تفسير آيات من سورة الطور
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الستون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الحادي والعشرون من شهر صفر عام (1418هـ) .
ونبتدئ به كالعادة بما تيسر من الكلام على آيات من كتاب الله عز وجل.(160/2)
تفسير قوله تعالى: (إن المتقين في جنات ونعيم)
انتهينا فيما سبق إلى قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [الطور:17] هذه الجملة خبرية مؤكدة بـ (إن) ، وسوف أشرح لكم التوكيد: إذا قلت مثلاً: العلم نافع، هذه جملة خبرية خالية من التوكيد، فإذا قلت: إن العلم نافع، فهذه جملة خبرية مؤكدة بمؤكد واحد وهو (إن) فإذا قلت: إن العلم لنافع، فهذه جملة خبرية مؤكدة بمؤكدين: (إن، واللام) فإذا قلت: والله إن العلم لنافع، فهذه جملة خبرية مؤكدة بثلاثة مؤكدات وهي: (القسم، وإن، واللام) والتوكيد أسلوب من أساليب اللغة العربية مستعمل عند العرب، وهذا القرآن نزل بلغة العرب، ففي الواقع أن خبر الله عز وجل لا يحتاج إلى توكيد؛ لأنه أصدق القول، فالله عز وجل إذا أخبر بخبر فإنه لا يحتاج إلى أن يؤكد؛ لأن خبر الله صدق، لكن لما كان القرآن العظيم نزل بلسانٍ عربي صار جارياً على ما كان يعرفه العرب في لغتهم.
وهنا أكد الله عز وجل هذه الجملة: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [الطور:17] بـ (إن) أي: بمؤكد واحد.
قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [الطور:17] المتقون: هم الذين قاموا بطاعة الله امتثالاً لأمره واجتناباً لنهيه.
إذاً التقوى: طاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه، فالذي يصلي امتثالاً لأمر الله نقول: هو متقٍ بصلاته، والذي يدع الزنا نقول: هو متقٍ بترك الزنا.
وإنما سمي ذلك تقوى؛ لأنه وقاية من عذاب الله، فإن الإنسان إذا قام بطاعة الله فقد اتخذ وقاية من عذاب الله عز وجل، هؤلاء المتقون يقول الله عز وجل: {فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [الطور:17] و (جنات) جمع جنة وهي: الدار التي أعدها الله تعالى للمتقين في الآخرة، بدليل قول الله تبارك وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] نحن قلنا: التي أعدها الله تعالى لعباده في الدار الآخرة فهل يمكن أن تكون في الدنيا؟ نقول: أما بالنسبة لدخول الجنة التي هي الجنة فهذا لا يمكن في الدنيا، أما بالنسبة لكون الإنسان يأتيه من نعيم الجنة ما يأتيه، فهذا يمكن، وذلك في القبر إذا سئل الإنسان: عن ربه ودينه ونبيه، فأجاب بالصواب فإنه يفرش له فراش من الجنة، ويفتح له باب إلى الجنة، ويفسح له في قبره مد البصر.
إذاً (جنات) جمع جنة وهي الدار التي أعدها الله للمتقين في الآخرة، وجمعها؛ لأنها أنواع ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة الرحمن أربعة أنواع: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] ثم قال: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن:62] إذاً هذه أربع، وتختلف هذه الجنان الأربع فيما جاء في وصفها في سورة الرحمن، يقول عز وجل: {فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [الطور:17] (نعيم) أي: نعيم البدن ونعيم القلب، فهم في سرور دائم، وهم في صحة دائمة، وهم في حياة دائمة، فجميع أنواع النعيم كاملة لهم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.(160/3)
تفسير قوله تعالى: (فاكهين بما آتاهم ربهم)
قال تعالى: {فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} [الطور:18] (فاكهين) الفاكه: هو المسرور، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين:31] أي: مسرورين.
(بما آتاهم ربهم) أي: بما أعطاهم ربهم من النعيم.
{وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [الطور:18] فحصلوا على السلامة من الشرور بوقاية الجحيم، وعلى تمام السرور في جنات النعيم.(160/4)
تفسير قوله تعالى: (كلوا واشربوا هنيئاً)
قال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:19] (كلوا) نعربه على أنه فعل أمر، وهذا الأمر أمر تكريم لا أمر تكليف؟ فالأمر هنا للتكريم، أي: يقال لهم: كلوا واشربوا، كلوا من كل ما في الجنة من النعيم، {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن:52] ، {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:68] وفيها من كل النعيم.
واشربوا مما فيها من أنهار، وأنهار الجنة أربعة ذكرها الله تعالى في سورة القتال، وهي في قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] .
هذه أربعة: {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد:15] معنى: (غير آسن) أي: غير متغير، المياه في الدنيا إذا لم يأتها ما يمدها وبقيت راكدة لا بد أن تتغير فتكون آسنةً، لكن ماء الجنة لا يتغير (غير آسن) .
{وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد:15] اللبن في الدنيا إذا بقي يتغير ويفسد، لكن في الآخرة لا.
{وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد:15] خمر الدنيا فيه رائحة كريهة، ثم فيه أنه يقلب العاقل إلى مجنون، وفيه أيضاً الصداع، وخراب المعدة، لكن في الجنة لا، {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد:15] وقد قال الله تعالى في سورة الصافات: {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات:47] .
{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً} [الطور:19] الهنيء: هو الذي لا يكون له عاقبة سيئة، ولا تبعة من تجاوز أو إسراف.
{بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:19] أي: بسبب ما كنتم تعملون، فالباء هنا للسببية وليست الباء للعوض أقول هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لن يدخل الجنة أحد بعمله) وهنا قال: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:19] فجعل الله تعالى ذلك بسبب العمل، فقال بعض العلماء: كيف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل الجنة أحد بعمله) مع أن الله يقول: (بما كنتم تعملون) ؟!! والجواب على هذا الإشكال أن يقال: الباء تأتي للسببية وتأتي للبدلية، فإذا قيل: دخل الرجل الجنة بعمله، فالمعنى: السببية، وإذا قيل: (لن يدخل الجنة أحد بعمله) فالمعنى: البدلية، وأضرب مثلاً يبين هذا: بعتك الثوب بدرهم، الباء للبدلية، لأن الدرهم صار عوضاً عن الثوب هذه للبدلية، وإذا قلت: أدبت الولد بعبثه، هذه للسببية، إذاً كلنا لن يدخل الجنة بعمله، لأن الله سبحانه وتعالى لو حاسبنا على عملنا ما قابل عملنا نعمة من نعم الله، النفس الآن الذي هو من ضرورة الحياة، يخرج منك ويدخل بدون تعب ومشقة، وكم يتنفس الإنسان في الدقيقة؟ كثيراً، ولو أننا حوسبنا على أعمالنا بالمعاوضة والمبادلة لكانت نعمة واحدة تستوعب جميع العمل، ونحن الآن لا نحس بنعمة النفس، لكن لو أصيب أحد منا بكتم النفس لوجد أن النفس من أكبر نعم الله، لذلك نقول: إن الباء في قوله: (بما كنتم تعملون) للسببية وليست للبدلية.
وفي قوله: (بما كنتم تعملون) شمول لكل العمل: عمل الجوارح والقلب واللسان، فالجوارح هي: الأفعال كالركوع والسجود، والأقوال: كالأذكار، والقلوب: كالخوف والرجاء والتوكل وما أشبه ذلك، فكل هذه تسمى أعمالنا.(160/5)
الأسئلة(160/6)
حكم لفظة (فلان عليه حق) ونحوها
السؤال
نسمع كثيراً في المجالس كلمة: فلان عليه حق وأنت عليك حق، فما توجيهكم؟ الشيخ: يعني غرامة.
السائل: أو نحوها.
الشيخ: هذا لا شك أنه محرم إلا لسبب شرعي، كوننا نلزم إنساناً ونغرمه مالاً أو وليمة أو ما أشبه ذلك فهذا لا يجوز إلا بسبب شرعي؛ لأن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29] .(160/7)
حكم تخصيص زيارة القبور يوم الجمعة
السؤال
ما حكم تخصيص زيارة القبور يوم الجمعة، وهل هناك مزية عن غيره؟
الجواب
تخصيص زيارة القبور بيوم الجمعة ليس عليه دليل، وزيارة المقابر تكون في كل وقت، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زار المقبرة في الليل ودعا لأهل القبور.
ولو قال قائل: ينبغي لكل إنسان حصل منه غفلة عن ذكر الموت أن يذهب ويزور المقبرة، ويكون هذا هو السبب في الزيارة، لو قيل بهذا لكان له وجه، والدليل: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكر بالموت) وحقيقة أن الإنسان إذا ذهب إلى القبور وزارها فلا بد أن يتذكر الموت ويتذكر الآخرة؛ لأنه يرى هذا القبر كان بالأمس صاحب القبر معه على وجه الأرض يأكل ويشرب ويتمتع ويذهب ويجيء والآن هو مرتهن بعمله، فيتذكر الإنسان، ثم هل يستبعد أن يكون كهذا الرجل؟ أبداً لا بعد في هذا، الإنسان ربما يخرج إلى المسجد ولا يرجع إلى بيته إلا محمولاً، وربما ينام ولا يقوم إلا جنازة، وهذا شيء مشاهد.
حكى لنا بعض الإخوة في الأسبوع الماضي أنه كان رجل قد دعا أصحابه إلى وليمة، فحضروا إلى الوليمة بعد صلاة العشاء، وفي نفس المكان والناس ينتظرون العشاء أحس بدوران في نفسه فحملوه إلى المستشفى فمات هناك فوراً، هل أحد يستبعد أن يناله مثل ما نال هذا الرجل؟ أبداً، فإذاً أنت يا أخي زرت المقبرة تذكر هؤلاء الذين كانوا معك يأكلون ويشربون ويتمتعون ويتكلمون ويضحكون وينامون ويذهبون ويجيئون، والآن هم مرتهنون بأعمالهم، لا يستطيعون أن يزيدوا حسنة من حسناتهم ولا أن يدفعوا سيئة من سيئاتهم، فلو قال قائل: إنه ينبغي للإنسان كلما رأى من نفسه قسوة وغفلة أن يذهب إلى المقابر ويزورها لم يكن هذا بعيداً، لكن إذا زارها ماذا يقول؟ يقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) .(160/8)
حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقت الصلاة
السؤال
خرج شخص من بيته بعد إقامة الصلاة، وفي طريقه إلى المسجد وجد مجموعة من الناس لم يذهبوا إلى المسجد وشباباً يلعبون بالكرة، فهل يجوز أن ينشغل عن الركعة الأولى بسبب أمرهم جميعاً بالصلاة، أم يكتفي بكلمات يسيرة حتى يدرك الركعة؟
الجواب
نقول: إذا كان يأمل أن الله ينفعهم به، فلا بأس أن يبقى معهم ولو فاتته الركعة الأولى أو الثانية، ذلك لأن إدراكه الركعة الأولى أو الثانية أمر مطلوب ولا شك، لكنه سنة، وأما بقاؤه مع هؤلاء يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر فهو واجب، هذا إن رجا أن ينفعهم الله به، أما إذا كان آيساً منهم، يعرف أن هؤلاء لا يسمعون ما يقول فليذهب وليرجع إليهم بعد الصلاة ويأمرهم وينهاهم.(160/9)
حكم لفظة: أسألك بحق الذي جعل النعمة بين يديك
السؤال
ما حكم قول الشخص: أسألك بحق الذي جعل النعمة بين يديك؟ الشيخ: الظاهر لي أن هذا من جنس الاستشفاع بالله على خلقه وأنه لا يجوز؛ لأنه لا يجوز أن تجعل الله واسطة بينك وبين الإنسان، ثم من ناحية أخرى فيه إحراج للمخاطب: كيف تسأله هذا السؤال؟ وإحراج الناس لا ينبغي، ومثل هذا في نفسك: لو أن إنساناً أتاك وأحرجك في أمر تحب ألا يطلع عليه هل تكون مسروراً بهذا؟!! لا تكون.
إذاً يا أخي عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به.
السائل: هل يأخذ حكم: أسألك بالله؟ الشيخ: لا يأخذ هذا، وأيضاً: أسألك بالله ليس متفقاً على أن المعنى أن تجعل الله واسطة، بل بعضهم يقول: أسألك بالله، أي: أسألك بالحق الذي أوجب الله عليك: أن تعطيني -مثلاً- من هذا الزكاة إذا كان من أهل الزكاة وما أشبه ذلك.(160/10)
معنى النمص وموضعه وحكمه
السؤال
هل النمص خاص بالوجه أو غيره؟
الجواب
أكثر أهل اللغة يقولون: إن النمص نتف شعر الوجه، وعلى هذا التعريف يكون خاصاً بالوجه، والنمص من كبائر الذنوب؛ لأن النامصة والمتنمصة كلتاهما ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.(160/11)
حكم قراءة المجلات والجرائد
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز قراءة المجلات والجرائد؟
الجواب
إذا كان فيه مصلحة فلا بأس، وإذا كان فيه مضرة فهو حرام، وإذا لم يكن مصلحة ولا مضرة فهو لغو، فهذه أقسام ثلاثة: إذا كان فيه مصلحة، مثل: أن تكون هذه المجلة أو الجريدة تتكلم عن أشياء مفيدة إما فتاوي تعرض فيها، أو مقالات طيبة، أو ما أشبه ذلك فهذا طيب، ما لم يشغله عما هو أهم.
وإذا كانت فيها مضرة، مثل: أن تكون هذه الجريدة مملوءة بالصور الخليعة الفاتنة، أو تكون هذه الجريدة أو المجلة معروفة بأفكار سيئة، فإن مطالعتها حرام.
وإذا كان ليس فيها هذا ولا هذا فمطالعتها لغو وإضاعة للوقت.(160/12)
حكم قتل الصيد وأولاده عنده
السؤال
ما حكم قتل الصيد وأولاده عنده؟
الجواب
لماذا لا تأخذ أولاده معه؟ السائل: مثلاً بيض.
الشيخ: اقتله ولو كانت البيض عنده.
السائل: جائز؟ الشيخ: جائز، أما الأول فلا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن تذبح الشاة وأختها تنظر إليها) وهذه هي الشاة مع أختها فكيف بالأم مع أولادها؟!! وقد ذكروا قصة قرأتها قديماً يقولون: إن رجلاً ذبح ولد بعير عندها، فجعلت البعير تتمرغ على ولدها مذبوحاً أو منحوراً حتى ماتت من شدة وجدها، فأصيب هذا الرجل بالجنون والعياذ بالله، وصار يخرج إلى البر هائماً، وفي أثناء خروجه إلى البر وجد حمَّرة وهو طائر معروف قد سقط عشها تحت الشجرة وفيه أولادها، وهي تحوم تريد أن تحمل الأولاد لتجعلهم في مأمن في الشجرة، فعجزت وهي مازالت تحوم على أولادها وتصرخ، هذا الرجل المجنون تصرف بغير عقل أخذ الأولاد بعشهم ووضعهم على غصن في الشجرة ومكنهم من الشجرة، فنزل الطائر على أولاده مسروراً فرد الله عليه عقله، سبحان الله!! لأنه أحسن إليها ولو كان بغير قصد أثابه الله عز وجل، لأن النفع المتعدي يؤجر الإنسان عليه ولو كان بغير قصد، وهذه المسألة ينبغي لطالب العلم أن يتنبه لها، الإنسان يزرع زرعاً ويغرس غرساً فينتفع منه الطيور، هل هو أراد نفع الطيور في الأصل، أو أراد أن ينتفع هو؟ أراد أن ينتفع هو، لكن انتفاع الطيور به والهوام يؤجر عليه.(160/13)
حكم الغش في مادة الإنجليزي
السؤال
ما حكم الغش في مادة الإنجليزي؟
الجواب
مادة الإنجليزي في المدارس مادة معتمدة ليس الإنسان فيها مخيراً، وإذا كانت معتمدة فإن الشهادة لم تمنح الطالب حتى يكون قد أجاب في جميع المواد، فإذا غش فقد غش نفسه، والغش حرام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا) .(160/14)
حكم من أخر الصلاة لعذر حتى دخل وقت الصلاة الأخرى
السؤال
رجل لم يصل العصر لعذر حتى دخل وقت المغرب، فهل يصليها مع المغرب أم يؤخرها إلى صلاة العصر القادمة؟
الجواب
إذا فاتت الإنسان الصلاة لعذر، فالواجب عليه أن يصليها حين يزول العذر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فنقول: إذا أخر صلاة العصر حتى خرج وقتها لعذر، فليصلها إذا زال العذر، إذا زال العذر بعد غروب الشمس فهل يبدأ بالمغرب ثم العصر أو بالعصر ثم المغرب؟ نقول: يبدأ بالعصر ثم المغرب مراعاة للترتيب، إلا أن يضيق وقت الصلاة الحاضرة فيقدم الصلاة الحاضرة.(160/15)
حكم مقولة: (يا صديق يا رفيق) للأعاجم
السؤال
كلمة دارجة على أفواه المواطنين موجهه للأعاجم، مثل: يا صديق، يا رفيق، هل فيها شيء؟ الشيخ: والله هذه كلمة الآن اصطلحوا عليها ولا يريدون معناها، فتجده يقول: يا صديق، وهو ما رآه ولم يعرفه، أو يا رفيق وهو ما رآه ولم يعرفه، فصارت الكلمة الآن موضوعة لتدل على أن هذا ليس بمعروف عند الرجل فلا أرى بها بأساً، إلا إذا كان الرجل كافراً فلا ينبغي أن يقال له: يا صديق.
السائل: هذه تطلق على الأعاجم فهل يوجد لها بديل أفضل؟ الشيخ: لا.
إذا كان كافراً فلا ينبغي أن يقول له: يا صديق أو يا رفيق، لماذا لا يقول: يا رجل، يا ولد، يا هذا؟ إذا قال هذا بصوت مرتفع سوف يلتفت على كل حال، ويسلم من كلمة صديق التي ربما يكون المخاطب بها كافراً.(160/16)
حكم من قدر لنفسه شيئاً معيناً على شريكه في الشركة
السؤال
فضيلة الشيخ! إنا نحبك في الله.
الشيخ: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، ونسأل الله أن يجعلنا جميعاً من أحباب الله.
السائل: الله يجزيك خيراً اثنان اشتركا في محل بنسبة سبعة أسهم إلى تسعة أسهم، وحصل بينهما خلاف، فأحدهم قال للآخر: تستلم إدارة المحل مقابل أن تعطيني ثلاثة آلاف في الشهر، الذي هو صاحب السبعة الأسهم، أو أعطيك أربعة آلاف وخمسمائة صافي تأخذها وتكون خارج المحل، هل يجوز هذا؟ الشيخ: أما الأول فلا يجوز له أن يقدر له شيئاً معيناً في الشهر؛ لأنه ربما يربح هذا الشيء وربما لا يربح، فلا يجوز؛ لأن هذا من الميسر.
أما إذا اتفقوا على أن يصفوا المحل الآن، وينظروا كم قيمته ثم يقول: أنا أعطيك قيمة نصيبك منه فلا بأس.(160/17)
حكم تغشيش المدرس للطالب في الامتحان
السؤال
كنا في الامتحان فجاءنا المدرس وأخبرنا بإجابة سؤال، فما أدري هل هذا يدخل في الغش أم لا؟
الجواب
إذا جاءك المدرس وأنت في الامتحانات وأخبرك بالجواب فالواجب عليك أن ترفع أمره إلى الإدارة من أجل أن تؤدبه؛ لأن هذا في الحقيقة أضاع الأمانة التي حملها، ولكن هل يجوز لك أن تأخذ بما قال؟ إن كنت تدري أن هذا الجواب من الأصل فلا بأس وليس فيه إشكال؛ لأنك اعتمدت على معلوماتك، وإن كنت لا تدري فأنا أتردد في هذا، قد أقول: إنه جائز؛ لأن هذا رزق ساقه الله إليك، وقد أقول: إنه ليس بجائز؛ لأنه مبني على غش، فهذه أتوقف فيها، لكن المهم أن هذا الرجل يجب أن يرفع أمره إلى الإدارة ليأخذ جزاءه، كيف يعتمد على هؤلاء التلاميذ ثم يذهب يعطيهم.
السائل: يا شيخ، إذا رفعناه إلى الإدارة سوف نضره، والتلاميذ كذلك هم المتضررون.
الشيخ: يضره هو، هذا هو ما نريد.
السائل: والطلاب يتضررون.
الشيخ: لا يضرونه، لماذا؟ السائل: هذا حصل عندنا يا شيخ.
الشيخ: لا يضر أبداً، المشكلة إذا أنكر الأستاذ.
السائل: إذا علمت أن فيه مضرة لي.
الشيخ: إذا علمت أنه يضرك لا يلزمك أن ترفعه (لا ضرر ولا ضرار) لكن إذا لم يترك التغشيش لابد أن ترفعه؛ لأن هذا الذي يغششك يغشش غيرك، ثم أي فائدة من الامتحانات إذا كان الأساتذة يغششون!(160/18)
معنى الآب في قوله تعالى: (وفاكهة وأبا)
السؤال
ما معنى قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عبس:31] ما هو الأب؟
الجواب
بعض العلماء يقولون: الأب كل ما ترعاه الإبل أو البقر أو الغنم، لأن الله تعالى قال: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ} هذه الفاكهة {وَلِأَنْعَامِكُمْ} [عبس:31-32] هذا الأب.
وبعضهم خصه بالقت، وهو الذي يسمونه البرسيم.
والأقرب العموم، أنه عام لكل ما ترعاه الإبل أو الغنم أو البقر.(160/19)
معنى قول الإمام أحمد: (من ادعى الإجماع فهو كاذب)
السؤال
نقلت عن الإمام أحمد عبارة: من ادعى الإجماع فهو كاذب.
فما معنى هذه العبارة؟
الجواب
يحتمل أنه أراد من ادعى الإجماع فهو كاذب من أهل البدع؛ لأن أهل البدع يقولون مثلاً: الله منزه عن كذا بالإجماع، فيموهون على الناس: تارة يقولون بالإجماع، وتارة يقولون: في قول أهل التحقيق، وتارة يقولون: في الأرجح وما أشبه ذلك، هذا مراد الإمام أحمد.
وقال بعضهم: إن الإمام أحمد أراد من ادعى الإجماع بعد انقضاء القرون الثلاثة؛ لأن الناس بعد انقضاء القرون الثلاثة تفرقوا في المكان وتفرقوا في الأفكار والآراء فتشتت الآراء والأماكن وبعدت، فما الذي أدرى هذا الرجل أن واحداً في الأندلس وافق واحداً في أقصى شرق آسيا، ما الذي أعلمه لا سيما أنه في ذلك الوقت ليس هناك مواصلات، فلا شك أن الإجماع حجة وأنه ممكن، لكنه في غير الأصول الثابتة في الشريعة يعز وجوده وتبعد الإحاطة به.(160/20)
من أساليب الدعوة إلى الله
السؤال
الدعوة هل هي خروج للعامة، أم الاكتفاء بالأشرطة والكتيبات؟
الجواب
الدعوة أساليبها كثيرة: - تارة تكون بخروج الإنسان بنفسه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلى القبائل في مواسم الحج ويدعو الناس إلى دين الله، وكما خرج إلى أهل الطائف والقصة مشهورة معلومة.
- وتارة يكون بالأشرطة وبالكتيبات وبالمطويات كما يعرفونها، فالمهم أن وسائل الدعوة كثيرة.
ثم ما الذي يقدم منها؟ نقول: للأنفع والأصلح، تارة يكون الأنفع للإنسان نفسه أن يذهب ويدعو، وتارة يبقى في بلده للتعلم ويرسل الكتيبات والأشرطة وغير ذلك، وتارة يكون ليس أهلاً للدعوة بنفسه، لكن عنده مال فيشتري من هذه الأشرطة والكتيبات ويوزعها ويكون هو مشاركاً للذي ألفها.(160/21)
حكم الزكاة في الزيتون
السؤال
مزرعة فيها زيتون، هل عليهم زكاة أم لا، حيث مصروفاتها أكثر من إيراداتها؟
الجواب
الزيتون فيه خلاف: بعض العلماء يقول: إن فيه زكاة؛ لأنه ثمرة فيزكي.
وبعضهم يقول: ليس فيه زكاة، وأن الزكاة إنما هي بالعنب والتمر فقط.
وبعضهم يقول: إن العنب نوعان: نوع يتخذ منه الزبيب ففيه الزكاة، ونوع لا يتخذ منه الزبيب فلا زكاة فيه لأنه فاكهة.
وهذه المسألة فيها خلاف طويل عريض بين العلماء، لكني أقول: إذا كان هذا الرجل يقول: إن الإنفاق عليه أكثر من ثمرتها فما الفائدة منها حينئذ؟ لماذا لا يجثه ويغرس بدله ما يكون مثمراً نافعاً؟(160/22)
حكم إحراق الحشائش وغيرها للمصلحة
السؤال
في بعض المزارع الذي عنده رشاشات عندما ينتهي من الزرع يحرقه فهل يجوز هذا؟ الشيخ: لماذا؟ السائل: بعض المزارع عندهم محوري ورشاش، فهو عندما ينتهي من الزرع يحرقه وهو مسافة كبيرة من الزرع وفيه من الدواب.
الشيخ: لماذا أحرقه؟ السائل: يحرقه ليتخلص من بعض الشجر وبعض الحشائش والنوابت.
الشيخ: هذا لا بأس به، يعني: بعض الفلاحين إذا انتهى الموسم أحرق الأرض بما فيها من الأشجار والنوابت، يقول: من أجل أن يقضي على الحشائش الضارة وهذا لا بأس به، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحرق نخل بني النضير، مع أن النخل لا يخلو من أفراخ الطيور أو غيرها، فهل هذا الرجل أحرقها ليقتل ما فيها من الحشرات؟
الجواب
لا.
أحرقها ليتخلص مما يؤذيه من الحشائش والنوابت، وهذا ما قصده، فلا بأس به، ويجب أن تعلم الفرق بين المقصود وبين التابع، مثلاً في القتال: لا يجوز أن نقتل الصغار، ولا النساء، ولا الشيوخ، لكن لو اضطررنا أن نرمي هذه القرية بالمدافع فسوف تقتل النساء والأطفال والشيوخ، ولكن هذا يكون تبعاً.(160/23)
حكم لبس العمامة
السؤال
لبس العمامة هل هي سنة ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الشيخ: لا، لباس العمامة ليس بسنة، لكنه عادة، والسنة لكل إنسان أن يلبس ما يلبسه الناس ما لم يكن محرماً بذاته، وإنما قلنا هذا؛ لأنه لو لبس خلاف ما يعتاده الناس لكان ذلك شهرة، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لباس الشهرة، فإذا كنا في بلد يلبسون العمائم لبسنا العمائم، وإذا كنا في بلد لا يلبسونها لم نلبسها، وأظن أن بلاد المسلمين اليوم تختلف، ففي بعض البلاد الأكثر فيها لبس العمائم، وفي بعض البلاد بالعكس، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس العمامة؛ لأنها معتادة في عهده، ولهذا لم يأمر بها بل نهى عن لباس الشهرة مفيداً إلى أن السنة في اللباس أن يتبع الإنسان ما كان الناس يعتادونه، إلا أن يكون محرماً، فلو فرضنا أن الناس صاروا يعتادون لباس الحرير وهم رجال قلنا: هذا حرام ولا نوافقهم، ولو كنا في بلد اعتاد الرجال أن يلبسوا اللباس النازل عن الكعبين قلنا: هذا حرام ولا نوافقهم.(160/24)
صفة ضمة القبر للعبد المؤمن والفاجر
السؤال
هل ضمة القبر للعبد الفاجر كضمتها للعبد المؤمن الموحد العاصي؟ الشيخ: لا.
ضمة القبر للمؤمن إذا صح الحديث فيها فإنها ضمة رحمة وحنان كضم الأم الحنون ابنها إلى صدرها، وأما ضم القبر للفاجر فإنه -والعياذ بالله- يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، أي: حتى يدخل بعضها ببعض من شدة الضيق، أعاذنا الله وإياكم من هذا.(160/25)
مشروعية خضب اللحية بالحناء
السؤال
تغيير اللحية هل هو سنة؟ الشيخ: تغيير بياض اللحية سنة إلا إذا كان بسواد فهو حرام، أما بالحناء أو الحناء مع الكتم أو بشيء يغير اللون فقط فهو سنة.(160/26)
بيان السنة الكفائية والسنة العينية
السؤال
هل تنقسم السنة: إلى سنة كفائية وسنة عينية، نرجو ضرب مثال على ذلك؟
الجواب
ابتداء السلام سنة كفائية، فلو كنا جماعة ومررنا بشخص وسلم واحد منا كفى؛ لأنه سنة كفائية، أما سنة العين فأكثر السنن سنن أعيان كالتثليث في الوضوء، والغسل على الصفة المشروعة، وزيادة التسبيح في الصلاة، هذه كلها سنة عين.(160/27)
الواجب تجاه أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
السؤال
هناك أناس يقولون: إن نسبهم ينتمي إلى آل البيت مثلاً: فلان بن فلان بن فلان إلى الزهراء أو إلى علي بن أبي طالب، فما واجبنا نحوهم سواء الصالح أو الطالح منهم؟
الجواب
على كل حال إذا صح الانتساب فهم من آل البيت، ولكني أسألكم الآن: آل البيت لهم حق قرابة النبي صلى الله عليه وسلم لا شك في ذلك، لكن إذا كانوا فساقاً أو كفاراً فليس لهم حق على غيرهم من المسلمين المستقيمين، فهناك من هو أولى منهم، لكن إذا كانوا مثل غيرهم فهم أحق؛ لقرابتهم من النبي صلى الله عليه وسلم.(160/28)
حكم تحية المسجد
السؤال
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) الأمر هنا هل هو للوجوب أم للندب؟ الشيخ: هل هو للتحريم أو للكراهة؟ السائل: نعم.
الشيخ: أو للوجوب؟ السائل: للوجوب أو للتحريم؟ الشيخ: لا، هل هو للتحريم أو لا؟ لأنه قال: لا يجلس نهي، فهل هذا النهي للتحريم، وإذا كان للتحريم صارت الركعتان من الواجب.
اختلف فيها العلماء، وأكثر العلماء على أن تحية المسجد سنة.
وبعضهم يرى أنها واجبة.
والقول بالوجوب قوي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب، فدخل رجل المسجد فجلس، فقال له: (أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين وتجوز فيهما) فكون الرسول صلى الله عليه وسلم قطع الخطبة وأمره أن يقوم فيصلي، مع أنه إذا صلى سوف ينشغل بالصلاة عن استماع الخطبة واستماع الخطبة واجب ولا اشتغال عن واجب إلا بواجب، فالقول بهذا قوي.
لكن بعض الأشياء قد تضعف القول بالوجوب، كدخول الإمام يوم الجمعة، فإنه يصعد إلى المنبر ولا يصلي.
وكدخول الإنسان المسجد الحرام للطواف فإنه يطوف ولا يصلي.
وكذلك أيضاً قضايا ظاهرها عدم الوجوب، مثل: قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تاب الله عليه، فجاء فدخل المسجد فقام الناس يهنئونه، وظاهر القصة أنه لم يصل ركعتين.
فهذا مما يضعف القول بالوجوب؛ لأن القول بالوجوب ليس اسماً مجرداً لواجب أو غير واجب، القول بالوجوب يقتضي أن من جلس ولم يصل فهو آثم، وثبوت الإثم مع الاحتمال يتوقف فيه الإنسان.
لكني أنا أقول لكم أيها الإخوة نصيحة عامة: إذا ورد النهي فاجتنبه ولا تسأل: هل هو للتحريم أو للكراهة؟ وإذا ورد الأمر فاتبعه ولا تسأل: هل هو للوجوب أو للاستحباب؟ فالصحابة رضي الله عنهم إذا كانوا أمرهم الرسول بشيء لا يقولون: يا رسول الله هل قصدت الوجوب أو الاستحباب، يفعلون مباشرة، والحقيقة أن الإنسان متهم إذا سمع أمر الله، ورسوله ثم قال: هل هو للوجوب أو للاستحباب؟ يا أخي! أنت مأمور أن تفعل، إذا سمع النهي يقول: هل هو للكراهة أو للتحريم؟ أنت مأمور أن تترك، نعم إذا تورط الإنسان ولم يفعل المأمور ولم يترك المنهي عنه، إذا تورط حينئذ نبحث: هل هو للوجوب أو للاستحباب؟ أما قبل ذلك فنصيحتي لكل مؤمن إذا سمع أمر الله ورسوله أن يقول: سمعنا وأطعنا ويفعل، وإذا سمع النهي أن يقول: سمعنا وأطعنا ويترك، ولا يخاطر بنفسه، وأشد الناس انقياداً لأمر الله ورسوله هم أقوى الناس إيماناً، {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51] فاطلب الفلاح، ثم إنك إذا فعلت المأمور سواء كان واجباً أو غير واجب طاعة لله ولرسوله ازداد قلبك إشراقاً وإيمانك قوة وصرت مع شرائع الله أمراً ونهياً، لكن إذا صرت تتعنت هل هو واجب أو غير واجب! فهذا أمر لا ينبغي، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على الطاعة.(160/29)
حكم أخذ العوض على المسابقات بالسيارات والدراجات
السؤال
يوجد في بلادنا سباق السيارات أو الدراجات على جميع المشتركين أن يدفعوا مبلغاً معيناً ويكون للفائزين جوائز، فهل يجوز هذا أو يعتبر من القمار، جزاكم الله خيراً؟
الجواب
هذا يسأل يقول: يوجد في بلادهم مسابقة على السيارات والدراجات ويشترك الجميع بعوض.
جوابنا على هذا: أنه لا يجوز أخذ العوض على هذه المسابقات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) والسبَق بفتح الباء: هو العوض المأخوذ على المسابقة فلا يجوز.
نعم.
لو فرض أن هذه السيارات سيارات جهاد، وهذه الدرجات درجات جهاد، فحينئذٍ نقول: لا بأس؛ لأنها تشبه الخيل والإبل، أما لو أن شخصاً من الناس أخرج جائزة للفائز في السباق فهذا لا بأس به؛ لأنه هنا لا ضرر على المتسابقين، إما أن يسلموا وإما أن يغنموا وليس فيه مقامرة، لكن هل نقول للرجل الذي أخرج الجائزة: إن إخراجك الجائزة حرام أو حلال؟ هنا ينظر ماذا يترتب على هذه المسابقة، إن لم يترتب عليها محظور فبذل المكافأة جائز، وإن ترتب عليها محظور فبذل المكافأة عليها حرام.
فلو فرضنا أن هذه المسابقة للدراجات والسيارات تؤدي إلى التهور والعبث فهنا لا يجوز أن نشجعهم ونعطيهم مكافأة، لأن بعض الشباب الذي لا يقدر الأمور تجده يلعب بالسيارات إما بالتفحيط كما يسمى وإما بالدوران، وإما بغير ذلك فهؤلاء لا يشجعون على أعمالهم.(160/30)
كيفية صلاة الكسوف
السؤال
نريد كيفية صلاة الكسوف وعدد ركعاتها، وشخص صلى بالناس ركعتين وقرأ فيها سورة الإخلاص والمعوذتين؟
الجواب
أولاً: سبب صلاة الكسوف هو كسوف الشمس والقمر، وكسوف الشمس والقمر أمر خارج عن العادة لإنذار الناس وتخويفهم، ولما كان أمراً خارجاً عن العادة، شرع الله تعالى صلاة لها خارجة عن العادة، قلت هذا من أجل أن تعرف حكمة الله عز وجل في كون الشرائع مناسبة للوقائع.
وصلاة الكسوف يبدأ الإنسان فيها بتكبيرة الإحرام، وقبل هذا ينادى على المنائر: الصلاة جامعة، ويجتمع الناس في مسجد واحد ليس في كل مسجد بل في مسجد واحد وهو الجامع، هذا هو الأفضل، ثم يكبر الإمام ويقرأ الفاتحة ويقرأ سورة طويلة -مثلاً- البقرة أو آل عمران أو السور الطوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، حتى إن بعض الصحابة سقط مغشياً عليه من طول القيام، ثم يركع بعد هذا ركوعاً طويلاً، ثم يرفع رأسه فيقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يقرأ سورة طويلة لكنها دون الأولى، ثم يركع ركوعاً طويلاً لكنه دون الأول، ثم يرفع، ويقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد بمقدار ركوعه، ثم يسجد ويطيل السجود كالركوع، ثم يجلس بين السجدتين ويطيل الجلوس كالسجود، ثم يسجد الثانية ويطيل، هذه هي الركعة الأولى، والركعة الثانية مثلها إلا أنها دونها في كل ما يفعل، ثم يسلم، وينبغي أن يعظ الناس ويذكرهم بعد الصلاة؛ لأن هذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه هي صفة صلاة الكسوف الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك ولو كان مرفوعاً إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه غير صحيح -يعني: غير صحيح إلى الرسول صلى الله عليه وسلم- وإلا فقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام ركع ثلاث ركعات لكنه شاذ، وإنما حكمنا بشذوذه؛ لأن الكسوف لم يقع في عهد الرسول إلا مرة واحدة خسفت الشمس في يوم تسعة وعشرين من شوال عام عشرة من الهجرة، في آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، وصادف ذلك يوم موت إبراهيم بن محمد على أبيه الصلاة والسلام وعليه الرضوان، في ذلك اليوم خسفت الشمس خسوفاً كلياً حتى وصفها الصحابة: بأنها قطعة نحاس أو شبه ذلك.
والكسوف الكلي يتأخر انجلاؤه، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينصرف حتى انجلت الشمس، ونقدر صلاته والله أعلم بثلاث ساعات وهو قائم عليه الصلاة والسلام.
في هذا المقام عرضت عليه الجنة والنار عليه الصلاة والسلام عرضت عليه الجنة فتقدم ليأخذ منها قطفاً من عنب لكنه لم يشأ ذلك؛ لأن نعيم الجنة يكون في الآخرة، وعرضت عليه النار فتأخر خوفاً من لفحها، وحصل أمور عظيمة وخطب خطبة عظيمة، ولهذا نقول: يجب على المسلمين أن يهتموا بهذا الحدث العظيم، ونسمع في بعض البلاد الإسلامية أنه يمر الكسوف أو الخسوف وكأنه يوم كبقية الأيام وبعضهم لا يصلي، وسمعت أن بعضهم يخرج إلى البر ومعه الدفوف ليضرب بها ويغني، ولا أدري ماذا يقولون في غناهم! السائل: عندهم دعاء يقولون: لا إله إلا الله لا إله إلا الله.
الشيخ: كل هذه من البدع، فهذه هي صلاة الكسوف، وهي أفضل ما يكون من الصفات، ولكن يجوز أن يزيد ركوعاً ثالثاً لكل ركعة؛ لأنه ورد عن بعض الصحابة، لكن الأفضل ما جاءت به السنة.
السائل: الإعلان إذا كان الكسوف بعد يوم.
الشيخ: أرى أنه لا ينبغي الإعلان عن ذلك؛ لأنه إذا أعلن عنه خف وزنه عند الناس، وصار كأنه أمر معتاد، فلو أنه ترك حتى يتبين للناس، ثم إن الإعلان عنه أوجد مشكلة أخرى، يعلنون عن الكسوف ويكون كسوفاً جزئياً صغيراً لا يتبين، فبعض الناس يتعجل ويصلي، كما حدث قبل سنة أو سنتين أعلن عن الكسوف لكنه ما بان، وإذا أعلن عنه ولكنه لم يبن فإنها لا تجوز الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتموه فصلوا) .
والكسوف عند أهل الفلك أحياناً يراد به الظل بمعنى: أن النور يخف لكنه يتبين.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(160/31)
لقاء الباب المفتوح [161]
ورد وصف الجنة في سورة الطور في آيات بينت النعيم والسرور، والمآكل والمشارب والغلمان والجواري، وتقابل أهل الجنة على أسرتهم في حبور، وتذكرهم لما سلف من الأمور.
بعد ذلك -كعادة هذه السلسلة من اللقاءات- فقرة مطولة خاصة بالأسئلة، جاءت فيها كثير من الفتاوى العامة، والفوائد الهامة، والنقاش العلمي المؤصل.(161/1)
تفسير آيات من سورة الطور
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي والستون بعد المائة من اللقاءات المعبر عنها بلقاء الباب المفتوح، والتي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس من شهر ربيع الأول عام 1418هـ.
نبتدئ بما كنا نبتدئ به من الكلام على شيءٍ من تفسير كتاب الله عز وجل، وقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى في سورة الطور: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:17-19] .(161/2)
تفسير قوله تعالى: (متكئين على سرر مصفوفة)
ثم قال تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ} [الطور:20] (متكئين) حال، أي: حال كونهم متكئين، والمتكئ تدل هيئته على أنه في سرور وانشراح وطمأنينة؛ لأن الاتكاء يدل على ذلك.
(والسرر) جمع سرير وهي: الكراسي الفخمة المهيأة أحسن تهيئة للجالس عليها.
(مصفوفة) أي: مصفوف بعضها إلى بعض، يصفها الخدم والولدان.
{وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الطور:20] أي: قرناهم بحورٍ عين، والحور جمع حوراء، والعين جمع عيناء، والأصل الحور والبياض وأما العيناء فهي التي كانت جميلة العين في سوادها وبياضها، فهن حسان الوجوه حسان الأعين.(161/3)
تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان)
ثم قال عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21] الذين آمنوا واتبعتهم الذرية بالإيمان، والذرية التي يكون إيمانها تبعاً هي الذرية الصغار، فيقول الله عز وجل: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21] أي: جعلنا ذريتهم تلحقهم في درجاتهم.
وأما الكبار الذين تزوجوا فهم مستقلون بأنفسهم في درجاتهم في الجنة، لا يلحقون بآبائهم؛ لأن لهم ذرية فهم في مقرهم، أما الذرية الصغار التابعون لآبائهم فإنهم يرقون إلى آبائهم، هذه الترقية لا تستلزم النقص من ثواب ودرجات الآباء، ولهذا قال: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور:21] (ألتناهم) يعني: نقصناهم، يعني: أن ذريتهم تلحق بهم ولا يقال اخصم من درجات الآباء بقدر ما رفعتم درجات الذرية، بل يقول: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} .
{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21] هذه قاعدة عامة في جميع العاملين: أن كل واحد فإنه رهين بعمله لا ينقص منه شيء، أما الزيادة فهي فضل من الله تبارك وتعالى على من شاء من عباده.(161/4)
تفسير قوله تعالى: (وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون)
قال تعالى: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الطور:22] أمدهم الله تعالى أي: أعطاهم عطاءً مستمراً إلى الأمد وإلى الأبد (بفاكهة) وهي ما يتفكه به من المأكولات.
{وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} أي: مما يشتهونه ويستلذونه، وقد بين الله تبارك وتعالى نوع هذا اللحم بأنه لحم طير، وهو أشهى ما يكون من اللحم وأضرؤه وأمرؤه.(161/5)
تفسير قوله تعالى: (يتنازعون فيها كأساً لا لغو فيها ولا تأثيم)
قال تعالى: {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً} [أي: أن أهل الجنة (يتنازعون) ينازع بعضهم بعضاً على سبيل المداعبة، وعلى سبيل الأنس والانشراح، {كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} [والمراد بالكأس كأس الخمر، ومعنى: {لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} [أنه لا يحصل بها ما يحصل من خمر الدنيا، فإن خمر الدنيا يحصل به السكر والهذيان، ولكن خمر الآخرة ليس فيه لغوٌ ولا تأثيم، أي: لا يلغو بعضهم على بعض، ولا يتكلمون بالهذيان، ولا يعتدي بعضهم على بعض.(161/6)
تفسير قوله تعالى: (ويطوف عليهم غلمان لهم)
قال تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} [الطور:24] أي: يتردد على أهل الجنة وهم على سررهم متكئين {غِلْمَانٌ لَهُمْ} [الطور:24] أي: غلمان مهيئون لهم بالخدمة التامة المريحة {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} [الطور:24] أي: محفوظ عن الرياح والغبار وعن غير ذلك مما يفسده.(161/7)
تفسير قوله تعالى: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون)
يقول الله تبارك وتعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الطور:25] أي: صار بعضهم يسائل بعضاً لكن على وجه الأدب، يتكلم معه وهو مقابلٌ له لوجهه، فلا يصعر خده له ولا يستدبره بل يتكلم معه بأدبٍ ومقابلة تامة، (قَالُوا) أي: قال بعضهم لبعض، ((إِنَّا كُنَّا قَبْلُ)) أي: في الدنيا ((فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ)) [الطور:26] أي: خائفين من عذاب الله، {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:27] (مَنَّ) أي: أنعم علينا بنعمة عظيمة (ووقانا عذاب السموم) أي: عذاب النار، {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ} [الطور:28] أي: قبل أن أصل إلى هذا المقر وذلك في الدنيا {نَدْعُوهُ} [الطور:28] أي: نعبده ونسأله؛ لأن الدعاء يطلق على معنيين: على العبادة، وعلى السؤال.
- فمن إطلاقه على العبادة قول الله تبارك وتعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] .
- وأما الدعاء بمعنى السؤال ففي قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] .
فقولهم: (إنا كنا من قبل ندعوه) يشمل دعاء العبادة: كالصلاة والصدقة والصيام والحج وبر الوالدين وصلة الأرحام كل هذا دعاء وإن كان هو عبادة، لكن لو سألت العابد: لماذا تعبد الله؟ لقال: أرجو رحمته وأخاف عذابه، فيكون هذا لهذه العبادة بمعنى الدعاء، كذلك ندعوه دعاء مسألة لا يسألون إلا الله ولا يلجئون إلا إلى الله؛ لأنهم يعلمون أنهم مفتقرون إليه، وأنه هو القادر على كل شيء.
{إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:28] (البر) أي: الواسع الإحسان والرحمة، ومن ذلك البرية للمكان الخالي من الأبنية، والمعنى: أنه جل وعلا واسع العطاء والإحسان والجود.
(الرحيم) أي: ذو الرحمة البالغة، يرحم بها من يشاء من عباده تبارك وتعالى.
ففي هذه الآيات بيان نعيم أهل الجنة، وفيها أيضاً لمَّا ذكر عذاب أهل النار ذكر نعيم أهل الجنة؛ لأن هذا القرآن الكريم مثان تثنى فيه المعاني، إذا ذكر فيه الخير ذكر فيه الشر، وإذا ذكر فيه نعيم المتقين ذكر فيه جحيم الكافرين، وهكذا حتى يكون الإنسان قارئ القرآن بين الخوف والرجاء، إن قرأ آيات النعيم رجا، وإن قرأ آيات العذاب خاف، فيعبد الله تبارك وتعالى بهذا وهذا.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنات، الناجين من الدركات إنه على كل شيء قدير.(161/8)
الأسئلة(161/9)
حكم الذبيحة بنجاح الابن في الدراسة
السؤال
فضيلة الشيخ! سؤالي حول نجاح الطلبة، إذا نجح أحد الأبناء في الدراسة فهل يجوز لي أن أذبح ذبيحة احتفاءً بنجاح الابن وشكراً لله عز وجل؟
الجواب
لا بأس إذا نجح الأبناء أو أحدهم أن يصنع الإنسان وليمة يدعو إليها أحبابه وأصحاب ابنه فرحاً بنعمة الله تبارك وتعالى وتشجيعاً للابن وتنشيطاً له.(161/10)
أهمية الإحرام عند المرور بأحد المواقيت
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل يريد العمرة والسفر في الطائرة ويحب أن يبقى هناك ستة أيام ثم يعود إلى ميقات ذي السيل، فيحرم منه وينزل إلى مكة ويعتمر فهل في ذلك من بأس حفظكم الله؟
الجواب
نعم في هذا من بأس، لا يحل لإنسان أراد العمرة أن يمر بميقات ويتجاوزه بلا إحرام، سواء كان ميقاته أو ميقات غيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت وقال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة) وإني أنصح إخواني المسلمين الذين ابتلوا بمثل هذه الحال إذا كانوا ذاهبين يريدون العمرة فلماذا لا يجعلون مرادهم الأصلي الذي هو قربة إلى الله عز وجل هو الأول؟! فيحرمون بالعمرة من الميقات ويذهبون إلى مكة ويؤدون العمرة ويرجعون إلى جدة والمسألة لا تساوي ثلاث أو أربع ساعات، لكن الشيطان يثبط الإنسان عن الخير، هذا الذي ذهب من بيته إلى مكة يريد العمرة له أجر من حين ينطلق من بيته إلى أن يرجع، لكن الشيطان يحرمه، يجعل المراد الأول هو جدة الزيارة، فيحرمه من العمرة، ولا يكون له أجر العمرة إلا من الميقات الذي يحرم منه، لذلك أوجه أولاً توجيه إرشاداً إخواننا المسلمين الذين يكون لهم شئون في جدة وهم يريدون العمرة أن يبدءوا بالعمرة أولاً حتى يكون لهم الأجر من حين ينطلقوا من بيوتهم إلى أن يرجعوا.
ثانياً: لا يحل لإنسان إذا مر بالميقات وهو يريد الحج والعمرة أن يدع الإحرام منه، فإن قدر أنهم تجاوز الميقات قلنا لهم: ارجعوا إلى الميقات الذي تجاوزتم وأحرموا منه، فإذا كانوا مثلاً بميقات أهل المدينة وبقوا في جدة وانتهى شغلهم نقول: ارجعوا إلى ميقات أهل المدينة ولا يحل لكم أن تحرموا من السيل وإن كان السيل هو ميقات أهل نجد الأصلي، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام جعل الفرعي إذا مر به كالأصلي يجب عليه أن يحرم منه، فإن قدر أنه فعل وذهبوا إلى السيل وأحرموا منه فقد ذكر العلماء رحمهم الله أن من ترك واجباً من واجبات الحج أو العمرة لزمه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء.(161/11)
الفرق بين الشح والبخل
السؤال
ما هو الشح؟ وما الفرق بينه وبين البخل؟
الجواب
الشح والبخل متقاربان، لكن الشح يكون بخلاً مع طمع فيما ليس عنده، البخيل يمنع ما عنده، والشحيح يمنع ما عنده ويطلب ما عند غيره، فهو كالنار تريد أن تلتهم، هذا هو الفرق.
السائل: والله يا شيخ نريد توضيحاً للشح جزاك الله خيراً.
الشيخ: الشح أن الإنسان يمنع مما عنده فلا يخرج الصدقة ولا النفقة الواجبة ومع ذلك هو يطلب ما عند الآخرين، تجده يلهث وراء الدنيا، أما البخيل ربما لا يهمه يأتي المال أو يذهب، لكنه لا يؤدي ما يجب عليه، فالشح أشد ذماً وقبحاً من البخل.(161/12)
حكم إجابة الدعوة إلى حفلة فيها منكرات
السؤال
فضيلة الشيخ! حضور دعوات الزواج للمرأة المسلمة إذا كان يحتوي هذا الزواج على ألبسة سافرة من إخراج الظهر والصدر والساق وجزءٍ من الفخذ، فإذا أنكرت سخر منها ونبذت، وإذا باركت وانصرفت نيل من عرضها، فهل يجوز عدم الإجابة وإن كانت معينة بالدعوة وبالذات، والزواجات تكون في وقتٍ واحد ويصرف لها من الأموال استعداداً ومن الوقت، فهل يجوز لها البقاء في بيتها وعدم إجابة هذه الدعوات؟
الجواب
سأعطيك قاعدة في دعوة الزواجات وغيرها: إذا كان هناك منكر فإن كان المجيب إذا حضر يستطيع أن يغير المنكر وجب عليه الحضور لتغيير المنكر، وإن كان لا يستطيع حرم عليه الحضور، وعلى هذا فإذا دعيت المرأة إلى زفافٍ يشتمل على منكر من ضربٍ بطبل أو زير أو بأناشيد سخيفة أو كانت الألبسة فيها ألبسة محرمة، فإنه لا يجوز لها أن تذهب، بمعنى: أنه يجب عليها أن تبقى في بيتها ولا تجيب هذه الدعوة.
قد يقول قائل: إذا كان هذا الزفاف لقريب كأخٍ وابنٍ وما أشبه ذلك؟ نقول: ولو كان لأقرب قريب، يقال له: هل أنت على استعداد ألا تقوم بهذا المحرم فعلى العين والرأس، هل أنت ستبقى على محرم فلن أشاركك فيه، ولو أن الناس فعلوا هذا لحسم كثيرٌ من مداخل الشر، لكن الناس بعضهم يجامل في هذا الشيء المحرم، يقول: هذا قريب هذا أخ هذا ابن هذا خال هذا عم، فيقال: رضا الله فوق كل رضا، والناس لو قاطعوا هذه الزواجات التي تشتمل على المحرم لترك الناس هذا المحرم.(161/13)
حكم طاعة ولي الأمر وضوابطها
السؤال
ما هو الضابط في طاعة ولي الأمر؟
الجواب
الضابط في طاعة ولي الأمر في غير معصية الله أنه إذا أمر بمعصية فإنه لا يطاع، لو قال مثلاً: لا تصلوا مع الجماعة لا تصلوا إلا بعد خروج الوقت احلقوا لحاكم اشربوا الخمر، وما أشبه ذلك، يقال: لا سمع ولا طاعة، ويجب على كل من أمر بمعصية من ولي الأمر أن يردها؛ لأن الأمر كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (قضاء الله أحق) حكمه أحق أن يتبع.
أما الشيء الذي ليس فيه معصية فيجب على الإنسان أن يطيع ولي الأمر وجوباً، وطاعة ولي الأمر في ذلك طاعة لله عز وجل؛ لأن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ولو قلنا: إن الإنسان لا يجب عليه أن يطيع ولي الأمر إلا فيما أمر الله به لصار الأمر فوضى، وأما الوزراء والأمراء والمدراء والرؤساء فهم نواب عن ولي الأمر، فأمرهم كأمر ولي الأمر يطاعون في غير معصية الله.
السائل: إذا أمر ولي الأمر بهدم جدار البيت، فهل يطاع؟ الشيخ: إذا كان الجدار معيباً فتهدمه وإن لم يأمرك، فإنه يجب عليك أن تكف الأذية والخطر عن المسلمين، اهدم الجدار، فإن لم تهدمه وسقط على أحد فأنت ضامن.
أما مسألة الزراعة أمام البيت: فإن كانت الزراعة في نفس البيت لم يجب عليك طاعته؛ لأن داخل بيتك من خصائصك، وإن كانت خارج البيت كعلى الرصيف مثلاً فالظاهر أنه يجب عليك طاعته؛ لأن هذا من المصالح العامة إذا أراد ولي الأمر أن يكون مظهر البلد مظهراً واحداً.(161/14)
حضور الزواج وتجنب المنكرات
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا كان زواج أخ فيه غناء نساء وأريد أن أذهب، فإذا جاء وقت الغناء خرجنا، فهل يجوز؟
الجواب
لا بأس، فمثلاً: إذا كان القريب في زفاف في ليلة زفافه منكر وتخشى من قطيعة الرحم وتذهب فإذا جاء المنكر خرجت فهذا لا بأس به.
السائل: يجوز أنه يحضر الزواج ويبارك له؟ الشيخ: يجوز أن يحضر الزواج ويبارك، وإذا جاء المنكر خرجت.(161/15)
حكم مد التكبيرة عند الانتقال إلى التشهد
السؤال
فضيلة الشيخ! سمعنا أنك تقول: لا يجوز مد التكبيرة في التشهد الأول والتشهد الأخير، هل هذا صحيح؟ الشيخ: من أين سمعته؟ السائل: من شخص قال لي ذلك.
الشيخ: تقول: حدثني من أثق به أم من لا أدري عنه؟ السائل: من لا أثق به.
الشيخ: على كل حال هذا غير صحيح، نحن لا نقول: إنه لا يجوز، لكن نقول: إنه لا يشرع؛ لأنني لا أعلم أنه ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه ميز بين تكبيرة الجلوس وتكبيرة القيام.
نعم، بعض العلماء قال: الانتقال الطويل يمد فيه التكبير، والانتقال الطويل عندنا في موضعين: الموضع الأول: النزول إلى السجود.
والموضع الثاني: القيام إلى الوقوف، ومع هذا فإنما قاله استحساناً، لا عن دليل.
فالذي أرى: أن السنة أن يكون التكبير سواءً، وهذه السنة فيها فائدة للمأمومين، وهي: أن كل شخص يشد نفسه ليحترز من السهو؛ لأن التكبير إذا كان التكبير وكان المأموم غافلاً ربما يكبر الإمام جالساً وهو يقوم، أو قائماً والمأموم يجلس، لكن لو كانت التكبيرات متميزة مشى على هذه التكبيرات كالاسطوانة.(161/16)
ضابط الإنكار في المسائل الاجتهادية
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هو الضابط في الإنكار وعدمه في المسائل الاجتهادية؟
الجواب
الضابط: أن المسائل العلمية ينكر فيها؛ لأنها أمور غيبية لا يجوز أن يتعدى فيها الإنسان النص، وأما العملية فما خالف نصاً صريحاً لا يحتمل التأويل أنكر، وما خالف دليلاً يحتمل التأويل فإنه لا ينكر، هذا هو الضابط، ولهذا ننكر على الذين يحرفون الكلم عن مواضعه في أسماء الله وصفاته أو في اليوم الآخر؛ لأن هذه أمور علمية لا يمكن يدخلها أشياء، علمية خبرية محضة.
أما الأمور الاجتهادية فينظر أيضاً: إذا كان النص واضحاً أنكر عليه، وإن كان غير واضح يحتمل التأويل فإنه لا ينكر عليه، مثال ذلك: رجلان أكلا لحم إبل أحدهما يرى أنه ناقض والثاني يرى أنه غير ناقض، هذه المسألة عملية اجتهادية، فلا ينكر أحدهما على الآخر، فلو قام الذي أكل وهو يرى أنه لا ينقض الوضوء وصلى أمامه اعتقد هذه الصلاة باطلة في نظري لكن بالنسبة له غير باطلة، ولهذا يجوز أن يكون الرجل إماماً لي، أصلي خلفه وأنا أعتقد أن صلاته في نظري باطلة لكنها في نظره صحيحة.(161/17)
حكم التورية وتمييزها عن الكذب
السؤال
ما هي التورية وما الفرق بينها وبين الكذب؟
الجواب
التورية: أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره.
والكذب صريح في أنه تكلم بخلاف الواقع.
السائل: السامع ربما يفهم شيئاً آخر.
الشيخ: لا يهم، هذا هو بعد التورية أن يفهم السامع من خطابك خلاف ما تريد، التورية قد يحتاج الإنسان إليها، إذا حلفك إنسان ظالم عن وديعة عندك لفلان، تعرف الوديعة؟ نعم، إنسان وضع عندك دراهم قال: خذ هذه عندك وديعة، اطلع عليها شخص من المباحث وجاء إليك وقال: أعطني الوديعة التي عندك لفلان، هل هي عندك الآن؟ تقول: ليست عندي؟ فقال: احلف، فتحلف وتقول: والله مال فلانٍ عندي وديعة، يجوز، ماذا يفهم؟ يفهم أن ما عندك شيء، لكنك تريد أن (ما) اسم موصول فيكون إثبات أو نفي؟ السائل: إثبات.
الشيخ: هذه هي التورية.
السائل: هل فيها ضابط يستخدم في موضعه؟ الشيخ: نعم هناك ضابط، أما الظالم فلا تصح توريته ولا تحل، والحكم فيها أنها على حسب ما يعتقده خصمه، ولهذا جاء في الحديث: (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) فإذا قال الظالم بهذا التأويل لم ينفعه، والمظلوم ينفعه، ومن ليس بظالم ولا مظلوم من العلماء من قال: إن التورية جائزة، ومنهم من قال: إنها غير جائزة، والراجح أنها غير جائزة، وأن الإنسان يجب أن يكون صريحاً؛ لأن الإنسان إذا اعتاد التورية ثم ظهر الأمر على خلاف ما ظهر من كلامه اتهمه الناس بالكذب، وأساءوا فيه الظن، لكن إذا كان مظلوماً فهذه حاجة، والظلم قليل بالنسبة للحوادث، فإذا جاء إنسان يطلبك مائة ريال حقاً في ذمتك له مائة ريال، وتخاصمتما عند القاضي، فقلت: والله ما عندي له مائة ريال، هذا نفي أمام القاضي إذا أردت أنه إثبات فقد وريت لكن وريت وأنت ظالم، يعني: لو نويت: والله الذي عندي له مائة ريال كنت ظالماً فلا تنفعك التورية.
والخلاصة: التورية للمظلوم جائزة، وللظالم غير جائزة، ولمن ليس ظالماً ولا مظلوماً على خلافٍ بين العلماء والراجح أنها حرام.(161/18)
حكم قراءة المأموم الفاتحة
السؤال
ما حكم قراءة المأموم بالفاتحة في الصلاة الجهرية؟
الجواب
الذي أرى أن قراءة المأموم الفاتحة واجبة في الجهرية والسرية، ولا تسقط إلا لمن لم يدرك الوقوف الذي يتمكن فيه من قراءتها، مثل: أن يدخل مع الإمام والإمام راكع، هنا تسقط عنه، أو يدخل مع الإمام وهو قريب الركوع فلا يقرأ إلا آية ثم يركع الإمام، هذا تسقط عنه.
وأما من كان مع الإمام من أول الصلاة فلا بد أن يقرأها في السرية والجهرية.
السائل: فضيلة الشيخ الإمام لا يدع الوقت للقراءة.
الشيخ: إذا كان الإمام لا يدع وقتاً للقراءة فاقرأ وهو يقرأ ولا يضر؛ لأن هذا مستثنى.(161/19)
حرمة النظر إلى السماء في الصلاة
السؤال
هل النظر إلى السماء في الصلاة مبطل لها، وما وجه صحة ذكر بعض الأصحاب وذكره صاحب الإنصاف: أنه يجوز النظر إلى السماء عند التجشؤ؟
الجواب
رفع البصر إلى السماء في الصلاة والإنسان يصلي ثبت النهي عنه والتشديد فيه، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من أن يخطف البصر ولا يرجع إلى فاعله -أي: إلى رافع بصره إلى السماء- وهذا الحديث يدل على أن رفع البصر إلى السماء في الصلاة محرم، وإذا طبقناه على القواعد المعروفة عند الفقهاء لزم من ذلك أن تكون صلاته باطلة؛ لأن هذا منهيٌ عنه في الصلاة بخصوصها، والشيء المنهي عنه في العبادة بخصوصها يقتضي بطلانها، وإلى هذا ذهبت الظاهرية وقالوا: إن رفع البصر إلى السماء في الصلاة مبطلٌ لها، وقولهم ليس بعيداً من الصحة؛ لأن النهي صريح.
وأما استثناء بعض العلماء ذلك عند التجشؤ فإنما فعلوا هذا قالوا: لأن المتجشي تخرج منه رائحة كريهة في الغالب، فينبغي أن يرفع وجهه لئلا يؤذي من حوله من المصلين، لكن هذا الاستثناء فيه نظر.
أولاً: أن المتجشي في الصف وجهه ليس إلى اليمين ولا إلى الشمال، إنما إلى الأمام فلن يؤذي أحداً.
الثاني: إذا رفع وجهه إلى السماء عند التجشي قد يكون قصيراً فيؤذي الطوال، وما أكثر الطوال الذين يكونون عند القصار في الصلاة، فعلى كل حال هذا الاستثناء لما لم يكن عليه دليلٌ من الشرع صار منخرماً غير مطرد.
فالصواب: أن رفع البصر إلى السماء محرم في حال الصلاة، لكن البطلان قد يتردد الإنسان فيه، والقول بالبطلان قويٌ جداً.(161/20)
حكم جمع المرأة لشعر رأسها
السؤال
ما تفعله بعض النساء من جمع لشعر رءوسهن على شكل كرة في مؤخرة الرأس، هل يدخل في الوعيد: (نساء كاسيات عاريات رءوسهن كأسنمة البخت) ؟
الجواب
أما جمع المرأة رأسها للشغل ثم بعد ذلك ترده فهذا لا بأس؛ لأنها لا تفعل هذا زينة ولا تجملاً لكن للحاجة.
وأما رفعه وجمعه على سبيل التزين، فإن كان إلى فوق فهو داخلٌ في النهي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رءوسهن كأسنمة البخت) والسنام يكون فوق، وإن كان على الرقبة فليس داخلاً، لكنه يحذر منه إذا كانت المرأة تريد أن تخرج إلى السوق، فإنها إذا خرجت إلى السوق وجمعته على رقبتها برز من وراء العباءة فلفت النظر، فتنهى عنه إذا أرادت الخروج إلى السوق.(161/21)
توضيح حول أخوة الأنبياء لأقوامهم
السؤال
في سورة الشعراء عندما ذكر الله فيها قوم نوح وصالح، قال: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ} [الشعراء:105-106] وبعدهم قوم عاد: أخوهم هود، وبعدهم قوم صالح وقوم لوط ولم يذكر في قصة أصحاب الظلة أن شعيباً أخوهم، فما السبب؟
الجواب
وفي آية أخرى في الأعراف: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً} [الأعراف:85] وسبب ذلك: أن أصحاب الأيكة غير قومه؛ فلهذا لم يقل: "أخاهم" أما الآخرون فهم إلى أقوامهم، فقيل: (أخاهم) ؛ أي: في النسب وليس في الدين، هذا هو الفرق.(161/22)
مناداة الأجانب بـ (يا محمد)
السؤال
اعتاد الناس أن يقولوا لأصحاب المحلات من العمالة الوافدة يسمونهم بمحمد، أبداً ما.
يا محمد أعطني كذا وكذا، أحياناً ربما يكون غير مسلم، ما رأي فضيلتكم في هذا؟
الجواب
الذي أعرفه أن العمالة الأجنبية يقولون: يا صديق يا رفيق.
السائل: الناس الآن قد غيروا الناس.
الشيخ: ماذا يقولون الآن؟ السائل: يقولون: يا محمد، مباشرة في الغالب يقولونها.
الشيخ: أصحيح؟! أنا عندي خيرٌ من هذا أن يقول: يا عبد الله؛ لأنهم كلهم عباد لله، حتى الكافر عبد لله، فلو أنها غيرت إلى يا عبد الله لكان أحسن.(161/23)
بيان حكم زكاة حلي المرأة
السؤال
هل في حلي المرأة من زكاة؟
الجواب
القول الراجح من أقوال العلماء: أن حلي المرأة المستعمل والمعد والمتخذ للحاجة متى احتاجت باعت منه وأنفقت والمعد للأجرة كل ذلك تجب فيه الزكاة؛ لعموم الأدلة، بل لخصوص الأدلة في ذلك، فإنه في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب -يعني: سوارين- فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ فقالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟ -يعني: إن لم تخرجي الزكاة- فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقالت: هما لله ورسوله) قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: أخرجه الثلاثة وإسناده قوي.
والحافظ ابن حجر لا أحد يجهل منزلته في علم الحديث، وقال الشيخ ابن باز في هذا الحديث: إن إسناده صحيح، وهو مؤيد بالعموم كما في حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم: (ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار) إلى آخر الحديث.
والمرأة التي عندها حلي من الذهب هي صاحبة ذهب، فمقتضى هذا الإطلاق والعموم دخولها في هذا الوعيد، وأما من قال: إنه لا زكاة في ذلك، وأن هذا كالثياب إذا أعد للاستعمال فلا زكاة فيه، فهذا يسميه العلماء القياس في مقابلة النص، والقياس في مقابلة النص فاسد الاعتبار، لا يؤخذ به، وأما ما استدلوا به من أثر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في الحلي زكاة) فهذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم هو لا يصح من حيث المعنى؛ لأن بعض الحلي فيه زكاة بالاتفاق.
فالصواب: أن الواجب على المرأة أن تخرج زكاة حليها إذا بلغ النصاب كل سنة تقومه وتخرج ربع العشر -أي: (2.
5%) - ثم إن كان عندها مال أخرجت من ماله، وإن لم يكن عندها وأخرج عنها زوجها أو أحدٌ من أقاربها فلا بأس، وإن لم يكن ذلك باعت من الحلي بقدر الزكاة وأخرجت الزكاة.
قد يقول قائل: إذا ألزمناها بأن تبيع من الحلي ينفد الحلي ولا يبقى عندها شيء، فالجواب على ذلك من وجهين: الوجه الأول: أن الحلي إذا نقص عن النصاب ولو شعيرة فليس فيه زكاة (خمسة وثمانون جراماً) هذا هو النصاب، و (أربعة وثمانون جراماً) لا زكاة فيها، الحمد لله يكفيها أربعة وثمانون جراماً.
ثانياً: لنقول: ولينفذ كل المال فأي فرق بين الحلي وبين الدراهم، إذا كان عند الإنسان دراهم وقلنا: أخرج زكاتها كل سنة وصارت الزكاة تنقصها تنقصها تنقصها، حتى لو فرضنا ذهبت الدراهم كلها أي فرق بين هذا وهذا؟ ثم إننا نبشر المرأة التي تخرج زكاتها أنه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما نقص صدقة من مال) وأن الله تعالى ربما ينزل لها البركة في هذا الحلي، فيمنعه من الآفات والضياع، وإلا فقد تبتلى المرأة بضياع حليها أو سرقته أو تعيره لأحدٍ وينكر أو ما أشبه ذلك.
ثم إذا أدت الصدقات عن هذا الحلي فإنه سيكون ظلاً لها يوم القيامة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة) فالحمد لله هي غانمة وليست بغارمة، هي قد أبرأت ذمتها بيقين إذا أدت الزكاة وأصبحت مستريحة.(161/24)
حكم العقيقة وأثر تأخيرها
السؤال
ما رأيكم فيمن يؤخر العقيقة حتى أن شخصاً حكى لي أن عنده ثلاثة أبناء قال: لم أعق عنهم حتى الآن، وسوف أذبح عنهم وأوزعها، فما معنى قول: (المولود مرتهن بعقيقته) أو نحو ذلك حفظكم الله ورعاكم؟
الجواب
الصحيح: أن العقيقة ليست واجبة وأنها سنة مؤكدة، ولا ينبغي للإنسان تركها، حتى إن الإمام أحمد رحمه الله قال: إذا لم يجد فليستقرض ويخلف الله عليه إنه أحيا سنة، لكن قول الإمام أحمد: فليستقرض، مقيدٌ بما إذا كان يرجو الوفاء، كإنسان حلت عليه العقيقة وهو ما عنده دراهم، لكن يعرف أنه في آخر الشهر سيأتيه الراتب، هذا نقول: استقرض وادفع العقيقة في وقتها في اليوم السابع.
أما الإنسان الذي لا يرجو الوفاء فلا يستقرض؛ لأن العقيقة سنة، والدين واجب قضاؤه.
أما من أخرها بلا عذر وكانت نيته أن يفعل لكنه تهاون فهذا -إن شاء الله- يؤجر عليها، لكن أجرها أقل من ذبحها في وقتها، وهو اليوم السابع من ولادته، فإذا ولد الإنسان في يوم الأربعاء تكون العقيقة يوم الثلاثاء، وهذه قاعدة: في اليوم الذي قبل ولادته تكون العقيقة، وإن ولد يوم الأربعاء فالعقيقة يوم الثلاثاء، وإن ولد يوم الثلاثاء فالعقيقة يوم الإثنين، وإن ولد يوم الإثنين فالعقيقة يوم الأحد، وهذا مجرب.
أما التوزيع فالأصل أن يوزعها ويدعو إليها، يوزع البعض على الفقراء وعلى الجيران ويدعو حتى يظهر السنة وتتبين السنة.
السائل: ما معنى: (مرتهن بعقيقته) ؟ الشيخ: معنى: (مرتهن بعقيقته) قال بعض أهل العلم: إنه مرتهن لا يشفع لوالديه يوم القيامة، ولكن ابن القيم ضعف هذا القول وقال: (مرتهن) أي: يكون منحبساً منقبضاً قد يكون فيه كثير من المصالح؛ لأن المرتهن هو الشيء المحبوس، كما لو رهنت مثلاً السيارة عند الدائن أي: انحبست عنك مصلحتها.(161/25)
حديث ضمة القبر
السؤال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن للقبر ضمة لو نجا منها أحد لنجى منها سعد بن معاذ) ؟
الجواب
هذا الحديث مشهور عند العلماء، وعلى تقدير صحته: فإن ضمة الأرض للمؤمن ضمة رحمة وشفقة، كالأم تضم ولدها إلى صدرها.
أما ضمتها للكافر فهي ضمة عذاب والعياذ بالله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الإنسان إذا دفن أتاه ملكان يسألانه عن ثلاثة أصول: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فالمؤمن يقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، أسأل الله أن يجعل جوابي وجوابكم هذا، أما المنافق أو المرتد أعاذنا الله وإياكم من هذا فيقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون قولاً فقلته، فيضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه والعياذ بالله، يدخل بعضه في بعض من شدة الضم، ففرق بين ضم الأرض للكافر أو المرتد وضمها للمؤمن.
السائل: لماذا خصص سعد بن معاذ في الحديث؟ الشيخ: لأن سعد بن معاذ أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه اهتز عرش الله تعالى لموته، كما قال حسان بن ثابت:
وما اهتز عرش الله من أجل هالكٍ سمعنا بها إلا لـ سعد أبي عمر
وسعد بن معاذ -رضي الله عنه- له مقاماتٌ عظيمة، فإنه كان سيد الأوس، وكان بنو قريظة حلفاءه، ولما استسلم بنو قريظة على أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ظناً منهم أن يكون سعد بن معاذ مثل رأس المنافقين عبد الله بن أبي الذي أمَّن حلفاءهم اليهود، قالوا: ننظر سعد بن معاذ، وكان سعد بن معاذ -رضي الله عنه- قد أصيب في أكحله في غزوة الخندق، فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب؛ لأنه غالٍ عند النبي عليه الصلاة والسلام، فقال سعد -رضي الله عنه-: [اللهم لا تقبض روحي حتى تقر عيني ببني قريظة] رضي الله عنه، فلما رضوا بحكمه -أعني: اليهود- أرسل النبي عليه الصلاة والسلام إليه وجيء به من المسجد النبوي على حمار، ولما أقبل قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: (قوموا إلى سيدكم) فقاموا إليه وأنزلوه من الحمار، ثم جلس للمحاكمة، فلما جلس والنبي عليه الصلاة والسلام والصحابة عن يمينه وبني قريظة عن يساره قال: حكم نافذ على هؤلاء؟ يشير إلى بني قريظة قالوا: نعم حكمك نافذ، فقال: وعلى هؤلاء؟ ويشير وهو قد غض بصره احتراماً للرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: نعم، فقال: أحكم بأن تقتل مقاتلتهم، وتغنم أموالهم، وتسبى ذراريهم، حكم صارم مع أنهم حلفاؤه، لكنه حكم بما يرضي الله عز وجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات) ونفذ فيهم هذا الحكم، وقتلهم في المدينة، قتل نحو سبعمائة رجل من اليهود، ثم بعد ذلك انبعث الدم من العرق لـ سعد بن معاذ وتوفي، سبحان الله! استجاب الله دعاءه فلم يمت حتى أقر الله عينه ببني قريظة ورجعوا إلى حكمه، فلهذا قال إن صح الحديث: (لو نجا منها أحدٌ لنجى منها سعد بن معاذ) ، وإلى هنا انتهى هذا اللقاء، وإلى اللقاء القادم إن شاء الله، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(161/26)
لقاء الباب المفتوح [162]
حينما أشرق نور الإسلام، لم تستسغه خفافيش الظلام، فمضى كفار قريش يتهمون الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنون، ويفترون عليه ويكذبون، ويقولون: شاعر نتربص به ريب المنون.
وفي ذلك نزلت آيات من سورة الطور، تفند هذه الشبهات، وتوثق تاريخ سطوع دعوة، وإشراقة دين، وفي هذا اللقاء يفسر الشيخ هذه الآيات بأسلوب علمي مؤصل، وبيان شرعي مفصل، ثم يتبع ذلك بإجابات قيمة على أسئلة يطرحها الحاضرون.(162/1)
تفسير آيات من سورة الطور
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والستون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح والتي تتم في كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الثالث عشر من شهر ربيع الأول عام (1418هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بما كنا نبتدئ به اللقاءات السابقة، بالكلام بما تيسر في تفسير الآيات الكريمة التي انتهينا إليها في سورة الطور.(162/2)
تفسير قوله تعالى: (فذكر فما أنت مذكر)
قال الله تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} [الطور:29] الخطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ذكر) والمذكر محذوف، والتقدير: ذكر الناس، أو إن شئت فقل: ذكر من أرسلت إليهم من الجن والإنس.
{فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} هذا نفي لما ادعاه المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه كاهن أو مجنون، قال الله تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ} أي: بإنعام ربك عليك بما أنزل عليك من الوحي لست بكاهن ولا مجنون؛ والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وكانت الكهانة في الجاهلية مشهورة، يكون للإنسان رئيٌ من الجن يصحبه ويخدمه، ثم يصعد الجني إلى السماء يستمع ما يقال في السماء، وينزل به على هذا الكاهن، فيكون هذا علم غيبٍ عن أهل الأرض، لكن الكاهن يزيد عليه أشياء كثيرة يتخرصها، فإذا وقع ما سمعه من السماء صار عظيماً في قومه؛ لأنه أخبر عن شيء مستقبل فوقع.
فالكاهن إذاً: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما جاء بالوحي رده المشركون وكذبوه، وقالوا: إنما جاء به محمد من الكهانة؛ لأن الكهان يخبرون عن الشيء فيقع، ولأن الكهان أيضاً يأتون بكلامٍ مسجوع يشبه القرآن، والقرآن آيات مفصلة أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في كلام حمل بن النابغة الذي قال: (يا رسول الله! كيف أغرم من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هو من إخوان الكهان) من أجل سجعه الذي سجع.
المهم أنهم يقولون عنه صلى الله عليه وسلم: إنه كاهن، فنفى الله ذلك، ثم قالوا: إنه مجنون يأتي بما لا يعرف، فكذبهم الله فقال: {فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} [الطور:29] هذه الجملة منفية مؤكدة بالباء الزائدة إعراباً المفيدة معنىً، (بكاهن) أصلها: فما أنت بنعمة ربك كاهناً ولا مجنوناً، لكن زيدت الباء توكيداً للنفي.(162/3)
تفسير قوله تعالى: (أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون)
ثم قال الله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ} [الطور:30] أي: بل أيقولون، و (أم) هذه تسمى عند المعربين منقطعة، لا عاطفة؛ لأن (بل) تأتي عاطفة وتأتي منقطعة، فهنا جاءت منقطعة، والتقدير: بل أيقولون شاعر، والاستفهام للتوبيخ والإنكار عليهم، وقوله: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ} [الطور:30] (الشاعر) : هو الذي يأتي بكلامٍ مقفى، ويتضمن شعره أحياناً حكماً، ولهذا جاء في الحديث: (إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر لحكمة) فيقولون: إن محمداً شاعر.
{نَتَرَبَّصُ بِهِ} [الطور:30] أي: ننتظر به، {رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور:30] أي: حوادث الدهر وقوارعه فيهلك كما هلك الشعراء من قبله ولا يكون له أثر، انظروا -والعياذ بالله- كيف يترقبون موت الرسول عليه الصلاة والسلام، يقولون: هذا شاعر من جنس الشعراء يهلك وينتهي أمره.
وقوله: {رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور:30] قيل: إن المنون هو الدهر، وقيل إن المنون هو: الموت، وهما متلازمان، والمراد بذلك حوادث الدهر المهلكة المبيدة.(162/4)
تفسير قوله تعالى: (قل تربصوا فإني معكم من المتربصين)
قال تعالى: {قُلْ} [الطور:31] في جوابهم {تَرَبَّصُوا} [الطور:31] والأمر هنا للتهديد والتحدي، أي: تربصوا بهذا الشاعر ريب المنون، وانظروا هل يموت وتموت دعوته، أم أنكم أنتم تموتون وتموت معارضتكم؟ إذاً (تربصوا) فعل الأمر للتحدي والتهديد أيضاً، {فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} [الطور:31] أي: فأنا منتظر أيضاً، انتظروا أنتم وأنا أنتظر لمن تكون العاقبة، وصارت العاقبة -والحمد لله- للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
{قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} [الطور:31] .(162/5)
تفسير قوله تعالى: (أم تأمرهم أحلامهم بهذا)
قال تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ} [الطور:32] (أم) هنا منقطعة، و (أم) المنقطعة تقدر بـ (بل) والهمزة، المعنى: بل أتأمرهم، وهذا انتقال من الأول إلى الثاني، أتأمرهم (أحلامهم) أي: عقولهم بهذا، فيقولون: إنه مجنون إنه كاهن إنه شاعر، هل عقولهم تأمرهم بهذا؟
الجواب
{أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الطور:32] ، أي: بل لا تأمرهم عقولهم بهذا، وكثيرٌ منهم يعلم أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم حق لكن غلبتهم الكبرياء -والعياذ بالله- فأنكروا وكذبوا، ولهذا قال: {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الطور:32] ، أي: معتدون ظالمون، وأصل الطغيان مجاوزة الحد، كما في قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ} [الحاقة:11] أي: زاد وارتفع عن عادته، {حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة:11] .(162/6)
تفسير قوله تعالى: (أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون)
قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} [الطور:33] هذا أيضاً افتراء آخر، و (أم) هنا منقطعة بمعنى: (بل) والهمزة، والمعنى: بل أيقولون تقوله، أي: اختلقه وكذب به، يعني قسم منهم قالوا: محمد تقول هذا القرآن واختلقه من عنده، وبعضهم يقول: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل:103] ، {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ} [الطور:33] أي: بل هم لا يؤمنون، ولو آمنوا لعلموا أن القرآن لا يمكن أن يتقوله بشر؛ لأن كلام الله عز وجل لا يشبهه أي كلام.(162/7)
تفسير قوله تعالى: (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين)
ثم تحداهم، فقال: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:34] أي: إذا كنت أنت تقولته فأنت مثلهم، بشر تتكلم كما يتكلمون، وتخطب كما يخطبون، وتقول كما يقولون، فإذا كنت متقولاً له وهو من عندك فليأتوا بحديث مثله؛ لأن البشر يمكن أن يأتوا بكلامٍ يشبه كلام البشر الآخر، فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم تقوله فهاتوا مثله، (فليأتوا) واللام هنا للأمر، والمقصود به التحدي والتعجيز، {بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} وهذا غاية التحدي، عجزوا وما استطاعوا أن يأتوا بحديثٍ مثله مع أنهم أمراء البلاغة وسلاطين الفصاحة لكنهم عجزوا، فماذا يدل عجزهم عليه؟ يدل على أن القرآن ليس من كلام البشر بل هو من كلام الله عز وجل، ولهذا قال: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} ومع قوة المعارضة وقوة البلاغة والفصاحة عجزوا أن يأتوا بحديثٍ مثله، وما استطاعوا، فدل ذلك على أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يتقوله، ولم يستطع أن يأتي بمثله.
وفي قوله: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} كلمة: (حديث) نكرة، والنكرة تدل على الإطلاق، لكن جاء في آية أخرى أن الله قال: {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس:38] ، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود:13] وجاء في آية أخرى الإخبار بأنه لن يستطيع أحدٌ أن يعارض القرآن، فقال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء:88] حتى ولو تعاونوا؟! ولهذا قال: {وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] تبين الآن بطلان قولهم: إنه تقوله؛ لأن الله تحداهم أن يأتوا بمثله ولكنهم عجزوا، {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:34] أي: إن كانوا صادقين في دعواهم أنك تقولته فليأتوا بحديثٍ مثله.(162/8)
تفسير قوله تعالى: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون)
ثم قال الله تعالى مستدلاً بربوبيته على ألوهيته: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] (أم) نقول فيها ما سبق، بمعنى: بل والهمزة، بل أخلقوا من غير شيء، أي: من غير خالق، {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}
و
الجواب
لا، لا خلقوا من غير خالق ولا هم الخالقون، أما كونهم لم يخلقوا من غير خالق فلأن القاعدة العقلية الحسية التي أجمع عليها العلماء: أن كل مُحْدَث لا بد له من مُحْدِث.
هذه قاعدة اتفق عليها العقلاء، فإذا كان كل حادثٍ لا بد له من محدث نظرنا في أنفسنا: نحن حادثون أليس كذلك؟ قال الله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} [الإنسان:1] الواحد منا الذي عمره عشرون سنة، هو قبل اثنين وعشرين سنة ليس شيئاً مذكوراً، ولا يعرف ولا يدرى عنه، إذاً نحن حادثون، كل حادث لا بد له من محدث، فهل أنتم خلقتم من غير محدث؟ الجواب: لا، هذا جواب عقلي لا ينكر، أم هم الخالقون لأنفسهم؟ الجواب: لا؛ لأنهم قبل أن يوجدوا كانوا عدماً، وكيف يمكن للعدم أن يخلق؟ لا يمكن هذا، فإذا تبين أنهم لم يخلقوا من غير خالق، وأنهم لم يخلقوا أنفسهم تبين أن لهم خالقاً قادراً على إيجادهم، من هو؟ الله عز وجل، لا يستطيع أحدٌ منهم أن يقول: إن الذي خلقني أبي أو أمي، فإذا لم يكن كذلك تعين أن يكون لهم خالق وهو الله تبارك وتعالى، وإذا كان لهم خالق وهم مخلوقون مربوبون مدبرون فالواجب أن يخضعوا لهذا الخالق وأن يعبدوه وحده كما أنه هو الخالق وحده.
هذه الآية سمعها جبير بن مطعم وكان قد قدم إلى المدينة وهو مشرك، قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في طلب الفداء لأسرى بدر، أظنه لا يخفى على كثيرٍ منكم أن بدراً انتصر فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والحمد لله وانتصارهم انتصار لنا، قتلوا من قريش سبعين رجلاً وأسروا سبعين رجلاً وجاءوا بهم إلى المدينة، وانقسموا إلى أقسام: منهم من أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم ومنَّ عليه، ومنهم من فداه بمال، ومنهم من فداه بأسير إن كان هناك أسير لا أدري، ومنهم من فداه بتعليم أهل المدينة الكتابة.
جبير بن مطعم أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام يطلب فداء أسرى بدر؛ لأنه من صميم قريش والأسرى أيضاً من قريش، ويظهر لي والله أعلم: أن جبيراً سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان المطعم بن عدي حياً وكلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له) لأنكم تعرفون قصة جبير حين رجع النبي عليه الصلاة والسلام من الطائف أجاره، وصار يمشي معه من حين دخل مكة إلى أن وصل إلى الكعبة، وأمر أبناءه وهم متقلدو السيوف أن يقف كل واحد منهم على ركن من أركان الكعبة حتى لا يعتدي أحد على الرسول، فهو أحسن إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
هذا الإحسان قال النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أوفى الناس عليه الصلاة والسلام بكرمه، قال: (لو كان المطعم بن عدي حياً لكلمني في هؤلاء النتنى) من هم النتنى؟ الأسرى، ووصفهم لأنهم نتنى لأن المشركين نجس، والنتن: هو الرائحة الكريهة.
وجبير بن المطعم بن عدي لعله سمع بهذه المقالة فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب فداء الأسرى، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقرأ في المغرب بسورة الطور لما بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] قال جبير: كاد قلبي يطير؛ لأن هذه حجة ملزمة لا يمكن أن يتخلص منها أحد، قال: ووقر الإيمان في قلبي، معناه أنه دخل الإيمان في قلبه، سبحان الله! انظر تأثير القرآن الكريم مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما دعاه في تلك الساعة لكن سمع هذه الآية العجيبة العظيمة فكاد قلبه يطير، {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] .
الجواب بكل سهولة: لا في الأمرين، لا خلقوا من غير شيء، ولا هم الخالقون، بل لهم خالق وهو الله سبحانه وتعالى، ولا أحد يمكن أن ينكر هاتين المقدمتين، كلها حجة قطعية تدمغ كل كافر؛ لأنه إذا قال: نعم وله خالق خلقه قلنا: إذاً لماذا لا تعبده لأنك عبدٌ له مملوكٌ له؟(162/9)
تفسير قوله تعالى: (أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون)
قال تعالى: {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الطور:36] انتقل من الأدنى إلى الأعلى، خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، انتقل من الأدنى إلى الأعلى، {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الطور:36]
الجواب
لا؛ لأن (أم) هنا مثل سابقاتها، بل أخلقوا السماوات والأرض، والجواب: لا، هم يقرون بهذا، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:9] يقرون بهذا، لكن مع ذلك لا يعترفون بالرسالة، ولهذا قال: {بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:36] أي: ليس عندهم إيقان في خلق السماوات والأرض أن الذي خلقهم هو الله؛ لأنه لو كان عندهم يقين لحملهم هذا اليقين على تصديق النبي صلى الله عليه وسلم والإقرار برسالته.
ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على ما تبقى من هذه الإلزامات العظيمة التي ألزم الله بها قريشاً كل هذا من أجل إقامة الحجة عليهم، ولو شاء سبحانه وتعالى لعاقبهم بدون أن تكون هذه المجادلة أو هذه المناقشة.(162/10)
الأسئلة(162/11)
حكم استعمال الكافر للخدمة في البيت وخارجه
السؤال
فضيلة الشيخ! أحد جيراني عنده أسرة كبيرة، له أولاد بعضهم متزوجون وهم مقيمون في بيتٍ واحد وزوجته وأولاده وزوجاتهن، وعنده عامل يشتغل داخل البيت وخارجه، وعند مناصحته يحتج عليَّ بأنه لا يستطيع إحضار خادمة خوفاً عليها من الأولاد، علماً بأن هذا العامل كافر، وأخيراً طلب مني أن أسألك عن هذه المسألة ويقول: سوف آخذ بفتوى الشيخ ابن عثيمين فبماذا تفتونه جزاكم الله خيراً؟
الجواب
أقول: لولا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن علي بن أبي طالب طلب من المقداد بن الأسود أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه الرسول، لولا هذا ما أجبتك، ما الذي يحول بينه وبيني؟ السائل: أنا أخذت كلامي معه فقال: خذ فتوى من الشيخ.
الشيخ: على كل حال قل له: إني سألته وإنه يقول: يأتي بخادمة معها محرم، تكون الخادمة الأنثى في البيت والرجل المحرم لقضاء حاجاته هو، إما سائق وإما أن يأتي بالحاجات من السوق أو ما أشبه ذلك، هذا أسلم لدينه ولعرضه، ثم إذا أراد أن يأتي بخادمة على ما وصفته أنا الآن فلتكن مسلمة، وزوجها سيكون مسلماً إذا كانت الزوجة مسلمة؛ لأن الكفار أعداء الله ورسوله وأعداؤنا أيضاً لا نأمنهم، ولهذا لما كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب يطلب منه أن يجعل كاتباً نصرانياً يحصي بيت المال ويمدحه أبو موسى، أو خالد بن الوليد، لا أذكره الآن، أرسل إليه عمر قال: لا توله؛ لأن الله قال: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [آل عمران:118] فأرسل إليه مرة ثانية وقال: هذا الرجل جيد ولا نجد مثله، فكتب إليه عمر: مات النصراني والسلام.
كلمة واحدة، ما معنى: مات النصراني؟ أي: قدر أنه مات، هل تعطل أعمالنا؟ فالكفار لا يؤمَنون في الواقع.
وقل له: إنه يسلم عليك ويقول: جزاه الله خيراً يأتي بخادمة مسلمة للبيت ومعها محرمها ليعمل في السوق.
السائل: ماذا عن الخادم الذي عنده.
الشيخ: الحمد لله ليست مشكلة يرحل إلى بلاده.(162/12)
الضابط في إحضار الأطفال إلى المسجد
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الناس اعتاد إحضار أولاده الصغار إلى المسجد الذين في سن أربع سنوات أو أقل أو أكثر مما يشوشون على المصلين، فما هو الضابط في إحضار الأولاد إلى المسجد حفظكم الله؟
الجواب
الضابط المميز يحضر إلى المسجد والصبيان يختلفون في التمييز، بعضهم يميز لخمس سنوات، وبعضهم لست وبعضهم لسبع وهو الغالب، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن نأمر أبناءنا بالصلاة لسبع، ثم مع ذلك لو أتى بالكبار وحصل منهم تشويش يكلم ويقال: إما أن تحفظ أولادك وإما أن تراقبهم أنت بنفسك.(162/13)
التقول على الله بلا علم أعظم من الشرك
السؤال
على ماذا يحمل كلام ابن القيم: إن التقول على الله بلا علم أعظم من الشرك، هل يحمل على الشرك الأصغر؟
الجواب
يحمل على الشرك الأكبر؛ لأن ابن القيم رحمه الله يرى أن قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] يرى أنها من باب البدء بالأسهل فالأسهل والأخف فالأخف، لأن القول على الله بلا علم خطره عظيم يُضِل به أناساً، أرأيت أئمة أهل البدع لو كان هذا الإمام مشركاً فضرره على نفسه ومات وانتهى، لكن إذا كان صاحب بدعة يقول على الله ما لا يعلم ضل به أمماً، ولهذا كان القول على الله بلا علم أعظم من الشرك من هذه الناحية.
السائل: فتواه أعظم من الشرك؟ الشيخ: إي نعم؛ لأنه تضمن الكذب على الله وإضلال عباد الله، ومسألة الكفر هذه تحتاج إلى تفصيل.(162/14)
ضلال من يطعن في خلافة أحد الخلفاء الراشدين
السؤال
ما رأيكم فيمن يسقط خلافة عثمان رضي الله عنه ويقول: إن خلافة علي امتداد طبيعي لخلافة الشيخين قبله؟
الجواب
هذا أهون من الذي يقول: إن خلافة علي امتداد لسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، ويقول الإمام أحمد رحمه الله: إن الذي يطعن في خلافة واحدٍ من الأربعة أضل من حمار أهله.
كيف يتفق المسلمون على خلافة عثمان ويبايعه علي رضي الله عنه بدون إكراه، ونقول: إن خلافته ساقطة، الحقيقة أن الذي يطعن فيه قد أزرى بالمهاجرين والأنصار، وعاب المهاجرين والأنصار.(162/15)
حكم إبطال السحر بالسحر والاتصال بالجن الصالحين
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم إبطال السحر بالسحر؟ وما الحكم إذا أخبر الكاهن علم الغيب النسبي، مثلاً: سرق شيئاً وأخبر به الكاهن، بعض الناس يعرفون وبعض الناس لا يعرفون؟
الجواب
أما الأول وهو حل السحر بالسحر فلا يجوز؛ لأن هذا يؤدي إلى انتشار السحر، إذ أن الإنسان الذي يحل السحر بالسحر لا بد أن يعطى على هذا جائزة وأموال كثيرة، فيفضي إلى تعلم الناس السحر من أجل أن ينقضوه، وهذه مفسدة عظيمة، لو قدر أن المسحور مات فالضرر هنا فردي، لكن كثرة السحرة ضرر عظيم على الأمة، فلا يجوز أن ينقض السحر بالسحر، لكن بعض العلماء قال: إذا كان هناك ضرورة بحيث ندرس كل حالةٍ وحدها فقد يرخص في ذلك، وعلل هذا بأن السحر ضرر وإزالة الضرر لا بأس به.
ولهذا سئل ابن المسيب رحمه الله: عن رجلٍ لا يستطيع أن يجامع زوجته فيه سحر، هل يؤخذ عنه أو ينشط؟ قال: لا بأس إنما يريدان بذلك الإصلاح، نقله الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد، لكننا لا نفتي بذلك كما قلت لك في هذا ضرر عظيم، وربما يتفق السحرة فيقوم أحدهم بالسحر، والآخر بفكه، وبينهم اتفاق.
الكاهن كما قلت لك قبل قليل سمعت ماذا قلنا عن مغيبات المستقبل، أما الذي يخبر عن شيء وقع لكنه غائبٌ عنه فهذا يسمى عرافاً، لكنه ينظر ما السبب أنه علم بمكان المسروق، أو أن الذي سرق فلان ما هو السبب؟ يقول مثلاً: إن عنده جنياً؛ فليخبرنا: ما علاقة هذا الرجل الذي أخبره الجني؟ ينظر إذا كان علاقته علاقة طيبة بمعنى: أن هذا الجني صالح وأن الإنسي قد أحسن إليه في علم أو نصيحة أو أعجبه وصار الجني يخدمه، فقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله: أن ذلك لا بأس به، وأن الاستعانة بالجني على غير ظلمٍ وبطريقة مشروعة لا بأس به، وذكر قصةً عن السلف الصالح.(162/16)
كيفية صلاة المغرب في جماعة يصلون العشاء
السؤال
بالنسبة لصلاة المغرب للمسافر، مثلاً: أنا مسافر، ودخلت مسجداً يصلى فيه العشاء، وأنا لم أصل المغرب بعد، فكيف أدخل معهم في الصلاة بنية المغرب وهم سيصلون أربع ركعات؟
الجواب
لا إشكال في هذا، إذا حضرت الجماعة وهم يصلون العشاء وأنت لم تصلِّ المغرب ادخل معهم بنية المغرب، ثم إن أدركتهم في الركعة الثانية فما بعدها فلا مضار، سلم معهم، وإن أدركتهم في الركعة الثالثة فأت بركعة بعد السلام، لكن إذا كنت أدركتهم في الركعة الأولى فإذ قام الإمام إلى الرابعة اجلس وانو الانفراد واقرأ التحيات وسلم، ثم ادخل معهم فيما بقي في صلاة العشاء.
السائل: أسلم والإمام لم يسلم.
الشيخ: إي نعم؛ لأنك انفردت بعذر، وصلاتك لا يمكن أن تزيد على ثلاث.(162/17)
حكم البيعة لأمراء التنظيمات
السؤال
ما حكم البيعة لأميرٍ بيعته منفصلة عن بيعة ولي الأمر العام كأن يكون هناك تنظيم في بلد إسلامي؛ فيقوم أفراده في البيعة إلى مسئول هذا التنظيم على السمع والطاعة فما حكم الشريعة؟
الجواب
هذه حرام، ولا يحل أن يبايع أحدٌ في مكانٍ فيه بيعة إسلامية، نعم.
لو أمروه تأميراً لا على أنها بيعة على السمع والطاعة في كل شيء، هذا مأمورٌ به في السفر، إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم، حتى إذا اختلف الاثنان يكون الحكم إليه.
السائل: أما في داخل البلد فلا بيعة؟ الشيخ: في داخل البلد ليست مشروعة، وكذلك نفس البيعة: إني بايعتك، هذا ممنوع مطلقاً حتى في السفر.(162/18)
نفي نبوة لقمان والخضر
السؤال
لقمان والخضر هل هم أنبياء أم رجال صالحون؟
الجواب
ما رأيك لو قلت: إنهم أنبياء هل تتبعهم؟ السائل: لا.
الشيخ: طيب، ولو قلت: إنهم غير أنبياء هل يضرهم شيئاً إن كانوا غير أنبياء؟ السائل: لا.
إذاً ما الفائدة من هذا البحث؟ لقمان آتاه الله الحكمة بلا شك، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان:12] لكن هل صرح الله بأنه نبي؟ وهل ذكر الله له أقواماً؟ لا، والخضر كذلك، آتاه الله علماً لا يعلمه موسى؛ ليبين لموسى أن قوله: لا أعلم أحداً في الأرض أعلم مني، أو ينبغي للإنسان أن يعرف قدر نفسه فيه، فهيأ الله له الخضر؛ والخضر أعلمه الله عز وجل بما استقبل بما قص الله علينا وليس بنبي، فالذي يظهر أن لقمان ليس نبياً، وأن الخضر ليس نبياً، كما أنه أيضاً -أي: الخضر خاصة- قد مات في زمنه ولم يوجد إلى الآن، وبعض الناس المساكين يقولون: الخضر موجود الآن، ويدعون أنه قد يحضر الجلسات العلمية، ويدعون أيضاً بعضهم مثلما ادعت الرافضة: أن علياً هو صوت الرعد في السحاب يدعون كذلك، لكن الحمد لله الذي هدانا لما اختلف فيه من الحق بإذنه.(162/19)
شبهة حول تواتر القرآن
السؤال
فضيلة الشيخ! جاء في صحيح مسلم: [جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعون] ، كيف نرد على قول المستشرقين: إن القرآن غير متواتر بهذا الحصر؟
الجواب
هم جمعوه لكن الذين في عهدهم أقروه، وأنا قد أكل جمع كتاب لشخص معين وإن كان الناس يعرفونه، ما أتوا بشيءٍ ينكره الناس كل الناس أقروا بما جمع.
السائل: بهذا الحصر هم يستدلون؟ الشيخ: لا ليس معناه أنهم عندما جمعوه انفردوا بعلمه، هم لم ينفردوا بعلمه لكن جمعوه مثلما لو وكلت إنساناً يكتب لي مثلاً: زاد المستقنع أو وكلت أربعة هل معناه أن الآخرين لم يعلموا بذلك؟ السائل: لا.
الشيخ: أبداً، أبو بكر رضي الله عنه هل هو من الأربعين الذين جمعوه؟ السائل: ليس من الأربعين.
الشيخ: وهل تظن أنه يخفى عليه شيء ذكره هؤلاء الأربعون؟ السائل: لا.
الشيخ: هو عارف، واضح؟ السائل: نعم واضح.
الشيخ: الحمد لله.(162/20)
تحية المسجد لا تؤدى إلا داخل المسجد
السؤال
جاء رجل يوم الجمعة والإمام يخطب والمسجد ممتلئ فصلى مع الناس في خارج المسجد فهل يجلس أم يستمع الخطبة؟
الجواب
يجلس.
السائل: لا يصلي ركعتين؟! الشيخ: لا.
ليس هو في المسجد الآن.
السائل: الصرح منفصل يعني.
الشيخ: تصلح الصلاة، أي: يصلح اتباعهم، لكن لا يقال: هذا مسجد، الرسول لم يقل: من أتى جماعة فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، بل قال: (إذا دخل أحدكم المسجد) .
السائل: سائر أحكام الجمعة إذا تكلم في الصرح؟ الشيخ: لا يتكلم حتى لو كان يمشي في السوق ولم يصل المسجد وهو قاصدٌ هذا المسجد لا يجوز له أن يتكلم والإمام يخطب.(162/21)
إدراك جزء من الجماعة خير من تركها
السؤال
أنا أدركت التحيات مع الجماعة ولم أدرك ركعة كاملة، فهل أنا مدرك للجماعة؟
الجواب
إذا كان معك أحد وتريد أن تصلي صلاة الجماعة من أولها فنعم، وإذا لم يكن معك أحد فادخل معهم ولو في التشهد؛ لأن إدراك بعض الصلاة خيرٌ من تركها جميعاً.(162/22)
الجمع بين قوله تعالى: (وهم فيها لا يسمعون) وقوله: (سمعوا لها شهيقاً)
السؤال
كيف يجمع بين قول الله عز وجل: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ} [الأنبياء:100] ، وقوله تعالى: {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ} [الملك:7] ؟ الشيخ: ما هو الإشكال؟ السائل: كيف نوفق بين الآيتين؟ الشيخ: لا يسمعون كلام الناس من خارجها، لكن يسمعون شهيقها -والعياذ بالله-.(162/23)
قضاء الفائتة مقدم على أداء الحاضرة
السؤال
رجل فاتته صلاة العصر، وأقيمت المغرب ماذا يجب عليه؟
الجواب
يدخل معهم في صلاة المغرب وإذا سلم الإمام أتى بالرابعة.(162/24)
قصر الصلاة لمن له منزلان بعد وصوله إلى أحدهما
السؤال
رجل سافر من دولة إلى دولة أخرى، والدولة المسافر إليها يملك فيها بيتاً، فهل يتم الصلاة أو يقصر؟ الشيخ: لكن هل هو يسكن في هذه مثلاً شهرين ثلاثة، وفي الأخرى شهرين ثلاثة، أم ماذا؟ السائل: يسافر إليها في الإجازة الصيفية.
الشيخ: يأتي خلال الصيف؟ السائل: نعم.
الشيخ: إذاً لا يقصر؛ لأن هذا له منزلان في الواقع.(162/25)
اشتراط الولي في عقد النكاح
السؤال
مسألة تساهل فيها بعض مشايخ بلادنا، وهي مسألة عقد النكاح بلا ولي، فما الحكم في هذه المسألة مع أدلة الكتاب والسنة؟ وهؤلاء المشايخ يستدلون بأعذارٍ يقولون: إن الولي لا نستطيع أن نخبره إذا كانت المرأة في بلدٍ غير بلد الولي، ويقولون: كيف نحصل عليه بالهاتف إذا كانت البلد بعيدة في القرى، وإذا حصل العقد بهذا الشكل وأجاز الولي بعد الخلوة أو الدخول هل يمضي هذا العقد أو بعقدٍ جديد؟
الجواب
أولاً: بارك الله فيك اعلم أن بعض العلماء يقول: إذا كانت المرأة عاقلة بالغة فلها أن تزوج نفسها، ولا تحتاج إلى ولي، فلعل العلماء عندكم يرون هذا الرأي.
السائل: ما هو الصحيح؟ الشيخ: الصحيح: أنه لا يصح النكاح إلا بولي، وإذا كان الولي غائباً تنتقل الولاية إلى من بعده، فمثلاً: إذا كان أبوها غائباً ولها عم قلنا لعمها: زوجها، إذا لم يكن لها أقارب زوجها القاضي، وإذا لم يوجد قاضٍ يزوجها الأمير في قريتها، وإذا لم يوجد، فتوكل من تراه أهلاً لذلك.
السائل: وإذا مضى على هذا العقد غير الصحيح قلنا: إنه لا يصح، هل يؤثر في الإثم مثلاً إذا جاء الولد؟ الشيخ: إذا كان الزوج حينما دخل على زوجته التي تزوجت بلا ولي يعتقد أن النكاح صحيح فالولد ولده، لكنه إذا تبين له بعد ذلك أن النكاح غير صحيح يعاد العقد فقط.(162/26)
طلب العلم عبر الأشرطة والكتب
السؤال
كيف يطلب العلم الشخص المرتبط بوظيفة في منطقة لا يوجد فيها علماء؟ وهل اقتناء الشريط الإسلامي من دروس العلماء الموثوق بهم يغني عن هذا الشيء؟
الجواب
لا شك أنه يغني، الإنسان الذي لا يستطيع أن يصل إلى العلماء وليس عنده علماء يستطيع أن يستفيد من الأشرطة، والكتابات ممن يثق بعلمهم وأمانتهم، وقد قال الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43] .(162/27)
حكم القصر لمن نوى الإقامة أكثر من شهر
السؤال
رجل نوى الإقامة أكثر من شهر فهل يقصر أم يتم، يصلي الصلاة سنن الراتبة أم لا؟
الجواب
إذا كان الإنسان نزل بلداً لغرضٍ مقصود، متى انتهى غرضه رجع إلى بلده، فهو مسافر، ولو بقي عشر سنوات؛ لأنه لم ينو الإقامة، وسواء عرف أن هذا الغرض ينتهي بمدة أم لا، فمثلاً: إنسان مريض قدم إلى بلد للعلاج، وهو يعرف أن علاجه لا يكفيه يوماً ولا يومين ولا شهراً ولا شهرين أيقصر أم لا؟ يقصر.
إنسان آخر قدم إلى البلد للدراسة، المريض قد يبرأ قبل المدة التي قدرها، لكن هذا إنسان قدم للدراسة يعلم أنه لا يمكن أن يغادر البلد قبل أن تنتهي الدراسة بأربع سنوات، لكن بعدما تنتهي الدراسة يرجع إلى بلده، وهو يقول في قرارة نفسه: لو أعطوني الشهادة بعد عشرة أيام فسأرجع، إذاً لم يتخذ هذا قراراً ولا وطناً فله أن يقصر، وهذه المسألة مسألة عظيمة وكبيرة وفيها خلاف بين العلماء كبير يزيد على عشرين رأياً، وقد قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] ولو رجعنا إلى كتاب الله لا نجد تحديداً لمدة أبداً، {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] والضارب للأرض قد تطول مدته وقد تقصر، {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل:20] آخرون تجار، التاجر إذا نزل بلداً هل يعرف أنه ينقضي في يومين أو ثلاثة أو ربما يعرف أنه لن ينقضي إلا مدة شهر؟ هو كذلك، لا يعرف أنه ينقضي إلا بشهر، فهو ضاربٌ في الأرض.
ثم الرسول عليه الصلاة والسلام هل قال للأمة يوماً من الأيام: من أراد منكم الإقامة أكثر من أربعة أيام أو خمسة أيام أو خمسة عشر يوماً، أو تسعة عشر يوماً، فليتم؟ لا.
هذه السنة بين أيدينا ما قال ذلك، بل هو عليه الصلاة والسلام أقام مدداً متفاوتة: أقام في مكة كم؟ في حجة الوداع كم؟ قدم مكة يوم أربعة وخرج منها صباح أربعة عشرة، كم أقام؟ عشرة أيام؛ ولهذا سئل أنس بن مالك: (كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في مكة في حجة الوداع، قال: أقمنا بها عشراً) كم أقام في عام الفتح؟ تسعة عشر يوماً، أقام في تبوك عشرين يوماً، ولم يقل للناس: من أقام هذه المدة فليقصر ومن زاد فليتم، بل هو عليه الصلاة والسلام قدم مكة في اليوم الرابع، وجعل يقصر الصلاة، إلى أن رجع إلى المدينة، هل قال للناس: من قدم قبل اليوم الرابع فليتم؟ أبداً ما قال، وهو يعلم صلوات الله وسلامه عليه أن الحجاج يقدمون قبل اليوم الرابع، قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] متى تبدأ الأشهر؟ من شوال -من عيد الفطر- فهو عليه الصلاة والسلام يعلم أن الناس يقدمون قبل اليوم الرابع ولم يقل للحجاج: من قدم منكم قبل اليوم الرابع فليتم، والأصل بقاء السفر وأن يبقى الشيء على ما كان عليه حتى يقوم دليل واضح على أن الحكم انقطع، وقد تكلم شيخ الإسلام رحمه الله على هذه المسألة كلاماً جيداً في الفتاوى في باب صلاة الجمعة، وبين أن القول بأنه محدد بأيام لا دليل عليه.
وأنا أقول: إن الدليل على خلاف؛ لأنه لو كانت المدة محددة بأربعة أيام لقال الرسول صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة: من قدم منكم قبل اليوم الرابع فعليه أن يتم.
المهم: أن الإنسان إذا قدم إلى بلد يريد علماً أو تجارة أو زيارة قريب فهو مسافر ولو طالت المدة يترخص برخص السفر كلها.(162/28)
حكم صلاة المسبل
السؤال
نقل أو شاع عنكم القول: بأن المسبل لا تقبل له صلاة وإن صلى مائة صلاة، فهل هذا صحيح؟
الجواب
هذا فيه خلاف بين العلماء مبني على أصل وهو: هل الذي يصلي في ثوبٍ محرم عليه هل تبطل صلاته أم لا؟ - فمن العلماء من قال: إنها تبطل؛ لأنه اشترط في الثوب التي تستر به العورة أن يكون مباحاً، وهذا محرم.
- ومنهم من قال: إنها تصح؛ لأن هذا التحريم لا تفسد به الصلاة، إذ أن إسبال الثوب حرام في الصلاة وخارج الصلاة، فلما لم يكن مختصاً بها لم يكن مبطلاً لها، وهذا القول هو الأصح، إلا إن صح الحديث في أن المسبل يجب عليه إعادة الصلاة فإذا صح فلا قول لأحدٍ بعده.(162/29)
حكم دفع أموال الإفطار في رمضان إلى الإفطار في غيره
السؤال
ما حكم دفع المال لإفطار الصائم في رمضان إلى إفطار صائم في غير رمضان؟
الجواب
إذا كان الذي تبرع بالمال لإفطار الصائم يريد الصائم في رمضان، فلا يجوز أن يدفع هذا المال في صوم نفل حتى لو كان في صوم قضاء لرمضان، فالظاهر لي بأنه لا يجوز؛ لأن العرف والعادة أن من تبرع لإفطار الصوام في رمضان أنه يريد في شهر رمضان فقط.(162/30)
تأثير مس فرج الطفل على الوضوء
السؤال
هل غسل فرج الطفل ينقض الوضوء؟
الجواب
لا، يعني: مس عورة الطفل لا ينقض الوضوء، بل مس عورة الإنسان البالغ لا ينقض الوضوء، إلا إذا كان لشهوة، وبهذا نجمع بين حديث طلق بن علي وبسرة بنت صفوان: فإن حديث طلق بن علي (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: عن الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه وضوء؟ قال: لا، إنما هو بضعة منك) ، وحديث بسرة: (من مس ذكره فليتوضأ) .
نقول: إذا كان لشهوة وجب الوضوء، وإذا كان لغير شهوة لم يجب، ويوحي إلى هذا التفصيل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما هو بضعه منك) فإذا مسسته كما تمس مثلاً بقية الأعضاء، ومعلوم أن الإنسان لا يمس غير الذكر لا يمسها للشهوة أبداً، أليس كذلك؟ طيب نقول: إذا مسسته كما تمس سائر الأعضاء بدون شهوة فإنه لا وضوء عليك، وإن مسسته بشهوة فعليك الوضوء؛ لأنه ربما يخرج شيءٌ منك مع الشهوة من حيث لا تشعر.
والخلاصة: أن مس ذكر الكبير والصغير لا ينقض الوضوء إلا إذا كان لشهوة، والذي يغسل فرج الصبي قطعاً ليس عنده شهوة.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
وإلى هنا انتهى هذا اللقاء، وإلى لقاء قادمٍ إن شاء الله.(162/31)
لقاء الباب المفتوح [163]
في صراع بين الحق والباطل وبأسلوب استذكاري وتوبيخي لأهل الشرك، استطاع القرآن أن يستفز المشركين وأن يدحضهم بالحجة الدامغة وبالبرهان الساطع، ويتجلى هذا التوبيخ والتقريع في الآيات الأخيرة من سورة الطور والتي كان للشيخ معها هذا البيان والتفسير.(163/1)
تفسير آيات من سورة الطور
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والستون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل خميس، وهذا الخميس هو العشرون من شهر ربيع الأول عام 1418هـ.
نبتدئ هذا اللقاء بالكلام بما يسر الله عز وجل على تفسير بقية سورة الطور.(163/2)
تفسير قوله تعالى: (أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون)
قال تعالى: {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور:37] (أم) هنا بمعنى بل والهمزة، أي: بل أعندهم خزائن رزق الله عز وجل حتى يمنعوا من شاءوا ويعطوا من شاءوا؟
و
الجواب
لا، ليس عندهم ذلك ولا يملكون شيئاً من ذلك، بل الذي يملك الرزق عطاءً ومنعاً هو الله تبارك وتعالى، ولما نفى أن يكون عندهم خزائن الله قال: {أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور:37] أي: بل أهم الذين لهم السيطرة والغلبة والسلطان والكلمة؟ الجواب: لا، فإذا لم يكن لهم شيء من هذا صاروا مربوبين وصاروا أذلاء أمام قوة الله عز وجل.(163/3)
تفسير قوله تعالى: (أم لهم سلم يستمعون فيه)
ثم قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} [الطور:38] أي: بل ألهم سلم يستمعون فيه؟ والسلم: هو المصعد والمرقى، والمعنى: هل لهم سلم يصعدون فيه إلى السماء يستمعون ما يقال في السماء؟
الجواب
لا، فإن ادعوا ذلك {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [الطور:38] أي: بحجة بينة ظاهرة على أنه استمع ما يقال في السماء.
والجواب: لن يجدوا إلى ذلك سبيلاً.
اللهم إلا الكهنة الذين لهم رئيٌ من الجن، يستمع إلى ما يقال في السماء ثم يكذب مائة كذبة عما سمع، فيصدق بتلك الكلمة التي سمعها من السماء.(163/4)
تفسير قوله تعالى: (أم له البنات ولكم البنون)
ثم قال تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} [الطور:39] وهذا أيضاً بمعنى (بل) والاستفهام الذي للتوبيخ والإنكار، أي: أيكون لله البنات ولهم البنون؟ لأنهم ادعوا أن جنود الله تعالى بنات، وأن لهم البنين، ومعلوم أن من له البنين غالبٌ على من له البنات؛ لأن جنده رجال ذكور أقوى وأحزم وأقدم من النساء، {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} [الزخرف:19] كما قال الله تعالى عنهم ذلك، قال: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [الزخرف:19] أي: لم يشهدوا خلقهم حتى يقولوا: إنهم بنات، {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} [الزخرف:19] أي: شهادتهم هذه التي هي زور وكذب (ويسألون) .
المهم أن هؤلاء المكذبين للرسول عليه الصلاة والسلام من قريش قالوا: لهم البنون ولله البنات، قال الله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} [النحل:57] والذي يشتهونه هو الذكور، حتى إن أحدهم: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل:58] أي: مملوءٌ غيظاً وغماً {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ} يختبأ من القوم {مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} [النحل:59] ثم يتردد {أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ} [النحل:59] أي: على ذل وهوان، {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل:59] يغمسه فيه، وهذه الموؤودة {أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:59] .(163/5)
تفسير قوله تعالى: (أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون)
قال تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} [الطور:40] أي: بل أتسألهم أجراً، والاستفهام هنا للنفي، وكل (أم) هناك استفهامها للنفي والتوبيخ، أي: هل أنت يا محمد حين دعوتهم إلى الله عز وجل هل أنت تقول: أعطوني أجراً مثقلاً كبيراً لا يستطيعونه حتى يردوك؟
الجواب
لا، قال الله تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86] لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لأي أحد: أعطني أجراً على دعوتي إياك، بل هو صلى الله عليه وسلم يبذل المال ليؤلف القلوب، كما أعطى المؤلفة قلوبهم من الأموال شيئاً عظيماً، وليس يطلب من أحدٍ أي عوض على ما جاء به من الرسالة.
استدل بعض أهل العلم على أنه لا يجوز للإنسان أن يأخذ أجراً على تعليم العلم، بمعنى: أجرة، يقول الإنسان: لا أعلمك إلا بكذا وكذا، لكن هذا فيه نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) .(163/6)
تفسير قوله تعالى: (أم عندهم الغيب فهم يكتبون)
قال تعالى: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [الطور:41] ما غاب عن الناس ويحفظونه؟
و
الجواب
لا، ليس عندهم علم الغيب، بل إن الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه لا يعلم شيئاً من الغيب، يكون الشيء في داره لا يعلمه، حتى إنه دخل ذات يومٍ والبرمة على النار تغلي باللحم ولم يعلم ما هو، وحتى أن أبا هريرة كان معه فانخنس منه ولم يعلم لأي شيءٍ ذهب.
فالحاصل: أن الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه لا يعلم الغيب، فمن دونه من باب أولى، وقد أمره الله تعالى أن يعلن بأنه لا يعلم الغيب، فقال تعالى: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام:50] وهنا يقول لهؤلاء المكذبين: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [الطور:41] ؟ والجواب: لا.(163/7)
تفسير قوله تعالى: (أم يريدون كيداً فالذين كفروا هم المكيدون)
ثم قال: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً} [الطور:42] أي: أيريد هؤلاء أن يكيدوا لك يا محمد بإبطال دعوتك وإهلاكك وإماتتك؟
الجواب
نعم، ولكن كيدهم ليس بشيءٍ بالنسبة إلى كيد الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30] وقد كادوا له أعظم كيد، فإنهم اجتمعوا ماذا يصنعون بمحمد، لما رأوا دعوته انتشرت وأنه لا قبل لهم بردها، اجتمعوا وتشاوروا وذكروا ثلاثة آراء: الحبس والقتل والإخراج.
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} أي: يحبسوك، {أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:30] استقر رأيهم على القتل، لكن من يستطيع أن يقتله؛ لأن بني هاشم سوف يطالبون بدمه، قالوا: يجتمع عشرة شبان من قبائل متفرقة من العرب، ويعطى كل واحدٍ منهم سيفاً صارماً ويضربون محمداً ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل، فتعجز بنو هاشم عن المطالبة بدمه، ففعلوا ذلك ولكنهم مكروا ومكر الله والله خير الماكرين، أنجاه الله منهم، ثم أذن له أن يهاجر فهاجر إلى المدينة.
{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} [الطور:42] الجملة هنا جملة اسمية، معرفٌ طرفاها، مفصولة بضمير الفصل، مما يدل على التوكيد والحصر، يعني: فالكيد لمن؟ للذين كفروا.
وهنا سؤال يقول: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} [الطور:42] لم يقل: أم يريدون كيداً فهم المكيدون، فماذا يسمى هذا الأسلوب عند علماء البلاغة؟ يسمى الإظهار في موضع الإضمار، معناه: بدل أن يقال: فهم المكيدون، قال الله تعالى: ((فالذين كفروا)) ولهذا فائدة بل أكثر، إذا قال: فالذين كفروا معناه: أن هؤلاء كفار، إذا قال: (الذين كفروا) معناه: أن من كان كافراً فإنه هو المكيد وإن كان غير هؤلاء، فهاتان فائدتان معنويتان.
الفائدة الثالثة: تنبيه المخاطب؛ لأن الكلام إذا كان على نسقٍ واحد ربما ينسجم الإنسان ويغفل، لكن إذا جاء شيء يخرج الكلام عن النسق انتبه.(163/8)
تفسير قوله تعالى: (أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون)
ثم قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الطور:43] أي: بل ألهم إله غير الله؟
الجواب
حقيقة لا، وادعاءً نعم، لهم آلهة غير الله يعبدونها، الات والعزى ومناة وهبل، وغيرها من الأصنام المعروفة عند العرب، ولهذا قال: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الطور:43] فنزه الله سبحانه وتعالى نفسه عما يشرك به هؤلاء؛ ليبين أن هذه الأصنام باطلة، وأن الله منزه عن كل شريك، {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} [الطور:43] ؟ الجواب: حقيقة لا، وباطلاً نعم، هم يعبدون غير الله ويقولون: إنها آلهة، ويقولون للرسول عليه الصلاة والسلام: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5] ولهذا قال: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الطور:43] .(163/9)
تفسير قوله تعالى: (وإن يروا كسفاً من السماء)
قال تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} [الطور:44] أي: لو نزل عليهم العذاب، والكسف هو العذاب كما قالوا: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ} [الشعراء:187] الكسف معناه: قطع العذاب، {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} وهذا يدل على أنهم يرون أنهم على حق وأنهم غير مستحقين للعذاب وأن هذا الكسف النازل قطع العذاب، ما هي إلا سحب متراكمة، وهذا كقول عادٍ حين رأوا الرياح مقبلة عليهم: {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:24] لأن هؤلاء المكذبين -والعياذ بالله- معاندون يرون أنهم على حق، وأنهم غير مستحقين للعذاب، فإذا رأوا العذاب قالوا: هذا شيء عادي ولن نهابه ولن نخافه.(163/10)
تفسير قوله تعالى: (فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون)
قال الله تعالى: {فَذَرْهُمْ} [المعارج:42] اتركهم {يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} [المعارج:42] يخوضوا بأقوالهم، ويلعبوا بأفعالهم، ويلهوا في الدنيا، ويرون أنهم على حق {حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) [الطور:45] وهو يوم موتهم، اترك هؤلاء فإن مآلهم إلى الموت وإن فروا، وهم إذا لاقوا يومهم الذي يوعدون عرفوا أنهم على باطل، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم على الحق.(163/11)
تفسير قوله تعالى: (يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئاً)
قال تعالى: {يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [الطور:46] فإذا جاءهم الموت ما أغنى عنهم كيدهم شيئاً؛ لأنهم في قبضة الله، وقد انتهى استعتابهم، وليس أمامهم إلا العذاب.
{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الطور:47] (وإن للذين ظلموا) والمراد بهم الكفار، قال الله تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:254] .
{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ} أي: دون عذاب الموت؛ وهو ما أصيبوا به من الجدب والقحط والخوف والحروب وغير ذلك مما كان قبل الموت، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الطور:47] بل أكثرهم في غفلة عن هذا، ولا يظنون أن ذلك من العذاب في شيء.(163/12)
تفسير قوله تعالى: (واصبر لحكم ربك)
قال تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الطور:48] (واصبر) النداء لمحمد عليه الصلاة والسلام، والصبر: هو حبس النفس عما لا ينبغي فعله، وقوله: (لحكم ربك) يشمل الحكم الكوني والحكم الشرعي، أي: اصبر لما حكم به ربك من وجوب إبلاغ الرسالة وإن أصابك ما يصيبك، اصبر لحكم ربك الكوني القدري؛ وهو ما يقدره الله تعالى عليك من هؤلاء السفهاء، من السخرية والعدوان والظلم، ولقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم كما أوذي إخوانه من المرسلين أوذي إيذاءً عظيماً، جعل سلى الجزور على ظهره وهو ساجدٌ تحت الكعبة، في آمن مكان، رمي بالحجارة حين خرج إلى أهل الطائف حتى أدموا عقبه صلوات الله وسلامه عليه، ولم يفق إلا وهو في قرن الثعالب، يلقون القاذورات والأنتان على عتبة بيته عليه الصلاة والسلام ويقول: أي جوارٍ هذا؟!! وهذا من امتثال أمر الله، حيث قال الله له: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) [الطور:48] أي: فإننا نراك بأعيننا ونراقبك ونلاحظك ونعتني بك، وهذا كما يقول القائل لمن أشفق عليه وأحبه: أنت في عيني، ومن المعلوم أن مثل هذا الأسلوب لا يعني أن مخاطبه حالٌ في عينه، بل المعنى: أنت مني على رقابة وحماية.
وفي هذه الآية: إثبات صفة العين لله عز وجل وهي حقيقة، لكنها لا تماثل أعين الخلق أبداً؛ لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11] .(163/13)
تفسير قوله تعالى: (ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم)
قال تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) [الطور:48-49] (سبح بحمد ربك) أي قل: سبحان الله وبحمده، حين تقوم من مجلسك، أو حين تقوم من منامك، المهم هي عامل؛ ولهذا كان كفارة المجلس أن يقول الإنسان: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك) فينبغي للإنسان كلما قام من مجلس أن يختم مجلسه بهذا: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك) .
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [الطور:49] وسبح ربك من الليل، لا كل الليل بل (من) وهي هنا للتبعيض، ولهذا لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بأقوامٍ من أصحابه قال أحدهم: (أنا أقوم ولا أنام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأقوم وأنام، ومن رغب عن سنتي فليس مني) ولذلك يكره للإنسان أن يقوم الليل كله، حتى لو كان فيه قوة ونشاط فلا يقوم الليل كله، إلا في العشر الأواخر من رمضان؛ فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يحيي ليلها كله.
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} أي: وقت إدبارها، وهل المراد إدبار ضوئها بانتشار نور الشمس، أو إدبار ذواتها عند الغروب؟
الجواب
هذا وهذا، والمراد بذلك صلاة الفجر؛ لأن صلاة الفجر بها تدبر النجوم، وصلاة الفجر وصلاة العصر هما أفضل الصلوات الخمس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس وصلاةٍ قبل غروبها فافعلوا) والمراد بالصلاة قبل طلوع الشمس صلاة الفجر، وقبل غروبها صلاة العصر.
وقال صلى الله عليه وسلم: (من صلى البردين دخل الجنة) والبردان: هما صلاة الفجر وصلاة العصر، فصلاة الفجر صلاة الليل، وصلاة العصر صلاة النهار.
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} وبهذا انتهى الكلام بما يسر الله عز وجل على سورة الطور.
نسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ويهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.(163/14)
الأسئلة(163/15)
حكم الأطفال إذا شربوا من لبن مجمع من الأمهات
السؤال
في الجمهوريات الإسلامية أيام الحكم الشيوعي كانت الأمهات تلدن في المستشفيات، فكانوا يجمعون لبن الأمهات ويغلونه ثم يشربونه الأطفال حتى تنتهي مدة البقاء في المستشفى، يعني: ربما أهل البلد كلهم إخوة من الرضاعة، فما تقولون في هذا؟
الجواب
هذه مشكلة ومعضلة أيضاً في نفس الوقت، يقول: إنه لما كانت هذه الجمهوريات الإسلامية تحت الحكم الشيوعي الظالم كانوا يجمعون ألبان الأمهات ويغلونه ثم يسقون الأطفال، ولا يبالون، ليسوا يحررون مثلاً من شرب هذا اللبن حتى يعرف كما هو حسب كلام الأخ، فكيف يكون الحال؟ نقول: من تيقن أنه شرب من هذا اللبن صارت جميع النساء اللاتي شاركن في هذا اللبن أمهات له، ومن لم يتيقن فالأصل البراءة، وعلى هذا فاخطب من أي مكان من هذا البلد وليس عليك شيء؛ لأنه لا يمكن أن تتيقن أن هذه البنت مثلاً شربت من لبنٍ شربت منه أنت.(163/16)
حكم وضع السواك في الفم لغير حاجة التسوك
السؤال
بعض الناس يضع المسواك في فمه سواء جالساً أو ماشياً أو راكباً وهو لا يتسوك، فقط يضعه في فمه فما حكم هذا العمل؟
الجواب
هذا غير سنة، السنة التسوك، أما وضع السواك في الفم بدون أن يحركه ما فائدته؟(163/17)
علة عدم صوم الرسول كصوم داود
السؤال
حديث: (أفضل الصيام صيام داود) فلماذا النبي صلى الله عليه وسلم لم يختر هذا لنفسه؟
الجواب
الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام صيام داود؛ كان يصوم يوماً ويفطر يوماً) أنت تعرف أن الرسول عليه الصلاة والسلام عليه مسئوليات كثيرة ومتنوعة، فهو يقدم ما كان الناس إليه أحوج، ولهذا يحث على اتباع الجنائز وتمر به الجنائز ولا يتبعها، فالرسول عليه الصلاة والسلام ينظر دائماً في أحواله إلى ما هو أنفع للعباد، كان يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم، وكان يقوم حتى يقال: لا ينام، وينام حتى يقال: لا يقوم، فهو يتبع المصلحة، ولهذا ينبغي الإنسان في سيره إلى الله عز وجل أن يتبع ما فيه المصلحة ما عدا الأمور الواجبة، فالواجبة لا بد منها، وأما بقية التطوع من صلاةٍ أو صدقة أو حجٍ أو عمرة فينظر ما هو أنفع، ربما يكون الأنفع للإنسان أن يصلي، وربما يكون الأفضل أن يأخذ كتاباً يطالعه.(163/18)
حكم كفارة الظهار قبل الطلاق البائن
السؤال
ما حكم من طلق طلاقاً بائناً بعدما ظاهر، فهل تبقى عليه كفارة الظهار؟ كأن يقول مثلاً: أنتِ عليَّ كظهر أمي، ثم يطلقها الطلقة الأخيرة بعد فترة؟
الجواب
تبين منه، وليس عليه كفارة ظهار؛ لأنه ما عاد، لأن معنى قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة:3] يعني: الجماع.(163/19)
حكم قضاء صلاة التطوع
السؤال
بالنسبة لصلاة التطوع إذا كان الشخص يصلي لصلاة الضحى أربع ركعات ففاتته يوماً من الأيام هل يقضيها؟
الجواب
الظاهر لي أن النوافل غير الرواتب وغير الوتر أنها لا تقضى، يعني: أنه لا يقضى من النوافل إلا ما جاءت به السنة.
وأقل سنة الضحى ركعتان، تبتدئ من حين ترتفع الشمس قيد رمح، وتنتهي بقبيل الزوال، وأفضلها ما كان في آخر الوقت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) .(163/20)
حكم قراءة الفاتحة قبل الاعتدال في القيام عند القيام إلى الركعة
السؤال
فضيلة الشيخ: نرى بعض الناس وهو يصلي إذا قام من الركعة الأولى بدأ في قراءة الفاتحة قبل أن يعتدل قائماً، وخاصة كبار السن، هل تعتبر صلاته صحيحة حيث أنه قرأ جزءاً من الفاتحة وهو غير قائم؟
الجواب
الفاتحة يجب أن يقرأها الإنسان وهو قائم؛ لأنها ذكر قيام، فإذا ابتدأ بها أثناء نهوضه فإنها لا تجزئه؛ لأنه قادر على القيام، وإذا كان قادراً على القيام فإنه يجب أن تكون قراءة الفاتحة وهو قائم، أما إذا كان كبير السن ولا يستطيع إلا هذا، ويخشى إن ترك الابتداء بها حتى يتم قائماً أن تفوته الركعة مع الإمام فهنا يكون معذوراً، فلا بأس أن يشرع بها حين ينهض.(163/21)
الرد على من يقول: إن المسلم لا يكفر بذنب ما لم يستحله
السؤال
ما رأيكم في قول من يقول: إن عقيدة أهل السنة في قاعدة: إن المسلم لا يكفر بذنبٍ ما لم يستحله أنها على إطلاقها، وأنه لا يوجد ذنبٌ يكفر صاحبه ويخرجه عن الملة ولو كان سجوداً لقبر -مثلاً- أو الطواف به أو الاستهزاء بدين الإسلام ونحو ذلك من الذنوب؟
الجواب
نرى أن أسباب الكفر متعددة، منها: أن يعتقد جواز السجود لغير الله وإن لم يسجد فهو كافر، ومنها: أن يسخر بالإسلام ولو هازلاً فإنه كافر، وهذا دل عليه القرآن: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة:65-66] .
ونرى أن من الأفعال ما هو كفر يحاسب عليه الإنسان محاسبة الكافر، ويعامل في الدنيا معاملة الكافر، وفي الآخرة حسابه على الله، فلو رأينا رجلاً سجد لصنم حكمنا بكفره، وقلنا: إنه كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل، حتى لو قال: أنا ما أردت السجود -سجود الذل والخضوع- لكن أردت سجود التحية مثلاً، نقول: نحن لا يهمنا هذا، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) .
كذلك أيضاً من الأعمال ما تركه كفر؛ كالصلاة مثلاً، الصلاة من تركها حكمنا بكفره عيناً، ولا نقول: من ترك الصلاة عموماً فهو كافر، نقولها كذلك، لكن أيضاً إذا رأينا شخصاً لا يصلي حكمنا بكفره واستحلال دمه، إلا أن يتوب ويرجع إلى الله.
فالمهم أن هذه القاعدة التي ذكرت ليس على إطلاقها؛ لأننا لو قلنا: إنه لا كفر إلا باستحلال ما بقي كفرٌ عملي، ولأن الاستحلال بنفسه كفر، إذا استحل الإنسان شيئاً مجمعاً على تحريمه فهو كافر سواء فعله أم لم يفعله، فلو أن أحداً استحل الزنا مثلاً أو استحل الربا في غير مواضع الخلاف لقلنا: هذا كافر.(163/22)
مدى صحة أحاديث في فضيلة صلاة الإشراق
السؤال
فضيلة الشيخ: وردت أحاديث في فضيلة صلاة الإشراق، ما مدى صحة هذه الأحاديث؟ وإن لم تصح هل هي سنة؟
الجواب
العلماء اختلفوا في سنة الضحى هل هي سنة أو بدعة أو فيها التفصيل؟ وأقرب الأقوال: أن فيها التفصيل: وهو أن من اعتاد أن يقوم من الليل لا يواظب عليه، ومن لم يعتد القيام فإنه يواظب، هذا كلام شيخ الإسلام رحمه الله.
لكني أقول: إنه جاء في الحديث: (أنه يصبح على كل سلامى من الناس صدقة، كل يومٍ تطلع فيه الشمس، وأنه يجزئ ذلك ركعتان يركعهما من الضحى) فمن أجل هذا الحديث أرى: أنه ينبغي على الإنسان أن يحافظ على ركعتي الضحى؛ لأنها تقع مجزئة عن جميع الصدقات التي تجب عليه، كل يوم تطلع الشمس على كل عضوٍ منك صدقة، مجبر عليها، والأعضاء ثلاثمائة وستون عضواً يجب عليك ثلاثمائة وستون صدقة، لكن ليست صدقة المال فقط، كل قولٍ يقرب إلى الله فهو صدقة، كل فعلٍ يقرب إلى الله فهو صدقة، التسبيحة صدقة، والتكبيرة صدقة، إماطة الأذى عن الطريق صدقة، إعانة الراكب في ركوبه صدقة، لكن يجزئ عن ذلك كله ركعتان يركعهما من الضحى، فمن أجل هذا الحديث أرى أن يواظب عليها لأجل أن تقع هاتان الركعتان مكفرتان عن كل الصدقات.(163/23)
حكم من ترك الصلاة بسبب مرض ألم به
السؤال
كيف يقضي من فاتته صلاة يومين بسبب مرض ومتى يكون القضاء؟
الجواب
هذا المرض إما أن يكون قد غاب عقله -أي: أغمي عليه- فهذا لا قضاء عليه، لأنه مغمى عليه فاقد العقل، وليس كالنائم الذي إذا أيقظته استيقظ.
وأما إذا كان عقله معه؛ فلا يحل له أن يؤخر الصلاة، يصلي على حسب حاله ولو بالنية، حتى لو -فرضنا- أنه لا يستطيع أن يتحرك؛ فعليه أن ينوي بقلبه التكبير والقراءة والركوع والسجود، لكن بعض المرضى لضيق أنفسهم وكونهم في حرج، تجده إذا قيل له: صلِ، قال: إذا عافني الله صليت، هذا غلط، خطر عظيم جداً، لو مات على هذا يخشى أن يكون كافراً، ولهذا يجب على الممرضين الذين يمرضون أقاربهم إذا قالوا هذا أن يحذروهم، يقول: صل ولو بالنية، ما دام العقل ثابتاً هل يمكن أن يفقد الإنسان النية؟ لا يمكن أن يفقدها ولا لسانه، لو قدر أنه عجز عن الإيماء برأسه والإيماء بعينه نقول: النية مفتوحة، لكن على كل حال: إذا قدرنا أنه فعل ذلك ظناً منه أنه لا بأس، أو كما يفعل بعض المرضى تكون ثيابه متنجسة ويقول: لا أستطيع أن ألبس ثوباً طاهراً ولا أغسل النجاسة، أنتظر حتى يعافيني الله وأتطهر، نقول: هذا أيضاً حرام، صل ولو بالثوب النجس؛ لأن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16] بقدر ما يستطيع، إن قدر على الطهارة تطهر، وإن لم يقدر فإنها تسقط عنه.(163/24)
حكم من أنكر تلبس الجن بالإنس
السؤال
ما حكم من ينكر تلبس الجني بالإنسي؟
الجواب
هذا من المعتزلة؛ المعتزلة يرون أنه لا يمكن أن يتلبس الجني بالإنسي، لكن هذا قول يكذبه القرآن والسنة، قال الله تبارك وتعالى في المرابين: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275] والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) وأوتي عليه الصلاة والسلام بمصروعٍ فقرأ عليه، وأمر الجني أن يخرج منه.
وأما الواقع فهو مشاهد أن الجني يتلبس بالإنسي ويؤثر عليه يمرضه ويخيفه ويزعجه ويقلق فكره، حسب تسلط الجني على الإنسي، وإنني بهذه المناسبة أود أن يستعمل المسلمون شيئين: الشيء الأول: الاعتماد على الله عز وجل، وأن يعتقدوا أن توكلهم على الله فوق قوة الجن، وأن الجن أذلاء أمام ذكر الله، كما قال تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ) [الناس:4] الذي يخنس عن ذكر الله.
الشيء الثاني: أن يكثروا من الأوراد التي تحميهم وتحفظهم، كقراءة آية الكرسي، فإن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطانٌ حتى يصبح.
أما أن ينخنعوا أمام هذه الوساوس والهواجيس فإن ذلك سيزيده، والشيطان ربما يجس قلب الإنسان، فإذا رآه جباناً خواراً تسلط عليه، وإن رآه سوى ذلك أبعد عنه، أليس الشيطان يفر من عمر بن الخطاب ويخاف، وإذا سلك طريقاً سلك الشيطان طريقاً آخر؛ لأنه قوي القلب، ونحن نعلم أن أبا بكر مثله أو أقوى، ونعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام فوق ذلك.
على كل حال: أنا أوصي إخواني بهذين الأمرين: الاعتماد على الله، واعتقاد أن الجن أذلة، وأن الإنس أكرم عند الله منهم، وكذلك استعمال الأوراد الواقية حصن حصين، أنت لو أحسست بخوف ألست تستأجر الحراس عند بيتك وفي ممشاك؟ بلى، إذاً استعمل الحراسة التي لا طاقة للبشر بها، وهي: ذكر الأوراد التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.(163/25)
حكم من دفع مائة ريال ودفعت شركته مائة وخمسين ريالاً من أجل بيت يتملكه بعد خمس عشرة سنة
السؤال
فضيلة الشيخ: أنا أمتلك منزلاً الآن من الشركة، وأدفع شهرياً مائة ريال للصيانة، والشركة تدفع مائة وخمسين ريالاً، علماً أن البيت لا يمكن أن أمتلكه إلا بعد خمس عشرة سنة، فما رأي فضيلتكم في هذا؟
الجواب
مادام البيت على نفقة الشركة، وهي تقول: يكفيني منك مائة ريال وهي تدفع مائة وخمسين ريالاً والبيت بيتها، فليس عليك شيء ولك أن تستمر على ذلك.(163/26)
حكم القراءة السريعة على المريض
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم القراءة السريعة على المريض بحيث تكون الآيات متصلة لا تقطع؟
الجواب
لا يجوز لأي إنسان سواء يقرأ لنفسه أو على المرضى أن يقرأ القرآن إلا مبيناً حروفه؛ لأنه إذا لم يبين حروفه فقد افترى على الله كذباً: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) [الأنعام:93] ؟ فإذا قرأ مثلاً: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) [الناس:1] وصار يتمتم بها هل يقال: إنه قرأها؟ لا، وإن قال: إني قرأتها، فمعناه أنه افترى على الله كذباً؛ فإن الله لم ينزلها هكذا، فتحرم القراءة التي يكون فيها إسقاط حرف من الحروف، حتى ولو كان الحرف مشدداً فأهمل الشدة فإن هذا حرام، لو قال: (الحمد لله ربِ العالمين) هذا حرام، لماذا؟ هل أنزله الله هكذا، ربِ العالمين؟ إذاً افترى على الله كذباً، فالمسألة خطيرة يا إخواني.
نسمع بعض القراء الذين يحبون أن يحفظوا القرآن ويكملوه يفعلون هذا، يهذونه هذ الشعر، ثم يريد أن يصل إلى آخر السورة أو إلى آخر الجزء ولا يهمه أقام الحروف أو لا، وهذا محرم، فالواجب إبانة الحروف.
أما التجويد فليس بواجب، التجويد تحسين اللفظ، إن حسنه الإنسان فهذا خير، وإن لم يحسنه فلا، والإنسان مطلوبٌ أن يحسن قراءته بالقرآن كما قال أبو موسى -رضي الله عنه- حين أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه استمع إلى قراءته، فقال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود) لأن الله أعطى داود صوتاً رخيماً عظيماً، حتى إن الجبال تسبح معه، والطيور تقف صواف تستمع إلى قراءته من حسنها وجمالها، قال: (أسمعتني يا رسول الله؟ قال: نعم، قال: لو علمت أنك تسمعني لحبرته لك تحبيراً) أي: حسنته أكثر، فدل هذا على أنه ينبغي للإنسان أن يحسن صوته بالقرآن، أما أن التجويد يجب فلا، المقصود إقامة الحروف كما هي بحركاتها وسكناتها، والتجويد ما هو إلا تحسين، على أن بعض المجودين يغالون ويزيدون، أحياناً يزيد في المد وأحياناً في الغنة، حتى إنك تتعجب كيف نزل القرآن هكذا؟!!(163/27)
حكم من أخرج زيادة عن الزكاة الواجبة عليه
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل عنده عقار أراد أن يزكي فأخرج عن كل ألف مائة ريال، وبعد أن أخرجها وانتهى قيل له: أخرج عن كل ألف ريال خمساً وعشرين ريالاً، فما حكم ذلك؟
الجواب
حكم ذلك ما زاد فهو صدقة له، أي: إذا أخرج الإنسان زيادة عن الزكاة يظن أن ذلك الواجب عليه فإنه صدقة، وربما يثيبه الله عز وجل ثواب الواجب، وثواب الواجب أكثر من ثواب التطوع، الآن هو أخرج مائة عن الألف والتطوع خمسة وسبعون ريالاً لو تطوع بها صدقة أثيب عليها، لكن إذا أخرجها على أنها زكاة صارت إثابته عليها أكثر، لقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) لكن قل: لو نوى بهذه الخمسة والسبعين ريالاً عن ثلاث سنوات قادمة أيجزئ أم لا؟ لا يجزئ، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) .(163/28)
حكم صيام يوم السبت منفرداً أو مجتمعاً مع غيره
السؤال
استدل بعض أهل العلم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصوموا يوم السبت إلا في المكتوب عليكم) على أن الصيام يوم السبت لا يجوز سواء مفرداً أم مجمعاً مع غيره، فما صحة هذا القول؟
الجواب
هذا القول ليس بصحيح، أولاً: أن هذا الحديث ضعفه كثيرٌ من العلماء، قال الإمام مالك فيما نقله عنه أبو داود، قال: إنه كذب، والإمام مالك رحمه الله منزلته في الحديث معلومة فهو من أئمة الحديث وحفاظ الحديث، قال: إنه كذب، وأبو داود ثقة.
القول الثاني: أنه شاذ فيكون ضعيفاً، يعني: لا نقول كذب لكنه ضعيف، والشاذ لا يعمل به، ووجه شذوذه: أنه مخالف لما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لإحدى أمهات المؤمنين وقد وجدها صائمة يوم الجمعة قال: (أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا.
قال: فأفطري) فقوله: (أتصومين غداً) يدل على جواز صيام يوم السبت، وهذا يعارض الحديث الذي أشار إليه السائل، حيث قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة أو عود عنب فليمضغه) لأن مقتضى هذا الحديث أنه لا يصام مع الجمعة، مقتضى الحديث هو النهي، والحديث الصحيح صريح بأنه يجوز صيامه مع يوم الجمعة، فيكون شاذاً؛ لأن الشاذ مخالفة الثقة للثقات، والشاذ لا يجوز العمل به.
القول الثالث: أنه منسوخ، وهذا يعني: أن الحديث صحيح لكنه منسوخ، لكن هذا القول يحتاج إلى معرفة التاريخ: هل هذا النهي قبل الأذن أم بعده؟ ولا علم لنا بذلك، ومن المعلوم أنه لا بد من العلم بتأخر الناس إذا قلنا: إنه منسوخ، وحينئذٍ فأحسن ما يقال فيه: إنه إن أفرده لأنه يوم السبت فهذا منهي عنه وإلا فلا، على أنه ورد في السنن من حديث أم سلمة: (أن أكثر ما كان يصوم الرسول عليه الصلاة والسلام يوم السبت ويوم الأحد) مع أنهما عيدان للكفار والعيد من المعروف أن من شعائره ألا يصام، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومهما مخالفة لليهود والنصارى، ذكره أهل العلم في معارضة هذا الحديث الضعيف الذي فيه النهي عن صوم يوم السبت.
فالحاصل: أننا لو تحملنا كثيراً وقلنا بقبول هذا الحديث وهو النهي عن صوم يوم السبت، فإننا لا نقبله إلا بشرط أن يكون الذي صامه من أجل أنه يوم السبت، وبناءً على ذلك لو صادف يوم السبت يوم عرفة وصامه وحده فليس في ذلك بأس؛ لأنه إنما صامه لأنه يوم عرفة لا لأنه يوم السبت، كذلك لو صادف يوم السبت العاشر من محرم، فإنه يصومه، لكن ينبغي أن يصوم يوماً قبله ويوماً بعده مخالفة لليهود الذين يصومون اليوم العاشر فقط.
كذلك لو صادف عادته كالذي يصوم يوماً ويفطر يوماً، وصادف يوم جمعة وصومه يوم السبت وفطره يوم الأحد، هذا لا بأس به أيضاً؛ لأنه لم يصمه لأنه يوم السبت لكنه صامه لأنه صادف عادته.
خذها بارك الله فيك وبثها في قومك، فإن كثيراً من الناس اغتر بكلام بعض المعاصرين في هذا الحديث.(163/29)
حكم الزكاة في أرض ينوي صاحبها بيعها
السؤال
توجد أرض لا تستعمل لها عشر سنوات أو خمس عشرة سنة تقريباً وصاحبها ينوي إن أتت له بقيمة سوف يبيعها، فهل عليه زكاة في هذا؟
الجواب
إذا كان هذا الرجل الذي عنده أرضٌ ينتظر أن يشتريها أحد إذا كان من أهل الأراضي الذين يتجرون بها فعليه زكاتها، ولو بقيت سنوات، أما إذا كانت أرضاً عنده قد استغنى عنها ويريد أن يبيعها، لكن لم يأته زبون ليشتريها فليس عليها زكاة.
الأراضي والأواني والفرش وما أشبه ذلك من عروض التجارة ليس فيها زكاة إلا أن ينويها للتجارة.(163/30)
حكم التوقف في تكفير من فعل مكفراً بجهل
السؤال
من حكم من توقف في عدم تكفير الجاهل إذا فعل مكفراً، مع العلم أن بعض العلماء أفتى بكفره وبعضهم أفتى بمعذرته في الجهل، فهل هذا يعتبر ضالاً؟
الجواب
الله المستعان! هذا هو المهتدي، كل من توقف في حكم مسألة لعدم اتضاح الدليل عنده إما لكونه مجتهداً فنظر في الأدلة فوجد فيها في ظنه التعارض، أو لأنه عامي واختلف العلماء عنده في هذه المسألة فتوقف، فهذا هو الحق، وهذا هو الإيمان، لأن الله تعالى قال: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] فلو أنه حكم بكفره وهو لا يدري ما الدليل، فقد قال ما ليس له به علم، ولو حكم بانتفاء كفره وهو يعلم الدليل، فقد قال ما ليس له فيه علم، لكن ماذا يكون الواقع إذا كان قد اختلف الناس في هذا الحكم؟ فهل أصل بقاء إسلام المسلم أو كفر المسلم؟ الأصل بقاء إسلام المسلم، ولهذا تعتبر هذه المسألة خطيرة، والمسألة ليست بذاك الشيء الهين أن تقول لشخص: إنه كافر، المسألة ليست نطقاً باللسان، المسألة يترتب عليها أنك إذا حكمت بكفره حكمت باستحلال دمه وماله، وتحريم زوجته عليه، وأن ماله الذي بيده ليس له، وأنه إن كان أميراً لا تجب طاعته إلى غير ذلك من الأحكام التي تترتب على الردة وهي كثيرة.
ثم من أنت حتى تحكم على عباد الله بأنهم كفار والله تعالى لم يحكم بذلك، من أنت؟!! أليس الواحد منا لو قال: هذا حرام والله لم يحرمه لقلنا: إنك مفترٍ على الله؟ فكيف لو قال: هذا كفر وليس بكفر، وكيف لو قال: هذا كافر وهو عند الله ليس بكافر، ولهذا كان هذا المذهب -تكفير من لم يقم الدليل على كفره- هو مذهب الخوارج تماماً الذين أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عنهم: (أنهم يقرءون القرآن ولا يتجاوز حناجرهم، وأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، وأن في قتلهم أجر إلى يوم القيامة) فالمسألة خطيرة جداً، ولذلك يجب على الإنسان أن يتقي الله قبل كل شيء، وألا يحكم بأن هذا كفر حتى يتبين، ولا بأن هذا كافر حتى تنطبق عليه شروط التكفير.
أما أن يقول الإنسان: كافر كافر كافر، كيف هذا؟!! هذا هو مذهب الخوارج تماماً، الخوارج كانوا مع علي على معاوية ولما جرى الصلح بين علي ومعاوية، انقلبوا وقاتلوا علياً، لكن الحمد لله دمرهم الله عز وجل، وقتلهم علي -رضي الله عنه، وجزاه الله عن أمة الإسلام خيراً- قتلهم قتلاً ذريعاً والعياذ بالله.
نسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى، وأن يرزقنا التزام حدوده في حكمه على عباده، إنه على كل شيء قدير.
وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(163/31)
لقاء الباب المفتوح [164]
طلب العلم الشرعي من أفضل الأعمال الصالحة، بل قد يعدل الجهاد في سبيل الله إن لم تكن منفعته أعم من الجهاد، وفي ضوء هذا الموضوع كان للشيخ هذه الكلمات الطيبة في فضل طلب العلم الشرعي وما ينبغي أن يتحلى به طالب العلم من أخلاق ومزايا تميزه عن غيره من الناس.(164/1)
فضل طلب العلم الشرعي على الأعمال الصالحة الأخرى
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع والستون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى (لقاء الباب المفتوح) والتي تتم في كل يوم خميس، وهذا الخميس هو العاشر من شهر جمادى الأولى عام (1418هـ) وبه نفتتح اللقاءات هذا العام، بعد انقطاع اللقاءات في أيام الإجازة.
وبما أن هذا هو وقت ابتداء تلقي المتعلمين علومهم فإنه ينبغي أن نتكلم عما يتعلق بهذا الموضوع.
