وهم مشركون؟ بلى، قال الله عز وجل: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف:28] هذه حجة {وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف:28] هذه حجة ثانية، ماذا قال الله؟ {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف:28] أبطل هذه الحجة لأنها غير صحيحة، وسكت عن قولهم: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف:28] لأنها صحيحة، قبلها الله مع أنها من قول المشركين.
ألم تعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال الشيطان لـ أبي هريرة: ألا أدلك على آية من كتاب الله إذا قرأتها لم يزل عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، قال له أبو هريرة: بلى.
قال: آية الكرسي، فلما أخبر أبو هريرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له: (صدقك وهو كذوب) وهو الشيطان صدقه الرسول عليه الصلاة والسلام لكنه احترز عليه الصلاة والسلام قال: (صدقك وهو كذوب) أي: احذره، لا تقل: صدقني في هذا وأصدقه في كل شيء، لا، صدقك وهو كذوب.
ألم تعلموا أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: يا محمد! إننا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع.
وذكر بقية الحديث، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تصديقاً لقول الحق أقره على هذا، ثم أيد هذا بقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] يهودي قال الحق فقبل، مشركون قالوا الحق فقبلوا، الشيطان قال الحق فقبل.
يا أخي! لا تجعل ديدنك وهمك ما تقول في فلان؟! ما تقول في فلاناً؟! كفر فلاناً! بدع فلاناً! فسق فلان! ما ينفع هذا، من المؤسف أن هذه اليقظة الإسلامية في الشباب والحمد لله ونسأل الله أن يثبتهم ضربت بهذه الفتنة والعار، تفرق الشباب لأجل العالم الفلاني والعالم الفلاني، مالنا وللعلماء! العالم إن كان ميتاً قد قدم على ربه والله تولاه، وإن كان حياً فالحق مقبول من أي إنسان والباطل مرفوض من أي إنسان، وبارك الله فيكم يا أهل رفحة، وما ندري البرد الذي جاءنا هذا جاء معكم أو هو من قبل؟ أجب جزاك الله خيراً أجبتك فأجبني؟ السائل: لا.
الشيخ: أنا أدري هو من عند الله عز وجل، لكن الله حكيم، ذكر العلماء: أن في الجو أشياء لا يقتلها إلا البرد القارس، سبحان الله! وهذا شيء مشاهد، البعوض يقل مع البرد حتى الذباب يقل مع البرد ويموت، وفي أشياء سبحان الله! لا تموت إلا مع الحر الساخن جداً والله على كل شيء قدير، وهو عز وجل حكيم.
أسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يحب ويرضى، وأنا أسمح لكم عن الحضور في الأسبوع القادم، يمكن يصل لكم شغل الظاهر، ما لكم شغل، كل يوم الإنسان في شغل الواقع، لكن نرجو المعذرة إن شاء الله الأسبوع الذي وراءه من أجل أن نكمل الكلام على الحج.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.(225/32)
لقاء الباب المفتوح [226]
في هذا الدرس تحدث الشيخ عن أمور تتعلق بالمناسك، فذكر أنواع الأنساك بالإضافة إلى ذلك ذكر صفة العمرة وما يتعلق بها.
ثم انتقل بعد ذلك إلى صفة الحج وما يتعلق به من أركان وواجبات وسنن.
وختم كلمته بوقفات ومسائل مهمة تتعلق بالحج على سبيل الإيضاح، وسبب ذلك يعود إلى أهمية الموضوع لما يقع فيه من مخالفات شرعية.
ثم بعد ذلك انتقل الشيخ للإجابة عن الأسئلة المهمة التي تركز أكثرها على مسائل الحج والعمرة.(226/1)
أنواع أنساك الحج وصفتها
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والعشرون بعد المائتين من اللقاءات المعروفة بلقاء الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الحادي عشر من شهر ذي القعدة من عام (1420هـ) .
كنا نبدأ هذا اللقاء بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل، ونعم الكتاب، شفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين، ولكن بمناسبة قرب الحج أحببنا أن نتكلم فيما يتعلق بالمناسك، وقد سبق شروط وجوب الحج وأنها خمسة: الإسلام، العقل، البلوغ، الحرية، القدرة، وبينا ما يترتب على هذه الشروط فيما اجتمعت فيه وما اختلفت.
أما الآن فنتكلم عن أنواع الأنساك، فأنواع الأنساك حسب التتبع ثلاثة: التمتع والقران والإفراد.
فأما التمتع: فهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويحل منها، ثم يحرم بالحج من عامه، وأشهر الحج: شوال، ذو القعدة ذو الحجة.
مثال ذلك: رجل أحرم بعد دخول شهر شوال بالعمرة ناوياً الحج، فطاف وسعى وقصر ثم بقي في مكة إلى وقت الحج فحج.
وأما القران فله صفتان: الصفة الأولى: أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً، فيقول: لبيك عمرة وحجاً.
الصفة الثانية: أن يحرم بالعمرة أولاً، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافه.
مثال هذا: رجل أحرم بعمرة في أشهر الحج، وفي أثناء الإحرام نوى إدخال الحج على العمرة قبل أن يشرع في طوافها، فلا حرج.
وأما الإفراد فهو: أن يحرم بالحج مفرداً من أول الأمر، فيقول: لبيك حجاً.
وأفضل هذه الأنساك هو التمتع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أصحابه بذلك وحتم عليهم، وقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم) .
والتمتع هو: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويحل منها، ثم يحرم بالحج من عامه.
هذا هو الأفضل الذي أمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، وهو أيضاً أيسر للمكلف؛ لأنه يحل حلاً تاماً بين العمرة والحج، وهذا لا شك أنه يعطي الإنسان راحة.
ثالثاً: أنه يحصل على نسكين مستقلين: العمرة وحدها والحج وحده، فلو وصل إلى مكة في اليوم الثامن، فربما يقال: إما أن يكون مفرداً وإما أن يكون قارناً؛ لأنه ليس هناك زمن يحصل به التمتع بين العمرة والحج.
ثم يلي التمتع القران؛ لأن فيه جمعاً بين النسكين الحج والعمرة، وفيه الهدي كالتمتع.
ثم الإفراد.(226/2)
صفة العمرة(226/3)
كيفية الإحرام والتلبية
إذا وصل الميقات اغتسل اغتسالاً تاماً كما يغتسل للجنابة، لا فرق في هذا بين الرجال والنساء، ولا بين النساء الطاهرات والنساء الحائضات، الكل يغتسل كما يغتسل للجنابة، ثم يتطيب الرجل في رأسه ولحيته بأطيب ما يجد، ويكثر حتى يرى بريق الطيب في رأسه، ثم يلبس إزاراً ورداءً، والأفضل أن يكونا أبيضين نظيفين أو جديدين، ثم يلبي قائلاً: لبيك اللهم عمرة إذا ركب السيارة، وإن شاء بعد الصلاة إن كان هناك صلاة، لبيك عمرة لبيك عمرة لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، يصوت بها الرجل وتخفيها المرأة، ويقول: لبيك عمرة، أي: يسمي نسكه في التلبية، فإذا وصل إلى مكة دخل المسجد الحرام، ويقدم رجله اليمنى ويقول: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك.(226/4)
صفة الطواف بالبيت
ثم يتجه إلى الكعبة ليطوف، وإذا شرع في الطواف قطع التلبية، فيبدأ بالحجر الأسود يستلمه، أي: يمسحه بيده اليمنى ويقبله إن أمكن، فإن لم يمكن التقبيل واستلمه باليد قبَّل اليد، فإن لم يمكن أشار إليه، ويقول في ابتداء الطواف: باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم يستمر في الطواف، وفي هذا الطواف يسن أن يضطبع في جميع الأشواط، ومعنى الاضطباع: أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، ويُسن أيضاً: أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط.
والرمل: أن يسرع المشي مع مقاربة الخطا، أي: لا يمد خطوته كما هي العادة أن الإنسان إذا أسرع لا بد أن يمد خطوته، لكن هنا لا يمد خطوته في الأشواط الثلاثة الأولى.
ويقول في بقية طوافه ما شاء من ذكر أو قراءة قرآن أو دعاء، فإذا وصل إلى الركن اليماني مسحه بيده، فإن لم يستطع مر به ولا يفعل شيئاً لا إشارة ولا غيرها، ولا تكبيراً أيضاً، ويقول بينه وبين الحجر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] فإن انتهى من هذا الدعاء قبل أن يحاذي الحجر الأسود فإنه يكرره.(226/5)
صلاة ركعتين خلف المقام
فإذا أتم سبعة أشواط، تقدم إلى مقام إبراهيم وقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] فصلى ركعتين خلف المقام لكن يبعد عن الطائفين؛ لئلا يتأذى بهم ويتأذوا به، يقرأ في الأولى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] مع الفاتحة ويخففهما، ولا يبقى بعدهما في مكانه، بل ينصرف فوراً ليدع المكان لمن يحتاجه من الناس.(226/6)
السعي بين الصفا والمروة
يتجه إلى المسعى من ناحية الصفا فإذا أقبل على الصفا ودنا منه قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] ثم يصعد على الصفا ويستقبل القبلة ويرفع يديه يدعو، فيقول: الله أكبر ثلاث مرات (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم يدعو بما أراد، ثم يعيد الذكر مرة ثانية ثم يدعو بما أراد، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة ثم ينزل متجهاً إلى المروة، فإذا مر بالركن الأخضر -العمود- سعى -يعني: ركض ركضاً شديداً بقدر ما يستطيع- حتى يصل إلى الركن الأخضر الآخر، ثم يمشي طبيعياً حتى يصل إلى المروة، فيصعد عليها ويستقبل القبلة ويرفع يديه يدعو الله تعالى بما دعا به في الصفا.
هذا شوط.
ثم يرجع إلى الصفا يمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه، فيرقى على الصفا ويفعل كما فعل أولاً، وهذا شوط آخر، حتى يتم سبعة أشواط.
وفي طوافه يدعو بما شاء، ويذكر الله بما شاء ويقرأ القرآن ولا يعيد قراءة الآية: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} لا يعيدها لا عند الصفا ولا عند المروة؛ لأن هذه الآية إنما تتلى أول مرة إذا دنا من الصفا.(226/7)
التقصير من جميع الرأس
فإذا أتم سبعة أشواط فإنه يقصر من شعره من جميع الرأس، وبذلك تمت العمرة وحل من إحرامه، الحل كله حتى من النساء، فإذا كان معه أهله فلا حرج أن يباشرهم.(226/8)
صفة الحج(226/9)
ما يفعله القارن والمنفرد
القارن والمفرد يفعل عند الميقات كما فعل المتمتع، يغتسل ويتطيب ويلبس الإزار والرداء، ويقول: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويقول إن كان مفرداً: لبيك حجاً، وإن كان قارناً: لبيك عمرة وحجاً.
ويستمر في التلبية إلى أن يرمي جمرة العقبة، فإذا وصل إلى الكعبة، فعل كما فعل المتمتع في الطواف وفي السعي، ولكنه لا يقصر بعد انتهاء السعي؛ لأنه لا يحل إلا يوم العيد، ويبقى على إحرامه، فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج إن كان متمتعاً، وإن كان قارناً فهو لا يزال على إحرامه، ويفعل عند إحرامه في الحج كما فعل عند إحرامه في العمرة، فماذا يصنع في اليوم الثامن؟ يغتسل ويلبس إحرامه ثم يقول: لبيك حجاً يلبي بالحج: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.(226/10)
النزول بمنى والوقوف بعرفة ومزدلفة
يخرج الحجاج كلهم -المتمتع والقارن والمفرد- فينزلون بـ منى، ويصلون فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع، فإذا كان اليوم التاسع، دفعوا بعد طلوع الشمس إلى عرفة، فينزلون بـ نمرة إن تيسر وإلا استمروا إلى عرفة ونزلوا بها، حتى إذا زالت الشمس -يعني: حلَّ وقت صلاة الظهر- صلوا الظهر والعصر جمعاً وقصراً، ثم شرعوا بعد ذلك في الدعاء إلى غروب الشمس.
ويدعو الحاج بما شاء من أمور الدين والدنيا، وإذا تعب وملَّ يروح عن نفسه إما بحديث مع أصحابه، وإما بقراءة كتب، وإما بقراءة قرآن، ومما يدفع الملل أن يمسك الإنسان المصحف إن كان لا يحفظ، أو يقرأ إن كان يحفظ، كلما مر بآية رحمة سأل، وبآية وعيد تعوذ، وبآية تسبيح سبح، وهذا في الحقيقة يجمع بين القراءة والدعاء، والغالب أنه إذا سلك هذا لا يمل فليفعل؛ لأنه خير، إلى أن تغرب الشمس من اليوم التاسع فيدفع بعد غروب الشمس من عرفة إلى مزدلفة، ويصلي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً ويبيت بها إلى طلوع الفجر.(226/11)
رمي الجمار
فإذا طلع الفجر صلى الفجر بسنتها، وبقي يذكر الله سبحانه وتعالى بما أحب، إلى أن يسفر جداً، فيدفع قبل أن تطلع الشمس متجهاً إلى منى، ويسلك أقرب طريق إلى الجمرة -جمرة العقبة- لأن النبي صلى الله عليه وسلم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة، فيرمي الجمرة -جمرة العقبة- بسبع حصيات يأخذهن من أي مكان شاء، يكبر مع كل حصاة تذللاً لله عز وجل، وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإقامة لذكر الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إنما جعل الطواف بالبيت وبـ الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) .(226/12)
النحر والحلق
ثم ينحر هديه، إن كان متمتعاً أو قارناً، فالهدي واجب، وإن كان مفرداً فالهدي تطوع، ثم يحلق رأسه، والحلق أفضل من التقصير؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حلق ودعا للمحلقين ثلاث مرات، وفي الرابعة بعد المراجعة دعا للمقصرين.
وبالرمي والحلق أو التقصير يحل التحلل الأول وإن لم ينحر؛ لأن النحر لا علاقة له بالتحلل.(226/13)
طواف الإفاضة
ثم ينزل إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة: وهو طواف الحج بالنسبة للمتمتع والمفرد، وبالنسبة للقارن طواف حج وعمرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة وقد قرنت: (طوافك بالبيت يسعك لحجك وعمرتك) .(226/14)
السعي بعد طواف الإفاضة
ويسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً؛ لأن السعي الأول للعمرة، وإن كان قارناً أو مفرداً سعى أيضاً إلا إذا كان قد سعى بعد طواف القدوم فيكفي السعي الأول.(226/15)
المبيت بمنى ورمي الجمرات
ثم يخرج إلى منى فيبيت بها ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، وبعد الزوال يرمي الجمرات الثلاث الأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة، الأولى تسمى الصغرى، والوسطى الوسطى، والعقبة جمرة العقبة، يرمي كل واحدة بسبع حصيات متعاقبات، يقول عند رمي كل حصاة: الله أكبر.
فإذا فرغ من الجمرة الأولى، تقدم قليلاً حتى لا يتأذى بالمزاحمة، فوقف مستقبلاً القبلة رافعاً يديه يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً فيما أحب، وكذلك أيضاً بعد رمي الوسطى، أما العقبة فلا وقوف بعدها لا يوم النحر ولا الأيام التي بعدها.
فإذا رمى اليوم الثاني عشر فله الخيار بين أن يبقى إلى الثالث عشر ويرمي، أو ينزل إلى مكة وينهي الحج، لقول الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:203] .(226/16)
طواف الوداع
إذا أراد أن يرجع إلى بلده طاف طواف الوداع سبعة أشواط بثيابه المعتادة وبدون سعي ويكون الطواف عند السفر.
وبذلك تمت صفة الحج والعمرة، والذي يجب على المرء الذي يريد الحج أن يتعلم كيف يعتمر وكيف يحج، وأن يعرف محظورات الإحرام ما هي حتى يتجنبها، فيعبد الله تعالى على بصيرة.(226/17)
مسائل هامة في الحج
وهنا وقفات:(226/18)
الوقوف بعرفة دون النزول قبلها في منى
منها: لو أن الإنسان أحرم بالحج اليوم الثامن وسار إلى عرفة دون أن ينزل إلى منى؟ فهذا جائر، ولكنه خلاف الأصل، ودليل هذا: حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه، أنه أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلي الفجر في مزدلفة وأخبره أنه من طيء، وأنه ما ترك جبلاً إلا وقف عنده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من شهد صلاتنا هذه -يعني بـ المزدلفة - فوقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بـ عرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه) ولم يذكر المبيت في منى ليلة التاسع، فدل هذا على أنه ليس بواجب.(226/19)
الوصول إلى عرفة بعد العصر
ومنها: لو لم يحضر الإنسان إلى عرفة إلا بعد العصر فإنه يجزئه، لكن كلما تقدم فهو أفضل، والوقوف بعد الزوال.(226/20)
الدفع من عرفة قبل غروب الشمس
ومنها: لو وقف بـ عرفة ودفع قبل غروب الشمس كان ذلك حراماً عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقف حتى غابت الشمس ثم دفع وقال: (خذوا عني مناسككم) .(226/21)
الوصول إلى عرفة بعد غروب الشمس
ومنها: لو لم يأت إلى عرفة إلا بعد غروب الشمس فوقف بها ثم دفع فإن حجه صحيح؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ عروة بن المضرس وقد وقف قبل ذلك بـ عرفة ليلاً أو نهاراً، وليس عليه دم.(226/22)
الدفع من مزدلفة قبل الفجر
ومنها: لو دفع من مزدلفة قبل الفجر فهل هذا جائز؟
الجواب
نعم هو جائز، لكن الأفضل أن يبقى حتى يصلي الفجر فيها ويسفر جداً، إلا أنه إذا كان يخشى من الزحام فالأفضل أن يتقدم، ويرمي الجمرة متى وصل إلى منى ولو قبل الفجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أذن للضعفة والنساء أن يتقدموا إلى منى فيرموا قبل زحمة الناس.(226/23)
تأخير رمي جمرة العقبة من الصباح إلى المساء
ومنها: لو أخر رمي جمرة العقبة من الصباح إلى المساء فلا بأس، لكنه يبقى على إحرامه؛ لأنه لا يحل التحلل الأول إلا إذا رمى وحلق أو قصر.(226/24)
تقديم أعمال اليوم العاشر بعضها على بعض
ومنها: لو قدَّم النحر على الرمي، أي: أنه وصل إلى منى بعد أن ارتفعت الشمس، ورأى أن المنحر أقرب إليه من الجمرة فنحر قبل أن يرمي، فلا حرج.
ومنها: لو حلق قبل أن ينحر، يعني: رمى الجمرة ووجد أن الحلاقين قريبون منه فحلق قبل أن ينحر فلا بأس.
ومنها: لو نزل من مزدلفة إلى مكة رأساً وطاف وسعى ثم خرج إلى منى فرمى ونحر وحلق، فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوم العيد يسأل في التقديم والتأخير فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) وهذا من تيسير الله عز وجل.(226/25)
التعجيل لمن لم يتيسر له الرمي إلا بعد الغروب
ومنها: لو تعجل الإنسان، أي: أراد أن يخرج من منى يوم الثاني عشر وارتحل لكن لم يتيسر له الرمي إلا بعد الغروب فهل يلزمه أن يبقى في منى ويرمي اليوم الثالث، أو يستمر في سيره؟
الجواب
يستمر في سيره؛ لأن الرجل تعجل وارتحل وحبسه حابس عن الخروج قبل الغروب فيستمر.(226/26)
حكم طواف الوداع قبل رمي الجمار
ومنها: لو طاف للوداع في صباح اليوم الثاني عشر، ثم خرج إلى منى ورمى الجمرات بعد الزوال ومشى إلى بلده، فهذا لا يجوز؛ لأن طواف الوداع يجب أن يكون آخر شيء، وهذا جعل آخر شيء الرمي فلا يجوز.(226/27)
النزول إلى الأبطح ثم الرجوع إلى منى لرمي الجمرات
ومنها: لو ارتحل من منى في الضحى ونزل في الأبطح، أو في بيته ولما زالت الشمس خرج إلى منى ورمى الجمرات، فهذا جائز؛ لأن بعض الناس يختارون هذا؛ لأنه أسهل في الزحام أن يتقدم قبل أن ينصرف الناس، فيتقدم وينزل في أي مكان شاء، وإذا زالت الشمس رجع إلى منى فرمى الجمرات الثلاث، ثم يطوف للوداع إذا كان يريد المشي.(226/28)
هل يجزئ طواف الإفاضة عن طواف الوداع
ومنها: لو أخر طواف الإفاضة، فطافه عند الخروج فإنه يجزئه عن طواف الوداع؛ لأن المقصود بطواف الوداع أن يكون آخر عهد الإنسان بالبيت الطواف وقد حصل بالبيت، كما لو دخل المسجد وصلى الفريضة أجزأته عن تحية المسجد.(226/29)
عدد طواف النبي عليه الصلاة والسلام بالبيت في حجة الوداع
ومنها: لو أن الإنسان طاف وسعى وقصر وحل، فهل الأفضل أن يأتي إلى البيت ويطوف، أو الأفضل ألا يطوف؟ الأفضل ألا يطوف، بل يدع المطاف لمن يحتاجه، ولذلك لم يطف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع إلا طوافاً واحداً فقط، الفريضة: طواف الإفاضة والوداع وطواف القدوم، ثلاثة طوافات، ولم يطف طواف تطوع أبداً، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنت إذا جئت لتطوف ستتأذى من الزحام وتؤذي غيرك وتضيق المكان مع أنه ليس بسنة في هذه الحال، فاعرف هذه الأمور حتى تعبد الله على بصيرة.
وإلى هنا ينتهي ذكر صفة الحج والعمرة، نرجو الله تعالى أن ينفع به.(226/30)
الأسئلة(226/31)
حكم إحرام من خرج من مكة بعد العمرة بنية الرجوع وهو متمتع
السؤال
من كان متمتعاً وأتم أعمال العمرة ثم خرج إلى المدينة هل يلزمه الإحرام في مثل هذه الحالة؟ الشيخ: خرج إلى المدينة بنية الرجوع؟ السائل: نعم بنية الرجوع.
الشيخ: لا يلزمه الإحرام؛ لأنه متمتع، ويبقى على حله، وفي اليوم الثامن يحرم بالحج.(226/32)
حكم المبيت بمنى لمن يعمل في مصلحة الحجاج
السؤال
رجل سائق ويشتغل وهو مُحرم هل يلزمه أن يبيت بـ منى، كما إذا كان داخل مكة وفي مكان خارج منها؟
الجواب
السائق هذا هل هو يسوق بمعني: يستعمل سيارته في مصلحة الحجاج أم لا؟ إن كان في مصلحة الحجاج فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخص للرعاة في ترك المبيت في منى، وإن كان لمصلحة نفسه فلا، لا بد أن يبيت في منى.(226/33)
الدعاء للوالدين المتوفيين أفضل لهما من الحج والعمرة
السؤال
بعض الناس يتوفى والده أو والدته فيريد أن يقدم لهم عملاً صالحاً فأول ما يتبادر إلى ذهنه أن يحج عن عنهما وهو قد حج الواجب، فهل الأفضل في هذه الحالة أن يدعو لهما ويكثر الدعاء في الأماكن الطيبة والأزمنة الطيبة، أم أنه يحج عنهما ويعتمر عنهما؟
الجواب
الأفضل أن يدعو لهما، ويجعل الحج والعمرة لنفسه، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل: يحج عنه أو يعتمر عنه، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن ليدع الأفضل ويذكر المفضول، بل لا يذكر للأمة إلا الأفضل؛ لأننا نعلم أنه أنصح الخلق للخلق.
وأنت أيها الإنسان محتاج للعمل الصالح، وسيأتي يوم تتمنى أن في ميزانك حسنة واحدة.(226/34)
حكم دفع المال إلى شخص ليحج به عن شخص متوفى
السؤال
بعض الناس يدفعون مبلغاً من المال عن شخص متوفٍ ويقول: هذا المبلغ حج به عن أبي أو أمي أو خالي أو كذا، فما حكم هذا؟ وما هو الأفضل؟
الجواب
الأفضل ألا يفعل، والنقود التي يعطيها هذا الرجل ليحج عن أبيه أو أمه يعطيها إنساناً لم يؤد الفريضة ليؤدي الفريضة، وهذا أفضل بكثير؛ لأنه إذا أدى هذه الدراهم لشخص لم يؤد الفريضة، كان له مثل أجر هذا الذي أدى الفريضة.
السائل: إذا كان المتوفى لم يؤد الفريضة؟ الشيخ: إذا كان لم يؤد الفريضة فلا بأس أن يؤدي الفريضة عنه.(226/35)
وصية لطالب العلم المبتدئ
السؤال
هل من وصية لطالب العلم المبتدئ؟
الجواب
الوصية لكل إنسان أن يخلص النية لله عز وجل، وألا يكون قصده بذلك الرئاسة ولا الجاه ولا المال، بل ويكون مقصده أن يرفع الجهل عن نفسه وعن غيره، وأن يقيم الملة ويدافع عنها ويحميها، هذا أفضل شيء.(226/36)
حكم الزكاة على من كان مديناً
السؤال
توفي رجل وخلف وراءه عشرة آلاف ريال، فمضى عليها الحول، هل تزكى وهو عليه دين بنحو خمسة عشر ألفاً؟
الجواب
نعم تزكى، لأن الصحيح أن الزكاة واجبة حتى على المدين، فتزكى أولاً مائتين وخمسين ريالاً على العشرة آلاف، ثم يقضي الدين.(226/37)
التحذير من صاحب البدعة ولو كان من أهل الخير
السؤال
رجل صاحب طريقة من طرق الصوفية يرى التصوف ويقيم بعض البدع، إلا أن هذا الرجل يساعد في إقامة أعمال الخير، فمثل هذا الرجل إذا أُنِكر عليه بدعته وشهر بين الناس انقطع عن مساعدة أهل البر وأهل الخير، فما رأيكم يا شيخ؟
الجواب
هل هذا الرجل مؤثر في دعوته؟ السائل: نعم يا شيخ يدعو إلى بدعته.
الشيخ: إذاً أيهما أعظم: الفقر، أو الضلال؟ السائل: الضلال.
الشيخ: الضلال أعظم، فيجب إن كان هذا الرجل داعية ومؤثراً أن يحذر منه حتى لو قطع هو إحسان نفسه فإنما حرم نفسه، أما أن يبقى يضل عباد الله من أجل أن يكسب من ورائه درهماً أو درهمين لا يمكن.(226/38)
حكم الأكل من الشيء المنذور به
السؤال
من نذر أن يذبح لله شاة هل له أن يأكل منها؟
الجواب
ما هو سبب النذر؟ السائل: إن شفاه الله.
الشيخ: لا يأكل منها، إذا نذر الإنسان لله نذراً في مقابلة نعمة أو دفع نقمة فإنه لا يأكل منها؛ لأنها شكر لله عز وجل لهذه النعمة، فمثلاً إذا قال: إن ولد لي ولد ذكر فلله عليَّ نذر أن أذبح شاة، نقول: إذا حصل هذا اذبح شاة وتصدق بها.
السائل: هل يذبح شاة أخرى وقد أكل من الأولى؟ الشيخ: لا، لكن يضمن مقدار ما أكل، فكم كيلو أكل؟ السائل: لا أعلم.
الشيخ: كيلوين؟ السائل: تقريباً.
الشيخ: إذاً يشتري كيلوين لحم ويتصدق بهما.(226/39)
حكم نقل القبر المنفرد
السؤال
هل يجوز نقل القبر إلى المقبرة للمصلحة، حيث وأنها قريبة من البيت؟ الشيخ: وهل البيت قريب من المقبرة؟ السائل: لا.
القبر لوحده.
الشيخ: لماذا؟ السائل: كان قديماً لوحده.
الشيخ: هذا تراجع فيه جهتان: القضاء ليبين لك الحكم الشرعي، والبلدية لتبين لك موضع القبر.(226/40)
حكم الهدية من ولي أمر الطالب للمدرسة
السؤال
إذا قدَّم ولي أمر طالب للمدرسة هدية، وهذا الطالب متفوق ولا يريد بهذه الهدية إنجاحه ولا زيادة درجاته، وإنما هدية لمدرسة خيرية أو مدرسة تحفيظ قرآن.
الشيخ: هل هي مساعدة للمدرسة؟ السائل: نعم.
الشيخ: لمصلحة المدرسة؟ السائل: نعم لمصلحة المدرسة.
الشيخ: لا بأس، الممنوع أن يكون لشخص من القائمين على المدرسة.(226/41)
حكم تأخير طواف القدوم للقارن
السؤال
بالنسبة لطواف القارن في العمرة هل يلزم أن يكون في البداية، أو يؤجله مع الحج؟ الشيخ: تعني طواف القدوم.
السائل: نعم.
الشيخ: لا.
ليس بلازم، لو ذهب الإنسان -مثلاً- في اليوم الثامن إلى منى رأساً فلا حرج، لأن طواف القدوم بالنسبة للقارن والمفرد سنة.(226/42)
حكم من نسي الحلق أثناء تأدية المناسك
السؤال
رجل طاف طواف العمرة وسعى ولم يحلق رأسه إلا عندما قدم إلى بلده أو أثناء الطريق، ثم خلع ثيابه وحلق رأسه وتحلل يعني لبس ثيابه مرة الشيخ: لماذا؟ السائل: لم يذكر يا شيخ.
الشيخ: هل نسي؟ السائل: نعم.
الشيخ: أرجو إن شاء الله أن لا شيء عليه، لأن المشكلة الآن أنه قد طاف طواف الوداع.
السائل: نعم.
طاف وتذكر أثناء الطريق.
الشيخ: أرجو ألا يكون عليه شيء.
السائل: لم يطف يا شيخ؛ لأنه طاف وسعى ثم خرج ولم يطف.
الشيخ: الحمد لله هذه أهون، حلق بعد ذلك؟ السائل: حلق أثناء الطريق وهو في الطائرة.
الشيخ: لا بأس.(226/43)
حكم الجمع والقصر في الصلاة بمنى للحاج
السؤال
الحاج إذا جمع وقصر في منى هل ينكر عليه؟
الجواب
في منى لا يوجد جمع.
السائل: إذا جمع عن جهل.
الشيخ: إذا جمع فلا بأس؛ لأنه مسافر، والمسافر يجوز له الجمع، لكن هل يختار الجمع وعنده هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ السائل: لا ما يختار لكن لا ننكر عليه.
الشيخ: لا.
تبين له وتقول: هذا خلاف السنة، لكن قد يكون الإنسان معذوراً، إما لأنه يشق عليه الوضوء، أو أن الماء قليل، أو ما أشبه ذلك من الأعذار، فلا بأس أن يجمع.(226/44)
حكم من نسي التقصير ثم دخل في الحج وكان متمتعاً
السؤال
المتمتع إذا نسي التقصير من شعره ثم دخل في الحج، وتذكر بعد ما دخل في الحج؟
الجواب
هذه مسألة عظيمة، وبعض العلماء يقول: لا حج له؛ لأنه أحرم بالحج في غير موضعه، إذ أنه لو كان يريد أن يكون قارناً لأحرم بالحج قبل الطواف، فهو الآن غير قارن ولا متمتع.
والذي نرى: أنه متمتع، وأنه يلزمه فدية لترك الحلق، أو لترك التقصير، فإن عمرة المتمتع ليس فيها حلق، فيلزمه فدية لترك التقصير، وحجه صحيح إن شاء الله.(226/45)
حكم تقصير المرأة شعرها بنفسها
السؤال
المرأة إذا قصرت شعرها بنفسها هل يلزمها شيء؟
الجواب
لا.
إذا قصرت المرأة شعرها بنفسها، أو حلق الرجل رأسه بنفسه، أو حلقه له محرم، أو حلقه له محل، كل هذا جائز.(226/46)
حكم صيام الست من شوال قبل القضاء
السؤال
ذكر عن سماحتكم أنك أفتيت في صيام ستة من شوال: أنها تجوز قبل قضاء المرأة لصيامها من رمضان، وهذا انتشر في مدينة الرياض في حي من أحيائها عن سماحتكم؟
الجواب
أين وجدوا هذه الفتوى؟ السائل: ذكرتها إحدى المدرسات.
الشيخ: أين السند من هذه المدرسة إلى الفتوى.
السائل: أحد طلبة العلم الموجودين حولكم يا سماحة الشيخ.
الشيخ: أين هو مجهول أو معلوم؟ السائل: معلوم إلا أنه لا يسعني ذكر اسمه.
الشيخ: ممنوع.
السائل: لا.
يذكر اسمه إن شاء الله بعد الدرس.
الشيخ: لا.
بلغه سلامي وقل: إنه كذب عليَّ، فعليه إثم الكاذبين، وكذب في حكم شرعي فعليه إثم الحاكمين بغير الشرع، نحن صرحنا في عدة أماكن بأنه: إذا صام الست من شوال ولو بقي عليه يوم واحد من رمضان فإنه لا يثاب عليها ثواب الصائم ستاً، بل يثاب ثواب صيام فقط، على أن بعض العلماء يقول: لا يثاب ولا ثواب صيام؛ لأنه لا يمكن أن يتنفل بالصوم وعليه فريضة.
بلغه سلامي وقل له: يستغفر الله من كذبه عليَّ، وإذا شاء أن يأتي إليَّ كي يستحلني حتى ننظر كيف نعزره، ويبين لكل من قال لهم: إني أفتيت بهذا يقول: إنه كان متوهماً.(226/47)
حكم طواف الإفاضة يوم عرفة
السؤال
رجل حج خمس حجات وهو مفرد، وكل حجة يأتي يوم عرفة إلى مكة ويطوف طوافاً بنية طواف الإفاضة فما حكم فعله هذا يا شيخ؟ الشيخ: كل الحجات هذه غير صحيحة، وكلها باطلة؛ لأنه ترك طواف الإفاضة وهو ركن لا يتم الحج إلا به بالإجماع، ووقت طواف الإفاضة بعد الوقوف بـ عرفة ومزدلفة.(226/48)
إحياء الموتى ليس كرامة للأولياء
السؤال
هل من كرامات الأولياء: إحياء الموتى؟
الجواب
هذه من آيات الأنبياء، وليس كل الأنبياء أيضاً، بل لا نعرف أن الله أحيا الأموات على سبيل العموم، إلا لعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وأما كرامات الأولياء فربما تكون قضية معينة يكون الإنسان مثلاً ماتت راحلته فدعا الله أن يحييها حتى توصله البلد، أو ما أشبه ذلك، فهذا يذكر عن بعض التابعين أنه حصل له مثل هذا، وأما على سبيل العموم فلا.
انتبه! لا يكون في هذا تغرير وخداع، يأتي إنسان من الذين يدعون أنهم أولياء ويقول: أنا أحيي الموتى، كيف؟ فيعطي الشاة إبرة بنج وإذا قارب انتهاء المفعول البنج، قال: أيها الشاة احيي بإذن الله، وإذا انتهى البنج تحركت، لأنه يوجد من هؤلاء الكذبة من قد يصنع مثل هذا.(226/49)
حكم زواج التحليل وما يترتب عليه من أحكام
السؤال
رجل تزوج امرأة بنية تحليلها للزوج الأول، فما حكم رجوعها للزوج الأول؟
الجواب
أولاً نقول: إن هذا الرجل الذي تزوجها هو تيس، هل تعرف التيس؟ السائل: ذكر الماعز يا شيخ.
الشيخ: إذاً هذا يسمى التيس المستعار.
ثانياً: إذا كان الزوج الأول عالماً بذلك أو مواطئً لهذا الرجل، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لعن المحلل والمحلل له) كلاهما ملعون، مطرود عن رحمة الله.
ثالثاً: نكاح الثاني نكاح باطل، ووطئه هذه المرأة وطئ زنا.
رابعاً: هذه المرأة لا تحل للزوج الأول، لأن الله تعالى قال: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة:230] وهذا ليس زوجاً، الثاني هذا غير زوج؛ لأن عقده باطل.
وإذا كان هذا الأمر واقعاً بلغهم عني: أن الثاني ملعون والأول ملعون، إذا كان باتفاق معه، وعلى الثاني أن يتوب إلى الله عز وجل، والأول لا تحل له الزوجة، بلغهم عني وإن شاء الله تعالى أنت أمين.(226/50)
حكم من أفطر رمضان لعذر ولم يقض إلى أن دخل رمضان الثاني
السؤال
والدتي جاءها مرض في عام (1419هـ) قبل رمضان فلم تصم شهر رمضان كله، واستمر معها المرض تقريباً إلى (1420هـ) الذي هو رمضان (1420هـ) وقبله بأيام شفيت، وأعانها الله وصامت رمضان الذي عام (1420هـ) ما حكم رمضان (1419هـ) الذي ما صامته التي كانت فيه مريضه؟
الجواب
تستطيع أن تقضيها أو ما تستطيع؟ السائل: حالياً يعني يمكن وما يمكن.
الشيخ: ولو يوم وراء يوم.
السائل: إذا كانت تقدر لو ثلاثة أيام يومين إلى أن ينتهي؟ الشيخ: يلزمها أن تفعل.(226/51)
حكم سجود التلاوة في غير موضعه
السؤال
إمام في صلاة العشاء قرأ قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران:113] فسجد يا شيخ سجود تلاوة، ظناً منه أنها محل سجدة، فما حكمه؟
الجواب
هذا صلاته صحيحة؛ لأنه جاهل، فليُعلَّم ويقال: الحمد الله، المصحف الآن فيه بيان مواضع السجود احفظها.
السائل: المشكلة أنه من طلبة العلم يا شيخ، أي: أنه في جامعة من الجامعات الشيخ: والله من طلبة العلم كل إنسان عالم بكل شيء، ما أكثر ما يفوت الإنسان من العلم، لكن بلِّغه وقل له: إن هذا ليس محل سجود، وإنما السجود توقيفي، لو قلنا: إذا قرأت قول الله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:98-99] لقلنا: يسجد، مثل: {كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19] لكنه لا يسجد في (وكن من الساجدين) .
فالمهم أنك تقول له: محل السجود -والحمد الله- مبين على هوامش المصاحف فارجع إليه، وقيده في ورقة حتى لا تنسى.
السائل: هل يسجد سجود سهو؟ الشيخ: لا.
الآن قد مضت من زمان.
السائل: ما فهمت؟ الشيخ: أقول: مضت ليس ممكن أن يسجد الآن، متى هم صلوا؟ مداخلة: يقصد إذا تكرر.
الشيخ: إذا تكرر يسجد للسهو عن زيادة.(226/52)
حكم من حج وعليه دين مقسط
السؤال
رجل حج وعليه دين مقسط من غير أن يستأذن من صاحب الدين ومتأخر في بعض الأقساط ما حكم حجه يا شيخ؟
الجواب
هل عنده مال يثق من نفسه بوفائه إذا حل؟ السائل: لا يا شيخ؛ الدين مقسط.
الشيخ: أنا فاهم أنه مقسط، لكن -مثلاً- إذا قدم الدين مثل البنك العقاري الآن الدين -مثلاً- يحل في جمادى وجاء وقت الحج وعنده مال، ويعرف من نفسه أنه إذا جاء وقت القسط يوفي، فهذا لا بأس أن يحج وإن لم يستأذن من صاحب الدين، أما إذا كان لا يثق من نفسه أو كما قلت: عليه أقساط ما أوفى بها فلا يحج.
السائل: ما حكم حجه؟ الشيخ: هو يكون آثماً لكن حجه صحيح، وكيف الله سبحانه وتعالى يرخص له وهو يذهب يكلف نفسه؟!! أفلا يخشى أن يموت في طريقه إلى الحج أو بعد رجوعه؟!!(226/53)
حكم من حل من إحرامه ولم يذبح الهدي
السؤال
قالت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بال الناس حلوا ولم تحل يا رسول الله؟ قال: لبَّت رأسي وقلَّدت هديي فلم أحل حتى يبلغ الهدي محله) وقلنا: إذا قصر الإنسان رأسه أو حلق ورمى الجمرة هل حل وهو لم يذبح الهدي حتى الآن؟
الجواب
إي نعم.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا أحل حتى أنحر) لأنه ساق الهدي، أما غيره الذي ما ساق الهدي، فله أن يقدم ويؤخر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن التقديم والتأخير فلم ير في هذا بأساً.(226/54)
حكم المسح على الحجر الأسود في جميع الأشواط
السؤال
بالنسبة للذي يطوف بالبيت قلنا في الطواف الأول: يقبل الركن الأسود إن أمكن وإلا يلمسه أو يكبر، فهذا في الشوط الأول، فما الحكم في بقية الأشواط؟
الجواب
الحكم نفسه.
السائل: وإن لم يفعل، يعني: تركها قصداًَ؟ الشيخ: إن لم يفعل ليس عليه شيء؛ لأن هذا سنة، والمقصود هو الطواف.
السائل: والتكبير؟ الشيخ: التكبير والمسح والتقبيل كل هذا سنة.(226/55)
الحج دين مقدم على الوصية والإرث
السؤال
رجل توفى وله من البقر قرابة الأربعمائة وله أولاد، فتوفي وورثه أبناؤه وهم بعيدون.
الشيخ: وهل معه زوجاته؟ السائل: نعم.
الشيخ: وأمه وأبوه؟ السائل: أمه وأبوه متوفيان، فهل يجب على هؤلاء الأولاد أن يحجوا عن أبيهم؟ الشيخ: هل أدى الفريضة؟ السائل: لا.
الشيخ: الحج دين مقدم على الوصية وعلى الإرث.
السائل: وهم أيضاً لم يحجوا بعد.
الشيخ: ليس لهم من التركة شيء حتى يقضى الدين.
السائل: حتى يحجوا له.
الشيخ: نعم، حتى يقضى الدين.(226/56)
الجمع بين قراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة ويوم الجمعة
السؤال
ورد الأمر بالإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وليلة الجمعة، هل الأفضل الإكثار من قراءة القرآن، أو من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
يجمع بين هذا وهذا.(226/57)
حكم ركعتي الطواف خلف المقام
السؤال
هل ركعتي الطواف لا بد أن تكون خلف المقام أو تجوز في أي مكان؟
الجواب
خلف المقام هو الأفضل، وإن صلى في مكان آخر بعيد وهو أيسر له فهو أفضل؛ لأن المحافظة على ذات العبادة أولى من المحافظة على مكانها.(226/58)
حكم المسح على الجورب (الشراب) الخفيف
السؤال
شاب لبس جورباً (شراباً) من النوع الخفيف يبين البشرة، ومسح عليه ثلاث صلوات، وعلم أن الجورب الخفيف لا يجزئ المسح عليه، هل عليه إثم أم لا؟
الجواب
أولاً أسألك: لماذا قلت: شاب، وغير الشباب ما يفعل مثل هذا؟ السائل: يعني وقع.
الشيخ: أو بيان الواقع؟ على كل حال: المسح على الجورب الخفيف جائز؛ لأنه لا يوجد دليل على أنه لا بد ألا يصف البشرة، ولا شيء عليه.(226/59)
حكم السعي بين الصفا والمروة عرياناً
السؤال
ينص المذهب الحنبلي: على أن من سعى عرياناً يصح سعيه، أفلا يمكن أن ندخل هذا العمل في حديث رسول الله: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ؟
الجواب
إي نعم.
لكن السعي ليس له دخل في هذا الموضوع.
السائل: من العمل.
الشيخ: لا يشترط، لو يشترط ستر العورة لكان نعم، إذا طاف عرياناً يصح.
السائل: ما ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم طاف عرياناً.
الشيخ: على كل حال: هذا ليس له دخل في السعي، هذا حرام عليه، حتى لو فرض أن المسعى لا يوجد فيه أحد وأنه في ظلمة فهذا لا يجوز.
السائل: لكن الآن إذا سعى عرياناً أمام الناس هل يصح منه؟ الشيخ: هذا أحسن شيء له أن يغل ويذهب به إلى شهار، هل تعرف شهار؟ شهار هو محبس المجانين.(226/60)
حكم شراء الشيء باسم شيء آخر من أجل التخفيض
السؤال
أعمل في إحدى المكتبات التابعة لإحدى الجامعات، وبعض المطبوعات يكون لها سعرين، سعر للأشخاص والأفراد العاديين، وسعر للمؤسسات والحكومات هل يصح أن نشتري المطبوعات بالسعر الخاص للأشخاص؛ لأنه يكون أقل بكثير من أسعار المكتبات؟
الجواب
المعروف أن أسعار المكتبات أرخص؛ لأنهم يأخذون بالجملة.
السائل: بالعكس للأشخاص رخيصة جداً وللمؤسسات تكون الأسعار مرتفعة.
الشيخ: المهم على كل حال: لا يجوز أن يشترى باسم أحد الشيئين من أجل التخفيض، هذا حرام.(226/61)
حكم الجمعية التي تقام بين عدة أشخاص
السؤال
إذا اجتمع عدة أشخاص على أن يأخذ الراتب كل شهر شخص منهم، فما حكمه يا شيخ؟
الجواب
لا بأس، هذه يسمونها الجمعية، فهم يكونون -مثلاً- عشرة، فيأخذون من كل شخص ألف ريال لشخص منهم، وفي الشهر الثاني ألف ريال من كلٍ لشخص آخر، وهكذا، فهذا لا بأس به؛ لأنه من باب التعاون.(226/62)
مدى صحة الترجيحات التي في الممتع عن الشيخ ابن عثيمين
السؤال
بالنسبة لكتاب الممتع هل يؤخذ الترجيحات المنقولة عنك فيه، لأننا سمعنا بعض طلبة العلم يقول: إنها ليست ترجيحاتك؟
الجواب
لا.
التي في الممتع صحيحة عني.
السائل: صحيحة؟ الشيخ: كلها صحيحة.(226/63)
لقاء الباب المفتوح [227]
تحدث الشيخ في هذه المادة عن محظورات الإحرام التي تجب على الحاج إذا أحرم من الميقات ولبس ثوب الإحرام، ثم بين أحكامها بأن الإنسان إذا فعلها ناسياً أو جاهلاً لا شيء عليه، وإن فعلها تعمداً فيكون في بعضها فدية وبعضها قد يبطل الحج كالجماع، وكل هذا رحمة بالعبد حتى يكون حجه صحيحاً مقبولاً عند الله تعالى.(227/1)
محظورات الإحرام
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والعشرون بعد المائتين من اللقاءات المعروفة باسم لقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثامن عشر من شهر ذي القعدة عام (1420هـ) .
نفتتح هذا اللقاء بذكر محظورات الإحرام أي: الأشياء التي تمنع بسبب الإحرام، وذلك أن من حكمة الله عز وجل أنه جعل للعبادات شروطاً لا تتم إلا بها، وجعل لها موانع أي: ممنوعات تفسدها أحياناً وهو الأصل، والأصل أن الممنوعات تفسد العبادات، لكن قد لا تفسدها أحياناً لسبب.
محظورات الإحرام: هي الأشياء التي تمتنع بسبب الإحرام، فأما الأشياء العامة فإنها ليست من محظورات الإحرام، الفسوق نهى الله عنه في الحج، قال: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة:197] لكن هل هو من محظورات الإحرام، أو هو محظور على كل حال؟
الجواب
محظور على كل حال، إذاً ليس من محظورات الإحرام.(227/2)
حلق شعر الرأس
نبدأ بمحظورات الإحرام: منها: حلق شعر الرأس، فلا يحل للمحرم بحج أو عمرة أن يحلق شعر رأسه، والدليل: قول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] والتعليل: لأن شعر الرأس يتعلق به نسك، ما هو النسك؟ الحلق أو التقصير عند الفراغ من الحج أو العمرة، فلو حلق وهو محرم ما بقي محلاً للنسك، ولهذا حرم على المحرم أن يحلق شعر الرأس، فأما شعرة أو شعرتان أو ثلاث فلا يسمى حلقاً.
ولهذا لو سقط من رأس المحرم شعرة أو شعرتان أو ثلاث شعرات أو أربع فإنه لا يعتبر فاعلاً للمحظور؛ لأن هذا لا يسمى حلقاً لا في الشرع ولا في العرف.(227/3)
الجماع ومقدماته
من المحظورات: الجماع؛ لقول الله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197] (رفث) الجماع، ومقدمات الجماع مثل المباشرة، التقبيل، الضم، تكرار النظر بشهوة، كل هذا حرام في الإحرام، بل أشد من هذا: أن عقد النكاح حرام، يحرم على المحرم أن يعقد النكاح، فإن عقده فالنكاح باطل يعني: غير صحيح، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يَنكح المحرم ولا يُنكح) بل لو كان الإنسان محرماً وعقد لابنته النكاح وهي غير محرمة لرجل غير محرم فالزوجان غير محرمين لكن الولي محرم لم يصح النكاح.
إذاً: يحرم على المحرم أن يعقد النكاح لنفسه أو لغيره بولاية أو وكالة.
كذلك خطبة المحرم حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يخطب) لماذا؟ لأنه إذا خطب تعلق قلبه بمخطوبته فصده عن إتقان الحج والعمرة، وقد قال الله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح:7] .
كم محظورات: حلق الرأس، الجماع، عقد النكاح، خطبة النكاح، المباشرة، التقبيل، الضم، كل هذا حرام في الإحرام.(227/4)
استعمال الطيب
من محظورات الإحرام: الطيب.
فلا يجوز للإنسان أن يتطيب بعد عقد الإحرام، أما ما بقي من الطيب الذي تطيب به قبل عقد الإحرام فلا يضر، الدليل على تحريم الطيب على المحرم: قصة الرجل الذي وقصته راحلته وهو واقف بـ عرفة، يعني: هو على بعيره وسقط ومات، فجاءوا يستفتون النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه) أربعة أشياء: أولاً: اغسلوه بماء وسدر.
ثانياً: كفنوه في ثوبيه، يعني: في إحرامه لا تكفنوه كفناً جديداً لا، يكفن في إحرامه كما يدفن الشهيد في ثيابه التي استشهد فيها.
الثالث: لا تخمروا رأسه.
والرابع: لا تحنطوه، الحنوط: أخلاط من الطيب يوضع على جسد الميت في مواضع معروفة.
ثم قال: (فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) يخرج من قبره يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.
إذاً الطيب على المحرم حرام إذا كان بعد عقد الإحرام، أما إذا كان من الطيب الذي تطيب به قبل أن يعقد الإحرام فلا بأس به، ولا يلزمه أن يزيله، دليل هذا: قول عائشة رضي الله عنها: (كنت أرى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو محرم) (وبيص) يعني: بريقه ولمعانه.
هذا من محظورات الإحرام.(227/5)
قتل الصيد
من محظورات الإحرام: قتل الصيد.
قتل الصيد يعني: الحلال البري المتوحش، ثلاثة قيود: 1/ أن يكون برياً.
2/ وأن يكون حلالاً.
3/ وأن يكون متوحشاً طبعاً، أي: ليس من الذي يألف الناس، كالدجاج مثلاً هذا لا بأس به.
وأن يكون برياً ضده البحري، فلو فرض أن قوماً أحرموا في البحر لمحاذاة الميقات، ونزلوا يصيدون السمك فلا حرج عليهم لأنه بحري.
الثاني: الحلال، فالمحرم وإن كان برياً وصاده المحرم فلا شيء عليه.
الثالث: أن يكون متوحشاً طبعاً، يعني: أصله متوحش لا يألف، مثاله: الحمام تنطبق عليه الشروط، فإن توحش عارضاً لا طبعاً كشاة شردت وعجزوا عنها، هذه حكمها حكم الصيد، لكن بالنسبة للمحرم هي حلال؛ لأن توحشها عارض ليس بأصلي.
ثلاثة شروط: أن يكون برياً، حلالاً، متوحشاً طبعاً يعني: في الأصل، دليل ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95] أي: محرمون.
وقال تعالى في صيد البحر: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} [المائدة:96] لو قتل الصيد شخص غير محرم فهل يجوز للمحرم أن يأكله؟
الجواب
نعم يجوز، إلا إذا كان صاده لأجل المحرم فإنه لا يجوز، لحديث جابر وهو في السنن: (صيد البر حلال لكم ما لم تصيدوه أو يصد لكم) .(227/6)
لبس القميص والسراويل والعمائم والبرانس والخفاف
من محظورات الإحرام: ما بينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سئل: ما يلبس المحرم؟ يعني: ما هي الثياب التي يلبسها المحرم؟ قال: (لا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا العمائم، ولا البرانس، ولا الخفاف) خمسة أشياء، والباقي يلبسه.
القميص: هو الدرع، ثيابنا هذه التي لها أكمام تسمى قميصاً وتسمى درعاً.
السراويل: معروفة.
البرانس: لباس واسع له غطاء للرأس متصل به، يلبسه أهل المغرب.
العمائم: ما يطوى على الرأس.
الخفاف: ما يلبس على الرجل.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إلا من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين) فاستثنى هذا للحاجة إلى ذلك.
لبس النعل المخروز جائز أو غير جائز؟
الجواب
جائز لأنه ليس من هذه الممنوعات الخمسة، القميص، البرانس، العمائم، الخفاف، السراويل.
لباس الإزار المخيط جائز أو غير جائز؟ الجواب: جائز؛ لأنه إزار وليس سراويل، حتى لو خيط وصار من جنس (التنورة) فإنه جائز؛ لأنه لا زال إزاراً، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل: وعلى الإزار المخيط، قال: ولا السراويل.
لو لبس رداءً مرقعاً فيه رقع مخيطة يجوز أو لا يجوز؟ الجواب: جائز، لأنه ليس قميصاً ولا من هذه الخمسة، فاعرف ما حدده النبي صلى الله عليه وسلم واقتصر عليه.
طيب لو لبس غترة؟ الجواب: لا يجوز، لأنه لباس في الرأس كالعمامة، ولأنها تستلزم تغطية الرأس وتغطية الرأس حرام كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم للمحرم الذي مات: (لا تخمروا رأسه) .
لو لبس ساعة؟ الجواب: جائز.
لبس نظارة عين؟ الجواب: جائز.
سماعة أذن؟ جائز.
(كمر) يربطه على وسطه؟ جائز.
هو مخيط يا جماعة؟ جائز.
نعم جائز؛ لأنه ليس من الممنوعات، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعطي جوامع الكلم.
هذه المحظورات ليس فيها إثم ولا فدية إلا إذا فعلها عالماً ذاكراً مختاراً، هذه شروط ثلاثة: عالماً: ضده الجاهل، فلو أن الإنسان أبقى سراويله عليه ظناً منه أنه لا بأس به، ولبس الإزار فوقه فلا شيء عليه، لا إثم ولا كفارة.
لو نسي أن يخلعه وبقي عليه حتى انتهى النسك، أو في أثناء النسك تذكر وخلع السراويل، لا شيء عليه، لأنه ناسٍ.
لو وطئ أرنباً ما علم بها ماذا عليه؟ لا شيء عليه؛ لأنه جاهل لم يعلم بها.
لو أن رجلاً حلالاً وزوجته محرمة بعمرة وجامعها كرهاً عليها ماذا عليها؟ لا شيء عليها.
لو جامع الرجل زوجته في ليلة مزدلفة يظن أن الحج عرفة وانتهى ماذا عليه؟ لا شيء عليه.
فإذا قال قائل: أين الدليل على هذا؟ قلنا: الدليل قول الله تبارك وتعالى في الصيد: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:95] وقال تعالى في عموم المحرمات: ( {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله: قد فعلت) .
وقال في الكفر وهو أعظم الذنوب: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] فإذا كان الرجل إذا أكره على الكفر وهو أعظم الذنوب فلا شيء عليه فما دونه فلا شك أنه من باب أولى، وهذا من نعم الله عز وجل، أن يسر على العباد ولم يؤاخذهم بما أخطئوا به، ولكن ما تعمدت قلوبهم.
والعلماء الفقهاء رحمهم الله لهم في ذلك تفاصيل ليس عليها دليل، لا من القرآن ولا من السنة، ما هي إلا اجتهادات أو أخذ بعمومات مقيدة في الآيات الأخرى التي يسقط بها الإثم، والفدية والجزاء عمن كان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً.(227/7)
الأسئلة(227/8)
حكم أخذ أوراق الأشجار في الحرم وإيقادها للتدفئة
السؤال
بالنسبة للمحرم إذا كان أخذ بعض أوراق الشجر لكي يوقدها للتدفئة مثلاً إذا كان الجو بارداً، فهل يجوز له ذلك أم لا؟
الجواب
أولاً: اعلم أن قطع الشجر ليس من محظورات الإحرام، ولا له تعلق بالإحرام، قطع الشجر متعلق بالمكان فما كان داخل حدود الحرم فأخذه حرام، للمحرم وغير المحرم، وما كان خارج حدود الحرم فأخذه حلال للمحرم وغير المحرم، وعلى هذا فالأشجار التي في عرفة مثلاً لا بأس بأخذها للمحرم وغير المحرم، والتي في منى ومزدلفة حرام على المحرم وغير المحرم، إلا الأشجار التي غرسها الإنسان فهذه حلال، ولو كانت داخل حدود الحرم.
وأما قولك: أنه يأخذ الأشجار للتدفئة، فالأشجار الخضراء ما فيها تدفئة ما فيها إلا دخان يعميك.
السائل: بعض اليابسة.
الشيخ: على كل حال: اليابس ما له حرمة، خذه ولا حرج عليك.(227/9)
مشكلة التساهل بالسنن والرواتب والأسباب المؤدية لذلك
السؤال
فضيلة الشيخ: وفقكم الله يرى الإنسان المسلم من الشباب عموماً تساهلاً في أمور الدين كالسنن الرواتب وغيرها، مما يغيض قلب كل مسلم، من وجهة نظركم ما هي الأسباب لهذا التساهل، وما هو الحل وفقكم الله؟
الجواب
الأسباب لهذا التساهل هو الهوى والشيطان، قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ} [المائدة:91] فالشيطان يثبط بني آدم عن الطاعات كلها ولا سيما الصلاة، ويقاوم هذا قوة الإيمان بالله عز وجل والرغبة فيما عنده؛ لأن الإنسان إذا علم أن الحسنة بعشر أمثالها مدخرة له في يوم هو أحوج ما يكون إليها، لا مال، ولا بنون، ولا شفاعة إلا بإذن الله عز وجل، فإنه يحرص.
وإذا تأمل أنه لا بد من ملاقاة الله عز وجل كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] كلنا سنلاقي الله عز وجل ويكلمنا، فإذا آمن بهذا استعد له.
ثم هناك أيضاً أسباب لهذا التهاون: وهو كثرة المغريات في وسائل الإعلام وغير وسائل الإعلام، التي أوجبت في القلوب أن تكون قاسية والعياذ بالله.
فعلى الإنسان أن يحرص على ما ينفعه، ويستعين بالله عز وجل، ولا يكسل، وأن يسأل الله الثبات، وإذا نزغه من الشيطان نزغ بتثبيط عن واجب أو حض على محرم، فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] .(227/10)
حكم بيع الذهب عن طريق بطاقة الصرف
السؤال
ما حكم شراء الذهب من محلات بيع الذهب عن طريق بطاقة الصرف (الشبكة السعودية) حيث أن بعض المحلات يوجد بها جهاز لهذا الغرض، وهل هذا من التقابض؟
الجواب
إذا اشترى ذهباً فهل يكفي أن يعطيه بطاقة الصرف؟ نعم.
بشرط أن يكون تحويل المال من حساب المشتري إلى حساب البائع في نفس الوقت، فإذا كان كذلك فهذا قبض، أما مجرد شيك ولو كان مصدقاً فليس بقبض.
السائل: هو يأخذ من الصرافة ثم يذهب إلى البنك.
الشيخ: لا.
أنا سمعت أن هناك بطاقة يدخلها في الجهاز ثم يحوله إلى حساب الثاني، المهم إذا كان كذلك فهذا قبض، أما مجرد التحويل فليس بقبض، والدليل أنه ليس بقبض: أنه لو ضاع هذا الشيك فهل الذي قبض الشيك يرجع على صاحبه أم لا يرجع؟ السائل: نعم يرجع.
الشيخ: يرجع؟! الشيخ: شيك مصدق حولتك على بنك أو على الراجحي شيك مصدق من نفس البنك وضاع منك، هل ترجع عليه أم لا؟ السائل: يرجع.
الشيخ: عجيب! السائل: يرجع على حساب يعوض.
الشيخ: ترجع إليه أم لا؟ السائل: ترجع.
الشيخ: ترجع؟! السائل: والله على حسب معلوماتي.
الشيخ: جسناً! لو أعطيتك الثمن نقداًَ وضاع منك ترجع إلي أم لا؟ السائل: لا ما ترجع.
الشيخ: إذاً فليس الشيك قبضاً، صار تحويلاً، ولا يمكن يكون قبضاً حتى تذهب إلى البنك الذي حولت عليه ويخصم من حساب المشتري إلى حسابك.(227/11)
حكم المرور بين يدي المصلي تعمداً
السؤال
ما حكم من مر بين مصلٍ وسترته متعمداً، أو كان لضرورة؟
الجواب
لا يحل له أن يمر، لو يبقى أربعين سنة، نحن نقول له: الحمد لله ابق أربعين سنة وإذا تمت مر، هل سوف يستطيع أن يبقى أربعين سنة؟ السائل: لا.
الشيخ: لا يقدر، النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً من أن يمر بين يديه) نعم للضرورة مثل: لو اشتعلت النار في المسجد وهرب الإنسان فهذا ضرورة، حتى المصلي يجب عليه أن يهرب.(227/12)
جواز أخذ الجائزة نقداً في الإجابة على السؤال
السؤال
هل يجوز أخذ مبلغ من المال مقابل الإجابة عن سؤال، بحيث يلقي السؤال على مجموعة من الطلاب والذي يجيب إجابة صحيحة يأخذ هذا المبلغ من المال؟
الجواب
يقول: لو ألقى شخص سؤالاً على جماعة وقال: من أجاب إجابة صحيحة فله ألف ريال، هل يجوز لمن أجاب إجابة صحيحة أن يأخذ ألف ريال؟ نقول: نعم، يجوز لأن هذه جائزة، وليست رهاناً.(227/13)
كيفية معالجة مواقع الشر في الإنترنت
السؤال
هجم علينا أسد كاسر هذا الزمن، بأسه شديد، وبطشه أشد، ألا وهو شبكة الإنترنت التي انتشرت بين الشباب وانتشرت المقاهي في كل مكان، واللافت للنظر أن معظم الذين يذهبون للمقاهي هم هؤلاء الشباب، فأي آفة هذه أفتونا؟
الجواب
ماذا يحصل من هذا الإنترنت؟ السائل: فيها أشياء.
الشيخ: فيها خير وفيها شر، أليس كذلك؟ السائل: بلى.
الشيخ: لكن أيهما أغلب الشر أو الخير؟ أما أهل الخير فلا يرجعون إلى الشر، وأما أهل الفسق والشر فهم يرجعون ويجدون بغيتهم، ولهذا يجب أن يكون لها ضوابط، ضوابط تحبس هذا الشر وتبقي الخير، وهذا لا يكون إلا من جهات عليا يمكنها أن تمنع أو لا تمنع.(227/14)
حكم مقولة: (تباركت علينا)
السؤال
أصبح عندنا مقولة: (تباركت علينا يا فلان) فإذا كانت لا تجوز فكيف التوفيق مع قول أسيد بن حضير: [ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر] ؟
الجواب
يقولون: أن كلمة (تبارك) خاصة بالله عز وجل، وأما (نزلت فينا البركة حين نزلت) أو ما أشبه ذلك فلا بأس بها، لكن (تبارك) بهذه الصيغة يقولون: إنها خاصة بالله، والعوام لا يقصدون المعنى الخاص بالله أبداً، وإنما يقصدون بقولهم: (تباركت علينا) أنه حصل في مجيئك بركة وخير.
ثم هذه البركة إن كانت بركة صوفية بمعنى: أن البركة في شخصه فقط، فهذه حرام، وإن كانت البركة أنه أسدى إليهم علماً بأن جلس وعلمهم مثلاً، أو نفعهم بمال، فهذا حق، وإن لم ينفعهم فهو كذب لا يجوز.(227/15)
حكم صلاة الظهر في المدرسة مع وجود طلاب يصلون بغير وضوء
السؤال
تقام صلاة الظهر أحياناً في بعض المدارس، وأحياناً يعلم أن بعض الطلاب يصلون بلا وضوء، فهل الأفضل ترك المجال لمن أراد أن يصلي في المدرسة يصلي، ومن أراد أن يصلي في بيته يصلي؟
الجواب
إذا لم يكن في المدرسة مواضئ تكفي فنعم، أعطوا الطلاب الحرية، وكل إنسان على نفسه بصيرة، أما إذا كان فيه محلات تكفي فالطلاب لا بد أن يصلوا، لأنه ما له عذر.
السائل: لكن الطلاب أحياناً يصلون متعمدين بلا وضوء.
الشيخ: لا.
هؤلاء يؤدبون، وينبغي أن يؤدبوا أدباً بين الطلاب، بالإيقاف، أو بخصم درجات من حسن السيرة والسلوك، أو ما أشبه ذلك.
السائل: يا شيخ! أحياناً ما يعلم نفس الطالب لكن يعلم أن هناك طلاباً يفعلون ذلك.
الشيخ: أنت قلت الآن: يعلم.
السائل: يعلم يعني: الكل لكن بالتفصيل لا يعلم ذلك.
الشيخ: ما تقدر تعلم بالكل، ما يدريك؟ السائل: من جهة الطلاب يخبروني أن كثيراً منهم.