فنقول: لا شك أن طلب العلم الشرعي من أفضل الأعمال الصالحة، بل هو معادلٌ للجهاد في سبيل الله، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] فبين الله عز وجل أن المؤمنين لا يمكن أن ينفروا جميعاً للجهاد في سبيل الله؛ لأن ذلك يؤدي إلى تعطل المنافع الأخرى التي لا بد للإسلام من القيام بها، وبهذا نعرف أن الجهاد لا يمكن أن يكون فرض عين على كل واحدٍ من المسلمين، كما ادعاه بعض المعاصرين الذين يقولون: إن الجهاد فرض عين على كل مسلم، وهذا خطأ مخالفٌ للقرآن؛ لأن الله قال: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة:122] أي: لا يمكن هذا، ثم أرشد أن ينفر بعضهم ويقعد بعضهم ليتفقه القاعدون في دين الله وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، لكن الجهاد يكون فرض عين في مسائل معينة خاصة.
فطلب العلم الشرعي لا شك أنه معادل للجهاد في سبيل الله.
واختلف العلماء أيهما أفضل: العلم أو الجهاد؟ ولا شك أن منفعة العلم أعم من منفعة الجهاد؛ لأن منفعة الجهاد إذا تحققت فإنما هي في جزءٍ معين من الأرض، لكن العلم ينتفع به كل الناس، فالعلم من حيث المنفعة هو أفضل من الجهاد، لكن مع ذلك قد نقول لبعض الناس: الجهاد في حقهم أفضل، ونقول لآخرين: العلم في حقهم أفضل، ويظهر هذا بالمثال: فإذا كان هناك رجل شجاع قوي عالمٌ بأساليب الحرب، ولكنه في طلب العلم رديء الحفظ صعب عليه والفهم قليل، فهذا نقول: الجهاد في حقه أفضل لأنه أنفع.
وآخر ليس بذاك في الشجاعة ومعرفة أساليب الحرب، لكنه قوي في الحفظ، قوي في الفهم، قوي في الحجة، قوي في الإقناع، فهذا نقول: طلب العلم في حقه أفضل.
إذاً الخطوط التي نفهمها الآن: طلب العلم معادل للجهاد في سبيل الله.
أيهما أفضل؟ يختلف هذا باختلاف الناس، فبعض الناس نقول له: الجهاد في حقك أفضل، وبعض الناس نقول له: العلم في حقك أفضل، حسب ما يقتضيه الحال.(164/2)
حاجة العلم إلى التربية النفسية والخلقية والبدنية
العلم يحتاج إلى تربية نفسية، وتربية خلقية، وتربية بدنية.(164/3)
طلب العلم لله وحده
التربية النفسية: هو أن يطلب العلم لله، لا للرياء، ولا للسمعة، ولا ليصرف وجوه الناس إليه، ولا لينال عرضاً من الدنيا، وإنما يطلب العلم لله عز وجل؛ لأن العلم عبادة من أفضل العبادات، فلا يجوز أن يصرف لغير الله، ولهذا جاء في الحديث: (من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة) -نعوذ بالله- فلا بد من الإخلاص لله عز وجل في طلب العلم، ويتحقق الإخلاص بأمور: الأول: أن ينوي بذلك التقرب إلى الله، وأنه ما من سطرٍ يقرؤه حفظاً أو فهماً إلا وهو يقربه إلى الله عز وجل، حتى تكون مراجعته للكتب ومباحثته مع أصحابه وتأمله في نفسه، تكون عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل.
ثانياً: أن ينوي بطلب العلم حفظ شريعة الإسلام.
لأن حفظ الشريعة يكون إما بالكتب وإما بالرجال؛ لأن العلم إما مكتوب وإما محفوظ، فينوي بطلب العلم حفظ الشريعة؛ لأن الشريعة لا تحفظ إلا برجالها.
الأمر الثالث: أن ينوي حماية الشريعة والدفاع عنها.
لأن الشريعة لها أعداء؛ أعداء باسم الإسلام، وأعداء باسم الكفر، فمن أعدائها باسم الإسلام: أصحاب البدع؛ لأنهم يدعون إلى بدعهم باسم الإسلام، ويرون أن ما هم عليه هو الإسلام، وربما يضللون غيرهم ويقولون: إن هؤلاء ضالون؛ إما فاسقون وإما كافرون، فيجب أن نحمي الشريعة من هؤلاء وبدعهم، وهذا لا يمكن إلا بالعلم: أولاً العلم بالسنة، وثانياً: العلم بهذه البدعة وشبهاتها، لا بد أن نعلم هذه البدع وشبهاتها وعلى أي شيء ركبت، حتى نتمكن من الرد عليها، إذ لا يمكن أن ترد على شيءٍ وأنت لا تدري ما هو.
ولهذا لو أن رجلاً أتى إلى مكتبة مملوءة بكتب أهل السنة، وصار يقرر البدعة في هذه المكتبة وليس عنده أحدٌ يعلم كيف يرد عليه، فهل تنفع هذه الكتب؟ لا تنفع، لا يمكن عنده أي كتاب أن يقفز ليرد عليه، لكن لو كان هناك عالم بالسنة لأمكن أن يرد على هذا ويدحر حجته.
إذاً فهيأ نفسك الآن أيها الطالب لتكون بطلاً في رد الباطل.
هناك أناس لا ينتسبون إلى الإسلام، أعداء للإسلام ولا ينتسبون إلى الإسلام.
أيضاً نحتاج إلى فهم ما هم عليه من الباطل والرد عليهم، كل هذا داخل في إخلاص النية لله عز وجل أن ينوي الإنسان الدفاع عن شريعة الله بهذه الأمور وبغيرها أيضاً من الأساليب الأخرى التي لا تحضرنا الآن.(164/4)
العمل بالعلم
ومما يجب على طالب العلم أن يظهر أثر العلم عليه في عبادته، وهو معاملته مع الله عز وجل، بحيث يخشى الله سبحانه وتعالى في السر والعلانية، ويكون قلبه دائماً معلقٌ بالله؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] فالعلماء حقيقة هم أهل الخشية لله، إذا رأيت أنه ليس عندك خشية من الله عز وجل ولا خوف منه فاتهم نفسك بأنك لست من أهل العلم، وإن حفظت ما حفظت من المتون، وإن فهمت ما فهمت من المعاني، لا بد أن يظهر أثر العلم على الإنسان في عبادته ومعاملته مع الله.
أيضاً: لا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك، لا بد من هذا، ومن لم يكن كذلك فإن علمه وبال عليه، أعاذنا الله وإياكم من هذا.
اللهم لا تجعل ما علمنا علينا وبالاً، انتبه عليك مسئولية أمام الله عز وجل، الجاهل قد يعذر بجهله لكن العالم بأي شيء يعذر؟! لا بد أن يظهر عليك أثر العلم في العبادة من خشية الله ومراقبته والتعلق به والاستعانة به والتعبد له بكثرة الطاعات، العلماء الذين هم أئمة في العلم نسمع من أخبارهم أنهم أهل عبادة أهل تهجد في الليل أهل تسبيح دائماً أهل قراءة قرآن، ففتش عن نفسك هل أنت بهذه المثابة أم لا؟(164/5)
حسن خلق طالب العلم
لا بد أيضاً أن يكون للعلم أثر في خلق الإنسان، بأن يخالق الناس بخلق حسن.
سماحة بشاشة انشراح صدر معونة عفو إحسان، كل ما يتعلق بمعاملة الناس بالحسنة فإنه من آثار العلم.
إننا نرى الآن جحافل كثيرة تدخل الكليات والمعاهد والمدارس لا نرى عليهم أثراً في طلب العلم، إننا نرى الطلاب أنفسهم يتقابلون وهم في فصلٍ واحد لا يسلم بعضهم على بعض، نجدهم أيضاً لا يسلمون على العامة، هل هذا من خلق المسلم فضلاً عن خلق طالب العلم؟!!
الجواب
لا، وإذا كنتم تقولون: لا، فاعلموا أنها ستشهد عليكم جوارحكم يوم القيامة إذا لم تطبقوا، الآن يمر الإنسان بأخيه لا يسلم عليه وليس بينه وبينه إلا متر أو أقل لماذا؟ أليس كل تسليمة فيها عشر حسنات؟!! لو أن الإنسان يعطى درهماً واحداً على التسليمة لوجدته يسلم حتى في غير موضع التسليم لينال هذا الدرهم، فكيف لا يسلم في موضع التسليم لينال عشر حسنات تكون باقية ويزداد إيمانه ويحصل المحبة بينه وبين أخيه، ولقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) .
أين نحن من هذه النصائح ونحن طلبة علم نعرفها؟!! كيف لا ننفذها؟!! سيكون هذا الحديث وغيره من أدلة الكتاب والسنة حجة علينا إذا لم نقم بما يدل عليه من التوجيه والإرشاد.(164/6)
محبة طالب العلم لأخيه الطالب
كذلك يجب أن يكون أثر العلم ظاهراً عليه بمحبته لأخيه ما يحب لنفسه، تجد بعض الطلبة -وربما العلماء الكبار- إذا برز أخوه بشيء حاول أن يغمطه ويحقره ويتتبع عوراته حتى لا يتميز عليه، وهذا الخلق من خلق اليهود، هم الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، وهذا من جهل الإنسان؛ لأن الإنسان إذا تأمل من الذي أعطاه هذا الفضل؟ الله عز وجل، طيب اسأل الله الذي أعطاه، ولهذا قال تعالى: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:32] اسأل الذي أعطاه أن يعطيك، أما أن تتمنى زوال نعمة الله عليه، أو أن تكره ما أنعم الله به عليه، فهذا من سفهك، ومن تخلقك بأخلاق إخوان القردة والخنازير اليهود، أترضى بهذا؟ لا، إذاً إذا رأيت أخاك قد منَّ الله عليه بتميز في الحفظ أو الفهم أو الحرص فقل: اللهم كما أنعمت عليه فأنعم عليَّ، ألسنا نقول في التشهد: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) أي: كما مننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم بالصلاة عليهم فمنَّ على محمد وآله.
فهكذا خلق طالب العلم يجب أن يكون متخلياً عن الحسد قليله وكثيره.(164/7)
الأسئلة(164/8)
حكم أخذ الأجرة في أموال اليتامى
السؤال
يا شيخ أنا عندي أيتام لأخ لي، وعندهم أموال كثيرة، وأنا أتعب عندما أحصيها وأعدها، وهم صغار وأكبر واحد منهم عمره أربع عشرة سنة، فهل يحل لي فيها شيء أم لا يحل؟
الجواب
على كل حال قال الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:6] وأرى أن تذهب إلى القاضي وتأخذ ولاية شرعية إن كان ما عندك شيء، وتقول للقاضي: افرض لي شهرياً نسبة من المال، حتى لا يلحقك ضرر بعد ذلك، أخشى إذا كبروا قاموا يطالبونك: أين أموالنا؟ فخذ ولاية شرعية من القاضي واجعله يفرض لك أجرة شهرية أو بالنسبة.(164/9)
حكم عمل القصص والمسرحيات
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم القصة القصيرة أو الطويلة وكذلك المسرحية التي يكون فيها ذهابٌ ومجيء، وقيام ونوم واستيقاظ، وهي تعتمد على الخيال هل تجوز؟ وهل يجوز للمدرس أن يكلف الطلاب بقصة قصيرة أو طويلة؟
الجواب
أرى أن القصة إذا كانت تعالج مشاكل ولم تنسب لشخصٍ معين، حتى نقول: إنها كذب، أنه لا بأس بها؛ لأنها ضرب لمثال للاعتبار ليس به بأس.(164/10)
كيفية التعامل مع مدير العمل إذا كان كافراً
السؤال
أنا موظف في شركة ويرأسني شخص كافر، يأتي إلى العمل قبلي في الصباح، فهل لي أن أسلم عليه وأبدأه بالسلام علماً بأني إذا لم أسلم عليه قد يحصل لي ضرر، أو ما شابه ذلك؟
الجواب
إذا كان رئيسك كافراً وحضر قبلك، فإذا دخلت عليه فعليك أن تقول: صباح الخير فقط، وصباح الخير تقولها لنفسك وإخوانك المسلمين، لا تنويها له، أو تقول: السلام بدون أن تقول: عليكم، وتنوي السلام عليك أنت وعلى عباد الله الصالحين، وبهذا يحصل المقصود إن شاء الله بدون ضرر.(164/11)
حكم اصطحاب الأطفال المؤذين دون سن السابعة إلى المسجد
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم اصطحاب الأطفال دون سن السابعة إلى المسجد إذا كانوا يحدثون إزعاجاً للمصلين؟
الجواب
لا يجوز لولي أمر الصغار الذين يحدثون إزعاجاً للمصلين أو إفساداً في المسجد أن يصطحبهم، إلا أن يحميهم حماية تامة، وإذا قدر أنهم يأتون بدون إبلاغ ولي أمرهم، فإن الواجب على الإمام أو على المسئولين في المسجد أن ينبهوا ولي أمرهم حتى يمنعهم.
والذين يستشهدون باصطحاب الحسن والحسين، فنقول لهم: ما حصل منهم أذية، نحن نتكلم عن الذين يحصل منهم أذية على المصلين أو على المسجد، أما إذا لم يكن أذية فتعويد الصبيان الحضور إلى المساجد لا شك أنه خير.(164/12)
حكم العمليات الاستشهادية ضد اليهود
السؤال
يا شيخ بعض العمليات الانتحارية التي في فلسطين تنظمها حركة حماس، هناك بعض العلماء أفتوا بجوازها، ما رأيكم؟
الجواب
نرى أن العمليات الانتحارية التي يتيقن الإنسان أنه يموت فيها حرام، بل هي من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم، ولم يستثن شيئاً بل هو عام، ولأن الجهاد في سبيل الله المقصود به حماية الإسلام والمسلمين، وهذا المنتحر يدمر نفسه ويفقد بانتحاره عضواً من أعضاء المسلمين، ثم إنه يسبب ضرراً على الآخرين، لأن العدو لن يقتصر على قتل واحد، بل يقتل به أمماً إذا أمكن، ولأنه يحصل من التضييق على المسلمين بسبب هذا الانتحار الجزئي الذي قد يقتل عشرة أو عشرين أو ثلاثين، يحصل ضرر عظيم، كما هو الواقع الآن بالنسبة للفلسطينيين مع اليهود.
وقول من يقول: إن هذا جائز ليس مبنياً على أصل، إنما هو مبني على رأي فاسد في الواقع، لأن النتيجة السيئة أضعاف أضعاف ما يحصل بهذا، ولا حجة لهم في قصة البراء بن مالك -رضي الله عنه- في غزوة اليمامة حيث أمر أصحابه أن يلقوه من وراء الجدار ليفتح لهم الباب، فإن قصة البراء ليس فيها هلاك (100%) ولهذا نجا وفتح الباب ودخل الناس، فليس فيها حجة.
بقي أن يقال: ماذا نقول في هؤلاء المعينين الذين أقدموا على هذا الفعل؟ نقول: هؤلاء متأولون، أو مقتدون بهؤلاء الذين أفتوهم بغير علم، ولا يلحقهم العقاب الذي أشرنا إليه؛ لأنهم كما قلت لك: متأولون أو مقتدون بهذه الفتوى، والإثم في الفتوى المخالفة للشريعة على من أفتى.(164/13)
كيفية صلاة الرسول قبل فرضها ليلة الإسراء والمعراج
السؤال
فضيلة الشيخ: ثبت أن الصلوات الخمس المفروضة فرضت على النبي عليه الصلاة والسلام ليلة الإسراء والمعراج، وكذلك ثبت أيضاً أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي وكذلك الصحابة قبل الإسراء والمعراج، فكيف التوفيق بين هذا؟ وكيف كانت نوعية الصلاة التي تصلى: هل هي نفس الصلاة التي فرضت ليلة المعراج أم ماذا؟
الجواب
الذي نعلمه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل المعراج في الصباح والمساء بكرة وعشياً، وكيف كان يصلي؟ الله أعلم.
ولا شك أنه كان يصلي إما باجتهاد أو بوحي، إن كان بوحي فهو منسوخ، وإن كان باجتهاد فقد تبين الشرع.(164/14)
وجوب الزكاة في أموال اليتامى
السؤال
هل في أموال الأيتام زكاة؟
الجواب
أموال اليتامى عليها زكاة، إذا كانت من الأموال الزكوية.(164/15)
حكم زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
ما حكم زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم يرى بعض العلماء أنها ليست زيارة؛ لأن بيننا وبين قبر الرسول ثلاثة جدر، وزيارة الميت: هي التي يقف الإنسان فيها على قبره، وعلى هذا فلا تعتبر زيارة، وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيما أعلم في قوله: إن المقبرة المحجر عليها أو التي بينك وبينها جدار لا يعتبر زيارتك لها زيارة من وراء الجدار، وبهذا أجاب بعض أهل العلم عن قول الفقهاء رحمهم الله: تسن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى للنساء، قالوا: إن هذه ليست زيارة حقيقية؛ لأن بين الواقف خارج الحجرة وبين القبر ثلاثة جدر.
أما عرفاً فإنها تسمى زيارة بلا شك، ويقال: المرأة زارت قبر النبي، لهذا نرى أن من الاحتياط ألا تزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تكتفي بالسلام عليه ولو من بعد؛ لأن الله تعالى قد وكل ملائكة كراماً أمناء يتلقون السلام من الأمة يبلغونه الرسول عليه الصلاة والسلام.
أما زيارة المرأة للمقابر الأخرى فهي حرام، بل من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج) إلا إذا مرت بالمقبرة ووقفت أمام القبور ودعت فلا بأس؛ لأن هذه لم تخرج من بيتها للزيارة فلا تدخل في الحديث.(164/16)
حكم نسخ الأشرطة التي لها حقوق نسخها محفوظة
السؤال
ما حكم نسخ الأشرطة التي حقوق النسخ محفوظة؟
الجواب
الذي أرى أنه إذا نسخ الإنسان لنفسه فقط لا لتجارة فلا بأس؛ لأن هذا لا يضر، أما الذي ينسخها للتجارة ويوزعها فهذا عدوان، هذا يشبه بيع المسلم على بيع أخيه، وبيع المسلم على بيع أخيه حرام.(164/17)
حكم من قال: (لا إله إلا الله) وهو يعمل ما يناقضها
السؤال
كثير من الناس يقول: أنتم تقولون: لا يجوز تكفير من يقول: لا إله إلا الله وهو يعمل ما يناقضها، ويستدلون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة) فكيف يرد عليهم هذا يا شيخ؟
الجواب
يرد عليهم بنفس الحديث: (من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) أتظن أحداً يقول: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ولا يعبد الله؟! لأن معنى لا إله إلا الله أي: لا معبود بحق إلا الله، فهل يمكن أن يكون الرجل يقول: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ولا يصلي، وهو يعلم أن ترك الصلاة كفر؟!! هذا لا يمكن، فالحديث يرد عليهم، وإلا لكان المنافقون ما دخلوا النار؛ لأنهم يقولون: لا إله إلا الله، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قيده بهذا فإنا نقول: لا يمكن لإنسان يقول: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه إلا ويصلي.(164/18)
حكم التعامل مع بنك له هيئة شرعية
السؤال
يوجد لدينا بنك إسلامي من بين كثير من البنوك الربوية الواضحة، وهذا البنك له هيئة شرعية تفتي في حل أعماله التجارية والبنكية، مع أن له معاملات تجارية واسعة، حتى طغى على كثيرٍ من البنوك، ومن هذه المعاملات: أنه يتعامل بالعقار والسيارات والأثاث والأمور البنكية المعلومة من الحوالات وغيرها، ولكن من هذه الأمور البنكية: أنه يتعامل بمعاملة بطاقة الائتمان التي تسمى بالفيزا في كل صورها، وقد أفتى بعض العلماء المعاصرين الذين نثق في دينهم بحرمة هذه المعاملة، فهل يجوز لي أن أودع مالي في هذا البنك وهو أفضل الموجود، والحاجة تستدعي أن أودع المال في هذا البنك، وفي كل سنة تكون هناك أرباح على هذا المال من عموم المعاملات التجارية، فهل لي أن آخذ هذه الأرباح التي تأتي سنوية أم أتركها لهم أم أتصدق من بعضه بناء على أن الحكم للغالب، فإن غالب أعماله حلال؟
الجواب
أرى أنه لا بأس أن تودع دراهمك في هذا البنك، ولا سيما أن له لجنة شرعية تطلع على أعماله، لكن ما شككت فيه فالورع أن تتصدق به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) فما دمت محتاجاً إلى أن تضع فلوسك في هذا البنك فضعها، وإذا أتاك الربح فالورع أن تتصدق بما ترى أنه من الفوائد الربوية.(164/19)
حكم الدعاء على الكفار بأعيانهم
السؤال
فضيلة الشيخ: نحن نعمل في شركة وفيها نسبة من الكفار، فهل يجوز الدعاء على أعيانهم؟
الجواب
الكافر ادع الله له لا تدع الله عليه، قل: اللهم اهده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أعيان قومٍ من المشركين فنهي عن ذلك، قل: اللهم اهده، والله قادر أن يهديهم كما هو قادر على أن يعاقبه، وهدايته خير لنا من عدم هدايته، فادع الله له بالهداية، لكن لا تدعو الله له بالرحمة لو مات؛ لأنه يحرم على الإنسان أن يدعو لكافرٍ بالرحمة أو بالمغفرة إذا مات، بل من دعا لكافرٍ مات على الكفر برحمة أو مغفرة فقد خالف في هذا سبيل النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؛ لأن الله قال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113] ثم أجاب الله تعالى عن استغفار إبراهيم لأبيه، فقال: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:114] .
ولا يجوز أن تدعو عليهم، إلا إذا بارزوا بالكفر وعارضوا المسلمين فنعم، لكن أن تدعو عليهم بشيء يضرهم في الدنيا ليس بشيء يضرهم في الآخرة، تقول: الله يلعنهم مثلاً لا، في الدنيا لا بأس؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا على قريش حين آذوه، فقال: (اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) فأصيبوا بالجدب والقحط.(164/20)
حكم توريث الزوجتين من مال زوجهما بعد زواجهما
السؤال
فضيلة الشيخ: مات إنسان عن أمٍ وزوجتين وبنين وبنات، وقد قسم المال بينهم وأخذ كل واحدٍ منهم حقه المقدر شرعاً والسؤال: أنه بعد ذلك تزوجتا الزوجتان ثم بعد ذلك حصل الورثة على مزرعة باسم الميت، فهل ترث هاتان الزوجتان اللاتي تزوجتا أرجو الإفادة وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
إذا ثبت أن المزرعتين كانتا ملكاً للمتوفى فلهما نصيبهما، لهما الثمن جميعاً؛ لأن حق الزوجة من الميراث لا يسقط إذا تزوجت.(164/21)
حكم تأخير وقت الصلاة عن وقتها المحدد
السؤال
نحن ندرس في مدرسة ووقت الصلاة محدد في الساعة الثالثة وخمس وعشرين دقيقة حيث تقام الصلاة؛ صلاة العصر؛ لأننا لا نخرج من الفصول إلا الساعة الثالثة وخمس وعشرين دقيقة.
الشيخ: وأين أنتم؟ السائل: في الرياض.
الشيخ: يدخل الوقت الساعة الثالثة وخمس وعشرين.
السائل: تخرج من الفصول الساعة الثالثة وخمس وعشرين، والوقت يكون دخل الساعة الثالثة أو أقل.
الشيخ: لا ما يدخل الساعة ثلاثة في الرياض.
السائل: في الشتاء يحصل يا شيخ الشيخ: المهم أنكم تصلون بعد دخول الوقت.
السائل: بعد دخول الوقت نخرج من الفصول جميعاً نحو أربعمائة طالب، وبعض الطلاب يخرج من الفصول يستأذن من المدرس ويخرج من الفصل يؤدونها جماعة في غير الوقت الذي حدده المركز لخروج الطالب، فهل فعلهم هذا جائز أنهم يخرجون يصلون بغير استئذان من المدرس.
الشيخ: في المساجد؟ السائل: لا يستأذنون من المدرس الشيخ: يصلون في المساجد يعني؟ السائل: في المسجد حق المركز، يخرجون جماعة في كل مسجد فيه نحو ست جماعات أو سبع، والجماعة الرسمية لم تصل؟
الجواب
هذه بارك الله فيك يستدعي الجواب عليها أن يأتينا كتاب من مدير المركز حتى نبين له.
السائل: مدير المركز كافر الشيخ: كافر!! السائل: إيه.
الشيخ: هذا لا يمكن؛ لأنه لو قلت: إن هذا حرام مثلاً، وإن تأخير الصلاة لكثرة الجماعة والاتفاق أفضل، أي: هؤلاء يريدون أن يتعجلوا في أول الوقت هذا طيب، لكن إذا كان في تأخيرهم لآخر الوقت مصالح وهي: أولاً: عدم الشذوذ.
والثاني: كثرة الجمع، فهو أفضل.
السائل: خروجهم ليس للمحافظة على الوقت الشيخ: الوقت لا ينتهي بهذا، وقت العصر إلى أن يبقى على الغروب نصف الساعة تقريباً، ولا أرى خروجهم من الفصول؛ بل أرى أنهم يبقون ويصلون مع إخوانهم ويدعون الشذوذ ويقومون بالحصة الواجبة عليهم، لأن الحصة هذه واجبة عليهم.(164/22)
حكم رد السلام على عمالة وافدة فيهم المسلم والكافر
السؤال
يوجد عمالة وافدة، ولا نعرف المسلم من الكافر، فكيف نرد السلام؟
الجواب
سلم على من تظن أنه مسلمٌ، فمثلاً: إذا كانت العمالة في هذه الشركة أكثرها مسلمون فسلم، وإذا كان أكثرها كفاراً فلا تسلم، لكن بعض العلماء يقول: إنك إذا قلت: صباح الخير، أو مرحباً بفلان، فهذا ليس بسلام؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا تبدءوهم بالسلام) والسلام دعاء، بخلاف مرحباً بفلان، أهلاً بفلان، فهذا تحية ولكنه ليس سلاماً، فإذا خفت أن يكون مسلماً ويقع في نفسه شيء، فقل له: مرحباً بفلان، وحينئذٍ لا تقع في المعصية، حتى لو تبين أنه كافر، لكن هل تقول: هل أنت مسلم أسلم عليك، أم كافر فلا أسلم؟ لا فهذا غلط.(164/23)
حكم الابتسامة في وجوه الكفار لكسب مقصد دنيوي
السؤال
فضيلة الشيخ: نحن نعمل في شركة وفيها كفار، فهل يجوز التودد إليهم لكسب مقصد دنيوي كالابتسامة في وجوههم؟
الجواب
{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22] لا تواد الكافر، ألم تعلم أن إبراهيم وقومه قالوا لقومهم: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4] المسألة ليست هينة، ما يقع في قلبك مودة لهم.
أما مداراتهم مع كراهتك في قلبك فهذا شيء آخر، أما أن تودهم وتداهنهم وتفهمهم أنهم على دين وأنه لا حرج عليهم إذا استمروا فيما هم عليه، فهذا عين المحرم.(164/24)
حكم ميتة السمك في غير البحر وحكم البرمائيات
السؤال
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتة) هل ميتة السمك في النهر أو الحوض أو البركة طاهرة؟ وما حكم البرمائيات؟
الجواب
قول الرسول عليه الصلاة والسلام عن الوضوء بماء البحر: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) يشمل كل ميتات الماء، كل شيء لا يعيش إلا في الماء فميتته طاهرة، هذا الظاهر، سواء كان في بركة أو في نهر أو في غدير أو في غير ذلك، كل شيء يعيش في الماء فإن ميتته طاهرة.
السائل: البرمائية؟ الشيخ: أما الذي يعيش في البر والبحر فلا بد من ذكاته.(164/25)
حكم تدريس النظريات التي قد تصل إلى الكفر في المدارس
السؤال
هناك من يمنع إخوانه من الدراسة ويقول: إن فيها نظريات ربما تصل إلى الكفر، مثل: نزول المطر، ودوران الأرض إلى غير ذلك فبماذا نرد عليهم؟
الجواب
هل الذي يقرأ الكفر وآراء الكفار يعتبر كافراً؟!! لا يعتبر، في القرآن: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان:4] هذه نظريتهم ألسنا نقرؤها في الصلاة وأنت تتعبد الله بقراءتها.
فمعرفة نظرية الكفار إذا لم يؤمن بها الإنسان إذا كانت مخالفة للشريعة ليس به بأس، فنقول لهذا الرجل: جزاك الله خيراً أنت محسن لكن لا تمنع إخوانك من الدراسة، دعهم يدرسون ينفعون أنفسهم وينفعون غيرهم إذا خرجوا، الآن يا إخواننا هل يمكن لأحد مهما بلغ علمه أن ينال تدريساً في جامعة أو في مدرسة إلا بشهادة؟ لا يمكن، وإذا كان لا يمكن، فكيف نصل إلى تدريس الناس؟ كيف نصل إلى أن نوجه الناس للخير؟ إلا بالشهادة، ولذلك من طلب العلم للشهادة لأجل أن يتوصل إلى أمور قيادية من تعليمٍ أو غيره فإن نيته سليمة، ما فيها دخن.
لكن دعنا نقرأها وننظر ما هي، ونعرف الباطل لنرده، ثم نحن لم ندخل المدرسة من أجل أن نقرأ نظريات عاد، إنما دخلنا لأجل أن نقرأ القرآن والحديث والتوحيد والفقه.(164/26)
حكم حلق جانب من اللحية من أجل المرض
السؤال
فضيلة الشيخ: شخص أجريت له عملية في فكه، فاضطُرَ إلى حلق جانب لحيته الأيمن فهل بعد العملية يجوز له حلق جانب لحيته الأيسر، لأن هناك تشويه؟
الجواب
لا يجوز من أجل التسوية، والناس إذا عرفوا أثر العملية عذروه، هذا بالنسبة للناس، أما بالنسبة للرب عز وجل فهو عالم، فيبقيها، وإن شاء الله هذا الذي حلق اليوم لا يمضي شهر إلا وقد تكامل نموه.(164/27)
أفضلية الصف الأول والقرب من الخطيب يوم الجمعة
السؤال
فضيلة الشيخ: أيهما أفضل إذا دخل شخص يوم الجمعة أن يجلس في الصف الأول بعيداً من الخطيب، أم يجلس في الصف الثاني قريباً من الخطيب لانتباه الخطبة والتركيز مع الخطيب؟
الجواب
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) النداء أي: الأذان، وهذا عام، فنقول: كن في الصف الأول، وإذا كنت تحب أن تقرب من الإمام من أجل الخطبة فكثير من الناس الآن نشاهدهم يكون في الصف الأول ثم إذا جاء الخطيب قام وسرى حول المنبر واستمع، على أن الآن ولله الحمد المساجد غالبها فيها مكبرات الصوت في كل جهة يسمعه الإنسان تماماً، فالمهم أن السنة تكميل الصف الأول فالأول بكل حال.
لكن هناك شيء آخر ينبغي التنبيه عليه: هل الأولى أن أحافظ على يمين الصف ولو بعدت عن الإمام، أو إذا بعد اليمين صرت مع اليسار؟ الجواب: الثاني، بعض الناس يقول: الأيمن أفضل بكل حال، ولو كان في طرف الصف، ولو كان الأيسر ما بينه وبين الإمام إلا واحد وهذا غير صحيح.
الأيمن أفضل من الأيسر مع التساوي أو التقارب، أما إذا بعد الأيمن فإن الأيسر أفضل لدنوه من الإمام، ومن أجل أن يتوسط الإمام في الصف، ولا أظن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا إذا جاءوا ودخلوا المسجد أكملوا الأيمن أولاً ثم جاءوا وبدءوا بالأيسر، ما أظن هذا، أظنهم يريدون أن يقربوا من الإمام.(164/28)
حكم إعطاء الحلاق أجرته في حلق اللحى
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل منَّ الله عليه بالاستقامة وكان يحلق لحيته ديناً عند حلاق، وبعد ذلك طالبه الحلاق بالمال هل يعطيه أم لا؟
الجواب
يعطيه ماله، الحلاق عمل وتعب ولم يجبر هذا الرجل على حلق اللحية، فيعطيه ماله نظير عمله، وقد يقال مثلاً: لا يعطيه المال ولكن يتصدق به، لكن سوف يطالبه الحلاق ويؤذيه باشتراط، خصوصاً إذا كانت الأجرة كثيرة، بأن يكون حلق في الشهر مرة، وتكون في السنة اثنتا عشرة مرة، فالسلامة أن يعطيه ويقول: هذه حرام عليك، ويكفي.(164/29)
حكم وصف الله بصفات فعليه مثل: الرفيق والزارع
السؤال
فضيلة الشيخ: ماذا يفيد قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة:64] أم قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق) في باب الأسماء والصفات؟
الجواب
اعلم بارك الله فيك أن صفات الأفعال ليس لها حد، كل ما دل على الفعل فهو جائز، ولهذا نقول مثلاً: اعتنى الله بكذا وكذا، حث على كذا وكذا، مع أن هذا اللفظ لم يرد، لكن أفعاله ليس لها منتهى، فكل شيء يضاف إلى الله من الإخبار عن أفعاله كله صحيح، إلا إذا تضمن معنىً فاسداً فهذا يمنع منه.
فلا يضر أن نقول: إن الله هو الزارع لهذا الزرع، بمعنى: أنه المنبت له، أو نقول: إن الله رفيق، مع أن الرفيق يقرب أن يكون من أسماء الله.
مثلاً إذا قلت: الله أجرى الوادي، أين الفعل؟ ليس في القرآن أنه أجرى كذا، لكن هذا صحيح؛ لأن الوادي جرى بأمر الله.
فالأسماء ما ورد به الشرع، والصفات قسمان: 1- صفات ذاتية ليس لنا فيها تدخل، لا نثبت إلا ما ثبت في الشرع.
2- صفات فعلية ليس لها منتهى، كل شيء في الكون فهو بفعل الله عز وجل.
وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(164/30)
لقاء الباب المفتوح [165]
الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، ويظهر أثر الحسد واضحاً بين طلبة العلم، فتبرز الأنانية وكره الخير للآخرين، وقد استطاع الشيخ أن يفضح الحسد والحساد مع ذكر مواطنه وبواطنه.
كما كان التوجيه في هذا اللقاء بإفشاء السلام بين المؤمنين وخاصة طلبة العلم.(165/1)
جناية الحسد على طالب العلم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والستون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تسمى (لقاء الباب المفتوح) التي تتم في كل خميس، وهذا الخميس هو السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام (1418هـ) .
نكمل في هذا اللقاء ما سبق من بيان آداب طالب العلم وقد انتهينا في آداب طالب العلم إلى أنه يجب على طالب العلم أن يتجنب الحسد، فما هو الحسد؟ المعروف في تفسيره عند كثيرٍ من العلماء أنه: تمني زوال نعمة الله على عبده، يعني: إذا أنعم الله على شخص بعلمٍ أو مال أو جاه أو ولد أو غير ذلك، تتمنى أن تزول نعمة الله عليه، هذا المشهور عند كثيرٍ من العلماء.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: بل الحسد: كراهة نعمة الله على عبده وإن لم تتمنَ زوالها، يعني: متى كرهت أن الله أنعم على عبده فقد حسدته.
والحسد آفة عظيمة، فهو من كبائر الذنوب، لأنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب؛ ولأنه من خصال اليهود، كما قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:54] وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة:109] .
ولأن الحسد حقيقته عدم الرضا بقدر الله عز وجل، فالذي أنعم على هذا العبد بهذه النعمة هو الله، فإذا كرهت هذه النعمة فإنك لم ترض بقضاء الله عز وجل، ولأن الحسد يأكل القلب أكلاً، ويورث الحسرة والندامة، وكلما ازدادت نعم الله على عباده ازداد الإنسان تحسراً بهذه النعمة.
ويرى أنه في مقامٍ لا يمكنه معه أن يدرك المنزلة التي حازها هذا المحسود فيستحسر ويقول: أنا لن أصل إلى هذا، وحينئذٍ يتأخر كثيراً عما أنعم الله على عباده.
ولأن الحسد يوقع الإنسان في همٍ وغمٍ دائماً، لأن نعم الله على عباده لا تحصى، أفكلما أنعم الله على عبده تزداد هماً وغماً؟!! إنك إن فعلت ذلك فقد قتلت نفسك.
وبناءً على هذا يجب على طالب العلم أولاً وعلى غيره من المسلمين ثانياً أن يتجنب الحسد، لا في قلبه، ولا في مقاله، ولا في أفعاله: أما القلب: فحسده ما يقوم به من كراهة نعمة الله على العبد وتمنيه زوالها.
وأما القول: فأن يخوض في عرض أخيه المحسود، ويستر كل نعمة أنعم الله بها عليه، فتجده مثلاً: عند ضغط الناس الجماعي عليه وعدم قبولهم منه ما يقوله في هذا المحسود، تجده يثني على المحسود ويقول: هو الرجل الكريم، الشجاع، العالم، العابد، وما أشبه ذلك، ثم يقول: ولكن كذا وكذا، وهذا يقع كثيراً فيأتي بمثلبة واحدة من مثالبه مقابل عدة مناقب لهذا، حتى ينزل من قدره، هذا عدوان بالقول على المحسود.
العدوان بالفعل على المحسود: أن يحاول عدم نشر كتبه، عدم نشر أشرطته، فلا يدل عليها في المكاتب، ولا في التسجيلات، وربما يُسأل: أفي المكتبة الفلانية كتاب فلان؟ أفي التسجيلات الفلانية أشرطة فلان؟ فيقول: لا، وهو يدري أنها موجودة، لكن حسداً يحسده، وهذا لا شك أنه من العدوان في حق أخيه ولهذا جاء في الحديث: (إذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ) يعني: إذا وقع في قلبك حسد إنسان فلا تبغ عليه بكتم محاسنه والعدوان عليه.
فالحاصل: أن العدوان والبغي من الحاسد يزيده؛ أي: يزيد حسده إثماً ووبالاً، إذا عرفنا ذلك فإنه ينبغي لطالب العلم إذا احتاج أخوه إلى شيء من الكتب، أو المذكرات، أو الأشرطة أن يساعده في تحصيلها ما دامت عنده، ولا يستجيب لداعي الشيطان الذي يقول له: إنك إن ساعدته غلبك وتقدم عليك، فاحرص على ألا تساعده، فإن هذا من وحي الشيطان، وهو من أسباب تأخر هذا الإنسان الحاسد؛ لأن (الله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) فساعده (فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) .(165/2)
اهتمام طالب العلم بافشاء السلام
ومن المهم لطالب العلم أن يعتني بإفشاء السلام، وهذه الخصلة مع الأسف الشديد مفقودة عند كثيرٍ من طلاب العلم، فتجده يمر بأخٍ من زملائه أو غيرهم فلا يسلم، وهذه آفة عظيمة؛ لأن السلام شعار اللقاء بين المسلمين، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا لقيته فسلم عليه) وقال صلى الله عليه وسلم: (والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) .
والعجب أنه لا يخفى على طلاب العلم أن إفشاء السلام من السنة، وأن فيه أجراً إذا قلت: السلام عليكم، فعشر حسنات، ورحمة الله عشرون، وبركاته ثلاثون، ومع ذلك نرى كثيراً من طلبة العلم يتلاقون فلا يسلم بعضهم على بعض، سواءٌ كان أصغر منه أو أكبر منه، وهذه آفة يجب على طلبة العلم أن يقضوا عليها، وليعلم طالب العلم أن الناس ينظرون إليه نظرة تقليد، ونظرة عتاب، أما نظرة التقليد: فإنهم يقلدون طالب العلم فيما يقول ويفعل ويترك.
وأما العتاب: فإنهم يعتبون على طالب العلم إذا ترك ما ينبغي فعله، أو فعل ما ينبغي تركه، وربما تكون الحسنة من طالب العلم حسنات؛ لأن الناس يعظمونه بها، ويتخذونه إماماً، وربما تكون السيئة سيئات؛ لأن الناس يعتبون عليه، وينفرون منه، ويحرم من فائدة العلم.
فعليك يا أخي طالب العلم! أن تتقي الله عز وجل، وأن تتأدب بآداب العلم، وأن تحرص على نشر العلم ما استطعت، وأن تدعو إلى الله على بصيرة، والله يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى إنه على كل شيء قدير.(165/3)
الأسئلة(165/4)
وجه إثبات صفة الكلام لله من البسملة
السؤال
فضيلة الشيخ! ذكر بعض أهل العلم إثبات صفة الكلام لله من البسملة فما وجه ذلك؟
الجواب
لأن بسم الله الرحمن الرحيم من كلام الله عز وجل، فإنها آية من كتاب الله، وكتاب الله عز وجل كله كلام الله، لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] ومن المعلوم أن المراد بالآية: حتى يسمع كلام الله من قارئه، إذ من المستحيل أن يكون المراد: يسمع كلام الله من المتكلم به وهو الله عز وجل.(165/5)
شروط المضاربة بالأموال
السؤال
ما هي شروط المضاربة بالأموال؟
الجواب
شروط المضاربة بالأموال: أن يكون رأس المال معلوماً، وأن يكون من النقدين المضروبين، يعني: من الدراهم والدنانير، أو أوراق العملة، وذلك لأنه لو كان سلعة فإن السلعة تختلف أقيامها، قد تكون حين العقد بألف، وحين التصفية بألفين أو بخمسمائة، فلذلك منع الفقهاء رحمهم الله أن يكون رأس المال من غير النقدين، وبناءً على كلامهم: لو أعطيت شخصاً سيارات قلت: هذه مضاربة، فإنه لا يصلح؛ لأن السيارات ربما يكون ثمنها حين العقد مائة ألف، وحين التصفية ثمانين ألف أو مائتي ألف.
وقال بعض أهل العلم: إنه يجوز أن يكون رأس مال المضاربة من غير النقدين لكن بشرط أن تقدر قيمته وقت العقد، حتى يعرف الربح من الخسارة عند تمام المضاربة، وهذا القول هو الراجح، وهو الذي عليه العمل الآن، فإن الناس يعطون أراضي مضاربة، ويعطون سيارات مضاربة، لكن لابد كما سمعت من تقدير القيمة وقت العقد.
الشرط الثالث: أن يكون نصيب العامل جزءاً مشاعاً من الربح، بمعنى: أن تجعل للعامل إذا أعطيته مائة ألف يتجر بها أن تجعل له من الربح الثلث، الربع، النصف، الذي ستتفقان عليه، فإن جعلت له شيئاً معلوماً بأن قلت: خذ هذا المال اتجر به ولك مائة ريال، فإن هذا لا يصلح؛ وذلك لأنه قد لا يربح شيئاً، وقد يربح أكثر من مائة ريال بكثير، فلابد أن يكون سهمه جزءاً مشاعاً.
لا بد أيضاً أن يكون معلوماً، فلا يصح أن تقول: خذ هذا المال اتجر به ولك بعض ربحه، بل لابد أن تقول: ولك نصف الربح، ربعه، ثمنه، عشره، وما أشبه ذلك.
وبناءً عليه لو قلت: خذ هذا المال اتجر به في السيارات وفي الأواني وفي الأقمشة ولك ربح الأقمشة، ولي ربح السيارات والأواني، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه قد يكون الربح في هذا دون هذا، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم في المزارعة؛ أن يزارع الشخص إنساناً فيقول: لك زرع شرق الأرض ولي زرع غربها، أو لك زرع الشعير ولي زرع البر وما أشبه ذلك، هذه من شروط المضاربة.
كذلك أيضاً: لو خسرت التجارة فالخسارة على رأس المال، وليس على العامل شيء، فلو أعطاه مائة ألف لمضاربةٍ ثم خسرت حتى عادت تسعين ألفاً؛ فإنه لا يجوز لرب المال أن يحمل العامل شيئاً؛ وذلك لأن الخسارة تكون على رأس المال وليس على العامل منها شيء.(165/6)
حكم الجمع بين الصلاة والسلام في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
فضيلة الشيخ! في الصلاة على نبينا هل يجب أن نجمع بين الصلاة والسلام أم تترك كل واحدة على حدة، مثلاً في صلاة التشهد نقول: اللهم صل على محمد، وما قلنا: اللهم صل وسلم، وكذلك في الحديث: (ومن صلى علي) ما قال: من صلى وسلم؟
الجواب
لا يجب الجمع في الصلاة على النبي بين الصلاة والتسليم، بل للإنسان أن يفرد هذا دون هذا، ولهذا لما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم التشهد ذكر السلام ولم يذكر الصلاة، لكن الجمع بينهما أفضل لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] أما الوجوب فلا يجب.(165/7)
النهي عن إطلاق: (ملائكة الرحمة) على الممرضات
السؤال
فضيلة الشيخ! جريدة الرياض في أحد الأعداد السابقة القريبة كتبت في عنوان كبير: ملائكة الرحمة يفقدن الحنان، وتقصد بها الممرضات، فما قولكم في ذلك؟
الجواب
قولي في هذا: أن مثل هذه العبارة محرمة، وليست النساء ملائكة إلا في قول المشركين الذين جعلوا الملائكة بنات الله، والممرضات فيهن الخير والشر كغيرهن من العاملات والعاملين، ولا يجوز أبداً أن نقول: إن الممرضات ملائكة الرحمة، ولا أن الممرضين ملائكة الرحمة.
الملائكة عالم غيبي لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، أو من أطلعه الله عليه، لكن أنت تعرف أن الصحفيين -نسأل الله لنا ولهم الهداية- عندهم جهلٌ كثير، يطلقون كلمات لا يعرفون معناها، أو يغفلون عنها، كما نرى في بعض الصحف يقولون: فلان حمل إلى مثواه الأخير يعني: إذا مات، وهذه الكلمة على إطلاقها تتضمن إنكار البعث؛ لأنك إذا جعلت القبر هو المثوى الأخير، فيعني هذا أنه لا مثوى بعده، ومن المعلوم أن الناس سيبعثون بعد ذلك وأنهم يرجعون إلى المثوى الأخير حقيقة وهو الجنة أو النار، ولهذا سمى الله تبارك وتعالى القبور سماها محل زيارة، فقال جل وعلا: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] .(165/8)
عدم جواز الدعاء على رجل بسوء الخاتمة
السؤال
هل الدعاء على رجل بسوء الخاتمة كفر؟
الجواب
لو دعوت على شخص بسوء الخاتمة فإن الداعي لا يكفر، ولكن لا يجوز للإنسان أن يدعو على أخيه المسلم بهذا الدعاء الشنيع بسوء الخاتمة؛ لأن سوء الخاتمة -والعياذ بالله- يعني: أن يموت على غير الإسلام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع -يعني: حتى يقرب أجله- فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) .(165/9)
حكم زيارة النساء للقبور
السؤال
فضيلة الشيخ: عندما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور) هل قصده بذلك: الزوارات كثيرة الزيارة، أم أنه يجوز الزيارة على فترات متباعدة؟
الجواب
الحديث روي على وجهين: الوجه الأول: (لعن الله زائرات القبور) .
والوجه الثاني: (لعن الله زوارات القبور) وكلاهما له معنىً صحيح.
أما زائرات القبور فهو باعتبار كل امرأة على حده، وزوارات يعني: الجنس، ومعلوم أن الجنس إذا رجعنا إلى أفعالهن صار كثيراً.
والصواب الذي لا شك فيه: أن زائرة القبور ملعونة بهذا الحديث؛ لأن الحديث صحيح، احتج به كثيرٌ من العلماء، وتكلم عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى بكلامٍ جيد ينبغي لطالب العلم مراجعته، وما جاء في حديث عائشة: (أن الرسول عليه الصلاة والسلام علمها ما تقول.
) فالمراد إذا خرجت المرأة لغير قصد الزيارة، ولكن إذا مرت بالمقبرة وقفت ودعت لهم بالدعاء المأثور، فهذه لا تعد زائرة؛ لأن الزائر هو الذي يمشي من بيته أو من مقره إلى المزور.
ويبقى النظر في زيارة النساء قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هل يدخل في هذا أو لا؟ من العلماء من قال: إنه يدخل؛ لأن ذلك يسمى زيارةً عرفاً.
ومنهم من قال: لا يدخل؛ لأن الواقف خارج الحجرة بينه وبين القبر بناء، ثلاثة جدران، فلا يمكن أن يقال: إنه زاره، ولهذا لو نظرت بالمقبرة المحوطة بالجدار، فإنه لا يقال: إنك زرت المقبرة؛ لأن بينك وبينها جدار.
فلا يسمى وقوف المرأة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم زيارة قبر، ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله: تسن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى للنساء، لكن الاحتياط ألا تزور المرأة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويكفيها أن تسلم عليه ولو كانت في أقصى الدنيا؛ لأن سلام الإنسان على الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغه حيثما كان.(165/10)
حكم الشهادة على الكافر أنه من أهل النار
السؤال
فضيلة الشيخ: ذكرتم أن من مات على الكفر ولم يقل يوماً من الأيام: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ أنه كافر، لكن لا نشهد له بأنه مخلد في النار، وهذا يشكل علينا؟
الجواب
لا يشكل عليك بارك الله فيك! سألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان؛ وكان يطعم الطعام ويقري الضيف، ويفعل ويفعل من الحسنات، هل ينفعه ذلك في الآخرة؟ فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنه لا ينفعه.
وكذلك الرجلان اللذان جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبراه: أن أمهما كانت تصل الرحم، وتقري الضيف، وتفعل وتفعل، أينفعها ذلك؟ قال: لا.
فالإحسان لا ينفع الكافر في الآخرة، بل إذا شاء الله عز وجل أن ينفعه بإحسانه آتاه ثوابه في الدنيا، أما في الآخرة فما للكافرين فيها من نصيب.
أما الشهادة بالكفر ففي الدنيا نشهد على أن هذا الرجل الكافر الذي يعلن الكفر ويعتز به نشهد أنه كافر، ونشهد أنه مات على الكفر ما لم يظهر لنا أنه تاب، لكن النار لا نشهد بها له؛ لأن هذا عمل غيبي، قد يكون في آخر لحظة آمن، ما ندري، ولكن هل إذا لم نشهد له هل ينفعه ذلك ويمنعه من النار؟ لا ينفعه، هو إذا كان في النار فهو في النار سواء شهدنا أم لم نشهد، إذاً لا فائدة من أن نقول: هو في النار أو ليس في النار، إنما أحكام الدنيا نحكم بأنه كافر حتى لو قيل: إنه يحسن، وإنه يفعل ويفعل، فهذا لا ينفعه، لاسيما إذا كان يفعل باسم دين غير دين الإسلام، فتجده مثلاً: يحسن على الناس والصليب معلق في صدره، وما معنى هذا؟ هل هو يحسن من أجل أن يدعو الناس إلى النصرانية ويقول: هذا فعل النصارى، أو يحسن لله؟ ظاهر الحال الأول، وأنه في إحسانه هذا إنما يقصد تأليه النصارى، فالحمد لله نحن إذا قلنا: إنه مات على الكفر لا نترحم عليه ولا نسأل الله له المغفرة، يكفي، أما أن نقول: إنه في النار أو في غير النار، فلا، ولهذا كان من طريق أهل السنة والجماعة: أنهم لا يشهدون لمعينٍ بجنة ولا نار إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم.
الآن مثلاً: نحن نشهد بأن كل مؤمن في الجنة أليس كذلك؟ بلى، لكن هل يمكن أن نشهد لفلان الذي مات على الإسلام نعرف أنه مات ربما وهو يصلي، هل نقول: هو في الجنة؟ لا، لكن نرجو أن يكون من أهل الجنة.
لكن إنساناً مات على الكفر، نشهد أنه كافر، لكن ما نشهد أنه في النار، وماذا تفيد شهادتنا أو عدم شهادتنا له، هو إن كان في النار فهو في النار سواء شهدنا أم لم نشهد.
السائل: إذا سبق الشهادة لله لهذا الرجل الذي مات على الكفر، فهل معنى ذلك أن يتوب إلى الله ويستغفر لله.
الشيخ: ربما في آخر لحظة ما نعرف، ما نعرف على كل حال: ما الفائدة الآن يعني: لماذا نلح أن نقول: هذا الرجل في النار، ليس له داعٍ.
السائل: يا شيخ! ما ورد أثر أنه إذا مررتم على قبر الكافر؟ الجواب: هذا خاص بأهل الفترة من قريش؛ لأن أهل الفترة من قريش وإن كانوا قد يكون ما أنذر آباؤهم من قبل كما قال تعالى: {مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} [القصص:46] لكن الرسول شهد بأنهم من أهل النار.(165/11)
حكم إلقاء السلام على العاصي المجاهر بمعصيته
السؤال
فضيلة الشيخ: احتار كثير من المسلمين في مسألة إلقاء السلام من عدمه على العاصي المجاهر حال عصيانه كشرب الدخان، هل من قاعدة تبين هذه المسألة وأمثالها أفتونا مأجورين؟
الجواب
نعم القاعدة: أولاً: الفسوق لا يخرج الإنسان من الإيمان، ولا يجوز هجر المؤمن أكثر من ثلاثة أيام، لكن إذا كان الهجر دواءً له، بمعنى: أنه إذا رأى أن فلاناً هجره أو أن الناس هجروه، استقام وصلحت حاله فحينئذٍ يكون الهجر محموداً.
الهجر قد يكون مستحباً وقد يكون واجباً بحسب ما يترتب عليه، ولهذا هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه، وأمر الناس بهجرهم لتخلفهم عن غزوة تبوك، لكن هذا الهجر نفع أم لم ينفع؟ نفع؛ لأنه زادهم لجوءاً إلى الله عز وجل وقوة إيمان، ولا يخفى علينا ما جرى من المحنة على كعب بن مالك -رضي الله عنه- حيث أتاه كتاب من ملك غسان وقال: بلغنا أن صاحبك قد قلاك، فأتنا نواسك، كأنه يشير إلى أنه إذا أتى إليه جعله من ملوك غسان، فماذا صنع؟ ما ازداد بهذا إلا إيماناً، ذهب بالورقة وأحرقها، خوفاً من أن تسول له نفسه في المستقبل أن يذهب إلى هذا الملك، وفي النهاية أنزل الله تعالى في قصتهم كتاباً يتقرب إلى الله تعالى بقراءته، ويقرأ في الصلاة: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة:118] إلى آخره.
فالمهم يا أخي! أن الهجر إذا كان فيه مصلحة بالنسبة للفاسق فاهجره، وإلا لا تهجره، لو مررت بشخصٍ يشرب الدخان والدخان معصية وحرام والإصرار عليه ينزل صاحبه من مرتبة العدالة إلى مرتبة الفسوق، سلم عليه، إذا رأيت أن هجره لا يفيد، سلم عليه ربما إذا سلمت عليه ووقفت معه وحدثته: بأن هذا حرام، وأنه لا يليق بك، ربما يمتثل ويطفئ السيجارة ولا يعود، لكن لو أنك لم تسلم عليه كبر ذلك في نفسه وكرهك وكره ما تأتي به من نصيحة.
حتى لو أصر على المعصية سلم عليه وانصحه.(165/12)
حكم إتمام الصلاة في مواضع القصر في السفر
السؤال
أتينا من الطائف وقد أدينا صلاة الظهر والعصر أربعاً قبل دخول المنطقة بعشرين كيلو، وقد أفتانا بذلك رجل كان معنا فما حكم صلاتنا؟
الجواب
مصيبتنا في هذا الوقت أن يفتي الإنسان بما لا يعلم، فيلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به، والمسافر لا ينقطع سفره إلا بوصوله إلى البلد حقيقة بأن يدخل البلد، ولهذا قصر علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مرجعه من سفر وهو يرى الكوفة، والكوفة مقر سكناه -رضي الله عنه- كما نعلم نحن أنه قتل في الكوفة، فقصر وهو يرى الكوفة، فقيل له: يا أمير المؤمنين! هذه الكوفة، قال: إنا لم ندخلها بعد، أو كلمة نحوها، فالإنسان لو كان بينه وبين بلده مسافة عشرين متراً لكن لم يدخل البلد فله أن يترخص برخص السفر.
والذي أفتاكم وصيتي له عند طريقك أن تنصحه وتقول: يا أخي! لا تتسرع في الفتوى، الفتوى خطيرة؛ لأن الفتوى إخبار المرء عن الله بأن هذا حكم الله، ولهذا نعتبر الفتوى من أخطر ما يكون، والإنسان الورع يقول: لولا أني أرى أن الفتوى تلزمني ما أفتيت؛ لأن المسألة خطيرة وليست هينة، الفتوى ليست سلعة يتجر بها الإنسان أمام الناس حتى يروه ويعظموه، الفتوى خبرٌ عن الله بأن هذا شرعه، وهذه مسئولية كبيرة، ولهذا كان السلف الصالح رضي الله عنهم وألحقنا بهم، كانوا يتدافعون الفتوى، اذهب إلى فلان، اذهب إلى فلان، حتى تصل إلى الأول، كل هذا من التورع، فانصحه جزاك الله خيراً عني بألا يتسرع.
أما صلاتكم إياها أربعاً فأرجو ألا يكون في ذلك بأس؛ لأن الإتمام في مواضع القصر لا يبطل الصلاة.(165/13)
نصيحة لطالب العلم المبتدئ
السؤال
فضيلة الشيخ! بماذا تنصح طالب العلم المبتدئ؟
الجواب
أنصح طالب العلم المبتدئ أن يلزم شيخاً معيناً ممن يثق بعلمه وأمانته، وألا يشتت ذهنه بين فلانٍ وفلان، فما دام مقتنعاً بأن هذا الشيخ عنده من العلم والأمانة والثقة ما يعتمد عليه فليلزمه، وإذا قدر أنه لم يكن عند الشيخ علمٌ مما يحتاجه الطالب، فليطلب شيخاً آخر يدرسه في هذا العلم فقط، مثال ذلك: إذا لزمت شخصاً في علم العقيدة في علم الفقه لكن ليس عنده علم في النحو فتذهب إلى شيخٍ آخر لا تقرأ عنده علم العقيدة والفقه اقرأ عنده علم النحو، لأنك ربما يتصادم قول هذا الشيخ والشيخ الآخر فيبقى الطالب في حيرة، ويتشتت ذهنه، هذه نصيحة.
النصيحة الثانية: أن يبدأ بصغار العلم قبل كباره، فيبدأ بالكتب المختصرة الواضحة قبل أن يرتقي إلى الكتب التي فوقها، فإذا قدرنا أنه يريد القراءة في الفقه يقرأ كتب مختصرة في الفقه: كـ زاد المستقنع مثلاً، ولا يقرأ ما فوقه من الكتب الكبيرة؛ لأن ذلك يضيعه، كالرجل الذي يتعلم السباحة من جديد، هل يذهب إلى العميق من الماء أو لا؟ لا، يبدأ بالضحن شيئاً فشيئاً حتى يتعلم.
ثالثاً: أن يحرص على أن يطبق كل ما علمه، علم أن الصلاة واجبة يصلي، علم أن بر الوالدين واجب يبر الوالدين، علم أن إلقاء السلام سنة يلقي السلام، علم أن معونة الإنسان في دابته يحمله عليها، أو يعينه على حمل المتاع علم أنه خير فيفعل؛ لأن الإنسان إذا طبق العلم ورثه الله تعالى علم ما لم يكن يعلمه من قبل، ولا طريق أفضل في كسب العلم من العمل به، واقرأ قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] لما اهتدوا بالعلم زادهم الله علماً وزادهم تقوىً، وهذه تعوز كثيراً من طلاب العلم، كثيراً من طلاب العلم أخذوا العلم نظرياً لا عملياً، فتجد عنده من قوة الحفظ والذاكرة والمجادلة والمناظرة شيئاً كثيراً لكنه في العمل مفرط، وهذا خطر عظيم؛ لأن الإنسان إذا لم يعمل بالعلم فعلمه وبال عليه لا شك، لكن ربما ينزع منه، كما قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] ولهذا قيل:
العلم يهتف بالعمل فإن أجاب وإلا ارتحل
يهتف بمعنى: ينادي، ينادي العمل، إن أجاب وإلا ارتحل العلم.
رابعاً: أن يكون مكباً على العلم، لا يمل ولا يكل ولا يتعب، وإذا تعب استراح بقدر ما يعود إليه نشاطه؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما وهو الذي دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفقهه الله في الدين ويعلمه التأويل كان يتابع الناس حتى قيل: إنه يأتي في القائلة والذي يطلب منه العلم قد نام، فيتوسد رداءه وينام عند عتبة بابه ولا يوقظه، فإذا استيقظ طلب منه الحديث، فيقول له: ابن عم رسول الله تبقى عند بابي؟ قال: [إني صاحب الحاجة ولا أوقظك من منامك] ، وقيل له: بم أدركت العلم؟ قال: [أدركت العلم بلسانٍ سئول، وقلب عقول، وبدنٍ غير ملول] ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) المثابرة هذه مهمة.
بعض الطلبة يكون مثل البقرة تركض بسرعة بسرعة لكن سرعان ما تعجز وتقف، بعض الطلبة ينشط أول الأمر ويتعب، فإذا به يتراجع.
فمن الأمور المهمة: أن يكون الإنسان صبوراً في طلب العلم مثابراً.(165/14)
حكم جلسة الاستراحة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل جلسة الاستراحة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة؟
الجواب
ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام: (أنه إذا كان في وترٍ من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً) الوتر من صلاته: الركعة الأولى، والركعة الثالثة، لم ينهض حتى يستوي قاعداً ويستقر، روى ذلك عنه مالك بن الحويرث، وكان مالك ممن قدم مع الوفود في السنة التاسعة من الهجرة، وفي تلك السنة -والله أعلم- قد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الضعف، فكان يجلس لأجل أن ينهض، ولهذا كان في نفس الحديث أنه كان يتكئ على يديه، مما يدل على أنه محتاجٌ إليه، والعلماء اختلفوا فيه على أقوالٍ ثلاثة: القول الأول: أنها سنة في حق القوي والضعيف؛ لأن هذا آخر الأمرين من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والقول الثاني: أنها ليست بسنة لا للقوي ولا للضعيف، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعلها للراحة فقط.
والقول الثالث: الوسط، نقول: من كان يستطيع أن ينهض بدونها فهو الأفضل، ومن لا يستطيع إما لكبر أو ضعف أو مرض أو غير ذلك فليرح نفسه؛ لأن الإنسان مأمور بالراحة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ عبد الله بن عمرو بن العاص لما قال: أقوم الليل كله، قال: ثم نم.
فالله عز وجل يأجر الإنسان على طلب راحة بدنه، يعني: كونك تطلب راحة البدن أنت مأمور بهذا ولك أجر، فإذا كان الإنسان محتاجاً إليها لمرض أو كبر أو غير ذلك فإنه يجلس، لكن ليس كالجلسة التي كوقوع الطير على الغصن؛ ينهض سريعاً، إنما جلسة يستريح فيها بعض الشيء، ثم ينهض، هذا حكم الجلسة من حيث هي.
أما بالنسبة للمأموم، فالمأموم تابعٌ لإمامه إن جلس فالسنة أن يجلس، وإن لم يجلس فالسنة ألا يجلس، حتى وإن كان المأموم يرى أن الجلسة سنة فإن الإمام إذا كان لا يجلس فلا يجلس المأموم؛ تحقيقاً للمتابعة، ولهذا أمر المأموم أن يترك التشهد الأول وهو واجب إذا نسيه الإمام.
والقول الصحيح هو التفصيل في هذا: أن من احتاجها وصار يشق عليه أن يقوم من السجود إلى القيام فهنا ينبغي أن يريح نفسه، ومن لا فالأفضل أن ينهض بنشاط.
وإلى هنا انتهى هذا اللقاء، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(165/15)
لقاء الباب المفتوح [166]
يقسم الله سبحانه في أول سورة النجم بمخلوق من مخلوقاته على أن رسول الله صاحب قريش ما كان به ضلال ولا هوى ولا جهل، وإنما ينطق عن حق وعدل وعلم أوحاه الله إليه بواسطة جبريل صاحب القوة المعطاة من رب العزة والجلال.
هذا ما تناوله اللقاء ثم أردف ذلك بالإجابة عن الأسئلة.(166/1)
تفسير آيات من سورة النجم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والستون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تسمى اللقاء المفتوح، التي تتم في كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الرابع والعشرون من شهر جمادى الأولى عام (1418هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدنا أن نبدأ به لقاءاتنا وهو تفسيرٌ يسير مما تيسر من كتاب الله عز وجل.
يقول الله تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالنجم إِذَا هَوَى} [النجم:1] .
البسملة آية مستقلة من كتاب الله تعالى، ليست تبعاً للسورة التي قبلها ولا التي بعدها، لكنها آية مستقلة، ولهذا لا تحسب من آيات السور، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ، وفي لفظٍ: (بأم القرآن) ورأينا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجهر بالبسملة حين يقرأ فاتحة الكتاب، وهذا يدل على أنها ليست منها؛ لأنها لو كانت منها لجهر بها كما يجهر ببقية الآيات، ثم إنه قد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الفاتحة:2] قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال الله تعالى: أنثى عليَّ عبدي، وإذا قال: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال الله تعالى: مجدني عبدي، وإذا قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال الله: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) وهذا يدل على أن البسملة ليست آية من الفاتحة، ولهذا لو قرأ الإنسان الفاتحة دون أن يقرأ البسملة فصلاته صحيحة؛ لأنها ليست منها، وعليه فإذا أورد علينا مُورِد سؤالاً: أليست البسملة في الفاتحة قد كتبت آية وكان رقمها واحداً؟ قلنا: بلى، ولكن هذا بناءً على قول آخر في المسألة وهو قولٌ ضعيف، فإذا قال: إذاً: تكون الفاتحة ست آيات إذا لم نعد منها البسملة؟ قلنا: ليس كذلك، بل هي سبع آياتٍ بدونها، فلنقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هذه الأولى، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} الثانية، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} الثالثة، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} الرابعة، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} الخامسة، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} السادسة، {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} السابعة، وبهذا تتناسب آيات الفاتحة لفظاً ومعنىً: أما لفظاً: فإنك إذا عددت ثلاث آيات من أولها والرابعة والخامسة وجدت أنها متقاربة في الكلمات، لكن لو جعلت: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} آية واحدة لم تكن الآيات متناسقة، بل كانت هذه الآية الطويلة بالنسبة لما قبلها، فإذا قسمناها إلى آيتين تساوت في الآيات أو تقاربت جداً.
أما من حيث المعنى فنقول: آيات الفاتحة سبع، ثلاثٌ لله وثلاث للعبد، وواحدة بينهما، الثلاث الآيات التي لله، هي: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:2-4] ، والآيات الثلاث التي للعبد: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6-7] والآية التي بينهما هي الآية الوسطى من هذه السبع وهي: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وبهذا يتبين أنه يتعين أن تكون البسملة خارج عداد الفاتحة، وكذلك بقية السور.
فإن قال قائل: لماذا لم تكتب البسملة بين الأنفال وبراءة؟ قلنا: لأنها لم تنزل بينهما بسملة، ولو نزلت لكانت محفوظة ولكتبها الصحابة رضي الله عنهم.
فإن قال قائل: إذاً: لماذا يفصل بينهما؟ قلنا: لأن الصحابة رضي الله عنهما ترددوا، هل سورة البراءة بقية سورة الأنفال، أم هي سورة مستقلة؟ فلهذا جعلوا فاصلة ولم يجعلوا بسملة؛ لأنها لم تنزل البسملة بينها وبين سورة الأنفال.(166/2)
تفسير قوله تعالى: (والنجم إذا هوى)
هنا نعود إلى الدرس قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {وَالنجم إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:1-2] (النجم) اسم جنس يراد به جميع النجوم، وقوله: (إذا هوى) له معنيان: المعنى الأول: إذا غاب، والمعنى الثاني: إذا هوى أي: إذا سقط منه شهابٌ على الشياطين التي تسترق السمع: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} هذا جواب القسم: {وَالنجم إِذَا هَوَى} المقسم به، جواب القسم يعني: المقسم عليه: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (ما ضل) : أي: ما جهل، (وما غوى) أي: ما عاند؛ لأن مخالفة الحق إما أن تكون على جهل، وإما أن تكون عن غي، قال الله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة:256] فإذا انتفى عن النبي صلى الله عليه وسلم الجهل وانتفى عنه الغي تبين أن منهجه صلى الله عليه وسلم علم ورشد؛ علم: ضد الجهل الذي هو الضلال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} ، ورشد: ضد الغي: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة:256] إذاً النبي عليه الصلاة والسلام كلامه حق، وشريعته حق؛ لأنها عن علمٍ ورشد، وقوله: (ما ضل صاحبكم) يخاطب قريشاً، جاء بهذا الوصف إشارة إلى أنهم يعرفونه، يعرفون نسبه، يعرفون صدقه، يعرفون أمانته، ليس شخصاً غريباً عنهم حتى يقولوا: لا نؤمن به؛ لأننا لا نعرفه، بل هو صاحبهم الذي نشأ فيهم، هذا أمر.
ثانياً: أنه إذا كان صاحبهم فإن مقتضى الصحبة أن يصدقوه وينصروه، لا أن يكونوا أعداءً له، ففي قوله: (صاحبكم) -إذاً- فائدتان: الفائدة الأولى: أنه صاحبهم الذي يعرفونه، ليس مجهولاً بينهم، وليس غريباً عليهم، فكيف بالأمس يصفونه بالأمين والآن يصفونه بالكاذب الخائن؟!! الفائدة الثانية: أنه مقتضى الصحبة أن يصدقوه وأن ينصروه، لا أن يكونوا ضده، يعني: هو لم يقل: ما ضل رسول الله، ولا قال: ما ضل محمد، وإنما قال: (ما ضل صاحبكم) فالفائدة من هذا هو ما ذكرنا لكم: أن مقتضى الصحبة أن يكونوا عارفين به، ومقتضى الصحبة أن يكونوا مناصرين له.(166/3)
تفسير قوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى)
قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:3] أي: ما يتكلم بشيءٍ صادرٍ عن الهوى بأي حالٍ من الأحوال، فما حكم بشيء من أجل الهوى، ولكنه ينطق بما أوحي إليه من القرآن، وما أوحي إليه من السنة، وما اجتهد به صلى الله عليه وسلم اجتهاداً يريد به المصلحة، فنطقه عليه الصلاة والسلام ثلاثة أقسام: الأول: أن ينطق بالقرآن.
الثاني: أن ينطق بالسنة الموحاة إليه، التي أقرها الله تعالى على لسانه.
الثالث: أن ينطق باجتهاد لا يريد به إلا المصلحة.
نحن ننطق عما نريد به المصلحة، وننطق عن الهوى، هل كل إنسان منا سالمٌ من الهوى؟ لا، يميل مع صاحبه، يميل مع قريبه، يميل مع الغني، يميل مع الفقير، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يتكلم عن الهوى.
إذاً (ما ينطق) ثلاثة أقسام: ينطق بالوحي، أو السنة بما يوحى إليه، أو باجتهادٍ منه، يعني: لا يمكن أن ينطق عن الهوى، لمجرد الهوى، وإذا كان لا يمكن أن ينطق عن الهوى صار لا ينطق إلا بحق؛ إن كان بالقرآن فالقرآن، أو من السنة الموحاة فمن السنة، أو من السنة الاجتهادية فهو على كل حال مأجور.(166/4)
تفسير قوله تعالى: (إن هو إلا وحي يوحى)
قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4] يعني: ما القرآن الكريم إلا وحي يوحى، أو وحي من الله عز وجل، من الواسطة بين الله وبين الرسول؟ {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} أي: علم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوحي (شديد القوى) أي: ذي القوة الشديدة، وهو جبريل عليه السلام، كما قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير:19-20] فجبريل عليه السلام قوي شديد أمين كريم، لا يمكن أبداً أن يفرط بهذا الوحي الذي نقله إلى محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء:193-194] .
{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:5] (شديد القوى) معناه: ذو القوى الشديدة، فهو من إضافة الصفة إلى موصوفها.(166/5)
الأسئلة(166/6)
ضابط صلة الرجل لأرحامه وزيارة المرأة لأهلها
السؤال
كيف تكون صلة الأرحام وربما يتضايقون من كثرة الزيارة، وكيف تكون زيارة البنت المتزوجة لأهلها؟ هل هو على حريتها بحجة صلة أهلها وأرحامها مع كثرتهم، مع أن الزوج له ظروفه الخاصة من أبنائه، وخدمة والديه، وأعمال وارتباطات، وكيف يكون التوفيق بين أرحام الزوج والزوجة مع كثرتهم وتباعدهم؟
الجواب
أما الفقرة الأولى من السؤال: فهو أن صلة الأرحام لم يبينها الله عز وجل، ولم تبينها السنة، لكن يرجع فيها إلى ما يتعارفه الناس، وهي تختلف باختلاف القربى، وباختلاف الزمان، وباختلاف المكان: كونها تختلف باختلاف ذي القربى: ليست صلتك لأخيك الشقيق كصلتك لأخيك من أمك، أيهما أوكد؟ الأول الشقيق، وليست صلتك لعم أبيك كصلتك لعمك، كلما كان منك أقرب فهو أولى بالصلة، هذا باعتبار القربى.
باعتبار الزمان: قد يكون الزمان زمان رخاء وغنى وكل إنسان غني عن أخيه بما عنده، وقد يكون الزمان زمان فقر وحاجة، فهل صلتك للرحم في حال الغنى كصلتك للرحم في حال الفقر؟ لا، ولهذا ربما يكون لك أخوان أحدهما غني لا يحتاج إلى شيء، والثاني فقير، يجب أن تصل الفقير بالمال أكثر مما تصل الغني، إذاً هذا باختلاف الزمان والأحوال.
ثالثاً بحسب المكان: صلتك للإنسان البعيد ليست كصلتك للإنسان القريب الذي عندك في البلد؛ الذي في البلد ربما نقول: يجب أن تزوره مثلاً كل أسبوع، كل نصف شهر، لكن البعيد لا يجب عليك هذا، إنما وسائل الاتصال في الوقت الحاضر والحمد لله أغنت عن كثيرٍ من التعب، إذ بالإمكان أن تصل البعيد عن طريق الهاتف، كل أسبوع مرة، أو كل أسبوعين مرة، أو كل شهر مرة، والناس الآن -والحمد لله- يعلمون هذا، يعني: ليس الواحد منا يريد أن يزوره قريبه كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر، لا، متى عرف أنه بخير ولا حاجة عليه فإنه يتصل.
أما إذا كان يعرف أن أقاربه يسئمون منه من كثرة ترداده فإن المقصود بالصلة هي الإحسان، وتقارب القلوب والائتلاف، فإذا علمت أنهم يسئمون من ترددك، ويكرهونك، ولا يزيدك منهم إلا بعداً، فلا تكثر الترداد، المقصود أن تكون مطمئناً على صحتهم وعلى حاجتهم، وهذا كفاية.
أما بالنسبة للزوج مع زوجته، فإن الواجب أن يعاشرها بالمعروف، كما قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] فما جرى عرف الناس عليه فإنه يجب عليه أن يمكنها منه، فمثلاً: إذا كان من عادة الناس أن المرأة تزور أهلها كل نصف شهر، وجب عليه أن يمكنها من هذا، أو كل أسبوع وجب عليه أن يمكنها من هذا، وإذا كان أهلها في بلدٍ آخر فإنه لا يلزمه أن يسافر بها كل أسبوع أو كل نصف شهر، حسب الحال، وليعلم أن مالك المرأة هو زوجها، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوانٍ عندكم) ، عوانٍ يعني: أسيرات، وقال الله تعالى في سورة يوسف عن امرأة العزيز: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف:25] فجعل الزوج سيداً، وهذا يتضمن أن تكون الزوجة بمنزلة الرقيقة الأمة.(166/7)
التفصيل في ثبوت أجر صلاة الجماعة في السفر أو المنتزهات أو الدوائر الحكومية
السؤال
حديث (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبعٍ وعشرين درجة) وتصلى جماعة في السفر وفي المنتزهات، وفي الدوائر، حتى في بعض المساجد تصلى عدة مرات، هل يرجى هذا الفضل لكل جماعة تقام؟
الجواب
أما الصلوات التي تصلى في السفر فهي تدخل في الحديث ولا شك، وأما الصلاة في الدوائر فينظر إذا كان لا يمكنه الصلاة في المسجد لبعده، أو لخوف اختلال العمل، أو لخوف هروب بعض الموظفين؛ لأن بعض الموظفين إذا خرج لا يرجع، أو يتأخر، فحينئذٍ نقول: صلاتهم في مكاتبهم تعدل صلاتهم في المسجد لأنهم صلوا جماعة.
وأما ما تعاد -أي: الصلوات المعادة في المسجد الواحد- فهذه لا يحصل بها أجر الجماعة؛ لأن الأجر إنما هو في الجماعة الأولى.(166/8)
حكم من تجاوز الميقات ثم أحرم وحكم صبي أحرم ولم يتم عمرته، وحكم امرأة نفاس أحرمت من حيث طهرت
السؤال
شاب سافر من القصيم يريد العمرة عن طريق المدينة ومعه زوجته، وكانت في عدة النفاس، واشترطت قالت: إن طهرت -وهي في آخر أيامها- سأؤدي العمرة، ولم يحرم إلا من جدة، ومعه صبي صغير لبس الإحرام ولم يؤد العمرة صبي عمره ست سنوات يقول: فماذا عليَّ؟
الجواب
أما بالنسبة للصبي فلا شيء عليه؛ لأن الصبي قد رفع عنه القلم، فلو أحرم ثم بعد ذلك سئم من الإحرام وتحلل فلا حرج.
وأما بالنسبة له هو، فقد خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإحرام من الميقات؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يحرم من أراد الحج والعمرة من الميقات، والرجل تجاوز الميقات ولم يحرم إلا في جدة، فعليه عند أهل العلم فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء؛ لأنه ترك واجباً.
أما بالنسبة للزوجة فلا شيء عليها ما دامت تخشى ألا تطهر إلا متأخرة، وقالت: إن طهرت أحرمت وإلا لم أحرم، فلا حرج عليها أن تحرم من حيث طهرت.(166/9)
ورود الأدعية العامة والخاصة في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ: هل الدعاء في السجود والركوع في الفريضة أو السنة عام أم خاص؟
الجواب
منه عام، ومنه خاص، فما جاءت به السنة بلفظ الخصوص فهو خاص، مثلما بين السجدتين: (رب اغفر لي وارحمني) ، ومثل دعاء الاستفتاح: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي) إلى آخره.
وما جاءت به السنة عاماً فهو عام، مثل: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) .
أما ما لم تأت به السنة فأنت بالخيار إن شئت فعمم، وإن شئت فخصص، وإن شئت فادع الله تعالى بأمور الدنيا، وإن شئت فادع الله تعالى بأمور الآخرة، وإن شئت فادع الله بهم جميعاً، لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) .(166/10)
حكم خصم اللجنة الخيرية من التبرعات بمقدار (10%) للمشرفين
السؤال
فضيلة الشيخ: نحن لجنة خيرية يتقدم لنا المتبرعون ببناء -مثلاً- مساجد ومشاريع، فعادة نخصم من كل مشروع عشرة من مائة من قيمة المشروع، فالبعض منهم يعرف هذا الأمر والبعض الآخر ما يعرف، لكن نحن متكفلون في بناء هذه المشاريع.
الشيخ: لكن العشرة في المائة مقابل ماذا؟ السائل: مقابل تنفيذ المشروع، كأجرة المراقبين الذين يقومون بالإشراف على هذه المشاريع يأخذون مبلغ ثلاثين ديناراً، أي: بقرابة ثلاثمائة وستين ريالاً يومياً على إشرافهم في هذه الدول، فهل يجوز ذلك خصم العشرة من المائة؟ وهل يجوز أخذ الثلاثمائة والستين ريالاً تقريباً للإشراف يومياً؟
الجواب
أما تقدير الإشراف بثلاثمائة وزيادة، هذا حسب العادة، لكن لابد أن يكون المتبرع عنده علم بأن هذا الصندوق الخيري يلحقه تبعات، تخصم من أصل ما في الصندوق، لابد من هذا؛ لأن كثيراً من الناس يظن أن جميع ما بذله يصرف إلى المستحقين، وهنا لو تجعلون لافتة مثلاً عند باب مدخل البيت يكتب فيه بيانات الصرف، يصرف مثلاً عشرة من مائة للعاملين في الصندوق، والباقي في طرق الخير.
السائل: علماً -يا شيخ- أنَّا نكتب في عقد بيننا وبين المنفذ ونعطي نسخة للمتبرع، ونكتب تحت في الأسفل: إذا بقي شيء من المشروع يعني: مبلغ بسيط، فيكون هذا صدقة لوجه الله، فبعض الإخوة هناك اعترض -حقيقة- قال: هذا أمر يحرج المتبرع أو كذا، فهل يجوز هذا الأمر؟ الشيخ: لا، لا توجد مشكلة، ولا يحرجه هذا مما يطمئنه ويعرف أن القائمين على الصندوق أمناء، إذ لو شاءوا أخذوا وسكتوا، لكن إذا بين يعني: قيل: نأخذ عشرة من مائة لمصلحة العاملين، صار الأمر واضحاً مبيناً.
السائل: والمتبقي؟ الشيخ: المتبقي تسعون في المائة يصرف في أعمال الخير.
السائل: أعني بعد التنفيذ أحياناً يبقى شيء بسيط من المال، فنكتب نحن في العقد: يكون هذا المتبقي من المال صدقة؟ الشيخ: أليس الصندوق الآن يجمع الأموال جميعاً؟ السائل: نعم.
الشيخ: إذا جاء شخص بعشرة ريالات مثلاً معناه خصم منها عشرة من المائة يعني: باقي تسعة ريالات، هذه تضاف إلى أموال الصندوق والتي قد تبلغ الملايين، معناه: ما يمكن يبقى شيء يسير، أفهمت؟ السائل: نعم.
الشيخ: لأنه ليس المعنى أنه إذا جاء إنسان بعشرة ريالات نصرفها نفسها في عمل؟ لا، نجعلها في الصندوق، والصندوق فيه أموال كثيرة.(166/11)
حكم قتل الكافر بعد نطقه بالشهادتين
السؤال
هل يجوز قتل الكافر إذا نطق بالشهادتين قبل أن يشتد القتال؟ الشيخ: لا يجوز.
السائل: وهل يجوز قتله إذا اشتد القتال ونطق بالشهادتين؟ الشيخ: إذا نطق بالشهادتين فإنه لا يجوز قتله إذا اشتد القتال أو لم يشتد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة بن زيد قتله المشرك بعد أن قال: لا إله إلا الله، وجعل يردد على أسامة: (أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله، حتى قال: إنما قالها تعوذاً) فأنكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام وقال أسامة: [تمنيت أني لم أكن أسلمت] لكن إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وبقي في صف الكفار اقتلوه، لكن إذا قال هذا وخرج فهذا يدل على صدقه، فإن بقي فهو إن كان مسلماً فقد أعان الكفار على المسلمين فيحل قتله، وهو بنيته عند الله، وإن كان مشركاً وقالها بلسانه فقد استحق القتل.(166/12)
ضابط القصر والإتمام في السفر
السؤال
موظف يعمل في حفر الباطن وأهله في جدة هل يجوز له أن يقصر الصلاة إذا فاتته الصلاة في الجماعة بحجة أنه في سفر؟ الشيخ: إذا فاتته الجماعة في أي مكان؟ السائل: في المدينة التي يعمل فيها.
الشيخ: هل عمله فيها على أنه مستقر؟ أو على أنه يعمل فيها لمدة شهرين ثلاثة أربعة ويرجع؟ السائل نفسه: هو يريد الرجوع إلى أهله ولكن لا يعلم مقدار المدة التي سيقضيها؟ الشيخ: معناه: أن الأصل فيه الإقامة، الأصل أن الحكومة لما وضعته في هذا المكان أنه مقيم، أليس كذلك؟ السائل: نعم.
الشيخ: ما يقدر الآن أن يرجع إلى بلده، إلا إذا كان يقول: أنا سأبقى سنة أو سنتين ثم أرجع إلى بلدي إما بوظيفتي وإلا أستقيل، أما إنسان يقول: أنا تبع الوظيفة ثم وضعته الحكومة في مكان فالأصل أنه باقٍ فيه، ولهذا نقول: السفراء لا يجوز أن يقصروا الصلاة؛ لأن الحكومة لما وضعتهم الأصل البقاء.
السائل: يعني يأخذ حكم المقيم فيها؟ الشيخ: حكم المقيم في بلده الذي يعمل فيه.
أفهمت الآن؟ يعني: لا يرد على ذهنك الآن قصة الذين يسافرون للدراسة، ولو بقوا سنة أو سنتين فهؤلاء مسافرون لا يرد على ذهنك هذا لماذا؟ لأن هؤلاء يقولون: إن مدتنا محددة ولو قيل لنا: ابقوا بعد انتهاء الدراسة يوماً واحداً ما بقينا.
أما الموظف فالأصل أنه ما بقي في هذه الوظيفة إلا على وجه الدوام.(166/13)
وقت ابتداء صلاة الكسوف وحكم من فاتته الصلاة
السؤال
بالنسبة لصلاة الكسوف هل تصلى إذا بدأ الكسوف أو إذا اكتمل؟ وبالنسبة لمن فاتته صلاة الكسوف هل يصليها منفرداً نرجو التوضيح؟
الجواب
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيتموه) يعني: إذا رأيتموهما كاسفين، فمتى ظهر الكسوف فهنا تشرع الصلاة، وإن لم يظهر كما لو كان الكسوف جزئياً في الشمس ولا يرى إلا بالمنظار فإنه لا يصلى؛ لأننا لم نرها كاسفة، والعبرة برؤية العين لا بالمناظير ولا بالحساب أفهمت؟ إذاً من حين ينكسر نور الشمس أو القمر حينئذٍ تكون الصلاة.
وأما من فاتته فإن انجلى الكسوف فإنه لا يصلي، وإن بقي الكسوف يصلي كما يصليها الإمام.(166/14)
ما يحرم من الرضاعة وما لا يحرم
السؤال
فضيلة الشيخ حفظك الله: سائل يسأل ويقول: إن عمي رضع من امرأة وفي نفس الوقت رضع معه شخصٌ آخر من هذه المرأة، فهل يكون هذا الشخص الذي رضع مع عمي عماً لي من الرضاعة، وماذا يكون أولادي بالنسبة لهم من ذكورٍ وإناث؟
الجواب
أولاً: يجب أن تعلموا بارك الله فيكم أن أقارب الراضع لا علاقة لهم في الرضاعة إطلاقاً، فإذا رضع الإنسان من امرأة فإن إخوانه لا يكونون أولاداً لها ولا علاقة لهم بها، أفهمتم؟ يعني مثلاً: زيد رضع من امرأة تسمى زينب، إخوة زيد ما لهم علاقة بزينب؛ لأنهم ليسوا أبناءً لها، ولا إخواناً، ولا أعماماً، ففي المثال الذي ذكرت الآن لا علاقة لإخوان الراضع بالمرأة التي أرضعته ولا بأولادها، فيجوز لأحد إخوة الراضع أن يتزوج من بنات المرأة التي أرضعت أخاهم؛ لأنه ليس لهم علاقة بها.
ولكن يجب أن تعلموا أن الرضاعة لا تعتبر إلا إذا كانت خمس رضعات، لما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس رضعات معلومات) فلابد من أن تتيقن المرضعة أو من شهدت بالرضاع أن الرضاعة تمت خمس مرات، فإن قالوا: رضع ولا ندري، فلا عبرة بالرضاعة، وإن قالوا: رضع أربعاً فيها عبرة أو ما فيها عبرة؟ لا عبرة به لابد من خمس، فلو رضع ثلاثاً لا عبرة به، إذا رضع اثنتين لا عبرة به، أو واحدة لا عبرة به، لابد أن يكون خمس رضعات معلومات أيضاً كما جاء في الحديث، فالمشكوك فيهن لا عبرة بهن.
السائل: بنات الشخص هذا الذي كان أخوه من الرضاعة؟ الشيخ: الذي رضع هو وإياه من امرأة، إذا رضع شخصان من امرأة صارا أخوين وصار كل واحدٍ منهما عماً لأولاد الآخر الذكور والإناث.(166/15)
حكم تجعيد الرأس
السؤال
ما حكم تجعيد الرأس؟
الجواب
تجعيد الرأس لا بأس به، أن يوضع على الرأس شيء يجعله متماسكاً وصلباً قوياً، هذا لا حرج فيه؛ لأن هذا من باب التجميل وليس من باب تغيير خلق الله.(166/16)
حكم المسافر يصلي خلف المقيم ركعتين ولا يتم
السؤال
فضيلة الشيخ: مثلاً مررت وأنا مسافر بقرية أهلها مقيمون يصلون صلاة العصر، فأدركت معهم ركعتين هل يلزمني إكمال الأربع ركعات أو أكتفي بالركعتين؟
الجواب
يعني: مسافر أدرك مقيمين في الركعتين الأخيرتين، هل يسلم مع الإمام فيكون صلى ركعتين، أو يقضي ما فاته؟ نقول: يقضي ما فاته وجوباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وسئل ابن عباس رضي الله عنهما: [ما بال الرجل يصلي -يعني مسافر- ركعتين ومع الإمام أربعاً قال: تلك هي السنة] .(166/17)
حكم إقامة صلاة الكسوف أكثر من مرة
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم إعادة صلاة الكسوف أكثر من مرة؟
الجواب
القول الراجح أنها لا تعاد؛ لأنها إنما وقعت واحدة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الإنسان ينظر إذا كان الكسوف يسيراً وبدأ ينجلي يخفف وإلا يطيل الصلاة؟ فإن قال أنه أطال الصلاة ثم إنه سلم ولم ينجل الكسوف، قلنا له: ادع واستغفر الله، اذكر الله، كبر؛ كما جاء في الحديث.(166/18)
حكم لعن الكافر المعين حياً أو ميتاً
السؤال
ما حكم لعن الكافر المعين؟ الشيخ: حياً أو ميتاً؟ السائل: الحي.
الشيخ: لا يجوز ذلك، لا يجوز لعن الكافر المعين إذا كان حياً؛ لأن الله تبارك وتعالى نهى أفضل المؤمنين أن يدعو على أعتى الكافرين في زمنه، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو على أناسٍ معينين من كفار قريش متمردين، فنهاه الله عز وجل، وقال له: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} [آل عمران:128] ، لكن بعد موته هل يلعن؟ هذا قد يقال: إنه لا يلعن بعد الموت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الأموات؛ فإنهم أفضوا إلى ما قدموا) .
لكن إذا كان له مبدأ معين كشيوعي يدعو للشيوعية، أو نصراني يدعو للنصرانية، فهنا نبين ضلاله ونحذر منه، أما لعنه فلا فائدة منه؛ لأنه هو كافر مات على الكفر ملعون ما يحتاج ذلك.(166/19)
حج المرأة الحائض
السؤال
فضيلة الشيخ: هناك بنت حجت مع أعمامها وعندما وصلت مكة جاءتها الدورة، وكملت علينا ولم تخبرنا، وحجت وطافت ورحنا لـ عرفات ولا درينا بالكلام هذا كله، ولا طهرت إلا عند الوداع ماذا عليها؟
الجواب
طواف الإفاضة ماذا صنعت فيه، يعني: طواف الحج؟ السائل: كانت قد طهرت.
الشيخ: وطافت بعد طهرها؟ السائل: أي: في الطواف الأخير كانت طاهرة.
الشيخ: الطواف الذي بعد عرفة كانت طاهرة؟ السائل: إي.
الشيخ: الحمد لله ما فيها شيء.
السائل: في الأول طافت بالبيت وليست طاهرة.
الشيخ: على كل حال تجد أنها جاهلة.
السائل نفسه: طبعاً -يا شيخ- هي جاهلة.
الشيخ: وإذا كانت جاهلة ما عليها شيء {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ويكون حجها هذا قراناً لا متعة؛ لأن طوافها الأول غير صحيح، وسعيها المبني عليه غير صحيح، فتكون باقية على إحرامها، وإذا أحرمت في الحج معكم يوم ثمانية صارت أدخلت الحج على العمرة فتكون قاضية، والقاضي مثل المتمتع عليه هدي يذبحه يوم العيد أو ثالث أيام العيد.
وقل لها: الحمد لله حجها صحيح وذمتها بريئة إن شاء الله.(166/20)
القاعدة الفقهية في التفريق بين البلد المسلم والبلد الكافر
السؤال
فضيلة الشيخ: السفر لبلاد الكفار لا يجوز إلا لضرورة، فما هو الضابط لمعرفة أن هذا البلد بلد كفار أم لا، هل على وجود المسلمين أم ماذا؟
الجواب
هذا يشكل عليك يا أخي؟ ماذا تقول في أمريكا بلد كفار أو بلد إسلام؟ السائل: بلد كفار.
الشيخ: مع أن فيها كثيراً من المسلمين، ماذا تقول في روسيا؟ في فرنسا؟ في بريطانيا؟ في اليابان؟ هذه واضح أنها بلاد كفر.
الشيخ: وأنا أقول مثلاً في البلاد الأخرى كال باكستان وسوريا والكويت وما أشبهها، نقول: بلد إسلام.
السؤال: هناك دولة إسلامية ومع ذلك لا يرفع فيها النداء للصلاة؟ الجواب: لا أدري ما أظن هذا ما أظن أنه لا يرفع فيها النداء للصلاة، ثم لو فرض أنهم منعوا من رفع الأذان فهؤلاء مكرهين، فإذا كانوا مكرهين فهو كالذي يترك الواجبات إكراهاً.
السائل: ضابط القاعدة.
الشيخ: القاعدة هي: ما كانت تقام فيها شعائر الإسلام فهي بلد إسلام، حتى لو فرض أن نفس الحكومة كافرة، وهذه البلاد تقام فيها شعائر الإسلام فهي بلد إسلام.(166/21)
حكم إرسال إفطار الصائم من الصدقات العامة ثم تسديدها بعد ذلك
السؤال
فضيلة الشيخ: بعض اللجان الخيرية ترسل مشروع إفطار الصائم إلى أفريقيا قبل رمضان من الصدقات العامة، ويتم استقبال الأموال من المتبرعين إلى آخر رمضان فهل يعد هذا المتبرع أنه شارك في هذا المشروع؟
الجواب
هذا المتبرع بعد انتهاء رمضان يكون تبرع لإفطار الصائم في السنة القادمة.
السائل: يتم تسديد المبالغ من الصدقات العامة خلال أيام رمضان، مع العلم أن المبالغ خرجت قبل رمضان.
الشيخ: يعني معناه: أنهم يستقرضون لها؟ السائل: نعم.
الشيخ: أرى أنا أنه لا يجوز، ليس هناك حاجة أنهم يستقرضون لها؟!! الصدقات العامة يدخل فيها إفطار الصائم فليصرفوا من الصدقات العامة لإفطار الصائم لا على أنه قرض، بل على أنه جهة مصرفية يصح الصرف إليها.(166/22)
حكم الإخبار بخسوف القمر أو الشمس مسبقاً
السؤال
فضيلة الشيخ: هناك من الناس من يرى بعدم الإخبار مسبقاً لخسوف القمر، كما يحصل في الوقت الحالي عبر الصحف والإذاعة فيرى بعض الناس أنه يكتبها في (الصلاة الجامعة) كي يقبل الناس على الخشوع والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى؟ الشيخ: تقول: من الناس من يرى أنه لا ينبغي الإخبار للكسوف مسبقاً؟ السائل: نعم.
الشيخ: ومن الناس؟ السائل: ما رأي فضيلتكم؟ الشيخ: اصبر! أنت قلت: (من الناس) أنت جئت بمن للتبعيض، فما قول البعض الآخر؟ السائل: سمعت من شخص أو شخصين.
الشيخ: لكن أنت تقول: بعض الناس، أنا أريد الطرف الثاني.
السائل: لا أدري.
الشيخ: أجل لا تقول: من الناس.
السائل: حسناً.
الشيخ: على كل حال الذي نرى: أنه لا ينبغي الإخبار عن الكسوف قبل وقوعه؛ لأنه يزيل هيبته، ويصرف الخوف من الله عز وجل، ولهذا ترى الناس الآن إذا قرب وقت الكسوف تجدهم يخرجون إلى الشارع ينظرونه انكسف أو لا، كأنما يتراءون هلال العيد، وهذا لا شك أنه يزيل ما في القلوب من الخوف والرهبة.
فالذي نرى: أنه لا يخبر، إذا جاء بدون خبر صار أهيب، إذا لم يدر الناس عنه إلا بالنداء: (الصلاة جامعة) يكون له قيمة ورهبة، لكن هذا من البلاء الذي ابتلي به المسلمون اليوم.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(166/23)
لقاء الباب المفتوح [167]
شرح الشيخ في مستهل هذا اللقاء آيات من سورة النجم، وهي الآيات التي تجسد لنا هيئة نزول جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم بالوحي، وعظمة هذا الوحي الكريم، والشرع المطهر من قبل رب العالمين.
ثم أجاب عن الأسئلة المشتملة على أبواب عديدة من أبواب الفقه والدعوة إلى الله.(167/1)
تفسير آيات من سورة النجم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والستون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تسمى اللقاء المفتوح التي تتم في كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الخامس عشر من شهر جمادى الآخرة عام (1418هـ) .(167/2)
تفسير قوله تعالى: (إن هو إلا وحي يوحى)
نبتدئ بتفسير ما انتهينا إليه من سورة النجم من قوله تبارك وتعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:4-5] أي: ما القرآن العظيم إلا وحي يوحيه الله عز وجل إلى محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك بواسطة جبريل الأمين، الذي وصفه الله تعالى في هذه الآية بقوله: {شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:5-6] (شديد القوى) يعني: أنه قوي، والمرة: الهيئة الحسنة، فهو ذو قوة وذو جمالٍ وحسن.
وقد رآه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح قد سد الأفق، فهو الذي نزل بهذا القرآن، وهو أمين وهو قوي حتى ألقاه على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:193-195] .
وقوله: (فاستوى) أي: فعلا، أو فكمل؛ لأن الاستواء في اللغة العربية تارة يذكر مطلقاً دون أن يقيد فيكون معناه: الكمال، ومنه قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً} [القصص:14] أي: كمل.
وتارة يقيد بـ (على) فيكون معناه: العلو، كما في قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف:12-13] ، فقال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} ، وقال: {إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} أي: علوتم عليه.
ومنه قوله تعالى فيما وصف به نفسه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] أي: علا عليه عز وجل، والعلو خاص بالعرش، وهذا غير العلو المطلق على جميع المخلوقات.
وتارة يتعدى بـ (إلى) يقال: استوى إلى كذا، فيفسر بأنه القصد والانتهاء، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت:11] .
وتارة يقيد بالواو فيكون معناه: التساوي، مثل قولهم: استوى الماء والخشبة، أي: ساواها، فقوله هنا: فاستوى يحتمل أن المعنى: استوى أي: علا؛ لأن جبريل ينزل من السماء فيلقي الوحي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم يصعد إلى السماء، ويحتمل معناه: كمل ويكون كامل القوة، كامل الهيئة، كاملاً من كل وجه مما يليق بالمخلوقات.
{وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} [النجم:7] أي: جبريل عليه الصلاة والسلام (بالأفق الأعلى) أي: الأرفع؛ وهو أفق السماء.(167/3)
تفسير قوله تعالى: (وهو بالأفق الأعلى)
قال تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم:8] (دنا) من النبي صلى الله عليه وسلم، (فتدلى) أي: قرب من فوق، فكان أي: جبريل من النبي صلى الله عليه وسلم {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم:9] وهذا مثل يضرب للقرب، (قاب قوسين) يعني: قريباً جداً بل أدنى، فقوله: (أو أدنى) بمعنى: بل، أي: بل هو أدنى من ذلك.
(فَأَوْحَى) أي: جبريل {إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم:10] أي: إلى عبد الله، فالضمير في أوحى يعود على جبريل، والضمير في عبده يعود إلى الله عز وجل، أي: أوحى جبريل إلى عبد الله ما أوحى، ولم يبين ما أوحى به تعظيماً له؛ لأن الإبهام يأتي مراداً به التفخيم والتعظيم، ومنه قوله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه:78] أي: غشيهم شيءٌ عظيم.
هنا (أوحى إلى عبده ما أوحى) أي: من الشيء العظيم ولا كلام أعظم من القرآن الكريم؛ لأنه كلام الله عز وجل.(167/4)
الأسئلة(167/5)
وجوب التطهر بالماء مع القدرة
السؤال
يخرج بعض الناس من الأفاضل من أهل الدين إلى التنزه في البرية ولا يأخذون معهم من الماء إلا ما يكفي للطعام والشراب، ويتيممون للصلاة بحجة أن ذلك فيه سعة وأفضل لهم، فما حكم ذلك؟
الجواب
يجب على الإنسان أن يتقي الله تعالى في نفسه فيتطهر بالماء سواء كان في الوضوء أو كان في غسل الجنابة، لكن إذا كان يشق عليه الماء إما لبعده وإما لثقل حمله، فلا حرج عليه أن يتيمم، لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة:6] .
فينظر في هؤلاء: إذا كانت السيارات التي معهم صغيرة ولا يمكن أن تحمل الماء فلا بأس إذا تيمموا، وإن كانت نزهة، وأما إذا كان الأمر سهلاً عليهم، كأن يكون معهم (وايت صغير) يتابعهم فالواجب عليهم أن يحملوا الماء حتى يتطهروا به.(167/6)
المراد بإحصاء أسماء الله الحسنى
السؤال
في حديث أسماء الله الحسنى ورد قوله: (من أحصاها) ما معنى: (أحصاها) ؟
الجواب
الحديث الذي ذكره أخونا في سؤاله هو قوله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) ومعنى: أحصاها عرفها لفظاً ومعنى، وتعبد لله بمقتضاها.
فمثلاًَ: يعرف أن الله تعالى من أسمائه الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الغفور الرحيم السميع البصير.
إلى آخره، فيعرف أولاً الاسم، ويعرف ثانياً معنى الاسم ويثبته لله عز وجل، فالسميع معناه: أنه المتصل بالسمع، فهو سميعٌ ويسمع.
الثالث: أن يتعبد لله بمقتضاه، فإذا علم أن من أسماء الله السميع، وأن السميع بمعنى: ذي السمع، فإنه يتعبد لله بمقتضى هذا، أي: أنه لا يقول قولاً يكون فيه غضب الله، وإنما يتكلم بما يرضي الله تبارك وتعالى.
ولهذا لو عرفها لفظاً ولم يعرفها معنى لم يستفد، ولو عرفها لفظاً وأنكر معناها -كما تقول المعتزلة - لم يكن أحصاها، ولو عرفها لفظاً ومعنىً ولكن لم يتعبد لله بمقتضاها فإنه ليس محصياً لها، ويدل لهذه الشروط الثلاثة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحصاها دخل الجنة) ودخول الجنة ليس بالأمر السهل، فلابد أن يكون هذا الإحصاء متضمناً لهذه الأمور الثلاثة: الأول: معرفة الاسم.
والثاني: معرفة معناه.
والثالث: العمل بمقتضاه.(167/7)
حكم الصلاة في مسجد فيه قبر
السؤال
إذا كانت الصلاة في المسجد الذي فيه قبر لا تجوز فهل هذا يدل على أنها باطلة ولا تقبل، وهل هناك دليل على بطلانها إذا كانت باطلة؟
الجواب
أولاً: المسجد الذي فيه قبر ينظر: هل المسجد مبني على القبر، أم أنه سابق ودفن فيه الميت؟ فأما الأول: فالصلاة فيه لا تصح؛ ذلك لأنه مكان يحرم المكث فيه ولا يصح، وأي إنسان لا يجوز له أن يصلي في بقعة محرمة عليه لا سيما فيما يتعلق بالعبادة؛ لأن المسجد المبني على القبر يؤدي إلى تعظيم صاحب القبر، فسداً لوسائل الشرك نقول: هذا حرام والمصلي آثم ولا تصح صلاته، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ، والصلاة في المساجد المبنية على القبور منهي عنها بلا شك، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا تصلوا إلى القبور) أي: لا تجعلوها قبلتكم، فكيف بمن صلى في مسجدٍ مبني على قبر؟! أما إذا كان المسجد سابقاً على القبر ودفن فيه الميت، فهذا إن كان الميت في جهة القبلة، فإنه لا يجوز أن يصلي إليه، بل ينحرف يميناً أو شمالاً عنه، وإن كان في غير جهة القبلة فلا بأس، لكن في هذه الحال، يجب أن ينبش الميت ويدفن في المكان الذي يدفن فيه الناس.(167/8)
حكم كشف الفخذ والنظر إليه
السؤال
فضيلة الشيخ: ما هو القول الفصل في الشرع في نظركم في كشف الفخذ والنظر إليه؟
الجواب
الذي نرى: أن الفخذ من حيث هو ليس بعورة، اللهم إلا ما يوازي العورة المغلظة فهو في حكمها، أما ما نزل فإنه لا يعد من العورة، لكننا نرى أنه لا يجوز للشاب أن يكشف فخذه؛ لأن ذلك فتنة عظيمة، وبناءً على هذا نقول: إن بعض شبابنا الذين يمارسون لعب كرة القدم يجب عليهم أن يستروا ما بين السرة والركبة.
وأما النظر فإذا قلنا: إنه عورة حرم النظر إليه، فمثلاً نقول: إن النظر إلى فخذ الشباب هذا حرام؛ لأنه فتنة، وأما رجل عامل رفع ثوبه للعمل وبدا أسفل فخذه فهذا ليس بحرام.
ولكني لا أعتقد أن أحداً يتقصد النظر إلى هذا، فلا فائدة منه.(167/9)
حكم تحليل الحوادث بواسطة كلمات القرآن وحروفه
السؤال
فضيلة الشيخ: غفر الله لك! ما حكم الاعتداد بالذين يحسبون جمل القرآن الكريم وحروفه ويتوصلون عن طريقها إلى نتائج معينة؟ الشيخ: مثل ماذا؟ السائل: مثل كتاب سقوط إسرائيل وتحليله بعام (2022) عن طريق حساب بعض الكلمات والآيات في سورة الإسراء.
الشيخ: يعني: أنه يستنتج من حروف القرآن وكلماته حوادث.
السائل: نعم.
الجواب
نقول: هذا حرام ولا يحل، لا يحل لإنسان أن يستنتج من القرآن الكريم شيئاً للحوادث؛ لأن هذا الاستنتاج خلاف ما درج عليه السلف الصالح، ولأنه قد يستنتج شيئاً ويكون الأمر بخلافه فيوجب الطعن في القرآن الكريم، ولأن القرآن لم ينزل لهذا، القرآن نزل ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب، لا لتحديد الحوادث التي ستأتي، ولهذا لا تجد في القرآن ما يدعوه على هذا أبداً، تجد ألفاظاً عامة: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد:10] وأما أن نستنبط من (حم عسق) كذا وكذا من الأحداث فهذا لا يحل ولا يجوز.
السائل: لكن الحاصل الآن في بعض الكتب مثل الكتاب الذي ذكرت أنه يقول: حسبت الكلمات من سورة الكهف من قوله: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} [الكهف:9] إلى قوله: {ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً} [الكهف:25] يقول: فوجدتها ثلاثمائة وتسع كلمات، فهو يستخدم هذه الطريقة للحساب؟ الشيخ: لا.
كما قلت لك: هذا غير مراد بلا شك؛ لأن الله تكلم في القرآن كلاماً يقصد به المعنى، ولا يقصد به أن يعدد حروفه وكلماته.(167/10)
معنى حديث: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة)
السؤال
هل حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- الذي في آخره: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة.
إلخ) مقيد بحديث عائشة: (فيما يبدو للناس) أم هو عام؟
الجواب
الحديث: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) ليس معناه: أنه يصل بعمله إلى هذا المكان، بل المعنى: حتى ما يكون بينه وبين الموت إلا ذراع، والعمل هذا فيما يبدو للناس، فيكون قلبه -والعياذ بالله- منطوياً على الخبث، لكنه أمام الناس يعمل وكأنه من أولياء الله، فيجب أن يقيد هذا بذاك.
السائل: أقصد يا شيخ! هل يمكن أن يكون عمله عمل صالح لكن في آخر حياته ينتكس.
الشيخ: ممكن.
لكن عمله من البداية ليس بصالح، ولهذا قلت لك: إنه (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) يعني: باعتبار قرب الأجل، لا باعتبار أنه نزل منزلة عليا بعمله، فبعمله لم يتقدم ولا شعرة واحدة، لكن أجله قريب، فلا تظن أن معنى قوله: (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) يعني: في المنزلة، بمعنى: أن عمله السابق رقاه حتى وصل إلى منزلة لم يكن بينه وبينها إلا ذراع؛ لأنه لو كان كذلك فإن الله لن يخذل مثل هذا، بل سيثبته، لكن المعنى: أنه لم يبق بينه وبينها إلا ذراع من قرب الأجل.(167/11)
هجر من استعاض عن السنة بدين الرافضة
السؤال
فضيلة الشيخ: ما تقول في شباب أرادوا دعوة الرافضة فساروا على نهجهم، هل ترى هجرهم أو مناصحتهم؟ الشيخ: أرادوا أن يدعوا الرافضة إلى السنة؟ السائل: نعم.
الشيخ: كيف يريدون أن يدعوهم إلى السنة وهم يسلكون مسلكهم؟!! السائل: ما أرادوا في البداية سلوك منهجهم، ولكنهم بعد أن ساروا معهم فترة بدلوا دينهم بدين الرافضة.
الشيخ: يعني: أصبحوا من الرافضة؟ السائل: نعم، يا شيخ! حتى إن منهم من يقول: أنا أعتقد في بركة الحسين، ومنهم من يقول: لو أتاني رجل أرضاه لابنتي لزوجته.
الشيخ: يزوج بمن؟ السائل: برافضي.
الشيخ: على كل حال هؤلاء لا شك أنهم انتكسوا -والعياذ بالله- حيث استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، فعليهم أن يتوبوا إلى الله وأن يعودوا إلى رشدهم، ونحن نشهد أن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- هو وأخوه الحسن كلاهما سيدا شباب أهل الجنة، ونعترف له بفضله، ونقول: إن ما جرى عليه فإنه محنة من الله عز وجل، ولكنه صبر واحتسب حتى نال درجة الصابرين، ولكن لا يجوز إطلاقاً أن ينتقل الإنسان من الطريقة السلفية السنية إلى طريقة مبتدعة حادثة مخالفة لمذهب أهل السنة.
وإن هؤلاء إذا استمروا على ما هم عليه بعد مناصحتهم فإنه يجب هجرهم.(167/12)
حكم ائتمام المفترض بالمتنفل
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا كان شخص يؤدي راتبة المغرب فدخل مع آخر ظناً منه أنه يصلي صلاة الفريضة، فهل يجهر الإمام بالقراءة؟ وهل تكون القراءة بالجهر مشروعة، والجماعة مشروعة؟
الجواب
أما على رأي من يرى أنه لا يجوز أن يصلي المتنفل بالمفترض، فإنه لا يحل له أن يدخل معه؛ لأنه لو دخل معه فصلاته غير صحيحة.
وأما على القول الراجح: أنه يجوز أن يكون الإمام متنفلاً والمأموم مفترضاً فلا بأس أن يدخل معه، وحينئذٍ يجهر بالقراءة من أجل أن يحصل على السنة بالنسبة لأخيه الذي دخل معه، وإن أسر فلا حرج.(167/13)
حكم دعاء المسلم على المسلم
السؤال
فضيلة الشيخ: هل للمسلم أن يدعو على أخيه المسلم بالهلاك أو عدم التوفيق، وذلك لنزاعٍ بينهما؟
الجواب
أما إذا كان هذا النزاع شديداً بحيث يصل إلى القدح بصاحبه في دينه أو عرضه أو ما أشبه ذلك، فلا بأس أن يدعو عليه بدعاءٍ غليظ، كما فعل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بالرجل الذي سبه عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه دعا أن يعمي الله بصره وأن يطيل عمره وأن يعرضه للفتن -والعياذ بالله- وأما إذا كان أمراً يسيراً فلا يدعو عليه إلا بمقدار مظلمته فقط.(167/14)
سماع الأشرطة لا يغني عن الرحلة في طلب العلم
السؤال
فضيلة الشيخ: هل سماع الدروس العلمية من الأشرطة تغني عن الرحلة في الطلب؟
الجواب
استماع الأشرطة لا يغني عن الرحلة في الطلب؛ لأن رحلة الطلب أفضل؛ لأن الطالب يجلس إلى العالم ويتلقى منه مباشرة، ثم إنه ربما يحصل إشكال أو مراجعة فلا يحصل عليه فيما إذا استمع إلى الأشرطة، لكن لا شك أنه إذا استمع إلى الأشرطة سيستفيد، فالأشرطة خير من الترك، لكن إذا رحل في طلب العلم فهو أفضل وأنفع.
السؤال: وما توجيهكم لمن هو في منطقة ليس بها علماء؟ الجواب: توجيهنا أن يستمع إلى الأشرطة، لكن أشرطة من؟ أشرطة العلماء الموثوق بعلمهم، من حيث سعة العلم ومن حيث الأمانة في أداء العلم.(167/15)
حكم صلاة الضحى أثناء الدوام
السؤال
رجل يصلي صلاة الضحى وهو في دوامه الرسمي، فيخرج من المكتب لمدة ربع ساعة ثم يعود، علماً بأن المكتب لا يوجد فيه مراجعون في ذلك الوقت، فهل هذا مشروع له، وهو أنه يصلي في نفس الإدارة إلا إنه يصليها في مكتب بجوار مكتبه؟
الجواب
إذا كانت صلاته لركعتي الضحى لا تستلزم نقص الواجب فلا بأس.
السائل: إذا لم يكن عنده مراجعون مهمة، فهل يؤدي الصلاة؟ الشيخ: هذا المهم.
إذا كان عنده معاملات فلا يجوز، وإذا كان عند مراجع فلا يجوز، وإذا منعه مراجعه فلا يجوز.(167/16)
حكم عقد النكاح في المسجد
السؤال
بعض الناس يعتقد أن عقد النكاح في المسجد مستحب، فهل ورد دليلٌ على ذلك؟
الجواب
استحباب عقد النكاح في المسجد لا أعلم له أصلاً ولا دليلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إذا صادف أن الزوج والولي موجودان في المسجد وعقد فلا بأس؛ لأن هذا ليس من جنس البيع والشراء، ومن المعلوم أن البيع والشراء في المسجد حرام، لكن عقد النكاح ليس من البيع والشراء، فإذا عقد في المسجد فلا بأس، أما استحباب ذلك بحيث نقول: اخرجوا من البيت إلى المسجد، أو تواعدوا في المسجد ليعقد فيه، فهذا يحتاج إلى دليل، ولا أعلم لذلك دليلاً.
السائل: بعضهم يشابه في ذلك النصارى حيث يعقدون النكاح في الكنائس؟ الشيخ: لا، هذا ليس على بالهم إطلاقاً، حتى العلماء الذين استحبوه -استحباب علماء من علماء الشريعة- ليس لهم دليل، لكن قالوا: إن (أحب البقاع إلى الله مساجدها) وهذا بيت الله وينبغي أن يكون عقد النكاح فيه، لكن هذا التعليل إذا لم يكن فيه سنة خاصة، بحيث إن الرسول يذهب إلى المسجد ويعقد النكاح هناك فإنه لا ينبغي أن يقال: إنه مستحب.(167/17)
خلوة الرجل بزوجته قبل الدخول تثبت به العدة إذ حصل الطلاق
السؤال
إذا خرجت المرأة مع زوجها في السيارة قبل الدخول هل يعتبر خلوة شرعية؟ الشيخ: قبل الدخول أم قبل العقد؟ السائل: قبل الدخول.
الشيخ: إذا ركبت المرأة مع زوجها السيارة بعد العقد وقبل الدخول فلا بأس.
السائل: هل يعتبر خلوة شرعية يثبت بها طلاقها؟ الشيخ: إي نعم.
يعتبر خلوة بلا شك، فإذا طلقها وجبت عليها بعد هذه الخلوة العدة وثبت لها المهر كاملاً.(167/18)
علاقة المرأة بزوجها أثناء العدة
السؤال
هذا رجل طلق امرأته وهو معاق، وممن لا يصلح أمره، فهل لامرأته أن تتكشفه وترى عورته؟
الجواب
ما دامت في العدة إذا لم يكن الطلاق بائناً فهي كالزوجة، حكمها حكم الزوجة، فإذا انتهت العدة فهي كامرأة السوق، لا علاقة بينها وبينه، وكذلك لو كان الطلاق بائناً، مثل: أن يكون آخر الطلقات أو يكون على عوض أو يكون فسخاً لعيب أو ما أشبه ذلك فهذه تبين منه بمجرد الطلاق.
السائل: ويكون تمريضها عليه.
الشيخ: لا.
إنما يمرضها أناس آخرون، أما إذا كان يمكن أن يراجع هذه المرأة يراجعها.(167/19)
حكم صيام القرابة لكفارة قتل الخطأ
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا مات رجل وعليه صيام كفارة قتل، هل يصوم جماعة من قرابته أي: يتوزعون الصيام بينهم؟
الجواب
كفارة القتل عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، ويلزم من التتابع أن يكون الصائم واحداً؛ لأنه لو صام مثلاً عشرة أنفار كل واحد ستة أيام، ما صام كل واحد شهرين متتابعين، حتى لو فرض أنهم تتابعوا، بمعنى: أنه إذا صام واحد ستة أيام بدأ الثاني باليوم السابع، وإذا أكمل ستة أيام بدأ الثالث بالثالث عشر فإنه لا ينفع؛ لأن كل واحدٍ منهم لا يصدق عليه أنه صام شهرين متتابعين، بخلاف قضاء رمضان فإنه إذا مات الميت وعليه أيام من رمضان فلا بأس أن يصومها عنه متعددون حتى لو صاموا في يومٍ واحد فلا بأس.(167/20)
معرفة الصحابة لحق الله على العباد والعكس
السؤال
فضيلة الشيخ: حديث معاذ بن جبل الذي يقول: (كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال: يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً، قلت: يا رسول الله! أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا) هل الصحابة يعرفون حق الله على العباد وحق العباد على الله؟
الجواب
يعرفونها ببيان الرسول عليه الصلاة والسلام: (أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً) أفهمت؟ السائل: يعني: علموا عن هذا الحديث؟ الشيخ: علموا بعد أن أخبرهم معاذاً لأن معاذاً -رضي الله عنه- لما قال الرسول: (لا تخبرهم فيتكلوا) خاف عند موته أن يكون قد كتم هذا الحديث، فساقه بلفظه، وإذا كان ساقه بلفظه فإنه لا حرج عليه، لكن لو لم يحدث الناس به لم يعلم الناس به، فيكون في ذلك كاتماً لسنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام.(167/21)
معنى قوله تعالى: (أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها)
السؤال
فضيلة الشيخ: ما معنى قول الله تعالى في سورة الأنبياء: {أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الأنبياء:44] ؟
الجواب
معنى هذه الآية الكريمة: أن الله يأتي الأرض ينقصها من أطرافها بتغلب المسلمين على الكفار، ولهذا قال بعدها: {أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الأنبياء:44] فالله تعالى يأتي الأرض بتسليط رسله على الكافرين حتى يفتحوها أرضاً أرضاً.(167/22)
حكم اختلاف نية الإمام والمأموم في الفرض
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل مسافر يريد أن يصلي العشاء، فدخل معه أناس يصلون المغرب فماذا يفعل؟
الجواب
يصلون المغرب معه ولا بأس، ثم إن كانوا أدركوه في أول ركعة فإنهم يجلسون إذا قام إلى الرابعة ويتشهدون ويسلمون ليدركوا معه بقية صلاة العشاء، وإن كانوا دخلوا معه في الثانية سلموا معه وإن دخلوا في الثالثة قضوا بعده ركعة.
السؤال: يا شيخ! رجل مسافر يريد أن يصلي العشاء ويقصر، فدخل معه أناس يصلون المغرب؟ الجواب: لا يوجد إشكال، إذا دخلوا معه وهو يصلي العشاء ركعتين فإنهم يصلون معه ركعتين ثم يقضون ركعة واحدة بعد سلامه.
السائل: هو مأموم وليس إماماً.
الجواب: هذا عكس سؤالك الأول، على كل حال: إذا دخل شخص مع من يصلي المغرب وهو يريد أن يصلي العشاء مقصورة فلا بأس، ثم هو في ما نرى بالخيار: إن شاء نوى الانفراد حال التشهد وأكمله وسلم، فتكون صلاة العشاء مقصورة، وإن شاء استمر مع إمامه، فإذا سلم إمامه أتى بركعة وتكون صلاة العشاء في حقه تامة.(167/23)
حكم المفاضلة بين أبي بكر وابن القيم
السؤال
فضيلة الشيخ: حصل خلاف بين أحد الإخوة فقال أحدهم: ابن القيم أعلم في علم الشرع من أبي بكر، وقال الآخر: لا؛ لأن ابن القيم أتى بعد الصحابة ولا يعلم جميع الحديث، وقال: إن أبا بكر كان ملازماً للرسول فعلم جميع الحديث، فأيهما ترجح؟
الجواب
هل أحد يشك أن أبا بكر أعلم من ابن القيم ومن شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً في علوم الشريعة؟!! لا أحد يشك، ولهذا كان قول أبي بكر حجة وقول ابن القيم ليس بحجة.
أما العلوم الأخرى التي حدثت بعد فهذه قد تخفى على أبي بكر -رضي الله عنه- لكن لو كان فيها خير لكان أبو بكر أعلم الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السائل: لكن قد يعلم حديثاً ما سمعه أبو بكر؟ الشيخ: وما أدرانا أنه لم يسمعه؟ السائل: قد يكون لم يعرف؟ الشيخ: كلمة (قد) هذه غير محققة.
السائل: حديث معاذ الذي قال فيه: (لا تبشرهم) ؟ الشيخ: أنت تظن أن أبا بكر -رضي الله عنه- يخفى عليه شيء وهو ملازم للرسول عليه الصلاة والسلام ملازمة تامة؟ أما حديث معاذ فقد يكون الرسول أخبر معاذاً بذلك وقال: (لا تبشرهم) وقد أخبر أبا بكر به.
ثم هذا كلام لغو لا يقصد به قائله إلا شراً، كيف يفاضل بين أعلم الأمة وبين من هو في القرن السابع.
السائل: ليس بالفضل بل في العلم؟ الشيخ: والعلم أليس بفضل؟!! الشيخ: الخلاصة: أن هذا كلام لا يأتي إلا من سفهاء لا يعرفون قدر الصحابة ولا سيما قدر أبي بكر رضي الله عنه.(167/24)
حكم بيع الدش للكافر
السؤال
هناك رجل عنده دش، ومنَّ الله عليه بالهداية والتوبة، فهل يجوز له أن يبيع هذا الدش لكافر أو لنصراني؟
الجواب
لا يجوز له هذا، ويجب عليه أن يكسره، وليس هناك طريق للتوبة إلا هذا، فإن تكسيره إياه مع أنه بذل به ثمناً يدل دلالة واضحة على أنه تائبٌ توبة نصوحاً، ويخلف الله عليه؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] ، كذلك إذا كسر الإنسان الشيء طاعة لله تعالى وتوبة إليه؛ فإن الله تعالى يخلفه عليه.(167/25)
حكم العمرة لمن عليه دين
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل دخل مكة غير محرم، وقال: أريد العمرة وعليه دين، هل عليه شيء في دخول مكة غير محرم جزاك الله خيراً؟
الجواب
إذا كان قد أدى الفريضة فلا شيء عليه، وإن لم يؤدها وجب عليه أن يؤدي العمرة.(167/26)
حكم أخذ الكفار مشورتهم السياسية من السيرة
السؤال
فضيلة الشيخ: ما قولك في اليهود والنصارى الذين يأخذون من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الشيخ: يعني يقرءونها؟ السائل: نعم يقرءونها ويعملون بها؟
الجواب
لا يمكن هذا، اللهم إلا في مسائل الحرب.
السائل: في مسائل الحرب فقط.
الشيخ: في مسائل الحرب والتدبير لا بأس، لكن كونهم يأخذونها في الشريعة لا يمكن هذا، إذا أخذوا بها في الشريعة صاروا مسلمين، وقلت لك: لا بأس أن يأخذوا مثلاً في الحرب والسياسة وما أشبه ذلك، كما نحن الآن يجوز أن نأخذ مثلاً من الكفار ما يتعلق بالحرب وأساليب الأسلحة وغيرها.(167/27)
البدء بالدعوة إلى التوحيد في مكان يكثر فيه أهل البدع
السؤال
شخص يدعو إلى الله عز وجل في مكان يكثر فيه أهل البدع فبدأ بفضائل الأعمال وترك التوحيد لأجل ألا يتعرض له الأعداء، هل يجوز هذا الشيء؟
الجواب
هذا ينبني إذا كان المقصود بالدعوة الهداية، فإذا رأى أن من أسباب ذلك ألا يباغتهم بإنكار ما هم عليه من التوحيد وأنه عازم على أن يدعوهم، لكن أراد أن يطمئنهم بذكر الصلاة والحث عليها والزكاة والصيام والحج، ثم بعد ذلك يعرج على التوحيد، فأرجو ألا يكون بذلك بأس.
أما إذا كان لا يريد أن يتكلم في التوحيد إطلاقاً يقول: لن أتكلم فيه، هذا يؤدي إلى شر، فهذا لا يجوز، لكن إذا جعل هذا سلماً للوصول إلى الدعوة للتوحيد فلا بأس.
أسأل الله تعالى أن يجعله لقاءً نافعاً، وأن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والصلاح إنه على كل شيء قدير.(167/28)
لقاء الباب المفتوح [168]
قام الشيخ بتفسير الآيات من سورة النجم، والتي تتحدث عن معراج النبي صلى الله عليه وسلم، ونبه إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معراجه بروحه وجسده، وإلى أن ما رآه كان حقيقة بعينة وفؤاده الثابت، وكذا تكلم عن سدرة المنتهى وسر تسميتها بهذا الاسم.
وأجاب بعد ذلك هنا على الأسئلة التي كان غالبها عن أحكام في الصلاة، وفتوى في حكم أفلام الكرتون للأطفال.(168/1)
تفسير آيات من سورة النجم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والستون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثاني والعشرون من شهر جمادى الآخرة عام (1418هـ) .
نبتدئ به كما هي العادة بتفسير ما تيسر من آيات الله عز وجل في كتابه العظيم، وقبل الشروع أنبهكم أنه في الخميس القادم ليس هناك لقاء.(168/2)
تفسير قوله تعالى: (ما كذب الفؤاد ما رأى)
قال الله تبارك وتعالى في سورة النجم في قصة المعراج: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:11] واعلم -أيها الأخ المسلم- أن للنبي صلى الله عليه وسلم إسراءً ومعراجاً، فالإسراء ذكره الله في سورة الإسراء، والمعراج ذكره الله في سورة النجم، وكلاهما في ليلة واحدة قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين أو سنة ونصف -اختلف المؤرخون في هذا- ثم إن الإسراء والمعراج كان ببدن النبي صلى الله عليه وسلم وروحه، وليس بروحه فقط.
وأما قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء:60] فالمراد بها رؤية العين لا رؤية المنام.
يقول الله تعالى في سياق الآيات في المعراج: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:11] (الفؤاد) القلب، والمعنى: أن ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم بعينه فإنه رآه بقلبه وتيقنه وعلمه، وذلك أن العين قد ترى شيئاً فيكذبها القلب، وقد يرى القلب شيئاً فتكذبه العين، فمثلاً: الإنسان قد يرى شبحاً بعينه فيظنه فلان ابن فلان، ولكن القلب يأبى هذا؛ لأنه يعلم أن فلان ابن فلان لم يكن في هذا المكان، فهنا العين رأت والقلب كذَّب، أو بالعكس قد يتخيل الإنسان الشيء في قلبه ولكن العين تكذبه.
أما ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فإنه رآه حقاً ببصره وبصيرته، ولهذا قال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:11] بل تطابق القلب مع رؤية العين، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم كاذباً فيما رآه من الآيات العظيمة في تلك الليلة، بل هو صادق، ولكنكم تعلمون أن المشركين كذبوه، وقالوا: كيف يمكن أن يصل إلى بيت المقدس ويعرج إلى السماء في ليلة واحدة؟!!(168/3)
تفسير قوله تعالى: (أفتمارونه على ما يرى)
قال تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} [النجم:12] والاستفهام هنا للإنكار والتعجب، ومعنى (تمارونه) أي: تجادلونه بقصد الغلبة، ولهذا عداها بـ (على) دون (في) ، يعني: لم يقل: (أفتمارونه في ما يرى) ، بل قال: (على ما يرى) إشارة إلى أن الفعل ضمن معنى المغالبة، يعني: أفتجادلونه تريدون أن تغلبوه (على ما يرى) أي: على شيءٍ رآه، ولكنه عبر عن الماضي بالمضارع، إشارة إلى استحضار هذا الشيء، وأنه عليه الصلاة والسلام حين أخبر به كأنما يراه الآن؛ لأن الإنسان إذا حدث عن ماضٍ فربما يقول قائل: لعله نسي فأخطأ، لكن إذا عبر بالمضارع صار كأنه يتحدث عن شيءٍ هو يشاهده.
{أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} فهل المعنى على ما يرى الآن أم على ما رأى من قبل، ولكن عبر عما رأى بالمضارع؟(168/4)
تفسير قوله تعالى: (ولقد رآه نزلة أخرى)
انتبهوا لهذه النكتة العظيمة وأعني بالنكتة يعني: الحكمة البالغة؛ حيث تكون تعبيرات القرآن الكريم إذا عبر بخلاف ما يتوقع فلابد أن يكون هناك عبرة تظهر للمتأمل، {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم:12-13] رآه الفاعل: محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمفعول به: جبريل، أي: رأى محمدٌ جبريل، (نزلة أخرى) أي: مرة أخرى حين نزل، فما هي المرة الأولى؟ المرة الأولى رأى الرسول عليه الصلاة والسلام جبريل وهو في غار حراء، رآه على خلقته التي خُلق عليها، أتدرون كيف رآه؟!! رآه وله ستمائة جناح قد سد الأفق، وهذا يدل على عظمته، كل الأفق الذي حول الرسول عليه الصلاة والسلام في حراء انسد من أجنحة هذا الملك الكريم، ولهذا وصفه الله بأنه ذو قوة، {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير:20] وبأنه ذو مرة، أي: هيئة حسنة كما سبق في هذه السورة، فرآه مرة في الأرض ومرة في أفق السماء، في الأرض وهو في غار حراء، أما في السماء ففوق السماء، فتارة رآه من تحت السماء من فوق الأرض، وتارة من فوق السماء، ولهذا قال: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} نزلة أي: مرة أخرى.(168/5)
تفسير قوله تعالى: (عند سدرة المنتهى)
قال تعالى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم:14] رآه عند السدرة؛ والسدرة معروفة في الأرض شجرة السدر، لكن السدرة التي في السماء السابعة ليست كصفة السدرة التي في الدنيا، نبقها كقلال هجر، وأوراقها كآذان الفيلة، فهي شجرة عظيمة، وسميت شجرة سدرة المنتهى بـ (سدرة المنتهى) لأنه ينتهي إليها كل صاعدٍ من الأرض، وينتهي إليها كل نازلٍ من عند الله عز وجل، فهي منتهى من الطرفين: الطرف الأول: ما يصعد من الأرض إلى السماء ينتهي عند هذه السدرة، وما ينزل من الرب عز وجل ينتهي عند هذه السدرة، وما يصعد من الأرض ينتهي إليها فهي منتهى من الطرفين.(168/6)
تفسير قوله تعالى: (عندها جنة المأوى)
قال تعالى: {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم:15] إذاً: الجنة فوق السماء السابعة؛ فإذا كانت السدرة فوق السماء السابعة وكانت الجنة عندها ماذا يكون؟ يلزم أن تكون الجنة فوق السماء السابعة وهو كذلك، وأعلاها وأوسطها الفردوس -جعلنا الله وإياكم من أهلها- التي فوقها عرش الرحمن جل وعلا، ولهذا قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين:18] وعليين مبالغة في العلو، يعني: في أعلى شيء، المهم أن الله يقول: (عندها) أي: عند هذه السدرة (جنة المأوى) المأوى يعني: المصير، ومأوى مَن؟ مأوى من جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، هي مأواهم يأوون إليها ويخلدون فيها، وأما النار فهي مثوى الكافرين -والعياذ بالله-.
وفي هذا دليل واضح على أن غاية الخلائق -الجن والإنس- إما إلى الجنة وإما إلى النار ولا ثالث لهما، فالجن والإنس إما في النار وإما في الجنة، قال السفاريني رحمه الله في عقيدته:
وكل إنسان وكل جِنَّة في دار نار أو نعيم جَنَّة
لا دار غيرهما.
والقبور هل هي مثوى ومأوى؟ لا.
ليست مثوى ولا للموتى أيضاً، لأن القبور ممر ومعبر إذ أن وراء القبور بعث.
ويذكر أن بعض الأعراب من البادية سمع قارئاً يقرأ قول الله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] فقال الأعرابي بفطرته وعربيته: والله ما الزائر بمقيم، وإن وراء ذلك شيئاً.
فما معنى: ليس الزائر بمقيم؟ الزائر يزور ثم ينصرف، أيضاً القبور يمكث الناس فيها ما شاء الله أن يمكثوا ثم يخرجون منها، قال الله تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100] فالناس لابد أن يبعثوا.
والعبارة التي نسمعها أو نقرؤها أحياناً: أن الرجل حملوه إلى مثواه الأخير -يعني: إلى المقبرة- عبارة غير صحيحة، لماذا؟ لأن القبور ليست المثوى الأخير، ولو كان قائلها يعتقد معناها لكان لازم ذلك أن ينكر البعث.(168/7)
تفسير قوله تعالى: (إذ يغشى السدرة ما يغشى)
قال تعالى: {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم:15-16] السدرة ما هي؟ أي سدرة هي؟ سدرة المنتهى، لأنه قال في الأول: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم:13-14] ثم قال: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ} [النجم:16] و (أل) في مثل هذه العبارة تسمى عند النحويين أل للعهد الذكري، كقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل:15-16] .
{إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ} [النجم:16] يعني: سدرة المنتهي، {مَا يَغْشَى} [النجم:16] أبهم الله ذلك للتفخيم والتعظيم يعني: غشاها شيءٌ عظيم، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنه غشيها من الحسن والبهاء ما لا يستطيع أحدٌ أن يصفه) سبحان الله العظيم! {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} نظير ذلك في الإبهام للتعظيم قول الله تبارك وتعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه:78] أي: غطاهم من ماء البحر ما غطاهم، وهو شيء عظيم، هذا أيضاً: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} أي: غشيها شيء عظيم بأمر الله عز وجل، بلحظة كن فيكون.(168/8)
تفسير قوله تعالى: (ما زاغ البصر وما طغى)
قال تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم:17] بصر مَن؟! بصر النبي صلى الله عليه وسلم، (وما طغى) يقول العلماء: (زاغ) أي: انحرف يميناً وشمالاً (طغى) : أي: تجاوز أمامه، يعني: الرسول عليه الصلاة والسلام كان على كمال الأدب في هذا المقام العظيم، لم يلتفت يميناً وشمالاً ولم يتقدم بصره أكثر مما أذن له فيه، وهذا من كمال أدبه عليه الصلاة والسلام، جرت العادة أن الإنسان إذا دخل منزلاً غريباً تجده ينظر يميناً وشمالاً ما هذا المنزل؟! خصوصاً إذا تغير تغيراً عظيماً في هذه اللحظة لابد أن ينظر ما الذي حدث، لكن لكمال أدب النبي صلى الله عليه وسلم ورباطة جأشه صلوات الله وسلامه عليه وتحمله ما لا يتحمله بشر سواه صار في هذا الأدب العظيم.
(ما زاغ البصر) بصر الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: ما انحرف يميناً ولا شمالاً، (وما طغى) أي: ما تجاوز أمامه، بل كان على غاية من كمال الأدب عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال الله عنه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] .(168/9)
تفسير قوله تعالى: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى)
ثم قال عز وجل: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:18] رأى الرسول صلى الله عليه وسلم، (لقد رأى) وأنت -أخي المسلم القارئ للقرآن- يمر بك مثل هذا التعبير دائماً، (لقد رأى) ، {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] ، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون:12] إلى آخره، كثير من الأمثلة، هذه الجملة يقول العلماء: إنها مؤكدة بأنواع ثلاثة من المؤكدات: الأول: قسم مقدر.
والثاني: اللام.
والثالث: قد.
لأن معنى (ولقد) معناه: والله! لقد، فتكون جملة مؤكدة بالقسم، واللام، وقد، والقسم مقدر لكن دل عليه السياق.
(ورأى) يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:18] الآية: هي العلامة المخصصة لمدلولها التي لا يشركه فيها أحد، وإلا لم تكن علامة لم تكن آية، فالآية لابد أن تكون خاصة بمدلولها، فليس كل علامة آية، بل هي التي تختص بمدلولها، فهذا الذي رآه النبي عليه الصلاة والسلام من آيات الله كبيرٌ عظيم، وقوله: (الكبرى) قيل: إنها مفعول ثان لرأى {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:18] .
وقيل: إن الكبرى صفة لآياته، والمعنى: أنه رأى من آيات الله الكبيرة.
والثاني أصح وأقرب، يعني: أنه رأى من آيات الله الكبرى ما رأى، وليس ما رآه أكبر شيء، بل قد يكون هناك شيء أكبر لا نعلمه.
والحاصل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى في هذا المعراج من آيات الله الكبيرة ما لم يكن يراه من قبل، وما لا يستطيع الصبر عليه أحدٌ من البشر، نحن لو رأينا سرادقاً عظيماً لملك من الملوك لانبهرنا وتعجبنا وجعلنا نلتفت يميناً وشمالاً، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتغير عقله ولا اتزانه، بل كان على أكمل ما يكون من الاتزان، وإلا فقد أسري به من المسجد الحرام؛ من الحجر عند الكعبة -والحجر من الكعبة- إلى بيت المقدس مسيرة شهر أو شهرين؟ شهرين، في لحظة؛ لأنه ركب على البراق، والبراق دابة عظيمة قوية سريعة خطوته مد بصره، وسريع جداً، وصل إلى هناك وصلى بالأنبياء ثم عرج به إلى السماء؛ والسماء كم بعدها عن الأرض؟ بعيدة جداً، ثم من سماءٍ إلى سماء، وهو تتلقاه الملائكة تسأله تقول لجبريل: من معك؟ يقول: محمد، هل أرسل إليه؟ يقول: نعم، ثم يسلم على بعض من في السماوات من الأنبياء ثم تفرض عليه الصلاة ويتردد بين الله وبين موسى، كل هذا وهو ثابت الجأش عليه الصلاة والسلام.
وهذا شيء حقيقي هو بنفسه عليه الصلاة والسلام صعد، ولهذا لما جاء وحدث الناس من الغد أنكرته قريش؛ لأنها تنكر ما لا يمكن في عقلها، وإنكار ما لا يمكن بالعقل ليس خاصاً بكفار قريش بل حتى في من ينتسب لهذه الأمة أنكروا من صفات الله ما لا تدركه عقولهم، أليس كذلك؟ أناس ينتسبون للأمة الإسلامية وهم من أهلها أنكروا شيئاً من صفات الله أثبتها الله لنفسه؛ لأنه على زعمهم لا يمكن في العقل.
قريش أنكرت هذا المعراج، أرأيتم لو كان مناماً هل تنكره قريش؟ لا تنكره؛ لأن المنامات يكون فيها مثل هذا، لكنه أمر حسي حقيقي، أسري بالرسول عليه الصلاة والسلام بجسده وعرج به في ليلة واحدة، وحصلت كل هذه الأمور التي حصلت ثم عاد إلى الأرض، وصلى الفجر في مكة عليه الصلاة والسلام.
{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} وفي هذا إشارة إلى أن آيات الله عز وجل منها الكبير ومنها ما دون ذلك، ما نقول ومنها الصغير؛ لأن الكبرى اسم تفضيل، وغلط من قال من المفسرين المتأخرين: إن الكبرى اسم فاعل بل هي اسم تفضيل؛ لأن آيات الله عز وجل إما كبيرة، وإما كبرى عظمى، فالمعراج الذي حصل لا شك أنه من الآيات الكبرى العظيمة.(168/10)
الأسئلة(168/11)
حكم الاتكاء في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ: يوجد في مسجدنا أناس إذا وصلوا إلى التشهد الأول أو الأخير فإنهم يتكئون على جدار صغير بجوارهم، فما حكم ذلك؟
الجواب
أما الاتكاء وهو واقفٌ في الفريضة فإنه مكروه، وإذا كان لو أزيل المتكأ عليه لسقط بطلت الصلاة، أما الاتكاء وهو قاعد فإنه لا يضر؛ لأنه لو اتكأ وهو قاعد لم يتأثر حتى لو زال المتكأ عليه ما يسقط، لكن مع ذلك كونه يعتمد على نفسه أفضل وأولى.
الاتكاء في حال الجلوس لا بأس به، يعني: قد يستريح الإنسان قليلاً، أما الاتكاء في حال القيام فإذا كان في الفريضة وكان اعتماداً تاماً بحيث لو أزيل ما اعتمد عليه لسقط فإن الصلاة باطلة.(168/12)
حكم من يقول: عندما قدم فلان أتى المطر
السؤال
توجد ألفاظ شركية منتشرة كمن يقول: عندما أتانا فلان أتى المطر، فهل هذه تعتبر شركاً أكبر أم شركاً أصغر؟
الجواب
يقول: إن بعض الناس إذا جاء المطر وصادف مجيء المطر مجيء شخصٍ آخر قال: لما جاءنا جاء المطر، فجعل مجيء الرجل سبباً للمطر، وهذا كذب، وما أدراه أن الله أنزل المطر من أجله؟!! فهذا قال على الله بلا علم، وفي هذا نوع من الشرك؛ لأنه أضاف الشيء إلى سببٍ غير معلوم، فعليه أن يتوب إلى الله ولا يعود.
السائل: هل يكون هذا شركاً أكبر أم أصغر؟ الشيخ: لا.
لا يكون شركاً أكبر؛ لأنه لم يقل: هذا الرجل هو الذي جاء بالمطر.(168/13)
حكم مشاهدة الأطفال لأفلام الكرتون
السؤال
فضيلة الشيخ: ما رأيك بأشرطة الفيديو التي فيها أفلام كرتون كقصص الأنبياء ومحاضرات بعض المشايخ؟
الجواب
أما المحاضرات فلا بأس؛ لأن فيها مصلحة وليست هذه من الصور التي يحذر منها؛ لأنها في نفس الشريط لا ترى ولا تشاهد، وأما الأنبياء فلا يجوز أن تصور صور الأنبياء، لا في الفيديو ولا في الأوراق؛ لأنهم أشرف من أن تبتذل صورهم بين أيدي الناس.
السائل: أفلام الكرتون؟ الشيخ: أفلام كرتون أرجى؛ لأن الكرتون حسب ما نعرفه تجعل الصور مشوهة، ما هي حقيقية فلا يجوز.
السائل: من قصص القرآن مثل غلام الأخدود.
الشيخ: هذا أيضاً غلط؛ لأنه ما الذي أدراهم أن أصحاب الأخدود على هذه الكيفية من الأجسام والصفة، الخلق يتضاعف من آدم إلى هذه الأمة، كان الناس في السابق طولهم ستون ذراعاً وعرضهم سبعة أذرع، ثم بدأ الخلق يتناقص إلى أن وقف عند هذه الأمة، وصار كما تشاهدون، فالذي أرى أن ما يمثل شيئاً لا علم للإنسان به فإنه لا يجوز عرضه.
السائل: بعضهم يقول: لكي يترسخ في عقول الأطفال.
الشيخ: هل أنت الآن لا تعرف قصة أصحاب الأخدود؟ السائل: بلى! الشيخ: عرفتها بواسطة هذا؟ السائل: لا.
الشيخ: انتهى، إذا عرفتها أنت عرفها غيرك بدون هذه الأشياء، ثم من الذي يمثل هذا قد يكون إنساناً لا يعرف شيئاً عن قصة أصحاب الأخدود، لكن تخيله قال: هذه هي صورتهم.
السائل: القصة بها أشياء ظاهرية تفهم.
الشيخ: المهم أني أرى أن ما يتعلق بقصص القرآن لا يجوز تمثيله ولا يجوز عرضه على الصبيان حتى أنا في نفسي شيء من عرض قصة محمد الفاتح على الصبيان؛ لأنه إذا كان لا يعرض أمام الصبي إلا قصة هذا الرجل فسوف يظن أن هذا الرجل هو بطل الإسلام، وأنه لا بطل غيره، وهذا ليس بصحيح، ففي الإسلام أبطالٌ لا يدركهم الفاتح ولا إلى ركبهم.(168/14)
ضعف حديث: (لعن الشارب قبل الطالب)
السؤال
فضيلة الشيخ! إني أسمع أحدهم يقول: (لعن الله الشارب قبل الطالب) فما صحة هذا الحديث؟
الجواب
هذا حديث كذب (لعن الله الشارب قبل الطالب) هذا لا صحة له، لكنه ليس من الأدب إذا طلب الإنسان ماءً أن يتقدم أحدٌ عليه، بل يعطى الطالب ثم الطالب يعطي الذي عن يمينه.(168/15)
أفضلية وضع المال في بناء المسجد دون كمالياته
السؤال
فضيلة الشيخ: بالنسبة لإنفاق الأموال على عمارة المساجد هل يختلف وضع المال في الأساسات عن وضعه في الفرش والأجهزة التكميلية، وهل الأجر ينقطع بإزالة مثلاً الفرش أو غيرها؟
الجواب
لا شك أن بذل الأموال في المساجد في شيء يبقى أحسن، يعني: مثلاً شراء الأرض يبقى حتى لو هدم المسجد بقيت الأرض، البناء يبقى، الفرش ما يبقى، يتمزق ويتلف، الأجهزة الأخرى كاللمبات وما أشبهها أيضاً تزول، مكبرات الصوت تخرب، فالمهم أن كل ما كان أبقى فهو أفضل.(168/16)
حكم ترك فرض صلاة عمداً
السؤال
فضيلة الشيخ: هناك شخصٌ لا يصلي الفجر وبقية الفروض يصليها على حسب راحته هل يعتبر كافراً أم لا؟
الجواب
لا يصلي الفجر جماعة ولا وحده؟ السائل: نعم.
الشيخ: هذه مسألة اختلف فيها العلماء -الذي يترك صلاةً واحدة حتى يخرج وقتها بدون عذر- من العلماء من قال: إنه كافر، وإليه ذهب بعض السلف وبعض الخلف، وهو رأي الشيخ عبد العزيز بن باز في وقتنا الحاضر أنه إذا ترك صلاةً واحدة بلا عذر حتى خرج وقتها فهو كافر.
لكن الذي أرى: أنه لا يكفر إلا إذا ترك الصلاة نهائياً، وأن الذي يصلي يترك مع إقراره بوجوبها لا يكفر، لكن يعد من أفسق عباد الله.
مثلاً: الذي يصلي ويترك، هذا إذا قلنا: لا يكفر فذنبه أعظم من الزنا وشرب الخمر وقتل النفس؛ لأنه أتى أمراً يرى بعض العلماء أنه كافر.(168/17)
الخليفة الراشد الخامس وهل يؤخذ بسنته
السؤال
فضيلة الشيخ: عمر بن عبد العزيز هل يعتبر من الخلفاء الراشدين، وهل يؤخذ بسنته؟
الجواب
يرى بعض العلماء أنه من الخلفاء الراشدين، ولكن هذا من الخلفاء الراشدين في سيرته رحمه الله لكنه لا يعد في قوله وهديه كالخلفاء الأربعة؛ لأن الخلفاء الأربعة من الصحابة وقول الصحابي حجة لا سيما مثل هؤلاء الأربعة، أما هو فيعتبر قوله كقول أكابر التابعين، لكن في سيرته وهديه لا شك أنه حريصٌ على اتباع سنة الخلفاء الراشدين.(168/18)
حكم حلق شعر الرقبة
السؤال
فضيلة الشيخ: هل يجوز حلق الشعر الذي على الخدود والذي تحت الذقن على الرقبة؟
الجواب
الشعر الذي على الرقبة تحت الذقن يجوز حلقه؛ لأنه ليس من اللحية، وأما الذي على الخدود فعلى حسب ما قال علماء اللغة من اللحية، فيحرم حلقه.(168/19)
جواز وضع المصحف في الجيب الأيمن
السؤال
هل يجوز وضع المصحف في الجيب الذي عن يميني؟
الجواب
يجوز للإنسان أن يضع المصحف في جيبه الذي على صدره وفي جيبه الذي على جنبه، لكن إذا وضعه في جيبه الذي على جنبه فيلاحظ عند الجلوس ألا يكون عند مقعدته، يعني: يجعله على فخذه.(168/20)
حكم التسبيح بالسبحة
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم التسبيح بالمسبحة؟
الجواب
التسبيح بالمسبحة جائز، لكن باليد أحسن وأفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبعض الصحابة وهن نساء يعددن بالحصى قال: (اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات) يعني: تقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، أما ما يفعله بعض الناس يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر في إصبع واحدة فهذا لا أظنه من السنة، أما السنة يكون العقد بالإصبع كله؛ لأن قوله: (اعقدن بالأنامل) معروف العقد عند العرب، أنهم لا يعقدون بكل أنملة وحدها، وإنما يعقدون بالإصبع كله، فمثلاً يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر بدون أن يشير إلى المفاصل.
بعض الناس يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر على كل مفصل تسبيحه أو تحميده وهذا لا أظن أنه هو السنة، السنة هكذا: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، سبحان الله والحمد لله والله أكبر، سبحان الله والحمد لله والله أكبر، لماذا؟ لأن الرسول قال: (اعقدن بالأنامل) والعقد عند العرب ما يكون في كل مفصل بل بالأصابع كما في حديث ابن عمر عقد ثلاثاً وخمسين أو ثلاثاً وستين.(168/21)
حقيقة المسيح الدجال
السؤال
المسيح الدجال أهو من ولد آدم؟
الجواب
إي نعم، المسيح الدجال من ولد آدم لا شك فيه.
السائل: وهو موجود الآن؟ الشيخ: لكنه رجل خبيث والظاهر أنه غير موجود، وأما حديث الجساسة ففي النفس منه شيء لا يظهر لي بأنه حديث صحيح لما فيه من الاضطراب وفي بعض ألفاظه نكارة.
السائل: لكن يوم القيامة ورد شيء من مصيره يوم القيامة؟ الشيخ: كل كافر فهو في النار وهو من الكفار، فالأصل أنه من أهل النار، لأن عيسى عليه الصلاة والسلام هو الذي يقتله على أنه كافر.
السائل: سمعنا -يا شيخ- من ينسب إليكم القول بأنه كان موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في قصة تميم الداري ثم نفيتم وجوده بحديث: (أرأيتكم ليلتكم) ؟ الشيخ: لا، لا، أبداً ما قلنا هذا.
السائل نفسه: غير صحيح؟ الشيخ: إي نعم، من أصله، نحن نشك في صحة حديث تميم الداري في قصة الجساسة.(168/22)
حكم استعمال الوقف في غير ما وقف عليه
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم استعارة بعض الأشياء من المساجد لترميم مدارس أو غيرها كاللاقط إن كان هناك؟
الجواب
لا يجوز أن يستعمل الموقوف على جهة في جهة أخرى، فالذي للمساجد من اللاقطات والمصاحف والكتب وغيرها لا يجوز أن ينقل إلى مدرسة ولا إلى مسجدٍ آخر، إلا إذا تعطل المسجد فينقل إلى مسجدٍ آخر، لا إلى المدراس.
السائل: يؤخذ لمدة ساعة أو ساعتين؟ الشيخ: ولا دقيقة ولا دقيقتين.(168/23)
حكم ترك إيقاظ النائم للفجر حتى الشروق
السؤال
فضيلة الشيخ: أنا أصلي بالناس في مسجد وقد أتأخر بعد صلاة الفجر بالرجوع إلى المنزل حتى أوقظ إخواني مثلاً، فإذا رجعت بعد شروق الشمس هل أوقظهم مباشرة أو أتركهم حتى يستيقظوا وبعد خروج الوقت؟
الجواب
لا لا، أولاً: تقدمك في الخروج من المسجد أفضل من كونك تبقى إلى أن تطلع الشمس في المسجد، اخرج أيقظ هؤلاء.
السائل: لكن قد اضطر لهذا؟ الشيخ: ولو أتاك أشخاص، لأن بقاءك لهؤلاء الأشخاص سنة، وكونك توقظ من أنت مسئولٌ عنهم واجب.(168/24)
حكم التأخر عن متابعة الإمام
السؤال
التأخر عن القيام مع الإمام في قراءة الفاتحة وخاصة عند من يقول: بأن قراءة الإمام تجزي عن قراءة المأموم ما الحكم؟ الشيخ: كيف يتأخر؟ السائل: يتأخر في مدة السجود أو في التشهد أو الجلسة، وإذا به قد شرع في قراءة الفاتحة خاصة عند من يقول: بأن قراءة الإمام تجزئ عن المأموم؟ الشيخ: التأخر عن الإمام خطأ عظيم ومخالف لأمر النبي عليه الصلاة والسلام، حتى في السجود وهو يدعو لا يتأخر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا كبر فكبروا) فأتى بالفاء الدالة على التعقيب، وهي أيضاً جواب الشرط.
السائل: حتى في قراءة الفاتحة يا شيخ؟! الشيخ: حتى في قراءة الفاتحة ما يجوز.