الشيخ: ما يخالف إذا أخبرك ووثقت بخبره في اليوم الثاني أعلن مخالفة هذا الطالب.(227/16)
وجوب إخراج زكاة الحلي إذا بلغ النصاب
السؤال
هل المرأة تزكي في الذهب الذي في يدها؟
الجواب
نعم، الذهب الحلي الذي على المرأة تجب فيه الزكاة إذا بلغ النصاب، والنصاب خمسة وثمانون جراماً، فلما يبلغ هذا الحد وجب عليها أن تزكي، إن كان لديها مال أخرجت من مالها، وإن لم يكن لديها مال وأخرج عنها زوجها أو أبوها أو ابنها حصل المطلوب، وإلا تبيع من الذهب بقدر الزكاة وتزكي.
قد يقول قائل: إذا قلتم هكذا وصارت تبيع كل سنة من ذهبها انتهى.
نقول: ما يمكن ينتهي أبداً، لأنه إذا نقص على النصاب انتهت الزكاة، فلابد أن يبقى عندها شيء.(227/17)
لزوم طاعة ولي الأمر في عدم القنوت في الصلوات للمجاهدين في الشيشان
السؤال
تعلم وسبق أن اطلعت على نداء الإخوان المجاهدين في الشيشان بمناشدة القنوت من المسلمين في العالم الإسلامي، وتعلم أيضاً -يا شيخ- أنه قد تم منع ذلك إلا بإذن ولي الأمر، فما هو الواجب تجاه هذا النداء وهم يناشدون المسلمين بالدعاء والتعارض مع هذا المنع، فما هو الجواب على ذلك جزاك الله خيراً؟
الجواب
حسناً، من الذي تجب عليك طاعته، أولي أمرك، أم أناس آخرون؟ السائل: ولي الأمر.
الشيخ: حسناً، إذاً: ما يحتاج إلى سؤال، ما دام ولي الأمر قال: لا.
إلا بإذن؛ الحمد لله، ثم هل الأبواب سدت إلا باب القنوت أعني في الدعاء؟ السائل: لا.
الشيخ: لا.
تدعو الله لهم في السجود، بعد التشهد، في آخر الليل، بين الآذان والإقامة، الأبواب مفتوحة والحمد الله.
السائل نفسه: لكن في دعاء القنوت هذا يحيي أنفس الناس وواقع المسلمين هناك وكذا.
الشيخ: إيه نعم.
لكن ما دام لنا ولي أمر وقال: لا.
فنقول: الحمد لله، سمعاً وطاعة لله ما هو لولي الأمر، لأننا مأمورون بأمر الله أن نطيع ولاة أمورنا إلا في المعصية، وترك القنوت لهم ليس بمعصية، هذا أمر.
ثانياً: ألم تعلم أن فقهاء الحنابلة يقولون: إن القنوت للإمام الأعظم فقط.
غيره من الناس ما يقنتون، ومن الإمام الأعظم عندنا؟ السائل: الملك.
الشيخ: الملك فهد بن عبد العزيز فقط، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قنت حين قتل القرَّاء ولم يأمر أحداً بالقنوت في مساجد المدينة، ولا علمنا أن أحداً من مساجد المدينة قنت، إذاً فالقنوت لولي الأمر الذي له السلطة على كل المسلمين.
ثم إن الإمام الأعظم في وقتنا لا يوجد إمام أعظم لماذا؟ الإمام الأعظم هو الذي له السلطة على كل المسلمين، وهذا قد انقرض من زمان.
يقولون: الإمام الأعظم، ويستدلون بأنه لم يقنت إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا من جهة الأثر، من جهة النظر: الإمام الأعظم هو المسئول عن المسلمين عموماً، أما الأفراد لا.
وأنا أقصد أن بعض الناس الآن يستنكر لماذا لا نقنت؟ والله! ندعو لهم حتى في الفريضة، وفي يوم الجمعة في الخطبة وهو وقت إجابة، ونسأل الله أن يفرج عنهم، لكن لا ينبغي أن يجعل هذا ناقوساً يدق به في لوم الحكومة ولوم الناس؛ لأنه الحمد لله الدعاء في الخطبة، الدعاء في السجود، في كل مكان.
سمعت عن بعضهم أنهم قالوا: لما كان الناس يقنتون لنا في رمضان، كنا أشداء وأقوياء، قنوت الناس في رمضان هل هو في الفرائض؟ في قنوت الوتر المشروع.
ثانياً: من الناحية الحسية، هم في رمضان أقوى من اليوم، في رمضان عندهم قوة في الجسد وعندهم مال وعندهم ذخائر وفي عاصمتهم، فلابد أن يكونوا أقوى من الآن، الآن هم مجردون من السلاح إلا القليل، وأنا سألت من له صلة بهم: لماذا خرجتم من العاصمة؟ قال: نفذت الذخيرة، يعني: يمسكون الروس كمسك العصافير ما يقع، وهذا الانحياز إلى المأمن قد جرى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في قصة خالد بن الوليد، وفي قصة عمر لما قال: [يا سارية الجبل] فنحن انحزنا إلى هذه الجبال لئلا نقتل؛ لأنه ما معنا شيء ندافع به، فكان انحيازهم والحمد لله نصراً وتجاوزهم الأطواق الثلاثة التي طوقت الروس قاتلها الله العاصمة قروزني صار ما صار.
فأنا أرجو من إخواني المسلمين أن يساعدوهم بالدعاء في مواطن الإجابة، ومن الخطباء أن يدعوا لهم في الخطب، وكذلك أيضاً في التبرع بالمال، إذا كان الذي يحمله يداً أمينة توصله إياهم.
السائل: بعض المساجد ما وصلهم البيان التعميمي هذا، فهم يقنتون، هل يجوز لهم ذلك؟ الشيخ: لا.
السائل: وإن لم يصلهم، وإن لم يعلموا بذلك؟ الشيخ: يمكن يكونوا معذورين بالجهل لكن يعلمون؛ لأن كون بعض الناس يقنت وبعض الناس لا يقنت هذا مشكلة، سيقول الناس: هؤلاء الذين لا يقنتون لا يحبون انتصار المسلمين ويتهمونهم، مع أن الذين لا يقنتون تركوا القنوت تقرباً إلى الله عز وجل؛ لأن الله أمرهم أن يطيعوا ولاة أمورهم، وهذه مسألة يغفل عنها كثير من الناس المتحمسين، مع أنه خلاف هدي الصحابة.
أنس بن مالك رضي الله عنه وغيره من الصحابة لما كان الأمراء في الحج يخالفون السنة النبوية في بعض الأشياء كانوا يبينون السنة النبوية ويقول: افعل ما يفعل أمراؤك.
لكي لا يحصل خلاف، فمثلاً: في الحج السنة أن الناس في اليوم الثامن يصلون الظهر في منى بعض الأمراء يتخلف ما يصلي إلا في مكة فيقول الصحابة: افعل ما يفعله أمراؤك.
ويبينون السنة، وهذا دليل على أن مسألة المخالفة ما هي هينة.(227/18)
ضرورة معاهدة ومراجعة القرآن الكريم
السؤال
نحن طلبة تحفيظ القرآن الكريم، وفي ختام دراستنا نتخرج وقد حفظنا القرآن الكريم، ولكن نكون قد نسينا أغلب ما حفظنا، فهل نحن آثمون بذلك؟ وما هو الحل الأمثل للحفاظ على هذه الثروة الكبيرة؟
الجواب
بارك الله فيكم، الحل الأمثل ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) فالدواء أن يردده الإنسان كثيراً، ويخصص الأماكن التي نسيها بزيادة تكرار، أما كونه يحفظ وينسى ما سبق هذا غلط.(227/19)
حكم الجوائز التي تجعلها الشركات في البضاعة
السؤال
بعض الشركات تعمل مهرجان في بعض البضاعة عندهم، تشتري بضاعة والأخرى مجاناً هل يجوز هذا؟ الشيخ: يعني تعطي جوائز؟ السائل: تشتري نفس البضاعة والثانية مجاناً نفسها بالضبط، والمحلات الثانية ما تعمل يعني: تكسد سوقهم.
الشيخ: يعني: تعطي جوائز، أسألك: يعني: يشتري مثلاً قلماً وتعطيه قلماً آخر السائل: مجاناً.
الشيخ: إذاً مكافئة أو لا؟ السائل: نعم.
الشيخ: إذا باعت القلم بعشرة وأعطت الثاني مجاناً صار الاثنان بعشرة كم قيمة الواحد؟ السائل: تقريباً ديناراً.
الشيخ: خله نقول: عشرة، لا نقول: ريالاً ولا ديناراً ولا شيئاً.
السائل: نعم.
الشيخ: قيمة القلم خمسة فهمت.
السائل: نعم.
الشيخ: أعطته هذه الشركة قلماً آخر قيمته خمسة، كم صار قيمة القلم الواحد؟ السائل: عشرة.
الشيخ: لا.
ريالين ونصف، اثنين ونصف، التبس عليك الأمر.
السائل: نعم يا شيخ.
الشيخ: طيب أعطته هذا القلم بعشرة وقيمته عشرة، أعطته قلماً مثله بعشرة كم صار قيمة الاثنين؟ السائل: خمسة دنانير.
الشيخ: عشرة كل واحد بخمسة، عرفت فهمت الآن أو ما فهمت؟ السائل: فهمت.
الشيخ: طيب أنت تقول: إذا عملت هذا العمل كسبت السوق على الآخرين؛ لأن الناس يبيعون القلم الواحد بعشرة وهذه باعت اثنين بعشرة، وهذا يضر الأسواق، بعض العلماء يقول: لا بأس لينزل ما شاء؛ لأنه لم يذهب إلى شخص وقف عنده الزبون يريد يشتري يقول: تعال سوف أعطيك أرخص منه، هذا مفتوح، وإذا نزل السعر إلى النصف فلينزل الآخرون السعر إلى النصف ما منعوا.
وبعض العلماء يقول: لا.
لابد أن الناس يكونون سواء أو متقاربين؛ لئلا يفسد بعضهم على بعض، ولئلا تحصل العداوة والبغضاء بين الناس.
والمرجع في هذا فيما أرى ما دامت المسألة خلافية بين علماء الفقه فيرجع في هذا إلى ولي الأمر، الأمير أو المحافظ وليقدر ما شاء.
أما لو كانت المسألة الهدية منقطعة يعني: في أول بيعة فقط معناه: ما صار شيء، لأن بعض الناس يجعل هدية في أول بيعة ولما الناس توجهوا إليه وقف الجائزة، هذه إن شاء الله ما فيها شيء.
السائل: طيب يا شيخ إذا اشترى البضاعة تدخل السحب.
الشيخ: نعم.
السائل: اشتري البضاعة هذه ويدخل السحب، على جائزة سيارة.
الشيخ: سهم؟ السائل والحضور: سحب سحب.
الشيخ: ما فيه بأس إذا كانت القيمة هي القيمة، وأنت شاري السلعة لغرض، يعني مثل: محطة البنزين الآن، السعر واحد، وأنت أتيت تشتري بنزيناً لابد تشتري، فلا حرج إذا جاءتك جائزة سيارة فالحمد لله؛ لأنك أنت الآن إما سالم أو غانم فلا يدخل في الميسر.(227/20)
الحلول المعالجة لداء التعالم
السؤال
من المعلوم أن مقاصد الشريعة الكلية تزكية النفوس، ولكن نرى بين أوساط الشباب وخاصة ما يطلق عليهم الدعاة إلى الله يعني: الموجهين للناس، يتعلم العلم الشرعي لا لتزكية النفس، وإنما ليماري به السفهاء، ويجاري به العلماء.
الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون.
السائل: فتكثر وتتغلغل الفتن بكل سهولة بين أوساط الشباب يا شيخ! فالتفرقة واقعة، وأهل الدين الذين يريدون النصر لدين الله والعلو له، يتذمرون من هذا الشيء، فما هو الحل الجذري لهذه المشكلة، إن الناس عندما تتأمل الواقع لا ترى فيها ديناً وإنما أي فتنة تتخللهم وتتغلغل فيهم، فما هو الواقع السليم الذي يجب أن يطبق حتى ترتفع هذه الظاهرة؟
الجواب
الواقع السليم تقوى الله عز وجل، الذي يرفع هذا الأمر هو تقوى الله عز وجل، وأن يعلم المفتي أنه أجرؤ الناس على النار، كما جاء في الأثر: [أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار] .
وليعلم المفتي أنه يتكلم عن الله عز وجل، فليحذر أن يقول على الله ما لا يعلم، لكن المشكل كما تفضلت: أن بعض الناس يريد أن يجاري العلماء، ويماري السفهاء، ويجعل لنفسه منصباً، وكما يقول العوام: (خالف تذكر) وهذه مشكلة، هذا عمله حابط وما تجر فتواه من مخالفة الشريعة فإثمه عليه.
والحمد لله -يا أخي- أنت في سعة في حِلَّ، كان الصحابة يتدافعون الإفتاء حتى ترجع المسألة إلى الأول، وما بالنا نتعجل السيادة، إن أراد الله أن تكون إماماً للمسلمين أو للمتقين سيحصل لك، لكن ثق بأنك لن تكون إماماً للمتقين وأنت تقول على الله ما لا تعلم، أو تسلك بنيات الطريق لتذكر، ويقال: قال فلان قال فلان.
فما أرى حلاً لهذا إلا تقوى الله عز وجل، ويعلم الإنسان أن أي كلمة تصدر منه فهي مكتوبة، وأي كلمة يكون بها ضرر الناس فهو مسئول عنها وعليه إثمها وإثم من اتبعها.
السائل: نتيجة هذا الأمر يا شيخ! أن هناك في بعض الإخوان والجماعات الدعوية لا يوجد لديهم كفاية من العلم وكذا تجد منهم التحمس الزائد عن حده الذي يفسد الأمر من أصله، وبعضهم مقصر جداً، وكل ذلك ناتج عن بعض الموجهين أو التمسك بفتاوى من غير أمر يقتضي هذا التمسك، تأتي فتوى على عاتقها فتتمسك بها هذه الجماعات وأخرى تنبذها وهكذا يا شيخ! فما هو الحل؟ الشيخ: كما قلت لك يا أخي! الحل التقوى.
السائل: من الناحية العلمية يا شيخ.
الشيخ: حتى من الناحية العلمية، أما من ناحية الشباب الذين لا يتصدرون لهذا نقول: احذروا أنصاف العلماء، قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه: الفتوى الحموية يقال: ما أفسد الدنيا والدين إلا نصف متكلم ونصف فقيه ونصف نحوي ونصف طبيب.
فنصف المتكلم أفسد الأديان، ونصف الفقيه أفسد البلدان، ونصف النحوي أفسد اللسان، ونصف الطبيب أهلك الأبدان، وهذا صحيح يجب أن يحذر من هؤلاء ويحذر منهم أيضاً ويقال: الحمد الله عندكم علماء راسخون اسألوهم.
ولهذا قال بعض السلف: [إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم] .
ثم إن بعض المتحمسين لو فكرت في أحوالهم لوجدت عندهم تقصيراً كثيراً في أمور كثيرة، وكم من نساء الآن يبكين ندماً حين تزوجن ملتزمين ووجدن أنهم من أسوأ الناس معاملة لزوجاتهم، مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) يحتج هذا المسكين يقول: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن النساء عوان عندكم) والعواني: جمع عانية وهي الأسيرة، ولكن يقال: الرسول قال هذا حثاً على الرفق بهن، لا فتحاً لأبواب الاسترقاق لهن.
إلى الله المشتكى يا إخوة! الله المستعان.(227/21)
حكم مشاهدة المباريات الرياضية
السؤال
ما حكم مشاهدة المباريات الرياضية؟
الجواب
لماذا تشاهد المباريات الرياضية؟ ما الفائدة منها؟ ما تستفيد منها إلا إضاعة الوقت، وصرف المال، ودمار العين، وحب من لا يستحق أن يُحب، وتعظيم من أمرنا بالغلظة عليه، يوجد من يجيد هذه اللعبة كافر متمرد فيقع في قلوب الهواة لهذه الرياضة تعظيم هذا الرجل ومحبته.
إذاً: يا أخي! أبعد عنها، اربأ بنفسك أن تشاهدها، وماذا جلبت الألعاب الرياضية على الناس؟ ما جلبت إلا التلهي بها، وإضاعة كثير من الأمور المهمة، وصرف الأبناء عن آبائهم، مع أن آباءهم قد يحتاجون إليهم في تجارة أو زراعة أو سفر أو ما أشبه ذلك.
وقد ذكر لي: أن هذه من دسائس اليهود التي يسمونها (برتوكولات صهيون) فالله أعلم هل هي منهم أو من غيرهم؟ المهم أنها ما جلبت للإنسان نفعاً، بل هي إلى الضرر أكثر.(227/22)
وجوب الخروج من البيت الذي فيه معاصٍ بعد الإنكار عليهم
السؤال
عند زيارة بعض الأقارب وعندما يفتحون التلفاز في المجلس تأتي بعض الأحيان الموسيقى وبعض المعاصي الأخرى، فهل يخرج المرء على الفور إذا أنكر ولم يسمع لإنكاره، أو لم يستطع المرء الإنكار؟ وكيف تكون صلة هؤلاء ومن عندهم المعاصي أتكون بالهاتف فقط، أم يسكت عنها -أي: عن المعاصي- مع الدعوة والتأليف؟
الجواب
هذا يسأل يقول: إذا زرت أقاربي وصار عندهم شيء محرم مشاهداً في التلفاز أو مسموعاً بالإذاعة، فهل يجوز أن أبقى أو لا؟ أقول: إذا كان يمكن أن تبقى وتنصحهم فافعل، وإذا كان لا يمكن ولو تكلمت لم يسمع فاخرج بعد أن تقول: إما أن تغلقوا هذا، أو أخرج؟ ولكن لا تترك صلتهم ولو كانوا على معصية؛ لأن الأقارب لهم حق ولو كانوا عصاة، وأنت لا تحضر المعصية.
السائل: على هذا لأنه بعض البيوت يكون فيها التلفاز والمذياع في بعض الأحيان يعمل أربعة وعشرين ساعة يعني: على طول اليوم الشيخ: إيه: لكن إذا حضرت وقلت: يا إخواني! هذا حرام عليكم ولا يجوز وأبقوه، فقلت لهم: إما أن تغلقوه وإما أن أخرج، ما أظنهم يقولون: اخرج، سيغلقونه حياءً وخجلاً، فإن كانوا متمردين وأبقوه فاخرج، لأن الله تعالى قال: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:140] .(227/23)
حكم ترك الجماعة الثانية لأجل الالتحاق بالجماعة الأولى
السؤال
مجموعة من الأشخاص دخلوا المسجد فوجدوا الجماعة قد فاتتهم، والإمام يسلم صلوا جماعة ثانية، وأثناء ذلك تذكر إمام الجماعة الأولى أنه لم يأت بركعة حيث صلى الظهر ثلاثاً فقام ليأتي بها فتردد إمام الجماعة الثانية، هل يقطع الصلاة ويدخل مع الجماعة الأولى، أو يستمر في الصلاة، وركع الإمام وسجد وسلم وهذا لا زال متردداً هل يقطع الصلاة أو لا، ثم قطع صلاته لتردده في النية وصلى من جديد هو وجماعته، سؤالي: هل يلزمهم قطع صلاته والدخول مع الجماعة الأولى؟
الجواب
أرى أن يقطع صلاته ويدخل في الجماعة الأولى، وهذه مسألة نادرة الوقوع يعني: تحتاج أن تكتب في التأليف الجديد في الفقه، لأنه ما مرت عليَّ في كلام الفقهاء السابقين ولكنا لم ندرك كل شيء، لكنها مسألة نادرة، فنقول: هؤلاء الأفضل أن يقطعوا صلاتهم ويدخلوا مع الإمام؛ لأنهم ينالون بذلك كثرة الجمع، وينالون الجماعة الأم التي فيها فضل سبع وعشرين درجة؛ لأن جماعتهم الثانية ما لها سبع وعشرون درجة، لكنها أفضل من الانفراد، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) فهم لا يدركون سبعاً وعشرين درجة لكنهم أفضل مما لو ما صلوا فرادى.
فأقول: الأفضل في هذه الحال أن يقطعوا صلاتهم وأن يدخلوا مع الإمام ليدركوا الركعة وإذا سلم أتوا بما بقي.
أما هذا الذي تردد فصلاته لا تبطل بالتردد؛ لأنه لم يتردد في الدخول إنما تردد في القطع، والتردد في القطع لا يضر حتى يقطع، أما التردد في الدخول نعم يمنع الدخول، فانتبه لهذه القاعدة: التردد في الدخول يمنع الدخول، والتردد في القطع لا يقطع، لماذا؟ لأن الأصل في الأول عدم الدخول، ما دمت متردداً لا تدخل، وفي الثانية الأصل عدم القطع فاستمر حتى تقطع.
ولهذا: لو أن الصائم عزم أن يأكل أو يشرب، ولكن لم يأكل ولم يشرب يبطل صيامه أو لا يبطل؟ لا يبطل.
المصلي عزم أن يقطع صلاته لوعد نسيه ولكنه لم يقطعها؟ ما تبطل صلاته حتى يقطعها بالفعل، حتى يعزم على الخروج منها، فانتبه لهذه الفائدة: التردد في القطع ليس كالقطع، والتردد في الدخول ليس دخولاً.(227/24)
تخيير المسبوق في الالتحاق بالإمام وعدمه إذا كان الإمام نسي ركعة ثم أتمها
السائل نفسه: تابع للسؤال يا شيخ: بعض المسبوقين قام ليكمل ما فاته وذلك بالجماعة الأولى فهل يلزمهم متابعة الإمام حينما قام ليأتي بالركعة الناقصة، أم له أن يستمر في صلاته، أو ما حكم صلاة من لم يتابع الإمام من المسبوقين؟ الشيخ: هذا سؤال ثانٍ لا نجيب عليه إلا إذا سمح الإخوة، تسمحون؟ الحاضرون: نسمح يا شيخ! الشيخ: يعني يقول: هذا الرجل الذي نسي ركعة سلم من ثلاث قام المسبوقون الذين فاتهم شيء من الصلاة ليقضوا ما فاتهم، فهل إذا تذكر الإمام وقام يلزمهم أن يرجعوا معه، أو يستمرون في قضاء صلاتهم؟
الجواب
هم مخيرون إن شاءوا رجعوا مع الإمام، وإن شاءوا استمروا في صلاتهم.(227/25)
حكم وجود التلفاز في المنزل
السؤال
ما حكم وجود جهاز التلفاز في المنزل؟
الجواب
والله! أما الإنسان الذي يقتني التلفاز لمشاهدة ما ينفع فلا حرج عليه، وهذا لا يكون إلا في شخص يملك التصرف في هذا التلفاز تماماً، بألا يكون في البيت إلا هو، أو من كان مثله ممن يتحاشى المحرم، وأما إذا كان يقتني التلفاز ليشاهد ما هب ودب فليَحْذَرْ اقتناءه.(227/26)
وجوب الاستمرار في اعتبار الحيض حتى تطهر وإن تخلله طهر يسير
السؤال
امرأة أجرت عملية اللولب وكانت عادتها قبل العملية سبعة أيام، وبعد العملية زادت دورتها إلى عشرة أيام، مع العلم أنها في اليوم السابع يقلُّ خروج الدم، وفي الثامن والتاسع يشتد خروج الدم، ثم انقطع بعد العاشر؟
الجواب
تستمر حتى تطهر.
السائل: تكون من دورتها؟ الشيخ: لأن هذا اللولب يغير العادة؛ لأنه يضيق مخارج الدم، ويكون الدم مترسلاً فتطول المدة.(227/27)
الوسائل لها أحكام المقاصد
السؤال
إذا كان متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم أحد شرطي قبول العمل، ونعلم أن الأعمال المتعدية النفع ليست توقيفية على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ما هو فقه هذه المسألة حيث نرى كثيراً من الناس في دعوتهم يتخلل مواعظه بالمزاح الكثير، والدخول فيما لا يعنيه من سياسة أو غير ذلك، فما فقه هذه المسألة الصحيحة؟
الجواب
الوسائل لها أحكام المقاصد، والوسائل لا تنحصر، قد تكون وسيلة اليوم وغير وسيلة في اليوم الثاني، أما العبادات الثابتة فهذه لا يجوز فيها التغيير، لا في زيادة ولا نقص، مثلاً الآن في وسيلة لإيصال خطبة الجمعة إلى المسجد ولو كان كبيراً ما هو؟ مكبر الصوت، نقول: هذا طيب ومفيد، أو وسيلة الخطوط التي في فراش المسجد هذه أيضاً طيبة، لأنها وسيلة إلى ماذا؟ إلى تسوية الصفوف، وكم كنا نعاني في الأول قبلها من تسوية الصفوف، الآن والحمد لله صارت وسيلة إلى هذا الأمر المطلوب، والأمثلة على هذا كثيرة.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(227/28)
لقاء الباب المفتوح [228]
الأضحية سنة مؤكدة، وهي عبادة وقربة، ولها شروط مخصوصة، وفي هذا اللقاء بيان لفضل الأضحية، ووقتها، وأيام التشريق، وفضل عشر ذي الحجة، وما يسن للمضحي فيها.
بالإضافة إلى ذلك تشتمل هذه المادة على فقرة للأسئلة وإجابات الشيخ عليها.(228/1)
مشروعية الأضحية وشروطها
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والعشرون بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس في كل أسبوع، وهذا الخميس هو الخامس والعشرون من شهر ذي القعدة عام (1420هـ) نتكلم فيه عما يناسب هذا الوقت وهو الأضحية.(228/2)
تعريف الأضحية وأيامها
الأضحية هي: التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي أيام النحر، وهي أربعة: يوم العيد، وثلاثة أيام من بعده، وهي سنة مؤكدة، حتى أن بعض العلماء قال بوجوبها، وأن من تركها مع القدرة عليها فهو آثم، وهي من شعائر الدين التي شرعها الله عز وجل لعباده في الأقطار التي ليس فيها هدي.
وذلك أن المسلمين يتقربون إلى الله تعالى في هذه الأيام بالهدي إن كانوا حجاجاً، وبالأضاحي إن لم يكونوا حجاجاً، فمن حكمة الله عز وجل أن تكون الأرض معمورة للتقرب إلى الله بالذبح إما هدياً وهذا بالنسبة للحجاج، وإما أضاحٍ وهذا بالنسبة لغير الحجاج.(228/3)
الأضحية عبادة وقربة
الأضحية سنة مؤكدة ولكن نظراً لأنها قربة صار لابد فيها من شروط، إذ لو كان المراد مجرد اللحم لجازت بكل شيء، حتى بالدجاج والضباء والأرانب والصغار والكبار، لو كان المراد مجرد اللحم، لكن المراد التقرب إلى الله تعالى بالذبح، الذي قرنه الله بالصلاة في قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] ، وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:162-163] وبذلك نعرف قصور من ظنوا أن المراد بالأضحية الانتفاع بلحمها، فإن هذا ظن قاصر صادر عن جهل، فالمراد هو التقرب إلى الله تعالى بالذبح، واذكر قول الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] وإنما نبهت على هذا لأن بعض إخواننا العطوفين الرءوفين صار يرسل الدراهم إلى البلاد الفقيرة الإسلامية، ليضحى بها هناك، وهذا من جهله وتقصيره وقصوره أيضاً، لأن الأضحية يقصد بها التقرب إلى الله بالذبح وإذا ذبحتها فأدها إلى من شئت إلى بلادك أو خارج بلادك، أما قبل الذبح فلا، لا تذبح إلا في بلدك والأفضل في بيتك ليشاهد ذلك الأهل ويعرفوا هذه الشعيرة العظيمة، أما إرسال الدراهم ليضحى بها هناك ففيه تفويت مصالح وفيه التعرض للمخاطر، أما المصالح التي تفوت فهي ظهور هذه الشعيرة العظيمة لأنه ربما على طول السنين تنسى هذه وتكون دراهم تبعث إلى البلاد الإسلامية وكذا، وتبقى البلاد الإسلامية خالية عن هذه الشعيرة العظيمة، ويفوت بها أيضاً أن الإنسان مأمور أن يذبح بيده ويذكر اسم الله عليها، وهذا يفوت.
قال العلماء: وإذا كان لا يحسن الذبح فليوكل وليشهد الذبح ويسمي الذابح.
ويفوت من المصالح أيضاً: أن الإنسان لا يأكل منها وقد أمر الله بالأكل منها وقدمه على إطعام الفقير فقال: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] وقد قال كثير من العلماء: إن الأكل من الأضحية واجب لأن الله أمر به وقدمه على إطعام الفقير، فكما أن إطعام الفقير واجب من الأضحية فالأكل منها واجب، وهذا قول له حظ من النظر.
أما ما يخشى من المخاطر فهو أن هذه الدراهم قد تقع في يد أناس لا يعرفون الشروط فيضحون بالصغير والكبير، والسليم والمعيب، وربما تكثر الضحايا في المنطقة فلا توجد المواشي، قد تكون الدراهم التي وصلت ليضحى بها تبلغ خمسة آلاف ستة آلاف، والقرية ليس فيها ذلك العدد من المواشي، فتبقى متعطلة، وقد يكون المنفذون للذبح قليلين والضحايا كثيرة، فيعجزون عن التضحية في أيام الأضاحي فتخرج الأيام وهم لم يضحوا، فالمخاطر كثيرة، لذلك نقول لإخواننا المسلمين عموماً: إياكم أن ترسلوا بالدراهم ليضحى بها في أي بلاد كانت ضحوا ببلادكم وأطعموا وأرسلوا إن شئتم.
ثم إخواننا هناك ماذا تغني عنهم نتفة لحم، يأكلونها يوماً أو يومين، ألا يكون من الأفضل أن ترسل إليهم الدراهم يشترون بها القمح والثياب والفرش وغيرها، أو ترسل إليهم أطعمة أو خياماً أو تحفر لهم الآبار هذا هو الذي ينبغي، أما أن نفسد هذا النسك العظيم ونخرجه من بلادنا إلى بلاد أخرى فليس ذلك من الشريعة ولا من المستحب بل ينبغي التحذير منه والحذر منه.(228/4)
شروط الأضحية
الأضحية عبادة يتقرب بها إلى الله ولهذا لابد فيها من شروط: - الشرط الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم (الضأن والمعز) فإن ضحى بغيرها ولو أكثر منها قيمة لم تقبل، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .
- الشرط الثاني: أن تبلغ السن المعتبر شرعاً، وهو في الإبل خمس سنوات، وفي البقر سنتان، وفي المعز سنة، وفي الضأن ستة أشهر، فما دون ذلك لا يضحى به ولو ضحي به لم يجزئ، ما دون هذا السن لا يضحى به ولو ضحي به لم يقبل، ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة -أي: ثنية- إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) والجذعة من الضأن ما له ستة أشهر.
- الشرط الثالث: أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء، وأصلها قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا مخ فيها) هذه أصول العيوب التي تمنع من الإجزاء، والحديث نص فيها، أربع لا تجوز في الأضاحي، ما عدا ذلك من العيوب إن كان مثلها أي مثل هذه العيوب أو أولى منها فإنه لا تجزئ التضحية بما تعيَّب بها، وإن كانت دون ذلك أجزأت، لكن كلما كانت الضحية أكمل فهي أفضل.
وعليه: لو ضحى بمكسورة القرن كله أو أكثره فالأضحية مجزئة، أو بمقطوعة الأذن فالأضحية مجزئة، أو بعوراء لا تبصر بعينها لكن عورها ليس ببين، يعني: من رآها لا يظن بأنها عوراء، أو بعرجاء لكن ليس عرجها بيناً، أو بهزيلة قليلة اللحم والشحم لكن فيها مخ أجزأت، كل هذه تجزئ لأنها ليست من العيوب المنصوص عليها ولا بمعنى العيوب المنصوص عليها.
- الشرط الرابع: أن تكون في الوقت الذي يضحى به، فإن ضحى قبل دخول الوقت فهي شاة لحم، وإن ضحى بعد الوقت فهي شاة لحم، إلا لعذر، كالنسيان وضياع البهيمة فلم يجدها إلا بعد فوات أيام النحر فإنه يضحي بعد فوات الأيام ولا بأس.
فما هي الأيام التي يضحى بها؟ الأيام التي يضحى بها يوم العيد عيد الأضحى من بعد الصلاة واليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، فالأيام إذاً كم؟ أربعة، كلها أيام للذبح ليلها ونهارها سواء، وإن كان النهار أفضل لأنه أتم للتضحية والتوزيع، فالشروط إذاً أربعة.
وكون الشارع يجعل لها شروطاً معينة محددة يدل على أنه ليس المقصود هو اللحم، المقصود عبادة موصوفة بأوصاف معينة وشروط معينة ولذلك فرق بينها وبين المقصود بها اللحم، واسمع إلى حديث أبي بردة بن نيار رضي الله عنه حين ذبح أضحيته قبل الصلاة، فلما خطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له، قال أبو بردة: يا رسول الله! إني ذبحت نسيكتي قبل الصلاة، قال له: شاتك شاة لحم) انظر الفرق: شاتك شاة لحم، يعني: ليست شاة أضحية ونسك، شاتك شاة لحم، يعني: لا تجزؤك، مع أنه جاهل ومجتهد وأحب أن يكون أول ما يؤكل في البيت أضحيته، ومع ذلك لم يعذره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنه أوقع العبادة قبل وقتها، كما لو صلى الظهر قبل الوقت ظاناً أن الشمس قد زالت، فتبين أنها لم تزل فإن صلاته باطلة لا تجزؤه عن الظهر بل تكون نفلاً، ويعيدها صلاة ظهر بعد دخول الوقت.