السائل: ما تجزئ قراءة الإمام للفاتحة عن المأمومين؟ الشيخ: ما تجزئ لابد أن يقرأ المأموم الفاتحة، لابد أن يقرأها قائماً مع القدرة على القيام، ولا يجوز أن يتخلف عنها في السجود، وإذا رأيتم أحداً على هذا فانصحوه، سواء في الفجر أو غير الفجر، قل له: أنت الآن لست مستقلاً أنت تبع إمامك، لا تتقدم عليه ولا تتأخر عليه.(168/25)
حكم قراءة المأموم للفاتحة في حال النهوض
السؤال
إذا كان المأموم بطيء النهوض ولا يكاد يقف إلا وقد ركع الإمام، هل يقرأ الفاتحة في حال النهوض، أو يصلي جالساً؟ جزاكم الله خيراً؟
الجواب
لا، يقوم ويقرأ ما تيسر من الفاتحة ويكملها ولو ركع الإمام.
السائل: هل يقرأ في حال نهوضه؟ الشيخ: لا يقرأ في حال نهوضه؛ لأنه قادر على القيام.
السائل: قد لا يدرك إلا آيتين حتى إن الإمام ركع؟ الشيخ: لكن ألا يستطيع أن يقرأ الخمس آيات الباقية؟ السائل: لا يمكنه لأنه بطيء النهوض.
الشيخ: والله! لا أدري، نتوقف فيها حتى يفتح الله علينا.
السائل: ألا يصلي جالساً؟ الشيخ: ما أدري.(168/26)
حكم القزع
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم القزع؟ الشيخ: ما هو القزع؟ السائل: أن يحلق بعض الشعر.
الشيخ: أنا أفهم يا أخي! أنا أريد هذا السائل أن يعلمني عنه؟ السائل: حلق بعض الرأس وترك البعض.
الشيخ: القزع: حلق بعض الرأس وترك بعضه منهي عنه، أقل أحواله الكراهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى غلاماً حلق بعض رأسه دون بعض، فقال: (احلقه كله أو اتركه كله) .(168/27)
الرضعات التي بها يعتبر الراضعون إخوة ولو كثروا
السؤال
زوجة أخي أرضعت ستة أشخاص فما حكم الرضاعة؟ الشيخ: كم عدد الرضعات؟ السائل: مشبعات.
الشيخ: كم هي، ما أقول: هي مشبعة أم غير مشبعة، قل: كم هي؟ السائل: أرضعتهم فترة طويلة.
الشيخ: كم هي أربع أم خمس؟ السائل: خمس.
الشيخ: كل واحد أرضعته خمس رضعات؟ السائل: نعم.
في أوقات متفرقة وكلهم في سن واحد؟ الشيخ: يكون الجميع إخوة من الرضاعة، ويكون أولاد المرضعة إخوة لهم أيضاً.
السائل: لقد أرضعت الأخريات أبناءها، فزوجتي أرضعت أيضاً ابنها، وهي أرضعت ابني.
الشيخ: يكون ابنك أخاً لأولاد التي أرضعته، ويكون ابنها أخاً لأولادك سواء كانوا قبل أو بعد.
السائل نفسه: والذين يأتون من بعدهم؟ الشيخ: والذين بعدهم.
السائل: إخوان؟ الشيخ: أي الذين بعدهم من المرأة التي أرضعت لا الذين بعدهم من أم الراضع.(168/28)
(إذا وجد الماء بطل التيمم) قاعدة فقهية وليست بحديث
السؤال
هل: (إذا حضر الماء بطل التيمم) حديث؟
الجواب
هذا ليس بحديث.(168/29)
حكم الاستماع إلى الكلام الفاحش
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم استماع الأناشيد الفاحشة؟
الجواب
استماع الفاحش من الكلام سواء الأناشيد أو غير الأناشيد لا يجوز؛ لأن الله وصف عباد الرحمن فقال: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72] كل شيء حرام لا تستمع إليه ولا تقرأه.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى اللقاء القادم يوم الخميس إن شاء الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم جميعاً.(168/30)
لقاء الباب المفتوح [169]
شرح الشيخ من سورة النجم الآيات المتعلقة بالآلهة المزعومة مع الله، وكيف أن الله عز وجل أبان اللثام عن حقيقتها المزيفة، وكذا بيان أنها لن تشفع لهم يوم القيامة، وضرب الله المثل بالملائكة الذين عنده فكيف بهذه الأحجار؟! وأجاب بعد هذا عن أسئلة متفرقة في أبواب العبادات والمعاملات والإيمان بالغيب.(169/1)
تفسير آيات من سورة النجم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والستون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها باللقاء المفتوح، لقاءات الباب المفتوح، التي نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل فيها الخير والبركة، وهي تتم في كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس من شهر رجبٍ عام (1418هـ) .
وقبل أن نبدأ بموضوع الدرس نزجي الشكر لله عز وجل على نعمه وفضله بهذا الغيث العميم، وهذا المطر القوي الشامل، ونسأل الله تعالى أن يجعل فيه الخير والبركة، وأن يغيث القلوب بالعلم والإيمان إنه على كل شيء قدير.(169/2)
تفسير قوله تعالى: (أفرأيتم اللات والعزى)
موضوع اللقاء في هذا اليوم هو الكلام على ما تيسر على آيات من سورة النجم، انتهينا فيما سبق إلى آيات في قول الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:18] فلما بين الله سبحانه وتعالى ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم من آيات ربه العظيمة في الآفاق قال: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم:19] ؟ وهذا الاستفهام للتحقير والانحطاط أي: انحطاط رتبة هذه الأصنام التي ذكرها الله عز وجل يعني: أخبروني بعد أن سمعتم من آيات الله الكبرى ما سمعتم أخبرونا عن شأن هذه الأصنام ما قيمتها ما مرتبتها ما عزتها، {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم:19-20] ثلاثة أصنامٍ مشهورة عند العرب يعبدونها من دون الله، ويخضعون لها كما يخضعون لله، ويتقربون إليها كما يتقربون لله عز وجل، ومع ذلك هم يعتقدون أنها لا تنفعهم عند الشدة، إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، وعلموا أنه لا ينجيهم من هذه الشدة إلا رب العالمين، لكن الشيطان سَوَّلَ لهم وأملى لهم في عبادة هذه الأصنام التي يدعون أنها تقربهم من الله تعالى، كما قال الله عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] ولكنها في الحقيقة لا تقربهم إلى الله بل تبعدهم منه.
{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم:19-20] الثالثة بالنسبة للاثنتين قبلها، (الأخرى) يعني: المتأخرة وكأنها -والله أعلم- دون اللات والعزى في المرتبة عند العرب.(169/3)
تفسير قوله تعالى: (ألكم الذكر وله الأنثى)
ثم قال تعالى منكراً على هؤلاء المشركين: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى} [النجم:21] يعني: أتجعلون لكم الذكور ولله الإناث؟! وذلك في قولهم: إن الملائكة بنات الله، وهم لم يشهدوا خلق الملائكة ولم يطلعوا على ذلك، كما قال الله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [الزخرف:19]
و
الجواب
لا، لم يشهدوا خلقهم، لكن مع ذلك ستكتب هذه الشهادة عليهم: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} [الزخرف:19] نسأل الله العافية.
كانوا إذا بشر أحدهم بالأنثى ماذا يصنع؟ {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} [النحل:58-59] ومع ذلك يجعلون لرب العالمين الذي خلق الذكر والأنثى يجعلون له البنات ويجعلون لأنفسهم البنين، هل هذه القسمة قسمة عدل أو قسمة جور؟ قسمة جور {تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم:22] يعني: تلك القسمة وهي أن يجعلوا لله البنات ولهم البنين (قسمة ضيزى) أي: جائرة مائلة عن الحق؛ لأننا لو قلنا: بأنه جائز أن يكون لله ولد، لكان الأولى أن يكون له البنون؛ لأن البنين أعلى من البنات بلا شك، وهو سبحانه وتعالى أعلى من المخلوقين، فيجب أن يكون الأعلى للأعلى والأدنى للأدنى، هذه القسمة العادلة لو كان هناك قسمة.
ثم هناك قسمة أخرى دونها في العدل لكن فيها عدل: أن يجعلوا لله بناتاً ولهم بنات، ولله بنين ولهم بنين، لكن ما فعلوا هذا، جعلوا الأدنى للخالق والأعلى لهم، ولهذا قال عز وجل: {تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم:22] .(169/4)
تفسير قوله تعالى: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم)
ثم أعاد الله عز وجل بيان حقيقة هذه الأصنام المعبودة، فقال: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} [النجم:23] .
(إن) هنا نافية بمعنى: ما، وهذا ضابط ينتفع به طالب العلم: أنه إذا أتت (إلا) مثبتة بعد (إن) فـ (إن) هنا تكون نافية، مثل: إن هذا إلا بشر، إن هذا إلا مجتهد، وما أشبه ذلك.
فإن هنا نافية، بمعنى: ما هي إلا أسماء سميتموها، يعني: ما هذه الأصنام إلا مجرد أسماء لا حقيقة لها، أسماء سموها إلهاً ومعبوداً ولكن لا حقيقة لذلك، ما هي إلا مجرد أسماء، وهل الاسم يدل على مسماه؟ لا.
لو أنك سميت الحديد خشباً ما صار خشباً، ولو سميت الخشب حديداً ما صار حديداً، ولو سميت البغل حماراً لم يكن حماراً.
وهكذا، هذه الأصنام يسمونها آلهة هل تكون إلهاً؟ لا.
ما هي إلا مجرد اسم، والاسم بلا مسمى لا فائدة منه، ولهذا قال: {إِنْ هِيَ} أي: ما هذه الأصنام والمسميات {إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} أنتم المخاطبون الذين أدركوا زمن الرسالة والقرآن ((وآباؤكم)) يعني: الأجداد السابقين، ما هذه الأصنام إلا مجرد اسم {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} (ما) نافية يعني: أن الله عز وجل لم ينزل بها دليلاً، وسمي الدليل سلطاناً؛ لأن صاحب الدليل معه سلطة يعلو بها على خصمه، ومن ليس له دليل ليس له سلطان، فالسلطان يأتي دائماً بمعنى الحجة أي: الدليل؛ لأن من معه الدليل فهو ذو سلطة على خصمه.
{مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} ماذا تقولون في (إن) ؟ (إن يتبعون إلا الظن) نافية بمعنى: (ما) بناء على الضابط الذي ذكرته لكم، أنه إذا جاءت (إلا) مثبتة بعد (إن) فإن تكون نافية، (إن يتبعون) أي: هؤلاء وآباؤهم (إلا الظن) أي: الوهم الذي لا حقيقة له؛ لأنهم يقولون: هذه آلهة، على أي شيء اعتمدوا؟ على الوهم، فالظن هنا بمعنى الوهم، أي: ما يتبع هؤلاء لقولهم: أنها آلهة (إلا الظن) أي: الوهم والخيال الذي لا حقيقة له، {إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم:23] يعني: وما تميل إليه نفوسهم من الباطل.
ثم قال عز وجل: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم:23] الجملة هنا مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم المحذوف، واللام، وقد، والتعبير على هذا الوجه كثيرٌ في القرآن الكريم، وهو تأكيدٌ بثلاثة مؤكداتٍ كما قلت لكم: القسم، واللام، وقد.
القسم تقديره: والله! لقد جاءهم من ربهم الهدى، واللام موجودة و (قد) موجودة، فيؤكد الله عز وجل هنا أنه قد جاءهم من ربهم الهدى، وفي قوله: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ} لم يقل: (من الله) إشارة إلى أنه لا يجوز تلقي الشريعة إلا من عند الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الرب، والرب هو الخالق المالك المدبر.
{الْهُدَى} فاعل جاء، والمراد به العلم المقابل بقوله: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} هم يتبعون الظن والعلم جاء من عند الله {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} أي: العلم على لسان رسله عليهم الصلاة والسلام الذين خُتموا بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(169/5)
تفسير قوله تعالى: (أم للإنسان ما تمنى)
قال تعالى: {أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى} [النجم:24] (أم) هنا منقطعة، لأنها تأتي منقطعة وتأتي متصلة، إذا كان هناك مقابل فهي متصلة، وإذا لم يكن مقابل فهي منقطعة، فإذا قلت: أعندك زيدٌ أم عمرو فهي متصلة، وإذا قلت في مثل هذه الآية: {أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى} فهي بمعنى: بل، وهمزة الاستفهام يعني: بل أللإنسان ما تمنى؟ والاستفهام هنا للإنكار والنفي أي: ليس للإنسان ما تمنى.
كم يتمنى الإنسان من شيء ولكن لا يحصل؛ لأن هناك مدبراً وهو الله عز وجل، فليس للإنسان ما تمنى، إشارة إلى رد صنيع هؤلاء المشركين الذي يعبدون أصناماً يقولون: إنها تقربهم إلى الله، فهل لهم ذلك؟
الجواب
ليس لهم ذلك، لا تقربهم.
أيضاً رداً لقولهم: إن لله البنات ولهم البنين، هل لهم ذلك؟ لا.
هم وإن تمنوا هذا وصار في مخيلتهم فإنه لا يحصل ذلك؛ لأن لله الآخرة والأولى، ولهذا قال: {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} [النجم:25] وليس للإنسان ما تمنى، كثيراً ما يتمنى الآن في الحياة اليومية كثيراً ما يتمنى الإنسان شيئاً ولكن لا يحصل كثيراً ما يتمنى الشيء ويسعى في أسبابه ولكن لا يحصل؛ لأن الأمر بيد الله جل وعلا، ولهذا قال: {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} وبدأ بالآخرة؛ لأن ملك الله عز وجل في الآخرة يظهر أكثر مما في الدنيا، الدنيا فيها ملوك ورؤساء وزعماء يرى العامة أن لهم تدبيراً، لكن في الآخرة لا يوجد هذا، {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] هكذا قال الله عز وجل.(169/6)
تفسير قوله تعالى: (وكم من ملك في السماوات والأرض)
قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم:26] (كم) تكثيرية؛ لأنها تأتي تكثيرية يعني: كثيراً ما، وتأتي استفهامية، فإذا قلت لك: كم مالك؟ استفهامية، وفي قوله تعالى: {وكم من قرية أهلكناها} [الأعراف:4] لتكثيرها، هنا {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ} يعني: كثيرٌ من الملائكة في السماوات لا تغني شفاعتهم، وهنا يقول: {كَمْ مِنْ مَلَكٍ} وما أكثر الملائكة كما قال الله تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء:26] .
{فِي السَّمَاوَاتِ} لا في الأرض، والسماوات أعلى من الأرض، إذا كان هؤلاء الملائكة الكرام الذين مقرهم السماوات -إلا من أذن له أن ينزل الأرض- إذا كانت شفاعتهم لا تنفع، فهل يمكن أن تنفع شفاعة اللات والعزى ومناة؟!!
الجواب
لا.
يعني: كأن الله يقول لهؤلاء: ما أصنامكم هذه التي تستشفعون بها على الله، (كم من ملك) وهو أشرف من هذه الأصنام (في السماوات) وهي أشرف من الأرض (لا تغني شفاعتهم شيئاً) لو شفع ما تغني إلا بشرطين: (إلا أن يأذن الله لمن يشاء) من الملائكة أن يشفع فيشفع، (ويرضى) أن يرضى عن المشفوع له، وكذلك عن الشافع؛ لأنه لا يمكن أن يأذن للشافع إلا بعد أن يرضى عنه، ولابد أن يرضى عن المشفوع له، وإلا فلا تنفع الشفاعة كما قال عز وجل: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28] فأصنامكم هذه لن تنفعكم ولن يقبل الله شفاعتها، فشروط الشفاعة الآن ثلاثة: الأول: رضا الله عن الشافع: بأن يكون أهلاً للشفاعة لكونه من المقربين إلى الله عز وجل.
والثاني: أن يرضى عن المشفوع له: بأن يكون أهلاً لأن يشفع له، أما الكافر فما تنفعهم شفاعة الشافعين.
الثالث: الإذن: لقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255] .
فلابد من شروطٍ ثلاثة: رضا الله عن الشافع، وعن المشفوع له، وإذنه في الشفاعة.
{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} وهذا فيه تيئيس هؤلاء المشركين من شفاعة آلهتهم لهم.(169/7)
الأسئلة(169/8)
حكم قرض المال مع اشتراط نصف أرباحه
السؤال
فضيلة الشيخ: استلف رجلٌ مالاً من آخر مقابل أن يأخذ نصف الربح الذي سيصيبه المدين، فهل هذا الأمر جائز بارك الله فيكم؟
الجواب
رجل استلف من شخص مالاً يتجر به على أن يكون للمقرض نصف الربح، هذا حرام ولا يجوز؛ لأن القاعدة المقررة عند أهل العلم: أن كل قرض جر منفعة فهو ربا، لكنْ خيرٌ من ذلك أن يقول: خذ هذا المال اتجر به ولك نصف ربحه، إذا قال قائل: ما الفرق بين هذا وهذا؟ الآن فهمنا أنه لو أقرضه عشرة آلاف ريال وقال: هذه عشرة آلاف ريال قرضاً على أن لي نصف الربح.
الجواب: حرام أم حلال؟ حرام؛ لأنه قرضٌ جر نفعاً.
لكن لو قال: خذ عشرة آلاف اتجر بها ولك نصف الربح؟ حلال، ما الفرق؟ الفرق أنه في القرض لو خسر المال تكون الخسارة على المدين؛ لأنه استقرض عشرة آلاف وثبت في ذمته عشرة آلاف، لكن في مسألة المضاربة إذا قال: خذ عشرة آلاف اتجر بها ولك نصف الربح، إذا خسر المال أو تلف يكون ذلك على المضارب الذي دفع المال.
ولا تفصيل إلا هذا الذي قلته، رجل أقرض مالاً عشرة آلاف ريال وقال: اتجر به ولي نصف الربح، اتجر الرجل بالمال وخسر أو تلف، من يضمن العشرة ألف؟ نفس المقترض، سلم عشرة للذي أقرضه.
المسألة الثانية: أعطاه عشرة الآلاف قال: خذ هذه عشرة آلاف مضاربة اتجر بها ولك نصف الربح، ثم إن الله قدر على هذا المال واحترق على من يكون؟ على صاحب المال، وهذا فرق واضح.(169/9)
حكم تأخير المسافر لصلاة دخل وقتها وهو في الحضر
السؤال
إذا خرج المسافر من بلده بعد دخول وقت صلاة تجمع مع ما بعدها هل له تأخيرها بعد خروج وقتها ليجمعها في وقت التي بعدها؟
الجواب
إذا خرج المسافر بعد دخول وقت صلاة الظهر مثلاً، والظهر تجمع مع العصر، فله إذا خرج أن يجمع ويقصر، حتى وإن كان دخول الوقت في حال الحضر؛ لأن العبرة بفعل الصلاة لا بوقت الصلاة، هذا هو الضابط.
وبناء على ذلك: لو وجبت صلاة الظهر وأنت في السفر ثم قدمت بلدك فصل أربعاً مع أنها وجبت عليك ركعتين، لكن تصلي أربعاً لأن العبرة بالفعل، ولو دخل وقت الصلاة وأنت في بلدك ثم سافرت وصليت في البر، صليت ركعتين؛ لأن العبرة بفعل الصلاة.(169/10)
عورة المرأة بين محارمها وفي مجتمعات النساء
السؤال
فضيلة الشيخ: ما هو الحد الذي يجوز للمرأة أن تخرج من يديها عند المحارم وفي مجتمعات النساء؟
الجواب
الذراع والساق والرقبة والرأس والوجه كل هذا جائز، لكن ليس معنى هذا: أن تتخذ المرأة ثياباً تكون إلى الركبة أو إلى المرفق، لا، لابد أن تتخذ ثياباً ساترة واقية، لكن لو قدر أنها كشفت عن ذراعيها لشغل ما، وحولها نساء أو محارم فلا بأس، أو رفعت ثوبها لسبب وظهر ساقها وعندها محارم أو نساء فلا بأس، ولهذا يجب أن نعرف الفرق بين اللباس وبين ما يمكن أن يُرى؛ اللباس لابد أن يكون لباس المرأة واقياً ساتراً حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام لما أذن للنساء أن يرخين ثيابهن شبراً إلى الأرض من أجل أن تستتر الأقدام قالوا: يا رسول الله! إذاً: تنكشف أقدامنا، فأذن لهن أن يرخينه إلى ذراعاً، وهذا يدل على أن اللباس شيء والنظر شيء آخر.
السائل: ولو ارتدت ثياباً إلى المرفق وإلى الركبة؟ الشيخ: نرى أنه لا يجوز؛ لأن المرأة يجب أن تتستر، وفتنة المرأة عظيمة، وأنا أقول لك: لو جوزنا أن تلبس المرأة إلى المرفق أمام النساء، أتدري ماذا يحدث؟ سوف يكون بعد زمنٍ قريب إلى الكتف وما أسرع النساء إلى عدم التستر، فنحن نمنع هذا من باب سد الذرائع.(169/11)
معنى قوله تعالى: (إنه يراكم هو وقبيله)
السؤال
فضيلة الشيخ: ما المراد بقول الله تعالى في سورة الأعراف: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27] ؟ الشيخ: يعني: أن الشيطان يرانا ونحن لا نراه.
السائل: والمراد بالقبيلة؟ الشيخ: القبيلة هذه من جنسه والمراد ذريته، والمعنى: أن نحذر من الشيطان؛ لأنه يرانا ونحن لا نراه، فربما يكون قريباً منا ونحن لا نشعر، فحذرنا الله عز وجل من ذلك أن نأخذ الحيطة في عدم الركون إلى الشيطان وأوامره.
السائل: وهل يفهم من قوله: (من حيث لا ترونهم) عدم إمكانية رؤية الإنس للجن؟ الشيخ: هذا هو الأصل، لكن قد يكشفهم الله عز وجل ويراهم الناس.(169/12)
حكم استخدام التاريخ الميلادي
السؤال
فضيلة الشيخ: سؤالي يتكون من شقين: الأول: هو أن بعض الناس يقولون: لا نقدم التاريخ الميلادي على التاريخ الهجري من أجل الموالاة والمناصرة، ولكن التاريخ الميلادي أضبط من التقويم الهجري من ناحية يرونها، ويقولون: إن أغلب الدول تستخدم هذا التقويم؛ فلم نشذ ونخالفهم؟
الجواب
الواقع أن التوقيت بالأهلة هو الأصل لكل البشر، هذا هو الأصل، اقرأ قول الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189] للناس كلهم، واقرأ قول الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36] فما هذه الأشهر؟ الأشهر بالهلالية، ولهذا فسرها النبي عليه الصلاة والسلام أعني الأربعة، بأنها: رجب مضر، وذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، هذا هو الأصل، وهذه الشهور التي بين أيدي الناس الآن شهور وهمية، ليست مبنية على أساس، ولو كانت بروجاً لكان لها أساس، البروج واضحة في السماء ومعروفة نجومها وأوقاتها، لكن هذه الوهمية ما لها أساس إطلاقاً بدليل بعضها يكون ثمانية وعشرين، وبعضها يكون واحداً وثلاثين، ليست مبنية على الأصل.
لكن إذا ابتلينا وصار لابد من ذكر التاريخ الميلادي، فلماذا نعدل عن التاريخ الهجري العربي الشرعي إلى هذا التاريخ الوهمي الذي ليس له أساس؟! بالإمكان جداً أن نؤرخ بالتاريخ العربي ثم نقول: الموافق كذا، نظراً إلى أن كثيراً من البلاد الإسلامية لما استعمرها الكفار حولوا التاريخ إلى تاريخهم استعباداً واستذلالاً للشعوب.
فنقول: إذا ابتلينا وصار لابد أن نذكر التاريخ الميلادي فليكن أولاً بالعربي الهجري الشرعي ثم نقول: الموافق كذا.
السائل: الشق الثاني من السؤال: وهو أن بعض الشركات تقول: نحن لا نستخدم هذا التاريخ الميلادي لأجل الموالاة ولكن الشركات العالمية التي نتعامل معها تعمل بهذا التاريخ، فلابد من أن نتعامل بهذا التقويم وإلا ففيه ضرر علينا من ناحية المواعيد والتسليم والصادر والوارد وما إلى ذلك فما الحكم؟ الجواب: الحكم سهل ألا يمكن أن نجمع بينهما تقول: اتفقت أنا وفلان على كذا وكذا في يوم الأحد الموافق كذا من الشهر الشرعي العربي، ثم تذكر الميلادي، هل هو يمكن؟ السائل: بلى، ممكن.(169/13)
حكم زيادة (وبركاته) في السلام
السؤال
فضيلة الشيخ: هل الأفضل في السلام من الصلاة زيادة (وبركاته) وهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؟
الجواب
الحديث الوارد في هذا تكلم فيه العلماء فأنكره بعض أهل العلم كـ النووي رحمه الله وقال: إنه ضعيف، ولا يعتمد عليه ولا يزاد (وبركاته) وهذا هو الأصل: أنك لا تزيد (وبركاته) ؛ لأنها لم تصح، والأحاديث كثيرة متكاثرة على الاقتصار على (ورحمة الله) .(169/14)
مذهب الإمام أحمد في الدعاء للسلطان
السؤال
فضيلة الشيخ: هل ثبت عن الإمام أحمد أنه قال: (إذ رأيت الرجل يدعو لولي الأمر فاعلم أنه صاحب سنة) ؟
الجواب
والله! لا أدري، لكنه إن لم يكن ثابتاً عنه بالسند فهو مذهبه في الحقيقة؛ لأنه روي عنه وعن الفضيل بن عياض رحمهما الله أنهما قالا: (لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان، فلا يبعد أن يكون هذا؛ لأن الذي لا يدعو للسلطان فيه بدعة من بدعة قبيحة، وهي: الخوارج -الخروج على الأئمة- ولو كنت ناصحاً لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم لدعوت للسلطان؛ لأن السلطان إذا صلح صلحت الرعية، أما بعض الناس إذا رأى من سلطانه انحرافاً وقيل: ادع الله أن يهديه، قال: لا لا هذا لن يهديه الله، ولكن أدعو الله أن يهلكه إذاً! كيف لا يهديه الله، أليس الله هدى بعض أئمة الكفر؟!! هداهم، ثم إذا قدر أن الله أهلكه كما تحب أنت الآن من الذي يتولى بعده؟ من البديل؟ الآن الشعوب العربية التي قامت على الثورة اسأل أهل البلدان: أيها أحسن: عندما كانت البلاد ملكية أو لما كانت ثورية؟ سيقولون بلسان واحد بآن واحد قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم: عندما كانت ملكية أحسن بألف مرة، وهذا شيء واضح.(169/15)
حكم الكلام في خطبتي العيد والاستسقاء
السؤال
فضيلة الشيخ: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: (من مس الحصى فقد لغى، ومن لغى فلا جمعة له) هل ينطبق ذلك على خطبة العيد أو الاستسقاء؟
الجواب
العلماء رحمهم الله يقولون: إنه لا ينطبق، تحريم الكلام خاص بخطبة الجمعة، ولا شك أن الوعيد الخاص يكون في العمل الخاص الذي رتب عليه الوعيد، لكن لا أرى أن الإنسان في خطبة العيد أو في خطبة الاستسقاء لا أرى أن يتحدث إلى أحد، نقول: إما أن تنصت وتتبع المسلمين وإما أن تنصرف، خطبة الجمعة لا يمكن الانصراف منها، وخطبة الاستسقاء والعيدين للإنسان أن ينصرف، ولهذا كان من حكمة كونهما بعد الصلاة أن الإنسان يكون بعد الصلاة حراً إن شاء بقي لاستماع الخطبة وإن شاء انصرف، بخلاف خطبة الجمعة يجب حضورها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] .(169/16)
وجوب الإيمان بالغيب دون العلم بالكيف
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ونبهنا كثيراً على أن السائل إذا سأل لا يحتاج إلى تقديم السلام؛ لأنه جالس معنا، والسلام إنما يكون من القادم.
السؤال: يقول الله عز وجل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133] فإذا كانت الجنة عرضها كعرض السماء والأرض فأين تكون النار؟
الجواب
أولاً هذا السؤال غير وارد يا أخي! لم يورده إلا يهودي على الرسول عليه الصلاة والسلام، والمسلم لا يورد هذا السؤال، المسلم إذا أخبره الله بخبر يقول: آمنا وصدقنا ولا يعترض.
(عرضها السماوات والأرض) هل هو الآن أم فيما بعد؟ وإذا قدر أنه الآن فالجو واسع ما فوق السماوات فضاء لا يعلم مدى سعته إلا الله عز وجل.
فأولاً: يجب علينا -أيها الإخوة- أن ما أخبر الله به من أمور الغيب أن نقول: آمنا وصدقنا، ولا نورد إيرادات؛ لأن الأمر فوق مستوى عقولنا، وهذه قاعدة في أمور الغيب المتعلقة بالله عز وجل أو بمخلوقاته، أليس الناس في يوم القيامة في صعيدٍ واحد؟ بلى.
في صعيدٍ واحد، بعضهم يلجمه العرق حتى يصل إلى فمه، وبعضهم إلى كعبيه وهم في مكانٍ واحد، هل يقول قائل: كيف يصير هذا، أم يقول: آمنا وصدقنا؟ يقول: آمنا وصدقنا، فأمور الغيب أوسع من عقولنا -يا رجل- لا يصح أن تورد مثل هذا الإيراد على أمور الغيب، أمور الغيب إذا صحت في القرآن والسنة فما موقفنا منها إلا السمع والإيمان والتصديق.
أما هذا اليهودي الذي أورد هذا على الرسول فقد قال له: (أين الليل إذا ذهب النهار؟) فأبطل حجته بأمرٍ محسوس.
فعلى كل حال: النصيحة أكبر من هذا السؤال، وهي أن أمور الغيب لا يمكن أن يجرى عليها كلمة (لم) أبداً، ولا كلمة: (كيف) لأن الأمر فوق عقولنا، وما أنت أيها الإنسان! هل أحصيت علم كل شيء؟ أبداً، إذا ما بقي عليك إلا هذه المسألة من العلوم، تلك الساعة نتعب ونبحث عن المخرج، ولهذا لما سألوا الرسول عن الروح ماذا قال الله لهم؟ قال: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85] أمر ما تستطيعون أن تدركوه، {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85] سبحان الله! يعني: هل عثرتم على كل العلوم إلا علم الروح؟!! أكثر العلوم فاتتكم {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85] وهذا عجب! روحك التي بين جنبيك والتي لا قوام لك إلا بها لا تدري ما هي؟! نحن لا نعلم من الروح إلا ما جاءت به النصوص في القرآن والسنة وإلا فلا ندري.(169/17)
حكم إعادة صلاة المغرب تنفلاً
السؤال
فضيلة الشيخ: شخصٌ صلى المغرب ودخل شخصٌ آخر فأراد أن يتصدق عليه فصلى معه، وبعد الصلاة قال له أحد الإخوان: لابد أن تأتي بركعة لأنك صليت وتر النهار؟
الجواب
الصواب: لا، لا يأت بركعة؛ وذلك أن صلاة المغرب هذه معادة وليست صلاةٍ مستقلة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام للرجلين اللذين تخلفا عن الصلاة معهم في الفجر: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة) ولم يقل: إلا المغرب فاشفعوها.
فالمهم أن الإنسان إذا صلى المغرب معادة فإنه لا يشفعها، وإنما يأتي بها ثلاثية.(169/18)
حكم مس المصحف للصغار بدون وضوء
السؤال
فضيلة الشيخ: وفقكم الله تعالى: هل تشترط الطهارة في مس المصحف، وكذلك قراءة القرآن خصوصاً في المدارس عند الطلاب والطالبات وفقكم الله؟
الجواب
أما قراءة القرآن بلا مس فتجوز بلا وضوء، لكن الوضوء أفضل، وأما مس المصحف بدون حائل فالصحيح أنه لا يجوز ممن لم يتوضأ، لابد من الوضوء، لكن الصغار الذين دون التكليف ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجب عليهم الوضوء لعدم تكليفهم، والمقصود بقراءتهم هو التعليم دون القراءة.
فأنا أقول: بالنسبة للصغار كما يقول العامة: (أكرب وجهك وأرخ يديك) يعني: مرهم بالوضوء لكن لا تشدد عليهم.
وإلى هناك ينتهي هذا اللقاء، وإلى لقاء قادمٍ إن شاء الله تبارك وتعالى.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(169/19)
لقاء الباب المفتوح [170]
تحدث الشيخ في مطلع هذا اللقاء عن أحكام الجمع في المطر، وضابط ذلك، وانقسام الناس فيه إلى متساهل ومتشدد ومعتدل، وتطرق في آخر كلامه إلى جمع المسافر للصلاة.
وعقب ذلك بدأ بالإجابة عن الأسئلة، وكانت في أبواب متفرقة من العبادات والمعاملات والأخلاق.(170/1)
أحكام جمع الصلاة بسبب المطر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السبعون بعد المائة الذي يتم كل يوم خميس والمسمى بلقاء الباب المفتوح، وهذا الخميس هو الثالث عشر من شهر رجب عام (1418هـ) .
نتكلم فيه الآن عما أنعم الله به على هذه البلاد في هذا الأسبوع من كثرة الأمطار الغزيرة العامة -ولله الحمد- ولا شك أن كثرة الأمطار من نعم الله تبارك وتعالى التي يستحق عليها أن يشكر ولا يكفر، وأن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى، هذه الأمطار لا يعلم متى تنزل إلا الله عز وجل، ولا يستطيع أحد أن ينزلها إلا الله عز وجل، ولا يستطيع أحدٌ أن ينبت الأرض بها إلا الله عز وجل قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34] .
ولا شك أن هذه الأمطار قد يحصل فيها شيءٌ من الضرر على بعض الناس إما بتلف المواشي، أو بتهدم البناء، أو بفساد الزروع، وكل هذا بتقدير الله سبحانه وتعالى، فالواجب علينا إزاء هذا الذي يحصل الصبر والاحتساب، والاتعاظ والعبرة، وأن نقيس ما حصل عندنا بما يحصل في بلادٍ أخرى من الفيضانات العظيمة المدمرة تدميراً واسعاً شاملاً؛ حتى يتبين أن ما أصاب بعض الجهات من هذه الأمطار من الأذى لا ينسب إلى ما نسمعه في البلاد الأخرى، فلله الحمد والمنة.(170/2)
دليل الجمع في المطر
إن هذه الأمطار قد يحصل بها أذىً عند أداء الصلاة مع الجماعة إما حال نزول المطر، وإما بآثاره من كثرة المناقع في الأسواق أو الوحل، وإذا حصل هذا فإن الله سبحانه وتعالى قد يسر لعباده وأباح لهم أن يجمعوا بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فيما رواه مسلم في صحيحه: (جمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، من غير خوفٍ ولا مطر) فقوله: (ولا مطر) يدل على أن من عادته أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء للمطر؛ لما يلحق الناس من الأذى في الحضور إلى المساجد، ولكن انقسم الناس في هذا إلى ثلاثة أقسام:(170/3)
أقسام الناس في الجمع في المطر
قسم فرط، وقسم أفرط، وقسم معتدل.
- أما الذي فرط فهو الذي لا يعتبر هذا شيئاً يبيح الجمع؛ فتجده لا يجمع حتى وإن شق الحضور إلى المسجد مشقة كبيرة، فإنه لا يجمع، حتى لو قال له أهل المسجد: اجمع بنا، لا يجمع، وهذا غلط، يخشى على هذا أن يدخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه) لكن لا عبرة بالرجل والرجلين من جماعة المسجد، يعني مثلاً: لو كانت المشقة تكون لرجل أو رجلين أو ما أشبه ذلك دون بقية الجماعة فلا عبرة بهؤلاء، العبرة بالأكثر، وهؤلاء الأقل إذا كان يشق عليهم أن يحضروا إلى المسجد في الصلاة الثانية فلهم الرخصة أن يصلوا في بيوتهم، كما جاء في الحديث: (الصلاة في الرحال) .
ومن الناس من هو على عكس هذا: فتجده يجمع بدون مشقة، حتى لو نزلت نقط يسيرة من المطر جمع، وبعضهم إذا رأى السماء ملبدة بالغيوم جمع، وهذا أيضاً محرم ولا يحل، ومن جمع لغير عذرٍ فقد أتى كبيرة من كبائر الذنوب، وسيتقلد آثام هؤلاء الذين صلوا قبل الوقت؛ لأن جمع الثانية للأولى معناه صلاتها قبل وقتها، وهذا حرام، إنما لابد من مشقة، إما من مطرٍ نازل يبل الثياب بحيث تتشرب الثياب المطر حتى تنعصر إذا عصرت، وإما بمشقة الطريق، وأما بدون مشقة فإنه لا يجوز؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] وقد بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوقات هذه الصلوات، فلا يحل أن نتعدى حدود الله فنجمع بدون عذرٍ شرعي.
- ومن الناس من هو معتدل مستقيم إذا رأى المشقة جمع، وإذا لم يكن ثَمَّةَ مشقة لم يجمع، فهذا الذي هو على هدى مستقيم، وهو الناصح لنفسه ولمن وراءه من الجماعة.
لهذا يجب على طلبة العلم أن يبينوا للأئمة هذه المسألة بياناً واضحاً حتى لا يتجرأ أحدٌ على الجمع بدون عذر، ولا يتأخر أحدٌ عن الجمع إذا وجد عذراً.
واعلم أنه لا يصح أن تجمع العصر إلى الجمعة.
مثلاً لو كان يوم الجمعة والأمطار كثيرة والناس يصلون يوم الجمعة في المسجد فإنه لا يحل لهم أن يجمعوا إليها العصر؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن الأمطار كانت في عهد الرسول في يوم الجمعة وغير يوم الجمعة، فإنه لما استسقى على المنبر لم ينزل من منبره حتى نزل المطر وجعل يتحادر على لحيته، ولم يجمع العصر إليها، ولا يصح أن تقاس الجمعة على غيرها؛ لأن الجمعة صلاةٌ فريدة تختلف عن الظهر اختلافاً كثيراً، ولأنه لا قياس في العبادات؛ العبادات يتمشى فيها على ما جاءت به الشريعة، ولا يمكن أن يقيس أحدٌ في العبادات فيثبت عبادة لم تكن معروفة قياساً على عبادة أخرى.(170/4)
أسباب الجمع في المطر أثناء السفر وغيره
ثم اعلم -أيها المستمع الكريم- أن الجمع له سبب: وهو المشقة أو مظنة المشقة: المشقة كما ذكرنا في المطر.
ومن ذلك أن تكون الليلة باردة ذات ريحٍ تؤلم الناس، فيجوز الجمع؛ لدعاء الحاجة إليه، ولأن المشقة في الوصول إلى المسجد في مثل هذه الحال أعظم من المشقة في الوصول إلى المسجد بالمطر.
كذلك يجوز الجمع للمريض الذي يشق عليه أن يصلي كل صلاةٍ في وقتها، سواء كان ذلك لضعفٍ في البدن، أو لعدم استمساك البول أو الغائط أو الريح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز للمستحاضة أن تجمع؛ لأنها يشق عليها أن تتوضأ لوقت كل صلاة، فكل من حدثه دائم فإنه يجوز له أن يجمع لمشقة الوضوء عليه لكل صلاة.
ومن ذلك، أي: مما يباح له الجمع: إذا أراد الإنسان سفراً وخاف ألا يتيسر له أن يصلي الصلاة المقبلة في وقتها فله أن يجمع، مثل: أن تصادف الصلاة الثانية وهو في الطائرة أو في سيارة لا يتمكن من إيقافها أو ما أشبه ذلك فله أن يجمع لتعسر الصلاة المقبلة عليه في وقتها، والجمع -والحمد لله- واسع.
ومن ذلك، أو مما يباح الجمع من أجله السفر: إذا كان الإنسان مسافراً جاز له الجمع سواء كان سائراً أو نازلاً، لكن السائر نأمره بالجمع ونقول: اجمع اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم، والنازل نقول له: الأفضل ألا تجمع، وإن جمعت فلا بأس، هذا إذا لم يكن في بلدٍ تقام فيه الصلاة جماعة، فإن كان في بلدٍ تقام فيه الصلاة جماعة وجب عليه أن يصلي مع الناس؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له) ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استأذنه رجل في ترك الجماعة فرخص له، فلما ولى دعاه وقال: (هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب) وما يتوهمه بعض العوام من أن المسافر ليس عليه جماعة فهو لا أصل له، المسافر والمقيم كلٌ منهما عليه الجماعة، والدليل: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتخلف أحد من أصحابه عنه في السفر كلهم يصلوا جماعة، ولأن الله تعالى أمر في صلاة الخوف أن يصلون جماعة وهم مسافرون وخائفون، فدل ذلك على أن السفر لا يسقط الجماعة عن الناس.(170/5)
الأسئلة(170/6)
أجر تدارس كتاب الله في غير المساجد
السؤال
فضيلة الشيخ! الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) هل لو اجتمع قومٌ في غير بيت من بيوت الله ويتدارسون في كتب الفقه والعقيدة والتفسير والحديث وغير ذلك فهل ينالون مثل هذا الفضل من الله سبحانه وتعالى، أم أنهم أقل درجة من أولئك؟
الجواب
إذا دل الكتاب والسنة على ثوابٍ معين بصفةٍ معينة فإننا لا نتعداه، الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله) وبيوت الله هي المساجد، فإذا اجتمع قومٌ في غير المساجد فإنه لا يكتب لهم هذا الأجر لكنهم في اجتماعهم على خير ولا شك، أما الأجر الخاص الذي رتب على هذا العمل الخاص فإنه لا يحصل إلا بالأوصاف التي اعتبرها الشارع.(170/7)
صحة حديث: (لو أن عبادي أطاعوني ولم يعصوني لأنزلت عليهم المطر ولم أسمعهم صوت الرعد)
السؤال
بالنسبة للحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تبارك وتعالى: (لو أن عبادي أطاعوني ولم يعصوني لأنزلت عليهم المطر ولم أسمعهم صوت الرعد) هل هذا الحديث صحيح؟
الجواب
والله! لا أعلم هذا الحديث، لكن المعروف أن الرعد من الظواهر الطبيعية الملازمة في الغالب للغيوم، ثم إن الرعد ليس من الأشياء المخيفة حتى يكون رفعه من الجزاء والثواب، صحيحٌ أن الصواعق مخيفة وقد تكون عقاباً، فالله أعلم بصحة الحديث.(170/8)
حكم قضاء راتبة الظهر بعد العصر
السؤال
ما صحة الحديث الذي روته أم سلمة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد العصر) ؟
الجواب
هذا صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما شغل عن الركعتين بعد الظهر جاءه وفد فانشغل بهم ثم قضاها بعد صلاة العصر، ثم داوم عليها؛ لأن من عادته أنه إذا عمل عملاً أثبته فأثبتها عليه الصلاة والسلام، لكن غيره لا يحل له ذلك، له أن يصلي راتبة الظهر إذا فاتته بنسيان أو انشغال بعد صلاة العصر لكنه لا يداوم على هذا، فهذا وجه الحديث.(170/9)
وجوب صلاة الجماعة على المسافر
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا وجد مجموعة من المسافرين في بلد فهل تجب عليهم الصلاة في المسجد؟
الجواب
إي نعم.
الجماعة إذا أقاموا في بلد تجب عليهم صلاة الجماعة، إلا إذا كان المسجد بعيداً عنهم.
السائل: أقاموا يوماً أو يومين؟ الشيخ: سواء أقاموا يوماً أو يومين أو شهراً أو شهرين فتجب عليهم الجماعة، إلا إذا شق عليهم هذا يصلون وحدهم في مكانهم.(170/10)
وجوب إنكار المنكر على كل من يراه وكيفية طريقة الإنكار
السؤال
فضيلة الشيخ: أحسن الله إليك: هل يلزم على كل من رأى منكراً أن ينكره؟
الجواب
نعم، يلزم كل من رأى منكراً أن ينكره لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه) لكن كيف ينكر؟ هذا هو المهم! هل ينكر بعنف ويصيح بهذا الرجل ويسبه؟ أو يداريه وينكر عليه بالتي هي أحسن؟ هذا هو المهم، وهذا هو الذي يفوت كثيراً من الإخوة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، تجدهم يستعملون العنف وربما يكون في قلبه أنه يريد أن ينتصر لنفسه مثلاً، وهذا غلط، الواجب عند النهي عن المنكر أن تريد بذلك إصلاح أخيك، وإذا كنت تريد هذا فاسلك أيسر السبل لإصلاحه.(170/11)
حكم الاتفاق على عدم المزايدة في المزاد
السؤال
هناك ثلاثة أشخاص يذهبون للمزاد ثم يمتنع اثنان منهم عن الدخول في المزايدة حتى لا يرتفع سعر السيارة، وينصبون شخصاً منهم لشراء السيارة، وبعد أن ينتهي من شراء السيارة، يعملون عليها مزايدة حتى يأخذها واحد منهم، فإذا كان السعر الأصل مثلاً خمسة آلاف ثم بعد المزايدة وصلت ستة آلاف يأخذها الشخص الذي يرضى بهذا السعر، ثم يقسمون المبلغ الزايد الألف الريال على الثلاثة الأشخاص؟
الجواب
خلاصة السؤال: إذا اتفق جماعة على ألا يتزايدوا وهذا فيه تفصيل، إذا لم يكن في السوق من يشتري هذه السلعة إلا هؤلاء فهو حرامٌ عليهم؛ لأن هذا بمنزلة الاحتكار، وإذا كانت السلعة يشتريها هم وغيرهم فلا حرج عليهم؛ لأنهم إذا لم يزيدوا زاد غيرهم وانتهت المشكلة.(170/12)
حكم مشاهدة المباريات الرياضية
السؤال
فضيلة الشيخ: هل يجوز النظر للمباراة في التلفزيون؟
الجواب
النظر إلى المباراة في التلفزيون أنا أسألك ما الفائدة منها؟ السائل نفسه: اختلفت أنا وشخص حول المسألة فقلت له: أولاً: إضاعة الوقت وثانياً: تظهر عورات لأنهم ما يغطون إلا نصف فخوذهم، فقال: لا.
بل جائز، قلت: أسأل لك ابن عثيمين.
الجواب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) وإذا نهينا عن القول إلا أن يكون خيراً فالفعل من باب أولى، فالنظر للمباراة في الواقع فيها محاذير، منها: إضاعة الوقت؛ لأن المبتلى في هذا تجده ينهمك فيه حتى يضيع عليه أوقات كثيرة، وربما أضاع عليه الصلاة مع الجماعة وربما أضاع عليه الصلاة في الوقت.
ثانياً: أنه ينظر إلى قومٍ كشفوا نصف أفخاذهم، والفخذ عورة عند كثيرٍ من العلماء، والذي نرى أن الشباب لا يجوز له أن يظهر شيئاً من فخذه لا سيما إذا كان مرتفعاً عن الركبة كثيراً.
ثالثاً: أنه ربما يقع في قلبه تعظيم من يفضل غيره مع أنه من أفسق عباد الله أو من أكفر عباد الله، فيقع في قلبه تعظيم من لا يستحق أن يعظم، وهذا لا شك أنه محذور.
رابعاً: أنه يترتب عليه إضاعة المال؛ لأن هذا الجهاز يكون على الطاقة الكهربائية ويستهلك وإن كان الاستهلاك يسيراً لكنه مادام لا فائدة فيه لا في الدين ولا في الدنيا فإنه يعتبر إضاعة مال.
خامساً: أنه ربما يؤدي إلى النزاع والخصومة، فإذا كان يشجع هذا النادي أو هذا الفريق وغلب، وهناك آخر يشجع النادي الآخر أو الفريق الآخر حصل بينهم نزاع، ومطاولة في الكلام.
لهذا أقول: نصيحة للشباب خصوصاً ولغيرهم عموماً: ألا يضيعوا أوقاتهم في مشاهدة هذه المباراة، وليفكروا ملياً: ماذا يحصل من مشاهدتها؟ ما الفائدة؟ ثم إن في بعض المباريات تجدهم مثلاً يتراكضون ثم يتضامون بعضهم إلى بعض، وربما يركب بعضهم على كتف الآخر وما أشبه ذلك من الأفعال التي تنافي المروءة.(170/13)
زكاة التمور
السؤال
فضيلة الشيخ! في فتوى لكم هنا في زكاة التمور عندما سئلتم: ألا يخرج زكاة كل نوعٍ منه؟ قلتم: المشهور في مذهب الحنابلة إخراج زكاة كل نوعٍ ولو شق ذلك، والصواب: أنه مع المشقة يؤخذ من النوع الوسط إذا تساوت الأنواع، إلى هنا الكلام فهم، لكن ما المقصود بقولكم: وإلا فينظر إلى القيمة ويؤخذ من أحد الأنواع بقدر القيمة؟ الشيخ: قيمة النخل كله، التمور جميعاً ويقال مثلا: قيمة الوسط كذا وكذا، يؤخذ من قيمة الوسط.
السائل: يعني: نفرض مثلاً سبعين كيلو سكري، وخمسمائة كيلو نوع وسط، وألف كيلو مثلاً نوع رديء كيف الآن نقيم؟ الشيخ: مثلاً: إذا قالوا السكري نصف القيمة، والثاني ثلث القيمة، والثالث سدس القيمة، نضم بعضها إلى بعض ونخرج إما نصف العشر أو العشر حسب الواجب من الوسط، وإذا شئت شيئاً آخر فقدر القيمة عموماً ثم أخرج من القيمة نصف العشر أو العشر وهذا سهل.
السائل: من القيمة كلها؟ الشيخ: من القيمة كلها.
السائل: نخرجها قيمة أو نخرجها تمراً؟ الشيخ: إن أردت أن تخرجها تمراً فانظر إلى الوسط، وإن أردت فيها دراهم وهو الذي نراه أولى في الوقت الحاضر؛ لأن الناس يحبون الدراهم أكثر من التمر فأخرج من الدراهم.(170/14)
حكم صلاة من جلس للتشهد الأول مرتين ناسياً
السؤال
فضيلة الشيخ: صلى أحد الأشخاص صلاةً رباعية، وبعد الركعة الأولى جلس للتشهد ثم جلس بعد الثانية، ولم يسبح أحد ما حكم الصلاة؟ الشيخ: يعني: جلس مرتين؟ السائل: نعم.
الشيخ: ناسياً؟ السائل: نعم.
الشيخ: ليس عليه شيء، الصلاة صحيحة، لكن يجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام؛ لأن هذا السهو عن زيادة، والسهو إذا كان عن زيادة فإن سجوده يكون بعد السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سهى فسلم من ركعتين من الظهر أو العصر ثم ذكروه: أتم الصلاة ثم سجد بعد السلام، ومرة صلى الظهر خمساً فلما سلم أخبر بأنه زاد فثنى رجليه وسجد سجدتين.
السائل: ما حكم جلوسه للتشهد مرة ثانية؟ الشيخ: قلت: لا بأس، هو ناس غير متعمد، هذا الجلوس معفوٌ عنه؛ الجلوس الأول الذي سها فيه معفواً عنه، لكن لما كان هذا الجلوس يغير هيئة الصلاة أمر بأن يسجد سجدتين تجبر الصلاة.(170/15)
حكم شراء رخصة العمل وبيعها
السؤال
فضيلة الشيخ: يقوم بعض الأشخاص باستخراج (فيزة) تكلفه تقريباً ثلاثة آلاف ريال، ثم يقوم ببيعها بثمانية أو عشرة آلاف على شخص آخر ليحضر أخاه، فما الحكم في ذلك؟ الشيخ: أولاً: أخبر إخوانك ما معنى (فيزة) ؟ السائل: تأشيرة عمل.
الشيخ: إلى الآن ما وصلنا إلى فهمها.
السائل: حق الإقامة أو حق جلب العمال.
الشيخ: يعني الرخصة في استقدام عامل؟ السائل: نعم.
الشيخ: هذه هي (الفيزة) الرخصة يعني يأخذ رخصة من الوزارة لاستقدام عامل، ثم يبيع هذه الرخصة على أحد يستقدم عاملاً، فهذا حرامٌ ولا يجوز؛ لأننا نقول: إن كنت محتاجاً إلى هذا العامل فالفيزة بيدك، وإن لم تكن محتاجاً فرد الفيزة إلى من أخذتها منه، ولا يحل لك أن تبيعها، ولو قمنا بهذا لكان كل الناس يشترون (فيزاً) ، ويتربحون فيها، ثم هذا كذب؛ إذا أخذ فيزة على أنه يستقدم عاملاً ثم باعها صار كاذباً.
لكن قل لي: لو أنه استغنى عن العامل؛ كرجل أخذ (فيزة) على أنه يريد أن يستقدم عاملاً حقيقة لكن استغنى عنه، فهل يبيعها؟
الجواب
لا، وإنما يردها؛ لأنها منحت له على أن يستقدم هو بنفسه عاملاً ثم استغنى عنه فليردها؛ لأنه ربما يكون هناك أناسٌ منتظرون (للفيز) .(170/16)
حكم صلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي
السؤال
السلام عليكم! فضيلة الشيخ: هل يجوز أن يصلي الإنسان تحية المسجد في أوقات النهي؟
الجواب
إذا دخل الإنسان المسجد فليصل ركعتين قبل أن يجلس في أي وقتٍ دخل؛ لأن تحية المسجد ليس عنها نهي، بل أقول: كل نفل له سبب فليس عنه نهي، صلاة الركعتين بعد الطواف جائزة في أي وقت؛ لأن لها سبباً، سنة الوضوء إذا توضأ الإنسان يسن له أن يصلي ركعتين ويحرص على ألا يحدث فيهما نفسه تجوز في كل وقت، صلاة الاستخارة في أمرٍ يفوت قبل زوال النهي تجوز في وقت النهي.
المهم القاعدة: أن كل نفلٍ له سبب فليس عنه نهي.(170/17)
حكم من صلى إلى غير جهة القبلة
السؤال
فضيلة الشيخ: شخصٌ نزل في منزلٍ جديد وهو يظن أن القبلة في اتجاه معين، وقد صلى عدة صلوات وبعضها فرائض ربما فاتته في المسجد، وبعد فترة تبين له أنه ليس إلى القبلة، فما الحكم؟
الجواب
إذا كان الانحراف كثيراً بحيث خرج عن الجهة فعليه إعادة الصلاة، وأما إذا كان الانحراف يسيراً فلا بأس، أي: فلا يعيد الصلاة؛ لأن الانحراف اليسير معفوٌ عنه بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) .
فاسأل: إذا كان الانحراف كثيراً بحيث إذا كانت القبلة عن يمينه أو عن يساره فعليه أن يعيد الصلاة، وأما إذا كان الانحراف يسيراً فإنه لا يضر.
السائل: يا شيخ الفرائض فقط؟ الشيخ: الفرائض ورواتبها وكذلك الوتر، ألا تعلم أن قضاء الرواتب وقضاء الوتر سنة؛ لأن الأصل أصل.(170/18)
حكم قول: (لا يعلى عليه) في حق البشر
السؤال
فضيلة الشيخ: تعالج شخصٌ عند طبيب وبإذن الله شفي على يد هذا الطبيب، ولما سئل عنه، قال: إن هذا الطبيب لا يعلى عليه، فما الحكم في هذا القول؟
الجواب
الحكم في هذا القول: أن هذا الإطلاق أعني قوله: إن هذا الطبيب لا يعلى عليه، إن أراد أنه لا يعلو عليه أحدٌ من الأطباء لمهارته وأمانته فلا بأس، وإن أراد العلو المطلق فهذا غلط؛ لأن الله تعالى فوق كل شيء.
وفي ظني: أنه أراد لا يعلو عليه من الأطباء، ما أظنه يعتقد أنه لا يعلو عليه حتى الرب عز وجل.(170/19)
حكم قاتل نفسه
السؤال
فضيلة الشيخ: أشكلت علينا مسألة وهي: هل صاحب الكبيرة من أمة محمد كالذي يقتل نفسه يخلد في النار؟
الجواب
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن (من قتل نفسه بحديدة أو سم فإنه يعذب به في نار جهنم خالداً مخلداً) نسأل الله العافية، وهذا قاله على سبيل الزجر؛ لأن قتله نفسه أعظم قتلٍ يكون، إذ أن الإنسان يجب عليه أن يدافع عن نفسه أكثر مما يدافع عن غيره، فكيف إذا انتهك حرمتها هو بنفسه؟!! فإنه يكون أشد إثماً، ويكون المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: (خالداً مخلداً) المبالغة في زجره، وهي تشبه قول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93] .
ومن هنا يتبين أن ما يفعله الانتحاريون في بعض الجهات من كونه يلبس أشياء مهلكة قنابل أو غيرها، ويكون هو أول من يموت بها يدخل في هذا الوعيد، وأنهم آثمون ومخطئون خطأً عظيماً، لكن نظراً لكونهم جهالاً وكونهم متأولين نرجو ألا يشملهم هذا الوعيد، إنما يجب علينا أن نبين للناس أن هذا عملٌ غير صالح بل هو محرم.
والعجب أن بعض الناس يستدل على هذا الأمر المحرم الذي هو من كبائر الذنوب بحديث البراء بن مالك -رضي الله عنه- حينما حاصروا حديقة مسيلمة الكذاب، وكان الباب مغلقاً، فطلب من أصحابه أن يلقوه من وراء الجدار ليفتح لهم، ففعلوا، ففتح لهم ودخلوا الحديقة.
استدل بهذه القصة على جواز الانتحار، فهل في هذا دليل؟ ليس فيه دليل؛ لأن البراء بن مالك بقي حياً، وهذا الذي ينتحر يكون ميتاً مائة بالمائة، أما البراء بن مالك فهو لم يقتل نفسه، صحيحٌ أنه خاطر لكن هناك احتمال ألا يقتل، وهذا هو الواقع لم يقتل.
ونظير قصة البراء بن مالك أن يدخل أحدٌ بشجاعة بين صفوف الكفار ويقتل ما على يمينه وشماله لكن هناك احتمال أن ينجو، أما المنتحر فإنه لا احتمال لنجاته، ولهذا يجب علينا ألا نشجع هذا بل نحذر منه.(170/20)
حكم جمع الصلاة بسبب مطر خفيف
السؤال
بالنسبة للجمع في المطر بعض الأئمة يجمعون والمطر خفيف، فهل على المأموم أن يصلي خلفهم؟
الجواب
إذا جمع الإمام بدون سبب، فإن كان المأموم يرجو أن يجد جماعة في وقت العشاء فيصل معهم وينوها نافلة؛ لئلا يشق عصا الناس ويختلف الناس ويتنازعون، وإن كان لا يرجو جماعة فليصلها فرضاً وتجزؤه؛ لأن الجمع من أجل إدراك الجماعة جائز.
السائل: إن وجدت مساجد قريبة وأستطيع أن أصلي، فهل أصلي معهم نافلة وأصلي هناك فرضاً؟ الشيخ: إذا كان يرجو أن يجد جماعة في وقت العشاء في مسجدٍ ثان فلينوها نافلة ويصلِّ إذا دخل الوقت مع الآخرين.(170/21)
حكم ترك الجماعة لأمر دنيوي قد يفوت
السؤال
إذا كنت أنتظر دوري في الكشف عند الطبيب أو في مراجعة وأقيمت الصلاة، والمستوصف أو الشركة لا تغلق وقت الصلاة، فإذا ذهب للصلاة قد يفوت دوري، فهل أترك الجماعة؟ الشيخ: يعني: يؤثر عليه؟ السائل: نعم.
يذهب الدور.
الشيخ: لا بأس هذا يعذر بترك الجماعة، هذا الذي ينتظر دوره كما قلت يعذر بترك الجماعة؛ لأنه إذا ذهب يصلي فهو أولاً سيصلي وفكره مشغول، أليس كذلك؟ وثانياً: أنه يلحقه ضرر وربما يكون جاء من مسافة بعيدة، فهنا يعذر بترك الجماعة، والإنسان إذا قُدِّم عشاؤه أو غداؤه قلنا له: اجلس وتعشَ براحة وطمأنينة ولو فاتتك الصلاة، وابن عمر رضي الله عنهما كان يتعشى في بيته وهو يسمع قراءة الإمام، مع أن عبد الله بن عمر من أشد الناس ورعاً والتزاماً بالسنة ومع ذلك يتعشى والإمام يصلي، امتثالاً لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) .(170/22)
حكم من قتل كافراً خطأ وحكم الدية والكفارة
السؤال
قبل سنتين حصل معي حادث وتوفت فيه سيلانية وأظنها نصرانية، فحكمت المحكمة بسرعة فوق المعدل، غرامة خمسين ديناراً للسرعة، وغرامة للحق العام خمسين ديناراً، وصمت أنا شهرين، ولا أدري عن الدية، ولم يأت أهلها أو من يسأل عنها، فما يجب علي؟ الشيخ: لكن أنت مفرط؟ السائل: نعم، لذا حكمت المحكمة بسرعة فوق المعدل.
الشيخ: ابحث عن أهلها؟ السائل: إنها سيلانية.
الشيخ: نعم سيلانية ابحث عن أهلها، ارجع إلى مكتب الاستخدام وقل: من أين جاءت هذه؟ وابحث عنها.
السائل: لكن القضية تتحول على تأمين السيارة.
الشيخ: المهم أنت تبحث حتى توصل الدية إلى أهلها.
السائل: يعني: يجب عليَّ الدية؟ الشيخ: يجب عليك الدية، ما دام أنه ثبت أنه بسبب تفريطك أو تعديك فعليك الدية.
السائل: الدية -يا شيخ- تفرضها المحكمة وأنا لا أقدر أن أقدرها بنفسي.
الشيخ: هم يقدرون، إذا وجدت أهلها تقدر.
السائل: وصيام الشهرين هل هو صحيح؟ الشيخ: نعم صحيح.
السائل: ولكنها كافرة.
الشيخ: نعم.
{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء:92] .(170/23)
حكم السفر إلى تركيا وما شابهها من دول الإسلام
السؤال
السفر إلى البلاد الإسلامية مثل تركيا هل يجوز السفر إليها؟ الشيخ: لماذا هل هناك حاجة؟ الشيخ: لا بدون حاجة، للنزهة الشيخ: والله، لا أرى هذا.
أولاً: أن النفقات ستكون باهضة.
ثانياً: أن تلك المجتمعات فيما يسمع عنها ليس بينها وبين المجتمعات الكافرة فرق، إلا بأنه يؤذن في المناير ويصلي من يصلي ويترك الصلاة من لا يريد الصلاة.
ثم المظهر العام بالنسبة للنساء وتبرجهن لا فرق بينه وبين الدول الكافرة، هكذا نسمع، وإذا كان كذلك فثق أن أهلك الذين يذهبون إلى هناك سوف يتأثرون من هذا، والصغير تنطبع في ذاكرته الصورة فلا ينساها، وإذا كان لابد من النزهة فعليك ببيت الله، الكعبة، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تحصل على خير وعلى أجر، ولا تتكلف لا مالاً ولا تعباً بدنياً ولا غير ذلك.(170/24)
حكم بيع النجش
السؤال
لو قال رجل لآخر في مزاد السيارات: اترك هذه السيارة وخذ هذا المبلغ حتى أشتريها أنا؟
الجواب
نفس الشيء فيما قلنا من قبل، لا يجوز له؛ لأن هذا كالبيع على بيع المسلم، لأنه يحول بينه وبين زيادة الثمن لصاحب السيارة.
السائل: حتى لو كان الشخص الآخر لا يريد السيارة؟ الشيخ: نعم إذا كان لا يريدها لا يحل له أن يزيد، سواء أعطي عن ذلك عوضاً أم لم يعط، أي إنسان لا يريد السيارة لا يجوز أن يزيد، إلا رجلاً رأى أن الثمن قليل، وأن فيها ربحاً فزاد حتى إذا بلغت مبلغاً يرى أنه لا ربح فيه تركها هذا لا بأس.(170/25)
حكم الحلف على شيء مضى
السؤال
شخص قطع إشارة المرور، وأوقفه المرور وقال له: لماذا قطعت الإشارة؟ فحلف أنه ما قطعها، يريد أن ينجو من الغرامة، فما حكمه هل عليه كفارة أم لا؟
الجواب
اليمين على شيءٍ ماض ليس فيها كفارة، لكن إما إثم إن كان كاذباً وإلا سلامة إن كان صادقاً.
أنا أخبرك قاعدة تنتفع بها: كل يمينٍ على شيء ماض فيه ما فيها كفارة، لو قلت: والله! ما جاء فلان، وهو قادم فليس عليك كفارة، هذه القاعدة افهمها، هذا الرجل يقول: والله! ما قطعتها؛ شيءٌ مضى، فنقول: ليس عليه كفارة، لكن إما آثم إن كان كاذباً وإما سالماً، وفي هذا السؤال الذي ذكرت يكون آثماً؛ لأنه حلف أنه ما قطعها وهو قاطعها.
ثم إنه بهذه المناسبة أود أن أنصح إخواننا السائقين وغيرهم عن قطع إشارة المرور؛ لأنها معصية، فإن هذه الإشارات إنما نصبت بأمر من ولي الأمر، والعلامة الحمراء يعني قف، فإذا أمرك ولي الأمر أن تقف وجب عليك أن تقف، فإذا خالفت فأنت عاص، حتى لو فرضنا أن الخط ما فيه أحد، فإنه لا يحل لك، بل تبقى حتى تعطيك الإشارة اللون المبيح للتجاوز.(170/26)
حكم استخدام المصحف كسترة في الصلاة
السؤال
يا شيخ! بالنسبة لاتخاذ المصحف سترة في المسجد خصوصاً إذا كانت الأعمدة بعيدة عن الشخص في مكان صلاته أو الجدار، هل في هذا إهانة للمصحف أو يجوز؟
الجواب
أولاً -بارك الله فيك- يجب أن تعلم أن السترة غير واجبة، هي سنة وليست واجبة، فلا حاجة إلى أن نتكلف إلى هذا الحد.
وثانياً: لا يجوز أن تجعل المصحف سترة لك؛ لأن هذا استخدامٌ للمصحف في غير ما وضع له، المصحف يجب على الإنسان أن يحترمه ويعظمه، مثل ذلك فيما نرى هؤلاء الذين إذا اتصلت عليهم وصار فيه انتظار سجلوا قرآناً هذا لا نراه أبداً، أن يكون تسجيل القرآن.
يستخدم في الانتظار ثم إن الذي يسمعه ربما يكون مالّاً، ربما يكون غير مسلم، فلذلك إذا أردت انتظار اجعل سجل حكمة من الحكم أو ما أشبه ذلك، أو دعه حتى يتصل.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى لقاء آخر إن شاء الله في مثل هذا اليوم.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.(170/27)
لقاء الباب المفتوح [171]
الملائكة خلق من خلق الله سبحانه وتعالى، خلقهم من نور، لكن الذين لا يؤمنون بالله يجعلون الملائكة إناثاً وهم لم يشهدوا خلقهم.
وفي ضوء هذا الموضوع كان تفسير آيات من سورة النجم تناولت ما سبق الإشارة إليه، كما دعت الآيات الأخرى إلى الإعراض عمن أعرض عن ذكر الله وركن إلى الحياة الدنيا وزينتها الزائفة.(171/1)
تفسير آيات من سورة النجم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي والسبعون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل يوم خميس وتسمى (لقاء الباب المفتوح) وهذا الخميس هو العشرون من شهر رجب عام 1418هـ.
نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدنا أن نبتدئ به من تفسير القرآن الكريم.
وإني أحثكم أيها الشباب على الحرص التام على تدبر القرآن ومعرفة معانيه؛ لأن القرآن إنما نزل ليدبر الناس آياته وليتذكروا به.
قال الله تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] إذ لا فائدة بتلاوة اللفظ دون فهمٍ للمعنى، ولهذا سمى الله تبارك وتعالى الذين لا يعلمون الكتاب إلا قراءة سماهم أميين، فقال تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة:78] أي: إلا قراءة، ولذلك يجب علينا أن نتدبر القرآن، ثم بعد ذلك نعمل به؛ لأن العمل يتوقف على معرفة المعنى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة صغيرة له تسمى مقدمة التفسير قال: (إن الناس لو أرادوا أن يقرءوا كتاب الطب أو غيره لاستشرحوه قبل أن يعملوا به ويطبقوه) .
أي: لطلبوا شرحه وفهم معانيه، وهذا حق.
لذلك أحث إخواننا على تفهم القرآن الكريم، وإذا أشكل عليهم شيء فلا يجوز أن يقولوا في القرآن بالظن، بل يسألوا عنه؛ لأن القول بالقرآن خطير جداً، فإن من قال بالقرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار.
والمفسر للقرآن شاهدٌ على الله بأنه أراد كذا وكذا، فأعد لهذه الشهادة جواباً.
لذلك أنا حريصٌ على طلابنا أن يجتهدوا في معرفة معاني القرآن، وهذا أولى بهم من أن يعرفوا معاني السنة، وكلاهما حق وكلاهما يجب فهم معانيه، لكن القرآن أهم وأوكد؛ لأن القرآن يصلك بالله مباشرة، لأنك تقرؤه على أنه كلام الله تعالى، تتفهم معنى هذا كلام الرب سبحانه وتعالى وتتدبره؛ حتى تقوم به تصديقاً للخبر وعملاً بالطلب، أمراً أو نهياً.(171/2)
تفسير قوله تعالى: (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى)
انتهينا فيما سبق إلى قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} [النجم:27] أكد الله هذا الخبر بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ} أكده بمؤكدين وهما: إن، واللام.
ومعنى: (لا يؤمنون بالآخرة) لا يصدقون بها ولا بما فيها من الثواب والعقاب؛ إذ أن الإيمان بالآخرة لا بد أن يكون إيماناً بأن هذا اليوم سيكون، وإيماناً بكل ما ثبت من حصوله فيه ووقوعه فيه، إما في القرآن وإما في السنة، حتى إن شيخ الإسلام رحمه الله قال: (إن مما يدخل في الإيمان بالله واليوم الآخر الإيمان بما يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذاب القبر ونعيم القبر) .
وصدق رحمه الله؛ لأن الإنسان إذا مات قامت قيامته، انتهى من الدنيا، كأن لم يكن، فكما أنه أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئا مذكوراً، فسيأتي عليه حينٌ من الدهر لم يكن إلا خبراً من الأخبار، كما قال الشاعر الحكيم في الدنيا:
بينا يُرى الإنسان فيها مخبراً حتى يُرى خبراً من الأخبار
أنت الآن تخبر تقول: حصل كذا وحصل كذا، وقال فلانٌ: كذا، وفي يومٍ من الأيام سوف يخبر عنك: قال فلان كذا وأنت رمل.
إذاً الإيمان بالآخرة يتضمن الإيمان بوقوع اليوم الآخر وأنه لا بد كائن.
ثانياً: الإيمان بما سيكون في هذا اليوم من أهوال وحساب وموازين وصراط وجنة ونار، لا بد من هذا.
كذلك يدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بما يكون في القبر من فتنة القبر، وهي: سؤال الملكين الميت عن ثلاثة أشياء: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} هل أحد من الناس لا يؤمن بالآخرة؟! نعم أكثر الناس لا يؤمنون بالآخرة، حتى أن الله سبحانه وتعالى قال في الإنسان: {أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:77-78] ما أحسن قوله: (ونسي خلقه) قبل أن يقول مقالة هذا الإنسان! أي: هذا الإنسان قال: (من يحيي العظام وهي رميم) ونسي خلقه، ما هو خلقه؟ أنه لم يكن شيئاً، {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق:6] فصار عظاماً وعصباً ولحماً وصار إنساناً ينطق ويخاصم: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78-79] وذكر الأدلة على إمكان ذلك.
المهم أن من الناس من ينكر اليوم الآخر يقول: ما في بعث! وهذا من سفه في عقله، وضلالة في دينه، وإلا فهل من الحكمة أن تخلق هذه الخليقة، وتبتلى بالأمر والنهي، ويحصل الجهاد وقتال الأعداء، واستحلال دمائهم وأموالهم ونسائهم، ثم تكون النتيجة لا شيء، هذا لا يمكن، وتأباه الحكمة أشد الإباء.
إذاً (الذين لا يؤمنون بالآخرة) سفهاء عقولاً، ضلالٌ ديناً.
{لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} أي: يجعلون الملائكة إناثاً كالمشركين! قالوا: الملائكة بنات الله، فسموا الملائكة بتسمية الأنثى وهي البنت؛ لأنهم لا يؤمنون بالآخرة، لو آمنوا بالعقاب ما قالوا هذا، لكنهم لا يؤمنون فيقولون ما يريدون.(171/3)
تفسير قوله تعالى: (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً)
قال الله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [النجم:28] نفى أن يكون لهم بذلك علم؛ لأن هذا هو الواقع، هل شهدوا خلق الملائكة؟ لا، ولهذا قال الله في آية أخرى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [الزخرف:19] ؟!!
و
الجواب
لا، لكن: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} [الزخرف:19] حين لا يجدون جواباً، هؤلاء الذين قالوا: الملائكة بنات الله، يقول عز وجل: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [النجم:28] و (علم) هنا مجرورة بحرف الجر، وحرف الجر هنا عند المعربين محمود {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [النجم:28] حرف جرٍ زائد، الفائدة منها: توكيد النفي، ولهذا نعطيكم قاعدة مفيدة: جميع الحروف الزائدة سواء الباء أو اللام أو غيرها فإنها تفيد التوكيد، {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [النجم:28] أي: لا قليل ولا كثير؛ لأنهم لم يشهدوا خلقك لهم.
{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} (إن) هنا بمعنى ما، والضابط أنها إذا جاءت (إلا) بعد (إن) فهي بمعنى (ما) ، (إن هذا إلا بشر) ، أي: ما هذا إلا بشر {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:31] أي: ما هذا إلا ملك كريم، {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [إبراهيم:10] أي: ما أنتم إلا بشرٌ مثلنا، {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية:24] أي: ما هم إلا يظنون، والأمثلة على هذا كثيرة.
{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} أي: ما يتبعون إلا الظن، والمراد بالظن هنا الوهم الكاذب، وليس المراد بالظن هنا الراجح من أحد الاحتمالين، وانتبه لهذه النقطة: الظن يأتي بمعنى التهمة، ويأتي بمعنى رجحان الشيء، ويأتي بمعنى اليقين، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة:46] المراد اليقين، لا يكفي الظن في اليوم الآخر، لا بد من التيقن، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب) والتحري هنا يعني: الظن الغالب، وهنا {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية:24] ظن الاتهام، أي: يظنون ظناً هو وهم ليس له أصل.
وبعض العلماء أخذ من هذه الآية: أنه لا يجوز العمل بالظن في المسائل الفقهية وغيرها، وهذا خطأ؛ لأن كثيراً من المسائل الفقهية ظنية: إما لخفاء الدليل، أو خفاء الدلالة، وليس كل مسألة في الفقه يقول بها الإنسان على سبيل اليقين أبداً، بل بعضها يقين وبعضها ظن، والظن إذا تعذر اليقين مما أحله الله، ومن نعمة الله أنه إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن، فليس كل ظنٍ منكراً، لكن الظن الذي ليس له أصل يبنى عليه هذا هو المنكر، فهؤلاء الذين سموا الملائكة تسمية الأنثى هل لهم بذلك علم؟ أبداً، ظن مبني على وهم، وربما يكون مبنياً على هوى، أي: أنه لم يطرأ على بالهم أنهم إناث لكن تبعوا آباءهم.
{وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} (وإن الظن) أي ظنٍ هذا؟ المبني على الوهم لا على القرائن، (لا يغني من الحق شيئاً) أي: لا يفيد شيئاً من الحق؛ لأنه وهم باطل، والوهم الباطل لا يمكن أن يفيد.(171/4)
تفسير قوله تعالى: (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا)
ثم قال عز وجل: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النجم:29] (أعرض) الخطاب للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو المراد به كل من يصح أن يوجه إليه الخطاب، فعلى الأول يكون المعنى: اعرض يا محمد، وعلى الثاني: اعرض أيها الإنسان المؤمن.
(عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا) أي: اعرض عنه ولا تتبعه، ولا يهمنك أمره، وليس المعنى: اعرض عنه لا تنصحه، لا.
لأن التذكير واجب، قال الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] ذكر كل أحد، فمن الناس من ينتفع ومنهم من لا ينتفع، والذي ينتفع هو المؤمن، فعلى هذا نقول: معنى (اعرض) أي: لا تبالِ به ولا يهمنك أمره، ولا تتحسر من أجل توليه، بل ادع إلى سبيل الله عز وجل أياً كان، لكن من أعرض وتولى لا يهمك أمره.
(اعرض عن من تولى عن ذكرنا) وهو القرآن، ويحتمل أن يكون الذكر بمعنى التذكير، أي: عن تذكيرنا، وكلا المعنيين متلازمان وصحيحان، (اعرض عن من تولى عن ذكرنا) عن القرآن، كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف:44] {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس:69] أو أن المعنى: (عن ذكرنا) أي: عن تذكيرنا، بالمواعظ التي ينزلها الله عز وجل.
{وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} اللهم أعذنا من فتنة الدنيا، أي: لا يريد الآخرة ولا يهتم بها، همه الدنيا من المركوب والملبوس والمسكون، فاتبعوا ما اترفوا فيه وكانوا مجرمين، لا يهتم بالآخرة، أهم شيء عنده هي الدنيا، أما ذكر الله (القرآن) أو تذكير الله فإنه متولٍ منه -والعياذ بالله- نسأل الله السلامة والعافية.
{فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} ولكن انظر (الحياة الدنيا) وصف هذه الدنيا من الدنو وهو القرب؛ وذلك لانحطاط مرتبتها، ولسبقها على الآخرة، لأن الدار الدنيا هي أول دار ينزلها الإنسان، وهي سابقة في الزمن على الآخرة، فهي دنيا -أي: قريبة- وهي أيضاً دنيا من حيث المرتبة ليست بالشيء بالنسبة للآخرة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: (لموضع سوط أحدكم في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها) اللهم اجعل لنا موضعاً فيها، خير من الدنيا وما فيها، ليست خيراً من الدنيا التي أنت فيها فقط، بل خير منها منذ أنشأت وخلقها الله إلى أن تفنى، موضع السوط الذي يكون بقدر المتر في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها، إذاً هي دنيا، ولهذا إذا مات الإنسان وهو مؤمن -جعلنا الله وإياكم منهم- ثم حمل من بيته الذي يسكنه ويأوي إليه، وفيه أهله وماله وحشمه إذا خرج تقول روحه: قدموني قدموني، لماذا؟ لأن ما ستذهب إليه خيرٌ مما تخرج منه، قال الله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:16-17] لكن لمن؟ {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى} [النساء:77] لكنها شرٌ لمن لم يتق.
يذكر أن ابن حجر العسقلاني رحمه الله وقد كان رئيس القضاة في مصر، مر يوماً من الأيام في موكبه على العربة تجره البغال وحوله الجنود برجلٍ يهودي زيات -يبيع الزيت- قد تدنست ثيابه بالزيت، وشقي في طلب المعيشة، فأوقف اليهودي الموكب، وقال لـ ابن حجر: إن نبيكم يزعم أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فكيف يتفق هذا الحديث مع الواقع؟!! أنت الآن مؤمن وهو يهودي، وأيهما أشقى؟ اليهودي في هذه المسألة أشقى فكيف يتفق مع الواقع؟!! فقال: نعم، ما أنا فيه الآن بالنسبة للآخرة سجن؛ لأن الآخرة خير لمن اتقى، وما أنت فيه من الآخرة جنة؛ لأن الآخرة مالك فيها إلا النار وبئس القرار، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، انظر كيف فتح الله عليه حيث ظهر صدق كلام الرسول عليه الصلاة والسلام بكل سهولة.
المهم أن الآخرة خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولهذا ذم الله هذا الذي أعرض عن ذكر الله ولم يرد إلا الحياة الدنيا، ولنسأل: هل من أراد الحياة الدنيا تحصل له؟
الجواب
لا تحصل له، قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ} [الإسراء:18] ليس ما يشاء بل {مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً} [الإسراء:18-19] ، وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} [الشورى:20] لأنه يعطى الدنيا والآخرة {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} بعضها ليس كلها {وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى:20] .(171/5)
الأسئلة(171/6)
سبب تنزيل حديث: (تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم.
) في الخوارج
السؤال
قول النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج: (تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وصيامكم إلى صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) كيف عرفنا أن هذا الحديث في الخوارج خصوصاً مع أنهم لم يكونوا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ولا في عهد أبي بكر كيف يقال: إنه في الخوارج بالذات؟
الجواب
يجب أن تعلم بارك الله فيك أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله تعالى على علم الغيب في كثيرٍ من الأشياء، وهذه من آياته، حيث أخبر أنهم سيخرجون وأنهم يصلون ويقرءون القرآن، وأن الواحد من الصحابة يحقر صلاته وقراءته عند قراءتهم وصلاتهم، وقال: إنهم يقرءون القرآن ويجيدونه لكن لا يتجاوز حناجرهم والعياذ بالله، يعني فقط باللفظ لكن لا يصل إلى القلوب، ولهذا قال: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) السهم إذا ضرب الرمية كالرصاصة ضربت الطير مرقت وخرجت، فهم هكذا وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام، وأولهم كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قسم النبي صلى الله عليه وسلم الغنيمة فقال له رجل: اعدل يا محمد، أو قال: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله -نعوذ بالله- وهذا خروج بالقول؛ لأن الخروج نوعان: خروج بالقول، وخروج بالسيف والقتال، والأول مقدمة للثاني؛ لأن الذين يخرجون بالسيف لا يخرجون هكذا فقط يحملون السلاح ويمشون، لا بد أن يقدموا مقدمات وهي أن يملئوا قلوب الشعوب بغضاً وعداءً لولاتهم وحينئذٍ يتهيأ الأمر للخروج.(171/7)
دلالة وصف الرسول للخوارج بكثرة الصلاة والعبادة
السؤال
فضيلة الشيخ: وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الخوارج بصفات مخصصة مثلاً أو محددة، منها: كثرة الصلاة والعبادة، علام يدل هل هو من أجل الدنيا أم ماذا؟
الجواب
وصفه إياهم بالعبادة وقراءة القرآن وغير ذلك أنه -والعياذ بالله- عندهم تشدد في الدين، لكن هذا الدين لم يصل إلى القلوب، وهذا يوجد في الذين يشتغلون بعيوب الناس ويدعون عيوبهم، تجد قلبه فارغاً من الاتصال بالله عز وجل، فقط يحوم حول العالم ما الذي حصل؟ فتجد في قلبه غيرة حارة تحترق لكن لو رجعت إليه بالنسبة للإنابة إلى الله عز وجل والاتصال بالله وجدت قلبه فارغاً، هذا هو السبب، ولهذا نحن ننهى أنفسنا قبل كل شيء ألا يكون همنا إلا الاشتغال بأحوال الناس التي لا نستطيع إن كانت على غير صواب أن نحولها إلى الصواب.
وتجد أمثال هؤلاء يرون الحق باطلاً، أو يرون الحق حقاً لكنه مغمور بباطلٍ دونه بكثير، بمعنى: أنهم يعدون الأشياء التي تنتقد ويتركون الأشياء التي تحمد، فيَضِلُون ويُضِلُون وهذه مسألة خطيرة، ولا يحتاج أن أضرب الأمثلة لكم ببعض الدول العربية ماذا حصل من الشر والفتنة؛ لأنهم أتوا الأمر على غير وجهه.(171/8)
تقديم كفالة اليتيم في داخل البلد على خارج البلد
السؤال
فضيلة الشيخ: كفالة اليتيم عن طريق مكاتب الإغاثة الإسلامية خارج المملكة هل ينال الكافل أجر كفالة اليتيم حتى ولو كان اليتيم ليس عنده في الداخل، علماً بأن مكاتب الإغاثة ترسل التقارير عن حالة اليتيم الصحية والدراسية، وهذه المكاتب فروع للداخل، نفس فروعنا التي في الداخل؟
الجواب
جميع الأموال التي يقصد بها وجه الله: من كفالة يتيم، وصدقة، وزكاة، كلها إذا حصلت في الداخل فهو خير؛ لأن في الداخل أمامك ويمكنك أن تشرف عليه، وتعرف كيف صرف، ولا تقل: إن الداخل في غنى وما أشبه ذلك، نحن نعلم أن في أوساط المملكة والمدن هناك غنى والحمد لله، لكن في أطراف المملكة جوع وفقر، هكذا نحدث، وعليه فالأقربون أولى بالمعروف، وكونك تشاهد الشيء بنفسك أنت هذا خير، ولهذا لما حصلت المبالغة في مثل هذه الأشياء صار بعض الناس يقول: أعطونا زكاة الفطر نوزعها هناك، أعطونا الأضحية نذبحها هناك، وهذا غلط، زكاة الفطر في البلد، الأضحية عندك وعند أهلك، ضحِ أمام عيالك حتى تظهر هذه الشعيرة العظيمة، والمقصود من الأضحية ليس اللحم: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] أهم شيء في الأضحية أن تذكر اسم الله عليها وتذبحها، وأن تأكل منها، ولهذا أمر الله بالأكل منها والإطعام {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج:28] فبدأ بالأكل.
ولهذا نرى أن الذين يدعون الناس إلى أن يضحوا خارج البلد أنهم إلى الإثم أقرب منهم إلى السلامة، نعم! ادع الناس إلى البذل والصدقة للمنتظرين في الخارج من المسلمين هذا طيب ونساعد على هذا، لكن أما أن ننقل شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة إلى هناك فهذا غلط غلطٌ عظيم.
أما كفالة اليتيم فإذا وجدت يتيماً فكفالته هنا أولى، وتحصل الكفالة ليس بالأكل والشرب واللباس بل حتى بالحضانة، وربما تكون الحضانة أشد اهتماماً من الأكل والشرب، فتجعله عندك في البيت مع الأولاد تدرسه وتعلمه وتلاطفه، هذه كفالة الأيتام.(171/9)
إهداء البقر في حجة الوداع عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
فضيلة الشيخ: أهدى الرسول صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع مائة من الإبل، فهل هذه المائة له خاصة أم له ولأزواجه؟
الجواب
أهدى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مائة من النوق، ذبح منها ثلاثاً وستين بيده، والباقي أعطاه علي بن أبي طالب يذبحه، ويوزع لحمه، وأمر أن يؤخذ من كل بعير قطعة، فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها، تحقيقاً لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج:28] وهذا عن نفسه فقط إلا أنه أشرك علي بن أبي طالب في الهدي كما جاء ذلك في صحيح مسلم من حديث جابر، وأما نساؤه فقد أهدى عنهن بالبقر.(171/10)
حكم الكلام داخل دورات المياه قبل الشروع في قضاء الحاجة
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم الكلام داخل دورة المياه قبل الشروع في قضاء الحاجة؟
الجواب
لا بأس به، خصوصاً إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأنه ليس هناك نهيٌ صريح عن هذا، إلا إذا تغوط الرجلان وجلس أحدهما إلى الآخر يتحدثان فهذا هو الذي فيه النهي، وأما مجرد الكلام داخل مكان قضاء الحاجة فليس فيه نهي.(171/11)
حكم رفع الرجل اليمنى أو اليسرى عند السجود
السؤال
بالنسبة للساجد عند السجود لو رفع رجله اليمنى أو اليسرى لحاجة هل تبطل الصلاة؟
الجواب
في حال السجود يجب على الإنسان أن يسجد على سبعة أعضاء: على الجبهة والأنف وهما عضو واحد، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين، ولا يجوز أن يرفع شيئاً من هذه الأعضاء لا الأنف ولا الكف ولا القدم، لكن لو دعت الحاجة أو الضرورة إلى ذلك وردها بسرعة فأرجو ألا يكون به بأس.(171/12)
حقيقة التولي عن القرآن
السؤال
التولي عن القرآن هل هو عدم الإيمان فقط، أم هو عدم القراءة والتدبر فيه؟
الجواب
التولي عن القرآن عام يشمل التولي عن قراءته، وعن العمل به، وعن تصديق أخباره؛ لأنه عام، لكن التولي بعضه أشد من بعض، فمن تولى عنه نهائياً فهذا مرتد، ومن تولى عنه بمعنى: أنه لم يثابر على قراءته فليس بمرتد، ثم إن التولي بالكلية عن قراءته لا يمكن؛ لأنه سوف يقرأ في صلاته بأم القرآن وبما تيسر.(171/13)
حكم بيع الكفلاء الإقامات لمكاتب الخدمات العامة
السؤال
بعض الكفلاء الآن يبيعون الإقامات، يكون هناك مكاتب للخدمات العامة واسطة بينهم وبين العمال، فيبيعونها بمبلغ ضخم؟ الشيخ: صورها لي؟ السائل: مثلاً: يأتي الكفيل، فيعطي البطاقة لمكتب الخدمات العامة فيخرجون فيزة والمكتب يبيعها.
الشيخ: الفيزة تعني ماذا؟ السائل: هي نفسها الإقامة.
الشيخ: هل هي وسيلة الاستخدام؟ السائل: إي نعم، تبيعها ويتقاسمون مال الكفيل؟ الشيخ: أنا أرى أن النظام يجب أن يمشى عليه، والنظام في ظني لا يسمح بهذا، فإذا كان لا يمسح فهو لا يجوز، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] وإذا كان الإنسان لا يطيع النظام مع أنه ليس بمعصية فإنه ليس مطيعاً لله؛ لأنه أمر بطاعة ولاة الأمور، والتحايل على المخلوق لا ينفع؛ لأنه لو تحايل على المخلوق ومشت الأمور فإن هذه حيلة لا تنفع عند الخالق، قال الله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19] .
السائل: بالنسبة يا شيخ للذي يشتريها، هو مضطر يا شيخ؟ الشيخ: وماذا يحصل إذا لم يشترها؟ السائل: قد يرحل ويمنع من المكوث في البلد.
الشيخ: إذن يرحل في أمان الله، أنا جئت من بلدي ارجع إلى بلدي، ربما يكون طالب علم وحصل خير ويدعو الناس إلى الخير هناك.(171/14)
حكم الصلاة في الخفين إذا مسح عليه قبل انتهاء المدة ولو بفترة يسيرة
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا مسح الإنسان على الخفين قبل انتهاء المدة ولو بفترة يسيرة هل يصلي فيه؟
الجواب
إذا مسح الإنسان على الخفين أو على الجوارب -التي هي الشراب- قبل انتهاء المدة فهو على طهارة حتى ينتقض الوضوء، بمعنى: أن تمام المدة لا ينقض الوضوء، والذين قالوا: إنه إذا انتهت المدة انتقض الوضوء ليس عندهم دليل.(171/15)
حكم تفسير القرآن بغير اللغة العربية
السؤال
بالنسبة لشخص يفسر القرآن الكريم بغير اللغة العربية، ولكن لا يحسن في النحو، هل له ذلك؟
الجواب
تفسير القرآن بلغة غير العربية لا بأس به، بل لا بد منه؛ لأن غير العربي لا يفهم معنى الكلام، والله عز وجل قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:4] ولو أن رجلاً غير عربي تكلم أمامي ما عرفت ماذا يقول، كذلك أيضاً لو أعطينا غير العربي القرآن لا يعرف المعنى، صحيح قد يقرؤه بالعربية ويتعبد لله بذلك ويؤجر عليه ويثاب كما يثاب العربي، لكن لا يمكن أن يعمل إلا إذا عرف المعنى، فتفسيره بغير العربية لا بأس به، ولكن لا بد لمن يفسر بغير العربية من ثلاثة أمور: 1- أن يكون عالماً باللغة العربية.
2- وأن يكون عالماً بما يرادفها من اللغة الأخرى.
3- أن يكون عالماً بموضوع الترجمة.
فمثلاً: إذا أراد أن يترجم آيات في التوحيد لا بد أن يعرف ما معنى التوحيد؟ وعلى أي شيءٍ دلت عليه هذه الآية، حتى لا يخطئ.(171/16)
حكم المسائل التي يرد فيها اختلاف بين أهل العلم بسبب الاختلاف في الحكم على الحديث
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم العبادة التي يرد فيها نصٌ مختلفٌ بين أهل العلم في تصحيحه، مثل: صلاة التسابيح، فالذين يرون ضعف الحديث الوارد فيها هل يحكمون على من يصحح الحديث ويعمل به بأنه عملٌ مبتدع أم يسكتون فلا ينكرون؛ لأن النص الوارد فيها مختلفٌ في تضعيفه؟
الجواب
أولاً بارك الله فيك: يجب أن تعلم قاعدة: الأصل في العبادات الحضر والمنع، فإذا جاء حديث اختلف في تصحيحه؛ وجب المنع بعكس ما دل عليه هذا الحديث؛ لأن الأصل الحضر حتى يقوم دليل على ثبوت هذا الشيء، لا سيما مثل صلاة التسابيح؛ صلاة التسابيح أولاً: هي شاذة في هيئتها وكيفيتها.
ثانياً: هي شاذة في توقيتها؛ لأنك لا تصلي كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر أو كل سنة أو في العمر مرة، أين العبادة التي على هذا الوجه؟!! ثالثاً: من الناحية العملية، لو أن صلاة التسبيح شرعية وثابتة كيف تخفى على الأمة حتى لا يظهر العمل بها إلا في عهد التابعين؟!! لأن أشهر من رويت عنه عبد الله بن المبارك، ثم بعد عبد الله بن المبارك هل انتشرت في الأمة الإسلامية؟ لم تنتشر، هذه أيضاً من القرائن التي يعرف بها ضعف الحديث، أن الأمة لم تعمل به.
ومن ذلك حديث أم سلمة في الرجل الحاج إذا لم يطف طواف الإفاضة قبل غروب الشمس يوم النحر عاد محرماً، هذا الحديث ما عمل به أحد، اللهم إلا واحد من التابعين هو عروة بن الزبير وأناس قلة، ومثل هذا مما تتوافر الدواعي على نقله؛ لأن كثيراً من الحجاج لا يتسنى له أن يطوف طواف الإفاضة إلا بعد النزول من منى، هذا من وسائل العلم بضعف الحديث: أن الأمة تخلت عن العمل به، فصلاة التسبيح من هذا الباب، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن حديثها باطل، وإنه لم يستحبها أحد من الأئمة، الأئمة الفحول في الأمة الإسلامية ما استحبوها.
أما هل يوصف هذا بالمبتدع؟ فهذا ينظر إذا كان الرجل ممن له اجتهاد فلا يمكن أن نصفه بالبدعة وهو له اجتهاد، وهذه مسألة عملية، وأما إذا كان ليس له قدرة على الاجتهاد فيقال: إنها بدعة، هي أصلها بدعة لكن هل نقول لمن عمل بها: إنه مبتدع أو هي بدعة؟ ما دامت لم تثبت فهي بدعة، فبالنسبة له هو لا أسميه مبتدعاً، لكن نفس هذه الصلاة بدعة.(171/17)
حكم اعتماد المؤذن على التوقيت الموجود في التقويم
السؤال
هل يصح للمؤذن الاعتماد في أذانه بالتوقيت الموجود على التقويم؟ الشيخ: في أي بلد؟ السائل: هنا في المملكة.
الشيخ: الدولة لم تعط هذا التقويم لمجرد أن يطلع الناس عليه، إنما أعطتهم هذا التقويم ليعملوا به، لكن من يشك في وقتٍ من الأوقات فليتحر وليتأخر، الأصل عدم دخول الوقت، فمثلاً: لو شككنا في الفجر وهو الذي فيه الإشكال، فإن كثيراً من الإخوة خرجوا وراقبوا الفجر في الليالي المظلمة الصاحية، ووجدوا أن التقويم متقدم على الأقل بخمس دقائق، وبعضهم يقول: عشر دقائق، وبعضهم يقول: ربع ساعة، وبعضهم يقول: ثلث ساعة، فإذا كان الإنسان في شك من هذا فليتأخر ولا يضر.
أما بقية الأوقات فما علمت فيها اختلافاً بين الناس، لكن قيل لي: إن بعض الناس يؤذن المغرب والشمس موجودة، ولعل هذا من أجل أن ساعته تكون مقدمة ويؤذن على الساعة وهو لم يشاهد الشمس.(171/18)
حكم انتظار الجماعة الثانية لمن أدرك التحيات مع الجماعة الأولى
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا دخل رجل المسجد وهو يعلم أن خلفه جماعة، ووجد الإمام في التحيات هل يدخل معه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا) أم ينتظر الجماعة الثانية، وأيهما أفضل؟
الجواب
الأفضل أن ينتظر الجماعة الثانية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فهذا الذي لم يدرك إلا التشهد لم يدرك صلاة الجماعة حسب مفهوم الحديث: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وهو الآن يتيقن أو يغلب على ظنه أنه سيجد جماعة.
لكن يبقى النظر: هل الجماعة الثانية تأخذ أجر صلاة الجماعة سبعة وعشرين درجة؟ لا تأخذها، لكن الجماعة أفضل من الواحد، لحديث أبي بن كعب: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) .
السائل: لكن ما الحكم لو دخلوا مع الجماعة الأولى وقدموا أحدهم يصلي بهم؟ الشيخ: يبقى النظر هل هذا ورد عن السلف؟ ولهذا كان أحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد: أن المسبوق لا يصح أن يكون إماماً ولا مأموماً، وأن المسبوقين كل واحدٍ منهما يقضي صلاته وحده.(171/19)
حكم نسيان الإمام قول: (الله أكبر) عند الرفع من السجود
السؤال
فضيلة الشيخ: لو أن الإمام رفع رأسه من السجود لكن نسي أن يقول: الله أكبر، فماذا يفعل في هذه الحالة؟
الجواب
تكبيرات الصلاة ما عدا تكبيرة الإحرام واجبة، أي: أن الإنسان إذا نسيها فصلاته صحيحة، لكن يسجد للسهو قبل السلام.
السائل: لكن المأمومين لا يعلمون.
الشيخ: المأمومين ما عليهم منه.
السائل: هل يكون أيضاً عليهم سجود؟ الشيخ: لا بد أن يسجدوا معه إذا سجد.
السائل: إذا رفع رأسه من السجود ونسي أن يقول: الله أكبر، وهم ساجدون في هذه الحالة، فكيف يقوم المأمومون؟ الشيخ: أنت تسأل عن الإمام أم عن المأموم؟ السائل: عن الإمام.
الشيخ: إذا نسي حتى قام فهنا ينبغي أن يجهر بعض الشيء في قراءة الفاتحة، حتى يعرفوا أنه قام، أما التكبير فقد فات محله ولا يمكن أن يقوله في غير محله.(171/20)
معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع)
السؤال
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع) هل في كل خمس صلوات يصطحبه معه إلى المسجد أم يأمره بعد الصلاة؟
الجواب
لا.
إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نأمر أبناءنا بالصلاة لسبع، لكن لم ينهنا أن نصطحبهم دون السبع، قبل السبع لا نأمره دعه يلعب، لكن لو قال: أريد أن أذهب إلى المسجد فاذهب به معك، وعوده على ذلك.(171/21)
العمل إذا تعارض درسان من الدروس العلمية للمشايخ
السؤال
مثلاً لو كان هناك درسان من الدروس العلمية، هو مستمر في الدرس الأول، ولكن افتتح درس جديد، والآن هو يخشى مثلاً لو استمر في الدرس الأول فإن الدرس الثاني يفوته، ولا يعاد مثلاً شرحه أو مثلاً يفوته الوقت، ولا يستطيع أن يحضر الاثنين لتعارض الوقت معه أو لانشغاله بالمذاكرة، فماذا يفعل؟
الجواب
هذه ليست مسألة دينية، هذه مسألة عملية، كل إنسان يعرف كيف يتصرف، والآن والحمد لله الذي يفوت على الإنسان يمكن تداركه بالتسجيلات، وأكثر الدروس تسجل الآن عندي وعند غيري.
السائل: لكن يا شيخ الحضور قد يكون أفضل؟ الشيخ: لا شك أن الحضور أقوى، لكن إذا كان عنده الآن تعارض وعنده درسان، وهما في الأهمية واحد، والمدرسان كلاهما متكافئان، أي: ليس أحدهما أعلم من الآخر، أما إذا كان أحدهما أعلم من الآخر فليذهب إلى الأعلم، لأنه هو أفيد في الغالب، فهذا الذي أقوله لك، وممكن أن تجعل واحداً يسجل لك ويحتفظ بالشريط.(171/22)
مكان دعاء الاستخارة
السؤال
بعض العلماء قال: إن دعاء صلاة الاستخارة يكون داخل الصلاة في التشهد أو في السجود.
فما هو الصحيح؟ الشيخ: أتحفظ حديث الاستخارة؟ السائل: نعم.
الشيخ: هات معناه.
السائل: إي: إذا أشكل على أحدنا الأمر فليصل ركعتين ثم ليدع.
الشيخ: فليصل ركعتين ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك.
الشيخ: من قائل هذا؟ السائل: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: الرسول هل هو يعرف اللغة العربية أم لا؟ السائل: يعلم.
الشيخ: هل هو يعرف أن (ثم) تدل على الترتيب أم لا يعرف؟ السائل: يعرف.
الشيخ: هل قال: فليصل ثم ليقل، وهو يريد أن تكون مرتبة أم لا؟ السائل: نعم.
الشيخ: أراد ذلك، إذن
الجواب
بعد أن يسلم، ما دام الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (فليصل ركعتين ثم ليقل) ولم يقل: ثم ليقل في الركعتين.
وأنا أظن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ممن يقول: إنه يقولها قبل السلام، لكن لا نوافقه على هذا، ما دام عندنا الحديث نص وأنا أقول: أظن أن شيخ الإسلام ولا أدري هل قالها هو أم لا، لكن إن كان قالها هو أو غيره، فالمرجع إلى الله ورسوله.
السائل: لكن هل أرفع يديَّ؟ الشيخ: ليس هناك مانع.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(171/23)
لقاء الباب المفتوح [172]
في لقاء من لقاءات الباب المفتوح وضمن تفسير سورة النجم، كان للشيخ هذه الوقفة مع بعض الآيات التي تحدثت عن الهداية والضلال في البشر ودخول ذلك ضمن علم الله، كما بيَّن حقيقة الثواب والعقاب يوم القيامة، فالجزاء من جنس العمل، وعرج على ذكر أهم صفات المحسنين وهي اجتناب الكبائر والفواحش واللمم، ووضع الفروقات بينها، وأعطاها النصيب الأوفر من الحديث في هذا اللقاء.(172/1)
تفسير آيات من سورة النجم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والسبعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السابع والعشرون من شهر رجب عام (1418هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بما كنا نعتاده من تفسير لكلام الله عز وجل، وإني أحثكم على الحرص على تدبر القرآن ومعرفة معناه؛ لأنه إنما أنزل لهذا، قال الله تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] .(172/2)
تفسير قوله تعالى: (ذلك مبلغهم من العلم)
لقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [النجم:30] في سورة النجم أي: (ذلك) والمشار إليه كونهم متولين معرضين لا يريدون إلا الحياة الدنيا، أي: ذلك منتهى بلوغ علمهم؛ لأن علمهم قاصر لا ينظرون إلى المستقبل ولا يصدقون بخبر، فتجد أكبر همهم أن يصلحوا حالهم في الدنيا، معرضين عن حالهم في الآخرة، {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [النجم:30] وفي الدعاء المأثور: (اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا) .
ثم قال الله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [النجم:30] هو أعلم عز وجل بمن ضل عن سبيله فعلاً ومن سيضل؛ لأنه عالمٌ بما كان وما يكون، فقوله: (بمن ضل) لا تعني أنه لا يعلم إلا من حصل منه الضلال بالفعل، بل هو يعلم من حصل منه الضلال بالفعل ومن سيحصل منه؛ لأن الله سبحانه وتعالى موصوفٌ بالعلم التام في الحاضر والمستقبل والماضي، وقوله: {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [النجم:30] ضد الضلال، فالناس بين فئتين: إما مهتدٍ، وإما ضال، وإنما بيّن الله سبحانه وتعالى أنه (أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) لفائدتين: الفائدة الأولى: أن نعلم أن ما وقع من الضلال والهداية فهو صادرٌ عن علم الله وبإرادته؛ إذ لا يمكن أن يوجد في خلقه خلاف معلومه، لو قدر أن يوجد في خلقه خلاف معلومه لكان الله جاهلاً وحاشاه من ذلك.
الفائدة الثانية: التحذير من الضلال والترغيب في الاهتداء، ما دام أن الإنسان يعلم أن أي عملٍ صدر منه فعلمه عند الله فإنه سوف يخشى أن يعصي الله، وسوف يرضى أن يرضي الله عز وجل، فإذاً الفائدة أمران: الأولى: أنه لا يحصل شيء في الكون إلا بعلم الله سبحانه وتعالى.
والثانية: الترغيب في الهداية أو في الاهتداء والترهيب من الضلال، أي: كأنه يقول: إن ضللت فالله عالمٌ بك، وإن اهتديت فالله عالمٌ بك، فيجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [النجم:30] .(172/3)
تفسير قوله تعالى: (ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي)
ثم قال الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [النجم:31] يقول علماء البلاغة: إنه إذا تقدم ما حقه التأخير فهو دليلٌ على الحصر والتخصيص، ولننظر في هذه الآية هل فيها تأخير وتقديم؟ (لله ما في السماوات وما في الأرض) (لله) خبر مقدم، و (ما في السماوات) مبتدأ مؤخر.
إذاً قدم فيها ما حقه التأخير وهو الخبر؛ لأن حق الخبر أن يكون متأخراً عن المبتدأ تقول: الرجل قائمٌ، ولا تقل: قائمٌ الرجل، فالأصل أن المبتدأ على اسمه يكون هو الأول والخبر هو الثاني، لكن أحياناً يقدم الخبر لفائدة، فهنا الفائدة: (ولله ما في السماوات) والفائدة الحصر، والحصر يعني: لله لا لغيره، (ما في السماوات وما في الأرض) ولا أحد يملك ما في السماوات وما في الأرض إلا الله تبارك وتعالى، نحن نملك ما نملك من أموالنا لكن هل ملكنا عام؟ ليس عاماً، حقيبتي ليست حقيبة لك، وحقيبتك ليست حقيبةً لي، فأملاكنا ليست عامة، ثم هل نحن نملك التصرف بما هو ملكنا كما نشاء؟! لا، تصرفنا محدود حسب الشريعة، ولهذا لو تراضى اثنان في بيع الربا قلنا: إنكما لا تملكان ذلك، لو أراد الإنسان أن يحرق ماله قلنا: هذا ممنوع.
إذاً ملك غير الله قاصر غير شامل، وملك غير الله قاصر حتى بالتصرف، الواحد منا لا يملك أن يتصرف في ماله كما يشاء؛ لأن تصرفنا في المال محدود حسب ما جاءت به الشريعة.
إذاً الملك التام الواسع الشامل لله عز وجل، ولهذا قال: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الشورى:49] فهو مالكٌ لذواتهما، مالكٌ لما فيهما أيضاً، وكم من ملك في السماوات؟ كم من مخلوقٍ في الأرض؟ كله ملكٌ لله عز وجل يتصرف فيه كما يشاء، حسب ما تقتضيه حكمته، وإيماننا بأن الله ملك السماوات والأرض يفيد أيضاً فائدتين عظيمتين: الفائدة الأولى: الرضا بقضاء الله، وأن الله عز وجل لو قضى عليك مرضاً لا تعترض، ولو قضى عليك فقراً لا تعترض؛ لأنك ملكه يتصرف فيك كيف يشاء، فهو كما يتصرف في السحاب يمطر أو لا يمطر، يمضي أو لا يمضي، ويتصرف في الشمس والقمر، ويتصرف في المخلوقات، يتصرف فيك أيضاً كما يشاء، إن شاء أعطاك صحة وإن شاء سلبها، إن شاء أعطاك عقلاً وإن شاء سلبه، إن شاء أعطاك مالاً وإن شاء سلبك، أنت ملكه، فإذا آمنت بهذا رضيت بقضائه.
الفائدة الثانية: الرضا بشرعه وقبول شرعه والقيام به، لأنك ملكه، قال لك: افعل افعل، قال: لا تفعل لا تفعل، أرأيت لو كان لك ملك عبد رقيق فأمرته ولكنه لم يفعل، هل تعتقد أن سيادتك تامة عليه؟ لا، أو نهيته ففعل فالسيادة ناقصة.
إذاً: أنت إذا عصيت ربك إما بفعل المحرم وإما بترك الواجب؛ فإنك خرجت عن مقتضى العبودية التامة؛ لأن مقتضى العبودية التامة أن تخضع لشرعه كما أنك خاضعٌ كرهاً أو طائعاً لقضائه وقدره، وليس معنى قوله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الشورى:49] أن يخبرنا أنه مالك فقط، لكن من أجل أن نعتقد مقتضى هذا الملك، وما هو مقتضاه؟ الرضا بقضائه والرضا بشرعه، فهذا حقيقة الملك.
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] انظر! جاءت كلمة (ليجزي) كأن قائلاً يقول: وإذا تبين أن الملك لله فما النتيجة؟ أن الناس بين محسن وبين مسيء، كما قال عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن:2] إذا كانوا بين محسن ومسيء فما جزاء كل واحد؟ {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا} [النجم:31] (الذين أساءوا) وهم الذين خالفوا المأمور أو ارتكبوا المحذور، هذا هو الضابط، هؤلاء أساءوا، (ليجزيهم بما عملوا) السيئة بالسيئة لا تزيد، أو يعفو عز وجل عمن يستحق العفو، وهو كل من مات على غير الشرك فهو مستحق للعفو، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] المهم أنه لا يمكن أن يزيد سيئة لم يعملها الإنسان، ولهذا قال: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا} [النجم:31] بدون زيادة، {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] ولم يقل: بما عملوا؛ لأن فضل الله أوسع من أعمالهم، {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] أنت إذا فعلت حسنة تكون عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة.
انظر الآن مثلاً صلاة الظهر بقي لها ثلث ساعة عندما تتوضأ وتسبغ الوضوء ثم تخرج من الصلاة لا يخرجك من بيتك إلا الصلاة فما الثمرات التي تحصل عليها؟ كل خطوة تخطوها يرفع الله لك بها درجة ويحط عنك بها خطيئة، كم عدد الخطوات؟ لا يحصيها إلا الله عز وجل، مع أن المقصود شيء واحد وهو الصلاة، لكن سعيك إلى الصلاة فيه أجر، ما دمت خرجت من بيتك لا يخرجك إلا الصلاة وتأهبت في بيتك، وأسبغت الوضوء في بيتك، فأنت لا تخطو خطوة إلا رفع الله لك بها درجة وحط عنك بها خطيئة، وهذه الخطوات لا يحصيها إلا الله.
ثم إذا وصلت المسجد وصليت ما شاء الله ثم انتظرت الصلاة ولو تأخر مجيء الإمام عن صلاة الجماعة يكتب لك أجر المصلي، (لا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة) أليس هذا أحسن من أعمالنا؟!! بلى، ولهذا قال: {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] أي: بما هو أحسن وأكثر من عملهم، وهذا يدلك على سعة فضل الله عز وجل وإحسانه وكمال أدبه، فالمسيئون يجازيهم بالعدل أو يعفو، والمحسنون يجازيهم بالفضل.(172/4)
تفسير قوله تعالى: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم)
ثم ذكر شيئاً من صفاتهم، فقال: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:32] (الذين يجتنبون) أي: يبتعدون عنه، وسمي الابتعاد اجتناباً؛ لأن الإنسان يقع في جانب والذي أبعد عنه يقع في جانبٍ آخر، فيبتعدون ولا يتصلون بكبائر الإثم والفواحش، (إلا اللمم) كبائر الإثم هي الكبيرة؛ لأن (كبائر) جمع كبيرة، والكبيرة بعض العلماء عدها، وبعض العلماء حدها، والصواب الحد، أي: أنها محدودة وليست معدودة، والذين ذكروها حداً الظاهر -والله أعلم- أنهم أرادوا المثال، فمثلاً: إذا قال الإنسان هي: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، هذه سبع، إذا قال الإنسان: هذه الكبائر، ليس معنى قوله: إنها محصورة في هذا، إذ من الممكن أن يحمل كلامه على أن ذلك على سبيل التمثيل فقط.
أما الذين حدوها -أي: جعلوا لها ضابطاً- فقالوا في ضابطها: كل ذنبٍ رتب الله عليه لعنة، أو غضب، أو سخط، أو تبرأ منه، أو ما أشبه ذلك فهو كبيرة، ورأيت لبعضهم ومنهم شيخ الإسلام رحمه الله أنه قال: كل ذنبٍ جعلت له عقوبة خاصة إما في الدنيا أو في الآخرة فهو كبيرة، وعلى هذا فالزنا فيه عقوبة وهو الجلد أو الرجم، والسرقة كبيرة، قطع الطريق كبيرة، وعقوق الوالدين كبيرة، وهلم جراً، كلما رأيت شيئاً من الذنوب جعل الشارع له عقوبة خاصة فهو كبيرة.
أما الذنب الذي نهي عنه فقط فهو صغيرة، كنظر الرجل مثلاً للأجنبية لشهوة هذا ليس كبيرة، هو صغيرة من الصغائر، لكن إن أصر الإنسان عليه وصار هذا ديدنه صار كبيرة بالإصرار لا بالفعل، مكالمة المرأة على وجه التلذذ حرام وليس بكبيرة، ولكن إذا أصر الإنسان عليه وصار ليس له هم إلا أن يشغل الهاتف على هؤلاء النساء ويتحدث إليهن صار كبيرة، فالإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة من حيث الإصرار؛ لأن إصراره على الصغيرة يدل على تهاونه بالله عز وجل، وأنه غير مبال بما حرم الله.
إذاً كبائر الإثم: كل ذنبٍ رتب الشارع عليه عقوبة خاصة إما في الدنيا وإما في الآخرة، وأما ما حرمه وسكت ولم يذكر له عقوبة خاصة بل دخل في العموم فهذا من الصغيرة، ولكن الصغائر إذا أصر عليها صارت كبيرة من حيث الإصرار.
وقوله: (والفواحش) هذه كبائر الكبائر؛ لأن الكبائر منها ما هو فاحش يستفحش ويستعظم ويستقبح بشدة، ومنها ما هو دون ذلك، فمثلاً: الزنا فاحشة، قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء:32] واللواط فاحشة أعظم من الزنا؛ لأن الله قال في الزنا: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء:32] وقال لوط لقومه: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} [الأعراف:80] فأتى بـ (أل) الدالة على القبح، وأنها جامعة لكل أنواع الفواحش.
نكاح المحارم فاحشة، قال الله: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً} [النساء:22] فهو أشد من الزنا، أي: لو زنا الإنسان بامرأة أجنبية منه، وبأم زوجته مثلاً، صار الثاني أعظم وأشد وأشنع، ولهذا كان القول الراجح من أقوال العلماء: أن من زنا بامرأة من محارمه وإن لم يكن محصناً فإنه يرجم، يعني: الزنا بذوات المحارم ليس فيه جلد ما فيه إلا الرجم؛ لأن الله فرق بين الزنا وبين نكاح ذوات المحارم، نكاح ذوات المحارم وصفه بوصفين: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً} [النساء:22] والزنا وصفه بوصف واحد وهو: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء:32] .
وجاءت السنة للتفريق بينهما -أي: بين من زنا بامرأة من محارمه أو بامرأة أجنبية- فجعلت حد الأول القتل بكل حال وإن لم يتزوج، وإن لم يكن ثيباً؛ لأن هذا أعظم -والعياذ بالله- إنسان يزني بأمه أو أخته أو أم زوجته أو بنت زوجته التي دخل بها، هذا فاحشة عظيمة.
إذاً: (يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) قلنا: الفواحش كبائر الكبائر أعظم.
لكن هل نأخذ من هذه الآية أن الكبائر تختلف والفواحش تختلف؟ نعم نأخذ من الآية أنها تختلف؛ لأن الكبائر وصف كلما كان أعظم صار أشد كبيرة، والفواحش كذلك، ولهذا سمعتم {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً} [النساء:22] .
{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء:32] {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:80] فرق الله مع أنها كلها فواحش لكن بعضها أعظم من بعض.
{إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:32] قيل: إنه استثناء متصل، وقيل: إنه استثناء منقطع؛ لأن اللمم الشيء القليل، فهل المعنى: إلا الشيء القليل من الكبائر، أي: أنهم يأتون الشيء القليل من الكبائر، أو المعنى: إلا الصغائر من الذنوب؟ إن قلنا بالأول فالاستثناء متصل، وإن قلنا بالثاني فالاستثناء منقطع، وتكون (إلا) بمعنى: لكن، والمعنى الثاني أقرب من حيث التقسيم؛ لأن الله ذكر الكبائر والفواحش والصغائر، وعلى هذا فيكون معنى: (إلا اللمم) أي: إلا أن هؤلاء الذين أحسنوا يأتون الصغائر، والصغائر -والحمد لله- مكفرة بالحسنات، قال الله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:31] وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (أن الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) وقال عليه الصلاة والسلام: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) وعلى هذا فيكون المعنى: أن الصغائر تقع مكفرة إما باجتناب الكبائر، أو باجتناب الكبائر مضموماً إليها فعل هذه الحسنات العظيمة؛ الصلوات الخمس، الجمعة إلى الجمعة، رمضان إلى رمضان.
والخلاصة: أن الصغائر تكفر عن الإنسان منها إذا اجتنب الكبائر، وإذا أحسن في الصلوات الخمس والجمعة ورمضان.
قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32] في هذه الجملة إشارة إلى قوله: (إلا اللمم) أي: أن اللمم يقع في سعة مغفرة الله عز وجل فيغفره الله، والمغفرة: هي ستر الذنب مع التجاوز عنه، أن الله يستر عليك الذنب ويتجاوزه، ولا يكفي ستر الذنب بل لا بد من تجاوزه، والدليل على هذا أمران: لغوي، وسمعي: أما اللغوي: فلأن المغفرة مشتقة من المغفر؛ والمغفر: هو ما يوضع على الرأس عند القتال ويسمى خوذة، ويسمى بيضة، يوضع على الرأس من أجل أن يتقي السهام، هذا الذي وضع على الرأس جمع بين أمرين: الوقاية والستر، فإذاً المغفرة لا بد من ستر ووقاية.
أما السمعي: فهو قوله تبارك وتعالى إذا خلا بعبده المؤمن يوم القيامة وقرره بذنوبه وأقر قال: (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) فدل هذا على أن الوقاية من الذنوب وعدم المؤاخذة من المغفرة.
نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ولكم ما تقدم من ذنوبنا وما تأخر إنه على كل شيء قدير.(172/5)
الأسئلة(172/6)
كتابة أجر الخطا إلى المساجد لمن كان فيه ثم خرج ليتوضأ في البيت ثم عاد
السؤال
فضيلة الشيخ: هل إذا كان الشخص يقضي معظم وقته في المسجد، ثم قرب وقت الصلاة هل له أن يذهب إلى البيت ويتوضأ ويحسن الوضوء حتى يكتب له الأجر الذي ذكرتموه، أم أنه يتوضأ من الماء قريباً من المسجد؟
الجواب
لا.
الأحسن أن يتوضأ قبل أن يأتي إلى المسجد.
السائل: إذا كان على وضوء ولكنه أحدث؟ الشيخ: مثلاً خرج بعد الشمس، ويريد أن يمكث في المسجد إلى صلاة الظهر، يتوضأ في بيته، ويخرج قاصداً صلاة الظهر، وإذا وصل المسجد سوف يتطوع بما شاء الله ثم يبقى ينتظر الصلاة إما في قراءة قرآن، وإما في صلاة، وإما في علم، ويكتب له الآن من حينما دخل المسجد إلى أن تقام الصلاة وهو في صلاة، هذا هو الأحسن.
ثم إن طرأ عليه حاجة لقضاء بولٍ أو غائط يخرج ويقضي حاجته ويرجع ويبقى على أجره.(172/7)
حكم يسير المذي إذا أصاب الثوب
السؤال
فضيلة الشيخ: يقول العلماء: (ويعفى عن يسير المذي) هل يعفى عنه إذا أصاب الثوب أم إذا خرج؟ الشيخ: لا.
هم قالوا: يعفى عن يسير سلس البول مع كمال التحفظ.
السائل: أقصد خروج المذي؟ الشيخ: المسألة فيها خلاف هل يعفى عن يسيره أم لا؟ لكن لو عفي عن يسيره فالمراد مثلاً نقطة أو نقطتان لا تضر.
السائل: الحكم إذا أصاب الثوب؟ الشيخ: إذا أصاب الثوب أو الفخذ، لكن احتياطاً ينضحه ويصب عليه الماء حتى يغرقه بدون أن يعصره أو يدلكه.(172/8)
معنى حديث: (بايع النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة ألا يسألوا الناس شيئاً)
السؤال
أحسن الله إليك يا شيخ: بايع النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة: ألا يسألوا الناس شيئاً، فما معنى هذا الحديث؟ وهل هو عام أم خاص؟ وإذا كان خاصاً فما الذي يخرج منه؟
الجواب
بايعهم على ألا يسألوا الناس أي شيء إلا عند الضرورة، قال الصحابي: [حتى إن أحدنا ليقع سوطه في الأرض وهو على راحلته فلا يقول لأحد: ناولني إياه، بل ينزل ويأخذه] وهذا يعم الأصل العموم، ولهذا قال بعض العلماء: إن قول القائل لأخيه: يا فلان ادع الله لنا، أو لا تنسنا من دعائك أن هذا من المسألة المذمومة؛ لأنه سأله، ولا شك أن قول الإنسان: لا تنسنا من دعائك أنه ليس من هدي السلف الصالح فيما نعلم، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يقول هذا؛ لأنك أولاً: تحرم نفسك من الدعاء، والله يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] ، لم يقل: اطلبوا من غيركم أن يدعوا لكم (ادعوني) .
ثانياً: أنك تحرم نفسك من عبادة: (الدعاء هو العبادة) .
ثالثاً: أنك تعلق نفسك بهذا الرجل الذي طلبت منه الدعاء.
رابعاً: إنه ربما يغتر هذا الرجل وينتفخ ويقول: أنا من أنا حتى يطلب مني الناس الدعاء.
نعم إن طلبت من رجل صالح ترجو إجابة الله دعاءه في شأن المسلمين عموماً لا بأس، مثل أن تأتي إلى رجل صالح تقول: الناس الآن في جدب وقحط والمطر تأخر، نعم إذا تأخر المطر سنة من السنين ادع الله لهم، هذا لا بأس به، ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يقول لأحد: ادع الله لي، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الذين يسترقون وهم مرضى يقولون: يا فلان! اقرأ علينا، جعلهم عادمين لوصفٍ من الأوصاف التي إذا تحققت دخل الإنسان الجنة بغير حسابٍ ولا عذاب.
لكن إذا كان الذي تسأله هذا تعلم أنه ممنون منك، إذا قلت: يا فلان أعطني هذه الساعة أو هذا القلم وهو لا يضره لكن تعرف أنه يفرح؛ لأن بعض الناس يفرح أن يقول لفلان: يا فلان، أريد كذا وكذا، هذا لا بأس به.(172/9)
حكم من تذكر وهو في الصلاة أن في ثوبه نجاسة
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا تذكر الإنسان وهو في الصلاة أن في ثوبه نجاسة فماذا يفعل: هل يقطع الصلاة؟
الجواب
إذا تذكر الإنسان في صلاته أن على ثوبه نجاسة أو علم وكان لا يدري فليخلع هذا الثوب إذا كان عليه ما يستتر به تحته.
السائل: لكن السروال يا شيخ؟ الشيخ: السروال سهل؛ لأن السروال عليه قميص أليس كذلك؟ يخلع السروال ويمضي في صلاته، أو عليه مثلاً قميص وتحته سروال وفنيلة يخلع القميص.
أما إذا كان رجل ليس عليه إلا قميص واحد، وذكر أن هذا القميص نجس، أو رأى النجاسة فيه وهو لا يدري عنها من قبل، هذا لا بد أن يخرج من الصلاة، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بنعليه فخلع نعاله، فخلع الصحابة نعالهم، ولما انتهت الصلاة سألهم الرسول عليه الصلاة والسلام: (لماذا خلعتم النعال؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً فخلعتهما) ومضى في صلاته.(172/10)
حال المسلم عند رؤية الغيم
السؤال
عند رؤية الغيم هل يسن أن يكون حالنا كحال النبي عليه الصلاة والسلام من وجله وخوفه أم يجوز أن يفرح كما ذكرت عائشة للنبي عليه الصلاة والسلام؟
الجواب
انظر بارك الله فيك! التطبب ليس كالطب، والتكحل ليس كالكحل، الإنسان الذي يتكلف وقلبه خال من خوف الله، هذا ليس فيه فائدة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم بطبيعته يخاف؛ لأنه أعرف الناس بالله، وقد قيل: من كان بالله أعرف كان منه أخوف.
ومعلوم أن الرسول كان يتغير وجهه ويخرج ويدخل حتى تمطر، وقال: (ما يؤمننا أن يكون فيه عذاب فقد عذب قومٌ بالريح) وأما الإنسان الذي جرت به العادة وحسب الفطرة فإنه يفرح ويسر ويؤمن بهذا السحاب خيراً.(172/11)
المقصود بالأمر في قوله تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها)
السؤال
قول الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] ما المقصود بالأمر هنا؟
الجواب
المراد بالأمر هنا الأمر الكوني؛ لأن الأمر يطلق على الأمر الشرعي مثل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى:52] ، ومثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل:90] {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58] .
ويطلق على الأمر الكوني، كما في قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] فالمراد بالأمر هنا الأمر الكوني، فإذا أراد الله تعالى أن يهلك قرية أمر مترفيها أمراً كونياً ففسقوا، وحينئذٍ يحق عليها القول فتدمر.
وفي الآية: التحذير الشديد من عقوبة غير المترفين، من عقوبة الطائعين؛ لأنه قال: (أمرنا مترفيها ففسقوا) أي: المترفون، (فحق عليها القول) وهذا يشهد له قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} [الإسراء:16] ومنها قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25] .
وأما قول بعض العلماء عفا الله عنهم: إن المراد بالأمر في الآية الأمر الشرعي، والمعنى: أمرناهم ونهيناهم ففسقوا، فهذا مستحيل على الله عز وجل أن يأمر وينهى ليهلك، فهذا غير صحيح، بل هو يأمر وينهى ليرحم سبحانه وتعالى.
فالقول: إن المراد به الأمر الشرعي قولٌ ضعيفٌ جداً، ومن تأمله عرف أنه لا يليق بالله سبحانه وتعالى أن يأمر أمةً وينهاها من أجل أن تفسق فيعذبها، فصار الغاية من الشرائع على هذا القول العذاب، والغاية من الشرائع الرحمة، المهم أنه يتعين أن يكون بالمراد هنا الأمر الكوني القدري.(172/12)
حكم الدين الذي تنازل عنه أهله في المحكمة
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل عليه ديون كثيرة تتجاوز ثلاثمائة ألف ريال، كتب لأحد ولاة الأمر فتكفل بسداد هذا الدين على أن يتنازل أصحاب الديون عن الثلث، فمن كان له ستين ألفاً يتنازل عن عشرين ألفاً، ثم أحضروا جميعهم عند المحكمة فوقعوا بالتنازل، وبعد خروجهم من المحكمة أخذوا يأتون هذا الرجل ويسألونه عن باقي الديون، فهل برأت ذمته بتنازلهم عند المحكمة، أم عليه الوفاء لهم؟ الشيخ: لا شيء عليه.
السائل: إذاً برأت ذمته؟ الشيخ: نعم.
لأن هذا الرجل ما لم يجبرهم لو شاءوا لقالوا: لا، نصبر ونأخذ حقنا كاملاً، فهو لم يجبرهم، والتنازل عن الحق المؤجل أو المعجوز عنه ببعضٍ منه جائز، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (ضعوا وتعجلوا) ثم إن إفساد الأعيان للحفاظ عليها جائز، فالخضر خرق السفينة مع أنه إفساد لها؛ لكن لأجل الحفاظ عليها، فهذا العمل جائز ولا بأس به، ولكن بشرني عسى الأمر تم على هذا، بمعنى أنهم تنازلوا عن ثلثي الحق وأعطوا ثلثاً؟ السائل: واستلموا.
الشيخ: الحمد لله ذلك من فضل الله.(172/13)
حكم قصر الصلاة لمن سافر أكثر من (90كم)
السؤال
فضيلة الشيخ: بعض الإخوان يخرج إلى مسافة أكثر من (90كم) فهل يقصر الصلاة مع أنه لم ينو السفر؟ الشيخ: هل هذا مسافر؟ السائل: ليس مسافراً، لكن بعض الإخوان تشكل عليهم القضية.
الشيخ: لا يشكل، نحن نرى أن الذي يرجع في يومه هذا ليس بالمسافر ولو بلغ تسعين كيلو؛ لأنه لا يودع عند الذهاب، ولا يستقبل عند المجيء، فليس بمسافر، ما عده الناس سفراً فهو سفر، وما لا فلا.
أما من حده بالمسافة وهو ثلاثة وثمانون كيلو فيقول: إذا جاوز (83كم) ولو رجع بساعته فهو مسافر، لكن النفس لا تطمئن لهذا، والأصل وجوب الإتمام، وإذا كان الأصل وجوب الإتمام فإنه لا يجوز العدول عنه إلى القصر إلا إلى شيء تطمئن إليه النفس؛ لأن وجوبها تامة أمر متيقن، وكونها تقصر في هذه المسافة فإنه أمر مشكوك فيه، وما هو العقل؟ أن تترك اليقين وتأتي المشكوك فيه؟ السائل: اليقين.
الشيخ: إذاً الحمد لله، ما دمنا في شك من هذا وهو محل خلاف بين العلماء، والقرآن والسنة لم يقيدا ذلك بمسافة، فإننا نقول: هذا عند الناس ليس بسفر، والأصل وجوب الإتمام فليتم.(172/14)
حكم توكيل إمام المسجد من ينوب عنه لمدة شهر كامل
السؤال
إذا كان الشخص إماماً لمسجد ووكل على هذا المسجد من يصلي به شهراً كاملاً وكان للمسجد بيت، فالعرف أن يعطي مكافئة الشهر هذا للذي وكله، لكن البيت هذا هل يخرج منه شيئاً؟
الجواب
أولاً: بارك الله فيك لا نرى جواز تغيب الإمام عن الإمامة لمدة شهر، إلا لشيءٍ ضروري كمرض مثلاً؛ لأنه من أين يأخذ المكافئة؟ السائل: من بيت المال.
الشيخ: من بيت المال الذي فيه الحق لكل واحد حتى العجوز في بيتها لها حق، فكونه يأخذ على شيءٍ لم يقم به لا يجوز أبداً، وكونه ينوب شخصاً لا يكفي، لكن إذا دعت الضرورة إلى هذا مثلاً إما لمرض أو لصحبة مريض لا بد من صحبته إياه، فإنه إن شاء أعطاه مكافئة الشهر أو أقل أو أكثر أو ما أعطاه شيئاً حسب ما يرضي صاحبه، ولكنه لا يضع في هذا المسجد إلا من يرضاه أهل المسجد.
السائل: والبيت يا شيخ هل يدفع عنه الإيجار؟ الشيخ: أبداً لا يدفع عنه إيجاراً ولا شيئاً؛ لأن النائب راضٍ بأي شيء يعطيه إياه.(172/15)
دفع توهم التعارض بين حديثين عن يد الله عز وجل
السؤال
فضيلة الشيخ: ورد حديثان في صحيح مسلم بالنسبة ليد الله عز وجل، ذكر الحديث الأول: (أن كلتا يديه يمين) ، والحديث الآخر ذكر: (أنه يأخذ السماء بيمينه والأرض بشماله) فكيف نجمع بين الحديثين؟
الجواب
ما بينهما تعارض، نقول: إن معنى: (كلتا يديه يمين) أي: كلتا يديه يمنٌ وبركة، لكنها يمين وشمال، وإنما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (كلتا يديه يمين) لئلا يتوهم واهم أن يدي الله عز وجل مثل يدي المخلوق الذي تفضل فيها اليمين عن الشمال، فقال: (كلتا يديه يمين) احترازاً من هذا الوهم، وإلا فهي يمين وشمال.(172/16)
حكم الفترة التي تطهر فيها المرأة وقد كانت في شك من طهارتها
السؤال
لو قطع الدم عن النفساء بعد العشرين، فجلست يومين أو ثلاثة أيام ترقب تظن إنها نفساء ثم تبين لها إنها طهرت وانقطع الدم، فماذا عليها في الثلاثة الأيام التي لم يوجد فيها دم؟
الجواب
إن قضت الصلاة فهو خير، وإن لم تقض فلا شيء عليها؛ لأن تركها للصلاة مبني على أصل، وهو أنها نفساء، فهي من جنس المرأة التي جاءت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت: (يا رسول الله! إني أستحاض حيضة شديدة تمنعني الصلاة.
) ، فأرشدها الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أن تجلس عادتها أو تعمل بتميزها ولم يأمرها بقضاء الصلاة التي كانت تتركها؛ لأنها بنت على أصل، فهذه المرأة نقول: إن قضت الصلاة فهو خير وإن لم تقضها فلا شيء عليها.
السائل: وما حكم الصيام كذلك إذا كانت في رمضان مثلاً؟ الشيخ: الصيام لا بد أن تقضيه على كل حال.
السائل: براءة للذمة تقضيه أم هي أصلاً ما فطرت يا شيخ إلا لأنها تظن أنها الشيخ: ما يخالف هي ما صامت؟ السائل: ما صامت.
الشيخ: تقضي الصوم، لأن الصيام يقضى على كل حال، لكن الصلاة لا تقضى في الحيض أو النفاس.
السائل: على أكبر مدة يا شيخ، أطول مدة للنفساء؟ الشيخ: أطول مدة ستون يوماً ولا حد لأقله، أي: لو لم تنفس إلا يوماً وليلة كفى، أو يوماً كفى أو ساعة كفى.(172/17)
حكم مبادلة تسعة ريالات معدنية بعشرة ريالات ورقية
السؤال
اشتهر عند العامة فتوى نسبت إليكم وهي: مبادلة تسعة ريالات معدنية بعشرة ريالات ورقية؟
الجواب
نعم صحيح، أنا أفتي بأنه لا بأس أن يعطي الإنسان ورقاً فئة عشرة ويأخذ تسعة معدنية؛ لاختلاف الجنس، والحديث: (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) .
السائل: ولو كان المبلغ هو عن قيمته وحده؟ الشيخ: قيمته وحده عند الحكومة، لكن في العرض والطلب ليست بواحدة، ألم تعلم أن الريال الفضي هذا عنه ورقة في تسعير الحكومة، لكن الآن كم يساوي؟ السائل: يساوي عند الناس تسعة ريالات بعشرة ريالات ورقية.
الشيخ: لا.
قصدي الريال العربي الفضي الأول، كم كانت الورقة عن الريال العربي؟ السائل: كانت ستة وخمسين ريالاً.
الشيخ: الآن لا، الريال الواحد يساوي أربعة ريالات أو خمسة ريالات.(172/18)
حكم الضيافة عند بناء بيت جديد
السؤال
ما حكم الإنزالة إذا بنى الإنسان بيتاً جديداً؟
الجواب
لا شيء فيها ولا هي بحرام ولا بدعة؛ لأن هذا مما جرت به العادة أن الناس يصنعون هذه الإنزالة فرحاً بالمنزل الجديد وإكراماً لإخوانهم وليس فيها شيء.(172/19)
حكم حنث الوالدين في حلفهم على أولادهم
السؤال
فضيلة الشيخ: هل صحيح ما قيل: إن حنث الوالدين في حلفهم على أولادهم لا يوجب التكفير؟
الجواب
هذا صحيح من جهة وغير صحيح من جهة، أما الشيء الذي لا يقصد فليس فيه كفارة، مثل قول الرجل لولده مثلاً: والله لا تذهب إلى فلان وإن ذهبت لأكسرن رأسك أو ما أشبه ذلك، هذا من المعلوم أنه لم يقصد اليمين، لو ذهب ولده هل يكسر رأسه؟ لا يكسر، هذا لا شيء فيه.
أما إذا كان حقيقة يريد إلزامه مثل أن يقول: والله لتجلسن في البيت حتى يأتي الضيوف ولم يجلس فهذا يحنث.(172/20)
حكم الزكاة على دين مقسط لم يستلم إلا جزءاً منه
السؤال
يا شيخ: إذا كان لي في ذمة رجل مبلغ وقدره مائة ألف ريال مقسطة، واستلمت بعد مضي سنة أربعة وعشرين ألفاً وحلت الزكاة، فهل أزكي الأربعة والعشرين ألفاً أم أزكي المائة ألف الكاملة؟ الشيخ: كيف أربعة وعشرين ألفاً ومائة ألف ما هذا؟ السائل: هي أقساط في السنة أستلم منه أربعة وعشرين ألفاً، وفي ذمته لي مائة ألف ريال، فإذا حال الحول هل أزكي الأربعة والعشرين ألفاً التي وصلتني؟
الجواب
إي نعم زكِ الأربعة والعشرين التي وصلتك.
السائل: فقط.
الشيخ: فقط، ثم إذا تمت المدة زك ما بقي لكل السنوات الماضية إذا قبضته.(172/21)
من أراد سداد دينه لرجل متدين منه ديناً برهن والآخر بدون رهن
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا اقترض شخصٌ من آخر قرضين أحدهما برهن والآخر بدون رهن، وأراد المقترض سداد القرض الأول، وأراد فك الرهن، فالقول قول من؟ الشيخ: قول المدين.
السائل: أي الذي هو المقترض؟ الشيخ: إي نعم المقترض، إذا قال مثلاً: الدين مائة ألف بلا رهن، ومائة ألف برهن، ثم أوفاه وقال: هذا عن الدين الذي فيه الرهن، فالقول قوله؛ لأنه هو الغارم.(172/22)
حكم ذبح الذبائح والإتيان بها إلى أهل الميت
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم ذبح الذبائح والإتيان بها إلى أهل الميت؟ وهل يدخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً) وأن الناس يفعلون ذلك على شكل دورية بينهم غداءً وعشاءً؟
الجواب
هذا ليس داخلاً في حديث جعفر لوجهين: الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم) علل السبب: أنه أتاهم ما يشغلهم، وأكثر الناس اليوم -ولله الحمد- لا يشغلهم الحزن؛ لأن المطاعم موجودة يرسل أصغر الأولاد يأتي بالذي يريد فليس هناك شغل.
الثاني: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يجتمع إلى آل جعفر، ولا اجتمع أقاربهم إليهم، ولا أصحابهم إليهم، إنما هو طعامٌ يصنع لهم غداءً أو عشاءً حسب الظرف فقط، إذا أتاهم ما يشغلهم.
لكن الشيطان يجعل من الأشياء المتشابهة في الشريعة سلماً لأهل البدع، كما جعل قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] جعلها سلماً للذين ينكرون الصفات، فينكرون الصفات بحجة أنها لو ثبتت الصفة لكان الله مماثلاً للخلق، فهؤلاء استدلوا بهذا الحديث وليس فيه دليلٌ لهم، بل هو دليلٌ عليهم في الواقع، هل الرسول عليه الصلاة والسلام اجتمع إليهم وجعفر بن أبي طالب ابن عمه؟ وهل أحد من أقاربهم اجتمعوا إليهم؟ أبداً، بل قال جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه-: [كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة] والنياحة يعذب بها الميت في قبره، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الميت يعذب بما نيح عليه) ولقلة تنبيه العوام على هذا صاروا يظنون أن هذا لا بأس به، لكن أي إنسان تقول له: إن صاحبك الذي مات أبوك أو أخوك أو أمك أو عمك تعذب لما فعلت، لا أعتقد أن أحداً يجرؤ على أن يفعل هذا الشيء أبداً، ثم أصبحت هذه الأشياء وكأنها وليمة عرس، أي: في بعض البلاد تمر بقصد المأتم تجد الأنوار الكثيرة والكراسي والسرادق، وهذا يدخل وهذا يخرج وكأنها وليمة عرس -والعياذ بالله- وقد قال بعض العلماء المعاصرين وفقهم الله: إن أصل هذا مأخوذ عن النصارى، هم الذين يعملون من أجل أن ينسوا الإنسان هذه المصيبة بما يلهي من الدنيا، لا بالتعزية المشروعة؛ التعزية المشروعة أن يوعظ الإنسان ويقال كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فاصبر واحتسب) لا أن تقام هذه المعمعة وهذه السرادقات.
ولذلك أرى: أن على أهل العلم وطلاب العلم مسئولية كبيرة حول هذا الموضوع، يجب أن تكرس الجهود للقضاء على هذه البدعة.(172/23)
مدى صحة حديث: (لا تنسنا من دعائك)
السؤال
فضيلة الشيخ! نحن من الضيوف الذين قدموا من المدينة المنورة من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الحقيقة سأل أحد زملائي سؤالاً واثنان ما سألوا وأنا ثالثهم فلو تسمح لنا بثلاثة أسئلة سؤالين لهما وسؤال لي تصبح ثلاثة؟ الشيخ: التركيب ممنوع بارك الله فيك، هات سؤالك أنت؛ لأن الوقت الآن قريب جداً؟ السائل: قلتم عن الدعاء للإنسان أنه أنه لا يُطلب من إنسان دعاء، ما رأيكم في الحديث الذي يروى: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لـ عمر وهو مسافر: (لا تنسنا من دعائك) ؟
الجواب
هذا لم يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام.
أنا أنبهك على مسألة: الآن عند الناس عامة على المستوى الرسمي والشعبي المدينة المنورة، وأنا لا أقول في هذا شيئاً، لكن أختار وصفاً أحسن من هذا تشرف به المدينة أكثر، وهي المدينة النبوية، هذا الفخر، المدينة المنورة كل بلدة دخلها الإسلام فهي منورة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} [النساء:174] فمتى دخل هذا النور في أي بلد فهي منورة، لكن المدينة النبوية من يحصل؟ أي بلدة نحصلها إلى مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا كانت عبارة علمائنا وسلفنا على وجهين: إما المدينة فقط، وإما المدينة النبوية.
الموجود حتى في القرآن المدينة فقط، وهل يمكن أن نعظم المدينة أكثر من تعظيم الله لها؟ لا يمكن، إذاً أنا أفضل ولا أمنع من المنورة، ولا تقولوا: إننا منعنا، أنا لا أمنع من المنورة؛ لأن هذا المصطلح عليه الآن، لكن إذا أردنا وصفها -زادها الله شرفاً- أن نقول: المدينة النبوية هذا هو الأحسن؛ أولاً: هذا هو المتابعة لسلفنا.
وثانياً: إذا قلنا المدينة المنورة صار هذا عام؛ لأن كل مدينة دخل فيها الإسلام فهي منورة، لكن المدينة النبوية خاص لا يدخل فيها إلا المدينة التي سكنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعلنا الله وإياكم من أتباعه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.(172/24)
لقاء الباب المفتوح [173]
من خلال تفسير الشيخ لآيات من سورة النجم تحدث عن عموم ملك الله سبحانه وتعالى واختصاصه بهذا الملك، بالإضافة إلى ذلك تكلم عن عباده المحسنين الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم، وعن سعة مغفرة الله سبحانه وتعالى، ثم ذكر مراحل نشأة خلق الإنسان، وبعد ذلك تحدث عن تزكية النفس المنهي عنها، مستدلاً بها على حكم التلفظ بالنية.(173/1)
تفسير آيات من سورة النجم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والسبعون بعد المائة، من اللقاءات المعبر عنها بلقاء (الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا هو الرابع من شهر شعبان عام (1418هـ) .
نبتدئ في هذا اللقاء بما كنا نبتدئ به من تفسير القرآن، وقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] 2 وهو في سورة النجم.(173/2)
تفسير قوله تعالى: (ولله ما في السماوات وما في الأرض)
قال تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [النجم:31] هذه الآية تدل على أمرين: الأمر الأول: عموم ملك الله سبحانه وتعالى لما في السماوات والأرض، ويؤخذ هذا العموم من قوله: (ما في السماوات) لأن (ما) للعموم.
والأمر الثاني: اختصاص ملك السماوات والأرض لله عز وجل، وهذا يؤخذ من تقديم الخبر: (ولله ما في السماوات) والعلماء يقولون: إن تقديم ما حقه التأخير يفيد العموم، وهذه قاعدة بلاغية لغوية، ولها أمثلة كثيرة: منها هذه الآية، ومنها قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] (إياك) هذه مفعول مقدم ذو جملتين: لنعبد ولنستعين، وحق المفعول أن يكون مؤخراً، لكنه قدم من أجل الاختصاص، ونضرب مثلاً لهذا بما يجري بيننا، فإذا قلت لشخص: إياك أردت، فهي ليس كقولك: أردتك؛ لأن إياك أردت يعني: ولم أرد غيرك، لكن أردتك قد تكون أردته وأردت غيره أيضاً.
المهم افهموا هذه القاعدة: تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، يعني: اختصاص الشيء هذا لهذا الشيء.
إذاً: هل أحد يملك ما في السماوات والأرض؟ لا، إلا الله عز وجل هو الذي يملك ما في السماوات والأرض، ولما ذكر سبحانه وتعالى عموم الربوبية ذكر ما يترتب على هذا العموم في قوله: ((لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)) [النجم:31] إذاً فمقتضى هذا الملك، أن يأمر وينهى، ثم يجازي بعد ذلك الذين أحسنوا بالحسنى، والذين أساءوا بما عملوا، ما معنى: الحسنى؟ الحسنى: أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة.
أساءوا بما عملوا يعني: السيئة بمثلها فقط ولا زيادة، قال الله تبارك وتعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40] وهذا في معاملات الخلق، وأما الخالق فقال عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الأنعام:160] .(173/3)
تفسير قوله تعالى: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم)
قال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32] (إلا اللمم) لها معنيان: المعنى الأول: يعني الصغائر.
والمعنى الثاني: القليل من الكبائر والفواحش، (إلا اللمم) يعني: إلا القليل، ذكرنا بناء على اختلاف القولين الاختلاف في (إلا) هل هي متصلة أو منقطعة؟ (إلا اللمم) متى تكون منقطعة؟ إذا فسرنا (اللمم) بالصغائر صارت منقطعة، وعلامة (إلا) المنقطعة، أن ما بعدها ليس من جنس ما قبلها، فمثلاً: ((كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ)) [النجم:32] إذا قلنا اللمم الصغائر، فهل الصغائر من الكبائر والفواحش؟ لا، إذا قلنا: المراد باللمم القليل من الكبائر والفواحش صارت (إلا) متصلة؛ لأن اللمم القليل مما سبق فهو من جنسه.
إذاً: الاستثناء عندنا يكون منقطعاً ويكون متصلاً فما هو المتصل؟ إذا كان المستثنى من جنس المستثنى منه فهو متصل، وإذا كان من غير جنسه فهو منقطع، وإليك ما مثل به النحويون يقولون: إذا قلت: جاء القوم إلا أميرهم، فالاستثناء متصل؛ لأن الأمير من جنسهم.
وقالوا: إذا قلت: جاء القوم إلا حمارهم، فالاستثناء منقطع؛ لأن الحمار ليس من جنس القوم.(173/4)
تفسير قوله تعالى: (إن ربك واسع المغفرة)
ثم قال عز وجل: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32] إشارة إلى أن الصغائر تغفر، وقد ثبت في القرآن الكريم أن الصغائر تغفر باجتناب الكبائر، فقال جل وعلا: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31] ، ولهذا قال: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} .
أما إذا قلنا: اللمم القليل من الفواحش والكبائر، فيكون قوله: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} إشارة إلى أن الكبائر إذا تاب الإنسان منها غفر الله له، وكأنها لم تكن، وإن لم يتب منها فهو تحت المشيئة إن شاء الله غفر له وإن شاء عاقبه بما تستحق هذه الكبيرة.
وهناك قومٌ من هذه الأمة يقولون: إن الكبيرة لا تغفر، وهم الخوارج والمعتزلة، فـ الخوارج والمعتزلة يقولون: إن الإنسان إذا زنى فهو من أهل النار وهو كافر، وإذا سرق كذلك، وإذا شرب الخمر كذلك، لكن قولهم باطل، والصواب: أن فاعل الكبيرة داخل تحت قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] .
لو قال قائل: أنت إذا قلت هذا، فتحت الباب على مصراعيه لفعل الكبائر؛ لأن أي إنسان يفعل كبيرة يقول: أنا يمكن أن يغفر الله لي، وهذا فعلاً يحتج به العوام، يقول: إذا كان الله يقول: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} أي: ما دون الشرك لمن يشاء، إذاً سيفعلون الكبائر ويقولون: سيغفر الله لي، فكيف تجيبه؟ نجيبه بأن الله قال: {يَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} وما قال: لكل أحد، بل قال: (لمن يشاء) فهل أنت متيقن الآن أنك ممن شاء الله أن يغفر له؟ هل أحدٌ يتيقن هذا؟ لا أحد يتيقن.
إذاً: لا حجة في هذه لأهل المعاصي.
ثم إن قوله تعالى: (لمن يشاء) نعلم أن الله حكيم، لا يشاء أن يغفر للمذنب غير الشرك إلا إذا اقتضت الحكمة ذلك، ومن منا يستطيع أن يقول: إن حكمة الله تقتضي أن يغفر الله لي؟! لا أحد يقول هذا، بل لو قال هذا لقلنا: إن قولك هذا من أسباب المؤاخذة والمعاقبة؛ لأنك تأليت على الله.(173/5)
تفسير قوله تعالى: (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض)
ثم قال عز وجل: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [النجم:32] فهو أعلم بنا منذ ذلك الوقت الطويل البعيد، (إذ أنشأكم من الأرض) بماذا؟ بخلق أبينا آدم؛ لأن آدم خلق من التراب، ثم صار طيناً ثم صار صلصالاً، ثم خلقه الله بيده جسماً ونفخ فيه الروح فصار آدمياً إنساناً، إذاً نحن من الأرض، سبحان الله نحن من الأرض؟!! نعم نحن من الأرض، {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55] الإخراج الذي ليس بعده وفاة، وهو في يوم القيامة.
(إذ أنشأكم من الأرض) ولذلك الآن بنو آدم كالأرض تماماً فيهم الحزن الصلب الشديد، وفيهم السهل، وفيهم ما بين ذلك، وفيهم الأبيض، وفيهم الأحمر والأسود؛ لأن الأراضي تختلف هكذا، وقد ذُكر أن الله لما أراد أن يخلق آدم أخذ من كل الأرض سهلها وحزنها أسودها وأبيضها.(173/6)
تفسير قوله تعالى: (وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم)
قال تعالى: {وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النجم:32] وهذه النشأة الثانية (أجنة) : جمع جنين وهو الحمل، وسمي الحمل جنيناً؛ لأنه مستتر (إذ أنتم أجنة) أي: مستترين في بطون أمهاتكم، من حين كان الإنسان نطفة ومن النطفة يخلق، وهذا معنى قوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون:13] فمن حين ما يكون نطفة يكون جنيناً، ثم يتطور أربعة أطوار.
أولاً: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة، ثم أنشأناه خلقاً آخر، الطور الأخير الذي فيه تحل الروح.
إذاً هو عالمٌ بنا حين النشأة الأولى وحين النشأة الثانية في بطون أمهاتنا.(173/7)
تفسير قوله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم)
قال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم:32] لا تقل: عملت كذا وكذا، صليت زكيت صمت جاهدت حججت لا تقل هكذا، تدل بعملك على ربك، هذا لا يجوز، فإن قال قائل: أليس الله يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:9] ؟ ف
الجواب
بلى، لكن معنى: (من زكاها) أي: من عمل عملاً تزكو به نفسه، وليس المعنى: (من زكاها) من أثنى عليها ومدحها بأنها عملت وعملت، بل المراد عمل عملاً تزكو به نفسه، فلا معارضة بين الآيتين، ولهذا نقول: من زكى نفسه بذكر ما عمل من الصالحات فإنه لم يزك نفسه حقيقة؟ من زكى نفسه فإنه لم يزك نفسه، فرق بينهما.
التزكية التي يحمد عليها الإنسان: أن يعمل الإنسان عملاً صالحاً تزكو به نفسه.
والتزكية التي يذم عليها: أن يدل بعمله على ربه ويمدحه، وكأنه يمن على الله، يقول: صليت تصدقت صمت حججت جاهدت بررت والدي وما أشبه ذلك، هذه لا يجوز للإنسان أن يزكي نفسه، ويقول: أنا من أنا، وفي هذا رد على أولئك الصوفية الذين يدعون أنهم أئمة، ويزكون أنفسهم، ويقول: وصلنا إلى حدٍ لا تلزمنا الطاعات؛ لأن هناك من الناس من يقول: إنه وصل إلى عالم الملكوت ولا عليه صلاة، ولا عليه صدقة، ولا عليه صيام، ولا يحرم عليه شيء، وهؤلاء منسلخون من الدين انسلاخاً تاماً، لذلك نقول: هؤلاء الذين يزكون أنفسهم هم أبعد الناس عن الزكاة؛ لأنهم أعجبوا بأعمالهم وأدلوا بها على الله عز وجل، وجعلوا لأنفسهم منصباً لم يجعله الله تعالى لهم.
قال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} كأنه يقول: لماذا تزكون أنفسكم؟!! أتريدون أن تعلموا الله بما أنتم عليه؟ الجواب: لا، ولهذا قال: {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} أي: إن كنت متقياً لله فالله أعلم بك، لا حاجة إلى أن تقول لله: إني فعلت وفعلت.
وفي هذا إشارة إلى أن النطق بالنية عند فعل العبادة قد يدخل فيه نوع من التزكية، يعني: إذا أردت أن تتوضأ هل تقول: اللهم إني نويت أن أتوضأ؟ لا، هل تقولها سراً؟ لا، بعض العلماء يقول: قلها سراً بينك وبين نفسك، وعللوا هذا قالوا: من أجل أن يطابق اللسان القلب، القلب نوى لكن قل باللسان: اللهم إني نويت أن أتوضأ، أو نويت أن أصلي أيضاً، تريد تصلي قل: اللهم إني نويت أن أصلي، متى؟ الظهر أو العصر؟ الظهر، وهل تحتاج إلى عدد الركعات أو لا تحتاج؟ لا ما تحتاج، فما دام عينت يكفي، بعض العلماء يقول هكذا -يا إخوان- وهم علماء أجلاء من الفقهاء.
لماذا النطق باللسان؟ لتطابق القول القلبي واللساني.
فيقال: هذا غلط، هذا قياسٌ في مقابلة النص، هل الرسول عليه الصلاة والسلام شرع لأمته أن ينطقوا بالنية؟ أبداً، لا في حديث صحيح ولا ضعيف: أن الإنسان إذا أراد العمل نطق النية، أبداً ما يوجد.
ومن الطرف الطريفة: أن رجلاً عامياً في المسجد الحرام سمع شخصاً يريد أن يصلي، فقال بعد أن أقيمت الصلاة: اللهم إني نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات في المسجد الحرام، ولما أراد أن يكبر قال له: باقي عليك، قال: ما هو الباقي؟ قال: باقي التاريخ، قل في اليوم الفلاني، فأنت الآن ذكرت المكان وذكرت العمل وباقي التاريخ قل: في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني من السنة الفلانية.
مداخلة: مأموماً؟ الشيخ: لا أعلم مأموم أو غير مأموم المهم أنه قال له الكلام هكذا، فانتبه الرجل وقال له: يا أخي! أنت تعلم ربك بنيتك، الله أعلم بنيتك: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19] .
كذلك عند الصيام مثلاً: إذا تسحر الإنسان وأراد أن يصوم يقول: اللهم إني نويت الصيام إلى الليل؟ لا يقول هذا، ونحن عندما كنا صغاراً كانوا يلقوننا هذا، يقول: إذا تسحرت قل: اللهم إني نويت الصيام إلى الليل، ونقوله؛ لأننا لا ندري، لكن في الواقع أن هذا من البدع.
بقي أن يقال في الحج هل تقول: اللهم إني نويت العمرة، أو نويت الحج، أو نويت القران، أو التمتع؟ لا ما تقوله، حتى في الحج عندما تغتسل وتلبس الإحرام لا تقل: اللهم إني نويت العمرة أو نويت الحج، بل تكفي التلبية؛ لأنك سوف تقول لبيك عمرة إن كنت في عمرة، أو لبيك حجاً إن كنت في حج، أو لبيك عمرة وحجاً إن كنت قارناً، فلا حاجة، فكل العبادات لا ينطق فيها بالنية، ولهذا قال عز وجل: {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} .(173/8)
الأسئلة(173/9)
كيفية جعل المكتبات مفيدة
السؤال
بارك الله فيكم، ونفع بكم المسلمين! هذا أولاً، وثانياً: حفظكم الله! تعلمون أنه دندن كثيرٌ من الناس حول المكتبات الخيرية، وهم لا يعلمون ما دورها أو ما نتاجها، وقد يخفى عليهم هذا الأمر، فلذلك نحن إخوانكم من مدينة حائل ننقل لكم تحيات الإخوة هناك وسلامهم لكم جميعاً؟ الشيخ: عليك وعليهم السلام، وأبلغهم سلامنا.
السائل: إن شاء الله تعالى، إخوانكم في مكتبة محمد بن عبد الوهاب الخيرية في مدينة حائل لما رأينا أن هناك أخطاء في المكاتب، فحرص إخوانكم في المكتبات هناك في مدينة حائل بالتعاون مع بعض طلاب العلم على تصحيح الأوضاع بدلاً من هدم هذا الكيان أو تحطيمه، إصلاح ما فيه من أخطاء وتعديل ما فيه من ملاحظات، ولكن ما زال هناك أناسٌ يحاولون هدم هذه المكاتب وتشويش أذهان كثيرٍ من الشباب وقد يدخلون مداخل أخرى كأن يصلون إلى العامة وإلى أولياء أمورهم وغيرهم، وهم الذين يقولون: يريدون -مثلاً- تغيير النظام أو أنهم يريدون تحريف عقول الشباب أو يريدون أشياءً كثيرة ما تقال لا يخفى عليكم حفظكم الله هذا الشيء، فنرغب منكم أولاً توجيه النصح لهؤلاء؛ لأن بعضهم قال: استفتوا الشيخ بهذا الأمر وكأنه لا يسمع أو لا يقرأ، توجيهكم لهم وتوجيهكم لنا أيضاً بما ينفعنا وينفعهم إن شاء الله تعالى؟
الجواب
هذا سؤال مهم، والواقع أن المكتبات نفعها أو ضررها يعتمد على شيئين: الشيء الأول: الكتب الموضوعة فيها، ما هذه الكتب؟ هل هي كتب سلفية مبنية في العقيدة على مذهب أهل السنة والجماعة، أو كتبٌ فكرية منحرفة؟ إن كانت الأولى فنعم المكتبات، وإن كانت الثانية فلابد من التصحيح.
الثاني: القائمون على هذه المكاتب من هم؟ ما منهجهم؟ ما عبادتهم؟ ما أخلاقهم؟ لابد أيضاً أن يكون القائمون عليها ممن يوثق بهم علماً وديناً وخلقاً ومنهجاً؛ لأن هذه المكتبات مأوى الشباب، والشاب كالعجينة بيد العاجن يتكيف حسب ما يكيف، فإذا يسر له أهل الخير يدلونه على الحق ويرشدونه لما فيه مصلحته دنيا وأخرى، نفع الله بهذه المكتبات، وصارت في الحقيقة نواة خيرٍ للشباب، وإن كانت الأخرى يعني: إن كان القائمون عليها ذوي انحراف لاتجاه غير سليم، فهنا يكون الضرر، فإما أن يغير القائمون عليها وإما أن تغلق؛ لأن الدين الإسلامي مبني على تحصيل المصالح إما الخالصة أو الراجحة، وعلى درء المفاسد إما الخالصة وإما الراجحة، وإذا كان في الشيء مصلحة ومفسدة قدم الراجح منهما، كما قال تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219] ولهذا حرمت، وإن كانت المصلحة أكبر أخذ به، واندرجت المفسدة في ضمن المصلحة، وهذا كما ينطبق على الأعمال ينطبق على العامل أيضاً، هل كل عاملٍ من أهل الخير عمله كله خيرٌ محض؟ لا، فيه خير وشر، لكن من الناس من خيره أكثر، ومن الناس من شره أكثر، ولهذا لا يجوز أن ننظر للمسلمين من منظار الشر فقط، بل من الأمرين جميعاً، ونوازن ونقارن، وعلى حسب ما يظهر يكون العمل.
فأرى أن المكتبات إذا قام عليها أهل الخير من ذوي العلم والأمانة والاتجاه السليم والخلق الكريم فهي من خير المنشآت بشرط أن يتحقق الأمر الثاني وهو سلامة الكتب.
ومن المعلوم أنه إذا كان القائمون على المكتبات أهل الخير، فإنهم سوف يبعدون عنها الكتب المنحرفة فكرياً أو عقدياً أو منهجياً.
هذا ما أريد وهو بصفة عامة، بقطع النظر عن المكتبة في البلد الفلاني أو في البلد الفلاني.(173/10)
حكم من صلى المغرب مع جماعة يصلون العشاء أو العكس
السؤال
فضيلة الشيخ: صليت مع جماعة كانوا يصلون المغرب وأصلي العشاء، فلما جلسوا في الركعة الثالثة جلست معهم، فلما سلم الإمام قمت فأتيت برابعة فما حكمه؟
الجواب
لا بأس، هذا عمل سليم، تصلي العشاء خلف من يصلي المغرب فإذا سلم الإمام قمت فأتيت بما فاتك، فلا بأس.
بقي مشكلة الثانية: لو صليت المغرب خلف من يصلي العشاء، فإن دخلت في الركعة الثانية فلا إشكال، لماذا؟ لأنك ستسلم مع الإمام، هو صلى أربعاً وأنت صليت ثلاثاً، وإن دخلت في الركعة الأولى فحينئذٍ سيقوم الإمام إلى الرابعة فماذا تصنع أنت؟ انو الانفراد وتشهد وسلم، ثم ادخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء.(173/11)
معنى (وكلتا يديه يمين)
السؤال
بالنسبة للدرس السابق تطرقنا إلى موضوع يد الله عز وجل وقول أن النبي صلى الله عليه وسلم: (وكلتا يديه يمين) فقلت: المراد باليمين البركة والخير، ثم ذكرت أن الله سبحانه وتعالى له يد يمنى ويد شمال، فهل ورد في ذلك أدلة؟
الجواب
اقرأ بارك الله فيك آخر باب في كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وانظر للحديث، وانظر للمسائل التي أخذت من الحديث.(173/12)
حكم قضاء السنن الرواتب لمن شغل عنها
السؤال
بحكم عملنا كمدرسين عند الاصطفاف لصلاة الظهر نحتاج إلى تنظيم الطلاب في البداية والنهاية فلا نتمكن من أداء السنن الرواتب، فهل نقضيها أو؟
الجواب
هل إنكم من حين يؤذن تصفون الطلاب أو هناك فرصة للصلاة؟ قبل أن يبدأ صف الطلاب صلِّ الراتبة؟ السائل: نحتاج إلى وقت.
الشيخ: على كل حال احرص، وإن لم يتيسر فقيامكم على هؤلاء لا شك أنه مصلحة كبيرة، وبإمكانك بعد الصلاة تأتي بالراتبة الأخيرة ثم تقضي الراتبة التي قبل الصلاة.
السائل: وهل ورد أن سنة راتبة الظهر القبلية ركعتان فقط؟ الجواب: نعم ورد ركعتان وورد أربع بسلامين، أما ركعتان ففي حديث ابن عمر: (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات وذكر اثنتين قبل الظهر وركعتين بعدها) ، وأما اثنا عشر فكذلك أيضاً صح عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث عائشة وغيرها.(173/13)
الصلاة على الجنازة بعد دفنها بعد العصر
السؤال
رجل دخل المقبرة بعد صلاة العصر وقد صُلي على جنازة ودفنت، فهل يجوز له الصلاة على هذه الجنازة بعد الدفن؟ وهل هذا الوقت وقت نهي لا يدفن فيه الميت؟
الجواب
إذا أتيت إلى المقبرة وقد دفن الميت بعد العصر فلا تصل عليه، لعموم قوم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس) ولك أن تصلي عليه في الليل أو في النهار من الغد.
وأما الصلاة عليه قبل أن يدفن فلا بأس؛ وذلك لأن الصلاة عليه قبل أن يدفن صلاة لها سبب، وجميع الصلوات التي لها سبب ليس عنها نهي، كل صلاةٍ لها سبب صلها متى وجد سببها في أية ساعةٍ شئت من ليل أو نهار، فمثلاً: إذا دخلت المسجد بعد العصر صلِّ ركعتين، لو توضأت بعد العصر صلِّ ركعتين للوضوء، لو حدث لك أمر تريد أن تستخير الله فيه ويفوت قبل انتهاء وقت النهي، صل ركعتين واستخر.(173/14)
الصلاة خلف الإباضي
السؤال
ما حكم الصلاة خلف الإباضي؟ عفا الله عنك
الجواب
ليس هذا محل جوابها.
السائل: قد حصلت الصلاة؟ الشيخ: الحمد لله حصل قل: اللهم إني أسألك القبول.(173/15)
تقسيم الطلاب إلى حلقات في الدراسة الشرعية
السؤال
تقوم بعض النساء المدرسات الفاضلات في المدارس أو الكليات بتقسيم البنات في فصول الكلية إلى أقسام أو حلقات حلقة عائشة، حلقة خديجة، وهكذا حتى لا تحصل الفوضى، فتقول بعض الأخوات: إنه وجد أن هناك بنات معنا في المصلى تركن المصلى بحجة أن هذا التقسيم ليس على المنهج وليس من طريقة السلف، وخرجن خارج المصلى وأقمن حلقة أخرى خارج المصلى، مما أدى إلى انقسام الصف وتشتت البنات وحدث بعض الخلافات، والسؤال يقول: ما توجيهكم؟ وهل هذه الطريقة خاطئة أو صحيحة؟
الجواب
أقول بارك الله فيك، بلَّغهن أن كلتا الطريقتين غير صحيحة: لا تقسيم النساء عند الصلاة، ولا انفراد هؤلاء في مكانٍ آخر.
السائل: ليست الصلاة ولكن في حلقة المصلى.
الشيخ: ما هي حلقة المصلى؟ السائل: تبدأ الدراسة من سبع ونصف فتحضر البنات الساعة السابعة يقمن حلقة درس قرآن أو تفسير.
الشيخ: القصد أنها حلقات تحفيظ.
السائل: نعم، حلقات تعليم: تفسير، وقرآن، وحديث، وفقه.
الشيخ: المهم حلقات يسمونها تحفيظ القرآن؟ الجواب: هذه ليس فيها شيء هذا، فكوني أقول: الحلقة هذه حلقة عائشة، وهذه حلقة خديجة، وهذه حلقة فاطمة، ما في مانع.
السائل: والنساء اللاتي خرجن؟ الشيخ: اللاتي خرجن هذا خطأ منهن.
السائل: بحجة أن هذه الطريقة ليست من طريقة السلف؟ الشيخ: ما هي من طريقة السلف لكن هذا تنظيم، هل من طريقة السلف الدراسة الفصولية؟ السائل: لا.
الشيخ: ما هي من طريقة السلف، هل من طريقة السلف تبويب السنة: الطهارة، الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج؟ ما هي من طريقة السلف، هذه ما حدثت إلا بعد الصحابة بعد ما ألفت الكتب.
فهذا خطأ، قل للاتي ينفصلن: هذا خطأ منهن؛ لأن هؤلاء الذي انفصلن بالمكان وبالتسمية.
السائل: حتى لا يخفى -يا شيخ- أنه بعدما انفصلت البنات حصل انفصالهن مع الطالبات، وحصل في الشيخ: قل لهن: لابد أن يرجعن إلى المكان الأول، وكل واحدة، مثلاً لها مستوى ولها اسم خاص.(173/16)
حكم استخدام بطاقة الفيزا
السؤال
بعض البنوك لها بطاقة (الفيزا) تأخذ مبلغاً وتسدده بعد خمسين يوماً أو خمسة وأربعين يوماً نفس المبلغ، ما يأخذون عليه فوائد فما حكم ذلك؟ الشيخ: وإذا مضت المدة، ولم تسلم؟ السائل: لا أعلم يا شيخ! الشيخ: إنهم يجعلون عليك مبلغاً إضافياً، وهذا حرام لا يجوز، حتى لو وثق الإنسان أنه سيوفي في المدة، قد تختلف الأمور، وقد يحدث له حادث يحتاج إلى أموال يتداوى بها هو أو عائلته، وقد تكون الدراهم ما حصلت عنده، ثم لو قدر أن الرجل غني جداً سيجد يقيناً قبل أن تتم المدة ما يوفي به، فأصل دخوله على مبدأ الربا حرام؛ لأن المعروف عنهم أنه إذا تمت المدة أضافوا إليه ما يسمونه ربحاً، وهو في الحقيقة خسارة، فالدخول في هذا لا يجوز.(173/17)
كيفية الجمع بين قوله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم) وقوله: (وأما بنعمة ربك فحدث)
السؤال
كيف الجمع بين قوله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32] ، وقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11] ؟
الجواب
نعم أحسنت بارك الله فيك، قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11] معناه: أن يتحدث الإنسان بما أنعم الله عليه، لا أن يزكي نفسه على ربه، وبينهما فرق، إنسان يقول: صلى، زكى، صام، حج، يريد أن يدل بعمله على ربه، ويزكي نفسه على الله هذا هو الممنوع.
لكن: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11] فيقول: الحمد لله هداني بعد أن كنت كذا وكذا، هذا لا بأس به، هذا عمرو بن العاص رضي الله عنه، كان قبل أن يسلم أشد الناس بغضاً للرسول عليه الصلاة والسلام، ويقول: وددت لو تمكنت منه فقتلته.
ولما أسلم قال بعد أن أسلم متحدثاً بنعمة الله: [كنت لا أستطيع النظر إليه تعظيماً له] أو كما قال، هذا ما فيه بأس.
الشيخ: الأخ سلم وأنت سلمت أيضاً وأنتم معنا، كيف تسلمون علينا وأنتم معنا؟! السلام المعروف من الصحابة أنهم إذا جعلوا يسألون الرسول ما يسلمون، إلا من قدم على الحلقة.(173/18)
أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
السؤال
فضيلة الشيخ! نظراً لعملنا في جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكثرة من يخوضون في هذا الجهاز ويتكلمون في أخطائه ويتداعون عليه، نريد منكم كلمة تشجيعية يا فضيلة الشيخ؟!
الجواب
الكلمة التي أريد أن أقولها هي: أن مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم المقامات في الدين، حتى كان من وصف الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] فذكر أربعة أوصاف، بدأها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم قال: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) فهي وظيفة الرسول عليهم الصلاة والسلام، وهي خصيصة هذه الأمة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] وبنو إسرائيل كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه.
فمقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعلى المقامات في الدين، والذي يدخل فيه بقصد إصلاح عباد الله كالمجاهد في سبيل الله، والذي يوجه الذم والقدح فيه، إن قصد المقام مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو على خطرٍ عظيم؛ لأنه إذا قصد هذا فقد قدح في الدين، والشريعة، وإن قصد القدح والذم في بعض رجال الحسبة الذين قد لا يكون عندهم الحكمة في الأمر والنهي، فهذا لا يكون خطره كالأول، لكن مع ذلك الواجب على المسلمين إذا رأوا من بعض القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا رأى من بعضهم شيئاً منافياً للحكمة، أن ينصحهم، إما بطريقٍ مباشر، وإما عن طريق رئيسه، يعني: إما أن يقول لرجل الحسبة نفسه: يا فلان أنت قلت كذا وكذا وهذا لا ينبغي، أو عن طريق الرئيس المباشر له.
ثم إني أقول لهؤلاء الإخوة: لا بد أن ينالكم أذى، كما قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] لابد من أذى؛ لأن الناس كلهم ليسوا على الصراط المستقيم، ولابد أن يكون لهم أعداء، لكن عليهم الصبر والاحتساب وأن يعلموا أن كل ما ينالهم من الهم والغم والحزن فإنه مكتوبٌ لهم، فيكتب للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أجران: الأجر الأول: قيامه بالعمل.
والأجر الثاني: الأذى الذي يصيبه من الناس.
كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أنه ما من همٍ ولا غم ولا أذى يصيب المؤمن إلا كفر الله به عنه) فعليهم بالصبر والاحتساب، واستعمال الحكمة إذا اشتد قبيلهم، فليلينوا حتى يلتئم هذا وهذا، أما إذا اشتد قبيلك واشتددت أنت فإنه لا وفاق بينكما، وكم جرى من الأشياء التي تؤيد ما قلت بأن اللين من أحسن ما يكون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي الآداب الشرعية في الجزء الأول لـ ابن مفلح أحد تلاميذ شيخ الإسلام فصول جيدة جيدة جيدة، ينبغي للهيئات أن تطلع عليها، وتنظر كيف يعامل السلف الصالح، أو كيف يتعاملون مع أهل المنكر والتاركين للمعروف.(173/19)
حكم نقل الأعضاء من شخص إلى شخص آخر
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لنقل الأعضاء من شخص إلى شخص آخر قبل الموت أو بعده هل في ذلك إشكال؟
الجواب
نرى أنه لا يجوز، لا قبل الموت ولا بعد الموت، حتى لو أوصى به الميت وقال: إذا مت فأعطوا قرنية عيني فلاناً، أو كليتي فلاناً، أو كبدي فلاناً أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يجوز أن تنفذ هذه الوصية؛ لأنها وصية بمحرم، والوصية بمحرم لا تنفذ، وقد ذكر ذلك أهل العلم، وارجع إلى كتاب: الإقناع في فقه الحنابلة في كتاب الجنائز في فصل: تغسيل الميت تجده تماماً نصوا: على أنه لا يجوز أخذ شيءٍ من أعضاء الميت ولو أوصى به، واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كسر عظم الميت ككسره حياً) وكيف يجوز هذا؟ أنت لست حراً في نفسك، لقد قال الله لك: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] وقتل النفس ليس معناه: الواحد يأخذ سكين ويذبح نفسه، لا، حتى كل شيء يؤدي إلى الضرر فهو من قتل النفس.
الدليل: أن عمرو بن العاص بعثه النبي عليه الصلاة والسلام في سرية وأجنب ذات ليلة، وكانت الليلة باردة، فتيمم وصلى بأصحابه، فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال: يا رسول الله! ذكرت قول الله تعالى: ((وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)) [النساء:29] وكانت الليلة باردة فتيممت وصليت، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم) مقراً أو منكراً؟ مقراً، لو كان منكراً نبهه.
فأقول: إن نقل الأعضاء محرم في الحياة وفي الممات.
فإن قال قائل: أليس إنقاذ الإنسان من الهلاك واجباً؟ فالجواب: بلى واجب، لكن هل هو الآن جائع ومعي طعام يجب أن أطعمه إياه، عطشان من الماء يجب أن أعطيه إياه، لكن أن أقطع شيئاً من أعضائي له هذا لا يجوز.
شبه بعض الناس في هذه المسألة الذين يفتون بالجواز شبهوا بأن الله سبحانه وتعالى ذكر أن الخضر قتل غلاماً وكان كافراً وكان أبواه مؤمنين الآية: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً} [الكهف:80] قالوا: هذا قتل لأجل مصلحة الوالدين، فنقول: الله المستعان!! أين الاستدلال بهذا؟!! هذا الغلام كافر، والكافر دمه حرام أو حلال؟ دمه حلال، ثم هو كافر مفسد أيضاً؛ لأنه يقول: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً} [الكهف:80] فإذا كان كافراً مباح الدم فلا دلالة فيه؛ لأن كلامنا في من كان معصوماً.
فالحاصل أن هذا هو رأيي، وكذلك هو رأي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز كما سألته في مجلس هيئة كبار العلماء وقال هكذا: إنه حرام.
كل من تأمل النصوص وجد أنه حرام، ثم فيه مفسدة الآن: في بلادٍ أخرى يسطون على الصغار في الأسواق، يأخذ الصغير ويذبحه ويأخذ كبده ويبيعها بملايين الدراهم؛ لأنهم لا يخافون الله ولا يرحمون عباد الله.(173/20)
حكم استعمال العطور التي فيها كحول
السؤال
هل العطور التي فيها كحول يجوز استعمالها؟
الجواب
هي ليست نجسة، أهم شيء أنها ليست بنجسة، لو أصابت الثوب أو البدن لم يجب غسله، لكن استعمالها إن كان لحاجة فلا بأس؛ لأن بعضها تعقم بها الجروح، وإن كان لغير حاجة فتركها أحسن، وفي الأطياب التي لا شبهة فيها غنىً عنها، لكنها ليست حراماً.
السائل: يا شيخ! لكن الخمر، أي مادة الكحول هي مسكرة، فلو أتينا بالخمر نفسه المسكر فيه هو الكحول، فالكحول هو النجس؟ الشيخ: لكن من قال لك أن الخمر نجس؟! الخمر ليس بنجس، يعني: ليس كالبول أو الغائط؛ لأن الله قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة:90] رجس عملي، الميسر هو نجس ولا غير نجس؟ المغالبة ما هي نجسة، الأنصاب التي تعبد من دون الله ما هي نجسة، يمسها الإنسان ولا نقول: يجب تطهر يدك، الأزلام كذلك، لكنها نجسة نجاسة معنوية، هذا دليل.
دليل آخر: لما حرمت الخمر وهي في أواني المسلمين لم يقل الرسول اغسلوها، ولما حرمت الخمر قال: اغسلوا الأواني.
ثالثاً: لما حرمت الخمر أراقها المسلمون في الأسواق، ولو كانت نجسة لحرم أن تراق في الأسواق كما يحرم أن يراق البول في السوق.
رابعاً: أتى رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ومعه راوية من الخمر؛ -أي: قدر كبير- أهداها للرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أما علمت أنها حرمت؟ فتكلم رجلٌ من الصحابة مع صاحب الراوية سراً، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: بم ساررته؟ قال: قلت: بعه، فقال: لا، إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، فما كان من صاحب الراوية إلا أن فتح فمها وأراقها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم) ولم يقل له: اغسل الراوية، ما قال: اغسلها، هذا يدل على ماذا؟ على أنه طاهر؛ لأنه لو كان نجساً لوجب تطهير الراوية.
دليل خامس: ما هو الأصل في الأشياء؟ الحل والطهارة، ولهذا لو ادعى عليك إنسان قال: هذا حرام، قل: هات الدليل، لو قال: هذا نجس، قل: هات الدليل، لو قال: الدليل على أن الخمر نجس لأنه حرام، يصح هذا أو لا يصح؟ لا يصح؛ لأن هناك أشياء حرام وهي طاهرة، السم حرام وهو طاهر، الدخان حرام وهو طاهر، فلا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجساً، هل يلزم من نجاسة الشيء أن يكون حراماً؟ نعم، ولهذا نقول: كل نجس حرام وليس كل حرامٍ نجساً، فأنا أقول: هذه الأطياب ليست نجسة ما فيها إشكال عندي، أم هي حرام أو ليست حراماً؟ نقول: إن احتاج الإنسان إليها فلا بأس، وإن لم يحتج إليها فاجتنابها أولى، وإلى هنا ينتهي هذا المجلس.
وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وبارك الله فيكم.(173/21)
لقاء الباب المفتوح [174]
تحدث الشيخ رحمه الله في هذه المادة عن صيام رمضان، مبيناً فرضية صيام رمضان ومكانته في دين الإسلام، ثم ذكر شروط وجوب صيام رمضان، والمفطرات التي يفطر بها العبد إذا فعلها، ثم ختم ذلك بإجابات موضحة لما أشكل عليهم في صيام رمضان.(174/1)
مكانة صيام رمضان في الدين الإسلامي
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع والسبعون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح التي تتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الحادي عشر من شهر شعبان عام (1418هـ) .
وبما أننا مقبلون على الاختبار عند كثيرٍ من الإخوة الذين يحضرون، وأننا في استقبال شهر رمضان المبارك فإنه يعتبر هذا اللقاء آخر اللقاء في هذا الشهر، ويستأنف اللقاء إن شاء الله تعالى بعد عيد الفطر، حتى لا يفوت الإخوة الذين يحبون أن يستمعوا إلى هذا اللقاء شيءٌ من اللقاءات، وحتى يقبلوا على دروسهم وامتحاناتهم بطمأنينة.
وبما أننا في استقبال شهر رمضان فإننا نفضل أن نتكلم الآن على ما يتعلق بالصيام والقيام.(174/2)
صيام رمضان وحكم إنكار فرضيته
أما صيام رمضان فلا يخفى علينا جميعاً أنه أحد أركان الإسلام التي بني عليها هذا الدين الذي بعث به محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) وسأله جبريل عن الإسلام فأجابه بهذا فقال: (الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا) .
فمرتبة صيام رمضان في الدين الإسلامي مرتبة عالية؛ لأنه أحد أركانه، وصيامه فرض بإجماع المسلمين المبني على دلالة الكتاب والسنة، ولهذا قال العلماء: من أنكر فرضيته فإنه مرتدٌ كافر؛ لأن هذا مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام، إلا إذا كان حديث عهدٍ بالإسلام، ولم يعرف عن الإسلام شيئاً فحينئذٍ يعرّف، فإن أصر على إنكار الفرضية بعد التعريف حكم عليه بأنه مرتد وقتل، إلا أن يتوب ويقر بالفرضية.
وأما من تركه متهاوناً دون أن يجحد فرضيته فقد اختلف العلماء رحمهم الله هل يكفر ويرتد؛ لأنه ترك ركناً من أركان الإسلام؟ فمنهم من قال بذلك، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله: أن تارك الصيام كسلاً وتهاوناً كافر كتارك الصلاة.
لكن جمهور العلماء: على أنه لا يكفر؛ لأن عبد الله بن شقيق رحمه الله أحد كبار التابعين قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة.
فالصواب: أنه لا أحد يكفر بترك ركن من أركان الإسلام إلا في الشهادتين والصلاة فقط.(174/3)
متى فُرض صيام رمضان؟
شهر رمضان فرض في السنة الثانية من الهجرة، وأول ما فرض كان الناس يخيرون بين أن يصوم الرجل أو يفتدي، دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:183-184] .
وهذه واضحة في التخيير، ثم تعين الصوم وصار الإطعام لمن لا يستطيع الصوم على وجه دائم، وهكذا عادة الله تبارك وتعالى في الشرائع التي تشق على الناس أن يجعلها بالتدريج كما جعل الخمر تحريمه بالتدريج، وكذلك كان الناس في أول الأمر إذا نام الإنسان أو تعشى فإنه يجب عليه أن يبقى إلى أن يصوم من اليوم الثاني ثم نسخ هذا والحمد لله.(174/4)
شروط صيام رمضان
لكن صيام رمضان له شروط: الشرط الأول: البلوغ.
الثاني: العقل.
الثالث: الإسلام.
الرابع: القدرة.
الخامس: الإقامة.
السادس: الخلو من الموانع.(174/5)
البلوغ والعقل
فأما البلوغ: فضده الصغر، والصغير لا يجب عليه الصوم ولا يلزم به، لكن يؤمر به أمراً إذا أطاقه فإن فعل فالأجر له، وإن لم يفعل فلا شيء عليه.
المجنون لا يؤمر به ولو صام لن يقبل منه ولا يصح منه؛ لأنه مجنون ليس له قصد.(174/6)
الإسلام
الإسلام: وضده الكفر، فالكافر لا نلزمه بالصيام، وإذا أسلم لا نلزمه بالصيام، وأما كوننا لا نلزمه بالإسلام فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا بعث الدعاة إلى الإسلام يقول: أول ما تدعونهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن أجابوا فإقام الصلاة، فإن أجابوا فإيتاء الزكاة، فدل هذا على أنه لا يؤمر الإنسان بشرائع الإسلام إلا بعد الشهادتين بعد أن يسلم، وأما كون الكافر لا يقضي ما فاته؛ فلأن الله تعالى قال: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] ونبينا صلى الله عليه وسلم كان لا يأمر أحداً أسلم أن يقضي ما فاته من صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاة.(174/7)
القدرة على الصيام
الرابع: القدرة على الصيام، فمن لم يكن قادراً فإنه إما أن يكون عجزه دائماً، وإما أن يكون عجزه مرجو الزوال، فإن كان عجزه دائماً فدى عن كل يومٍ مسكيناً، بمعنى: أن يطعم عن كل يومٍ مسكيناً، كالكبير، والمريض بمرضٍ لا يرجى برؤه، فيطعم عن كل يومٍ مسكيناً، وكيفية الإطعام: إما أن يعطي كل واحدٍ مداً من الأرز ومعه لحمٌ يؤدمه، وإما أن يجمعهم جميعاً أو عشرة عشرة فيغديهم أو يعشيهم، كما كان أنس -رضي الله عنه- يفعل ذلك لما كبر.
أما من يرجو زوال عجزه فإنه ينتظر حتى يزول عجزه ثم يقضي، لقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] .(174/8)
الإقامة
الخامس: الإقامة وضدها السفر، فالمسافر لا يلزمه الصوم، له أن يفطر وإن لم يجد مشقة، لكنه يقضي لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] والأفضل له أن يصوم إلا إذا كان فيه شيءٌ من المشقة فالأفضل أن يفطر.(174/9)
الخلو من الموانع
السادس: الخلو من الموانع، ونعني بذلك: الحيض والنفاس، بمعنى: أنه لا يلزم الحائض أن تصوم ولا النفساء، بل لو صامتا كان حراماً عليهما وكان فاسداً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحائض مقرراً حكمها: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قال النساء: بلى) .
فهذه شروط وجوب أداء الصيام.(174/10)
مفطرات الصيام(174/11)
الأكل والشرب والجماع
أما عن ماذا يصوم؛ لأن الصيام هو الإمساك فعن ماذا يمسك؟ يمسك عن المفطرات التي ثبت أنها مفطرة فمما ثبت أنه مفطر: الأكل، والشرب، والجماع، وهذه الثلاثة ذكرت في الكتاب العزيز، قال الله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] الجماع في قوله: (فالآن باشروهن) الأكل: (كلوا) والشرب: (واشربوا) {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] هذه ثلاثة.(174/12)
ما كان بمعنى الأكل والشرب
الرابع: ما كان بمعنى الأكل والشرب؛ كالإبر المغذية، ومعنى قولنا: المغذية أنه يستغنى بها عن الأكل والشرب، وأما الإبر التي للتداوي أو للتقوية أو لغير ذلك من الأمراض لكنها لا تغني عن الأكل والشرب فهذه لا تفطر، سواء أخذها الإنسان في العضلات أو في الوريد أو في أي محل.(174/13)
إنزال المني بشهوة
الخامس: إنزال المني بشهوة (بفعل) أن ينزل الإنسان المني بشهوة أي: بفعله، سواء كان بالمباشرة أو تقبيل أو غير ذلك، وهذا ليس محل اتفاق بين العلماء، بعض العلماء يقول: إنه لا يفطر؛ لأنه ليس فيه دليلٌ صريح، والأصل صحة الصوم وعدم نقضه إلا بدليلٍ صريح.
لكن يمكن أن يقال: إن الدليل هو قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه عن الله تعالى أن الله قال في الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) فإن المني شهوة، ولهذا لا يسمى التلذذ بالجماع إلا بالإنزال، ويدل لهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وفي بضع أحدكم صدقة -يعني جماع امرأته فيه صدقة- قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: نعم، أرأيتم إن وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) وهذا هو رأي جمهور العلماء: أنه يفطر بالإنزال بشهوة إذا كان بفعله، ولا شك أن هذا أحوط، وأنه لا يحل لإنسان وهو صائم صوماً واجباً أن يفعل ذلك، أي: أن ينزل بشهوة بفعله، وأنه إذا فعل فليقض.
وقولنا: نزول المني بشهوة احترازاً مما لو أصيب الإنسان بمرض وصار المني ينزل منه، أو سقط من جدار ومع السقطة نزل المني فهذا لا يفطر.
وقولنا: بفعله، احترازاً مما لو فكر الإنسان للجماع فأنزل؛ فإنه لا يفطر بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) ، لكن لو كان عند التفكير حرك ذكره فأنزل بهذا التحريك فإنه يفطر أو لا يفطر؟ يفطر؛ لأن هذا بفعله فهو استنماء في الواقع.(174/14)
خروج الدم بالحجامة
السادس: خروج الدم بالحجامة، يعني: إذا حجم الإنسان فخرج منه دم فإنه يفطر ويفسد صومه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) وقد صحح هذا الحديث الإمام أحمد وهو أحد أئمة الحديث والفقه، بل وإمام أهل السنة رحمه الله، فلورعه وعلمه بالحديث وفقهه يطمئن الإنسان إلى هذا القول، أي: إلى أن خروج الدم بالحجامة مفسد للصوم، لكن إذا قال قائل: إفساد صوم المحجوم ظاهر؛ لأنه أخرج الدم الذي يوجب ضعف البدن وانحلاله واحتياجه للأكل والشرب، لكن ما بال الحاجم؟
الجواب
أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) لحاجمٍ معروف معتاد حجمه في ذلك الوقت، وكانوا في ذلك الوقت يحجمون بالقوارير التي فيها الأنابيب الصغيرة يمصها الحاجم حتى يصل الدم إلى هذا الأنبوب ويعلم أنه بدأ يلتقط الدم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: لأنه ربما مع جذبه الدم يصل إلى معدته شيءٌ منه وهو لا يشعر به، ولهذا قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) .
فعلى هذا: إذا حجم وظهر دم من الذي يفطر؟ الحاجم وحده أو المحجوم وحده؟ كلاهما يفطران الحاجم والمحجوم.
وبناءً على ذلك: إذا كان الصوم واجباً كرمضان، وقضائه، والكفارة، والفدية، وما أشبه ذلك هل يجوز أن يحتجم أو لا؟ الجواب: لا، لا يجوز أن يحتجم لأن إفساد الواجب حرام إلا إذا اضطر إلى ذلك وصار يأتيه غشية من هيجان الدم واحتاج إلى أن يحتجم فهنا نقول: احتجم وأفطر: كل واشرب.(174/15)
خروج القيء عمداً
السابع: خروج القيء إذا تعمده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فليقض) فإذا استقاء الإنسان وأخرج ما في معدته من الطعام أفطر لهذا الحديث، وهو حديثٌ صحيح.
ولكن قد يقول قائل: هذا عكس الأكل والشرب؛ الأكل والشرب يوصل الطعام والشرب إلى المعدة وهذا أيش هو؟ يخرج الطعام والشراب من المعدة، فكيف يكون مفطراً؟ فجوابنا على هذا من وجهين: الوجه الأول: أن هذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا حكم الرسول عليه الصلاة والسلام بشيء فهو كحكم الله، لقوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80] ، وإذا كان هذا حكم الله ورسوله فشأن المؤمن أن يقول: سمعنا وأطعنا، قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:51-52] ، وقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36] هذا جواب، أن نقول: هذا حكم رسول الله، وحكم رسول الله كحكم الله وليس لنا أن نخرج عنه.
الجواب الثاني أن يقال: خروج الطعام من المعدة يوجب ضعف البدن وانحلاله فهو كخروج الدم بالحجامة وعلى هذا فالتفطير بالحجامة كالتفطير بالقيء، يساند بعضهما بعضاً، فنقول لمن كان صومه واجباً: لا تتقيأ حرامٌ عليك، فإن اضطررت إلى ذلك فتقيأ وأفطر وكل واشرب من أجل أن ترد إلى البدن قوته ونشاطه.
الثامن: خروج دم الحيض، فإذا خرج دم الحيض ولو قبل الغروب بدقيقة واحدة فسد الصوم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟) وأجمع العلماء على أن الحائض لا يصح صومها.
أما لو خرج دم الحيض بعد الغروب ولو بدقيقة فالصيام صحيح؛ لأن الأحكام تتعلق بخروج الدم لا بالإحساس به بدون خروج.(174/16)
خروج دم الحيض والنفاس
التاسع: خروج دم النفاس، فإذا خرج دم النفاس من المرأة قبل الغروب ولو بدقيقة واحدة فصومها فاسد، وإن كان بعد الغروب ولو بدقيقة واحدة فصومها صحيح.
هذه هي المفطرات، فتبين الآن أن المفطرات منها ما هو اختياري ومنها ما هو بغير اختيار، فما هو الاختياري؟ السبعة الأولى التي ذكرناها هذه اختياري.
وأما ما ليس اختيارياً فهو: الحيض والنفاس.(174/17)
المفطرات التي تفسد الصوم
المفطرات الاختيارية لا تفسد الصوم إلا بشروط: الشرط الأول: العلم.
الشرط الثاني: الذكر.
الشرط الثالث: القصد.
الشرط الرابع: الاختيار.(174/18)
العلم
أما العلم فضده الجهل، فإذا تناول الإنسان شيئاً من هذه المفطرات جاهلاً فصيامه صحيح، فلو أكل يظن أن الفجر لم يظهر ثم تبين أنه قد طلع فالصيام صحيح، ولو كانت السماء غيماً فظن الشمس قد غربت فأكل ثم طلعت الشمس فالصوم صحيح، الدليل على هذا: قول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله: قد فعلت.
وهذا لا شك أنه مخطئ؛ لأننا نعلم أنه لو علم أن النهار باقٍ ما أكل ولا شرب.
ودليلٌ آخر في نفس الموضوع: ما أخرجه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (أفطرنا في يوم غيمٍ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) ولم يؤمروا بقضاء، فإذا كان الصحابة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام أفطروا في يوم الغيم ظناً منهم أن الشمس قد غربت، ثم تبين أنها لم تغرب ولم يأمرهم بالقضاء، علم أنه لا قضاء على شخصٍ جاهل.(174/19)
الذكر
الثاني: الذكر وضده النسيان، فلو أكل الإنسان أو شرب ناسياً فلا شيء عليه، لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله تعالى: قد فعلت.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في خصوص هذه المسألة: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) ، ولكن يجب إذا زال العذر أن يتوقف، فإذا علم وجب عليه الإمساك، وإذا ذكر وجب عليه الإمساك، حتى لو كانت اللقمة في فمه أو جرعة ماء في فمه وجب عليه أن يلفظها، فمثلاً: إذا أكل يظن الشمس قد غربت وإذا هو يشاهدها، نقول: أمسك حتى لو كانت اللقمة في فمك أو التمرة في فمك أخرجها؛ لأنه زال العذر.(174/20)
القصد
الثالث من الشروط: القصد، يعني: أنه لو حصل شيء مفطر بغير قصد فإنه لا يضر، فلو تمضمض الإنسان في الوضوء ثم نزل شيءٌ من الماء إلى بطنه، فهذا لا يفطر؛ لأننا لو سألنا هذا المتوضئ: أتمضمضت لينزل الماء إلى بطنك؟ لقال: لا.
إذاً: هو لم يقصد فصيامه صحيح.
ولو فرض أنه في مكانٍ فيه دخان أو غبار وثار الغبار أو الدخان حتى استنشقه وصل المعدة فإنه لا يفطر، ولهذا نقول: يجوز للصائم أن يتبخر، العامة يقولون: الصائم ما يتبخر، هذا ما هو صحيح، له أن يتبخر لكن لا يستنشق البخور، حتى لو فرض أنه أخذ المبخرة ووضعها تحت ذقنه ثم ضم إليها الغترة فلا بأس؛ لأن هذا لم يقصد إدخال الدخان إلى بطنه، لكن لا يستنشقه، هذا القصد.
إنسان أيضاً جذب البنزين بخرطوم الماء وكان من قبل لا توجد محطات كثيرة فيأخذون البنزين في البراميل، ثم يضعون الخرطوم في البرميل ثم يجذبه السائق من أجل أن يعبئه في السيارة، أحياناً بل كثيراً ما ينزل شيء من البنزين إلى بطنه، فإذا كان صائماً هل يفسد صومه؟ لا يفسد صومه؛ لأنه بغير قصد.(174/21)
الاختيار
الرابع: الاختيار، بأن يكون الإنسان فاعل هذه المفطرات باختياره، وضده الإكراه، فلو أكره الرجل زوجته على الجماع فجامعها وهي صائمة ولا تستطيع أن تتخلص منه فإن صومها صحيح وليس عليها شيء لا في رمضان ولا في غير رمضان، ولكن هل يجوز للزوج أن يفسد صومها أو يجبرها؟ فيه تفصيل: إن كان في رمضان فلا يجوز، ولكن كيف يجوز للزوج أن يطأ وهي لا يجوز أن توطأ؟ صورة ذلك: أن رجلاً مسافراً وكان مفطراً في سفره، ثم قدم البلد وهو على إفطاره فهذا له أن يأكل ويشرب حتى تغيب الشمس؛ لأنه لا يلزمه الإمساك على القول الراجح، حينئذٍ يكون الزوج يحل له الفطر ومنه الجماع، لكن الزوجة صائمة لا يحل له أن يفسد صومها.
كذلك إذا كانت تقضي قضاء رمضان، وقد شرعت في القضاء بإذنه فإنه لا يحل له أن يفسد صومها بالجماع؛ لأنه قد أذن لها.
وكذلك إذا صامت نفلاً بإذنه، فإنه لا يحل له أن يفسد صومها؛ لأنه أذن لها.
ولكن في هذه الحال وهي صائمة صيام نفل بإذنه لو طلب منها أن تأتي للفراش فهل الأفضل أن تستمر في الصوم وتمتنع أو أن تجيب الزوج؟ الثاني أفضل: أن تجيب الزوج؛ لأن إجابتها الزوج من باب المفروضات في الأصل، والصوم تطوع من باب المستحبات، ولأنه ربما لو أبت مع شدة رغبته، ربما يكون في قلبه شيءٌ عليها فتسوء العشرة بسبب ذلك.
كذلك لو بقي من قضاء رمضان من شعبان بقدر الأيام التي عليها وشرعت في الصوم ولو بغير إذنه، فإنه لا يجوز له أن يفسد صومها؛ لأن صومها القضاء قبل دخول رمضان الثاني أمرٌ واجب.
هذا ما يتعلق بالصيام والمفطرات.
أما آداب كثيرة في الصيام والحرص على الطاعة والذكر وقراءة القرآن وغيرها فهذا أمرٌ لا يتسع المقام لذكره.(174/22)
الحث على قيام رمضان والسنة المشروعة فيه
أما بالنسبة لقيام رمضان، وهو ما يسمى عندنا بالتراويح، وسمي تراويح؛ لأن السلف رحمهم الله ليسوا يصلون قيام رمضان كصلاتنا الآن بل يطيلونها إطالة تامة، فإذا صلوا أربع ركعات -يعني: تسليمتين- توقفوا واستراحوا، ثم استأنفوا الصلاة فيصلون أربعاً ثم يستريحون، ثم يستأنفون الصلاة فيصلون ثلاثاً، لكن على ركعتين ركعتين، فعلى هذا ينبغي لنا أن نحرص على هذا القيام ابتغاءً لثواب الله، وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والسنة أن تصلى جماعةً في المساجد؛ لأن هذا فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، صلى بهم ثلاثة ليال ثم تأخر وقال: (إني خشيت أن تفرض عليَّ) وخشية الفريضة الآن غير واردة؛ لأنه انتهى زمن التشريع فليست واردة.
وينبغي للإمام ألا يزيد على ثلاث عشرة ركعة، إما إحدى عشرة وإما ثلاث عشرة، ولا يجوز له أن يقرن بين الركعات، يعني بمعنى: أن يصلي أربعاً جميعاً وأربعاً جميعاً؛ لأن هذا ليس من السنة، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) ، ثم إنه قد يشق على الناس إذا جمع أربع ركعات جميعاً يشق على الناس بماذا؟ قد يكون بعض الناس محصوراً يحتاج إلى قضاء الحاجة، أو مشغولاً بشغلٍ ضروري، أو ما أشبه ذلك، فيكون هذا من جنس فعل معاذ -رضي الله عنه- حينما أطال بقومه في صلاة العشاء، فنهاه الرسول عليه الصلاة والسلام.
لكن قد يقول قائل: ما تقولون في حديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً) ؟ نقول: هي حكت عدد القيام أنه إحدى عشرة، ثم فصلت فقالت: أربع وأربع وثلاث، ومعنى ذلك: أنه إذا صلى أربعاً توقف، ثم صلى أربعاً، هذا هو المتعين، ولا يمكن أن يحمل على أنها أربع مسرودة لوجهين: الوجه الأول: أن هذا الإجمال الذي حصل في حديث عائشة فصل من عائشة رضي الله عنها نفسها: (أنه كان يصلي ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ثلاث) .
ثانياً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه قال: (صلاة الليل مثنى مثنى) ومن فهم من بعض الناس أنه يجمع الأربع فقد فهم خطأً، ولم يجمع بين النصوص.
كذلك أيضاً: لا نرى أنه لا يجوز للإنسان أن يوتر بسبع أو تسع سرداً في التراويح؛ لأن بعض الناس قال: أنا أوتر خمساً جميعاً أو تسعاً جميعاً لأعلم الناس السنة، فيقال: أأنت أحرص على إبلاغ السنة والشريعة من رسول الله؟ الجواب قطعاً: لا، هل قام الرسول بالناس على هذا الوجه؟ لا، إنما أوتر بنفسه في بيته، أوتر بخمس ولم يسلم إلا في آخرها، وبسبع لم يسلم إلا في آخرها، وبتسع لم يسلم إلا في آخرها، ما صلى بالناس على هذا.
والإنسان الذي يصلي بالناس يجب أن يراعي أحوال الناس، أرأيتم رجلاً جاء ليصلي في المسجد وصلى بهم تسعاً جميعاً ماذا يكون؟ مشقة على الناس، قد يحدث لإنسان أنه يحتاج إلى الخلاء، وقد يدخل إنسان على أنها ركعتين يريد أن يصلي ركعتين أو أربع ركعات وينصرف إلى البيت لحاجة، ثم إذا دخل الآن ماذا ينوي؟ لأن هذه الخمس أو السبع أو التسع ستكون وتراً أو قياماً؟ وتراً، ماذا ينوي الداخل؟ الداخل سينوي أنها تهجد قيام؛ لأنه لا يدري عن الإمام، فتختلف النية وحينئذٍ سيتعب هذا الداخل ثم في التالي نقول: إنك لم توتر؛ لأنك ما نويت الوتر.
فلهذا يجب على الأئمة أن يراعوا أحوال الناس، وأن يضموا السنة بعضها إلى بعض حتى يتبين الأمر.
ثم إذا قال: أنا أريد أن أعلم الناس السنة، نقول: جزاك الله خيراً أبلغ الناس السنة بالقول، قل: إن الرسول يوتر بخمسٍ جميعاً، وسبعٍ جميعاً، وتسعٍ جميعاً، أُعْلِم الناس بهذا اللفظ، وأما أن تقول: أُعْلِمُهم بشيء يشق عليهم، وليس فعله من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام، فهذا غلط.
لذلك أحث إخواني الأئمة وكذلك غير الأئمة: أن يحثوا الناس على هذه التراويح، وأحث الأئمة على أن يصلوا التراويح صلاةً مطمئنة ليس فيها سرعة ولا عجلة؛ لأن الله تعالى يقول: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] لم يقل: أيكم أسرع عملاً، والناس في رمضان يحبون أن يطمئنوا كثيراً في الركوع والسجود والتشهد، الآن كثيرٌ من الأئمة حسب ما نسمع في الركوع يسبح ثلاثاً بسرعة، والمأموم يقول الإمام: سمع الله لمن حمده قبل أن يسبح مرة واحدة؛ لأن المأموم سوف يشرع في الركوع بعد وصول الإمام إلى الركوع، فيقوم الإمام قبل أن يقوم المأموم من ركوعه كيف هذا؟! كذلك في التشهد ما أن يصل الناس إلى قولهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا ويسلم الإمام، أعوذ بالله دع الناس يكملوا الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام على حسب ما علمهم الرسول؛ الرسول علمهم كيف يصلون عليه، ماذا قال لما قالوا: كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد) .
ثم إنه أمر أمته عليه الصلاة والسلام إذا تشهدوا التشهد الأخير أن يقولوا: (أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) .
كثيرٌ من الأئمة مع الأسف في قيام رمضان لا يصلون إلا هذا الحد، فتجد المأموم يرتبك هل يسلم قبل أن يكمل التشهد أو يبقى يكمل التشهد وإذا بالإمام قد قرأ الفاتحة من التسليمة الثانية.
فأرجو من إخواننا الأئمة أن يراعوا هذا.
وأسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يدرك رمضان فيصومه إيماناً واحتساباً وأن يتقبل منا ومنكم.
ولعل هذا المجلس يكون إن شاء الله فيه فائدة، والتفسير ليس وقته محدوداً حتى نقول: لابد منه، إن شاء الله تعالى نحن في مستقبل الأيام ونسأل الله أن يعيننا على الخير والطاعة.(174/23)
الأسئلة(174/24)
إذا احتجم الحاجم بآلات منفصلة فإنه لا يفطر
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا حجم الحاجم بغير الأنبوب فما حكم صومه؟
الجواب
إذا حجم الحاجم بغير الأنبوب يعني: بآلات منفصلة عن فمه فالمذهب أنه يفطر؛ لأنهم يرون أن الحجامة المفطرة على وجه التعبد لا على وجه القياس والنظر.
واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا يفطر، بناءً على أن العلة معقولة، وإذا انتفت العلة انتفى الحكم، وهذا عندي أقرب من القول بأنه يفطر، فإذا كان هناك آلات يحتجم بها الناس بدون أن يمص القارورة، فإنه لا يفطر في ذلك، كما أنه لو أخرج الدم بالفصد أو التشريط أو لأجل أن يحجم في مريض يحتاج إلى دم فإنه يفطر على القول الراجح وإن لم يكن حجامة.(174/25)
أحاديث فضل رجب وشعبان في الميزان
السؤال
فضيلة الشيخ: هل هناك أحاديث صحيحة ثابتة في فضل كل من شهر رجب وشعبان وفضل الصوم فيهما؟
الجواب
لا.
لم يرد في فضل رجب حديثٌ صحيح، وأجود ما فيه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية أجود ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا دخل رجب: (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان) على أن الحديث هذا أيضاً متكلم فيه، وعلى هذا فلا يمتاز شهر رجب عن جمادى الآخرة الذي قبله إلا بأنه من الأشهر الحرم فقط، وإلا ليس فيه صيام مشروع، ولا صلاة مشروعة، ولا عمرة مشروعة ولا شيء، هو كغيره من الشهور.
أما شعبان فنعم يمتاز عن غيره بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر صومه، بل كان يصومه كله إلا قليلاً، فينبغي الإكثار من الصيام في شعبان.(174/26)
النظر إلى الهلال مقدم على التقويم في الإمساك والإفطار
السؤال
وقت الإمساك، معلوم أن الأذان على تقويم أم القرى، البعض هل يفطر على التقويم أو يفظر على حسب غياب الشمس؟
الجواب
لا النظر مقدم، مثلاً لو كان التقويم يقرر أن الشمس غربت وأنت ترى الشمس لا يجوز أن تؤذن ما دمت ترى الشمس، وهذا يقع كثيراً، يعني: شوهد أن التقويم قد قرر غروب الشمس، والذين في البر يقولون: ما غابت، فالنظر مقدم.(174/27)
لم يثبت دليل أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم
السؤال
هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم؟
الجواب
لا.
ما ثبت أنه احتجم وهو صائم، ثبت أنه احتجم وهو محرم، فيه مثلاً تقرير قاعدة في هذه المسألة يعني: لو فرضنا أن الرسول ثبت أنه احتجم وهو صائم فلدينا أمران: احتجامه وهو صائم بناء على أن الأصل عدم الفطر بالحجامة، فإذا جاء دليل يدل على أن الحجامة مفطرة أخذنا به؛ لأن هذا الدليل الذي يدل على أن الحجامة مفطرة دليلٌ ناقلٌ عن الأصل، فيكون فيه زيادة علم، فيقال: أن نأخذ بما فيه زيادة علم، هذا أمر.
الشيء الثاني: أن الرسول احتجم وهو صائم أي صيام كان؟ هل هو فريضة أو نافلة؟ إذا كان نافلة فلا توجد مشكلة؛ لأنه يحتجم ويفطر وليس به إشكال، وإن كان صيام الفريضة وكان محتاجاً إلى ذلك جاز أن يحتجم، فهذه قضية عين لا يمكن أن نجعلها معارضة للحديث القولي، بل إن بعض العلماء كـ الشوكاني رحمه الله يرى أنه لا تعارض بين قوله صلى الله عليه وسلم وفعله؛ لأن فعله صلى الله عليه وسلم يحتمل الخصوصية فلا يعارض به القول العام.
لكننا لا نوافقه على هذا، نقول: يجب الجمع بين قوله وفعله، لكن فعله يكون قضية عين له احتمالات فلا يعارض، والأصل عدم وجود الاحتمال.(174/28)
حكم الصيام والإفطار الجماعي
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم الصيام الجماعي والاتفاق على الإفطار سواء كان في رمضان أو الإثنين والخميس؟
الجواب
لا.
أهم شيء الاتفاق على الصيام، نحن نرى أن هذا مبدأ لم يكن عليه الصحابة أنهم يتواعدون أن يصوموا الإثنين والخميس وما أشبه ذلك، ويخشى أن تتطور المسألة حتى يرتقي إلى ما هو أشد، ثم نشبه أهل التصوف الذين يتفقون على ذكر معين يفعلونه جماعة، فلذلك يقال للشباب: من صام غداً فسيكون الإفطار عند فلان مثلاً، هذا لا بأس به، لكن الاتفاق على صوم يومٍ معين هذا ليس من هدي الصحابة، ثم كون الإنسان يعود نفسه أنه لا يصوم إلا إذا صام معه غيره هذا بعد مشكلة، فكون الإنسان يصوم من طوع نفسه سواء كان معه غيره أو لا، هذا هو الذي عليه السلف الصالح.(174/29)
وجوب الإمساك عن الأكل إذا علم طلوع الفجر
السؤال
إذا قُدم للإنسان وجبة السحور فمجرد أن شرع في الأكل شرع المؤذن في الأذان، هل يقطع الأكل أو يأكل ما تيسر له؟
الجواب
أما إذا كان المؤذن يقول: أنا لا أؤذن إلا إذا رأيت الفجر فإنه يجب قطعه من حين ما يسمع الأذان؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليلٍ فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) .
أما إذا كان على التقويم فالتقويم عندنا فيه تقديم في الفجر خاصة، يعني: حوالي خمس دقائق، كما يعرف الإخوان بعض المؤذنين يؤذن على التوقيت وبعضهم يتأخر، فعلى كل حال الإنسان يجعل عنده ساعة مضبوطة يمكن أن يعرف طلوع الفجر بأن يضيف على التقويم خمس دقائق وحينئذٍ يمسك.(174/30)
لقاء الباب المفتوح [175]
بعد انقضاء شهر كامل هو شهر الصوم، قد يحدث للنفس فتور وتكاسل عن القيام بتلك العبادات التي كانت في رمضان، لكن الشارع لم يدع لذلك سبيلاً، فكانت الدعوة إلى صيام الست من شوال، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وغيرها من العبادات التي ندب إليها الإسلام وأجزل الثواب عليها، في نفس الوقت كان هناك التحفيز لقيام الليل والمداومة على عمل الصالحات وترتيب الأجر الكبير على ذلك.(175/1)
أعمال مشروعة بعد صيام رمضان
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والسبعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل خميسٍ من كل أسبوع إلا أن يكون هناك مانع، وهذا الخميس هو الخامس عشر من شهر شوال عام (1418هـ) .
نفتتح به لقاءاتنا بعد أن أمضينا صياماً وقياماً في شهر رمضان المبارك نسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل منا ومنكم، وأن يجعل ذلك تكفيراً لسيئاتنا وزيادة في حسناتنا، ورفعة في درجاتنا إنه على كل شيء قدير، ونسأله تبارك وتعالى أن يعيد أمثاله علينا وعلى الأمة الإسلامية ونحن أقوى ما نكون إيماناً وأحسن ما نكون عملاً، إنه على كل شيءٍ قدير.
في لقائنا هذا نتكلم يسيراً عن فتور بعض الناس عن الأعمال الصالحة إذا انقضى شهر رمضان.
والحقيقة أن شهر رمضان موسم والعادة في طبيعة الإنسان في هذه المواسم أن يزداد نشاطاً سواء كانت مواسم دينية أو دنيوية، وهذا شيءٌ جبل عليه الناس ولا يمكن الإنكار، لكن الشيء المهم ألا نعود إلى المعاصي بعد أن عملنا ما نسأل الله تعالى أن يجعله تكفيراً لسيئاتنا، ألا نعود إليها؛ لأن العود إلى المعصية بعد محو الذنوب أمرٌ شديد، فالواجب على المسلمين عموماً الواجب عليهم أن يتقوا الله تعالى في أنفسهم، وأن يقوموا بما أوجب الله عليهم بعد رمضان كما كانوا يقومون به في رمضان، وأن يدعوا ما حرم الله عليهم بعد رمضان كما كانوا يدعونه في رمضان، هذا هو الواجب؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل هذه المواسم تنشيطاً للهمم وحثاً على العمل لا أن العمل ينتهي بانتهائها، قال الله تبارك وتعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] أي: حتى يأتيك الموت، قال الحسن البصري رحمه الله: [إن الله لم يجعل للمؤمن عملاً ينقضي قبل الموت، ثم تلا هذه الآية: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]] .(175/2)
مشروعية الصيام في غير رمضان
إن من نعمة الله سبحانه وتعالى أن الأعمال الصالحة التي شرعت لنا في رمضان لا تزال مشروعة في كل وقت، فالصيام مشروع في كل وقت أوله: - إتباع رمضان بستة أيام من شوال فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) .
وكذلك أيضاً: يشرع أن يصوم الإنسان ثلاثة أيام من كل شهر، فإن صيام ثلاثة أيام من كل شهر يعدل صيام السنة كلها قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (صوم ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ صوم الدهر كله) .
وكذلك صيام أيام البيض خاصة، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر.
وكذلك صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع.
وكذلك الصوم الأفضل أن يصوم يوماً ويدع يوماً، فأفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويدع يوماً، وهذا أفضل من المحافظة على الإثنين والخميس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام صيام داود) وعلى هذا فلو صادف أن يكون صيامك يوم الأحد ويوم الثلاثاء وفطرك يوم الإثنين فإن هذا أفضل من أن تصوم يوم الإثنين، لكن يبقى النظر: هل إذا صادف يوم الإفطار يوم الإثنين هل نقول: صمه لأنه يوم الإثنين وإن اختلف صيام يوم وفطر يوم، أو نقول: الأفضل أن تمضي في صوم يومٍ وفطر يوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام صيام داود) ، ولأن في ذلك راحة للبدن، والنبي صلى الله عليه وسلم حدد ذلك بعد أن رأى همة عبد الله بن عمرو بن العاص أن يصوم أكثر من ذلك لكنه لم يأذن له في أكثر من هذا، بل دله على الأفضل، الإنسان يتردد في هذا بمعنى: هل الأفضل إذا صادف يوم الإثنين يوم فطرك أن تصومه أو لا؟ والظاهر لي: أنه لا تصومه، ما دمت رتبت نفسك على أن تصوم يوماً وتفطر يوماً فهذا هو الخير وهو أفضل الصيام وفيه راحة للنفس.(175/3)
مشروعية القيام في غير رمضان
أما القيام؛ فكذلك لا يزال مشروعاً والحمد لله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر فيما اشتهر أو تواتر عنه: (أن ربنا عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر) ينزل إلى السماء الدنيا حقيقة كما نطق بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق، ولكن ليس نزوله كنزول المخلوق بل هو نزولٌ يليق بجلاله وعظمته لا ينافي كماله أبداً، فلا يلزم من نزوله إلى السماء الدنيا أن تكون السماء الثانية وما فوقها فوقه لا يمكن هذا أبداً؛ لأن الله تعالى له علو مطلق في كل حال، ولأنه سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه، لكننا نؤمن بأنه نزول حقيقي مضافٌ إلى الله سبحانه وتعالى دون أن نتعرض للكيفية، ينزل سبحانه وتعالى كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، وفي كل مكانٍ بحسبه، قد يكون ثلث الليل هنا في المملكة وثلث النهار في بلادٍ أخرى، لكن لكل بلدٍ حكمه ينزل عز وجل فيقول: (من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) فإذا اجتمع هذا القرب من الله عز وجل مع قرب العبد من ربه وهو ساجد كما قال عليه الصلاة والسلام: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) حصل بذلك قربان: قرب الرب عز وجل، وقرب الساجد، ولذلك ينبغي أن يكثر الإنسان في حال سجوده بالثلث الأخير من الليل من الدعاء؛ لأن ذلك أقرب إلى الإجابة بلا شك.
أقول: لا يزال القيام مشروعاً والحمد لله، القيام لا ينتهي برمضان، وفي كل ليلة.
وهناك عباداتٌ أخرى سببٌ لتكفير السيئات ورفعة الدرجات ليست خاصة بالصيام أو القيام في رمضان، لذلك أسأل الله تعالى أن يعينني وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
ينبغي لنا أن ننتهز هذه الفرص قبل أن يفوت الأوان والإنسان لا يدري متى يفوت أوانه، كم من إنسان يمشي وسقط ميتاً، وكم من إنسانٍ على فراشه لم يوقظ إلا ميتاً، وكم من إنسان على طعامه لم يشبع حتى مات، وليس مع الإنسان وثيقة بأنه لا يموت إلا في وقتٍ معين.
فعلينا -أيها الإخوة- أن ننتهز الفرص ما دمنا في زمن الإمكان، والأمر سهل ولله الحمد، كل الإسلام من أوله إلى آخره كله يسير مسهل، قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة:6] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين يسر ولم يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يبعث الناس: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) كله سهل، لكن لما كان الخير له موانع من قبل النفس ومن قبل الشيطان؛ شيطان الإنس وشيطان الجن صار ثقيلاً على النفوس، ولكن اقرأ قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:6-7] واسأل الله تعالى أن ييسرك لليسرى، فإن الله تعالى قريبٌ مجيب.
وإلى هنا ينتهي هذا القول الموجز الذي أسأل الله تعالى أن ينفعني وإياكم به، وننتقل إلى الأسئلة.(175/4)
الأسئلة(175/5)
حكم شق عملية لطفلة صغيرة بفتح المعدة لتغذيتها بالحليب
السؤال
سبق وسألتك -يا شيخ- في سؤالٍ سابق عن ابنة لي بالحضانة، وقال الأطباء الاستشاريون: إنها تحتاج إلى عملية فتح المريء، وإن نسبة نجاح هذه العملية (8%) و (92%) موت، فأجبتني أنت بالرفض أني أدعها لله سبحانه وتعالى، والآن اتصلوا بي لكي يعملوا عملية فتح للأنبوب، سألتهم عن هذه العملية قالوا: إن شاء الله لا تأثير عليها، فما رأيك يا شيخ هل يجرون هذه العملية علماً بأن الطفلة لها سبعة شهور وعشرة أيام؟
الجواب
أقول بارك الله فيك جوابي على هذا: أولاً: الدواء أو المعالجة ليس أمراً مقطوعاً بنجاحه، أليس كذلك؟ حتى لو قال الأطباء: (99%) تنجح قد لا تنجح.
فأما ما يتعلق بالمريء فقد أجبتك عنه وأنا لا أزال على جوابي أن تدع الأمر، ما دامت العملية لا شك أنها فيها شيء من التصرف وجرح هذا الإنسان والنجاح قليل (8%) ، فهذه ما أزال على إفتائي أن تدعها لله عز وجل، وإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يشفيها شفاها؛ لأنه هو الذي خلقها أولاً وهو قادر على أن يزيل ما بها من المرض.
أما إذا كان محاولة فتح المريء بدون عملية مثل أن يدخلوا فيه أنابيب أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي قد توسعه هذا لا بأس به؛ لأنه ليس فيه جرح ولا خطر.
أما ما يتعلق بالمعدة السائل: هم يريدون أن يفتحوا على المعدة ويدخلون أنبوباً لكي يغذونها بالحليب.
الشيخ: أما فتح شيء في الجسد من أجل إيصال الحليب إلى المعدة فهذا إذا لم يكن فيه مضرة وأن هذا يجري إلى حد أن يحاولوا فتح المري فهذا إن شاء الله لا بأس به.(175/6)
حكم الزواج بنية الطلاق وخاصة في خارج البلاد
السؤال
فضيلة الشيخ! أورد أحد الإخوة سؤالاً لفضيلتكم في اللقاء الواحد والخمسين بعد المائة، قال فيه: هل يجوز الزواج بنية الطلاق؟ وكانت إجابتكم: أنه لا يجوز؛ لأن في ذلك غشاً وخداعاً للزوجة وأهلها، ولكن يمكن أن يتزوج بنية مطلقة ومتى عاد إلى بلده أو رآها غير صالحة له فالأمر في ذلك واسع، ولكن نرى أن بعضاً من الناس الآن ينشئ سفراً من بلده للسياحة ويذهب إلى خارج البلاد، ويقول: إنه سيتزوج بنية مطلقة، ويبقى هناك مدة أسبوعين أو ثلاثة فيتزوج، ولكن يظهر أنه عكس ذلك، بدليل: أنه لم يهيأ نفسه لاستقبال زوجته في بلده، ولم يستأذن ولي الأمر من زواجه بهذه المرأة الأجنبية، ولم يتحر عن الأهلية الشرعية لهذه البنت، ولم يخبر أهله أيضاً في رغبته في الزواج في ذلك، فما توجيهكم لمثل هؤلاء، وهل لديكم تفصيل في إجابتكم؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
نعم، بارك الله فيك! أقول: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر لنا ميزاناً قسطاً عدلاً: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) فإذا كان ذهاب هذا الرجل إلى البلد الأخرى من أجل أن يتمتع بهذا الزواج فقط فهذا زنا لا إشكال فيه؛ لأنه ذهب ليزني ويرجع.
وأما إذا كان حقيقة يريد أن يتفرج على ما في هذا الكون من مخلوقات الله عز وجل وطبائع الناس، ولا سيما إذا كان رجلاً له ذوق في هذه المسائل، ثم إنه هناك تزوج بنية أنه زواجٌ مطلق، فهذا لا بأس به.
وقد بلغني مع الأسف: أن بعض الشباب الآن الذي ليس على استقامة حميدة يذهب إلى البلاد الأخرى ليتزوج بنية الطلاق، وهذا كما قلت لكم أولاً: هذا زنا لا إشكال فيه، وينبغي أننا حتى لو قلنا: بجواز زواج الإنسان المسافر الغريب بنية الطلاق لو قلنا به لا ينبغي أن نفتي به فتوى عامة من أجل منع هذا المحذور وهو أن يسافر من أجل أن يتزوج، والعلماء رحمهم الله الذين حكوا الخلاف في هذه المسألة قالوا: إن فرض هذا في غريبٍ تغرب لغير هذا؛ لغير النكاح إما لتجارة، أو لطلب علم، أو ما أشبه ذلك، قالوا: فإذا اشتدت عليه العزوبة فلا بأس أن يتزوج بنية الطلاق.(175/7)
حكم الزكاة في النخيل
السؤال
رجل عنده مزرعة فيها نخيل، وتنتج تمراً في السنة مرة واحدة، ويبيع هذا التمر يعني، الثمرة يبيعها، لكن كيف يزكيها؟ لكن هناك نقطة: أن زراعة هذا النخيل ربما لا تغطي تكلفة المكائن والعمال والكهرباء وغير ذلك، فما القول في هذا؟
الجواب
أولاً نقول: إذا صح ما ذكرته من أن تكلفة هذه المزرعة أكثر من إنتاجها فلنسأل: هل الإنسان يتوقع أن زيادة النفقة ستستمر؟ أو لأنه في إنشائها وبدايتها تكون أكثر؟ إن كان الأول: فإننا نرى ألا يستمر؛ لأن استمراره في هذه الحال يعني إضاعة المال، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال.
أما إذا كان يرجو فيما بعد أن يكون الإنتاج أكثر من الإنفاق فليستمر؛ لأن كل شيء في بدايته يكون صعباً ويحتاج إلى نفقاتٍ كثيرة، ثم إذا استقر صار الإنتاج أكثر، فحينئذٍ نقول: استمر وعليك أن تزكي حتى وإن كان ما أنفقته على هذه المزرعة أكثر من الإنتاج بأضعافٍ مضاعفة، عليك أن تزكي الثمر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرسل السعاة ليقبضوا الزكاة من أصحاب المواشي وأصحاب الثمار دون أن يسألهم: هل عليكم ديون تقابل هذا أو لا؟ ولأن حاجة الفقير وطمع الفقير يتعلق بما يشاهد ويظهر فلا يمكن أن تمنع زكاة فعليه الزكاة، لكن كيف يزكي؟ نقول أولاً: زكِ هذا الثمر زكاة ثمار، والواجب في زكاة الثمار إما العشر إن كان يسقى بلا مئونة، وإما نصف العشر، فإذا زكيت هذا عند حصاده وأخذت الدراهم فزكِ هذه الدراهم إذا حال عليها الحول، وفي الدراهم ربع العشر.
السائل: لكن النقطة الثانية أنه قديم بحوالي خمس عشرة سنة، لكن ليس دائماً أحياناً يربح قليلاً وأحياناً يتقابل.
الشيخ: ليس لنا تعلق في ربحه أو خسارته، هذه ثمار أخرجها الله لك وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة:267] فليزكِ، فإذا قال: أنا لم أزك فيما مضى ولا أدري، نقول: الأمر واسع والحمد لله تحر وحاسب نفسك محاسبة دقيقة وإذا زدت فهو خيرٌ لك.
السائل: هل أزكي عن السابق؟! الشيخ: نعم.
زكِ عن السابق، إن كان واجباً عليك فقد أديته، وإن كان زائداً على الواجب فهو خير.(175/8)
حكم من نشزت عن زوجها بسبب تحريش الإخوان بينهما
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل متزوج بامرأة منذ ثلاثين سنة وله منها بنين وبنات، ومنذ خمس سنوات تدخل إخوتها في حياتهما الزوجية فخببوها على زوجها حتى خرجت عن طاعته، وانقطعت عن معاشرته الزوجية، حتى أنها صارت تحتجب عنه ولا تظهر عليه ولا تكلمه، وحاول أهل الخير استجلاء السبب منها، فكان جوابها: أن هذا أمر خاص بها، وبقيت منفصلة عنه حتى الآن، فبماذا تنصحوها لعل الله أن يهديها؟ حفظكم الله، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
أولاً: أرجو ألا يكون ما سمعته حقيقة من أن إخوانها خببوها على زوجها؛ لأن تخبيب المرأة على زوجها من أكبر الآثام -والعياذ بالله- وصاحبه معرضٌ لمقت الله وغضب الله، فالواجب عليهم إن كان حقاً أن يتوبوا إلى الله، وأن يحببوا المرأة إلى زوجها بدلاً من أن يخببوها عليه، وينصحوها، ويذكروا محاسن الزوج، ويبينوا لها عقوبة المرأة إذا نشزت، هذا أولاً.
ثانياً: بالنسبة للمرأة أنصحها أن تعود إلى بيتها وإلى طاعتها، وأبلغها ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح، وكان الذي في السماء عليها ساخط) فلترجع إلى زوجها وتدخل بيت الطاعة.
أما بالنسبة لزوجها فلا أدري هل هناك سبب منه يقتضي أن تنفر منه أم لا؟ فإن كان كذلك فالواجب عليه أن يعاملها ويعتذر إليها مما جرى منه، وإن لم يكن منه سبب فالواجب عليها هي أن تعود، ويا حبذا لو يتدخل أحدٌ من أهل الخير في الإصلاح بينهما.(175/9)
حكم العودة إلى التشهد الأول بعد السهو والقيام إلى الركعة الثالثة
السؤال
إمام سها في صلاة الفريضة -في رمضان- حيث قام إلى الركعة الثالثة قبل أن يجلس للتشهد الأول هذا أولاً، ونبهه بعض المأمومين فجلس فلما انتهت الصلاة قال له بعض المأمومين: لماذا جلست بعد أن انتصبت قائماً، فاحتج أن النساء خلف المصلين لا يرونه مثلاً يعني: في مبنى منعزل عن المأمومين ما يرونهم، فقال: يخشى أن يحدث ارتباك بين النساء ومتابعة الإمام، ما الحكم؟
الجواب
أولاً: يجب أن نعلم أن من قام عن التشهد الأول سواء في رمضان أو في غير رمضان حتى انتصب قائماً فإنه لا يجوز أن يرجع؛ لأنه انتقل إلى الركن الذي يليه، فليستمر في صلاته ثم يسجد للسهو قبل السلام.
وذلك يجب سواء كان إماماً أو منفرداً، أما المأموم فيجب أن يتابع إمامه، وأما إذا قام إلى زائدة كما لو قام إلى خامسة في العشاء أو الظهر أو العصر أو رابعة في المغرب أو ثالثة في الفجر فعليه أن يرجع متى ذكر، حتى لو كان قد قرأ الفاتحة حتى لو كان في الركوع يجب أن يرجع ويجلس ويتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو بعد السلام، ولا ينظر إلى أحد ولا يبالي بأحد، فهذا الإمام الذي سها عن التشهد الأول في صلاة العشاء حتى قام ثم نبه فرجع واحتج: بأنه يخشى أن يرتبك النساء، تأول لا شك، ومن أجل تأوله هذا نقول: إن صلاته صحيحة، ولكن نخبره بأن هذا التأول غير صحيح، وكان عليه أن يبقى في قيامه وبإمكانه أن يجهر بعض الشيء في قراءة الفاتحة، فإذا جهر في قراءة الفاتحة عرف النساء أنه قد قام وزال الإشكال، والجهر في هذه الحال للمصلحة لا بأس به، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام أحياناً يجهر بالآية في الصلاة السرية، فكذلك هنا نقول: اجهر في هذه الركعة الثالثة وإن كانت قراءتها سراً الأفضل لكن هنا من أجل الحاجة، فبلغ الإمام بهذا حتى لا يتكرر منه ذلك.(175/10)
كيفية تشميت من عطس للمرة الرابعة
السؤال
بالنسبة للعطس إذا عطس في المرة الرابعة ثم شمته أخوه بقوله: عافاك الله أو شافاك الله، فبماذا يرد عليه؟
الجواب
العاطس إذا عطس أول مرة تقول: يرحمك الله، ويجيب بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم، والثانية مثلها، والثالثة مثلها، وفي الرابعة إذا كان قد شمته ثلاثاً من قبل فإنه يقول: عافاك الله إنك مزكوم، ولكن ماذا يقول العاطس؟ نقول قياساً على التحية حيث قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] أن يقول العاطس: عافاك الله، أو: وإياك، أو: لك مثله.(175/11)
نصيحة إلى شباب منعزلين في بيوت خربة يرتكبون المنكرات
السؤال
فضيلة الشيخ! يوجد عندنا مجموعة من الشباب يسكنون في البيوت الخربة القديمة، وبعد زيارة مجموعة من هؤلاء الشباب وجدنا عندهم مجموعة من المنكرات، وهذه وللأسف الشديد ظاهرة قد تفشت في كثيرٍ من البلدان والمجتمعات، وجدنا مجموعة من هؤلاء الشباب يجلسون عند الدشوش، والبعض منهم يلعب بالورق، وفي عموم الكلام أنهم يشغلون أوقاتهم فيما لا فائدة فيه، وبعد زيارتهم تمنوا أن يسمعوا منكم كلاماً حول هذا الموضوع ونصيحة، ولعلنا من خلال ذلك أن نوصل هذا الشريط إليهم ولعل هذا الشريط يكون سبباً في هدايتهم وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
أولاً: لماذا اختاروا هذه البيوت الخربة القديمة؟ السائل: حتى يكونوا بعيدين عن الأحياء الجديدة وعن الناس.
الشيخ: هل هي في أطراف البلاد؟ السائل: إنها بيوتنا التي كنا نسكن فيها قديماً نحن وأجدادنا.
الشيخ: إذاً! داخل البلد.
أما الجواب عما ذكرت: فالحقيقة أن الشاب مع الأسف الشديد أصبح في فراغٍ تام، وأنت تعرف أن الفراغ من أعظم ما يكون سبباً للفساد كما قال الشاعر الحكيم:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
فالذي ينبغي لهؤلاء الشباب أن يغتنموا أوقات شبابهم فيما يرضي الله عز وجل، إما بطلب علم، أو مذاكرة فيما بينهم، أو قراءة التفسير أو الحديث أو ما ينفع من الكتب المؤلفة، وأن يتجنبوا القيل والقال والغيبة والكلام البذيء ووصف النساء وما أشبه ذلك, وعليهم أيضاً أن يتجنبوا هذه المغريات التي تنشر في الفيديو أو في الدشوش أو في التلفزيون؛ لأنها -والله- السم النقاع الذي يفتك بخلق المرء أولاً، ثم بعقيدته ثانياً؛ لأنه إذا فسد الخلق فسد كل شيء، ولهذا قال الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] منهج سيئ، لا لمجرد الزنا ونيل الشهوة فقط، بل لأنه يحدث في قلب المرء انصراف عن الله تبارك وتعالى، واتجاهاً إلى أسباب سخطه وغضبه.
فنصيحتي لهؤلاء الشباب ألا يضيعوا شبابهم في مثل هذه الأمور المحرمة، وأن يفكر كل واحدٍ منهم ساعة من الزمن لماذا خلقت؟ وهل الدنيا مجرد لذات وشهوات؟ ثم ليقس نفسه حتى يعرف أن قلبه في وحشة، وأن هذا السرور بهذا اللهو ما هو إلا سرورٌ بدنيٌ ظاهريٌ فقط، لكن سرور القلب بذكر الله تعالى ومحبته وخوفه ورجائه هذا هو السرور الحقيقي فليفكر، ثم إن على هذا الشاب أن يتجنب مثل هؤلاء الأصحاب؛ فإن هؤلاء الأصحاب كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم جلساء السوء: (ومثل جليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه رائحة كريهة) فعلى الغيورين على أنفسهم الناصحين لهم أن يتجنبوا مصاحبة هؤلاء الأشرار، ونسأل الله السلامة.
ثم على أهليهم من أبٍ أو أخٍ كبير أو عم ملاحظتهم والتعرف على أحوالهم ومنعهم من خلطاء السوء؛ لأن كل رجلٍ راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته.
السائل: يا شيخ! لو يقترح على ولاة الأمر -وفقهم الله في هذه البلاد- ألا يؤجر هؤلاء إلا بموافقة ولي الأمر.
الشيخ: ولي أمرهم أو ولي الأمر العام؟ السائل نفسه: لا ولي الأمر العام قصدي لا يؤجر حتى يوافق ولي الأمر على هذا الشاب؛ لأن -يا شيخ- الغالب من يؤجر الآن أعمارهم خمس عشرة سنة وعشرين سنة! صغار في السن.
الشيخ: لا شك أن هذا من أسباب درء هذه المفسدة، وطريق سليم لمنعها.(175/12)
طلب الطلاق من رجل زال عقله وحكم طلاق المجنون
السؤال
ما حال المرأة التي زال عقل زوجها وهي في عصمته هل تطلق أم ماذا؟ وهل إذا طلق هو هل يثبت طلاقه؟
الجواب
إذا جن زوج المرأة فلها الخيار إن شاءت أن تبقى معه، وإن شاءت طلبت الفسخ من القاضي وينظر القاضي في قضيتها، وإذا أمكن أن تصبر عليه وتحتسب الأجر إذا لم يكن عليها ضرر ولا خوف من الرجل الذي جن فهو أفضل وأولى.
أما طلاق المجنون فلا يقع؛ لأنه ليس له قصد.(175/13)
حكم الإحرام من غير ميقات أهل البلد
السؤال
فضيلة الشيخ: بعض أهل بلادنا ذهبوا إلى العمرة والمفروض الميقات في يلملم في الطائرة، ولكنهم أحرموا في جدة، وبعضهم أحرموا في التنعيم، وقال: لأني أبحث عن فندق وغير ذلك من المشاغل، هل هذا جائز أم لا؟
الجواب
إذا أحرم الإنسان لحجٍ أو عمرة من غير الميقات الذي عينه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالإحرام لازم وصحيح والحج والعمرة صحيحان، لكن العلماء يقولون: إن إيقاع الإحرام من الميقات من واجبات الحج أو العمرة، وأن من ترك واجباً من واجبات الحج أو العمرة فعليه فدية يفدي بها ليجبر هذا النقص تذبح في مكة وتوزع على الفقراء ولا يأكل منها شيئاً، ثم إن لم يستطع فبعضهم قال: يصوم عشرة أيام، وبعضهم قال: لا شيء عليه، والصحيح: أنه لا شيء عليه إذا لم يستطع؛ لأنه ليس هناك دليل صحيح على أن من عجز عن فدية ترك الواجب أن يصوم عشرة أيام.
السائل: هل ذلك في العمرة فقط؟ الشيخ: العمرة والحج سواء فيها.(175/14)
وقت التكبير للسجود
السؤال
يا شيخ! أحسن الله إليكم: ما هي صفة التكبير للسجود هل هي من حين القيام أم حين يهوي إلى السجود؟
الجواب
التكبير للسجود من حين ما يهوي ويكملها قبل أن يصل إلى الأرض، وكذلك كل تكبيرات الانتقال الأفضل أن تكون بين الركنين سواء كيفية الركوع أو السجود أو القيام للسجود لا يبدأ قبل ولا ينهي بعد، يحرص على هذا، لكن لا يبدأ قبل، يبدأ من حين ينتقل، ثم إن تمكن من إكمال التكبير قبل أن يصل إلى الركن الذي يليه وإلا فلا بأس أن يكمله بعد الوصول إلى الركن الذي يليه.(175/15)
حكم من دخل بنية العشاء وهو يريد الجمع بين المغرب والعشاء للسفر
السؤال
أحسن الله إليكم يا شيخ! مسافر يريد أن يجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير، لكنه حين الدخول في الصلاة نسي فدخل بنية العشاء؟ الشيخ: دخل المغرب يعني؟ السائل: إي نعم! ولما كان في الركعة الثالثة تذكر أنه في المغرب، وهل يضره؟
الجواب
أقول: لا تصح صلاة المغرب؛ لأنه نوى بها العشاء، فلو انتقل بعد أن ذكر أنه يصلي المغرب أنه يريد المغرب وجعلها مغرباً ما صحت، إذاً: لا تصح المغرب الآن؛ لأنه لم ينوها من أولها، ولا تصح العشاء لأنه انتقل منها، أي أبطلها، فعليه إعادة المغرب أولاً ثم العشاء.(175/16)
حكم المراسلة والاتصال بمن قد عقد عليها
السؤال
شخص تزوج بامرأة صغيرة قبل بلوغ سن الرشد، وشرط عليه أهلها أنه لا يطلب العرس حتى تبلغ.
الشيخ: يعني يؤجل الدخول؟ السائل: نعم، ولكنه استعجل ويتصل برسائل ويرسل صوراً شخصية لهذه الفتاة، فهل يجوز له هذا التصرف؟ الشيخ: بعد أن تم العقد؟ السائل: إي! بعد أن تم العقد.
الشيخ: لا بأس إذا عقد الإنسان على المرأة فهو زوجها، له أن يكلمها في الهاتف، وله أن يرسل إليها الرسائل، أما مسألة الصور ينبني على جواز تصوير هل يجوز أو لا يجوز، وأرى أنه لا يرسل الصور؛ لأنها قد رأت صورته بالأول وهو رأى صورتها بالأول فلا حاجة، اللهم إلا أن يصاب بحريق ويتغير وجهه ويرسل إليها الصورة يقول: لا تخافي الوجه لم يتغير، فهذا حاجة، وإلا فلا حاجة.
بقي أن يقال: هل له ألا يتصل بها، وقد شرط عليه ألا يدخل عليها إلا بعد سنة أو سنتين؟ الشيخ: الذي يظهر لي: أنه لا بأس أن يتصل بها لكن بدون جماع؛ لأنها زوجته، فإذا اتصل بها وتمتع بالجلوس معها وتقبيلها فلا بأس، لكن الجماع لا يجاب؛ لأن الجماع فيه خطر ويؤدي إلى سوء الظن، قد تحمل من هذا الجماع وتلد قبل وقت الدخول المحدد فتتهم المرأة، ولو صاح بأعلى صوته: أنه هو الذي جامعها وهذا الولد منه، لكان لا يقبل من الناس ولا يصدقون.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، ونسأل الله تعالى أن ينفع به.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(175/17)
لقاء الباب المفتوح [176]
في هذا اللقاء تحدث الشيخ عن تفسير آيات من سورة النجم، تتحدث عن الذي يعطي قليلاً ويتولى ويعرض عن أوامر الله بم يرى أنه لو بعث يوم القيامة لأعطي عطاءً كثيراً، ثم انتقل إلى قوله تعالى: (ولا تزروا وازرة وزر أخرى) وبين فيها هل يصح إهداء الأعمال إلى الأموات؟ وبعد ذلك أجاب على كثير من الأسئلة.(176/1)
تفسير آيات من سورة النجم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والسبعون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو السابع من شهر ذي القعدة عام 1418هـ أسأل الله تعالى أن يجعلها لقاءات مباركة نافعة.
في هذا اللقاء كالعادة نبدأ بتفسير شيء من كلام الله عز وجل.(176/2)
تفسير قوله تعالى: (أفرأيت الذي تولى)
قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى * وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى * أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} [النجم:33-35] إلى آخره.
الخطاب في قوله: (أفرأيت) للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويجوز أن يراد به كل من يتوجه إليه الخطاب، فيكون المعنى على الأول: أفرأيت يا محمد، وعلى القول الثاني يكون المعنى: أفرأيت أيها المخاطب.
(الذي تولى) أي: تولى عن طاعة الله عز وجل، ولم يؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولم ينفق ما أمر بإنفاقه: {وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى} [النجم:34] أحياناً يعطي، وإذا أعطى أعطى قليلاً، وأحياناً يكدي أي: يمنع، فلا يعطي شيئاً؛ لأنه لا ينفق المال ابتغاء وجه الله، فلذلك كانت حاله بين أمرين: إما المنع، وإما الإعطاء قليلاً.
قالوا: (وأكدى) مأخوذة من الكدية: وهي الصخرة الشديدة التي لا تتفتت إلا بالمعاول، هذا الذي أعطى قليلاً وأكدى يزعم أنه إذا بعث فإنه سوف يعطي المال الكثير، وهكذا عادة من ينكر البعث كما في صاحب الجنة الذي قال: {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً} [الكهف:36] فهو يظن أنه سوف يمتع في الدنيا ثم يمتع في الآخرة أكثر وأكثر إن كان آمن بها.
قال الله تعالى: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} [النجم:35] هذا الاستفهام إنكاري بمعنى النفي، أي: ليس عنده علم الغيب فهو يرى أنه سينتقل إلى دارٍ أفضل من داره التي هو فيها، وعلى هذا فتكون الجملة جملة نفي، ولا جملة إثبات وليست جملة استخبار، بل هي جملة نفيٍ وإنكار، إذ لا أحد عنده علم الغيب، ولولا ما أخبرنا الله به من النعيم لأهل الجنة والجحيم لأهل النار ما علمنا عن ذلك شيئاً.(176/3)
تفسير قوله تعالى: (أم لم ينبأ بما في صحف موسى)
قال تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:36-37] (أم) هنا للإطراق، والمعنى: بل لم ينبأ بما في صحف موسى، {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:37] ذكر موسى؛ لأن موسى أفضل أنبياء بني إسرائيل، والتوراة هي الكتاب التي عليها عمدة ما نزل على بني إسرائيل، صحف إبراهيم صحف أنزلها الله تعالى على إبراهيم فيها المواعظ والأحكام لكنه لم يبين لنا منها شيء، سوى أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان على التوحيد وعلى الملة المستقيمة، كما قال الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل:120-121] .(176/4)
تفسير قوله تعالى: (ألا تزر وازرة وزر أخرى)
والذي في هذه الصحف قال: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم:38] هذه بيان، أي: ما في صحف إبراهيم وموسى ألا تزر، وقوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:37] أي: وفى ما أمر به، ومن أعظم ما وفاه أنه أمر بذبح ابنه فامتثل لأمر الله عز وجل، وصمم على تنفيذه، حتى إنه تله على جبينه ليمر السكين على رقبته ولكن الفرج جاء من عند الله.
وفي قوله تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:38-39] (ألا تزر) أي: لا تحمل، (وازرة) أي: آثمة، وزر أخرى أي: إثم أخرى، يعني: أن الإنسان لا يحمل ذنب غيره، إلا أنه استثنى من ذلك إذا كان صاحب سنة آثمة فإن عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، ولكن الحقيقة أن هذا لم يتحمل وزر غيره؛ لأن غيره قد وزر وأثم لكنه تحمل إثم السنة، والبدء بالشر، فيكون حقيقة أنه لم يوزر وزر غيره، ولكنه وزر بوزر نفسه، {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم:38] وقد كذب الله تعالى قول الذين كفروا للذين آمنوا: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت:12] فقال الله تعالى: {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ} [العنكبوت:12] حتى لو قال لك القائل: افعل هذا الذنب والإثم علي، فإنه لا يتمكن من هذا: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم:38] ولا يمكن أن يتمكن من هذا، فإن فعل الذي قيل له: افعل هذا والإثم عليَّ، فالإثم على الفاعل، ثم إن كان الفاعل ممن يغتر بالقول ولا يفهم فعلى القائل إثم التغرير، أي: أنه غرره وخدعه: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] أي: ليس للإنسان من الثواب إلا ثواب ما سعى -أي: ما عمل- فلا يمكن أن يعطى من ثواب غيره، لا يمكن أن نأخذ من أجر زيد ونعطيه عمراً أبداً، كما أنه لا يمكن أن نأخذ من سيئات زيد ونضيفها إلى سيئات عمرو، هذا لا يمكن، فصار الإنسان مرتهناً بكسبه: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21] ، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38] لا يمكن أن يؤخذ من حسناته لغيره، ولا أن يؤخذ من أوزار غيره فيحمل عليه.(176/5)
تفسير قوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)
يقول تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] وقد استدل بعض أهل العلم: على أنه لا يمكن أن ينتفع الميت بثواب عمل غيره؛ لأن الله قال: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] وعلى هذا فلو أنك صليت ركعتين لزيد وهو ميت، أو صمت يوماً لزيد وهو ميت فإنه لا ينفعه، لعموم قوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] .
فإذا ورد عليهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيامٌ صام عنه وليه) قالوا: هذا في الواجب؛ لأنه قال: (وعليه صيام) وليس بالتطوع.
وإذا أورد عليهم أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إن امرأتي تلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم) قالوا: هذا مستثنى بالنص، وليس لنا أن نرد النص، والعام يجوز تخصيص أفراده بحكمٍ مخالف.
وإذا أورد عليهم قول سعد بن عبادة -رضي الله عنه- في مخرافه -أي: في نخله الذي يخرف- إنه يريد أن يجعله صدقة لأمه، فأجازه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قالوا: هذا ورد به النص، وما ورد به النص فإنه لا يمكن أن يرد؛ لأن نصوص الشريعة الإسلامية جاءت بتخصيص العام، أي: بإخراج بعض أفراد العام فيحكم له بحكمٍ مخالفٍ لحكم العام.
وعلى هذا فنقول: لا يمكن أن ينتفع الإنسان بعمل غيره حياً كان أو ميتاً إلا ما وردت به السنة، ولا شك أن هذا القول له وجهة نظر قوية، لكن الإمام أحمد رحمه الله قال: أي قربة فعلها وجعل ثوابها لميت أو حي من المسلمين فإن ذلك ينفعه، وقال: إن الذي وقع قضايا أعيان، بمعنى: أن الرجل حصلت له حادثة فسأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فأجازه، ما هي القضية العينية؟ الرجل الذي قال: أتصدق عن أمي، وسعد بن عبادة، قال: هؤلاء سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام فأجاز ذلك، فإذا أجاز الرسول عليه الصلاة والسلام جنس العبادات ولو كانت مالية دل ذلك على جواز جميع العبادات.
وقالوا أيضاً: الصيام ليس عبادة مالية، ومع ذلك قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) .
وإذا أجيب بأن هذا في الواجب والواجب متحتم فهو كالدين والدين إذا قضاه الغير عن المدين أجزأ.
وعلى كل حال، حتى لو قلنا بما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله: من أن أي قربة فعلها الإنسان وجعلها لمسلم، فإن ما عليه عمل الناس اليوم مخالفٌ لهدي السلف، إذ أن الناس اليوم تجدهم يهدون كثيراً من الأعمال الصالحة للأموات، يعتمر للميت دائماً، يصوم عنه تطوعاً دائماً، يضحي عنه دائماً ولا يضحي عن نفسه، كل هذا ليس من عمل السلف، السلف يهتدون بهدي الرسول عليه الصلاة والسلام، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم العام هو أنه قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له) أكثر من الدعاء للميت، لكن كونك كلما سبحت: اللهم اجعل ثوابه لأبي أو لأمي، كلما اعتمرت قلت: اللهم اجعل ثوابه لأبي أو أمي أو جدي أو خالي أو عمي، هذا غير صحيح.
أنت محتاج إلى العمل كما أنهم محتاجون للعمل، فلا تجعل عملك لهم، اجعل لهم ما أرشدك إليه الرسول عليه الصلاة والسلام وهو الدعاء، أما العمل فخص به نفسك.(176/6)
تفسير قوله تعالى: (وأن سعيه سوف يرى)
قال تعالى: {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} [النجم:40] هل المراد ثواب السعي يرى في الآخرة عند الجزاء، أو أن السعي نفسه يرى في الدنيا ويعرف؟
الجواب
أن هذا عام، سوف يرى في الدنيا وسوف يرى في الآخرة؛ الذي يرى في الآخرة هو الثواب، وفي الدنيا هو نفس العمل، ولهذا قال الله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105] يعني: عملكم لن يخفى على من في وقتكم، سيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.
وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى أن بعض الناس إذا عمل عملاً كمكتبة أو مسجد أو عمارة للفقراء أو ما أشبه ذلك كتب: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105] وهذا لا يجوز؛ لأن أحد الأطراف الثلاثة لا يمكن أن يراه، من هو؟ الرسول عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يرى هذا العمل، صحيح أن الله عز وجل يرى، والمؤمنون في هذا الوقت يرون، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يرى، ثم هذا في المنافقين وهو تهديدٌ لهم وليس ثناءً عليهم، فعلى كل حال نقول: سعي الإنسان سوف يرى، ولكن قد يستر الله تبارك وتعالى على العبد ذنوبه، فضلاً منه ومنة، وإذا لقاه في الآخرة خلا به سبحانه وتعالى وقرره بذنوبه، وقال: (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) لكن في الأصل أن سعي الإنسان سوف يرى: {ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم:41] أي: بعد أن يرى يجزى عليه (الجزاء الأوفى) أي: الأكمل، والأوفى في الصالح زيادة المثوبة، والأوفى في السيئ العدل بحيث لا يزاد في سيئاته، وعلى هذا فالأوفى يفسر بمعنيين: العدل، والزيادة.
العدل في السيئة: لا يمكن أن يزاد سيئة واحدة، الفضل في الحسنات: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرة، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم.(176/7)
الأسئلة(176/8)
إقامة الصف من تمام الصلاة
السؤال
شخص في أحد المساجد لا يقيم الصف، وإذا قيل له: لماذا لا تقيم الصف؟ قال: لا أستطيع القيام، فهو يجعل رجله على الفرشة يقول: إنه يتمسك فيها، وقيل له: اجلس، قال: لا، فأي شيء أفضل له: الجلوس أو عدم إقامة الصف؟ الشيخ: القيام وإلا عدم إقامة الصف؟ السائل: مع الوعيد الشديد في عدم إقامة الصف.
الشيخ: لكني أشك في صدق كلامه، أي فرقٍ بين أن يحاذي الناس أو يتأخر؟ السائل: لا في الفرش فرشة المساجد يقول: الحد هذا يجعل آخر رجله عليها ويتمسك، هذا الذي يقوله.
الشيخ: الظاهر أن هذا لدفع الخصومة عن نفسه فقط، وإلا لا فرق ما الذي ماسكه؟ لأن الحد ما هو بكبير حتى نقول: يمسك؛ ليس علوه حتى يدخل عقبه به ويمسكه.
السائل: هو بين الثلاثين والأربعين وهو إنسان متدين وملتزم.
الشيخ: قل له: لا بد أن يساوي الناس ولا يتحمل، وإذا كان لا يمكن فليعتمد على عصا.
السائل: لكن لا يجلس؟ الشيخ: لا، لا يجلس؛ لأن القيام ركن، لا يجلس لكن لا يخالف المسلمين، أنا لولا أني أتهيب لقلت: لا يأتي للمسجد، ما دام أنه لا يستطيع إلا مخالفة الصف فلا يأتي المسجد؛ لأن هذا يخل بالجماعة، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (تسوية الصف من تمام الصلاة) معناه: أنه إذا خل شخص بتسوية الصف كل الجماعة اختلت صلاتهم، فلذلك أكد عليه، قل له: إن محمداً يقول: لا بد أن يجيء إلى المسجد ولو يعتمد على العصا إذا قام.(176/9)
حكم عمل مجسم للكعبة والمشاعر وتطبيق الحج عملياً عليها عند الشرح للطلاب
السؤال
فضيلة الشيخ: هناك بعض المدرسين يشرح للطلاب صفة الحج والعمرة، ولكنه يقول: لا يستوعبون استيعاباً جيداً، فهل يجوز أن أجعل في المدرسة مثلاً مجسماً للكعبة والمشاعر حتى يطبقون ذلك تطبيقاً عملياً؟
الجواب
قل له: لا بأس بشرط أن يحرم هو أيضاً ويلبس ثياب الإحرام وإذا طاف بهذا المجسم يطبع في الطواف ويرمي في الأشواط الثلاثة الأولى ويجعل حوله مقاماً يقول: هذا مقام إبراهيم، وايش الكلام هذا؟! هذا لا ينبغي إطلاقاً، يستطيع أن يرسم في السبورة مربعاً -صورة الكعبة- ويقول: تطوف عليه هكذا، أما أن يجعل مجسماً فهذا في ظني أنه سيجعل العبادات مجرد طقوس وحركات فقط، ما لها أي تأثير في القلب.(176/10)
حكم قبول المدرس لهدية الطالب أو الإجابة إلى وليمته
السؤال
فضيلة الشيخ: هل يجوز للمعلم أن يقبل هدية من طالبه؟ وهل يجوز أن يذهب إلى وليمة أعدها هذا الطالب خاصة من أجل معلمه؟
الجواب
أما الهدية فلا يجوز أن يقبلها؛ لأن الهدية يملكها، أما أن يجيب الدعوة فلا بأس؛ لأن إجابة الدعوة لا يملك الإنسان فيها الطعام الذي يأكله.
السائل: خاصة من أجل هذا المعلم.
الشيخ: ولو كان لا بأس بها، ولهذا أجاز العلماء للقاضي أن يجيب الدعوة ومنعوه أن يقبل الهدية وهذا مثله.
لكن ينبغي للمعلم إرفاقاً بالطلاب ألا يجيب الدعوة؛ لأنه إذا أجاب الدعوة لهذا ذهب الطالب الآخر يدعوه وربما يكون حاله ضعيفاً ويتكلف، فالأولى له سد الباب.(176/11)
طهورية الكحول والخمر
السؤال
فضيلة الشيخ -عفا الله عنك- العطورات بالنسبة للكحول فإن ثبت ذلك فهل يضعها على ملابسه فيخرج للصلاة؟
الجواب
لتعلم أن الخمر الخالص ليس بنجس، ولا يجب غسل الثياب منه ولا الأبدان، فإذا فهمت ذلك علمت أن العطورات التي فيها الكحول ولو كانت نسبتها كبيرة ليست بنجسة.
قل لي: ما الدليل على أنها ليست بنجسة؟ لأن المشهور عند الناس الآن أن الخمر نجس نجاسة عينية كالبول والغائط.
أولاً: أقول لك: الدليل عدم الدليل؛ أنه لا دليل على نجاسة الخمر والأصل الطهارة، ولا يلزم من المحرم أن يكون نجساً، فهذا السم محرم وليس بنجس، هذا الدخان يدخنه كثير من الناس محرم وليس بنجس، فلا يلزم من التحريم النجاسة، ويلزم من النجاسة التحريم.
إذاً نقول: الدليل أنه لا دليل على نجاسة الخمر.
ثانياً: هناك دليل على طهارة الخمر غير الأصل وهو أن الصحابة رضي الله عنهم لما حرمت الخمر أراقوها في الأسواق ولو كانت نجسة ما أقرهم الرسول عليه الصلاة والسلام على ذلك؛ لأنه لا يجوز أن تلوث أسواق المسلمين بالنجاسة.
ثالثاً: لما حرمت وأراقوها ما غسلوا أوانيهم منها، ولما حرمت الحمر في خيبر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بغسل الأواني.
رابعاً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أهدى إليه رجل راوية خمر -يعني: قربة كبيرة مملوءة من الخمر- أهداها للرسول عليه الصلاة والسلام إكراماً له، وهو لا يعلم أنها حرمت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها حرمت، فساره رجل -كلم الرجل صاحب الراوية رجل قال له: بعها- فقال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: بما ساررته؟ قال: قلت: بعها، قال: إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، ففتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر بحضرة الرسول عليه الصلاة والسلام) ولم ينهه عن ذلك، ولم يأمره بغسل الراوية، وهذا دليل واضح، والمسألة ليس فيها إجماع على نجاسة الخمر بل فيها خلاف حتى في التابعين.(176/12)
إنابة المؤذن غيره بدون إذن ولي الأمر
السؤال
بالنسبة لشخص إذا كلفه أبوه بالأذان نيابة عنه، سواء كان حاضراً أو مسافراً، هل الشخص يطيع أباه في الأذان، أم أنه يجعل أباه يؤذن عن نفسه؟
الجواب
إذا كان لعذر فلا بأس، أما إذا كان لغير عذر وصار الأب يذهب ويروح ويجيء ويستريح في بيته ولا يؤذن وكلف الابن فلا بد من إبلاغ الجهات المسئولة.
السائل: نفس الشخص؟ الشيخ: أقول: لا بد أن يبلغ يقول: أنا الآن وكلت ابني يؤذن عني جميع أوقات الأذان، فإذا أذن له فلا بأس.
السائل: هذا الطالب جاء يسألني هذا السؤال قال: أؤذن عن أبي أم لا؟ الشيخ: قل له هذا الكلام، إن كان لعذر مثل إن كان أبوه مريضاً أو مسافراً أو غير موجود لسبب معين فلا بأس به ولا إشكال، أما أن يجعله يؤذن عنه دائماً فلا بد من استئذان ولاة الأمور.
السائل: إذا كان أحياناً؟ الشيخ: إذا كان أحياناً لا بأس به.(176/13)
كلمة في أسباب انتشار التبرج والسفور
السؤال
فضيلة الشيخ: انتشر في الآونة الأخيرة كثرة ارتداء بعض النساء النقاب وبعض البنطلونات وغيرها على مرأى من أولياء أمورهن، فحبذا لو تقدم توجيهاً لخطورة هذا؟
الجواب
والله -يا أخي- لا شك أن النساء الآن بدأت تتوسع في اللباس وفي التطيب عند خروجها للسوق، وسبب ذلك أولاً: قلة الدين؛ لأن الدين إذا ضعف قل امتثال الإنسان لأمر الله، وإلا فالقرآن صريح: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] ، {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] ، {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:31] وهذا يدل على أن الثياب في عهد نزول القرآن كانت إلى الكعب؛ لأن الخلاخيل في الساق، وقوله: (ما يخفين) دليل على أن اللباس ستر هذه الخلاخيل.
ثانياً: ضعف الحياء، والحياء من الإيمان، كثيرٌ من النساء نزع منهن الحياء -والعياذ بالله- وصارت لا تبالي، كانت النساء فيما عهدنا التي لم تتزوج لا يمكن أن تخرج السوق، وإذا دعاها أقاربها للبقاء عندهم عندما تخرج لا تخرج إلا قبل طلوع الشمس، ولا ترجع إلى بيتها إلا بعد غروب الشمس، وقبل طلوع الشمس لا أحد منتشر فيما عهدنا، وبعد غروب الشمس أيضاً لا دكاكين ولا غيره، ثم توسعت النساء بما يسمعنه من الوافدات إليهن، وبما يسمعنه من وسائل الإعلام، وبما يمليه سفهاء الرجال.
ومن الأسباب أيضاً: أن أولياء أمورهن لم يتقوا الله تعالى، ولم يراعوا الأمانة التي حملوها، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته) فنسأل الله تعالى الهداية للجميع.
ثم هناك أيضاً شيء آخر: وهو ضعف الرادع (السلطان) لا يوجد رادع من قبل السلطان وولاة الأمور، كنا نعهد أن المرأة إذا أخرجت يديها وكفيها في السوق قام شخص من الناس ينهاها، ورجال الحسبة يصل الأمر بهم إلى حد الضرب، أما الآن فكما ترى نسأل الله أن يقوي الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.(176/14)
حكم الترديد خلف المؤذن والإنسان يصلي
السؤال
ما حكم الترديد خلف المؤذن والإنسان يصلي؟
الجواب
إذا كان الإنسان يصلي فلا يتابع المؤذن؛ لأن في الصلاة شغلاً، والمصلي ليس تابعاً للمؤذن حتى نقول: ينصت كما ينصت لقراءة الإمام، لكن إذا كان سبب الذكر -يعني: لا يشغل- مثل: لو عطس فله أن يحمد الله على القول الراجح، ولو أصابه الوسواس في الصلاة -يعني: الهواجيس- فإنه يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن هذا لا يشغله عن صلاته.(176/15)
أداء صلاة التراويح خلف إمامين في مسجدين مختلفين
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا كان الرجل في رمضان يصلي أول الليل في مسجد وآخر الليل في مسجد هل يكون الأجر مثله؟
الجواب
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف -يعني: في قيام رمضان- كتب له قيام ليله) فإذا صلى مع الإمام الأول ثم صلى مع الثاني لم يصدق عليه أنه صلى مع الإمام حتى ينصرف؛ لأنه جعل قيامه بين رجلين، فيقال له: إما أن تقوم مع هذا من أول الليل إلى آخره، وإما أن يفوتك الأجر.(176/16)
حكم منع الكفار في بلاد المسلمين من الشرب من ماء السبيل وغيره
السؤال
عندنا في المسجد ثلاجة لماء الشرب ويأتي عمال كفار يأخذون من هذا الماء، فهل يحق لنا أن نمنعهم، وأيضاً دورات المياه يأتون يغتسلون يومياً في هذه الدورات، هل لنا أن نمنع هؤلاء الكفار؟
الجواب
لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في كل ذات كبد رطب أجر) لا تمنعهم اتركهم يشربون، ولأن الله تعالى قال في القرآن: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8] .
السائل: هؤلاء يا شيخ أغلبهم هندوس من الهند، وتعلم حالة التشريد للمسلمين الشيخ: لكن ربما هؤلاء لا يرضون بفعل حكومتهم لا تدري.(176/17)
الصور التي تقرب للأبناء كيفية الصلاة والوضوء
السؤال
فضيلة الشيخ: منتشر الآن في المدارس الأهلية لوحات يعملون فيها رسوماً كيف يصلي الولد والبنت، ويأتون بلوحة فيها رسم كيف يركع وكيف يسجد وكيف؟ الشيخ: لكن بالتلوين ما هو يعني؟ السائل: إي نعم.
الشيخ: لا بأس ما فيها شيء.
السائل:.
رسمة.
الشيخ: لا بأس، يعني: مثلاً تصور للطفل كيفية الركوع وكيفية السجود، وكيفية الجلوس.
السائل: نعم.
الشيخ: ليس فيها شيء.(176/18)
جواز التسمي بعزيز ورحيم
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم التسمي بعزيز ورحيم؟
الجواب
لا بأس أن تسمي ابنك عزيزاً أو رحيماً؛ لأن هذا قد وصف به غير الله، قال الله تعالى: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ} [يوسف:51] ، وقال الله تعالى في وصف النبي عليه الصلاة والسلام: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] .
ولا تسميه العزيز إلا على سبيل الوصف، لا ترده اسماً له، لكن تقول: العزيز، على أنه وصل، مثل: السلطان والأمير لا بأس.(176/19)
تفسير (لا إله إلا الله) بأنها لا معبود في السماوات والأرض بحق إلا الله
السؤال
فضيلة الشيخ: هل يجوز أن نقول في تفسير كلمة التوحيد: لا إله إلا الله: لا معبود في السماوات والأرض بحقٍ إلا الله؟ الشيخ: وما المعنى؟ السائل: ألا يكون تعارض بينها وبين قول الله تعالى: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} [الزخرف:85] ؟ الشيخ: ما بينهما داخل، ولهذا أحياناً لا يدخل القرآن بينهما: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا} [النجم:31] يدخل فيها، لكن الأحسن ألا تقيد شيئاً، لا إله إلا الله، أي: لا معبود حقٌ إلا الله، وما أشرت إليه ففي القرآن: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف:84] ، ولم يذكر ما بينهما لأنه داخل.(176/20)
حكم إخراج زكاة المال إلى بلاد أخرى
السؤال
ما حكم إخراج زكاة المال لغير الدولة إذا كان في بلاد أخرى محتاجة هل يجوز؟
الجواب
الأفضل ألا يخرج الإنسان زكاته عن بلاده ما دام أن بلاده فيها مستحقون، هذا هو الأفضل.
السائل: قد يكونوا محتاجين أكثر في بلاد أخرى في مجاعات وغيرها؟ الشيخ: هذا ربما يرخص فيه بشرط: أن تعرف أن هؤلاء الذين يأكلونها مسلمون، وأنه ليس عندهم عقائد باطلة؛ لأن بعض المسلمين وهم مسلمون أكفر من اليهود والنصارى، ألم تعلم أن ممن يدعي الإسلام من يقول: إن الكون شيء واحد؛ الخالق والمخلوق شيء واحد، أهل وحدة والوجود يقولون: إنهم مسلمون، فلا بد من التحري.
لكن الشيء الذي أنهى عنه بشدة مسألة الأضاحي، أنه إذا جاء وقت الأضحية أخرجوا دراهم وأعطوها أناساً يضحون بها في أي بقعةٍ من بقاع الأرض، هذا غلط عظيم؛ لأن الذبح نفسه عبادة، وليس المقصود اللحم: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا} [الحج:37] المقصود التعبد لله، والله تعالى قرن الذبح له بالصلاة، فقال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] ، وأمر أن نأكل منها فكيف تأكل من شيء وهو ليس بين يديك؟ لا يمكن، وأمر أن نذكر اسم الله عليها، كيف تذكر اسم الله على شيءٍ ليس بين يديك؟ ثم إذا أعطيت دراهم يبقى عندك إشكال: أولاً: هل تثق بأن هؤلاء يذبحون الأضحية التي توفرت فيها الشروط؛ قد يذبحون الصغير، رأيناهم في منى قبل أن تأتي المراقبة رأيناهم يذبحون الصغير ليس له إلا عشر، ويؤولون القرآن على هذا يقولون: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] وهذا تيسر لنا، أتأمن هذا؟ - هل تأمن أن يضحوا بسليمة من العيوب؟ لا تأمن.
- هل تأمن أن يضحوا في أيام الأضحية أو تكون الأضاحي عندهم كثيرة وتؤخر بعضها؟ لا تأمن.
- هل تأمن أن الذي يذبحها يصلي؟ لا تأمن.
- هل تأمن أنه يسمي الله؟ كل هذا منتفٍ، فلماذا نخاطر؟ ثم إذا قلنا بهذا واعتاد الناس هذا الشيء خلت البلاد من هذه الشعيرة العظيمة وهي الذبح لله؛ لأن كل إنسان يقول: الحمد لله نعطي ثلاثمائة ريال أو أربع مائة ريال ولا ألوث بيتي بالدم والفرث.
لذلك أرجو منكم -بارك الله فيكم- أن تنهوا الناس نهياً -وليس إرشاداً- أن يعطوا دراهم ليضحى بها في مكان آخر وأن تقول: الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام تفعلها أنت بنفسك تذكر اسم الله عليها تأكل منها وتطعم وتطمئن، ويخفى عنك الذين هناك، الحمد لله الباب واسع، أرسل أنت الدراهم إليهم وضحِ أنت في بلادك، والله تعالى يخلف عليك.(176/21)
عدم مشروعية القول عند قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) استعنا بالله في الصلاة
السؤال
ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صلاة النافلة أنه كان إذا مر بآية وعدٍ سأل الله من فضله، وبآية وعيدٍ استعاذ من النار، فهل يثبت ذلك في الفرض؟ وإذا ثبت في الفرض هل يثبت -مثلاً- في سورة الفاتحة أنه إذا مر الإنسان بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] أن يقول: استعنا بالله وغيرها؟
الجواب
أما النافلة فنعم، في صلاة الليل كان الرسول عليه الصلاة والسلام كما وصف ذلك حذيفة: (إذا مر بآية تسبيحٍ سبح، وبآية رحمة سأل، وبآية عذابٍ تعوذ) وهو سنة في صلاة الليل.
أما الفريضة فلا بأس لكن لا نقول: إنه سنة، وذلك لأن الواصفين لصلاة الرسول عليه الصلاة والسلام الجهرية والسرية لا يذكرون هذا، ولو كان يسكت ليتعوذ أو يسأل أو يسبح لبينوا ذلك، ولهذا لما سكت للاستفتاح سأله أبو هريرة قال: (أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تكون؟) فالفريضة نقول: لا بأس، ولا نستطيع أن نمنع شيئاً هو ذكر ودعاء، لكن نافلة التهجد خاصة نقول: هو سنة.
أما {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فهذه لا تقل: استعنا بالله، لا في الفريضة ولا في النفل، لماذا؟ لأنك الآن تخبر: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] كيف تقول: استعنا بالله؟ معنى: استعنا بالله هو معنى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ، بل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] أفضل من استعنا بالله؛ لأنها تدل على الحصر، والاستمرار بخلاف استعنا بالله.
المهم ألا تقال: استعنا بالله لا في الفريضة ولا في النافلة، لا للإمام ولا للمأموم ولا للمنفرد.(176/22)
حكم من كبر تكبيرة الإحرام قبل الإمام
السؤال
هذا مأموم كبر تكبيرة الإحرام قبل إمامه، ثم استمر بالصلاة وسلم مع الإمام ولكنه كبر تكبيرة الإحرام قبل الإمام؟ الشيخ: عليه أن يعيد الصلاة؛ لأن صلاته لم تنعقد.
السائل: هل تعتبر صلاته منفردة يا شيخ؟ الشيخ: لا.
لأنه نوى الائتمام بهذا الرجل.(176/23)
الصوم ينتهي بغروب الشمس
السؤال
المرأة الطاهر إذا كانت صائمة ودخل المغرب ولم تفطر، فاستمرت ولم تفطر؛ لأنها نائمة، ثم حاضت بعد المغرب ولم تفطر، فهل يعتبر لها صيام هذا اليوم؟ ثم من دخل عليه شيء من المفطرات بعد الغروب ولم يفطر هل يسمى صائماً أو مفطراً؟
الجواب
انظر بارك الله فيك: إذا غابت الشمس انتهى الصيام سواء تناول الإنسان الأكل أو لم يتناوله، فإذا حاضت المرأة بعد غروب الشمس فصومها تام، وإذا أكل بعد غروب الشمس فصومه تام؛ لأن الصوم شرعاً ينتهي بغروب الشمس، قال الله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق، وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) .(176/24)
عدم لزوم تلاصق الكعوب في الصلاة
السؤال
هل يلزم من تسوية الصفوف تلاصق الأقدام بحيث لا تبقى بينها فرج، أم يكفي مجرد المحاذاة؟
الجواب
الواجب المحاذاة، لكن كان الصحابة رضي الله عنهم يلصق أحدهم كعبه بكعب صاحبه ومنكبه بمنكبه تحقيقاً لأمرين: المراصة، والمحاذاة.
وأما ما يفعله بعض المشاهدين الآن من أنه يفرج بين رجليه حتى يمس كعب صاحبه، وأحياناً يعكف رجله حتى يكون الكعب ملاصقاً للكعب، ولكنه قد تكلف في عكف رجله، فهذا لا أصل له من السنة، وهو فهم خاطئ غلط؛ لأننا شاهدناهم يفرجون أرجلهم حتى تتلاصق لكن أكتافهم بينها فرجة، فكأنها أهرام أسفلها واسع وأعلاها ضيق، من أين جاء هذا؟ إذا فهمنا النص يلصق كعبه بكعبه ومنكبه بمنكبه، فهذا ينافي الفعل، ولهذا نحن نحذر إخواننا طلبة العلم الصغار من التسرع في فهم النصوص على خلاف مراد الله ورسوله، ونقول: انظروا العلماء الذين هم أكبر منكم سناً وأقوى منكم فهماً لكتاب الله وسنة رسوله.
السائل: إذا ما تلاصقت الأقدام هذا جائز.
الشيخ: نعم؛ الجواز جائز، لكن لا يكون فرجة، لأنك الآن لو مس المنكب المنكب قد تكون الرجلان مضمومتين بعضها إلى بعض ومتقاربة، وهذا لا يضر.(176/25)
مسألة في قصة ابني آدم الذي قتل أحدهما الآخر
السؤال
حكى الله عن ابن آدم قول الذي قتل أخاه أنه قال: {يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة:31] على أي شيءٍ الندم الذي حصل منه؟
الجواب
الظاهر أنه أصبح من النادمين على قتل أخيه، ويجوز أن يكون على هذا وهذا، لكن كونه مثل هذا الغراب قد يقال: إنه لا ندم عليه؛ لأنه ليس بيده، وقد يقال: إنه ندم عليه لكونه جهل هذا الأمر، إنما الشيء المحقق أنه نادمٌ على قتل أخيه، هذا لا إشكال فيه.
السائل: نادمٌ عليه من جهة أنه قتل أخاه أو نادمٌ عليه لأنه ذنب؟ الشيخ: هذا الله أعلم، هل ندم على أنه ذنب، أو على أنه قتله وتعب به.(176/26)
صحة حديث: (من قام لغني لغناه أقعده الله)
السؤال
هل قول من قام لغنيٍ لغناه أقعده الله يوم القيامة؟
الجواب
هذا حديث غير صحيح.(176/27)
حكم عدم إنكار المنكرات التي اعتادها الناس
السؤال
بعض الناس يرى بعض المنكرات ولا ينكر، كأن يرى من يشرب الدخان أو من يستمع الغناء ويتحسر قلبه لذلك ألماً، ولكن مع هذا لا يتجرأ -غفر الله لنا وله- على أن يقول لصاحب الدخان: اتق الله، ويكلمه بالحكمة والموعظة الحسنة، بل يصمت ويسكت، فهل من توجيه لمثل هؤلاء الإخوان، وهم وللأسف عددٌ لا بأس به، نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق؟
الجواب
على كل حال هو مقصر لكونه لا ينهى عن المنكر، لكن أحياناً يكون هذا المنكر شائعاً، بمعنى: أن كل الذين حوله يشربون الدخان، هل يقف عند كل شخص؟ هذا فيه أولاً شيء من الغضاضة عليه، وفيه شيء من أنهم ربما يسخرون به ويجتمعون عليه ويردون قوله، وفيه أيضاً أنه يفوت مصالح، لكن عليه أنه إذا وجد شخصاً في السوق يمسكه ويقول: يا أخي! هذا لا يجوز، لكن أحياناً إذا رآك الذي يشرب الدخان عرف أنه وقع في منكر واحترمك وأخفاه، هل نقول: هذا يكفي عن نصيحتك إياه؟ ربما نقول: يكفي؛ لأن الرجل عرف أنك تنكر هذا الشيء، ولهذا استحيا منك وأخفاه، وقد يقال: إنه الآن حانت الفرصة إلى أن توجهه وتقول: يا أخي! إذا كنت الآن تستحيي مني فحياؤك من الله أولى، الله أحق أن يستحيا منه، ويكون هذا فرصة لك لتدعوه.
والمهم أن الواجب على الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بقدر ما استطاع: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] .(176/28)
حكم وضع الألوان على القبور لمعرفتها عند الزيارة
السؤال
يا شيخ الآن بعض الناس يعمد عند القبور إلى وضع بعض الألوان عند النصائب، وبعض العلامات كقطعة حديد أو خشب حتى يميز قبر أبيه عن غيره للزيارة مثلاً، فما حكم ذلك يا شيخ؟
الجواب
لا بأس به أن يضع علامة، لكن الطلاء والجص أرى أنه لا يستعملها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجصص القبر، ويكتفي بعلامة إما أن يجعل الوسم وسم القبيلة على هذا، أو يجعل كما قلت: عصا أو حديدة أو ما أشبه ذلك.
السائل: والعصا؟ الشيخ: والله أخشى أن تكون من جنس التجصيص أو أشد، لا سيما العصا الكبيرة؛ لأن بعض الناس يضع كل نصيبة خضراء أو حمراء.(176/29)
حكم صلاة الضحى في السيارة
السائل: هل يجوز أن أصلي الضحى في السيارة وأنا مسافر؟ الشيخ: يجوز في السيارة، لكن السائق يخشى أن يشتغل إما بالسواقة أو بالصلاة.(176/30)
زوجة الأب هل هي عمة؟
السؤال
أبي متزوج امرأة طلقها بعد أن أتت منه ببنت وهي أكبر مني، فهل تكون أم أختي عمتي؟
الجواب
ليست عمتك، الحقيقة أن عمتك هي أخت أبيك، لكنها تكشف لك حتى لو طلقها أبوك.
والحمد لله رب العالمين، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(176/31)
لقاء الباب المفتوح [177]
الحج ركن من أركان الإسلام، لكنه لا يجب إلا بشروط خمسة وردت في مستهل هذه المادة.
وبعدها ورد بيان مفصل لكيفية أداء المناسك.
وفي فقرة الأسئلة فتاوى هامة متعلقة بموضوع الحج، وغيره من المواضيع الشرعية الهامة.(177/1)
شروط وجوب الحج
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو الدرس السابع والسبعون بعد المائة من دروس (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الرابع عشر من شهر ذي القعدة عام (1418هـ) .
نعدل عما كنا نعتاده من تقديم تفسير الآيات إلى ما يحتاج الناس اليوم فيما يتعلق بالمناسك.
فنقول: الحج إلى بيت الله الحرام هو أحد أركان الإسلام، أوجبه الله تعالى على عباده في كتابه، وبين النبي صلى الله عليه وسلم منزلته في الدين، فقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام) .
وأجمع المسلمون على فرضيته، فهو ثابتٌ بالكتاب والسنة والإجماع، فرضه الله تعالى على عباده في السنة التاسعة من الهجرة، وقيل: في العاشرة، وإنما تأخر فرضه -والله أعلم- لأن مكة كانت قبل ذلك -أي: قبل السنة التاسعة- كانت تحت سيطرة المشركين، والمشركون يدخلون من شاءوا ويردون من شاءوا، ولهذا منعوا النبي صلى الله عليه وسلم من إتمام العمرة في غزوة الحديبية، فلم يوجب الله الحج إلا بعد أن خلصت للمسلمين بعد الفتح، ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة؛ لأن الوفود من العرب تكاثروا في هذه السنة بعد فتح مكة، يفدون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لتعلم أمور دينهم، فكان بقاؤه هناك -أي: في المدينة - أيسر لكثيرٍ من العرب، وأفرغ له عليه الصلاة والسلام، ولأن المشركين في السنة التاسعة شاركوا المسلمين في الحج، فاختار الله سبحانه وتعالى أن تكون حجة الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة الخالصة للمسلمين.(177/2)
البلوغ
الحج لا يجب إلا بشروط: البلوغ: وضده الصغر، فالصغير لا يجب عليه الحج، لكن لو حج نفعه، وصار لوليه أجر، ولو شرع فيه -أي: في الحج- وهو صغير ثم تحلل بدون عذرٍ يبيح التحلل للبالغ، فالصحيح: أنه لا شيء عليه؛ لأنه ليس من أهل الوجوب، فإنه قد رفع عنه القلم، فلو أحرم الصبي ثم وجد المضايقة وتحلل، وقال: إنه لا يريد أن يتمم فله ذلك.(177/3)
العقل
العقل: فالمجنون لا حج عليه، ولا يصح منه؛ لأنه لا قصد له، ولا يصح أن ينوي وليه عنه؛ لأن ذلك لم يرد، والأصل في العبادات الحظر حتى يقوم دليل على مشروعيتها، ولكن كيف يتصور هذا أن يكون من أهل الوجوب وهو مجنون؟ بمعنى: كيف يجب عليه الحج في جنونٍ؟ نقول: هذا يمكن بأن يكون هذا المجنون بالغاً ثم يحصل له مال من إرثٍ أو غيره فيكون بذلك قادراً على أن يأتي بالحج، لكن جنونه يمنع وجوبه عليه، فلا يجب عليه، حتى لو مات وهو على جنونه وخلف مالاً كثيراً فإنه لا يجب الحج له منه، لأنه لم يجب عليه أصلاً.(177/4)
مكانة الصيام من ديننا وفرضيته
الإسلام: وضده الكفر، والإسلام شرطٌ لجميع العبادات، ومعنى اشتراط الإسلام: أنه لا يجب على الكافر، ولو حج لم يصح منه؛ لأن من شروط صحة العبادات: الإسلام، ومعنى قولنا: إنه لا يجب على الكافر، أنه لو أسلم بعد أن كان غنياً في حال الكفر ثم افتقر وأسلم بعد ذلك فإنه لا يلزمه الحج؛ لأنه حين استطاعته لم يكن من أهل الوجوب -لم يكن مسلماً- فلا يلزمه الحج، إلا أنه يعاقب عليه في يوم القيامة؛ لأن الكافر على القول الراجح مخاطب بفروع الإسلام، بمعنى: أنه يأثم بتضييعها ولكنه لا يلزم بقضائها لو وجبت في حال كفره؛ لقول الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] .(177/5)
الحرية
الحرية: وضدها الرق، فالرقيق ليس عليه حج؛ لأنه لا مال له، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من باع عبداً له مالٌ فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع) أي: المشتري، وهذا يدل على أن العبد ليس له مال، وإنما ماله لسيده، وحينئذٍ لا يكون مستطيعاً.
فإن قال قائل: لو أن سيده أعطاه مالاً وقال: خذ هذا حج به فهل يلزمه؟ ف
الجواب
ظاهر كلام العلماء أنه لا يلزمه؛ لأنه لا يكون مستطيعاً ببذل غيره له.(177/6)
الاستطاعة
الاستطاعة: بأن يكون الإنسان قادراً بماله وبدنه على أداء الحج، فإن كان عاجزاً بماله قادراً ببدنه لزمه الحج؛ لأنه يستطيع أن يأتي به، كرجل يستطيع أن يمشي إلى مكة وإلى المشاعر مثل أن يكون قريباً من مكة فيلزمه الحج؛ لدخوله في قوله تعالى: ((مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)) [آل عمران:97] .
وإن كان عاجزاً ببدنه قادراً بماله لزمه أن ينيب من يحج عنه؛ لأن هذا قادرٌ بماله فيلزمه أن يقيم من يحج عنه.
أما أن يكون عاجزاً بماله وبدنه فلا حج عليه، حتى لو مات لا يلزم القضاء عنه، كرجل فقير عاجز لا يستطيع أن يحج بنفسه فهذا لا حج عليه، فلو مات لم يجب قضاؤه؛ لأنه لم يجب عليه أصلاً.
فإن كان قادراً بماله عاجزاً ببدنه عجزاً طارئاً يرجى زواله فلينتظر حتى يزول المانع ثم يحج، كالصيام إذا كان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه أطعم، وإن كان مريضاً مرضاً يرجى برؤه انتظر حتى يشفى.(177/7)
وجوب الحج على الفور
إذا تمت الشروط فإنه يجب على الإنسان أن يسعى إلى الحج فوراً بدون تأخير؛ لأن الأصل في الأوامر المبادرة في تنفيذها، إلا إذا وقت الوقت أو علقت بسبب فإنه ينتظر حتى يأتي الوقت ويوجد السبب، وإلا فالأصل المبادرة، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أمر الصحابة أن يحلوا في الحديبية وتأخروا بعض الشيء غضب عليه الصلاة والسلام وهذا يدل على الفورية في الأوامر، ولأنه جاء في الحديث: (من أراد الحج فليتعجل) ، وفي آخره: (فإنه قد تضيع النفقة أو تهلك الراحلة) أو كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فالإنسان لا يدري ما يعرض له، ربما تتوفر له الشروط في هذا العام ولا تتوفر في الأعوام المقبلة، وربما يموت قبل أن يدرك العام المقبل فيبقى الحج في ذمته ديناً قد يبادر الورثة بقضائه وقد يتأخرون.
هذه شروط وجوب الحج، فإذا لم تتم هذه الشروط فلا حرج كما ذكرنا.(177/8)
صفة المناسك كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم
اعلم أن الحج ينبغي للإنسان أن يأتي به على حسب ما فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] ، ولقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] ، ولأن من شرط صحة العبادة الإخلاص والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لتأخذوا عني مناسككم) .(177/9)
أحكام الإحرام
فلنبدأ الآن بذكر الصفة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وهي التمتع، أن يأتي بالعمرة أولاً ثم بالحج ثانياً، فإذا وصل إلى الميقات اغتسل وتجرد من الثياب المعروفة ليلبس ثياباً خاصة بالإحرام وهي الإزار والرداء، ويتطيب بعد الاغتسال بأطيب ما يجد في رأسه ولحيته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يضره بقاء الطيب بعد الإحرام؛ لأن هذا الطيب سابق على الإحرام، وقالت عائشة رضي الله عنها: (لقد كنت أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم) ، ثم يلبي، فإن كان وقت الفريضة قريباً فليجعل التلبية بعد الفريضة، وإن لم يكن قريباً فقال بعض العلماء: إنه يسن أن يصلي ركعتين من أجل الإحرام؛ ففي الحديث: (صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة وحجة أو عمرة في حجة) والشاهد قوله: (صلِّ في هذا الوادي المبارك) .
وقال بعض أهل العلم: إنه ليس للإحرام صلاة خاصة، وإنما يحرم الإنسان بمجرد أن ينتهي من الاغتسال والتطيب ولباس ثياب الإحرام بدون صلاة، إلا إذا كان وقت صلاة مشروعة، مثل: أن يكون في الضحى فيصلي صلاة الضحى ويحرم عقبها، أو يريد أن يصلي ركعتين سنة الوضوء فيحرم عقبها، وهذا الذي هو الصواب إذا كان من عادته أن يفعله -يعني: من عادته أن يصلي صلاة الضحى من عادته أن يصلي إذا توضأ- أما إذا صلى وليس من عادته ذلك فمعروف أنه إنما أراد الصلاة في الإحرام، الإنسان الذي يصلي لا ينكر عليه، والذي لا يصلي لا ينكر عليه.(177/10)
عقد النية والشروع في النسك
أهم شيء هو أن تعقد النية على أنك دخلت في النسك فتقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وتنوي الدخول في النسك، وتسمي نسكك، وماذا نسمي الآن؟ نسمي العمرة، نقول: لبيك اللهم عمرة، ولا حاجة أن تقول: متمتعاً بغير الحج، ولا تزال تلبي إلى أن تصل إلى المسجد الحرام وتشرع في الطواف، فإذا وصلت إلى المسجد الحرام فادخل المسجد الحرام كما تدخل المساجد الأخرى، تقدم اليمنى وتقول الذكر المشروع، ثم تعمد إلى الحجر الأسود لتستلمه وتقبله إن تيسر، وإلا فتشير إليه إشارة، وتقول عند الابتداء: (باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم) .
وتجعل الكعبة عن يسارك لتطوف طواف العمرة سبعة أشواط.(177/11)
سنتا الرمل والاضطباع ومعناهما
في هذا الطواف يسن للرجل أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع، ويضطبع في جميع الطواف، فالرمل: الإسراع في المشي بدون أن تبسط الخطوة، وهذا هو معنى قولهم: الإسراع مع مقاربة الخطا أي: أنك لا تمد الخطوة، خطوة عادية لكن بإسراع، ولا يسن أن يهز كتفيه كما نشاهد عند بعض العامة تجده يمشي رويداً رويداً ولكن يهز الكتفين وهذا لا أصل له، هذا ينبغي أن يقال: إنه بدعة؛ لأن الذين يفعلونه يتعبدون لله بذلك وهو لم يشرع.
إذاً: يسن سنتان: الأولى: الرمل.
والثانية: الاضطباع.
أما الرمل ففي الأشواط الثلاثة الأولى فقط، والاضطباع في جميع الطواف، وكيفيته: أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر حتى ينتهي من الطواف.(177/12)
الذكر في الطواف والاستلام والتقبيل
يقول في طوافه ما شاء من ذكر وقراءة ودعاء، إلا أنه بين الركن اليماني والحجر الأسود يقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] ولا يزيد على ذلك، وأما زيادة بعضهم: وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار، فهذه لا أصل لها.
ولكن إذا كان المطاف زحاماً فستكون المسافة ما بين محاذاة الركن اليماني والحجر الأسود طويلة، وسيكون المشي قليلاً، فماذا يفعل إذا قالها مرة؟
الجواب
أنه يكررها، ويلح على الله عز وجل بها، ولكن لو دعا بغيرها معها فلا بأس إذا كان لهذه الحاجة؛ لأنه فرغ من الدعاء قبل أن يحاذي الحجر الأسود، فنقول: إذا كررها فهو أفضل، وإذا دعا بشيءٍ آخر فلا بأس، كلما حاذى الحجر الأسود كبر واستلمه وقبله، ومع المشقة تكفي الإشارة.
أما الركن اليماني فالسنة استلامه بدون تقبيل، وإذا لم يتمكن فإنه لا يشير إليه؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح قياسه على الحجر الأسود؛ لأن القياس في العبادات ممنوع، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى: أن استلام الحجر الأسود أوكد، ولذلك يشرع فيه التقبيل، ولا يشرع التقبيل في الركن اليماني، فإذا اختلفا فإنه لا يمكن قياس أحدهما على الآخر، وحينئذٍ نقول: إذا حاذيت الركن اليماني ولم تتمكن من استلامه فلا إشارة.(177/13)
الصلاة في مقام إبراهيم
فإذا أتم سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم وقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] يذكر نفسه بهذه الآية حتى يشعر نفسه أنه إنما تقدم لمقام إبراهيم امتثالاً لأمر الله عز وجل، ويصلي خلف المقام ركعتين خفيفتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] ، وفي الثانية بعدها: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ثم ينصرف من حين أن ينتهي من الركعتين ولا يجلس للدعاء؛ لأن هذا ليس مكاناً للدعاء إنما هو للصلاة ويخفف؛ لأن هذا هو السنة، ولأجل أن يخلي المكان لمن أراد أن يصلي فيه.(177/14)
صفة السعي وما يجوز فعله بعد انتهائه
ثم يخرج من المسجد الحرام متجهاً إلى الصفا، ويتبع الأيسر في اتجاهه إلى الصفا، فمثلاً: إذا كان هناك زحام أو أناس يصلون بينه وبين جهة الصفا فليهرع من مكان آخر؛ لأن المقصود أن يصل إلى الصفا، ثم إذا أقبل إلى الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] أبدأ بما بدأ الله به.
وقبل أن يصعد على الصفا ليشعر نفسه أنه إنما أتى إلى هذا لكون ذلك من شعائر الله، فيبدأ بـ الصفا ويرقى عليه حتى يرى الكعبة ويتجه إليها ويرفع يديه للدعاء، ويقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ويكبر، ثم يدعو بما شاء، ثم يعيد الذكرى مرة ثانية ويدعو، ثم يعود الذكرى مرة ثالثة ولا يدعو بعده بل ينحدر متجهاً إلى المروة، يمشي على عادته إلى أن يصل إلى محل السعي -يعني: الركض: وهو ما بين العلمين الأخضرين- فيسعى سعياً شديداً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه سعى في هذا المكان سعياً شديداً حتى إن إزاره لتدور به من شدة السعي، ثم يمشي بعد العلم الثاني مشياً عادياً إلى أن يصل إلى المروة، فيصعد عليها ويتجه إلى القبلة ويرفع يديه ويقول مثلما قال على الصفا، ثم ينحدر منها متجهاً إلى الصفا، يمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه، إلى أن يتم سبعة أشواط من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر، في السعي يقول ما شاء من ذكر أو قراءة قرآن؛ لأنه إنما جعل الطواف بالبيت وبـ الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله، فإذا أتم سبعة أشواط فقد انتهى السعي، فيقصر رأسه ويعم جميعه تعبداً لله عز وجل ولا يحلق لأجل أن يبقى الشعر للحج، وبذلك انتهت العمرة وحل من جميع محظورات الإحرام، فيحل له كل شيء يحل للمحل من إتيان النساء إذا كانت زوجته معه، والطيب واللباس وغير ذلك إلا الصيد فإنه لا يحل له ما دام داخل الحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مكة: (لا ينفر صيدها) .
وبناءً على ذلك: ننبه إلى أن الجراد الذي يكون حول الحرم يحترم ولا يجوز صيده ولا قتله، بل ولا تنفيره، إن نفر بمسيرك حوله فليس عليك شيء لكن تتعمد أن تذهب إلى هذه الجرادة لتنفرها، إن فعلت ذلك فقد عصيت أمر الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال: (لا ينفر صيدها) والجراد من الصيد.
وبهذا انتهت العمرة، ويأتي إن شاء الله ذكر الحج.(177/15)
الأسئلة(177/16)
عدم توريث أولاد الأخ من الأم
السؤال
لي عم أخو الوالد من أمه وتوفي العم وله بنات وليس له أولاد، فهل لأولاد أخيه من أمه إرث في الحلال هذا؟
الجواب
أولاد الأخ من الأم لا يرثون، لكن إذا كان له بنو عم ولو كانوا بعيدين ورثوا ما بقي من فضل البنات، فإن لم يوجد عصبات رد على البنات وصار جميع المال للبنات.(177/17)
حكم أكل صاحب الذبيحة النذر منها
السؤال
أحد الإخوان نذر أن لو نجح أن يذبح ذبيحة، فهل له أن يأكل من ذبيحته؟
الجواب
حسب النية إذا كانت نيته بهذه الذبيحة شكراً لله عز وجل على إنجاحه فإنه لا يأكل منها بل يتصدق بها جميعها، وإذا كانت نيته الفرح وإظهار السرور فليدعُ إليها من شاء وليأكل منها معهم.(177/18)
حكم حج القادر ببدنه العاجز بماله
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا كان الإنسان قادراً ببدنه عاجزاً بماله، فهل يجب عليه الحج؟ الشيخ: نعم ما ذكرنا أنه يذهب من القصيم إلى مكة، قادراً بالبدن، إذا كان مثلاً من أهل جدة قادر أن يمشي من جدة إلى مكة، أو من أهل مكة أنفسهم وقادراً على أن يخرج إلى المشاعر يجب عليه؛ لأن الله قال: ((مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)) [آل عمران:97] .(177/19)
تفضيل الوظيفة الدعوية على الوظيفة الإدارية
السؤال
رجل تخرج من جامعة شرعية قريباً وهو مبتدئ في طلب العلم وما زال في البداية، خير بين وظيفة داعية وبين وظيفة مدير الأوقاف والمساجد في بلده علماً بأن الأخيرة سوف تشغله كثيراً عن طلب العلم والدعوة بعكس الأولى فهي تفرغه للدعوة وطلب العلم، فأيهما أنفع له وأيهما يختار؟
الجواب
الظاهر أن كونه داعية أحسن إلا إذا كان جهاز إدارة الأوقاف خراباً، فكونه يتولى الإدارة ويصلح، الوقف أحسن؛ لأن هذا مصلحته عامة.
السائل: قد يتأثر طلب العلم من الشكاوي والمشكلات.
الشيخ: نعم يتأثر لكن إذا كان الجهاز خراباً تعين عليه أن يدخل فيه من أجل أن يصلحه، في بعض الإدارات يكون المدير ومن تحته كلهم لا يقومون بالواجب فحينئذٍ يتعين عليه إذا لم يوجد غيره.
وعلى كل حال: نقدم الدعوة وطلب العلم إلا للضرورة.(177/20)
سِنُّ ارتداء الحجاب
السؤال
البنت الصغيرة متى تبدأ ترتدي الحجاب؟
الجواب
الغالب إذا بلغت تسع سنين تحتجب أما قبل ذلك فقد لا تكون ممن يتعلق بها الرغبة، وقد تكون مما يتعلق بها الرغبة حسب نمو البنت، ربما تكون لها عشر سنين ونقول: لا تحتجب؛ لأنها صغيرة ولا تتعلق بها الرغبة، فمتى صارت البنت محلاً للرغبة والنظر إليها وجب عليها أن تحتجب، لكن في الغالب تسع سنين.(177/21)
حكم قراءة الحائض للقرآن
السؤال
ما القول الصحيح في قراءة الحائض القرآن من دون مس؟
الجواب
الراجح منه بأنها تقرؤه عند الحاجة، مثل: الأوراق، أو التدريس، أو الدراسة، وأما للتعبد فلا؛ لأن العلماء مختلفون في هذا، وإذا قرأت فمن العلماء من يقول: هي آثمة، ومنهم من يقول: هي مثابة، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح.
السائل: إذا كانت تتعلم؟ الشيخ: لا بأس لأن هذا حاجة.(177/22)
حكم الذبيحة لتذكر الميت في رمضان
السؤال
عندنا في بلدتنا عادة في رمضان وهي ذبيحة تسمى بالذكيرة؛ يذبحها أهل الميت تذكراً لميتهم وخاصةً في رمضان، فيدعوننا، ما حكمها وهل نأتيهم؟
الجواب
الذبيحة للأموات في رمضان مبتدعة؛ لأنه لا يتقرب إلى الله تعالى بالذبح في زمنٍ معين إلا في عيد الأضحى، وإذا دعوك لمثل هذه فلا تجب، لكن ننصحهم أولاً، متى علمت أنهم سيفعلونها انصحهم قبل أن يفعلوا، فإن أبوا إلا أن يفعلوا فلا تجب.
السائل: وقت رمضان شهر مبارك الشيخ: نعم وقت مبارك يتصدقون به، لكن لا يتقربون بالنسك الذي هو الذبح، التقرب بالنسك هذا عبادة، إن ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أخذنا به وإلا فلا.(177/23)
حكم الدم النازل من الفتاة قبل بلوغها التاسعة
السؤال
الدم إذا خرج من البنت قبل سن التاسعة فهل يعتبر حيضاً؟
الجواب
الظاهر أنه إذا كان نقطاً لا يسيل فإنه ليس بحيض -لا سيما مع الصغر- أما إذا كان يسيل فهو حيض ولو كان لها ثماني سنوات.(177/24)
حكم صلاة الجماعة للمسافر
السؤال
هل صلاة الجماعة للمسافر واجبة؟
الجواب
صلاة الجماعة واجبة في الحضر والسفر، على المستوطن والمقيم، لعموم الأدلة.
ولكن إذا كان هذا الرجل لو ذهب يصلي مع الجماعة فاتت حوائجه وربما يتضرر فهو هنا معذور فله العذر، فلا يقال: إنها لم تجب عليه، بل يقال: وجبت ولكن سقطت للعذر.(177/25)
الأمور المعينة على طلب العلم
السؤال
ما هي الأمور المعينة على طلب العلم؟
الجواب
أهم شيء يعين على طلب العلم النية الخالصة، أن ينوي الإنسان بطلب العلم حفظ شريعة الله عز وجل، والانتفاع بها بالعمل، ونشرها بين الناس، ودعوة الناس إليها، فإذا تصور الإنسان هذه العبادات العظيمة وما يترتب عليها من الثواب فهذا مما يعين على طلب العلم.
كذلك مما يعين على طلب العلم: أن ييسر الله للطالب زملاء يساعدونه ويعينونه، وييسر الله للجميع معلماً يوضح ويبين؛ فإن التبيين والتوضيح مما ينشط طالب العلم.
ومما يعين على طلب العلم: الفراغ، ألا يكون الإنسان عنده مشاكل اجتماعية أو مشاكل في أهله، وأن يكون عنده ما يقوته، هذا من الأسباب، وربما يكون هناك أسباب أخرى لكن هذه من الأسباب.(177/26)
حكم من أخذ مالاً ليحج عن ابنته المتوفاه ومات قبل الحج
السؤال
فضيلة الشيخ! شخصٌ زوج ابنته شخصاً واشترط عليه: أن يحج بها، وبعد ذلك توفيت هذه البنت وزوجها لم يحج بها، فأخذ الأب مالاً من الزوج ليحج عنها، وبعد فترة توفي الأب ولم يحج الأب كذلك، فالآن ابنه يسأل: هل أحج عن أبي حتى أبرئ ذمته أم ماذا؟
الجواب
يحج عن أبيه ويكون هذا واجباً في تركة أبيه ودين على أبيه، فإن تبرأ الابن وحج من نفسه ووفر المال للورثة فلا بأس.(177/27)
وجوب متابعة الإمام
السؤال
في صلاة التراويح إذا قام الإمام للوتر آخر ركعة بعض الناس ينوي أن يصليها شفعاً ليوتر آخر الليل، فهل يجلس مع الإمام للتشهد؟
الجواب
لا، الأفضل أن يتابع الإمام وإذا سلم الإمام أتى بركعة؛ لأنه لو سلم قبل أن يسلم الإمام لكان انصرف قبل أن ينصرف الإمام فيحرم قيام أجر ليلة، وإن أوتر الإمام بواحدة، فينتظر حتى يسلم الإمام منها، ثم يقوم ويأتي بركعة.(177/28)
حكم المبتدعة الذين يظنون أنهم على حق
السؤال
الإنسان لا يكفر كفراً مخرجاً من الملة إذا لم يقصد ما فعله أو قاله، أو كان جاهلاً لم يدر، قصر لكن مع المخالفة، على هذه القاعدة تمر على كثيرٍ من المبتدعة يدافعون عن بدعتهم لكونهم يعتقدون أن هذه البدعة هي الحق، فهل يؤجرون على بدعتهم هذه إذا اعتقدوها حقاً؟
الجواب
هؤلاء إذا بين لهم الحق وأصروا على بدعتهم فهم ضلال ولا يؤجرون بل يأثمون؛ لأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أما إذا كانوا يظنون أن هذا هو الحق فهم يثابون على نيتهم ولكن لا يثابون على عملهم؛ لأنه غير مشروع.(177/29)
حكم تقبيل اليد
السؤال
ما حكم تقبيل اليد خاصة: ولد لوالده، أو تلميذ لشيخه؟
الجواب
تقبيل اليد احتراماً لمن هو أهل للاحترام كالأب والشيخ الكبير والمعلم لا بأس به، إلا إذا خيف من الضرر: وهو أن الذي قبلت يده يعجب بنفسه ويرى أنه في مقامٍ عالٍ، فهنا نمنعها لأجل هذه المفسدة.(177/30)
ذنب من أخر الحج حتى افتقر
السؤال
شخصٌ مستطيع بماله وجسده لكنه فرط حتى افتقر وصار غير مستطيع ثم ندم ندماً شديداً، والآن يسأل: ماذا عليه؟
الجواب
عليه أن يحج إذا قدر، والحج الآن ثابت في ذمته فيعاقب على تأخيره.
وإذا لم يقدر، فقد قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ، لكنه سيعاقب على التأخير ولو ندم وتاب، هذا الذي يظهر، لكن إذا ندم وتاب فنرجو الله أن يعفو عنه.(177/31)
جواز لبس التبان للضرورة
السؤال
بالنسبة للمحرم هو من تجرد من لباسه ثم إذا هو لم يلبس التبان قد يلحقه ضرر، هل يجوز له استعمال التبان؟
الجواب
يتأكد هذا إن خاف أن يلحقه ضرر فلا بأس أن يلبسه، ولكن إن حصل أن يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع فهو أحسن.(177/32)
حكم القنوت في صلاة الفجر لتأليف القلوب
السؤال
نحن في بلدة أهلها على المذهب الشافعي، ويرون مشروعية القنوت في صلاة الصبح، وأحياناً قد يقدمون بعض الشباب ممن لا يرى مشروعيته، أو يعينه إماماً للمسجد، وإذا ترك القنوت تحصل مفسدة وهي أنهم لا يصلون وراءه، أو تحصل هناك خصومة وخلاف، فهل يجوز لمن يؤمهم أن يقنت بهم وإن كان ممن لا يرى مشروعية ذلك درءاً للمفسدةً وتأليفاً للقلوب، لا سيما إذا كان هذا الإمام يسعى في نشر التوحيد والسنة وهم يتقبلون منه إذا وافقهم في قنوت الصبح، وإذا خالفهم قالوا: هذا حنبلي ولا يقبلون منه شيئاً من العلم، أفتونا مأجورين؟
الجواب
لا بأس أن يفعل هذا تأليفاً للقلوب، لكن يتدرج بهم بمعنى: أنه يلقي عليهم الدروس التي تبين أن هذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يطمئنوا ويقبلوا.
يقنت للتأليف، لكن -كما قلت لك- يمهد لكونه بدعة، ولا يأتيهم بذلك مباشرة، يلقي دروساً حول هذا الموضوع حتى يتبين لهم ويقول: لست على مذهب فلان ولا فلان، هذه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه قنت شهراً يدعو على قوم وتركه، وقنت يدعو لقوم آخرين حتى نجاهم الله وترك القنوت.
وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(177/33)
لقاء الباب المفتوح [178]
بين الشيخ في هذا اللقاء أعمال اليوم الثامن وما بعده من أيام الحج مفصلاً ذلك ومبيناً كيفية الإحرام والصلاة ومناطق النزول، مشيراً إلى مسائل هامة تتمثل فيما يلي: حكم من أحرم بالحج من غير منزله.
حكم تأخير الإحرام إلى صباح يوم عرفة.
حكم تأخير الصلاة لمن تأخر وصوله من عرفة إلى مزدلفة.
حكم الدفع من مزدلفة قبل الفجر أو قبل طلوع الشمس ومن رمى الجمرة حين وصوله.
حكم ترتيب مناسك يوم العيد الخمسة.
حكم من طاف للوداع قبل رمي آخر يوم.
وأخيراً: حكم تأخير طواف الإفاضة إلى طواف الوداع وأحوال ذلك.(178/1)
أعمال أيام الحج
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والسبعون بعد المائة من اللقاءات المعبر عنها بـ: (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الحادي والعشرون من شهر ذي القعدة عام (1418هـ) وبه نختتم لقاءاتنا إلى أن نرجع إن شاء الله من الحج.