لو ضحى في اليوم الرابع عشر أتجزئ أم لا؟ لا تجزئ لأنها في غير الوقت بل تكون شاة لحم، إلا إذا كان لعذر كإنسان نسي أن يضحي ثم ذكر يعني قد عين الشاة وجعلها أضحيته لكن نسي ثم ذكر بعد تمام أيام التشريق فليذبحها وتكون أضحية، أو إنسان جهل، إنسان في بادية ولم يعلم عن دخول الشهر وظن أن اليوم الرابع عشر هو الثالث عشر ثم ذبح فلا بأس تجزؤه لأنه جاهل، أو إنسان عين الشاة أضحية فهربت ولم يعثر عليها إلا في اليوم الرابع عشر فليذبحها ولا حرج، أو سرقت ثم لم يجدها إلا في اليوم الرابع عشر فليذبحها ولا حرج، لماذا؟ لأنه معذور، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الصلاة: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) .
ولكن كيف يكون أكل الأضحية؟ نقول كما قال الله عز وجل: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] ولم يحدد الله شيئاً، تأكل النصف وتطعم النصف للفقير لا بأس، تأكل الثلث وتطعم الثلث صدقة والثلث الآخر هدية لا بأس، المهم أن تعطي الفقير منها على كل حال والباقي أنت فيه حر تصرف كما شئت إلا أنك لا تبيع شيئاً منها، لأنك أخرجتها لله، وما أخرج لله لا يمكن أن يعتاض الإنسان عنه شيئاً من الدنيا.(228/5)
ما يسن للمضحي إذا دخلت عشر ذي الحجة
اعلم أنه إذا دخل العشر -أعني عشر ذي الحجة- وأنت تريد الأضحية، فقد نهاك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تأخذ شيئاً من شعرك أو ظفرك أو بشرتك، البشرة ما هي يا أخي؟! المسئول: الجلد.
الشيخ: هل الإنسان يأخذ من جلده؟ المسئول: الشعر.
الشيخ: لا.
يقول: (لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته) .
المسئول: لا أدري.
الشيخ: النبي صلى الله عليه وسلم كلامه جد، فكيف قال: ولا من بشرته؟ من يعرف؟ مسئول: تقصير شيء من جلده.
الشيخ: كيف يقطع شيئاً من جلده.
المسئول: إذا كان فيه ألم فيجوز قطعه.
الشيخ: ما وصلنا إلى متى يجوز، لكن كيف يتصور أن يقطع جلده؟ المسئول: يعني إذا أصابه شيء واحتاج إلى قطع.
الشيخ: لا.
إذا احتاج هذا فلا بأس جائز.
المسئول: القشرة الزائدة على سطح الجلد.
الشيخ: نعم.
المسئول: بعض الناس حافة القدم يكون فيه جلد زائد، فيقشرونه ويأخذون الزائد.
الشيخ: هو على كل حال أمر متصور، أحياناً كما قال الأخ: توجد قشرة منجرحة من قبل وجفت وصار عليها شيء متجمد لا تأخذه، هذه واحدة.
الثاني: بعض الناس يكون في أقدامه ولا سيما في أعقابه شقوق فيبدأ يقشرها، فلا تفعل، أما لو انسلخ شيء من الجلد وآذاك فلا بأس أن تقص ما يؤذيك؛ لأن هذا لحاجة، وهذا الحكم أعني النهي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة خاص بمن يضحي فقط، أما من يضحى عنه فلا بأس أن يأخذ، وعلى هذا فعلى الإنسان إذا أراد أن يضحي عنه وعن أهل بيته فالحكم يتعلق به هو نفسه، أما أهل البيت فلا حرج عليهم أن يأخذوا من ذلك شيئاً، خلافاً لمن قال من العلماء: إن من يضحى عنه كمن يضحي، أي يتجنب الأخذ من هذه الأشياء، فإن هذا القول ضعيف لأن الحديث صريح: (إذا أراد أحدكم أن يضحي) ولم يقل: أو يضحى عنه.
ثم إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يضحي عنه وعن أهل بيته ولم ينههم عن ذلك.(228/6)
فضل عشر ذي الحجة
أخي المسلم! أنت مقبل على العشر الأول من شهر ذي الحجة، هذه العشر حث فيها النبي صلى الله عليه وسلم على الأعمال الصالحة حتى قال: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر -يعني: عشر ذي الحجة- قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء) يعني: أنه قتل وسلب الكفار ماله هذا أفضل.
فعليك -أخي المسلم- عليك بكثرة الأعمال الصالحة في هذه الأيام العشر من قراءة القرآن والذكر والصدقة والصيام، وأظنكم ترون ما أرى من غفلة الناس عن فضل هذه الأيام، حتى أنك ترى الناس تمر بهم هذه الأيام لا يحدثون شيئاً، بينما الناس في عشر رمضان يكثرون من الأعمال الصالحة، والمساجد فيها القارئ وفيها الداعي ويتهجدون في الليل، لكن هذه الناس في غفلة عنها، فعليكم -طلبة العلم- أن تبينوا فضلها للعامة، والعامة يحبون الخير ولكن قد غفل الناس عن تنبيههم فتجدهم لا يختلف عملهم فيها عن عملهم فيما قبلها، حثهم على الأعمال الصالحة ولا سيما التكبير في هذه الأيام: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، أو تثلثوا: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، يجهر بها الرجال في المساجد والأسواق والبيوت وتسر بها النساء.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا جميعاً اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات، وأن يجنبنا وإياكم منكرات الأخلاق والأعمال والأقوال، إنه على كل شيء قدير، وإلى الأسئلة.(228/7)
الأسئلة(228/8)
مجاهدة النفس على طلب العلم
السؤال
ما أفضل الطرق لمجاهدة النفس على طلب العلم؟
الجواب
أنت فسرت أقرب الطرق، أنت تجاهد نفسك، جاهد نفسك وصبرها على طلب العلم بلزوم العلماء وحفظ كتاب الله عز وجل، ثم ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كـ عمدة الأحكام، ثم في كتب الفقهاء مع ملازمة الشيوخ، ورجاء الثواب والرفعة في الدنيا والآخرة، إذا كان التجار تجار المال يكدحون ليلاً ونهاراً لزيادة أموالهم، فطالب العلم يطلب ما هو أشرف من المال، فليكدح ليله ونهاره حتى ينال ما وعد الله به في قوله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] .(228/9)
صورة من صور النعي المحرم
السؤال
أحد الأشخاص توفي له قريب في حادث، جاءته تعزية في الجريدة فأخذ هذه التعزية وعلقها في البيت، ووضعها في طاولة عمله، وصور السيارة التي كان فيها الحادث ووضعها أيضاً في البيت وفي الطاولة، فقال له أحد الأشخاص: هذا من نعي الجاهلية فهل هذا صحيح؟
الجواب
صحيح، هذا من نعي الجاهلية، الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، لأن هذا نعي، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النعي، فكل ما يكون سبباً لتهييج الأحزان وتجديدها فإنه داخل في هذا، فوصيتي: أن تتصل بهذا الرجل وتقول: إني أسلم عليه، ولينزع هذا من بيته ومن طاولة مكتبه، وليستعن بالله على الصبر؛ لأنني أخشى أن هذا العمل مع كونه قريباً من الإثم أخشى أن يحرم الصبر.
السائل: إذا كان ما علقها صور السيارة فقط؟ الشيخ: أبداً أبداً وليتناسها ويعرض عن هذا، كأن شيئاً لم يجر والحمد لله {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26-27] .(228/10)
تفاوت المؤمنين في رؤية ربهم سبحانه
السؤال
هل هناك تفاوت بين المؤمنين في رؤية الله عز وجل؟
الجواب
الظاهر أنها حسب العمل والدرجة؛ لأنه لا يستوي أبو بكر رضي الله عنه مع مؤمن ناقص الإيمان.(228/11)
صحة وصية الميت بثلث ماله في أعمال البر
السؤال
رجل توفي وكان له تركة، وقال لأبنائه: هذا الثلث لي ويجب أن يضحى عني، هذا الثلث لا يأخذ أحد منه فقط أن يضحى عني وقت الأضحية؟
الجواب
له أن يوصي بثلث ماله فيما يرى من أضحية أو عمارة مساجد أو طبع كتب نافعة أو ما أشبه ذلك، المهم أن الله تصدق علينا بثلث أموالنا بعد موتنا نوصي بها بما شئنا من عمل البر.(228/12)
هروب الموكل بالحج قبل أدائه
السؤال
رجل أناب آخر في الحج ثم هرب بالمال الشيخ: من الذي هرب؟ السائل: المناب.
الشيخ: أين ذهب؟ السائل: هرب بالمال يا شيخ! الشيخ: أين ذهب؟ السائل: لا يعلم أين ذهب.
الشيخ: بعد أن أدى الحج؟ السائل: لا قبل ذلك.
الجواب
حسناً إذا كان حجه واجباً ينيب غيره، ويسعى في طلب هذا الهارب.(228/13)
حكم حج من توفي بعد الوقوف بعرفة
السؤال
رجل حاج توفي بعد يوم عرفة فهل يحج عنه وليه؟
الجواب
لا، يقول: رجل حاج توفي بعد أن وقف بـ عرفة فهل يتمم عنه الحج، أم يحج عنه في السنة الأخرى؟ الجواب: لا، لأن هذا أدى الواجب عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة قال لهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) ولم يقل أتموا عنه.(228/14)
جواز رمي جمرة العقبة ليلاً
السؤال
سؤال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم عند قوله: (رميت بعدما أمسيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افعل ولا حرج) في رمي جمرة العقبة وتأخيرها إلى الليل، والمساء في اللغة يطلق على ما بعد الزوال إلى قدوم الليل، فكيف نجيز الرمي إلى ما قبل الفجر من اليوم الحادي عشر؟
الجواب
لأن قوله: (رميت بعدما أمسيت) هذه قضيته واقع يعني، قضية عين يسأل عنها، وليس هنا سنة تدل على أنه إذا غابت الشمس انتهى وقت الرمي، والأصل بقاء الوقت، كما قلنا في الوقوف بـ عرفة يمتد إلى الفجر.
السائل: يا شيخ! عند الرجوع إلى اللغة في المساء أنه يمتد إلى قدوم الليل.
الشيخ: نعم لكن هل قال الرسول لا يرمين أحد بعد المساء؟ هذا الرجل يحكي قضية وقعت له: بعدما أمسيت، قال: لا حرج.
فدل هذا على أن هذه العبادة لا تختص بالنهار، وإذا لم تختص بالنهار فالليل كله وقت.(228/15)
مدى مشروعية أنشطة جماعة التبليغ
السؤال
عندي سؤال عن جماعة التبليغ، وحركتهم في المجتمع.
الشيخ: من هم جماعة التبليغ؟ السائل: هؤلاء الذين يطلع عليهم الإخوان يا شيخ! الشيخ: من هم الإخوان؟ السائل: هذا يا شيخ! والله! ما أدري أيش أشرح لك.
الشيخ: اشرح لي كي أجيب عليك.
السائل: هذا يا شيخ! عندهم مثل: الخروج يمشون بين الناس يدعون إلى الله.
الشيخ: الله أكبر سنة رسول الله.
السائل: سنة رسول الله، لكن عندهم الخروج في الشهر ثلاثة أيام يذهبون إلى مدينة أخرى يجتمعون مع أناس يحيون سنناً، فعارضهم أناس وقالوا: هذه بدعة من أين أتيتم بنظرية الخروج هذه، هذه لم ترد عن الرسول، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) .
الشيخ: نعم! السائل: يعني يقول: هذه بدعة كيف أنتم أتيتم من عندكم.
الشيخ: نعم! السائل: وهناك مؤيدون لهم ومعارضون، وليسوا موجودين في المنطقة.
الشيخ: قل: وهناك متوقفون، لكي يكون وسطاً وطرفين.
السائل: وهم في كل منطقة نشيطون، وقد التزم على أيديهم أناس كثيرون، وفي وقت العصر يجتمعون ويشكلون مجموعات، مجموعة زيارة للمنطقة الفلانية، وأنتم عندكم مجموعة زيارة للمنطقة الفلانية.
الشيخ: ترتيب؟ السائل: ترتيب يا شيخ!
الجواب
أما المشي في دعوة الناس فهذا نبيك صلى الله عليه وسلم كان في أيام موسم الحج يدور على الناس في منازلهم ويدعوهم، هذه واحدة، وهاجر إلى المدينة للدعوة، لأن أهل مكة كما هو معروف آذاه أهلها ومنعوه من الدعوة فأمر بالهجرة إلى المدينة لتتم الدعوة، إذاً هذه ما فيها شيء.
السائل: إذاً: ما في ذلك بدعة يا شيخ؟! الشيخ: اصبر يا رجل! نأخذها قليلاً قليلاً، كما أعطيتنا إياها.
وأما ترتيبها بثلاثة أيام أو بأربعين يوماً أو بستة أشهر أو ما أشبه ذلك فهم يقولون: نحن لا نقول إن هذه سنة نقول هذه ترتيب وسيلة للاستقامة في الدعوة، والوسائل ما لها حصر ألست الآن أخطب بـ (الميكرفون) ؟ السائل: نعم.
الشيخ: حسناً هل الرسول خطب بـ (الميكرفون) ؟ لم يكن موجوداً أصلاً، لكن لم يقل: لا تخطبوا بوسيلة، وإذا كان الرسول لا يعلم أنه سيكون (ميكرفون) فالرب عز وجل يعلم، فالوسائل وسائل العبادات ليست مقصودة لذاتها إنما هي لغيرها، فهم يقولون: نحن نقول: اخرج ثلاثة أيام، من أجل أن يبتعد عن الدنيا ولذاتها، ونريد أن نركز على أن نشغل وقته بالذكر والتسبيح وقراءة القرآن وما أشبه ذلك.
وأما ترتيب اتجاههم كل يذهب إلى جهة فهذا أيضاً لا بأس به؛ لأن كونهم يجتمعون كلهم في جهة واحدة أو كونهم يتفرقون، أيهما أولى؟ أجيبوا يا جماعة.
الحضور: يتفرقون.
الشيخ: كونهم يتفرقون أولى، لأنه أوسع انتشاراً؛ ولأنهم إذا اجتمعوا جميعاً وهم مثلاً أربعون رجلاً أو خمسون رجلاً لم يتكلم إلا واحد أو اثنان أو خمسة، فتوزيعهم على الجهات ليس فيه بأس، وهاهو النبي صلى الله عليه وسلم يرسل واحداً إلى اليمن وواحداً إلى جهات أخرى لدعوة الناس، إذاً: ما فيها بأس.
إذا رجعنا إلى التأثير: فاعتقادي أنه لم يؤثر أحد من أي جهة أو من أي حزب أو من أي طائفة مثل تأثيرهم، لهم تأثير عجيب، كم من ضال اهتدى على أيديهم وكم من فاسق اعتدل، بل وكم من كافر أسلم، إنه يقال: إنهم تهبط الطائرة في مطار موسكو بلد الإلحاد ثم يؤذن المؤذن ويقيمون الصلاة جماعة أمام الناس، من يقدر على هذا؟ ويحجب الله عنهم السوء، فهم لهم تأثير ولا شك في تأثيرهم، وهناك قصص عجيبة أخبرنا عنها.
حدثني من أثق به وتوثيق الثقة مقبول عند علماء الحديث يقول: إن رجلاً كان له ابن أخت من أفسق عباد الله وأقبحهم منظراً سكر وبلاوٍ وعدم صلاة، وإذا رأيت وجهه كرهته، فغاب يوماً من الأيام لمدة نصف شهر أو أقل أو أكثر المهم مدة، يقول: فقلنا فيما بيننا: لعل الله سلَّط عليه أحداً من هؤلاء الطائشين دهسه وتركه، انظر إلى هذا الحد، يقول: فبينما نحن كذلك إذا بالرجل يقرع الباب بعد الظهر، يقول خاله: وكنت في مكتبتي فقلت في نفسي: من هذا الغشيم الذي يأتي بعد الظهر الناس ما بين قائل ومتردٍ وما هذا؟ فقلت له: ادخل، وإذا الباب مغلق فلم يستطع أن يدخل، فجعل يقرع الباب وأقول: ادخل، فيقول: الباب مغلق، يقول: فقمت ففتحت الباب وإذا هذا الرجل النير الوجه الملتحي الذي أحببته قلت: وماذا عندك ولماذا تجيء -يا أخي- في هذا الوقت؟! لو جئت بوقت مناسب نجلس معك! قال: أنا ابن أختك فلان بن فلان، فقلت له: كذبت، ابن أختي حليق، وجهه مكفهر، لا تحب العين أن تراه، لست هو فأنكرته! فقال لي: بل أنا ابن أختك، وإذا شئت أن أعد عليك بيتك الآن حجرة حجرة عددتها لك، إذا دخلت رحت من اليمين إلى الحجرة الفلانية، ومن اليسار الحجرة الفلانية، ومن الأمام المكان الفلاني!! فقلت: أنت هو؟ قال: أنا هو.
قلت: ادخل، وما الذي قلبك من تلك الحال إلى هذه الحال؟ والرجل -هذا الخال- فيه شيء من العنف.
ما الذي قلبك من تلك الحال إلى هذه الحال؟ فقال: إنه أتاني الإخوان وأمسكوني برفق وقالوا: إلى المسجد.
فقلت: مالي وللمسجد! ما دخلته قط! قالوا: وإن لم تدخله في حياتك فإن الله غفور رحيم، امش معنا! يقول: فلما دنونا من المسجد قالوا لي: ادخل الحمام واغتسل ما دمت على حالك الأولى أنت كافر، والكافر إذا أسلم لابد يغتسل، يطهر ظاهره وباطنه، يقول: فاغتسلت، يقول: ألان الله قلبي لهم فاستجبت، يقول: دخلت المسجد وصليت وهم جعلوا يدعون لي بالثبات رافعي أيديهم يبتهلون إلى الله وقالوا: اخرج معنا، فوالله! يا خالي! ما ذقت لذة الدنيا إلا بهذا، وكأني بعثت الآن، والحمد لله الذي هدانا لهذا.
لكن لأجل أن نقول الحق الذي بيننا وبين الله: القوم عندهم جهل عظيم أكثرهم جاهل جداً، ولذلك لا يحبون النقاش في العلم ولا الكلام فيه، عندهم هذا المسلك نمشي عليه: تسبيح وتكبير وتهليل وقرآن وصلاة ودعوة للخير، لكن نقاش أو خلاف فقهي بل وعقدي أيضاً لا يتكلمون فيه، هذا وجه النقص فيهم.
لو أن طلبة العلم الذين يشار إليهم صحبوهم ودرسوهم وعلموهم ما يجب في العقائد لكان فيهم خير كثير، لكن هم من هذا الباب صار فيهم نقص، وصار بعض المشايخ ينتقدهم من هذا الباب انتقاداً مطلقاً بدون أن ينظر إلى محاسنهم، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] ولو أننا عاملنا هؤلاء بالعدل وقلنا: أنتم -جزاكم الله خيراً- نيتكم طيبة وقلوبكم طيبة أخلاق إيثار، إلى غير ذلك من المحاسن، ونشكركم على هذا، لكن نريد أن نتكلم معكم في العقيدة وفي الأقوال الراجحة من أقوال الفقهاء في المسائل العملية، فانتدبوا لنا الكبار منكم حتى نعلمهم، لو حصل هذا لحصل خير كثير، لكن مع الأسف أن بعض الناس ينفر منهم تنفيراً بالغاً.
فنسأل الله أن يجمع كلمة الجميع على الحق.(228/16)
نهي التحريم ونهي الكراهة
السؤال
كيف أعرف أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في النهي للتحريم أو للكراهة؟
الجواب
لا توجد قاعدة عامة، وإن كان بعض العلماء قال: الأصل في النهي التحريم، ولا نعدل عنه إلا بدليل، وبعضهم قال: الأصل في النهي الكراهة ولا نحرمه إلا بدليل، وبعضهم فصل فقال: الأصل في العبادات أن النهي للتحريم، وفي الأخلاق والآداب أن النهي للإرشاد والكراهة، يعني: للإرشاد إلى تركه وكراهة فعله، لكن بعدما أجلنا الفكر والنظر لم نجد قاعدة مستقرة، فيحكم على كل نص بما يقتضيه وبالقرائن الشرعية من الأدلة الأخرى.(228/17)
حكم التراسل بواسطة الأجهزة
السؤال
ما حكم استعمال جهاز (الكِنْوِدْ) ؟
الجواب
أيش هذه؟ كأنها أعجمية! السائل: المراسلات.
الشيخ: مراسلات ماذا؟ السائل: المراسلات على جهاز، يراسلون بعضهم.
الشيخ: إذاً المراسلات إذا كان فيها خير وهي بين رجال ورجال أو نساء ونساء فهي طيبة، وأما بين رجال ونساء فلا.
السائل: لا.
يخلطون رجال مع نساء.
الشيخ: كيف تختلط؟ أليست رسائل؟! السائل: نعم.
الشيخ: لا يجوز للمرأة أن تكتب للرجل.
السائل: هذا جهاز.
الشيخ: ما فهمت! أحد الحضور: مثل التلفون يا شيخ: جهازين؛ جهاز مع شخص، وجهاز مع الثاني، والأجهزة التي تشترى تختلط مع بعضها، لها قنوات كالمذياع.
الشيخ: يعني قصدك أنك قد تفتح على أحد وتسمع ما يقول لصاحبه؟ هذا لا يجوز، لا يجوز لأن الكلام بين الاثنين سر، فلا يجوز لأحد أن يتصنت عليهم.(228/18)
حكم أخذ الأظفار والشعر عند الإحرام
السؤال
إذا وكل من يريد أن يحج أحداً أن يذبح أضحيته، فعند الميقات أراد أن يأخذ من شعره وأظفاره هل يجوز له ذلك؟
الجواب
أولاً بارك الله فيك: هل يسن أن تؤخذ الأظفار والشعر عند الإحرام، أسألك؟ السائل: لا.
الشيخ: قل: نعم، أو: لا، أو: لا أدري.
السائل: يسن يا شيخ! الشيخ: أين الدليل؟ هل عندك دليل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أراد أن يحرم قلم أظفاره وقص شعره.
السائل: لا، يا شيخ! الشيخ: ما عندك دليل، عندك دليل أنه اغتسل، إذاً: ليس لإزالة الأشعار والأظافر دليل عند الإحرام لكن بعض العلماء استحبها، لأنهم كانوا فيما سبق يبقون على الإحرام عشرين يوماً أو نحوها، فتطول هذه الفضلات فقالوا: الأحسن أن الإنسان يزيلها عند الإحرام وإلا فلا دليل، هذه واحدة.
لكن لو فرض أن الإنسان لما وصل الميقات وجدها طائلة وأراد أن يقص وأن يحلق الشعور وينتف الآباط، فليفعل.
فإذا كان في عمرة وطاف وسعى وقصر فلا بأس، لأن التقصير حينئذ واجب، فهمت.
أهم شيء أنك تفهم: أنه ليس من السنة إزالة هذه الأشياء عند الإحرام بذاته، ما لم تكن طويلة ويريد أن يأخذها على كل حال.(228/19)
تحديد أيام التشريق
السؤال
اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، هل هو من أيام التشريق؟ الشيخ: الثالث من أيام التشريق وهو الثالث عشر من ذي الحجة.
السائل: الثالث عشر من ذي الحجة يا شيخ! الذي هو آخر يوم من أيام التضحية متى تنتهي وقت الأضحية؟ الشيخ: إذا غابت الشمس.
السائل: بغياب الشمس.
الشيخ: إي نعم، يعني: لو ذبحتها قبل غروب الشمس بدقيقة فهي أضحية، ولو سلختها فيما بعد فلا حرج.(228/20)
حكم أخذ العوض على نشر الخير
السؤال
رجل يريد الحج لكن لا يستطيع، فعرضت عليه أحد الحملات قالوا: تحج معنا على حساب الحملة بشرط: أن تلقي محاضرات وتفتي ونحو ذلك، فهل يجوز ذلك، وماذا يجب عليه؟
الجواب
إذا كان شرطاً لا يجوز، لأنه الإنسان لا يجوز أن يأخذ على أمر الآخرة شيئاً من الدنيا، أما إذا كان لم يقولوا له هذا قالوا: نريد أن تحج معنا ونحن نحملك مجاناً لما نرجو منك من الخير والمنفعة، فلا بأس، أما إن كان معاوضة لا.
على أن بعض أهل العلم رحمه الله يقول: إن هذا لا بأس به لأنه أخذ العوض على تعليم العلم جائز، بل حتى على تعليم القرآن لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) .(228/21)
كيفية أداء الصلاة في الطائرة
السؤال
الظهر والعصر تجمع، فإذا كنت في طائرة ومدة الرحلة ثمان ساعات ووصلنا بعد صلاة العشاء هل أصلي الظهر والعصر جمعاً مع المغرب والعشاء؟
الجواب
لا.
صلِّ الظهر والعصر في الطائرة، على أي حال الذي تقدر عليه افعله؛ لأنه لا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها.
السائل: لكن القبلة تتغير؟! الشيخ: استدر، كلما اختلف اتجاه الطائرة فاستمر على القبلة، في طائراتنا الأخيرة -والحمد لله- لائحة معلقة بالسقف تبين لك اتجاه القبلة.(228/22)
تقديم حجة الإسلام على الحج عن الغير
السؤال
امرأة لم تحج وأرادت أن تبعث بمال لمن يحج عن أخيها الذي توفي وكان عمره سبعة عشر، وهو من العاشرة إلى السابعة عشر كان مشلولاً فهل يجوز لها ذلك، أم لا يجوز؟ الشيخ: هل يجب عليها أن تحج هي أم لا؟ السائل: يجب عليها أن تحج.
الشيخ: إذاً تبدأ بنفسها، أما إذا كان لا يجب عليها بحيث لا يكون عندها محرم يحج معها فلا بأس أن تحجج عن أخيها.(228/23)
حكم نقل المصاحف من مسجد إلى آخر
السؤال
ما حكم أخذ المصاحف الزائدة من مسجد إلى مسجد للحاجة إليها؟
الجواب
لا بأس به بإذن المسئولين، انظر إلى الإدارة التي عندك في البلد بلغها عن هذا واستأذنها في نقلها إلى المسجد الآخر المحتاج، أما بدون إذن بل باجتهاد من الإمام إمام المسجد الزائد وإمام المسجد الناقص فهذا لا يجوز.(228/24)
الأضحية تابعة لمكان المضحي
السؤال
التضحية هل هي تابعة لمكان الشخص أم لمكان ماله؟ الشيخ: مكان ماذا؟ السائل: المكان الذي يضحي فيه، يضحي في المكان الذي هو يسكن فيه، أم الذي فيه ماله، أم الذي فيه عائلته؟ الشيخ: لا.
المكان الذي هو فيه.
السائل: مثل زكاة الفطر، زكاة على الشخص.
الشيخ: نعم.
كزكاة الفطر.
السائل: في بلد وأهله في بلد كمن حج مثلاً وهو يريد التضحية.
الشيخ: ماذا؟ السائل: كمن حج مثلاً وهو يريد التضحية.
الشيخ: لا.
الحاج -كما قلت لكم- ليس عليه إلا الهدي فقط، أما التضحية في بلده، فيوكل من يضحي عن أهله.
السائل: ومثل الذي يعمل هنا وأهله في بلد آخر.
الشيخ: يضحي هنا في مكانه هو، وأهله يضحون لأنفسهم من عندهم.
السائل: ألا يضحي عنهم؟! الشيخ: يضحون عن أنفسهم عندهم؛ لأنه لو ضحى عنهم في هذا المكان لن ينتفعوا بهذه الأضحية.(228/25)
حلاقة رأس الحاج إذا لم يوجد فيه شعر
السؤال
إذا صار في الحج وكان حالقاً شعره ولا يوجد شعر وجاء وقت الحلق، فماذا يعمل؟
الجواب
هو أصلع أم له شعر ولكنه محلوق.
السائل: محلوق.
الشيخ: محلوق، ألم تعلم أن الحلق يتبين في خلال أربعة وعشرين ساعة؟ السائل: هو يتأخر.
الشيخ: سؤالي: هل تعلم هذا أم لا؟ السائل: لا.
الشيخ: هذا هو، يكفي أن يمر الموس على رأسه، لأن الشعر سبحان الله! ينمو بالثانية، أنت ترى إذا حلقت رأسك وصار من الصباح على طول الإصبع، تظن هذا أم لا؟ السائل: لا.
الشيخ: لا.
إذاً هو ينمو شيئاً فشيئاً في اللحظة الواحدة ينمو، لكن بعض الناس يكون نموه سريعاً ويكون بعضهم أقل.
السائل: فهمت.
الشيخ: الحمد لله، إذاً لو قدر أنه حلق قبل أن يمشي بيوم ومشى إلى الحج، سوف يبقى عنده اليوم الثامن والتاسع يومين، في اليوم الثالث سيجد شعراً.
السائل: ماذا يعمل الأصلع؟ الشيخ: ما هو الأصلع.
السائل: الذي لا ينبت له شعر مطلقاً.
الشيخ: هذا ما عليه شيء.
السائل: لا يمر بالموسى؟ الشيخ: يمر بالموسى! ماذا يحلق؟ أم تريده أن يقشر الجلد!! الله المستعان! أرأيت رجلاً قطع ذراعه من المرفق نقول له: اغسل العضد؟ أسألك.
السائل: لا.
الشيخ: لا نقول هذا، لأن مكان الواجب قد زال، فلا يمرر موسىً، هل بلغك خلاف في هذا بين العلماء؟ السائل: سمعت أحد الأشخاص ينقل لي عن بعض العلماء.
الشيخ: نعم.
صحيح بعض العلماء يقول: يمر الموسى عليه، لكن هذا عبث، مثل ما قال بعض العلماء: إن الأخرس الذي لا يستطيع أن يتكلم إذا أراد يقرأ الفاتحة في الصلاة يحرك لسانه وشفتيه، ما الفائدة؟ هذه زيادة حركة في الصلاة لا قيمة لها، وإلى هنا ينتهي هذا المجلس أو هذا اللقاء حتى أول خميس من شهر محرم إن شاء الله تعالى.
نسأل الله أن يعيدنا وإياكم معاد الخير، ويجعل ما علمنا حجة لنا لا علينا، إنه على كل شيء قدير.(228/26)
لقاء الباب المفتوح [229]
في هذه المادة تفسير آية من سورة الحديد وهي قوله تعالى: (ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم.
) إلى آخرها، وفيها بيان ذكر فضيلة نعمة إرسال الرسل، وأقسام الناس تجاه الرسل، مع فك معاني الكلمات، والفوائد المستنبطة من الآيات، ثم ختم الدرس بإجابات على أسئلة متنوعة.(229/1)
تفسير آيات من آخر سورة الحديد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والعشرون بعد المائتين من اللقاءات المعروفة باسم لقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو اليوم الرابع والعشرون من شهر ذي الحجة عام (1420هـ) وبه يختتم لقاءات هذا العام، نسأل الله تبارك وتعالى أن يحسن لنا جميعاً الخاتمة والعاقبة، وأن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان.(229/2)
تفسير قوله تعالى: (ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم)
نتكلم في هذا اللقاء على ما كنا نسير عليه سابقاً بأن نفسر بما يفتح الله به آيات من القرآن الكريم، انتهينا إلى قول الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [الحديد:26] .
هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: الأول: القسم المحذوف.
الثاني: اللام.
الثالث: قد.
قوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ} نوح هو أول الرسل عليهم الصلاة والسلام وهو من أولي العزم الخمسة، وإبراهيم هو أبو الأنبياء من بعده وإليه يرجع الأنبياء أي: إلى ملته، ولهذا يتنازع فيه المسلمون واليهود والنصارى فاليهود يقولون: إنه يهودي، والنصارى يقولون: إنه نصراني، والمسلمون يقولون: إنه حنيف مسلم.
وهذا هو الحق.
والعجب من النصارى واليهود أن يقولوا إنه نصراني أو يهودي، وما كانوا نصارى ولا يهوداً إلا من بعده، لكنهم ليس لهم عقول.
قوله: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا} أي: ذرية نوح وإبراهيم: {النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} أي: الرسل عليهم الصلاة والسلام، وفي هذا دليل على أن آدم ليس برسول وأن إدريس ليس قبل نوح، كما ذكره بعض المؤرخين وهو خطأ مخالف للقرآن الكريم، فليس قبل نوح رسول، وآدم نبي مكلم كلمه الله عز وجل بما شاء من وحيه، ثم سار على نهجه بنوه من بعده، فلما انتشر الناس وكثر الناس صار بينهم الخلاف كما قال الله عز وجل: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة:213] وقوله: {وَالْكِتَابَ} المراد به الجنس؛ لأن كل رسول معه كتاب كما قال عز وجل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد:25] .