في اللقاء الذي سبق هذا تكلمنا عن شروط الحج وعن صفة العمرة والآن نكمل بقية النسك.
فنقول: في اليوم الثامن يحرم المسلمون الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحج من منازلهم سواء كانوا في مكة أو في منى أو خارج منى، يحرمون بالحج ويفعلون عند الإحرام كما فعلوا في العمرة، ويقولون: لبيك اللهم حجاً، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويصلون في منى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقصر في منى ولا يجمع، والحكمة من ذلك: أن القصر مشروعٌ في السفر مطلقاً والجمع مشروعٌ للمشقة فقط سواء كان في سفر أو حضر، ولذلك يجمع المريض ويجمع الناس في المطر وفي الرياح الشديدة الباردة وما أشبه ذلك، فليكن على بالك أن القصر من مشروعات السفر مطلقاً، وأن الجمع سببه المشقة سواء في السفر أو في الحضر، ولذلك لما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مقيماً في منى في حجة الوداع لم يكن يجمع.
فإذا طلعت الشمس من اليوم التاسع سار إلى عرفة، فإن نزل بـ نمرة وهي موضعٌ قرب عرفة نزلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى زالت الشمس، فإذا زالت الشمس ركب إلى عرفة، وفي عصرنا هذا النزول في نمرة متعسر، فلا حرج أن يذهب الإنسان من منى إلى عرفة دون أن ينزل بـ نمرة، وينزل هناك بـ عرفة، فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما زالت الشمس في نمرة أمر بناقته فرحلت له، ثم أتى بطن الوادي -بطن عُرنة - فنزل هناك وخطب خطبة عظيمة بليغة تناولها العلماء بالشرح واستنباط الفوائد منها، ثم أذن -يعني: أمر أن يؤذن- فصلى الظهر، ثم صلى العصر قصراً وجمعاً، ثم ركب عليه الصلاة والسلام حتى أتى الموقف الذي اختار أن يقف فيه، وهو آخر عرفة من الناحية الشرقية، والحكمة في ذلك والله أعلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من عادته أن يكون في أخريات القوم ليكون متفقداً لأحوالهم ومن احتاج منهم أعانه، فلهذا لم ينزل في أول عرفة مما يلي مكة بل في آخر عرفة مما يلي المشرق، نزل هناك، وقال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) وكأنه عليه الصلاة والسلام يقول للناس: ابقوا على مواقفكم فإن عرفة كلها موقف، فيقف الإنسان في مكانه في عرفة ولا يشق على نفسه بتعمد الذهاب إلى الجبل -جبل عرفة - لما في ذلك من المشقة الشديدة في عصرنا هذا، وربما ضاع عن قومه وتعب تعباً عظيماً، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى الناس إن يبقوا في مواقفهم فهذا من نعمة الله: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) فيقف وليس من شرط ذلك أن يكون قائماً على قدميه، ولكن يتفرغ للدعاء والذكر وقراءة القرآن وما أشبه ذلك إلى أن تغرب الشمس، فإذا غربت الشمس ركب متجهاً إلى مزدلفة، حتى يصل إلى مزدلفة فيصلي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، والتي تقصر هي العشاء كما هو معلوم، ثم يبقى هناك إلى أن يطلع الفجر، فإذا تبين الفجر صلى الفجر، وهنا يصلي راتبة الفجر ثم الفجر؛ لأن راتبة الفجر مشروعة في السفر والحضر، فإذا صلى وسبح التسبيح المشروع بعد الصلاة تفرغ للدعاء والذكر والاستغفار إلى أن يسفر جداً، فإذا أسفر جداً انصرف من مزدلفة إلى منى قبل أن تطلع الشمس، فإذا وصل إلى منى فأول ما يبدأ به أن يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة: الله أكبر، الله أكبر، حتى يتم السبع، وليكن رميه للجمرات قبل أن يحط رحله إن أمكن وإلا فمتيسر والحمد لله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم العيد قبل أن يحط رحله، رماها وهو على بعيره بسبع حصيات، ثم ينصرف إلى المنحر -أي: إلى مكان النحر- فيذبح الهدي الشاة عن الواحد، والبقرة والبدنة عن السبعة، ثم يحلق رأسه والحلق أفضل من التقصير؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعا للمحلقين، فقال: (اللهم ارحم المحلقين أو قال: اغفر للمحلقين ثلاث مرات، قالوا: والمقصرين؟ قال: والمقصرين) وبذلك يحل التحلل الأول، ولا يبقى عليه من محظورات الإحرام إلا النساء فقط، فيلبس الثياب ويتطيب وينزل إلى مكة ويطوف ويسعى وهذا الطواف هو طواف الحج ويسمى طواف الإفاضة، ويسعى بين الصفا والمروة للحج أيضاً، ثم يرجع إلى منى ويصلي بها الظهر قصراً بلا جمع ويبقى فيها إلى اليوم الثاني الذي هو الحادي عشر، فإذا زالت الشمس رمى الجمرات الثلاث كل واحدةٍ بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، فإذا رمى الجمرة الأولى وقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو الله تعالى دعاءً طويلا، وكذلك إذا رمى الثانية، أما إذا رمى الثالثة وهي جمرة العقبة فلا يقف بعدها، لا يوم العيد ولا غير يوم العيد، ويبقى نازلاً في منى ليلاً ونهاراً، فإذا كان اليوم الثاني عشر رمى الجمرات الثلاث بعد الزوال، وبذلك انتهى الحج لمن أراد أن يتعجل.
ومن أراد أن يتأخر فليبق إلى اليوم الثالث عشر، ويرمي الجمرات الثلاث في اليوم الثالث عشر كما رماها في اليومين السابقين، وبذلك انتهى الحج لكل أحد.
فإذا أراد السفر من مكة إلى أهله وجب عليه أن يطوف للوداع سبعة أشواط بثيابه العادية وبدون سعي، ولا يجب طواف الوداع على المرأة الحائض ولا على النفساء، وبذلك انتهى الحج.
وليس من شرط الحج ولا من مكملات الحج أن يذهب إلى المدينة؛ لأن الذهاب إلى المدينة سنة مستقلة لا علاقة لها بالحج، فإن شاء ذهب إلى المدينة للمسجد النبوي، وإن شاء أخره إلى وقتٍ آخر.
والمهم أنه يجب أن نفهم أنه لا ارتباط بين الحج وزيارة المسجد النبوي، كلٌ منهما منفردٌ عن الآخر، لكن أهل العلم رحمهم الله يذكرونهما في موطنٍ واحد في كتب الفقه؛ لأنه في ذلك الوقت يصعب أن يشد الرحل استقلالاً للمسجد النبوي لبعد الديار وخطر الأسفار والمشقة الشديدة، فكانوا يجعلون زيارة المسجد النبوي تابعاً للحج وإلا فلا علاقة.
بهذا انهى الحج وهنا مسائل:(178/2)
مسائل متفرقة في الحج(178/3)
حكم من أحرم بالحج في اليوم الثامن من غير منزله
مسألة: لو أحرم الإنسان بالحج في اليوم الثامن من غير منزله فلا بأس، لكن من المنزل هو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم، وبه نعرف أن ما ذكره بعض الفقهاء من أنه يحرم من المسجد الحرام للحج في اليوم الثامن ليس بصحيح، بل هو إلى البدعة أقرب منه إلى السنة، وزاد بعضهم: يحرم من تحت الميزاب -ميزاب الكعبة يعني في الحجر- وهذا أضعف وأضعف؛ لأنه لا دليل على هذا، وتصوروا الآن لو قيل للناس: أحرموا من المسجد الحرام، اجعلهم ثمانمائة ألف، ماذا يكون؟ لا يمكن.
على كل حال: يحرم الإنسان من مكانه أو من أي مكانٍ شاء، لكن يكون الإحرام ضحى اليوم الثامن.(178/4)
حكم تأخير الإحرام إلى صباح يوم عرفة
مسألة: لو أخر الإحرام ولم يحرم إلا صباح يوم عرفة واتجه إلى عرفة رأساً، فهذا جائز، لكن الإنسان حرم نفسه هذه الساعات التي مضت عليه دون أن يتلبس بالعبادة، وبعض الناس محروم مسكين، تجده في منى نازلاً وليس له شغل، لكن يقول: سأحرم يوم عرفة، وهذا من تخذيل الشيطان، أحرم في اليوم الثامن يبقى نحو أربعة وعشرين ساعة تغتنمها عبادة لله عز وجل، فتحرم نفسك منها، هذا من الخطأ، لكن لو فعل الإنسان ولم يحرم إلا يوم عرفة وذهب مباشرة إلى عرفة فالحج صحيح وليس عليه شيء، ودليله حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه أنه وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح في مزدلفة، وأخبره أنه أتى من بعيد من جبل طي، وأنه أتعب نفسه وأكلَّ راحلته وما ترك جبلاً إلا وقف عنده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بـ عرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد أتم حجه وقضى تفته) .(178/5)
حكم تأخير الصلاة لمن تأخر وصوله من عرفة إلى مزدلفة
مسألة: لو تأخر وصوله من عرفة إلى مزدلفة، فهل يؤخر الصلاة إلى مزدلفة ولو خرج الوقت يعني: ولو انتصف الليل؟
الجواب
لا يجوز، إذا خفت أن يخرج وقت العشاء وأنت قادم من عرفة إلى مزدلفة فصلِّ، انزل من السيارة وصلَّ بعيداً عن خطوط السيارات، ولا تدع الصلاة حتى يخرج وقتها؛ لأن إخراج الصلاة عن وقتها بلا عذر من كبائر الذنوب، وهي مردودة على صاحبها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .(178/6)
حكم الدفع من مزدلفة قبل الفجر أو قبل طلوع الشمس
مسألة: لو دفع الإنسان من مزدلفة قبل الفجر أو قبل أن تطلع الشمس، فهل يجوز؟
الجواب
رخص النبي صلى الله عليه وسلم للنساء وللضعفة أن يدفعوا من مزدلفة بليل -أي: قبل الفجر- لئلا يتأذوا بالزحام، هذه هي العلة المعقولة، فإذا كانت هذه هي العلة ففي وقتنا هذا يمكن أن نرخص لكل أحد أن يدفع من مزدلفة في آخر الليل؛ لأن مشقة الزحام -إذا دفع بعد أن يصلي الفجر- حاصلة لكل أحد، حتى أشد الناس وأجلد الناس وأقوى الناس سيتكلف، وعلى هذا فلا أرى مانعاً من أن يدفع الناس -أقوياء كانوا أو ضعفاء- في وقتنا الحاضر في آخر الليل، وكنا نختار وإلى الآن نختار: أنه لا يجوز الدفع من مزدلفة إلا بعد صلاة الفجر إلا للضعفاء، لكن في عصرنا الآن كل الناس ضعفاء في الواقع، كل الناس يتأثرون بالزحام ويخافون على أنفسهم.(178/7)
متى يرمي جمرة العقبة إذا دفع قبل الفجر من مزدلفة
مسألة: لو دفع قبل الفجر من مزدلفة إلى منى، فهل يرمي جمرة العقبة حين وصوله ولو قبل الفجر، أو ينتظر حتى تطلع الشمس؟
الجواب
يرميها متى وصل إليها؛ لأن رمي جمرة العقبة بمنزلة تحية المسجد بالنسبة لـ منى، ولهذا قال العلماء: تحية منى رمي جمرة العقبة، والدليل على هذا: أن الرسول عليه الصلاة والسلام رمى وهو راكب الناقة قبل أن يحط رحله، ثم إن هذه هي الحكمة من الترخيص لهم أن يتقدموا، ما الفائدة أن يتقدموا ثم ينزلون في رحلهم وإذا طلعت الشمس ذهبوا؟ الحكمة مفقودة، أو قليلة جداً، لذلك نقول: من حين أن يصلوا إلى منى يرمون جمرة العقبة، وهذا هو فعل أسماء بنت أبي بكر، وكذلك ابن عمر في أهله كان يرسلهم حتى يوافوا منى إما فجراً أو حول الفجر، فيرمون إذا وصلوا.(178/8)
حكم التقاط حصى الجمرات من مزدلفة
مسألة: هل من السنة أن يلتقط من مزدلفة حصى الجمرات؟
الجواب
لا.
ليس من السنة؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ولم يفعله الصحابة في عهده، لكن بعض السلف استحبه من أجل ألا يحتاج الإنسان إذا وصل إلى منى إلى النزول من راحلته حتى يلتقط الحصى ويرمي بها، وقصدهم بذلك أن يكون من حين وصوله إلى منى يبدأ بالرمي؛ لأن الحصى معه، لكن هذا التعليل في الحقيقة عريض، فشيءٌ لم يفعله الرسول عليه الصلاة والسلام لا تفعله أنت، وأنت إذا وصلت إلى منى سييسرون لك الأمر خصوصاً في وقتنا الآن؛ في وقتنا الآن لا يمكن للراحلة أن تصل إلى الجمرة، إذاً: لا بد أن تمشي، فإذا مشيت فالحصى عندك ملءُ الأرض، خذ من أي مكان، حتى إني رأيت في منسك ابن حزم رحمه الله أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما وقف على الجمرة ليرمي قال لـ ابن عباس: (القط لي الحصى) فلقط له الحصى من عند الجمرة.
المهم أنه ليس من السنة أن يحمل الإنسان الحصى من مزدلفة.(178/9)
حكم عدم ترتيب مناسك يوم العيد الخمسة
مسألة: فهمنا الآن أن الإنسان إذا وصل إلى منى يفعل خمسة أشياء كلها في يوم العيد مرتبة كالآتي: 1- رمي جمرة العقبة.
2- ثم النحر.
3- ثم الحلق أو التقصير.
4- ثم الطواف.
5- ثم السعي.
هكذا الترتيب المشروع، لكن لو قدم بعضها على بعض فهل يجوز؟
الجواب
نعم.
يجوز بدون حرج وبدون دم وبدون نقص؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل في التقديم أو التأخير فكان لا يسأل عن شيء إلا قال: افعل ولا حرج، حتى قيل له: (سعيت قبل أن أطوف، قال: لا حرج) وهذا من تيسير الله عز وجل.
وهنا نقطة: العلماء رحمهم الله اختلفت أقوالهم في هذه المسألة، منهم من قال: لا حرج لكن عليه دم لفوات الترتيب، وهذا قولٌ ضعيف؛ لأنه يخالف الحديث: (لا حرج) ولم يأمره بالفدية، وهل غاب عن النبي عليه الصلاة والسلام وجوب الفدية؟ أبداً والله، أو حضره ولكن كتمه؟ حاشا وكلا، إذاً: إيجاب الدم من أضعف الأقوال.
وبعضهم قال: يجوز التقديم والتأخير إذا كان عن جهل أو نسيان، لأن بعض السائلين قال: لم أشعر ففعلت كذا قبل كذا، وترتيب الحكم على الجهل أو النسيان يخالف ترتيبه على العمد، وهذا أيضاً ضعيف؛ لأن السائل سئل عن حالٍ وقعت عليه أنه نسي فقدم وأخر، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا حرج) لكن هل قال له: لا تعد؟ لم يقل: لا تعد، بل قال: (لا حرج) وفي بعض الألفاظ: (افعل ولا حرج) (افعل) يعني: في المستقبل فتقييد ذلك بالجهل والنسيان ضعيف؛ لأنه لو كان لا يجوز في السعة لقال الرسول عليه الصلاة والسلام: لا تعد، كما قال لـ أبي بكرة رضي الله عنه حين أسرع وركع قبل أن يصل إلى الصف، قال له: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ولم يقل: ولا حرج، فالمهم أن عدم الترتيب جائز بلا حرج، سواء عن عمد أو جهل أو نسيان، لكن يبقى النظر أيهما أفضل: الترتيب أو عدمه؟ الترتيب لا شك أنه أفضل؛ لأنه فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد قال: (لتأخذوا عني مناسككم) .
فإن قال قائل: إذا كان الأيسر لي أن أقدم الطواف قبل الرمي والحلق أو التقصير؛ لأن معي نساء أخشى أن يأتيهن الحيض قبل طواف الإفاضة، فأضطر إلى أن أبقى في مكة أو أذهب إلى بلدي وأرجع إذا طهرت المرأة؟ قلنا: الآن قد يكون الأفضل في حقك أن تبدأ بالطواف وإن خالفت الترتيب، لعموم قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] ، وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] .(178/10)
حكم من طاف للوداع قبل رمي آخر يوم
مسألة: لو طاف للوداع قبل رمي آخر يوم، يعني: في اليوم الثاني عشر أراد أن يتعجل فنزل في الضحى وطاف طواف الوداع ثم خرج ورمى وسافر، فهل يجوز؟
الجواب
لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت الطواف) وهذا طاف قبل أن يتم نسكه، وقد صح عن عمر رضي الله عنه أنه قال في طواف الوداع: [إنه آخر نسككم] وهذا يدل على أنه لا شيء بعده، وهو كذلك، فعليه لو فرض أن إنساناً طاف للوداع ثم خرج ورمى وسافر فإننا نقول له: طوافك للوداع غير مجزيء ولا هو صحيح، ويؤجر عليه ويثاب عليه لكن لا يجزئ عن طواف الوداع، وعليه عند أكثر الفقهاء دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الحج.(178/11)
حكم تأخير طواف الإفاضة إلى طواف الوداع وأحوال ذلك
مسألة: لو أنه أخر طواف الإفاضة وطافه عند الوداع، فهل يجزئ؟
الجواب
نعم.
يجزئ لكن هنا ثلاثة أحوال: 1- إما أن ينوي به طواف الوداع فقط.
2- أو طواف الإفاضة فقط.
3- أو ينويهما جميعاً.
إن نوى طواف الوداع فقط لم يجزئ عن طواف الإفاضة؛ لأن طواف الوداع واجب وطواف الإفاضة ركن، بل إن طواف الوداع سنة عند كثيرٍ من العلماء وطواف الإفاضة ركن، وإن نوى طواف الإفاضة فقد أجزأ عن الوداع؛ لأنه أعلى منه، ولأن المقصود بطواف الوداع أن يكون آخر عهده بالبيت وقد حصل، فيجزئه طواف الإفاضة عن طواف الوداع كما تجزئ الفريضة في المسجد عن تحية المسجد.
الحالة الثالثة: نواهما جميعاً هل يجوز أم لا يجوز؟ الجواب: يجوز، إن نواهما جميعاً جاز، لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) ، لكن يبقى إشكال: السعي لأن طواف الإفاضة بعده سعي ماذا يصنع به؟ نقول: لنا في ذلك جوابان: الجواب الأول: أن يبدأ بالسعي أولاً ويؤخر الطواف، هذا واحد، وهذا أضعف الجوابين.
الثاني: أن نقول: يطوف ويسعى، ولا يضره الفصل بالسعي؛ لأن السعي في الحقيقة تابع للطواف؛ ولأن عائشة رضي الله عنها لما أتت بالعمرة ليلة السفر فإنها طافت وسعت وقصرت وخرجت، ولم ينقل عنها أنها طافت للوداع بعد سعيها، فدل هذا على أن السعي لا يضر إذا فصل بين الطواف وبين الخروج والسفر.
وإنني أوصي إخواني المسلمين: أن يحرصوا على تعظيم شعائر الله، وعلى فعل الحج على صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم بقدر المستطاع، وأن يتجنبوا ما حرم الله عليهم في الإحرام وغير الإحرام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا عني مناسككم) ، وقال الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] .
وأسأل الله لنا ولكم حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً.(178/12)
الأسئلة(178/13)
الأفضل لمن بلغ عمره الثلاثين: هل يحفظ القرآن أم يكتفي بقراءته؟
السؤال
أيهما أفضل: قراءة القرآن أم حفظ القرآن لمن بلغ عمره ثلاثين سنة أو أكثر من ذلك؟
الجواب
حفظ القرآن، هل يمكن أن يحفظ القرآن بلا قراءة؟ السائل: لا، أقصد يا شيخ التلاوة.
الشيخ: أو بلا تلاوة، هل يمكن؟ السائل: لا.
مثلاً الإنسان يتعبد بأن يقرأ هذا اليوم ثلاثة أجزاء.
الشيخ: لا.
الحفظ أفضل؛ لأنه بالحفظ يحصل له التلاوة والحفظ.
السائل: ولو بلغ عمره هذا السن؟ الشيخ: ولو بلغ؛ لأن الناس يختلفون، بعض الناس حتى لو بلغ ثلاثين سنة يكون عنده حافز وبعض الناس لا.(178/14)
حكم الوتر ليلة النحر
السؤال
يا شيخ! بالنسبة للحاج هل يوتر ليلة النحر؟
الجواب
ولماذا لا يوتر: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) .
السائل: بعض العلماء يقول: إنه ما ورد عن الرسول؛ بل ورد أنه نام مباشرة.
الشيخ: إذا لم يرد الأمر ولم يرد الترك أو النهي عنه، فما الأصل؟ الأصل بقاء الحكم، فيوتر حسب عدد ما يوتر: ركعة أو ثلاث ركعات أو خمساً حسب ما يوتر به.(178/15)
صلاة الفريضة على الراحلة عند الضرورة
السؤال
من ناحية الصلاة يا شيخ! للذين يسيرون من عرفة إلى مزدلفة إذا لم يتمكنوا من أداء الصلاة خارج خط السير كما تفضلتم، هل يصلون في الراحلة؟
الجواب
إذا لم يتمكنوا يصلوا على الراحلة، لكن عدم التمكن غير وارد أصلاً، فالسائق يوقف سيارته ويخرج يميناً أو يساراً.
السائل: ما تتركهم رجال الدوريات؟ الشيخ: والله على كل حال نحن نمشي كثيراً ولا نجد دوريات، لكن أحياناً لا يتمكن الإنسان، حيث يكون مثلاً في مكان حول وادي شعيب، جسر فلا يستطيع، المهم إذا لم يتمكن يصلي على الراحلة، كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه أنهم صلوا على رواحلهم حين أمطرت السماء، فكانت السماء تمطر والأرض تجري فصلوا على الرواحل الفريضة.(178/16)
من أفطر في رمضان لمس أصابه أو لخلل في العقل
السؤال
رجل أصيب بمرض جن ولم يصم رمضان الماضي، وجاء عليه رمضان هذا فلم يصم كذلك، فما حكمه؟ الشيخ: مختل العقل؟ السائل: هو كان في رمضان الماضي مختل العقل إلى أن ظهر فيه مرض جن، ولكن بعد ذلك تعافى لكنه لم يقض، جاء عليه رمضان هذا ولم يقض وسمعت هذه الأيام أنه يسأل ماذا يصنع؟ الشيخ: السؤال الآن: رمضان هذا العام صام أم لم يصم؟ السائل: نعم.
الشيخ: الحمد لله، أما رمضان الماضي فما دام ليس له عقل فليس عليه صيام.
السائل: ولا كفارة ولا شيء؟ الشيخ: ولا كفارة ولا شيء.(178/17)
الإحرام من الميقات للعمرة لمن كان مشاركاً في مهمة عمل
السؤال
إن شاء الله سأنوي أداء العمرة يوم الحج، وهو مشارك في مهمة قال: إذا سمح لي عملي، وفي غالب الظن أن العمل لا يمانع، لكن نقول: بنسبة (10%) يضعها من باب الاحتياط، فتجاوز الميقات الآن، هل يلزمه الرجوع لأداء الإحرام من الميقات؟
الجواب
لا.
الرجل الذي في مهمة ولا يدري أيؤذن له أم لا لا يلزمه الإحرام من الميقات، فإن أذن له أحرم من المكان الذي تم فيه الإذن.
السائل: هذه حصلت في مهمة السنة الماضية.
الشيخ: انتهى هذا جواب.
السائل: نعم أنا أقول لك الآن: هناك نقطة ثانية تتعلق بالفتيا: كثير من إخواننا في جهات ما يفتون خلاف هذا.
الشيخ: ماذا يقولون؟ السائل: يفتي يقول: يجب أن ترجع الميقات.
الشيخ: ليس صحيحاً.
السائل: هل هذا من باب الفتيا بغير علم؟ الشيخ: إي نعم، لأن الرجل لم يعزم.
السائل: لا.
أحضر معه إحرامه وأحضر معه كل شيء.
الشيخ: لكن هل عزم أم لا؟ لا يستطيع أن يعزم إلا بإذن.
السائل: العزيمة موجودة لكن الشيخ: العزيمة على الفعل إن هذا الشرط يمنع التنفيذ.(178/18)
حكم نسخ البرامج التي مكتوب عليها (حقوق الطبع محفوظة)
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز نسخ برامج الحاسب الآلي مع أن الشركات تمنع ذلك والنظام؟ وهل يعتبر ذلك احتكاراً وهي تباع بأسعار غالية، وإذا نسخت تباع بأسعار رخيصة؟
الجواب
القرآن؟ السائل: برامج الحاسب الآلي عموماً.
الشيخ: القرآن؟ السائل: القرآن وغير القرآن والحديث وبرامج أخرى كثيرة.
الشيخ: يعني: ما سجل فيه؟ السائل: ما سجل في الأقراص.
الشيخ: أما إذا كانت الدولة مانعة فهذا لا يجوز؛ لأن الله أمر بطاعة ولاة الأمور إلا في معصية الله، والامتناع من تسجيلها ليس من معصية الله.
وأما من جهة الشركات فالذي أرى أن الإنسان إذا نسخها لنفسه فقط فلا بأس، وأما إذا نسخها للتجارة فهذا لا يجوز؛ لأن فيه ضرراً على الآخرين، يشبه البيع على بيع المسلم؛ لأنهم إذا صاروا يبيعونه بمائة ونسخته أنت وبعته بخمسين هذا بيع على بيع أخيك.
السائل: وهل يجوز أن أشتريها بخمسين من أصحاب المحلات وهو منسوخ.
الشيخ: لا يجوز إلا إذا قدم لك أنه مأذون له، وأما إذا لم يقدم فهذا تشجيع على الإثم والعدوان.
السائل: إذا لم يؤذن له هو؟ جزاك الله خيراً.
الشيخ: وإذا كنت أيضاً لا تدري، أحياناً الإنسان لا يدري يقف على هذا المعرض ويشتري وهو لا يدري، هذا لا بأس به، الذي لا يدري ليس عليه شيء.(178/19)
المرأة إذا نذرت ألا تصافح الرجال ولا تكلمهم
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا امرأة نذرت ألا تصافح الرجال ولا تكلمهم ما الحكم في ذلك؟
الجواب
حتى وهم محارمها؟ السائل: لا.
من غير محارمها، ما الحكم في ذلك جزاكم الله خيراً؟ الجواب: أما نذرها ألا تصافح الرجال فهذا خير ونذر طاعة.
وأما نذرها ألا تكلم الرجال فهذا ليس من الطاعة؛ لأن كلام الرجال ليس بمحرم إلا إذا خيف منه الفتنة، فإذا كانت هي بنفسها امرأة كلما كلمت رجلاً تحركت شهوتها وتمتعت بكلامه هذا حرام عليها، لكن هذه قضية خاصة.
أما العموم فالمرأة يجوز لها أن تكلم الرجل ويجوز أن يسمع الرجل صوتها، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يسمعون أصوات النساء اللاتي يأتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتين.
بل إن القرآن يدل على هذا، قال الله تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] فقال: (لا تخضعن) وهذا يدل على أن الصوت العادي لا بأس به.
فإذا كان لسبب يختص بها بحيث أنها إذا كلمت أي رجل ثارت الشهوة أو تمتعت بكلامه فهذا نذر طاعة، يجب عليها الوفاء به وألا تكلم الرجال، وإن كانت سالمة من هذا فهو نذر مباح إن شاءت كلمت الرجال وكفرت كفارة اليمين، وإن شاءت لم تكلمهم، ولا كفارة عليها إذا لم تكلمهم.(178/20)
حكم إخراج الزكاة لفقراء غير البلد
السؤال
فضيلة الشيخ! حفظك الله، هل يجوز دفع الزكاة في بلد غير بلد المزكي، مع العلم أنه يعرف شخصاً فقيراً وفي حاجة إلى الزكاة في بلدٍ آخر؟
الجواب
إذا تميز إخراج الزكاة عن البلد بميزة شرعية مثل أن يكون له أقارب في بلدٍ آخر فلا بأس، وأما بدون تمييز فإنه لا يجوز أن تنقل عن بلد المال؛ لأن أهل بلد المال أحق من غيرهم، بل إن بعض العلماء لا يُجَوِّز أن تنقل عن بلد المال إلا إذا لم يكن فيه مستحقون للزكاة.
وبهذا نعرف احتياط الشرع في مثل هذه الأمور، ولكن الذي ينبغي أن يسأل عنه ونحن الآن في زمنه: مسألة الأضاحي الذين يدعون إلى أن يأخذوا دراهم المسلمين من أجل أن يضحوا بها في الخارج، فهذه دعوة غير صحيحة، لا تخاطر بدينك، الأضحية شعيرة من شعائر الله، كما قال الله عز وجل: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج:36] الأضحية عبادة تتقرب إلى الله تعالى بذبحها، وهذه القربة مقرونة بالصلاة، قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] ، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:162-163] .
الأضحية يذكر الإنسان ربه عليها، ويتقرب إليه بذبحها، وليس المقصود منها اللحم، المقصود منها إقامة الشعيرة والتعبد لله تعالى بالذبح، قال الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] وانظر إلى هدي نبيك عليه الصلاة والسلام: كان يخرج بأضحيته إلى المصلى ليذبحها في المصلى لإظهار هذه الشعيرة ويذبحها بيده صلوات الله وسلامه عليه، لكن إذا أعطينا الدراهم أين إظهار الشعيرة؟! ربما لو تكالب الناس على هذا وانكبوا عليه ألا يكون في البلد أضحية؛ لأن الناس يسهل عليهم أن يخرج مائتي ريال أو ثلاثمائة ريال أو خمسمائة ريال من جيبه ويعطيها هذه اللجنة، يسهل عليه، فإذا ظن أن هذا مثل أن يذبحها في بلده فقد أخطأ، ومن أفتاه بأن هذا مثله أو أفضل فقد أخطأ، ثم هذه الدراهم التي تذهب إلى الخارج لا تدري من يتولى الذبح، قد يتولاها صاحب بدعة مكفرة لا تحل ذبيحته، وقد يتولاها من لا يصلي، وقد يتولاها من لا يعرف شروط الأضحية فيضحي بصغير أو بمعيب، وقد يضحي بها بعد خروج وقت الأضحية، وقد لا يسمي الله عليها عمداً أو نسياناً، ثم لو انتفى كل هذا وقدم للإنسان مائة رأس وذبح لمن هذه الذبيحة؟ لأي شخص من الناس؟ أسأل لمن هذه الذبيحة؟ لا ينويها عن فلان ولا عن فلان، وكأنها دراهم تؤخذ للصدقة، يأخذ من كيسه ريالاً ويتصدق به، هذا ليس بصحيح، لا بد أن تعيَّن: هذه أضحية فلان بن فلان، وإلا ما صحت، لا يصح لك أن تجمع مائة رأس، وتقول: اذبح باسم الله اذبح اذبح! لمن؟ إذا قدرنا أنه أعطاك مائة نفر وذبحت أول واحدة عمن تنويها عن آخر واحد أو عن أول واحد مع أنهم لا يدرون من الأول والآخر، فيقع المذبوح عنه مبهماً لا يدرى من هو، فالمسألة خطيرة، وأهم شيء أن تراعي الشعيرة في البلاد الإسلامية وألا يذهب بها إلى بلاد أخرى، ولو كانت البلاد الأخرى إسلامية، إن الله عز وجل حكيم لما فقد أهل الأوطان أن يتقربوا إلى الله بالهدي كما يفعله الحجاج شرع لهم الأضحية حتى يقيموا شعائر الله في بلادهم كما أقام الحجاج شعائر الله في مكة، كيف نغفل هذا المعنى العظيم لمجرد أننا ننفع إخواننا، أنا أقول: انفع إخوانك لكن بماذا؟ بالدراهم، بالنفقات، بالملابس، بالفرش، بالخيام، بأي شيءٍ تريد، باللحم، اذبح لحماً وأرسله لهم، لكن شعيرة من شعائر الله تترك التقرب إلى الله بها وتكلها إلى فلانٍ وفلان من لا يعلم من هو.
أرجو منكم بارك الله فيكم أن تحذروا منها كل إخوانكم، في كل مجلس نبهوا الناس على هذا، لا يضيعوا هذه الشعيرة: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج:36] شعائر الله أن يذهب بها يميناً ويساراً، ويمضي عليك العيد وكأنك لم تضح.
أرجو منكم التعاون على البر والتقوى بأن تنبهوا إخوانكم على ذلك، وتقولوا: الحمد لله الباب مفتوح أرسل دراهم لإخوانك في البلاد الأخرى واذبح، أو اذبحها هنا وكل وأرسل لهم لحماً، أليس الله سبحانه وتعالى يقول: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج:36] فبدأ بالأكل قبل الإطعام، وهل التي تذبح في أبعد بلادٍ عنك تأكل منها؟ أبداً.
مسألة الهدي بارك الله فيك: فيه مشقة في منى على العاجز دون الإنسان الحازم؛ لأن هناك أناساً من منطقتنا يذهبون إلى منى ويذبحون، ومن حين ما يخرج من مكان الذبح الناس يتلقفونه: أعطونا أعطونا، لكن الناس فيهم كسل، ويتعبون إذا رأوا هذه اللحوم، وربما تكون في اليوم الثاني لها رائحة، فأنت احرص على ألا تعطي لتجعل شحناء، احرص أنك أنت تذهب وأهل منطقتك وتأخذون لكم هدياً وتذهبون وتبعدون وتذبحونها في مزدلفة أو في أي مكان، لكن لا تذبحوها خارج الحرم؛ لأن ذبحها خارج الحرم عند كثيرٍ من العلماء لا يجزئ، لا بد أن تذبح داخل حدود الحرم في مزدلفة في جهة الشرائع لكن داخل الأميال في كل مكان.
وبهذا ينتهي هذا اللقاء، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(178/21)
لقاء الباب المفتوح [179]
بدأ الشيخ هذا اللقاء بالكلام حول ضرورة مراجعة النفس ومحاسبتها، والنظر في أعمالها خلال السنة المنصرمة.
وقبل البدء بالإجابة عن الأسئلة تناول تفسير بعض الآيات من أواخر سورة النجم، وقد بين من خلالها ضلال دعاة المساواة بين الرجل والمرأة، وحقيقة السهولة والهون في مسألة إعادة الله للخلق.(179/1)
ضرورة محاسبة النفس
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا نفتتح هذا اللقاء المبارك (لقاء الباب المفتوح) بعد موسم الحج عام (1418هـ) ، في هذا اليوم الخميس السادس والعشرين من شهر ذي الحجة عام (1418هـ) .
ونستهل هذا اللقاء بمراجعة أنفسنا ومحاسبتها، ماذا عملنا في هذا العام الذي يكاد أن ينصرف؟ ماذا عملنا من خير وماذا تركنا من سوء؟ إن التاجر ليراجع دفاتر حسابه عند رأس كل سنة مالية، هذا وهو إنما يدبر أموراً دنيوية لا تنفعه في الآخرة إلا ما أراد به وجه الله منها، فكيف بنا نحن؟! هل راجعنا أنفسنا فرأينا تقصيراً في واجب نتداركه أو فعلاً لسيئ فنقلع عنه؟ أرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون كذلك.
إن هذه الدنيا كلها تمضي، وكل شيءٍ فيها فإنه عبرة، إن نظرت إلى الشمس تخرج في أول النهار ثم تأفل في آخر النهار وتزول، هكذا وجود الإنسان في الدنيا يخرج ثم يزول، إن نظرنا إلى القمر كذلك يبدو أول الشهر هلالاً صغيراً ثم لا يزال ينمو ويكبر فإذا تكامل بدأ بالنقص حتى عاد كالعرجون القديم، كذلك إذا نظرنا إلى الشهور تجد الإنسان يتطلع إلى الشهر المقبل تطلع البعيد، فمثلاً يقول: نحن الآن في الشهر الثاني عشر بقي على رمضان ثمانية أشهر فما أبعدها! وإذا به يمر عليها بسرعة، وكأنها ساعة من نهار، هكذا العمر أيضاً -عمر الإنسان- تجده يتطلع إلى الموت تطلعاً بعيداً ويؤمل وإذا بحبل الأمل قد انصرم، وقد فات كل شيء، تجده يحمل غيره على النعش ويواريه في التراب ويفكر: متى يكون هذا شأني؟ متى أصل إلى هذه الحال؟ وإذا به يصل إليها وكأنه لم يلبث إلا عشية أو ضحاها.
أقول هذا من أجل أن أحمل نفسي وأحمل إخواني على المبادرة باغتنام الوقت، وألا نضيع ساعة ولا لحظة إلا ونحن نعرف حسابنا فيها، هل تقربنا إلى الله بشيء؟ هل نحن ما زلنا في مكاننا؟ ماذا يكون شأننا؟ علينا أن نتدارك الأمور قبل فوات الأوان، وما أقرب الآخرة من الدنيا، وكان أبو بكر رضي الله عنه يتمثل كثيراً بقول الشاعر:
وكلنا مصبحٌ في أهله والموت أدنى من شراك نعله
أسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة، وأن يجعل مستقبل أمرنا خيراً من ماضيه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.(179/2)
تفسير آيات من سورة النجم
نبتدئ هذا اللقاء الذي نرجو الله أن يكون مباركاً بما كنا نفتتح به جميع اللقاءات وهو الكلام على شيءٍ من الآيات الكريمة، وذلك أنه ينبغي لكل مسلم أن يعتني بكتاب الله عز وجل، وأن يقرأه مرتلاً على مهل، ويتدبر آياته فإن الله أنزله لهذا، قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] فلا بد من التدبر -يعني: فهم المعنى- ثم يليه التذكر يعني: الاتعاظ.
ولقد اخترنا تفسير المفصل؛ لأنه كثيراً ما يسمعه الناس من قراءة الأئمة في الصلوات.(179/3)
تفسير قوله تعالى: (وأن إلى ربك المنتهى)
لقد انتهينا فيما سبق إلى قوله تبارك وتعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:42] وهذه الآية فيها قراءتان: القراءة الأولى: فتح الهمزة: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:42] .
والثانية: كسر الهمزة: {وَإنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:42] وكلاهما قراءتان صحيحتان سبعيتان، إذا قرأ الإنسان بإحداهما صح، بل الأولى للإنسان الذي يعرف القراءات أن يقرأ بهذه القراءة مرة وبهذه القراءة مرة أخرى، لكن لا على ملأ من الناس وسماعٍ منهم؛ لأن العامة إذا سمعوك تقرأ على خلاف ما يعلمون فسيحصل بذلك مفسدة؛ إما أن يقولوا: إن هذا الرجل لا يعرف القرآن، وإما أن يتشككوا في القرآن، حيث يظن العامي أن القرآن لا يمكن أن يبدل أو يغير، لذلك ننصح إخواننا الذين أعطاهم الله تعالى علماً في القراءة ألا يقرءوا إلا بالقراءة المعروفة عند العامة حتى لا يحصل اللبس، لكن فيما بينك وبين نفسك إذا كنت تدرك القراءة الثانية إدراكاً تاماً فاقرأ بها أحياناً؛ لأن الكل سنة، والكل كلام الله عز وجل.
فإذا كانت بالكسر: (وإن إلى ربك المنتهى) صارت هذه الجملة وما بعدها ليست في صحف إبراهيم وموسى، بل تكون استئنافية.
وإذا كانت بالفتح: (وأن إلى ربك المنتهى) صارت هذه الجملة وما بعدها مما جاء في صحف إبراهيم وموسى.
وعلى كلٍ فهي كلام الله عز وجل.
{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} في أي شيء؟ في أمور الدين والدنيا، فإلى الله المنتهى في مسائل العلم، عندما تشكل علينا مسألة من مسائل العلم إلى أين ننتهي؟ إلى الله ورسوله، كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] ، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقول شيئاً من عنده، إنما هو من عند الله عز وجل، فيكون المنتهى إلى الله في الحكم بين الناس وفي الحكم في الناس.
(إلى ربك المنتهى) أيضاً منتهى الخلائق؛ لأن هذا الخلق الموجود الآن سوف يفنى وينتقل إلى خلقٍ آخر، كما قال عز وجل: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق:15] المنتهى على هذا التقدير هو يوم القيامة، فإلى الله المنتهى، أي: إلى الله المصير، فمنتهى أحوالنا وأحكامنا وجميع ما يصدر منا وعلينا إلى الله عز وجل.
وإذا كان إلى الله المنتهى فإلى من تشكو إذا أصابك الضر؟ إلى الله عز وجل، وإذا أردت النفع فمن تطلب؟ الله عز وجل؛ لأنه إليه المنتهى، وكم من إنسان انعقد له أسباب الرزق وإذا به يحرم منه في آخر لحظة، ربما يشتغل بإنشاء محطة على أنه يريد أن يرتزق بها، وإذا كان الله لم يرد هذا احترقت المحطة.
إذاً: لا يجلب لك الخير إلا الله، ولا يمنع عنك الضرر إلا الله عز وجل، فاجعله منتهاك في كل أمورك.(179/4)
تفسير قوله تعالى: (وأنه هو أضحك وأبكى)
قال تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم:43] هل المراد حقيقة الضحك أو المراد لازم ذلك وهو الفرح؟ وكذلك يقال في أبكى: هل المراد حقيقة البكاء أو المراد الحزن؟ إذا نظرنا إلى ظاهر اللفظ قلنا: الضحك الحقيقي، والضحك الحقيقي لا ينشأ إلا عن سرور، (وأبكى) البكاء الحقيقي، والبكاء لا يحصل إلا عن حزن، فالله تعالى أضحك في الدنيا وأبكى، وأضحك في الآخرة وأبكى.
الكفار في الدنيا الآن يضحكون على المسلمين والمؤمنين: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:29] لكن هذا ضحك سيعقبه بكاء في يوم القيامة: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [المطففين:34] فالذي أضحك في الدنيا وأبكى، والذي أضحك في الآخرة وأبكى هو الله عز وجل.
إذاً: هو مقدر ما يكون به الضحك، ومقدر ما يكون به البكاء، وأتى بالأمرين وهما متقابلان ليعلم بذلك أن الله سبحانه وتعالى على كل شيءٍ قدير، وهو القادر على خلق الضدين.(179/5)
تفسير قوله تعالى: (وأنه هو أمات وأحيا)
قال تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} [النجم:44] أمات في الدنيا وأحيا في الدنيا، وأمات أيضاً في الدنيا وأحيا في الآخرة، والآن البشر تجد هذا تنفخ فيه الروح اليوم فيكون الله قد أحياه، والآخر تنزع روحه من بدنه ويكون الله قد أماته، وهكذا دواليك، هو الذي أمات وأحيا، وهناك أيضاً ميزة عامة وحياة عامة، أمات العالم في الدنيا وأحياهم في الآخرة، فهو الذي خلق الموت وهو الذي خلق الحياة، وهذان أيضاً متضادان حياة وموت كلها من عند الله عز وجل؛ لأن الله تعالى على كل شيء قدير.(179/6)
تفسير قوله تعالى: (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى)
قال تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ} [النجم:45-46] (خلق الزوجين) الزوج بمعنى: الصنف، ومثاله قوله تعالى: {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص:58] أي: أصناف، وقوله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات:22] ليس المراد: زوجاتهم، المراد: أزواجهم أي: أصنافهم.
إذاً: (الزوجين) أي: الصنفين، ثم بين هذين الصنفين، فقال: {الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [النجم:45] من مادة واحدة (من نطفة) وهي المني، (إذا تمنى) أي: تراق وتصب في رحم المرأة، فالله عز وجل خلق هذين الصنفين المختلفين خلقة، المختلفين مزاجاً، المختلفين عقلاً، المختلفين فكراً من شيءٍ واحد، من نطفة، ولهذا قال الله تبارك وتعالى في آخر سورة القيامة: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:39-40] ؟
الجواب
بلى.
فالله تعالى خلق الزوجين الذكر والأنثى من شيء واحد، وهذا يدل على كمال قدرته جل وعلا، إذ أنه خلق صنفين مختلفين في كل الأحوال، حتى في القوى البدنية يختلف الرجل عن المرأة، والعقلية والفكرية والتنظيمية يختلف الذكر عن الأنثى، وبذلك نعرف ضلال أولئك القوم الذين يريدون أن يلحقوا المرأة بالرجل في أعمالٍ تختص بالرجل، فإنهم سفهاء العقول، ضلال الأديان، وكيف يمكن أن نسوي بين شيئين أو بين صنفين فرق الله بينهما خلقة وشرفاً؟!! هناك أحكام يطالب بها الرجل ولا تطالب بها المرأة، وأحكام تطالب بها المرأة ولا يطالب بها الرجل، وأما قدراً وخلقة فالأمر واضح، لكن هؤلاء الذين لم يوفقوا وسلب الله عقولهم وأضعف أديانهم يحاولون الآن أن يلحقوا النساء بالرجال، وهذه لا شك أنها فكرة خاطئة مخالفة للفطرة مخالفة للطبيعة، كما أنها مخالفة للشريعة أيضاً.
{مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} [النجم:46] ما معنى تمنى؟ أي: تصب وتراق في الرحم، ومنه سمي المكان الذي حول مكة منى قال العلماء: لأنها تمنى فيه الدماء؛ لأن الهدي يذبح يوم العيد في منى، فتراق فيه الدماء؛ ولذلك سمي هذا المكان باسم ما يحدث فيه.(179/7)
تفسير قوله تعالى: (وأن عليه النشأة الأخرى)
قال تعالى: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} [النجم:47] على من؟ على الله، وفي هذا دليل على أن الله أوجب على نفسه أن يبعث الناس؛ لأن الناس لو كانوا يحيون ويموتون بلا إرجاع لكان هذا عبثاً محضاً، لأننا نعلم الآن أن الناس في الدنيا يختلفون في الغنى والفقر، والقوة والضعف، والذكاء والعقل، وغير ذلك، لو كان الخلق هكذا فقط بدون إرجاع لكان هذا منافياً للحكمة تماماً، لكن لا بد من رجوع، ولهذا قال: (وأن عليه) و (على) ماذا تفيد؟ مثلاً: إذا قلت: عليك تفعل كذا يعني: واجب، فـ (على) تفيد الوجوب، فيكون الله أوجب على نفسه أن ينشئ الناس مرة أخرى، ولا مانع أن الله يفرض على نفسه ما شاء، كما قال تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:54] أي: أوجب على نفسه الرحمة.
كذلك هنا قال: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} [النجم:47] أي: على الله، أوجب الله على نفسه أن ينشئ الناس نشأة أخرى للجزاء كلٌ بحسب عمله، والنشأة الأخرى تفيد بأن هنالك نشأة قبل، وهي النشأة الأولى، وهي ابتداء خلق الناس من عند الله عز وجل.
وفي قوله: (الأخرى) فائدة عظيمة وهي الإشارة إلى أن القادر على الأولى قادر على الآخرة، والنشأة الآخرة أهون من الأولى، كما قال عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] كله عليه هين، لكن الهين يختلف باعتبار ذاته لا باعتبار قدرة الله، فقدرة الله لا تختلف، فالأمر عنده (كن فيكون) سواء كان أعلى شيء أو أدنى شيء.
لكن بالنسبة للمقدور عليه أيهما أهون؟ الإعادة أهون أما بالنسبة لقدرة الله فكلها واحدة؛ لأن المسألة لا تعدو أن يقول: كن فيكون.
وبهذا نعرف أن بعض المفسرين رحمهم الله وعفا عنهم قالوا في قوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] أي: وهو هين عليه، وهذا غلط، كيف يقول الله عن نفسه: (وهو أهون عليه) ونقول: وهو هين؟! لكن نقول: الهون له نسبتان: نسبة للمفعول، ونسبة للفاعل، بالنسبة للفاعل هما سواء؛ لأن كل شيء منهما يتكون بكلمة واحدة: كن فيكون.
وبالنسبة للمفعول يختلف، ولا شك أن الأول أشد من الثاني.
إذاً: كلمة: (الأخرى) فيها فائدة وهي: الإشارة إلى أن القادر على الأولى قادر على الأخرى من باب أولى، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] .
أسأل الله تعالى أن يجعل مصيرنا ومصيركم إلى الجنة، وأن يجعل آخر أمورنا خيراً من أولها، إنه على كل شيءٍ قدير.(179/8)
الأسئلة(179/9)
حكم جعل جوائز لمن يصوم نفلاً من الطلاب
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض المدرسين يجعل جوائز تشجيعية للطلبة إن صام مثلاً عاشوراء أو عرفة فيجعل له جائزة، وأنكر عليه بعض المدرسين، فما رأيكم في هذا الشيء؟
الجواب
رأيي أن الإنكار حق، ولا ينبغي لنا أن نعود الناس على جوائز دنيوية في مقابل أعمال دينية؛ لأن الإنسان يبدأ ينظر إلى هذه الجوائز، نعم يحثهم على هذا ويرغبهم في صوم الإثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر ولتكن الأيام البيض، أما أن يعطيهم جوائز فلا، لكن لو فعلوا وأراد أن يعطي أحداً جائزة فأرجو ألا يكون في هذا بأس.(179/10)
قراءة (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) خلف المقام
السؤال
ذكر بعض المفسرين في قول الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة: 125] أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد الطواف يتجه إلى مقام إبراهيم فيصلي خلفه ركعتين ثم يتلو هذه الآية، والسؤال: هل يمكن أن يقال: إنه يشرع أن تتلى هذه الآية لمعتمر أو غيره اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل الحديث في ذلك صحيح؟
الجواب
الحديث في صحيح مسلم من حديث جابر الطويل المعروف: (كان إذا فرغ من الطواف تقدم إلى مقام إبراهيم وقرأ فيما تقدم: ((وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً)) [البقرة:125] ) وذلك ليشعر نفسه أنه إنما تقدم إلى هذا المقام ليصلي خلفه امتثالاً لأمر الله.
وكذلك أيضاً: (حينما دنا من الصفا قرأ: ((إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ)) [البقرة:158] ابدأ بما بدأ الله به) ليشعر نفسه أن هذا السعي من شعائر الله، وأنه يبدأ بـ الصفا لأن الله بدأ به.
وهكذا أيضاً ينبغي لنا في كل طاعة أن نشعر بأننا نفعلها امتثالاً لأمر الله، مثلاً: الوضوء، أكثرنا يتوضأ الآن على أي أساس؟ على أن الوضوء شرط لصحة الصلاة، هذا هو الذي يكون في ذهن الإنسان، لكن ينبغي للإنسان أن ينوي بذلك أنه ممتثلٌ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] حتى يشعر بالعبادة والتذلل لله عز وجل.
كذلك أيضاً هو يتوضأ الآن على صفة مخصوصة ينبغي أن يشعر بأنه يتبع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكون جامعاً بين الإخلاص والمتابعة، هذه مسألة نغفل عنها كثيراً، فنحن نتوضأ؛ لأننا نعتقد أن الوضوء شرطٌ لصحة الصلاة، لكن كوننا نشعر بأن هذا من أمر الله خير.
وعلى هذا: ينبغي للإنسان إذا فرغ من الطواف وتقدم إلى مقام إبراهيم أن يتلو هذه الآية، وإذا دنا من الصفا أول مرة -لا إذا صعد عليه- أن يقول: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] ولا يعيدها مرة ثانية لا عند الصفا ولا عند المروة.(179/11)
حكم من رأى حلماً أزعجه
السؤال
فضيلة الشيخ: شخص توفي والده ويعرض له في المنام، وبعض الليالي يعرض له وهو غاضبٌ عليه، فما رأيكم في ذلك؟
الجواب
لا يهتم بها، وسنعطيكم فائدة تستريحون فيها: كل حلمٍ مزعج فهو من الشيطان، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، أي حلم تراه مزعجاً فهو من الشيطان، فما هو الطريق إلى التخلص منه؟ الطريق كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن تقول: (أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت، وتتفل عن يسارك) ، وإذا استيقظت وأنت في مرقدك انقلب على الجانب الثاني، فإن عاد عليك وأزعجك فقم وتوضأ وصل، ولا تخبر أحداً؛ لأنك لو أخبرت أحداً ثم عبره على حسب الرؤيا وقع، فإن الرؤيا على جناح طائر إذا عبرت وقعت، وما أكثر الذين يسألون عن رؤىً يرونها في المنام تزعجهم، ولكننا نرشدهم إلى ما أرشد إليه الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو أن يقول: (أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت) ، ولا يخبر أحداً، وليتغافل عنها، فهذا الشيطان يتمثل بصورة أبيه على أنه غاضبٌ عليه ليزعجه ويقلق راحته، والطريق إلى ذلك أن تقول: أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت، ولا تحدث أحداً، وتلهى عنه.(179/12)
بيان إشكال حول قوله تعالى: (يخرج من بين الصلب والترائب)
السؤال
في ترجيحكم في قول الله سبحانه وتعالى في التفسير: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:7] ، قلتم: إنها تختص بالرجل من ناحية الصلب والترائب، وأشكل عليَّ هذا مع حديث السبق في الشبه بالمرأة، كيف يمكن الجمع بين هذا؟
الجواب
هذا لا يمنع؛ لأن قوله: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق:6] المرأة لا يمكن أن يكون ماؤها دافقاً أبداً، بل الدافق هو ماء الرجل، والشبه لا يمنع أنه إذا اختلط الماء الدافق بهذا أثر الشبه، ولهذا جاء في آية {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} [النجم:46] نطفة المرأة لا تصب في قُبل الرجل.(179/13)
حكم توزيع سعر السلعة على أقساط معينة بمسميات معينة
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك طريقة الآن انتشرت بالنسبة للبيع في المعاملات: حيث يدفع نصف قيمة السيارة مثلاً ثم يدفع قيمة الشيخ: يعني: التأجيل منتهي بالتمليك؟ السائل: لا.
الشيخ: غيره؟ السائل: نعم.
وهو شبيه به، يعني: يدفع نصف قيمة السيارة، وبعد عامين يدفع النصف الباقي، ولكن في كل شهر يدفع مبلغاً بسيطاً يسمى الخدمات الإدارية أو مثل هذا الشيء، فما الحكم؟
الجواب
كل هذا في الحقيقة تحايل على شيءٍ لا داعي له، ولنا أن نقول: بعت عليك السيارة هذه بخمسين ألفاً: عشرين ألفاً نقداً، وعشرين ألفاً بعد سنة، وعشرة آلاف يدفع منها في كل شهر ألف ريال، فنقول: هكذا، وهذا ليس فيه شيء، لكن نضيف إلى الثمن شيئاً ليس له داعٍ؛ لأنه ليس فيها خدمات، الخدمات انتهت بالوثيقة الأولى وفي النهاية تمزق هذه الوثيقة، فلهذا نقول لهؤلاء: لا تجعلوها على هذا الوجه، قل: بعت عليك بخمسين ألفاً: عشرين نقداً، وعشرين بعد سنة، وعشرة آلاف موزعة على إحدى عشر شهراً، ويصح.(179/14)
طريقة عقد النكاح
السؤال
هل وردت سنة ثابتة في طريقة عقد النكاح؟
الجواب
السنة ذكرها العلماء رحمهم الله، وهي في حديث ابن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمه التشهد في الحاجة، قال: ومن الحاجة عقد النكاح، وهي: الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا) وبعض الناس يزيد فيها (ونتوب إليه) وبعضهم يزيد: (ونستهديه) وكل هذه لم ترد في الحديث، بل الحديث: (الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له) وهذه أيضاً يغيرها بعض الناس ويقول: (ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً) وهذا خطأ، الذي يريد النص إما أن يحافظ عليه وإما أن يدعه، أما أن يدخل فيه ما شاء ويخرج ما شاء فهذا لا ينبغي، ولا شك أن المحافظة على لفظ النص بدون زيادة ولا نقصان أفضل، ولذلك لو أراد الإنسان أن يقول في التشهد: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد إلى آخره) قال: (اللهم صل على نبينا محمد وسيدنا وخليلنا وإمامنا وما أشبه ذلك) هذا كله أوصاف حقيقية، لا شك أنه خليلنا وأنه إمامنا وأنه سيدنا، لكن هل من الأدب أن نزيدها في حديثٍ حدده لنا الرسول؟ الجواب: لا.
ونحن إذا حذفناها أشد احتراماً للرسول عليه الصلاة والسلام من الذين يزيدونها؛ لأن زيادتها والرسول لم يقلها فيه سوء أدب، أأنتم أعلم أم رسول الله؟! رسول الله، ولو شاء رسول الله لزادها.
فعلى كل حال: هي خطبة الحاجة، وهي في حديث ابن مسعود.
ويقال مثلاً للمتزوج يقول الولي: زوجتك بنتي أو أختي أو من له ولاية عليها، ويقول ذاك: قبلت.
هكذا فقط.
السائل: يا شيخ! هل تكون في المسجد، أو كذا الشيخ: نعم.
استحب بعض العلماء أن تكون في المسجد، وأن تكون بعد عصر يوم الجمعة، لكن كل هذا لا دليل عليه.(179/15)
حكم المسح على خف لم يُلبس على طهارة
السؤال
هل يجوز مسح الخفين في الوضوء عند السفر أو عند لبسهما، مع العلم أنه يقع لبسهما بدون وضوء؟
الجواب
إذا لبس الخفين على غير وضوء لا يجوز أن يمسح عليهما، فمن شروط جواز المسح على الخفين أن يلبسهما على طهارة، وألا يكون ذلك في الحدث الأكبر -يعني: الجنابة- بل في الحدث الأصغر، وأن يكون ذلك في المدة المحددة، وهي: يومٌ وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر، تبتدئ من أول مرة مسح بعد الحدث.(179/16)
حكم ذكر القصص المرتبطة بالقضايا الأخلاقية في مقام وعظ عام أو خاص
السؤال
ذكر بعض القصص التي ترتبط بالقضايا الأخلاقية للعظة يعده البعض من إشاعة الفاحشة، فما صحة ذلك؟
الجواب
أولاً: لا بد من ثبوت هذه القصة.
السائل: ثابتة يا شيخ.
ثانياً: هل من المصلحة أن تقال؟ أخشى أن يظن السامع أن هذا منتشر في المجتمع.
ثالثاً: اعلم أن القصة المنكرة إذا جرت على الألسن والأسماع سوف تقلل من هيبتها، فلا أرى هذا.
السائل: ولأشخاص معينين يخشى وقوعهم في هذه الفاحشة؟ الشيخ: لا بأس.
تكلم معهم بأنفسهم بينك وبينهم.
السائل: ليس على المنابر وفي الخطب؟ الشيخ: لا.
أنا ظننت أنك تقول لي: في المواعظ.
السائل: لأشخاصٍ معينين يحتمل وقوعهم.
الشيخ: هذا شيء آخر، فعلى المنابر أو في المجامع لا أراها، وليس فيها مصلحة.
واعلم أن المنكر إذا استمر على الأسماع استمرأته النفوس وهان عليها، ولذلك لو سمعت قصة معينة في الأخلاق ربما تنفر منها كثيراً، إذا جاءت المرة الثانية قلَّت في نفسك.(179/17)
مسألة دخول الشرك الأصغر تحت مشيئة الله
السؤال
بالنسبة للشرك الأصغر هل يدخل في مشيئة الله سبحانه وتعالى؟
الجواب
حصل فيها خلاف بين العلماء: - منهم من قال: إنه يدخل تحت المشيئة إن شاء الله غفر له.
- ومنهم من قال: لا بد أن يعذب لكن لا يخلد في النار.
وعلى كل حال: حتى لو قلنا: إنه تحت المشيئة، فهل الإنسان ضامن أن الله يشاء أن يغفر له؟ ليس بضامن، حتى المعاصي غير الشرك التي هي داخلة تحت المشيئة بلا شك، لا يجوز للإنسان أن يتهاون بها بناءً على أنها تحت المشيئة؛ لأن الأصل هو وقوع العقاب.(179/18)
حكم المظاهرات في الشرع
السؤال
بالنسبة إذا كان حاكم يحكم بغير ما أنزل الله ثم سمح لبعض الناس أن يعملوا مظاهرة تسمى عصامية مع ضوابط يضعها الحاكم نفسه ويمضي هؤلاء الناس على هذا الفعل، وإذا أنكر عليهم هذا الفعل قالوا: نحن ما عارضنا الحاكم ونفعل برأي الحاكم، هل يجوز هذا شرعاً مع وجود مخالفة النص؟
الجواب
عليك باتباع السلف، إن كان هذا موجوداً عند السلف فهو خير، وإن لم يكن موجوداً فهو شر، ولا شك أن المظاهرات شر؛ لأنها تؤدي إلى الفوضى من المتظاهرين ومن الآخرين، وربما يحصل فيها اعتداء؛ إما على الأعراض، وإما على الأموال، وإما على الأبدان؛ لأن الناس في خضم هذه الفوضوية قد يكون الإنسان كالسكران لا يدري ما يقول ولا ما يفعل، فالمظاهرات كلها شر سواء أذن فيها الحاكم أو لم يأذن.
وإذن بعض الحكام بها ما هي إلا دعاية، وإلا لو رجعت إلى ما في قلبه لكان يكرهها أشد كراهة، لكن يتظاهر بأنه كما يقول: ديمقراطي وأنه قد فتح باب الحرية للناس، وهذا ليس من طريقة السلف.(179/19)
بيان موعد يوم عاشوراء
السؤال
يوم عاشوراء، هل ثبت لديكم موعده؟
الجواب
لا ما ثبت، إلا أن يوم عاشوراء هو العاشر من محرم، هذا الذي ثبت عندي.(179/20)
بيان ارتباط العقيدة بالمنهج والسلوك
السؤال
فضيلة الشيخ! ما العلاقة بين السلوك والعقيدة، وهل يمكن أن يقال: رجل على عقيدة سليمة؛ على عقيدة ومنهج أهل السنة والجماعة، ولكن عنده خلل في بعض أخلاقه؟ فنرجو الجواب بالتفصيل، وأرجو النصيحة -فضيلة الشيخ- للدعاة في هذه المسألة جزاكم الله خيراً؟
الجواب
بارك الله فيك كلما صحت العقيدة صح المنهج وصح السلوك، وكلما اختلت العقيدة اختل المنهج والسلوك، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إن المعاصي تنقص الإيمان، مع أن المعاصي أعمال جوارح إما قول أو فعل أو ترك، لكن قد يكون الإنسان عقيدته سليمة ونيته سليمة ويريد الخير لكن يخطئ في السلوك، ويسلك جادة غير صحيحة، من ذلك مثلاً: الخوارج؛ يصومون ويقرءون القرآن ويصلون، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (إن أحدكم ليحقر صلاته عند صلاتهم، وقراءته عند قراءتهم) ولكنهم أخطئوا في المنهج؛ كفروا المسلمين، واستحلوا دماءهم وأموالهم، فضلوا ضلالاً عظيماً، ولهذا يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عنهم: [أكفارٌ هم؟ قال: من الكفر فروا] ، لكن في الواقع أنه حسب الوصف الذي قال الرسول عليه الصلاة والسلام أنهم يقولون من خير قول البرية، وأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، وأنهم يقرءون القرآن لكن لا يتجاوز حناجرهم -والعياذ بالله-.
فالمهم أن السلوك شيء والعقيدة شيءٌ آخر، وكلما صحت العقيدة صح المنهج وصح السلوك، وقد تكون العقيدة صحيحة بمعنى: أن الرجل يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، لكن يخطئ في المنهج والسلوك.
ولهذا أحث إخواننا الشباب وغير الشباب أن ينظروا إلى سيرة الخلفاء الراشدين وأهل زمانهم والأئمة من بعدهم، الأئمة من بعدهم كانوا في زمن يدعى فيه علناً إلى البدعة ويعاقب من لم يقل بالبدعة، ومع ذلك لم يخرجوا على هؤلاء الأئمة ولا وصفوهم بالكفر، بل كانوا يدعون لهم ويصفونهم بأنهم أمراء مؤمنون، وعلى ذلك إمام أهل السنة الإمام أحمد رحمه الله، وكان الفضيل بن عياض وكذلك الإمام أحمد يقول: لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان.
لكن تجد بعض هؤلاء المنحرفين في سلوكهم إذا قيل لهم: ادعوا للسلطان ادعوا لولي أمركم، قال: أبداً لا ندعو له، وكأن الأمر متعذر على الله عز وجل -نسأل الله العافية- ولم يعلموا أن الله هدى أقواماً يسجدون للأصنام فصاروا يسجدون لرب العالمين عز وجل، والله على كل شيءٍ قدير.
ولذلك نرى أن هذا خطرٌ عظيم، أولئك الذين يقال لهم: ادعوا للحكام، وادعوا لولاة الأمر بالهداية وصلاح البطانة، يقول: لا ندعو له بل ندعو عليه، سبحان الله!! رجل ملكه الله إياك قدراً، هو مالك لك الآن وله السلطة عليك كيف لا تدعو له بالهداية؟!! لكن مشكلة السفه والضلال هو الذي يحمل الإنسان على مثل هذه الأمور.(179/21)
حكم الصلاة في مسجد لا تقام فيه الجماعة
السؤال
فضيلة الشيخ! جماعة يجلسون في مزرعة من المزارع ويحضر عليهم وقتي المغرب والعشاء، ويوجد مسجد قريب منهم تقريباً أربعمائة متر ويسمعون النداء، وهذا المسجد قريب وليس فيه إمام راتب، فهل يذهبون إلى هذا المسجد يصلون أم لا؟ الشيخ: لا شك أن صلاتهم في المسجد أولى: أولاً: لإقامة الجماعة، ما دام المسجد قريباً قد تقام فيه الجماعة وقد لا تقام، فكونهم يذهبون إلى هناك ويقيمون الجماعة ويؤذنون فيه الصلوات الخمس لا شك أنه أولى، لكن الوجوب لا يجب؛ لأن هذا المسجد لم يكن مسجداً معتمداً تصلى فيه الصلوات الخمس.(179/22)
حكم عملية ربط رحم المرأة للحاجة
السؤال
امرأة أصيبت بمرض سرطان الثدي، وأجريت لها عملية تم من خلالها استئصال هذا الأذى، وقد رزقت ولله الحمد والمنة بولدين وأربع بنات، وتريد الآن أن تربط الرحم لتتوقف عن الولادة خاصة أنها تتعب وتعالج الآن في المستشفى التخصصي لمتابعة حالتها، وهي دائماً متعبة، ولا تستطيع أن تتحمل أي مسئولية كونها مدرسة وتعول أولادها بنفسها؟ الشيخ: السؤال عن ربط الرحم؟ السائل: إي نعم.
الجواب
إذا دعت الحاجة إلى ذلك ووافق الزوج عليه فلا بأس؛ لأن هذا جائز، الصحابة كانوا يعزلون والقرآن ينزل ولم ينهوا عن ذلك، وأظن ربط الرحم لو شاءوا لحلوا فيما لو تعافت المرأة وقدرت على الحمل.(179/23)
حكم مس القارئ لجسد المرأة
السؤال
بالنسبة للقارئ ما هي الأماكن التي يجوز أن يمسكها من المرأة، هل له الحق أن يمسك الرأس أو يمسك غير ذلك؟
الجواب
الذي يقرأ على المرضى؟ السائل: نعم.
الشيخ: والله لا أرى له ذلك مهما كان، لا يضع يده على موضع الألم بالنسبة للمرأة، أما بالنسبة للرجل فإنه من المستحسن أن يضع الرجل يده على موضع الألم ويقول: (أعيذك بعزة الله وقدرته من شر ما تجد وتحاذر) وما أشبه ذلك مما ورد به السنة.(179/24)
كيفية تقليب الطلاب للمصحف في حال منع المدرس لهم من الخروج للوضوء
السؤال
فضيلة الشيخ: مدرس القرآن في المدارس لا يسمح للطلاب بالخروج في حصة القرآن للوضوء، فكيف يقلبون المصحف؟
الجواب
يضع الطالب منديلاً على يده ويقلب المصحف أو يقلبه بمسواك أو شبهه، أو يقول لهم مثلاً: توضئوا قبل دخول الدرس، فإنني لن آذن لأحدٍ أن يخرج.
فأمامه الآن طريقان: الطريق الأول: أن يمكنهم من مس المصحف بحائل.
الطريق الثاني: أن يلزمهم بأن لا يدخل أحد إلا متوضئاً.(179/25)
حكم القراءة على الملح ونفخه في أرجاء البيت
السؤال
بالنسبة للقراءة هل يجوز القراءة على الملح ونفخه في أرجاء البيت للاحتراز من الشياطين وغيرهم؟
الجواب
لا.
هذا غير صحيح، قولهم: إنه إذا قرأ على الملح وذره في البيت لا تقربه الشياطين هذا خطأ وليس بصحيح، ولا يجوز العمل به.(179/26)
كيفية محاسبة الميت الذي يتأخر دفنه أو لا يتمكن من دفنه
السؤال
فضيلة الشيخ محمد! نشهد الله على حبكم في الله والحاضرين.
الشيخ: أحبك الله الذي أحببتنا فيه.
السائل: يا فضيلة الشيخ! بالنسبة لسؤال الملكين في القبر واضح بالنسبة للذي يموت ويدفن، ولكن في بعض الأحيان يوضع الميت في الثلاجة لمدةٍ قد تصل إلى شهور، فمتى يتم سؤاله في القبر بالنسبة له، هل بمجرد موته، أو بمجرد وضعه في القبر، وفي بعض الحالات لا يتم دفن الميت كأن تنفجر به الطائرة أو يموت في البحر، فكيف يكون سؤال الملكين أيضاً في القبر بالنسبة له؟ ومتى ذلك؟
الجواب
العلم عند الله، لكن أرى أنه متى سلمه أهل الدنيا إلى عالم الآخرة حصل السؤال، وأن كلام الرسول عليه الصلاة والسلام في أنه يسأل إذا دفن بناءً على الغالب المشاهد، فمثلاً: هذا الذي يوضع في الثلاجة حتى تنتهي إجراءات موته لا يسأل حتى يسلم لعالم الآخرة، بمعنى: حتى يدفن.
وكذلك أيضاً من احترق إن لم نطلع على جثته فهذا يحاسب، لن نستطيع دفنه ولا نطلع على جثته، ولكن تجب الصلاة عليه صلاة الغائب، وأما من يمكن أن يدفن ولو بعد حين فما دام لم يدفن فإنه لا يسأل.(179/27)
حكم الشراكة على أن يكون لأحد الشريكين مبلغاً ثابتاً
السؤال
فضيلة الشيخ! استقدم شخص عاملاً ووضعه في المحل ووفر له السكن والمعيشة، وفتح له المحل وتحمل الإيجار، وقال: أنت تشتغل وتعطيني -مثلاً- في الشهر نسبة ألف أو ألفين ريال؟
الجواب
لا ليس نسبة ألف أو ألفين؛ النسبة أن يقول: تعطيني الربع أو النصف من الربح.
أما أنه لا يحدد له، مثلاً: يخصص له ألفاً، يقول: وأريد منك ألفاً أو ألفين في الشهر والباقي لك.
فالجواب: أولاً: هذا لا يجوز لمخالفته النظام، والنظام إذا لم يكن مخالفاً للشرع كان واجب التنفيذ بأمر الله عز وجل، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] وتهاون بعض الناس في الأنظمة التي لا تخالف الشرع هذا من البلاء، وهي معصية لا يدركها كثير من الناس، يعني: لا يدرك الإنسان أنه إذا خالف النظام فهو عاصٍ لله، وإذا استمر فهو مصرٌ على معصية.
هذه واحدة.
ثانياً: أن تعيين شيءٍ معين لا يجوز؛ لأنه غرر وجهالة، إذ قد يحصل العامل على ألفين التي قدرها له كفيله وقد يحصل على أربعة آلاف أو خمسة آلاف وقد لا يحصل على شيء، فالمسألة فيها جهالة وميسر فلا يجوز.
إذاً هذه المعاملة محرمة من وجهين: الوجه الأول: مخالفة النظام.
الوجه الثاني: مخالفة الشرع؛ لأن فيها جهالة وميسراً.
السائل: وإذا قال: النصف بالنصف؟ الشيخ: يبقى مخالفة النظام، لكن كثيراً من الكفلاء يقولون: لو أعطيناه الأجرة التي اتفقنا عليها للعب ولم يشتغل، نقول: اجعل له مكافئة، تقول مثلاً: إذا أنجزت كذا وكذا فلك كذا وكذا، لنفرض أنه خياط، نقول: أجرتك خمسمائة ريال كما اتفقنا في العقد، ولك على كل ثوب ريالين مثلاً أو ثلاثة أو عشرة.(179/28)
حكم من استدان مبلغاً بإحدى العملات ثم تغيرت قيمتها
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لزيادة العملات، الدائن يستدين من المدين، ثم ارتفعت العملة، هل يجب عليه أن يدفع بالعملة التي بعد الارتفاع أم قبل الارتفاع بارك الله فيكم؟
الجواب
يعني: تغيرت العملة؟ السائل: نعم.
الشيخ: إذا تغيرت العملة ينظر إلى قيمة العملة الأولى عند تغييرها، فمثلاً: إذا كنا اتفقنا معه على مائتي ريال من نوع معين، ثم ألغي هذا النوع يقال: ما قيمته عند الإلغاء.
السائل: أصلاً هو الدين.
الشيخ: صور لي المسألة التي في قلبك؟ السائل: مثلاً: فلان يستدين من فلان الثاني، أحمد يستدين من محمد مبلغ ألف دولار، ثم بعد ذلك عند تسديد الدين ارتفعت العملة فأصبحت -مثلاً- ألفاً ومائتين.
الشيخ: يعني: قيمة الدولار ارتفعت.
السائل: نعم.
الشيخ: حسناً، هذا يجب عليه أن يسلم بالدولار، ولو بلغت قيمته ما بلغت، لنفرض أنه وقت العقد كانت قيمة الدولار عشرة، وبعد ذلك ارتفعت إلى عشرين يجب أن يعطيه بالدولار ولو بعشرين، كما أنه بالعكس لو نقصت قيمة الدولار، هل يطالبه الدائن بقيمة الدولار أولاً؟ لا.
يعطيه بالدولار ولو كان بنصف القيمة.(179/29)
حكم التباكي أثناء قراءة القرآن
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم التباكي في قراءة القرآن وغيره؟
الجواب
التباكي إذا لم يكن تصنعاً أو رياءً فلا بأس به، بل قد يكون مطلوباً، أما إذا كان تصنعاً أو رياءً، لأن بعض الأئمة يبكي أو يتباكى رياءً من أجل أن يبكي الناس الذين حوله، أو ليقال: إنه رجل بكاء، فهذا لا يجوز، لكن كنت تستدعي البكاء؛ بمعنى أنك تحاول أن قلبك يخشع ويشاهد عظمة الله عز وجل، أو يشاهد الثواب في آيات الوعد، أو يشاهد العقاب في آيات الوعيد، فهذا طيب وينفع الإنسان.
وهناك حديث لا أدري ما صحته: (إن لم تبكوا فتباكوا) لكن لا أعلم الآن مدى صحة هذا الحديث.(179/30)
التفصيل في قطع النافلة إذا أقيمت الصلاة
السؤال
رجل بدأ صلاة السنة -يعني: ركعتين قبل الظهر- وأقيمت الصلاة، هل يقطع الصلاة بالتسليمتين أم بدون تسليمتين؟ وما توجيهكم لذلك؟
الجواب
إذا أقيمت الصلاة والإنسان في نافلة فإن كان في الركعة الثانية أتمها خفيفة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وهذا أدرك ركعة قبل أن ينهى عنه.
وأما إذا كان في الأولى فليقطعها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) هذا هو التفصيل في هذه المسألة، وإن كان العلماء اختلفوا فيها لكن هذا أقرب ما يكون إلى الصواب.
السائل: هل يسلم أم لا يسلم؟ الشيخ: لا.
إذا قطعها لا يسلم؛ لأن السلام إنما يكون في آخر الصلاة، وهذه لم يأت على آخرها.(179/31)
حكم اتباع أحد الأئمة الأربعة
السؤال
قولنا: إن أربعة من الأئمة في أهل السنة والجماعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد هؤلاء أهل السنة، فهل يجب اتباع أحد منهم؟ وهل يوجد دليل على ذلك؟
الجواب
لا يجب اتباع أحد من الخلق إلا محمداً صلى الله عليه وسلم، أما غيره من الناس فلا يجب اتباعه، لكن بعض العلماء قال: إن قول الصحابي حجة ويتبع بشرطين: 1/ ألا يخالف نصاً شرعياً.
2/ وألا يخالفه أحد من الصحابة.
فإن خالف نصاً شرعياً فمعلوم أن النص أولى من اتباعه، وإن خالفه واحد من الصحابة أخذ بالأرجح من الصحابيين، أما من سواهم فلا يجوز، يعني: لا يجب عليَّ أن أكون حنبلياً أو شافعياً أو مالكياً أو حنفياً أو سفيانياً.
السائل: والناس الذين لا يستطيعون أن يأخذوا العلم؟ الشيخ: الذين لا يستطيعون أمرهم الله أن يسألوا أهل العلم، قال: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] ، فمن لا يعلم فرضه التقليد، لكن من يقلد؟ لا نقول: يجب عليك أن تقلد أحمد أو الشافعي أو مالكاً أو أبا حنيفة أو سفيان الثوري أو غيرهم، بل اتبع من ترى أنه أقرب إلى الحق.(179/32)
حكم الزيادة في صلاة التراويح على إحدى عشرة ركعة
السؤال
ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان إحدى عشرة ركعة، ثم نجد أن عمر بن الخطاب جعلها عشرين ركعة، فأيهما الأصح؟
الجواب
أولاً بارك الله فيك: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم بإحدى عشرة ركعة، لكن هل قال للناس: لا تزيدوا عليها؟ لم يقل، بل جعل الباب مفتوحاً، لما سأله الرجل عن صلاة الليل قال: (مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوتر) ولم يقيدها، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم بإحدى عشرة ركعة لكن هل هو كقيامنا؟ كان يقوم حتى تتورم قدماه، وحتى يعجز الشباب من الصحابة عن متابعته إلا بمشقة، ألم تعلم أن ابن مسعود قام معه ليلة فقرأ النبي عليه الصلاة والسلام وأطال القراءة حتى هم أن يجلس من طول القيام، فالأمر في هذا واسع؛ إن شئت إحدى عشرة لكن بتأنٍ وطمأنينة وقراءة، وإن شئت بثلاثٍ وعشرين، وإن شئت بتسعٍ وثلاثين، الأمر واسع، المهم ألا تشق على نفسك.
ثم إن قولك: إن عمر جعلها ثلاثاً وعشرين يحتاج إلى دليل، من قال هذا؟ أغلب ما فيه أن عمر أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، وهذا هو المظنون بـ عمر أن يأمر بما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله.
لكن في حديث يزيد بن رومان وفيه انقطاع: [أن الناس كانوا في عهد عمر يقومون بثلاثٍ وعشرين] فهذا فيه أن الناس يفعلونه، فجائز أن عمر يدري أو لا يدري، وقد يكون أمر به فلم يكن، لكن إذا ثبت أنه أقر بذلك فيقال: هذا يدل على أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه -وهو أعلم منا بالسنة وأخشى منا لله- يرى أنه لا بأس أن يزيد الإنسان على إحدى عشرة ركعة.(179/33)
حكم من أفتى بجواز الرمي في اليوم الثاني عشر قبل الزوال
السؤال
فضيلة الشيخ! رجلان وامرأتان رموا الجمار في اليوم الثاني عشر بعد صلاة الفجر، وقالوا: بأنا أُفتينا بجواز ذلك، فما رأيكم؟
الجواب
هل استفتوا من يثقون بعلمه؟ فليس معنا الذي أفتاهم؛ لأنه لا يجوز الرمي في اليوم الثاني عشر قبل الزوال، ولا في اليوم الحادي عشر ولا في اليوم الثالث عشر، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتهز زوال الشمس ومن حين أن تزول يرمي قبل أن يصلي الظهر، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يترقب الزوال ترقباً شديداً، ولو كان يجوز الرمي قبل الزوال لرمى في أول النهار؛ لأن ذلك أيسر له ولأمته، أو لرخص للضعفاء كما رخص لهم في رمي جمرة العقبة.
فالصواب أنه لا يجوز، وإن قال به من قال من التابعين أو من بعد التابعين، لكن المرجع الكتاب والسنة، والذي يرمي قبل الزوال مستنداً إلى شخصٍ يثق بعلمه فليس عليه شيء؛ لأن هذا هو الذي كلف به: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] ، أما إذا كان قصده تتبع الرخص فعليه الإثم والفدية؛ تذبح في مكة وتوزع على الفقراء، والذي يبدو -والله أعلم- أن مثل هؤلاء يقصدون تتبع الرخص؛ لأن من العلماء من هو أعلم من الذي أفتاهم يقول: لا يجوز، ولا يمكن أن تكون الأمة كلها إلا واحد أو اثنين عطاء بن أبي رباح والثاني والثالث، تجمع على أنه لا يجوز قبل الزوال ونتبع واحداً من ملايين الملايين.
المهم إذا كان قصدهم تتبع الرخص فعليهم الفدية مع الإثم والتوبة إلى الله عز وجل، وإن كان لا يثقون بعلمه ويقولون: هذا عالم موثوق فليس عليهم شيء.(179/34)
حكم المسافر إذا أدرك الإمام وهو في التشهد في صلاة الجمعة
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل مسافر أدركته الجمعة وهو في الطريق، فوقف ودخل المسجد فأدرك الإمام في التشهد الأخير، فهل يصلي أربعاً اتباعاً للإمام أم يصلي ركعتين؟ الشيخ: لكن الإمام صلاها جمعة ولم يصلها أربعاً؟ السائل: لا؛ لأنه مقيم.
الشيخ: لكنه صلاها جمعة ركعتين.
السائل: نعم.
لكن لو كان مقيماً لصلاها أربعاً.
الشيخ: لو كان مقيماً أما الآن فليس بمقيم، فهذا يصلي ركعتين فقط؛ لأنه لما فاتته الجمعة صار فرضه الظهر والظهر في حقه ركعتان مقصورة.(179/35)
حكم زواج أولاد الإخوة من الرضاعة
السؤال
فضيلة الشيخ! جدتي أم الوالدة أرضعتني مع خالي، فهل يجوز الآن أن يتزوج أولاد خالي ببناتي، والعكس؟
الجواب
أنت رضعت من جدتك؟ السائل: أنا رضعت من جدتي.
الشيخ: كم مرة؟ السائل: حولان كاملان.
الشيخ: حسناً! خمس رضعات تكون ولداً لها.
الشيخ: أسألك: هل تكون أنت ولداً لها؟ السائل: نعم.
الشيخ: إذاً يكون خالك أخاً لك من الرضاعة، فبناتك هو عمهن، وبناته أنت عمهن.
السائل: يعني: أنه لا يجوز لي أن أتزوج من بناته؟! الشيخ: هل يجوز أن يتزوج أحد ببنت أخيه؟!(179/36)
حكم من نوى السفر وأقيمت الصلاة قبل خروجه من البلد
السؤال
المسافر إذا دخل عليه -مثلاً- وقت صلاة الظهر وأذن وهو قد عزم على السفر وركب السيارة هل يؤخر الظهر إلى العصر أو يصلي معهم؟
الجواب
لا بأس، إذا أذن وهو في بلده فله أن يؤخرها ويصليها قصراً، لكن إذا سمع الإقامة وهو في بلده فلا بد أن يصلي.
السائل: يصلي الظهر أم الظهر والعصر؟ الشيخ: العصر لا يصلها؛ لأنه لم يسافر بعد، إذا سمع الإقامة يصلي مع الناس الظهر، ثم يركب وإذا جاء وقت العصر صلاها.
السائل: ليس قصراً بل تامة؟ الشيخ: نعم تامة هو في بلده، لكن إذا خاف فوات السفر، مثل أن يكون له موعد في إقلاع الطائرة لو تأخر حتى يأتي الإمام ويقيم تفوته الرحلة فهنا يعذر لتركه الجماعة، ويخرج ويصلي ظهراً مقصورة.(179/37)
حكم من جلس في مكة لعذر بعد طواف الوداع
السؤال
فضيلة الوالد الشيخ! رجل يقول: حججت هذا العام بإذن الله ولكني رميت الجمرات يوم الخميس الثاني عشر من ذي الحجة بعد صلاة الظهر، ثم ذهبت إلى مكة وطفت طواف الوداع وانتهيت من ذلك في الساعة الخامسة تقريباً قبل المغرب، ثم ذهبت إلى مسكني في العزيزية وكانت نيتي أخذ أغراضي والسفر إلى جدة مباشرة؛ لأن لي قريباً بها أقضي معه عدة أيام، ولكن نظراً لحالتي الصحية التي أصابتني يوم عرفة لم أستطع، فأجلت سفري حتى الصباح فنمت في مسكني واستيقظت صباحاً وسافرت من مكة إلى جدة في الساعة التاسعة صباحاً تقريباً أفيدونا هل عليَّ من فدية؛ لأنه لم يعد طواف الوداع؟ الشيخ: هل هو من جدة أو من أين؟ هل هو ساكن في جدة؟ الشيخ: هو من أهل القصيم.
الشيخ: الواجب عليه أنه يرجع من جدة ويطوف، أو يطوف قبل أن يسافر، فالذي أرى أن يذبح فدية في مكة توزع على الفقراء احتياطاً.(179/38)
حكم اللحوم المستوردة
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم ما يفعله بعض الناس من التحرز من عدم أكل اللحوم المستوردة؟
الجواب
إذا كانت الشبهة عنده قوية فلا بأس، وهذا من باب الورع، وأما إذا كان مجرد وهم كما هو الواقع فهو مخطئ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأله قومٌ قالوا: (يا رسول الله! إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا أنتم وكلوا) قالت عائشة راوية الحديث: [وكانوا حديثي عهدٍ بكفرٍ] وحديث العهد بالكفر يجهل كثيراً من أحكام الإسلام، ومع ذلك قال: سموا أنتم وكلوا، كأنه يقول: ليس عليكم أن تسألوا عن فعل غيركم، اسألوا عن فعلكم أنتم، فعل غيركم الذبح وقد انتهى، وفعلكم أنتم الأكل فسموا، والغالب أن الذي يمتنع في السعودية خاصة أنه يمتنع بناء على وهم لا حقيقة؛ لأن الذي سمعنا نحن في مجلس هيئة كبار العلماء من وزير التجارة ومن له صلة بهذا الأمر أنه لا يرد على السعودية إلا شيء مذبوحٌ على الطريقة الإسلامية وبالتسمية وبكل شيء، وأما ما يشاع من أنهم وجدوا كرتوناً مكتوباً عليه ذبح على الطريقة الإسلامية وإذا هو سمك، فما أدري عن صحته، وإن صح فربما الذين يعبونه هناك أناس لا يعرفون اللغة العربية وعندهم سمك ودجاج فوضعوا هذا في هذا وهذا في هذا.(179/39)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة)
السؤال
فضيلة الشيخ: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) ؟
الجواب
هذا خطير جداً يوجب على الإنسان أن يقطع العجب عن نفسه، لا يقول: أنا عملت أنا عملت، هذا الذي عمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع -يعني: في الزمن- بمعنى: قرب أجله، ليس معناه في الرتبة، يترقى بعمله حتى لم يبق إلا ذراع؛ لأنه لو كان كذلك لم يقتله الله عز وجل، لكن في الزمن حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع يعني في الزمن، أما عمله فليس بشيء؛ لأنه لو كان عمله رقاه إلى أن يكون بينه وبين الجنة ذراع ما خذله الله عز وجل، كيف يخذله وهو يقول: (من تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه باعاً) .
إذا قال قائل: كيف يكون عمله عمل أهل الجنة؟ نقول: نعم، هذا فيما يبدو للناس أنه من أهل الجنة، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من هذه الحال، حال صعبة، ويدل لهذا القيد ما أخرجه البخاري: أن رجلاً كان مع الرسول عليه الصلاة والسلام في إحدى الغزوات وكان رجلاً شجاعاً لا يدع للعدو شاذة ولا فادة إلا قضى عليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا من أهل النار) -نسأل الله العافية- فعظم هذا على المسلمين، قالوا: كيف يكون هذا الرجل الشجاع المقدام من أهل النار؟!! فقال رجل: والله لألزمنه ما معنى لألزمنه؟ أي: أكون معه لأرى النهاية، فلازمه فأصيب هذا الرجل بسهمٍ من العدو فجزع فسل سيفه ووضع ذبابه على صدره ثم اتكأ عليه حتى ظهر من ظهره والعياذ بالله، فصارت النهاية أن قتل نفسه، فعاد الرجل الذي لزمه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أشهد أنك رسول الله! قال: بم؟ قال: إن الرجل الذي ذكرت لنا بالأمس أنه من أهل النار فعل كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) أسأل الله أن يحسن لي ولكم الخاتمة، علينا أن نتريث في الأمور وأن ننظر ماذا نحن فيه وألا نعجب بأنفسنا، فعملنا مهما كان فإن ذنوبنا عظيمة وكثيرة.
إذاً معنى قوله: (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) ؟ في الزمن لا في الرتبة، أي: حتى يقرب أجله فيعمل بعمل أهل النار، مثل هذا الرجل الآن عمله عمل أهل الجنة فيما يبدو لنا، لما قرب أجله صار هذا.
أما رجل يعمل بعمل أهل الجنة مخلصاً لله متبعاً لرسول الله حتى يكون في منزلة عالية لم يبق بينه وبين الجنة إلا ذراع فهذا لا يمكن أن يخذله الله عز وجل؛ لأن الله أكرم من عبده سبحانه وتعالى.(179/40)
وقت رمي الجمار
السؤال
فضيلة الشيخ من يقول برمي الجمار في الليل لأنه لم ينته الوقت، إذاً متى ينتهي وقت رمي الجمار؟
الجواب
الذين يقولون: إنه يمتد وقت الرمي إلى فجر اليوم الثاني يقولون: إن الرسول عليه الصلاة والسلام حدد أوله ولم يحدد آخره، وأن ما جاز في أول الليل جاز في آخر الليل، كالوقوف في عرفة؛ فالوقوف في عرفة معلوم أن يوم عرفة ينتهي بغروب الشمس، لكن ليلة العيد التي هي ليلة العاشر تتبع الذي قبلها اليوم التاسع، فقال: هذه مثلها.
ومن الناس من يقول: يرمي في الليل إلى منتصفه فقط، وحجتهم بهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله رجل قال: (رميت بعدما أمسيت، قال: لا حرج) قالوا: والمساء يكون من نصف النهار الأخير إلى آخر نصف الليل الأول.
والذي يظهر لي أن القول: بأنها تمتد إلى الفجر أقرب للصواب.(179/41)
حكم تقديم الصلاة لمن يدخل البلد وقت الصلاة الثانية
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا كان الإنسان مسافراً ثم أقبل على بلده يريد أن يجمع ويقصر -مثلاً- الظهر والعصر ولكن في ظنه أنه يصل إلى بلده قبل وقت العصر ثم يأتي وينام ويترك صلاة العصر؟ الشيخ: لكنه قد صلاها؟ السائل: قد صلاها مع الظهر، فهل يحق له أن يصليها مع الظهر؟
الجواب
أقول: الإنسان مادام لم يصل إلى بلده ويدخل البلد فعلاً فله الترخص برخص السفر من الجمع والقصر، ولهذا صلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ركعتين وقد أقبل على الكوفة فقالوا: [يا أمير المؤمنين! هذه الكوفة! فقال: إنا لم ندخلها] .
فيجوز للإنسان أن يترخص برخص السفر كلها حتى يدخل البلد، فإذا صلى العصر مع الظهر ودخل البلد قبل العصر فله أن ينام ولا حرج عليه؛ لأنه أبرأ ذمته.(179/42)
حكم استخدام الوساطة لإسقاط المخالفات المرورية
السؤال
فضيلة الشيخ: هل يجوز للإنسان أن يبحث عن شفاعات لإسقاط المخالفات المرورية، كالسرعة وقطع الإشارة وعدم حمل الرخصة والاستمارة؟ الشيخ: هل هو مظلوم بذلك أم لا؟ السائل: لا يا شيخ.
الشيخ: غير مظلوم.
السائل: في الغالب.
الشيخ: إذا كان غير مظلوم فإنه لا يجوز أن يسقط الإنسان شيئاً نظمته الحكومة أو يحاول إسقاطه.
أما إن كان مظلوماً فله أن يحاول دفع الظلم عن نفسه بأي وسيلة مباحة، أما الضرائب المرورية أو الجزاءات المرورية فمعروفة لكل أحد، والآن انظر كيف هي الحوادث عندنا مع العلم بأن الحكومة جزاها الله خيراً ما قصرت، بل نظمت جزاءاتٍ تردع الإنسان، لكن المخالفات كثيرة، ومن نظر إلى الإحصاءات يتعجب كيف يكون هذا في البلد؟!(179/43)
حكم تعدد النية في النوافل
السؤال
إنسان يريد أن يصلي النافلة ويسأل عن ذوات الأسباب فهو يريد أن يصلي سنة بنيتين؟ الشيخ: مثل؟ السائل: مثلاً: سنة الوضوء وسنة الظهر، وكذلك تحية المسجد، هل يجوز أن يجمع الثلاث؟
الجواب
القاعدة في هذا: أننا إذا علمنا أن الشارع إنما أراد منا أن نصلي، فإذا صلى بنية واحدة كفى، لكن ما قُصدت بعينها لا يكفي عنها ذات السبب، مثال ذلك: رجل توضأ لصلاة الظهر بعد أذان الظهر، فالآن أمامه شيئان وهما: سنة الوضوء وراتبة الظهر، فإذا صلى بنية راتبة الظهر نقول: الآن حصل المقصود، فقد صليت الآن ركعتين تحية المسجد أيضاً سنة فرجل دخل المسجد بعد أذان الظهر وصلى راتبة الظهر نقول: حصل المقصود؛ لأنك لم تجلس حتى صليت ركعتين، لكن لو نوى تحية المسجد لم تسقط الراتبة، إذا نوى ذات السبب لم تسقط الأخرى الراتبة، نظيرها الوداع وطواف الإفاضة لو طاف عند السفر وهو لم يطف طواف الإفاضة ونوى طواف الوداع لم يسقط طواف الإفاضة، ولو نوى طواف الإفاضة سقط طواف الوداع.(179/44)
حكم الطواف بعد السعي
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل في يوم العيد سعى دون أن يطوف، وأخر الطواف إلى اليوم الثالث، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (افعل ولا حرج) بجواز التقديم والتأخير، فهل فعله هذا صحيح؟
الجواب
نعم صحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله رجل: (سعيت قبل أن أطوف؟ قال: لا حرج) .
السائل: هل الترتيب والموالاة بينهما شرط؟ الشيخ: لا.
ليست شرطاً لا في الحج ولا في العمرة، حتى في العمرة لو طاف الإنسان في أول النهار وسعى في آخره أو طاف في النهار وسعى في الليل فلا بأس.(179/45)
حكم من أمر بأمر يخالف الشريعة
السؤال
إنسان أتاه أمر من مسئول عليه بما يعتقد أنه مخالف للشرع فهل يستجيب له، خاصة إذا كان أمر بترك العمل؟ الشيخ: بترك العمل؟! السائل: إذا لم ينفذ -مثلاً- هذا الأمر يترك العمل الذي وكله إليه، ويأتي بالعمل الآخر، فهل يستجيب ويفعل هذه المخالفة وهو يعتقد أنها مخالفة للشرع، أو أنه يرى؟
الجواب
أما إذا أكره على هذا فلا حرج عليه، وصفة الإكراه أنه إذا لم يفعل فصل عن وظيفته.
السائل: لا يفصل بل يحول إلى عمل آخر؟ الشيخ: إذا كان يحول إلى عمل آخر مباح فإنه يمتنع، يقول: هذا حرام ولا أستطيع أن أفعله، لكن ليعلم أنه إذا لم يفعله سوف يفعل هذا الشيء رغماً عنه وتبقى عليه صفحة سوداء، وربما يضايقونه بأشياء كثيرة، فالإنسان ينظر المصالح والمفاسد.(179/46)
كيفية الصدقة عن الميت
السؤال
قلنا: الصدقة على الميت تجوز، وهناك بعض الناس إذا مات ميت يعزيه الناس في وقت معين وفي مكان محدد، وبعد شهر وبعد أسبوع يذبحون الذبائح ويتصدقون ويستدلون بالحديث الذي ذكرته عنه؟
الجواب
هذا خطأ، الصدقة عن الميت أن يأخذ الإنسان دراهم ويعطيها الفقير، وليس أن يصنع الطعام، فصنع الطعام وجمع الناس عليه من النياحة، والنياحة حرام، ولذلك تجد هؤلاء الذين يصنعون الطعام زعماً منهم أنهم يتصدقون به يحضر عندهم الغني والفقير، والفاسق والعدل، والفاجر والعفيف ولا يبالون، فهذه بدعة وهي من النياحة كما قاله جرير بن عبد الله البجلي: [كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة] .(179/47)
أجر الصلاة خارج المسجد النبوي
السؤال
قال صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه) وبعض الناس يقول: إن الذي صلى خارج المسجد النبوي لا يحصل على هذه المضاعفة وإن كانت الصفوف متصلة، فهل قوله هذا صحيح؟
الجواب
هو صحيح إلا أن يخالفه الصحابة، فإن خالفه الصحابة فضع قوله في الأرض، والصحابة خالفوه؛ لأن عمر زاد في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، وصلى المسلمون فيه، واعتبروه مسجداً للنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك عثمان زاد من جهة القبلة أيضاً، وصار مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام وراء الناس، وصار الناس يأتون إلى الصف الأول في زيادة عثمان رضي الله عنه في عهد الصحابة، فلا ندري أهذا الرجل أعلم من الصحابة أو أتقى من الصحابة؟ لا هذا ولا هذا، وقد ورد حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (أن مسجده مسجده ولو وصل إلى عدن) أين هي عدن؟ في أقصى اليمن، فمسجد الرسول مهما امتد ولو وصل إلى عدة صفوف فهو مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.
السائل: هو يقول: الذي صلى خارج البناء والصفوف متصلة هذا ليس داخلاً في المضاعفة بخلاف الذي صلى في الداخل؟ الشيخ: نعم، هو صحيح أنه ما صلى فيه، لكن صلى خارج المسجد، لكن الجماعة واحدة، وكما جاء في الحديث: (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) وهذا فيمن جلس في حلقة ذكر يريد أمراً دنيوياً.
فالذي نرى أنه إذا اتصلت الصفوف فالحكم واحد إن شاء الله تعالى.
وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(179/48)
لقاء الباب المفتوح [180]
تحدث الشيخ رحمه الله عن تفسير آيات من سورة النجم، حيث بين من خلالها سعة رزق الله الذي بسطه لخلقه، وربوبية الله لجميع المخلوقات، وإهلاكه للأمم بسبب تكذيبهم لأنبيائهم.
وقد ختم الشيخ حديثه ببيان ما ينبغي على المسلم أمام كلام من يتخرصون في حساب الأزمنة الماضية والمستقبلة.(180/1)
تفسير آيات من سورة النجم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثمانون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو العاشر من شهر محرم عام (1419هـ) .(180/2)
تفسير قوله تعالى: (وأنه هو أغنى وأقنى)
نبتدئ هذا اللقاء بما جرت به العادة من تفسير ما تيسر أو مما يسر الله تعالى من تفسير الآيات، ونحن في آخر سورة النجم، حيث انتهينا فيما سبق إلى قول الله تبارك وتعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} [النجم:48] يعني: أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، فهو الذي أغنى من شاء من خلقه، وأقنى قيل معناها أكثر؛ لأنها في مقابلة أغنى، وقيل: أغنى بالكفاية، وأقنى بما زاد عن الكفاية، يعني: أن الله عز وجل بسط الرزق للعباد فمنهم من أغناه عن غيره ومنهم من أقناه أي: جعل له قنية وهي الزائد عن الكفاية، وكما ذكرنا مراراً أن الكلمة إذا كانت تحتمل معنيين ليس بينهما منافاة ولا مرجح لأحدهما على الآخر فإنها تحمل عليهما؛ لأنه أعم للمعنى.
فالذي يغني هو الله والذي يقني هو الله عز وجل، وليست هذه الأصنام التي هي: اللات والعزى ومناة، بل ذلك إلى الله عز وجل وحده.(180/3)
تفسير قوله تعالى: (وأنه هو رب الشعرى)
قال تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} [النجم:49] أتى بضمير الفصل تأكيداً للجملة و (رَبُّ الشِّعْرَى) أي: خالقها ومالكها ومدبرها، و (الشعرى) هي: النجم المضيء الذي يخرج في شدة الحر، ونص على هذا النجم؛ لأن بعض العرب كانوا يعبدونها ويعظمونها، فبين تبارك وتعالى أن الشعرى من جملة المخلوقات المربوبات فليست إلهاً ولا تستحق أن تعبد.(180/4)
تفسير قوله تعالى: (وأنه أهلك عاداً الأولى)
قال الله عز وجل: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى} [النجم:50] وهم قوم هود.
و (الأولى) : وصف كاشف وليس وصفاً مقيداً، أي: ليس هناك عاد أولى وعاد ثانية بل هي واحدة، لكنها عاد قديمة سابقة، ولهذا وصفها بأنها الأولى يعني: القديمة السابقة وليس ثمة عادٌ أخرى.
عاد: هم قوم هود، وكان الله تعالى قد أعطاهم من القوة والنشاط وشدة البطش ما ليس لغيرهم، حتى إنهم قالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] فقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت:15] ، هؤلاء القوم يفتخرون بشدتهم وقوتهم فأهلكهم الله تعالى بألطف الأشياء، حيث أهلكهم بريح صرصر عاتية، {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} [الحاقة:7] ابتدأت من بعد الفجر وانتهت عند الغروب، فصارت الأيام ثمانية والليالي سبعاً، {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة:7] تحمل الإنسان إلى القمة ثم تقذف به على الأرض، فصاروا كأنهم أعجاز نخلٍ خاوية والعياذ بالله، أو {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:20] .
فهؤلاء القوم مع شدة بطشهم وشدة بأسهم لم يمنعهم ذلك من عذاب الله عز وجل.(180/5)
تفسير قوله تعالى: (وثمود فما أبقى)
قال تعالى: {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} [النجم:51] أي: أهلك ثمود فما أبقى، وثمود هم أصحاب الحجر، حيث أرسل الله إليهم صالحاً فكذبوه، وكان الله تعالى قد أعطاهم قوة وأعطاهم معرفة وعلماً بهندسة البناء، لكن مع ذلك ما دفعوا ما أراد الله بهم، حيث صيح بهم ورجفت بهم الأرض، فأصبحوا في ديارهم جاثمين -والعياذ بالله-.(180/6)
تفسير قوله تعالى: (وقوم نوح من قبل)
{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ} [النجم:52] أي: وأهلك قوم نوحٍ من قبل بالغرق، كما قال الله تعالى في سورة: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1] حيث قال عن نبيهم نوح: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:10-11] وفي قراءة: ((ففتَّحنا)) مما يدل على الكثرة وشدة الانفتاح، {أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:11] أي: نازلٍ بشدة، {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً} [القمر:12] الأرض كلها كانت عيوناً ليس فيها موضع شبر إلا وهو يفور، حتى إن التنور الذي هو محل الإيقاد صار يفور مع أن محل الإيقاد أبعد ما يكون عن الرطوبة، لكنه فار فصارت الأرض كلها عيوناً والسماء تمطر.
{فَالْتَقَى الْمَاءُ} [القمر:12] ماء السماء وماء الأرض، {عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:12] أي: أمر مقدر محدد بدون زيادة ولا نقص، سبحان الله العظيم! فغرق القوم حتى بلغ الماء قمم الجبال، ويذكر أن امرأة كان معها صبي فكلما علا الماء صعدت الجبل، حتى وصل الماء إلى قمة الجبل ووصل إلى المرأة وارتفع في جسدها، وكان معها صبي فحملت الصبي على يديها لترفعه لئلا يغرق قبلها وجاء في الحديث: (لو رحم الله أحداً لرحم أم الصبي) لكن إذا حقت كلمة الله فلا راد لقضاء الله تعالى، أجارنا الله وإياكم من العذاب الأليم.
وقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} [النجم:52] اختلف المفسرون فيها، فقيل: إن الضمير يعود على قوم نوح فقط، وقيل: إنه يعود على كل الأمم التي ذكرها الله عز وجل ممن أهلكهم.
فعلى القول الأول يكون المعنى أن قوم نوحٍ أظلم وأطغى من قوم ثمود وعاد، ووجه ذلك أنه حصل منهم عتو واستكبار مع طول المدة، حيث إن نوحاً عليه الصلاة والسلام لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، يقول الله تبارك وتعالى عنه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح:5-7] حتى لا يسمعوا، {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح:7] تغطوا بها حتى لا يبصروا، وهذا يدل على شدة كراهيتهم لما يدعوهم إليه عليه الصلاة والسلام.
{وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً} [نوح:7] أي: استكباراً عظيماً فلم يخضعوا لعبادة الله عز وجل، فكانوا أظلم وأطغى من عاد وثمود.
وعلى القول الثاني إن الضمير يعود على كل هؤلاء الأمم، يكون المعنى: أن هؤلاء كانوا أظلم وأطغى من قريش الذين كذبوك يا محمد! فيكون في هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى أهلك هؤلاء القوم مع أنهم أظلم وأطغى من قومك، والذي أهلك من سبق قادرٌ على أن يهلك من لحق، وكلا المعنيين صحيح، فهؤلاء الأمم أظلم وأطغى من قريش، وقوم نوح أظلم وأطغى من عادٍ وثمود.(180/7)
تفسير قوله تعالى: (والمؤتفكة أهوى)
ثم قال عز وجل: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} [النجم:53] أي: أسقط، (والمؤتفكة) هي قرى قوم لوط، (أهوى) بمعنى: أنزل، واختلف المفسرون في قوله: (أهوى) هل المعنى: أن الله أهوى بها من فوق إلى أسفل بناءً على أنه تعالى رفع هذه القرى إلى فوق ثم قلبها، أو أن المعنى: أنه أسقطها بمعنى: أرسل عليها الحجارة حتى تهدم البناء فصار أعلى البناء أسفله.
المهم: أن الله تعالى أخبر عن قوم لوط بأن الله أهواهم -أي: أسقطهم- سواء من الجو أو من سقوط البناء على أسفله.(180/8)
تفسير قوله تعالى: (فغشاها ما غشى)
قال تعالى: {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} [النجم:54] (غشاها) أي: غطاها، وقوله: (ما غشى) مبهم للتعظيم والتفخيم، كقوله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه:78] أي: غشيهم شيءٌ عظيم، فالإبهام أحياناً يراد بها التعظيم والتهويل والتفخيم كما في هذه الآية.(180/9)
تفسير قوله تعالى: (فبأي آلاء ربك تتمارى)
قال تعالى: {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} [النجم:54-55] الاستفهام هنا للتوبيخ، و (تتمارى) تتشكك، و (الآلاء) : النعم، أي: بإي نعم الله تتشكك أيها الإنسان! إذ أن الواجب أن الإنسان يقر بنعم الله ويشكره عليها، لا أن يتشكك ويقول: هذا من عملي هذا من كذا هذا من كذا، كما كانت العرب تقول: مطرنا بنوء كذا وكذا، يعني: بالنجم وينسون الخالق عز وجل.(180/10)
تفسير قوله تعالى: (هذا نذير من النذر الأولى)
ثم قال جل وعلا: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} [النجم:56] هذا المشار إليه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، (نذير) بمعنى: منذر، والمنذر: هو الذي يعلم بالشيء على وجه التخويف؛ لأن الإنذار هو إعلام بتخويف، والبشارة هو إعلام بالرجاء، {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} ولم يقل: بشيراً؛ لأن المقام لا يقتضي إلا ذكر الإنذار، إذ أن الله تحدث من أول السورة إلى آخرها عن قريش وتكذيبها للرسول صلى الله عليه وسلم، وعبادتها الأصنام فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم نذير من النذر الأولى، أي: من الرسل السابقين، يعني: فكما أن الذين كذبوا الرسل حل بهم العقاب والنكال، فأنتم أيها المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم! يوشك أن يحل بكم النكال والعقوبة؛ لأن محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثل غيره نذيرٌ من النذر، فإذا كان نذيراً من النذر فإن من كذبه سيقع به مثلما وقع بالأمم السابقة.(180/11)
تفسير قوله تعالى: (أزفت الآزفة)
قال تعالى: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} [النجم:57] أي: قربت القيامة؛ (الآزفة) القيامة وأزف بمعنى: قرب، ومنه قول الشاعر:
أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قدِ
الآزفة هي القيامة؛ لأن الساعة قريبة، كما قال الله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى:17] ، وقال تعالى في الآية الثانية: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب:63] فهي قريبة، ويدل لقربها أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل معناه: أن الأمر قريب، وأما كون الله تعالى يذكر أن الأمر قريب فإن بيننا وبين نزول القرآن أربعة عشر قرناً، ونحن الآن في الخامس عشر، ومع ذلك يقول الله عز وجل: إن الساعة قريبة، من هنا نعرف أن عمر الدنيا طويل وبعيد، ولكن هل نأخذ بقول هؤلاء الذين يتخرصون ويقولون: عمر الدنيا الماضي كذا وكذا؟ لا هؤلاء لا نصدقهم ولا نكذبهم، يعني: أحياناً يقولون: إنهم عثروا على آثار حيوان له كذا وكذا من ملايين السنين، أو على أحجار أو ما أشبه ذلك، هذا لا نصدقه ولا نكذبه؛ لأنهم لا يعلمون غيب الماضي وإنما يقيسونه بحال الحاضر، يعني: يقيسون مثلاً عمر هذا الأثر بحسب المؤثرات في الوقت الحاضر، لكن ما الذي يعلمنا أن المؤثرات في الوقت الحاضر هي المؤثرات في الوقت الماضي؟ لا ندري، قد يتغير الطقس من حرارة إلى برودة ومن برودة إلى حرارة، وقد تتغير الرياح والأمطار وغير ذلك، فما نقرؤه أو نسمع به من علوم هؤلاء موقفنا نحوه: ألا نصدقه ولا نكذبه.
أما في المستقبل فيجب أن نكذب به، كل من أخبر عن شيء مستقبل يجب علينا أن نكذبه؛ لأنه يدعي الغيب، والله عز وجل يقول: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:65] .
فعليه نقول: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} أي: قربت القيامة، لكن هل يمكن أن نحدد متى القرب؟ لا، لا يمكن، ومن ادعى أنه يعلم متى تقوم الساعة فإنه مكذبٌ لله ورسوله، أما الله فقد قال تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:63] وأما الرسول عليه الصلاة والسلام فإن جبريل لما سأله قال: (أخبرني عن الساعة؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما المسئول عنها بأعلم من السائل) أي: إنك إذا كنت تجهلها فأنا مثلك، فمن ادعى أن الساعة تقوم مثلاً بعد مليون سنة، أو مائة ألف سنة، أو أقل أو أكثر فإنه يجب علينا أن نكذبه ونقول: إنه كافر؛ لأنه مكذبٌ لله ورسوله.(180/12)
تفسير قوله تعالى: (ليس لها من دون الله كاشفة)
ثم قال تعالى: {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النجم:58] أي: ليس للساعة من دون الله كاشفة، ولها معنيان: المعنى الأول: كاشفة بمعني: مانعة أي: لا أحد يمنعها، كما في قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] .
المعنى الثاني: كاشفة يعني: عالمة تكشفها وتبينها.
وعلى كل حال: فلا أحد يمنع قيام الساعة إذا شاء الله، ولا أحد اطلع على الساعة متى تكون.
ثم قال الله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} [النجم:59] وهذه إلى الدرس القادم -إن شاء الله-.(180/13)
الأسئلة(180/14)
حكم الجائزة التي يكون عليها سحب في المعارض
السؤال
فضيلة الشيخ: يقام في بعض المناطق في بعض الأحيان موسم لسلع قد تكون ليست موجودة في كل المناطق، وتكون هذه السلع مخفضة، فيذهب شخص -مثلاً- إلى هذا المعرض وهو لا يعلم عنه أي شيء، ثم يقول: إذا رغبت في سلعة أي: وجدتها رخيصة اشتريتها، ثم يشتري سلعة من محل آخر من هذه المحلات وأعطاه صاحب المحل كرتاً يوجد فيه رقم يسحب في آخر أيام المعرض على جائزة من الجوائز، ما حكم هذه الجائزة؟ الشيخ: ما فهمت الآن، يعني: ناس يعرضون سلعاً؟ السائل: نعم في المعرض.
الشيخ: بقيمة أرخص؟ السائل: نعم، تكون قيمتها مخفضة مثل الأجهزة.
الشيخ: ثم ماذا يقولون؟ السائل: يذهب شخص مثلاً ليشتري أو يذهب لهذا المعرض بقصد النظر.
الشيخ: وربما يشتري؟ السائل: نعم، ربما مثلاً يجد سلعة مخفضة فيشتريها فيعطيه صاحب المحل كرتاً.
الشيخ: صاحب المعرض.
السائل: صاحب المعرض يعطيه كرتاً برقم سحب في آخر أيام المعرض مثلاً على جائزة معينة.
الشيخ: وما معنى السحب؟ السائل نفسه: يعني: يجمعون هذه الأرقام والكروت كلها ثم يسحبون رقمين أو ثلاثة يفوز صاحب الرقم بسيارة أو جهاز أو غير ذلك.
الشيخ: لكن هل السلع هذه تباع بأغلى من السوق أو بمثل السوق أو أنزل من السوق؟ السائل: لا قد تكون أرخص.
الشيخ: لا أرى فيها بأساً؛ لأن هذا المشتري الآن إما سالم وإما غانم، ليس هو ضامن على أن تأتيه السلعة، أقصد لا يضره أن يحرم من الجائزة وينتفع إن كانت له الجائزة، فلا بأس بهذا.
السائل: ما حكم الجائزة؟ الشيخ: الجائزة حلال؛ لأنه لم يخسر عليها شيئاً، وهل خسر شيئاً؟ السائل: لا.
الشيخ: أبداً.
اشترى السلعة بثمنها أو أقل.
السائل: لكن إذا كان يعلم صاحب المحل إذا اشتريت منه السلعة أعطاك الرقم هذا؟ الشيخ: لا يوجد مشكلة، الكلام على أن صاحب المحل لم يرفع السعر، وأنك أنت -أيها المشتري- اشتريت لغرض السلعة لا لأجل المسابقة افرض مثلاً أنه قال: من اشترى هذا القلم بخمسة ريالات وهو قيمته خمسة ريالات، ثم يدخل في مسابقة الجوائز، الآن إن كانت له الجائزة فهو رابح، وإن لم تكن فهو سالم لم يخسر شيئاً، فلا بأس.(180/15)
حكم أقرباء المرأة بالنسبة لمن تزوجها
السؤال
يوجد رجل عنده بنات في سن البلوغ، ما حكم مقابلة بناته لزوج جدتهم من أبيهم، وهل يعتبر لهم محرماً؟
الجواب
كل إنسان يتزوج امرأة ويدخل بها فجميع ذريتها من بنات وبنين أو بنات بنات هن محارم له، خذها قاعدة، يعني: المرأة إذا تزوجها رجل ودخل بها فجميع نسلها محارم له.(180/16)
حكم الصلاة على الجنازة بعد دفنها
السؤال
الصلاة على الجنازة بعد دفنه بيوم يجوز، وهل لها أفضلية في وقت معين؟
الجواب
يجوز أن يصلى على القبر بعد يوم أو يومين أو شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين، لكن بشرط أن يكون هذا القبر قد دفن بعد ولادة الشخص الذي يريد أن يصلى عليه، بل بعد تمييزه، فمثلاً: لو جاء إنسان له عشرون سنة وأراد أن يصلي على قبرٍ مات صاحبه قبل عشرين سنة فإنه لا يصلي عليه؛ لأنه لما مات الميت هذا كان هذا مولوداً، ولو أراد شخص له عشرون سنة أن يصلي على قبرٍ له ثلاث عشرة سنة، فإنه يجوز؛ لأنه لما مات الميت كان لهذا الرجل الذي عمره عشرون سنة عمره سبع سنوات وكان من أهل الصلاة.
لكن متى يصلي؟ لا يصلي في وقت النهي على القبر؛ لأنها ليست من ذوات الأسباب، إذ أن الإنسان يمكن أن يأتي في وقتٍ آخر ويصلي عليه، فمثلاً: لو خرجت إلى جنازة بعد صلاة العصر وأنت لم تصل عليه، ووجدتهم قد دفنوها فإنه لا يمكن أن تصلي، إن كنت تريد الصلاة عليها ائت بعد المغرب، أو ائت في الضحى، أما في وقت النهي فلا يصلى على القبر.(180/17)
حكم التسبيح والتحميد والتكبير بعد الصلاة عشراً عشراً
السؤال
هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسبح عشراً ويحمد عشراً ويكبر عشراً؟ الشيخ: بعد الصلاة؟ السائل: نعم.
الشيخ: نعم هذا من السنة، والتسبيح والتحميد والتكبير بعد الصلاة له أربع صفات: الصفة الأولى: أن يسبح عشراً ثم يحمد عشراً ثم يكبر عشراً.
الصفة الثانية: أن يسبح خمساً وعشرين، ويحمد خمساً وعشرين، ويكبر خمساً وعشرين، ويقول: لا إله إلا الله خمساً وعشرين، فيكون الجميع مائة، يعني: يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمساً وعشرين مرة فتكون الجميع مائة.
الصفة الثالثة: أن يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، فهذه تسعٌ وتسعون، ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
الصفة الرابعة: أن يقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين والحمد لله ثلاثاً وثلاثين والله أكبر أربعاً وثلاثين، وينبغي أن يفعل هذا مرة وهذا مرة.
السائل: في الحضر أو في السفر؟ الشيخ: في الحضر والسفر لا يوجد فرق.(180/18)
حكم أفلام الفيديو الإسلامية
السؤال
في مقابلة للأفلام الماجنة ظهرت أفلام كبديل إسلامي تعرض مسرحيات هادفة، أو أحياناً رسوماً متحركة تحكي معارك إسلامية، فما أدري ما رأيكم في هذه الأفلام؟ الشيخ: والله! لا أستطيع أن أحكم على شيء لا أدري عنه، ولا أدري ماذا تعرض هذه الأفلام؟ السائل: مسرحية مثلاً تعرض مشكلة من مشكلات المجتمع ثم تعالجها، وتصور بالفيديو وتباع.
الشيخ: يعني: من قبيل التمثيليات؟ السائل: نعم.
الشيخ: التمثيل العلماء مختلفون فيه، فمنهم من يمنعه مطلقاً، ومنهم من يقول: إنه جائز بشروط: ألا يتضمن محرماً، فمثلاً: إذا كان هذا -وهذا هو الذي أراه- أي: إذا لم يتضمن محرماً، وإنما يعالج مشاكل المجتمع دون أن ينسب قولاً إلى غير قائل فلا بأس به.
السائل: وبالنسبة للرسوم المتحركة؟ الشيخ: الرسوم سواء متحركة أو غير متحركة، الفيديو هذا في الواقع لا يعتبر صورة؛ لأنك لو رجعت إلى الشريط لن تجد شيئاً.(180/19)
حكم رؤية المرأة للرجل
السؤال
ما حكم رؤية المرأة للرجال من خلال هذه الأفلام؟
الجواب
كرؤيتها للرجال في المساجد وفي الأسواق، ليس فيه مشكلة، إلا إذا كانت عادة المرأة تتمتع بالنظر إلى هذا الرجل أو تثور شهوتها فهذا يمنع.(180/20)
حكم شراء السيارة بالتقسيط من رجل آخر اشتراها له
السؤال
لو أخبرت رجلاً وقلت له: اشتر سيارة بمبلغ وأنا سوف آخذها منك بأقساط؟ الشيخ: بأكثر؟ السائل: بأكثر أو بالمثل؟ الشيخ: لا، بالمثل الحكم مختلف.
السائل: وإذا كان بأكثر؟ الشيخ: هذا لا يجوز يعني: إنسان محتاج لسيارة وقال لشخص: أنا ليس عندي نقود، فاشترِ لي السيارة وبعها عليَّ بزيادة مقسطة فهذا حرام؛ لأنه حيلة واضحة بدل ما يقول للرجل: أقرضني قيمتها وأسدد لك أقساطاً أكثر صار يتحيل ويقول: اشترها لي ثم بعها لي، فهذا التاجر الذي أراد أن يدينه لولاه ما اشترى السيارة، أليس كذلك؟ السائل: إذا كان هو لا يملك السلعة يعني: لا يتاجر فيها.
الشيخ: هذه أشد، أما لو أن السلعة عنده، وجاء إنسان وقال: والله! أنا أريد أن تبيع عليَّ هذه السيارة مقسطة، فهذا ليس فيه بأس.(180/21)
حكم فتح الحساب في البنوك
السؤال
نحن مجموعة مدرسين نأخذ الرواتب من بنك القاهرة، فهل يجوز أن أفتح حساباً عندهم من أجل أن آخذ الراتب أسرع وأستعمل البطاقة؟
الجواب
إن دعت الحاجة لهذا فلا بأس، وإن لم تدع الحاجة فلا حاجة أن تفتح حساباً، يعني: مثلاً لو أنهم أعطوك الشيك على بنك القاهرة وذهبت للبنك وقلت: هذا الشيك، فهل يعطيك الدراهم أو لا يعطيك إياها؟ السائل: يعطيني الدراهم.
الشيخ: لكن لماذا تفتح حساباً؟ السائل: أسرع، مثلاً: لما يأتينا الراتب إلا في سبعة وعشرين أو ثمانية وعشرين لكن لو فتحت حساباً آخذه في ستة وعشرين وأحياناً سبعة وعشرين قبل المدرسين الآخرين، فأنا أسحب منهم وآخذ الرصيد قبل غيري.
الشيخ: هل هناك حاجة؟ السائل: إذا كنت أعلم أنهم يرابون وهذا يعني: أسلم وأسرع.
الشيخ: المهم أعطيك قاعدة: إذا احتجت إلى أن تفتح حساباً في بنك ربوي فلا بأس وإن لم تحتج إلى ذلك فلا تفتح.(180/22)
حكم سكن المرأة في سكن الطالبات
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز للمرأة أن تدرس العلم الشرعي في إحدى معاهد البنات بعيداً عن مدينتها فتسافر مع المحرم وتسكن في سكن الطالبات، ثم إن المحرم يرجع إلى مدينتها هي؟
الجواب
إذا كان المسكن مأموناً وعليه أمناء فلا بأس.
أما إذا كان غير مأمون فلا يجوز، وأيضاً حتى مع الجواز ينبغي للإنسان أن يلاحظ المرأة، يذهب إليها مثلاً في الأسبوع مرة حتى ينظر ويتحسس؛ لأنك تعرف الناس الآن ليسوا مؤتمنين على ما ينبغي.(180/23)
معنى كلمة (ظل) في حديث: (سبعة يظلهم الله)
السؤال
فضيلة الشيخ ما معنى ظل في قوله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) ، أيجوز أن نقول: إن هذا الظل ظل عرش الله كما جاء في الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتونا مأجورين؟
الجواب
هذا يحتمل أن يكون ظل العرش، كما جاء في رواية، ولكنها لم تثبت إلى ذلك الحد، ويحتمل في ظله يعني: الظل الذي يخلقه الله عز وجل، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة) ، وذلك أنه في ذلك اليوم وفي ذلك الميدان ليس فيه ظل، لا أشجار ولا أبنية ولا غير ذلك، الأرض يذرها الله عز وجل قاعاً صفصفا، ليس هناك إلا ظلٌ يظلك الله به، فإما أن يكون ظل العرش وإما أن يكون ظل الأعمال، كما في الحديث: (كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة) .(180/24)
حكم من نسي الجلسة بين السجدتين وقام
السؤال
إذا صلى الإمام ونسي الجلسة بين السجدتين ثم قام وسبح المأمومون هل يرجع أو يتم ويأتي بركعة؟
الجواب
الآن هذا الرجل ترك الجلسة والسجود الثاني فيجب عليه أن يرجع، حتى ولو قرأ الفاتحة، وحتى ولو ركع، يعني: لو لم ينبهوه إلا بعد أن رفع من الركوع في الركعة الثانية يجب أن يرجع ويجلس ثم يسجد ثم يقوم ويكمل صلاته، لكن لو وصل إلى الجلسة بين السجدتين في الركعة الثانية صارت الركعة الثانية هي التي قبلها وتقوم مقامها، لأننا الآن لو قلنا له: ارجع رجع وجلس، فالمهم خذوا القاعدة أو الضابط: إذا نسي الإنسان ركناً من ركعة وجب عليه أن يرجع إليه متى ذكر، إلا إذا وصل إلى مكانه في الركعة الثانية فإن الركعة الأولى تلغى وتقوم الثانية مقامها، فإذا وصل إلى مكانها من الركعة الثانية ينويها أن هذا هو عن الركعة الأولى.(180/25)
وقت كراهية السهر بعد صلاة العشاء
السؤال
فضيلة الشيخ: هل تبدأ فترة الكراهة في السهر بعد صلاة العشاء من دخول وقت العشاء أو من أداء الصلاة، حتى لو أخرت الصلاة؟
الجواب
لا من أداء الصلاة، (كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها) .(180/26)
بيان مرجع الضمير في قوله: (ما فرطنا فيها)
السؤال
قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام:31] أي: الأقرب في عودة الضمير هل هو للدنيا أو للساعة؟ الشيخ: أي ضمير؟ السائل: فيها (ما فرطنا فيها) ؟ الشيخ: في وقت الساعة.
السائل: ليس في الدنيا؟ الشيخ: لا، الدنيا ما ذكرت، ما فرطنا فيها، أي: في شأنها فلم نستعد لها.(180/27)
حكم الذبيحة لإحياء ذكرى الميت
السؤال
بعض العوائل يعتادون في رمضان فيذبحون ذبيحة ويقولون: هذه ذكرى للميت، ولا يذكرون عليها محاسن الميت؟ الشيخ: ماذا؟ السائل: هي اسمها ذكرى للميت، ولا يذكرون اسم الميت فيها، يعني: يذكرون مجرد اسم، وبعضهم يخصص يوماً في رمضان، وهكذا كل سنة؟
الجواب
هذا من البدع التي لم تكن على عادة السلف، والميت يذكر بالدعاء له لا بالذبيحة له.
فينبغي لطلبة العلم أن يزجروا الناس عن هذا ويقولون: هذا ليس من طريق السلف، وأيضاً لو فرض أنه ينوي الذكرى فليس رمضان محل للذبائح، الذبائح تكون في عيد الأضحى.
السائل: لكن -يا شيخ- لو سألت عن هذا الفعل يقول لك: أريد أن أتذكر الميت.
الشيخ: إذا كان من أجل الميت فتصدق بدراهم، أما أن تذبح ذبيحة، وتريد تنذر الأضاحي إلى رمضان هذا ليس بصحيح.
السائل: هو لا يقصد أن ينقل الأضحية، بل هو يضحي في عيد الأضحى.
الشيخ: هذا معناه يضحي مرتين: مرة في رمضان ومرة في ذي الحجة.(180/28)
أعمال المبتدع في ميزان الإسلام
السؤال
في بعض الآثار: المبتدع لا يقبل منه صلاة ولا صيام ولا حج ولا صرف ولا عدل، هل هذا صحيح؟
الجواب
لا ليس بصحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل بدعة ضلالة) فالبدع ضلال لكن منها ما يصل إلى الكفر ومنها ما دون ذلك.
السائل: والأعمال الأخرى مقبولة؟ الشيخ: نعم مقبولة، إلا إذا كانت بدعته مكفرة.(180/29)
معنى الاشتراط في قصة إعتاق بريرة
السؤال
ما تفسير قوله صلى الله عليه وسلم لـ عائشة في قصة حديث بريرة: (خذيها واشترطي لهم الولاء) وهو قد قال في آخر الحديث: (إن كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل) مع أنه أمرها أن تشترط عليهم؟
الجواب
توجيه هذا الكلام: بعضهم قال: إن (اللام) هنا بمعنى (على) أي: اشترطي عليهم، كما في قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد:25] أي: عليهم اللعنة، لكن هذا التفسير باطل؛ لأنها قد اشترطت عليهم الولاء ولم يقبلوا، والصواب: أن المعنى اشترطي لهم أي: وافقيهم على هذا الشرط، وإنما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بموافقتهم على الشرط؛ ليبين أنه وإن شرط فهو باطل، حتى يبين بطلانه بعد أن شرط، ويكون هذا أبلغ، ونظيره أنه أمر المسيء في صلاته أن يصلي مع أنه لا يطمئن، لكن أراد أن يبين أن الصلاة الباطلة لا تجزئ ولو فعلها الإنسان، هذا هو الصواب.(180/30)
حكم ذكر دعاء السفر على شكل جماعي
السؤال
فضيلة الشيخ! دعاء السفر إذا كنا مجموعة هل يدعو أحدنا والمجموعة تأمن أو يدعو كل واحد منا على حدة؟
الجواب
إذا كان يريد أن يدعو لهم لا بأس، يقول وهم يسمعون ويؤمنون؛ لأنه تعالى قال لموسى لما قال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس:88] فكان الذي يقوله موسى، قال الله تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس:89] قال العلماء: تفسير هذا أن موسى كان يدعو وهارون يؤمن.
وإن قاله كل إنسان على حدة فلا بأس.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وسبحانك الله ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(180/31)
لقاء الباب المفتوح [181]
ختم الشيخ في لقائه هذا تفسير بقية سورة النجم، ثم شرع في تفسير سورة الواقعة مفصلاً فيما يتعلق بالبسملة من معناها وما يقدر لها وبيان صدق معجزة انشقاق القمر في عهده صلى الله عليه وسلم.(181/1)
تفسير آخر سورة النجم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي والثمانون بعد المائة من اللقاءات المعروفة باسم: (لقاء الباب المفتوح) الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثامن عشر من شهر محرم عام (1419هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء كجاري العادة في تفسير آيات من كتاب الله عز وجل، وقد اخترنا أن نبدأ بالمفصل الذي يبتدئ من سورة (ق) إلى آخر القرآن؛ لأنه هو الذي يكثر سماعه عند العامة حيث إنه يقرأ في الصلوات المفروضة.(181/2)
تفسير قوله تعالى: (أفمن هذا الحديث تعجبون)
انتهينا إلى قول الله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم:59-62] والخطاب هنا للمكذبين برسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستفهام في قوله: (أفمن هذا) للإنكار والتعجب من هؤلاء المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالآيات البينات، وأخبر عن الأمم السابقة، وبين أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم نذير من النذر الأولى، ويخشى على من كذبه أن ينال من العذاب ما نال المكذبين للنذر الأولى.
يقول الله عز وجل: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} أيها المكذبون بالنبي صلى الله عليه وسلم! ومعنى (تَعْجَبُونَ)) أي: ترونه عجباً منكراً؛ ولهذا قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5] ، وقال الله تعالى: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [ق:2-3] فهم يتخذون ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عجباً، والمراد عجب الإنكار والاستبعاد.(181/3)
تفسير قوله تعالى: (وتضحكون ولا تبكون)
قال تعالى: {وَتَضْحَكُونَ} [النجم:60] أي: استهزاءً بهذا الحديث الذي هو القرآن، وكذلك يضحكون في شراء هذا الحديث حيث كانوا يضحكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعباداته ويسخرون به، إذاً: (تعجبون) إنكار، و (تضحكون) استهزاء.
قوله: {وَلا تَبْكُونَ} أي: لا تبكون من هذا الحديث خشية وخوفاً وإنابة إلى الله عز وجل، بل هم أقسى الناس قلوباً والعياذ بالله، أو من أقسى الناس قلوباً، لا تلين قلوبهم ولا يبكون من خشية الله.(181/4)
تفسير قوله تعالى: (وأنتم سامدون)
قال تعالى: {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم:61] سامدون أي: غافلون بما تمارسونه من اللهو والغناء وغير ذلك؛ لأن منهم من إذا سمعوا كلام الله عز وجل جعلوا يغنون، كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت:26] فسامدون: قيل: مغنون، وقيل: غافلون، والصواب: أن المراد غافلون عنه بالغناء وغيره مما تتلهون به حتى لا تسمعوا كلام الله عز وجل.
وهذا نظير ما قاله المكذبون لأول رسول أرسل إلى بني آدم، حيث قال الله تبارك وتعالى عن قوم نوح: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح:7] حتى لا يسمعوا: {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح:7] أي: تغطوا بها حتى لا يروا ولا يبصروا: {وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً} [نوح:7] كما كان في أول أمة كان في آخر أمة.(181/5)
تفسير قوله تعالى: (فاسجدوا لله واعبدوا)
قال تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم:62] اسجدوا لله خضوعاً وذلاً، والمراد بالسجود هنا الصلوات كلها وليس الركن الخاص الذي هو السجود، وليس أيضاً سجود التلاوة بل هو عام في كل الصلوات، (وَاعْبُدُوا) هذا عامل لكل العبادات، وخص الصلاة بالذكر وقدمها لأنها أهم العبادات البدنية الظاهرة بعد الشهادتين، وعلى هذا فيكون العطف في قوله: (واعبدوا) على قوله: (واسجدوا) من باب عطف العام على الخاص، كما أن قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر:4] من باب عطف الخاص على العام.
انتهى الكلام الذي منًّ الله به على هذه السورة؛ سورة النجم، أسأل الله تعالى أن ينفعني وإياكم به.(181/6)
تفسير آيات من سورة الواقعة
ثم قال تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1] البسملة آية مستقلة تفتتح بها كل سورة ما عدا سورة براءة، والبسملة متعلقة بمحذوف يقدر فعلاً مناسباً لما ابتدئ به، فإذا قلنا: باسم الله على القراءة.
كان تقدير الكلام: باسم الله أقرأ.
وإذا كنا نريد أن نأكل وقلنا: باسم الله.
كان التقدير: باسم الله آكل.
وإذا كنا نريد أن نذبح شاة أو نحوها قلنا: باسم الله أذبح.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن لم يذبح فليذبح على اسم الله، أو قال: باسم الله) .
إذاً: الجار والمجرور في البسملة متعلق بمحذوف يقدر فعلاً لا اسماً، متأخراً لا متقدماً، مناسباً لما ابتدئ به.
قلنا: إنه مقدر فعلاً لا اسماً؛ لأن الأصل في العامل أن يكون فعلاً، ولذلك يعمل الفعل عمله بدون أي شرط، وأما الأسماء فلا تعمل أعمالها إلا بشروط، المصدر له شروط، حتى يعمل عمل الفعل، اسم الفاعل يعمل بشروط، اسم المفعول كذلك يعمل بشروط، الصفة المشبهة، جميع العوامل غير الفعل لا تعمل إلا بشروط، أما الفعل فإنه يعمل بدون شرط، وقدرناه متأخراً تبركاً بالبداءة بباسم الله، وثانياً: ليفيد الحصر، أي: إني أقرأ باسم الله لا باسم غيره، فنقدم الآن المؤخر تبركاً بالبداءة بباسم الله.
ثانياً: لإفادة الحصر، نقدره مناسباً لما ابتدئ به لأنه أدل على المقصود، فمثلاً: لو أردنا أن نقرأ وقلنا: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) التقدير: باسم الله ابتدئ.
هل يفهم السامع أنك تريد أن تقرأ؟ لا.
يفهم أنك تريد أن تبتدئ، لكن لو قلت: باسم الله أقرأ فهم أنك تريد القراءة، لذلك قلنا أنه يقدر فعلاً مناسب.
هذه البسملة آية من كتاب الله لا يقرأها الجنب باعتبار أنها القرآن، لكن يقرأها باعتبار أنها ذكر، فلو أراد أن يأكل وقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فليس حراماً عليه، لكن لو أراد القراءة وقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وهو جنب، قلنا: هذا حرام عليه.
أما معناها: (باسم الله) اسم مفرد مضاف فيعم جميع الأسماء، فإذا قلت: باسم الله فكأنما قلت: بكل اسم من أسماء الله، وأسماء الله تعالى كلها خير وبركة، حتى إن الإنسان ليذبح الذبيحة بآلة حادة وينهر الدم ولا يسمي فتكون ميتة لا تحل، فإذا سمى صارت طيبة حلالاً، وإن الإنسان ليأكل فيشاركه الشيطان في أكله ويأكل معه وتنزع البركة من أكله، فإذا قال: باسم الله امتنع الشيطان من الأكل معه.
وإن الإنسان ليسمي عند إتيان أهله فإذا قدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً، إذا قال: (باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا) .
وإن الإنسان ليسمي على الوضوء فيكون صحيحاً ويدع التسمية على الوضوء فيكون غير صحيح عند بعض أهل العلم.
الخلاصة: أن البسملة كلها بركة.
أما (الله) فهو علم على رب العالمين جل وعلا لا يسمى به غيره.
(الرحمن) : ذو الرحمة الواسعة العامة لكل شيء.
(الرحيم) : الرحمة الخاصة التي قال الله فيها: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:43] .
وقيل: الرحمن باعتبار الوصف، والرحيم باعتبار الفعل.(181/7)
تفسير قوله تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر)
قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1] .
قوله: {اقْتَرَبَتِ} بمعنى: قربت، لكن العلماء يقولون: إن زيادة المبنى يدل على زيادة المعنى، وهنا (اقتربت) فيها زيادة في المبنى على قربت، والزيادة هي الهمزة والتاء، فيدل على أن الاقتراب قريب جداً، أو يدل على أن القرب قريب جداً، فمعنى (اقتربت) أي: قربت جداً.
قوله: {السَّاعَةُ} هي: يوم القيامة، وقد قال الله تعالى فيها: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:18] أي: علاماتها.
من علاماتها: بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام وكونه خاتم الأنبياء دليل على أن الساعة قد اقتربت؛ ولهذا حقق النبي صلى الله عليه وسلم هذا بقوله: (بعثت أنا والساعة كهاتين، وقال بإصبعه الوسطى والسبابة) الآن السبابة قريبة من الوسطى أليس كذلك؟ ليس بينهما إلا جزء يسير مقدار الظفر، وهذا يدل على قربها، لكن مع ذلك كم بيننا وبين الرسول صلى الله عليه وسلم الآن، نحن في القرن الخامس عشر الهجري يعني: بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم بثلاث عشرة سنة، ومع ذلك ما زالت الدنيا باقية، مما يدل على أن ما مضى طويل جداً، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب الناس ذات يوم عند غروب الشمس، فقال: (إنه لم يبق من الدنيا -يعني بالنسبة لمن سبقكم- إلا كما بقي من يومكم هذا) إذاً: (اقتربت الساعة) أي: قرب يوم القيامة.
قوله: (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) وكأن الله عز وجل أشار إلى أن هذا من أشراط الساعة، (وانشق القمر) أي: صار فرقتين، تميز بعضهما عن بعض، أحدهما على جبل أبي قبيس والثاني على جبل قعيقعان، يعني: واحد على الصفا وواحد على المروة، والمسافة في رؤيا العين ما بين الصفا والمروة بعيدة جداً قد تستغرق سنوات، وانشق القمر في لحظة بأمر الله عز وجل، وتباعدت أجزاؤه بلحظة؛ لأن قريشاً كانوا يتحدون الرسول صلى الله عليه وسلم، ويطلبون منه الآيات، وقد قال الله رداً عليهم: {قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:50-51] لكن ليس بكافيهم لأنهم معاندون لا يريدون الحق، أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا محمد! أنت تقول: إنك رسول وإنه يأتيك الخبر من السماء وكذا وكذا أرنا آية، فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى القمر ودعا ربه فانفلق فلقتين في لحظة، من يفلق هذا الجسم العظيم السماوي العالي إلا رب العالمين عز وجل، أراهم إياه، لكن هل نفع؟ لا.
لم ينفع؛ بل قالوا: سحرنا محمد، وبعضهم قال: سحر القمر، وأنكروا، وقال بعضهم لبعض: اسألوا المسافرين إذا قدموا هل رأوه أم لا؟ فصاروا يسألون المسافرين من كل وجه يقدمون مكة فيقولون: نعم.
رأيناه في الليلة الفلانية كذا وكذا، وهذا بالنسبة للقريبين منهم كأهل الجزيرة مثلاً، أما البعيدون فقد لا يرون هذا، لماذا؟ للبعد، وكما نعلم الآن أن الليل هنا يكون نهاراً في مكان آخر، أو يوجد غيوم وضباب كثير يمنع الرؤية، ولهذا لا يمكن أبداً لأي عاقل أن ينكر انشقاق القمر انشقاقاً حسياً لأنه لم يذكر في تاريخ اليونان ولم يذكر في تاريخ الهند ولم يذكر في كذا وكذا، هذا ليس حجة يبطل به ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من أن القمر انشق فعلاً انشقاقاً حسياً، ونحن نؤمن بأن القادر على أن يطوي السماوات بيمينه كطي السجل للكتب قادر على أن يفلق القمر فلقتين، أي شيء يعجزه؟ لا شيء: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [فاطر:44] .
ولهذا لا وجه لإنكار من أنكر ذلك ممن ينتسبون إلى الإسلام، ويقولون: إن الأفلاك السماوية لا يمكن أن تتغير، الله أكبر! من الذي خلق الأفلاك السماوية؟ أليس الله؟ بلى.
إذاً: هو قادر على أن يغيرها: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] انشقاق القمر انشقاق حسي، انفلق فلقتين، ورآه الناس وشاهدوه ولكن المكابر المعاند لا يقبل شيئاً.(181/8)
تفسير قوله تعالى: (وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر)
ولهذا قال: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا} [القمر:2] (آية) : نكرة في سياق الشرط (إن يروا) أي آية يرونها يعرضون عنها ولا يقبلونها، ويجمعون بين الإعراض وبين الإنكار باللسان: (يعرضوا) : أي بقلوبهم وأبدانهم، (ويقولوا) بألسنتهم: (هذا سحر مستمر) وتعرفون أن السحر يؤثر لا في قلب الأعيان ولكن في رؤية الأعيان.
ألم تروا أن موسى عليه السلام لما ألقى السحرة سحرهم كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، انقلب الوادي كله حيات تسعى، حتى أن موسى أوجس في نفسه خيفة من هول ما رأى، لكن هذه الحبال والعصي هل انقلبت إلى حيات أم هي هي؟ هي هي، لكن حسب نظر الرائي أنها حيات، فهم يقولون: (هذا سحر) سحر محمد حتى كانت أعيننا ترى القمر وهو واحد فلقتين.
{وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر:2] قيل: إن المعنى: زائل ذاهب، من مر بالشيء إذا تجاوزه، قال: هذا سحر ولن يستقر ولا قرار له، وقيل: (مستمر) أي أن كل الآيات التي يأتي بها سحر، أي: مستمر من إمرار الشيء ودوام الشيء، وأياً كان فإنهم أنكروا وكذبوا، ولهذا قال: {وَكَذَّبُوا} [القمر:3] أي: كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم وكذبوا بآياته: {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [القمر:3] أي: ما يريدون من الباطل: {وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} [القمر:3] أي: لابد له من قرار، فهؤلاء المكذبون قرارهم الذل والخسران في الدنيا، والنار في الآخرة، والنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه أمرهم مستقر بالنصر والتأييد في الدنيا، والجنة في الآخرة، جعلنا الله وإياكم منها.(181/9)
الأسئلة(181/10)
حكم السلام على المصلي وكيفية رد المصلي عليه
السؤال
بالنسبة للمصلي كيف يرد السلام؟ وهل الرد على سبيل الوجوب؟
الجواب
السلام على المصلي جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الذين يسلمون عليهم، إلا إذا خاف المسلم أن يشوش على المصلي فلا يسلم، أو خاف أن يتكلم بالرد، يعني: العامة أكثرهم لا يفهم، ربما إذا سلمت عليه قال: وعليك السلام.
فبطلت صلاته إذا كان عالماً بأنها تبطل بذلك.
فعلى كل حال نقول: السلام على المصلي غير منكر؛ لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم عليه، إلا إذا خاف التشويش أو إبطال صلاة المسلَّم عليه فلا يسلم، أما كيف يرد؟ فلا يرد باللفظ فلا يقول: عليك السلام، وإنما يرد بالإشارة يرفع يده حتى يعرف المسلم أنه رد عليه، ثم إن بقي المسلَّم عليه حتى يسلم وينصرف من صلاته رد عليه باللفظ، وإن ذهب لم يجب على المصلي أكثر مما ذكرت من الإشارة.
وظاهر النصوص: أن الرد واجب لكنه يتعذر بالقول لأنه مبطل للصلاة.(181/11)
حكم صلاة الرجل الذي خرج وترك أطفاله دون أن يأخذهم معه للصلاة
السؤال
هل صحيح أن الرجل إذا خرج إلى الصلاة وأولاده في البيت ولم يأمرهم بالصلاة أنه لا صلاة له، وبعضهم ينسب هذا إليك؟
الجواب
ليس بصحيح بالنسبة إليَّ، وليس بصحيح بالنسبة للحكم الشرعي، لكن يجب عليه أن يوقظهم وأن يؤدبهم وأن يضربهم على ترك الصلاة لعشر سنين فأكثر، وأما صلاته فهي صحيحة، ولا علاقة لصلاته بصلاة هؤلاء.(181/12)
من يسافر إلى منطقة معتادة: هل تلزمه أحكام السفر؟
السؤال
رجل مقيم في المنطقة الشرقية وله بيت هنا يحضر إليه مع أهله في الصيف لمدة شهر أو شهرين، فأحياناً يحضر لوحده عدة أيام، هل يترخصون برخص السفر من حيث الجمع وقصر الصلاة؟ وهل إذا كان المسجد بعيداً عن بيته وبقربه مصلى يلزمه الصلاة فيه؟
الجواب
إذا كان هذا الرجل يعتبر أن محله في الشرقية ومحله هنا كلاهما وطناً له فإنه لا يقصر ولا يجب، يعني: لا يترخص برخص السفر، لا بالجمع ولا بالقصر ولا بمسح الخفين ثلاثة أيام؛ لأن له منزلين: منزلاً هناك ومنزلاً هنا، أما إذا كان يعتبر وطنه ومقره الشرقية وجاء إلى هنا للزيارة أو الاستجمام لمدة قصيرة فإنه مسافر، لكنه يجب عليه إذا سمع النداء أن يجيب ولا عذر له في ذلك في ترك الصلاة جماعة، وإذا أجاب فسوف يتم الصلاة تبعاً لإمامهم، فإن فاتته فله القصر.(181/13)
هل تعدد الزوجات من أسباب قضاء الديون?
السؤال
إذا كان الرجل مديناً، فهل تعدد الزوجات سبيل لقضاء دينه؟
الجواب
تعدد الزوجات سبيل لقضاء دينه؟!! الشيخ: يعني: إذا تزوج امرأة ثانية قضى الله دينه، وثالثة يقضي دينه؟ السائل: نعم.
الشيخ: لا.
هذا مخالف، لا أعلم هذا، لكن لا شك أن الذي يتزوج يريد العفاف سواء بزوجة أو أكثر فإنه قد جاء في الحديث أن الله يعينه أي: على الزواج، أما أن يقضي دينه فلا أعلم ذلك، لا أعلم لهذا أصلاً، وإلا كان كلما ضاقت على الإنسان الديون ذهب يتزوج ثانية وثالثة ورابعة، إن قضي الدين وإلا طلق الأولى وأخذ خامسة، لكن قضاء الدين غير مسألة الزواج ما ينفق على نفسه وأهله.(181/14)
بيان معنى قوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا.
) الآية
السؤال
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:14] أنا محتار في تفسير الجزء الأخير من الآية: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الحجرات:14] معروف أن الطاعة محسوبة على الإسلام طبعاً، فهل تعني هذه الآية: أن الذين قالوا آمنا ينفع إسلامهم بدون إيمان يفيدهم أي: اعتماداً على {لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} [الحجرات:14] إن تطيعوا الله؟
الجواب
هذه الآية: قال قوم من الأعراب: (آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) اختلف المفسرون في هذه الآية: هل المراد المنافقون، أو المراد المؤمنون ضعيفو الإيمان؟ والصواب: أن المراد المؤمنون ضعيفو الإيمان، ولهذا قال: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] أي: وهو قريب من أن يلج فيها ويستقر.
فالصواب: أنها في غير المنافقين وأنها في قوم ضعفاء الإيمان، فقال الله تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} أي: لم يصل الإيمان إلى قلوبكم {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} أي: عملنا بالإسلام ظاهراً {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} لكنه قريب، ولهذا قال الله تعالى: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} [ص:8] أي: لم يذوقوه ولكنه قريب منهم.
قوله: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إذا أتيتم بشيء من الطاعة {لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ} لم ينقصكم من أعمالكم شيئاً فسوف يجازيكم عليها وإن لم تقولوا: أسلمنا، حتى ولو لم يكمل الإيمان، أما الذي ليس بقلبه إيمان أصلاً هذا لا ينفعه الآن العمل الصالح.
السائل: ظاهر الآية أنه ليس في قلبه إيمان؟ الشيخ: لا.
الإيمان كامل، هذا المراد بها هذا الصحيح، أما إذا قلنا: المنافقون الذين ليس فيهم إيمان أبداً ليس عندهم عمل صالح لو فعلوا لا ينفعهم.
السائل: الذي عنده إيمان قليل ينفعه؟ الشيخ: نعم.
ربما يكون عمله الصالح يقوي إيمانه ويزداد.(181/15)
حكم من أخر طواف الإفاضة إلى وقت السفر فجمعه مع طواف الوداع
السؤال
حججت مع والدي مفرداً واتجهنا إلى عرفات في البداية مباشرة وبتنا في مزدلفة، وفي يوم العيد اتجهنا إلى مكة وسعينا سعي الحج ولم نطف الإفاضة لكي نجمعه مع الوداع لعجز والدي، ثم حلقنا وتحللنا ورمينا الجمرات يوم العيد، فهل علينا شيء؟
الجواب
لا شيء في هذا، إذا أحرم الرجل بالإفراد أو بالقران وخرج إلى عرفة ووقف بها ثم بـ مزدلفة ثم قدم إلى منى ونزل إلى مكة وسعى سعي الحج وأخر الطواف إلى وقت السفر فلا حرج.
السائل: لكن تحللنا يا شيخ؟! الشيخ: يتحلل بالرمي والحلق السائل: تحلل قبل الرمي؟ من تحلل قبل الرمي وكان جاهلاً لا شيء عليه.(181/16)
حكم من لم يزكِ لجهله بالنصاب، وحكم الأكل من ماله
السؤال
رجل صاحب مزرعة نخيل وله خمس عشرة سنة لم يزكها ولا يعلم هل بلغ النصاب أم لا، فهو يقول: هي تقريباً نصاب أو أقل من النصاب ولا يعلم بالضبط، فكان يعطي من النخل قريباً من نصفه بنية الصدقة ولم ينوِ الزكاة، فماذا عليه؟
الجواب
لا شيء عليه، ما دام الرجل لا يعلم أنها بلغت النصاب فلا شيء عليه، فمن شك في وجوب الزكاة ببلوغ النصاب ليس عليه شيء، يعني: يقول: لا أدري هل هو النصاب أم أقل أم أكثر؟ فما عليه شيء.(181/17)
حكم من اغتسل لغير رفع حدث في اعتباره متوضئاً أم لا
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا اغتسل شخص للتبرد غسلاً مجزئاً، فهل يكفيه عن الوضوء؟ وإن لم يكفه، فما هو الغسل الذي يكفي عن الوضوء؟ وهل لا بد فيه من نية؟
الجواب
التبرد ليس عبادة وليس طاعة، فإذا اغتسل للتبرد لم يجزئه عن الوضوء، الذي يجزئ عن الوضوء هو الغسل من الجنابة، أو غسل المرأة من الحيض والنفاس؛ لأنه عن حدث، وأما الغسل المستحب كالغسل عند الإحرام مثلاً فإنه لا يجزئ عن الوضوء، وكذلك الغسل الواجب لغير حدث كغسل يوم الجمعة لا يجزئ عن الوضوء، لا يجزئ عن الوضوء إلا الغسل الذي يكون عن حدث؛ جنابةً أو حيضاً أو نفاساً.
السائل: وماذا يكون لو نوى؟ الشيخ: ولو نوى؛ لأنه لابد من الترتيب.
السائل: والغسل عن الحدث، هل لابد من نية؟ الشيخ: إذا نوى الغسل عن الجنابة كفى عن الوضوء، لقول الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ولم يذكر الوضوء.(181/18)
حكم الجلوس للعزاء وحكم الجلوس فيه
السؤال
الجلوس في العزاء، هل هو حرام؟ وإذا كنت لم أذهب إلى إنسان جلس في العزاء سوف يكون في نفسه شيء، فهل أذهب إليه؟ ثم إذا أمرني أحد الوالدين بالذهاب إلى المجتمعين للعزاء، هل أذهب؟
الجواب
الجلوس للعزاء صرح كثير من العلماء أنه بدعة، وصرح بعض العلماء كأصحاب الإمام أحمد رحمه الله بأنه مكروه؛ لأنه ليس معروفاً في عهد الصحابة، ولأنه ينبئ عن نوع من الجزع والسخط، كأن هذا يقول للناس: يا ناس! إني مصاب فعزوني.
وواجب الإنسان عند المصيبة أن يصبر ويحتسب، ويعلم أن لله ما أخذ وله ما أبقى وأن كل شيء عنده بأجل مسمى، ولا يمكن أن يتعدى الإنسان ما حدد له، ويغلق بابه.
أما بالنسبة للذهاب إليه فإن كان من الأقارب الذين يرون أن عدم المجيء إليهم قطيعة رحم فاذهب إليهم وعزهم وانصرف ولا تجلس.
وأما لو أمره أبوه فإن كان من الأقارب فكما قلت يذهب، سواءً أمره أبوه أم لا، وإن كان من غير الأقارب يقنع أباه ويقول: يا أبت! ليس لهم حق عليك وإن كانوا أصدقاء إذا رأيتهم في السوق أو في المسجد عزهم وإن لم يرهم فليس بواجب.
السائل: هذا يجوز؟ الشيخ: الأقارب يجوز لكن مع ذلك لا يجلس وينصحهم فيقول: أغلقوا الباب فهذا ليس خيراً لو كان خيراً لسبقونا إليه، يعني: سبقنا إليه الصحابة والتابعون.(181/19)
حكم الأكل مع من جمع ماله من حرام
السؤال
رجل جمع أمواله من الربا وأبناؤه متحرجون من الأكل من هذا المال، ثم إذا مات هذا الأب، هل يجوز لهم أن يرثوا هذا المال؟ وكيف يتوب هذا الرجل؟
الجواب
أولاً: يجب على هذا الرجل أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يدع الربا، ثم إذا كان هذا الربا الذي جمعه عن جهل لا يدري أنه حرام، أو عن شبهة كأن يقال: إنه حرام ولكن لم يتيقن، فإنه حلال له أن يبقيه عنده، لقوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة:275] .
أما إذا كان عالماً لكنه كان عاصياً ثم منَّ الله عليه بالتوبة والهداية فمن تمام توبته أن يتصدق بهذا المال، تخلصاً منه لا تقرباً به إلى الله؛ لأنه لو تقرب به إلى الله لم يقبل منه، لكن ينوي التخلص، إذ لا سبيل له إلى الخلاص إلا بهذا، بإنفاقه صدقة على فقير، أو في إصلاح طرق، أو إصلاح مساجد وما أشبه ذلك.
أما بالنسبة لأولاده فلا حرج عليهم أن يأكلوا منه في حياة أبيهم ويجيبوا دعوته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب دعوة اليهود مع أنهم يأكلون الربا.
وأما إذا ورثوه من بعده فهو لهم حلال؛ لأنهم ورثوه بطريقة شرعية، وإن كان هو حراماً عليه لكن هم كسبوه بطريق شرعي بالإرث، وإن تبرءوا وتصدقوا به عن أبيهم فلعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الصدقة تمحوا ما قبلها من السيئات.(181/20)
حكم لعب البلوت
السؤال
ما حكم لعب البلوت؟
الجواب
البلوت بارك الله فيك لو سألت الذين يلعبون البلوت: ما يكون الوقت في حقهم؟ لقالوا: إنه يذهب بسرعة، وإننا نقضي الساعات الطويلة ونحن منكبون عليه، وهذا ضياع للوقت، والوقت في الحقيقة أغلى من الأموال، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99-100] ما قال: لعلي أكمل لعبي.
وهي أيضاً ليس فيها مصلحة للإنسان؛ لا في جسمه، ولا في تفكيره وعقله، إنما هي لهو وضياع وقت، وإذا كان لعبها ضياع وقت فلا ينبغي للعاقل أن يمضي وقته بلا فائدة.(181/21)
حكم إعطاء عوض وأخذه لمصلحة معينة كالتبادل في الوظائف من أجل النقل
السؤال
رجل يرغب النقل من منطقة إلى منطقة، ومن شروط النقل: أن يُوجد بديلاً، فأوجد بديلاً لكن البديل اشترط مبلغاً من المال مقابل النقل، فهل يجوز أن يعطيه المبلغ؟
الجواب
لا بأس، يعني: إذا كان شخص يريد أن يتبادل مع آخر في مكان الوظيفة ووافقت الجهات المسئولة فلا بأس بذلك، ولا حرج أن يعطي المتنازل عوضاً عن تنازله؛ لأن هذا حق فيما بين الموظفين ولا علاقة له بالجهات المسئولة.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
نفعنا الله وإياكم بهذا الجلوس، وجعلنا وإياكم ممن يمشون بطلب العلم حتى يكتب لنا الأجر.(181/22)
لقاء الباب المفتوح [182]
في هذا اللقاء إشراقات على آيات بينات من سورة الواقعة فيها بيان أنواع العبودية الثلاثة لله سبحانه وتعالى، بعد أن شرع الشيخ بذكر حال دعوة نوح عليه السلام مع قومه، منبهاً على خطأ بعض علماء الطبيعة من عدم نسبة ما يحدث من أشياء في الطبيعة إلى الله سبحانه وتعالى، بل ينسبونها إلى الطبيعة بقولهم: غضبت الطبيعة وهاجت الطبيعة.(182/1)
تفسير آيات من سورة القمر
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والثمانون بعد المائة من اللقاءات المعروفة باسم: لقاء الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الخامس والعشرون من شهر محرم عام (1419هـ) .(182/2)
تفسير قوله تعالى: (ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر)
نبتدئ هذا اللقاء بما كنا نعتاده من الكلام على الآيات الكريمة، وفي اللقاء الماضي انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر:4-5] .
أكد الله تعالى في هذه الجملة: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ) بأنهم أي: قريشاً (جاءهم من الأنباء) أي: الأخبار التي فيها رشدهم وصلاحهم وفلاحهم (ما فيه مزدجر) أي: ازدجار عن الشرك والعصيان، لكنهم لم ينتفعوا بذلك، وهذه الجملة كما تسمعون فيها اللام وفيها قد، وهما من أدوات التوكيد، وفيها قسم مقدر دلت عليه اللام في قوله: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ) وعليه فتكون هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم، واللام، وقد، والله سبحانه وتعالى صادق بغير توكيد لخبره لكن هذا القرآن بلسان عربي مبين، واللسان العربي من بلاغته تأكيد الأشياء الهامة حتى تثبت وترسخ في الذهن.(182/3)
تفسير قوله تعالى: (حكمة بالغة فما تغني النذر)
قال الله تعالى: (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ) أي: أن الأنباء التي جاءتهم حكمة، وهذا كقوله تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء:113] والحكمة هي: موافقة الشيء لموضعه، ويعبر عنها بقولهم: تنزيل الشيء منزلته اللائقة به، ولا شك أن شريعة الله كلها حكمة، كلها مطابقة لما فيه صلاح العباد لمعاشهم ومعادهم.
وقوله: (بَالِغَةٌ) أي: تامة واصلة إلى الغرض المقصود منها.
قوله: (فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ) (ما) هذه يحتمل أن تكون نافية، بمعنى: أن النذر لا تغنيهم شيئاً، ويحتمل أن تكون استفهاماً على وجه التوبيخ يعني: فأي شيء تغنيهم، وكلاهما صحيح، فالنذر لن تغنيهم شيئاً وإذا لم تغنهم هذه النذر المشتملة على الحكمة البالغة فأي شيء يغنيهم؟!!
الجواب
لا شيء؛ لأنهم معاندون مستكبرون.(182/4)
تفسير قوله تعالى: (فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر)
ثم قال عز وجل: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} [القمر:6] وإلى هنا ينتهي الكلام، (تول) الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أن يتولى عن هؤلاء لأنهم معاندون مستكبرون، (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) .
{وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} [القمر:5-6] سوف يأتيهم ما وعدوا به وسوف يتحقق لك ما وعدت به، ويحسن هنا أن تقف: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} ثم تستأنف وتقول: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} لأنك لو وصلت لأوهم أن التولي يكون يوم يدعو الداعي، ومعلوم أن التولي في الدنيا وليس يوم يدعو الداعي.
وقوله: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} هو ظرف، والظرف لابد له من عامل كالجار والمجرور، وكجميع المفعولات لابد لها من عامل، فما هو العامل في قوله: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} [المعارج:43] ؟ العامل قوله: (يَخْرُجُونَ) .
{يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ} [القمر:6-7] فهي متعلقة بـ (يخرجون) أي: سوف يأتيهم العذاب في ذلك الوقت: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} .
وقوله: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} هو داعٍ يوم القيامة، (إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ) أي: منكر عظيم لشده أهواله، فإنه لا شيء أنكر على النفوس من ذلك اليوم لأنهم لم يشاهدوا له نظيراً.(182/5)
تفسير قوله تعالى: (خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر)
قوله: (خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ) أي: أن أبصارهم خاشعة ذليلة، كما قال الله عز وجل: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى:45] هم الآن مستكبرون رافعو رءوسهم يرون أن الناس تحتهم وأنهم فوق الناس، لكن سيأتي اليوم الذي سيكون بالعكس.
{خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر:7] (الأجداث) هي القبور، و (كأنهم جراد منتشر) الجراد المنبث في الأرض الذي لا يدري أين وجهته، ليس له طريق قائمة يعرف كيف ينتهي، ولكنهم منتشرون، وهذا من أدق التشبيهات؛ لأن الجراد المنتشر تجده يذهب يميناً ويساراً لا يدري أين يذهب، فهم سيخرجون من الأجداث على هذا الوجه بينما هم في الدنيا لهم قائد، لهم أمير، لهم موجه يعرفون طريقهم وإن كان طريقاً فاسداً.(182/6)
تفسير قوله تعالى: (مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر)
قال تعالى: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} [القمر:8] أي: أنهم مسرعون خاضعو الأعناق، كالرجل إذا أسرع وركض تجده يقدم رأسه يخضعه، فهم يخرجون من الأجداث مهطعين إلى الداع، أي: مسرعين خافضي رءوسهم، من الفزع والهول والشدة: {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر:8] وتأمل قوله: (يقول الكافرون) ولم يقل: يقول الناس، لأن هذا اليوم العسر لا شك أنه في حد ذاته عسر شديد عظيم، ولكنه على الكافرين عسير وعلى المؤمنين يسير، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً} [الفرقان:26] وقال تعالى: {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر:10] وأما على المؤمنين فهو يسير ولله الحمد جعلنا الله وإياكم منهم {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر:8] .(182/7)
تفسير قوله تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر)
ثم بدأ الله عز وجل بقصص الأنبياء على وجه مختصر في هذه السورة، لكنه مؤثر تأثيراً بالغاً، لو قرأتها بتمهل وتدبر لوجدت أنها مؤثرة جداً، كلمات مختصرة لكنها رادعة تماماً: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} [القمر:9] ونوح هو أول الرسل، أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض هو نوح بدلالة القرآن والسنة: قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء:163] ، وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [الحديد:26] وبهذا نعرف أن ما ذكره بعض المؤرخين: من أن إدريس جد لنوح كذب لا شك فيه، وليس قبل نوح رسول، وحتى في حديث الشفاعة فيه التصريح أنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، ولذلك كان من عقيدتنا: أن أول الرسل نوح وأن آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وهو نبي رسول.
(كذبت قبلهم قوم نوح) ولم يفصل الله عز وجل هذا التكذيب، لكنه أنزل في ذلك سورة تامة وهي سورة نوح، فصل الله فيها تفصيلاً تاماً في تكذيبهم وأخذهم.
{فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} [القمر:9] وهو نوح، وصفه الله بالعبودية لأن العبودية أشرف ألقاب البشر، العبودية لله أشرف ألقاب البشر، وهي: التذلل له في الطاعة والإنابة والتوكل وغير ذلك، العبودية من حيث هي ثلاثة أنواع: الأول: عبودية عامة تشمل جميع الخلق وهي: التذلل للأمر الكوني، كقوله تبارك وتعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم:93] (إن كل) يعني: ما كل من في السماوات والأرض إلا ستكون حاله هذه: أنه آتي الرحمن عبداً، وهذه العبودية للأمر الكوني، لأن أمر الله عز وجل كوني لا يمكن لأحد أن يفر منه مهما كانت قوته.
الثاني: العبودية الخاصة بالمؤمنين، مثل قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:63] هذه عامة لكل مؤمن.
الثالث: العبودية الخاصة بالأنبياء، وهذه مثل قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} [الإسراء:1] {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان:1] {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف:1] ومن ذلك هذه الآية: {فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} [القمر:9] .
وقد لبث فيهم نوح ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله، لكنهم كلما دعاهم إلى الله ليغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا قوله، واستغشوا ثيابهم حتى لا يروه واستكبروا استكباراً، ولا أبلغ من هذا الاستكبار: أن يضع الإنسان يده في أذنيه حتى لا يسمع قول الداعي، وأن يستغشي ثوبه فيتغطى به حتى لا يراهم.
قوله: {وَقَالُوا مَجْنُونٌ} [القمر:9] المجنون: فاقد العقل، الذي يهذي بما لا يدري، قالوا: إنه مجنون، وهذه القولة قيلت في كل الرسل، قال الله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52] و (أو) هنا إما للتنويع، فبعضهم يقول: ساحر، وبعضهم يقول: مجنون، أو أنهم يقولون هذا وهذا، وعلى كل حال قالوا في نوح إنه مجنون.
{وَازْدُجِرَ} [القمر:9] قيل: إنه زجر زجراً شديداً، والزجر: هو النهر بشدة وعنف، والدال هنا منقلبة عن تاء، وقد قال العلماء: إن زيادة المبنى يدل على زيادة المعنى، والمعنى: أنه زجر شديد، وقوله: (وَازْدُجِرَ) ينبغي ألا توصل بما قبلها؛ لأنك لو وصلت وقلت: وقالوا مجنون وازدجر.
لتوهم السامع أنهم يقولون: مجنون وازدجر يعني: زجره غيره، لكن المعنى خلاف ذلك، فكذبوا عبدنا وازدجر هذا المعنى.
إذاً: الأولى أن تقف: (وقالوا مجنون) ثم تبدأ وتقول: (وازدجر) فيكون هنا لم يقتصر هؤلاء المكذبون على أن كذبوا بل كذبوا وزجروا وتوعدوا وسخروا.(182/8)
تفسير قوله تعالى: (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر)
لما طال الأمد دعا ربه: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:10] الله أكبر! كلمتان: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:10] ولقد دعا أهلاً للإجابة جل وعلا فأجاب الله، فقال: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:11] فتحنا، وفي قراءة: فتَّحنا، وكلاهما حق، وينبغي لمن علم القراءة الأخرى أن يقرأ بهذه تارة وبهذه تارة بشرط ألا يكون ذلك بحضرة العوام؛ لأن العوام لا ينبغي أن تقرأ عليهم بقراءة خارجة عن المصحف الذي بين أيديهم، فتحدث لهم تشويشاً، وربما تهبط منزلة القرآن من نفوسهم، أو ينسبونك إلى الغلط والتحريف لكن عند طلبة العلم وعند التعلم أو فيما بينك وبين نفسك ينبغي أن تقرأ بالقراءات الثابتة مرة بهذه ومرة بهذه.
كما نقول هذا أيضاً في العبادات المتنوعة تفعل هذا مرة وهذا مرة كالاستفتاحات ونحوها.
قوله: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ) (أبواب) كل باب في السماء انفتح (بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ) أي: منصب صباً شديداً، فكان كأفواه القرب، ليس كالذرات المعروفة، لا، بل أشد.(182/9)
تفسير قوله تعالى: (وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمر قد قدر)
قال تعالى: {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً} [القمر:12] أي: عيوناً من المياه، وتأمل قول الله: (وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً) ولم يقل: فجرنا عيون الأرض، كأن الأرض كلها كانت عيوناً متفجرة، حتى التنور الذي هو أبعد ما يكون عن الماء لحرارته ويبوسته صار يفور، كما قال عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود:40] وفي هذا من الدلالة على قدرة الله تبارك وتعالى ما لا يخفى وأن هذه الفيضانات التي تحدث الآن وقبل الآن إنما تحدث بأمر الله عز وجل، وليست كما قال الطبائعيون: إنه من الطبيعة، يقولون: هاجت الطبيعة، غضبت الطبيعة، وما أشبه ذلك -نسأل الله العافية- بل هي بأمر من يقول للشيء: كن فيكون.
{وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:12] هنا ماء نازل من السماء دل عليه قوله: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:11] وماء من الأرض نادر دل عليه قوله: (وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً) فلماذا لم يقل: فالتقى الماءان؛ لأن المراد ماء السماء وماء الأرض؟ قال العلماء: إنه أراد الجنس؛ لأن جنس الماء هنا واحد ماء الأرض وماء السماء، أو يقال: لأنه لما كان المقصود بهاذين الماءين شيئاً واحداً وهو عذابهم صح الإفراد، (فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) أي: على شيء قد قضاه الله تعالى وقدره في الأزل، فإنه ما من شيء يحدث إلا وهو مكتوب، قال تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:12] يعني: من أعمال بني آدم، ومما يقع في الأرض كل شيء محصى، ولهذا قال: (عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) .(182/10)
الأسئلة(182/11)
بيان المعنى الحق في قوله تعالى: (والتقى الماء على أمر قد قدر)
السؤال
أنا قرأت في مقال لبعض الكتاب يتكلم عن مشاريع التحلية، ويقول: ناسب أن هذه المياه المالحة تحلت، ونزل الماء من السماء فالتقى الماء على أمر قد قدر.
فلا أدري ما صحة هذه العبارة وهو يثني على من فعل هذا، فما رأيكم؟
الجواب
أرى أن هذا لا ينبغي أن يستشهد بما نزل عذاباً على ما حصل رحمة؛ لأن (التقى الماء على أمر قد قدر) هذا ماء العذاب، فكيف يستشهد به على ماء يسر الله تعالى الوصول إليه فهو نعمة من الله تبارك وتعالى.
لكن هذا كما يقول بعض الناس الآن إذا أنجز مشروعاً: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105] هذا غلط.
أولاً: هذه الآية نزلت في المنافقين، أي: اعملوا فلن يخفى أمركم.
ثانياً: سيرى الله عملكم ورسوله، هل يمكن أن الرسول يرى ما يحدث الآن؟ لا يمكن، لكن الجهل وتنزيل الآيات على غير المراد بها أو الاستشهاد بها على ما لا يماثل هذا لا شك أنه من الغلط.(182/12)
حكم المسبوق بركعة إذا سها الإمام وزاد ركعة
السؤال
إذا الإنسان صلى المغرب مع الإمام وفاتته ركعة من الصلاة لكن الإمام سها ثم قام وأتى برابعة ثم سجد الإمام سجود السهو وسلم المأموم الذي فاتته ركعة مع الإمام، هل تعتبر الزيادة للإمام مكملة لصلاة المغرب، أو يقوم ويأتي بثالثة؟
الجواب
هذا المثال يعتبر مثالاً لكن نأخذ قاعدة: إذا زاد الإمام ركعة وقد دخل معه أحد في الركعة الثانية أي صلاة تكون، فهل يعتد المأموم بهذه الركعة الزائدة؟ الجواب: يرى بعض العلماء أنه لا يعتد بها، وأن المأموم إذا سلم الإمام وقد فاتته ركعة يجب أن يقوم ويأتي بركعة، لكن هذا القول ضعيف.
والصواب: أنه يعتد بركعة الإمام الزائدة للمأموم الذي فاته بعض الصلاة، فمثلاً: إذا دخل مع الإمام في الركعة الثانية في المغرب -كالمثال الذي ذكر الأخ- ثم زاد الإمام ركعة سهواً فيكون هذا المأموم المسبوق بركعة قد أتى بثلاث ركعات، إذاً: انتهت صلاته ويجب عليه أن يسلم، فإن زاد ركعة فهذا يعني: أنه تعمد الزيادة وصلى المغرب أربعاً وهذا لا يجوز، والإمام إن كان معذوراً بالزيادة لسهوه فأنت لست بمعذور، فلا يجوز أن تأتي بما زاد على فرض صلاتك، فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا، أو قال: فاقضوا) قلنا: بلى.
قال هكذا، لكن قوله: فاقضوا أو فأتموا يدل على أن المأموم قد بقي عليه شيء، والمأموم الآن أتم ولم يبق عليه شيء، فهذا هو القول الراجح والصواب والمتعين، وإليه ذهب شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله.(182/13)
الفوارق بين الرؤيا والحلم
السؤال
كيف يستطيع الإنسان التفريق بين الرؤيا والحلم؟
الجواب
الغالب أن الرؤيا تكون سارة يفرح بها المؤمن وينشرح لها صدره وتكون مركزة، وأما الحلم فمن الشيطان، يأتي بالأمثال يضربها للنائم تزعجه وتروعه وتقلق راحته، وهناك ما يشبه الحلم مما لا أساس له ولا معنى له، مثل ما سئل الرسول عليه الصلاة والسلام؛ سأله رجل، قال: (يا رسول الله! إني رأيت في المنام أن رأسي قد قطع وهرب -رأسه هرب- فجعلت أشتد وراءه -هو يركض وراء رأسه- فقال صلى الله عليه وسلم: لا تحدث الناس بتلاعب الشيطان بك في منامك) فالغالب أن الحلم ليس له أصل ولا له معنى وإنما يكون ليروع الإنسان، ولهذا ينبغي إذا رأيت رؤيا تكرهها أن تستعيذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت وألا تحدث بها أحداً، فإن استيقظت من منامك فانقلب على الجانب الآخر، وإن عادت إليك فقم وتوضأ وصل فإنها تذهب عنك بإذن الله.(182/14)
حكم استخدام العدسات اللاصقة
السؤال
العدسات اللاصقة إذا لبسها الإنسان، هل تتم طهارته وهو قد لبس هذه العدسات سواء كانت هذه الطهارة غسلاً أو وضوءاً؟
الجواب
أولاً: ينبغي أن نسأل عن لبس العدسات قبل كل شيء، العدسات الطبية إذا كانت لتقوية النظر فلا بأس بها؛ لأنها مما منَّ الله به على العباد ويسرها لهم وهي أيسر من النظارات المتحركة هذه بشرط: ألا يكون على العين ضرر ولو في المستقبل.
الشيء الثاني: العدسات التي تلبس للتجمل، فهذه لا نشير على الرجل أن يلبسها لا سيما الشباب، اللهم إلا إذا كان سواد عينه مشوهاً فهذا لا بأس به؛ لأن هذا إزالة عيب وليس زيادة تجميل، لكن المرأة هي التي تحتاج إلى التجميل، كما قال عز وجل: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18] يعني المرأة، لا بأس أن تلبسها للتجميل بشرط: ألا تكون على شكل أعين الحيوان كعين القطط والأرانب وما شابهها؛ لأن مثال الحيوان لم يأت في القرآن والسنة إلا على وجه الذم، كما في قول الله تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176] ، وكقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] ، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم في العائد في هبته: (كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) فلا تلبس ما يشبه أعين الحيوان.
كذلك ما يشبه أعين الكافرات، وهذه المسألة أهون من الأولى؛ لأن أعين الكافرات ليس بفعلهن.
فعلى كل حال لا بأس به، هذا من جهة استعمال اللاصقات كما سمعت.
أما بالنسبة للطهارة فهي لا تؤثر إطلاقاً؛ لا في الغسل من الجنابة ولا في الوضوء؛ لأن داخل العين لا يجب غسله، بل ولا ينبغي أن يغسل، بل ومن التعمق في دين الله الضار للبدن.(182/15)
حكم المناولة للحاجة في الصلاة
السؤال
ما حكم المناولة في الصلاة؛ كأن يطلب الصغير من أبيه أن يناوله قلماً ويشغله في الصلاة، والعاطس إذا رأيت الشخص يعطس في الصلاة من شدة البرد ويريد منديلاً مثلاً أحسست أنه يريد منديلاً مساعدة، فهل لي أن أعطيه؟
الجواب
المناولة حركة في الصلاة والحركة في الصلاة للحاجة لا بأس بها، فإذا صاح الصبي وهو إلى جنبك وأعطيته ما يتلهى به فلا بأس، وكذلك إذا احتاج من إلى جانبك إلى منديل أو أنت أيضاً احتجت فلا بأس؛ لأن كل شيء لحاجة لا بأس به.(182/16)
الضابط في تحديد أسماء الله، وهل (المسعر) من أسماء الله؟
السؤال
يأتي في السنة كلمات أحياناً بالنسبة لله عز وجل، فما هو الضابط لتحديد الاسم، مثل (المسعِر) هل هو اسم لله عز وجل؟
الجواب
الظاهر لي أن ما عاد إلى الأفعال فهو من جنس الصفات الفعلية، ما عاد إلى الأفعال ليس إلى الذات، المسعِر يعني في مقابل قول الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: سعر لنا.
يبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن التسعير من فعل الله عز وجل، هو الذي يقدر زيادة القيمة أو نقص القيمة.
فالذي يظهر لي أن هذا من باب الخبر وليس من باب التسمية.(182/17)
حكم الأكل من الزكاة بعد أدائها أو قبولها كهدية وحكم شرائها
السؤال
ما حكم من أعطى زكاته أناساً من أقاربه، ولكن يزورهم هو وأولاده وزوجته ويأكل عندهم ويشرب، وربما تدخل الزكاة في الطعام، فهل عليه حرج من ذلك؟
الجواب
ليس عليه حرج، يعني: فإذا أعطيت زكاتك من يستحق الزكاة من قريب أو غير قريب ثم دعاك أو أنت دخلت عليه وشربت مما يشرب وأكلت مما يأكل فلا بأس؛ لأنه ملكها وأنت تناولتها على سبيل الدعوة أو التبرع أو ما أشبه ذلك، حتى لو فرضنا أنه أهداها إليك لمناسبة ما فلا بأس، المحذور أن تشتريها منه؛ لأنك إذا أعطيته زكاتك ثم ذهبت تشتريها منه فالغالب أنه ينزل لك في الثمن؛ لأنك أنت الذي مننت عليه بها، فإذا نزل لك من الثمن فمعناه أن بعض زكاتك عاد إليك بهذه المحاباة.(182/18)
بيان ضعف الحديث القائل بأن (لحم البقر داء)
السؤال
في حديث لحوم البقر الذي جاء في آخره: أن لحمه داء.
بعض العلماء المعاصرين صححه، فكيف الجمع بين تصحيحهم وبين تضعيف بعض علماء السلف؟
الجواب
لا يحتاج هذا إلى جمع، أتظن أن ربك سبحانه وتعالى يبيح لك ما فيه ضررك؟ لا يمكن، إذا كان أباح لحم البقر بنص القرآن، كيف يقال: إن لحمها داء؟!! إذا كان الحديث الشاذ المخالف للأرجح منه في الرواية يرد، فالحديث المخالف للقرآن يجب رده.
ولهذا نقول: من صححه من المتأخرين وإن كان على جانب كبير من علم الحديث فهذا غلط، يعتبر تصحيحه غلطاً، والإنسان يجب ألا ينظر إلى مجرد السند بل عليه أن ينظر إلى السند والمتن، ولهذا قال العلماء في شرط الصحيح والحسن: يشترط ألا يكون معللاً ولا شاذاً.
لكن إذا تأملت أخطاء العلماء رحمهم الله ووفق الأحياء منهم علمت بأنه لا معصوم إلا الرسول عليه الصلاة والسلام، كل إنسان معرض للخطأ؛ إما أن يكون خطأً يسيراً أو خطأ فادحاً، أنا أرى أن هذا من الخطأ الفادح، أن يقول: إن لحمها داء ولبنها شفاء أو دواء.
كيف؟ سبحان الله!! احكم على هذا الحديث بالضعف ولا تبالي.(182/19)
حكم من نام عن الصلاة لكي يسهر في الليل وهل له الجمع؟
السؤال
بعض الإخوان وقت الاختبارات ينامون من الظهر ولا يقومون إلا بعد العشاء كي يسهروا للمذاكرة، فما رأيكم؟ الشيخ: وينام الظهر؟ السائل: لا.
يصلي الظهر وينام ولا يقوم إلا بعد العشاء.
الشيخ: والعصر؟ السائل: العصر والمغرب والعشاء لا يصلي لكي يقوم للمذاكرة.
الشيخ: العصر الصلاة الوسطى التي دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الأحزاب لما شغلوهم عنها.
لكن إذا كان صحيحاً يتعب ولا يستطيع لشدة أخذ النوم له، فليجمع العصر مع الظهر.
السائل: هو يصلي العصر مع الظهر الشيخ: أنت ما قلت يجمع، أنت قلت: يصلي الظهر وينام.
أنا أقول: الجمع إذا كان يشق على الإنسان أن يصلي كل صلاة في وقتها فهو جائز، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في المدينة من غير خوف ولا مطر) قالوا: أراد ألا يحرج أمته، فهذا يدل على أن مناط الحكم في الجمع هو المشقة.(182/20)
حكم صيد الصقور بالحمام الحي
السؤال
هل يجوز تدريب الصقور على حمام حي أو صيدها بها، لأني أراهم يضعون الحمامة وهي حية في شباك رخوة ميسرة ويطلقونها في الجو فينقض عليها هذا الصقر ويمزقها وتعلق مخالبه في الشباك فيصطادونه، فهل هذا جائز؟
الجواب
يصطادون الصقر؟ السائل: نعم يصطادون الصقر بالحمام الحي.
الشيخ: لكن كيف يصل إلى الحمامة وهي في الشبك؟ السائل: يلبسون الحمام شبكاً مثل الثوب طويل على عقب أجنحتها ويطلقونها على مسافة بحبل طويل ثم يختبئون فيجيء الصقر ويهاجمها ويمزقها وأنا رأيت شخصاً منهم يأتي كل يوم يدرب صقره بحمام حي، يربطها في حبل ويدعها تطير ثم يدرب عليها الصقر، فإذا اصطادها شجعه بمكافئة قطعة من لحم.
الشيخ: الذي أسمع أنهم يطلقون الحمام ولا يضعونه في شبك، ثم يطلقون الصقر عليه.
السائل: يطلقونه أحياناً، ويضعونه في شبك عند صيده عندما يكون الصقر جديداً ليس في يده يعني: في الفضاء وحشي، فيضع الحمامة في شبك ويطلقها على مسافة فيأتي الصقر فتعلق مخالبه في الشباك بعد أن يمزق الحمامة ويجرها ويصطادها.
الشيخ: هل لا يمكن تعليمه إلا بهذه الطريقة؟ السائل: قالوا: لا يمكن إلا بهذه الطريقة، أما صيده هو عندما كان وحشياً في السابق لا يكون بهذه الطريقة.
الشيخ: إذا كان لا يمكن الوصول إلى الانتفاع به إلا بهذه الطريقة وهي حية فلا بأس، أما إذا كان يمكن ولو بطريقة بعيدة فلا يجوز إيذاؤها.
السائل: وصيد الصقر الوحشي بحمام حي؟ الشيخ: لا بأس به إذا لم يكن إلا بهذا.
السائل: ولكنه تعذيب للحيوان؟ الشيخ: تعذيب لمصلحته مثلما نعذبه بالوسم لمصلحته.(182/21)
حكم تأخير صلاة العصر وصلاة الفجر
السؤال
الآن يحدث في أغلب المساجد تأخير صلاة العصر وصلاة الفجر، ويستدل البعض بحديث: (أسفروا بالفجر فإنه أكمل للأجر) لا أدري ما تعليقكم على هذا؟
الجواب
حسناً والعصر ما هو الدليل؟ السائل نفسه: العصر يقولون: يحتاج أن الناس ينامون ويأتون متعبين من الدوام ونؤخره حتى يدركوا الصلاة.
الشيخ: القاعدة الشرعية التي تدل عليها السنة: أن الأفضل تقديم الصلوات الخمس كلها، إلا العشاء الأفضل تأخيرها ما لم يشق، وإلا الظهر في شدة الحر.
الفجر ورد حديث في صحته نظر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بتأخيرها في ليالي الصيف، الليالي القصيرة، وبتقديمها في ليالي الشتاء كالعادة، وأما حديث: (أسفروا بالفجر) وما أشبه ذلك فالمعنى لهما أحد معنيين: إما أن المعنى: لا تتعجلوا فيها حتى تتيقنوا الإسفار، أو المعنى: أطيلوا القراءة فيها حتى ينتشر الإسفار ويتبين.(182/22)
حكم صيد المقدور عليه بالسلاح وغير المقدور عليه
السؤال
سمعنا فتوى تنقل عنكم نريد التأكد من صحتها: أنه لا يجوز صيد الضب بالسلاح لأنه مقدور عليه؟
الجواب
أما الذي معك بيدك من الضبان فلابد من ذبحه؛ لأنك قادر عليه، وأما الطليق فلا تقدر عليه، إن قدرت عليه فلا يجوز إلا بذبحه، وإن لم تقدر فيجوز أن تصيده بالبندقية، إذا كان البعير الآن إذا ند وشرد ولم تقدر عليه يجوز أن ترميه وتقتله بالرمي، أو إذا وقع في بئر ولم تتمكن من النزول إليه لنحره اضربه بالبندق فكيف بالضب.
وأنت إذا سمعت عني شيئاً تستنكره فاتصل بي؛ لأنه كثيراً ما ينقل عني وعن غيري من العلماء أشياء ليست صحيحة، إما أنها كذب محض، أو أن السائل سأل ولم يفهم الجواب، أو سأل على غير وجه الواقع فأجيب بحسب سؤاله، أو أنه يريد تشويه السمعة؛ لأن النقل عن العلماء إما أن يكون خطأ في السؤال، أو خطأ في فهم الجواب، أو إرادة السوء، ولم يقع شيء أبداً من هذا.
فإذا سمعت عن أي عالم من العلماء شيئاً تستنكره اتصل به حتى تكون على يقين.(182/23)
طرق تثبيت الحفظ والتفسير
السؤال
بالنسبة لتفسير القرآن، كثير ما يقرأ تفسير القرآن ثم ينسى، فما هي أيسر الطرق لتثبيت فهم التفسير؟
الجواب
أيسرها بارك الله فيك التعاهد، فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتعاهد القرآن، وقال: (تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) فأحسن شيء أن تتعاهده، من السور ما يكفي أن تتعاهده مرة في الأسبوع، ومنها ما يحتاج مرتين، ومنها ما يكفي مرة في خمسة عشر يوم.
السائل: بالنسبة للتفسير؟ الشيخ: التفسير أم الحفظ؟ السائل: التفسير.
الشيخ: التفسير إذا نسيته فراجعه.
السائل: ما هو الأولى يا شيخ! قراءة تفسير السلف في القرآن، أم تفسير اللغويين؟ الشيخ: الأولى تفسير السلف؛ لأنهم أعلم الناس بمعنى القرآن.(182/24)
حكم فسخ العقد في حالة عدم الإنجاب أو الشك من أن أهل الرجل قد سحروا زوجته
السؤال
رجل تزوج امرأة مدة اثنتي عشرة سنة تقريباً ولم يرزقهم الله أطفالاً، وبعد هذه المدة الآن تطلب الزوجة الطلاق من غير ما بأس، وهو رافض لذلك، فما هو المترتب عليه علماً بأن أهل المرأة يلحون عليه بالطلاق؟
الجواب
بارك الله فيك! لا ندري ممن السبب أهو من الرجل أو من المرأة.
السائل: يا شيخ! المرأة تدعي أن أهل الزوج عملوا لها عملاً بعدم الخلفة، وهي تطالب بذلك، تقول: لا تستطيع العيش مع هذا الرجل لأن أهله عملوا لها عملاً.
الشيخ: يعني: الرجل لا يستطيع أن يجامعها؟ السائل نفسه: يجامعها ولكن لم يقع الحمل.
الشيخ: على كل حال: ينظر إذا كان البلاء من الزوج فللزوجة الحق في طلب الطلاق، فإن لم يطلق طلق عنه القاضي.
السائل: لا.
لا يوجد في الرجل أي خلل، وليس فيها خلل أيضاً.
الشيخ: إذا لم يكن الخلل من هذا ولا من هذا فبقاء النكاح بحاله هو الصواب.
السائل: ولكن الأهل -يا شيخ- يطلبون الطلاق.
الشيخ: حسناً لماذا لا يؤخذ حَكم من أهله وحكم من أهلها؟ واحد من هؤلاء وواحد من هؤلاء فينظرون في الموضوع.
السائل: الآن يا شيخ! لجئوا إلى المحكمة.
الشيخ: إذاً: الحمد لله ما دام لجئوا إلى المحكمة ينتهي الموضوع.(182/25)
حكم الزوجة الثانية إذا رضع رجل من الأولى
السؤال
هناك شخص له زوجتان رضع شخص من إحداهما، فهل تكون له الأخرى أماً من الرضاعة أم لا؟
الجواب
لا.
الأخرى ليست أمه من الرضاعة.
السائل: ما العلاقة؟ الشيخ: له علاقة على رأي جمهور العلماء: أنها زوجة أبيه من الرضاع، وزوجة أبيه من الرضاع كزوجة أبيه من النسب.
وشيخ الإسلام رحمه الله يرى خلاف ذلك، يقول: الرضاع لا يؤثر في المصاحبة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وزوجة الأب حرام على الابن من جهة المصاحبة، فصارت الزوجة الثانية فيها خلاف بالنسبة للمرتضع.(182/26)
معنى قوله تعالى: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين)
السؤال
كيف نجمع بين قول الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)) [الذايات:35] * {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) [الذريات:36] ؟
الجواب
أي: أن دار لوط عليه السلام دار إسلام لا يأتونها لأن فيها مسلمين، حتى زوجته الكافرة لا تعلن كفرها، لكن لما أراد الله إنجاء أهل الدار أنجى المؤمنين إيمانهم ظاهر وباطن، فبقيت هي لأنها مسلمة وليست مؤمنة.(182/27)
حكم التثبت في رواية الثقة
السؤال
بعض الدعاة يتهم داعية آخر، فإذا قيل له في ذلك قال: حدثني رجل معروف بعلمه وعدله.
فإذا قلت: تثبت.
قال: التثبت فيما إذا كان الناقل فاسقاً.
فما رأيكم في هذا؟
الجواب
هذا صحيح، كلامه صحيح من حيث الظاهر؛ أنه إذا أخبرك رجل ثقة فلا حاجة للتثبت؛ لأن الله قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] لكن قد يكون الإنسان ثقة ولكن له هوى فتضعف الثقة من هذه الناحية.(182/28)
الجمع بين قوله تعالى: (خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث.
) الآية، وقوله تعالى: (يوم يخرجون من الأجداث سراعاً.
) الآية
السؤال
أشكل عليَّ الجمع بين قوله تعالى: {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر:7] وبين قوله تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج:43] أي: كأنهم يعرفون طريقهم بلا علامات يذهبون إليها؟
الجواب
أنت تدري يوم القيامة كم يوم؟ السائل: خمسون ألف سنة.
لكن تتغير الأحوال، فهم كأنهم جراد منتشر، ثم بعد ذلك يهتدون إلى الطريق ويسعون.(182/29)
حكم الصداق إذا كان ذهباً
السؤال
هل إذا كان في عقد النكاح قال: أريد مبلغاً من المال ولكنك تحضره ذهباً، فهل الذهب يعتبر من الصداق؟
الجواب
إي نعم.
يعتبر من الصداق.(182/30)
بيان خطأ مقولة: إن الشيطان طويل العمر
السؤال
بعض الناس يطلقون على الشيطان يقولون: إنه طويل العمر.
لأنه منذ خلقه الله إلى قيام الساعة وهو حي طوال هذه الفترة، فهل هذا إطلاق صحيح؟
الجواب
ليس بصحيح، حتى هذه (طويل العمر) لا تقال إلا في مقام الثناء، من يثني على الشيطان؟!! سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(182/31)
لقاء الباب المفتوح [183]
في هذا اللقاء فسر الشيخ آيات بينات من سورة القمر، مبيناً فيها ما حصل من قوم نوح وما وقع بهم من العذاب والنكال حتى جعلهم الله تعالى (آية فهل من مدكر) .
ثم بيان ما حصل من قوم عاد وما وقع بهم من العذاب، وبيان الحكمة من تدميرهم بالريح دون غيرها من جند الله سبحانه وتعالى.(183/1)
تفسير آيات من سورة القمر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والثمانون بعد المائة من اللقاءات المعروفة بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثالث من شهر صفر عام (1419هـ) .(183/2)
تفسير قوله تعالى: (وحملناه على ذات ألواح ودسر)
نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بالكلام بما يسره الله عز وجل على الآيات التي انتهينا إليها من سورة القمر، فإن الله سبحانه وتعالى ذكر قصة نوح على وجه مختصر، فقال جل وعلا: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) [القمر:9-14] .
قوله: {وَحَمَلْنَاهُ} أي: حملنا نوحاً وأهله إلا من سبق عليه القول منهم، وأمره الله تعالى أن يحمل فيها من كلٍّ زوجين اثنين ومن آمن معه: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40] ، حمله الله على ذات ألواح ودسر، أي: على سفينة (ذات ألواح ودسر) ، وكان نوح عليه الصلاة والسلام يصنعها فيمر به قومه فيسخرون منه، فيقول: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [هود:38-39] .
هذه السفينة وصفها الله بأنها {عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ} [القمر:13] وألواح جمع منكر يدل على شيئين: الشيء الأول: كثرة ألواحها.
والشيء الثاني: عظمة هذه الألواح ومتانتها.
وحق لسفينة تحمل البشر على ظهرها أن تكون ذات ألواح ودسر، ذات ألواح عظيمة.
قوله: {وَدُسُرٍ} أي: مسامير، وقيل: إن الدسر ما تربط به الأخشاب، فيكون أعم من المسامير؛ لأن الأخشاب قد تربط بالمسامير وقد تربط بالحبال، فالمهم أن توثيق هذه الألواح بعضها ببعض كان قوياً، وإنما ذكر الله سبحانه وتعالى مادة صنع السفينة وأنها من الأخشاب والمسامير أو الروابط التي تربط بين تلك الأخشاب ليكون ذلك تعليماً للبشر أن يصنعوا السفن على هذا النحو.(183/3)
تفسير قوله تعالى: (تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر)
قوله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:14] أي: تسير على هذا الماء العظيم الذي بلغ قمم الجبال، والتقى فيه ماء الأرض والسماء، {تَجْرِي} [القمر:14] أي: تسير على هذا الماء {بِأَعْيُنِنَا} [القمر:14] أي: ونحن نراها بأعيننا ونكلؤها ونحفظها، وأيضاً في قوله: {بِأَعْيُنِنَا} [القمر:14] الباء للمصاحبة، أي: أن عين الله عز وجل تصحب هذه السفينة فيراها جل وعلا ويكلؤها ويحفظها؛ لأنها سفينة بنيت لتقوى الله عز وجل وإنجاء أوليائه من الغرق الذي شمل أعداءه.
قوله: {جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} [القمر:14] {جَزَاءً} أي: مكافئة، {لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} أي: لمن كان كفر به وهو نوح عليه الصلاة والسلام، فبين الله عز وجل أن إنجاء نوح بهذه السفينة كانت جزاءً له، وأن الله سبحانه وتعالى يجزي المحسن أكثر من إحسانه.(183/4)
تفسير قوله تعالى: (ولقد تركناها آية فهل من مدكر)
قوله: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:15] ، قوله: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا} كلمة الضمير هاء اختلف فيها المفسرون: هل المعنى: ولقد تركنا هذه القصة وهي قصة نوح وإغراق قومه آية لمن يأتي بعدهم هذا وجه.
والوجه الثاني: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا} أي: السفينة، والمراد الجنس أي: جنس هذه السفينة أبقيناها آية لمن بعد نوح، وكلا الأمرين محتمل، والقاعدة في التفسير: أن الآية إذا احتملت معنيين لا ينافي بعضهما الآخر وليس أحدهما بأرجح من الآخر فإنها تحمل على المعنيين جميعاً.
فنقول: إن الله ترك القصة آية وعبرة لمن يأتي بعد نوح، ترك السفينة آية وعبرة يصنع مثلها من يأتي بعده، ويدل لهذا القول وأنه غير ممتنع: أن الضمائر أحياناً تعود إلى الجنس لا إلى الفرد، نظيره قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون:12-13] خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ما المراد بالإنسان؟ آدم، {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً} [المؤمنون:13] ليس آدم هو الذي جعل نطفة في قرار مكين، بل الإنسان الذي هو جنس آدم وهم بنو آدم، ومثل ذلك عند بعض العلماء قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} [الملك:5] ليست المصابيح التي في السماء هي التي ترجم الشياطين ولكنها شهب تخرج منها فترجم الشياطين.
قوله: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:15] الاستفهام هنا للتشويق، أي: هل أحد يدكر ويتعظ بما جرى للمكذبين بالرسل من إهلاكهم وتدميرهم؟ وقيل: إن الاستفهام للأمر، وأن المعنى: فادكروا، وسواء قلنا للتشويق أو للأمر، فإن الواجب علينا أن نتذكر، وأن نخشى من عقاب الله تبارك وتعالى، وعقاب الله تعالى لهذه الأمة خاصة لا يمكن أن يشملهم جميعاً، لكن قد يشمل مناطق معينة تؤخذ بالعذاب بما فعله السفهاء منهم، كما قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25] .(183/5)
تفسير قوله تعالى: (فكيف كان عذابي ونذر)
قال تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:16] ، قوله: {فَكَيْفَ} [القمر:16] هنا للتفخيم والتعجيب، أي: ما أعظم العداء والنذر! وقيل: إن الاستفهام التقرير؛ لأن الله يقررنا بالعذاب وبالنذر، لكن المعنى الأول أعظم: أنه للتفخيم والتعظيم، أي: ما أعظم عذابي النازل بأعدائي، وما أعظم نذري التي تنذر وتخوف من العقاب أن ينزل بمن خالف، فهذا العذاب الذي حصل لقوم نوح عذاب حصل، وهو بالنسبة لنا يعتبر من النذر المخوفة لنا من مخالفة أمر الله ورسوله.(183/6)
تفسير قوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)
قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] ، قوله: {يَسَّرْنَا} أي: سهلنا، والقرآن هو كتاب الله الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وسمي قرآناً لأنه يقرأ -أي: يتلى- وقوله: {لِلذِّكْرِ} قال بعضهم: للحفظ، وأن القرآن ميسر لمن أراد أن يحفظه، وقيل: المراد بالذكر: الادكار والاتعاظ، أي: أن من قرأ القرآن ليتذكر به ويتعظ به سهل عليه ذلك، واتعظ وانتفع، وهذا المعنى أقرب للصواب، بدليل قوله: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أي: هل أحد يدكر مع أن الله سهل القرآن للذكر؟!! أفلا يليق بنا وقد يسر الله القرآن للذكر أن نتعظ ونتذكر؟! بلى.
هذا هو اللائق {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} .(183/7)
تفسير قوله تعالى: (كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر)
قال تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:18] هذه هي الأمة الثانية ممن قص الله علينا قصصهم في هذه السورة الكريمة، وعاد تتلو قوم نوح غالباً، وقد تتقدم عليها كما في الذاريات، ولكن الغالب أن قصة نوح هي الأولى في قصص الأنبياء؛ لأنه أول نبي أرسل إلى أهل الأرض.
قوله: {كَذَّبَتْ عَادٌ} وهم قوم هود، كما قال تعالى: {أَلا بُعْداً لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} [هود:60] كذبوا نبيهم هوداً عليه الصلاة والسلام، وكانوا أشداء أقوياء، وكانوا يفتخرون بشدتهم وقوتهم، ويقولون: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] ، قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} [فصلت:15-16] .
يقول هنا: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} .
و
الجواب
كان شديداً عظيماً واقعاً موقعه، فالاستفهام للتفخيم والتعظيم والتقرير، وهو أن عذاب الله كان عظيماً وكان واقعاً موقعه.
(نذر) أي: آياته كذلك كانت عظيمة واقعة موقعها، فبماذا أهلكهم الله؟ أهلكهم الله بألطف شيء وهو الريح التي تملأ الآفاق ومع ذلك لا يحس الإنسان بها؛ لأنها سهلة لينة يخترقها الإنسان بسهولة، مكاننا الآن الذي نحن فيه مملوء من الهواء، ومع ذلك نخترقه ولا نحس به، فهي من ألطف الأشياء.(183/8)
تفسير قوله تعالى: (إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمر)
أهلك الله عاداً الذين يفتخرون بقوتهم بهذه الريح، كما قال الله عز وجل هنا: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} [القمر:19] الجملة هنا مؤكدة بإنا، و (أرسلنا) أي: الرب عز وجل نفسه، وجمع الضمير للتعظيم.
قوله: {عَلَيْهِمْ} أي: على عاد {ريحاً صرصراً} أي: ذات صرير لقوتها وشدتها، حتى إنها مجرد نفوذها يسمع له الصرير وإن لم تصطدم بما يقتضي الصرير؛ لأنها قوية عظيمة جداً، وهي الريح الغربية أتت من قبل الغرب، أي: من جهة الغرب لعاد، فقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:24] وكانوا قد أجدبوا قبل ذلك سنوات، فلما أقبلت بسوادها وعظمتها وزمجرتها، قالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:24] ولكن الأمر كان بالعكس، كانت ريحاً فيها عذاب أليم، كانت ريحاً عقيماً ليس فيها مطر ولا يرجى أن يأتي منها مطر.
هنا يقول الله عز وجل: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} [القمر:19] فهي الريح الغربية التي تأتي من ناحية المغرب.
قوله: {صَرْصَراً} أي: شديدة الصوت والصرير لقوتها وسرعتها.
قوله: {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} [القمر:19] أي: في يوم شؤم (مستمر) بالنسبة لعاد وليست كل وقت، فاليوم الذي أهلكوا فيه ليس هو نفسه نحساً مستمراً ولكنه بالنسبة لهؤلاء كان يوم نحس مستمر، كما قال الله تعالى عن قوم نوح: {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً} [نوح:25] ، هؤلاء أهلكوا بالريح فأدخلوا النار، فالنحس -أي: الشؤم- كان مستمراً معهم، عذاب الآخرة متصل بعذاب الدنيا.(183/9)
تفسير قوله تعالى: (تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر)
قوله: {تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:20] .
قوله: {تَنزِعُ النَّاسَ} أي: تأخذهم بشدة وقوة وترفعهم إلى السماء -نسأل الله العافية- حتى قال بعضهم: ترفعهم حتى يغيب الإنسان عن الرؤية من علوه ثم تطرحه في الأرض، إذا سقطوا على الأرض سقطوا على أم رءوسهم ثم انفصل الرأس من الجسد من شدة الصدمة.
قوله: {تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ} في حال سقوطهم إلى الأرض {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} (أعجاز) أي: أصول، والنخل معروف، والمنقعر: الساقط من أصله، أي: كأنهم نخل سقط من أصله وبقيت جثثه، لماذا صاروا كأعواد النخل؟ لأنهم ليس لهم رءوس كما قال المفسرون، حيث إن رءوسهم انفصلت من شدة الصدمة، فسبحان القوي العزيز، هؤلاء القوم الأشداء الأقوياء وصلوا إلى هذه الحال بريح من عند الله عز وجل {تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:20-21] .
هنا قال: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:20] ، وفي الحاقة: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة:7] والمعنى متقارب، لكن من بلاغة القرآن أن يجري الكلام فيه على نسق واحد، فهناك: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة:7] مناسب للفواصل التي في الحاقة، وأما هنا: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:20] فمناسب للفواصل التي في سورة القمر، لأن تناسب الكلام واتساقه من كمال بلاغته.
قوله: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:21-22] كرر الله تعالى هذا عند آخر كل قصة من أجل أن نحرص على تذكر وتدبر وتفهم القرآن؛ لأنه ميسر، والجملة مؤكدة بمؤكدات ثلاثة: القسم، واللام، وقد، مما يدل على الترغيب في تذكر القرآن والتذكر به {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:22] .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من المدكرين بكتاب الله عز وجل، إنه على كل شيء قدير.(183/10)
الأسئلة(183/11)
الأفضل للمسافر أن يصلي في المساجد التي على الطرق أو في البر
السؤال
ما هو الأفضل إذا كنت مسافراً أن أصلي في المساجد التي بنيت على الطرق، أو في البر؟
الجواب
إذا كنت مسافراً فأينما أدركتك الصلاة فصل، فإذا دخل الوقت وأنت بعيد عن المحطة التي فيها المسجد ومعك ماء فتتطهر وصل، هذا هو الأفضل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) ، أما إذا كنت قريباً فالمكان الذي يصلى فيه أفضل من غيره مما لم يصل فيه، لأن الفقهاء رحمهم الله قالوا: إن المسجد العتيق أولى أن يصلى فيه من المسجد الجديد.
وعللوا ذلك بقدم الصلاة فيه.
ثم إنكم إذا وصلتم إلى المحطة وصليتم في المسجد ربما تجدون جماعة، وكلما كثر الجمع فهو أفضل، ثم إنكم أيضاً إذا صليتم في المساجد التي في المحطات تتأكدون من استقبال القبلة، فإن من يصلي في البر إذا لم يكن معه آلة القبلة ربما يخطئها، ففيها هذه الفوائد الثلاث: 1- أنها أقدم في العبادة.
2- أنه أقرب إلى تكثير الجماعة.
3- أنه أقرب إلى إصابة القبلة.(183/12)
حكم فرض غرامة على من يتخلف عن موعد
السؤال
كثيراً ما يحصل بين الإخوان عندما يتخلف شخص عن آخر في وعد أو دون قصد يقول: عليك حق.
يعني: عليك عشاء أو غيره، فما الحكم؟
الجواب
هذا في الحقيقة ألعوبة اتخذها الشباب الآن؛ لأنه إذا أخلف الوعد أو أخطأ في كلمة لا يريدون بذلك عقوبة يعني: تعزيره لإخلاف الوعد، لكن يريدون الضحك والانبساط عليه وما أشبه ذلك، لهذا أرى أن تركها أولى، لئلا تتخذ ألعوبة فيصير كل واحد يريد أن يكون عليه -كما يقولون- حق، يخطئ في كلمة أو يخلف وعداً، وإخلاف الوعد من النفاق إلا لضرورة، لكن لا يلزمه، إذا قالوا: عليك حق، يقول: لا.
من أوجبه عليَّ؟ أوجبه الله؟ أوجبه الرسول؟ أوجبه العلماء؟! فيتركه ولا يقوم بهذا الحق، فالأفضل ألا يأتي بالحق، وقصدي بالحق الذي يقولون: إنه حق، وإلا فالظاهر أنه للباطل أقرب.(183/13)
هل عموم الحرم يضاعف أجر الصلاة فيه؟
السؤال
الصلاة المقصودة في الحرم في المضاعفة، هل المقصودة في المسجد الحرام، أو في عموم الحرم؟
الجواب
يجيب عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث ثبت في صحيح مسلم أنه قال صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة) هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، أبعد هذا الجواب الواضح جواب؟ ما قال هذا لأن مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام له خير من ألف صلاة، لكن مساجد المدينة ليس لها هذا الفضل، هذا واضح، لكن خير من ألف صلاة مما سواه إلا مسجد الكعبة، كلمة (مسجد الكعبة) ماذا تعني؟ المسجد الذي فيه الكعبة.
إذاً إذا صليت في مساجد أخرى في مكة لا تنالها فضل الصلاة في مسجد الكعبة، لكن لا شك أن الصلاة في نفس الحرم داخل بيوت الحرم أفضل، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل في الحديبية وبعضها حرم وبعضها حل نزل في الحل، وصار يدخل في الحرم ويصلي فيه، مما يدل على أن الصلاة في الحرم -أي: فيما كان داخل حدود الحرم- أفضل من الصلاة في الحل، لكن هل ينال أكثر من مائة ألف صلاة؟ لا.
إلا في مسجد الكعبة.
وهذه المسألة ذكرها صاحب الفروع من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله، وهو على ما قيل: أعلم الناس بفقه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حتى كان ابن القيم رحمه الله وهو ملازم لـ شيخ الإسلام يرجع إلى ابن مفلح صاحب الفروع فيسأله عما يختاره شيخ الإسلام في مسائل الفقه، وقد ذكر رحمه الله أن هذا ظاهر كلام أصحاب الإمام أحمد أن التفضيل خير من مائة ألف خاص بمسجد الكعبة، ونحن نقول: أفبعد كلام الرسول شيء؟! لا شيء.(183/14)
حكم الأذان في أذن المولود اليمنى والإقامة في اليسرى
السؤال
بالنسبة للأذان في أذن المولود اليمنى والإقامة في اليسرى، هل هو من السنة وله أصل؟
الجواب
أما الأذان فله أصل، وحديثه حسن ولا بأس به، لكن عند الولادة قبل أن يسمع أي شيء، يكون أول سمعه النداء إلى الصلاة وإلى الفلاح، أما حديث الإقامة في الأذن اليسرى فهو ضعيف.(183/15)
بيان وقت صلاة الضحى
السؤال
كم مقدار وقت صلاة الضحى؟
الجواب
وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قيد رمح، أي: بعد طلوعها بنحو ثلث ساعة إلى قبيل الزوال بنحو عشر دقائق، كل هذا وقت له، والأفضل أن تصلى في آخر الوقت، لحديث: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) لكن كل هذا الوقت وقت لها، أقلها ركعتان وأكثرها ما شئت.(183/16)
حكم بيع السلعة في مكان شرائها أو قبل ملكها
السؤال
يأتي شخص إلى أحد المعارض فيشتري سيارة، ثم يقول لصاحب المعرض: بعها إن أتت بمكسب قدره كذا من دون أن ينقلها إلى بيته أو يحركها، فهل هذا جائز؟
الجواب
هذا منهي عنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فإذا حازها إلى مكان آخر، وقال لصاحب المعرض: بعها.
فلا بأس، يبيعها وهي في مكانها، ولا يبيعها وهي في نفس المعرض.(183/17)
حكم صلاة تحية المسجد عند أهل مسجد لا يرون مشروعيتها والعكس
السؤال
ما هو الأفضل فيما لو دخلت مسجداً أهله ممن لا يرون صلاة تحية المسجد في وقت النهي، هل الأفضل لي أن أجلس أم أصلي؟
الجواب
الأفضل إذا دخلت المسجد في أوقات النهي الصحيح أنك تصلي تحية المسجد؛ لأن تحية المسجد لها سبب، وكل صلاة ذات سبب فإنها جائزة في وقت النهي، فإذا دخلت المسجد فصل، حتى وإن كانوا لا يرون ذلك، كما أنه لو دخل إنسان ممن لا يرى ذلك في مسجد قوم يرون ذلك فإنه يجلس ولا يصلي، هذه مسائل دينية، إلا إذا خفت الأذى بحيث يطردونك أو يقدحون فيك أو ما أشبه ذلك، فهذا شيء ينظر في المصلحة والمفسدة.(183/18)
حكم بيع المزاد
السؤال
بعض الشركات تبيع بعض أدواتها بدون تسعير بل تعلن وتضع مدة معينة ثلاثة أيام أو أربعة أيام وأي شخص يريد أن يشتري يأتي بسعر وهو يأخذ بالسعر الذي تريده، فهل هذا البيع صحيح؟ الشيخ: كيف؟ يعني: مثلاً تعلن بأنه في خلال ثلاثة أيام من أراد أن يشتري منا سلعة فثمنها إليه بأي ثمن.
السائل: نعم.
أي تاجر يسعر بسعره وهم يجمعون الأوراق ثم ينظرون إلى هذه الأوراق وعلى السعر الذي يريدونه يبيعونه لهذا، يعني: أي تاجر يضع سعراً لبيع هذه السيارات.
الشيخ: هل هذه شركة.
الشيخ: شركة تريد تبيع سيارات قديمة مستعملة تعلن أن لها سيارات للبيع، ولكن أي إنسان يريد أن يشتريها يضع لها سعراً ويأتي بالسعر بأوراق في وقت معين يقول: هذا المدة تنتهي ثلاثة أيام أو أربعة أيام؟
الجواب
طيب السيارات تختلف كيف يكون سعرها؟ السائل: يأتون وينظرون أي واحدة من هذه السيارات ويكتب عليها رقمه الشيخ: هذا الزبون يأتي للسيارة المعينة هذه، ويقول: أشتريها بعشرة آلاف والآخر أيضاً يأتي ويصنع كما صنع الأول، ثم يجمعونها عندهم في مكتب معين، وأي واحد يأتي بورقته وبعنوانه وبالسعر الذي يريد هو أن يشتري، فآخر نتيجة أنهم يفرزون الأوراق والأسعار ثم يبيعون لمن كتب السعر الأعلى.
الشيخ: لكنه يعرف السيارة التي يريدها؟ يعني: يريد السيارة الفلانية رقم كذا وكل شيء، وإذا هي بعشرة آلاف مثلاً، وإذا جاء آخر ووقع نظره عليها؟ السائل: هذا أيضاً يسعر.
الشيخ: وقال: أنا أعطي عشرة آلاف.
السائل: هو لا يتكلم معهم.
الشيخ: هل يقبل الثاني وإلا الأول هو السائل: لا.
هم يأخذون السعر الأكثر.
الجواب: هذا لا بأس به؛ لأن السلعة معلومة والثمن معلوم عند كل من البائع والمشتري، فليس فيه غرر، فإذا تمت الأيام ثلاثة أو أقل أو أكثر حسب التقديم، يحضرون إلى المكان وتفرز الأوراق.(183/19)
حكم المناقصات في البيع
السؤال
نوع آخر من البيع يحصل في بلادنا: شركة أو جهة حكومية تطلب بضائع أو أدوات.
، تطلب من التجار تقول: أي شخص أراد أن يأتي لي أنا أريد بضائع كذا، والتجار يأتون لكي يتفقوا معهم على أساس أن يأتي بهذه البضائع ولكن لا يسلم النقود، ويأتي بهذه البضائع ثم بعد ذلك يأتي المسئول ينظر ويتفق، ثم بعد ذلك يعطيهم الفاتورة؟
الجواب
هذا لا بأس به، بشرط أن لا يكون البيع إلا إذا حضرت، أما أن يبيع عليه بسعر وقت البيع ثم تأتي بعد شهر مثلاً هذا لا يجوز، إلا إذا سلم الثمن كاملاً، فهذا يجوز ويكون من باب السلم.(183/20)
حكم التعامل مع الجني المسلم
السؤال
ما حكم الإتيان إلى من عنده جن ليعالج الناس عن طريق جني آخر مسلم، وبطريق الشيخ.
يعرف كلام الجن، يأخذ بعض النقود ويعالجون هذا المريض؟
الجواب
أولاً: هل هذا الجني المسلم أعلن إسلامه عند كاتب العدل؟ السائل: هذا يا شيخ بينهم، يقول: إنه مسلم ولكن لا يعرف الشيخ: من يقول: إنه مسلم؟ المنافقون يقولون: إنهم مسلمون وهم أكفر عباد الله؟ إلا إذا جاء المسلم وجاء عند كاتب العدل الإنس، وقال: إنه مسلم، وعسى أن نقبله.
السائل: يا شيخ! هذا الشيخ الإنسي يعرف أنه مسلم وزميله الشيخ: أميرهم تحت وزارة الداخلية أو أين؟ والله مسائل الجن الحقيقة أن الإنسان يقف فيها متحيراً، لكن لا شك أننا إذا علمنا أن هذا الجني مسلم وأنه يعين أخاه المسلم في غير محرم فهذا جائز؛ لأن استعانة الإنسان بالجني المسلم كاستعانته بالإنسي المسلم إذا كان لا يستعين به على شيء محرم، يعني: لا يقول: تعال أنا أبغض فلاناً أذهب وأحرق ثيابه أو أحرق بيته، إذا كان لا يقول مثل هذا، أو يقول: يا فلان! أنا أبغض فلاناً أذهب روعه في الليل وأجعله لا ينام، هذا إذا كان فيه ضرر على المسلمين فلا يجوز.
كذلك إذا كان لا يمكن أن يخدمه الجني إلا إذا تقرب إليه بما يحرم، بأن يذبح له أو ينذر له، أو تكون امرأة مثلاً يقول الجني: أنا أخدمك بشرط أن تمكنيني من الزنا بك، أو بالعكس، المهم إذا كان ليس بطريق محرم ولا على شيء محرم فهذا جائز، أقول هذا عن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال ذلك في عدة من كتبه.
ولكن المشكلة الآن من يقول: هذا الجني مسلم هذا هو المشكلة.
السائل: يا شيخ! أليس الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن إتيان الكاهن؟ الشيخ: بلى.
لكن الكاهن يخبر عن المغيبات في المستقبل ولا أحد يعلم المستقبل، حتى الجن لا تعلم المستقبل، الجن أليس أنهم لبثوا في العذاب المهين في عهد سليمان وهم لا يدرون أنه ميت؟ فكيف يعرفون الغيب للمستقبل وهم ما عرفوا الغيب الحاضر.(183/21)
حمل كلمة الذكر للمعنيين (الاتعاظ والحفظ) في قوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر)
السؤال
يقول تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] الذكر نقرأ فيها معنيين، وقلنا: إن الاتعاظ هو الأولى بدليل قوله تعالى: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] ، فهل يجوز أن نحمل المعنيين معاً؟ وهل هناك شيء يستعين به لمن يريد أن يحفظ به القرآن؟
الجواب
ربما نقول: المعنى الثاني الذي هو الحفظ لا ينافي المعنى الأول، لكننا قلنا: إن هذا أقرب بدليل السياق، لكن ينظر مسألة الحفظ، الآن بعض الناس يصعب عليه الحفظ، حتى إنك تجد اثنين تقول لهما: احفظا هذه السورة هذا يحفظها في خلال يومين أو ثلاثة أيام وذاك لا يحفظها ولا في بشهر، ولكن على كل حال هو قول.
قيل: إن المراد بالذكر -أي: للحفظ- لكن إذا رأيت وتأملت الآية وإذا المعنى: لمن يتذكر به، مثلما أقول: قدمت لك الغداء فهل من يأكل؟ السؤال: في قوله تعالى: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً} [القمر:15] هل يحتمل المعنى: عين سفينة نوح عليه السلام؟ الجواب: لا يحتمل؛ لأن سفينة نوح فنيت في وقتها، وأما قول من قال: إنها بقيت إلى أول هذا الأمة.
فهذا ليس بصحيح.(183/22)
حكم الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية
السؤال
بالنسبة لصلاة الجهر مثلاً: هل الواحد يذكر يقول يجهر يقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثم يبدأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] ؟
الجواب
يعني: أنت لازم تقول: الصلاة الجهرية هل يجهر فيها بالبسملة أم لا؟ الصحيح: أنه لا يجهر فيها، وذهب بعض العلماء: إلى أنه يجهر فيها، وهذا مبني على: هل البسملة من الفاتحة أم لا؟ إذا قلنا: إنها من الفاتحة يجهر بها، وإذا قلنا: لا.
ليست من الفاتحة لا يجهر.
والصحيح: أنها ليست من الفاتحة وأنه لا يجهر بها.(183/23)
حكم من أصيب بحجر في رأسه فسال الدم قبل أن يرمي جمرة العقبة ففسخ إحرامه
السؤال
رجل في الحج يوم النحر ذهب ليرمي جمرة العقبة وقبل أن يرمي جمرة العقبة أصيب بحجر في رأسه فسال الدم، ففسخ الإحرام ولبس المخيط، فما الحكم؟
الجواب
جاهلاً؟ السائل: نعم جاهلاً.
الشيخ: ليس عليه شيء، كل محظورات الإحرام ومحظورات الصيام ومحظورات الصلاة إذا فعلها الإنسان جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه، وهذا شيء معروف من القرآن: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] .(183/24)
بيان أن جثمان فرعون صاحب موسى غير موجود
السؤال
قال بعض الناس في قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] إن هذه الآية تدل على أن فرعون ما زالت جثمانه موجودة في الأهرامات، وبعضهم يزور ويقول: رأينا الجثمان، وبعض العلماء يقولون هذا، هل كلامهم هذا له مستند؟
الجواب
ليس لهم مستند إطلاقاً، لكن الذين يريدون أن يفتخروا بآثار الفراعنة -وبئس ما فخروا وفرحوا به- هم الذين يقولون: إن فرعون صاحب موسى موجود في الأهرامات، هذا كذب وكلام لا أصل له، رجل في وسط البحر وفي عذاب كيف يمكن لأحد أن يجرأ على أن يستخرج هذه الجثة من البحر؟ هل يمكن؟! وأين الأدوات وأين الآلات التي تحفظه حتى يأتي من يبني الأهرام ويجعله في الأهرام؟ أين هذا؟! هذا كذب وباطل.
لكن كما قلت: الذين صار فيهم جنون حب الآثار هم الذين يأخذون مثل هذا.
ثم أي فخر لنا -أيها الإخوان- في جسد أهلكه الله عز وجل، كذب الله وكذب رسوله؟ أي فخر لنا بهذا؟ لا فخر بهذا، لكن الله نجى فرعون ببدنه؛ لأن بني إسرائيل كان فرعون قد أرهبهم وأخافهم، وتعرفون الإنسان إذا كان أمامه من يخافه لا يطمئن قلبه حتى يراه هالكاً ميتاً، لأنه يلقي الشيطان في قلبه أن فرعون نجا، وفرعون سوف يرجع إليكم يا بني إسرائيل! ويفعل فيكم كذا وكذا، فقوله: (لمن خلفك) أي: لبني إسرائيل، و (لمن خلفك) أي: في نفس الوقت، ولا يبعد أن تكون هناك قراءة ولكن لا تحضرني الآن هل هناك قراءة (لمن خَلَفَكَ) أي: لمن خَلَفَكَ في أرضك، والذين خلفوه في أرضه هم بنو إسرائيل في وقته، لكن لا أدري عن هذه الآية، لا تعتمدوا أنها قراءة لا أذكر، لكن (لمن خلفك) أي: من بني إسرائيل في ذلك الوقت.(183/25)
بيان أن ليس للعمرة إلا تحلل واحد
السؤال
هل صحيح أن العمرة لها تحللان، وأن التقصير يصح في أي مكان خارج مكة، مع ذكر دليل من قال: إن لها تحللين؟
الجواب
الحج ثبت أن له تحللين، أما العمرة فلم يثبت ولا يمكن أن يتحلل الإنسان منها إلا بالحلق بعد السعي والسعي بعد الطواف، ثلاث مراتب: طواف، سعي، حلق أو تقصير، لكن هل يلزم أن يكون الحلق أو التقصير في مكة؟ ليس بلازم، لو خرج من مكة وهو باق على إحرامه وحلق في جدة مثلاً فلا حرج عليه.
السائل: هل هناك دليل أن فيه تحللين؟ الشيخ: الذي يقول: له تحللان.
هو مثبت فيأتي بالدليل، والذي يقول: ليس له تحللان نافي، فأين الدليل على التحللين؟ لكن ليس هناك دليل على أنه يجب أن يكون الحلق أو التقصير في مكة، لو حلق خارج مكة وهو باقٍ على إحرامه فلا بأس، مع أن الأفضل أن يحلق من حين ما ينتهي من السعي عند المروة، هذا هو الأفضل.(183/26)
حكم الصلاة بالثوب الشفاف
السؤال
ما حكم الصلاة بالثوب الشفاف؟
الجواب
هل تحته شيء؟ السائل: ليس تحته شيء.
الشيخ: لا يجزئ، الصلاة في الثوب الشفاف لا تجزئ؛ لأنه لم يحصل به الستر، والواجب ستر العورة.(183/27)
حكم القصر خلف من أتم
السؤال
دخل رجل مسافر إلى المسجد في صلاة العصر ووجد الإمام قد صلى ثلاث ركعات، فهل إذا سلم الإمام يقوم ويصلي الذي فاته من الصلاة أم يقصر الصلاة؟
الجواب
يتم الصلاة، إذا صلى المسافر خلف من يتم وجب عليه الإتمام، سواء أدرك الصلاة من أولها أو من آخرها، ودليل ذلك: عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) ، وسئل ابن عباس رضي الله عنه: [ما بال الرجل المسافر يصلي ركعتين ومع الإمام أربعاً؟ قال: تلك هي السنة] .(183/28)
الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: (حدثوا عن بني إسرائيل.
) ونهيه لعمر عندما رأى معه التوراة
السؤال
ورد حديثان متعارضان وهما.
الشيخ: لا تقل: متعارضان هذا غلط، ولكن قل: ظاهرهما التعارض حتى في فهمك أعد السؤال.
السائل: ورد حديثان ظاهرهما التعارض؛ حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب وزجر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما رأى عنده صحيفة من التوراة، وقال صلى الله عليه وسلم: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) فكيف نجمع بينهما؟
الجواب
أولاً: حديث عمر ضعفه كثير من العلماء، حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم عمر لديه نسخة من التوراة أو صحيفة من التوراة، وقال: (أي شك أنت فيه يا بن الخطاب؟!) هذا ضعفه كثير من العلماء، وإذا كان ضعيفاً فإنه لا يقاوم الصحيح، ولا يقال: ظاهره المعارضة لأنه سقط من الأصل.
وعلى القول بأنه صحيح يجاب بأن: المراد (حدثوا عن بني إسرائيل) أي: إذا حدثك واحد من بني إسرائيل فحدث عنه، وأما أن تتخذ التوراة دليلاً وهدى تهتدي به فهذا محرم.(183/29)
الأولى في تعلم العلوم لمن لم يعرف الشرع
السؤال
رجل يريد أن يدخل كلية الشريعة، ولكن نصح لأنه ذو لسان -يعني ينفع للدعوة- فقيل له: ادخل قسم الإنجليزي لأن لديه الحجة القوية في الكلام، فماذا ينصح مثل ذلك؟
الجواب
هو يعرف الإنجليزي أم لا؟ السائل: لا يعرف.
الشيخ: إذا كان لا يعرف فليدخل الشريعة وليتعلم الشريعة، ثم ليتعلم اللسان الذي يدعو فيه، سواء إنجليزي أو أوردي أو هندي أو غيره، الجهة التي يتجه لها يتعلم لغتها، وكيف يمكن أن يتعلم اللغة الإنجليزية مثلاً وهو لا يعرف الشريعة؟ كيف يدعو؟!! فالذي أشار عليه لا أقول: إنه تعمد الخطأ، قد يكون مجتهداً لكنه ليس مصيباً، تعلم الشريعة أولاً ثم ادع إلى الله عز وجل.(183/30)
حكم التداوي بدهن الورل أو بالنجاسات
السؤال
ما حكم التداوي بدهن الورل هل ورد في كتاب؟
الجواب
أولاً: الورل من الذي سوف يصيده؟ السائل: صيده سهل.
الشيخ: وهل نزل قرآن أو ثبت بالتجارب أن دهنه مفيد؟ السائل: نعم.
الشيخ: إذاً: لا بأس به، لكن إذا أردت الصلاة فاغسله، فإذا قال قائل: (إن الله لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها) ؟ نقول: إن الله ما حرم علينا أن ندهن به، حرم علينا أكله أو شرب دهنه أو ما أشبه ذلك، أما أن نمسح به أجسادنا ونحن قد جربنا ذلك ونفع فلا بأس، لكن عند الصلاة يجب التطهر منه.
السائل: رجل ما هو؟ الشيخ: الورل هذه دويبة يقولون: إنها شريرة تعظ الإنسان فلا أدري تهلكه أو تؤلمه.
الورل: دابة قريبة الشبه من الضب، لكن يستكرهها الناس ولا تؤكل، أو أنها نجسة أيضاً الشيخ: لا.
هذا غلط، يستكرهها الناس، هناك من يستكره الضب؟ وهناك من يستكره الجراد؟ فليس سبباً للتحريم كراهة الناس، ولهذا بعض العرب يأكل كل ما هب ودب إلا الخنفساء، ولهذا يهنئ بعض الناس الخنفساء، ويقولون: هنيئاً لها أن العرب لا تبيحها فلا تقتلها.
أنا سمعت أن الورل شرير، يعدو على الإنسان ويعظه، ولا يمكن أن يطلقه حتى يقطع منه اللحم، على كل حال هو دويبة خبيثة.(183/31)
حكم الاحتفاظ بالأظافر أو بما يزال من الجسم عادة أو رفعه أو دفعه
السؤال
بعض الناس إذا قلم أظافره احتفظ بها، أو رفعها في مكان، هل هذا له أصل؟
الجواب
بعض العلماء يقول: إن الفضلات التي يزيلها الإنسان كالظفر وشعر العانة وشعر الأبط وشعر الشارب ينبغي أن تدفن، وروى في ذلك أثراً عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ولكني لا أحفظ في هذا سنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا قد يكون اجتهاداً من ابن عمر؛ لعموم قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه:55] فإنا إذا أخذنا بالعموم قلنا: كل ما انفصل عن جسم الإنسان فإنه يعاد في الأرض، لكن لا يحضرني في هذا سنة فالله أعلم، إن دفنه الإنسان فلا بأس، وإن ألقاه في أي مكان فلا بأس.(183/32)
حكم مشروعية زيارة مسجد قباء يوم السبت والذهاب إليه راجلاً أو راكباً
السؤال
فيما يخص تعبدي إلى الله سبحانه وتعالى بالذهاب إلى مسجد قباء كل يوم سبت مشياً على الأقدام أو راكباً أحياناً، هل يشرع هذا أم لا؟
الجواب
الذهاب إلى مسجد قباء في المدينة كل يوم سبت من السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله، وهذا من حكمته؛ لأن الله تعالى قال له: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ} [التوبة:108] والمسجدان: النبوي والقبائي كلاهما أسس على التقوى من أول يوم، مسجد قباء من أول يوم نزل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم قباء، مسجد المدينة من أول يوم وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فكلاهما أسس من أول يوم، لكن لا شك أن المسجد النبوي أفضل، لهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يجعل يوم الجمعة للمسجد النبوي ويوم السبت لمسجد قباء.
فإذا تيسر لك أن تزور قباء كل يوم سبت راكباً أو راجلاً بحسب ما تيسر لك وتخرج من بيتك متطهراً وتصلي فيه ما شاء الله فهو خير.(183/33)
حكم إفراد الإقامة كاملة بما فيها (قد قامت الصلاة)
السؤال
بعض الشباب في الإقامة يفرد حتى قوله: (قد قامت الصلاة) بحجة أن الرسول قال: الإقامة فرادى؟
الجواب
هذا موضع نزاع بين العلماء، فحديث أنس: (أُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة) .
استدل به بعض العلماء على أن الإقامة ليس فيها تكرار إلا (قد قامت الصلاة) والأمر في هذا واسع، لكن ينبغي للإنسان ألا يخالف أهل بلده في الأمور التي ليس فيها نص في المخالفة، لكن بعض الناس يكون مغرماً بداءٍ سيئ وعنوانه: (خالف تذكر) فتجده لا يبالي بمخالفة أهل البلد حتى وإن كانت المسألة اجتهادية، والذي أرى أن مسائل الاجتهاد لا ينبغي أن يخالف الإنسان فيها أهل بلده.
إلى هنا ينتهي هذا اللقاء.(183/34)
لقاء الباب المفتوح [184]
في هذه الآيات من سورة القمر يبين الله عز وجل قوم صالح وما كانوا عليه من التكذيب والإنكار لرسوله عليه الصلاة والسلام، وهو ينذرهم ويحذرهم عقاب الله عز وجل، فما كان منهم إلا أن تعنتوا في سؤالهم وطلبوا من صالح أن يريهم آية تدل على صدق رسالته، فجعل الله لهم الناقة، فعتوا وذبحوا الناقة، فأرسل الله عليهم العذاب الأليم الذي جعله عبرة لمن بعدهم من الأمم.(184/1)
تفسير آيات من سورة القمر
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وقائد الغر المحجلين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع والثمانون بعد المائة من اللقاءات المعروفة بلقاء الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس، وهذا الخميس العاشر من شهر صفر عام (1419هـ) وسيكون هذا اللقاء ختام هذا الفصل من الدراسة إلى أن تبدأ الدراسة إن شاء الله في الفصل الثاني بعد نحو ثلاثة أشهر، نسأل الله تبارك وتعالى أن يختم لنا ولكم بالخير.(184/2)
تفسير قوله تعالى: (كذبت ثمود بالنذر)
نبدأ هذا اللقاء كالعادة بالكلام بما يسر الله عز وجل من تفسير كلامه العظيم، انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} [القمر:23] أي: بما جاءهم من النذر، وهي الآيات التي جاء بها صالح عليه الصلاة والسلام، وديارهم معروفة الآن في بلاد الحجر في طريق تبوك من المدينة، كان صالح عليه الصلاة والسلام مرسلاً إلى قومه يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له كسائر الأنبياء، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] ، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [النحل:36] أرسله الله عز وجل إلى قومه، وأعطاه آية وهي ناقة لها شربٌ ولهم شرب، أي: أن بئر الناقة الكبير الغزير الماء لها يومٌ تأتي إليه الناقة وتشرب، وقد ذكروا أن الذي يسقيها إناءً من الماء يحلب من لبنها بقدر ما أسقاها، وهذا من آيات الله عز وجل أن ناقة تشرب ماءً ثم تخرجه في الحال لبناً فإن هذا ليس له عادة، ولكنها آية من آيات الله عز وجل أراهم الله إياها حتى يعتبروا؛ لأن الله لم يرسل رسولاً إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر رحمة منه وحكمة؛ لأنه لا يعقل أن رجلاً من بين الناس يأتي ويقول: إني رسول الله إليكم إلا إذا آتاه الله آياتٍ تدل على صدقه.
قال العلماء: وما من آية أوتيها نبيٌ من الأنبياء السابقين إلا كان لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثلها أو أشد.
ولكن قد تكون غير متوفرة في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام لكنها موجودة في أمته الذين اتبعوه، ولهذا كان من القواعد المقررة عند العلماء: أن كل كرامة لولي فهي آيةٌ للنبي الذي اتبعه؛ لأن هذه الكرامة تشهد بصدق ما كان عليه الولي، وهذا الولي تابع لرسولٍ سابق، فيكون في ذلك آية على أن هذا الشرع الذي عليه هذا الولي حق، وهذه تكون آية للنبي، فالقاعدة الآن: أن كل كرامة لولي فهي آية للنبي الذي اتبعه.
وعليه فنقول: من آيات موسى أنه ضرب الحجر وإذا ضربه انفجر عيوناً تنبع ماءً من حجر يابس، فهل كان للرسول صلى الله عليه وسلم مثله؟
الجواب
كان له أعظم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جيء إليه بقدحٍ من ماء وليس مع الناس ماءٌ إلا ما في هذه الركوة، فوضع يده فيه فجعل الماء ينبع من بين أصابع يده كالعيون -سبحان الله! - هذه أعظم من آية موسى، يعني: آية موسى يخرج الماء من الحجر، وخروج الماء من الحجر معتاد، كما قال تعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ} [البقرة:74] لكن هل جرت العادة أن يخرج الماء من الإناء الذي بينه وبين الأرض فاصل؟ لا.
إذاً هذه أعظم.
موسى عليه الصلاة والسلام ضرب البحر فانفلق فكان أسواقاً يابسة، وهذه لا شك آيةٌ عظيمة، جرى لهذه الأمة أعظم من هذه، مشوا على الماء دون أن يُضْرَب لهم طريقٌ يابس، مشوا على الماء المائع الهين الذي يغوص فيه من يقع فيه بدوابهم وأرجلهم ولم يغرقوا، في قصة العلاء الحضرمي، وفي قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، مشوا على الماء، وهذا أعظم من أن يمشوا على الأرض التي تتفرق عنها الماء.
فالمهم: أنه ما من نبيٍ بعثه الله إلا أعطاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، قلنا: هذا رحمةً وحكمة، رحمةً بالناس من أجل أن تحملهم هذه الآيات على التصديق فينجون من عذاب الله، حكمة لأنه ليس من الحكمة أن يقوم إنسان من بين الناس ويقول: أنا رسول الله، حتى يؤتى آيات.
من آية صالح هذه الناقة لها شرب ولثمود شرب، لها يوم ولهؤلاء يوم، هذه من آيات الله، وقع مثلها للرسول عليه الصلاة والسلام في الهجرة، فإنه مر براعي غنم وعنده ماعز أو ضأن ليس فيها لبن فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ضروعها فجعلت تدر باللبن.(184/3)
تفسير قوله تعالى: (فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه)
يقول عز وجل: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} [القمر:23] النذر: جمع نذير والمراد به الآيات التي أوتيها صالح عليه الصلاة والسلام، فقالوا من جملة ما قالوا في تكذيبهم: (أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ} [القمر:24] نسأل الله العافية! أنكروا الآيات ما كأنها أتتهم، يعني: أنتبع بشراً منا واحداً.
لا نقبل، وهذا النفي بمعنى الإنكار، يعني: لا يمكن أن نتبع واحداً منا.(184/4)
تفسير قوله تعالى: (إنا إذاً لفي ضلال وسعر)
قال تعالى: {إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} [القمر:24] يعني: إنا إن اتبعناه لفي ضلال وسعر، أي: لفي جهل وفي عذاب، كأنه وعدهم بأنهم إن اتبعوه اهتدوا ونجوا من النار، فقالوا بالعكس: لو اتبعناك لضللنا واعترفنا بالسُّعُر: بالنار، عكس ما قالوا، هذا من أشد المراغمة للرسل عليهم الصلاة والسلام والمحادة لله تبارك وتعالى.(184/5)
تفسير قوله تعالى: (أألقي الذكر عليه من بيننا)
قال تعالى: {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا} [القمر:25] هذا أيضاً استفهام احتقار، يعني: كيف يلقى الذكر عليه من بيننا؟ ما الذي ميزه؟ وكل هذا شبهات لا دلالات، فكونه بشراً لا يمنع أن يكون رسولاً، بل لابد أن يكون رسول البشر بشر؛ لأن الله قال: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام:8-9] يعني: لو أرسلنا ملكاً للزم أن نجعله بصورة البشر حتى يختلط بالناس ويأتلف بهم، وإذا جعلنا الملك بشراً لبسنا عليهم ما يلبسون، فعادت المسألة مختلطة.
إذاً ننظر الآن: الشبهة الأولى: أنهم قالوا: إنه بشر، الثانية: أنه منا، لا يتميز علينا بشيء، الثالثة: أنه واحد لم يؤيد، والله عز وجل يقول: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس:13-14] قويناهم، هؤلاء يقولون: واحد ما يكفي، لابد أن يعزز بثانٍ وثالث، الرابع: {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا} [القمر:25] يعني: كيف يلقى عليه الذكر والوحي من بيننا؟! هذا لا يمكن.
إذاً: أربع شبهات وهم يرونها حججاً توجب رد صالح عليه الصلاة والسلام، والواقع أنها ليست بحجة، بل هي شبه وتضليل، وهكذا المبطلون يا إخوان! في كل زمانٍ ومكان يوردون الشبه على الحق، ولكن الله سبحانه وتعالى لابد أن يبين الحق ليهلك من هلك عن بينه، ويحيا من حي عن بينة، ثم قالوا: {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} [القمر:25] (بل) هنا لإبطال دعواهم، و (كذاب) صيغة مبالغة وفي نفس الوقت وصف؛ لأن كلمة فعال تأتي للمبالغة، وتأتي للوصف، فإذا قلت: فلان نجار، يعني: من النجارين، وإلا ما ينجر إلا مرة واحدة، وإذا قلت: فلان حداد لكثرة استعمال الحديد صارت مبالغة، هم يرونه -والعياذ بالله- أنه كذاب موصوفٌ بالكذب ليس له صفة إلا الكذب، وكثرة الكذب أيضاً (أشر) أي: بطر، متعالٍ، متعاظم، مستكبر، مدع ما ليس له.(184/6)
تفسير قوله تعالى: (سيعلمون غداً من الكذاب الأشر)
قال الله تعالى: {سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} [القمر:26] سيعلمون غداً، متى؟ يوم القيامة، والسين هنا للتحقيق والتقريب؛ لأنك إذا قلت: سيقوم زيد.
فهذا تأكيد وتقريب أيضاً، فإذا قال قائل: التحقيق معروف أنه حق، أن الساعة آتية لا ريب فيها، لكن كيف التقريب؟ قلنا: إن الله يقول: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب:63] ، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى:17] ومن الأمثال العابرة: كل آتٍ قريب.
الذي بقي عليه ألف سنة أقرب من الذي لم يمض عليه إلا عشر دقائق، لأن الذي مضى عليه عشر دقائق لا يمكن أن يرجع، لكن المستقبل لا بد أن يأتي: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ} [الأنعام:134] .
إذاً (سيعلمون) السين هنا للتحقيق والتقريب: {سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} [القمر:26] غداً يوم القيامة، سمي غداً لأنه يأتي بعد يومك، سيعلمون من الكذاب الأشر، فمن هو الآن؟ أصالح أم ثمود؟ ثمود، سيعلمون يوم القيامة من هو الكاذب الأشر أصالح هو الكذاب الأشر، أم هؤلاء؟ وهذا وعيدٌ عظيم: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:227] الإنسان في غفلة عن هذا اليوم العظيم، قال الله تعالى: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} [المؤمنون:63] أي: بل قلوبهم في غمرة مغطاة عن عمل الآخرة: {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} [المؤمنون:63] يعني: أعمال الدنيا هم لها عاملون، أتى بجملة اسمية، يعني: أنهم محققون للعمل فيه، لا يتركونها ولا يفرطون فيها وأما الآخرة فهم في غفلةٍ منها.(184/7)
تفسير قوله تعالى: (إنا مرسلو الناقة فتنة لهم)
قال تعالى: {إِنَّا مُرْسِلُو الْنَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ} [القمر:27] (إنا) يعني: نفسه جل وعلا، وأتى بها بصيغة الجمع تعظيماً له جل وعلا؛ لعظمة صفاته وكثرة كمالاته، وكثرة جنوده، فلذلك يكني عن نفسه بصيغة التعظيم: {إِنَّا مُرْسِلُو الْنَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ} [القمر:27] يعني: باعثوها (فتنة لهم) اختباراً، هل يؤمنون أو لا يؤمنون؟ وماذا كان الأمر؟ آمنوا أو لا؟ ما آمنوا، وفي هذا إشارة إلى أن الله تعالى قد يظهر للإنسان من الآيات ما يؤمن على مثله البشر حتى إذا استكبر كان استكباره عن علم، فكان عقابه أشد وأوجع، ولهذا جعل الله الناقة فتنة؛ لأنها أظهرت الحق لهم ولكن لم يقبلوا، وانتبه لهذا الاستدراج من الله عز وجل، انتبه، إذا يسر الله لك أسباب المعصية لا تفعل، فإن الله ربما ييسر أسباب المعصية للإنسان فتنةً له، أرأيتم أصحاب السبت من بني إسرائيل، يسرت لهم أسباب المعصية فتنة، وهي أنَّ الله حرم عليهم صيد السمك يوم السبت، فكانت الحيتان تأتي يوم السبت شرعاً على وجه الماء، وبكثرة عظيمة، لكنهم ملتزمون لم يصيدوا السمك يوم السبت، فلما طال عليهم الأمد عجزوا عن ملك أنفسهم فرجعوا إلى طبيعتهم وهي الغدر والحيلة والمكر، فاحتالوا على صيد السمك، صاروا يجعلون شباكاً يوم الجمعة، فتأتي الحيتان تدخل في الشباك فإذا كان يوم الأحد أخذوا الحيتان، وهذه حيلة واضحة، فقلبهم الله قردة، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] في صدر هذه الأمة حرم الله على المحرمين الصيد: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95] فبعث الله الصيد عليهم وهم محرمون، تناله أيديهم ورماحهم، يعني: أن الزاحف يمسكونه باليد مثل الأرنب مثلاً، والغزال، يمسكه الواحد بيده، ورماحكم -أي: الطائر- كان الطير لا يناله إلا بالسهم؛ لأنه بعيد، لكن صار الطير يطير وكأنه على الأرض الرمح يدركه، فتنة، هنا يسر الله لهم أسباب المعصية، لكن الصحابة رضي الله عنهم خير الناس لم يصد أحدٌ منهم صيدةً واحدة رضي الله عنهم، بينما بنو إسرائيل تحيلوا وخدعوا الله، أما سلف هذه الأمة وفقنا الله وإياكم لمرافقتهم في الدنيا في أعمالهم وفي الآخرة في مساكنهم، فإنهم لم يأخذوا.
فهنا الناقة أرسلها الله تعالى فتنة لثمود لكن ما أغنتهم.(184/8)
تفسير قوله تعالى: (فارتقبهم واصطبر)
قال تعالى: {فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ * وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر:27-28] (فارتقبهم) يعني: ارتقب عذابهم، أو ارتقب أفعالهم وانظر ماذا يفعلون، (واصطبر) يعني: اصبر، لكن فيها التاء زائدة، وأصل (اصطبر) اصتبر بالتاء للمبالغة، لكن قلبت التاء طاءً لعلةٍ تصريفية اقتضتها اللغة العربية، يعني: أن الله قال لرسولهم صالح: ارتقب هؤلاء، (واصطبر) اصبر فإن النصر قريب.(184/9)
تفسير قوله تعالى: (ونبئهم أن الماء قسمة بينهم)
قال تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر:28] أخبرهم أن الماء قسمة بينهم، كلٌ له شرب وللناقة شرب، ولهذا قال: {كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر:28] أي: كل شربٍ يحضره من يستحقه إما الناقة وإما هم، وبقوا على هذا لكن لم يستمروا، ما استمروا على ذلك.(184/10)
تفسير قوله تعالى: (فنادى صاحبهم فتعاطى فعقر)
قال تعالى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} [القمر:29] نادوا صاحبهم الذي يرونه قوياً شجاعاً وقالوا له: هذه الناقة ضايقتنا، لو أننا عقرناها لكنا نشرب كل يوم، فطلبوا منه أن يعقرها -نسأل الله العافية- هل هذا الصاحب الشجاع الذين يرونه أشد منهم إقداماً بقطع النظر عن اسمه يعني: بعض المفسرين سماه لكن ما يهم، هل تأبّى؟ ما تأَبّى ولا تأخر، بل بادر.
قال تعالى: {فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} تعاطى: تفاعل، من العطاء يعني: بذل نفسه وبسرعة، الفاء تدل على السرعة في قوله: {فَتَعَاطَى} من حين نادوه على الفور وافق: {فَعَقَرَ} عقر الناقة -نسأل الله العافية- قطع أطرافها أولاً، ثم نحرها ثانياً، وهي من آيات الله عز وجل، ومن مصالحهم، لكن نسأل الله العافية نفوسهم لا تقبل: {فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} .(184/11)
تفسير قوله تعالى: (فكيف كان عذابي ونذر)
قال تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:30] يقول الله عز وجل يخاطب الإنسان (كيف كان عذابي ونذر) هل وقع موقعه؟ وهل كان شديداً؟
الجواب
نعم، كان في موقعه وكان شديداً، ما هذا العذاب؟ {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً} [القمر:31] صيح بهم والعياذ بالله مع الرجفة، ففي السماء أصوات، وفي الأرض رجفان، أخذتهم الرجفة والصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها، كأنهم ما وجدوا.(184/12)
تفسير قوله تعالى: (إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة)
قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} [القمر:31] أي: الحظار يجعله الإنسان لغنمه، لا أدري هل تعرفون هذا أم لا؟ البدوي في البادية يجعل للغنم حظاراً من الشجر اليابس، ومن عسبان النخل، وما أشبه ذلك؛ لئلا تخرج؛ ولئلا تعدو عليها السباع، هذا الحظار مع طول الزمن والشمس والرياح يتفتت حتى يتلاشى، كان هؤلاء الأقوياء الأشداء المكذبين لرسولهم كهشيم المحتظر، أي: كالحظار حينما يتلف، وهذا من آيات الله عز وجل وتمام قدرته وسلطانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] فكانوا كهشيم المحتظر: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] سبق تفسيرها، وقلنا: إن المعنى: أن الله تعالى يسر القرآن، أي: يسر معانيه لمن تدبره، ويسر ألفاظه لمن حفظه، فإذا اتجهت اتجاهاً سليماً إلى القرآن للحفظ يسره الله عليك، وإذا اتجهت اتجاهاً حقيقياً إلى التدبر وتفهم المعاني يسره الله عليك: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] (هل) هذه للتشويق، يشوقنا الله عز وجل إلى أن ندكر القرآن فنتعظ به، جعلنا الله وإياكم ممن يتلونه حق تلاوته لفظاً ومعنىً وعملاً إنه على كل شيءٍ قدير.(184/13)
الأسئلة(184/14)
جواز وضع المال في البنك لضرورة
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا كان عند الإنسان رصيدٌ من المال هل يجوز أن يضعه في بنك الرياض أو البنك الأهلي إذا كانت تتعامل بالمعاملات ربوية، خصوصاً أن البنك الأهلي جعل قسماً منه سماه بنكاً إسلامياً ووضع له لجنة شرعية، هل يجوز للإنسان أن يضع رصيده فيه؟
الجواب
إذا كان الإنسان محتاجاً لذلك، إما خوفاً على ماله، أو لأي سبب من الأسباب، فلا حرج عليه أن يضعه في هذه البنوك، لكن يختار أقلها معاملةً بالربا.
والقسم الإسلامي عندما نعلم عنه، ما دام أنه إسلامي وهناك لجنة شرعية؛ نرجو الله أن يكونوا صادقين في هذا، فيوضع في هذا القسم من البنك.(184/15)
حكم صيام التطوع في السفر إذا كان معتاداً على الصيام
السؤال
فضيلة الشيخ: شخص اعتاد أن يصوم الأيام البيض، والإثنين والخميس، ويسافر بعض الأيام إلى أهله، فهل يصوم هذه الأيام؟ والشق الثاني يقول: إن بعض أقربائي وأهلي علموا بأني أصوم هذه الأيام وأخشى أن يصيبني فيها رياء، فهل أترك هذه الأيام وصيامها؟
الجواب
صيام النفل كسائر التطوعات إن شاء الإنسان صامها وإن شاء تركها، لكن لا ينبغي للإنسان إذا عمل عملاً إلا أن يثبته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن عمر: (يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل) .
فأقول للأخ: استمر، وإذا كنت مسافراً فانظر الأيسر لك: إن كان الأيسر أن يصومه صام، وإن كان الأيسر أن يفطر أفطر.
وأما خوف الرياء فلا يهتم به؛ لأن الشيطان يخوف الرجل إذا رآه مقبلاً على العبادة فيقول: أنت مراءٍ، فليستعذ من الشيطان الرجيم وليمضِ في عمله ولا يهمه هذا.(184/16)
التفصيل فيمن يخرج منه قطرة بول بعد الوضوء
السؤال
إذا انتهيت من الوضوء واتجهت إلى الصلاة أحس بخروج قطرة من البول من الذكر، فماذا عليَّ؟
الجواب
الذي ينبغي أن يُتلهى عن هذا ويُعرض عنه، كما أمر بذلك أئمة المسلمين، ولا يلتفت إليه، ولا يذهب ينظر في ذكره، هل خرج أو لا؟ وهو بإذن الله إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وتركه يزول عنه، أما إذا تيقن يقيناً مثل الشمس فلابد أن يغسل ما أصابه البول وأن يعيد الوضوء لأن بعض الناس إذا أحس ببرودة على رأس الذكر ظن أنه نزل شيء، فإذا تأكد فكما قلت لك، وهذا الذي تقول ليس فيه سلس؛ لأن هذا ينقطع، السلس يستمر مع الإنسان، أما هذا فهو بعد الحركة يخرج نقطة أو نقطتين، هذا ليس بسلس؛ لأنه إذا خرجت نقطتان وقف، فهذا يغسل ويتوضأ مرة ثانية وهكذا يفعل دائماً وليصبر وليحتسب.(184/17)
الجمع بين حديث: (لا تسبوا الأموات) وحديث: (أن جنازة مرت على رسول الله فأثنوا عليها شراً فقال: وجبت)
السؤال
ما الجمع بين حديث: (لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) وحديث: (أن جنازة مرت على النبي صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليها شراً، فقال: وجبت) ؟
الجواب
الجمع بينهما: أنه إذا كان في حال مرور الجنازة لا بأس به، وأما إذا كان بعد ذلك فلا حاجة له ولا فائدة منه.(184/18)
حكم من أدرك الإمام ساجداً فانتظر حتى يقوم ثم دخل معه
السؤال
هناك كثير من المصلين عندما يدخلون المسجد يجدون الإمام قد رفع من الركوع فينتظرون إلى أن يقوم ظانين أنهم لا يؤجرون على ذلك ولا يأخذون أجراً؟
الجواب
أقول: هذا غلطٌ منهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) فهو يقول: (فما أدركتم فصلوا) وهؤلاء أدركوا السجود فليصلوا، وفي حديثٍ آخر وإن كان ضعيفاً: (إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال، فليصنع كما يصنع الإمام) وهذا الأصح أنه موقوف، لكن على كل حال: (ما أدركتم فصلوا) يغني عنه، فيدخلون معه، يكبرون تكبيرة الإحرام، ولا يستفتحون، بل يسجدون في الحال، وهل إذا سجدوا يكبرون؟ عند فقهائنا رحمهم الله: أنهم لا يكبرون إذا سجدوا، قالوا: إن هذا انتقال إلى ركنٍ آخر لا تدرك به الصلاة، وأيضاً: انتقال إلى ركنٍ آخر لا يلي الركن الذي هو فيه وهو القيام، ولذلك لو أدرك الإمام راكعاً لكبر أولاً للإحرام، ثم كبر للركوع، أما هذا فيكبر للإحرام ثم يسجد بدون تكبير، لكن لو كبر أرجو ألا يكون فيه بأس.(184/19)
رجل خطب امرأة فدفع لها المهر ولم يتم العقد ثم مات
السؤال
فضيلة الشيخ رجل خطب امرأة ودفع لها (الشبكة) ولم يتم العقد، ثم قدر الله عليه الموت، هل المرأة لها شيء من الإرث أم لا؟ وإن كان ليس لها شيئاً فهذه (الشبكة) هل تعود إلى أهل الرجل أم لا؟
الجواب
أما الميراث فليس لها ميراث؛ لأنه لم يتم عقد النكاح، فليست زوجةً له.
وأما (الشبكة) فمحل نظر، قد يقول قائل: إنها تعود إلى ورثة الخاطب؛ لأنه لم يتم الزواج، وقد يقال: إنها لا ترجع إلى ورثة الخاطب؛ لأنه لا تفريط من المرأة ولا رجوع في الخطبة فهي لها.
والاحتياط: أن تردها إلى ورثة الخاطب، والاحتياط لورثة الخاطب أن يجعلوها للمرأة المخطوبة.(184/20)
حكم الدعاء على الشخص بقوله: (الله يحصده العافية)
السؤال
فضيلة الشيخ! من باب العون إذا أراد أن يدعو شخص على شخص قال: الله يحصده العافية، ما حكم هذا القول؟
الجواب
ماذا يريد بقوله: (الله يحصده العافية) ؟ يريد أن يمنعه العافية ولا بأس في ذلك، لكن لو قال: الله يمنعه العافية، والله يحرمه العافية لكان أحسن، ولو عفا لكان أحسن وأحسن لقول الله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة:237] .(184/21)
كلمة توجيهية لمن يعتقدون أن للأولياء بعد موتهم كرامات ويتمسحون بتراب القبور
السؤال
هل من كلمة توجيهية لأولئك القوم الذين يعتقدون في الأولياء الذين توفوا أن لهم كرامات ما زالت باقية؟ وما زالوا الآن يتبركون بالآثار التي لا تنفع بشيء كأن يأتون إلى القبر فيتمسحون بالتراب؟
الجواب
نقول: الأموات الذين ماتوا حتى لو علمنا صلاحهم قبل موتهم وأنهم من أولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون، فإن آثارهم الحسية ذهبت لا شك، لكن قد يكون للإنسان آثار معنوية تعد من كراماته، كقبول كتبه ومؤلفاته، فمثلاً شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لا شك أن قبول الناس لكتبه وانتفاعهم بها من كرامات الله عز وجل لهذا الرجل، فإن هذه كرامة باقية، لكن الكرامة الحسية بمعنى: أن تنزل البركة في ذكره أو ما أشبه ذلك هذا لا يجوز، وانتبه لقوله: الأولياء: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63] لأن بعض المدعين للولاية هم من الأعداء وليسوا من الأولياء، فقد سمعنا أنه يوجد أناس في الصوفية وغير الصوفية يقولون: إنهم أولياء لله، وهم أعداءٌ لله، تجده يرى نفسه في مقام الربوبية، ويرى أن من الأولياء من هو أفضل من الأنبياء، ويرى أن لأئمتهم من المنزلة ما لا يبلغه ملكٌ مقرب ولا نبي مرسل، وما أشبه ذلك، هل نعد هذا من أولياء الله أو من أعداء الله؟ هذا من أعداء الله بلا شك، حتى ولو ادعى الولاية، حتى لو فرض أن الله أجرى على يديه أشياء خارقة للعادة فهي إما من الشياطين وإما ابتلاء من الله عز وجل؛ لأن الميزان في الولاية وفي العداوة هو هذا الذي ذكره الله عز وجل بقوله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62-63] هذا هو الميزان، وما أحسن ما قال شيخ الإسلام رحمه الله -كلمتان مأخوذتان من آية الولاية- قال: (من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً) .
وقال: (بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين) .
أخذاً من قول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] فهاتان قاعدتان عظيمتان والميزان لا يبخسان، من الولي؟ المؤمن التقي، من الإمام؟ الصابر والموقن بآيات الله عز وجل.
وأما أن يأتي إلى القبر ويتمسح بالتراب فهذا حسي، هذا ما يجوز، التبرك بتراب القبر جهل وضلال: أولاً: تراب القبر لم يمس هذا الرجل المدفون هو في الأعلى، ما له علاقة به.
والثاني: أن هذا التراب تبول عليه الكلاب، كيف يتبرك به؟! والثالث: أن هذا لا يفيد وإن أفاد فهو امتحان من الله عز وجل.(184/22)
معنى قوله تعالى: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون)
السؤال
ما معنى قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] ؟
الجواب
أي: ظهر لهم من عذاب الله ما لم يكن على بالهم، كما قال قبلها: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} [الزمر:48] المعنى: أن هؤلاء المكذبين للرسل ما كانوا يظنون أن هذا سيقع، أن ما وعدت به الرسل وأوعدت سيقع، فظهر لهم ما لم يكونوا يحتسبون، لكن هذا هل يفيد؟ لا، والله! ما يفيد.(184/23)
حكم خبر الإسرائيليات
السؤال
هل ثمود اختاروا مكاناً خاصاً بين الجبال فدعا صالح عليه السلام فخرجت الناقة وهم ينظرون؟
الجواب
قيل: إن الناقة خرجت من صخرة، قالوا له: إن كنت صادقاً فأخرج لنا من هذه الصخرة ناقة، فدعا الله فخرجت، لكن هذا من الإسرائيليات التي لا نؤمن بها ولا نصدقها ولا نكذبها، والله أعلم.(184/24)
حكم من دخل المسجد ولم يصل تحية المسجد ينتظر الإمام
السؤال
بعد المغرب نرى أحد الطلبة إذا تأخر الإمام خمس دقائق أو عشر دقائق يقف ولا يصلي تحية المسجد، ولما سألناه يقول: أنا أقرأ وأنا واقف حتى يأتي الإمام؛ لأنه ما بقي إلا خمس دقائق أو عشر دقائق بين الأذان والإقامة، وتكلمنا كثيراً في هذا الأمر، وما زالوا يكررون هذا الفعل، ما ندري هل لهم وجه أو لا؟
الجواب
أولاً بارك الله فيه: هذا من تثبيط الشيطان، وعجباً لهؤلاء أن يقفوا ينتظرون الإمام وهم لا يدرون متى يأتي ربما يتأخر كثيراً، أليس كذلك؟ هذا أمر.
الثاني: كيف يقفون ولا يصلون والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، ثم قال: لمن شاء) كراهية أن يتخذها الناس عادة، فهذا من جهلهم، ثم من يقول: إن الواقف ليس كالجالس، وقوفهم هذا كالجلوس، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يجلس حتى يصلي ركعتين) بناءً على أن الغالب أن الإنسان إذا دخل المسجد يجلس ولا يقف، فوقوفهم هذا بمعنى الجلوس، وربما يستدل بقول الرسول في أن الحائض لا تطوف على أن الدوران بمنزلة الجلوس؛ لأن الحائض لا يحل لها أن تجلس في المسجد.
أنت نصحت وجزاك الله خيراً، وأنا إن شاء الله تعالى إن ذكرت تكلمت في هذا، وليست هذه فقط، حتى أيضاً من العجائب: إذا رأوا الإمام قاموا وإن لم تقم الصلاة، لو كان الإمام منشغلاً ذهب مثلاً يميناً أو يساراً، أو رجع، أو دخل وذكر أنه على غير وضوء فذهب يتوضأ يبقى هؤلاء واقفون؟!(184/25)
حكم رفع اليدين في مواطن الإجابة حال الدعاء على الدوام والاستمرار
السؤال
فضيلة الشيخ: سؤالي حول رفع اليدين في الدعاء في الأوقات التي يرجى فيها الإجابة، إذا كان ذلك باستمرار، كالثلث الآخر من الليل أو بين الأذان والإقامة؟
الجواب
بارك الله فيك! رفع اليدين في الدعاء من آداب الدعاء، ومن أسباب الإجابة، فالأصل أن ذلك مشروع إلا إذا وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يرفع فيكون غير مشروط، ولهذا أنكر الصحابة على بشر بن مروان لما رفع يديه في خطبة الجمعة في الدعاء، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا أزيد على الإشارة) اعلم أن الأصل في الدعاء هو رفع اليدين؛ لأنه من الآداب وأسباب الإجابة، إلا إذا وجد هذا الشيء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا ولم يرفع فالأفضل عدم الرفع، وينكر على من رفع.
السائل: عدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مع الترغيب فيه هل يدل هذا على أن المقتضى كان موجوداً؟ الشيخ: مثل ماذا؟ السائل: لأن رفع اليدين يقول أحد الإخوة جزاه الله خيراً لما رآني أرفع يدي بين الأذان والإقامة ويكون ذلك دائماً تقريباً يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم ما ثبت عنه، فيقول الأخ هذا: إن هذا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو فعله لنقل، فيقول: أنت استمرارك على هذا يدخل في قسم البدعة؟ الجواب: على كل حال: هذا خطأ فيما نرى، أولاً الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يدعو إلا عند الإقامة، ما يدريه أنه يرفع يديه وما يرفع يديه.
والثاني: أن الأصل هو استحباب رفع اليدين في الدعاء إلا إذا ورد دليل على خلافه لحديث: (إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً) هذه واحدة.
الثانية: أن الرسول ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، فلو أن لمد اليدين تأثيراً في قبول الدعاء ما ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام، كما هي القاعدة: (إن عدم النقل ليس نقلاً للعدم) .(184/26)
حكم وضع سور على القبر إذا كان داخل المسجد
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا كان في المسجد قبر هل يكفي أن يبنى حوله جدار أو سور، واستدلوا على ذلك أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم داخل المسجد وعليه سور؟
الجواب
بارك الله فيك! أنا أقول لك قاعدة مفيدة في هذا وفي غيره: أهل الباطل جعل الله لهم شبهات حتى تزيغ قلوبهم والعياذ بالله، قال الله تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران:7] ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) هل قبر الرسول عليه الصلاة والسلام أحدث في المسجد؟ إن قالوا: نعم، نقول: كذبتم، الصحابة ما دفنوه في المسجد، وإن قالوا: لا، قلنا: إذاً ما في ذلك حجة؛ لأن قبر الرسول عليه الصلاة والسلام كان في بيته الذي مات فيه، وكان في ذلك الوقت منعزلاً عن المسجد، لم يدخل في المسجد إلا قريباً من خمسة وتسعين أو ستة وتسعين من الهجرة، أدخل في المسجد؛ لأنهم اضطروا إلى توسيعه، وكأنه لم يتيسر لهم في ذلك الوقت إلا أن يكون الاتساع من هذه الجهة، وأبقوا الحجرة قائمة بجدرانها ما دخلت في المسجد، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد، ولم يبن المسجد على قبره، لكن أهل الباطل يتشبثون بالشبهات؛ لأن قلوبهم زائغة والعياذ بالله، والعجب أنهم يتشبثون بالمتشابهات والمحكم يتركونه.(184/27)
حكم الإيثار في القربات
الشيخ: هل يشرع الإيثار في الطاعات والقربات إلى الله، كأن يكون في الصف الأول فيقدم زميله؟
الجواب
أما في الواجبات فلا يجوز الإيثار، الإيثار في الواجبات لا يجوز كإنسان عنده ماء، وهو على غير وضوء وصاحبه على غير وضوء، إن أعطاه صاحبه لم يتوضأ، وإن توضأ به لم يتوضأ صاحبه، فهنا لا يجوز أن يعطي الماء صاحبه، لماذا؟ لأن الواجب عليه استعماله، كذلك أيضاً: إنسان معه ثوبٌ وقد ضاق وقت الصلاة وصاحبه ليس معه ثوب، فإن آثر به صاحبه صلى عرياناً والوقت ضيق، وإن صلى به صلى صاحبه عرياناً، هنا لا يجوز أن يؤثر.
أما غير الواجبات فإن رأى في ذلك مصلحة فلا بأس، مثل: أن يأتي والده فيتأخر عن الصف الأول ليدخل والده، وهو يعرف أن والده إذا فعل به هذا انشرح صدره؛ فهذا نعم يؤثره، وإن كان ليس به مصلحة فلا يؤثره.(184/28)
تقديم العرف في مسألة النفقة على الزوجة وعلاجها
السؤال
من المعلوم أن النفقة من الزوج على زوجته واجبة، ولكن ذكر -يا شيخ- صاحب الزاد: ولا تجب إلى طبيبٍ ونحوه فهل هذا صحيح؟
الجواب
الدواء للزوج على زوجته على المذهب لا تجب؛ لأنها أمرٌ طارئ خارج عن النفقة.
والصحيح في هذا أن نتبع العرف: إن جرت العادة أن الزوج يداوي زوجته وجب عليه، وإن لم تجر العادة في ذلك لم يجب، وأظن العرف عندنا يختلف، النفقات الباهظة -مثلاَ- لو تحتاج إلى عملية في الخارج لا تلزم الزوج، والشيء اليسير يلزم الزوج، والميزان عندك اجعله دائماً بين يديك، وهو قول الله تبارك وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) فاتبعوا العرف في هذا.(184/29)
لقاء الباب المفتوح [185]
لقد قص الله عز وجل لنا أقوام كثير من الأنبياء، وكيف كانت دعوة رسلهم لهم، وفي نهاية المطاف يصرون على استكبارهم وعنادهم؛ فيذيقهم الله العذاب الأليم، ومن هذه الأقوام المكذبة قوم لوط حين كانوا يرتكبون الفاحشة النكراء، ويكذبون رسول الله لوط، ولم يؤمنوا به، وعند ذلك حق عليهم العذاب من الله عز وجل، فقتلهم الله شر قتلة!(185/1)
تفسير آيات من سورة القمر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فإننا نستأنف هذا اللقاء المسمى بـ (لقاء الباب المفتوح) الذي يتم كل يوم خميس بعد أن تركناه مدة الإجازة الصيفية؛ نظراً لأن الناس يتفرقون هنا وهناك، فنستفتح هذا الاستئناف هذا اليوم الخميس التاسع عشر من شهر جمادى الأولى عام (1419هـ) ، نسأل الله تبارك وتعالى أن يمن علينا وعليكم بالعلم النافع والعمل الصالح.
كنا رأينا أن يكون ابتداء اللقاء تفسير الآيات الكريمة في سور المفصل.(185/2)
تفسير قوله تعالى: (كذبت قوم لوط بالنذر)
وانتهينا إلى قوله تعالى في سورة القمر: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ} [القمر:33] قوم لوط هم أناس كفروا بالله عز وجل وأشركوا به، وكان ما اختصوا به من المعاصي هذه الفعلة القبيحة الشنيعة وهي اللواط أي: إتيان الذكر الذكر، وحذرهم نبيهم من هذا وقال لهم: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء:165-166] ولكنهم والعياذ بالله استمروا على هذا حتى جاءهم العذاب، وهذه السورة ذكر الله تعالى فيها قصة الأنبياء على سبيل الإجمال فقال فيما سبق ما تقدم الكلام عليه، وقال هنا: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ} النذر: جمع نذير، وهي الكلمات التي أنذرهم فيها لوط عليه الصلاة والسلام، وجمعها يدل على أنه كان يكرر عليهم هذا، ولكنهم أبوا وأصروا على هذا الفعل، فبين الله عقوبتهم بقوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر:34] (حاصباً) يعني: شيئاً يحصبهم من السماء، أمطر الله عليهم حجارة من سجيل فهدمت بيوتهم حتى كانت عاليها سافلها؛ لأن البناء إذا تهدم صار أعلاه أسفله.
(إلا آل لوط) وآل لوط هم أهل بيته إلا زوجته كما قال تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:35-36] نبي يبعث إلى قومه ولم يتبعه إلا أهل بيته إلا امرأته أيضاً فكانت كافرة، ومع ذلك فهو صابر حتى أذن له بالخروج: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} أي: في السحر في الصباح، وذلك أن هؤلاء القوم أخذهم العذاب صباحاً كما ابتدئ عذاب عادٍ بالصباح: {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} [الحاقة:7] لأنه ابتدئ في الصباح، فأخذهم العذاب -والعياذ بالله- في الصباح، فأهلكهم الله.(185/3)
تفسير قوله تعالى: (نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر)
قال تعالى: {نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} [القمر:35] أي: أنعمنا على آل لوطٍ نعمة من عند الله عز وجل من وجهين: الوجه الأول: أن الله أنجاهم.
والوجه الثاني: أن الله أهلك عدوهم.
لأن إهلاك العدو من نعمة الله، فصارت نعمة الله على آل لوط بالنجاة وإهلاك العدو.
{كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ} [القمر:35] أي: مثل هذا الجزاء وهو الإنجاء والنعمة، نجزي من شكر نعمة الله، وشكر نعمة الله تعالى -أيها الإخوة- هو القيام بطاعته وليس مجرد قول الإنسان: أشكر الله.
بل لابد من القيام بالطاعة، ولهذا من قال: أشكر الله.
وهو مقيم على معاصيه فإنه ليس بشاكر، بل هو كافر بالنعمة، مستهزئٌ بالله عز وجل، إذ أن مقتضى النعمة أن يشكر الله، ولكنه عكس الأمر، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} [إبراهيم:28-29] فكل من شكر الله فإن الله تعالى ينجيه ويهلك عدوه.(185/4)
تفسير قوله تعالى: (ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر)
قال تعالى: {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا} [القمر:36] يعني: أن لوطاً عليه الصلاة والسلام أنذر قومه البطشة وهي الأخذ بالقوة {فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} [القمر:36] أي: تشككوا فيه، ولم يؤمنوا به.(185/5)
تفسير قوله تعالى: (ولقد راودوه عن ضيفه)
قال تعالى: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ} [القمر:37] يعني: أن قومه راودوه عن ضيفه الذين جاءوا إليه من الملائكة، وكان الله تعالى قد بعث إليه الملائكة على صورة شبابٍ مرد ذوي جمال وهيئة امتحاناً من الله عز وجل، فلما سمع قوم لوط بهؤلاء الضيوف أتوا يهرعون إليه، يسرعون يريدون هؤلاء الضيوف ليفعلوا بهم الفاحشة والعياذ بالله، فراودوه عن ضيفه فطمس الله أعينهم.
أما كيف طمس أعينهم هل جبريل ضربهم بجناحه أو غير ذلك الله أعلم، إنما علينا أن نؤمن بأن الله تعالى طمس أعينهم حتى أصبحوا لا يبصرون.
{فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:37] والأمر هنا للامتهان، أو إنه أمرٌ كوني، يعني: أن الله أمرهم أمر إهانة، أو أمراً كونياً أن يذوقوا العذاب، ومثل هذا قول الله تبارك وتعالى عن صاحب الجحيم: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49] فإن هذا الأمر أمر إهانة بلا شك، وليس أمر إكرام، ولا أمر إباحة.(185/6)
تفسير قوله تعالى: (ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر)
قال تعالى: {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:38-39] أي: أن العذاب صبحهم وأتاهم في الصباح على حين قيامهم من النوم واستقبالهم يومهم وهم فرحون، كل واحدٌ منهم يفكر فيما يفعل في هذا اليوم، فإذا بالعذاب يقع بهم -نسأل الله العافية- {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} .
من العبر في هذه الآية: أن هؤلاء الذين قلب الله فطرتهم وطبيعتهم قلب الله عليهم البنيان برميهم بحجارة من سجيل، فتهدم البنيان حتى صار أعلاه أسفله، وقيل: إن الله تعالى قلب بهم ديارهم، اقتلعها من أساسها، حتى رفعها ثم قلبها، فإن صح هذا فالله على كل شيء قدير، وإن لم يصح فليس علينا إلا أن نأخذ بظاهر القرآن أنهم أمطروا بحجارة من سجيل فتهدم البناء عليهم.
أخذ أهل العلم من ذلك: أن اللوطي يقتل بكل حال، الفاعل والمفعول به، وهذا هو القول الراجح، أن اللوّاط يجب فيه القتل على كل حال، وليس كالزنا، الزنا يفرق فيه بين المتزوج وغير المتزوج، أما اللواط فيقتل فيه على كل حال ما دام الفاعل والمفعول به بالغين عاقلين فإنه يجب قتلهما بكل حال إلا المكره، فإنه ليس عليه شيء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أجمع الصحابة رضي الله عنهم على قتل الفاعل والمفعول به إلا أنهم اختلفوا كيف يقتلان؟ فقال بعضهم: يقتلان بالرجم بالحجارة حتى يموتوا، وقال بعضهم: يقتلان بأن يلقيا من أعلى مكانٍ في البلد ويتبعان بالحجارة، وحرق أبو بكر رضي الله عنه اللوطية بالنار، وكذلك خالد بن الوليد وأحد خلفاء بني أمية حرقوهم بالنار لعظم جرمهم والعياذ بالله، ولأن هذه الفاحشة إذا انتشرت في قومٍ صار رجالها نساءً، وصار الواحد منهم يتتبع فحول الرجال حتى يفعلوا به الفاحشة والعياذ بالله، وانقلبت الأوضاع، وضاع النسل بمعنى: أن الناس ينصرفون إلى الذكور ويدعون النساء اللاتي هن حرث للرجال والتحرز منه صعب؛ لأنه لا يمكن أن نجد اثنين ونقول: كيف صحبت هذا مثلاً؟ لكن لو وجدنا رجلاً وامرأة يمكن التحرز منهم، فلذلك كان دواء المجتمع من هذه الفعلة القبيحة الشنيعة أن يقتل الفاعل والمفعول به، وقد جاء في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) .
ولهذا يجب علينا -أيها الإخوة- أن نحترز من هذا غاية الاحتراز، وأن نتفقد أبناءنا أين ذهبوا؟ ومن أين جاءوا؟ ومن أصدقاؤهم؟ وهل هم على الاستقامة أو لا؟ حتى نحمي المجتمع من هذا العمل الخبيث.(185/7)
تفسير قوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)
ثم قال عز وجل: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:40] يسر الله عز وجل القرآن للذكر لحفظه ولفهم معناه، وهذا الخبر يراد به الحث على حفظ القرآن وعلى تدبر معناه؛ لأنه ميسر سهل، وأنت جرب تدبر في آيات الله عز وجل لتفهم معناها، وانظر كيف ييسر الله لك فهمها حتى تفهم منها ما لا يفهمه كثيرٌ من الناس، ولهذا قال: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:40] والاستفهام هنا للتشويق، يعني: هل أحد يدكر، يتذكر، يتعظ بما في القرآن؟(185/8)
الأسئلة(185/9)
المراد بالأخوة بين شعيب ومدين أخوة النسب
السؤال
ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم قوله تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ لْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:176] ، وقال تعالى في آية أخرى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً} [العنكبوت:36] فهل مدين هم أصحاب الأيكة؟
الجواب
أصحاب الأيكة ليسوا من قوم شعيب، ولهذا قال في قومه: (أخاهم) وقال في هؤلاء: {كَذَّبَ أَصْحَابُ لْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:176] لكنهم قومٌ كلف الله شعيباً أن يذهب إليهم، فذهب إليهم بأمر الله، ومن ثم نعرف ضلال من قال: إن قوله: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً} [العنكبوت:36] أن هؤلاء إخوة له في الإنسانية، وأن الأخوة الإنسانية الشاملة لكل إنسان، فالكافر على تقدير قول هؤلاء يكون أخاً لنا، وهذا لا شك أنه خطأٌ عظيم، بل هي أخوة النسب؛ لأنهم قومه فهم إخوانه، ولا يمكن أن نقول: إن بني آدم إخوة في الإنسانية أبداً؛ لأنه لا ولاية ولا إخوة بين المؤمن والكافر.(185/10)
كيفية قضاء صلاة الوتر وعدم اعتبار صلاة الضحى في قضاء الوتر
السؤال
فضيلة الشيخ! لو أن شخصاً فاتته صلاة الوتر في الليل، وأراد أن يقضيها في النهار في الضحى هل يدخل معها ركعتي الضحى؟ وقراءة (قل هو الله أحد) هل يجعلها في الركعة الأخيرة أو التي قبلها الشفع؟
الجواب
إذا فاتت الإنسان صلاة الوتر فإنه يقضيها في النهار لكن شفعاً، إذا كان من عادته أن يوتر بثلاث يقضي أربعاً، وإن كان من عادته أن يوتر بخمس يقضي ستاً لحديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا فاتته صلاة الليل من نومٍ أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة) .
وأما ما يقرؤه فالأقرب أن يجعل (قل هو الله أحد) في الركعة الأخيرة، وأما هل تغني عن ركعتي الضحى فلا؛ لأن ركعتي الضحى سنة مستقلة، فلابد من فعلها وحدها.(185/11)
التحلل الأول لا يحصل إلا بالرمي والحلق
السؤال
إذا كان يثبت التحلل الأول بنسك واحد وهو رمي جمرة العقبة هل نستطيع أن نقيس الحلق على ذلك لأنه نسك من الأنساك التي فعلها النبي عليه الصلاة والسلام في يوم الحج الأكبر؟
الجواب
من المعلوم أن الحديث الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا رميتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء) ، وفي لفظٍ: (إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء) ، وقول بعض الفقهاء: أنه إذا فعل اثنين من ثلاثة حل التحلل الأول لا دليل عليه، بل يقال: إن التحلل الأول مرتبط إما بالرمي وحده وإما بالرمي والحلق، أما اثنين من ثلاثة فهذا وإن كان له حظ من النظر لكنه ضعيف، فيقتصر على ما جاء به النص، أما هل يحصل التحلل بالرمي وحده، أو بالرمي والحلق؟ فالصواب: أنه لا يحصل إلا بالرمي والحلق؛ لأن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) ومعلوم أنه لا طواف بالبيت بالنسبة لفعل الرسول عليه الصلاة والسلام إلا بعد الرمي والحلق، ولو كان يتحلل قبل الحلق لقالت: ولحله قبل أن يحلق.
فلما قالت: (قبل أن يطوف) .
علمنا أنه لا يحل التحلل الأول إلا بالحلق.
وأيضاً: فإن الحلق رتب عليه الحل في مسألة الإحصار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أحصر في الحديبية أمرهم أن يحلقوا ثم يحلوا، ولا حل لمحصر إلا بعد الحلق.
فالصواب: أنه لا يحل التحلل الأول إلا بعد الرمي والحلق، وأنه لو رمى وطاف لم يحل، ولو حلق وطاف لم يحل، وإنما يقتصر في الحل على ما جاء به النص وهو الرمي والحلق.(185/12)
تحديد عورة المرأة مع المرأة
السؤال
ما هي عورة المرأة أمام المرأة، سواءً كن من نسائها أو النساء الأجنبيات؟
الجواب
الظاهر أن عورتها كعورة الرجل، عورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل، سواءً من أهل البيت، أو من نساء خارجيات، أو من مؤمنة أو من كافرة، لا فرق، لكن ماذا تريد من هذا السؤال؟ أتريد أن تخرج المرأة بثوبٍ يستر ما بين السرة والركبة لنسائها، أتريد هذا؟!! إن النساء اللاتي يسألن عن هذه النقطة يردن هذا، يردن منا أن نقول: تخرج المرأة أمام المرأة وليس عليها إلا لباس يستر ما بين السرة والركبة، وهذا لا يمكن القول به، أبداً، حتى نساء الكفار لابد أن تجعل على ثديها شيئاً، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى الناظرة ولم يرخص للابسة، قال: (لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة) وهنا فرق، ولذلك نقول: معنى هذا الحديث: أن المرأة لو انكشف ساقها لعمل شيءٍ في بيتها، أو انكشف ذراعها وعورتها لعمل شيءٍ في بيتها، أو انكشف صدرها لحرارةٍ أو ما أشبه ذلك، أو خرج ثديها لإرضاع ولدها أمام النساء فلا بأس به، أما اللباس فيجب أن يكون فضفاضاً ساتراً كما يفعلن نساء الصحابة، أي: من الكف إلى الكعب في البيت، أما إذا خرجت فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن لها -أي: للمرأة- أن ترخي ثوبها ذراعاً؛ لئلا ينكشف قدمها، ودع عنك من يتبعون المتشابه من نصوص الكتاب والسنة، فإن هؤلاء على خطرٍ عظيم.
ومن حكمة الله عز وجل أن الله جعل نصوص الكتاب والسنة بعضها محكم لا التباس فيه ولا اشتباه، وهذا من المعلوم أن كل إنسان سيؤمن به، وجعل بعضها متشابهاً امتحاناً، فمن كان مؤمناً راسخاً في العلم حمل المتشابه على المحكم، فيكون الكل محكم، ومن في قلبه زيغ حمل المحكم على المتشابه واتبع المتشابه، فليحذر المؤمن أن يكون من هؤلاء، ولتعلم -أيها الأخ- أن فتنة النساء عظيمة، وأنه هلك بها من هلك من الأمم السابقة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما كانت فتنة بني إسرائيل في النساء) وهذه الفتنة أيضاً ستكون في هذه الأمة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لتركبن سنن من كان قبلكم، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: نعم) في عصرنا الحاضر أعداؤنا لم يأتونا يقولون: اعبدوا المسيح، ولا: اعبدوا اللات والعزى، ولا: اعبدوا البقر أو الشمس أو القمر؛ لأنهم يعلمون أن هذا غير مقبول لدينا، لكن أتونا من قبل الشهوات، فوضعوا الفتنة في النساء، ومعلومٌ أن الإنسان إذا اتبع هذه الفتنة صار بمنزلة البهيمة، ليس له همّ إلا إشباع بطنه، واتباع شهوته؛ فهلك وضل وأضل، ولذلك انظر تسابق الناس إلى أقراص الـ (فياجرا) لما ظهرت صاروا يشترونها بأغلى الأثمان وهي قد تقتل الإنسان أحياناً، لكن يقول: لعلي أكون من الناجين، لماذا؟ لأن هذه الأقراص تقوي الشهوة، فتراكض الناس عليها، ولو صيح به بأن معلماً في البلد الفلاني القريب أو البعيد يعلم الشريعة بأصولها وفروعها أتراهم يتراكضون على هذا؟! ما أظنه، وإن ركض بعضهم تخلف الآخرون، فهذه الفتنة الآن أصبحت مشكلة، النساء نزع من كثيرٍ منهن الحياء، وصرن ينظرن إلى نساء الغرب، اللاتي نزع الله منهن الحياء والإيمان، والحياء كما نعلم من الإيمان، وبعض الناس ممن يتبعون الشهوات وممن ركبتهم نساؤهم صاروا على هذا.
ولذلك يجب على شباب المسلمين أن يحذروا من هذه الفتنة، فتنة عظيمة هذه ليست هينة، وأن نسد كل طريق، وأن نوصد كل باب يصل إلينا، نسأل الله أن يحمي المسلمين.(185/13)
وقت ابتداء غسل الجمعة
السؤال
متى يبدأ وقت غسل الجمعة؟
الجواب
غسل الجمعة يبتدئ من طلوع الفجر، لكن الأفضل ألا يغتسل إلا بعد طلوع الشمس؛ لأن النهار المتيقن من طلوع الشمس، ولأن ما قبل طلوع الشمس من وقت صلاة الفجر، فصلاة الفجر لم تنقطع بعد، فالأفضل ألا يغتسل إلا إذا طلعت الشمس، ثم الأفضل أيضاً ألا يغتسل إلا عند الذهاب إلى الجمعة ليكون ذهابه إلى الجمعة بعد الطهارة مباشرةً.(185/14)
حكم المرأة التي يتخللها طهر أثناء الحيض
السؤال
فضيلة الشيخ: الحيض عند المرأة له وقت معلوم، والمرأة تعرف توقيته، إذا كان نزل في أول يوم قليل من دم الحيض ثم انقطع في اليوم التالي من خمسة فروض كاملة، ثم استمر بشكله الطبيعي في اليوم الثالث، فهل تقضي هذا اليوم، أم بأنه يعتبر من ضمن الأيام المعدودة والمعروفة لديها؟
الجواب
بعض أهل العلم رحمهم الله يقولون: إن الانقطاع اليسير هذا، يعني: يوم من سبعة أيام ليس بشيء يعني: حكمه حكم الحيض؛ لأنه جرت العادة في كثير من النساء أنه يحصل لهن جفاف في أثناء الحيض فيلحق به، وبعض العلماء يقول: لا، إذا طهرت في يوم تغتسل وتصلي، وإذا جاءها الحيض تتوضأ، وهذا فيه مشقة بلا شك، يعني: المرأة يأتيها يوم الحيض، ويوم دم، ويوم طهارة، ويوم حيض، ويوم طهارة، هذا فيه مشقة تغتسل في الحيضة الواحدة ست سبع مرات.
الصواب: أن هذا حكمه حكم الحيض.(185/15)
خطر التلفاز وكيفية وقاية الأبناء منه
السؤال
ابتلي كثير من بيوت المسلمين لدينا بوجود التلفاز داخل البيت بحجة معرفة الأخبار العالمية والأحداث في بلاد المسلمين وما يحدث لدى غيرهم، وفيه من المفاسد ما فيه، ودخل الآن الذي هو (الدش) بقصد التوسع في أخبار العالم وغير ذلك، وهذا الإنسان حريص على أن يقتلع التلفاز من بيته لكن لابد أن أولاده وزوجته: قد يشاهدونه في بيت الوالد أو بيت الجد أو بيت العم أو بيت الخال فكيف العمل في ذلك جزاكم الله خيراً يا شيخ؟
الجواب
والله! يا أخي! إلى الله المشتكى، وسائل الإعلام الخارجية لا يستغرب منها أن تبث ما يفسد العقائد والأفكار والأخلاق؛ لأنها أعداء، كل الكافرين أعداء للمسلم، مهما تظاهروا بأنهم أصدقاء فإنهم أعداء والله! بشهادة الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة:1] ، وقال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89] ، وقال تعالى: {وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة:2] ونصوص الكتاب والسنة في هذا واضحة، ولا يجوز أن نغتر بما يلقونه إلينا بألسنتهم من المودة الكاذبة، أو أن نكون كالنعامة تدس رأسها في الرمل، هم أعداء، لكنهم يتكيفون بعدم إيمانهم بما يرونه أنه من مصلحتهم، هم الآن صاروا يبثون في هذه القنوات الفضائية ما يستحي العاقل فضلاً عن المؤمن من ذكره حسبما نسمع أنهم يبثون العراة والعاهرات والفاجرات، ويشاهد الرجل يفعل بالمرأة عارية، فما ظنك -أخي- إذا نشر مثل هذا أمام شبابٍ ممتلئ شباباً، شابع البطن، صحيح البدن، ماذا يكون؟ أسوأ شيء أو أسهل شيء سيكون الشر، ولهذا سمعنا بناءً على ذلك من يأتي ابنته عهراً أو أخته، وهذا لا يمكن أن نتحدث به فضلاً عن أن نصدق بخبره فضلاً عن أن يكون واقعاً بيننا، لذلك أرى: أن الإنسان العاقل يخرج هذه عن بيته، والأخبار هل أنت مكلف بها؟ والله ما نسمع من الأخبار إلا ما يأتينا بالحزن؛ لأنه ليس بأيدينا حلٌ له، من يستطيع أن يحل مشكلة كوسوفا الآن، من يستطيع؟ إلا أنها تضيق الصدور وتلحق الهم والغم، ثم إنه ليس كل إنسان ينتفع بالأخبار، الناس في الأخبار ثلاثة أقسام: قسم ينتفع بها، يعرف ما جرى للعالم، ويمكن أن يكون للرجل عنده شيءٌ من السياسة يستطيع أن يصرف ما فيه المنفعة.
قسم آخر: ميت القلب، لا يعرف خيراً ولا شراً، فهذا إضاعة وقت وإضاعة مال في مشاهدة مثل هذه الأشياء.
قسم ثالث: حي القلب لكنه ليس ذا رأيٍ وسياسة، فيحزن ويتألم، فمطالعته لا خير فيها.
لذلك أنصحك أن تخرجها من بيتك.
أما كونهم يذهبون إلى الأقارب ويجدون هذا عندهم، نعم هذا صحيح، فإن قدرت أن تمنعهم من ذلك فامنعهم، وإذا لم تقدر لكون الأقارب قريبين جداً أو أنهم شبابٌ لا تستطيع أن تمنعهم فاتخذ شيئاً آخر يكون فيه تسليتهم، وصدهم مثلما يسمونه الكمبيوتر والأفلام التي تختار أنت ما تريد منها.
وأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) .
نعم معلوم، لكن هل اهتمامي بأمر المسلمين موقوف على مشاهدة هذه البلايا؟ ثم لو فرض أنها تبعث على الاهتمام فمفاسدها أكبر، من يضمن لي أنه لا يطالع إلا ما فيه مصلحة المسلمين؟ أكثر الذين يقتنونها ليس هذا قصدهم وليس هذا واقع حالهم.(185/16)
حكم تعلم التجويد
السؤال
ذكرت من الآيات ما يحث على تدبر القرآن وحفظه، فهل يلزم من ذلك حفظ القرآن بأحكام التجويد؟
الجواب
مسألة التجويد ليس بواجب، ومن تأمل حال الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم يعرف أنه ليس بواجب، ولو قلنا: إنه واجب لأثمَّنا كثيراً من الناس اليوم، حتى من أئمة المساجد والمشايخ أيضاً، مشايخ علماء كبار لو سألتهم عن أحكام التجويد ما عرفوا، المهم أن تقرأ القرآن بدون لحنٍ يحيل المعنى وألا تدغم ما لا يمكن إدغامه، وأن تقيم الحروف والحركات بقدر الإمكان.
أما التجويد فينقسم إلى قسمين: قسم مبالغ فيه ومتكلم فيه، فهذا إلى النهي أقرب منه إلى الإباحة.
قسم آخر: طبيعي، فهذا محمود ومستحب ومن تزيين الصوت بالقرآن، لكن لا نقول: إنه واجب.(185/17)
جواز قطع أذن الغنم الشامي إذا كان لحاجة
السؤال
فضيلة الشيخ: ينسب إليك بعض هواة الغنم -المعز الشامي- أنك أفتيتهم بجواز قطع أذن الغنم الشامي؛ لأنهم يرون أن المعز الشامي ما لم تقطع أذنها فليست بجميلة، وجمالها ما يكتمل إلا بقطع الإذن، فما أدري ما صحة هذا؟
الجواب
صحيح هذا، يجوز أن يقطع الأذن لزيادة الثمن بشرط ألا يؤلم الحيوان، يعني: يبنجها مثلاً ويقطعها.
الشيخ: وإذا لم يبنجها فهذا لا يجوز وليس أيضاً في هذا مثلة لأن المثلة إنما تكون في الآدمي أما الحيوان فلا ولذلك يجوز لنا أن نكويها بالنار في الوسم.(185/18)
وجه الجمع بين حديث: (وإن تأمر عليكم عبد حبشي) وبين حديث: (الأئمة من قريش)
السؤال
فضيلة الشيخ! ما وجه الجمع بين قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي) ، وقوله: (الأئمة من قريش) ؟ وهل يمكن أو يجوز لعبدٍ حبشي أن يكون إماماً أعظم؟ وهل يوجد في هذا الزمان إمام أعظم؟
الجواب
نعم إذا يسر الله للعبد الحبشي أن يكون إماماً أعظم فليكن إماماً أعظم، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما قال ذلك في الاختيار، إذا أردنا أن نختار إماماً للمسلمين فلنختر من قريش، ولكن من قريش من؟ الذين قاموا بالدين، أما مجرد الانتساب لقريش أو إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه ليس بفضيلة إلا إذا اقترن بالدين، لو جاءنا رجل من قريش وقال: إنه أحق بالإمامة من غيره وهو فاسق.
قلنا: لا، لأن من شرط الإمامة عند ابتداء الاستخلاف: أن يكون عدلاً، لكن لو أن أحداً قهر الناس وحكمهم فإنه يجب له السمع والطاعة، ولو كان عبداً حبشياً كأن رأسه زبيبة، ففرق بين الاختيار وبين أن يسطو أحد ويستولي على الناس بقوته، فهنا نقول: نسمع ونطيع ولا ننابذ إلا أن نرى كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان.
ولا يوجد إمام أعظم، وهذا من زمان، الإمامة العامة فقدت من وقت وعهد الصحابة رضي الله عنهم، ألم تعلم أن عبد الله بن الزبير كان خليفةً في مكة والحجاز، وأن بني أمية في الشام وما والاها، وأن فرقة أخرى في العراق؟ لكن من تولى على قطعة من الأرض وصار إمامها فهو إمام.(185/19)
عدم ورود تحديد للمدة التي يقصر فيها المسافر
السؤال
معروف بالنسبة للجمع والقصر في السفر فيمن حدد من أهل العلم بأربعة أيام، لذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جمع وقصر في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً، وكذلك في غزوة تبوك مدة شهرين إن كانت رواية صحيحة.
؟
الجواب
الصحيح: أنه لا حد لإقامة المسافر، وأن الإنسان ما دام مفارقاً وطنه وينوي الرجوع إليه فهو مسافر، ولو بقي عشرين يوماً أو سنة أو سنتين أو أكثر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد هذا لأمته، لم يرد عنه حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف أنه حدد أبداً، إقامته في عام الفتح تسعة عشر يوماً، وفي مكة عام حجة الوداع عشرة أيام، لأن أنس بن مالك رضي الله عنه الله عنه سئل: كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في حجته في مكة؟ قال: عشرة أيام.
وأما قول بعض الفقهاء: أنه أقام أربعة أيام، ثم خرج إلى منى بنية المغادرة.
فهذا غلط لا يقوله أحد إلا عند المضايقات في المناظرة، هل يعقل أن الرسول جاء ليحج ونقول: إنه من حين ما خرج للحج نوى المغادرة وهو ما جاء إلا للحج، كيف هذا؟ لكن المشكل أن بعض الناس يعتقد أولاً ثم يحاول أن يلوي أعناق النصوص إلى ما يعتقد، والواجب أن تتبع النصوص ولا تجعلها تابعة.
فالصحيح: أنه لا حد للإقامة، حتى لو كنت تريد أن تقيم شهراً في هذا المكان فأنت مسافر.
وهل الأفضل الجمع والقصر، أو ماذا؟ نقول: أما الجمع فلا تجمع إلا لحاجة، وإن جمعت فلا بأس، وأما القصر فهو أفضل على كل حال.(185/20)
حكم السعي والحلق قبل الطواف والتحلل بعدهما وجعل طواف الإفاضة طواف الوداع
السؤال
سعينا ثم حلقنا هل علينا شيء؟
الجواب
سعيتم وحلقتم، يعني: قدمتم الطواف على السعي؟ السائل: لا، السعي قبل الطواف الشيخ: عندما جئتم مزدلفة ماذا صنعتم؟ السائل: سعينا، بعد مزدلفة.
الشيخ: بعد مزدلفة على الفور إلى السعي.
السائل: سعينا ثم حلقنا.
الشيخ: لا بأس، ما هناك مانع.
السائل: تحللنا بعدما سعينا وحلقنا ثم جعلنا طواف الإفاضة طواف الوداع، هل فيه بأس؟ الشيخ: تحللتم بعد الرمي، أو بعد طواف السعي؟ السائل: سعينا ثم حلقنا ثم تحللنا ثم رمينا.
الشيخ: هذا غلط، لا يمكن حل إلا بعد رمي جمرة العقبة، اجعل هذا على بالك، وما فعلتم من التحلل فأنتم على جهل، والجاهل معذور فلا شيء عليكم، لكن لا تعودوا إلى هذا.(185/21)
مشروعية الجماعة الثانية بعد الجماعة الأصلية وعدم وجوب الأذان عليها
السؤال
الجماعة الثانية التي تقام بعد الجماعة الأصلية، هل عليها أذان أم إقامة فقط؟
الجواب
عليها إقامة فقط، وليس عليها أذان، لكن بقينا هل تشرع أو لا تشرع؟ الآن الناس يسألون: هل تشرع الثانية أو لا تشرع؟ فالصواب: أنها مشروعة، إلا إذا اتخذت عادة، بأن يقال: هؤلاء الجماعة قالوا: سوف ننتظر حتى تنتهي الجماعة الأولى، ثم نذهب ونقيم جماعة.
هذا الفصل بدعة ولا يجوز.
لكن لو فرض أن جماعةً دخلوا المسجد ووجدوا الناس قد صلوا، هل نقول: صلوا فرادى أو صلوا جماعة؟ الثاني بلا شك، نقول: صلوا جماعة، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه دخل رجل قد فاتته الصلاة فقال: (ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه) فأمر من صلى أن يقيم جماعة بهذا، فكيف بمن لا يصلي؟ ثم إنه ثبت عنه أنه قال: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع رجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) .
وأما ما تشبث به بعض الناس من أن ابن مسعود أتى المسجد فوجدهم قد صلوا ثم رجع.
فقد ذكر في المغني أن ابن مسعود أيضاً صلى في المسجد جماعة، فإما أن يكون عنه في ذلك روايتان، وإما أن تكون إحداهما أرجح من الأخرى.
وعلى كل حال: حتى لو رجع ابن مسعود ومن معه وصلى في البيت فإنه لا يدل على أن صلاة الجماعة الثانية غير مشروعة؛ لأنه تعارض عندنا فعل ابن مسعود وقول النبي صلى الله عليه وسلم، أيهما نقدم؟ قول الرسول عليه الصلاة والسلام، أيضاً فعل ابن مسعود ربما خشي أنه لو أقام الجماعة وهو صحابيٌ جليل فقيه اتخذها الناس عادة، وقالوا: هذا فعل ابن مسعود، ويخشى -أيضاً- إذا أقام الجماعة أن يكون في قلب إمام المسجد شيء، ويقول: هذا ابن مسعود ترك الصلاة معي وأقام جماعةً وحده.
وهناك أيضاً اعتبارات أخرى، لذلك نرى أن صلاة الجماعة الثانية مشروعة، وأن فيها أجراً لكن ليس كأجر الجماعة الأولى.(185/22)
حكم نظام بيع المرابحة مع البنوك
السؤال
ما هو رأيكم في نظام البيع بالمرابحة؟ الشيخ: كيف المرابحة؟ أن أشتري سلعةً بألف ثم يأتيني شخص آخر ويقول: بعني إياها بربح، سواءً مؤجل أو غير مؤجل، أقول له: ما هناك مانع، أربحني بالألف مائة، وأبيعها لك، هذا لا بأس به، ولا إشكال فيه.
السائل: أوضح لك -يا شيخ- كيف يكون النظام عندنا، مثلاً: أنت تريد أن تشتري بيتاً بسعر -مثلاً- مائة ألف دينار، يأتيك الرجل وأنت تريد إكمال هذا المبلغ من هذا البنك، يقول: نعم أنا أكمل لك باقي المبلغ مثلاً باقي عشرين ألفاً، يقول: وأخذ عليك أبيعك البيت مثلاً بمائة وعشرة آلاف، يعني ربح له 50% هذا هو؟ الشيخ: غلط هذا، يعني: أشتري بيتاً بثمانين؟ السائل: نعم، يعني هو يشتري من صاحب الملك ثم يبيعك إياها مرة ثانية.
الشيخ: لا، هذا حرام بالإجماع الظاهر، ما أحد يقول هذا.
الآن افهموا السؤال هذا: اشتريت هذا الشيء مثلاً بمائة وأنا ما عندي مال، ذهبت إلى التاجر قال: أنا سأشتريه منك بمائة وأبيعه لك بمائة وعشرين، هذا حرام لا إشكال فيه، إن كان هذا هو السؤال فهو حرام ما فيه إشكال.
السائل: أنا أريد أن أشتري هذا البيت بمائة ألف ولا أملك هذا المبلغ فأذهب إلى البنك فأقول: اشتروا لي هذا البيت الذي هو بمائة ألف، يقولون: نحن نشتريه لك من صاحبه ثم نبيعه عليك بمائة وعشرين أو بمائة وثلاثين؟ الشيخ: الآن البنك لولا أن هذا جاء وقال: اشترِ البيت يشتريه أم لا يشتريه؟ لا يشتريه، إذاً هذا الشراء من البنك حيلة على الربا، فبدلاً من أن يقول البنك: خذ هذه مائة ألف بمائة وعشرين ألفاً واشترِ البيت أنت يقول: أنا أشتريه وأبيعه عليك، فليس للبنك غرض من شراء هذا البيت إلا الزيادة الربوية، معلوم أن البنك ما له غرض بالبيت، لولا أنك جئت أنت وطلبته ما اشتراه، إذاً ليس تاجراً، لكنه متحيل على من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، متحيل بدلاً من أن يقول البنك: خذ المائة الألف اذهب اشترِ البيت وأعطِ بدلها على رأس السنة مائة وعشرين ألفاً قال: أنا اشتري البيت وأبيعها عليك.
الله المستعان!! أيهما أقرب حيلة للربا: هذا، أو ما فعلت اليهود لما حرمت عليهم الشحوم قالوا: لا نأكل ما لا يحل، ذوبها حتى تكون ودكاً، ثم بع الودك وكل ثمنها؟ هذا أبعد، يعني: حيلة اليهود أبعد من الحرام من الحيلة التي ذكرت لك.
لهذا أنا لا أشك أنها حرام، وأنصح إخواني أن يحذروا منها، وأقول: ربما كانت قسوة القلوب، والبعد عن علام الغيوب بسبب هذه المآكل المحرمة التي لا يكاد أحدٌ يقلع منها؛ لأنه يرى أنها حلال، وربما أفتاه بعض الناس بذلك، ونحن أمةٌ صرحاء، أمةٌ إسلامية، نأتي البيوت من أبوابها، ونأتي مثل الشمس، كلٌ يعرف أن هذا حرام ولا أحد يقول: حلال، أو يقول: أين البيت الذي تريده فيذهب البنك ويشتريه بمائة ألف ويبيعه على هذا بمائة وعشرين ألفاً، أي فرق يا إخوان؟! أما لو كان البيت أو السيارة عند البنك من الأصل وباعه عليك بربح، واشتراه بمائة وقال: بمائة وعشرين عليك، هذا ما فيه شيء، إلا إذا كان القصد الدراهم فهي مسألة التورق وفيها الخلاف.
أولاً: هل يعقل أن هذا الرجل الذي اختار هذا البيت أو السيارة ينبهونه وهو يعرف ثمنها ويريدها؟!! يعني: إن وجد واحد من ألف يمكن أن يكون نادراً جداً، ما يمكن يجيء يختاره، ويأتي البنك ولا يدري بالثمن.
ثانياً: أنه إذا هوَّن -أي: تراجع- كتبت دائرة سوداء في صفحته، ما يوثق به بعد ذلك، إذاً فلن يهوّن -أي: لن يتراجع-.
والله يا أخي انظر أنا أقول يا إخواني: نحن أمة إسلامية ونبينا عليه الصلاة والسلام قال: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) والله! ثم والله! ثم والله! لو كان فيها شيءٌ من الحل لكنت أفتي بحلها، لكن كيف أقابل رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، اترك البنك يشتري هو ما شاء من أراضي أو من دور أو من سيارات ويعرضها للبيع آتي أنا وأقول أريدها نقداً فيقول: بمائة، يجيء الثاني يقول: أريدها مقسطة يقول: بمائة وعشرين.
هذا لا ينكره أحد أنه جائز إن شاء الله، أما هذه فهي لعبة يا إخوان! فكروا فيها، لكم من الآن إلى أن تبلغ الروح الحلقوم، وما هي النتيجة؟!(185/23)
لقاء الباب المفتوح [186]
في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة القمر، تحدث الشيخ من خلالها عن أخبار الأمم وماذا حل بهم نتيجة تكذيبهم لرسلهم وبالبينات التي جاءوا بها، فتوعدهم الله بالهزيمة فلم ينتهوا وعتوا وتكبروا فأهلكهم الله جميعاً، وتوعدهم بالعذاب الأليم يوم القيامة، ثم ذكر أحوالهم وهم في النار فضلاً عما سبق، فقد ذكر الله أن كل شيء مقدر من عنده سبحانه وتعالى وهو تحت أمره وإرادته.(186/1)
تفسير آيات من سورة القمر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والثمانون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس والعشرون من شهر جمادى الأولى عام (1419هـ) نبتدئ هذا اللقاء كما كنا نعتاد بتفسير شيءٍ من كلام رب العالمين عز وجل.