قوله: {فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} منهم: أي بعضهم مهتدٍ وحذفت الياء كما هي القاعدة في اللغة العربية أصلها مهتدي بالياء لكن حذفت للتخفيف.
{وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} أي: غير مهتدين، وهذا هو الواقع أن بني آدم أكثرهم ضال كما قال الله عز وجل: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] .(229/3)
تفسير قوله تعالى: (ثم قفينا على آثارهم برسلنا)
قال تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ} [الحديد:27] (قفينا) بمعنى: أتبعنا، مأخوذ من القفاء؛ لأن من يمشي من قفاك هو تابع لك.
{عَلَى آثَارِهِمْ} أي: آثار نوح وإبراهيم ومن كان من الرسل الآخرين.
{بِرُسُلِنَا} أي: التابعين لهم.
{وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ} نص عليه لأنه عليه السلام ليس بينه وبين محمد صلى الله عليه وعلى آله سلم رسول، بل ولا نبي أيضاً، ليس بينهما رسول ولا نبي، وما يقال عن خالد بن معدان وغيره: لهم نبوة.
فكله كذب.
{وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ} هو كتاب أنزله الله عز وجل على عيسى، ويعتبر مكملاً للتوراة؛ لأن التوراة هي أم الكتب في بني إسرائيل.
قوله: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} .
ثلاثة أشياء جعلها الله في قلوب النصارى الذين اتبعوا عيسى رحمة، فهم من أرق الناس لما كانوا على شريعة عيسى، من أرق الناس قلوباً وأرحمهم بالخلق، لكن بعد أن كفروا بمحمد صاروا من أغلظ الناس، كما تعلمون ما جرى بين المسلمين وبين النصارى في الحروب الصليبية وغيرها.
(رَأْفَةً) الرأفة أرق من الرحمة وأبلغ منها، فهي من نوع الرحمة لكنها أرق وألطف.
(وَرَهْبَانِيَّةً) هي الانقطاع عن الدنيا للعبادة.
(ابْتَدَعُوهَا) أي: من عند أنفسهم، كما فعل بعض فرق المسلمين ابتدعوا رهبانية ما أنزل الله بها من سلطان، لكن معهم رقة ورحمة.
قوله: {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} أي: أننا لم نفرضها عليهم ولكنهم طلبوا رضوان الله، ولهذا نقول: {إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} استثناء منقطع، ولكن مع ذلك مع كونهم ابتدعوها واختاروها لأنفسهم ما رعوها حق رعايتها أي: ما قاموا برعايتها الرعاية الواجبة من إحسان هذه الرهبانية التي ابتدعوها وإنما تصرفوا فيها كما يشاءون.
قوله: {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} .
{فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ} أي: ثوابهم.
{وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} كثير من هؤلاء النصارى فاسق، أي: خارج عن طاعة الله عز وجل.
وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا ابتدع بدعة فإنه لا يوفق لإقامتها، فيكون ضالاً في الأصل وضالاً في الفرع، حتى لو اجتهد حتى خشع.
إنك تجد بعض الناس الذين ابتدعوا أذكاراً أو صلوات أو أدعية أو ما أشبه ذلك تجدهم خاشعين، قلوبهم باكية، قلوبهم خاشعة لكن لا ينفعهم ذلك، لأنهم على ضلال، نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية.(229/4)
الأسئلة(229/5)
حكم إلقاء موعظة بين صلاة التراويح في رمضان
السؤال
عندنا في الكويت موعظة بعد أربع ركعات في صلاة القيام هل تجوز هذه، وإذا جاز كيف تكون هذه الموعظة؟
الجواب
الذي أرى ألا تفعل، أولاً: أنها ليست من هدي السلف.
ثانياً: أن بعض الناس قد يحب أن يأتي بالتهجد وينصرف إلى بيته، وفي هذا إعاقة وإملال لهم، وإكراه على هذه الموعظة، والموعظة إذا لم تكن متقبلة فضررها أكثر من نفعها، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم يتخول أصحابه بالموعظة ولا يثقل عليهم ويكرر، فأرى أن تركها أولى، وإذا أراد الإمام أن يعظ الناس فليجعله في آخر شيء، إذا انتهت الصلاة نهائياً حتى يكون الناس باختيارهم إن شاءوا بقوا وإن شاءوا انصرفوا.(229/6)
استقرار الإجماع على تحريم الدخان
السؤال
هل يوجد خلاف في حكم التدخين أنه حرام أو مكروه، وهل الخلاف يراعى بالإنكار إذا دخن الإنسان في المجلس أو يأتي ويدخن في المجلس هل يطرد من المجلس؟
الجواب
الدخان أول ما خرج اختلف فيه العلماء كسائر الأشياء الجديدة، اختلفوا فيها على أقوال متعددة، لكن في الوقت الحاضر تبين للعلماء من قواعد الشريعة: أنه حرام بلا إشكال، ولا يقول قائل: إنه حرام على من يضره حلال لمن لا يضره، لأن هذا قياس لا يمكن ضبطه، في بعض الأطعمة تحل لشخص وتحرم على الآخر، لو قيل لرجل مصاب بالداء السكري: لا تأكل التمر ولا الحلوى، صار التمر والحلوى حرام عليه، لأنها تضره ووجب عليه اجتنابها وهي حلال للآخرين، فالدخان لا يقول قائل: إننا نجد أناساً يشربونه ولا يتضررون به.
نقول: نعم قد يكون في أجسامهم مناعة ولكن على المدى الطويل سوف يتضررون به، ولا عبرة بالنادر العبرة بالغالب والغالب الآن باتفاق الأطباء واتفاق الأمم التي يقولون إنها حضارية أنه مضر للفرد والمجتمع.
ولهذا كان في أمريكا وهي الدولة المتقدمة يمنعون شرب الدخان في المجامع وفي الأسواق وفي الطائرات، حتى حدثني بعض إخواننا الذين يذهبون في الطائرات إلى أمريكا: أنهم إذا حاذوا الأجواء إلى أمريكا -وأعني بذلك الولايات المتحدة - إذا حاذوها أعلنوا منع الدخان في الطائرة، فعلى هذا نقول: إنه حرام بلا إشكال، والخلاف السابق إنما كان مبنياً على عدم ظهور أسباب التحريم، هذا بالنسبة لحكمه.
فلا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا تأجير الدكاكين لمن يبيعه، ولا حمله ولا استيراده ولا شربه.
أما من دخل إلى مجلس وأراد أن يشرب فلأهل المجلس أن يمنعوه بالقوة؛ لأنهم عدد وهو واحد، ولا يحل له هو أن يشرب أمامهم فيؤذيهم فيكون حراماً على هذا الداخل من وجهين: الوجه الأول: أنه محرم شرعاً في كل وقت.
والوجه الثاني: أنه حرام لأذية أهل المجلس.
ولهم أن يطردوه عن المجلس بالقوة، إلا أن ينتهي إذا قيل له: لا تشرب، فهذا يحصل منه المقصود.(229/7)
حكم استعمال الفيديو
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا لم يكن عند الإنسان فيديو وكان الأطفال يجتمعون يوم الخميس فيحصل من الإزعاج والعبث شيء كثير هل يحسن أن يدخل فيديو في هذه الحالة، أم ماذا يفعل؟
الجواب
أنا أرى أن الفيديو آلة فقط إن استعملتها في خير فهي خير، وإن استعملتها في شر فهي شر، وإن استعملتها في لغو فهي لغو، فلينظر ماذا سيجعل فيها؟ قد يكون فيها أشرطة مفيدة من وعظ وندوات وغيرها، وقد يكون فيها أشياء فاسدة، المهم على حسب ما يوضع في هذا الفيديو، فإذا كان هؤلاء الصبيان لا ينتهون عن التشويش والركض وإفساد البيت، وربما يخرجون إلى الشوارع وإلى الجيران إذا كان لا يمكن دفع هذا إلا بشراء الفيديو فاشتر لهم فيديو ولكن ضع فيه أشرطة نافعة.(229/8)
بطلان قول: إن العنكبوت عشعشت على الغار الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
هل عش العنكبوت والحمامتين وارد يوم اختفى الرسول صلى الله عليه وسلم في غار ثور؟
الجواب
لا، يذكر المؤرخون: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين اختفى في غار ثور عششت عليه العنكبوت ووقعت الحمامة على غصن شجرة وهذا كذب لا صحة له، ولا فيه آية للرسول عليه الصلاة والسلام ينقل، أي إنسان تعشش العنكبوت وتكون حوله حمامة إذا رآه من يراه يقول: ما في أحد، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أعمى الله أبصارهم عنه ولهذا قال أبو بكر: [يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا] لأنه لا يوجد مانع، فالعنكبوت والحمامة لا صحة لذكرهما عند اختفاء النبي صلى الله عليه وسلم في غار ثور، ولهذا يحترم كثير من الناس العنكبوت، يقول: لا تقتلها؛ لأنها عششت على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الوزغ يُقتل؛ لأنه كان ينفخ في النار على إبراهيم فهذه تكرم فنقول: لا، العنكبوت تقتل إذا آذت مثل غيرها، وهي تؤذي بعض الأحيان تعشش على الكتب وعلى الجدار فتقتل، بل في حديث لكنه ضعيف الأمر بقتل العنكبوت.(229/9)
حكم أخذ الدين من شخص ماله حرام
السؤال
فضيلة الشيخ! أقرضت شخصاً من زملائنا مبلغاً وباع سيارة واشترى سيارة بالربا، وأراد أن يسددني من مبلغ السيارة، طلبت منه أنه يسددني من الراتب وقال: إنها كلها برقم حساب واحد، فهل يجوز لي أن آخذ منه؟
الجواب
أما إذا كنت ضيقت عليه حتى أحوجته إلى الاستدانة فهذا حرام عليك، وأما إذا كان هو من نفسه جاء إليك بالوفاء فاقبل فهذا حقك، وما عليك منه إذا أخذه عن طريق محرم أو عن طريق مباح.(229/10)
ضرورة الفصل بين السنن الراتبة إذا كانت أربعاً بالسلام
السؤال
بالنسبة للأربع الركعات التي قبل الظهر والتي قبل العصر -يا شيخ- هل بالإمكان أنها تؤدى بدون الفصل فيما بينها؟
الجواب
لا، أربع ركعات قبل الظهر بسلامين، وأربع ركعات قبل العصر بسلامين، لكنها ليست راتبة العصر.(229/11)
عدم جواز أخذ الاستحقاق من البنك العقاري لمن لا يريده
السؤال
الاسم من البنك العقاري إذا نزل استحقاق إنسان من البنك العقاري هل يجوز له بيعه؟
الجواب
لا، إذا نزل اسم إنسان فإن كان محتاجاً إليه فليستعمله، وإلا يجب أن يرده إلى المسئولين حتى يضعوا فيه من هو مستحق؛ لأن هذا الذي باعه معناه أنه مستغنٍ عنه أليس كذلك؟ السائل: نعم.
الشيخ: قل: (بلى) في جواب أليس.
إذا كان مستغنياً عنه ما الذي يحل له أن يأخذ دراهم من هذا الرجل الذي جاء متأخراً وقبله أناس كثيرون سابقون عليه؟ لا يحل.(229/12)
جواز رمي الجمار مرة واحدة إذا كان لحاجة
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك من يرى جمع رمي الجمار لأيام التشريق مرة واحدة ويرمى يوم الثالث عشر (62) أو (63) حصاة فما رأي فضيلتكم؟
الجواب
رأينا أن هذا قول لبعض العلماء: أنه لا بأس أن يجمعها في آخر يوم، والصحيح أنه لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرمي كل يوم في يومه، إلا إذا كان هناك حاجة، مثل: أن يكون منزل الإنسان بعيداً في أقصى منى، ويشق عليه أن يتردد كل يوم فهنا لا بأس أن يجمع ولكن يرمي الثلاث عن اليوم الأول، ثم يرجع ويرمي الثلاث عن اليوم الثاني، ودليل جواز هذا عند الحاجة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخص لرعاة الإبل أن يجمعوا رمي يومين في يوم واحد.(229/13)
جواز الاستماع إلى الدف في المناسبات
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم الدف وما حكم الاستماع للأشرطة في غير الاحتفال مثلاً في المناسبات أو غيرها؟
الجواب
أولاً: اعلم بارك الله فيك أن الأصل في المعازف التحريم هذا الأصل، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) يعني: يستحلون الفرج الحرام، ولبس الحرير، والخمر، والمعازف، فالأصل في جميع المعازف من دفوف وطبول وزمور وغيرها فيها التحريم، وإذا كان الأصل فيها التحريم فإننا لا نخرج من هذا العموم وهذا الأصل إلا ما دل الدليل على جوازه، والذي دل الدليل على جوازه هو الدف في المناسبات إما الزواج أو العيد أو قدوم غائب، فهذا له قيمته في المجتمع، أما الزواج فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك أن يدف فيه ويغنى، وأما يوم العيد فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الجاريتين اللتين تغنيان في أيام العيد فزجرهما أبو بكر فقال: (دعهما فإنها أيام عيد) وأما قدوم غائب فلأن امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد قدومه المدينة وقالت: (يا رسول الله! إني نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك فقال لها: أوفي بنذرك) ولو كان حراماً لم يأمرها أن توفي بنذرها، ما عدا ذلك لا يجوز، وعليه فإذا استعمل الإنسان الدف في المسجل في غير مناسبة فإنه لا يجوز.(229/14)
حكم الأناشيد الإسلامية
السؤال
ما حكم الأناشيد الإسلامية؟
الجواب
الأناشيد الإسلامية -بارك الله فيك- تغيرت حسب ما نسمع، صار الآن يترنم فيها المنشد حتى تكون مثل الأغاني الماجنة.
ثانياً: فيها أصوات رخيمة جميلة تفتن، هذا بقطع النظر عن موضوعها، فلذلك لا نحكم عليها بحل ولا حرمة إلا بشيء معين نعرفه.(229/15)
سكن الأولاد بعد تفرق الزوج والزوجة
السؤال
إذا تفرق الزوج والزوجة وبينهما أولاد من بنين وبنات فمع من يكونون؟
الجواب
يكونون مع من يقضي القاضي به؛ بمعنى: أنهم إذا لم يتفق الزوجان على أن يكون الأولاد عند أحدهما فإن المرجع هو الحاكم الشرعي، وهو ينظر المصلحة، ولهذا يجب أن نعلم أن الحضانة المقصود منها إصلاح المحضون، ولا يجوز أن يقر المحضون بيد من لا يصونه ويصلحه، حتى لو كان له حق الحضانة من حيث الترتيب إذا علمنا أن هذا مهمل لا يبالي، أو علمنا أنه صاحب منكرات، فهنا لا يكون الأولاد عنده ولا حضانة له، المهم أن المرجع في هذا إلى القاضي، وهو عليه أن يتقي الله ويراعي مصلحة المحضون.(229/16)
وجه الجمع بين حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) وحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم)
السؤال
كما هو معلوم في علم المصطلح من الأحوال التي يعرف بها الناسخ من المنسوخ معرفة التاريخ فهناك من الأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث شداد رضي الله عنه: (أفطر الحاجم والمحجوم) في عمرة الفتح، أليس هو منسوخ بحديث ابن عباس عما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أنه احتجم وهو محرم في حجة الوداع؟
الجواب
ما يمكن هذا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما سافر في رمضان إلا في غزوة الفتح ولم يصم، ولـ شيخ الإسلام رحمه الله رسالة تسمى: حقيقة الصيام بين فيها هذا الحكم أتم بيان فارجع إليه.
ثم هو في الواقع من مصلحة الإنسان أن نقول: إنه يفطر بالحجامة؛ لأننا إذا قلنا: إنه يفطر بالحجامة لزم من ذلك أن تحرم الحجامة في صوم الواجب إلا للضرورة، فإذا اضطر إليها واحتجم صار من مصلحته أن نقول له: أفطرت، فكل واشرب حتى تسترد قوة بدنك، فهي في الحقيقة من حكمة الله عز وجل أعني الحكم بأن الحجامة تفطر من حكمة الله عز وجل ورحمته بالصائم، لو قلنا: لا تفطر ثم حجم ثم ضعف بدنه وانهار نقول: تبقى حتى تغرب الشمس!(229/17)
حكم السلام على قارئ القرآن
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم السلام على قارئ القرآن؟
الجواب
السلام على قارئ القرآن إن كنت تشغله وتلبِّس عليه قراءته فلا تسلم عليه، ما لم تعلم أنه يرتقب سلامك وأنك لو لم تسلم عليه صار في قلبه شيء؛ لأن بعض الناس إذا كان يقرأ عن ظهر قلب ثم سلَّم عليه إنسان ضاع موقفه، بمعنى: أنه لا يدري إلى أين انتهت القراءة فيشوش عليه، أما إذا كان يقرأ من مصحف فقارئ المصحف يعرف حيث انتهى، فلا بأس بالسلام عليه.(229/18)
وقوع الحرمة بالرضاع المباشر وغير المباشر
السؤال
امرأة أرضعت طفلة خمس مرات ولكن كانت تضع لها الحليب في الرضاعة هل تحرم بهذا الرضاع مع أن مقدار الرضعة قليل لا يكاد يبلغ ما في الرضاعة؟
الجواب
حسناً! هذه المرأة التي تضع لبنها في رضاعة هل ينقلب هذا اللبن الذي وضع في الرضاعة عصير برتقال؟ لا ينقلب، اللبن هو اللبن، فعلى هذا نقول: العبرة بمعاني الأمور لا بألفاظها، فقوله عز وجل: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء:23] لا شك أن الرضاع المباشر أنه أبلغ لأن اللبن يخرج من ثدي المرأة إلى فم الطفل، وجميع المقومات التي فيه لا تتغير لأنه لا إمكان للتغيير، وإذا وضع في إناء ثم شربه فهو لابد أن يتغير ولكن الأصل موجود، فالقول الراجح: أنه لا يشترط أن المرأة ترضع الطفل مباشرة بل متى شرب لبنها خمس مرات متفرقات فهو ابنها من الرضاعة.
السائل: ولو كان قليلاً يا شيخ؟! الجواب: ولو كان قليلاً ما دام أنه متفرق ولو كان قليلاً.(229/19)
حكم التصوير بكاميرا الفيديو
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم التصوير بكامرات الفيديو وغيرها؟
الجواب
أما التصوير بكاميرا الفيديو فلا بأس به، إلا أن يصور فيه شيئاً محرماً كأن يصور المردان مثلاً الذكور الصغار، أو يصور فيه حفل عرس، أو ما أشبه ذلك مما تكون فيه الفتنة فهذا حرام، وأما إنسان خرج بأهله إلى النزهة وأراد أن يصور رحلتهم فلا بأس به، وكذلك إذا أراد أن يصور محاضرات أن ندوات أو مجالس علم، فلا بأس به، أما الكاميرا الورقية فهذه لا تجوز إلا عند الحاجة فقط، الحاجة مثل: رخصة قيادة بطاقات شخصية وما أشبه ذلك، وإنما قلت ذلك: لأن هؤلاء الذين يصورونها لغير هذه الأغراض المحتاج إليها يجعلونها عندهم يقتنونها كما يقولون للذكرى، واقتناء الصور محرم، إلا ما دعت الحاجة إليه.(229/20)
نفي رؤية الله عز وجل في الدنيا
السؤال
فضيلة الشيخ! في الحديث أو في الأثر: أنه لن يرى أحد ربه أي: في الدنيا، وقيل: أن أحمد بن حنبل رحمه الله رأى ربه، إن كان رآه هل رؤية أحمد بن حنبل رؤية حقيقية لربه أم غير ذلك؟
الجواب
هو ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى وسلم أنه لما تكلم عن الدجال قال: (واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) ولو كان يمكن رؤية الرب في الدنيا لأمكن ذلك في حق موسى عليه الصلاة والسلام، وموسى قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:143] .
فرؤية الرب عز وجل يقظة لا يمكن حتى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أعرج به لم ير ربه، وقد سئل: (هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه) وفي رواية: (رأيت نوراً) يعني ولم أر الله.
أما في المنام فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ربه في المنام، وأما ما يذكر عن أحمد بن حنبل فلا أدري عنه هل ثبت عنه بسند صحيح أو لا؟ فإن ثبت عنه بسند صحيح فهو مثل ضرب له على حسب تمسكه بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله.(229/21)
ضابط المبيت بمنى أيام التشريق
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هو الحد الأدنى في المبيت في منى ليالي التشريق كم ساعات؟
الجواب
الأكثر.
يعني: إذا بقي في منى أكثر الليل فقد أدى الواجب سواءً من أول الليل أو من آخره، فمثلاً: لو بقي في منى حتى انتصف الليل فله أن يغادر، وإذا أراد أن يغادر في آخر الليل لابد أن يغادر قبل منتصف الليل.
الحاصل أن الواجب أن يبيت بـ منى معظم الليل.(229/22)
الكافر لا يرى ربه يوم القيامة
السؤال
الكافر يرى ربه يوم القيامة؟ وماذا يجاب عن الآية: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] ؟
الجواب
أولاً: هل ثبت -بارك الله فيك- أنه يرى ربه قبل كل شيء حتى تقول: ماذا يجاب عن الآية؟ فهو لا يرى الله، الكافر لا يرى ربه عز وجل في الآخرة، لقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] ولقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} [القيامة:24] أي: لا ترى ربها.
أما المنافق فإنه يرى الله عز وجل ولكن في النهاية يحال بينه وبين الله عز وجل كما جاء في حديث أبي سعيد الطويل في كشف الرب عن ساقه فسجد من كان يسجد للرب بإخلاص، ويعجز عن السجود من كان لا يسجد إلا رياء وسمعة نعوذ بالله من هذا.
السائل: يا شيخ! قال في الباب المفتوح: أن الكافر يرى ربه مرة والمنافق يراه مرتين.
الشيخ: لا ما قرأته راجع.
السائل: يا شيخ ألا يوجد كلام لـ شيخ الإسلام في أن الكافر يرى ربه؟ الشيخ: ما أدري، لكن كلام الله الذي بين أيدينا هو ما سمعته.(229/23)
حكم نسخ برامج أشرطة الكمبيوتر
السؤال
فضيلة الشيخ: حكم نسخ البرامج أشرطة الكمبيوتر إذا كانت غالية السعر؟
الجواب
هي لا شك أنها تكلف تكاليف عظيمة على المخرج الأول وربما يقدرون الثمن حسب التكاليف، فإذا نسخت منها وبعت منها بأقل فهذا من بيع المسلم على بيع أخيه، وإذا قدر أنه كافر فالكافر والمعاهد له حق، لا يجوز الاعتداء على حقوقه، لكن إذا قدر أن الثمن في الأصل باهظ جداً جداً وأن هذه المؤسسة قد استوفت أكثر مما أنفقت فهنا تتدخل الحكومة في الموضوع وترغم الشركة بسعر مناسب وإلا ترفع حقوقها.(229/24)
نصيحة من يزاول المنكرات
السؤال
يا شيخ! بالنسبة للموظف أو العامل يكون معنا فمنهم حليق وآخر شعره قزع فتنصحه ولا يستمع، فهل تكرر النصيحة له حتى ينتهي؟
الجواب
إذا كان الإنسان في وظيفة ومعه أناس حالقو اللحى أو مسبلو الثياب فهنا يجب عليه المناصحة، يجب أن يناصحهم بقدر المستطاع، ولا يحرم عليه أن يبقى في هذه الوظيفة لأنهم لا يفعلون منكراً أمامه، وإنما الذي أمامه آثار المنكر وليس المنكر، ولهذا نقول في مسألة شرب الدخان: إذا كانوا لا يمتنعون عن شرب الدخان وأظن أنه ممنوع نظاماً في الدوائر الحكومية، لكن لو فرضنا أن إنساناً لم يبال فإنه لا يحل لك أن تبقى معه إذا كان يشرب الدخان في وقت العمل؛ لأنك بهذا تشاركه في الإثم.(229/25)
حكم من يتقاضى راتباً على إمامة مسجد لا يصلي فيه إلا الجمعة
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا إمام مسجد وخطيب في قرية نائية تبعد عن مقر سكني ستين كيلو متراً تقريباً أو خمسين، وأنا مدرس في القرية التي أسكن فيها، ولا أستطيع أن أصلي إلا وقت الجمعة فقط خطبة الجمعة، أما بقية الأوقات لا أستطيع، والأوقاف لا علم لها بذلك، وتبعد عني ولا أستطيع السكن، والقرية ليس فيها إلا سبعة بيوت تقريباً والبقية يأتون من البادية، ما الحكم في الراتب؟
الجواب
حرام أن تأخذ الراتب وأنت لا تصلي إلا يوم الجمعة؛ لأن الراتب للصلوات الخمس والجمعة، فالذي أشير عليك أن تترك هذه الوظيفة، فإذا كانت القرية محتاجة يعني: ليس فيها من يقوم بهذه الوظيفة السائل: فيها إنسان.
الشيخ: إذا كان فيها إنسان يقوم بالوظيفة بالصلوات الخمس ولا يقوم بالجمعة فأنت اتفق مع الجهة المسئولة عن المسجد على أن تكون إماماً خطيباً فقط.
السائل: وإذا ما وافقت؟ الشيخ: اترك الوظيفة.
السائل: الآن التنازل مثلاً عن الوظيفة ليستلمها هذا الشخص الموجود الذي يختار فيها مثلاً أترك الراتب يستلمه هو ويبقى أو أبلغ الأوقاف وأوقف الوظيفة؟ الشيخ: لابد أن تبلغ الأوقاف.
السائل: إلى شهر أربعة مثلاً فقط.
الشيخ: ولا إلى شهر واحد.
لا بد أن تبلغ الأوقاف وهي تدبر الموضوع.
السائل: طيب الراتب هذا الشيخ: الراتب حرام عليك يا رجل، رده للوزارة وقل لهم: ما أصلي إلا يوم الجمعة فقط.
السائل: والذي فات؟ الشيخ: الذي فات إن كنت تدري عن الموضوع فرده للوزارة.
السائل: سبق أن أفتاني قبل ذلك شيخ جزاه الله خيراً والله أنا لا يحضرني اسمه الشيخ: أفتاك عالم من العلماء؟ السائل نفسه: إي نعم.
الشيخ: ماذا قال؟ السائل: قال: الموافقة من الجماعة فقط، إذا وافقوا عليك الجماعة تصلي فيهم الجمعة لا بأس بذلك، واستمررت على ذلك إلى الآن حتى جئت وسألتك.
الشيخ: على كل حال: ما دمت مستنداً إلى فتوى عالم ليس بعامي من هؤلاء العوام فلا إثم عليك، لكن لتعلم أن هذه الفتوى غلط، فما أخذته بناءً على الفتوى فهو حلال، لكن في المستقبل من الآن انقطع، قدم استقالة.(229/26)
حكم الخراج الذي يعطى للشخص بعد وفاته
السؤال
فضيلة الشيخ! لي عم توفي واستخرجت له خرجية من الخراج وهو متوفى، ما حكم الشيء هو ما كان حي إنما أنها طلعت الخرجية بعد ما توفي وهو صاحب الخرجية، والورثة الآن يستلمون الخرجية، ما حكم ذلك يا شيخ؟!
الجواب
الذي حصل قبل أن يموت حكمها أنها تِركة، يضاف إلى التركة ويقسم قسمة ميراث، وأما المستقبل فالواجب إبلاغ الجهة المسئولة بأن الرجل الذي يصرف له هذا الخراج قد توفي، ثم الجهة تتصرف.
السائل: لكن -يا شيخ- أنت تعلم أن الخراج يمشي لكل واحد متوفى.
الشيخ: لا ما أعلم هذا، أعلم أنه يمشي إلى أن يموت الإنسان، وإذا مات الإنسان فلابد من ترتيب جديد.
السائل: حسناً! يا شيخ! والحل الآن؟ الشيخ: الحل أن يبلغ الجهات المسئولة أن الرجل توفي سنة كذا وكذا، لا تجعل طعامك مشتبهاً اجعل طعامك طيباً، لا تبق على خطر، الغذاء غذاء الروح وليس غذاء البدن، لو يأكل الإنسان لحى الشجر ونبات الأرض خير له من أن يأكل درهماً واحداً حراماً.(229/27)
حكم رد السلام على المذيع أو الشيخ في الإذاعة
السؤال
ما حكم لو سمع المسلم إلقاء المذيع أو الشيخ السلام هل يجب عليه رد السلام جزاكم الله خيراً؟ الشيخ: هل هو صوت مباشر؟ السائل: نعم هو يسمع من الإذاعة الشيخ أو المذيع.
الشيخ: أحياناً يكون مسجلاً ويضعونه على الشريط ويسحبون عليه، إن كان مسجلاً فلا يجب أن ترد؛ لأن هذا حكاية صوت، أما إذا كان غير مسجلاً وهو مباشر فهذا قد أقول بالوجوب وقد لا أقول، أما إذا قلت بالوجوب فالأصل أن هذا سلم إلى كل من يصل إليه خطابه فيجب أن يرد عليه، وأما إذا قلت بعدم الوجوب فلأن المسلِّم لا يسمع الإجابة، ولا يتوقعها أيضاً، حتى المسلِّم في الإذاعة لا يتوقع أن الناس يردون عليه، ولكن الاحتياط أن نرد السلام فيقول: وعليك السلام.
السائل: هذا الأحوط يا شيخ؟! الشيخ: هذا الأحوط وليس بواجب.(229/28)
حكم الزكاة في مال جمعية موظفين في دائرة حكومية
السؤال
فضيلة الشيخ! هؤلاء موظفون في دائرة حكومية يجمعون في كل شهر مائتي ريال من الراتب وهم عددهم خمسون رجلاً ولهم عدة سنوات يجمعون هذه الجمعية؟ الشيخ: كل واحد؟ السائل نفسه: يعني: مائتي ريال في الشهر.
الشيخ: كل شخص مائتين أو المجموعة؟ السائل: مائتان من كل موظف.
الشيخ: كم يصير في الشهر؟ السائل: مائتان من خمسين.
الشيخ: عشرة آلاف.
السائل: الآن -يا شيخ- وصل كل موظف رصيده ما يقارب خمسة عشرة ألفاً فالمبالغ هذه تقرض للمشتركين يعني: للمساهمين، تقرض قرضاً حسناً، ولكن في نهاية العام عند حلول الحول ليس في الصندوق ريالاً واحد هل تجب الزكاة عليهم يا شيخ؟! الشيخ: أولاً: بارك الله فيك! هؤلاء المتبرعون هل هم يتبرعون على أن هذا المبلغ خرج من ملكهم؟ السائل: لا -يا شيخ- هو لهم.
الشيخ: لو طلب أن يسترده يرد عليه؟ السائل: نعم يا شيخ.
! الشيخ: ولو مات يعطون ورثته؟ السائل: نعم يا شيخ! الشيخ: إذاً هو ملكهم.
السائل: نعم؛ لكن ليس موجوداً في الصندوق الآن الشيخ: ليس موجوداً إلا أنه دين.
السائل: نعم دين يا شيخ! الشيخ: فعلى كل واحد منهم أن يزكي نصيبه.
السائل: بعضهم مقترض من نفس الصندوق.
الشيخ: لا يضر.
السائل: هم الآن -يا شيخ- يفكرون أن يشتروا سيارات الشيخ: إذا كان الشخص مقترضاً فنصيبه ما فيه زكاة؛ لأنه استهلكه ونصيب الآخرين.
السائل: المقترض ليس عليه زكاة يا شيخ؟ الشيخ: المقترض ما عليه زكاة لأنه راح.
السائل: نعم عنده مثلاً عشرين أو ثلاثين ألفاً.
الشيخ: ما أخذه أنفقه في طعام ولباس وشراب وبناء وما أشبه ذلك.
السائل: وغير المقترض هل عليه زكاة؟ الشيخ: والمقرض عليه الزكاة.
السائل: يا شيخ! هم الآن يفكرون بأن يشتروا سيارات ويقصدونه حتى ما ينقص المال من الزكاة يقسطونه بعضهم على بعض من رأس المال؟ الشيخ: والله ما أشير عليهم بهذا، وإن كان بعض العلماء يجوزه، لكني لا أشير عليهم لأن هذا فيه نوع من التحيل، وقليل حلال خير من كثير حرام.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(229/29)
لقاء الباب المفتوح [230]
مرور الزمن وتقضيه، وانصرام أيامه ولياليه، مدعاة لمراجعة الذات، وأخذ العبر والعظات، وإبصار المستقبل وفقاً لذلك.
وفي هذا اللقاء تفسير لآية من سورة الحديد تتضمن دعوة المؤمنين إلى تقوى الله، والإيمان برسوله، وبيان ما لهم عند الله إن هم فعلوا ذلك.