انتهينا إلى قول الله جل وعلا: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآياتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:41-42] .(186/2)
تفسير قوله تعالى: (ولقد جاء آل فرعون النذر)
الجملة مؤكدة بالقسم المقدر واللام وقد {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} [القمر:41] أي: قومه، وعلى رأسهم فرعون، كما أخبر الله تعالى في آياتٍ أخرى متعددة أنه أرسل موسى إلى فرعون وملئه.
(جاءتهم النذر) النذر قيل: إنه بمعنى الإنذار، وهو التخويف، وقيل: إنه جمع نذير وهو كل ما ينذر به العبد، والمراد به الآيات التي جاء بها موسى، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء:101] وهذا الأخير هو الصحيح: أن النذر جمع نذير وليست بمعنى الإنذار، ويدل لهذا قوله: (كذبوا بآياتنا كلها) أي: بكل الآيات الدالة على صدق رسالة موسى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كذبوا بها، وقالوا: إن موسى مجنون، وإنه ساحر، حتى إن فرعون من كبريائه قال: {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء:27] .
ولما كذبوا بالآيات أخذهم الله جل وعلا أخذ عزيزٍ مقتدر، (عزيز) أي: غالب (مقتدر) أي: قادر، ولكنها أبلغ من كلمة قادر لما فيها من زيادة الحروف، وكما قيل: (إن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى) وهذا في الغالب وليس دائماً، وإنما ذكر الله تعالى أن أخذه إياهم أخذ عزيزٍ مقتدر؛ لأن فرعون كان متكبراً وكان يقول: (أنا ربكم الأعلى) وكان يسخر من موسى وممن أرسله، فناسب أن يذكر الله تعالى أخذه أخذ عزيزٍ مقتدر، وهو الله عز وجل.
وقد أجمل الله تعالى هذه القصة في هذه الآية، ولكنه بينها في آياتٍ كثيرة، وأن أخذهم كان بإغراقهم في البحر، فأغرقه الله عز وجل بمثل ما كان يفتخر به؛ لأنه كان يقول لقومه: {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] يقررهم بهذا، وسيقولون: بلى {أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:51-52] يعني بذلك موسى، أغرقهم الله باليم حين جمع فرعون جنوده واتبع موسى ومن اتبعه ليقضي عليهم، ولكن الله بحمده وعزته قضى عليه.(186/3)
تفسير قوله تعالى: (أكفاركم خيرٌ من أولئكم)
قال تعالى: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} [القمر:43] الخطاب هنا لقريش، أي: هل كفاركم خيرٌ من هذه الأمم السابقة التي أهلكها الله، {أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} [القمر:43] يعني: أم لكم براءة في الكتب أن الله تعالى مبرئكم من عاقبة أفعالكم؟ ما الجواب؟ لا هذا ولا هذا.
إما أن يكون كفارهم خيرٌ من الكفار السابقين، وإما أن يكون لهم براءة من الله عز وجل كتبها الله لهم ألا نعاقبكم، وكل هذا لم يكن، فليس كفارهم خيراً من الكفار السابقين وليس لهم براءة في الزبر.(186/4)
تفسير قوله تعالى: (أم يقولون نحن جميع منتصر)
ثم بين الله أن لهم دعوة ثالثة: {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} [القمر:44] و (أم) هنا بمعنى بل الإضرابية، وهي إضراب الانتقام، يعني: (بل يقولون نحن) والضمير لقريش (جميع منتصر) جميعٌ هنا بمعنى جمع، ولهذا قال: منتصر ولم يقل منتصرون، يعني: جمع كثير منتصر على محمدٍ وقومه، هذا معنى كلامه، فأعجبوا بأنفسهم وظنوا أنهم قادرون على القضاء على محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فماذا كان جوابهم من الله؟(186/5)
تفسير قوله تعالى: (سيهزم الجمع ويولون الدبر)
قال الله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر:45] (يهزم) أي: يخذلون شر خذيلة، ويولون الدبر، ولا يستطيعون المقاومة ولا المدافعة ولا المهاجرة، مع أنهم كانوا يقولون: (نحن جميع منتصر) ولكن لا انتصار لهم، وهذا هو الذي وقع ولله الحمد، وأول ما وقع في غزوة بدر حين اجتمع رؤساؤهم وكبراؤهم وصناديدهم في نحو ما بين تسعمائة إلى ألف رجل في مقابل ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهزموا -ولله الحمد- شر هزيمة وتحدثت بهم الأخبار، وألقي أربعة وعشرون نفراً من رؤسائهم في قليبٍ من قُلُب بدر خبيثة منتنة، وهذا شر هزيمة ولا شك، ولذا قال: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) هذه عقوبتهم في الدنيا، وفي الآخرة قال تعالى: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} [القمر:46] يعني: أضف إلى ذلك أن الساعة موعدهم: وهو يوم البعث {وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر:46] أي: أشد فتكاً وأمر مذاقاً؛ لأن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا.(186/6)
تفسير قوله تعالى: (إن المجرمين في ضلال وسعر)
ثم قال الله عز وجل مبيناً ماذا يحدث لهم ولأمثالهم: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} [القمر:47] الضلال في الدنيا، أي: لا يهتدون، والسعر في الآخرة، أي: في نارٍ شديدة التأجج تحرقهم، كلما نضجت جلودهم بدلهم الله جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب، ويحتمل أن قوله: (في ضلال) أي: في ضلالٍ عن الطريق الذي يهتدون به إلى الجنة؛ لأنهم ضلوا في الدنيا فضلوا في الآخرة.(186/7)
تفسير قوله تعالى: (يوم يسحبون في النار على وجوههم)
قال تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [القمر:48] يسحبون سحباً كما تسحب الجيفة ليبعد بها عن المنازل، ولا يسحبون على ظهورهم، بل على وجوههم والعياذ بالله، ويقال: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر:48] ولقد قال الله تعالى في آيةٍ أخرى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:24] الذي كان يتقي في الدنيا الحر بيديه لوقاية وجهه، لكنه في النار ليس له ما يقي وجهه النار، بل يتقي بوجهه -نسأل الله العافية- أي: ليس له وقاية تقي وجهه من حر النار، فهم يسحبون في النار على وجوههم.
هذه -يا إخواني- ليست أساطير الأولين، وليست قصصاً تقال، هذه حقيقة نشهد بها -والله- كأننا نراها رأي العين، لابد أن يكون هذا، لكل مجرم (يوم يسحبون في النار على وجوههم) والساحب: هم الملائكة الموكلون بهم؛ لأن للنار ملائكة موكلين بها، ويقال: (ذوقوا مس سقر) .
انظر يا أخي! إلى الإذلال الجسدي والقلبي، الجسدي: هو أنهم يسحبون على وجوههم، والقلبي: أنهم يوبخون ويقال: (ذوقوا مس سقر) أي: صلاها، وسقر من أسماء النار -نسأل الله العافية لنا ولكم-.(186/8)
تفسير قوله تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)
قال جل وعلا: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] لما ذكر عذاب أهل النار، ثم سيذكر نعيم أهل الجنة ذكر بينهما أن هذا الخلق وتفاوته بقدر الله عز وجل، فكل شيءٍ مخلوق فهو بقدر، وكل ذرةٍ في رملة فهي مخلوقة بقدر، وكل نقطةٍ تقع على الأرض من السحاب فهي مخلوقة بقدر، وكل شيء: تعم ما سوى الخالق؛ لأنه ما ثم إلا مخلوق وخالق، فإذا كان كل شيءٍ مخلوقاً كان الخالق وحده الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل شيءٍ بقدر حتى العجز والكيس) العجز: يعني تكاسل الإنسان، والكيس: يعني حزم الإنسان ونشاطه في طلب ما ينفعه والبعد عما يضر.
وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن الإنسان مخلوقٌ لله تعالى، وأن أفعاله مخلوقة لله، وأن كل شيءٍ قد قدر وانتهى، وإذا كان كذلك فلمن يلجأ الإنسان إذا أصابته الضراء؟ إلى الله الخالق، وإذا أراد السراء أيضاً يلتجئ إلى الله الخالق، لا يفخرنّ ويعجبنّ بنفسه لما حصل له المطلوب، ولا يبأس إذا أصابه مكروب، فالأمر بيد الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خيرٌ من المؤمن الضعيف) القوي في إيمانه، القوي في إرادته وهمته ونشاطه، وليس المراد القوي في بدنه، قوة البدن إما لك وإما عليك، إن استعملتها في العمل الصالح فهي لك، وإن عجزت عنه مع فعلك إياه في حال القوة كتب لك، وإن استعملت هذه القوة في معصية الله كانت عليك، لكن المراد بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (القوي) أي: في إيمانه وإرادته، أما قوة البدن فهي إما لك أو عليك، قال: (وفي كلٍ خير) في كل من القوي والضعيف خير، وهذه الجملة يسميها علماء البلاغة جملة احترازية؛ لأنه لما قال: (المؤمن القوي خيرٌ من المؤمن الضعيف) يظن الظان أن المؤمن الضعيف ليس فيه خير فقال: (وفي كلٍ خير) ولها نظائر، قال الله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد:10] يعني: من قبل صلح الحديبية قال تعالى: {أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ} [الحديد:10] كلاً من هؤلاء وهؤلاء، يعني: فلا تظنوا أن هذا التفاوت يحط من قدر الآخرين ويحرمهم الخير، وقال تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء:95] فهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) فإذا فعلت ذلك حرصت على ما ينفع واستعنت بالله، وكنت حازماً نشيطاً قوياً في مرادك، قال: (فإن أصابك شيء فلا تقل: لو إني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله -يعني: هذا قدر الله- وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) أنت عليك أن تسعى للخير، وليس عليك أن يتم لك ما تريد، المهم أن كل شيءٍ بقدر حتى العجز والكيس، فمن قدر الله له الهداية فبالقدر، ومن قدر له الشقاء فهو بقدر، ولكن ما السبب لتقدير الله الشقاء على العبد؟ هو نفس العمل لقول الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5] .(186/9)
تفسير قوله تعالى: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر)
قال تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} [القمر:50] أي: ما أمرنا فيما نريد أن يكون (إلا واحدة) أي: مرة واحدة بدون تكرار {كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] بدون تأخر، سبحان الله! أمر الله عز وجل واحد لا تكرار، وبسرعة فورية أسرع ما يمكن أن يكون كلمحٍ بالبصر (كن فيكون) واشتهر بين العوام أنهم يقولون: (يا من أمره بين الكاف والنون) وهذا خطأ، ليس أمر الله بين الكاف والنون، بل بعد الكاف والنون؛ لأن الله قال: {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة:117] متى؟ بعد كن، فقولهم: بين الكاف والنون خطأ، يعني: ما تم الأمر بين الكاف والنون، لا يتم الأمر إلا بالكاف والنون، لكنه بعد الكاف والنون فوراً كلمحٍ بالبصر، وإن شئت أن ترى عجائب ذلك فانظر إلى الزلازل تصيب مئات القرى، أو آلاف القرى وبلحظةٍ واحدة تعدمها، ولو جاءت المعاول و (الدركترات) والقنابل ما فعلت مثل فعل لحظة واحدة من أمر الله عز وجل، واسأل الخبراء بالزلازل تجد الجواب.
انظر إلى ما هو أعظم من ذلك، الموتى في قبورهم والحشرات والحيوانات، وكل الأشياء، تبعث يوم القيامة بكلمةٍ واحدة كما قال جل وعلا: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53] أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يحضر إلى الخير (صيحة واحدة) فقط (فإذا هم جميعٌ كلهم لدينا) أي: عندنا (محضرون) فصدق الله عز وجل وعده، {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] مثل لمح البصر.
ثم قال عز وجل: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:51] نقف على هذه الآيات الكريمة ونسأل الله تعالى أن يجعل القرآن لنا ولكم شافعاً عنده يوم القيامة، وأن يكون قائدنا إلى جناته إنه على كل شيءٍ قدير.
الله الله أيها الإخوة! بالقرآن العظيم، لتَفَهُّم معناه والعمل به، فإنه الشفاء لما في الصدور، والموعظة للمؤمنين، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57] .(186/10)
الأسئلة(186/11)
حكم تحية المسجد بعد الأذان الثاني من الفجر
السؤال
فضيلة الشيخ! جزاك الله خيراً في صلاة الصبح بعد الأذان الثاني، هل يجوز للشخص أن يصلي تحية المسجد أم يصلي الرغيبة فقط؟
الجواب
إذا دخل المسجد بعد أذان الفجر وأراد أن يصلي، إن كان في الوقت متسع فإنه يصلي تحية المسجد أولاً، ثم الراتبة، وإن كان ليس في الوقت متسع فإنه يصلي الراتبة وتغني عن تحية المسجد، هذا هو القول الراجح، بناءً على أن وقت النهي لا يكون إلا بعد صلاة الفجر، أما على قول بعض العلماء يقولون: إن النهي يدخل من حين طلوع الفجر فإنهم لا يسمحون لك بتحية المسجد، ويقولون: انوها راتبة؛ لأنهم لا يسمحون بالنفل بعد دخول وقت النهي ولو كان له سبب، لكن القول الراجح ما ذكرناه أولاً، وإن اقتصر على الراتبة مع سعة الوقت فلا بأس.
مداخلة: ما المراد بالرغيبة يا شيخ؟! الشيخ: يريد الرغيبة، يعني: الراتبة، هم يسمون الراتبة الرغيبة، وهذه لغة إفريقية الظاهر.(186/12)
حكم الحركة في الصلاة لمصلحة الصلاة
السؤال
إذا صلى شخصان جماعة ثم جاء شخص ثالث، فتقدم الإمام أو تأخر المأموم قبل أن يكبر للصلاة، فهل يؤثر هذا على صلاة الشخصين؟
الجواب
لا يؤثر أبداً إذا دخل الرجل ووجد اثنين يصليان جماعة وأراد أن يصلي معهم، فإنه يدخل معهم، فإن شاء قدم الإمام وصف إلى جنب المأموم وإن شاء أخر المأموم وبقي الإمام في مكانه سواءً قبل أن يكبر أو بعده، بل قبل أن يكبر أولى؛ ليتفادى الحركة في الصلاة التي ليس لها داعٍ.(186/13)
الأرحام الذين تجب صلتهم
السؤال
فضيلة الشيخ! صلة أرحام الإنسان هل هم الأعمام والأخوال فقط؟
الجواب
لا، الأرحام الذين تجب صلتهم من تجتمع بهم في الجد الرابع، هؤلاء هم الأرحام، حتى القرابة من جهة الأم تجب صلتهم كما تجب صلة الأم، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم من بر الوالدة أن تصل أقاربها.(186/14)
حكم بيع ما لم يُملك
السؤال
رجل يعمل في التجارة لكن عنده أشياء لا يقدر أن يؤمنها، مثلاً عنده مبالغ، ويأتي شخص يطلبها من منطقة ثانية وهو يأتي بها، ويحضر له المبلغ وصاحب المحل يأتي له بهذا الطلب، فما رأيكم في هذا؟ الشيخ: يعني: إنه يشتري بضاعة من بلد آخر.
السائل: من بلد آخر، ويحضرها له عن طريق هذا المحل، ولكن يقدم المبلغ ويأتي له بعد يوم أو يومين بهذا الطلب.
الشيخ: يعني: أتيت إلى رجل صاحب دكان، وقلت: أريد السلعة الفلانية، قال: ليست عندي، لكني أحضرها لك من بلدٍ آخر، وأعطاه الثمن مقدماً، فلا بأس على أن يكون صاحب الدكان وكيلاً له، يعني: يشتري له من البلد الآخر، وأما أن يشتريها من صاحب الدكان مباشرة وهي لم تصل إليه فلا يجوز.
لكن لنفرض أنك صاحب الدكان وأنا أحتاج السلعة الفلانية وليست عندك، بعتها عليَّ على إنك ستجلبها من البلد الآخر، فهذا لا يجوز؛ لأنك بعت ما لا تملك، ولا تدري ربما تبيعها عليَّ بمائة وتكون قيمتها في البلد الآخر قد ارتفعت وبلغت مائتين، أو تبيعها عليَّ بمائة بناءً على أنها بخمسين، ثم تقول: نزلت إلى ثلاثين، هذا لا يجوز، أما إذا قلت: أنت وكيلي اشتر لي من البلد الفلاني ولك أجرة المثل، فهذا لا بأس به، فتشتريها من هناك على أنها نصيبي، وإذا حضرت سلمتني إياها وأعطيتك عليها أجرة الوكالة.
السائل: يعني الأجرة لا آخذها إلا بعدما تحضر السلعة؟ الشيخ: نعم، وأيضاً لا تبع عليه، تقول: أنا -والله- ما عندي، لكن أخبرنا أناس أن في البلد الآخر هذه السلعة، فأقول لك: إذاً أنت وكيلي اشترها لي ولك أجرة المثل.
السائل: لكن إذا كنت وكيل شركة معتمدة، والسلعة نفسها التي تبيعها هذه الشركة -مثلاً- في المدينة أو في أي مكان أنا أبيعها بالسعر نفسه، لكن أنا أحضرها فقط؟
الجواب
لا بأس إذا كنت وكيلاً للشركة، فلا بأس أن تبيع باسم الشركة.
السائل: يا شيخ! المسألة السابقة ألا تكون من باب السلم؟ الجواب: لا، السلم لابد أن يكون مؤجلاً لأجلٍ معلوم له وقع في الثمن.(186/15)
حكم ميراث المال الذي اختلط بربا
السؤال
رجل ورث مالاً من أبيه، وهذا المال قد اختلط به الربا وغير الربا، يعني: والده كان يعمل في التجارة، فما حكم ميراث هذا المال؟
الجواب
لا بأس به، يرثه حلالاً له؛ لأننا لا نعلم أن أحداً من المسلمين قال: إنه يجب على الورثة أن يبحثوا كيف اكتسب مورثهم هذا المال، نعم إذا علمنا أن في هذا المال شيئاً مسروقاً، فهنا يجب علينا أن نرد المسروق إلى صاحبه إن علمناه أو نتصدق به تخلصاً منه، أما الكسب فالكسب إثمه على الكاسب لا على الوارث.(186/16)
حكم من أدرك جماعة يصلون المغرب وهو لم يصل العصر
السؤال
يا شيخ! إذا دخل شخص في جماعة وهم يصلون المغرب وهو لم يصل العصر هل يدخل معهم بنية العصر أو يصلي معهم المغرب ثم يصلي العصر؟
الجواب
لا.
يدخل معهم بنية العصر؛ لأن القول الراجح أن اختلاف النية بين الإمام والمأموم لا يؤثر، فهو يدخل بنية العصر وإذا سلم الإمام من المغرب يقوم فيأتي بالرابعة إن كان دخل مع الإمام في أول الصلاة.(186/17)
أجر التسبيح والتحميد والتكبير عقب الصلوات
السؤال
جزاك الله خيراً يا شيخ! من أنواع التسبيح المعروف بعد الصلاة، عشر سبحان الله، وعشر الحمد لله، وعشر الله أكبر، وورد في الحديث أنها مائة وخمسون بالعدد، وألف وخمسمائة بالثواب والأجر، فهل الخمس الصلوات محصورة في اليوم نفسه أم في الصلوات الخمس القادمة؟
الجواب
ظاهر الحديث إذا فعلها في اليوم كله: 30×5=150.(186/18)
كيفية صلاة من أدرك قوماً يصلون العشاء وهو لم يصل المغرب
السؤال
يا شيخ! لو دخل المأموم خلف إمام يصلي العشاء أو يصلي المغرب، ماذا يفعل؟
الجواب
إذا دخل مع الإمام الذي يصلي العشاء وهو يريد صلاة المغرب، إن دخل معه في الثانية سلم معه؛ لأنه صلى ثلاثاً، وإن دخل معه في الثالثة أتى بعده بركعة، وإن دخل معه في الأولى فإن الإمام إذا قام إلى الرابعة في صلاة العشاء يجلس وهو ناوٍ الانفراد فيتشهد ويسلم، ثم يدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، هذا هو القول الراجح، ومن العلماء من قال: يصلي المغرب أولاً ثم يدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، لكن القول الأول أحسن؛ لئلا ينفرد الإنسان عن الجماعة.
السائل: لو قدم وصلى العشاء؟ الجواب: لو قدم إن كان جاهلاً فلا شيء عليه، وإن كان عالماً فلا يجوز؛ لأنه إذا فعل هذا فقد أخل بالترتيب، وهنا لا حاجة للإخلال بالترتيب؛ لأنه يستطيع أن يصلي المغرب ويفعل كما ذكرت لك.(186/19)
تفسير (الفتح) في قوله تعالى: (من قبل الفتح وقاتل)
السؤال
يا شيخ! جزاك الله خيراً! الآية: {مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد:10] فتح مكة أم صلح الحديبية؟
الجواب
لا، المراد بذلك صلح الحديبية، كما جاء ذلك في الحديث، فإنه في الحقيقة فتح، أولاً: لأنه كان في مقدمة الفتح؛ لأن الفتح مبنيٌ على الصلح، وفتح مكة مبني على الصلح.
ثانياً: أنه سمي فتحاً؛ لأن الناس صار بعضهم يداخل بعضاً، وانقطع التقاطع الذي بين قريش وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، وإنما كان سبباً للفتح الأعظم؛ لأن سببه -يعني الفتح الأعظم- أن قريشاً نقضت العهد الذي بينها وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صلح الحديبية، حيث أعانت حلفاءها على حلفاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فنقضت العهد، فصار الفتح الأعظم.(186/20)
حكم التأخر عن الجماعة من أجل إنكار المنكر
السؤال
أنا أريد أن أنكر المنكر ودائماً أتأخر عن الجماعة هل عليَّ شيء؟
الجواب
إذا كنت ملزماً بهذا من قبل ولاة الأمر فليس عليك شيء.
السائل: مثل صلاة المغرب أحياناً أتأخر عشر دقائق أو ربع ساعة.
الشيخ: أجبتك أنا، إذا كنت من قبل ولي الأمر فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم انطلق برجالٍ معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الجماعة أو لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) فهنا ترك الجماعة التي أقامها هذا الرجل بأمره إلى المتخلفين، فإن كنت تعمل تبعاً لولي الأمر فلا بأس، أما إذا كنت ليس لك عمل وظيفي من ولي الأمر فلا تترك الصلاة من أجل أن تأمر الناس؛ لأنك إذا فعلت صار كالذي يحرق نفسه ليضيء للناس.(186/21)
وقت أذكار الصباح والمساء
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لأذكار الصباح والمساء متى يكون أول وقتها وآخره؟
الجواب
يسأل ويقول: متى تكون أذكار الصباح والمساء؟ فأسأله أنا: متى يكون المساء والصباح؟ السائل: بداية الصباح من طلوع الفجر.
الشيخ: إذاً من طلوع الفجر.
السائل: لكن المساء يا شيخ؟! الشيخ: والمساء من بعد صلاة العصر، لكن ما ورد في كونه في الليل فهو في الليل، فآية الكرسي من قرأها في ليل لابد أن تكون في الليل، والأمر في ذلك واسع والحمد لله.(186/22)
ما يبقى للزوج الأول من الطلقات بعد أن يتزوجها غيره.
السؤال
فضيلة الشيخ! رجلٌ طلق زوجته طلقتين وبعد الطلقة الثانية تزوجها رجلٌ آخر، فهل يهدم زواج الثاني الطلقتين السابقتين إذا راجعها الرجل الأول بعد الثاني؟
الجواب
طلق رجلٌ امرأته مرتين ثم تزوجت بآخر، ثم طلقها الآخر أو مات عنها ثم عادت للأول، فهل تستأنف العدد من جديد، أو تبني على ما مضى؟ فالجواب: أنها تبني على ما مضى، وليس للزوج الأول إلا طلقة واحدة في النكاح الجديد؛ وذلك لأن نكاح الزوج الثاني لم يؤثر شيئاً بخلاف ما إذا طلقها ثلاثاً، ثم تزوجت بآخر ودخل بها، ثم مات عنها أو طلقها فإنها تعود للأول على ثلاث طلقات يعني: من جديد؛ لأن نكاح الثاني أحلها للأول بعد أن كانت حراماً عليه، أما إذا كان قد طلقها مرتين فإن نكاح الثاني لم يحلها له؛ لأنها حلالٌ له سواء تزوجت أم لم تتزوج.(186/23)
الجهل الذي يعذر به صاحبه
السؤال
فضيلة الشيخ! الجاهل هل يعذر في الشرك الأكبر؟
الجواب
يعذر بكل شيء، لكن بشرط ألا يكون قد فرط في طلب الحق.
والشرط الثاني: ألا يعرف نفسه أنه مشرك، أي: أنه لا ينتسب إلى الإسلام، ولذلك المشركون الآن مشركون لا شك، لكن الذين لم يبلغهم عن الإسلام شيء أو كانوا مسلمين ولكنهم مشركون ولا يدرون فهؤلاء معذورون.
السائل: الشرط الثاني.
الشيخ: الشرط الثاني: ألا يعرف نفسه أنه مشرك، فإذا عرف نفسه أنه مشرك فهو غير معذور.(186/24)
حكم كتابة مادة القرآن في المدارس
السؤال
فضيلة الشيخ! نرى بعض المدرسين في الجامعة والمدارس يكتب في حصة القرآن مادة القرآن في السبورة وفي الجدول، ما حكم هذا؟
الجواب
لا بأس به، يعني: كمادة القرآن، مادة الفقه، ليس فيها شيء، والمعني بالمادة هنا الحصة.(186/25)
حكم تسمية سنة الفجر بالرغيبة
السؤال
فضيلة الشيخ! أحياناً نتوهم في معرفة بعض المصطلحات ككلمة الرغيبة التي سأل عنها الأخ، اصطلح عليها عندنا حسب المسمى الصحيح وهو سنة الفجر، فهل نتركها نمشي على هذا المصطلح، أو نأخذ بالكلمة الصحيحة وهي سنة الفجر؟
الجواب
هو على كل حال إذا خاطبك الإنسان بلغته أجب عليه بلغته، لكن الأفضل أن تبقى الألفاظ الشرعية على ما كانت عليه، فيقال: سنة الفجر، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم العشاء فإنهم يدعونها العتمة) لأن الأعراب يعتمون بالإبل، وهي في كتاب الله العشاء، فنهى الرسول عليه الصلاة والسلام أن يغلبنا الأعراب على لغتنا مع أنهم عرب، لكن مع الأسف الآن أن المسلمين غلبتهم البربر والعجم على لغتهم، فصاروا الآن يتعاملون باللغة الإنجليزية عندنا، حتى بلغني أن بعض الناس من جهلهم في مجالسهم العادية يتكلمون باللغة الإنجليزية وهم عرب، وهذا يدل على الضعف الشخصي إلى أبعد الحدود، وعلى عدم الفقه في دين الله، وكان عمر رضي الله عنه من حرصه على اللغة العربية التي هي لغة القرآن والحديث يضرب من يتكلم بالفارسية أو بالأعجمية.
المهم أن الرغيبة إن شاء الله من اليوم السائل يسميها سنة الفجر.(186/26)
حكم من سافر لإقامة الجمعة
السؤال
هل يجوز -يا شيخ- للمقيم أن يسافر ويقيم الجمعة في بلد آخر؟
الجواب
هل يجوز أن يذهب إلى بلدٍ لإقامة الجمعة فيه؟ إن كان قصده تعظيم المكان فهو حرام؛ لأنه لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، أما إذا كان قصده الانتفاع بخطبة الخطيب؛ لأنها خطبة مفيدة فلا بأس، وهذا سافر للعلم، ولم يسافر للمسجد، ولهذا لو انتقل الخطيب إلى بلدٍ آخر تبعه.
السائل: لكنه يسافر فيكون هو الخطيب نفسه؟ الشيخ: ليس هناك بأس، هذا سفر لطلب العلم.(186/27)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أن تلد الأمة ربتها)
السؤال
فضيلة الشيخ! ما تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أن تلد الأَمَة ربتها.
) في الحديث الطويل؟
الجواب
المعنى: أن الأَمَة التي لا تملك شيئاً تلد امرأة تكون لها بمنزلة الرب، يعني: أن هذه البنت -بنت الأَمَة- تكون غنية حتى تكون بمنزلة ربة هذه في الغنى، فهو مناسبٌ تماماً لقوله: (وترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان) .(186/28)
حكم تحديد مكان اللوح المحفوظ
السؤال
قال صاحب تفسير الجلالين عند قول الله تعالى: {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:22] قال: هو في الهواء فوق السماء السابعة، هل يصح التحديد أو لا يصح؟
الجواب
لا.
مسألة هو في الهواء لا يجوز، ولا ندري هو في الهواء أو مستقرٍ على السماء، ثم إنا ننصح إخواننا شبابنا الطلبة ألا يتعمقوا في مسائل أمور الغيب؛ لأن أمور الغيب ليس لنا إلا ما علمنا، والباقي يجب السكوت عنه، هذه طريقة السلف.(186/29)
معنى حديث: (لا يبولن أحدكم في مستحمه)
السؤال
فضيلة الشيخ! ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه أو يغتسل منه، فإن عامة الوسواس منه) ؟
الجواب
المعنى: أن الإنسان لا يبول في المكان الذي يغتسل فيه أو يستحم؛ لأنه يتولد منه الوسواس، فيقول مثلاً: قد يكون أصاب ثوبي أو بدني، أو هل هو كذا، فيعطي له الوسواس؛ لأنه لن يتيقن أن النجاسة أصابته برشاش.
السائل: يقصد الحمام الذي يريد الغسل فيه؟ الشيخ: أما حماماتنا الآن فليس فيها إشكال؛ لأن حماماتنا الآن يبول الإنسان في الحوض، وهو محصور، وإذا استنجى طهر الحوض كما يطهر محل النجاسة من أعضائه.(186/30)
ما يجب على طالب العلم اتباعه إذا وجد في الحكم على الحديث اختلافاً
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة للطالب الذي لا يستطيع أن يجيد الحكم على الحديث من الصحة أو الضعف، ووجد أن المتقدمين قد اختلفوا في الحديث، ما الذي يتبع؟
الجواب
أولاً إذا كان يعرف أيهم أتقن وأعلم يتبعه تقليداً للضرورة.
ثانياً: يجب أن تعلم أن الحديث النبوي عليه نور، وله طلاوة وحلاوة، ربما أن الإنسان يحكم عليه وإن لم يعرف رواته، فإذا جاء اللفظ ركيكاً بعيد المعنى، فإنه يغلب على الظن أنه ليس من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن كان الراوي قد يكون غيَّره ورواه بالمعنى، لكن هذه من العلامات.
كذلك من العلامات: أن يكون الحديث مخالفاً لما علم من قواعد الشريعة العامة، فأنت إذا رأيت أحدهم يحكم بأنه ضعيف وأنت ترجح ذلك لركاكة لفظه أو معناه أو مخالفته لقواعد الشريعة فاتبعه.(186/31)
كيفية الجمع بين قوله تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة.
) وبين قول الرسول: (البكر بالبكر جلد مائة ونفي عام)
السؤال
كيف نجمع بين أن حد الزانية البكر جلد مائة وتغريب عام وبين قول الله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء:15] ؟
الجواب
نجمع بينهما بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (خذوا عني خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلاً) فبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الله جعل لهن سبيلاً في قوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:2] فتكون هذه الآية ناسخة لآية النساء، وإن شئت فقل: مبينة؛ لأن آية النساء ليس فيها جزم أن هذه هي العقوبة؛ لأن الله قال: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء:15] فجعل الله لهن سبيلاً.(186/32)
كيفية دفع الوسواس في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! أحسن الله إليك! كيف يدافع الإنسان الوسوسة عنه في الصلاة؟ الشيخ: يعني الهواجيس، أو الوسوسة هل كبر أو ما كبر؟ السائل: لا.
بل أن تذكر حاجة في الصلاة.
الشيخ: يتفل عن يساره ثلاث مرات ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.(186/33)
مدى صحة وجود جثة فرعون الآن
السؤال
فرعون الذي أغرقه الله يقولون: إنه الآن موجود في الآثار، وإنهم الآن يزورونه -أي: بمبلغ كذا- في الآثار، ومكتوب تحت تمثاله أظن اسمه رمسيس الثاني، ويقولون: إن هذا هو الذي أغرقه الله في اليم وأن الله جعله عبرة لمن بعده ويستدلون بالآية وهي: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] ؟
الجواب
الذين خلفه هم بنو إسرائيل؛ لأن فرعون أرعب بني إسرائيل، وأقض مضاجعهم، وأرعب قلوبهم، ولو لم يروا بدنه هالكاً لكان قدَّر لهم كل تقدير، لقالوا: ربما أنه نجا، فإذا رأوه بأعينهم عين اليقين تأكدوا ذلك، أتظن أن فرعون يبقى ببدنه وبنو إسرائيل يرثون أرضه ويجعلونه متحفاً؟ أنا لا أقول لك: الناس أسألك عقلياً، هل يمكن هذا؟ لو أنهم تمكنوا من بدنه لقطعوه إرباً إربا، وهذا كله كذب، لكن مع الأسف الآن الدول الإسلامية صارت تحتفل أو تفخر بفرعون، على زعمهم أنه فرعون موسى عليه الصلاة والسلام يفخرون به، وما نظير ذلك من بعض الوجوه إلا فخر النصارى بالصليب الذي صلب عليه عيسى عليه الصلاة والسلام بعد أن قتل، وكان على النصارى لو كانوا يعقلون أنهم إذا رأوا الصليب كسروه، لكن الجهل.
المهم أن تعتقد أن هذا الرجل ليس فرعون موسى، لكنه فرعون من الفراعنة أو تمثال مصنوع باليد، نسأل الله أن يجيرنا من فرعون وقومه وطريقه، وأن يهدي أصحابنا لما فيه الخير والصلاح.(186/34)
حكم قول: (يسير عليك الرحمن) و (يزورك الرحمن)
السؤال
هذا يقول: ما حكم قول: (يسير عليك الرحمن) و (يزورك الرحمن) ؟
الجواب
حرام، هذا لا يجوز ولا يعقل، الرحمن يؤتى إليه عز وجل، ويأتي لمن يأتي إليه، (من أتاني يمشي أتيته هرولة) هكذا جاء في الحديث الصحيح، أما يزورك الرحمن فمن أنت؟ هل أنت الرحمن الذي تزور؟! -هو يعني نفسه- لا يجوز هذا، ويجب أن ينهى عنه.
والحمد لله رب العالمين، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.(186/35)
لقاء الباب المفتوح [187]
لقد بين الله عز وجل لعباده المؤمنين كيف أنه أهلك الأولين من الأمم السابقة، لأجل الذكرى والعبرة والعظة، ثم حذرهم من أن يفعلوا شيئاً يبغضه الله سبحانه، فبين لهم أن كل شيءٍ فعلوه مكتوب في اللوح المحفوظ، ومع ذلك بيَّن منزلة المتقين عند ربهم لأجل أن يتسارع المتسارعون إلى جنة ربهم.(187/1)
تفسير آيات من سورة القمر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والثمانون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الرابع من شهر جمادى الآخرة عام (1419هـ) نبتدئ هذا اللقاء بما كنا نبتدئ به عادةً في تفسير كلام الله عز وجل الذي هو أشرف الكلام، وأحسن الكلام، وأصدق الكلام.(187/2)
تفسير قوله تعالى: (ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر)
يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:51] الخطاب لكفار قريش، وقوله: (أَشْيَاعَكُمْ) يعني: أشباهكم من الكفار السابقين، وقد قص الله تعالى في هذه السورة من نبئهم ما فيه عبرةٌ وعظة، قص علينا ما حصل لقوم نوح، وما حصل لعاد ولثمود وللوط، ولآل فرعون، وفي هذا مدكر لمن أراد الادكار، ولهذا قال: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) يعني: هل من متعظ ومعتبر بما جرى على السابقين أن يجري على اللاحقين؟!! لأن الله سبحانه وتعالى ليس بينه وبين عباده محاباة أو نسب، بل أكرمهم عند الله أتقاهم له، من أي جنسٍ كان، وفي أي مكانٍ كان، وفي أي زمانٍ كان، كما قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] .(187/3)
تفسير قوله تعالى: (وكل شيء فعلوه في الزبر)
ثم قال عز وجل: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} [القمر:52] (كل) مبتدأ و (في الزبر) خبره، وليس هذا من باب الاشتغال، بل هو خبرٌ محض، يعني: أن (كل) لا يمكن أن تكون مفعولاً لـ (فعلوه) ، بل هي مبتدأ على كل حال، وفي الزبر خبر، كل شيءٍ فعلوه أي: فعلته الأمم السابقة، أو الأمم اللاحقة فإنه مكتوب (في الزبر) أي: في الكتب، وكتابة الأعمال كتابةٌ سابقة وكتابةٌ لاحقة، الكتابة السابقة كتابة على أن هذا سيفعل كذا، وهذه الكتابة لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب؛ لأن المرء لم يكلف بها بعد، كتابةٌ لاحقة هي كتابة أنه فعل، فإذا فعل الإنسان حسنة كتبها الله، إذا فعل سيئة كتبها الله، وهذه الكتابة اللاحقة هي التي يترتب عليها الثواب والعقاب.
وبما قررناه يزول الإشكال عند بعض الناس في قول الله تبارك وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد:31] فإن بعض الناس قد تشكل عليه هذه الآية، كيف يقول عز وجل: (حتى نعلم) وهو قد علم، يعني: العلم الذي يترتب عليه الثواب، وأما علم الله السابق، فإنه لا يترتب عليه الثواب ولا العقاب.
إذاً كل شيءٍ فعلوه في الزبر أي: كل شيءٍ فعلوه مكتوب، الكتابة السابقة: كتابة أنه سيفعل كذا، والكتابة اللاحقة كتابة أنه فعل، طيب ما هي الكتابة التي يترتب عليها العقوبة أو الثواب السابقة أو اللاحقة؟ اللاحقة، أما الكتابة السابقة فإن الله سبحانه وتعالى كتب في اللوح المحفوظ كل شيء، كما جاء في الحديث الصحيح: (إن الله لما خلق القلم قال له: اكتب، قال: ربِّ وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة: (فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه) نؤمن بهذا، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج:70] وقال عز وجل: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105] الكتابة اللاحقة: هي أن الله سبحانه وتعالى إذا عمل الإنسان عملاً كتب هذا، قال الله تعالى: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ} [الانفطار:9-11] وهذه كتابة هي التي يترتب عليها الثواب والعقاب.
{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} معنى الآية: أن كل شيءٍ يفعله الإنسان فإنه مكتوب، فلا تظن أنه يضيع عليك شيء أبداً، كما قال عز وجل: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً} [الكهف:49] سبحان الله! بعد مئات السنين التي لا يعلمها إلا الله يجدونه حاضراً: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} .(187/4)
تفسير قوله تعالى: (وكل صغير وكبير مستطر)
قال تعالى: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [القمر:53] كل صغير مما يحدث في هذا الكون من المخلوقات وأوصافها وأعمالها مستطر أي: مسطر في الكتاب العزيز، اللوح المحفوظ، كل صغيرٍ وكبير، حتى الشوكة يشاكها الإنسان تكتب، حتى ما يزن مثقال ذرة من الأعمال يكتب، كل صغيرٍ وكبير إذا آمنت -يا أخي- بذلك، ويجب عليك أن تؤمن به، فإنه يجب عليك الحذر من المخالفة، إياك أن تخالف بقولك أو فعلك أو تركك، إياك أن تخالف؛ لأن كل شيءٍ مكتوب، قال الله عز وجل: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] وما يفعل من فعل كذلك؛ لأنه إذا كانت الأقوال تكتب وهي أكثر بآلاف المرات من الأفعال، فما تنطق به من حرف لا يسعها، كم تفعل من فعل؟ أقل، لا يحصر لكن قليل بالنسبة للقول، فإذا كانت الأقوال تكتب فالأفعال من باب أولى.
عليك أن تتق الله عز وجل اتق ربك لا تخالف الله، إذا سمعت الله يقول شيئاً خبراً، فقل: آمنت به وصدقت.
وإذا سمعت الله يقول شيئاً أمراً، فقل: آمنت به وسمعاً وطاعة.
أو نهياً؛ فقل: آمنت به وسمعاً وطاعة.
فاترك المنهي عنه، وافعل المأمور به، وهذه نصيحة.
(كل صغيرٍ وكبيرٍ مستطر) الحركات مكتوبة، حروف الأقوال مكتوبة، كل شيءٍ مكتوب.(187/5)
تفسير قوله تعالى: (إن المتقين في جنات ونهر)
قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر:54] هذه مقابل قوله: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [القمر:47-48] ، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر:54] الجنات: جمع جنة، وقد ذكر الله تعالى أصنافها في سورة الرحمن أربعة: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] ثم قال: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن:62] فهي -إذاً- أربع التي ذكرها الله في سورة الرحمن، إذاً (في جنات) يعني في هذه الجنات الأربع هذه الأصناف، لكن أنواعها كثيرة، والجنات نفسرها بأنها شرعاً هي دور المتقين: (فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) فسر الجنات التي في الآخرة بهذا التفسير، هي التي أعد الله للمتقين: (فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) لكن عندما تقرأ قول الله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} [القلم:17] كيف تفسر الجنة، بأنها البستان الكثير الأشجار، عندما تقرأ: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} [الكهف:33] ؟ تفسر بأنها بستان كثير الأشجار، لكن لا تفسر جنة النعيم في الآخرة بهذا التفسير، إنك إن فسرتها بهذا التفسير قَلَّت الرغبة فيها، وهبطت عظمتها بقلوب الناس، لكن قل: هي الدار التي أعدها الله لأوليائه (فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) سكانها خير البشر، النبيون والصديقون، والشهداء، والصالحون، حتى تحفز النفوس على العمل لها، وحتى لا يتصور الجاهل أن ما فيها كأمثال ما في الدنيا، وقوله: (ونهر) يعني: بذلك الأنهار، وذكر الله تعالى أصنافها أربعة في سورة القتال: {مَثلُ الجَنَّةِ الَّتي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] هذه أربعة أصناف: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} أي: وصفها (فيها أنهار) هذا بيان للوصف: (فيها أنهار من ماء غير آسن) يعني: لا يتغير أبداً، لا بتكدر، ولا بطعم، ولا بلون، ولا بريح (وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغير طعمه) اللبن في الدنيا إذا تأخر تغير طعمه وفسد وانتقل إلى حموضةٍ لا يطاق (وأنهار من خمرٍ لذةٍ للشاربين) وليس لذته كلذة خمر الدنيا، وليس فيه شيء من عيوب خمر الدنيا: {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} [الواقعة:19] (وأنهار من عسل مصفى) -اللهم اجعلنا ممن يشربون منها- أنهارٌ من عسل مصفى ليس فيه شمع النحل، ولا أذاه، مصفى من كل كدر.(187/6)
تفسير قوله تعالى: (في مقعد صدق عند مليك مقتدر)
هذا تفسيرٌ لقوله تعالى: {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر:54] يأتيك هذا المكان {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} [القمر:55] أي: في مقعد ليس فيه كذب، لا في الخبر عنه، ولا في وصفه، كله حق، وعند من؟ {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55] وهو الله جل وعلا -اللهم اجعلنا منهم- يتنعمون بلذة النظر إلى الله عز وجل، وهو أنعم ما يكون لأهل الجنة، قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] (الحسنى) الجنة، و (الزيادة) النظر إلى وجه الله، وقال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:22] يعني: حسنة بهية: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23] يكسوها الله تعالى نظراً -أي: حسناً وجمالاً وبهاءً- لتكون مستعدة للنظر إلى الله عز وجل، ثم ينظرون إلى الله فيزدادون حسناًَ إلى حسنهم، ولهذا إذا رجعوا إلى أهليهم قال لهم أهلوهم: إنكم ازددتم بعدنا حسناً.
بالنظر إلى وجه الله تبارك وتعالى.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العليا أن تجعلنا من هؤلاء بمنك وكرمك، إنك على كل شيءٍ قدير.(187/7)
الأسئلة(187/8)
لزوم متابعة الإمام في قراءة التشهد كله للمسبوق
السؤال
فضيلة الشيخ: السؤال يقول: مأمومٌ دخل في صلاة المغرب أو في إحدى الصلوات الرباعية في الركعة الأخيرة مع الإمام، فعندما يجلس الإمام للتشهد الأخير ماذا يفعل هذا المسبوق في صلاته، هل يقرأ التشهد الأول أم التشهد الأخير؟
الجواب
إذا أدرك الإنسان الإمام وجلس معه في التشهد الأخير وهو قد سبق بركعة أو ركعتين فإنه يقرأ التشهد كله، ولا يقتصر على التشهد الأول، وإن اقتصر على التشهد الأول وكرره فيما إذا كان التشهد الأخير للإمام هو التشهد الأول له فلا بأس، لكن تكميله لا يضر، وهو أبلغ في متابعة الإمام.
السائل: إذا تورك في التشهد الأخير، فعلى هذا المسبوق أن يتورك في التشهد الأخير.
الجواب: أما التورك لا يتورك، هو يسأل عن التشهد، لكن لا بأس زيادة فضل، التورك لا يتورك؛ لأنه ليس تشهده الأخير.(187/9)
سعة الأمر في رد التثاؤب أو التسوك بأي اليدين شاء
السؤال
فضيلة الشيخ: هل الأفضل أن يكون في رد التثاؤب أو التسوك باليد اليمنى أو اليسرى؟
الجواب
الأمر في هذا واسع، إن شاء وضع اليد اليمنى عند التثاؤب وإن شاء وضع اليسرى، لكن اليسرى أولى، أما بالتسوك فاختلف فيه العلماء، قال بعض العلماء: باليمين؛ لأن التسوك سنة، فكان حقه أن يكره، وقال بعضهم: باليسار؛ لأن التسوك إزالة أذى، واليسرى أحق بإزالة الأذى من اليمنى، ولهذا يكون الاستنثار بأيش؟ باليسرى، ويكون الاستنجاء باليسرى، والاستجمار باليسرى، التسوك باليسرى؛ لأنه إزالة أذى، وفصَّل بعض العلماء فقال: إن كان التسوك تسنناً فهو باليمنى، وإن كان التسوك تطهيراً فهو باليسرى، ولا شك أن التسوك تطهيراً، ولا شك أن التسوك عبادة كما جاء في الحديث الصحيح: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب) .
وبناءً على ذلك أقول: إن الأمر في هذا واسع، إن شاء تسوك باليمين، وإن شاء تسوك باليسار، ومثل ذلك التختم -لبس الخاتم- إن شاء باليمين وإن شاء باليسار، ومثل ذلك لبس الساعة إن شاء باليمين، وإن شاء باليسار.(187/10)
جواز الأكل مع الكافر إذا كان لمصلحة
السؤال
هل للمسلم أن يأكل مع الكافر في صحنٍ واحد، أم لا؟
الجواب
لا بأس أن يأكل مع الكافر في إناءٍ واحد، لكن ينبغي في هذه الحال أن ينتهز الفرصة أولاً بفعل الآداب الإسلامية في الأكل، فيأكل باليمين، ويقول: بسم الله، ولا يأكل بشرهٍ، ويقتصر على ما هو الأولى وهو ثلثٌ للطعام، وثلثٌ للشراب، وثلثٌ للنفس، حتى يعرف هذا الكافر أن دين الإسلام عامٌ في كل شيء، ولا شك أن الأكلة الإسلامية بمجرد ما يتأملها العاقل يعرف أنها الأكلة المطابقة تماماً لمصلحة البدن، كما أنها مصحوبة بعبادة، بالأكل باليمين، بالتسمية، بالحمد، فينتهز الفرصة ويقول للكافر: يا فلان! انظر إلى الإسلام، انظر إلى آداب الإسلام ويدعوه، أما إذا كان لا فائدة من الأكل معه، وليس ملجأً للأكل معه فلا يأكل معه؛ لئلا يقع في قلبه شيء من مودته، ومودة الكافر لها ما لها من المحذور.(187/11)
حكم تسليم السائق والخادمة إلى السلطة إذا ثبتت عليهما الفاحشة
السؤال
فضيلة الشيخ: يستقدم بعض الناس سائقين وخادمات ويجعلهما في بيته، ويحصل أن يتسلل أحدهما إلى الآخر ويحصل مفسدة منهم، ثم يكتشف هذا الفعل صاحب البيت فيقوم بتزفيرهما ويقول: لا أحب المشاكل والستر واجب، وبعضهم يقول: لا، يجب أن أسلمهما إلى السلطة ليأخذا جزاءهما، وحتى لا أعطل أحكام الله فيهم.
فما الذي ترونه أثابكم الله؟
الجواب
أولاً نقول لهذا الرجل: أخطأت خطأً عظيماً، وإثم هذه المعصية عليك منه نصيب؛ لأنك أنت السبب، ولا يحل له هذا بأي حال من الأحوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلو رجلٌ بامرأة إلا مع ذي بمحرم، فكيف بالذي ينام معه؟!! الثانية: إذا وقع المحذور فالذي أرى أن نبلغ به؛ لأن في هذا مصلحة وهي أن يحذر الناس من جلب الخدم، وأن يحذروا من أن يجعلوا الذكر والأنثى خاليين، ولو كانت المسألة بالنسبة للخدم لقلنا: الستر أحسن، لكن هذه في مصلحة عامة حتى يحذر الناس من جلب الخدم الذي أصبح موضةً من الموضات، ومفاخرة من المفاخرات، حتى إن الإنسان يجلب الخادم بلا حاجة، أو السائق بلا حاجة، حتى أنه قيل لي: إن بعض الناس خدمهم أكثر من أفرادهم.
تجد البيت ليس فيه إلا رجل وامرأته وعنده أربعة من الخدم، لماذا؟ فلعل الناس يقللون من جلب الخدم.
السائل: هل يجب تسليمهم إلى السلطة؟ الجواب: مسألة الوجوب شيء آخر؛ لأن الوجوب معناه الإثم بالترك،.
نقول: يخبر به السلطة للمصلحة التي ذكرت.
السائل: بعضهم يقول: أخشى أن يكون إذا سترت عليهم أن أكون عطلت أحكام الله فيهم؟ الشيخ: انظر بارك الله فيك، أخبرتك، أحكام الله ما هي معطلة ولا زائدة ولا ناقصة؛ لأنه يستطيع أن يقول: ما هو منه الرجل، وإذا لمست عليه شيئاً ما صار عليه شيء، لكن نحن نريد أن نلاحظ المصالح العامة، المصالح العامة مقدمة على المصالح الخاصة.(187/12)
حكم السفر إلى الدول الكافرة للدراسة
السؤال
عرضت علي دورة -يا شيخ- في مجال العمل إلى أمريكا فهل يجب على الإنسان أن يذهب لهذه الدراسة إلى هناك من أجل المصلحة في مجال عمله؟
الجواب
والله! ما أدري إذا كان الرجل الذي وقعت عليه القرعة أن يذهب إلى أمريكا أو غيرها من بلاد الكفر إذا كان هذا الرجل داعية عنده علم، وعنده قدرة في الإقناع، وعنده عزمٌ على الدعوة إلى الله، فذهابه حسن لا شك؛ لأن الدول الكافرة الآن في خناق، تريد أحداً ينفس لها من الوضع الذي هي عليه من الناحية الدينية، وبعضها حتى من الناحية الدنيوية اقتصادياً وعملياً؛ فهذا طيب، أما إنسان من عامة الناس فلا أرى أن يذهب: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:2-3] ؛ لأن الذي بلغنا أن الذين يذهبون إلى هناك كثيرٌ منهم يرجع بلا خلق ولا دين -والعياذ بالله- ليس كلهم لكن كثيرٌ منهم، وفيهم -والحمد لله- من هو طيب، أرضٌ خصبة، ونباتٌ طيب، ونفع الناس، وانتفع بنفسه.(187/13)
نصيحة لامرأة تريد الزواج برجل لا ينجب
السؤال
هناك امرأة مطلقة فتقدم لها رجلٌ صالح، ولكن الرجل هذا أثبتت التقارير الطبية أنه قد لا ينجب، فما تدري، تطلب استشارتك في هذا الأمر؟
الجواب
هذه إن كانت ترجو النكاح بأن تكون امرأة عليها طلب فالأولى أن تختار من هو فحل ينجب، أما إذا كان الطلب عليها قليلاً فإن هذا الرجل الذي يرضى دينه وخلقه يكون خيراً لها، فالمسألة ترجع إلى حال المرأة.(187/14)
كل من ارتكب محرماً في العبادة نسياناً أو جهلاً فلا شيء عليه
السؤال
امرأة تطيبت وتكحلت بعد أن أحرمت ناسية، فما الحكم في ذلك؟
الجواب
ليس عليها شيء، لكن الطيب تزيله متى ذكرت، أما الكحل فلا يضر، الطيب لأنه محرم في الإحرام، الكحل ليس محرماً في الإحرام، ثم إني أقول لكم يا معشر الإخوة: جميع المحرمات في العبادات إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه، في كل العبادات، سواءً في الصلاة أو في الصيام أو في الحج، فلو قدر أن الإنسان في الحج جامع زوجته ليلة مزدلفة بناءً على أنه لما وقف بـ عرفة انتهى الحج متوهماً معنىً فاسداً في الحديث الصحيح: (الحج عرفة) هذا وقف في عرفة وانتهى الحج، وجامع زوجته ليلة مزدلفة، فلا شيء عليه، لا فدية، ولا فساد حج، ولا قضاء حج؛ لأنه جاهل، وهكذا نقول في جميع المحظورات، لو قتل صيداً وهو جاهل أو ناسٍ فلا شيء عليه، في الصلاة لو أنه تكلم يظن أن الكلام لا بأس به، كأن نادته أمه وهو يصلي، فظن أن جواب الأم واجب ولو في الفريضة، فتكلم وهو لا يعتقد أنه مبطل للصلاة فصلاته صحيحة، وفي الصيام لو أكل يظن أن الشمس قد غربت ثم تبين أنها لم تغرب فصيامه صحيح، المهم خذوا هذه القاعدة: كل من فعل شيئاً محرماً في العبادة ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فليس عليه شيء، لا إثم ولا قضاء ولا كفارة، لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله تعالى: قد فعلت.
ولقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:5] ، ولقوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] .(187/15)
ذم السؤال فيما سكت عنه الصحابة من أسماء الله وصفاته
السؤال
بالنسبة لكلمة (النور) هل هي من صفات الله سبحانه وتعالى؟
الجواب
قال الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور:35] فقل ما قال الله عن نفسه، ولا تتجاوز ذلك، ولك سلفٌ خيرٌ منك، وللمسئول سلفٌ خيرٌ منه، السلف الذين هم خيرٌ منك الصحابة رضي الله عنهم، والمسئول الذي هو خير من المسئول هنا في وقتنا الرسول الله عليه الصلاة والسلام، هل لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله! هل النور من أسمائه الله أو صفاته؟ لم يسألوا، هل يسعنا ما وسعهم، أو يجوز أن نتعداهم؟ لا يجوز أن نتعداهم.
يسعنا ما وسعهم، ولذلك أنا أنصح الإخوان الموجودين الآن من طلبة العلم وغير طلبة العلم أن يكفوا عن السؤال فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته عما كف عنه الصحابة رضي الله عنهم، فوالله! إنهم لخيرٌ منا، وإن الذي يتوجه السؤال إليه في وقتهم خيرٌ منا، فعلينا أن نقف، لماذا هذا التكلف؟ نقول كما قال الله عنه نفسه: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور:35] إنك إذا سلكت هذه القاعدة، ونهجت هذا المنهج سلمت، وسلمت عقيدتك من شكوكٍ وأوهام، وسلمت من اتباع الهوى أو القول على الله بلا علم، فنصيحتي لكم ولمن يستمع إلى كلامي: أن يتقي الله في نفسه، وأن يتجنب كلما تجنبه الصحابة الكرام رضي الله عنهم في الكف عن السؤال فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، والصحابة رضي الله عنهم قد وفوا بالمقصود، والله عز وجل قد أكمل لنا الدين، ولو كان شيءٌ يحتاج إلى سؤالٍ وتوضيح لوفق الله تعالى من الصحابة من يسأل عنه، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم أهل المدينة يستحيون أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيءٍ من الأشياء حتى يتمنوا أن يأتي رجلٌ من الأعراب يسأل عنه، فيقيض الله تعالى من يسأل عن الشيء فيجيب عنه الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى سأله رجل: أين كان الله قبل خلق السماوات والأرض؟ -إلى هذا الحد- فأجابه النبي عليه الصلاة والسلام، لو كان شيءٌ مما يتعلق بالدين يحتاج الناس إليه لقيض الله تعالى من يسأل عنه، فكف عما كف عنه الصحابة، اترك هذا التقييد، يجيء واحد متحذلق متعمق متكلف يقول: كم أصابع الله مثلاً؟ سبحان الله! أنت مكلف بهذا؟ عليك أن تؤمن بما جاء في الكتاب والسنة من صفات الله واسكت، قال الإمام أحمد: لا نتجاوز القرآن والحديث، ونصف الله بما وصف به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا نتجاوز القرآن والحديث.(187/16)
كيفية التعامل مع أهل البدع كالشيعة
السؤال
أنا آتٍ من المنطقة الشرقية من الدمام، وأعمل في الدفاع المدني في الدمام، العاملين معي تقريباً (90%) من الرافضة، يخالفونا في الأكل والشرب، وفي العمل، وفي المسكن، وفي المشرب، يصلون معنا في المساجد، ما أدري ما حكم اختلاطنا معهم يا شيخ! وأكلنا معهم، ومشاركتهم في الأعمال الداخلية بالنسبة للعمل؟ الشيخ: هؤلاء الرافضة يقولون: إنهم مسلمون، أليس كذلك؟ السائل: نعم.
الشيخ: وأنت مسلم، أليس كذلك؟ يجب عليك أن تدعوهم إلى الإسلام الذي ترى أنه الحق، لكن بدون أن تعنفهم على ما هم عليه مما يخالف الإسلام، ادعهم إلى الإسلام، قل: هذا كتاب الله، لم ينقص منه حرف، ولم يزداد فيه حرف، هؤلاء أصحاب رسول الله، هؤلاء الخلفاء الراشدون، وهلم جرا، والإنسان إذا دعا إلى الله بصدق، وبيَّن الحق فإنه سيثمر، وسيكون لدعوته فائدة، أما أن يأتي إلى شخص فيهاجم ما هو عليه من البدع أو ما هو عليه من الكفر، وهو يدعي أن هذه غيرة وأنه داع إلى الله فلن ينتج شيئاً إلا زيادة العداوة والبغضاء، ولا أحد أحكم من الله كما قال عز وجل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] وقد قال لنا: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] فالواجب عليكم أن تدعوهم إلى الإسلام الصحيح بدون أن تتعرضوا لما هم عليه من العقيدة الباطلة حتى يألفوا ويقبلوا: (ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) .
السائل: يا شيخ! حفظك الله يصلون معنا في المساجد؟ الشيخ: الحمد لله هذا هو المطلوب إذا صلوا معنا في المساجد فليتخذ إمام المسجد كتاباً يحتوي على معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
السائل: عفواً -يا شيخ- يصلون على قراطيس، وعلى أوراق، وعلى تربة مصنعة.
الشيخ: ما علينا منهم، هذه مسائل فرعية، إذا لم يصحبها اعتقاد شرك، فهذه مسائل فرعية، يوجد الآن من الناس مثلاً من لا يرفع يديه عند الركوع، ولا عند الرفع منه، ولا عند القيام من التشهد الأول، ويوجد من الناس من يرفع يديه في كل خفض ورفع، وكلٌ يدعي أنه على حق، فالمسائل الفرعية أمرها سهل، المقصود أن تجمع القلوب على الحق، وأن يسلك أقرب طريقٍ يوصل إلى ذلك، هل كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا دعا الناس إلى الدين الإسلامي يهاجمهم أولاً فيما هم عليه من الباطل؟ يدعوهم إلى الإسلام أولاً، فالحقيقة أنا لا أنكر بل أحبذ أن يكون عند الإنسان غيرة تحمله على بغض كل ما سوى الحق، لكن أريد أن يكون عنده حكمة في الدعوة إلى الحق.(187/17)
معنى حديث: (لا تدعوا على أموالكم ولا على أولادكم لعلها تصادف ساعة إجابة)
السؤال
فضيلة الشيخ حفظك الله: نحن أيضاً من أهل الشرقية، أريد أن أسأل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (لا تدعوا على أموالكم ولا على أولادكم لعلها تصادف ساعة إجابة لا يرد الله سائلاً) أيش معنى هذا الحديث؟ وهل معنى ذلك: أنه إذا كان الدعاء مثلاً على شيءٍ وقد يكون يدعو على ولده بغير حق مثلاً، هل معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى يستجيب له لموافقة ساعة الإجابة، أم ماذا؟ الشيخ: سأسألك: من الذي بيده الإجابة والرد؟ السائل: الله سبحانه وتعالى.
الشيخ: هل الله عز وجل يعلم من هو على حق أو على باطل؟ السائل: نعم.
الشيخ: هل الله عز وجل يمكن أن ينصر معتدياً على من ظلم؟ السائل: لا.
الشيخ: إذاً! مهما دعا الإنسان بغير حق فإن الله لن يقبل منه؛ لأن الله قال في القرآن الكريم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55] ، ويقول عز وجل: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:21] فكل من دعا دعوةً بغير حق فإن الله لا يقبلها، ثم إن كان معتدياً فقد ترجع الدعوة إليه وتصيبه كما جاء ذلك في اللعنة: أنه يصعد بها إلى السماء فترد، ثم تتجول فإن كان صاحبها أهلاً لها وقعت عليه، وإن كان غير أهل رجعت إلى قائلها.
وكما جاء في الحديث الصحيح: (من دعا رجلاً بالكفر أو قال: يا عدو الله! وليس كذلك رجع إليه) إلى القائل.
لكن الإنسان أحياناً عند تأديب أولاده مع الغضب يدعو بالشر بدل الخير، بدلاً من أن يقول: الله يهديك، الله يصلحك، الله يشرح صدرك يقول: الله يهلكك، الله يفعل بك كذا وكذا وقد فسر بعض العلماء قوله تعالى: {وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ عَجُولاً} [الإسراء:11] بهذا، أي: بكون الناس يدعو بالشر في موضعٍ الأليق به أن يدعو بالخير عجلةً وتسرعاً، وما أعطي الإنسان عطاءً خيراً وأوسع من الصبر، صبر نفسك، احبسها، عود لسانك إذا أغضبك أولادك أو أهلك أن تدعو لهم بالخير.
بعض الناس يقول: الله يكفينا شركم، يصلح هذا أو ما يصلح؟ يصلح، نحن نقول: نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، فإذا قال لولده: الله يكفينا شرك، ما أكثر ما تغضبني، هذا ما فيه شيء، لكن: الله يأخذك، الله يدمرك، الله يسود وجهك، الله لا يوفقك لا في الدنيا ولا في الآخرة، حرام هذا.
اصبر، وطن نفسك، وادع لأهلك بالخير.(187/18)
حكم غسل يوم الجمعة
السؤال
حكم غسل الجمعة هل هو واجب يأثم من تركه، أم هو سنة؟
الجواب
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) يكفيك الجواب أو ما يكفي؟! وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(187/19)
لقاء الباب المفتوح [188]
ذكر الله عز وجل الآيات من أول سورة الرحمن مبيناً عظمته وقدرته وعظم خلقه للإنسان وإنعامه عليه بتعليمه وتفقيهه بعد أن كان جاهلاً بليداً، وتتواصل الآيات مبينة عظم خلق الله في الكون من نجوم وأشجار وجبال ووهاد كل ذلك يسبح الله ويسجد له، ثم يرشد الله عباده إلى إقامة العدل والقسط في كل شيء، كالبيع والكلام والشهادة والإصلاح بين الناس وغير ذلك من الأمور.(188/1)
تفسير آيات من سورة الرحمن
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والثمانون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح التي تتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الحادي عشر من شهر جمادى الآخرة عام (1419هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بما كنا نبتدأ به أولاً وهو الكلام على آياتٍ من كتاب الله عز وجل، وقد انتهينا في الأسبوع الماضي إلى آخر سورة القمر، أما اليوم فنبتدئ بسورة الرحمن، فيها البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) البسملة آية مستقلة من كلام الله عز وجل، تفتتح بها السور ما عدا سورة واحدة وهي سورة براءة، وليست من السورة التي قبلها ولا التي بعدها، هذا هو الراجح من أقوال العلماء حتى الفاتحة ليست البسملة آيةً منها، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان لا يجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية، ولو كانت آيةً من الفاتحة لجهر بها كما يجهر في بقية آياتها، ومما يدل على ذلك أيضاً ما ثبت في الحديث القدسي أن الله قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال الله تعالى: حمدني عبدي.
وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] قال: أثنى عليَّ عبدي.
وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي.
وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6-7] قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) .(188/2)
تفسير قوله تعالى: (الرحمن علم القرآن)
يقول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:1-4] (الرحمن) مبتدأ، وجملة (علم القرآن) خبر، (خلق الإنسان) خبر ثانٍ، (علمه البيان) خبرٌ ثالث، يعني: أن هذا الرب العظيم الذي سمى نفسه بالرحمن تفضل على عباده بهذه النعم، والرحمن هو ذو الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء كما قال الله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156] وابتدأ هذه السورة بـ (الرحمن) عنواناً على أن ما بعده كله من رحمة الله تعالى، ومن نعمه (علم القرآن) علمه من؟! علمه جبريل؟! علمه محمداً؟! علمه الإنسان؟!
الجواب
علمه من شاء من عباده، فعلمه جبريل أولاً، ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثانياً، ثم بلغه محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثالثاً إلى جميع الناس، والقرآن هو هذا الكتاب العزيز الذي أنزله الله تعالى باللغة العربية، كما قال الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف:3] ، وقال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:193-195] وتعليم القرآن يشمل تعليم لفظه، وتعليم معناه، وتعليم كيفية العمل به؟ فهو يشمل ثلاثة أشياء، (خلق الإنسان) والمراد الجنس، فيشمل آدم وذريته، أي: أوجده من العدم، فالإنسان كان معدوماً قبل وجوده، قبل خلقه، قال الله عز وجل: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} [الإنسان:1] يعني: أتى عليه حينٌ من الدهر قبل أن يوجد وليس شيئاً مذكوراً، ولا يعلم عنه، وبدأ الله تعالى بتعليم القرآن قبل خلق الإنسان إشارة إلى أن نعمة الله علينا بتعليم القرآن أشد وأبلغ من نعمته بخلق الإنسان، وإلا من المعلوم أن خلق الإنسان سابقٌ على تعليم القرآن، لكن لما كان تعليم القرآن أعظم منةً من الله عز وجل على العبد قدمه على خلقه.
(علمه البيان) علم من؟ علم الإنسان، (البيان) أي: ما يبين به عما في قلبه، وعلمه البيان أيضاً ما يستبين به عند المخاطبة، فهنا بيانان: البيان الأول من المتكلم، والبيان الثاني من المخاطب، البيان من المتكلم يعني: التعبير عما في قلبه، يكون باللسان نطقاً، ويكون بالبنان كتابةً، عندما يكون في قلبك شيء تريد أن تخبر به، تارةً تخبر به بالنطق، وتارةً بالكتابة، كلاهما داخل في قوله: (علمه البيان) أيضاً علمه البيان كيف يستبين الشيء، وذلك بالنسبة للمخاطب أن الإنسان يعلم ويعرف ما يقول صاحبه، ولو شاء الله تعالى لأسمع المخاطب الصوت دون أن يفهم المعنى.
إذاً البيان سواءً من المتكلم أو من المخاطب كلاهما منةً من الله عز وجل، كم نعمةً هذه؟ (علم القرآن) (خلق الإنسان) (علمه البيان) ثلاث.(188/3)
تفسير قوله تعالى: (الشمس والقمر بحسبان)
قال تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن:5] لما تكلم عن العالم السفلي بيَّن العالم العلوي (الشمس والقمر بحسبان) أي: بحسابٍ دقيق يجريان كما أمرهما الله عز وجل، ولم تتغير الشمس والقمر منذ أن خلقهما الله عز وجل إلى أن يفنيهما، يسيران على خطٍ واحد كما أمرهما الله، وهذا دليلٌ على كمال قدرة الله تبارك وتعالى، وكمال سلطانه، وكمال علمه، أن تكون هذه الأجرام العظيمة تسير سيراً منظماً لا تتغير على مدى السنين الطوال.
إذاً: (بحسبان) بحسابٍ معلوم متقن منتظم أشد الانتظام.(188/4)
تفسير قوله تعالى: (والنجم والشجر يسجدان)
قال تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن:6] (النجم) اسم جنس، والمراد به النجوم تسجد لله عز وجل، هذه النجوم العليا التي نشاهدها في السماء هي تسجد لله عز وجل سجوداً حقيقياً، لكننا لا نعلم كيفيته؛ لأن هذا من الأمور التي لا تدركها العقول، الشجر يسجد لله عز وجل سجوداً حقيقياً لكن لا ندري كيف ذلك كما قال عز وجل: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44] .
إذاً النجم المراد به كل النجوم، الشجر كل الأشجار في الأرض تسجد لله عز وجل، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج:18] كثيرٌ من الناس يقابله: {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج:18] فلا يسجدون لله.
إذاً: (النجم) أي: النجوم، و (الشجر) أي: الأشجار، يسجدان حقيقةً أو مجازاً؟ حقيقة، يسجدان على أي كيفية؟ الله أعلم لا ندري، والله على كل شيءٍ قدير.
الآن انظر إلى الأشجار إذا طلعت الشمس تتجه أوراقها إلى الشمس، تشاهدها بعينك وكلما ارتفعت ارتفعت الأشجار، وإذا مالت للغروب مالت أيضاً هذا نشاهده، لكن هذا ليس هو السجود، إنما السجود حقيقةً لا يعلم.(188/5)
تفسير قوله تعالى: (والسماء رفعها ووضع الميزان)
قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} [الرحمن:7] يعني: ورفع السماء، ولم يحدد في القرآن الكريم مقدار هذا الرفع، لكن جاءت السنة بذلك، فهي رفيعة عظيمة، ارتفاعاً عظيماً شاهقاً: {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن:7] أي: وضع العدل، والدليل على أن المراد بالميزان هنا العدل قوله تبارك وتعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد:25] يعني: العدل، وليس المراد بالميزان هنا الميزان ذا الكفتين المعروف، لا، المراد بالميزان: العدل، ومعنى (وضع الميزان) أي: أثبته للناس ليقوموا بالقسط، أي: بالعدل.(188/6)
تفسير قوله تعالى: (ألا تطغوا في الميزان)
قال تعالى: {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} [الرحمن:8] أي: ألا تطغوا في العدل، وضع العدل لئلا تطغوا في العدل فتجوروا، تحكموا للشخص وهو لا يستحق أو على الشخص وهو لا يستحق.(188/7)
تفسير قوله تعالى: (وأقيموا الوزن بالقسط)
قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [الرحمن:9] (الوزن) أي: الموزون، (أقيموا الوزن) وزنكم للأشياء، أقيموه لا تبخسوا فتنقصوا، ولهذا قال: ((وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)) [الرحمن:9] أي: لا تخسر الموزون، فصار الميزان يختلف في مواضعه الثلاثة: {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن:7] أي: العدل {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} [الرحمن:8] : لا تجوروا في الوزن، {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن:9] : الموزون.(188/8)
الأسئلة(188/9)
حكم سجود السهو للمسبوق بركعة أو أكثر
السؤال
فضيلة الشيخ! أدركت ركعةً مع الإمام في صلاة رباعية وسلَّم الإمام وقمت للقضاء، ثم رأيته سجد سجدتين للسهو، فهل يلزمني متابعة الإمام في هذا السهو؟ ومتى يكون موضعه الأفضل؟
الجواب
إذا سجد الإمام السهو بعد السلام وكان على الإنسان قضاء فليقم للقضاء ولا يتابع الإمام؛ لأن متابعة الإمام مستحيلة في هذا المكان، إذ أن المتابعة لا تتم إلا إذا سلم معه، وهو لن يسلم ما تمت صلاته، إذاً يقوم ويكمل صلاته، ثم إذا فرغ من الصلاة فإن كان قد أدرك الإمام في سهوه سجد أي: هذا المسبوق بعد السلام، وإن كان الإمام قد سها قبل أن يدخل معه فلا شيء عليه.(188/10)
قضاء من أفطر في رمضان لأجل غسل الكلى
السؤال
رجل عنده غسيل الكلى في الأسبوع مرتين، في حين الغسيل يفطر فلو دخل رمضان وأفطر في يوم الذي فيه غسيل الكلى، هل عليه أن يقضي هذا اليوم أو يدفع عنه الفدية؟
الجواب
عليه أن يقضيه، هذا الرجل له غسيل الكلى في الأسبوع مرتين، ولا يتمكن من غسلهما في الليل؟ نقول: أفطر ذلك اليوم الذي فيه الغسيل واقضه بعد ذلك؛ لأن الإطعام إنما يكون فيمن لا يستطيع القضاء، وهذا يستطيع عنده من الأسبوع خمسة أيام.(188/11)
حكم من لم يعط ثمن التذكرة للعامل بحجة عدم علمه أنها عليه
السؤال
لا ما يجوز، يقول: هذا رجل استأجر عاملاً أجنبياً، ثم إن العامل سافر وقيمة التذكرة كانت على هذا الكفيل، ولكنه أبى أن يسلمها للعامل، فهل يجوز لابنه أن يأخذ من مال أبيه قيمة التذكرة؟
الجواب
لا، لا يجوز، لكن يجب على الأب أن يعطيه إياها حتى وإن كان لا يعلم أن النظام هكذا، فإن لم يفعل فهناك يوم آخر يستوفي العامل حقه من هذا الراتب، وهو يوم القيامة، وليست الغرامة بذلك اليوم درهماً ولا ديناراً، ولا ثياباً ولا طعاماً، وإنما من الأعمال الصالحة التي هي أعز شيءٍ عليه في ذلك الوقت، ولكن إن كنت تعرفه انصحه، وقل له: اتق الله عز وجل، وأعطي الأجير أجره.(188/12)
حكم بناء القبور وتجصيصها والكتابة عليها
السؤال
فضيلة الشيخ! شكل القبر هل هو أمر تعبدي ما يجوز التغيير فيه، والآن في بعض القبور عندنا في الكويت وضعوا عليها قطع رخام مرتفعة قليلاً وبعضهم يكتب عليها: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر:27] ثم يكتب الاسم: هذا قبر فلان أو فلانة، فهل نحن مأمورون بالتعبد في هيئة القبر بحيث يكون فقط الرمل وبدون ارتفاع؟
الجواب
ما ذكرت من أنه يوضع الرخام على القبر، ويكتب عليه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27-30] وكذلك أيضاً اسم الرجل أو المرأة وربما تاريخ وفاته، هذا منكرٌ وحرام، وتجب إزالته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يبنى على القبر، أو يكتب عليه، أو يجلس عليه، أو يجصص) وبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ألا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه -أي: جعله مثل القبور الأخرى- فيجب على هؤلاء القوم أن يزيلوا ما وضعوا من الرخام، بلغهم عني، وقل: إن العلماء يقولون: الميت يتأذى بالمنكر إذا فعل عند قبره، وهذا منكر، ومقتضى قول العلماء هذا أن صاحبهم -صاحب القبر- الآن يتأذى بما وضع عليه، بادر بهذا، وقل: يجب إزالته، فإن فعلوا فهو من نعمة الله عليهم وعلى ميتهم، وإن لم يفعلوا فالواجب على المسئول عن المقبرة أن يزيل ذلك، ارفعوا إلى المسئول عن المقابر ويزيل هذا.
ثم ما الذي أدراهم أنها نفسٌ مطمئنة يقال: (ارجعي إلى ربك راضية مرضية) ما يدري؟! هل كل واحد يعلم أن هذا الرجل مات على التوحيد والإيمان؟ إنما نحن علينا الظاهر أنه مات، لكن أمور الآخرة ما ندري عنها.(188/13)
حكم الأكل من مال الأب إذا كان حراماً
السؤال
فضيلة الشيخ! رجلٌ علم أن مصدر أموال أبيه من الحرام، فهل يأكل من طعام أبيه؟ وإذا لم يأكل من طعام أبيه فهل يكون ذلك من العقوق؟
الجواب
الرجل الذي علم أن مال أبيه من الحرام إن كان حراماً بعينه، بمعنى: أنه يعلم أن أباه سرق هذا المال من شخص فلا يجوز أن يأكله، لو علمت أن أباك سرق هذه الشاة وذبحها فلا تأكل، ولا تجب دعوته، أما إذا كان الحرام من كسبه يعني: أنه هو يرابي أو يعامل بالغش أو ما يشابه ذلك فكل، والإثم عليه هو، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكل من مال اليهود وهم معروفون بأخذ الربا وأكل السحت، أهدت إليه يهودية شاةً في خيبر مسمومة ليموت ولكن الله عصمه من ذلك إلى أجلٍ مسمى.
دعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه وأكل، اشترى من يهودي طعاماً لأهله وأكله هو وأهله، فليأكل والإثم على والده.(188/14)
حكم من صلى ومعه صور
السؤال
ما حكم صلاة من صلى ومعه صور؟
الجواب
من صلى ومعه صور نقول: هذه الصور ما الذي جعله يحملها، إذا كانت الصور التي لا يجوز اقتناؤها فإنه يجب عليه إحراقها ولا يجوز أن يحملها معه، وإن كانت صوراً لابد من حملها معه كالصور التي تكون في النقود أو صور التابعية أو الرخصة فلا حرج عليه في هذا؛ لأنه مضطرٌ إلى ذلك.(188/15)
حكم امرأة توفيت ولها بنين وبنات وكيفية توجيه ثلث تركة الميت
السؤال
فضيلة الشيخ! امرأة توفيت ولها بنت ولها أبناء ابن من بنين وبنات وتركت مبلغاً من المال، ما الطريقة الشرعية في توزيع هذا الإرث؟ وما الطريقة الأفضل من الناحية الشرعية التي يمكن أن يوجه إليها ثلث تركة الميت؟
الجواب
أولاً: هذا الذي توفي هل له أب وأم أو ليس له وارث إلا هؤلاء؟ السائل: لا ما له وارث إلا هؤلاء.
الشيخ: نقول: للبنت النصف، ولأبناء الابن وبنات الابن الباقي تعصيباً للذكر مثل حظ الأنثيين، أما الثلث فإن كان الميت قد أوصى به فإنه ينفذ حسب وصيته إلا أن يوصي بشيءٍ محرم فإنه لا ينفذ، وأما إذا لم يوص فليس بفرض أن نجعلها ثلثاً من التركة.
وأما إذا أوصى بثلث ولم يحدد فإن للوصي أن يجعله فيما يراه أفضل، من بناء المساجد، وإصلاح الطرق، والإنفاق على طلبة العلم، والإنفاق في طبع الكتب، وما أشبه ذلك.(188/16)
عدم جواز احتساب بعض الدين الذي عند الناس من الزكاة
السؤال
أقرضت شخصاً وهذا الشخص معسراً فهل أجعل هذا القرض من الزكاة؟
الجواب
لا يجوز أن يسقط الإنسان الدَّين عن الفقير وينويه من الزكاة؛ لقول الله تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:267] كما أنه لا يجوز أن يقضى دين الميت من الزكاة.(188/17)
مراجعة المطلقة يكون بألفاظ صريحة
السؤال
فضيلة الشيخ: هل الكناية في الرجعة في الطلقة الثانية أو الأولى رجعة كأن يقول: هي في ذمتي، أو لن أتركها لأحد حتى لو اجتمع أهل الأرض، أو مثل ذلك يا فضيلة الشيخ؟
الجواب
لا، قوله: هي في ذمتي.
ليست برجعة؛ لأنها هي في ذمته، الرجعية في ذمة الزوج؛ لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:228] وأما قوله: لن أتركها لأحد.
فهذه أيضاً ليست برجعة، ولكنه وعدٌ بأنه سيراجعها، والذي يجب على الإنسان أن يجعل عقوده وفسوخه صريحة بيَّنة حتى لا يقع التباس عليه، أو على القاضي وعلى المفتي، ويكون صريحاً، نعم ربما لو جيء بالرجل وسئل ما معنى قولك: هي في ذمتي؟ قال: معناه إني مراجع.
فهذا قد نقول: إنه يحكم له بالرجعة لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى.
) .
السائل: البينونة الصغرى والكبرى في الطلاق هل هناك فرق بينهما؟ الشيخ: البينونة الصغرى هي التي تحل لزوجها بعقدٍ جديد، والكبرى هي التي لا تحل له إلا بعد زوج وليست بينونة الطلقتين، لكن لو طلقها على عوض فهذه بينونة صغرى، ولو طلقها ثلاث مرات: طلقة ثم راجع، طلقة ثم راجع، طلقة فهذه بينونة كبرى.
وسواءً انتهت العدة أو ما انتهت ما له رجعة عليها إلا بعد زوج، بالبينونة الكبرى، لا يمكن أن يتزوجها إلا بعد زوج، في البينونة الصغرى يمكن أن يتزوجها بعقد سواءً انقطعت العدة أم لم تنقطع، حتى لو كانت في عدتها لا يتزوجها إلا بعقد، يعني: لو طلق على عوض ولو على درهم واحد ما عاد يمكن يراجع إلا بعقد، ولهذا لو قالت المرأة لزوجها: يا فلان! طلقني، وتعرف أنه سيطلق، لكن تخشى إن طلق أن يراجع، فقالت: أنت رجل فقير ومحتاج طلقني على مائة ريال، فقال: طلقتك على مائة ريال، الآن ما يراجعها إلا بعقدٍ جديد ورضاها ومهر وولي؛ لأنه كان طلاقاً على عوض.(188/18)
حكم استعمال العطورات التي فيها كحول
السؤال
توجد طائفة تحرم بعض العطورات والطيب بحجة أن فيه بعض الكحول، وأن هذا الخمر قد جعله بعض العلماء من النجاسة، هل هذا صحيح؟
الجواب
أولاً: لابد أن نعلم ما نسبة الكحول قد تكون قليلة كـ (5%) أو (10%) هذا ما يضر؛ لأن هذا لا يؤثر، فإذا كانت النسبة كبيرة كـ (50%) أو أكثر نظرنا، أما من جهة أنه نجس فليس بنجس، لا ينجس الثياب ولا الأبدان ولا الفرش لو انصب عليه، هو طاهر؛ لأنه لا يوجد دليل على نجاسة الخمر، الأصل الذي يزبد ويسكر ليس فيه دليل على نجاسته، بل الدليل على أنه طاهر، وأنه لو أصاب الثياب أو الأبدان أو الفرش لم يجب غسله.
بالنسبة لاستعماله -أي: استعمال هذه الأشياء التي فيها الكحول عالية النسبة- إن كان شرباً فلا شك في تحريمه؛ لأنه سيسكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وإن كان غير الشرب كالادهان به والتطيب به، فالورع اجتنابه لا شك، لكننا لا نقول: إنه حرام؛ لأن قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90] بيَّن الله تعالى العلة في الأمر باجتنابه بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة:91] وهذا لا يكون إلا إذا شربه الإنسان، لكن تجنبه أولى، والحمد لله سوى هذا كثيرة.
بقي أن يقال: إذا احتاج الإنسان إلى تعقيم الجروح مثلاً، هل يجوز أو لا؟ نقول: نعم يجوز، وذلك لأننا لا نقطع بالتحريم، وإذا لم نقطع بالتحريم صارت الحاجة تبيح ما اشتبه فيه.(188/19)
حكم الائتمام بالمأموم وجعل الإمام مؤتماً
السؤال
رجلٌ ائتم بآخر فدخل ثالث فسحب الإمام وقدم المأموم وائتم به، فما صحة فعل هذا؟
الجواب
على كل حال إن شاء الله السؤال صحيح؛ لأنه يجوز أن يكون الإمام مأموماً، كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين خرج من بيته، وإذا بـ أبي بكر يصلي بالناس إماماً، فتقدم وجلس على يسار أبي بكر، فصار أبو بكر بعد أن كان إماماً مأموماً، فلا بأس، لكن هذه مسألة غريبة من غرائب الدنيا، على كل حال -إن شاء الله- صلاتهم صحيحة.(188/20)
زكاة المال الذي مضى عليه سنوات ولم تخرج زكاته
السؤال
امرأة ساهمت مساهمة تجارية قبل عشر سنوات، ثم بعد هذه العشر احتاجت إلى مالها وطلبت، فأعطيت وقيل لها: أنها ما أخرجت الزكاة.
فهي الآن تجمع المال كله مرة واحدة وتخرج الزكاة عن كل سنة، مع العلم أن كل سنة لا تعلم به، فكيف تخرجه؟
الجواب
إذا مضى على هذه المساهمة سنوات وهي لم تخرج الزكاة يجب أن ترجع إلى إدارة الشركة، وتقول: أحصوا لي مقدار مساهمي أول سنة وثاني سنة وثالث سنة وتخرج عن كل سنة ربع العشر.
ثلاث سنوات أو أكثر، تسأل إدارة الشركة؛ لأن الشركة لها وقت تصفي فيه الحساب.(188/21)
حكم زيارة المرأة للرجل الأجنبي عنها مع محرمها
السؤال
فضيلة الشيخ! امرأة زارت رجلاً أجنبياً عنها مريضاً مع محرمها، هل هذا جائز؟
الجواب
لماذا تزوره؟ أنا أرى أن هذا غلط منها، تزور رجلاً أجنبياً ليس بينها وبينه صلة، لا شك أن هذا غلط منها، أما لو كان هذا الرجل أجنبياً من أقاربها كامرأة مثلاً لها ابن عم كبير السن ومريض وبينهم ارتباط وتزاور وذهبت لعيادته مع محرم، فهذا ربما يقال: لا بأس به، أو كان جاراً لها وهو كبير السن وذهبت مع محرمها إليه لتعوده، هذا لا بأس به.(188/22)
حكم صبغ الشعر الأبيض بالسواد
السؤال
شاب ظهر على شعره بياض فأراد أن يصبغ شعره بالسواد فما الحكم؟
الجواب
هذا تدليس، رجل يريد أن يتزوج وفي رأسه بياض وهو شاب فهذا مدلس، لكن نقول: من الأفضل أن تصبغ هذا الشعر بلونٍ ليس أسود، بلونٍ بني، بأن يخلط الحناء والكتم ويصبغ بهما رأسه، وحينئذٍ لا يبين الشيب، بل هذا من السنة أن يغير الإنسان شيبه بغير السواد، أما تغييره بالسواد فالصحيح أنه حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر باجتناب السواد، وتوعد من يصبغ بالسواد بوعيدٍ شديد.(188/23)
المقصود بقوله تعالى: (والنجم والشجر يسجدان)
السؤال
فضيلة الشيخ قلتم: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن:6] أنه النجم في السماء، أليس المقصود به الشجر الصغير؟
الجواب
لا.
غلط، هذا وإن فسره صاحب تفسير الجلالين بذلك فهو غلط، أي: الشجر يعم الصغير والكبير، ثم الجمع بين النجم والشجر موجود في القرآن: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ} [الحج:18] فالمراد بالنجم هنا النجوم.(188/24)
حكم الجلوس مع أناس لا يصلون الجماعة
السؤال
أناس ما يشهدون الجماعة إلا نادراً في أوقات محددة، ما حكم الاجتماع بهم، هل الإنسان يأثم إذا اجتمع معهم يعني؟
الجواب
لا، أبداً! بل يجتمع مع أهل المسجد الذين يواظبون على الصلاة والذين يواظبون وفي هذا وسيلة إلى نصح هؤلاء الذين لا يواظبون حتى يواظبوا؛ لأنهم لو منعوا من الحضور ما ازدادوا إلا عداوة وبغضاء، والإنسان يجب عليه أن يلاحظ المستقبل؛ لأن بعض الناس يكون عندهم غيرة، فيكرهون صاحب المعصية وينابذونه ويهاجرونه ولا يدرون ما يترتب على هذا، فالواجب على من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يرى العاقبة، ولكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكبر أسوة لنا، قال الله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ} [الأنعام:108] مع أن سب آلهة المشركين واجب، لكن نهي عنه خوفاً من أن يسبوا الله، والنبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن هدم الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم؛ لأن الناس كانوا حديث عهدٍ بالكفر؛ فخاف أن يفتتنوا، بل إنه علَّم معاذاً بحق الله على العباد، وحق العباد على الله، وأن حق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً، فقال: (ألا أخبر الناس؟ قال: لا تخبرهم) فأمره أن يكتم العلم خوفاً من أن يتكلوا على هذا، ولا يفهموا مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالواجب أن الإنسان ينظر إلى العواقب، هل مثلاً إذا منعنا هؤلاء من حضورهم وهجرناهم هل يقبلون على المسجد؟ أو المتوقع خلاف ذلك؟ المتوقع خلاف ذلك لا شك، فنقول: أحضروهم وإذا غاب أحدهم قل له: لماذا غبت اليوم؟ حتى تأتلف القلوب ويحصل المقصود إن شاء الله تعالى.
السائل: مثلاً بالمجلس كلام قال الله قال الرسول، وكذلك أوصيه بتوزيع أشرطة -يا شيخ- وكتيبات، لكن ما ترى إلا الإعراض يا شيخ! يعني: حتى تخرج من المسجد وهم موجودين في البيت يا شيخ! بل البعض منهم.
الشيخ: لا تيئس، لا تيئس، نوح عليه الصلاة والسلام كم بقي في قومه؟ ألف سنة إلا خمسين عاماً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة كم بقي؟ ثلاث عشرة سنة يدعو الناس وفي النهاية ألجئوه إلى أن يهاجر، لا تيئس يا أخي! ثم ظهر من أهل مكة هؤلاء من يعبد الله عز وجل، ولما جاءه ملك الجبال يستأذنه أو يستأمره أن يطبق الأخشبين عليهم، قال: (لا، إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به) كيف النظر البعيد.
فرأيي أن هؤلاء يدعون إذا فقدوا، ويتقبلون إذا وجدوا، ويرغبون في الخير، وائتلاف القلوب -يا إخواني- له شأنٌ عظيم في الشريعة الإسلامية، وليس بهين.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يحب ويرضى.
وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
والسلام عليكم جميعاً.(188/25)
لقاء الباب المفتوح [189]
نعم الله على الخلق من الإنس والجن تترى، ويظهر ذلك جلياً من خلال تفسير أوائل سورة الرحمن، والتي زخرت بكثير من الآلاء والنعم في السماء والأرض في البر والبحر، وقد كان للشيخ وقفة مباركة عند تفسير تلك الآيات وإماطة اللثام عن بعض الإشكالات التي قد تطرأ على ذهن قارئ القرآن.(189/1)
تفسير آيات من سورة الرحمن
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والثمانون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح التي تتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، هذا الخميس هو الخامس والعشرون من شهر جمادى الآخرة عام (1419هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بتفسير كلام الله عز وجل الذي أنزله الله سبحانه وتعالى لنتدبر آياته وليتذكر أولو الألباب.(189/2)
تفسير قوله تعالى: (والأرض وضعها للأنام)
يقول الله تبارك وتعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [الرحمن:10] أي: أن من نعم الله عز وجل أن وضع الأرض للأنام، أي: للخلق.(189/3)
تفسير قوله تعالى: (فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام)
قال تعالى: {فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:11-13] وضع الله الأرض للأنام، أي: أنزلها بالنسبة للسماء، والأنام هم الخلق، ففيها الإنس وفيها الجن، وفيها الملائكة تنزل بأمر الله عز وجل من السماء وإن كان مقر الملائكة في السماء، لكن ينزلون إلى الأرض مثل الملكين اللذين عن اليمين وعن الشمال قاعدين، والملائكة الذين يحفظون من أمر الله المعقبات، والملائكة الذين ينزلون في ليلة القدر، وغير ذلك.
(فيها فاكهة) أي: في الأرض فاكهة، أي: ثمار يتفكه بها الناس، وأنواع الفاكهة كثيرة كالعنب والرمان والتفاح والبرتقال وغيرها.
(والنخل ذات الأكمام) نص على النخل؛ لأن ثمرتها أفضل الثمار، فهي حلوى وغذاء وفاكهة، وشجرتها من أبرك الأشجار وأنفعها، حتى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شبه المؤمن بالنخلة، فقال: (إن من الشجر شجرة مثلها مثل المؤمن) فخاض الصحابة في الشجر حتى أخبرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها النخلة.
وقوله: (ذات الأكمام) جمع كم، وهو غلاف الثمرة، فإن ثمرة النخل أول ما تخرج يكون عليها (كم) قوي، ثم تنمو في ذلك الكم حتى يتفطر وتخرج الثمرة.(189/4)
تفسير قوله تعالى: (والحب ذو العصف والريحان)
قال تعالى: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن:12] الحب: أي الذي يؤكل من الحنطة والذرة والدخن والرز وغير ذلك، وقوله: (ذو العصف) أي: ما يحصل من ساقه عند يبسه وهو ما يعرف بالتبن؛ لأنه يعصف، أي: تطأه البهائم بأقدامها حتى ينعصف، (والريحان) هذا الشجر ذو الرائحة الطيبة، فذكر الله في الأرض الفواكه والنخل والحب والريحان؛ لأن كل واحد من هذه الأربع له اختصاص يختص به، وكل ذلك من أجل مصلحة العباد ومنفعتهم.
(فبأي آلاء ربكما تكذبان) الخطاب للجن والإنس، والاستفهام للإنكار، أي: إي نعمة تكذبون بها.(189/5)
تفسير قوله تعالى: (خلق الإنسان من صلصال كالفخار)
{خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن:14-15] (خلق الإنسان) أي: جنسه، (من صلصال) أي: الطين اليابس الذي له صلصلة، أي: صوت عندما تنقره بظفرك يكون له صوت (كالفخار) هو الطين المشوي، وهذا باعتبار خلق آدم عليه السلام، فإن الله خلقه من تراب من طين من صلصال كالفخار من حمأٍ مسنون، كل هذه أوصاف للتراب ينتقل من كونه تراباً، إلى كونه طيناً، إلى كونه حمأً، إلى كونه صلصال، إلى كونه كالفخار، حتى إذا استتم نفخ الله فيه من روحه فصار آدمياً.
(وخلق الجان) وهم الجن (من مارج من نار) المارج: المختلط الذي يكون في اللهب إذا ارتفع صار مختلطاً بالدخان، فيكون له لونٌ بين الحمرة والصفرة فهذا هو المارج من نار.
وأيهما خلق أولاً؟ الجان خلق قبل الإنس، ولهذا قال إبليس لله عز وجل: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12] .
قال تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:16] أي: بإي نعمة من نعم الله تكذبون، حيث خلق الله عز وجل الإنسان من هذه المادة، والجن من هذه المادة، وأيهما خير، التراب أم النار؟ التراب خير لا شك فيه، ومن أراد أن يطلع على ذلك فليرجع إلى كلام ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان.(189/6)
تفسير قوله تعالى: (رب المشرقين ورب المغربين)
{رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن:17] (رب) خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو رب المشرقين ورب المغربين، أي: أنه مالكهما، ومدبرهما، فما من شيءٍ يشرق ولا يغرب إلا بإذن الله، وما من شيءٍ يحوزه المشرق والمغرب إلا لله عز وجل، وثنى المشرق هنا باعتبار مشرق الشتاء ومشرق الصيف؛ لأنه يختلف، فالشمس في الشتاء تشرق من أقصى الجنوب، وفي الصيف بالعكس، القمر في الشهر الواحد يشرق من أقصى الجنوب ومن أقصى الشمال، وفي آيةٍ أخرى قال الله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [المعارج:40] فجمعها، وفي آيةٍ ثالثة: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} [المزمل:9] فكيف نجمع بين هذا؟ نقول: أما التثنية فباعتبار مشرقي الشتاء والصيف (المشارق) الجمع باعتبار مشرق كل يوم ومغربه؛ لأن الشمس كل يوم تشرق من غير مكانها الذي أشرقت منه بالأمس، وكذلك الغروب، أو باعتبار الشارقات والغاربات؛ لأنها تشمل الشمس والقمر والنجوم وهذه لا يحصيها إلا الله عز وجل، فصار الجمع باعتبار مشرق لكل يوم ومغربه؛ لأن كل يوم يختلف عن اليوم الآخر في الشروق والغروب، أو باعتبار الشارقات والغاربات لأنها كثيرة، الشمس والقمر والنجوم التي لا يحصيها إلا الله عز وجل.
أما قوله: (رب المشرق والمغرب) فباعتبار الناحية؛ لأن النواحي أربع: مشرق ومغرب وشمال وجنوب والتثنية باعتبار مغربي الشتاء والصيف، ومشرقي الشتاء والصيف، والجمع إما باعتبار مشرق الشمس كل يوم ومغربها كل يوم، وهذا يختلف، ولا يخفى عليكم الآن كيف تجدون الشمس يتغير طلوعها وغروبها كل يوم، لا سيما عند تساوي الليل والنهار، تجد الفرق دقيقة أو دقيقة ونصف بين غروبها أمس واليوم، أو باعتبار الشارق والغارب، والشارقات والغاربات كثيرات لا يحصيها إلا الله عز وجل، الإفراد باعتبار الجهة؛ لأن الجهات أربع: مشرق ومغرب وشمال وجنوب.
قال تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:18] أي: بأي شيءٍ من نعم الله تكذبان يا معشر الجن والإنس؟ فما جوابنا على هذه الاستفهامات في هذه الآيات كلها؟ جوابنا: ألا نكذب بشيءٍ من آلاءك يا ربنا، ولهذا ورد حديث في إسناده ضعف: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تلاها على الصحابة، كانوا يستمعون إلى قراءة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يردون شيئاً، فقال كلمة معناها: إن الجن خيرٌ رداً منكم، فإنهم كانوا كلما قرءوا آية قالوا: لا بشيءٍ من آلائك ربنا نكذِّب) لكن هذا الحديث ضعيف، إنما يذكره المفسرون هنا.
ما هي النعم والآلاء في المشرقين والمغربين؟ انتبهوا! كل آية أعقبت: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فهي تتضمن نعماً عظيمة، فما النعم التي يتضمنها اختلاف المشرق والمغرب؟ النعم التي يترتب على ذلك من مصالح الخلق، صيف وشتاء، ربيع وخريف، وغير ذلك مما لا نعلمه، فهي نعمٌ عظيمة باختلاف المشرق والمغرب.
ثم قال سبحانه وتعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن:19] (مرج) بمعنى: أرسل، (البحرين) أي: المالح والعذب، (يلتقيان) يلتقي بعضهما ببعض، البحر مالح، هذه البحار العظيمة: البحر الأحمر، البحر الأبيض، البحر الأطلسي، هذه البحار جعلها الله تبارك وتعالى مالحة؛ لأنها لو كانت عذبة لفسد الهواء وأنتن، لكن الملح يمنع الإنتان والفساد، البحر الآخر العذب هو الأنهار، وهي التي تأتي إما من كثرة الأمطار، وإما من ثلوجٍ تذوب وتسيح في الأرض، المهم أن الله سبحانه وتعالى أرسلهما بحكمته وقدرته، حيث شاء الله عز وجل، (يلتقيان) أي: يلتقي بعضهما ببعض، عند مصب النهر في البحر فيمتزج بعضهما ببعض، لكن حين سيرهما أو حين انفرادهما يقول الله عز وجل: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ} [الرحمن:20] (البرزخ) هو اليابس من الأرض، (لا يبغيان) أي: لا يبغي أحدهما على الآخر، ولو شاء الله تعالى لسلط البحار ولفاضت على الأرض وأغرقتها؛ لأن البحر الآن عندما تقف على الساحل هل تجد جداراً يمنع انسيابه إلى اليابس؟ لا تجد، مع أن الأرض كروية، ومع ذلك لا يسيح البحر لا هاهنا ولا هاهنا بقدرة الله عز وجل، ولو شاء الله سبحانه وتعالى لساحت مياه البحار على اليابس من الأرض ودمرتها.
إذاً البرزخ الذي بينهما هو اليابس من الأرض، هذا قول علماء الجغرافيا، ولا يؤمنون بقولٍ آخر.
وقال بعض أهل العلم: بل البرزخ أمرٌ معنوي يحول بين المالح والعذب أن يختلط بعضهما ببعض.
وقالوا: إنه يوجد الآن في عمق البحار عيونٌ عذبة تنبع من الأرض، حتى إن الغواصين يغوصون إليها ويشربون منها كأعذب ماء، ومع ذلك لا تفسدها مياه البحار، فإذا ثبت هذا فلا مانع من أن نقول بقول علماء الجغرافيا وقول علماء التفسير، والله على كل شيءٍ قدير.(189/7)
تفسير قوله تعالى: (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان)
قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:22] أي: من البحرين العذب والمالح (اللؤلؤ والمرجان) وهو قطعٌ من اللؤلؤ الأحمر جميل الشكل واللون، مع أنها مياه، وقوله تعالى: (منهما) أضاف الخروج إلى البحرين العذب والمالح، وقد قيل: إن اللؤلؤ لا يخرج إلا من المالح، ولا يخرج من العذب، والذين قالوا بهذا اضطربوا في معنى الآية: كيف يقول الله: (منهما) وهو من أحدهما؟ فأجابوا: بأن هذا من باب التغليب، أن يغلب أحد الجانبين على الآخر مثلما يقال: العمران لـ أبي بكر وعمر، ويقال: القمران للشمس والقمر، فهذا من باب التغليب، والمراد من واحدٍ منهما.
وقال بعضهم: بل هذا على حذف مضاف والتقدير (منهما) أي: من أحدهما.
وهناك قولٌ ثالث: أن تبقى الآية على ظاهرها لا تغليب ولا حذف، ويقول: (منهما) أي: منهما جميعاً اللؤلؤ والمرجان وإن امتاز المالح بأنه أكثر وأطيب.
فبأي هذه الأقوال الثلاثة نأخذ؟ نأخذ بما يوافق ظاهر القرآن، وهذه قاعدة يجب أن تفهموها، فالله عز وجل يقول: (يخرج منهما) فمن خالقهما وهو يعلم ماذا يخرج منهما، فإذا كانت الآية ظاهرها: أن اللؤلؤ والمرجان يخرج منهما جميعاً وجب الأخذ بظاهره، لكن لا شك أن المالح أكثر وأطيب، لكن لا يمنع أن نقول بظاهر الآية، بل يتعين أن نقول بظاهر الآية، وهذه قاعدة في القرآن والسنة: أننا نحمل الشيء على ظاهره ولا نؤول، اللهم إلا إذا كان هناك ضرورة لا بد أن نسير على ما تقتضيه الضرورة، أما بدون ضرورة فيجب أن نحمل القرآن والسنة على ظاهرهما.
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:21] لأن ما في هذه البحار وما يحصل من المنافع العظيمة فيهما نعمٌ كثيرة لا يمكن للإنسان أن ينكرها أبداً.(189/8)
الأسئلة(189/9)
سر وجود الملائكة
السؤال
هل الملائكة فيهم سر وجود؟
الجواب
هذا السؤال لا ينبغي؛ لأن فيه تعمقاً وتنطعاً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون) وسنأتيك يا أخي بقاعدة: أمور الغيب لا تسأل عنها، اقتصر على ما سمعت وما بلغك من الوحي واترك الباقي.(189/10)
الذكور والإناث في الملائكة
السؤال
هل الملائكة فيهم ذكور وإناث أم ذكور فقط، أم إناث فقط؟
الجواب
هناك قاعدة للمؤمن الذي يريد أن يرتاح ويريح، ويتأدب مع الله ورسوله ألا يسأل عن شيء من أمور الغيب، نؤمن بها كما جاءت، ولذلك لو كان هذا السؤال فيه خير لكان أول من يسأل عنه الصحابة رضي الله عنهم، وإن شاء الله سؤالك جيد؛ لأننا استفدنا هذه النصيحة، إن أمور الغيب لا تسأل عنها، لما قال رجلٌ للإمام مالك بن أنس رحمه الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] غضب، كيف تسأل كيف استوى؟ وقال له: ما أراك إلا مبتدعاً، وأمر به أن يخرج من مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام من المسجد النبوي.(189/11)
شرح حديث (بعث النار)
السؤال
هل ورد حديث أن الله عز وجل قال: (يا آدم! أخرج بعثك من النار، قال: وما بعثي من النار؟ قال: من كل ألفٍ تسعمائة وتسعة وتسعين) وهل وردت رواية: أن من كل مائة تسعة وتسعين؟
الجواب
لا، هذا الحديث الذي ذكره أن الله تعالى يقول يوم القيامة لآدم: (يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، فيقول: يا رب! وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين) كلهم في النار إلا واحد من الألف، فلما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بهذا عظم ذلك على الصحابة: (قالوا: يا رسول الله! أينا ذلك الواحد؟) واحد من ألف في الجنة والباقي في النار، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أبشروا! فإنكم في أمتين ما كانتا في شيءٍ إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، منكم واحد ومنهم ألف، فكبر الصحابة وفرحوا فرحاً عظيماً) أما من كل مائة تسعة وتسعون فهذا غلط، ولا يصح.(189/12)
حكم من ركع والإمام ساجد سجود التلاوة لعدم العلم بذلك
السؤال
والدتي تصلي التراويح مع الإمام، فالإمام قرأ آية فيها سجود، والوالدة لا تراه لأنها تكون في الخلوة فهي تركع لأنها تظن أنه ركع ولا تدري إلا إذا قام الإمام قال: الله أكبر، فماذا تفعل؟
الجواب
تستمر معه ولا تسجد؛ لأن هذا سجود تلاوة وليس داخل الصلاة، لكن إذا كانت ترى النساء التي حولها فعليها أن تسجد.(189/13)
حكم تكفير الرافضة عموماً
السؤال
هل يكفر عامة الرافضة؟
الجواب
أهل البدع ليسوا على قولٍ واحد، فهم يختلفون اختلافاً كثيراً، منهم من يكفر، ومنهم من هو دون ذلك، ومنهم العامي الذي لا يدري عن شيء، فلا يمكن الحكم عليهم بحكمٍ عام حتى ينظر في كل شخصٍ بعينه، وهكذا المعتزلة والجهمية وغيرهم من أهل البدع.(189/14)
حكم السلام على أهل المقابر عند المرور بجانب السور
السؤال
ما حكم السلام على أهل المقابر عند المرور من عند سور المقبرة؟
الجواب
قال العلماء رحمهم الله: إنه يسن السلام على أهل المقابر سواءً مررت أو وقفت، لكن كونك تقف وتدعو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خيرٌ من أنك تمر، لا سيما أن مرور الناس الآن بالسيارات في الغالب يكون سريعاً، فلا يكمل الإنسان ربع الذكر إلا وقد تعدى المقبرة.(189/15)
خصوصية إبراهيم عليه السلام بدعوة التوحيد
السؤال
لماذا خص إبراهيم عليه السلام بدعوة التوحيد مع أن جميع الأنبياء دعوا إلى التوحيد؟
الجواب
كل الأنبياء جاءوا بالتوحيد، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] لكن إبراهيم أبو العرب وأبو الإسرائيليين، وهو يدعو إلى التوحيد الخالص، واليهود والنصارى ادعوا أنهم أتباعه، والمسلمون هم أتباعه، فكان هو عليه الصلاة والسلام قد خص بأنه أبو الأنبياء، وأنه صاحب الحنيفية وأمرنا باتباعه؛ لأننا نحن أولى بإبراهيم، كما قال عز وجل: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران:68] وقال رداً على اليهود والنصارى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:67] .(189/16)
حكم إعطاء الحجام مالاً على الحجامة
السؤال
ما حكم إعطاء الحجام مالاً على الحجامة؟
الجواب
لا بأس أن تعطي الحجام أجرته، كما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: [إن أجرة الحجام ليست حراماً، ولو كانت حراماً ما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الحجام أجرته] وصدق رضي الله عنه، لكن كسب الحجام خبيث -بمعنى: أنه رديء- لأنه ينبغي للحجام أن يتطوع ويتبرع؛ لأن في هذا إنقاذاً لإخوانه من الضرر والهلكة، فكونه يأخذ على هذا أجراً نقول: إن هذا الأجر رديء وليس حراماً، وهل يطلق الخبيث على الرديء وهو حلال؟ نعم، قال الله تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا} [البقرة:267] .(189/17)
حكم العمل كمحامٍ خاص أو عام
السؤال
عندنا في الكويت المحامي إما أن يكون خاصاً أو عاماً، والمحامي الخاص هو الذي يشتغل عادةً لحساب الدولة، ويقوم في الدفاع عن حقوق الدولة، ومن هذه الحقوق ما قد يختلج في النفس من حيث الحلال والحرام، فمثلاً من حيث متابعة الباعة المتجولين التي تحرم الدولة هذا النوع من التجارة، فهو يقوم بدور الشخص الذي يدافع عن الدولة تجاه الشخص الذي يشتغل بالتجارة، ولكن حرمتها السلطة.
أما المحامي العام فهو يشتغل في كل الأنواع، فنرجو البيان فيما يتعلق بالمحامي الخاص والمحامي العام من حيث الشريعة؟
الجواب
على كل حال المحامي معناه: المدافع الذي يحمي الحقوق، إذا كان بحق فلا بأس، أي: إذا كان هناك شخص له حق على آخر، ويعلم أنه محق، لكنه لا يستطيع أن يعبر، فوكل شخصاً آخر أقوى منه في العبارة ليدافع عنه، فهذا لا بأس به، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيءٍ من حق أخيه فإنما أقتطع له جمرةً من النار، فليستقل أو يستكثر) .
أما المحامي الذي يريد أن ينتصر لمن وكله بحق أو بباطل، فهذا لا يجوز.
وأما التجول للبيع والشراء في بلدٍ تمنع الحكومة من ذلك، فأرى أنه لا يجوز أن يتجول ويبيع ويشتري؛ لأن السلطان له أن يأمر وينهى بما لا يخالف الشرع، ويرى أن من مصلحة التجارة ألا تكون فوضى ومنعاً من التجول، أو من التسوق في التجول، فلا حرج؛ لأننا لو قلنا: إن الإنسان يكون حراً في كل شيء، لا يمتثل لأمر الحكومة ولا يلتفت له لكان فوضى، بقي علينا أن نقول: على الحكومة أن تنظر في الموضوع، وألا تظلم أحداً، فإذا رأت مثلاً أن أصحاب الدكاكين يحتكرون السلع ويبيعونها بأكثر من ثمنها وأن المتجولين يبيعونها بأقل قطعاً؛ لأنهم ليس عليهم إيجارات ولا مسئولية، فيجب أن توفق بين هؤلاء وهؤلاء، فهنا نظران: النظر الأول: للحكومة، والثاني: للمتجول، المتجول لا يجوز أن يتجول والحكومة قد منعت من ذلك، والحكومة يجب عليها أن تنظر في أصحاب الدكاكين حتى لا يحتكرون السلع ويبيعونها بما شاءوا.
لكن الشبه قد تقع على بعض المحامين باعتبار أنهم يمارسون هذه المهنة وهم يحتكمون إلى القوانين الوضعية، وهذا ليس بقانون وضعي، هذا قانون رأت الدولة أنه من المصلحة، وأما القوانين العامة فقد يحتاج أن ينظر الإنسان إلى كل قانون على حدة.(189/18)
حكم رد السلام على الجار المنتمي إلى الإسماعيلية
السؤال
لي جار من الطائفة الإسماعيلية يسلم عليَّ فهل لي أن أرد عليه السلام، وهل لي أن أسلم عليه أيضاً؟
الجواب
نعم رد عليه السلام، عاملوهم بما يعاملونكم به، وادعوهم إلى الله عز وجل؛ لأن الإنسان مسئول عن الدعوة إلى الله عز وجل، والجار أحق بالدعوة إلى الله، فأنت ادعه إلى الله، إما أن تطلبه يزورك، أو تزوره أنت، وتدعوه إلى الله عز وجل، وتبين له الحق، والإنسان بفطرته مجبول على الحق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) .(189/19)
حكم تحنيط الميت وإنزاله القبر بالتابوت
السؤال
هل يجوز تحنيط الميت وإنزاله القبر في تابوت، وهذا يحصل عند بعض البلاد الإسلامية؟
الجواب
لا يجوز أن يحنط، الميت إذا مات انتقل إلى الدار الآخرة، فلا يمكن أنه يحاول أن يبقى بدنه، وما الفائدة من بقاء بدنه؟ وربما يحنط ليبقى بدنه ويسلط الله عليه دواب أو هوام في قبره ويأكله.
أما إذا كان من أجل أن ينتقل إلى بلد آخر، وإذا ما حنط فإنه يتغير، فإن الأرض واحدة.
أما إنزاله القبر في التابوت فإنه لا يجوز إلا لحاجة، مثل أن تكون الأرض كلها ماء، هذا لا بأس، أما بدون حاجة فلا.(189/20)
المقصود بقوله تعالى: (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها)
السؤال
ما المقصود بقوله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم:25] ؟
الجواب
المراد هذه الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، فلا تفوت سنة من السنوات أو وقت من الأوقات يكون فيها ثمر إلا أتته، أي: تؤتي ثمرها الذي يؤكل كل حين من وقت الثمار، وليس معنى (كل حين) بالليل والنهار كل السنة، لا.(189/21)
هالك عن ثلاث بنات وابنين وزوجة ثم مات أحد الأبناء
السؤال
مات أب عن ثلاث بنات وابنين وزوجة، والزوجة لها ابن وبنت من زوج آخر، ثم لحق به ابنه ولم يوزع الورث، هل يسقط حق الورثة من أبناء الأم؟
الجواب
أولاً: أبناء الزوجة من غير زوجها الذي مات ليس لهم دخل في الميراث، والميراث للأبناء الذين هم من صلبه، وابنه الذي مات إن كان له ورثة كأبناء وزوجة فميراثه لهم، وإن لم يكن له أبناء كان أولى الناس به إخوانه.(189/22)
حكم استجواب الطلاب لإدارة المدرسة من غير سبب
السؤال
بالنسبة لأحوال المدارس الآن وما يقع من الأخطاء السلوكية من الطلاب، فهل لإدارة المدرسة الحق في الجلوس مع طلاب لم تظهر منهم أي بوادر خطأ أو معصية، هل يجوز لهم الجلوس معهم والاستفسار عن أشياء لم تبدر أصلاً منهم، يعني: من باب التأكد أو البحث عن العناصر المفسدة بين الطلاب، مع أن هذا الطالب لم يظهر منه شيء، فهل يجوز أن أسأله عن أحواله، وماذا عنده، وماذا وراءه وماذا؟
الجواب
لا بد أن يكون هناك قرينة قوية توجب تهمته، فحينئذٍ لا بأس أن نبحث، ولكن لا يكون هذا بين الطلاب؛ لأنه إذا كان بين الطلاب يخشى على هذا المسئول أن يكون بريئاً فيتهمه الطلاب، أما إذا لم يكن إلا كلام التلاميذ بعضهم ببعض فهذا لا يقبل، فالتلاميذ كلامهم مشكل، هم أقران، بعضهم يحسد بعض، يتكلم فيه وهو غير صادق، إذا لم يكن هناك قرين لا يستدعى، فهذا لا يجوز.(189/23)
حكم وصف المدينة النبوية بالمنورة
السؤال
ما حكم قول: المدينة المنورة، وما العلة في ذلك؟
الجواب
المدينة المنورة هذا اسم حادث ما كان معروفاً عند السلف وهم يقولون: إنها منورة، أي: إنها استنارت بالدين الإسلامي؛ لأن الدين الإسلامي ينور البلاد، ولا أدري قد يكون أول من وضعها يعتقد أنها نورٌ إلى الآن، وأنها تنورت بوجود الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، ما ندري عن نيته، لكن خيرٌ من هذه التسمية أن نقول: المدينة النبوية أفضل من المدينة المنورة، وإن كان ليس بلازم أيضاً، لو قلت المدينة كفى، ولذا تجد عبارات السلف كلهم مثلاً: ذهب إلى المدينة، رجع من المدينة، سكن المدينة، والرسول يقول: (المدينة خيرٌ لهم) ولم يقل: المنورة ولا النبوية، لكن إذا كان لا بد من وصفها، فإن النبوية خيرٌ من المنورة؛ لأن تميزها بالنبوة أخص من تميزها بالمنورة، إذ أننا إذا قلنا: المنورة التي استنارت بالإسلام صار ذلك شاملاً لكل بلد إسلامي فهو منور بالإسلام، فإذا كان لا بد أن تصف بها بشيء فصفها بالنبوية.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(189/24)
لقاء الباب المفتوح [190]
يتواصل حديث الشيخ عن تفسير آيات من سورة الرحمن مبيناً فيها حقيقة عظم مخلوقات الله في هذا الكون ثم مآل هذا الكون حيث لا يبقى إلا وجه ربك سبحانه وتعالى، وفي خاتمة لقائه أجاب عن أسئلة متفرقة ومتنوعة.(190/1)
تفسير آيات من سورة الرحمن
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء التسعون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو اليوم الثاني من شهر رجب من عام (1419هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدناه من الكلام على آياتٍ من كتاب الله عز وجل، ابتدأنا بسورة (الرحمن علم القرآن) .(190/2)
تفسير قوله تعالى: (وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام)
قال تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ} [الرحمن:24] و (له) أي: لله عز وجل ملكاً وتدبيراً وتيسيراً، (الجوار) بحذف الياء للتخفيف، وأصلها: الجواري جمع جارية، وهي السفينة تجري في البحر، كما قال الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ} [لقمان:31] .
(المنشآت) أي: التي أنشأها صانعوها ليسيروا عليها في البحر، وقالوا: (في البحر) متعلق بـ (الجوار) ، أي: الجواري في البحر، وليست فيما يظهر متعلقة بالمنشآت -أي: الجواري التي تنشأ في البحر- لأن السفن تصنع في البر أولاً ثم تنزل في البحر، وقوله: (كالأعلام) تشبيه، والأعلام جمع علم، وهو الجبل، كما قال الشاعر:
وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علمٌ في رأسه نار
أي: كأنه جبل، ومن شاهد السفن في البحار رأى أن هذا التشبيه منطبقٌ تماماً عليها، فهي كالجبال تسير في البحر بأمر الله عز وجل، وإنما نص الله عليها؛ لأنها تحمل الأرزاق من جانبٍ إلى جانب، ولولا أن الله تعالى يسرها لكان في ذلك فواتح خيرٍ كثير للبلاد التي تنقل منها والبلاد التي تنقل إليها.
وفي هذا العصر جعل الله تبارك وتعالى جواري أخرى لكنها تجري في الجو كما تجري هذه في البحر، وهي الطائرات، فهي منةٌ من الله عز وجل كمنته على عباده في جواري البحار، بل ربما نقول: إن السيارات أيضاً من جواري البر، فتكون الجواري ثلاثة أصناف: بحرية، وبرية، وجوية، وكلها من نعم الله عز وجل، ولهذا قال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:25] أي: بإي نعمةٍ من نعم الله تكذبان، والخطاب للإنس والجن.(190/3)
تفسير قوله تعالى: (كل من عليها فان)
قال عز وجل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26-27] (كل من عليها) أي: على الأرض (فانٍ) أي: داثر من الجن والإنس والحيوان والأشجار، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً} [الكهف:7-8] أي: خالية، وقال الله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً} [طه:105-106] أي: يذر الأرض قاعاً صفصفاً، أو يذر الجبال بعد أن كانت عالية شامخة (قاعاً) كالقيعان مساوية لغيرها صفصفاً {لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه:107] .(190/4)
تفسير قوله تعالى: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)
قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:27] أي: يبقى الله عز وجل ذو الوجه الكريم.
وكان بعض السلف إذا قرأ هاتين الآيتين وصل بعضهما ببعض، قال: ليتبين بذلك كمال الخالق ونقص المخلوق؛ لأن المخلوق فان والرب باق، وهذه ملاحظة جيدة أن تقول: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26-27] وهذا هو محط الحمد والثناء على الله عز وجل، أن تفنى الخلائق إلا الله عز وجل، وقوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:27] فيه إثبات الوجه لله سبحانه وتعالى، ولكنه وجهٌ لا يشبه أوجه المخلوقين، لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] أنت تؤمن بأن لله وجهاً، لكن يجب أن تؤمن بأنه لا يماثل أوجه المخلوقين بأي حالٍ من الأحوال، لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11] .
ولما ظن أهل التعطيل أن إثبات الوجه يستلزم التمثيل أنكروا أن يكون لله وجهاً، وقالوا: المراد بقوله: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ) أي: ثوابه، أو أن كلمة (وجه) زائدة، وأن المعنى: (ويبقى ربك) ولكنهم ضلوا سواء السبيل، خرجوا عن ظاهر القرآن وحرفوه، وخرجوا عن طريق السلف الصالح، ونحن نقول: إن لله وجهاً -لإثباته في هذه الآية- لا يماثل أوجه المخلوقين لنفي المماثلة في قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ) وبذلك نسلم، ونجري النصوص على ظاهرها المراد بها.
وقوله: (ذو الجلال) أي: ذو العظمة (والإكرام) أي: إكرام من يطيع الله عز وجل، كما قال تعالى: {أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:35] فإذاً الإكرام: أي أنه يكرم من يستحق الإكرام من خلقه، ويحتمل أن يكون لها معنىً آخر: وهو أنه يكرم من أهل العباد فيمن خلقه، فيكون الإكرام هذا المصدر صالحاً للمفعول والفاعل، فهو مُكِرم ومكَرم.
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:28] وهذه الآية تكررت عدة مرات في هذه السورة، وبينا معناها: أنه بإي نعمة من نعم الله تكذبان يا معشر الجن والإنس، وهذا كالتحدي لهم؛ لأنه لا يستطيع أحدٌ أن يأتي بمثل هذه النعم.(190/5)
تفسير قوله تعالى: (يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن)
ثم قال سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الرحمن:29] (يسأله) أي: يسأل الله (من في السماوات والأرض) الذي في السماوات هم الملائكة يسألون الله عز وجل، ومن سؤالهم أنهم يستغفرون للذين آمنوا، يقولون: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر:7] إلى آخره، ويسألهم من في الأرض من الخلائق، وسؤال أهل الأرض لله عز وجل على قسمين: القسم الأول: دعاء بلسان المقال، وهذا إنما يكون من المؤمنين، فالمؤمن يسأل ربه دائماً حاجاته؛ لأنه يعلم أنه لا يقضيها إلا الله عز وجل، وسؤال المؤمن ربه عبادة، سواءً حصل مقصودك أم لم يحصل، فإذا قلت: يا رب! أعطني كذا، فهذه عبادة، كما جاء في الحديث: (الدعاء عبادة) وقال تعالى شاهداً لهذا الحديث: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] فقال: (ادعوني) ثم قال: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي) وهذا دليل على أن الدعاء عبادة، هذا دعاءٌ بلسان المقال.
القسم الثاني: دعاءٌ بلسان الحال، وهو أن كل مخلوق مفتقر إلى الله، ينظر إلى رحمته، فالكفار مثلاً ينظرون إلى الغيث النازل من السماء، وإلى نبات الأرض، وإلى صحة الحيوان، وإلى كافة الأرزاق، وهم يعلمون أنهم لا يستطيعون أن يوجبوا ذلك في أنفسهم، فهم إذاً يسألون الله بلسان الحال، وذلك إذا مستهم الضراء واضطروا إلى سؤال الله بلسان المقال، سألوا الله بلسان المقال، {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [لقمان:32] إذاً: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الرحمن:29] من الذي في السماوات؟ الملائكة، وضربنا لكم مثلاً من أسئلتهم، من في الأرض؟ الإنس والجن، والسؤال -أي: سؤال أهل الأرض- ينقسم إلى قسمين: بلسان المقال، ولسان الحال.
{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} ومن يحصي الأيام؟ لا أحد إلا الله عز وجل، ومن يحصي الشئون التي تقع في الأيام؟ لا أحد إلا الله عز وجل.
(كل يوم هو في شأن) يغني فقيراً ويفقر غنياً، يمرض صحيحاً ويشفي سقيماً، يؤمن خائفاً ويخوف آمناً وهلم جراً، كل يوم يفعل الله تعالى ذلك، وهذه الشئون التي تتبدل هل هي عبث، أو عن حكمة؟ عن حكمة لا شك، قال الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} [المؤمنون:115] ، وقال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة:36] فنحن نؤمن أن الله لا يقدر قدراً إلا لحكمة، لكن قد نعلم هذه الحكمة وقد لا نعلمها، ولهذا قال: (كل يومٍ هو في شأن) .
ولكن اعلم أيها المؤمن: أن الله تعالى لا يقدر لك قدراً إلا كان خيراً لك، إن أصابته ضراء صبر وانتظر الفرج، وقال: دوام الحال من المحال، فينتظر الفرج فيكون خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً، وليس هذا الشيء لأحد إلا للمؤمن.
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:30] نقول فيها ما قلنا في الآيات السابقة أن المعنى: بإي نعمةٍ من نعم الله تكذبان؟
الجواب
لا نكذب بأي شيءٍ من آيات الله ومن نعم الله، بل نقول: هي من عند الله فله الحمد وله الشكر.
من نسب النعمة إلى غير الله هل هو مكذب؟ الجواب: نعم مكذب، وإن لم يقل: إنه مكذب، قال تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:82] وهذه الآية يعنى بها، قولهم: مطرنا بنوء كذا وكذا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث أصحابه على إثر مطرٍ كان، قال لهم بعد صلاة الصبح: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمنٌ بالكوكب) .(190/6)
الأسئلة(190/7)
فضائل شهر رجب
السؤال
هل للعمرة في رجب أصل في السنة، وقول بعض الناس: العمرة الرجبية، وهل هي تفضل العمرة في رمضان أو دونها أو شيءٍ من ذلك؟
الجواب
أقول أولاً: إن شهر رجب أحد الأشهر الحرم الأربعة وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، هذه الأشهر كان تحريمها معروفاً حتى في الجاهلية، فكانوا في الجاهلية يحرمون فيها القتال، حتى إن الرجل ليجد قاتل أبيه في هذه الأشهر ولا يتعرض له، وجاءت في الشريعة الإسلامية بتأييد هذا، فحرم الله القتال في هذه الأشهر الأربعة، وإنما كانت قريش تحرم هذه الأشهر الأربعة؛ لأن الشهور الثلاثة للحج، ذو القعدة شهرٌ قبل الحج، والمحرم شهرٌ بعد الحج، وذو الحجة شهر الحج، فكانوا يحرمون القتال فيها ليأمن الناس الذاهبين إلى الحج والراجعين منه، وفي رجب كانوا يعتمرون ولذلك حرموه، لكن لم تأتِ السنة باستحباب الاعتمار في رجب، بل قال عمر رضي الله عنه: [إن ذلك كان شهراً يعتمر فيه أهل الجاهلية فأبطله الإسلام] أي: أبطل استحباب العمرة فيه، ومن السلف من كان يعتمر فيه حتى قال عبد الله بن عمر: [إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في شهر رجب] ولكن عائشة رضي الله عنها قالت: [إنك وهمت] وقالت: [إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعتمر إلا في أشهر الحج] اعتمر في أشهر الحج أربع عمرات: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، وعمرة حجه، فسكت عبد الله بن عمر.
وعلى هذا فنقول: إن ابن عمر رضي الله عنه وَهِمَ في كون الرسول عليه الصلاة والسلام اعتمر في رجب، لكن روي عن بعض السلف أنهم كانوا يعتمرون فيه، فمن اعتمر دون أن يعتقد أن ذلك سنة فلا بأس، وأما أن نقول: إنها من السنن التابعة للشهر فلا، ولم ترد العمرة في شهرٍ من الشهور إلا في أشهر الحج وفي شهر رمضان.
ثانياً: بهذه المناسبة أود أن أقول للأخ السائل: هناك من يخص رجب بالصيام، فيصوم رجب كله وهذا بدعة وليس بسنة، حتى إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل على أهله فوجدهم قد جمعوا كيزاناً للماء مستعدين للصيام في رجب، فكسر الكيزان وقال: [أتريدون أن تشبهوا رجب برمضان] وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب الناس إذا رآهم صائمين حتى يضع أيديهم في الطعام في رجب، فليس للصوم في رجب فضيلة، بل هو كسائر الشهور، ومن كان يعتاد أن يصوم الإثنين والخميس استمر، ومن كان يعتاد أن يصوم أيام البيض استمر، وليس له صيامٌ مخصوص.
ثالثاً: يوجد في بعض البلاد الإسلامية صلاةٌ في أول ليلة جمعة من رجب بين المغرب والعشاء يسمونها صلاة الرغائب اثنتا عشر ركعة، وهذه أيضاً لا صحة لها، وحديثها موضوع مكذوب على الرسول عليه الصلاة والسلام، قال شيخ الإسلام: إنه موضوع مكذوب باتفاق أهل المعرفة بالحديث.
إذاً لا صلاة مخصوصة في رجب، لا في أول ليلة جمعة منه، ولا في ليلة النصف منه، شهر رجب في الصلوات كغيره من الشهور.
رابعاً: زيارة المسجد النبوي، يعتقد بعض الناس أن لزيارة المسجد النبوي في رجب مزية، ويفدون إليه من كل جانب، ويسمون هذه الزيارة: الزيارة الرجبية، وهذه أيضاً بدعة لا أصل لها، ولم يتكلم فيها السابقون حتى من بعد القرون الثلاثة؛ لأن الظاهر أنها حدثت متأخرة جداً فهي بدعة، لكن من زار المدينة في رجب لا لأنه شهر رجب فلا حرج عليه، إنما أن يعتقد أن لزيارة المسجد النبوي في رجب مزية فقد أخطأ وضل، وهو من أهل البدع في هذه المسألة.
خامساً: يعتقد كثيرٌ من الناس أن المعراج الذي حصل لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى السماوات كان في رجب في ليلة السابع والعشرين منه، وهذا غلط، هم يعتقدون أنه في ليلة السابع والعشرين ويحتفلون في تلك الليلة، وعليه فيكونون قد غلطوا من وجهين: الوجه الأول: من الناحية التاريخية، فإنه لم يثبت ولم يقل أحد من العلماء السابقين: إنه كان في رجب، بل قالوا: إنه كان في ربيع الأول، وبعضهم قال: في رمضان، والصواب: أنه في ربيع الأول.
الوجه الثاني: الاحتفال بها، لو فرض جدلاً أنها ليلة السابع والعشرين من رجب فإن الاحتفال بها بدعة؛ لأنهم يحتفلون بها ويعتقدون ذلك ديناً وقربة إلى الله عز وجل، فهي من البدع ولا يجوز الاحتفال بها؛ لعدم صحتها من الناحية التاريخية، ولعدم مشروعيتها من الناحية التعبدية، ومن المؤسف جداً أن بعض المسلمين يحتفلون بهذه الليلة ويعطلون العمل في صباحها، وربما يحضر رؤساء الدول، وهذا من الغلط الذي عاش فيه المسلمون مدةً كثيرة.
والواجب على طلبة العلم بعد أن استبانت السنة والحمد لله أن يبينوا للناس، والناس قريبون، إن كثيراً من هؤلاء لا يحتفلون بهذا الاحتفال إلا محبةً لله ولرسوله، وإذا كان هذا هو الحامل لهذا الاحتفال، فإنه بمجرد أن يبين لهم الحق، وهم قاصدون للحق حقيقة سيرجعون للحق.(190/8)
حكم من يؤذي المسجد برائحته
السؤال
هناك جماعة في المسجد تريد أن تطرد عمالاً يصلون معهم بحجة رائحة العرق الكريهة وأنهم يوسخون المسجد، والذي يدعوهم إلى هذا طالب علم هناك أفتاهم بأن يطردوهم بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم طرد الذي أكل البصل والثوم، فما رأيكم يا شيخ؟
الجواب
إذا كانت الرائحة مؤذية لا تحتمل فهم يمنعون من دخول المسجد، ويؤمرون بأن يزيلوا هذه الرائحة بقدر الإمكان ويحضروا إلى المسجد، وليس معنى ذلك: أن نمنعهم من دخول المسجد ونقول: صلوا حيث شئتم! لأننا لو قلنا لهم هذا؛ لفتحنا لهم أبواب الكسل، لكن نقول: نمنعكم وفي الوقت التالي تنظفون أنفسكم وتحضرون، وبهذا يحصل المطلوب ويزول المكروه.
أما إذا كانوا لا يستطيعون القدوم إلا هكذا فيقال لهم: صلوا جماعة في محلكم، ودعوا مساجد الناس للناس.(190/9)
العمال وتأخيرهم للصلاة
السؤال
أغلب العمال إذا جاءوا وفاتتهم الصلاة لا يصلون جماعة، كل واحد يصلي وحده وبعضهم يصلي مثلاً الظهر والعصر مع المغرب بعدما ينتهي؟
الجواب
يعلمون، العلم دواء كل شيءٍ هؤلاء العمال تجدهم مثلاً في بلادهم لا يأمرهم ولا ينهاهم أحد، أو ربما أنهم في أطراف البلاد أو في الصحاري، ولا يعينهم أحد على شيء، فدعوهم يرجعون إلى أهليهم منتفعين منكم بالرزق الديني والدنيوي.(190/10)
راكب رمى بنفسه من نافذة السيارة
السؤال
خالي يعمل سائق تاكسي وينقل الناس من بلدٍ لآخر، وفي مرةٍ من المرات نقل الناس وهو في أثناء السير رمى أحد الركاب بنفسه من نافذة السيارة فوقع في الأرض وأخبر من كان في جواره فرجع وأسعفه إلى المستشفى ثم جلس فترةً فتوفي، فأخذ منه الدية، فهل يلحق خالي شيء من الصيام أو غيره، جزاكم الله خيراً؟
الجواب
هذا فيه تفصيل: إن كان السائق قد طلب منه هذا الرجل أن يتوقف لاحتياجه إلى البول أو الغائط أو التقيؤ وأبى وجب عليه أن يكفر إما بعتق رقبة إن استطاع أو بصيام شهرين متتابعين، وإن كان هذا من غير علمه ولم يتمكن من الوقوف فلا شيء عليه، أما لو تمكن من الوقوف بأن رأى الرجل يحاول فتح الباب، ويمكنه في هذه الحالة أن يتوقف عن السير أو يوقف الرجل فهو مفرط فعليه الكفارة.(190/11)
حكم حج الصغير قبل البلوغ
السؤال
إذا حج الصبي قبل أن يبلغ ثم بلغ هل يلزمه أن يحج مرةً أخرى؟
الجواب
لا تجزئه الحجة الأولى، لا بد أن يحج مرةً ثانية؛ لأن الحجة التي وقعت منه أولاً وقعت على أنها نفل لا على أنها فرض، فيجب عليه أن يعيد الحجة مرةً ثانية وتكون الأولى تطوعاً.(190/12)
حكم إقران كلمة (لا إله إلا الله محمد عبده ورسوله) في غير التحيات
السؤال
فضيلة الشيخ: هل يجوز قرن كلمة: لا إله إلا الله محمد عبده ورسوله في غير التحيات؟ وما رأيكم فيمن ينكر ذلك؟
الجواب
نعم يجوز أن يقول الإنسان: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ويقول: لا إله إلا الله محمد عبده ورسوله، كل هذا جائز، لكن الصيغة التي وردت أفضل من غيرها.
ومن أنكر ذلك في غير التحيات فليأتِ بالدليل، فما دام أنه جائز في التشهد فإنه يجوز في غيره.(190/13)
حكم إخراج صدقة الفطر نقوداً
السؤال
لماذا لا يجزئ صدقة الفطرة بالفلوس أي: الدراهم؟
الجواب
لا يجزئ إخراج زكاة الفطر إلا من الطعام، لقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (فرض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير) فعين، وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (كنا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صاعاً من طعام) .
ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرضها صاعاً من طعام: تمر أو شعير أو زبيب أو إقط، وهذه الأربعة في الغالب مختلفة القيمة، أي: يندر جداً أن يكون صاع التمر مثل صاع الشعير أو مثل صاع الزبيب أو مثل صاع الأقط، فرضها النبي عليه الصلاة والسلام صاعاً من الطعام، والطعام مختلف القيمة، فدل هذا على أنها لا تجزئ من القيمة.
لكن لو فرضنا أننا في بلد لا يقبلون إلا الدراهم، يقول: خذوا الطعام وبيعوه، فإن أبوا صرفناها إلى بلدٍ آخر.(190/14)
حكم تغيب الإمام عن المسجد وتوكيل غيره
السؤال
إمام يوكل من هو أفضل منه، هل يأثم إذا تغيب وترك المسجد بعض الأحيان؟
الجواب
لا يحل له ذلك، وما يأخذه من راتب فحرامٌ عليه، أما إذا كان بعذر لا بأس به، مرض الإنسان ولزم الفراش لمدة شهر أو شهرين ليس عليه شيء، لكن عليه أن ينوب من يقوم باللازم، أما إنسان يذهب يميناً ويساراً بدون عذر، ويقول: أنا وكلت إنساناً أقرأ مني وأعلم مني، هذا حرام عليه، وإذا كان لا يستطيع أن يقوم بالصلوات الخمس؛ فليقدم الاستقالة للجهة المسئولة وهناك من سيتقدم إلى المسجد، وهذا المال حرام؛ لأنه يأخذه في مقابلة عمل، والمقابل لا بد أن يجر ما يقابله.(190/15)
حكم خروج يد المرأة في الصلاة
السؤال
ما حكم خروج يد المرأة في الصلاة؟
الجواب
إذا خرج كف المرأة فقط وهي تصلي فبعض العلماء يقول: لا بأس به، وأن الكف والقدم ليس من العورة، لكن الأفضل للمرأة ألا تتساهل في هذا وأن تستر كفيها وقدميها كما تستر بقية جسدها إلا وجهها.(190/16)
حكم من لم يستطع القيام بكفارة القتل
السؤال
شخص عليه كفارة القتل لا يستطيع العتق ولا الصيام، هل يعدل إلى الإطعام، أم تسقط عليه الكفارة؟
الجواب
لا تسقط عنه، كفارة القتل نوعان فقط: إما العتق وإما الصيام؛ لأن الله تعالى لم يذكر ثالثاً، ولو كان الثالث واجباً لذكره الله كما ذكره في كفارة الظهار، فقد ذكر الله في كفارة الظهار: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، وفي كفارة القتل لم يذكر الإطعام، وعلى هذا نقول: إذا عجز عن العتق والصيام سقطت عنه.(190/17)
حكم لبس الحرير للرجال
السؤال
ما حكم لبس الحرير للرجال وما الدليل على ذلك؟
الجواب
حكم لبس الحرير على الرجال حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها) إلا إذا كان هناك ضرورة، مثلاً: لم يجد إنسان سوى ثوب الحرير فلا حرج أن يلبسه حتى تزول ضرورته، أي: حتى يجد ثوباً مباحاً.(190/18)
حكم البقاء مع رجل لا يصلي إلا بعد خروج وقت الصلاة
السؤال
زوجي لا يصلي إلا بعد خروج الوقت في صلاة الفجر، فما حكم بقائي معه؟
الجواب
إذا كان هذا الزوج يصلي بقية الصلوات فإنه ليس بكافر، ولا حرج أن تبقى معه، لا سيما إن كانت ذات عيال وتخشى إن فارقته من الضياع، ولكن عليها أن تناصحه، وأن تخوفه بالله؛ لأنه إذا أخر صلاة الفجر عن غير عذر وصلاها بعد طلوع الشمس فصلاته باطلة ومردودة عليه.(190/19)
حكم الوفاء بالنذر المحرم
السؤال
لو نذر إنسان بنذر محرم فهل يجب أن يفي بهذا النذر أم لا؟
الجواب
لا، إذا نذر فعل شيءٍ محرم فقد حرم أن يوفي به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يعصي الله فلا يعصيه) فلو نذر ألا يكلم عمه مثلاً فالنذر حرام، وعليه أن يكلم عمه وأن يطعم عشرة مساكين، ولو نذر ألا يصلي مع الجماعة فعليه أن يصلي ويطعم عشرة مساكين، فمن نذر فعل شيءٍ محرم سواءً كان واجباً أو ترك معصية فإنه لا يوفي به ولكن عليه أن يكفر كفارة يمين.(190/20)
حكم شراء الذهب بالدين
السؤال
ما حكم شراء الذهب بالدين مع اتفاق الطرفين؟ وما حكم البدل في الذهب؟
الجواب
شراء الذهب بالدين محرم؛ لأنه يجب في شراء الذهب أن يكون يداً بيد، إلا إذا اشترى الذهب بما لا ربا فيه؛ بأن يشتري الذهب بسيارة أو بطعام أو بلباس أو بأرضٍ عنده مثلاً، المهم أنه إذا اشترى الذهب بشيءٍ لا ربا فيه فلا بأس أن يتفرقا قبل التقابض، أما إذا اشتراه بدراهم فإنه لا يجوز التفرق حتى يتقابض الطرفان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر أصناف الأموال التي فيها الربا قال: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) .
ولو كان هناك اتفاق بين الطرفين واشتراط بنفس المبلغ، فلا يجوز؛ لأن هذا ربا إلا أن يسلم المبلغ كاملاً.
أما المبادلة بالذهب فلا بد من شرطين: الشرط الأول: أن يتساويا في الميزان، وزنهما سواء.
الشرط الثاني: القبض قبل التفرق.
وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(190/21)
لقاء الباب المفتوح [191]
تجلى تعجيز الله لخلقه في أكثر من صورة، وتبدو هذه الصورة واضحة في قوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض) الآية.
وفي إطار هذه الآية ومضمونها والآيات التي بعدها كان للشيخ وقفة في تفسيرها وشرحها.(191/1)
تفسير آيات من سورة الرحمن
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي والتسعون بعد المائة من اللقاءات المعروفة باسم لقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا هو يوم الخميس السادس عشر من شهر رجب من (1419هـ) .
نبدئ هذا اللقاء كما هي العادة بتفسير آياتٍ من كتاب الله عز وجل.(191/2)
تفسير قوله تعالى: (سنفرغ لكم أيها الثقلان)
قال الله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:31-32] هذه الجملة المقصود بها الوعيد، كما يقول القائل لمن يتوعده: سأتفرغ لك، أي: سأتفرغ لك وأجازيك، وليس المعنى: أن الله تعالى يشغله شأنٌ عن شأن، ثم يفرغ من هذا ويأتي لهذا، الله سبحانه وتعالى يدبر كل شيء في آنٍ واحد، في مشارق الأرض ومغاربها، وفي السماوات وفي كل مكان، يدبره في آنٍ واحد، ولا يعجزه، فلا تتوهمن أن قوله: (سنفرغ) أنه الآن مشغول وسيفرغ، لا.
هذه جملة وعيدية تعبر بها العرب، والقرآن الكريم نزل بلغة العرب، وفي قوله: (سنفرغ لكم) من التعظيم ما هو ظاهر، إذ أنه أتى بضمير الجمع (سنفرغ) تعظيماً لنفسه جل وعلا، وإلا فهو واحد، وقوله: (أيها الثقلان) أي: الجن والإنس، وإنما وجه هذا الوعيد إليهما؛ لأنهما -أي: الثقلان- مناط التكليف، (فبأي آلاء ربكما تكذبان) سبق الكلام على تفسيرها فلا حاجة للتكرار.(191/3)
تفسير قوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا)
قال تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا} [الرحمن:33] بعد الوعيد قال: إن استطعم أن تنفذوا مما نريده بكم فانفذوا، (أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض) أي: من جهاتها، (فانفذوا) ولكن لا تستطيعون هذا، فالأمر هنا للتعجيز، ولهذا قال: {لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:33] أي: ولا سلطان لكم، لا يمكن أحد أن ينفذ من أقطار السماوات والأرض، إلى أين يذهب؟ لا إلى شيء، ولا يمكن.
ثم قال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ} [الرحمن:34-35] أي: لو استطعتم أو لو حاولتم لكان هذا جزاءكم {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ} [الرحمن:35] أي: محمى بالنار {فَلا تَنْتَصِرَانِ} [الرحمن:35] أي: فلا ينصر بعضكم بعضاً، وهذه الآية في مقام التحدي، ولقد أخطأ غاية الخطأ من زعم أنها تشير إلى ما توصل إليه العلماء من الطيران حتى يخرجوا من أقطار الأرض ومن جاذبيتها إلى أن يصلوا -كما يزعمون- إلى القمر أو إلى ما فوق القمر؛ لأن الآية ظاهرة في التحدي، والتحدي هو توجيه الخطاب لمن لا يستطيع.
ثم نقول: هل هؤلاء استطاعوا أن ينفذوا من أقطار السماوات؟ لو فرضنا أنهم نفذوا من أقطار الأرض ما نفذوا من أقطار السماوات، فالآية واضحة أنها في مقام التحدي، وأنها لا تشير إلى ما زعم هؤلاء أنها تشير إليه، ونحن نقول: الشيء واقع لا نكذبه، ولكن لا يلزم من تصديقه أن يكون القرآن دل عليه أو السنة، الواقع واقع، فهم خرجوا من أقطار الأرض، لكن نحتاج إلى دليل وهذا واقع لا يحتاج.
هذه الآية في سياقها إذا تأملتها وجدت أن هذا التحدي يوم القيامة؛ لأنها: (كل من عليها فان) ثم ذكر: (يسأله من في السماوات والأرض) ثم ذكر: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ} [الرحمن:33] ثم ذكر ما بعدها يوم القيامة.(191/4)
تفسير قوله تعالى: (فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان)
قال تعالى: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ} [الرحمن:37] أي: تفتحت وذلك يوم القيامة، كما قال تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق:1-5] .
{فَكَانَتْ وَرْدَةً} [الرحمن:37] أي: مثل الوردة في حمرها، {كَالدِّهَانِ} [الرحمن:37] كالجلد المدهون {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:36] (فيومئذٍ) يعني: إذا انشقت {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:39] لماذا؟ لأن كل شيءٍ معلوم، والمراد لا يسأل سؤال استشهاد واستعلام؛ لأن كل شيءٍ معلوم، أما سؤال تبكيت فيسأل، مثل قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] هذا ليس سؤال استعلام عن أحدٍ جاهل.(191/5)
تفسير قوله تعالى: (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان)
يقول عز وجل: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:39] أي: سؤال استعلام؛ لأن كل شيء معلوم، أما سؤال التبكيت والتوبيخ فيسأل، كما قال عز وجل: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ} [القصص:65-66] وقال عز وجل: {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:39-43] وقال عز وجل لأهل النار وهم يلقون فيها: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى} [غافر:50] وأمثالها كثير.
إذاً لا يسأل الإنس والجن عن ذنوبهم سؤال استعلام واسترشاد: هل أنت عملت أو لم تعمل؟ ولكنه سؤال تبكيت وتوبيخ، وهناك فرق بين هذا وهذا.
إذاً فلا تتناقض الآيات، لا تقل: كيف يقول: لا يسأل عن ذنبه، وفي آيةٍ أخرى: أنهم يُسألون؟ تقول: هذا الجمع ليس بسؤال استرشاد واستعلام؛ لأن الكل معلوم مكتوب، لكنه سؤال توبيخ.
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:40] .(191/6)
تفسير قوله تعالى: (يعرف المجرمون بسيماهم)
قال تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} [الرحمن:41] أي: بعلاماتهم، ومن علاماتهم -والعياذ بالله- أنهم سود الوجوه، قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106] وأنهم يحشرون يوم القيامة زرقاً، إما أنهم زرق أحياناً وسود أحيان، وإما أنهم سود الوجوه وزرق العيون، وإما إنهم زرقٌ زرقةً بالغة يحسبها الإنسان سوداء.
{فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن:41] أعوذ بالله (بالنواصي) هذه مقدمة الرأس، و (الأقدام) المعروفة، فتأخذ رجله إلى ناصيته، هكذا يطوى طياً إهانةً وخزياً له، (فيؤخذ بالنواصي والأقدام) ويلقون في النار.
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:42] .(191/7)
تفسير قوله تعالى: (هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون)
قال تعالى: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} [الرحمن:43] يقال: هذه جهنم التي تكذبون بها، قال: المجرمون، ولم يقل: تكذبون بها، إشارة إلى أنهم مجرمون، وما أعظم جرم الكفار الذين كفروا بالله ورسوله، واستهزءوا بآيات الله واتخذوها هزواً ولعباً.(191/8)
تفسير قوله تعالى: (يطوفون بينها وبين حميم آن)
قال تعالى: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن:44] أي: يترددون بينها وبين حميمٍ (آن) أي: شديد الحرارة والعياذ بالله، أما كيف يكون ذلك؟ الله أعلم، لكننا نؤمن بأنهم يطوفون بينها وبين الحميم الحار الشديد الحرارة، والله أعلم بذلك.
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:45] وقد سبق الكلام على تفسيرها.(191/9)
الأسئلة(191/10)
جواز تأخير سنة العشاء إلى العاشرة ليلاً
السؤال
هل يجوز تأخير سنة العشاء إلى الساعة العاشرة ليلاً؟
الجواب
وقت العشاء من خروج وقت المغرب مباشرة إلى منتصف الليل، يجوز تأخير الفريضة إلى الساعة العاشرة في وقتنا هذا؛ لأن العاشرة قبل منتصف الليل، وسنتها أيضاً يجوز أن تؤخرها إلى الساعة العاشرة في بلادنا هذه في هذا الوقت؛ لأن وقت العشاء إلى منتصف الليل.(191/11)
ضابط الصلاة في الثياب الشفافة
السؤال
هل تجوز الصلاة في الثياب الشفافة، وما هو الضابط في ذلك، وهل يعيد الإنسان صلاته إذا صلى في هذه الثياب؟
الجواب
الثياب الشفافة إذا كان تحتها شيء يستر العورة فلا بأس به، كرجل عليه سروال من الركبة إلى السرة، وعلى السروال قميص خفيف لا بأس به، والضابط في هذا: أن لا يرى منه لون الجلد، مثل أن تقول: هذا جلد أحمر، فهذا هو الذي لا يستر، وإذا صلى الإنسان بثوبٍ بدون سروال على هذا الوصف الذي ذكرت فإن صلاته باطلة؛ لأنه عصى الله في قوله: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] وقد قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} [الأعراف:26] لا بد أن يغطيها.(191/12)
حكم الصلاة خلف الإمام إذا انقطع صوت الميكرفون في صلاة الجمعة
السؤال
في إحدى الجمع كنا نصلي في خلوة فانقطع الميكرفون فانتظرنا قليلاً وقد كان الإمام يصلي، فانتظرنا قليلاً ثم تقدم أحد المأمومين وأكمل بنا الصلاة فما حكم صلاتنا، وماذا نفعل في مثل هذه الحالة؟
الجواب
إذا كنتم في الثانية فلا بأس، أما إذا كنتم في الأولى إلى الآن فإنكم ما أدركتم الجمعة، إذ أن الجمعة لا تدرك إلا بركعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وفي هذه الحال يلزمكم أن تخرجوا من الخلوة إلى البر، أو تنتظروا حتى يسلم وتصلون ظهراً.
فالآن الذي وقع منه نقول له: إذا كانوا صلوا الجمعة فكملوا الركعتين فعليهم إعادتها ظهراً لأنها لم تصح، وهذه قاعدة: إذا انقطع التيار في الركعة الثانية أتموها ولو فرادى، أتموها ركعة واحدة لأنكم أدركتم الجمعة.(191/13)
كفارة اليمين لمن خالفه المحلوف عليه
السؤال
ما حكم الكفارة لو حلف شخص على إلزام شخص آخر، يعني: أجبره وحلف بالله إنه يجلس عنده، ولكن امتنع هذا الشخص بعذر أو بغير عذر، وهذا يحصل كثيراً؟
الجواب
أولاً نقول للإنسان: لا تحلف؛ لأن في هذا إحراجاً لأخيك، إما أن يبر بيمينك على إكراه، وإما أن يحنثك، فإذا قدر أنك حلفت فإننا نقول للمحلوف عليه: بر يمين أخيك؛ لأن من حق المسلم على المسلم أن يبر قسمه، فإن كان لعذر فهو غير ملوم، وإن كان لغير عذر فهو ملوم.
أما بالنسبة للحالف فيجب عليه كفارة اليمين متى خالفه المحلوف عليه على كل حال.(191/14)
العمل إذا تعارضت حصص المدارس والكليات مع أوقات الصلاة
السؤال
بعض المدارس والكليات يحدث بينها تعارض بين أوقات الحصص مع أوقات الصلوات، فما العمل: هل أترك الحصة وأذهب إلى الصلاة، أم أكمل الحصة؟
الجواب
هل هؤلاء الذين تتعارض حصص الدراسة مع صلاة الجماعة إذا كانوا بعد فراغهم يصلون جماعة فلا بأس، فمثلاً: وقت الظهر إلى العصر، فإذا كانوا لا يتمكنون من إخراج التلاميذ والأساتذة إلى المساجد فليستمروا ثم إذا انتهوا يصلون جماعة.