وكل ذلك كان مستهلاً لفقرة الأسئلة، وإجابات الشيخ عليها.(230/1)
دروس وعبر من مرور الأيام وتقضي الزمان
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء المتمم للثلاثين بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو أول يوم من شهر محرم عام 1421هـ أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعله عام خير وبركة ونصر وعز للإسلام والمسلمين.
نتكلم في هذه المناسبة على مرور الزمان والأيام، مرور الزمان والأيام كما تعلمون لحظات ودقائق، وساعات وأيام، وشهور وسنوات، كلها تمر وكأنها ساعة من النهار، لو سألت نفسك: كم سنة مرت عليك كم شهراً كم يوماً كم ساعة كم دقيقة كم لحظة؟ لوجدتها وإن طالت كأنها ساعة، قال الله عز وجل: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف:35] .
وعلينا أن نعتبر المستقبل بالماضي، فسيمر المستقبل إن طالت بنا الحياة، سيمر كأنه ساعة، وهذا يجعل المسلم بل المؤمن الحازم في أتم الاستعداد ليوم المعاد، بحيث لا تمضي عليه ساعة إلا وقد عمرها بطاعة الله، إن كان يريد العمر الحقيقي، لأن عمر الإنسان حقيقة هو ما أمضاه في طاعة الله، وما بقي فهو خسارة عليه، إما عذاب وإما سلامة، وما أقل السلامة.
تأمل في الدنيا كلها تجد أنها إقبال وإدبار، ففي اليوم يطلع الفجر منيراً للأفق ثم يزداد إنارة وقوة، ثم يتراجع إلى النقص والاضمحلال بالكلية، تجد القمر أول ما يبدو هلالاً صغيراً كالعرجون القديم ثم يتزايد نوراً حتى يتم ثم يتراجع إلى النقص، هكذا عمر الإنسان يبدو الإنسان مستقبلاً الحياة بنشاط وحزم ثم يعود فيضعف ثم يزول.
قال الله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم:54] .
أوصيكم -أيها الإخوة- بالمبادرة واغتنام الأوقات، وكثرة التوبة والاستغفار كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس! استغفروا الله وتوبوا إليه، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة) هذا وهو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي أخبر الله أنه فتح له فتحاً مبيناً ليغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أكثروا من الذكر، أكثروا من التسبيح والتحميد، وهذا لا يضر، لأنه عمل لسان، وعمل اللسان ليس فيه تعب.
أكثروا من العمل الصالح ما استطعتم، أحسنوا الخلق مع الله عز وجل ومع العباد، ابذلوا ما تستطيعون من الخير والنفع، فإن ذلك من أسباب انشراح الصدر واطمئنان القلب.
وفكر في نفسك ماذا عملت في هذا اليوم؟ إن وجدت نفسك عملت خيراً فاحمد الله، فإنه بتوفيق الله، ولولا توفيق الله لك ما عملت، وإن عملت سوى ذلك فتدارك تدارك بالتوبة، فإن التوبة تهدم ما قبلها، وما أسرع ما نقول: دخل العام ثم خرج.
فالعام الذي مضى كأنه ساعة من نهار، وهكذا ما يستقبل، ولا سيما في آخر الدنيا، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر: أنه يتقارب الزمان، بينما أنت في أول أسبوع وإذا الجمعة، وفي أول الشهر وإذا الهلال، وفي أول السنة وإذا الهلال، بسرعة فائقة، وهذا مصداق الحديث: (ويتقارب الزمان) وليس المعنى كما ظنه بعض أهل العلم: اتساع البلدان حتى يقرب بعضها من بعض، وتكون المسافة التي بين البلدتين يومين بعد أن كانت أربعة أيام، وليس كذلك أيضاً سرعة الاتصالات أو المواصلات بل أهم شيء أن الله سبحانه وتعالى يجعل الزمن بعضه قريبٌ من بعض، وهذا هو الواقع.
اللهم ارزقنا اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات، وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.(230/2)
تفسير آيات من سورة الحديد(230/3)
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله)
نعود إلى الدرس في التفسير يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد:28] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} المراد بهم هذه الأمة.
فيكون قوله: {اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} يعني: اثبتوا على الإيمان لا جددوا الإيمان، لأن الإيمان قد حصل حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فيكون المعنى: يا أيها الذين آمنوا بقلوبكم! اتقوا الله بجوارحكم! {وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} أي: حققوا الإيمان واثبتوا عليه، وليس كل من آمن يكون مؤمناً حقاً، وهذا هو ما يعنيه العلماء بقولهم: هذا نفي كمال الإيمان، مثل قوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ليس المراد نفي مطلق الإيمان بل نفي الإيمان الكامل.
وقد زعم بعض المفسرين: أن هذه الآية في أهل الكتاب، لأنه قال: {وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} ولكن هذا قول ضعيف جداً، ولا يمكن أن ينادي الله عز وجل أهل الكتاب وهم كفرة بوصف الإيمان أبداً، يعني: لا يمكن أن يكون المراد بقوله: يا أيها الذين آمنوا، لا يمكن أن يكون اليهود والنصارى، لأنهم حين نزول القرآن إذا بقوا على يهوديتهم ونصرانيتهم فليسوا مؤمنين.
{اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} والمراد برسوله هنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والإيمان بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتضمن الإيمان بجميع الرسل، كما قال عز وجل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة:285] يعني في الإيمان به لا في الاتباع، في الاتباع نفرق بين الرسل، من نتبع منهم؟ محمد صلى الله عليه وسلم لكن الإيمان كلهم على حد سواء، نؤمن بأنهم رسل الله حقاً.(230/4)
تفسير قوله تعالى: (يؤتكم كفلين من رحمته)
قال تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد:28] أي: نصيبين من رحمة الله، ولهذا مثل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذه الأمة بالنسبة لما قبلها كرجل استأجر أجراء، منهم طائفة من أول النهار إلى نصف النهار، وطائفة من نصف النهار إلى العصر، وطائفة من العصر إلى غروب الشمس، فالطائفة الأولى أعطى كل واحد منهما ديناراً، والثانية أعطى كل واحد ديناراً، والثالثة أعطى كل واحد دينارين، فاحتج الأولون: لماذا تعطي هؤلاء دينارين وهم أقل منا عملاً؟ فأجابهم بقوله: هل نقصتكم من أجركم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء -الحمد لله- فهذه الأمة لها مثل أجر الأمم السابقة مرتين.(230/5)
تفسير قوله تعالى: (ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم)
قال تعالى: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد:28] يعني: أنكم إذا آمنتم وحققتم الإيمان مع التقوى يثيبكم ثوابين ويجعل لكم نوراً تمشون به، أي: علماً تسيرون به إلى الله عز وجل على بصيرة، وفي هذا دليل على أن التقوى من أسباب حصول العلم، وما أكثر الذين ينشدون العلم، ينشدون الحفظ يعني يطلبونه، يطلبون الفهم، فنقول: إن تحصيله يسير وذلك بتقوى الله عز وجل وتحقيق الإيمان الذي هو موجَب العلم، اعمل بما علمت يحصل لك ما لم تعلم، فتقوى الله عز وجل من أسباب زيادة العلم ولا شك، ولهذا قال: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} أي: تسيرون به -أي: بسببه- سيراً صحيحاً يوصلكم إلى الله عز وجل.
{وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذنوبكم} أي: يسترها عليكم ويعفو عنكم، فلا عقاب ولا فضيحة {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: ذو مغفرة ورحمة، كما قال الله عز وجل: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد:6] وقال عز وجل: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف:58] فالغفور أي: ذو المغفرة، والرحيم أي: ذو الرحمة، وذلك أن الإنسان محتاج إلى مغفرة لذنوب وقعت منه وإلى رحمة تسدده ويتجنب بها المعاصي ويهتدي للتوبة إن عصى.(230/6)
تفسير قوله تعالى: (لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله)
ثم قال: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الحديد:29] أي: جعل لكم هذا الثواب ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله، وأنهم لا يستطيعون أن يحسدوكم على ما آتاكم الله من فضله مع محاولتهم الشديدة أن يحسدوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة:109] .
فيقول عز وجل هنا: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} لا إعطاءً ولا منعاً، ((وأن الفضل بيد الله)) هو المدبر لكل ما يريد على حسب ما تقتضيه حكمته {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:29] أي: صاحب الفضل العظيم، وما أعظم فضل الله عز وجل على عباده فقد قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53] .
نسأل الله تعالى أن يؤتينا وإياكم من فضله، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(230/7)
الأسئلة(230/8)
حكم قنوت الوتر وكيفيته
السؤال
فضيلة شيخنا! القنوت في صلاة الوتر هل له دعاء مخصوص، أم للمصلي أن يتخير ما يشاء من الأدعية؟
الجواب
أولاً: القنوت في صلاة الوتر ليس من السنة أن يداوم عليه الإنسان؛ لأن جميع الواصفين لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم في تهجده لا يذكرونها، لكنه قد علمه صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي بن أبي طالب في قوله: (اللهم اهدني فيمن هديت) والأولى في كل موضع فيه دعاء مأثور أن يبدأ بالدعاء المأثور قبل كل شيء، ثم يدعو بما شاء، ولكن إذا كان إماماً فلا ينبغي أن يطيل على الناس، فلقد بلغني أن بعض الناس في القنوت يبقى نصف ساعة أو أكثر وهذا غلط، لأن هذا يمل الناس ويتعب الناس، وإذا قدرنا أنه يتلاءم مع 10% فلا يتلاءم مع 90% وما أكثر الذين يشكون من أئمتهم طول القنوت، فلذلك نقول للإمام: قصر ما استطعت، ودعاء قليل ينصرف الناس بعده وهم يقولون: ليته زاد، خير من دعاء كثير ينصرف الناس بعده وهم يقولون: أطال بنا قطع أعناقنا أتعب أرجلنا، وما أشبه ذلك.
السائل: والمنفرد يا شيخ؟! الشيخ: المنفرد يدعو بما يشاء.(230/9)
حكم التسليم والدعاء عند المرور بالمقابر
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا مر الإنسان من عند المقابر هل يشرع له أن يسلم وهو في الطريق، سواء كان يرى القبور أو لا يراها وهو في السيارة مثلاً؟
الجواب
أما إذا كان يراها، فقد ذكر الفقهاء رحمهم الله: أن المار بها كالواقف -يعني: يسلم ويدعو- وأما من وراء الجدار ففي النفس من هذا شيء، قد يقال: ما دامت هذا الجدار سوراً على هذه المقبرة فإنه يسلم عليها، وقد يقال: أنه لا يسلم لأنه لا يرى قبوراً، لكن في مثل هذه الحال لو دعا دعاءً عاماً لا على أنه دعاء زيارة فهذا حسن.(230/10)
حكم من سب الدين أو سب الرب
السؤال
فضيلة الشيخ! مسألة العذر بالجهل هل تدخل فيها مسألة سب الدين وسب الرب؟
الجواب
هل أحد يجهل أن الرب يجب تعظيمه؟ قل: نعم، أو: لا؟ السائل: لا.
الشيخ: لا أحد يجهل أن الرب له من التعظيم والإجلال ما لا يمكن أن يسبه أحد، وكذلك الشرع فهذه مسألة فرضية في الذهن لا وجود لها في الواقع.
وعلى كل حال: كل من سب الله فهو كافر مرتد، حتى وإن كان يمزح، فيجب أن يقتل، ويجب أن يرفع أمره إلى ولي الأمر، ولا تبرأ الذمة إلا بذلك، ثم إن تاب وأناب وصلحت حاله وصار يسبح الله ويعظمه ويقوم بعبادته، فقال بعض أهل العلم: إن توبته لا تقبل، وإنه يقتل كافراً، قالوا: وذلك لعظم ذنبه وردته، فيقتل، وفي الآخرة أمره إلى الله لكن في الدنيا نقتله على أنه كافر، فلا نغسله ولا نكفنه ولا نصلي عليه ولا ندفنه مع المسلمين ولا ندعو له بالرحمة، هذا هو مذهب الحنابلة المشهور عند الحنابلة الآن، والذي يُعمل به.
وقال بعض أهل العلم: إذا تاب وصلحت حاله وعرفنا أنه استقام وندم، فإنها تقبل توبته ويرفع عنه القتل، وإذا مات فشأنه شأن المسلمين، لأن هذا حق لله، وقد بين الله بكتابه أنه يغفر الذنوب جميعاً فقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] وهذا القول هو الراجح: أننا إذا علمنا صدق توبته وحسن حاله فهو مسلم، لا يحل قتله.
أما من سب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيقتل بكل حال كافراً مرتداً، ولا تقبل توبته أيضاً عند الحنابلة رحمهم الله لعظم ذنبه، ولكن لو تاب وحسنت حاله ورأينا منه تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعظيم شريعته فهل نقبل توبته ونرفع عنه القتل، أم نقبل توبته ولا نرفع عنه القتل؟ هذا القول الثاني هو الصحيح، أننا نقبل توبته ونقول: أنت الآن مسلم، ولكن لابد أن نقتله.
فإن قال الإنسان: كيف تقول: لابد أن نقتله، وأنت تذكر أن سب الرب عز وجل: إذا تاب منه الإنسان فإنه لا يقتل؟ هل حق الرسول أعظم من حق الله؟ الجواب: لا، حق الله أعظم بلا شك، ولكن الله أخبر عن نفسه بأنه يتوب على من تاب إليه والحق لله، إذا تاب الله على هذا العبد وعفا عن حقه فالأمر له، لكن رسوله عليه الصلاة والسلام إذا سبه الساب فقد انتقصه شخصياً والحق لمن؟ للرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن الآن لا نعلم هل الرسول عفا أم لا، لأنه ميت، فيجب علينا أن نأخذ بالثأر ونقتله، وإذا علمنا أنه تائب حقيقة قلنا: هو مسلم يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين.
ويدل لهذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن أقوامٍ سبوه بعد أن أسلموا، عفا عنهم وسقط عنهم القتل.
السائل: وسب الدين؟ الشيخ: سب الدين كسب الرب عز وجل.(230/11)
حكم من اشترى سلعة بثمن مؤجل وباعها لصاحبها بنفس الثمن
السؤال
فضيلة الشيخ! لو أتى رجل واشترى سلعة الرجل بثمن مؤجل، ثم رجع فباعها على نفس الرجل بثمن نقد، ولكنها بنفس ثمن المؤجل فهل يعتبر هذا من العينة؟
الجواب
لا، إذا باع شخص على إنسان سلعة بألف ريال مقسطة، ثم عاد فاشترى السلعة منه بألف ريال نقداً فلا بأس بذلك؛ لأنه ليس ربا، إذ أنه باعها بألف واشتراها بألف، العينة: أنه إذا باعها بثمن مؤجل اشتراها بأقل منه نقداً، مثل: أن يبيعها بعشرة آلاف مؤجلة مقسطة ثم يشتريها نقداً بتسعة آلاف، هذه حرام وهي مسألة العينة.(230/12)
حكم البيع بربح مضاعف أضعافاً كثيرة
السؤال
شخص يبيع سلعته تقريباً بأضعاف ما يقارب العشرة أو الخمسة عشر ضعفاً، ما حكمه؟
الجواب
إذا ربح الإنسان في السلعة ضعفين أو ثلاثة أو عشرة أو ألف ولكنه لم يزد عن سعر السوق فلا بأس، إلا أنه يلاحظ: لماذا اشتراها بهذا الثمن القليل: هل هو لأن البائع الذي باع له أولاً رجل غريب لا يعرف الأثمان، فهذا يجب عليه أن يبلغه، أو إن الأشياء طفرت وزادت بسرعة، فهذا لا شيء عليه.(230/13)
حكم استعمال العطور المحتوية على الكحول
السؤال
ما حكم استعمال العطور على الجسم والملابس، فمن الناس من يمنع هذا ويعلله بوجود الكحول فيها؟ الشيخ: ما هي العطور؟ السائل: الأطياب يا شيخ! الشيخ: الأطياب! هل أحد يسأل عن حكم الطيب، الناس يبحثون عن الطيب (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا) وقال عز وجل: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} [المائدة:100] ما أظن هذا السؤال الذي تريد لعلك تريد شيئاً آخر.
السائل: يا شيخ! العطور الشرقية يقولون: فيها كحول؟ الشيخ: هل الناس يشربونها أم يتطيبون بها؟ السائل: يضعونها على الجسم والملابس.
الشيخ: يعني يتطيبون بها أم يشربونها؟ السائل: لا، لا يشربونها.
الشيخ: أقول: لا بأس باستعمالها، فإن كان الخلط يسيراً كـ 30% أو 40% فهذا لا إشكال فيه، لأن الحكم على الأغلب، وإن كان يسيراً لا يظهر على المخلوط معه فهذا لا بأس فيه لا إشكال في ذلك أيضاً، وإن كان هناك احتمال فلا أحرم ذلك لكنني لا أستعمله، لا أحرمه؛ لأن الآية الكريمة إنما تدل على تحريم الخمر شرباً أو أكلاً، فإن ذلك هو الذي يذهب العقل ويحدث العداوة والبغضاء، أما التمسح به فهذا لا يحدث عداوة ولا بغضاء، ولهذا قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة:90-91] ومعلوم أن هذا أعني إلقاء العداوة والبغضاء لا يكون إلا بالشرب، فلا يظهر أن قوله: (اجتنبوه) يعني: أكلاً وشرباً واستعمالاً، لا يظهر هذا، (اجتنبوه) في هذه الحال التي يكون فيها سبباً للعداوة والبغضاء.
وخلاصة
الجواب
أولاً: الخمر ليس بنجس، أصل الخمر ليس بنجس؛ لأنه لا دليل على نجاسته، ولا يلزم من التحريم أن يكون نجساً، فقد يكون شيئاً محرماً وليس بنجس، كما في السم فهو محرم، وليس بنجس الدخان محرم، وليس بنجس؛ لكن يلزم من النجاسة التحريم، فكل نجس محرم وليس كل محرم نجساً.
هذه واحدة فلا دليل على نجاسة الخمر.
وأما قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة:90] فالمراد بذلك الرجس المعنوي، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28] (نجس) نجاسة حسية أم معنوية؟ معنوية، ولهذا بدن الكافر طاهر.
إذاً النجاسة التي في الآية نجاسة معنوية، وهي نجاسة العمل.
ثانياً: يدل لهذا أيضاً: أنه لما حرمت الخمر وكانت مع الصحابة في أوانيهم أراقوا الخمر في الأسواق ولم يؤمروا بغسل الأواني، ولو كانت نجسة لأمروا بغسل الأواني كما أمروا بغسل الأواني من لحم الحمير حين حرمت.
ثالثاً: أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم براوية من خمر -قربة كبيرة- خمر أهداها للرسول عليه الصلاة والسلام فقال: إنها حرمت -يعني: ولن أقبلها وهي حرام- فسكت الرجل فتكلم معه أحد الصحابة سراً وقال له: بعها.
فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بم ساررته؟ قال: قلت يا رسول الله: بعها، قال: لا، إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) ففتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الراوية، ولو كان الخمر نجساً لأمره بغسل الراوية.
رابعاً: إذا قلنا أن الخمر ليس بنجس فما خلط فيه ليس بنجس من باب أولى.(230/14)
حكم اتخاذ السبحة للتسلية
السؤال
ما حكم السبحة للتسلية؟
الجواب
التسبيح بالسبحة لا بأس به، لكن الأفضل بالأصابع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اعقدن بالأصابع -يخاطب نساءً- فإنهن مستنطقات) وكان هؤلاء النسوة معهن حصى يحصين بها الذكر فقال: (اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات) الأنامل يعني الأصابع، ففي الأصابع أفضل، في السبحة لا بأس به، لكن كما ترى السبحة مشكلة: أولاً: أن بعض الناس يرائي فيها، يشتري سبحة كم فيها من خرزة؟ بعضهم إلى ألف، ثم يعلقها في رقبته كأنما يقول للناس: انظروا فإني أسبح ألف مرة.
وهذا نوع من الرياء.
ثانياً: أن الإنسان الذي يسبح بالمسبحة يكون قلبه غافلاً في الغالب، ولهذا نراهم يعددون هذه الخرزات وهم يلتفتون يميناً وشمالاً مع الذاهب والآتي، فلذلك نرى أن السبحة لا بأس بها، ولكن الأفضل الأصابع.
السائل: أقول: للتسلية هل هي جائز؟ الشيخ: للتسلية ما فيها شيء، كما أن الإنسان أحياناً يتسلى إذا صار معه (مشلح) وفي هذا نسميه (القيطان) تجده يعبث بهذه (القيطان) فلا بأس به.
لكن لا يحدث أن بعض الناس قد تكون في حقه خلاف المروءة يعني مثلاً: لو وجدنا رجلاً فاضلاً عالماً يدخل السبحة في المجالس يلعب بها كذا كذا يُنتقد.(230/15)
حكم بيع السلعة المشتراة قبل حيازتها
السؤال
فضيلة الشيخ! انتشر في الآونة الأخيرة شراء الصابون بالتقسيط، وعدم انتقال الصابون من أجل القيمة، والذهاب بالفاتورة إلى محل آخر لبيع الصابون وهو في مكانه، ويشترط على من اشترى منه: أن يأخذ الصابون من المحل السابق فما رأيكم؟
الجواب
رأينا أن هذا لا يجوز في ظاهر السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تشترى، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فنقول: هذه الكراتين التي اشتريت لا تبع منها ولا واحداً حتى تنقله إلى الدكان أو إلى بيتك.(230/16)
حكم المتاجرة بالمال الذي نذر به لله تعالى
السؤال
فضيلة الشيخ! شخص نذر قيمة قطعة أرض لله سبحانه وتعالى الشيخ: القيمة أم الأرض؟ السائل: قيمة الأرض.
الشيخ: نعم.
السائل: وباع الأرض وحصل على القيمة، ثم نذر في نفس الوقت بأنه إذا ربح في تجارة أن ينفق جزءاً منها في سبيل الله وحصل هذا الشيء له، فجمع المبلغين، هل يجوز له أن يتاجر فيها لله سبحانه وتعالى، أم ينفق المبلغ كاملاً؟
الجواب
الواجب على من نذر شيئاً أن يبادر بالوفاء به، ولا يتأخر، فإذا نذر أن تكون قيمة هذه الأرض في مسجد مثلاً أو في أعمال البر؛ وجب عليه أن يبيعها فوراً، ولو كانت لا تساوي إلا (10%) من قيمتها، ثم يتصدق بها، يصرفها في المسجد أو غيره مما يتعين، وأما كونه يقول: سأتاجر بها لعلها تزيد، فهذا حرام عليه؛ لأنه قد نذرها لله، ولأنه لا يأمن فقد يتاجر ويخسر، ولا يأمن أيضاً أن نفسه الشحيحة إذا حصل الربح قال: لي نصفه أو لي كله، ثم لا يأمن الموت قد يموت ويتولاها الورثة ولا ينفقونها، فالواجب إذا نذر الإنسان أن يتصدق أو يصرف قيمة هذه الأرض في مسجد أو عمل خير أن يبادر فيبيعها ويصرفها في أعمال الخير.(230/17)
شبهتان في أن (ذلك الكتاب) لا تعني القرآن وفي تسمية الرسول أحمد
السؤال
فضيلة الشيخ! أحد الناس من غير المسلمين قال بشبهتين ما عرفنا الإجابة عليها: في قوله تعالى: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:1-2] فيقول هو: الكلمة: (ذلك الكتاب) لا تعني هذا الكتاب.
والشبهة الثانية: عن قول رسول الله عيسى عليه السلام: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] واسم الرسول صلى الله عليه وسلم محمد، فكيف يكون الرد عليه حفظكم الله؟
الجواب
أما قوله عز وجل: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} فقد أجمع المسلمون من مفسرين وفقهاء: أنه كتاب الله عز وجل، هذا القرآن، لأنه أشار إليه {ذَلِكَ الْكِتَابُ} وكون الإشارة إليه بالبعيد مع قربه دليل على عظمته وارتفاع منزلته، ولهذا قال في آية أخرى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] هذا القرآن ولا لبس في هذا ولا تلبيس.
وأما قول عيسى: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] فيقال: نعم، الرسول عليه الصلاة والسلام له أسماء متعددة: أحمد محمد العاقب الحاشر، أسماء كثيرة معروفة، ولا مانع من أن يتسمى الواحد بعدة أسماء فهو أحمد ومحمد ويدل على هذا قوله عز وجل في نفس السورة: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [الصف:6] من الذي جاءهم؟ أحمد {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} وجاء فعل ماض يدل على أن المجيء قد سبق بعد البشارة، ولا نعلم في التاريخ أن بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم رسولاً.
وألهم الله تعالى عيسى أن يقول: اسمه أحمد، لحكمة بالغة عظيمة حيث جاء باسم التفضيل أحمد لينبه بني إسرائيل على أن هذا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحمد الناس لله عز وجل.
والثاني: أنه أحمد من حمد فالناس يحمدون فلان وفلان وفلان وأحمد الناس أحق أن يحمد وهو الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى لا يقول بنو إسرائيل: إن هناك رسولاً أفضل منه.(230/18)
حكم بيع الدش للانتفاع بثمنه
السؤال
شخص توفي وعنده طبق استقبال (جهاز رسيفر مع الدش) الحكم في بيعها -يا شيخ- ووضعها في بيارة مسجد أو شارع؛ أليس أحسن من تكسيرها يا شيخ؟
الجواب
يبيعها على من؟ السائل: على أي إنسان يستخدمه، وأصلاً تباع في السوق يا شيخ! الشيخ: على من يبيعها؟ السائل: على أي شخص.
الشيخ: لا يصلح.
السائل: هي موجودة في السوق يا شيخ! الشيخ: ولو وجدت في السوق.
السائل: الذي سيشتريها يشتريها من هذا الشخص أو من شخص آخر.
الشيخ: ما علينا منه.
السائل: أما ترى يا شيخ! أن تكسيرها فيه إضاعة للمال؟ الشيخ: ليس فيه إضاعة للمال لأنه محرم، لو باعها على شخص واستعملها في محرم صار هذا البائع معيناً له عليه، أليس كذلك؟ أجب.
السائل: حسناً لو باعها على كافر يا شيخ؟ الشيخ: اسمع يا رجل! لا تحاول أن تحيد، لو باعها على واحد واستعملها في محرم هل يكون معيناً أو لا؟ السائل: نعم معين.
الشيخ: والتعاون على الإثم حرام في دينك أم حلال؟ السائل: حرام.
هل ترى تكسيرها يا شيخ؟ الشيخ: أنا أرى تكسيرها نعم، إلا لو جاء إنسان عرفت أنه رجل تقي وأنه يتقي من الشر وأنه سوف ينتفع بها في عرض الأفلام المباحة فهذا ربما نقول لا بأس، وإتلاف المال للمصلحة جائز، أليس الغال الذي يغلِّ في الجهاد من الغنيمة أليس يحرق رحله؟ يحرق رحله لو هي حتى سيارة حرقت.
أليس سليمان عليه السلام لما عرضت عليه الخيل حتى غابت الشمس قال: ردوها علي فعقرها وقتلها، فهو إتلاف لكن لمصلحة.(230/19)
حكم تألف الطلاب بزيادة درجاتهم
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لتألف الطلاب في زيادة الدرجات هل هذا من باب تألف النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأقوام في الإبل.
؟
الجواب
لا، هذه خيانة، تأليف الطالب أن تعامله باللطف والإحسان والهدايا المشجعة وما أشبه ذلك، أما أن تعطيه درجات لا يستحقها فهذا خيانة، وظلم للتلاميذ الآخرين، ولو فتح هذا الباب لكان كل واحد يعطي الطلبة مائة بالمائة، لماذا يا رجل؟ قال: نؤلفهم.
لأن المسألة لها طرف آخر بين الطالب من الطرف الآخر؟ بقية الطلاب، إذا أعطيته مثلاً مائة وهو يستحق خمسين وصاحبه الآخر يستحق ثمانين معناه: أنك ظلمت الثاني، جعلت هذا قبله وهو دونه في الدرجات، عسى ما أنت فعلت؟ السائل: يصير يا شيخ! الشيخ: يصير، انظر الذي نجح من هذا التأليف ألفه ثانية وقل له: ارجع وأعد الامتحان، إن كان في الشهادة أما في غير الشهادة إن شاء الله فهو أهون، خله يمشي وغير اليوم لا تؤلفه على هذا الوجه.(230/20)
أجر المشتركين في بناء مسجد
السؤال
فضيلة الشيخ! أطال الله في عمرك على طاعته، شخصان أو ثلاثة أشخاص أو أكثر اشتركوا في بناء مسجد هل يكتب لكل واحد منهم أجر بناء مسجد، أم أقل من ذلك؟
الجواب
هل قرأت إذا زلزلت؟ ماذا قال الله في آخرها؟ السائل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7] .
الشيخ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] كل واحد له أجر ما عمل، لكن يكون له أجر ثان من جهة ثانية وهي التعاون على البر؛ لأنه لولا اجتماع هؤلاء كل واحد أتى بقليل ما قام البناء، فنقول: له أجر عمله وله أجر المساعدة والمعارضة، مثال ذلك: رجل أنفق مائة ريال صدقة له أجرها، أنفق مائة ريال في بناء مسجد، هذه النفقة صار فيها نفع من وجهين: أولاً: العمل يعني: أجر هذه الدراهم، والثاني: المساعدة حتى يتكون المسجد، لكن إذا تبرع هذا الرجل للمسجد بعشرين ألفاً، وهذا بعشرين ريالاً، فلا يمكن أن نقول: هم سواء، كل له أجر البناء كاملاً، هذا لا يمكن.
انظر يا أخي! الثواب حسب العمل، نقول: هذا له أجر عمله على قدر ما أنفق وله أجر التعاون على إقامة هذا المسجد.(230/21)
حكم سجود التلاوة داخل الفصل الدراسي
السؤال
بالنسبة لسجود التلاوة للطلاب هل يلزم سجود التلاوة داخل الفصل؟
الجواب
لا، لا يلزم داخل الفصل، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن زيد بن ثابت قرأ عليه سورة النجم ولم يسجد فيها، وثبت عن عمر أنه قرأ سجدة النحل على المنبر فنزل وسجد ثم قرأها في الجمعة الثانية ولم يسجد، وقال: [إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء] وأنت تعلم أننا لو قلنا للطلاب: اسجدوا، لكان فيها مفاسد في الواقع: أولاً: الاتجاه إلى القبلة، وقد لا يمكن الاتجاه إلى القبلة.
ثانياً: الاضطراب في الفصل.
ثالثاً: قد يكون بعضهم على طهارة وبعضهم على غير طهارة.
رابعاً: أن ظني أنه سيكون هناك ضحك، كل واحد يضحك على الثاني.
فلذلك لا أرى أن يسجد الطلاب في مدارسهم، والحمد لله ما دام الأمر ليس بواجب فنحن في سعة وحل.
السائل: هل تلزم الطهارة لهذا السجود؟ الشيخ: نعم لابد من ذلك لأنها صلاة.(230/22)
بناء بيت لإمام المسجد ليس كبناء المسجد
السؤال
بناء بيت للإمام أو المؤذن هل يعتبر من عمارة المسجد؟
الجواب
لا، لكن لا شك أن فيه خيراً وفيه مساعدة، لكن لا يعتبر كبناء المسجد لأن بينهما فرقاً عظيماً، وكم من إنسان أتى إلى المسجد إماماً أو مؤذناً بدون بيت، وكم من إنسان ترك ذلك مع وجود البيت، لكن صحيح أن وجود البيت للإمام والمؤذن يعينه على أداء الواجب؛ لأنه يكون قريباً يسهل عليه أن يذهب إلى المسجد ويصلي، أو يذهب إلى المسجد ويؤذن.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(230/23)
لقاء الباب المفتوح [231]
في هذا اللقاء تفسير آية الظهار مع بيان بعض الأحكام التي تتعلق بالظهار من حيث الجواز والمنع والكفارة وغيرها من الأحكام المتناثرة في هذه المادة.(231/1)
تفسير آيات من سورة المجادلة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا اللقاء هو اللقاء الحادي والثلاثون بعد المائتين من اللقاءات التي تعرف باسم لقاء الباب المفتوح، وتتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثامن من شهر محرم عام (1421هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بالكلام بما ييسره الله عز وجل على سورة المجادلة ويقال: المُجَادَلَة، والمُجَادِلَة: على أنها اسم فاعل، والمُجَادَلَة: على أنه مصدر جادل يجادل مجادلة.(231/2)
تفسير قوله تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك)
يقول الله عز وجل بعد ذكر البسملة -والبسملة تقدم الكلام عليها كثيراً- يقول عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة:1] (قد) هنا للتحقيق والتوكيد {سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة:1] وهي امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، تشكو زوجها، أنه بعدما كبر سنه وسنها ظاهر منها، وقال لها: أنت عليَّ كظهر أمي، وهذا هو الظهار، وكان الظهار في الجاهلية يعني: الطلاق البائن الذي لا تحل به المرأة، وتكون حراماً عليه أبداً، هذه المرأة جاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعد هذا السن والأولاد والتعب مع هذا الزوج يظاهر منها، فبين الله عز وجل أنه قد سمع قولها، وقوله: {تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1] أي: في شأن زوجها، حين قال: أنتِ عليَّ كظهر أمي.
{وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة:1] أي: ترفع الشكوى إلى الله عز وجل؛ ليقضي حاجتها تبارك وتعالى، فنزل الوحي في الحال على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأفتاه الله في ذلك، ثم أكد هذا السمع بقوله: {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:1] أي: تراجعكما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يراجعها ويأمرها أن تصبر وأن تنظر حتى يأتي الله بأمره.
وفي هذه الآية: دليل على سعة سمع الله عز وجل، وأنه يسمع كل شيء، قالت عائشة رضي الله عنها: [الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات] وفي حديث آخر: [تبارك الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تجادله في زوجها وإني في الحجرة ويخفى عليَّ بعض حديثها] فحمدت الله عز وجل على كمال صفاته، حيث يسمع الله فوق العرش فوق سبع سماوات حديث هذه المرأة وعائشة في الحجرة لا تسمع.
وفي هذا التحذير من قول الإنسان ما لا يرضي ربه عز وجل، وأنه مهما أخفى القول فإن الله تعالى يسمعه، قال الله تعالى في آية أخرى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] يعني نسمع (سرهم) ما أخفوه في نفوسهم (ونجواهم) ما تناجوا به.
ولكن الصحيح: أن قوله: (سرهم) يعني: ما تسار به الرجلان، والنجوى: ما كان حديثاً بين القوم، لأن قوله نسمع لا ينطبق على السر الذي في القلب، إذا كان إلى جنبك ثم كلمته سراً لا يسمى نجوى، وإذا تكلمت في المجلس بكلام مرتفع فإنه يسمى نجوى.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1] يسمع كل شيء، ويرى كل شيء عز وجل، فإياك أن تسمع ربك ما لا يرضى، وإياك أن تري ربك بأفعالك ما لا يرضى، كل شيء معلوم عند الله عز وجل.
لكن إذا قال الإنسان: أنتِ عليَّ كظهر أختي هل يكون كقوله: كظهر أمي؟
الجواب
نعم يكون؛ لأنه لا فرق، وأما ذكر الآيات من ظاهر من أمه فهذا بناءً على أنه الغالب، أن الإنسان يظاهر بأمه، لكن لو قال: أنت عليَّ كظهر عمتي، فالحكم كذلك، والضابط في هذا: أن يشبه زوجته بمن تحرم عليه تحريماً مؤبداً.
فالأم أو البنت أو الأخت أو العمة أو الخالة أو بنت الأخ أو بنت الأخت الحكم فيهن واحد، ولو شبهها بغير الظهر بأن قال: أنت عليَّ مثل رأس أمي أو مثل فرج أمي فهل الحكم واحد؟ الجواب: نعم الحكم واحد، هو كالظهر، لكن ذكر الظهر بناءً على الغالب المعروف في ذلك الوقت.(231/3)
تفسير قوله تعالى: (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم)
ثم قال الله عز وجل: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} [المجادلة:2] بين الله عز وجل كذب هؤلاء فقال: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} الخبر: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} أي: لسن أمهاتهم، من الأم؟ التي ولدتك {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} فكيف يجعل هذه المرأة المحللة له، التي يجوز أن يجامعها أمه التي لا يمكن أن تحل له بأي حال من الأحوال، هل هذا حق وصدق أم لا؟ الجواب؟ لا، ولهذا قال: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} (منكراً من القول) لأنه حرام، (وزوراً) لأنه كذب، فليست أمه، وفي هذا دليل واضح على تحريم الظهار، وأنه من المنكرات ومن الزور، ولا يحل لإنسان أن يظاهر من امرأته، فإن حرَّم امرأته بلا ظهار بأن قال لها: أنت عليَّ حرام، فهل هو ظهار، أو طلاق، أو يمين؟ في هذا خلاف بين العلماء رحمهم الله، والصحيح أنه يمين، فإذا قال الرجل لزوجته: أنت عليَّ حرام فهو يمين لدخولها في عموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم:1-2] وبين الله عز وجل أن تحريم الحلال يمين {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} فتحريم الحلال يمين لا فرق فيه بين الزوجة وغيره، قد يقول قائل: إن التحريم إذا قال لزوجته: أنت عليَّ حرام مثل أنت علي كظهر أمي؟
و
الجواب
أن هذا خطأ؛ لأنه إذا قال: أنت عليَّ كظهر أمي فقد شبه أحلَّ شيء له في الاستمتاع بأحرم شيء عليه، ثم إن فيه استخفافاً بالشريعة أن يشبه هذا بهذا، ثم إنه قد يكون فيه أيضاً استهانة بالأم أن يجعل الزوجة مثلها، فعلى كل حال الفرق بين العبارتين واضح، والحكم الشرعي بينهما في الفرق بينهما واضح، فقد جعل الظهار له حكم، وجعل الله التحريم له حكم آخر، فهذا القول هو الراجح: أن تحريم الزوجة كتحريم غيرها يمين، فهو كما لو قال: حرام عليَّ أن ألبس هذا الثوب.
ثم لبسه نقول: عليك كفارة يمين.
فإن قال لزوجته: أنت عليَّ حرام.
ثم جامعها نقول: عليه كفارة يمين ولا فرق.
ثم قال عز وجل: {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة:2] (عفو) عن التقصير في الواجبات (غفور) عن فعل المحرمات، وما أوسع عفو الله عز وجل، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر:45] .(231/4)
تفسير قوله تعالى: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا)
ثم بين الله حكم الظهار الحكم الذي يسميه الأصوليون الحكم الوضعي بمعنى: ماذا نعمل إذا حصل الظهار؟ فقال عز وجل: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة:3-4] الآن كم خصلة ذكر الله عز وجل؟ ثلاثاً: تحرير رقبة، وصيام شهرين متتابعين، وإطعام ستين مسكيناً.
هذه كفارة الظهار إذا عاد الإنسان لما قال، ومعنى عودته لما قال: أن يعود لامرأته التي جعلها كظهر أمه بأن يعزم على أن يجامعها، فنقول: قبل أن تجامع كفر.
أولاً: تحرير رقبة ومعنى التحرير: تخليصها من الرق، يعني: يكون عند الإنسان عبداً مملوكاً فيعتقه، أو يشتريه من السوق ويعتقه، فإن لم يجد ثمن الرقبة أو لم توجد الرقبة، كمثل هذا العصر الآن فإنه لا يوجد فيما نعلم رقيق.
{فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} أي: فعليه صيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما إلا لعذر شرعي، الشهران هل هما ستون يوماً، أو هما هلالان؟
الجواب
الثاني، أي: هلالان، فلو قدر أن الشهر الأول ناقص والثاني ناقص، ستكون الأيام ثمانية وخمسين يوماً، ولا حرج؛ لأن الله لم يقل ستين يوماً، قال: (شهرين متتابعين) وقوله: (متتابعين) يعني: يجب ألا يفطر بينهما إلا لعذر، كالسفر والمرض، فإن لم يتابع بأن أفطر يوماً في أثناء الشهرين بدون عذر فعليه أن يستأنف؛ لأن الله اشترط أن يكون الشهران متتابعين، فلابد أن يستأنف.
{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} أي: من قبل أن يجامع أحدهما الآخر، فيبقى صابراً عن امرأته مدة شهرين، هذا إن شرع في الصوم مباشرة، أما إذا تأخر ربما يتأخر -مثلاً- شهر ثم يصوم، فيبقى عن أهله ثلاثة أشهر.
{ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} [أي: تزجرون به عن هذا القول المحرم المنكر.
فمن لم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين، إما لمرض وإما لشدة شبق يعني: شهوة للجماع وما أشبه ذلك {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} أي: فعليه أن يطعم ستين مسكيناً، وهل يطعم ستين مسكيناً قبل أن يجامع، أو له أن يجامع قبل أن يطعم؟ في الرقبة قال: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وفي الصيام قال: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وفي الإطعام لم يذكر الله هذا الشرط: (من قبل أن يتماسا) فظاهر الآية الكريمة: أنه يجوز أن يرجع إلى زوجته ويجامعها قبل أن يطعم، ولكن أهل العلم يقولون: إن الإطعام كغيره، لا يرجع إلى زوجته حتى يطعم، وقالوا: إذا كان الله تعالى أوجب أن تكون الكفارة قبل الجماع في العتق وهذا قد يتأخر ربما يبقى الإنسان يبحث عن رقبة شهراً أو شهرين أو أكثر، في الصيام وهو شهران يبقى لا يجامع زوجته حتى يصوم، فما بالك بالإطعام؟ الإطعام يمكن أن يطعم خلال نصف ساعة أليس كذلك؟ يقولون: فإذا كان العتق والصيام يجب أن يتقدم الرجوع فالإطعام من باب أولى، ولكن كيف يطعم ستين مسكيناً؟ إطعامهم على وجهين: الوجه الأول: أن يصنع غداءً أو عشاءً ويدعو ستين مسكيناً، فإن لم يتسع المكان للستين دعا عشرة اليوم وعشرة آخرين من الغد وعشرة آخرين من الغد حتى يكمل ستين مسكيناً، غداء أو عشاء، فإن لم يصنع غداء أو عشاء فليطعم كل مسكين كيلو من الرز ومعه لحم، يعني: يأخذ أكياساً من (النايلون) ويجعل فيها كيلو من الرز ومعه لحم، لحم قليل يكفيه لوحده، ويوزعه على ستين مسكيناً، وبذلك تتم الكفارة.
لكن إذا كان الإنسان لا يستطيع حتى الإطعام، فهل نقول: لا تقرب زوجتك حتى تقدر على الإطعام أو الصيام أو إعتاق الرقبة؟ نقول: قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] وعلى هذا فيأتي أهله ولا حرج عليه.
{فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي: أوجبنا ذلك ليتحقق لكم الإيمان، فإنه كلما كان الإنسان ممتثلاً لأمر الله مع المشقة، ازداد إيمانه ورغبته فيما عند الله.
{لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} يعني: محمد صلى الله عليه وسلم {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ختم الآيات بهذه الجملة، كأنه يقول: استعدوا للعذاب الأليم إن لم تؤمنوا بالله ورسوله فتؤدوا ما أوجب الله عليكم من الكفارة.(231/5)
الأسئلة(231/6)
حكم تأجير المنزل لمن يستخدم الدش
السؤال
فضيلة الشيخ! شخص عندنا له استراحة قد أجرها على أناس أو على شباب وضعوا فيها دشاً وقد نصح مراراً لكن لم يستفد، وهذا الشخص يظهر عليه الصلاح وهو إمام مسجد، السؤال: هل المال الذي يأخذه منهم حلال؟ وما هي النصيحة التي توجهونها إليه وفقكم الله؟
الجواب
هذا يقول: أن رجلاً أجر استراحة له لقوم وضعوا فيها الدش فهل الأجرة حلال أو حرام؟ هذا ينبني على عقد الإجارة لهؤلاء هل هو حلال أو حرام؟ إن كانوا استأجروها من أجل أن يضعوا فيها هذا الدش ويسهروا عليه فهذا العقد حرام والكسب حرام، وأما إذا أجرها من أجل أن يخرجوا إليها في آخر النهار ويسهروا فيها ما شاء الله ثم يرجعوا إلى بيوتهم فهذا ليس بحرام، ولكن إذا رآهم وضعوا الدش فإذا تم العقد الذي بينهم يقول لهم: إما أن تخرجوا الدش، وإما أن تخرجوا.(231/7)
حكم لبس الخاتم للرجال
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم لبس الخاتم للرجال؟!
الجواب
التختم للرجال -يعني: لبس الخاتم- إن كان من ذهب فهو حرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذهب والحرير: (حِلٌّ لإناث أمتي حرام على ذكورهم) ورأى رجلاً عليه خاتم ذهب فقال: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار يضعها في يده، ثم نزع النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم بيده ورمى به) فلما انصرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قيل للرجل: خذ خاتمك، قال: لا آخذ خاتماً رمى به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما إذا كان من غير الذهب كالفضة، فإذا كان لحاجة فهو سنة، كالقاضي والأمير والوزير ومن لهم معاملة يحتاج إلى إثبات بختمه، فهذا سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يكاتب الملوك قيل له: إنهم لا يقبلون إلا كتاباً مختوماً فاتخذ الخاتم، وأما لمجرد الزينة فلا يسن له.(231/8)
الأفضل في صوم يوم عاشوراء
السؤال
هل يكفي أن يصوم المسلم العاشر فقط من المحرم حتى تكفر عنه سنة كاملة؟
الجواب
يعني عاشوراء: وهو العاشر من شهر المحرم، إذا صامه الإنسان فقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه يكفر السنة التي قبله، لكن الأفضل ألا يفرده بصوم، بل يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده.(231/9)
حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول؟
الجواب
الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في التشهد الأول اختلف فيها العلماء: منهم من قال إنها سنة، ومنهم من قال ليست بسنة، وهذا هو الصحيح أنها ليست بسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم التشهد، لم يذكر فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لما قيل له: (يا رسول الله! علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد) ثم إنه قد ورد حديث في السنن ذكره ابن القيم في زاد المعاد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف هذا الجلوس حتى كأنما جلس على الرضف والرضف: الحجارة الحامية.
القول الراجح: أنه لا يزيد على قوله وأن محمداً عبده ورسوله.(231/10)
حكم لبس النظارات السوداء
السؤال
ما حكم لبس النظارات السوداء لغير الحاجة؟
الجواب
ماذا يريد بها إذا كانت لغير حاجة، كيف يلبس نظارات سوداء لغير الحاجة؟ السائل: كالشمسية مثلاً.
الشيخ: طيب إذاً هذه حاجة، إذا كان عينه ما تتحمل نور الشمس الساطع هذه حاجة.
السائل: يقصد الزينة.
الشيخ: لا.
لا يقصد الزينة لا أحد يتزين بهذه أبداً، هل يتزين بنظارة سوداء؟ أبداً.
على كل حال للحاجة لا بأس بها، حتى لغير الحاجة لا أستطيع أن أقول: إنها حرام؛ لأن الأصل الحل في كل شيء.
فمن قال حرام يقال: عليك الدليل، إلا شيئاً واحداً وهو العبادات، فالأصل فيها التحريم إلا ما دل الدليل عليه.(231/11)
حكم من أحدث أثناء الطواف
السؤال
إذا كنت حاجاً ثم في طواف الحج أحدثت في الشوط الرابع فذهبت وتوضأت ورجعت فهل أبدأ من الأول أو أتم الرابع؟
الجواب
لا، هذه المسألة خطيرة، طوافك غير صحيح، لماذا؟ لأن الذين يقولون: إنه لابد من الوضوء يقول: لما انتقض الوضوء بطل الطواف، وإذا بطل لا يمكن البناء عليه، والذين يقولون: إن الوضوء ليس بشرط تكون هذه المدة قطعت الموالاة يعني: متى يخرج؟ ومتى يجد مكاناً فارغاً يتوضأ فيه؟ ومتى يرجع؟ فعلى هذا الرجل الآن: أن يذهب إلى مكة وإن كان صاحب زوجة لا يقربها، حتى يذهب إلى مكة ويطوف بثيابه طواف الإفاضة ويرجع، وإن أحب أن يحرم من الميقات بعمرة فيطوف ويسعى ويقصر ثم يطوف طواف الإفاضة فلا بأس.
فبلغه.(231/12)
حكم الاجتماع للتعزية
السؤال
بالنسبة للتعزية في البيت يقيمونها ثلاثة أيام، أحياناً العمة وابن الخالة وابن العم يأمرك بالتواجد في التعزية وتحدث لنا إحراجات يعني قد يكون خصام بين العم، وقد لا يكلمك أشهراً وقد حدث هذا معي، فما قولك؟
الجواب
الاجتماع للتعزية بدعة، ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه يجتمعون لها، مع أنه أحياناً يصحبها من المنكرات أشياء كثيرة، فلا تحضر الاجتماع، ولا تفتح بابك للاجتماع، ومسألة: أن فلان يغضب أو لا يغضب، لا عبرة به، ما دام هدي النبي صلى الله عليه وسلم يخالف هذا، نحن مأمورون باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] .
ثم إن في فتح الباب للتعزية إشعاراً بأن أصحاب المصيبة ما رضوا، كأنهم يقولون للناس: يا أيها الناس! تعالوا عزونا.
وفي الله عز وجل عزاء من كل هذا، فأرى أن تقاطعها، ومن هجرك أو قطع صلتك فالإثم عليه هو، وأنت لا تهجره ولا تقطع صلته والإثم عليه هو.(231/13)
حكم المداومة على ذكر لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في وقت معين
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم المداومة على ذكر لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في وقت معين كأن يقول بعد كل صلاة عصر: باسم الله عليَّ وعلى ذريتي وعلى أهلي وعلى أهل بيتي وعلى؟
الجواب
هو على كل حال هذا من الأوراد، والأوراد المسائية تكون من بعد العصر ومن بعد الغروب، أما لو اعتقد أن هذا ذكر متصل بالصلاة لا لأنه آخر النهار فهنا يمنع؛ لأن العبادة لا تتم فيها الموافقة إلا إذا اجتمع فيها ستة شروط: أن تكون موافقة للشريعة في السبب، وفي الجنس، وفي القدر، وفي الهيئة، وفي الزمان، وفي المكان.
وإذا خالفت الشريعة في واحد من هذه فليس من الشريعة، ولو أن الإنسان كلما دخل بيته صلى ركعتين وقال: هذا تطوع بالصلاة، نقول له: لا، تقييدك هذا بدخول البيت بدعة لم يرد في الشريعة أن دخول البيت سبب في صلاة الركعتين، فتكون مردودة على صاحبها، وهو آثم أيضاً.
فهذا الذي قيد هذا الدعاء بصلاة العصر نسأل: هل أنت قيدته تبعاً للصلاة، أو لأنه وردك الذي تريد أن تقرأه في آخر النهار؟ إن قال: إن هذه نيتي فليس عليه شيء، وإن قال الأول، قلنا: لا.
السائل: إن كان هذا ورده ليس عليه شيء؟ الشيخ: نعم إذا كان ورده فلا.
إذا كان لصلاة العصر، لكن لأنه آخر النهار لا شيء عليه.(231/14)
حكم الاشتراك مع شركة هاتف مقابل مبلغ معين
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة للعروض التجارية لشركة الهواتف المتنقلة -الهواتف الجوالة- في الأصل الشركات تلزم المشترك باشتراك سنوي يدفعه بالإضافة إلى تكاليف المكالمات الشهرية التي يتكلم فيها بالدقائق، وفي بعض العروض حالياً -يا شيخ- تقول الشركة: نحن نسقط عنك الاشتراك السنوي بشرط أن تدفع عشرة دنانير شهرياً، والعشرة دنانير هذه من ضمنها المكالمات، فإذا تحدثت بمبلغ عشرة دنانير لا طالب ولا مطلوب، وإن زادت مكالماتك عن عشرة دنانير يأخذوا منك بقدر الزيادة بسعر معين للدقيقة، أما إذا جاء مشترك وتحدث -مثلاً- بستة دنانير وانتهى الشهر تقول الشركة: الأربع الدنانير الباقية لا تعود إليك وما ترحل للشهر القادم فما حكم هذه المعاملة؟ الشيخ: يعني الإشكال الآن: هل هو في الشركة التي اشترط فيها أن يلتزم إلى مدة سنة، أو الإشكال في أنه إذا كلم فما زاد على العشرة الدنانير فهو عليه وما نقص فهو عليه؟ السائل: الإشكال في الثاني.
الشيخ: هذا ليس فيه إشكال، لأنه إذا حدد السقف الأعلى انتهى ولم تبق مشكلة.
إذا قيل لك: مكالمة في حدود عشرة دنانير فلا إشكال في هذا، لأنه إذا تكلم في خمسة دنانير يعني مقدار خمسة دنانير فهو قد عرف أن الزائد قد ذهب عليه من أصله.
السائل: الزائد يذهب عليه.
الشيخ: يذهب عليه باختياره.(231/15)
حكم بقايا الأكل بين الأسنان في الصلاة وحكم مس المصحف بغير طهارة
السؤال
سماحة الشيخ! ما حكم بقايا الأكل بين الأسنان في الصلاة؟ وما حكم مس المصحف بغير طهارة؟ الشيخ: أما بالنسبة لبقايا الطعام بالأسنان فلا بأس أن يبقى بين الأسنان ولو صلى الإنسان، لكن لو انفصل منه شيء فلا يبتلعه، أحياناً يبقى بين الأسنان ثم بعد مدة يخرج من بين الأسنان، أو ربما يحركه بلسانه ويخرج، نقول: هذا لا بأس به لكن لا يبتلعه.
وأما بالنسبة لمس المصحف فالقول الراجح قول الجمهور: أنه لا يجوز أن يمس المصحف إلا بوضوء، وإذا كان محتاجاً إلى القراءة من المصحف وليس هو على وضوء فليلبس قفازين أو يضع منديلاً على المصحف حتى لا يباشر مسه.(231/16)
حكم استخدام بخاخ الربو في رمضان
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم البخاخ للربو في رمضان؟
الجواب
البخاخ لمعالجة الربو والإنسان صائم في رمضان أو غيره لا بأس به؛ لأن هذا البخاخ لا يصل إلى المعدة التي هي مجمع الطعام والشراب، وإنما غاية ما فيه أنه يفتح قنوات التنفس ولا يصل إلى المعدة، فلا بأس به.(231/17)
من آداب المصافحة
السؤال
بعض الناس إذا سلمت عليه وهو جالس يعتذر بقوله: أعز الله مقامك أو كذا؟ الشيخ: عز الله مقامك، وماذا تعني هذه؟! السائل: إذا سلمت عليك وأنت جالس يا شيخ! الشيخ: يعني مررت بشخص وهو جالس وسلمت عليه؟ السائل: صافحته وأنت واقف وهو جالس؟ الشيخ: ينبغي للإنسان إذا سلم عليه أحد ومد يده إليه أن يقوم؛ لئلا يكسر قلب صاحبه، إلا إذا كان يشق عليه القيام، مثل: أن يكون المسلِّمون كثيرين وهو جالس ويشق عليه كلما أتى شخص أن يقوم، فلا بأس أن يمد يده وهو جالس.
أما مسألة: أعزك الله فلا داعي لها، فلا يقولها، ثم هاهنا مسألة وهي: أنه شاع عند كثير من الناس اليوم، أن الداخل إذا دخل بدأ بأول شخص يليه عند الباب مصافحة ثم مشى على الناس، وهذا خطأ من وجهين: الوجه الأول: أنه ليس من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذا دخل على مجلس أن يصافحهم، بل كان يجلس حيث ينتهي به المجلس بدون مصافحة، والمصافحة تكون عند الملاقاة في الشارع.
ثانياً: أنه يبدأ بالأيمن مع وجود من هو أكبر منه، وهذا غلط أيضاً، لأنك إذا دخلت على مكان وفيه صغار وكبار ابدأ بالكبار، بخلاف ما إذا كانوا جالسين على يمينك وعلى يسارك فابدأ باليمين ولو كان أصغر، ولهذا لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأى في المنام رجلين ومعه سواك لما أراد أن يناولهما قيل له: كبر كبر.
وهذه سنة، الناس لا شك أنهم يريدونها لكنهم ما اهتدوا إليها.
فيقال: الأفضل إذا دخل الداخل أن يسلم على العموم ثم يجلس حيث انتهى به المجلس، وإن كان قد أعد له مكان يذهب إلى مكانه، يعني: ربما يكون المدعو صاحب جاه، أو مال، أو علم، وقد أعدوا له مكاناً خاصاً، فهنا يذهب إلى مكانه فقط، ولا يمر عليهم في المصافحة.
ثانياً: إذا دخلت المجلس ومعك الشاي تريد تناوله الناس تبدأ بالأكبر.
ثم بالذي على يمينك أنت، مثلاً: إذا كان الأخ هو الأكبر تعطيه إياه أولاً، ثم يعطيني إياه ولا يعطيه الثاني؟ الثاني الذي على يمينه هو.
لأنه له يمين ويسار، فإذا ناول الأكبر قلنا من على يمينك؟ الذي على يمينه هو الذي على يسار الأكبر.(231/18)
معنى قوله تعالى: (حتى إذا استيئس الرسل)
السؤال
قول الله سبحانه وتعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف:110] ما تفسير هذه الآية أحسن الله إليك؟
الجواب
{إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} أي: استبعدوا نصر الله عز وجل {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} أي: أن الذين أظهروا لهم الإيمان أظهروه كذباً، وهذه تفسرها القراءة الثانية: (وظنوا أنهم قد كذِّبوا جاءهم نصرنا) .
وإنما يظنون ذلك لأنه إذا لم يأت النصر وهؤلاء المؤمنون، والمؤمنون موعودون بالنصر ظن الرسل أن هؤلاء الذين يقولون: إنهم مؤمنون كاذبون عليهم.
السائل: الإشكال في الضمير (أنهم) يعود على من؟ الشيخ: على الرسل.
السائل: (قد كذبوا) ؟ الشيخ: (قد كذبوا) أي: من قبل قومهم.
السائل: يعني يوضحه في القراءة الأخرى: قد كذِّبوا؟ الشيخ: (قد كذِّبوا) نعم.
السائل: تفسر عليها؟ الشيخ: تحمل عليها وهو كذلك، لأنه لا يمكن أن الرسل يظنون أن الله قد كذبهم بوعد النصر، هذا لا يمكن بل نقول: قد كذبوا أي: قد كذبهم قومهم في قولهم: إنهم مؤمنون.
مثل قوله: قد كذبك وهو صدوق، أو صدقك وهو كذوب، أو ما أشبه ذلك.(231/19)
حكم إهداء الطعام لمن عنده اجتماع للعزاء
السؤال
للعزاء في منطقتنا هناك تجمع لمدة ثلاثة أيام، ولكن السؤال: هل يعمل لهم طعام خاصة إذا كان الميت قريباً أو جاراً كمساعدة أو كصلة، فهل نصنع هذا الطعام لهم ونأكل معهم؟
الجواب
لا، والله! لا تصنع، إذا فعلت هذا فأنتم على ما هم عليه، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما أشغلهم) فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم العلة.
السائل: كيف المخرج من هذا؟ الشيخ: لا يوجد دليل لهؤلاء المبتدعين، هؤلاء ما أتاهم شيء يشغلهم، بل اشتغلوا بصف الكراسي ووضع اللمبات وما أشبه ذلك، فكيف نحمل اللفظ على عمومه مع بيانه علته: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم) ولذلك لم يكن من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام أن كل من مات له ميت صُنع له طعام، إنما يصنع لمن يشتغل لحزنه عن صنع طعامه.(231/20)
حكم لبس النقاب للمرأة التي في نظرها ضعف
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم لبس النقاب للمرأة التي يكون في نظرها ضعف؟
الجواب
لبس النقاب لا أفتي بجوازه نظراً لما يترتب من الشر، حيث توسع النساء فيه حتى أصبحت المرأة توسع الخط لعينها وتكتحل وتجمل عينها بأجمل ما يكون، وبعضهن يوسعن الدائرة هذه أو الخط هذا حتى يصل إلى الوجنة، أو إلى الحاجب، فلذلك لا أفتي بجوازه ولكني لا أفتي بعدم جوازه، إذا قلت لا أفتي بعدم جوازه يعني: لا أقول أنه ليس بجائز، أما إذا قلت لا أفتي بجوازه فالمعنى: أني أتوقف عن الفتوى بجوازه.
السائل: من أجل النظر؟ الشيخ: أبداً {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق:2] وهذه التي تقول: إنها ضعيفة النظر وتأتي امرأة شابة من أحسن النساء نظراً تقول: عندي ضعف نظر.
السائل: حتى -يا شيخ- لو اضطر.
؟ الشيخ: ماذا قلنا؟ أنت مثل الرجل الذي قيل له: الحلف بالنبي حرام ولا يجوز، وجاب الأدلة على المفتي قال: (والنبي ما أحلف بالنبي) على الفور!!(231/21)
حكم لفظة (حرمت الحرام)
السؤال
بالنسبة لقولك: من يحرم الحلال، لكن لو قال: حرمت الحرام أن تشرب القهوة عندي، فقلت: لا تحرم جزاك الله خيراً، قال: أنا ما قلت حرمت الحلال، قال: حرمت الحرام.
وأنت ذكرت -يا شيخ- في كلامك أحسن الله إليك أول سورة المجادلة: أن من يحرم أي حلال فهو يقع موقع اليمين، فلو قال: حرمت الحرام يعني كل ما حرمه الله سبحانه وتعالى فأنا أحرمه لكن من باب هل يقع موقع اليمين؟
الجواب
لا، هذا لا يقع، وهذا حق وصدق، وليس بشيء على أننا نحمد الله أن نحلل كل حلال حلله الله، ونحرم كل حرام حرمه الله.
السائل: يعني أحسن الله إليك بعضهم يستخدمها من باب التغيير والعزيمة للآخرين نقول: حرمت الحرام أن تشرب القهوة عندي.
الشيخ: لا، هذا إن كان يفعل التورية يظن صاحبه أن هذا يمين.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى في الأسبوع القادم، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً إنه على كل شيء قدير.(231/22)
لقاء الباب المفتوح [232]
توعد الله الذين يحادونه ويحادون رسوله بالكبت والإذلال والعذاب المهين.
وأخبر سبحانه أنه في يوم القيامة حين يبعثهم، سوف ينبئهم بكل أعمالهم التي لم يذكروها، ولكن الله قد أحصاها.
وهذا اللقاء تفسير لآيات من سورة المجادلة، تتحدث عن هذا الموضوع الهام.
وفي جزئه الثاني -كعادة هذه اللقاءات- فقرة للأسئلة وإجابات الشيخ عليها.(232/1)
تفسير آيات من سورة المجادلة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والثلاثون بعد المائتين من اللقاءات التي تعرف بلقاء الباب المفتوح، تتم كل يوم خميس، هذا الخميس هو الخامس عشر من شهر محرم عام (1421هـ) .
نبتدئ لقاء هذا اليوم بما جرت العادة به من تفسير كتاب الله عز وجل، وقد سبق في اللقاء السابق أن تكلمنا على آيات الظهار فلنسأل الآن: ما هو الظهار؟ هو أن يشبِّة الرجل زوجته بمن تحرم عليه تحريماً مؤبداً مثل أن يقول: أنت عليَّ كظهر أمي، أو: كظهر أختي، أو: كظهر عمتي، أو: خالتي.
حكمه: أنه منكر من القول وزور.
كفارته: إذا أراد الإنسان أن يعود إلى هذه المرأة التي ظاهر منها: أن يعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين من قبل أن يمس امرأته، فإن مسها أثناء الشهرين أعاد من جديد، فإن لم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين أطعم ستين مسكيناً، هذا الظهار وهذا حكمه.(232/2)
تفسير قوله تعالى: (إن الذين يحادون الله ورسوله)
ثم قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [المجادلة:5] (الذين يحادون الله ورسوله) أي: يخالفون الله ورسوله فيفعلون ما نهى الله عنه ورسوله أو يتركون ما أمر الله به ورسوله، أو يجمعون بين هذا وهذا، وسميت المخالفة محادة لأن هذا المخالف كان في جهة وكانت الشريعة في جهة، وبينهما حد، وتسمى مشاقة أيضاً، كما قال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:4] قال: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [المجادلة:5] (كبتوا) بمعنى: أذلوا وأهينوا كما جاء في آخر السورة: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} [المجادلة:20] وما من إنسان يحاد الله ورسوله إلا أذله الله عز وجل، ويكون إذلاله بقدر ما حصل منه من المحادة، جزاءً وفاقاً، ثم هذا الذل هل يكون في الدنيا أم في الآخرة أم فيهما؟
الجواب
قد يكون في الدنيا فقط، وقد يكون في الآخرة فقط، وقد يكون فيهما جميعاً، المهم أن غايتهم هو الذل.
جزاء ما تعالوا عن الحق واستكبروا عنه، أذلوا، (كما كبت الذين من قبلهم) أي: ممن حاد الله ورسوله من الأمم السابقة ماذا حصل لهم؟ حصل لهم الإهانة والخزي -والعياذ بالله- وصارت أخبارهم تقرأ في كتاب الله عز وجل، يتقرب المسلمون إلى الله تعالى بقراءة أخبارهم، ويقرءونها في صلاتهم.
{وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [المجادلة:5] يعني: أن هؤلاء الذين يحادون الله ورسوله قد حادوا الله ورسوله عن علم، لأن الله أنزل آيات بينات، أي: علامات على صدق الرسل وصحة رسالتهم (بينات) ظاهرات لا تخفى على أحد، ومع ذلك يحادون الله ورسوله.
{وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} [المجادلة:5] أي: لكل كافر، وهنا قد يقول قائل: لماذا لم يكن سياق الآية: ولهم عذاب مهين؟ لأنه قال: {كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} [المجادلة:5] فأظهر في موضع الإضمار للإشارة إلى أن هؤلاء الذين حادوا الله ورسوله كفار، وليعم هؤلاء وغيرهم وإن كان كل من كفر فهو محاد لله ورسوله، لكن ذكر الوصف أبلغ.(232/3)
تفسير قوله تعالى: (يوم يبعثهم الله جميعاً)
قال تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} [المجادلة:6] (يوم) متعلقة بما سبق، يعني: لهم هذا العذاب المهين إذا بعثهم الله عز وجل، يبعثهم الله جميعاً لا يترك منهم نفساً واحدة، كل الخلق يبعثون، فينبئهم أي: يخبرهم بما عملوا، وهذا الإنباء من أجل أن يعرفوا أنهم هم الذين ظلموا أنفسهم، قال الله عز وجل: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:13-14] يا إخواني! الذي يعطيك الدفتر من التجار ويقول: انظر حسابك هل يكون قد أنصفك أم جار عليك؟ أنصفك، الإنسان يقول: خذ الدفتر أنت الآن قيم أو مقيد عليك بحضرتك انظر الدفتر، هذا غاية الإنصاف، ولهذا قال بعض السلف: لقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك.
فإذا قرأ الكتاب وجد أنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، أؤمن بهذه الحقيقة واعلم أن ذلك سيكون لك: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} كل إنسان مؤمن أو كافر {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:13-14] .(232/4)
تفسير قوله تعالى: (أحصاه الله ونسوه)
قال الله عز وجل: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:6] (أحصاه) بمعنى: ضبطه مأخوذ من الحصى، لأن العرب كانوا في الجاهلية لا يقرءون ولا يكتبون، فيضبطون الأشياء بالحصى، يعدوها بالحصى، وعلى هذا جاء قول الشاعر:
ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر
يعني: أنهم في الجاهلية إذا أرادوا أن يعدوا قومهم عدوهم بالحصى، فيأخذ حصى بعدد القوم ثم يضعه في كيس أو إناء حتى إذا شاء أن يستعيد العدد وإذا هو موجود، الحصى موجود، فأصل (أحصاه الله) يعني: ضبطه وهو مأخوذ من الحصى لأن الناس في الجاهلية إنما يحصون الأعداد بالحصى، (أحصاه الله ونسوه) بماذا أحصاه؟ أحصاه عز وجل بعلمه وأحصاه بواسطة رسله الذين يكتبون، كما قال عز وجل: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] يعني: نسمع السر والنجوى والرسل حاضرة يكتبون.
{وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة:6] هذه الجملة تأكيد لما سبق من حيث المعنى، يعني أن الله شهيد على كل شيء سواء كان فعلاً أو قولاً أو إضماراً في القلب، كل ذلك فالله شهيد عليه، والمقصود من هذا: بيان إحاطة علم الله عز وجل، ثم التحذير من المخالفة، لأن الإنسان إذا علم بأن الله على كل شيء شهيد ماذا يحصل؟ يحذر ويكف عن المعاصي ويقوم بالواجبات، اقرءوا القرآن وأنتم تعرفون معناه، ليس المراد مجرد الإخبار بأن الله شهيد على كل شيء، هذا المراد لا شك لكن ليس هو المراد فقط، المراد أن تحذر من أن يشهد الله عليك بشيء لا يرضاه عز وجل، انتبه لهذه النقطة، فأكثر الناس يقرءون ولا يفهمون، لا بد أن نفهم {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:265] {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة:6] {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:64] وما أشبه ذلك المقصود منها ماذا؟ أن نعرف هذه الصفة لله عز وجل فقط، أم أن نتعبد لله بمقتضاها؟
الجواب
الثاني مع الأول، يا أخي! إذا عرفت أن الله بكل شيء عليم هل تخالف الله؟ لا تخالفه لا في السر ولا في العلانية، إذا علمت بأنه على كل شيء شهيد، وأنه سينبئك بما عملت، ستخشى، والله! ستخشى، لأنك سوف تلاقي ربك عن قريب {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] الفاء تدل على قرب الشيء، تفيد الترتيب والتعقيب، فملاقيه عن قرب، وما أقرب الآخرة من الدنيا، أحسن ما خلفت وراءك من الزمن كأنه لحظة، المستقبل كذلك سيمر بك كأنه لحظة، وإذا بك على الباب قد لاقيت ربك، احذر يا أخي! لا تغرنك الدنيا، ولا يغرنك بالله الغرور، الدنيا زائلة، كم من إنسان خطف شبابه وهو في غاية ما يكون من الفرح والمرح وفارق الدنيا، وكم من كهل قد استوى على الدنيا وحاز من الأموال والجاه والشرف ما لم يجز عليه أمثاله؛ وإذا هو يدس في التراب، أليست هذه هي الحقيقة؟ ثم ما وراء ذلك؟ وراء ذلك اليوم الموعود الشاهد والمشهود، الأهوال والأفزاع {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} [المزمل:17-18] اللهم أحي قلوبنا بالموعظة يا رب العالمين.
إخواني! الدنيا ليست دار قرار، ما هي دار القرار؟ الآخرة، ولهذا قال مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:39] أكثر الناس الآن جعلوا الدنيا هي القرار ونسوا الآخرة، ولهذا قال في نفس الآية: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:6] لما مر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بقوم يعدون التسبيح بالحصى قال لهم: [مهلاً! ما من عمل صالح تعملونه إلا وقد أحصاه الله -لا حاجة لأن تضعوا الحصى- لكن أحصوا أعمالكم السيئة لتتوبوا منها] وهذا من فقهه رضي الله عنه.
أنت لا تحصي أنك سبحت ثمانين أو ألف أو ألفين أو صليت على النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، لا، هذا معلوم مكتوب لا يضيع، لكن أحصِ العمل السيئ ماذا عملت من العمل السيئ حتى تتوب إلى الله وترجع منه؟ نعم الذكر المحدود بعدد حدده مثل: التسبيح خلف الصلوات، (من قال: سبحان الله، مائة مرة.
) (إني لأستغفر الله وأتوب إليه مائة مرة) وما أشبه ذلك.
المحدد حدده غير المحدد لا تحدد، لا يضيع شيء، إنك إذا حددت ثم فخرت وقلت: إني صليت على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مليون مرة، المعنى أنك مننت على الرسول، أو قلت: إني ذكرت الله ألف مرة، المعنى أنك مننت على الله.
لا تحدد إلا ما حدده الشرع والباقي أطلقه، اذكر الله ذكراً كثيرا، صل على النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، وكل شيء محصى.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الاتعاظ في الآيات الكريمة، والأحاديث النبوية والمخلوقات العظيمة.(232/5)
الأسئلة(232/6)
الفتور طبيعة بشرية
السؤال
أريد أن أسألك بخصوص الفتور أسبابه وعلاجه، فالإنسان يشعر بضعف دينه أحياناً؟
الجواب
الإنسان لا يمكن أن يكون على وتيرة واحدة، حتى الصحابة قالوا: (يا رسول الله! إننا عندك نتعظ ونؤمن، وإذا ذهبنا إلى أهلنا -النساء والأولاد- نسينا، فقال: ساعة وساعة) لا يمكن للإنسان أن يكون على وتيرة واحدة، لكن يحافظ الإنسان على صلاح القلب، وإذا صلح القلب صلح الجسد كله، يدع الخوض فيما لا يعنيه، يدع النزاع الذي لا فائدة منه، يدع التحزب الذي فرَّق الأمة ويقبل على الله عز وجل، ولهذا ترى العامي خيراً في عقيدته وإخلاصه من كثير من طلاب العلم، الذين ليس لهم هم إلا الأخذ والرد، والقيل والقال، وماذا تقول يا فلان؟ وماذا تقول في الكتاب الفلاني؟ وفيما كتبه فلان، هذا هو الذي يضيع العبد ويسلب قلبه عن الله عز وجل، ولا يجعل له هماً إلا القيل والقال.
فنصيحتي لكل إنسان: أن يكون مقبلاً على الله عز وجل، وأن يدع الناس وخلافاتهم، هذا أحسن شيء.(232/7)
تركيب اللحى الصناعية في المسارح
السؤال
بعض المسارح المدرسية والمشاهد يركبون بعض اللحى الصناعية، هل تعتبر من الوصل؟
الجواب
لو كان السؤال غير هذا، كأن نقول: هل يعتبر هذا من الاستهزاء باللحية؟ لكان قريباً، أما الوصل، فهي ليست من شعره، فهو يضعها أثناء التمثيلية فقط، لكن هل يليق أن يفعل هذا؟ أنا أرى أن ترك هذا أولى، وأن هذا يؤدي إلى أن يسخر الحاضرون أو بعضهم بأصحاب اللحية.
ثم إن أصل التمثيلية فيها نزاع بين علماء العصر: هل تجوز أم لا تجوز؟ يأتي واحد يمثل شخصاً ويحضر له كبة من الشعر ويضعها هكذا، فيها نوع من السخرية.(232/8)
سنة السلام والمصافحة
السؤال
في الصباح دوام السلام والمصافحة ما رأيك فيها يا شيخ؟!
الجواب
إذا لقيت أخاك فصافحه هذا طيب، لكن الشيء الذي أحدثه الناس ولا أعلم له أصلاً في السنة: أنه إذا دخل المجلس قام يصافحهم واحداً واحداً يمر عليهم، هذا ليس من السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل المجالس ولا يصافح الناس وإنما يجلس حيث ينتهي به المجلس، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومشايخنا السابقون لا يفعلون هذا ولا يُفعل عندهم أيضاً، لكن حدث هذا من بعض الإخوة المستقيمين ظناً منهم أن هذه المصافحة كالمصافحة مع الملاقاة وليس كذلك، الملاقاة كل واحد يلاقي الثاني، أما هذا فرجل دخل على أناس جالسين، فهل كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا دخل يسلم على الناس واحداً واحداً؟! من كان عنده سنة في هذا فليخبرنا بها، ومن ليس عنده سنة فخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك أيضاً بعض الناس إذا دخل بدأ باليمين من عند الباب، ولو كان أصغر القوم، وهذا غلط، إذا دخلت فابدأ بالأكبر كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بمن عن يمينك، إنما تبدأ باليمين إذا كانوا عن جنبيك واحداً عن يمينك وواحداً عن شمالك، تبدأ باليمين ولو كان أصغر، أما عند الدخول وإعطاء القهوة أو الشاهي أو البخور فابدأ بالأكبر، ثم بمن عن يمينك حتى تنتهي، ثم عد إلى من على يمين الأكبر، وخذهم واحداً واحداً.(232/9)
نصيحة للمتخرجين من الجامعة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما نصيحتك لمن هم على أبواب التخرج من الجامعة؟
الجواب
نصيحتي لهم: أولاً: أن يشكروا الله عز وجل، أن أوصلهم إلى هذا المستوى.
ثانياً: أن يجتهدوا في نشر العلم الذي ألهمهم الله إياه في كل مناسبة.
ثالثاً: أن يكونوا قدوة في الأخلاق ومعاملة الناس لأن بعض طلاب العلم الآن أجفى من الأعراب، لا عنده بشاشة ولا تسليم ولا تواضع، بل بعض الناس كلما ازداد علماً يزداد كبراً والعياذ بالله، والعالم حقاً هو الذي إذا ازداد علماً ازداد تواضعاً، ثم لا حرج عليهم أن يقدموا في الوظائف ولا يقال: أن هذا من باب السؤال المذموم، لأن كل إنسان يريد أن يعمل لينفع الناس فإذا قدموا فلا حرج لا سيما إذا نووا بذلك أن يتبوءوا مكاناً ينفعون به عباد الله.(232/10)
صلاة الجماعة في البحر على مركب ضيق
السؤال
نحن من الكويت نركب البحر بواسطة قارب، فنكون مجموعة كبيرة يعني سبعة أشخاص فحين نصلي تكون صفوفنا غير متساوية، هناك متقدم وهناك متأخر، فهل نقيم جماعتين أم يصلي كل واحد بمفرده؟ الشيخ: لماذا؟ هل القارب صغير؟ السائل: نعم.
صغير يا شيخ! الشيخ: لكن هو حوض؟ السائل: نعم مثل الحوض.
الشيخ: حسناً! هذا الحوض لم لا يصلون فيه.
أولاً: إذا أمكن يوجهونه إلى القبلة لكي يتسع لصفوف أكثر.
السائل: لكن الصف لا يكفي.
الشيخ: لا إشكال، الإمام وحده.
السائل: نعم في الأمام.
الشيخ: وراءه اثنان.
السائل: نعم.
الشيخ:.
هل يتسع لاثنين آخرين؟ السائل: لا هؤلاء الاثنين الآخرين يكونا متقدمين أو متأخرين قليلاً.
الشيخ: لا بأس أن يفصل بينهم وبين الآخرين.
السائل نفسه: يفصل أم يكون هذا متقدماً عن الصف قليلاً.
الشيخ: أما مسألة الفاصل لا يضر، لكن مسألة الاستواء التي في نفسي منها شيء، لأن تسوية الصفوف عند كثير من العلماء واجبة، فهذا الذي لم يجد مكاناً في الصف لا بأس أن يصلي ولو كان منحازاً عن الصف، كما أن الإنسان إذا جاء في المساجد العادية ووجد الصف مملوءاً له أن يصلي وراء الصف مع الجماعة.
السائل: هل يصلي منفرداً؟ الشيخ: يصلي مع الجماعة لكن في المكان الذي هو فيه.(232/11)
لباس المرأة في البيت وخارجه
السؤال
بالنسبة لحدود لباس المرأة عند النساء، ما هي ضوابطه؟
الجواب
ضوابطه كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه من الكعب -كعب الرجل- إلى الكف -كف اليد- هذه ضوابط لباس النساء في البيوت في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما في السوق فإنه يجب أن تكون عليهن ثياب طويلة تستر الأقدام، حتى أن أم سلمة استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لها إلى شبر، قالت: إذاً تنكشف أقدامهن، قال: (فيرخين إلى الذراع لا أزيد) .(232/12)
إثم من يسب الصحابي معاوية بن أبي سفيان
السؤال
ما حكم من يسب الصحابي معاوية بن أبي سفيان من أهل السنة؟
الجواب
لا شك أنه فعل معصية، وأنه آثم، معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من خلفاء المسلمين، وأحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ائتمنه على كتابة الوحي وهو من أعظم ما يكون فهو أمين، ولا يجوز أن نسبه لما جرى بينه وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ لأن هذا جرى عن اجتهاد، والمجتهد من هذه الأمة ينال أجراً أو أجرين، إن أخطأ فأجراً، وإن أحسن فأجرين، ونحن لا نشك في أن علياً رضي الله عنه أقرب إلى الصواب من معاوية، لكننا لا نسب معاوية لما حصل، لأنه عن اجتهاد، ولهذا قال في العقيدة: ونسكت عن حرب الصحابة فالذي جرى بينهم كان اجتهاداً مجرداً.
وأصل هذا -أعني سب معاوية كما يزعم الساب- انتصار لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب يقول: [إني لأرجو أن أكون أنا ومعاوية من الذين قال الله فيهم: {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]] يعني: في الجنة، ثم إن معاوية رضي الله عنه كان خليفة بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحسن بن علي رضي الله عنه وهو أفضل من أخيه الحسين قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين متقاتلين من المسلمين) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم تنازل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة لـ معاوية جعلها إصلاحاً وهذا نوع من الإقرار لـ معاوية رضي الله عنه، ولا يخفى على أحد من المسلمين أن الحسن أفضل من الحسين رضي الله عنهما جميعاً، وأن ما حصل من القتال فـ علي فيه أقرب إلى الصواب، لكننا نحب أيضاً معاوية، ونرى أنه خليفة ذو خلافة شرعية، وأن ما جرى منه فهو على سبيل الاجتهاد الذي لم يكن صواباً، وكل إنسان يخطئ ويصيب.(232/13)
مدى صحة قتل خالد بن الوليد خمسة آلاف من الكفار في غزوة مؤتة
السؤال
سمعت من بعض الإخوة أن خالد بن الوليد رضي الله عنه قتل في غزوة مؤتة خمسة آلاف شخص، فهل هذا صحيح؟ الشيخ: قتل من الكفار؟ السائل: من الكفار.
الشيخ: إن كان حقاً فجزاه الله خيراً.
السائل: في البداية والنهاية يا شيخ!
الجواب
البداية والنهاية تاريخ معتبر، لكن يجب أن تعلموا جميعاً أن كتب التاريخ إلا ما شاء الله يكون فيها الضعيف لماذا؟ لأن التاريخ يخضع للسياسة، دائماً يخضع للسياسة، حتى عصرنا الآن تجد مثلاً الرئيس في هذه الجهة يمدح ما دام رئيساً، وتجعل له وقائع حق أو باطل، وإذا مات أو عزل فهو لكع بن لكع بمعنى: أنه لا يمدح، ويغفل عنه وربما يسب، كذلك التاريخ فيما سبق.(232/14)
حكم قراءة الفاتحة في الصلاة
السؤال
هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم سواء في الصلاة السرية أو الجهرية؟ وإذا ركع الإمام قبل أن يقرأها ما الحكم؟ وهل يأثم الإمام إذا ركع قبل أن يقرأ المأموم الفاتحة؟ أفيدونا وفقكم الله!
الجواب
المسألة هذه فيها خلاف: أولاً: هل تجب الفاتحة أم لا تجب؟ من العلماء من قال: الفاتحة لا تجب على أي مصلٍّ لقوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل:20] وقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: (اقرأ ما تيسر معك من القرآن) لكن هذا مذهب غير صحيح، لأن قوله: (ما تيسر من القرآن) فسر بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) .
ثانياً: بعض العلماء يقول: الفاتحة لا تجب على المأموم مطلقاً لا في السرية ولا في الجهرية.
وهذا أيضاً ضعيف لأن حديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) عام.
ومن العلماء من يقول: تجب على المأموم في السرية دون الجهرية لأن الإمام يقرأ له ولمن وراءه، والدليل على أنه يقرأ له ولمن وراءه أنهم يؤمنون على قراءته، فالقراءة للجميع.
ومن العلماء من يقول: تجب على كل مصل، الإمام والمأموم والمنفرد، في الصلاة السرية والجهرية، وهذا أقرب الأقوال إلى الصواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة الصبح ذات يوم فسأل الصحابة: (هل قرأتم خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وهذا نص في صلاة جهرية مؤيدٌ بالعموم، إلا أنه يستثنى من هذا مسألة واحدة: المسبوق إذا أدرك الإمام راكعاً فإنه يكبر تكبيرة الإحرام ويركع وتسقط عنه الفاتحة، ودليل ذلك: حديث أبي بكرة رضي الله عنه حين دخل والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي بالناس وكان راكعاً فأسرع أبو بكرة وكبر ودخل في الصف فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ولم يأمره بإعادة الركعة، ولا إعادة الصلاة.
من جهة النظر أن نقول: هذا الرجل لم يدرك القيام الذي هو محل القراءة، وإذا سقط المحل سقط الحال، بدليل: أن الإنسان لو قطعت يده من المرفق؛ سقط عنه غسل العضد؛ لأن محل التطهير قد زال.
فالذي يترجح عندي القول بوجوب قراءة الفاتحة على كل مصل بلا تفصيل، إلا المسبوق إذا جاء والإمام راكع فتسقط عنه.
كذلك لو جاء والإمام لم يركع لكن لم يتمكن من قراءة الفاتحة فليركع ولا شيء عليه.(232/15)
طلب العلم قبل الدعوة والإفتاء
السؤال
إذا كان أحد الإخوان يطلب العلم عند المشايخ، وكان جماعته وأهل قريته يقعون في المنكرات، وأغلبهم ممكن يقع في الشركيات، وحين تقول له: اذهب إلى قريتك بلغ دين الله سبحانه وتعالى وكذا بالذي عندك، يقول: لا زلت أطلب علماً، فهل تكون الحجة عليه -يا شيخ- بالنسبة لقريته؟ لجواب: نقول له: اطلب العلم أولاً، ثم ائت إلى قريتك ثانياً، لأنه كيف يدعو قومه وهو لا يعرف؟ وما ضر الناس إلا هؤلاء الذين يتكلمون بما لا يعلمون، وتأمل الفتاوى التي على الساحة تجد العجب العجاب من إفتاء أنصاف العلم، الفتاوى التي ليس لها زمام، ويا ويل هؤلاء الذين يتعجلون في الفتوى، إنهم سيسألون يوم القيامة، حيث قالوا على الله ما لا يعلمون، قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] ويا سبحان الله! لو أن طبيباً صار يتطبب في الناس وهو لا يعلم، وهلك كثير من الناس على يده ماذا يقول الناس عن هذا الطبيب، أساء أم أحسن؟ أساء أي إساءة، هذا في طب الأبدان فكيف في طب القلوب وهو الشريعة؟!! ثم عجباً لهؤلاء الذين يتسرعون السيادة أن يشار إليهم بالأصابع، ويقال: فلان عالم!! يا أخي: لا تتسرع! اصبر! إن كان الله قد قدر لك السيادة حصلت لك، وإلا لم تحصل لك، ولا يزيدك هذا التسرع إلا هواناً عند الله وعند عباد الله، كل شيء مكتوب للإنسان سوف يعطاه في حياته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها) لو لم يبق له من الرزق إلا حبة أرز لأكلها، ولو لم يبقَ عليه إلا لحظة من الأجل أدركها، فأنا أحذر هؤلاء الذين يتسرعون في الفتوى وأقول: اصبروا، انهلوا من العلم ثم أفتوا، وأحذر الناس أيضاً من الالتفات إلى فتاويهم.
فهذا الرجل نقول: اقرأ العلم أولاً ثم اذهب إلى قريتك، وإذا أمكن أن تجمع بين هذا وهذا بأن تأتي إلى قريتك يوماً من الأسبوع وتبين لهم الحق فهذا طيب.(232/16)
حكم سماع الشباب للأناشيد الإسلامية
السؤال
فضيلة الشيخ! انتشر في هذه الفترة عند بعض الشباب ما يسمى بالأناشيد الإسلامية، وأحياناً يكثر الشباب الملتزم منها لدرجة مفرطة، ما رأيك فيها؟ الشيخ: أولاً أنت قلت لي: الشباب الملتزم، من أعطاك هذه العبارة؟ السائل: نحسبه من الشباب الملتزم.
الشيخ: لا أقصد هذا، ولا أقصد تزكيته من عدمها، لكن كلمة الملتزم إطلاقها على الإنسان الطيب ليس صحيحاً، اقرأ قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت:30] أم التزموا؟ طيب اقرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم: (قل آمنت بالله ثم استقم) .
فأرجو من إخواننا أن يبدلوا هذه الكلمة؛ لأن هذا هو الذي جاء في القرآن والسنة.
على أن كلمة ملتزم عند الفقهاء لها معنى آخر، يقولون: "ملتزم" من التزم أحكام الإسلام ولو كان يهودياً أو نصرانياً، فيسمون أهل الذمة ملتزمين، اقرأ كتاب الحدود في الفقه تجد أنه يجب الحد على كل بالغ عاقل ملتزم عالم بالتحريم، قالوا: والملتزم هو المسلم واليهودي والنصراني (أهل الذمة) .
خذها معك وأدها إلى أصحابها، غيِّر (ملتزم) إلى (مستقيم) اتباعاً للقرآن والسنة، واحترازاً مما اصطلح عليه الفقهاء في كتبهم.
أقول: الأناشيد الإسلامية كانت أول ظهورها لا بأس بها، سمعناها، فيها حماس، تحريك للقلب وإن كان تحريكاً ليس كالتحريك التعبدي، لأن الإنسان يأتي من نفسه حماس وإقدام، ولا يجد زهداً وورعاً وتعبداً كما لو سمعه من الأناشيد الأخرى، يعني: فيه قصائد ترقق القلوب وتوجب الخشية، وفيه قصائد بالعكس للحماس والاندفاع، لكن قيل لي: إنها الآن تطورت لتتدهور، صار فيها موسيقى أحياناً أو دفوف، فيها أيضاً أنها تصاغ على صفة الأغاني الهابطة، فيها أيضاً أصوات جميلة تفتن الرجال والنساء، فلهذا لا يمكن أن نحكم عليها بحكم عام حتى نعرف الشريط الذي في هذا.(232/17)
ضوابط تغيير المنكر باليد
السؤال
ما هي الضوابط الشرعية في تغيير المنكر باليد؟ وهل يجوز التجسس على أهل المنكرات للإنكار عليهم لمن ليس من أهل الحسبة؟
الجواب
التغيير باليد لا يمكن إلا من ذي السلطان، يعني الأمير أو نوابه الذين جعلهم قائمين مقامه، لا من أفراد الناس، خصوصاً في عصرنا هذا؛ لأنه قد يظن الفرد منا أن هذا منكر وليس بمنكر، فيغيره بيده ويحصل في هذا مفاسد عظيمة.
إذاً التغيير باليد الآن هذا لا يمكن، هذا للحكام.
أما التغيير باللسان فنعم تغير باللسان وتنصحه برفق ولين، وتبين له المصالح من ترك هذا المنكر، والمفاسد إذا أصر عليها.
التجسس لا يجوز، إلا إذا وجدت قرائن تدل على وجود المنكر، قرائن قوية، ثم لا يجوز أن يتجسس كل واحد، لأن هؤلاء الذين على منكر لو خرج واحد منهم ووجد هذا الرجل ماذا يصنع به؟ السائل: يؤذيه.
الشيخ: لا يؤذيه، ربما يقتله.
لكن إذا جاءت من الجهات المسئولة، فهذا ممكن، لكن مثلما قلت: بشرط أن توجد قرائن ظاهرة، كأن يدخل على هذا البيت نساء أو مردان أو ما أشبه ذلك.(232/18)
حكم تحريك الخاتم أثناء الوضوء
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجب تحريك الخاتم والساعة أثناء الوضوء؟
الجواب
الفقهاء قالوا: يسن تحريكه.
ولكن إذا كان ضيقاً فلابد من تحريكه، لأنه إذا لم يحركه لم يصل الماء إلى ما تحته، والله عز وجل يقول: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة:6] فلابد من غسل اليد كلها من أطراف الأصابع إلى المرفق.(232/19)
صفة الاحتباء
السؤال
فضيلة الشيخ! صفة الاحتباء، كيف تكون؟
الجواب
الاحتباء: أن الإنسان يقيم فخذه وساقه ويربطها بسير، هذه يفعلها الناس عند طول الجلوس، لكنها عند مجيء الإمام لخطبة الجمعة لا ينبغي، ولو قيل بكراهتها لكان جيداً، لأنه إذا فعل هذا أتاه النوم.(232/20)
حكم تعليق الدعاء بالمشيئة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم قول: بالتوفيق إن شاء الله، دعاء مثلاً يقول: وفقك الله أو؟
الجواب
الأفضل أن الإنسان لا يعلق ذلك بالمشيئة بل عليه أن يجزم، لكن إذا قال: (إن شئت) -يخاطب الله عز وجل- صار محرماً، يعني: يجب أن تعرف الفرق بين (إن شاء الله) وبين (إن شئت) ، (إن شئت) أعظم وأقبح، لأنها خطاب لله عز وجل، فكأن الإنسان يخاطب الله ويقول: إن شئت فاغفر لي وإن شئت لا تغفر لي، أنا لا يهمني، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه) وفي رواية: (لا مكره له) .(232/21)
الفترة الزمنية بين أذان الفجر وإقامته
السؤال
أذن المؤذن لصلاة الصبح ثم دخل الإمام بعد خمس دقائق فأقام الصلاة وصلى، فما حكم الصلاة؟ الشيخ: في أي بلد؟ السائل: في المسجد.
الشيخ: أي بلد؟ السائل: في مصر.
الشيخ: والله! اسأل عنها شيخ الأزهر.
السائل: هناك خلاف بين العلماء عندنا الشيخ: إذا وجد الخلاف فخذ بالأحوط، انتظر حتى تعلم أو يغلب على ظنك أن الوقت قد دخل السائل: يعني إذا صلى.
الشيخ: أنت تريد أن أفتيك أم لا؟ السائل: نعم أريد أن تفتيني.
الشيخ: فتوى تأخذ بها؟ السائل: فتوى آخذ بها.
الشيخ: قل: إن شاء الله، قل: إن شاء الله.
السائل: إن شاء الله، وأريد كتابتها.
الشيخ: اصبر، أفتيك فتوى تأخذ بها إن شاء الله؟ السائل: إن شاء الله.
الشيخ: ارجع إلى شيخ الأزهر.(232/22)
لقاء الباب المفتوح [233]
تحدث الشيخ رحمه الله عن تفسير آية من كتاب الله عز وجل وهي قوله تعالى: (ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض.
) وقد تحدث فيها عن مدى سعة علم الله عز وجل، وأنه هو الذي أمر القلم فكتب كلما هو كائن إلى قيام الساعة، وفصل في معية الله مع عباده، وبين أن المعنى ليس أنه في الأماكن التي نحن فيها، وإنما هو محيط بنا، ويسمع أقوالنا، ويرى أفعالنا، وله السلطة علينا.(233/1)
تفسير آيات من سورة المجادلة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والثلاثون بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثاني والعشرون من شهر محرم عام (1421هـ) .
نفتتح هذا اللقاء بما جرت به العادة من تفسير آيات من كتاب الله عز وجل.(233/2)
تفسير قوله تعالى: (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض)
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7] .
(أَلَمْ تَرَ) أي: ألم تعلم؟ والمراد بذلك كل من يتوجه إليه الخطاب، فكل أحد يعلم هذا، إلا من أعمى الله بصيرته، والهمزة هنا للتقرير، وهكذا كلما وجدت همزة الاستفهام داخلة على (لم) فهي للتقرير، مثاله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] المعنى: قد شرحنا لك صدرك {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ} [المجادلة:7] المعنى: قد رأيت أن الله.
{يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} من صغير وكبير، يعلم ذلك قبل وبعد وقوعها عز وجل، فلا يضل الله ولا ينسى سبحانه وتعالى.
واعلم أيها الأخ المسلم! أن الله تعالى علم كل شيء جملة وتفصيلاً قبل أن يكون، علم متى يكون، وأين يكون، وكيف يكون، ثم كتب في اللوح المحفوظ -وهو لوح عظيم واسع- كتب فيه مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، (لما خلق الله سبحانه وتعالى القلم قال له: اكتب.
قال: رب، وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة، فما كُتب على الإنسان فلا يخطئه، وما لم يكتب عليه لم يصبه، جفت الأقلام، وطويت الصحف) إذا آمنت بهذا اطمأننت واستقررت ولم تندم على فعل، ولا تحزن على مستقبل؛ لأن الإنسان إذا آمن بالقدر اطمأن، ولا حياة سعيدة إلا بالإيمان بالقدر، لو أن إنساناً سافر وأصابه حادث، وكان مؤمناً تمام الإيمان بالقدر ماذا يصنع؟ نقول: هذا قدر الله، فيرضى ويسلم ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فيطمئن وينشرح صدره، إذا أصيب بمرض يعلم أن هذا مكتوب عليه، ثم إذا ذكر الأجر هان عليه؛ لأن الأمراض والآلام في الدنيا مآلها إلى الزوال، والأجر ثابت، ولهذا قالت بعض النساء العارفات لما أصيبت إصبعها ولم تحزن ولم تتحدث بشيء قيل لها في هذا، قالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها.
انظر الإيمان! كتب الله عز وجل في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة.
ثم هذا الذي يكون أيكون بمشيئة الله أم بغير مشيئة الله؟
الجواب
يكون بمشيئة الله، ما من شيء يحدث إلا بمشيئة الله، هو الذي شاء من قبل وشاءه عند وقوعه، ثم هذا الذي حصل مخلوق لله عز وجل، كل شيء مخلوق لله، حتى حركات الإنسان مخلوقة لله، أفعال الإنسان مخلوقة لله، حركاتي الآن وحركاتكم أنتم مخلوقة لله، كيف هذا؟ لأن هذه الحركة حدثت مني بأمرين: بإرادة وقدرة.
لولا أني أردت أن أتحرك ما تحركت، ولو كنت عاجزاً ما تحركت، من خلق هذه الإرادة والقدرة؟ الله عز وجل هو الذي أودع فيك الإرادة وأودع فيك القدرة، فكل شيء مخلوق لله عز وجل، إذا علمت أن الله يعلم ما في السماء والأرض وأن كل شيء مكتوب، أوجب لك ذلك أن تتقي الله في سرك وعلانيتك؛ لأن الله يعلم حتى ما توسوس به نفسك، ما يخفى عليه شيء.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، اخش الله في غيبك وشهادتك؛ لأن الله يعلم ما في قلبك، اللهم أخلص نياتنا وأصلح أعمالنا.(233/3)