لكن يجب على إدارة المدرسة أن تهيأ لهذا وتلاحظه، بمعنى: أن تجعل الحصص تنتهي قبل الصلاة، وإذا ضاق الوقت تجعل حصة بعد الصلاة، إما إذا لم يتمكن فقد حصل المقصود بصلاة الجماعة في المدرسة لأجل العذر.(191/15)
درجة حديث: (من أحيا سنتي عند فساد أمتي فله أجر شهيد)
السؤال
ما صحة حديث: (من أحيا سنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد) ؟
الجواب
هذا الحديث والله لا يحتمل صحته، لكن لا شك أن من أحيا سنة الرسول عليه الصلاة والسلام بعد أن أميتت أن له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.(191/16)
وجوب قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة السرية والجهرية
السؤال
ما حكم قراءة الفاتحة بالنسبة للمأموم في الصلاة؟
الجواب
القول الراجح في هذه المسألة: أن قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمنفرد والمأموم؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وهذا لم يخص منه شيء، إلا في حالة واحدة إذا أدرك الإمام راكعاً فإنها تسقط عنه الفاتحة، فيكبر تكبيرة الإحرام قائماً معتدلاً ثم يكبر للركوع ويركع، ودليل هذا الاستثناء: حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكعاً، فأسرع وركع قبل أن يدخل في الصف ثم دخل في الصف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ولم يأمره بقضاء الركعة التي أدرك ركوعها، فهذا الحديث يدل على هذا الاستثناء المسبوق، إذا أدرك منه ركعة فإنها تسقط عنه الفاتحة.
أما عموم قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:204] فمخصوصٌ بقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد انصرف من صلاة الفجر، فقال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم.
قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وصلاة الفجر جهرية.
ولا بأس أن تقرأ مع الإمام وهو يقرأ الفاتحة، أو بعد أن ينتهي، وبعد أن ينتهي أحسن؛ لأجل أن يكون إنصاتك لإمامك في قراءة الفاتحة التي هي الركن، فاستماعك للفاتحة أحسن؛ لأن الفاتحة ركن، وما بعدها سنة، والاستماع للركن أولى.(191/17)
الفرق بين الصفات الذاتية والصفات الخبرية
السؤال
هل الصفات الذاتية هي الصفات الخبرية؟
الجواب
الصفات الخبرية من الصفات الذاتية، فمثلاً: اليد والوجه والعين والساق والقدم هذه صفات خبرية، وهي ذاتية أي: نازلة بالله عز وجل، والصفات الذاتية التي ليست من الصفات الخبرية هي أيضاً بالمعنى خبرية؛ لأنه لولا إخبار الله بها ما علمناها، مثل: السمع والبصر والعلم والقدرة والإرادة وما أشبه ذلك.(191/18)
حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن
السؤال
ما حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وهل ورد في ذلك وعيد؟
الجواب
أخذ الأجرة على قراءة القرآن حرام، مثلاً: إنسان يقول: أريد أن أقرأ لكم بأجرة، هذا محرم وليس له ثواب.
وأما أخذ الأجرة على تعليم القرآن فلا بأس به، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل تعليم القرآن مهراً، والمهر عوض.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز أخذ الأجرة على القراءة على المريض، كما في قصة أصحاب السرية الذين نزلوا ضيوفاً على قومٍ من العرب فأبى هؤلاء القوم أن يضيفوهم فتنحوا ناحية، فسلط الله على رئيسهم عقرباً فلدغته، وأتوا إلى الصحابة قالوا: هل فيكم أحد يقرأ؟ قالوا: نعم، لكن لا نقرأ لكم إلا بشيء.
فأعطوهم قطيعاً من الغنم، فقرأ عليه القارئ بسورة الفاتحة، فقام اللديغ كأنما نشط من عقال وأخذوا الغنم، وأتوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (خذوا واضربوا لي معكم بسهمٍ) .(191/19)
حكم تأخير أذان الظهر في مصلى الجامعة لمدة عشرين دقيقة
السؤال
هل يصح تأخير أذان الظهر في المصلى في الجامعة لمدة عشرين دقيقة أو أكثر، نظراً لأن الإقامة حددت بميعاد الساعة الثانية عشرة ونصف؟
الجواب
لا بأس أن يكون الأذان قبل الإقامة بربع ساعة ما دام أنهم لا يشوشون على غيرهم، فإن كانوا يشوشون على غيرهم بحيث يكون لديهم ميكرفون مثلاً على السطح يغرروا به على الناس فلا، ثم إذا كانوا في وسط البلد فأذان البلد يكفيهم؛ لأنهم يسمعونه.(191/20)
حكم إنفاذ الوصية غير الثابتة كتابة أو بشهود
السؤال
رجل أوصى بوصية في مرضه الأخير لرجل موثوق به، ولكن أهله لا يعلمون بالوصية؛ لأنها لم تثبت كتابة ولا بشهود، إلا الموصى إليه، فما الحكم في هذا علماً بأن الوصية ليست خارجة عن الحد الشرعي؟
الجواب
إذا صدَّقه الورثة؛ فلا بأس، فإن كذبوه فإنها لا تثبت.
لكن هل يجوز أن يكذبوه أم لا؟ إذا علموا أنه ثقة فإنهم لا يكذبونه، لكن لا يلزمهم التصديق، إنما نقول: إذا علموا أنه ثقة فلينفذوا الوصية، أما إذا شكوا في هذا الأمر بأن يكون هذا الرجل صديقاً للميت ويخشون أنه قال هذا محاباةً للميت فلا يلزمهم التصديق.(191/21)
درجة حديث: (من صلى عليّ حين يصبح عشراً)
السؤال
فضيلة الشيخ! ما صحة حديث: (من صلى عليَّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامة) ؟
الجواب
لا أدري عنه، لكن -الحمد الله- أسباب إدراك الشفاعة كثيرة، ومن أسبابها: أن يجيب المؤذن، فإذا انتهى صلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم سأل الله الوسيلة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإذا فعل ذلك حلت له الشفاعة.(191/22)
حكم حضور المرأة لصلاة الجمعة
السؤال
ما هو القول الراجح في حضور المرأة لصلاة الجمعة؟
الجواب
القول الراجح: أنه لا يصح لها الحضور لا في صلاة الجمعة ولا في غيرها، إلا صلاة العيد؛ لأن صلاة العيد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج لها النساء، وما عدا ذلك فهو مباح لكنه ليس بمطلوب، وعلى المرأة إذا خرجت لصلاة العيد أو للصلوات الأخرى أو لحاجةٍ في السوق أن تخرج غير متبرجة بزينة ولا متطيبة ولا متعجرفة في مشيتها، أي: تمشي بحياء.(191/23)
حكم من صلى بالإيماء وهو قادر على الركوع والسجود في الطائرة
السؤال
شخصٌ صلى في الطائرة بالإيماء وكان يمكنه أن يركع ويسجد، هل عليه إعادة أم ماذا وهل يعذر بجهله؟
الجواب
عليه الإعادة ما دام يمكنه ولم يفعل، لأن الركوع والسجود أركان.
أما الأوامر فلا تسقط بالجهل وكان عليه أن يسأل، ثم إذا كان يمكنه أن ينزل في المطار قبل خروج الوقت لماذا لم يتأخر؟(191/24)
حكم صلاة من لم يجد إلا ثوبين: الأول محرم والآخر شفاف
السؤال
رجل لم يجد إلا ثوبين أحدهما محرم والآخر شفاف، والمحرم يستر العورة، فأيهما يقدم؟
الجواب
يقدم المحرم؛ لأن المحرم يستر مع تحريم اللبس والصلاة صحيحة، أما الذي لا يستر فوجوده كالعدم.
المهم الثوب المحرم يستر ويحصل به المقصود، والشفاف لا يحصل به المقصود كأنه عاري، كأن يكون المحرم حريراً والآخر مسروقاً فإنه يأخذ الحرير؛ لأن المحرم لحق الله أهون من المحرم لحق الآدمي، والمحرم لحق الله عند الضرورة إليه يكون مباحاً.(191/25)
حكم قول العاطس: الحمد لله رب العالمين
السؤال
بالنسبة للعاطس إذا قال: الحمد لله رب العالمين، هل فيه بأس؟
الجواب
لا أرى فيه بأساً؛ لأن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (فليحمد الله) ، أو (فحمد الله) .
عام.(191/26)
حكم زيادة ركعة في الصلاة
السؤال
رجلٌ زاد في الركعة الثانية ركعة ثالثة، فتذكر أنه زاد، فهل يجلس، أو يكملها ويسجد السهو؟
الجواب
إذا زاد الإنسان ركعة في صلاته ثالثة في الفجر، ورابعة في المغرب، وخامسة في الرباعية، يجب أن يجلس متى ذكر، ثم يكمل التشهد، ويسجد بعد السلام.(191/27)
موضع الاستفتاح في الصلاة
السؤال
أيهما أفضل للمأموم: أن يبدأ بالاستفتاح، أو يبدأ عند استفتاح الإمام بقراءة الفاتحة، أي: بعد تكبيرة الإحرام؟ مع العلم أن الصلاة جهرية؟
الجواب
لو دخل بعد أن شرع الإمام بالقراءة -قراءة الفاتحة- لا يستفتح بل يسكت، فإذا فرغ الإمام استفتح ثم قرأ الفاتحة، وإذا كان أدرك الإمام بالقراءة التي بعد الفاتحة، فلا يمكن إلا أن يقرأ الفاتحة، لأنه إذا كان في الفاتحة فالإمام له سكتة يمكن أن يستفتح فيها.(191/28)
حكم ما تم إخراجه نقوداً لزكاة الفطر بعد معرفة القول الراجح
السؤال
لو أن شخصاً كان يخرج زكاة الفطر نقداً، آحذاً بقول علماء بلده، ثم تبين له القول الراجح، فما يلزمه من صدقته؟
الجواب
لا يلزمه، كل من فعل شيئاً بفتوى عالم أو باتباع علماء بلده فلا شيء عليه، مثال ذلك: لو أن امرأة لا تؤدي زكاة الحلي فبقيت سنوات لا تدري أن الحلي يجب فيه الزكاة، أو بناءً على أن علماءها يفتونها بأنه لا زكاة فيه، ثم تبين لها، فإنها تؤدي الزكاة بعد أن تبين لها، وقبل ذلك لا يلزمها.(191/29)
حكم دخول المستشفى على حساب التأمين
السؤال
إنسان مريض والشركة عندهم تأمين صحي، فهل له أن يدخل المستشفى بهذا التأمين حيث أنهم يخصمون من راتبه مبلغاً شهرياً سواءً مرض أو ما مرض، والشركة تدفع لشركة التأمين؟
الجواب
يتعالج بقدر ما أخذوا منه ولو كان مبلغاً بسيطاً، ولو كان ريالاً واحداً، فالريال به حبة إسبرين، حبة الإسبرين لا يحاسبهم عليها والباقي يعطيهم، أما إذا كانوا هم الذين يدفعون، أحياناً الشركات لا تأخذ على العامل شيئاً من أجرته، لكنهم فيما بينهم وبين المستشفى مثلاً يؤمِّنون هذا ما عليه منهم.
لا يدخل ما دام أنهم متعاقدون مع المستشفى هو بنفسه، فالمهم أنه إذا كان التأمين من الشركة التي هو عندها وراتبه ما يأخذون منه شيئاً فلا بأس؛ لأنه هو الآن لم يتعاقد معاقدة ميسر وأما إذا كان معه فهو ميسر لا يجوز العمل به.(191/30)
حكم طلب المسلم للمشقة لزيادة الأجر
السؤال
هل يتعمد المسلم المشقة لحديث: (أجركِ على قدر مشقتكِ) ؟
الجواب
أرأيت الآن لو كان الماء حاراً يشق عليك: هل الأفضل أن تتوضأ بالماء الحار أم بالماء المناسب؟ أيهما أشق؟ الحار.
إذا كان عليه جنابة في ليالي الشتاء، هل الأرفق به أن يسخن الماء ويغتسل، أو يغتسل بالماء البارد؟ الماء البارد أسهل وأفضل، الحديث يقول: (إذا تعبتِ في العمرة) ما قال: اتعبي فيها.
أي: إذا تعبتِ في العمرة وزاد العمل فالأجر على قدر التعب، إنسان مثلاً يذهب إلى المسجد ويصلي جماعة ويتعب بعض الشيء، وإنسان يذهب بسهولة، الأول يؤجر على مشقته، لكن لا نقول: اطلب الإشقاق على نفسك، بل إن طلب الإشقاق على النفس من الأمور المذمومة، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو بن العاص أن يصوم كل الدهر، وأن يقوم كل الليل، لما فيه من المشقة.
واقرأ قول الله تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ.
} [النساء:147] أما: (أجرك على قدر نصبكِ) فالمعنى: أنكِ إذا تعبت في نسككِ فلكِ أجر على التعب، كإنسان يطوف والمطاف واسع، وإنسان يطوف بمشقة، الثاني أكثر أجراً من الأول، لكن لا نقول: انتظر حتى يوجد الزحام الشديد وطف.(191/31)
حكم استعمال النساء بعض الأطعمة للوجه والشعر
السؤال
بعض النساء يستخدمن بعض الأطعمة كالبيض واللبن والعسل للوجه والشعر، سواءً للتجميل أو للعلاج، فما حكم ذلك؟
الجواب
ما في بأس، لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] ما لم تصل المسألة إلى حد الامتهان فهنا يمنع.(191/32)
مشروعية الانتفاع بالمسجد القديم
السؤال
المسجد القديم توقفت منفعته وهناك مسجد جديد، هل للإمام أن يبني في مكان المسجد القديم غرفة له؟
الجواب
إذا كان المسجد الثاني قد جعل بدلاً عن الأول صار الأول لا حكم له، ولكنه وقف يرجع أمره إلى ولي الأمر.(191/33)
حكم الترتيب لمن فاتته أكثر من صلاة
السؤال
رجل عليه أكثر من صلاةٍ فائتة، ما حكم الترتيب في هذه الحالة سواءً كان عمداً أو جهلاً؟
الجواب
الترتيب واجب، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقد قضى الصلوات في غزوة الخندق مرتبة، فيجب على من فاتته صلوات أن يقضيها مرتبة، لكن لو جهل أو نسي فلا شيء عليه.
وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
وبارك الله فيكم وأثابكم: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) .(191/34)
لقاء الباب المفتوح [192]
وصف الله سبحانه وتعالى الجنتين المذكورتين أولاً في سورة الرحمن بمجموعة من الصفات الدالة على عظم نعيمها، وروعة منظرها، ودنو ثمارها، وكمال أحوالها، وجمال نسائها.
وهنا بيان لكل ذلك، وإجابات قيمة لأسئلة شرعية هامة.(192/1)
تفسير آيات من سورة الرحمن
الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والتسعون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثلاثون من شهر رجب عام (1419هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء كما هي العادة بالكلام عن شيءٍ من آيات الله عز وجل.(192/2)
تفسير قوله تعالى: (ولمن خاف مقام ربه جنتان)
قال الله تبارك وتعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] أي: أن من خاف مقام الله بين يدي الله يوم القيامة فإن له جنتين، هذا الخوف يستلزم شيئين: الأول: الإيمان بلقاء الله عز وجل، لأن الإنسان لا يخاف من شيء إلا وقد تيقنه.
الثاني: أن يتجنب محارم الله، وأن يقوم بما أوجب الله خوفاً من عقاب الله تعالى، فيلزم كل إنسان أن يؤمن بلقاء الله عز وجل لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] ، وقال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة:22] فمن خاف هذا المقام بين يدي الله عز وجل فله جنتان.
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:47] سبق الكلام عليها.(192/3)
تفسير قوله تعالى: (ذواتا أفنان)
قال تعالى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} [الرحمن:48] أي: صاحبتا أفنان، والأفنان: جمع فنن وهو الغصن، أي: أنهما مشتملتان على أشجارٍ عظيمة، ذوات أغصانٍ كثيرة، وهذه الأغصان كلها تبهج الناظرين، وفيها من كل فاكهة زوجان.(192/4)
تفسير قوله تعالى: (فيهما عينان تجريان)
قال تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} [الرحمن:50] فيهما -أي: الجنتين- عينان تجريان، وقد ذكر الله تعالى أن في الجنة أنهاراً من أربعة أصناف، فقال جل وعلا: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] والعينان اللتان تجريان يظهر -والله أعلم- أنهما سوى هذه الأنهار الأربعة.(192/5)
تفسير قوله تعالى: (فيهما من كل فاكهة زوجان)
قال تعالى: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن:52] أي: في هاتين الجنتين (من كل فاكهة) والفاكهة: كل ما يتفكه الإنسان به مذاقاً ونظراً وشماً، فيشمل أنواع الفاكهة الموجودة في الدنيا، وربما يكون هناك فواكه أخرى ليس لها نظيرٌ في الدنيا.
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:53] .(192/6)
تفسير قوله تعالى: (متكئين على فرش بطائنها من استبرق وجنى الجنتين دان)
قال تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن:54] أي: يتنعمون بهذه الفاكهة حال كونهم متكئين، وعلى هذا فكلمة (متكئين) تكون حالاً من فاعل الفعل المحذوف، أي: يتنعمون أو يتفكهون متكئين، والاتكاء قيل: إنه هو التربع؛ لأن الإنسان أريح ما يكون إذا كان متربعاً، وقيل: متكئين، أي: معتمدين على مساند من اليمين والشمال ووراء الظهر، (على فرش) أي: جالسين على فرش (بطائنها من إستبرق) أي: بطانة الفراش وهو ما يحابيه الفراش (من إستبرق) وهو غليظ الديباج، وأما أعلى هذه الفرش فهو من سندس، وهو رقيق الديباج، وكله من الحرير.
قال تعالى: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن:54] تأمل أو تصور هذه الحالة! إنسان متكئ مطمئن مستريح، يريد أن يتفكه من هذه الفواكه هل يقوم من مكانه الذي هو مستقرٌ فيه متكئ ليتناول الثمرة؟ لا، بيَّن الله ذلك بقوله: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن:54] قال أهل العلم: إنه كلما نظر إلى ثمرة وهو يشتهيها أنهرع الغصن حتى كانت الثمرة بين يديه، لا يحتاج إلى تعب أو قيام، بل هو متكئ ينظر إلى الثمرة مشتهياً إياها، فتدلى له بأمر الله عز وجل مع أنها جماد، لكن الله تعالى أعطاها إحساساً بأن تتدلى عليه إذا اشتهاها، ولا تستغرب الآن كل الأشجار في الغالب تستقبل الشمس! انظر إلى وجوه الأوراق في أول النهار تجدها متجهةً إلى المشرق، في آخر النهار تتجه إلى المغرب، فيها إحساس، كذلك أيضاً: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن:54] قريب، يحس إذا نظر إليه الرجل أو المرأة فإنه يتدلى حتى يكون بين يديه.
قال تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:55] .(192/7)
تفسير قوله تعالى: (فيهن قاصرات الطرف)
قال تعالى: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الرحمن:56] (فيهن) أكثر الناس يقول: إن الضمير يعود إلى الجنتين، وأن الجمع باعتبار أن لكل واحدٍ من الناس جنة خاصة به، فيكون (فيهن) أي: في جنة كل واحد ممن هو في هذه الجنتين (قاصرات الطرف) وعندي أن قوله: (فيهن) يشمل الجنات الأربع، هاتين الجنتين والجنتين اللتين بعدهما، (قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ) أي: أنها تقصر طرفها -أي: نظرها- على زوجها، فلا تريد غيره، هذا وجه.
وهناك وجه آخر: {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} أي: أنها تقصر طرف زوجها عليها فلا يريد غيرها، وعلى القول الأول: يكون قاصرات مضافاً إلى الفاعل، وعلى الثاني: يكون قاصرات مضافاً إلى المفعول، أي: أن طرفهن قاصر على الأزواج، أو أنه قاصرٌ طرفه عليها.
{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56] (لم يطمثهن) أي: لم يجامعهن، وقيل: إن الطمث مجامعة البكر، والمعنى: أنهن أبكار لم يجامعهن أحدٌ من قبل، لا إنس ولا جن، وفي هذا دليلٌ واضح على أن المؤمنين من الجن يدخلون الجنة.(192/8)
تفسير قوله تعالى: (كأنهن الياقوت والمرجان)
قال تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:58] أي: في الحسن والصفاء (كالياقوت والمرجان) وهما جوهران نفيسان، (الياقوت) في الصفاء، (والمرجان) في الحمرة، أي: أنهن مشربات بالحمرة مع صفاءٍ تام.(192/9)
تفسير قوله تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)
ثم قال عز وجل: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:60] أي: ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، الإحسان الأول العمل، والإحسان الثاني الثواب، أي: ما جزاء إحسان العمل إلا إحسان الثواب {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:61] ويأتي إن شاء الله الكلام عن الجنتين الأخريين.(192/10)
الأسئلة(192/11)
ضابط معرفة المميز
السؤال
هل تصح صلاة الصبي في أثناء الصغر؟
الجواب
نعم، ما دام مميزاً فإنه لا يعتبر قاطعاً للصلاة، حتى دون السابعة قد يكون مميزاً؛ لأن القول الراجح أن المميز هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب، سواءً كان دون السابعة أو في السابعة أو فوقها.(192/12)
الضابط في الشرك الأكبر والأصغر
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هو الضابط في الشرك الأكبر وما هو الضابط في الشرك الأصغر؟ وهل تعتبر المعاصي من الشرك، علماً بأنه يغلب عليه حب الشهوة وحب المعصية على حب الله؟
الجواب
الضابط في الشرك الأكبر أنه ما أخرج من الملة، وهذا يرجع على أنك إذا وجدت حديثاً ما أن هذا شرك، انظر إلى قواعد الشريعة بالنصوص الأخرى فإن كان مثله يخرج من الملة فهو شركٌ أكبر، وإن كان لا يخرج فهو شركٌ أصغر.
إذاً لا بد إذا جاءت النصوص بأن هذا شرك أن نعيد هذا النص إلى القواعد العامة للشريعة، إذا وردت النصوص بالشرك، ولكنه بمقتضى القواعد العامة للشريعة لا يخرج من الإسلام، فهو شركٌ أصغر، مثل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) .
أما بالنسبة لجعل المعاصي كلها شركاً فهذا نعم، بالمعنى العام؛ لأن المعاصي إنما تصدر عن هوى، وقد سمى الله تعالى من اتبع هواه متخذاً له إلهاً، فقال: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:23] إذاً عندنا ثلاثة أشياء: الإطار العام: وهو أن كل معصية فهي نوعٌ من الشرك؛ لأنها صادرة عن الهوى، وقد جعل الله تعالى من اتخذ هواه إلهاً جعله متخذاً له إلهاً.
الثاني: الشرك إذا أطلق، فهل نحمله على الشرك الأكبر أم الشرك الأصغر؟ نقول: ننظر إلى القواعد العامة في الشريعة إن اقتضى أن يكون خارجاً عن الإسلام فهو أكبر وإلا فلا.(192/13)
وقت أذكار الصباح والمساء
السؤال
ما هو الوقت الذي يبدأ فيه جواز أذكار الصباح والمساء، وهل له وقت ينتهي؟
الجواب
المعروف أن المساء يكون من الزوال إلى منتصف الليل، وأن الصباح يكون من طلوع الفجر إلى الزوال، لكن كلما قرب من الفجر مثلاً فهو أدنى إلى الإصابة، وكلما قرب إلى المساء فهو أدنى إلى الإصابة، لكن هناك أشياء ينص على أنها بعد الغروب، مثل: (من قرأ آية الكرسي في ليلة) ، ومثل: (من قرأ في ليلته الآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه) فالمهم ما قيد في الليل فهو بالليل، وما لم يقيد فالمساء واسع.(192/14)
جواز الاستمناء بيد الزوجة
السؤال
ذكر الشيخ مرعي الكرمي في متن الدليل في كتاب النكاح: "وله أن يستمني بيدها" يعني: الزوجة، فهل هذا الكلام صحيح؟
الجواب
نعم صحيح؛ لقوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المعارج:30] .(192/15)
حكم سؤال غير الله تعالى
السائل: هل يجوز السؤال لغير الله؟ الشيخ: هل هناك أحد أكبر من الله؟ السائل: هذا شائع عندنا.
الشيخ: هذا أشد وأشد؛ لأنه جعل مرتبة الخالق دون مرتبة المخلوق فلا يجوز، وإذا سمعت أحداً يقول هذا فانصحه، وقل له: كلامك يعني أن الخالق أدنى مرتبةً من المخلوق الذي جعلته شفيعاً إليه.(192/16)
حكم استخدام وسائل إتقان اللغات الأجنبية
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا كانت طبيعة العمل تفرض في أحيان كثيرة على الموظف التحدث باللغة الإنجليزية، فهل يجوز لهذا الموظف الاستعانة بالصحف والبرامج الأجنبية الإخبارية، لتقوية لغته من باب إتقان عمله والقيام بواجباته؟
الجواب
هذا ينظر لموضوع الكلمات التي يريد أن يراجعها ليتقوى بها، أحياناً تكون المواضيع سيئة، فإذا كانت مواضيع سيئة فإنه لا يمكن أن نأخذ بالقشور واللب فاسد، أما إذا كانت مواضيع مباحة فلا بأس.(192/17)
حكم الترتيب في رمي الجمرات
السؤال
أحدهم في الحج بدأ رمي الجمرات بدأ بالوسطى ثم الصغرى ثم الكبرى، هل يلزمه شيء؟
الجواب
جاهلاً أم عامداً؟ السائل: عامداً.
الشيخ: يدري أنه حرام؟ السائل: والله لا أدري لأنه سألني رجل.
الشيخ: المهم أنه إذا كان يعلم أنه حرام فعليه فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء، وإن كان لا يدري أو يدري ولكن يظن أنه يجوز له في حال الزحام ألا يرتب، فهو جاهل ولا شيء عليه.(192/18)
ضابط جواز الغيبة
السؤال
فضيلة الشيخ! أعرف شخصاً يمشي مع شباب وهو يكذب ويسرق، وكلما أردت أن أبين للشباب خطر هذا، قالوا: إنها من الغيبة فلا تذكر اسمه؟
الجواب
هذا غلط، هذا من باب النصيحة، إذا رأيت إنساناً يفعل مع أحدٍ ما لا ينبغي، فبلغه، فليس هذا من الغيبة ولا من النميمة، اذكر اسمه، ما هي الفائدة إن لم تذكر اسمه؟! ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ فاطمة بنت قيس وقد أتت إليه تخبره أنه خطبها ثلاثة: معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد، فجاءت تستشير الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لها: (أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فضراب للنساء، أنكحي أسامة) فبين عيب هذين الرجلين، أحدهما عيبٌ لا اختيار للإنسان فيه: وهو كون معاوية ليس عنده مال، والثاني: عيبٌ للإنسان أن يتخلص منه وهو كونه ضراباً للنساء، فيجب عليه أن يبين لهؤلاء.(192/19)
الفرق بين الانشغال عن صلاة الجماعة والانشغال عن صلاة الجمعة
السؤال
هل الانشغال عن صلاة الجماعة في البيت كالانشغال عن الجمعة من حيث الحرمة والبطلان؟
الجواب
الانشغال عن صلاة الجمعة بالبيع والشراء بعد الأذان أشد من الانشغال عن صلاة الجماعة؛ لأن صلاة الجماعة تصح من المنفرد، وصلاة الجمعة لا تصح.
ثانياً: الحكم بالنسبة لصلاة الجماعة يتعلق بالإقامة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار) ، وأما الجمعة فيتعلق بالأذان.
السائل: هل تصح بعد هذا عند الإقامة في صلاة الجماعة يعني: لو اشترى أو باع؟ الشيخ: هو آثم بلا شك، لكن هل يصح أم لا يصح؟ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم ينه عن البيع والشراء بعد الإقامة، لكن في الجمعة أمر الله بتركها، فقال: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] ففي الجمعة إذا باع أو اشترى بعد الأذان وهو ممن تلزمه الجمعة فالبيع باطل، أما صلاة الجماعة فأحتار الآن فيه، أتوقف الآن.(192/20)
متى يصير الخوف من غير الله شركاً
السؤال
يا شيخ -عفا الله عنك- مسألة الخوف من غير الله، ما هو الضابط في كونه مخرجاً من الملة؟
الجواب
الخوف من غير الله إذا اقتضته الطبيعة والجبلة فليس على الإنسان شيء، وأما إذا كان خوف تقرب وتعظيم فهذا هو الذي يكون من الشرك، خوف الإنسان من السبع لا بأس به، خوفه من النار، خوفه من الغرق، خوفه من العدو، هذا لا بأس به، لكن الأخير إذا كان الخوف من العدو مع وجوب الجهاد يؤدي إلى ترك الجهاد فهذا حرام، لقوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:15] الآن خوفك من الله هل هو كخوفك من الأسد؟ لا، خوفك من الله خوف إجلال وتعظيم وهيبة، وأما خوفك من الأسد فليس كذلك، خوف من شره فقط وتهرب منه.
السائل: ما حكم الخوف من القبر؟ الشيخ: هذا شرك أكبر؛ لأن صاحب القبر لا يخاف منه، لا يخاف من دعائه؛ لأنه انقطع عمله، ولا يخاف من ضرره لأنه انقطع، هذا من الشرك الأكبر؛ لأنه لا يمكن إلا أن يكون خوف تعظيم ومحبة واعتقاد أنه ينفعه أو يضره، وهو لا ينفع ولا يضر.
السائل: خوف الشخص من الحي أن يؤذيه، ما الضابط في هذه المسألة.
الشيخ: صحيح، لا يمكن أن يكون هذا شركاً، لكن قد يكون إذا منعه من واجب صار حراماً لأجل هذا.(192/21)
حكم ضرب الطفل قبل العاشرة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز ضرب الطفل دون العاشرة للصلاة؟ وهل يضرب لغير الصلاة كالتأديب؟ وفي أي سن يضرب؟
الجواب
أما ضربه للصلاة فلا يجوز قبل العاشرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حددها.
وأما ضربه للتأديب فلا بأس ولو قبل العاشرة إذا كان ينتفع بذلك ويتأدب.
ويضرب لعشر للصلاة ولغير الصلاة في السن الذي ينتفع فيه بالتأديب يضرب، ويقيد الضرب في كل أحواله بأنه غير مبرح.(192/22)
إدراك الركعة بإدراك الركوع
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الإخوان لا يرون إدراك الركعة بإدراك الركوع، ويعللون ذلك بأن حديث قراءة الفاتحة ورد في البخاري وهذا في غيره، فما رأيكم؟
الجواب
يرى بعض العلماء: أن قراءة الفاتحة لا بد منها في كل ركعة، حتى في المسبوق إذا أدرك الإمام راكعاً فإنه يكبر ويركع مع الإمام، ولكن لا يعتد بهذه الركعة، وهذا القول ضعيف بلا شك، ويضعفه حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين أخبره: أنه عجل وأسرع ليدرك الإمام راكعاً، قال له: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ولو كان لم يدرك الركعة لأمره أن يقضيها، فسكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن قضائها يدل على أنه بإدراك الركوع يدرك الركعة، هذا من جهة الأثر.
أما من جهة النظر أن يقال: قراءة الفاتحة متى تكون؟ في أي حال؟ القيام الآن سقط لوجوب متابعة الإمام، فيسقط الذكر الواجب له تبعاً له.
وهذا هو الصحيح: أن الإنسان إذا أدرك الركوع فقد أدرك الركعة.(192/23)
كفر تارك الصلاة بالكلية
السؤال
هل يفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خمس صلواتٍ كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً فله عند الله عهدٌ أن يدخله الجنة، ومن لم يأتِ بهن فليس له عند الله عهدٌ أن يدخله الجنة إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة) إن تارك الصلاة تحت مشيئة الله تعالى، وهل الصلاة شرطٌ في صحة الإيمان؟
الجواب
لا يفهم منه ذلك؛ لأن الحديث الذي أشرت إليه قال: (فمن أتى بهن وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن) أي: ومن لم يأت بهن على هذا الوجه، يجب أن يحمل الحديث على هذا؛ لوجود أحاديث أخرى صريحة في أن تارك الصلاة كافر، وطريقة الراسخين في العلم ألا يتبع المتشابه المحتمل ويدع الشيء الواضح، فما دام عندنا شيء واضح في أن تارك الصلاة كافر، فإننا نحمل ما يمكن أن يعارضه أو لا يعارضه نحمله على الوجه الذي لا يعارضه حتى تبقى النصوص كلها محكمة.
وأما هل العمل شرط في صحة الإيمان؟ فنقول: العمل منه شرط الإيمان، ومنه ما ليس بشرط، فالصلاة فعلها شرط في أصل الإيمان وليس في كماله، فمن لم يصل فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة.(192/24)
حكم سلام المرأة على رجل أجنبي
السؤال
ما حكم سلام النساء للرجال الأجانب؟
الجواب
لا يجوز للمرأة أن تسلم على رجل أجنبي؛ لأن هذا فتنة -لا سيما إذا كانت شابة- وأصل السلام سنة، فكيف إذا خيف منه الفتنة، فإنه يسقط استحبابه، حتى لو دخلت عليه في الدكان لا تسلم، تسأله عن الحاجة التي تريدها ثم تذهب.(192/25)
حكم مشاهدة الطفل لأفلام الفيديو النافعة
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل ليس في بيته تلفاز وعنده ابن عمره أقل من ست سنوات وأم هذا الولد تلح على زوجها بشراء جهاز فيديو وتلفاز ليستفيد هذا الطفل من هذه الأشرطة وتحفظه من اللعب في الشارع، مع أن الأشرطة دينية وبعضها كمثال تعليم الحروف الهجائية، ولكن فيها صور حيوانية متحركة، وأصحاب الفيل، وهكذا؟ الشيخ: لا بأس، أرى أن يجيب زوجته لهذا؛ لأنه يحفظ الطفل من الذهاب يميناً وشمالاً، أو عن الذهاب إلى الجيران ويوضع له أشرطة فيها خير له، وكون الصور متحركة لا يضر؛ لأن هذا التحرك تحرك فني حسبما صمم، فلا أرى فيه بأساً.(192/26)
حكم المتردد بين أداء الصلاة وتركها
السؤال
شخص أعرفه متذبذب في الصلاة، تارةً يصلي وتارةً يترك الصلاة، فما حكم الشرع في هذا، هل هو تارك للصلاة؟
الجواب
والله في الشرع لا أستطيع أن أعبر عن الشرع، أعبر عن رأيي في الموضوع، وأرجو من إخواني الذين يسألون ألا يوجهوا السؤال لواحد من الناس يقول: ما حكم الشرع، هذا إنما يصدق على الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه مشرع، إلا إذا قيده وقال: ما حكم الشرع في نظرك، فلا بأس.
على كل حال: الذي أرى أن الذي يصلي ويترك، مع اعتقاده فرضية الصلاة، ليس بكافر لكنه فاسق، أما إذا ترك الصلاة بالكلية وعرفنا هذا الرجل لا يصلي لا في البيت ولا في المسجد ولا مع الناس ولا منفرداً فهذا كافر، هذا ما نراه.
وبعض العلماء من المتقدمين والمتأخرين: يرى أنه إذا ترك صلاةً واحدةً حتى خرج وقتها بلا عذر فهو كافر.
وبعضهم يقول: إذا ترك صلاةً وما يجمع إليها مثل: لو ترك الظهر مع العصر حتى غابت الشمس كفر، ولو ترك الظهر حتى دخل وقت العصر لم يكفر.
ولكن الذي أرى: أن من يصلي ويترك لا يكفر.(192/27)
حكم الصلاة بلا أذان ولا إقامة
السؤال
رجل صلى فريضة بلا أذان ولا إقامة، ما حكم صلاته؟
الجواب
صلاته صحيحة؛ لأن الشخص الأذان والإقامة في حقه سنة، حتى لو كانوا جماعة وتركوا الأذان والإقامة فصلاتهم صحيحة، لكنهم آثمون حيث لم يؤذنوا ولم يقيموا.(192/28)
الانشغال عن الصلاة بتشجيع النوادي
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيك في الذين يشجعون الأندية الرياضية أثناء الصلوات ويتكاسلون عن أداء الصلوات؟ الشيخ: يشجعون الأندية ويحضرونها أم لا يحضرونها؟ السائل: يحضرونها.
الشيخ: يشجعونها ويحضرونها ولا يؤدون الصلاة.
السائل: يتكاسلون عن أداء الصلوات.
الشيخ: أرى أن هؤلاء خسروا دنياهم وأخراهم، حيث لم يستفيدوا من أعمالهم إلا هذا اللهو واللعب، وأضاعوا الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، فإذا كنت تعرفهم جزاك الله خيراً فانصحهم وقل: اتقوا الله، هذه الأندية لا تنفعكم.
لكني أقول: والحمد لله في النوادي الآن شبابٌ صالح يحتضن الشباب ويوجههم، وإذا جاء وقت الصلاة صلوا، أي: لا نحكم على كل الأندية بأنها ليست مستقيمة، بل من الأندية ما فيها خير كثير.(192/29)
حكم شراء ذوات الأنياب والمخالب
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم شراء ذوات الأنياب والمخالب من أجل الحدائق؟
الجواب
ظاهر كلام العلماء أنه حرام؛ لأنهم يقولون: إن السباع إذا كانت تصلح للصيد جاز بيعها وشراؤها، أما إذا كانت لا تصلح فإنه لا يجوز بيعها ولا شراؤها، هذه قاعدة الفقهاء، والمسألة تحتاج إلى نظر؛ لأنه قد يقال: إذا كانت لا تلهيه عن طاعة الله فإنه لا بأس بها، لكنها تحتاج إلى نظر، وإنما أخبرك الآن عن كلام الفقهاء، وأما رأيي فتحتاج إلى نظر.(192/30)
حكم توريث المسلم من الكافر
السؤال
فضيلة الشيخ! ماذا يفعل بمال الكافر إذا مات، هل يعطى أولاده، أم لا؟
الجواب
أولاده كفار أم مسلمون؟ السائل: مسلمون.
الشيخ: لا يعطى أولاده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) .(192/31)
حكم أكل البصل والثوم قبل الصلاة
السؤال
ما حكم أكل البصل والثوم للرجل قبل الصلاة؟
الجواب
يجوز للإنسان أن يأكل البصل والثوم، ولو كان قرب وقت الصلاة إذا كان لا يريد التحيل على ترك الصلاة، ولكن إذا جاء وقت الصلاة والرائحة لا تزال في فمه فلا يحضر المسجد، ولعله يحاول أن يستعمل من الأشياء ما تزول به الرائحة، حتى يحصل له حضور المسجد.(192/32)
وجوب توجه المصلي في الحرم نحو الكعبة
السؤال
الصلاة في الحرم، إذا كان الحرم مزدحماً، والإنسان داخل الحرم، لكن لم يتجه إلى اتجاه الكعبة كاملاً، كالخطوط.
أو هذه الأشياء، تصح صلاته، أم لا بد من استقبال عين الكعبة؟
الجواب
من كان في المسجد الحرام يمكنه مشاهدة الكعبة فلا بد أن يشاهد الكعبة، وأن يكون متجهاً إليها بجميع بدنه.
السائل: الأعمدة، وبالنسبة إذا امتد الصف إلى خارج المسجد لا يستطيع.
الشيخ: أما خارج المسجد فالآن والحمد لله جعلوا البلكات متجهة إلى الكعبة بالضبط، كل الساحات التي حول المسجد اتجاهها إلى الكعبة يقيناً، وكذلك السطح، أما الداخل فهم الآن وضعوا خطوطاً دقيقة تدل الإنسان على مواجهة الكعبة.
السائل: وهل الرؤية شرط؟ الشيخ: ليست شرطاً، المهم أن يكون متجهاً إلى الكعبة، حتى لو حال بينه وبينها عمود.
السائل: بالنسبة يا شيخ للصفوف المتقطعة، أحياناً الإنسان يكون في الدور الثاني، وقامت الصلاة، هل يجب عليه النزول لملء الصفوف السفلى؟ الشيخ: لا يجب، لكنه يتقدم ويكمل الصف الأول فالأول في نفس الدور الثاني.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(192/33)
لقاء الباب المفتوح [193]
هذا اللقاء عبارة عن تفسير آيات من سورة الرحمن حيث ابتدأ تفسيره بقوله تعالى: (ومن دونهما جنتان) إلى آخر السورة، مبيناً وموضحاً المعاني والأحكام والعبر والعظات من خلال هذه الآيات.
ثم أجاب عن الأسئلة.(193/1)
تفسير آيات من سورة الرحمن
الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والتسعون بعد المائة من اللقاءات المعروفة باسم (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا هو يوم الخميس السابع من شهر شعبان عام (1419هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على ما تبقى من سورة الرحمن.(193/2)
تفسير قوله تعالى: (ومن دونهما جنتان)
قال الله تبارك وتعالى: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن:62] أي: من دون الجنتين السابقتين جنتان من نوعٍ آخر، وقد جاء ذلك مبيناً في السنة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما) والآية صريحة في أن هاتين الجنتين دون الأوليان، {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن:62-64] أي: سودوان من كثرة الأشجار، {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:65] .(193/3)
تفسير قوله تعالى: (فيهما عينان نضاختان)
قال تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن:66] أي: تنضخ بالماء -أي: تنبت- وفي الجنتين السابقتين قال: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ) [الرحمن:50] والجري أكمل من النبع؛ لأن النبع لا يزال في مكانه لكنه لا ينضب، أما الذي يجري فإنه يسيح، فهو أعلى وأكمل.
{فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:66-67] .(193/4)
تفسير قوله تعالى: (فيهما فاكهة ونخل ورمان)
قال تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:68] وهناك يقول: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن:52] أما هذا فقال: (فيهما فاكهة ونخل ورمان) والنخل والرمان معروفان في الدنيا، ولكن يجب أن تعلموا أنه لا يستوي هذا وهذا، الاسم واحد والمسمى يختلف اختلافاً كثيراً، ودليل ذلك قوله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] ولو كان النخل والرمان في الجنة كالنخل والرمان في الدنيا لكنا نعلم، لكننا لا نعلم، فالاسم إذاً واحد ولكن الحقيقة مختلفة، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: [ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء فقط] {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:68-69] .(193/5)
تفسير قوله تعالى: (فيهن خيرات حسان)
{فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن:70] (فيهن) في الأول قال: (فيهما) هل هناك فرق؟ الأول مثنى (فيهما) اثنين، وهذا (فيهن) جمع، كيف قال: (فيهن) ، وقال قبل ذلك: (فيهما) ؟ لأن هذا الجمع يعود على الجنان الأربع كلها، ففي الجنان الأربع (قاصرات الطرف) كما سبق، وفي الجنان الأربع (خيرات حسان) (فيهن) أي: في الجنان الأربع، (خيرات) خيرات في الأخلاق، أخلاق طيبة، (حسان) الوجوه والهيكل، فالأول حسنٌ باطن وهذا حسن ظاهر.
{فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:70-71] .(193/6)
تفسير قوله تعالى: (حور مقصورات في الخيام)
قال تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72] الحوراء هي الجميلة التي جملت في جميع خلقها، وبالأخص العين شديدة البياض شديدة السواد واسعة مستديرة من أحسن ما يكون (مقصورات) أي: مخبآت (في الخيام) جمع خيمة، والخيمة معروفة وهي بناء له عمود وأروقة، لكن الخيمة في الآخرة ليست كالخيمة في الدنيا، خيمة من لؤلؤ طولها في السماء مرتفع جداً، ويرى من في باطنها من ظاهرها ولا تسأل عن حسنها وجمالها، هؤلاء الحور مقصورات مخبآت في هذه الخيام، على أكمل ما يكون من الدلال والتنعيم، {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:73] .(193/7)
تفسير قوله تعالى: (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان)
قال تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:74] أي: لم يجامعهن أحد، بل هي باقية على بكارتها إلى أن يغشاها زوجها إذا دخل الجنة، جعلنا الله وإياكم منهم (لم يطمثهن إنس ولا جان) أي: ولا جن، وهذا يدل على أن الجن يدخلون الجنة مع الإنس، وهو كذلك؛ لأن الله لا يظلم أحداً، والجن منهم صالحون ومنهم دون ذلك، منهم مسلمون ومنهم كافرون، كالإنس تماماً، كما أن الإنس فيهم مطيع وعاصٍ، فهم فيهم كافر ومؤمن، كذلك الجن، والجني المسلم فيه خير يدل على الخير، وينبأ بالخير، ويساعد أهل الصلاح من الإنس، والجني الفاسق أو الكافر مثل الفاسق أو الكافر من بني آدم سواءً بسواء، كافرهم يدخل النار بإجماع المسلمين، كما في القرآن: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ} [الأعراف:38] وهذا نص القرآن، وأجمع العلماء على أن كافر الجن يدخل النار، ومؤمن الجن يدخل الجنة، ولهذا سورة الرحمن (فبأي آلاء ربكما تكذبان) يعني: الجن والإنس، {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:74] يدل على أن الجن يدخلون الجنة وهو كذلك.
{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:74-75] .(193/8)
تفسير قوله تعالى: (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان)
قال تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن:76] (متكئين) أي: معتمدين بأيديهم وظهورهم (على رفرف) أي: على مساند ترفرف فيها رفرفة مثل الشلش الذي يكون في المساند، يكون في الأسرة هكذا يرفرف، متكئين على الرف الخضر؛ لأن اللون الأخضر أنسب ما يكون للنظر، وأشد ما يكون بهجة للقلب، (وعبقري حسان) العبقري: هو الفرش الجيدة جداً، ولهذا يسمى الجيد من كل شيء: عبقري، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤية التي رآها حين نزع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: (فما رأيتُ عبقرياً يفري فرية) أي: ينزع نزعة من قوته رضي الله عنه.
{وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:76-77] ومعنى: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) التقرير، أي: أن النعم واضحة، فبأي شيءٍ تكذبون؟
الجواب
لا نكذب بشيء، نعترف بآلاء الله -أي: بنعمه- ونقر بها، ونعترف أننا مقصرون، لم نشكر الله تعالى حق شكره، ولكننا نؤمن بأن عفو الله أوسع من ذنوبنا، وأن الله تبارك وتعالى عفوٌ كريم يحب توبة عبده، ويحب التوابين ويحب المتطهرين، حتى قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم) وذكر الرجل في فلاة أضل راحلته -ضيعها- وعليها طعامه وشرابه، فطلبها ولم يجدها وهو في فلاة من الأرض ليس حوله أحد، فأيس منها، فاضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت -أي: يئس من الحياة- فإذا بخطام ناقته متعلق بالشجرة، فأخذه وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، ماذا يريد؟ يريد: أنت ربي وأنا عبدك، لكن من شدة الفرح أخطأ، فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، فالله تعالى أشد فرحاً بتوبة عبده من هذا الرجل بناقته، اللهم تب علينا يا رب العالمين.(193/9)
تفسير قوله تعالى: (تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام)
قال تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:78] ختم السورة بهذه الجملة العظيمة، أي: ما أعظم بركة الله عز وجل، وما أعظم البركة باسمه، حتى إن اسم الله يحلل الذبيحة أو يحرمها، لو ذبح إنسان ذبيحة ولم يقل: باسم الله، ماذا تكون؟ تكون ميتة حراماً نجسة، مضرة على البدن، حتى لو نسي، ذبحها ونسي أن يقول: بسم الله فهي حرام، نجسة، تفسد البدن، فيجب أن يسحبها للكلاب؛ لأنها نجسة، قال الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام:121] فانظر البركة، الإنسان إذا توضأ ولم يسم فوضوءه عند بعض العلماء: وضوء فاسد لابد أن يعيده؛ لأن البسملة واجبة عند بعض أهل العلم.
يرى الإنسان الصيد الزاحف أو الطائر فيرميه ولم يسم ماذا يكون هذا الصيد؟ يكون حراماً، ميتة، نجساً، مضراً على البدن.
الإنسان إذا أتى أهله -يعني: جامع زوجته- وقال: (باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) كان هذا حمايةً لهذا الولد الذي ينشأ من هذا الجماع من الشيطان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن أحدكم أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً) الإنسان يسعى يميناً وشمالاً لحماية ولده، ويخسر الدراهم الكثيرة، وهنا هذا الدواء من الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو غالٍ أم رخيص؟ رخيص ومن حيث العمل سهل، هذا يحميه من الشيطان أبداً، (باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) كل هذا دليل على بركة اسم الله عز وجل، ولهذا قال: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:78] أي: ذي العظمة والإكرام، هل الإكرام يعني: هو يُكَرم أم هو يُكِرم؟ كله، فهو يُكَرم ويحترم ويعظم عز وجل، وهو -أيضاً- يُكِرم، قال الله تعالى في أصحاب الجنة -اللهم اجعلنا منهم-: {أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:35] فهو ذو الجلال والإكرام، يكرم من يستحق الإكرام وهو يكرمه عز وجل عباده الصالحون، جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه.
وإلى هنا تنتهي قراءاتنا في التفسير وبه تنتهي سورة الرحمن.(193/10)
الأسئلة(193/11)
حكم مشاهدة الأفلام الكرتونية الهادفة
السؤال
فضيلة الشيخ! فيما يتعلق ببعض الوسائل التربوية تقوم بعض المؤسسات الإعلامية بإنتاج أفلام فيديو كرتونية هادفة بلباسٍ إسلامي تحكي بعض قصص الفاتحين ومشاهير الإسلام، وقد بان أثرها جلياً من إقبال الناس عليها وتعلق الصغار بها، فهل يرى فضيلة الشيخ أن نعتبر هذه الوسائل بديلاً جزئياً لما يبثه الإعلام من زخمٍ وما يعقبه من فساد الدين والفضيلة؟
الجواب
لا شك أن هذه الأفلام التي خرجت أن فيها فائدة ومصلحة من وجه، وفيها كف مفسدة، مما ينشر في الإعلام الذي يريد به ناشروه (هدم الأخلاق) والعقيدة، لعلكم تدركون معنى قولي: هدم الأخلاق؛ لأن كثيراً من الذين يشاهدون ما يبث -ولا سيما في الدشوش- فسدت أخلاقهم وانحطت، يعني: هناك أناس متخرجون من كليات شرعية، ملتزمون ابتلوا بمشاهدة هذه الأفلام فانسلخت أخلاقهم إنسلاخاً كاملاً -والعياذ بالله- وصاروا إلى حدٍ لا أحب أن أتكلم ما أسمع، وهذا واضح، لكن كيف تكون هدماً للعقيدة -الإيمان بالله عز وجل- لأن الإنسان إذا مال إلى الشهوات وتعلق بالشهوات المحرمة فإن ذلك يسبق عقيدته، ويكون همه يقظان ونائم، همه هذه الشهوات فتنسلخ العقيدة وتذهب -والعياذ بالله- القلب إناء، الإناء إذا ملأته بماء هل يمكن أن تزيده لبناً؟ لا، لو صببت عليه لبناً تناثر، فهو إناء إن ملأته بالخير امتنع عن الشر، وإن ملأته بالشر امتنع عن الخير، فهذه الأفلام التي سأل عنها أخونا لا شك أنها مفيدة، لكن بقي أن هذه الأفلام التي اصطنعها ليس عنده علمٌ فيما وراء المظهر، فمثلاً: نسمع أنه يعرض فيها محمد الفاتح، الصبي إذا صار يشاهد هذا الفيلم لا تفكر أنه يتصور أن أحداً من أبطال الإسلام أعظم من محمد الفاتح، ويظن أن محمد الفاتح هو بطل الإسلام الوحيد، وهذه مشكلة، وإن عرض خالد بن الوليد وأشباهه من أبطال الصحابة فهي مشكلة أيضاً؛ لأن الصحابة لا نرى جواز تمثيلهم أبداً، فهي مشكلة.
لكن لو عرض في هذه الأفلام معارك بين المسلمين وأعدائهم دون التنصيص على شخصٍ معين حتى لا تتعلق به النفوس لكان خيراً، حتى لو لم تكن على هذا الوضع وكانت على عرض ما يشاهد في الكون من الكواكب والنجوم والشمس والقمر وما يشاهد في الأرض من الأنهار وغيرها فهذا أيضاً طيب، ولو عرض -أيضاً- ما شوهد في الأسبوع الماضي من الشهب الكبيرة التي انتشرت والبعض منكم رآها، واستفاضت بها الأخبار من الساعة الثالثة إلى الساعة السادسة حتى طردها نور الشمس والناس يشاهدونها من الشرق والغرب والشمال والجنوب وفوق الرءوس، لكنها من الشرق أكثر، بالآلاف حسب من نقل لنا هو وجماعة معه ليست بالمئات ولا بالعشرات تتهاوى.
لكن يقول: لا يصطدم بعضها ببعض على كثرتها، حتى يقول: أيقظنا نورها وظننا أن هذا فرق مستمر.
فمثل هذا المشهد لو عرض صار من أعظم ما يكون تخويفاً ورقة للقلب.
فنرجو من أصحاب الأفلام أن يستعملوا مثل هذه الأشياء، أما أن يُخصص فاتح في العصور المتأخرة بعد الصحابة حتى يظن الطفل أو الصبي أنه لا أعظم بطولة من هذا الرجل هذا لا نراه؛ لأن هذا ينسي خالد بن الوليد وحمزة بن عبد المطلب وغيرهما من الأبطال.(193/12)
حكم حضور النساء الأفراح التي فيها غناء
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الأخوات تسأل تقول: نحضر بعض حفلات الزواج، وعندما يبدأ الطبل والغناء نخرج إلى خارج فناء قصر الأفراح ولا نسمع الغناء فما حكم ذلك؟ وهل تبرأ الذمة إذا قمنا بتوزيع بعض الأشرطة والكتيبات النافعة؟
الجواب
أولاً: يجب أن نعلم أن الغناء مع الدف في ليالي العرس من الأمور المطلوبة، لكن بالدف لا بالطبل، الدف الذي ليس له إلا وجه واحد، هذا جاءت به السنة، وأمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا ينكر ولا يقام عن المكان الذي هو فيه، لكن إذا كان فيه موسيقى أو طبول فلا بد من الإنكار أولاً، فإن أبوا فالواجب الخروج من المكان، ثم من الأحسن الخروج حتى من القصر إذا أمكن أن نهجر هؤلاء الذين أصروا على معصيتهم، وإذا كانت المرأة المدعوة تعلم أن هذا سيكون فلا تذهب أصلاً، لكن أحياناً لا تدري إلا وقد وقعت في هذا.
وتوزيع الكتيبات النافعة أو الأشرطة النافعة هذا طيب جداً ويستمر عليه، إن شاء الله مطلوب في نفس المكان، ورأيت بعض الناس يتوجه ببطاقة الدعوة وضع فيها كتيباً أو شريطاً.(193/13)
حكم صلاة المغرب مع من يصلي العشاء
السؤال
هناك سؤال بالنسبة للمسافرين: في بعض الأحيان نأتي إلى صلاة المغرب بنية جمع تقديم، فنرى الجماعة تصلي -مثلاً- العشاء ونحن نريد المغرب جمع تأخير، في هذه الحالة نكون في إشكال؛ لأنهم يتمون أربع ركعات ونحن نريد ثلاث ركعات أو غير هذا؟
الجواب
هذه لا إشكالات فيها وحلها: أنك تدخل معهم بنية المغرب، فإن دخلت من أول ركعة فإذا قام الإمام للرابعة اجلس واقرأ التشهد وسلم، وادخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وإن أدركتهم في الركعة الثانية سلم معهم؛ لأنك صليت ثلاثاً، وإن أدركتهم في الركعة الثالثة تأتي بركعة وهلم جراً، هذا هو الحل ولا إشكال في هذا إن شاء الله.(193/14)
حكم إقامة وليمة تصيد الأخطاء
السؤال
هناك عادة موجودة عبارة عن إقامة وليمة تصيد الأخطاء، في مجلس من المجالس -مثلاً- عندما يقع خطأ من أحد الناس يقال مثلاً: عليك حق، وعندما يحدث تنازع يلجئون إلى شخص ثالث يفصل في القضية فيقال: هل يكون عليَّ حق أم لا؟ فما الحكم في هذا؟
الجواب
هذان سؤالان بارك الله فيك، أدخلتهما في سؤال والحيلة في العلم ما فيها بركة.
أما الأول: فأرى أنه من أكل المال بالباطل، يعني: إني أسمع أنه إذا قال: يا محمد وهو اسمه عبد الله، قال: عليك حق، بأي شيء؟ السهو يكون من كل إنسان، وربما نفس الذي قال: يا عبد الله لمن اسمه محمد واسمه عبد الله ربما يكون هنا قصدك من أجل أن يكون عليك حق ويضحكون عليك، أرى أن هذا من أكل المال بالباطل، ما الذي حصل؟ فالعدول عنه لا شك أبرأ للذمة وأحوط.
أما إذا تنازع شخصان ثم اصطلحا أن يصلح بينهما شخص ورأى أن أحدهما ظالم وأنه لا يسمح صاحبه إلا أن يصنع وليمة فأرجو ألا يكون به بأس، بشرط: ألا يكون هذا على وجه الإلزام، أو يكون بدلاً عن حكم الله، كما يوجد في بعض القبائل؛ لأن هذا محرم ولا يجوز.(193/15)
الرد على من يقول: إن رسم القرآن في عهد الرسول لم يكن منقطاً
السؤال
في شبهة يقولون: إن رسم القرآن الحالي جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم غير منقط، والآن موجود الرسم الحالي منقط، فيقولون: إن هناك تلاعباً -والعياذ بالله- في قضية كيف عرض الباء والتاء والثاء كيف الرد عليهم يا شيخ؟ لأن الرسم الحالي منقط ومشكل، وعندما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن كذلك، فيقال: كيف ميزوا بين هذه الأحرف؟
الجواب
أولاً: نرد على هؤلاء فنقول: إن القرآن لم ينزل مكتوباً كالتوراة، التوراة نزلت مكتوبة، القرآن نزل بالسماع -بالصوت- إذاً ما هناك حرف معين منقط أو غير منقط فهو كلام يبقى النظر في كتابته، الصحابة رضي الله عنهم حينما كتبوه على عهد عثمان المصحف الموحد كتبوه حسب القواعد المعروفة في ذلك الوقت، وهي في ذلك الوقت على هذا الواقع، ولذا على نفس الموضوع الموجود في المصاحف، ولهذا تجد أن هذه القاعدة تخالف القاعدة المعروفة عندنا، فالصلاة مثلاً تكتب بالواو في المصحف والزكاة بالواو، والربا بالواو، وحسب القاعدة التي عندنا، كذلك الصلاة والزكاة تجد أن فيها الألف المشالة، وهذه فيها الألف بدلها، وأشياء كثيرة مختلفة، فهذا خاضع للاصطلاح، ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله: هل يجوز أن نكتب المصحف الآن على الرسم الموجود في عصرنا، أو لا بد أن نلتزم بالرسم العثماني؟ فيها ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه لا بأس أن نرسمه على حسب رسمنا نحن.
القول الثاني: أنه لا يجوز مطلقاً، وأنه يجب إبقاء الرسم كما هو؛ وذلك لأن القواعد الرسمية -الخط يعني- يختلف من بلدٍ لآخر، فالواجب إبقاء القرآن محترماً على ما جاء أولاً.
القول الثالث: هو التفصيل: إذا كتبناه للصغار الذين يتعلمون نكتبه حسب القواعد المعروفة عندهم؛ لئلا يغيروا اللفظ؛ لأن الصبي لا يعرفها، إذا قرأ (أقيموا الصلاة) يجول حسب قواعد الصوت مثلاً، فيقول: إذا كان للتعليم فلا بأس أن يكتب بالحرف الموجود الآن، وإذا كان للتلاوة من الكبار فإنه لا يجوز.
وهذا القول لا شك أنه أحسن وهو التفصيل.(193/16)
حكم الإتيان بدعاء الاستفتاح في الركوع
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك رجل كبير في السن إذا جاء والإمام راكع يبدأ بدعاء الاستفتاح ولا يقول: سبحان ربي العظيم، ثم يقوم الإمام وهو لم يقم، فهل تعتبر هذه الركعة صحيحة، وهل يعيد الصلوات إذا كانت هذه الركعة غير صحيحة؟
الجواب
هو يظن إذاً أن الاستفتاح يقال في أول ركعة، من بداية الصلاة، هذا يجب عليه أن يسجد للسهو، إن أوجبنا عليه سجدة السهو؛ لأنه ترك الواجب وهو سبحان ربي العظيم، وصلاته صحيحة ما دام يكبر للإحرام وهو قائم فالصلاة صحيحة، ولا إعادة عليه ولا شيء.(193/17)
حكم قطع جزء من آذان الأنعام لزيادة ثمنها
السؤال
ما حكم قطع جزء من آذان الأنعام والماعز بحجة أن شكلها يجعلها مرغوبة في البيع ويزداد سعرها؟
الجواب
لا بأس بذلك، بشرط ألا يؤلمها، بمعنى: أن يبنج الموضع الذي يريد أن يقطع منه حتى لا تتألم، ولهذا جاز لنا أن نكوي البهائم بالوسم حفاظاً عليها لئلا تضيع.(193/18)
معنى قوله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)
السؤال
يا شيخ! ما معنى الآية: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] ؟ وقوله: {مَنْ يَشَاءُ} هل تعود إلى الله سبحانه وتعالى أم إلى العبد؟
الجواب
تفسيرها: أن الرسول عليه الصلاة والسلام حريص على هداية الخلق، يحب عليه الصلاة والسلام أن يهتدي به جميع الخلق، ولكن هذا ليس إليه، عليه شيء واحد وهو البلاغ والدعوة فقط، أما أن يهدي الخلق فليس عليه شيء، كما قال في آيةٍ أخرى: ((لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)) [البقرة:272] هذه مثلها: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] والهداية هنا بمعنى التوفيق، لا بمعنى الدلالة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يدل الخلق، كما قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] لكن ليس بيده أن يجعل الإنسان يهتدي، ولهذا حرص غاية الحرص على أن يختم الله تعالى لعمه أبو طالب بكلمة التوحيد، ولم يتمكن، أبو طالب كلنا يعرف ما له من أيادٍ ونصر للرسول عليه الصلاة والسلام ويحوطه ويذب عنه بقوله وفعله، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حريص على أن يهتدي، أتى إليه وهو في سياق الموت، وقال له: (يا عم! -لفظة رقيقة- قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، وكان عنده رجلان من قريش، وجليس السوء كله سوء، فكان الرسول يقول له: قل: لا إله إلا الله وهما يقولان له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟) ما هي ملة عبد المطلب؟ اللات إله والعزى إله ومناة إله- أترغب عن ملة عبد المطلب؟ آخر ما قاله -والعياذ بالله- هو على ملة عبد المطلب -اللهم أحسن خاتمتنا يا رب، اللهم أحسن خاتمتنا، اللهم أحسن خاتمتنا- قال: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، أتدرون ماذا حصل؟ كان النبي صلى الله عليه وسلم من أشد الناس وفاءً بالمعروف، كافأ عمه وشفع له عند الله، فكان في ضحضاح من نار وعليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه -والعياذ بالله- وهما في رجليه ودماغه أعلى بدنه يغلي منهما، ما بالك في بطنه وصدره؟ أشد وأشد؛ لأنه أقرب إلى النار -نسأل الله العافية- فكان في ضحضاح من نار يغلي منهما دماغه أبد الآبدين، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) الرسول عليه الصلاة والسلام جزع وقال: (لأستغفرن لك ما لم أنه عنك) أي: جزع من فعل أبي طالب وامتناعه، لا من قدر الله، قدر الله هو راضٍ به لا شك، لما قال: (لأستغفرن لك ما لم أنه عنك) اسمع ما الذي نزل؟ أنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113] ثم أجاب الله عن شيء آخر ورد استغفار رسول -لا تتعجب- استغفار رسول من أولي العزم لأبيه، أجاب الله عنه فقال: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:114] ولهذا لا يجوز لنا إذا علمنا أن أحداً من أقاربنا أو أصدقائنا مات وهو لا يصلي لا يجوز أن نستغفر الله له، لو فعلنا لخرجنا عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا؛ لأن الله يقول: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة:113] فإذا علمت أن أباك أو أخاك أو ابنك مات وهو لا يصلي لا تستغفر له، أتريد أن تحاد وتضاد الله في قدره؟! إن الله قضى على الكافرين أنهم في النار، ولا أحد يستغفر لأحد من المشركين أبداً.
إذاً الرسول صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يهدي الخلق إلى الحق -يدلهم عليه- ولا يستطيع أن يهتدوا، الأمر بيد من هو فوق الرسول عليه الصلاة والسلام وفوق كل أحد وهو الله عز وجل، سبحان الله! عجائب الخلق، إبراهيم أبوه كافر أم مسلم؟ كافر، نوح ابنه كافر سبحان الله! كافر خرج من رسول من أولي عزم، ورسول خرج من كافر من أولي العزم، ليتبين لك بذلك قدرة الله عز وجل، وأنه على كل شيءٍ قدير، اللهم اهدنا فيمن هديت.(193/19)
ما يُقلب من الملابس بعد صلاة الاستسقاء
السؤال
بالنسبة للضابط في قلب الرداء بعد صلاة الاستسقاء هل يكون الشماغ بديلاً للرداء، أو الفروة؟
الجواب
الشماغ ليس بديلاً للرداء، والفروة مثل الرداء؛ لأنها على البدن، والمشلح أيضاً، لكن الغترة لا، الغترة أشبه في عهد الرسول بالعمامة، فلا تدخل في الحديث.(193/20)
الحالات التي يجوز فيها الكذب
السؤال
الحالات التي ورد ذكرها في حديث أم كلثوم وحديث أسماء بنت يزيد التي يجوز فيها الكذب، هل المراد بالكذب الكذب الحقيقي أم المعاريض والتورية؟ وإذا كان حقيقياً هل يقاس عليه مصلحة درء مفسدة؟
الجواب
الكذب في ثلاث الأولى: الحرب.
الثانية: حديث الرجل مع زوجته والعكس.
الثالثة: للإصلاح بين متخاصمين.
بعض العلماء يقول: هذا هو الكذب الصريح؛ لأن التورية تجوز في هذا وغيره.
ومنهم من يقول: إن المراد التورية كما قال إبراهيم: إنه يعتذر بأنه كذب ثلاث كذبات وهي كلها تورية، والاحتياط: ألا يقول إلا تورية، حتى في الحرب لا يقول: إلا تورية، ولذلك يقال: إن عمرو بن ود أراد المبارزة مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والمبارزة: إذا التقى الصفان طلبوا المبارزة، رجل منكم يبرز لرجل منا؛ لأنه إذا غلب أحدهما حصلت الذلة لأصحابه، لما خرج عمرو بن ود ليبارز علي بن أبي طالب، وعلي بن أبي طالب معروف بالذكاء رضي الله عنه صاح به، وقال: ما خرجت لأبارز رجلين، ما الذي حصل؟ عمرو بن ود التفت يحسب أن معه أحداً، يحسب أن أحداً لحقه، فلما التفت ضربه علي بن أبي طالب على رقبته وخلصه، هذه تورية طيبة وفي الحرب.
كذلك الإصلاح بين الناس، إذا رأيت اثنين متخاصمين تصلح بينهما تقول: لا والله لا يذكرك إلا بخير وما أشبه ذلك وتنوي شيئاً آخر.
أما حديث الرجل مع زوجته فاحذر أن تكذب عليها، لا تكذب عليها، لا تقل: والله أنا اشتريت الثوب هذا بألف ريال وهو بعشرين ريالاً، وتسأل عن قيمته في السوق وهو بعشرة ريالات، ماذا يصير؟ مشكلة، يحصل الضد، فلا تكذب عليها، احذر هذا، لا بأس أن تقول: إني أحبك وأنتِ غالية عليَّ وما أشبه ذلك، وهي كذلك أيضاً، وأيضاً لا تحدثها بهذا، لو حدثتها بهذا الحديث لأخذته بظاهره ثم صارت كل يوم تكذب عليك، فالظاهر لي والله أعلم: أن المراد بذلك التورية وأن الكذب الصريح لا يجوز إلا عند الضرورة القصوى.
والحمد لله رب العالمين، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(193/21)
لقاء الباب المفتوح [194]
صيام رمضان ركن من أركان الإسلام التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، والصيام لا يكون واجباً إلا إذا توفرت فيه عدة شروط، والشروط مذكورة في هذا اللقاء، والصوم الحسي -وهو الذي يستطيعه كل إنسان- هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وجميع المفطرات الأخرى، لكن الصوم الحقيقي هو الإمساك عن الوقوع في محارم الله عز وجل.(194/1)
من أحكام الصيام
الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع والتسعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الرابع عشر من شهر شعبان عام (1419هـ) .
وبما أن الطلاب في زمن امتحان، فإننا سنجعل هذا اللقاء اليوم آخر لقاءٍ لنا في هذا الشهر، ونستأنف اللقاء إن شاء الله تعالى بعد العيد، وبناءً على ذلك نتكلم بما ييسر الله عز وجل من الصيام وأحكامه.(194/2)
مكانة الصيام من ديننا وفرضيته
إن الدين الإسلامي بني على خمسة أركان -خمسة دعائم- هي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وأداء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، فالصيام أحد هذه الأركان، فرضها الله عز وجل في السنة الثانية من الهجرة، ومن تيسير الله تعالى على عباده أن من شاء صام ومن شاء أطعم في أول الأمر ثم تعين الصيام، فصار صيام رمضان فرض عين، ولا يُعدل عن الصيام إلى الإطعام إلا إذا كان الإنسان يعجز عنه -أي: عن الصيام- عجزاً مستمراً فإنه يطعم عن كل يومٍ مسكيناً.(194/3)
شروط الصيام
الصيام لا يجب إلا بشروط: الشرط الأول: الإسلام.
والثاني: البلوغ.
والثالث: العقل.
والرابع: القدرة.
والخامس: الإقامة.
والسادس: ألا يكون هناك مانع.
- الشرط الأول: الإسلام وضده الكفر، فالكافر لا يجب عليه الصوم، ولا يؤمر به ولا ينصح به، وإذا أسلم فإنه لا يلزمه القضاء لقول الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] .
- البلوغ: ضده الصغر، فالصغير الذي دون البلوغ لا يلزمه الصوم، ولكن يؤمر به ليعتاده، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يصومون أولادهم الصغار حتى إن الواحد من هؤلاء الصغار ليبكي فيعطونه العهن يتلهى به -يعني شيئاً يتلهى به- حتى تغرب الشمس.
- العقل: ضده فقد العقل، سواءً كان بالجنون، أو كان بغيبوبة من حادث، أو كان ببلوغ الكبر حتى يهذي في كلامه ولا يعرف، فهؤلاء كلهم ليس عليهم صيام، وليس عليهم إطعام، فلو أصيب الإنسان بحادث قبل دخول شهر رمضان ولم يفق منه إلا بعد خروجه فلا شيء عليه؛ لأنه ليس من أهل الوجوب، ولذلك لا يقضِ الصلاة ولا يقضِ غيرها مما يجب في ذلك الوقت، وكذلك للذي يهذي، وهو الذي بلغ السن الكبيرة ليس عليه صيام ولا إطعام؛ لأن هؤلاء كلهم بمنزلة الصغار.
- الرابع: القدرة وضدها العجز، فمن عجز عن الصيام فلا صيام عليه، لكن إن كان عجزه عارضاً يرجى زواله، كالمرض العادي فإنه ينتظر حتى يشفيه الله، ثم يقضي، لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] وإن كان عجزه لازماً -أي: مستمراً- كالكبير العاجز عن الصوم، والمريض مرضاً لا يرجى برؤه فإنه يطعم عن كل يومٍ مسكيناً، إما أن يعطي كل واحدٍ كيلو من الرز عن اليوم الواحد، وإما أن يجمعهم على غداءٍ أو عشاء، وإذا أعطاهم غير مطبوخ فينبغي أن يجعل معه شيئاً يؤدمه من لحمٍ أو غيره.
- الخامس: الإقامة وضدها السفر، فالمسافر لا صوم عليه، حتى لو كان لا يشق عليه فإنه مخير بين الصيام والفطر، والأفضل أن يصوم إلا مع نوعٍ من المشقة فليفطر، وإنما قلنا: الأفضل أن يصوم؛ لأسباب: الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر يصوم، ولم يفطر إلا مراعاةً لأصحابه حيث قيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: [كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في حرٍ شديد، حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وأكثرنا ظلاً صاحب الكساء وما فينا صائمٌ إلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعبد الله بن رواحة] .
ثانياً: أنه إذا صام صار أسهل عليه؛ لأن الناس كلهم صُوَّم، فيكون هذا أسهل عليه، أسهل عليه من القضاء؛ لأن القضاء ثقيل على الإنسان حيث أنه ينفرد به، وربما يتمادى به الوقت حتى يأتي رمضان الثاني.
ثالثاً: أنه يدرك فضيلة الزمن، وهي فضيلة شهر رمضان.
رابعاً: أنه أسرع في إبراء الذمة، لكن إذا حصل نوع مشقة ولو يسيرة فالأفضل أن يفطر.
- السادس: ألا يوجد مانع، وذلك خاصٌ بالنساء، والمانع هو الحيض والنفاس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) لكن عليهما القضاء، فإن قال قائل: الحامل هل يلزمها أن تصوم؟ ف
الجواب
إذا كان لا يضرها ولا يضر ولدها وجب عليها أن تصوم، وإن كانت تخشى على نفسها أو ولدها فلها أن تفطر وتقضي فيما بعد.(194/4)
حقيقة الصوم وما يمسك عنه الصائم وبعض آدابه وأحكامه
عماذا يصوم الإنسان: هل هو عن الأكل والشرب والجماع والمفطرات؟
الجواب
نعم.
هذا هو الصوم الحسي، الذي يستطيعه كل إنسان، لكن الصوم الحقيقي هو أن يصوم عن محارم الله، لقوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] هذه هي الحكمة أن يتقي الإنسان ربه، لا أن يترك الطعام والشراب والنكاح، وفسر هذه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه) فيتأكد على الصائم اجتناب المحرمات أكثر من غيره، فلا يغتاب أحداً، ولا يكذب، ولا يمشي بالنميمة، ولا يغش بالبيع والشراء، ولا يتعامل بالربا، ولا يسب والديه، المهم أن يتجنب جميع المحرمات، ولا يتهاون بالواجبات، والعجب أن بعض الناس يصوم ولا يصلي، إما أنه لا يصلي مطلقاً، وإما أنه لا يصلي مع الجماعة، فأما من لا يصلي مطلقاً فصومه مردود؛ لأنه كافر، ولا يقبل منه أي عبادة، وأما من لم يصل مع الجماعة فإنه آثم، عاصٍ لله ورسوله، وصيامه ناقص، فأهم شيءٍ في الصيام هو تقوى الله عز وجل -أسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذلك.
أما ما يصوم عنه من الأمور الحسية فهو الأكل والشرب والجماع وبقية المفطرات، لقول الله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] فيجب على الإنسان من حين أن يتبين له الفجر أن يمسك إلى أن تغرب الشمس، والمفطرات كلها محصورة: الأكل والشرب، والجماع، وإنزال المني بشهوة باستمناءٍ أو تقبيل أو غير ذلك، والتقيؤ عمداً، وإخراج الدم بالحجامة، وخروج دم الحيض والنفاس، هذه المفطرات، ومع ذلك لا تفطر إلا بشروط: الشرط الأول: أن يكون الإنسان عالماً بالوقت وعالماً بأن هذا مفطر، يعني: لابد من العلم بشيئين: بالوقت يعني: يعلم أنه في النهار.
والثاني: عالم بأن هذا الشيء مفطر.
الشرط الثاني: أن يكون ذاكراً، أي: ليس ناسياً.
الشرط الثالث: أن يكون مريداً للمفطر.
فللنظر: أن يكون عالماً، وضد العالم: الجاهل، فلو أن الإنسان فعل شيئاً من المفطرات يظن أنه ليس بمفطر، فلا شيء عليه، مثل أن يحتجم ويظهر منه الدم، يظن أن ذلك لا يفطر، فنقول: صيامه صحيح.
وكذلك الجاهل بالوقت، لو أنه أكل وشرب فلما خرج من بيته وجد الناس قد صلوا صلاة الفجر، فهذا ليس عليه شيء؛ لأنه جاهل بالوقت، وهذا يقع كثيراً، بعض الناس لا يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر فيظن أن الفجر لم يطلع، فيأكل ويشرب، ومثل ذلك: لو كان في البر وكانت السماء غيماً وليس حوله أذان، فظن أن الشمس قد غربت فأفطر، ثم ظهرت الشمس من وراء الغيم، فصومه صحيح؛ لأن هذه القضية وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنهم أفطروا في يوم غيم ظنوا أن الشمس قد غربت ثم ظهرت الشمس بعد إفطارهم، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالقضاء.
وسبب ذلك: أنهم كانوا جاهلين بالوقت، يظنون أن الليل قد دخل.
وضد الذكر النسيان، فلو أكل الإنسان أو شرب ناسياً أنه صائم فصومه تام، لقول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) .
الشرط الثالث: أن يكون مختاراً مريداً للفعل، فإن كان غير مختار فصيامه صحيح، لو تمضمض الإنسان وفي أثناء التمضمض نزل الماء بدون قصد إلى بطنه فصيامه صحيح؛ لأنه غير مريد، وكذلك لو احتلم وهو نائم فصيامه صحيح؛ لأنه بغير اختيار، كل هذا من نعم الله على عباده وتيسيره عليهم، ولهذا قال عز وجل في آية الصيام: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185] .(194/5)
فضل السحور
ومما ينبغي للصائم أن ينوي بسحوره -أي: في تسحره- امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله: (تسحروا فإن في السحور بركة) .
ثانياً: أن ينوي التأسي برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه كان يتسحر.
ثالثاً: أن ينوي بذلك مخالفة أهل الكتاب؛ لأنهم كانوا لا يتسحرون، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (فصل ما بيننا وبين أهل الكتاب -يعني في الصيام- أكلة السحور) لأن السحور يعني الطعام، والسحور يعني الفعل.(194/6)
من آداب الإفطار
وينبغي -أيضاً- للصائم أن يبادر إلى الإفطار إذا تيقن غروب الشمس، سواءً أذن أو لم يؤذن المغرب، أو غلب على ظنه أن الشمس قد غربت، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يزال الناس بخيرٍ ما عجلوا الفطر) ويفطر على رطب أولاً، فإن لم يمكن فعلى تمر، فإن لم يمكن فعلى ماء، وليحرص على كثرة الدعاء في حال الصيام، لا سيما عند الإفطار فإن ذلك حريٌ بالإجابة.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(194/7)
الأسئلة(194/8)
حكم لبس المرأة للبنطال أمام زوجها
السؤال
هل يجوز للمرأة أن تلبس البنطلون أمام زوجها؟
الجواب
لا.
لبس المرأة البنطلون حرام، لا يجوز سواءً عند زوجها، أو عند النساء، أو في السوق؛ لأن ذلك تشبه بالرجال، وتشبه المرأة بالرجال موجب للعنة الله -والعياذ بالله- ثم إنه يمحو الحياء من المرأة نهائياً؛ لأن المرأة إذا خرجت بالبنطلون تعرف أن أفخاذها الآن معروف أن حجمها بيِّن واضح، فيزول عنها الحياء، ولذلك تجد -مثلاً- الإنسان أول ما يرى أحد عورته يخجل جداً، فإذا كان لا يبالي بظهور عورته سهل عليه هذا.
ثم إننا لا نأمن أن يأتي يومٌ من الأيام ويحدث النصارى واليهود ومن يريدون الإساءة إلى الإسلام والمسلمين أن يحدثوا بنطلونات على شبه الجلد أي: بلون الجلد، وضيقة أيضاً، فإذا لبستها المرأة صارت كأنها عريانة تماماً -نسأل الله العافية-.(194/9)
ضعف حديث: (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم)
السؤال
فضيلة الشيخ: (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم) هل هذا حديث، أم لا؟
الجواب
لا يصح لا سنداً ولا معنىً، حتى المعنى، ألسنا نعرف اللغة العربية؟ بلى نعرفها، هل نحن نأمن العرب؟ الجواب: لا.
ألا يمكن يكون معك صاحب يظهر لك الصداقة ويخونك؟ الحديث هذا لا يصح لا معنىً ولا سنداً.(194/10)
الحكم في مال لم يثبت هل هو وقف أم لا؟
السؤال
فضيلة الشيخ! توفي والدي وتوكلت من بعده على مبلغ مائة وثلاثين ألف ريال لعمته وهو قيمة منزل تم بيعه منذ ثلاثة أعوام، فماذا أعمل بهذا المبلغ حيث لم يثبت أن هذا المنزل كان سبيلاً كما هو متعارف على الجميع؟
الجواب
حسن إذا لم يثبت أنه وقف -يعني: سبيل- فهو ميراث، يوزع على ميراث المرأة.
هي امرأة؟ السائل: نعم.
الشيخ: يوزع على ميراث المرأة إلا إذا ثبت أنه سبيل.
السائل: متعارف فقط عرف أنه سبيل بين الجميع.
الشيخ: يعني: مشهور عند الجميع؟ السائل: معروف عرف لكبار السن والصغار أنه سبيل لكن ما في أحد يشهد.
الشيخ: يعني: بالاستفاضة معروف عندهم أنه سبيل، إذاًَ نقول للورثة: ما دام أنه مستفيض فإن الورع في حقكم ألا تأخذوه يجعل في عمارة مسجد، وينتهي الموضوع.
السائل: وإذاً: لا وارث لها سوى جدي -هي عقيم- ليس لها وارث إلا جدي أخاها.
الشيخ: موجود؟ السائل: لا، توفى.
الشيخ: إذا توفى يكون ورثته أبناؤه وزوجاته، هم الذين لهم المال.
السائل: وهل على هذا المبلغ زكاة؟ الشيخ: ما عليه زكاة؛ لأنه إلى الآن ما تبين أمره.(194/11)
حكم قضاء القرض الربوي
السؤال
اقترض شخصٌ من بنكٍ ربوي قرضاً ربوياً ثم تاب الله عليه، وما زال البنك يخصم شهرياً من راتبه لتسديد القرض الذي أخذه، وليس عنده ما يسدد به القرض نقداً ويريد الخروج من البنك، فهل عليه شيء أن يسدد إلى أن ينتهي القرض؟
الجواب
الواجب عليه أن يتبرأ من هذا الربا؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن آكل الربا وموكله، بقدر ما يستطيع، إما أن يستقرض من إخوانه وأصدقائه ويوفي البنك من أجل أن يسقط الربا، المهم يدبر نفسه، فإن لم يمكن فليحرص على مدافعة البنك في أخذ هذه الزيادة، ولكن فيما أعلم أن البنوك لا توافق على هذا تريد حقها.
السائل: لكنه يا شيخ! ما يقدر يخرج من البنك يتحول عنه إلا أن يسدد القرض الذي عليه.
الشيخ: يسدد بالاستقراض من إخوانه وأصدقائه ويسدد.(194/12)
الرد على من يرى اجتماع أهل السنة بالرافضة
السؤال
ما رأيكم في هذا الكلام يا شيخ! يقول: لابد لنا نحن أهل السنة أن نمد أيدينا للرافضة نصافحهم ونبتسم في وجوههم ونجلس معهم ونضحك معهم ونتحدث إليهم ونزورهم ويزوروننا، ونصل بين ما قُطع بيننا وبينهم ونتحاور ونتشاور ونتعاون نحن وإياهم نتعاون فيما اتفقنا عليه، ونتحاور فيما اختلفنا فيه، فنجمع بين التعاون والتحاور، لا نريدهم أن يتنازلوا ولا نتنازل كلٌ يبقى في مكانه وكل في معتقده مع مواصلة التعاون والحوار؛ وذلك لأننا لا نريد الأمة أن تتشتت فوق الشتات التي تعيشه، ولا أن تتمزق فوق التمزق الذي هي واقعة فيه، لا نريد للأمة أن تواصل الشتيمة بعضها لبعض وسب بعضها للبعض الآخر، الأمة بحاجة إلى التعاون؛ لأننا نعيش واقعاً مريراً، نتعاون ونتحاور في سبيل انتشالها من واقعها المرير، وليس هناك داعٍ لأن يستفز بعضنا بعضاً، فإذا أردت أيها الرافضي! أن تسب أبا هريرة فسبه في بيتك، لكن لا تسبه علناً.
إلى أن قال: وجدت أن مذهب الشيعة عبارة عن مجموعة أخطاء جمعت وقيل: هذا مذهب الشيعة، ولو أخذنا بعض الزلات لبعض علماء أهل السنة كـ ابن حزم مثلاً وكبار علماء الأمة في كتب موثوقة ومعروفة لكان فيها البلاوي، وهذا موجود في كل الأماكن، ولو جمعتها ووضعتها في كتاب وقلت: هذا مذهب أهل السنة والجماعة من كتبهم، يعني: بلفظه، قال: والله! نكون كفاراً.
الجواب
نقول: هذا الكلام خطأ، هل يمكن لأحد أن يبيح سب أبي هريرة لا علناً ولا سراً، مع ما منَّ الله به عليه وعلى الأمة من نقل هذه الأحاديث العظيمة التي حصلت بها ثروة عظيمة من الشريعة.
على كل حال: هذا يجب أن يتقي الله عز وجل في نفسه، وأن يرجع عما كتب أو ما ألقى في شريط، لا يمكن هذا، هذا كلام مردود مرفوض، اللهم اهدنا فيمن هديت.
أما اجتماع الأمة لا شك أنه واجب، كما قال الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] لكن واجب على أي شيء؟ على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ما هو على الأهواء، (اعتصموا بحبل الله) بدأ بالحبل قبل أن يقول: (جميعاً) وحبل الله هو دينه وشريعته، وأما أن نتفق بالمداهنة، فهذا غلط، ولهذا نجد العلماء رحمهم الله يردون على المبتدعة ويرون أن الواجب عليهم الرجوع إلى الحق.(194/13)
مشروعية الفطر في السفر
السؤال
مجموعة من الشباب سافروا إلى جدة وسكنوا في جدة وأفطروا في رمضان وفي صباح اليوم الذي بعده الذي وصلوا فيه أفطروا، هل يجوز لهم الفطر؟
الجواب
التعبير بـ (سكنوا) غلط، قل: أقاموا، حسناً لا حرج عليهم، لو كانوا يرجون أن يقيموا كل رمضان في الحجاز، في مكة أو في جدة فلهم أن يفطروا؛ لأنهم ما زالوا مسافرين، ولكن كما سمعت من قبل أن صوم المسافر أفضل إذا لم يكن فيه مشقة.(194/14)
حكم الجماع في نهار رمضان جهلاً أو نسياناً
السؤال
هل يتصور الجهل أو النسيان في الجماع؟ الشيخ: اسأل الأزواج.
السائل: إلى الآن قلنا في المفطرات بأربعة شروط: أن يكون ذاكراً، لكن هل نعمم -مثلاً- على جميع المفطرات؟ الشيخ: كل المفطرات، كل المحظورات في كل عبادة، لابد فيها من الشروط الثلاثة هذه، حتى في الصلاة لو تكلم الإنسان ناسياً أو جاهلاً لا يدري أن الكلام يبطل الصلاة، حتى في محظورات الإحرام.
السائل: في طرف واحد في هذه العبادة، لكن الجماع من الطرفين.
الشيخ: نعم.
والطرفان ألا يمكن أن ينسوا، المهم نقول: إنه إذا وقع النسيان، أما كونه يمكن أو لا يمكن؟ فهذا عقلاً ممكن لا شك، صحيح أن النسيان في الأكل والشرب أكثر من الجماع، لكن ما دام لدينا قاعدة: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فهو شامل لكل شيء.
السائل: أحد الصحابة أتى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أتيت أمراً عظيماً وهلكت، لم يسأله الرسول صلى الله عليه وسلم: هل كان جاهلاً أو ناسياً؟ الشيخ: قيل: إن الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم، قال: هلكت.
وهذا يدل على أنه متعمد، ولهذا قال: (يا رسول الله! نسيت فأتيت أهلي) فلما قال: هلكت.
علم بأنه كان متعمداً، ولكن لو أن الإنسان فعل ذلك -جَاَمَع- لكن لم يدرِ أن عليه كفارة، هل يعذر؟ لا يعذر، إذا علم أنه حرام فقد انتهك الحرمة فتجب عليه الكفارة حتى لو كان يقول: لو علمت أن هذه الكفارة ما فعلت.
نقول: هذا ليس لك عذر.
كالزاني مثلاً لو زنا وهو يعلم أن الزنا حرام، لكن لا يدري أنه يرجم إذا كان ثيباً، وقال: لو علم أنه يرجم ما فعل، نقول: هذا ليس لك بعذر.(194/15)
حكم صيام من أفطر على أذان من أذن قبل غروب الشمس
السؤال
فضيلة الشيخ! في رمضان أذن المغرب واتضح أن الشمس لم تغرب، وأكل وأفطر من سمعه، فهل يقضون هذا اليوم؟
الجواب
لا.
لا يقضون هذا اليوم، لماذا؟ لأن الذين أفطروا إن كانوا لا يشاهدون الشمس فقد بنوا على أذان المؤذن، وهم معذورون، وإن كانوا يرون الشمس فهم يظنون أن العبرة بالأذان فهم جاهلون أيضاً، فليس عليهم شيء.
السائل: كانوا داخل مبنى لم يكونوا في الخارج حتى يشاهدوا الشمس.
الشيخ: ما عليهم شيء، {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] الحمد لله الذي وسع علينا، لكن إذا علموا مثلاً: لو فرضنا أنهم طلعوا ووجدوا الشمس يجب عليهم الإمساك، لو علموا أن الشمس لم تغرب بعد أن أكلوا يجب عليهم الإمساك، حتى اللقمة التي في أفواههم يجب عليهم أن يلفظوها.(194/16)
ضوابط رفع اليدين في الدعاء
السؤال
بالنسبة لضوابط رفع اليدين في الدعاء، علماً أن هناك مواضع جاءت بها السنة في رفع اليدين للحج والمطر ويوم الجمعة والاستغاثة؟
الجواب
نقول بارك الله فيك: رفع اليدين في الدعاء على ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما وردت به السنة فهذا ظاهر أنها ترفع الأيدي فيه.
والقسم الثاني: ما وردت السنة بخلافه، فهذا ظاهر -أيضاً- أنه لا يرفع فيه.
والقسم الأول كثير وأيضاً القسم الثاني فمثلاً: لو أراد إنسان بين السجدتين أن يرفع يديه وهو يقول: رب اغفر لي وارحمني، نقول: لا.
هذا بدعة، ولو أراد أن يرفع الخطيب في يوم الجمعة يديه في الدعاء، قلنا: لا.
لا ترفع إلا في الاستسقاء والاستصحاء، الاستسقاء يقول: اللهم أغثنا، والاستصحاء يقول: اللهم حوالينا، ولو أراد أن يرفع يديه في دعاء الاستفتاح، قلنا: لا؛ لأن السنة وردت بخلافه.
بقي القسم الثالث الذي لم ترد السنة به إثباتاً ولا نفياً، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل: (أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك) .
هذا حكم رفع اليدين في الدعاء.(194/17)
الأخذ بالرخصة أفضل من الأخذ بالعزيمة
السؤال
أيهما أفضل: الأخذ بالعزيمة، أم الأخذ بالرخصة؟ الشيخ: فسر لي هذا ومثل؟ السائل: مثل: الغسل في الليلة الشاتية يعني: ترك الغسل والتيمم أفضل، أم الغسل؟ الشيخ: لا.
التيمم أفضل، إذا كان يخشى على نفسه، أضف إلى هذا: هل الأفضل أن يغتسل بالماء البارد، أو يسخن الماء؟ أيهما أفضل؟ يسخن الماء، لا يقول: أنا أريد أن أدخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إسباغ الوضوء على المكاره) نقول: لا.
الرسول ما قال: شددوا، إذا أمكن استعمال الماء الساخن فهو أفضل.
السائل: كيف يصرف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه) ؟ الشيخ: يعني: إذا رخص الله لك بشيء فلا تشدد على نفسك.(194/18)
زكاة عروض التجارة
السؤال
بالنسبة لزكاة عروض التجارة، هل تدفع بالقيمة الحالية أم تدفع تكلفة البضائع؟
الجواب
لا.
تدفع القيمة الحالية، مثلاً: إذا اشتريتها بألف وتبيعها بألفين زكِ باعتبار من الألفين.(194/19)
حكم الدخان الخارج من النار إذا دخل جوف الصائم
السؤال
ما حكم الدخان الخارج من النار عند الصوم، إذا دخل الجوف هل هو مفطر يا شيخ؟!
الجواب
لا.
كيف يفطر؟ المحذور ما يفعله بعض الناس إذا تطيب بالبخور جعله إلى أنفه ثم استنشقه هذا هو المحظور؛ لأن الدخان يصعد إلى خياشيمهم وربما ينزل إلى المعدة، وأما إنسان يريد أن يتطيب فلا بأس، حتى لو مسح الطيب على وجهه فلا بأس.
انتبه لهذا؛ لأن بعض الناس يظنون أن الصائم ما يتطيب، وهذا غير صحيح.(194/20)
معنى صفة الملل
السؤال
يا شيخ! جزاك الله خيراً: الكلام عن صفات الله عز وجل، والتي هي قد تكون بالنسبة للمخلوق هي صفة نقص، مثل صفة الملل، فهل يمكن أن نقول: إن هذه صفةٌ يختص بها الله عز وجل، أم نقول: فعل؟
الجواب
نحن نمل ونتضجر ويصعب علينا الشيء، لكن ربنا عز وجل ملله ليس كمللنا، ملله يختص به ولا نستطيع أن نكيفه.
كالغضب -مثلاً- إذا غضب الإنسان تصرف تصرفاً طائشاً، ربما يطلق نسائه، ويضرب أولاده، ويكسر أوانيه، لكن هل غضب الله يستلزم هذا؟ لا يستلزمه، فيجب أن تعلم أن جميع الصفات التي أثبتها الله لنفسه ورسوله واجبة، ولا يحل لأحدٍ أن يحرف الكلم عن مواضعه بحجة: أن هذا نقصاً بالنسبة لنا، هو نقص بالنسبة لنا، وليس نقص بالنسبة لله عز وجل، الجبروت والتكبر بالنسبة لنا خلقٌ سيئ وبالنسبة لله كمال، كما قال الله عز وجل: {الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر:23] .(194/21)
حكم عمل الموظف الحكومي عند تاجر
السؤال
أنا موظف وأريد أن أعمل عند تاجر إما بالراتب وإما بالنسبة، هل هذا يجوز؟ الشيخ: وأنت موظف؟ السائل: نعم.
أنا موظف.
الشيخ: والدولة تمنع الاشتغال.
السائل: تمنع أن أفتح محلاً تجارياً، لكني أشتغل تبع شخص بالراتب، أو بالنسبة؟ الشيخ: اسأل شئون الموظفين هل يجوز لك هذا، أم لا؟ السائل: بالنسبة لهم، الآن تذهب إلى البلدية وعندما يعطونك رخصة تفتح محلاً.
الشيخ: الآن ما فتحت محلاً، لكن كنت تشتغل عاملاً عند تاجر؟ السائل: نعم.
الشيخ: اسأل الجهات المسئولة عن هذا، هل هذا داخل في التجارة أم لا؟ إذا قالوا: لا بأس فلا بأس.
السائل: بالنسبة لهم ليس لهم دخل أي: مثل الوزارة أو إدارة التعليم الشيخ: الوزارة أو ديوان الخدمة السائل: إدارة التعليم أو المدرسة لا تهتم بهذا الشيء، لكن البلدية الشيخ: إدارة التعليم يمكن ما تقول لك شيء، لكن هذا الذي سن النظام اسأله.
السائل: البلدية.
الشيخ: لا.
البلدية مبلغة، النظام هذا إنما يصدره شئون الموظفين مداخلة: أو ديوان الموظفين.
الشيخ: أو ديوان الموظفين اسألهم، وأطب مطعمك لا تأكل شيئاً حراماً السائل: نحن نسأل يا شيخ! الشيخ: أنا أقول: لا تظن أني أرطن معك أقول لكم كلكم: أطيبوا مطعمكم.
مداخلة: هناك مدرسات يعملن باستمرار؟ الشيخ: مثل ما أقول لك: اسألوا المختصين.
السائل: نحن سألناهم، قالوا: لا؛ لأنهم لا يعملون ورديتين يعملون وردية واحدة.
الشيخ: أما إذا كان يمكن أن أقول: إذا كنت تشتغل في نفس الرئاسة فهذا من مصلحة الرئاسة.
السائل: لا غير.
الشيخ: {أَوْفُوا بِالْعُقُود} [المائدة:1] وأنت داخل معهم على عقد: أنك لا تتوظف ولا ترتشي.(194/22)
مسألة المضاربة
السؤال
تجارة لا يصدر ترخيص فيها مثلاً أنا عندي مال، فأرسل أحد الأشخاص ويشتري بضاعة فيبيعها ثم يرسل لي الربح أنا استشرت في وزارة التجارة قالوا: هذا لا يمنع؟
الجواب
هذه لا بأس، لا يشترط، مثلاً الموظف لا بأس أنه يعطي الإنسان دراهم مضاربة، ويأخذ الدراهم يتجر بها وله نصف الربح أو الثلث حسب ما يتفقان عليه.
السائل: حتى لو أحدد له من نفس البضاعة بضاعة معينة؟ الشيخ: لا بأس أبداً، لذلك ما باشرت العمل غاية ما هنالك أنك سلمت دراهم.(194/23)
اختلاف العلماء في كفر تارك الصلاة
السؤال
هل ممكن أن أستشهد بالأدلة العقلية على كفر تارك الصلاة، تقول: إنه لا يتقرب إلى الله بشيء ولا يعبد الله، ثم مثلاً أدحض شبهة المرجئة؛ لأنهم يقولون: إن الإيمان هو اعتقاد بالقلب، يقول: إن إبليس لم ينكر وجود الله تعالى، بل حلف وقال: {فَبِعِزَّتِكَ} [ص:82] وقال: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الأعراف:16] فما رأيكم بالاستشهاد هذا يا شيخ؟!
الجواب
لا.
لأن الذين قالوا: إنه لا يكفر، ليس هم من المرجئة، هذه مسألة الأدلة اختلف فيها الناس، يعني: كفر تارك الصلاة أو عدم كفره ليس مبنياً على مذهب الإرجاء، ولا شك أن مذهب الإرجاء خاطئ، وقولهم: إن الإيمان ما حل في القلب، نقول: هذا إبليس مؤمن بالله ويسأل الله ويدعو الله، ومع ذلك لم ينفعهم.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(194/24)
لقاء الباب المفتوح [196]
سورة الواقعة من السور التي تناول الشيخ تفسيرها بدءاً من آياتها الأولى في تصوير يوم القيامة وأهواله، وتعريجاً على ذكر أصناف الناس في ذلك اليوم، ومن ثم التحدث عن الصنف الأول وهم السابقون، وذكر حالهم في الجنة وما رزقوا فيها.(196/1)
تفسير آيات من سورة الواقعة
الحمد الله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والتسعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثامن عشر من شهر شوال عام (1419هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بما جرت به العادة من الكلام بما ييسره الله عز وجل من آيات الله، وقد انتهينا إلى سورة الواقعة، قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم.
والبسملة آية من كتاب الله مستقلة ليست تابعة لما بعدها ولا لما قبلها، ولهذا كان القول الراجح: أنها ليست آيةً من الفاتحة، وأن الإنسان لو اقتصر في قراءته على: (الحمد لله رب العالمين) إلى آخر السورة لكان قد أتى بالركن وصحت صلاته، ولو جعلنا البسملة من الفاتحة لكانت صلاته باطلة، إذا لم يأتِ بالبسملة؛ لأنه نقص منها -أي: من الفاتحة آية- فالصواب الذي لا شك فيه أنها -أي: البسملة- ليست آية لا من الفاتحة ولا من غيرها.
وأما قوله تبارك وتعالى في سورة النمل: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:30] فهذا نقلٌ لكتاب سليمان عليه السلام وليس من القرآن الذي أنزله الله على محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم تشريعاً لهذه الأمة، إنما هو كلامٌ منقول عما كتبه سليمان عليه السلام.
(بسم الله الرحمن الرحيم) أي: أبتدئ أو أقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم سورة الواقعة.(196/2)
تفسير قوله تعالى: (إذا وقعت الواقعة)
قال الله عز وجل: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة:1-3] .
حذف الله جواب الشرط في هذه الآيات من أجل أن يذهب الذهن في تقديره كل مذهب، أي: إذا وقعت الواقعة صارت الأهوال العظيمة، وصار انقسام الناس، وحصل ما حصل مما أخبر الله به ورسوله مما يكون في يوم القيامة، وقوله: (إذا وقعت الواقعة) كقوله: (الحاقة ما الحاقة) والمراد بذلك يوم القيامة، (ليس لوقعتها كاذبة) أي: ليس لوقعتها كذب، بل وقعتها حق ولابد، والإيمان بيوم القيامة أحد أركان الإيمان الستة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان، قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) وكثيراً ما يقرن الله تعالى الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر؛ لأن الإيمان باليوم الآخر يحدو بالإنسان أن يعمل العمل الصالح وأن يبتعد عن العمل السيئ؛ لأنه يؤمن بأن هناك يوماً آخر يجازى فيه الإنسان المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
(خافضة رافعة) يعني: هي خافضة رافعة، يعني: يُخفض فيها أناس ويُرفع فيها آخرون، من الذي يُرفع؟ قال الله عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] فأهل العلم والإيمان هم الذين لهم الرفعة في الدنيا والآخرة، ومن سواهم فإنهم موضوعون بحسب بعدهم عن الإيمان والعلم، إذاً: تَخفض أهل الجهل والعصيان، وترفع أهل العلم والإيمان، وكم من إنسان في الدنيا رفيع الجاه معظمٌ عند الناس يكون يوم القيامة من أحقر عباد الله، الجبارون المتكبرون يحشرون يوم القيامة كأمثال الذر يطأهم الناس بأقدامهم، مع أنهم في الدنيا متبخترون مستكبرون عالون على عباد الله، لكنهم يوم القيامة موضوعون مهينون قد أخزاهم الله عز وجل.(196/3)
تفسير قوله تعالى: (إذا رجت الأرض رجاً)
قال تعالى: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً} [الواقعة:4-6] (إذا رجت الأرض) أي: زلزلت زلزلةً عظيمة، ولهذا قال: (رجاً) أي: رجاً عظيماً، وأنت تصور أنك ترجُ إناءً فيه ماء كيف يكون اضطراب الماء فيه؟ فالأرض يوم القيامة ترج بأمر الله عز وجل، وهذا كقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1] ، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1] إذاً (إذا رجت) أي: هزت وزلزلت (رجاً) أي: رجاً عظيماً، (وبست الجبال بساً) بعثرت وهبطت وصارت كثيباً مهيلاً ولهذا قال: (فكانت هباءً منبثاً) كالهباء الذي نراه حينما تنعكس أنوار الشمس في حجرةٍ مظلمة تجد هذا الهباء تحسه في خلال ضوء الشمس، (منبثاً) متفرقاً.
هذه الجبال الصم الصلبة، التي يكون الصخر فيها أكبر من الجمال، بل ربما يكون الجبل الواحد صخرةً واحدة يكون يوم القيامة هباءً منبثاً بأمر الله عز وجل، فتبقى الأرض ليس فيها جبال ولا شجر ولا أودية ولا رمال كما قال الله عز وجل: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً} [طه:105-106] (فيذرها) أي: الأرض {لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه:107] .(196/4)
تفسير قوله تعالى: (وكنتم أزواجاً ثلاثة)
قال تعالى: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً} [الواقعة:7] (وكنتم) الخطاب للآدميين عموماً، (أزواجاً) بمعنى: أصنافاً، كما قال الله عز وجل: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات:22] (وأزواجهم) أي: أصنافهم، وقال تعالى: {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص:58] أي: أصناف، فمعنى أزواجاً أي: أصنافاً ثلاثة لا رابع لهم: السابقون، وأصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، فينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أقسام لا رابع لهم {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة:8-10] ذكرهم الله تعالى غير مرتبين في الفضل، أصحاب الميمنة بين السابقين وبين أصحاب الشمال في المرتبة، فبدأ الله بهم، ثم ثنى بأصحاب الشمال، ثم ثلث بالسابقون، لكن عند التفصيل بدأ بهم مرتبين على حسب الفضل، فبدأ بالسابقين، ثم بأصحاب اليمين، ثم بأصحاب الشمال، وهذا التفصيل المرتب خلاف الترتيب المجمل وهو من أساليب البلاغة.
{فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} أي: أنه عز وجل أخبر بأن أحد الأصناف أصحاب الميمنة، ثم قال: {مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} من هم؟ سيأتي إن شاء الله ذكرهم مفصلاً، {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} أي: ذوو الشؤم، وسيأتي أيضاً ذكرهم مفصلاً.(196/5)
تفسير قوله تعالى: (والسابقون السابقون)
قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة:10] هؤلاء آخر الأصناف، وقوله: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} أصح الأعاريب فيها أن قوله: (السابقون) مبتدأ وخبره (السابقون) أي: أن السابقين إلى الأعمال الصالحة هم السابقون إلى الثواب في الآخرة، فكأنه قال: السابقون هم السابقون، السابقون في الدنيا بالأعمال الصالحة هم السابقون في الآخرة بالثواب {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:11] المقربون إلى الله عز وجل، فهم في أعلى الجنان، وأعلى الجنان أقرب إلى الرحمن عز وجل؛ لأن الفردوس وهو أعلى درجات الجنة فوقه عرش الله عز وجل، فيكون قوله: (المقربون) أي: إلى الله عز وجل (أولئك المقربون) إلى الله في جنات النعيم، فذكر منزله قبل ذكر منزلته، وكما يقال: الجار قبل الدار، وكما قال في امرأة فرعون: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:11] (عندك) بدأت بالجوار، وهنا قال: {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} قبل أن يبدأ بذكر الثواب؛ لأن قربهم من الله عز وجل فوق كل شيء، جعلنا الله وإياكم منهم.(196/6)
تفسير قوله تعالى: (أولئك هم المقربون)
قال تعالى: {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الواقعة:11-12] أي: في هذا المقر العظيم الذي فيه (ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) وأضاف الجنات إلى النعيم؛ لأن ساكنها منعمٌ في بدنه، منعمٌ في قلبه، كما قال الله عز وجل في سورة الإنسان: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} [الإنسان:10-11] نضرة في الوجوه وسروراً في القلوب، فهم في نعيم في جنات النعيم، نعيم البدن أو نعيم القلب أو هما؟ نعيم البدن ونعيم القلب، {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} [فاطر:33] {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان:21] هذا من نعيم البدن {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً} [الإنسان:17] … {كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} [الإنسان:5] هذا من نعيم البدن أيضاً، {فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:31] هذا من نعيم البدن، إلى غير ذلك مما ذكره الله عز وجل من النعيم في الجنة، ولو لم يكن فيها إلا أن الإنسان يخلد فيها، لا يموت، ويصح فلا يسقم، ويشب -أي: يكون شاباً دائماً- فلا يهرم، وفوق ذلك كله النظر إلى وجه الله عز وجل، كما قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] أي: فوق الحسنى، فسر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الزيادة) بأنها النظر إلى وجه الله -اللهم اجعلنا ممن ينظر إليك في جنات النعيم-.(196/7)
تفسير قوله تعالى: (ثلة من الأولين)
قال تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة:13-14] (ثلة من الأولين) قيل: إن المراد بذلك الأمم السابقة (وقليلٌ من الآخرين) أي: أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعلى هذا القول تكون قلة هذه الأمة في اعتبار كافة الأمم السابقة، وليس المعنى: أن الذين يدخلون الجنة من الأمم السابقين باعتبار كل نبي أكثر من الذين يدخلون الجنة من هذه الأمة.
وقيل المراد بالأولين: أول هذه الأمة، أي: ثلة من هذه الأمة وقليل من آخرها، وهذا القول هو الصحيح، بل هو المتعين؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إني أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة) أي: نصفهم، وفي حديثٍ آخر: (إن أهل الجنة مائة وعشرون صفاً، منهم ثمانون من هذه الأمة) وعلى هذا فلا يصح أن نقول: قليلٌ من هذه الأمة وكثيراً من الأمم السابقة، بل نقول: (ثلةٌ) أي: كثيرٌ من هذه الأمة من أولها، (وقليلٌ) من آخرها، {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ.(196/8)
تفسير قوله تعالى: (على سرر موضونة)
قال تعالى: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} [الواقعة:15-16] (سرر) جمع سرير: وهو ما يتخذه الإنسان للجلوس والنوم، (موضونة) قال العلماء: منسوجة من الذهب، (متكئين عليها) أي: معتمدين على أيديهم وعلى ظهورهم، فهم في راحة في اليد وفي الظهر، (متقابلين) أي: يقابل بعضهم بعضاً، وهذا يدل على سعة المكان؛ لأن المكان إذا كان ضيقاً لا يمكن أن يكون الناس متقابلين، لماذا؟ لا يتسع لهم، لابد أن يكون صفاً وراء صف، لكن إذا اتسع المكان ووضعت لهم سرر دائرية تقابلوا ولو كثروا، وهذه الآية تدل على أن الأمكنة واسعة وهو كذلك، ولهذا كان أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه ألفي عام، ينظر أقصاه كما ينظر أدناه، لا إله إلا الله، عجباً! ولكن ليس بعجب؛ لأن الله على كل شيءٍ قدير، والجنة عرضها كعرض السماوات والأرض، من يحيط بسماءٍ واحدة، كيف وهي كعرض السماوات السبع، والسماوات السبع بعضها فوق بعض، وكلما كان الشيء فوق، كانت الدائرة أوسع، فمن يحيط بهذا إلا الله عز وجل، عرضها كعرض السماوات والأرض.
إذاً هم متقابلون؛ لأن أمكنتهم واسعة، ولأن لديهم من كمال الأدب ما لا يمكن أن يستدبر أحدهم الآخر، كلهم مؤدبون، كلهم قلوبهم صافية، قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن التدابر، والتدابر يشمل التدابر القلبي بحيث يكون كل واحد متجه إلى وجه، والتدابر البدني، إلا عند الحاجة والضرورة هذا شيء آخر، وإلا فمتى أمكن التقابل فهو أفضل، ولو أن أحداً يكلمكم وهو قد ولاكم ظهره، هل يكون استماعكم له ومحبتكم له كما لو كان يحدثكم مستقبلاً إياكم؟ لا، وهذا شيء مشاهد معلوم.(196/9)
تفسير قوله تعالى: (يطوف عليهم ولدان مخلدون)
إذاً أهل الجنة على سرر متقابلين، {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} [الواقعة:15-16] وفي حال الاتكاء {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الواقعة:17] (الولدان) جمع ولد، أو جمع وليد، كغلمان جمع غلام، (يطوف عليهم) يتردد عليهم، (ولدانٌ مخلدون) أي: خلقوا ليخلدوا، وهم غلمان شباب، {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} [الإنسان:19] لجمالهم وصفائهم وكثرتهم وانتشارهم في أملاك أسيادهم، (إذا رأيتهم) أي: رأيت الولدان، وإذا كان الولدان تحسبهم لؤلؤاً منثوراً فإن السادة أعظم وأعظم.
{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الواقعة:17-18] (أكواب) هي عبارة عن كئوس لها عروة، والأباريق أيضاً أواني لها عراوي، (وكأس من معين) ليس له عروة، وقوله: (من معين) أي: من خمرٍ معين.
{لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} [الواقعة:19] أي: لا يوجع بها الرأس ولا ينزف بها العقل، بخلاف خمر الدنيا فإنها توجع الرأس وتذهب العقل.
{لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ} [الواقعة:19-20] معطوفة على قوله: (بأكواب) أي: ويطوف عليهم الولدان بفاكهة {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [الواقعة:20] لطيبها منظراً وطيبها مشماً وطيبها مأكلاً، هذه الفاكهة طيبة في منظرها، طيبة في رائحتها، طيبة في مأكلها ومذاقها؛ لأن الله قال: {مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [الواقعة:20] وكون الإنسان يعاف الشيء إما لقبح منظره، أو لقبح رائحته، أو لقبح مأكله، الفاكهة في الجنة لا، بل بالعكس، طيبة في لونها وحجمها وريحها ومذاقها، وسبحان الله! يؤتون بها متشابهة، متشابهة في اللون والحجم والرائحة، لكن في المذاق مختلفة، وهذا مما يزيد الإنسان فرحاً وسروراً، وإيماناً بقدرة الله عز وجل، {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:21] أي: ويطوف عليهم هؤلاء الولدان بلحم طير وذكر لحم الطير؛ لأن لحوم الطير أنعم اللحوم وألذها، وهذا الطير من أين يتغذى؟
الجواب
ليس لنا أن نسأل هذا السؤال؛ لأن أمور الغيب يجب علينا فيها أن نؤمن بها بدون السؤال عما لم يصل إلينا الخبر عنه، فنقول: إن كانت هذه الطيور تحتاج إلى غذاء فما أكثر ما تتغذى به؛ لأنها في الجنة، وإن كانت لا تحتاج إلى غذاء فالله على كل شيءٍ قدير.
وإلى هنا ينتهي الكلام على ما منَّ الله به من تفسير هذه الآيات الكريمة، أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من السابقين السابقين إلى الخيرات، إنه على كل شيءٍ قدير.(196/10)
الأسئلة(196/11)
أسباب الثبات على الدين
السؤال
يا فضيلة الشيخ! لقد كثرت الفتن في هذا الزمن، فما هي أهم أسباب الثبات على دين الله عز وجل؟
الجواب
أهم أسباب الثبات هو الإيمان بالله عز وجل، والرضا به، والقيام بطاعته بقدر الاستطاعة ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العوام أو العامة) مع أن هذا الوصف لم ينطبق علينا الآن والحمد لله، نعم هناك (شح مطاع) تكالب الناس على حب المال وطلبه (دنيا مؤثرة) كذلك موجود، فإن كثيراً من الناس يؤثر الدنيا على الآخرة (هوىً متبع) كذلك موجود، حتى بين العلماء تجد بعض العلماء لا يريد إلا أن ينصر رأيه وهواه، بغض النظر عن كونه الصواب أو الخطأ، (وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه) هذا أيضاً من البلاء: أن الإنسان إذا رأى رأياً وإن كان ليس عالماً، رأى رأياً في أمور الدنيا مثلاً وأعجب به ولا ينصاع إلى غيره ولو تبين أنه الحق فهنا عليك بخاصة نفسك، فعلى الإنسان أن يصير إلى الله عز وجل حسب ما جاء في القرآن والسنة، وحسب ما درج عليه السلف الصالح، ويتقي الله ما استطاع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله على بصيرة.(196/12)
حكم الصوم لمن تسبب في حادث قتل وكان المقتول هو المخطئ
السائل: عندي سؤال حول الصوم، صار عليَّ حادث توفي القبيلي وبعدما توفي القبيلي جاء المرور وقرر حادث الشيخ: ماذا قرر؟ السائل: القبيلي توفي، والمرور قرر حادث الخطأ على المتوفى (100%) ورحنا إلى الشيخ وقال بعض الناس: ما عليك صيام، وأنا صار في نفسي شك، لا أدري أصوم أم لا؟! الشيخ: ما سبب الحادث؟ السائل: كنت ذاهباً إلى جدة وهو قادم من الرياض، وعندما رأيت السيارة قد جاءت أمسكت (الفرامل) وكنت في جهة اليمين من الرصيف فطلعت عليَّ سيارة القبيلي وصار الحادث، وجاء المرور وقرر الحادث كما تقدم.
الشيخ: هل تعدى عليك؟ السائل: نعم تعدى عليَّ، أنا ماسك يمين وهو حاد يساراً.
الشيخ: معروف، هو يكون عن يسارك السائل: نعم على يساري وجاء نحوي وأنا ماسك (الفرامل) على اليمين، وبأمر الله توفي القبيلي؛ لكن بعض الناس قالوا: لا تصم -يا شيخ- وواحد قال: صم.
الشيخ: لا تصم ليس عليك شيء السائل: ما عليَّ شيء الشيخ: نعم، ما جاء منك خطأ.(196/13)
علاج الخوف من الانتكاسة والحور بعد الكور
السؤال
من الشبهات التي يقذفها الشيطان في قلوب بعض الشباب ممن يحبون أهل الخير ويريدون أن يمشوا معهم: أن هناك أناساً سلكوا هذا الطريق ثم انتكسوا عنه، فيخافون أن يحصل لهم ما حصل لهؤلاء، فما توجيهكم لمثل هذا الأمر؟
الجواب
توجيهنا أن هذا خطأ، وأن الإنسان يجب عليه أن يدين لله عز وجل ويلتزم بدين الله، ولا يتشاءم، وهؤلاء الذين انتكسوا والعياذ بالله لانتكاستهم أسباب، منها: أن الإيمان لم يرسخ في قلوبهم، ولو رسخ الإيمان في قلوبهم ما انتكسوا؛ لأن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لم يؤثر عليها شيء كما قال هرقل لـ أبي سفيان.
وهذا الذي يريد أن يلتزم يثبت على الإيمان ويدع عنه مصاحبة أهل الشر، ويبتعد عنهم، ويصحب أهل الخير، ويسأل الله الثبات.(196/14)
حكم تأخر بعض المأمومين عن الإمام وركوع الإمام قبل أن يكمل الفاتحة بعد التشهد الأول
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض المأمومين يتأخر عن الإمام فهل يكون الإمام آثماً إذا ركع قبل أن يكمل الفاتحة من بعد التشهد الأول؟ أي إذا كان هناك شخص، وركع الإمام قبل أن يكمل المأموم الفاتحة؛ لأنه تأخر في الدخول مع الإمام.
الجواب
أقول بارك الله فيك: على الإمام أن يلتزم بالسنة في إمامته، وإذا التزم السنة فمن أخطأ فعلى نفسه، ولكن لا يخرج عن السنة ابتغاء مرضاة الناس كما يوجد بعض الأئمة يخفف التخفيف المخالف للسنة من أجل إرضاء الناس أو بعضهم، ثم تزين له نفسه، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف) والمراد بالتخفيف هنا ما كان على نحو صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا قال أنس بن مالك: [ما صليت وراء إمامٍ قط أخف صلاةً ولا أتم صلاةً من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم] وعليه أن يراعي المأمومين، فمثلاً: إذا كان ما بعد التشهد الأول فالقراءة سرية، يقرأه الفاتحة آية آية، كما كان يقرأها وهو يجهر، فبعض الأئمة تجزم أنه فيما بعد التشهد الأول يقرأ الفاتحة بسرعة أكثر مما كان يقرأها في حال الجهرية، فالذي أرى أنه يقرأها مرتلة آية آية، أولاً: أن هذا هو السنة، والثاني: من أجل أن يتمكن من وراءه من قراءة الفاتحة.
فهذا الذي يتأخر فلينظر إذا كان يتأخر لعذر، كرجلٍ يشق عليه القيام، فهنا نقول: إذا قام يقرأ الفاتحة ويكملها ولو ركعة واحدة، بل ولو ركع ورفع، يكمل الفاتحة ثم يركع ثم يرفع، ويتابع الإمام، وأما إذا كان يتأخر عن الإمام تكاسلاً فهذا يأثم بسبب تكاسله.(196/15)
الفرق بين منافقي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ومنافقي هذا الزمان
السؤال
ما هو الفرق بين منافقي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ومنافقي هذا الزمان؟
الجواب
الفرق: أن المنافقين في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام منافقون في زمنه، والمنافقون في هذا الزمان منافقون في هذا الزمان، الزمان مختلف لا شك، والنفاق لا يختلف، النفاق هو النفاق في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهدنا هذا، فكل من آمن ظاهراً وراءى الناس في إيمانه، ولكن قلبه والعياذ بالله ممتلئ كفراً، فهذا منافق، ثم إن كان ذا سيادة في قومه ودعوة لنفاقه صار مثل عبد الله بن أبي بن سلول نسأل الله العافية.(196/16)
حكم صلاة وصيام النساء المتبرجات
السؤال
بالنسبة للنساء المتبرجات الغير متحجبات هل صحيح أنه لا تقبل صلاتهن ولا صيامهن؟
الجواب
النساء المتبرجات عاصيات، والعاصي يقبل صيامه وصلاته وصدقته، ولو عصى، وربما تكون صلاته وصدقته وصيامه سبباً لمغفرة ذنوبه؛ لأن الموازين يوم القيامة بالقسط، فقد ترجح الحسنات على السيئات، وحينئذٍ لا تضره السيئات؛ لأن من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وقد تتساوى الحسنات والسيئات فيكون الإنسان من أهل الأعراف، الذين يكونون في منزلة بين الجنة والنار، وفي النهاية يكونون من أهل الجنة، وقد تزيد السيئات فيكون مستحقاً للعقوبة في النار، ثم قد يعفو الله عنه وقد لا يعفو، وأما الذي يحبط العمل ولا ينفع معه العمل فهو الكفر والعياذ بالله، هذا هو الذي لا ينفع معه العمل، حتى لو تصدق الكافر وبنى المساجد والمدارس وطبع الكتب وأنفق على الفقراء وأهل العلم، فإنه لا يقبل منه.
فالمتبرجة عاصية من جملة العصاة يجب عليها أن تتوب إلى الله وتقلع عن التبرج، وأما صلاتها وصيامها وصدقتها فمقبولة إذا تمت الشروط.(196/17)
عقوبة من سب الذات الإلهية أو الرسول أو الصحابة أو استهزأ بالدين
السائل: بعض الدعاة يطالب أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف دينار، ولا تزيد عن عشرة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب علناً أو في أي مكان عام أو مكان يستطيع فيه سماع أو رؤية من كان في ذلك المكان بالقول أو في الكتابة أو الرسوم أو الصور أو غيرها من وسائل النشر والإعلام أو بأية وسيلة من وسائل التعبير الأخرى ما من شأنه المساس بالذات الإلهية، أو الأنبياء، أو الصحابة، أو الدين، أو بالتعرض بالطعن والسخرية والاستهزاء أو التجريح، كما يعاقب بالحبس مدةً لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تتجاوز ألف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب علناً أو في مكان عام أو بوسيلة من وسائل التعبير المشار إليها في الفقرة السابقة ما من شأنه الطعن في المذاهب الدينية أو الدعوة إلى الطائفية أو إثارة الفتنة أو مناهضة الوحدة الوطنية.
فضيلة الشيخ! هل لهؤلاء الدعاة وجهة نظر للمطالبة بهذه العقوبة الغير شرعية لمن يمس الذات الإلهية، يعني: فهم يقولون: إن هذا أخف الضررين.
أو الواجب يعني غير ذلك؟ ولما كان لفضيلتكم كلمة مسموعة عند هؤلاء أحببنا أن نسمع رأيكم.
الشيخ: أنا ما فهمت السؤال.
هؤلاء يطالبون بأن من سب الله عز وجل أو رسوله أو كتابه أو دينه ماذا يجب عليه؟ السائل: أن يحبس عشر سنوات ويغرم بثلاثة آلاف دينار، أو يعاقب بإحدى العقوبتين، يعني: لو أن واحداً سب الله عز وجل أو الدين فللقاضي أن يحكم عليه بغرامة ثلاثة ألف دينار تكون عقوبة له، فلا يعاقب بعقوبة أخف من هذه، فلذلك طالبوا بهذه العقوبات.
الشيخ: لكن من سب الله أو رسوله أو كتابه أو دينه فهو مرتد يجب أن يقتل، ويقتل على أنه كافر، فلا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإنما يخرج به إلى البرية ويحفر له حفرة يرمس فيها كما ترمس جيفة الشاة، وليس له سوى ذلك.
لكن اختلف العلماء فيما لو تاب، فقال بعضهم: لا تقبل توبته سواءً كان مرتداً أو كان كافراً أصلياً، وبعضهم يقول: إن كان كافراً أصلياً قبلنا توبته لقول الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] وهذا عام، وإن كان مرتداً لم تقبل توبته، بل يقتل على كل حال، وتوبته فيما بينه وبين ربه يوم القيامة.
وفصَّل بعضهم في هذا، فقال: أما من سب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيجب أن يقتل حتى لو تاب، حتى لو صار يثني على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كل مكان، فإننا نقتله، لكن إذا تحققنا من توبته عاملناه في أحكام الآخرة معاملة المسلم بمعنى: أننا نغسله ونكفنه ونصلي عليه وندفنه مع المسلمين، وإن لم تظهر توبته أنها صحيحة عاملناه معاملة المرتد.
أما من سب الله عز وجل فإنه إذا تاب وعلمنا توبته وأنه صادق فإننا نرفع عنه القتل ونحكم بأنه مسلم.
وهذا القول التفصيلي هو الصواب، لكن لو رأى ولي الأمر أن هذا الذي سب الله مع توبته أن يقتل لئلا يجرأ أحدٌ مثله فله ذلك، ويكون هنا قتله تعزيراً لا ردة.
السائل: هل ما تفضلت به هو الحكم الشرعي، يقال: لو طالبنا بالحكم لا يستجاب لنا، فهم يطالبون بهذه الأحكام يقول: بما أن ولاة الأمر لا يطبقون الحكم الذي تفضلت به فأقل الأحوال أن نطالب بهذا، وهو أن يغرم أو أن يحبس، أقصد هذه المطالبة هل هي شرعية أم لا؟ الشيخ: هذه المطالبة غلط، وليست بصحيحة، بل يجب علينا أن نطالب بالحكم الشرعي، ثم إن هدى الله الولاة إلى تطبيق هذا المطلوب وإلا بقي الحكم الشرعي ثابتاً؛ لأننا لو تنازلنا عن الحكم الشرعي إلى عقوبة أخف بقيت هذه العقوبة قانوناً شرعياً، ولم يلتفت إلى أنه يقتل مرتداً أو ما أشبه ذلك، فلا أرى التنازل أبداً في دين الله، كما لو قال مثلاً: أنا لو أمرت شخصاً أن يصلي الصلوات الخمس ما صلى أبداً، لكن لو قلت: صلِّ الظهر والعصر وأنت منها مستيقظ والعشاء والفجر لا تصلِّ، هل نقبل التنازل؟ لا نقبل.(196/18)
حكم أخذ أجرة العمل المنتدب إذا كان العمل قد ينتهي قبل الفترة المحددة للانتداب
السؤال
أنا موظف وتأتينا نحن الموظفون انتدابات خارج منطقة الرياض للإشراف على تركيبات أجهزة كمبيوتر، وتأتي انتدابات لمدة خمسة أيام أو ستة أيام محسوبة لنا، لكن لو اجتهدنا ممكن ننهيها في يومين، بما أنه لا نحتاج وجود موظفين ممكن حتى العصر أو في الليل، فهل يجوز أن آخذ مقابل الانتداب الزائد؟
الجواب
إذا كان -بارك الله فيك- الانتداب لعمل فمتى أنهيت العمل استحققت الانتداب ولو زادت المدة، كالمثال الذي ذكرت، انتدبتم لعمل ترتيب أشياء أو غيره لمدة خمسة أيام وأنهيتموها في يومين فلا حرج عليكم أن تأخذوا الجعل الذي جعل لكم لمدة خمسة أيام، أما إذا كان على زمن فهذا لابد أن تستغرق الزمن، كما لو انتدبتم لتعملوا خمسة أيام فلابد أن تعملوا خمسة أيام، أما إذا قيل: انتدبتم لعمل فكما قلت لك إن أنجزتموه في وقته المحدد أو قبله فلا حرج.(196/19)
حكم أخذ هدايا من البنوك بسبب وضع المال عندها
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض البنوك تعطي لمن يضع حسابه فيها للحفظ فقط لا للربا ولا لغيره هدايا فهل يجوز له استعمالها أم لا؟
الجواب
أنت تعلم -بارك الله فيك- أن وضع الدراهم عند البنوك ليس وديعة إنما هو قرض، وتسمية الناس له وديعة غلط؛ لأنك إذا أعطيت البنك الدراهم هل هو يحفظها في صورتها ويجعلها محفوظة عنده حتى تأتي، أو يدخلها في صندوق ويستعملها؟ يدخلها في صندوق ويستعملها، إذاً هو قرض، وإذا كان قرضاً فإنه لا يجوز للمقرض أن يأخذ ممن استقرض منه شيئاً، لا هدية ولا غيره، إلا إذا قبض ما أقرضه، فإنه لا بأس إذا أهداه بعد أن يستوفي منه، لا حرج عليه أن يقضي، وكذلك لو كانت البنوك تهدي لمن وضع المال فيها هدية عامة تهديها لكل أحد مثل: أن بعض البنوك تهدي تقاويم، فلا بأس أن يقبلها؛ لأن هذه التقاويم تهدى لمن أقرضهم المال ومن لم يقرضهم.(196/20)
حكم الشرب قائماً
السؤال
هل النهي عن الشرب الماء واقفاً للتحريم؟
الجواب
هو على أصل التحريم، ولكن يظهر من فعل الرسول عليه الصلاة والسلام أنه ليس للتحريم وإنما هو للكراهة، وهذه المسألة اختلف فيها الأصوليون إذا ورد فيها النهي مطلقاً هل هو للتحريم أو لا؟ وإذا ورد الأمر مطلقاً هل هو للإيجاب أو للاستحباب؟ وليس هناك ضابط بيّنٌ يحسم الموضوع، لكن الشيء الذي يجب علينا أن نسلكه: أننا إذا سمعنا أمر الله ورسوله ما نقول: هل هو للاستحباب واللزوم، ما نقول هذا؛ لأن الله يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] ولا عهِدنا أن الصحابة رضي الله عنهم إذا أمرهم الرسول بأمر أنهم يقولون: هل هذا مؤكد -يا رسول الله- للوجوب أو للاستحباب، كانوا يمتثلون على الفور، إلا إذا شكوا هل الرسول أمر به تعبداً أو أمر به مشورة؟ فهنا يسألون كما جرى لـ بريرة مع زوجها مغيث، فإن بريرة أَمَة مملوكة، عتقت والمملوكة إذا عتقت وزوجها مملوك خيرناها إن شاءت بقت معه وإن شاءت فسخت النكاح، خيّرها النبي صلى الله عليه وسلم هل تحب أن تبقى مع زوجها، أو تفسخ النكاح؟ فقالت: أفسخ النكاح، ففسخت النكاح لنفسها، وكان زوجها يحبها حباً شديداً حتى كان يجري وراءها في أسواق المدينة يبكي، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تعجبون من حب مغيث لـ بريرة وبغض بريرة لـ مغيث) هذا عجب!! إذ أن العادة أن القلوب شواهد تتبادل الحب والبغض، ثم أمرها أن ترجع إلى زوجها، قالت: (يا رسول الله! أأنت تشير عليَّ أم تأمرني؟ إن كنت تأمرني فسمعاً وطاعة، وإن كنت تشير عليَّ فلا رغبة لي فيه.
قال: بل أشير.
) أما إذا علمنا أنه أَمَرَ تعبداً فلا ينبغي أن نقول: هل الأمر للاستحباب أو للوجوب.
وكذلك يقال في النهي، صوَّر نفسك كأن الرسول أمامك عليه الصلاة والسلام، قال لك: لا تفعل.
هل يليق بك أن تقول: يا رسول الله! أنت جازم أو ما أنت جازم؟ لا يجوز، أو أمرك هل يليق لك أن تقول: يا رسول الله أنت جازم أو ما أنت جازم؟ ما يليق، افعل يا أخي، إن كان واجباً أثبت عليه ثواب الواجب، وإن كان مستحباً أثبت عليه ثواب المستحب، لكن إن تركت فأنت على خطأ، إنما لو تورط الإنسان ووقع في المخالفة فعل المنهي أو ترك المأمور حينئذٍ يسأل، يقول: هل الأمر للوجوب أو هل النهي للتحريم من أجل يحدث توبةً للمخالفة، أما في أول الأمر فقل: سمعنا وأطعنا ولا تتردد.(196/21)
مراتب القدر الأربعة والإيمان بها
السؤال
يا شيخ! معلوم أن مذهب أهل السنة والجماعة في القدر: الإيمان بمراتب القدر الأربع، ولكن في مقابلة إقناع الشخص الذي قد يحتج بالقدر أو ينقدح في ذهنه الاحتجاج بالقدر على المعصية، نقول له مثلاً: هل يصح أن نقول له: كل ما في الأمر أن الله سبحانه وتعالى علم هذا الأمر قبل وقوعه لتمام علمه، أو لابد أن نعدد المراتب، فنقول: الله سبحانه وتعالى علم ذلك وشاءه وخلقه وأوجده، فربما يقع في قلبه أنه مجبر على فعل هذه المعصية؟
الجواب
هذا يسير، نقول: هذا قدره الله عليك، لكن أنت حين مباشرتك إياه، هل تعلم أن الله قدره عليك؟ -نسأل- هل تعلم قبل أن تسرق أن الله قدر أن تسرق؟ إذاً لماذا تقدم على السرقة، أنت لا تعلم بأن الله كتب عليك السرقة إلا إذا سرقت، فيكون فعلك باختيارك، لكن بعد أن تفعل تعلم أن الله قدر عليك هذا، ولماذا لا تقدِّر أن الله قدر لك العفاف والغنى وتترك السرقة، لماذا لا تقدِّر هذا؟ أنت في خيار الآن لو وقع منه شيء فلا بأس أن يحتج بالقدر، لو وقع منه الشيء وندم وقال: والله مع الأسف! لكن هذا شيء مقدر، يعني: رجل شرب الخمر فقيل له في ذلك، قال: والله! إني أكره ما يكون عندي الخمر، لكن هذا شيء مقدر وقدر الله وما شاء فعل، وأنا تائب إلى الله، هذا لا بأس به؛ لأنه بتوبته اندفع عنه اللوم وارتفع عنه اللوم، واحتجاجه بالقدر لعموم مشيئة الله سبحانه وتعالى.
ومن ذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم طرق علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفاطمة رضي الله عنها ليلاً، فوجدهما نائمين فقال لهما: ألا تصليان؟ يعني: يلومهما أنهما لم يقوما للصلاة، فاحتج علي رضي الله عنه بالقدر وقال: إن أنفسنا بيد الله عز وجل، ولو شاء الله أن يوقظنا لأيقظنا فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:54] ) ولم ينكر عليه الاحتجاج بالقدر.
ومن ذلك أيضاً قول آدم لما احتج عليه موسى (أخرجتنا ونفسك من الجنة، قال: أتلومني على شيء كتبه الله عليَّ.
) ففرق بين إنسان يحتج بالقدر ليبرر موقفه من فعل المعصية ويستمر فيها، وإنسان احتج بالقدر مع توبته إلى الله عز وجل ورجوعه.
الثاني لا بأس به، ويدل على هذا حديث وهو: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل) ولهذا أنكر الله على الذين أشركوا وقالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام:148] مع أنه قال لنبيه: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام:107] لأن أولئك يحتجون بالقدر لدفع اللوم عنهم، وعذرهم في استمرارهم على الشرك، وأما قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام:107] فالمراد تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا يلحقهم الندم الشديد على شركهم؛ ليبين أن الله تعالى هو الذي شاء أن يشركوا.
السؤال: أي العبارتين أتم فنقول: كل ما في الأمر أن الله علم هذا الأمر؟ الشيخ: لا.
لا.
لأنك لو قلت هذا أنكرت أن يكون من مشيئة الله.
السائل: أحسنت، بارك الله فيك!(196/22)
حكم السلام والجلوس مع الشيعة بحكم العمل
السائل: أحسن الله إليك! أنا في عمل يكثر فيه الشيعة عندنا فهل يجوز السلام عليهم والجلوس معهم؟ الشيخ: أنا أرى أن نعاملهم كما يعاملوننا تماماً؛ لأنه ليس من العدل أن يعاملك شخص وتعامله بأسوأ مما يعاملك به، حتى إن أهل الكتاب وهم يهود أو نصارى إذا سلموا علينا وجب علينا أن نرد عليهم، حتى لو قال لك اليهودي أو النصراني: السلام عليك، قل: عليك السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أهل الكتاب إذا سلموا عليكم يقولون: السام عليكم، فقولوا: وعليكم) وهذا يقتضي أنهم إذا قالوا: السلام، نقول: عليكم السلام؛ لأنه لو فرضنا أنهم قالوا: السام بلفظ صريح، قلنا: وعليكم، ما معنى وعليكم؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نرد على أهل الكتاب بقولنا: وعليكم؛ لأنهم يقولون: السام عليكم، فقلنا: وعليكم.
انظر إلى أدب الإسلام الرفيع، فنحن لا نقول: وعليكم السام، نقول: وعليكم، حتى نكون أحسن منهم رداً؛ لأنه فرق بين أن يقول: وعليكم، وأن يقول: وعليكم السلام، الثاني أشرف.
السائل: نحن نسلم عليهم.
الشيخ: هل هم يبدءونكم أم لا؟ السائل: يبدءون.
الشيخ: قابلوهم بمثل ما يعاملوكم به، ثم اعلم -يا أخي- أن الشيعة ليس كلهم كفار، يختلفون اختلافاً عظيماً، فهم فرق كثيرة، راجع كتاب الملل والنحل تجد الفرق، ثم إن هناك عامياً بحتاً، لا يعرف الحق، ربما لو دعوته بأقل عبارة لاستجاب لك، أو على الأقل تشكك بما هو عليه من الباطل، ومع كثرة الممارسة يرجع إلى الحق -والحمد لله- الآن كثيرون، ومما سمعنا كثيرٌ منهم ترك هذا المذهب الباطل ورجع إلى الحق.(196/23)
حكم الهدايا التي تهديها البنوك
السائل: الهدايا التي تهديها البنوك كالتقاويم وتحمل اسم البنك، أليس في هذا دعاية لهم وإقرار؟ الشيخ: أنت لو أعطوك لا تودع عندهم شيئاً، هم يريدون أكثر، يمكن أكبر ما يريدون أن تكون دعاية لا إحساناً للغير، لكن دعه عندك أنت ولا تجعله دعاية، دعه مثلاً في غرفتك الخاصة حتى لا يغتر أحد ويقول: ما دمت أنت تشجع هؤلاء فالأمر في هذا سهل.
ما أرى في هذا شيئاً، لكن إن خفت أنت وهذا يرجع إلى كل إنسان بنفسه، إن خفت من هذا مثلاً يهون عليهم أمر البنوك فلا تقبلها.
السائل: أليس فيه إقرار لهم؟ الشيخ: لا.
ليس فيها إقرار.(196/24)
حكم الأفلام الكرتونية التي يقال: إنها إسلامية، أو أفلام الحيوانات بالنسبة للأطفال
السؤال
يا شيخ السلام عليكم، بالنسبة -يا شيخ- للأطفال، الذي عنده أبناء وجاء لهم بفيديو وأفلام كرتونية إسلامية أو يقال: إنها إسلامية أو أفلام الحيوانات أو تصوير الحيوانات وتعريفهم على الحيوانات، هل في ذلك شيء يا شيخ؟!
الجواب
أما مسألة الأفلام التي فيها الاطلاع على الحيوانات من طيور وسباع وغيرها أو على مخلوقات الله عز وجل في الكون، هذه لا بأس بها، وأما مسألة القصص البطولية وما أشبهها فلا أراها، وأضرب لهذا مثلاً: يوجد قصة لـ محمد الفاتح، هذه القصة إذا سمعها الطفل وشاهدها انقدح في ذهنه أن بطل الأبطال في الإسلام هو محمد الفاتح، وهذا غلط، هذا له محذور بعيد لا يدركه من ألف هذا الفيلم، ومعلوم أن محمد الفاتح عليه ما عليه ونسأل الله له العفو، لكن لا ينبغي أننا نلقن صبياننا منذ نعومة أظفارهم بأن هذا الرجل هو بطل الإسلام، لذلك المحذور.
كذلك أيضاً يوجد أفلام في تصوير أصحاب الأخدود، من قال: إن أصحاب الأخدود على هذا الشكل؟ لا نعلم، والخلق يتضاعف منذ أن خلق آدم إلى هذه الأمة، بمعنى: يتناقص، فقد كان آدم طوله ستون ذراعاً وما زال الخلق ينقص إلى هذه الأمة، ومن الذي أعلمنا أن أصحاب الأخدود كانوا على هذا الشكل، فهذا كذب، ثم من يعلم أن عددهم كما يشاهد، قد يكون آلافاً مؤلفة، أو أقل من هذا المشاهد، فمثل هذه الأشياء ينبغي للإنسان أن يتفطن لغور المسألة، وما هي النتيجة الاقتصادية.(196/25)
نظرة في حديث: (إذا جلس الرجل بين شعب زوجته ثم جهدها)
السؤال
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس الرجل بين شعب زوجته ثم جهدها) في الحديث وجب الغسل حتى لو لم يولج فيها.
الجواب
لا يمكن هذا يا رجل! إلا إذا جَاَمَع، الظاهر إنك ما تزوجت أنت.
السائل: سمعته من أحد طلاب العلم وقال هذا وكان يقول: لا غسل إلا إذا أولج فيها.
الشيخ: لا، لابد منه، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يكني عن الشيء الذي يستحيا من ذكره بما يدل عليه.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك ونتوب إليك.(196/26)
لقاء الباب المفتوح [197]
إن مرتبة الحج في الدين الإسلامي عظيمة، فهو أحد أركان الإسلام، وقد أوجبه الله تعالى على عباده في كتابه، وبين النبي عليه الصلاة والسلام منزلته في الدين، وفرضية الحج جاءت في الكتاب والسنة، أما شروطه التي يجب أن تتوفر في الحاج، فهي: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة البدنية والمالية.(197/1)
مرتبة الحج في الدين الإسلامي وبعض أحكامه
الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والتسعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثاني من شهر ذي القعدة عام (1419هـ) .
وبما أننا قرب وقت الحج فإني أرى أن نجعل اللقاءات الثلاثة هذه في الحج، وما يتعلق به؛ لأن أحكام الحج تخفى على كثيرٍ من الناس، حتى على طلبة العلم، فمنهم من يغلو فيها، ومنهم من يخفف، ومنهم المتوسط.
في هذا اللقاء نتحدث عن مرتبة الحج في الدين الإسلامي، وعن فرضيته، وعن شروط فرضيته.
فأما الأول فنقول: إن مرتبة الحج في الدين الإسلامي أنه أحد أركان الإسلام، أوجبه الله تعالى على عباده في كتابه، وبيَّن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منزلته في الدين، فقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام) وفيهم أناس يعبدون الحجر، وأناس يعبدون الشجر، وأناس يعبدون التمر، حتى ذكروا أنهم في الجاهلية يصنعون عجوة -أي: عبيطة- من التمر على شكل تمثال، ثم يعبدونها، وإذا جاعوا أكلوها، سبحان الله! معبود يؤكل، تباً لهذا المعبود.
إذاً هذه الآلهة هل هي حق أم باطل؟ باطل؛ لقول الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج:62] فما معنى: لا إله إلا الله إذاً؟ لا معبود حقٌ إلا الله، و (أن محمداً رسول الله) محمد هو بن عبد الله الهاشمي القرشي خاتم النبيين، (رسول الله) أي: أرسله إلى الناس كافة، بل إلى الإنس والجن.
مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله: الإخلاص، أن تخلص العبادة لله، لا ترائي ولا تسمع، ولا تشرك مع الله أحداً فيها، ومقتضى شهادة أن محمداً رسول الله: أن تصدقه فيما أخبر، وتمتثل أمره فيما أمر، وتجتنب نهيه فيما نهى عنه وزجر، وتتعبد إلى الله بشريعته، لا تبتدع فيها ما ليس منها، ولذلك صارت شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ركناً واحداً؛ لأن كل عبادة لا بد فيها من إخلاصٍ ومتابعة.
(وتقيم الصلاة) أي: تأتي بها قائماً مستقيماً بشروطها وأركانها وواجباتها، وأكملها بمكملاتها، ومن شروط الصلاة: الطهارة من الأحداث والأنجاس شرط من الشروط، واستقبال القبلة شرط من الشروط، وتكبيرة الإحرام ركن من الأركان، والتشهد الأول واجب من واجباتها، وتكرار التسبيح ثلاث مرات سنة.
إذاً تقيم الصلاة: تأتي بشروطها وأركانها وواجباتها وتكملها بمكملاتها.
(وتؤتي الزكاة) أي: تعطي الزكاة الواجبة بالمال لمستحقيها -لمن يستحقها من الناس- وهذا لا نتكلم عليه؛ لأنه يحتاج إلى وقت طويل، ويأتي إن شاء الله في وقته.
(وتصوم رمضان) أي: تمسك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس تعبداً لله تبارك وتعالى.
(وتحج البيت) هذا هو الشاهد.
إذاً مرتبة الحج من دين الإسلام أنه ركنٌ من أركان الإسلام.(197/2)
فرضية الحج
أما فرضية الحج فقد جاءت في الكتاب والسنة وإجماع المسلمين إجماعاً قطعياً ضرورياً.
ففي الكتاب: قال الله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] والمراد بالكتاب: القرآن.
وفي السنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب عليكم الحج، فقام رجل وقال: يا رسول الله! أفي كل عام؟ قال: لو قلت: نعم.
لوجبت ولما استطعتم، الحج مرة فما زاد فهو تطوع) .
أما الإجماع: فإن المسلمين أجمعوا كلهم على فرضية الحج.(197/3)
شروط وجوب الحج
أما شروط الوجوب: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة.
الإسلام: ضده الكفر، فالكافر لا يجب عليه الحج، نقول: أولاً تشهد وأسلم، ثم نقول: يجب عليك الحج.
العقل: ضده الجنون، فلو فرض أن إنساناً -نسأل الله العافية- منذ صغره وهو مجنون، ومات فليس عليه حج؛ لأن جميع العبادات تسقط عن المجنون إلا واحدة فقط وهي الزكاة فإنها تجب في مال المجنون؛ لأن الزكاة محلها المال وليس الذمة، وهذه قاعدة مفيدة لطالب العلم.
الثالث: البلوغ، فالصغير لا يجب عليه الحج حتى لو أحرم، فمثلاً: إنسان معه غلامٌ له عشر سنوات، أحرم ثم تضايق من الإحرام وخلعه يجوز أم لا يجوز؟ يجوز؛ لأنه غير مكلف، فالصغير لا يجب عليه الحج، لا ابتداءً ولا استمراراً، فبماذا يحصل البلوغ؟ البلوغ يحصل بواحد من أمورٍ ثلاثة بالنسبة للذكور، وواحد من أمورٍ أربعة بالنسبة للنساء: الأول: تمام خمسة عشر سنة، وعلى هذا قد يكون الرجل بالغاً في آخر النهار، غير بالغ في أول النهار؟ فمثلاً: إذا قدرنا أن ولادته في الساعة الثانية عشرة في اليوم الثاني من ذي القعدة في هذا اليوم يتم له خمسة عشر سنة، أول النهار قبل الساعة الثانية عشرة بالغ أم غير بالغ؟ غير بالغ، وآخر النهار بالغ، هذه واحدة.
ثانياً: نبات العانة، أي: الشعر الخشن الذي حول القبل، من ذكر أو أنثى.
ثالثاً: إنزال المني بشهوة، يقظةً كان أو مناماً.
هذه ثلاث علامات للبلوغ بالنسبة للذكور والإناث، بقي أمر رابع للمرأة فقط وهو الحيض، فمتى حاضت المرأة ولو كان لها عشر سنوات فهي بالغ.
الشرط الرابع: الحرية، وضدها العبودية، العبد لا يجب عليه أن يحج؛ لأنه لا يستطيع، فإن العبد ماله لسيده حتى لو كان عنده مليون ريال، فماله لسيده، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من باع عبداً وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع) قال: (للذي باعه) ولم يقل: ماله له، إنما للذي باعه وهو سيده.
الخامس: الاستطاعة.
وهي: أن يتمكن من الحج بدنياً ومالياً، الفقير ليس عليه حج، ما دام يحتاج إلى مال فليس عليه حج، أما إذا كان لا يحتاج إلى مال كما لو قدرنا أنه من أهل مكة وهو فقير لكن يستطيع أن يمشي إلى عرفة، فهنا لا نشترط أن يكون عنده مال، لماذا؟ لأنه قادر، لا يحتاج إلى مال.
البدنية: أن يكون قادراً ببدنه على أداء النسك، فإن كان عاجزاً، فقال العلماء رحمهم الله: إن كان عجزه مستمراً وعنده مال وَكَّلَ من يحج عنه، كالشيخ الكبير، وكالمريض بمرضٍ لا يرجى برؤه، فهذا لا يجب عليه الحج بنفسه، لكن إذا كان عنده مال أن يوكل من يحج عنه، وإن كان عاجزاً عجزاً طارئاً يرجى أن يزول، كإنسان مريض بكسر والكسر يجبر، مثلاً: أصيب بكسرٍ في أول شهر ذي الحجة ولا يستطيع، فهل الكسر يرجى أن يبرأ أم لا؟ يرجى أن يبرأ، نقول: هذه السنة لا تخرج، حج من العام القادم إذا كان لديك مال، ولا يوكل أحداً؛ لأن التوكيل إنما يكون عند العجز المستمر، أما العجز الطارئ الذي يمكن أن يزول فهنا ينتظر حتى يزول عجزه.
إذا كان الإنسان عنده مال وعليه دَّين، مثلاً: عنده عشرة آلاف وعليه دين عشرة آلاف، هل يلزمه الحج؟
الجواب
لا يلزمه؛ لأن وفاء الدَّين واجب، فيجب عليه أن يوفي الدَّين أولاً، ثم يحج بعد وفاء الدَّين إن بقي عنده مال، فإذا قال: إن عليه ديناً يحل بعد سنة، وعنده مال يمكن أن يحج به هذه السنة، فهل يلزمه؟ نقول: إذا كان يرجو أنه يجد وفاءً عند تمام السنة فليحج، وإن كان لا يرجو فلا يحج، الذي يرجو مثلاً: إنسان موظف في الوقت الحاضر ليس عنده ما يوفيه، لكن إذا مرت السنة أمكنه أن يوفي، نقول: حج، ومن ذلك الذين عندهم أقساط لبنك التنمية العقاري، عنده الآن مال يوفي القسط، لكن القسط لم يحل بعد، وفي أمله أنه إذا حل القسط يوفي، فهل يحج أم لا؟ يحج، لا مانع الآن، هذه شروط وجوب الحج.
ومن نعمة الله عز وجل أن جعل للعبادات شروطاً لينضبط الناس، ويعرف من تجب عليه العبادة ومن لا تجب، ولو لم تكن هذه الشروط لكانت المسألة فوضى، كلٌ يقول: الحج واجب عليَّ، وكلٌ يقول: الحج ليس بواجب، فهذه الشروط التي وضعها الله ورسوله في العبادة لا شك أنها مقتضى الحكمة؛ لأنها تضبط الناس ويتبين من تجب عليه العبادة ومن لا تجب، ويكون الناس على بصيرة في دينهم، وإذا أراد الحج فليختر الصحبة التي لديها علم ودين، أما العلم؛ فلئلا يقع في مخالفة وهو لا يعلم، وأما الدين؛ فلئلا يحصل التهاون في بعض مناسك الحج فاختر أن يكون صاحبك في سفر الحج من ذوي العلم والدين، ولأن الإنسان إذا اختار صحبة ذات علمٍ ودين فإنه يكتسب منهم علماً وديناً، وكم من إنسان اكتسب بصحبة شخصٍ في سفر خيراً كثيراً أو شراً كثيراً، وليكن مع أصحابه حسن الخلق، يكون بشوشاً سهلاً ليناً خدوماً نشيطاً في العمل يخدم أصحابه في سقي الماء وطبخ الطعام وغير ذلك؛ لأن هذا من محاسن الأخلاق، ويقال: إنما سمي السفر سفراً؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، يسفر أي: يبين ويظهر أخلاق الرجال.
واحرص على أن يكون معك مالٌ زائد عن الحاجة؛ لأنه ربما تطرأ أمور ليست على بالك، فإذا كان معك مال أمكنك أن تسدد هذه الحاجة من الدراهم التي معك، وكفاك أن تقول: يا فلان أقرضني، يا فلان تصدق عليَّ، أكثر من النفقة ما استطعت ما دمت واجداً، وربما تكون الحاجة لغيرك من الصحبة، يحتاج إلى شيء فتعينه أو تقرضه، فحمل زيادة النفقة من الأمور المطلوبة.
واحرص على أداء الصلاة مع الجماعة، لا تقل: إني مسافر، فالمسافر تجب عليه الصلاة مع الجماعة كما تجب على المقيم، ألم ترو أن الله تعالى أنزل على عبده قوله: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء:102] فأوجب الله صلاة الجماعة حتى في الخوف؛ لأن الجماعة فرض واجب حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إن الجماعة شرط لصحة الصلاة، فمن صلى منفرداً مع قدرته على الجماعة فلا صلاة له، ولكن الصحيح: أنه له صلاة إلا أنها ناقصة جداً.
واحرص على أن تؤدي النسك على الوجه المطلوب كما سيأتي إن شاء الله بيانه في اللقاءات القادمة.
أسأل الله أن يمن علينا وعليكم بالعلم النافع والعمل الصالح.
ومن الاستطاعة: أن يكون للمرأة محرم، فلا تحج المرأة بدون محرم، حتى لو بقيت سنوات، وإذا لقيت ربها وهي لم تحج لعدم وجود المحرم فلن يؤاخذها الله عز وجل ولن يعذبها؛ لأن الحج لم يجب عليها حيث إنها لا تستطيع أن تحج لعدم وجود المحرم، ولذلك بلغوا النساء اللاتي ليس لهن محارم وتضيق صدورهن إذا لم يحججن، بلغوهن بل بشروهن بأنه لا حرج عليهن، وأن الحج لا يجب عليهن كما لا تجب الزكاة على الفقير، وبشروهن بالخير، وقولوا لهن: ما دمتن لا تجدن المحرم فلا حج عليكن، وإذا وجدتن المحرم وتمت الشروط فأدين الحج.
وإلى هنا انتهى هذا الكلام، نسأل الله أن ينفع به.(197/4)